طبقات المفسرين للداوودي

الداوودي، شمس الدين

مقدمة الناشر

- أ - مقدّمة النّاشر بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أكرمنا بكتابه المنزل، وشرفنا بنبيه المرسل، نحمده على ما أولانا من منه، وخصنا به من جزيل نعمه. وصلى الله على سيدنا محمد نبي الرحمة، ومبلغ الحكمة، وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد: فقد حظيت كتب الطبقات خلال العصور السابقة باهتمام كبير، نظرا لأهمية هذا النوع من الدراسة، والتي تلقي الأضواء على ترجمة مشاهير العلماء والباحثين والأدباء والمفسرين ووضعهم في إطار يتضمن كافة البارعين، والذين يسرّ الله لهم خدمة دينهم، وإنارة الطريق أمام مجتمعهم ... وقد صنفت كتب كثيرة، في تاريخ البلدان، وتراجم من نشأ فيها، واستوطن بها، من الصحابة والتابعين. كما صنفت الأسفار الحاوية على تراجم حفاظ الحديث ورواته، من عدول، وضعفاء، ومدلسين ووضاعين ... ونجد ذلك عند البخاري وغيره ... أما علم التفسير فهو مفتاح الكنوز والذخائر التي احتواها القرآن الكريم، لاصلاح البشر، وإنقاذ الأمم، وإعلاء كلمة الله في الأرض. والمفسرون هم رواد هذا العلم ورجاله الذين يعوّل عليهم في تبيان الحق ونشره بين الناس. فقد كان الاهتمام بتراجم رجاله، وتصنيف طبقاته، مبثوثا في ثنايا كتب الأدب والتاريخ، وكتب الطبقات الأخرى، إلى أن قيض الله لهذا الأمر الحافظ جلال الدين السيوطي- عبد الرحمن بن أبي بكر- الإمام الحافظ، المؤرخ، الأديب، الذي بلغت مصنفاته [600] مصنف، توجّها بكتابه

- ب - (طبقات المفسرين) وقد بذل جهده أن يكون جامعا، يحدثنا عن المفسرين، والصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين. كما أورد فيه المفسرين المعتزلة، والشيعة ... ولكن هذا الكتاب لم يكتب له التمام ... حيث بلغ عدد التراجم فيه 136 ترجمة فقط. وهي لا تفي بحاجة العالم أو الباحث في هذا الموضوع الهام. كما صنف في هذا الموضوع أيضا العلامة أحمد بن محمد الأدنه وي، حيث ذكر في مصنفه تراجم المفسرين وبعض أخبارهم، وأسماء مؤلفاتهم- ورتبهم طبقات- كل طبقة مائة سنة، بادئا بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى من كانت وفاتهم بعد المائة العاشرة ... وتوجد منه نسخة في دار الكتب المصرية في 63 ورقة برقم/ 1859/. غير أن هذا المؤلف غير كاف أيضا ولا يفي بحاجة الباحث. وأخيرا جاء العلامة الداوديّ وهو محمد بن أحمد،- شمس الدين- الداوديّ المالكي، شيخ أهل الحديث في عصره- مصري- من تلاميذ جلال الدين السيوطي. توفي بالقاهرة سنة (945 هـ- 1538 م) وله كتب كثيرة منها: ذيل طبقات الشافعية للسبكي. ترجمة الحافظ السيوطي- في مجلد ضخم. الاتحاف بتمييز ما اتبع فيه البيضاوي صاحب الكشاف. وبين أيدينا الآن كتابه النفيس: - طبقات المفسرين- جمع فيه بإسهاب تراجم أعلام المفسرين حتى أوائل القرن العاشر للهجرة، من كافة المصادر والمراجع التي توفرت لديه، ورتب كتابه هذا على حروف المعجم. وقد اعتمد المؤلف في هذا الكتاب على مصادر كثيرة منها: «الطبقات الكبرى» لابن السبكي. و «طبقات المالكية» لابن فرحون.

و «طبقات الحنفية» للقرشي. و «طبقات ابن قاضي شهبة». و «طبقات الحنابلة» لأبي يعلى، ولابن رجب. و «طبقات القراء للذهبي» و «الصلة» لابن بشكوال. و «طبقات الحفاظ» للذهبي. و «طبقات الحفاظ» للإمام جلال الدين السيوطي و «معجم» الشيخ برهان الدين البقاعي ... وغيرها من كتب التراجم والطبقات. هذا وتوجد نسخة مخطوطة- بخط المؤلف- سنة 941 هـ وتحوي على [193] ورقة فيها من: «عمر» إلى آخر الكتاب، موجودة في مكتبة أسعد أفندي، ومحفوظة في معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية برقم [325]. وطبقات المفسرين هذا منقول بالنص عن الكتب التي ورد ذكرها آنفا، والتي استعان بها المؤلف في تصنيف الكتاب. ولقد بذلنا جهدنا في تقديم هذا المصنف بشكل ييسر للقاري الكريم دراسته والانتفاع منه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين الناشر

طبقات المفسّرين تصنيف الحافظ شمس الدّين محمّد بن علي بن أحمد الدّاودي المتوفي سنة 945 هـ راجع النسخة وضبط أعلامها لجنة من العلماء بإشراف الناشر الجزء الأوّل دار الكتب العلمية بيروت- لبنان

حرف الألف

بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي حرف الألف من اسمه أبان 1 - أبان بن تغلب (¬1): بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام من أهل الكوفة، سمع فضيل ابن عمرو الفقيميّ، والأعمش، والحكم بن عتيبة. روى عنه: شعبة، وإدريس الأودي، وسفيان بن عيينة، مات سنة إحدى وأربعين ومائة، وفيه تشيع مع ثقة. صنف كتاب «معاني القرآن» لطيف، «القراءات» روى له: مسلم والأربعة. من اسمه إبراهيم 2 - إبراهيم بن أحمد بن علي بن أسلم أبو إسحاق الجبنيانيّ البكري المالكيّ (¬2). ¬

_ (¬1) له ترجمة في خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 12، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 4، الفهرست للطوسي 5، الفهرست لابن النديم 220، مرآة الجنان لليافعي 1/ 293، معجم الأدباء للحموي 1/ 34، معجم المصنفين 3/ 24، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 5. (¬2) له ترجمة في: ترتيب المدارك للقاضي عياض 4/ 497، الديباج المذهب لابن فرحون 86.

من بكر بن وائل، أحد أئمة المسلمين، وأبدال أولياء الله تعالى الصالحين وقد جمع الفقيه أبو القاسم اللّبيديّ (¬1)، وأبو بكر المالكيّ من أخباره وسيره كثيرا، وكان سلفه من أهل الخطط بالقيروان، وكان من أعلم الناس باختلاف العلماء، عالما بعبارة الرؤيا، ويعرف حظا من اللغة والعربية، حسن القراءة للقرآن يحسن تفسيره، وإعرابه، وناسخه ومنسوخه، لم يترك حظه من دراسة العلم بالليل إلا عند ضعفه قبل موته بقليل، وكان لا يفتي إلا أن يسمع أحدا يتكلم بما لا يجوز فيرد عليه، أو يرى من يخطئ في صلاته، فيرد عليه، وكان أبو الحسن القابسي (¬2) يقول: الجبنيانيّ إمام يقتدى به، وكان أبو محمد بن أبي زيد يعظم شأنه ويقول: طريق أبي إسحاق خالية لا يسلكها أحد في الوقت، وكان أبو إسحاق قلما (¬3) يتغير على أحد فيفلح، وكان إذا رئي ذكر الله تعالى من هيبته. قد جف جلده على عظمه، واسود لونه، كثير الصمت، قليل الكلام، فإذا تكلم نطق بالحكمة وكان قلما يترك ثلاث كلمات جامعة للخير، وهي: اتّبع ولا تبتدع، اتضع لا ترتفع، من ورع لم يقع، وكان له من الولد سبعة كلهم خير. توفي رحمه الله سنة تسع وستين وثلاثمائة (¬4)، وسنه تسعون سنة، وما وجد له من الدنيا قليل ولا كثير غير أمداد شعير في قلة مكسورة. ¬

_ (¬1) في الأصل «البيكندي»، والصواب في اللباب 3/ 66، والديباج المذهب 86، وهو: عبد الرحمن أبو القاسم بن محمد الحضرمي المعروف باللبيدي، ولبيدة من قرى الساحل. من مشاهير علماء إفريقية ومؤلفيها. سمع الشيخ أبا إسحاق الجبنياني وانتفع به وألف أخباره وفضائله. توفي بالقيروان سنة 440 هـ (الديباج المذهب 152). (¬2) بفتح القاف وسكون الألف وكسر الباء بعدها سين مهملة. نسبة الى: قابس، مدينة بإفريقية (اللباب 2/ 234). (¬3) في الأصل: «كالا» والصواب في: ترتيب المدارك للقاضي عياض، والديباج المذهب. (¬4) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في الديباج المذهب لابن فرحون، وفي ترتيب المدارك، أن وفاته سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. وفيه أنه دفن بشرق جبنيانة.

3 - إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو طاهر السّلماسي الواعظ (¬1). كان علامة في علم الأدب، والتفسير، والحديث، ومعرفة الأسانيد والمتون وأوحد عصره في علم الوعظ والتذكير، أدرك جماعة من الأئمة، وكان من الورع والصدق بمكان. روى عن أبي القاسم بن عليّك النّيسابوريّ، وعنه هبة الله بن السّقطيّ. ولد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. ومات بخويّ (¬2) سنة ست وتسعين وأربعمائة، وسلماس بفتحات، مدينة بأذربيجان. 4 - إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي بن محمد عبد الكريم الرّقيّ، الحنبلي الزاهد العالم، القدوة الربانيّ أبو إسحاق (¬3). ولد سنة سبع وأربعين وستمائة- تقريبا- بالرّقة وقرأ ببغداد بالروايات العشر على يوسف بن جامع القفصي (¬4) وسمع بها الحديث بعد الستين من الشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش، وصحبه. قال الشيخ الذهبي: وعني بتفسير القرآن، وبالفقه، وتقدم في علم الطب وشارك في علوم الإسلام، وبلغ في التذكير، وله المواعظ المحركة إلى الله، والنظم العذب، والعناية بالآثار النبوية، والتصانيف النافعة، وحسن التربية مع الزهد والقناعة باليسير في المطعم والملبس. وقال أيضا: كان إماما زاهدا، عارفا قدوة أهل زمانه. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 3، طبقات المفسرين للأدنةوي، ميكروفيلم بدار الكتب المصرية رقم 3496، ورقة 37 أ. (¬2) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو ثم ياء مشددة، بلد مشهور من أعمال أذربيجان (معجم البلدان لياقوت 2/ 502). (¬3) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 29، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 15، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 349. (¬4) بضم القاف وسكون الفاء بعدها صاد مهملة، نسبة إلى القفص وهي: قرية على دجلة فوق بغداد بقريب (اللباب 2/ 276).

له التصانيف الكثيرة في الوعظ والطريق إلى الله تعالى، والآثار والخطب. وله النظم الرائق، يستحق أن تطوى إلى لقيه مراحل. وكان كلمة إجماع. وربما حضر السماع وتواجد، وله اعتقاد في سليمان الكلاب- يعني رجلا كان يخالط الكلاب، ولا يصلي- وله يد طولى في علوم كثيرة، ولقد كتب شيخنا كمال الدين- يعني ابن الزملكاني- في شأنه وبالغ، وأحسن ترجمته. وقال البرزالي: كان رجلا صالحا، عالما، كثير الخير، قاصدا للنفع، كبير القدر، زاهدا في الدنيا، صابرا على مرّ العيش، عظيم السكون، ملازما للخشوع والانقطاع، قائما بعياله، وكان عارفا بالتفسير والحديث والفقه والأصلين، وغير ذلك. ورزقه الله حسن العبارة، وسرعة الجواب. وله خطب حسنة، وأشعار في الزهد، ومواعظ ومجموعات. قال الحافظ زين الدين بن رجب في طبقات الحنابلة: صنف كثيرا في الرقائق والمواعظ. واختصر جملة من كتب الزهد، وصنف «تفسيرا للقرآن»، ولا أعلم هل أكمله أم لا. وسمع منه البرزاليّ، والذهبي، وغيرهما. وكان يسكن بأهله في أسفل المأذنة الشرقية بالجامع. وهناك: توفي ليلة الجمعة خامس عشر محرم سنة ثلاث وسبعمائة. وصلي عليه عقب الجمعة بالجامع، وحمل على الأعناق والرءوس إلى سفح قاسيون، فدفن بتربة الشيخ [أبي (¬1)] عمر. وتأسف المسلمون عليه رحمه الله تعالى. ¬

_ (¬1) تكملة عن: والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب.

5 - إبراهيم بن إسحاق الحربيّ (¬1). إمام فاضل، له تصانيف كثيرة، منها «غريب الحديث» و «ناسخ القرآن ومنسوخه»، وغيرهما. ولد سنة ثمان وتسعين ومائة، وتوفي في ذي الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين (¬2). 6 - إبراهيم بن إسحاق أبي زرد، أبو إسحاق الطّليطلي (¬3). كان فاضلا خيرا عابدا حافظا للتفسير، رحل إلى المشرق وسمع بها. وشهد جنازة النّسائيّ العابد بالقيروان، وحدث. توفي سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة. 7 - إبراهيم بن إسحاق النّيسابوريّ الأنماطيّ الحافظ (¬4). مصنّف «التفسير الكبير»، من كبار الرحالة، سمع إسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة، وعبد الله بن الرّمّاح، ومحمد بن حميد الرازي ولوينا، وهارون الحمّال، وطبقتهم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: أنباه الرواة للقفطي 1/ 155، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 6/ 27، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 584، صفوة الصفوة لابن الجوزي 2/ 228، طبقات الحنابلة 1/ 86، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 256، العبر 2/ 74، الفهرست لابن النديم 231، فوات الوفيات لابن شاكر 1/ 5، مرآة الجنان لليافعي 2/ 209، معجم الأدباء لياقوت 1/ 37، المنتظم 6/ 3، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 116، نزهة الباء 313. والحربي نسبة الى الحربية، محلة بغربي بغداد. (¬2) في الأصل: ولد سنة 298، وتوفي سنة 385، خطأ، والصواب في: مصادر الترجمة. (¬3) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 1/ 87، المقفى، ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ. ورقة 19 ب. (¬4) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 701، العبر للذهبي 2/ 125.

حدث عنه ابن الشّرقيّ (¬1)، وأبو عبد الله بن الأخرم، ويحيى بن محمد العنبري وآخرون، توفي سنة ثلاث وثلاثمائة. 8 - إبراهيم بن حسين بن خالد أبو إسحاق القرطبي (¬2). وهو ابن عم عبد الله بن مرتيل يكنى أبا إسحاق، كان خيرا فقيها عالما بالتفسير، رحل إلى المشرق، ولقي علي بن معبد، وعبد الملك بن هشام صاحب الشواهد، ومطرف بن عبد الله، صاحب مالك بن أنس، ولقي سحنونا وروى عنه، وألف «تفسيرا للقرآن» وولي الشرطة للأمير محمد بن عبد الرحمن بالأندلس، وكان فهما ذكيّا بصيرا بطريق الحجة، كان يناظر يحيى بن مزين ويحيى بن يحيى، وكان صلبا في حكمه عدلا، ناظر سحنونا في الشاة إذا بقر السبع بطنها أنها تذكى وتؤكل وإن لم ترج لها حياة، وحاجّه في ذلك فظهر عليه، وأعجب ابن لبابة ذلك، وحكى أنه مذهب إسماعيل القاضي، واجتمع مرة في جنازة هو ويحيى فسأل يحيى عن النكاح بالأجرة، فقال: لا يجوز فقال له إبراهيم: فقد «جاء» (¬3) في القرآن عن نبيين كريمين موسى وشعيب، إجازة ذلك. فقال يحيى قال الله تعالى: (لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا (¬4)) فقال إبراهيم: هذا إذا شرع لنا في ¬

_ (¬1) في الأصل «ابن السرفي» تحريف، صوابه في: تذكرة الحفاظ والباب. وهو: أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن بن الشرقي النيسابوري الحافظ، تلميذ مسلم ابن الحجاج، ولد سنة 240 هـ، وتوفي سنة 125 هـ. (تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 821). والشرقي: بفتح الشين المعجمة وسكون الراء وفي آخرها قاف، نسبة الى الجانب الشرقي من نيسابور (الباب لابن الأثير). (¬2) له ترجمة في: ترتيب المدارك للقاضي عياض 3/ 136، وبغية الملتمس للضبي 201 وجذوة المقتبس للحميدي 145، الديباج المذهب لابن فرحون 84، معجم المصنفين لكحالة 3/ 110، المقفى ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ ورقة 29 أ. (¬3) تكملة عن: المقفى. (¬4) سورة المائدة: 48.

القرآن شرع آخر، وأما ما ذكر في القرآن ولم يشرع لنا خلافة، فقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقتدي بهدي من ذكر من الأنبياء، فكيف وقد وجاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم موافقة موسى وشعيب، فسكت يحيى ولزمته الحجة. وحكى إبراهيم عن مطرف بن عبد الله ليس في الكرسفّة زكاة، وكان يذهب إلى النظر وترك التقليد. توفي في شهر رمضان سنة تسع وأربعين ومائتين. 9 - إبراهيم بن خالد أبو ثور ................ ............ (¬1) له «كتاب أحكام القرآن» ................ ................ .... (¬2) 10 - إبراهيم بن السّريّ بن سهل أبو إسحاق الزّجاج (¬3). قال الخطيب: كان من أهل الفضل والدّين، حسن الاعتقاد، جميل المذهب. كان يخرط الزّجاج، ثم مال إلى النّحو، فلزم المبرّد، وكان يعلّم بالأجرة، قال: فقال ما صنعتك؟ قلت: أخرط الزّجاج، وكسبي كلّ يوم درهم [ونصف، وأريد أن تبالغ في تعليمي، وأنا أعطيك كل يوم ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، وذكره ابن النديم تحت عنوان الكتب المؤلفة في أحكام القرآن ولم يزد على ذلك. وأبو ثور، هو: إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه أحد الأعلام تفقه بالشافعي. وسمع من ابن عيينة وغيره، وبرع في العلم ولم يقلد أحدا توفي سنة 240 هـ (العبر للذهبي 1/ 431). (¬2) بياض في الأصل، وذكره ابن النديم تحت عنوان الكتب المؤلفة في أحكام القرآن ولم يزد على ذلك. وأبو ثور، هو: إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه أحد الأعلام تفقه بالشافعي. وسمع من ابن عيينة وغيره، وبرع في العلم ولم يقلد أحدا توفي سنة 240 هـ (العبر للذهبي 1/ 431). (¬3) له ترجمة في: أنباه الرواة (للقفطي) 1/ 159، الأنساب للسمعاني الورقة 172 أ، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 148، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 6/ 89، العبر للذهبي 2/ 148، الفهرست لابن النديم 60، اللباب 1/ 397، مرآة الجنان لليافعي 2/ 262، معجم الأدباء لياقوت 1/ 47، مفتاح السعادة 1/ 163، المنتظم 6/ 176، النجوم الزاهرة 3/ 208، نزهة الألباء 244، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 311. وفي حواشي أنباه الرواة، ونزهة الألباء مراجع أخرى لترجمة الزجاج.

درهما (¬1)] وأشرط لك أن أعطيك إياه أبدا حتى يفرق الموت بيننا. قال: فلزمته، وكنت أخدمه في أموره مع ذلك، فنصحني في العلم؛ حتى استقللت، فجاءه كتاب بعض بني مارقة (¬2)، يلتمسون معلّما نحويا لأولادهم. فقلت له: أسمني لهم، فأسماني، فخرجت فكنت أعلّمهم وأنفذ إليه في كل شهر ثلاثين درهما، وأنفّله ما أقدر عليه فطلب منه عبيد الله بن سليمان مؤدّبا لابنه القاسم، فقال له: لا أعرف لك إلا رجلا زجّاجا عند بني فلان، فكتب إليهم عبيد الله، فاستنزلهم عنّي وأحضرت، وأسلم القاسم إليّ، وكنت أعطى المبرّد [الدرهم] (¬3) كل يوم إلى أن مات، ولا أخليه من التفقّد، وكنت أقول للقاسم: إن بلغت مبلغ أبيك ووليت الوزارة ما تصنع بي؟ فيقول لي: ما أحببت، فأقول له: تعطيني عشرين ألف دينار- وكانت غاية أمنيتي- فما مضت إلا سنون حتى ولي القاسم الوزارة، وأنا على ملازمتي له، وصرت نديمه، فدعتني نفسي إلى إذكاره بالوعد، ثم هبته، فلما كان في اليوم الثالث من وزارته، قال لي: يا أبا إسحاق لم أرك أذكرتني بالنّذر! فقلت: عولت على رعاية الوزير أيّده الله، وأنه لا يحتاج إلى إذكار بنذر عليه في أمر خادم واجب الحق، فقال لي: إنه المعتضد ولولاه ما تعاظمني دفع ذلك إليك دفعة، ولكني أخاف أن يصير لي معه حديث؛ فاسمح بأخذه متفرّقا. فقلت: أفعل. فقال: اجلس للناس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار، واستجعل (¬4) عليها، ولا تمتنع من مسألتي في شيء إلى أن يحصل لك القدر. قال: ففعلت ذلك، وكنت أعرض عليه كلّ يوم رقاعا فيوقّع لي فيها، وربما قال لي: كم ضمن لك على هذا؟ فأقول: كذا وكذا، ¬

_ (¬1) تكملة عن تاريخ بغداد. (¬2) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: معجم الأدباء، وفي تاريخ بغداد، وأنباه الرواة «بني مارمة». (¬3) تكملة عن: تاريخ بغداد. (¬4) استجعل: اطلب جعالة، وهي أجرة العمل.

فيقول لي: غبنت، هذا يساوي كذا وكذا، ارجع فاستردّ، فأراجع القوم وأماكسهم فيزيدونني، حتى أبلغ الحد الذي رسمه، فحصلت عشرين ألف دينار وأكثر في مديدة، فقال لي بعد شهور: حصل مال النذر؟ فقلت: لا، وجعل يسألني في كل شهر: هل حصل؟ فأقول [لا] (¬1) خوفا من انقطاع الكسب، إلى أن سألني يوما فاستحييت من الكذب المتصل، فقلت: قد حصل ببركة الوزير فقال: فرّجت والله عني فقد كنت مشغول القلب؛ ثم وقّع لي بثلاثة آلاف دينار صلة، فأخذتها، فلما كان من الغد جئته، ولم أعرض عليه شيئا، فقال: هات ما معك، فقلت: ما أخذت من أحد رقعة، لأن النذر وقع الوفاء به، ولم أدر كيف أقع [من] (¬2) الوزير، فقال: سبحان الله! أتراني أقطع عنك شيئا قد صار لك عادة، وعرفك به الناس، وصال لك به عندهم علم وجاه، ولا يعلم سبب انقطاعه، فيظنوا أن ذلك لضعف جاهك عندي، أعرض علي وخذ بلا حساب. فقبلت يده، وكنت أعرض عليه الرقاع إلى أن مات. وكان بين الزجاج ورجل من أهل العلم يسمى مسيند (¬3) شر، فاتصل حتى خرج الزجاج إلى حد الشتم؛ فكتب إليه مسيند: أبى الزّجّاج إلا شتم عرضي ... لينفعه، فآثمه وضرّه وأقسم صادقا. ما كان حرّ ... ليطلق لفظه في شتم حره ولو أني كررت لفرّ مني ... ولكن للمنون على كرّه فأصبح قد وقاه الله شري ... ليوم لا وقاه الله شرّه فلما اتصل الشعر بالزجاج قصده راجلا، واعتذر إليه، وسأله الصفح. ¬

_ (¬1) تكملة عن: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. (¬2) تكملة عن: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. (¬3) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في بغية الوعاة. وفي تاريخ بغداد وأنباه الرواة «مسينة».

أخذ الزجاج عن المبرد كما تقدم، وعن ثعلب أيضا، وعنه علي بن عبد الله ابن المغيرة الجوهري وغيره. وله من التصانيف: «معاني القرآن»، «الاشتقاق»، «خلق الإنسان» «فعلت وأفعلت»، «مختصر النحو»، «خلق الفرس»، «شرح أبيات سيبويه» «العروض»، «النوادر»، «تفسير جامع النطق»، «الفرق»، «ما ينصرف وما لا ينصرف»، وغير ذلك، مات ببغداد في جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، وسئل عن سنه عند الوفاة فعقد سبعين. وآخر ما سمع منه: اللهم احشرني على مذهب أحمد بن حنبل. 11 - إبراهيم بن طهمان الهرويّ أبو سعيد (¬1). سكن بنيسابور، ثم سكن مكة، سمع محمد بن زياد، ويونس بن عبيد، وأبا ضمرة، وحسينا المعلم، وحجاج بن حجاج، وأبا الحصين، وأبا الزبير، وسماكا. روي عنه أبو عامر العقديّ، ومعن، وعبد الله بن المبارك، وحفص بن عبد الله ويحيى بن الضريس، ويحيى بن سابق، ويحيى بن أبي بكير (¬2). ثقة، يغرب، وتكلّم فيه للإرجاء، ويقال: رجع عنه، مات سنة بضع وستين ومائة، أخرج له الأئمة الستة. ¬

_ (¬1) ترجم له في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 6/ 105، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 213، تهذيب التهذيب لابن العماد الحنبلي 1/ 129، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 18، العبر للذهبي 1/ 141، الفهرست لابن النديم 288، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 38. (¬2) في الأصل «ابن أبي بكر» تحريف، صوابه في: تاريخ بغداد، وتذكرة الحفاظ. وهو: يحيى بن أبي بكير، أبو زكريا الكوفي، حدث عن شعبة، وإبراهيم ابن طهمان. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 14/ 155.

صنف: «التفسير» و «السنن» و «المناقب»، و «العيدين». 12 - إبراهيم بن عبد الله بن علي بن يحيى بن خلف المقرئ النحوي برهان الدين الحكري (¬1). كان إماما في القراءات، نحويا مفسرا، يضرب به المثل في حسن التلاوة أخذ العربية عن البهاء بن النحّاس، وتلا على التقي الصائغ، وابن الكفتي ولازم درس أبي حيان، وأخذ عنه الناس. وكان حسن التعليم، وسمع الحديث من الدمياطي، والأبرقوهي. مولده سنة نيف وسبعين وستمائة، ومات في الطاعون العام في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وسبعمائة. 13 - إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن باغر (¬2) بن كش الكجي الكشي (¬3). بنى دارا بالبصرة بالكجة (¬4) فقيل له: الكجي، لإكثاره ذكره والكشّي [نسبة] (¬5) إلى جده كش المذكور له «ناسخ» القرآن ومنسوخه». 14 - إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة (¬6) بن حازم بن صخر الكتاني الحموي الأصل ثم المقدسي، قاضي ¬

_ (¬1) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 509، الدرر الكامنة 1/ 30، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 17، المقفى، ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ. (¬2) في تذكرة الحفاظ «ابن ماعز». (¬3) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 620، العبر للذهبي 2/ 92، الباب 3/ 29، مختصر دول الإسلام 1/ 139، مرآة الجنان لليافعي 2/ 220. (¬4) الكج: أولى، وفي اللباب: الكجي، نسبة الى: الكج، وهو الجص. (¬5) تكملة عن اللباب. (¬6) له ترجمة في: الأنس الجليل لمحيي الدين الحنبلي 2/ 207، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 26، رفع الاصر لابن حجر 1/ 29، السلوك للمقريزي جزء 3 قسم 2/ 586، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 98 ب، قضاة دمشق لابن طولون 112، معجم المصنفين 3/ 192، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 214، نزهة النفوس والأبدان لابن الصيرفي 1/ 179.

القضاة، خطيب الخطباء، شيخ الشيوخ، كبير طائفة الفقهاء الشافعية، وبقية رؤساء الزمان برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن الخطيب زين الدين أبي محمد [بن (¬1)] قاضي القضاة [أبي (¬2)] عبد الله [بن (¬3)] الشيخ القدوة برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم [بن سعد الله (¬4)] بن جماعة المصري المولد، الدمشقي الوفاة، قاضي قضاة مصر والشام. ولد في منتصف ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وقدم دمشق صغيرا فنشأ عند أقاربه بالمزة وحضر على جده، وسمع على أبيه وعمه، وطلب الحديث بنفسه في حدود الأربعين، وسمع من شيوخ مصر كيحيى المصري، ويوسف الدلاصي «الشّفاء» (¬5) وغيره، وأبي نعيم الأسعردي، والميدومي، وطبقتهم ورحل إلى دمشق، وسمع من زينب بنت الكمال، ولازم المزّي والذهبي فأكثر عنهما، وولى خطابة القدس عن والده. ثم أضيف إليه تدريس الصلاحية بعد وفاة الحافظ صلاح الدين العلائي، وولي نظر القدس والخليل، ثم استدعي لقضاء الديار المصرية فوليه بعفة ونزاهة وحرمة، ذكره الذهبي في المعجم المختصّ وقال فيه: الإمام الفقيه المحدث المفيد. أحد من طلب وعني بتحصيل الأجزاء، وقرأ وتميّز وهو في ازدياد من الفضائل، ولي خطابة القدس بعد والده، وسمع من جده، ويحيى المصري، وعلي بن عمر الواني، وبدمشق من ابن تمام، والمزي وقرأ عليه كثيرا، وسمع من المجد بن فضل الله، وأجاز له أبو العباس الحجّار وجماعة. وقال في الدرر الكامنة: كان محببا إلى الناس، وإليه انتهت رئاسة العلماء في زمانه ولم يكن أحد يدانيه في سعة الصدر وكثرة البذل وقيام ¬

_ (¬1) تكملة عن قضاة دمشق، وبها تستقيم الترجمة. (¬2) تكملة عن قضاة دمشق، وبها تستقيم الترجمة. (¬3) تكملة عن قضاة دمشق، وبها تستقيم الترجمة. (¬4) تكملة عن قضاة دمشق، وبها تستقيم الترجمة. (¬5) للقاضي عياض.

الحرمة والصدع بالحق وقمع الفساد مع المشاركة الجيدة في العلوم واقتنى من الكتب النفيسة بخطوط مصنفيها وغيرهم ما لم يتهيأ لغيره (¬1). وقال ابن قاضي شهبة: وقفت له على مجاميع وفوائد، وجمع تفسيرا في عشر مجلدات بخطه. وفيه غرائب وفوائد. توفي ليلة الجمعة ثامن عشر شعبان سنة تسعين وسبعمائة ببستانه بالمزة ودفن بتربة أقاربه بني الرحبي عن خمس وستين سنة وأربعة أشهر ويومين (¬2). قال في الإنباء: وكان قوالا بالحق، معظما لحرمات الشرع، محبّا في السنة وأهلها، لم يأت بعده له نظير ولا قريب من طريقته. وخلف من الكتب النفيسة ما يعز اجتماع مثله لغيره، لأنه كان مغرما بها، وكان يشتري النسخة من الكتاب التي إليها المنتهى في الحسن، ثم يقع له ذلك الكتاب بخط مصنفه فيشتريه ولا يترك الأول، إلى أن اقتنى بخطوط المصنفين ما لا يعبر عنه كثرة، ثم صار أكثرها لجمال الدين محمود الأستادار بمدرسته (¬3) بالموازنيين، وانتفع بها الطلبة إلى هذا الوقت (¬4). 15 - إبراهيم بن علي بن الحسين الإمام أبو إسحاق الشّيبانيّ الطبريّ الشافعي (¬5). ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 39. (¬2) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة، ورقة 99 أ. (¬3) المدرسة المحمودية بخط الموازنيين خارج باب زويلة، أنشأها الأمير جمال الدين محمود بن علي الأستادار في سنة 797 ورتب بها درسا، وعمل بها خزانة كتب لا يعرف في وقتها بديار مصر ولا الشام مثلها، وكان لا يخرج لأحد منها كتاب الا أن يكون في المدرسة (خطط المقريزي 2/ 394). (¬4) انباء الغمر لابن حجر 1/ 355. (¬5) له ترجمة في طبقات الشافعية للسبكي 7/ 34، طبقات المفسرين للسيوطي 3، معجم المصنفين 3/ 259.

إمام في المذهب، والفرائض، والتفسير، له تصانيف مفيدة، ولي قضاء مكة، وحدث عن أبي علي الحدّاد، روى عنه الصائن بن عساكر. مات في رجب سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وله إحدى وأربعون سنة. 16 - إبراهيم بن علي بن عمر برهان الدين بن الفهّاد القوصي الشافعي (¬1). كان فقيها نحويا، يعرف الحديث والتفسير والأصول، ولي قضاء دمامين فسار في الأحكام أحسن سيرة، وسلك فيها ما يرضي عالم العلانية والسريرة، وكان قليل الرزق لا يجد في كثير من الأوقات القوت، ويقنع في ملبسه بما يجد من غير تكلف مع ملازمة التقوى والورع الشديد والانجماع عن الناس وقلة الكلام والقوة في ذات الله، وقدم القاهرة ومات بقوص في تاسع عشر شوال سنة خمس عشرة وسبعمائة. 17 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عليب أبو إسحاق الطائي (¬2). من أهل قيجاطة من الأندلس، رحل فحج صغيرا وعاد، صحب الشيخ أبا إسحاق بن الحاج ولازمه، فظهرت بركته عليه، وسمع الحديث من جماعة من أهل الأندلس، وعرف القراءات، وأقرأ ببلده جماعة، وكان عارفا بها وبالعربية صالحا عالما له دراية. ألّف «أربعين حديثا» و «كتابا في الأدعية» و «اختصر تفسير أبي محمد بن عطية» وكان جليلا في دينه وحاله. توفي عن نحو خمس وأربعين سنة في عشرين وستمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 47، الطالع السعيد للأدفوي 61. (¬2) له ترجمة في: المقفى للمقريزي، ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ، ورقة 54 ب.

18 - إبراهيم بن فائد بن موسى بن عمر بن سعيد بن علّال بن سعيد النبروني الزواوي النجار القسنطيني الدار المالكي (¬1). ولد في سنة ست وتسعين وسبعمائة في جبل جرجرا، ثم انتقل إلى بجاية فقرأ بها القرآن- ظنا- واشتغل بها في الفقه على أبي الحسن علي بن عثمان، ثم رحل إلى تونس فأخذ الفقه أيضا وكذا التفسير عن القاضي أبي عبد الله القلشانيّ والفقه وحده عن يعقوب الزعبي، والأصول عن عبد الواحد الفرّياني (¬2) ثم رجع إلى جبال بجاية، فأخذ العربية عن الأستاذ عبد العال ابن فراج، ثم انتقل إلى قسنطينة فقطنها وأخذ بها الأصلين والمنطق عن حافظ المذهب أبي زيد عبد الرحمن الملقب بالباز. والمعاني والبيان عن [أبي] (¬3) عبد الله اللبسّيّ (¬4) الحكمي الأندلسي ورد عليهم حاجا، والأصلين والمنطق والمعاني والبيان مع الفقه وغالب العلوم المتداولة، عن أبي عبد الله بن مرزوق عالم المغرب، قدم عليهم قسنطينة ولم ينفك عن الاشتغال والأشغال حتى برع في هذه الفنون لا سيما الفقه وعمل «تفسيرا» و «شرح ألفية ابن مالك» في مجلد، و «تلخيص المفتاح» في مجلد أيضا وسماه «تلخيص التلخيص» و «مختصر الشيخ خليل» في ثلاث مجلدات، سماه «تسهيل السبيل في مختصر الشيخ خليل» وكذا في آخر إن كمل كان في مجلدين، سماه «فيض النيل» وحج مرارا، وتلا لنافع، على: الزين بن عياش، بل حضر مجلس ابن الجزري في سنة ثمان وعشرين، وممن أخذ عنه الشهاب بن يونس، وكان عليه سمت الزهاد وسكونهم. مات في سنة سبع وخمسين وثمانمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الضوء اللامع 1/ 116، نيل الابتهاج 52. (¬2) بضم أوله وتشديد ثانيه مع كسره ثم تحتانية ونون، نسبة لفريانة احدى مدائن إفريقية (الضوء اللامع للسحاوي 11/ 218). (¬3) تكملة عن الضوء اللامع. (¬4) اللبسّيّ: بفتح اللام المشددة والموحدة وتشديد المهملة المكسورة نسبة الى لبسة، حصن من معاملة وادي آش (الضوء اللامع 10/ 26).

19 - إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن علي بن مسعود بن رضوان المري [بالمهملة] (¬1) القدسي الشافعي قاضي القضاة برهان الدين بن أبي شريف (¬2). ولد في ليلة الثلاثاء ثامن عشر ذي القعدة سنة ست وثلاثين وثمانمائة ببيت المقدس، فحفظ القرآن المجيد وهو ابن سبع، وتلاه تجويدا لابن كثير، وأبي عمرو، على الشيخ شمس الدين بن عمران، ودأب في العلم، فأخذ عن الأشياخ كالجلال المحليّ والعلم البلقينيّ، والزين الأبوتيجيّ، والأمين الأقصرائيّ (¬3) والسعد الدّيريّ، والشهاب الإبشيطيّ (¬4)، وأخيه الكمال، ومعظم انتفاعه به. وسمع الحديث على التقي القلقشنديّ، والزين ماهر، وغيرهما. وأجاز له باستدعاء أخيه جماعة، منهم الحافظ ابن حجر، وبرع في الفنون، وتصدى للإقراء والإفتاء، وشرح «الحاوي» مزجا في مجلدين، وكذا «المنهاج الفقهي» و «قواعد ابن هشام» و «عقائد ابن دقيق العيد» و «التحفة القدسية في الفرائض» نظم ابن الهائم، و «قطعة من البهجة» و «ونظم ¬

_ (¬1) تكملة عن: الضوء اللامع للسحاوي، وعنوان الزمان للبقاعي. (¬2) له ترجمة في: البدر الطالع للشوكاني 1/ 26، الضوء اللامع للسحاوي 1/ 134، عنوان الزمان للبقاعي 1/ 396، الكواكب السائرة للغزي 1/ 102، معجم المصنفين 4/ 419، نظم العقيان للسيوطي 26. (¬3) يحيى بن محمد بن إبراهيم بن أحمد الأمين أبو زكريا الأقصرائي نسبة لأقصرا، احدى مدن الروم، القاهري الحنفي المعروف بالأقصرائي ولد سنة 797 هـ وتوفي سنة 880 هـ. (الضوء اللامع 10/ 230). (¬4) نسبة لإبشيط، بكسر الهمزة ثم موحدة ساكنة بعدها معجمة ثم تحتانية وطاء مهملة قرية من قرى المحلة من الغربية. والأبشيطي هو: أحمد بن اسماعيل بن أبي بكر بن عمر الشافعي ولد سنة 802 هـ. من تصانيفه ناسخ القرآن ومنسوخه. توفي سنة 883 هـ (الضوء اللامع للسحاوي 1/ 235).)

رواية أبي عمرو» في نحو خمسمائة بيت، «والنخبة» للحافظ ابن حجر، وهما [على] (¬1) روي الشاطبية وبحرها ونظم «لقطة العجلان» للزركشي، و «الجمل في المنطق» و «منطق التهذيب» للتفتازاني، و «الورقات» لإمام الحرمين، و «شذور الذهب» و «عقائد النسفي» وله «حواش على شرح العقائد» للتفتازاني، وله «تفسير سورة الكوثر» وسورة الإخلاص، والكلام على البسملة، وعلى خواتيم سورة البقرة، وعلى قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ (¬2) 222 إلى قوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (¬3) وشرع في نظم «جامع المختصرات في الفقه» وكذا في «مختصر في الفقه» و «اختصر رسالة القشيري» وقطن القاهرة، واختص بالشرف المناوي، وحضر درسه وصاهره على ابنته، ودرس بالجامع الأزهر وغيره في فنون، واستقر في تدريس التفسير بالجامع الطولوني، وفي الفقه والميعاد والخطابة بالحجازية (¬4) 444، وعرف بالملاءة مع الفضل والبراعة والعقل والدين والسكون. ومات منفصلا عن القضاء في يوم الجمعة ليومين بقيا من محرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن بالقرب من ضريح الإمام الشافعي رضي الله عنه. ومن شعره: ¬

_ (¬1) تكملة عن الضوء اللامع للسحاوي. (¬2) سورة الأعراف 54. (¬3) الأعراف 56. (¬4) المدرسة الحجازية: أنشأتها ابنة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، زوجة الأمير بكتمر الحجازي، وبه عرفت. وجعلت بهذه المدرسة درسا للفقهاء الشافعية، قررت فيه شيخ الاسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني، ودرسا للفقهاء المالكية، وجعلت بها خزانة كتب. وكان إنشاء هذه المدرسة سنة 761 هـ. (خطط المقريزي 2/ 381).

تحكم في قلبي هواكم أحبتي ... فأنحل جسمي بل أذاب فؤادي (¬1) عصيت عذولي في المحبة فيكم ... وقلت هم عيشي وكل مرادي سكنتم سويدا القلب يا خير سادة ... ومن مقلتي أيضا سواد سوادي جرى عن دم دمعي فأشبه عند ما ... لطول صدود منكم وبعاد فبالله منّوا أوعدوني بوصلكم ... فإني المحبّ المستمرّ ودادي 20 - إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي (¬2). يروي عن إسماعيل بن أبان وغيره. قال أبو نعيم في تاريخ أصبهان: كان غاليا في الرفض، ترك حديثه، وذكره الطوسي في رجال الشيعة، وقال: كان أولا زيديا ثم صار إماميا. قال: وكان سبب خروجه من الكوفة إلى أصبهان أنه صنف «كتاب المناقب والمثالب»، فأشار عليه بعض أهل الكوفة أن يظهره ولا يخفيه، فقال أي البلاد تبعد عن التشيع؟ فقالوا له أصبهان، فحلف أن لا يخرجه ويحدث به إلا بأصبهان، ثقة منه بصحة ما أخرج فيه، فتحول إلى أصبهان، وحدث به فيها. قال: ومات بأصبهان سنة نيف وثمانين ومائتين. حدث عن أبي نعيم، وعباد بن يعقوب، والعباس بن بكار وهذه الطبقة. ومن تآليفه: «المغازي»، «السقيفة»، «الرّدة»، «الشورى» «مقتل عثمان» صغير «والحكمين (¬3)»، «النهروان»، «مقتل علي» «مقتل الحسين»، كتاب «التّوّابين» «أخبار المختار»، «السرائر»، «المعرفة»، «الجامع الكبير في الفقه»، «فضل الكوفة ومن نزلها من الصحابة» ¬

_ (¬1) نظم العقيان للسيوطي 26. (¬2) له ترجمة في: تاريخ أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني 1/ 187، الفهرست للطوسي 16، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 1/ 102، معجم الأدباء لياقوت 1/ 294. (¬3) يريد بالحكمين. أبا موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، حين حكما بين علي ومعاوية.

«الدلائل»، «من قتل من آل محمد صلى الله عليه وسلم»، «كتاب التفسير» وغير ذلك. روى عنه أحمد بن علي الأصبهاني، والحسين بن علي بن محمد الزعفراني، ومحمد بن يزيد الرطال، وآخرون، وكان أخوه قد هجره وباينه بسبب الرفض، قال الحافظ ابن حجر في اللسان: وأرّخ الطوسي وفاته سنة ثلاث [وثمانين ومائتين (¬1)]. 21 - إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة العتكيّ الأزديّ الواسطيّ (¬2). أبو عبد الله الملقب نفطويه. لشبهه بالنفط لدمامته وأدمته، وجعل على مثال سيبويه لانتسابه في النحو إليه، قال ياقوت: وقد جعله ابن بسام بضم الطاء وتسكين الواو وفتح الباء فقال: رأيت في النّوم أبي آدما ... صلى عليه الله ذو الفضل (¬3) فقال أبلغ ولدي كلّهم ... من كان في حزن وفي سهل بأنّ حوّا أمّهم طالق ... إن كان نفطويه من نسلي قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله في طبقات النحاة: هذا اصطلاح لأهل الحديث في كل اسم بهذه الصيغة، وإنما عدلوا إلى ذلك لحديث ورد أنّ «ويه» اسم شيطان، فعدلوا عنه كراهة له. قال ياقوت: كان نفطويه عالما بالعربية، واللغة والحديث؛ أخذ عن ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، أكملته عن لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 1/ 103. (¬2) بياض في الأصل، أكملته عن لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 1/ 103. (¬3) له ترجمة في: أنباه الرواة للقفطي 1/ 176، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 183، تاريخ بغداد 6/ 159، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 25، العبر 2/ 198، الفهرست لابن النديم 81، لسان الميزان 1/ 109، مرآة الجنان لليافعي 2/ 287، معجم الأدباء لياقوت 1/ 307، معجم المصنفين 4/ 379، المنتظم 6/ 277، ميزان الاعتدال 1/ 64، النجوم الزاهرة 3/ 249، نزهة الألباء لابن حجر 260، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 30.

ثعلب والمبرّد، وكان طاهر الأخلاق، حسن المجالسة، صادقا فيما يرويه حافظا للقرآن، فقيها على مذهب داود الظاهري رأسا فيه؛ مسندا في الحديث حافظا للسّير وأيام الناس والتواريخ والوفيات، ذا مروءة وظرف جلس للإقراء أكثر من خمسين سنة، وكان يبتدئ في مجلسه بالقرآن على رواية عاصم، ثم يقرئ الكتب، وكان يقول: سائر العلوم إذا متّ، هنا من يقوم بها، وأمّا الشعر، فإذا متّ مات على الحقيقة، وقال: من أغرب عليّ ببيت لجرير لا أعرفه فأنا عبده. قال الزّبيديّ: وكان غير مكترث بإصلاح نفسه يفرط به الصّنان (¬1) فلا يغيّره، حضر مجلس وزير المقتدر فتأذّى هو وجلساؤه بكثرة صنانه؛ فقال يا غلام، أحضر لنا مرتكا (¬2) فجاء به فبدأ الوزير بنفسه فتمرتك، وأداره على جلسائه؛ وفطنوا لما أراد بنفطويه؛ فقال نفطويه: لا حاجة لي به فراجعه فأبى، فاحتدّ الوزير، وقال يا عاضّ بظر أمّه إنما تمرتكنا كلّنا لأجلك؛ قم لا أقام الله لك وزنا! أبعدوه عني إلى حيث لا أتأذّى به. وكان بينه وبين محمد بن داود الظاهري مودة أكيدة. فلما مات ابن داود حزن عليه، وانقطع لا يظهر للناس، ثم ظهر، فقيل له في ذلك؛ فقال؛ إن ابن داود قال لي يوما: أقل ما يجب على الصديق أن يحزن على صديقه سنة كاملة عملا بقول لبيد: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (¬3) فحزنّا عليه كما شرط. ¬

_ (¬1) الصنان: ريح العرق. (¬2) المرتك: نوع من العطر. (¬3) معجم الأدباء لياقوت الحموي 1/ 309.

ابن دريد بقره

وكان بينه وبين [ابن (¬1)] دريد منافرة، وهو القائل فيه: ابن دريد بقره وقال فيه ابن دريد: لو أنزل النحو على نفطويه ... لكان ذاك الوحي سخطا عليه (¬2) وشاعر يدعى بنصف اسمه ... مستأهل للصّفع في أخدعيه أحرقه الله بنصف اسمه ... وصيّر الباقي صراخا عليه صنف: «إعراب القرآن» و «غريب القرآن»، «الرد على من قال بخلق القرآن» «الاستثناء والشروط في القراءات»، «الاقتصارات»، «التاريخ»، «المقنع في النحو»، «أمثال القرآن»، «المصادر»، «القوافي»، «الشهادات»، «الرد على المفضّل في نقضه على الخليل»، «كتاب في أن العرب تتكلم طبعا لا تعلما» وغير ذلك. مات يوم الأربعاء ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة. وذكره الدّاني في طبقات القراء وقال: أخذ القراءة عرضا عن أبي عون محمد بن عمرو بن عون الواسطيّ، وشعيب بن أيوب الصّريفينيّ (¬3) وعنه محمد بن أحمد الشّنبوذيّ، وذكر وفاته كما تقدم، وقال: في خامس صفر، وقيل مات سنة أربع وعشرين. ¬

_ (¬1) تكملة عن: بغية الوعاة للسيوطي، ومعجم الأدباء. (¬2) معجم الأدباء 1/ 311. (¬3) بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وسكون الياء الثانية وفي آخرها نون. نسبة الى صريفين، قرية من أعمال واسط (اللباب).

ومن شعره: تشكو الفراق وأنت تزمع رحلة ... هلا أقمت ولو على جمر الغضى (¬1) فالآن عد للصبر أو مت حسرة ... فعسى يرد لك النّوى ما قد مضى 22 - إبراهيم بن معقل بن الحاج الحافظ العلامة أبو إسحاق النسفي (¬2). قاضي نسف، وعالمها ومصنف «المسند الكبير» و «التفسير» وغير ذلك سمع قتيبة بن سعد، وجبارة بن المغلّس، وهشام بن عمّار، وطبقتهم. وحدث بصحيح البخاري عنه، وكان فقيها حافظا بصيرا باختلاف العلماء روى عنه ابنه سعيد، ومحمد بن زكريا، وعبد المؤمن بن خلف النسفيون. مات في ذي الحجة سنة خمس وتسعين ومائتين. قاتل الخليلي: هو حافظ ثقة. 23 - إبراهيم بن موسى بن بلال بن عمر بن مسعود بن دمج (¬3) بتحريك الدال المهملة [والميم] (¬4) وآخره جيم الشيخ برهان الدين الكركي الشافعي (¬5). ولد بالكرك سنة ست وسبعين وسبعمائة، وتلا بالسبع على التقي العسقلانيّ إمام جامع ابن طولون، والبرهان الشّاميّ، وغيرهما، وأجاز له الحافظ زين الدين العراقيّ، وسمع البخاري على البرهان ابن صديق، ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت 1/ 310. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 686، العبر للذهبي 2/ 100، مرآة الجنان لليافعي 2/ 223، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 164. (¬3) في الأصل «دبج» تحريف، والصواب في: الضوء اللامع، ونظم العقيان. (¬4) تكملة عن: الضوء اللامع للسخاوي. (¬5) له ترجمة في: الضوء اللامع للسحاوي 1/ 175، عنوان الزمان للبقاعي 1/ 428، معجم المصنفين 4/ 446، نظم العقيان للسيوطي 29.

وحضر دروس السراج البلقينيّ، واشتغل في الفقه والنحو وغيرهما من الفنون على الطنبذيّ البدر، والولي العراقيّ، والبرهان البيجوريّ (¬1)، والشمس البرماويّ (¬2) وابن الهائم. أثنى عليه البقاعي في معجمه فقال: كان إماما عالما بارعا مفتنّا متضلعا من العلم، كان الشيخ تاج الدين الغرابيلي يقول: ما وعيت الدنيا إلا والشيخ برهان الدين يشار إليه في العلوم. وصنف كتبا منها «الإسعاف في معرفة القطع والاستئناف» و «لحظة الطرف في معرفة الوقف» و «نكت على الشاطية» و «الآلة في معرفة الوقف والإمالة» و «حل الرمز في وقف حمزة وهشام على الهمز» و «درة القارئ المجيد في أحكام القراءة والتجويد» و «شرح ألفية ابن مالك» و «إعراب المفصّل من الحجرات إلى آخر القرآن» و «مرقاة اللبيب إلى علم الأعاريب» و «نثر الألفية» و «شرح فصول ابن معطي» و «مختصر الورقات» و «حاشية على تفسير القاضي علاء الدين التركماني» و «توضيح على مولدات ابن الحدّاد» و «مختصر الروضة»، و «شرح تنقيح اللباب»، وغير ذلك. مات في شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. 24 - إبراهيم بن يحيى بن المبارك اليزيديّ أبو إسحاق بن أبي محمد النحويّ بن النحويّ (¬3). ¬

_ (¬1) في الأصل «والبرهان والبيجوري» تحريف، والصواب في مصادر الترجمة، وهو: إبراهيم بن أحمد البرهان البيجوري، ولد سنة 750 هـ لم يكن في عصره من يستحضر الفروع الفقهية مثله. مات سنة 825 هـ. (حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 439). (¬2) بكسر أوله، نسبة لبرمة من نواحي الغربية (الضوء اللامع). (¬3) له ترجمة في: إنباه الرواة للقفطي 1/ 189، الأنساب للسمعاني 600 أ، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 6/ 209، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 29، الفهرست لابن النديم 51، معجم الأدباء 1/ 360، المقفى، ميكروفيلم بالجامعة العربية 510 تاريخ، ورقة 67 أ، نزهة الألباء 165. وفي حواشي إنباه الرواة، ونزهة الألباء مراجع أخرى لترجمة إبراهيم بن يحيى.

قال ابن عساكر: كان عالما بالأدب شاعرا مجيدا، نادم الخلفاء، وقدم إلى دمشق في صحبة المأمون. وكان [قد] (¬1) سمع أباه، وأبا زيد، والأصمعيّ، روى عنه أخوه إسماعيل وابنا أخيه [أحمد] (¬2) وعبيد الله ابنا محمد. وقال الخطيب: بصريّ سكن بغداد، وكان ذا قدر وفضل وحظّ وافر من الأدب. وصنّف: «ما اتفق لفظه واختلف معناه»؛ ابتدأ فيه وهو ابن سبع عشرة سنة، ولم يزل يعمل فيه إلى أن أتت عليه ستون سنة، وبه يفتخر اليزيديون وله «مصادر القرآن» بلغ فيه إلى سورة الم (¬3)، ومات، و «النّقط والشكل» و «المقصور والممدود» وغير ذلك. وحضر مرة عند المأمون وعنده يحيى بن أكثم وهم على الشّراب، فقال له يحيى يمازحه: ما بال المعلمين يلوطون بالصّبيان؟ فرفع إبراهيم رأسه، فإذا المأمون يحرّض على العبث به، فغاظه ذلك، وقال: أمير المؤمنين أعلم خلق الله بهذا، فإنّ أبي أدّبه، فقام المأمون من مجلسه مغضبا، ورفعت الملاهي، فأقبل يحيى على إبراهيم، وقال: أتدري ما خرج من رأسك؟ إني لأرى هذه الكلمة سببا لانقراضكم يا آل اليزيديّ، قال إبراهيم: فزال عني السكر، وكتبت إلى المأمون: أنا المذنب الخطّاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو (¬4) سكرت فأبدت منّي الكأس بعض ما ... كرهت وما إن يستوي السّكر والصّحو ¬

_ (¬1) تكملة عن بغية الوعاة للسيوطي، والمقفي للمقريزي. (¬2) تكملة عن معجم الأدباء لياقوت. (¬3) في ابن النديم: كتاب المصادر في القرآن، وبلغ منه الى سورة الحديد. (¬4) معجم الأدباء لياقوت الحموي 1/ 361.

من اسمه أحمد

في أبيات أخر. فرضي عنه وعفا عنه، ووقع في أبيات على ظهر أبياته: إنّما مجلس النّدامى بساط ... للمودّات بينهم وضعوه (¬1) فإذا ما انتهى إلى ما أرادوا ... من حديث ولذّة رفعوه مات إبراهيم سنة خمس وعشرين ومائتين. قاله ابن الجوزي. من اسمه أحمد 25 - أحمد بن إبراهيم بن الزّبير بن محمد بن إبراهيم بن الزّبير بن الحسن بن الحسين الثقفيّ العاصمي الجيّاني المولد، الغرناطيّ المنشأ، الأستاذ أبو جعفر (¬2). قال تلميذه أبو حيان في النّضار: كان محدثا جليلا، ماهرا، نحويا، فصيحا، مفوّها حسن الخطّ، مقرئا مفسرا مؤرخا، أقرأ القرآن والنحو والحديث بمالقة وغرناطة وغيرهما؛ وكان كثير الإنصاف، ناصحا في الإقراء، خرج من مالقة ومن طلبته أربعة يقرءون كتاب سيبويه، ثم عرض له أن السلطان تغيّر عليه، فجعل سجنه داره، وأذن له في حضور الجمعة، فلما مات شيوخ غرناطة وشغر البلد عن عالم رضى عليه، وقعد بالجامع يفيد الناس. وولي الخطابة والإمامة بالجامع الكبير، وقضاء الأنكحة، وتخرّج عليه جماعة، و [به] (¬3) أبقى الله ما بأيدي الطلبة من العربية وغيرها. ¬

_ (¬1) المصدر السابق 1/ 362. (¬2) له ترجمة في: الاحاطة للسان الدين الخطيب 1/ 195، البدر الطالع للشوكاني 1/ 33، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1484، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 89، الديباج المذهب لابن فرحون 42، الذيل والتكملة للمراكشي 1/ 39، شذرات الذهب 6/ 16، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 32، المنهل الصافي لابن تغري بردي 1/ 197. (¬3) تكملة عن: بغية الوعاة.

وكان محدث الأندلس بل المغرب في زمانه، خيّرا، صالحا، كثير الصدقة معظّما عند الخاصة والعامة، أمّارا بالمعروف، نهّاء عن المنكر، لا ينقل قدمه إلى أحد، جرت له أمور مع الملوك صبر فيها، ونطق فيها بالحق بحيث أدّى إلى التضييق عليه، وحبسه. روى عن أبي الخطاب بن خليل، وعبد الرحمن بن الفرس، وابن فرتون وأجاز له من المشرق أبو اليمن بن عساكر وغيره. وصنف: «تعليقا على كتاب سيبويه»، و «الذيل على صلة ابن بشكوال» و «ملاك التأويل في المتشابه اللفظ من التنزيل» غريب في معناه و «البرهان في ترتيب سور القرآن» و «شرح الإشارة للباجي في الأصول» و «سبيل الرشاد في فضل الجهاد» و «ردع الجاهل عن اعتساف المجاهل» في الرد على الشوذية (¬1). ولد سنة سبع وعشرين وستمائة، ومات يوم الثلاثاء ثامن ربيع الأول سنة ثمان وسبعمائة. ومن شعره: ما لي وللتّسآل لا أمّ لي ... إن سلت من يعزل أو من يلي (¬2) حسبي ذنوبي أثقلت كاهلي ... ما إن أرى غماءها تنجلي 26 - [أحمد] (¬3) بن إبراهيم بن الفرج بن أحمد بن سابور بن علي بن ¬

_ (¬1) في الأصل «الشيوذية» وفي الدرر الكامنة «الشرذمة» وكلاهما تحريف، والصواب في: ذيل الموصول والصلة. والشوذية تنسب الى أبي عبد الله الشوذي الاشبيلي، وألف في الشوذية غير ابن الزبير معاصره أبو عبد الله محمد بن عمر المعروف بابن رشيد، وسمى كتابه: إماطة الأذية الناشئة من سباطة الشوذية (حواشي ذيل الموصول والصلة 1/ 44). (¬2) في الأصل «الشيوذية» وفي الدرر الكامنة «الشرذمة» وكلاهما تحريف، والصواب في: ذيل الموصول والصلة. والشوذية تنسب الى أبي عبد الله الشوذي الاشبيلي، وألف في الشوذية غير ابن الزبير معاصره أبو عبد الله محمد بن عمر المعروف بابن رشيد، وسمى كتابه: إماطة الأذية الناشئة من سباطة الشوذية (حواشي ذيل الموصول والصلة 1/ 44). (¬3) بياض في الأصل، أكملته عن مصادر الترجمة.

غنيمة (¬1) عز الدين أبو العباس بن الإمام محيي الدين الفاروثيّ (¬2) الواسطيّ (¬3). المقرئ المفسر الشافعيّ الخطيب الصوفي، أحد الأعلام. قال الذّهبي في طبقات القراء: ولد سنة أربع عشرة وستمائة بواسط، قرأ القرآن على والده، وعلى الحسين بن أبي [الحسن بن] (¬4) ثابت الطّيبي كلاهما عن أبي بكر بن الباقلاني. وقدم بغداد سنة تسع وعشرين، فسمع الحديث من عمر بن كرم، والشيخ شهاب الدين السّهروردي، ولبس منه الخرقة، وأبي الحسين القطيعي وخلق سواهم. وكان فقيها علامة، عارفا بالقراءات ووجوهها، بصيرا بالعربية واللغة، عالما بالتفسير، خيرا، صاحب أوراد وتهجد، ومروءة وفتوة، وكان له أصحاب ومريدون انتفعوا بصحبته في دينهم ودنياهم. قرأ عليه طائفة، منهم الشيخ أحمد الحراني، والشيخ جمال الدين البدوي ¬

_ (¬1) في الأصل «غينمة» تحريف، والصواب في طبقات القراء لابن الجزري وقد ضبطه ابن الجزري بضم الغين المعجمة وفتح النون. (¬2) في الأصل «القاروني» تحريف، والصواب في: وفيه: الفاروثي بالفاء والراء المثلثة، نسبة الى فاروث، قرية على دجلة. (¬3) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 432، تاريخ علماء بغداد للسلامي 18، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 85، طبقات الشافعية للاسنوي 216، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 3 (ط. الحسينية)، طبقات الشافعية لابن شهبة 59 أ، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 34، طبقات القراء للذهبي 2/ 552، العبر 5/ 381، المقفى للمقريزي، ميكروفيلم بالجامعة العربية 510 تاريخ ورقة 71 ب، النجوم الزاهرة 8/ 76. (¬4) تكملة عن: طبقات الشافعية للسبكي، والمقفى.

وشمس الدين محمد بن أحمد الرقى، وشمس الدين بن غدير، وقرأ عليه- كتاب القلانسي (¬1) - أبو عبد الله القصاع (¬2). وسمع منه خلق بدمشق والحرمين والعراق، وكان له القبول التام من الخاص والعام. قدم دمشق سنة تسعين فولي مشيخة الحديث بالظاهرية، وإعادة الناصرية وتدريس النجيبية، ثم ولي خطابة البلد، وكان يخطب من غير تكلف. ويذهب من صلاة الجمعة فيشيع جنازة أو يعود صاحبا، وكان طيب الأخلاق. وكان يمضي إلى دار نائب السلطنة الشجاعي فكان يحترمه ويحبه، فلما عزل من الخطابة بموفق الدين الحموي وعزل الشجاعي عن الشام، تألم الشيخ لذلك وسار مع الوفد سنة إحدى وتسعين، وأودع كتبه وحمل بعضها. وكانت كبيرة إلى الغاية، ثم سار إلى واسط. وكان لطيف الشكل، صغير العمامة، مطرح التكلف، له رداء أبيض. قال الذّهبي (¬3): وقد سلمت عليه وحدثته، ولم يقض لي أن آخذ عنه شيئا. سألت الشيخ عليّا الواسطي الزاهد عن الفاروثي نسبته المصطفوي (¬4) ¬

_ (¬1) هو: محمد بن الحسين بن بندار أبو العز القلانسي، شيخ العراق ومقرئ القراء بواسط، صاحب التصانيف، ولد سنة 435 هـ. كان بصيرا بالقراءات وعللها وغوامضها، عارفا بطرقها، وألف كتاب الارشاد في العشر، وكتاب الكفاية أكبر من كتاب الارشاد، مات في شوال سنة 521 بواسطة. (طبقات القراء لابن الجزري 2/ 128). (¬2) محمد بن إسرائيل أبو عبد الله السلمي المعروف بالقصاع، رحل الى الديار المصرية، وقرأ بالكثير على: العز الفاروثي، وتوفى سنة 671 هـ. (طبقات القراء لابن الجزري 2/ 100). (¬3) في الأصل «قال الزهيري». والصواب في: طبقات القراء للذهبي. (¬4) في الأصل «المطفري». والصواب في: المقفى للمقريزي، وطبقات القراء للذهبي.

فقال: كان أبوه الشيخ محيي الدين يذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فواخاه فلهذا كان يكتب المصطفوي (¬1). توفي في ذي الحجة [سنة أربع وتسعين وستمائة] (¬2). 27 - أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العالي (¬3) الشيخ شهاب الدين. أبو العباس بن الإمام العلامة عماد الدين بن الحسباني الشافعي (¬4). مولده سنة تسع وأربعين وسبعمائة، واشتغل في صباه بعلم الفرائض وأتقنها ثم اشتغل بالعربية على أبي العباس العنّابي فبرع فيها، وسمع الكثير من أصحاب الفخر بن البخاري وغيرهم، فطلب الحديث، وقرأ قراءة حسنة، وحصل الكتب وفضل في هذا العلم. ورحل إلى القاهرة، فسمع بها وبدمشق من جماعة، وحصل الأجزاء، وضبط الأسماء، واعتنى بتحرير المشتبه، وكتب بخطه أشياء نسخا وتصنيفا، وشرع في «تفسير كبير» وقف عليه البلقيني وأثنى عليه. قال الحافظ ابن حجر ومن خطه نقلت: كان موصوفا بالذكاء وجمع أشياء حسنة، منها «تفسير القرآن» وعلق على «الحاوي» وكتب من «تخريج أحاديث الرافعي» و «شرح ألفية ابن مالك» انتهى. ¬

_ (¬1) راجع المصدر السابق. (¬2) تكملة عن: طبقات القراء للذهبي. (¬3) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في الضوء اللامع للسحاوي، والمقفى، وفي ذيل تذكرة الحفاظ وقضاة دمشق «عبد العال». (¬4) له ترجمة في: أنباء الغمر لابن حجر 2/ 523، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 244، الضوء اللامع للسحاوي 1/ 237، طبقات ابن شهبة ورقة 108 أ، قضاة دمشق لابن طولون 132، المقفى للمقريزي ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ، المنهل الصافي 1/ 224.

وكان يحضر عند والده في حلقة الفقه، وفهمه جيد صحيح. ودرّس بالأمينية والإقبالية وغيرهما، وخطب بجامع التوبة، وأفتى وحكم نيابة مدة، ثم بعد الفتنة ولي قضاء القضاة استقلالا، وشارك في الخطابة ومشيخة الشيوخ. وكانت نفسه سامية، وامتحن من جهة الدولة وكاد يهلك، وجرى له مع القاضي برهان الدين بن جماعة فتنة وآذاه ابن جماعة كثيرا، وكان عليه مآخذ في دينه، وكان الفقهاء يكرهونه. مات في عاشر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وثمانمائة، ودفن بسفح قاسيون (¬1) رحمة الله عليه. 28 - أحمد بن إسماعيل بن عيسى أبو بكر الغزنويّ الجوهري المفسر (¬2). أحد أئمة غزنة وفضلائهم، سافر إلى خراسان، والحجاز، والعراق، ولقي أبا القاسم القشيري، وسمع منه، وعاش إلى بعد العشرين وخمسمائة. 29 - أحمد بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن العباس أبو الخير الطّالقاني القزويني الشافعي (¬3). ¬

_ (¬1) قاسيون: هو الجبل المشرف على مدينة دمشق، وفيه عدة مغاير وفيه آثار الأنبياء وكهوف، وفي سفحه مقبرة أهل الصلاح، وهو جبل معظم مقدس (معجم البلدان). (¬2) له ترجمة في: طبقات المفسرين للأدنةوي، ميكروفيلم بدار الكتب رقم 3466، ورقة 39 ب. والغزنوي: بفتح الغين وسكون الزاي وفتح النون وفي آخرها واو هذه النسبة الى غزنة، وهي مدينة من أول بلاد الهند (اللباب 2/ 171). (¬3) له ترجمة في البداية والنهاية لابن كثير 13/ 9، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 7، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 39، طبقات المفسرين للسيوطي 3، العبر للذهبي 4/ 271، اللباب 2/ 77، المختصر المحتاج اليه من تاريخ بغداد 1/ 174، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 134. والطالقاني: بفتح الطاء وسكون اللام وفتح القاف وبعد الألف نون، نسبة الى الطالقان، ولاية عند قزوين، يقال لها: طالقان قزوين. (اللباب لابن الأثير 2/ 76).

رضي الدين، أحد الأعلام، قال ابن النجار: كان رئيس أصحاب الشافعي وكان إماما في المذهب، والخلاف، والأصول، والتفسير، والوعظ كثير المحفوظ. أملى الحديث، ووعظ، وصنف الكثير في التفسير والحديث والفقه وغيرها مطولا ومختصرا، وانتفع بعلمه أهل العلم وعوام المسلمين. وسمع الكثير من أبي عبد الله الفراويّ (¬1)، وزاهر الشّحّاميّ، وهبة الله السّيّديّ، وأبي الفتح بن البطّيّ. وتفقه على ملكداد، ومحمد بن يحيى، ودرس ببلده، وببغداد، وحدث بالكتب الكبار، وولي تدريس النظامية، وكان كثير العبادة والصلاة، دائم الذكر، دائم الصوم، له كل يوم ختمة. وقال ابن الدّبيثي: كان له يد باسطة في النظر والاطلاع على العلوم والمعرفة بالحديث، وكان جمّاعة للفنون. وقال الموفّق عبد اللطيف البغدادي: كان يعمل في اليوم والليلة ما يعجز المجتهد عن عمله في شهر. ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ومات في المحرم سنة تسعين. 30 - أحمد بن بقيّ بن مخلد المالكي (¬2). من أهل قرطبة، يكنى أبا عبد الله، سمع من أبيه، وكان زاهدا فاضلا مشاورا في الأحكام، وولي قضاء الجماعة مع الصلاة والخطبة. كان حافظا للقرآن عالما بتفسيره وعلومه، قوي المعرفة باختلاف العلماء ¬

_ (¬1) في الأصل «من أبي عبد الله والفراوي» تحريف، صوابه في: طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) له ترجمة في: بغية الملتمس للصفي 160، جذوة المقتبس للحميدي 110، الديباج المذهب لابن فرحون 37، العبر للذهبي 2/ 200، النجوم الزاهرة 3/ 259.

فيه وكان أحمد بن عبد ربه يعده من عجائب الدنيا، كان نسيج وحده جامعا للخلال الرفيعة منفردا بها. توفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. 31 - أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب القزويني الحنفي أبو عبد الله بديع الدين العلامة (¬1). قال الشيخ عبد القادر القرشي في طبقات الحنفية: رأيت له «الجامع الحريز الحاوي لعلوم كتاب الله العزيز» كان مقيما بسيواس في سنة عشرين وستمائة. 32 - أحمد بن أبي بكر بن عمر أبو العباس المعروف بالأحنف (¬2). قال الخزرجي: كان فقيها ماهرا حافظا عارفا، صنف في التفسير والحديث واللغة، ودرس بالمدرسة الشرفية ثم المؤيدية بتعز، وانتفع به الناس. مولده سنة إحدى وأربعين وستمائة، ومات لعشر بقين من جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة. 33 - أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن صبيح يعرف بابن المنادي أبو الحسين البغدادي (¬3). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 5، الجواهر المضيئة لعبد القادر القرشي 1/ 56، الطبقات السنية للغزي 1/ 330. (¬2) له ترجمة في: العقود اللؤلؤية للخزرجي 1/ 423. (¬3) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 219، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 4/ 69، تذكرة الحفاظ 2/ 849، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 44، طبقات القراء للذهبي 1/ 229، العبر للذهبي 2/ 242، الفهرست لابن النديم 38، المنتظم لابن الجوزي 6/ 357، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 295.

قال الداني: مقرئ جليل، غاية في الضبط والإتقان، فصيح اللسان، عالم بالآثار، ونهاية في علم العربيّة، صاحب سنة، ثقة مأمون. سمع جدّه وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأخذ القراءة عن عبيد الله بن محمد بن أبي محمد اليزيديّ، والفضل بن مخلد الدقاق، وأبي أيوب الضبي، وغيرهم. وعنه [أحمد بن] (¬1) نصر الشّذائيّ، وعبد الواحد بن عمر وجماعة. وله مائة ونيف وعشرون كتابا في علوم متفرقة، وكان الغالب عليه علوم القرآن. مات قبل سنة عشرين وثلاثمائة. ومن تأليفه كتاب «دعاء أنواع الاستعاذات من سائر الآفات والعاهات» و «كتاب اختلاف العدد» (¬2). 34 - أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أنوشروان قاضي القضاة جلال الدين أبو المفاخر ابن قاضي [القضاة] (¬3) حسام الدين ابن قاضي القضاة تاج الدين أبو المفاخر الرّازيّ ثم الرّومي الحنفي (¬4). ¬

_ (¬1) تكملة عن: (¬2) الفهرست لابن النديم، وفيه أن وفاته سنة 334 هـ. (¬3) تكملة عن: الطبقات السنية لتقي الدين الغزي. (¬4) له ترجمة في البداية والنهاية لابن كثير 14/ 214، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 63، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 126، الطبقات السنية 1/ 374، الفوائد البهية 16، قضاة دمشق لابن طولون 192، المقفى للمقريزي، ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ، ورقة 73 أ. النجوم الزاهرة 10/ 109.

مولده في سنة إحدى وخمسين وستمائة، بمدينة أنكوريّة (¬1) من بلاد الرّوم. وتفقه على أبيه وغيره، وبرع في الفقه والتفسير والنحو، وولي القضاء بخرت برت (¬2)، وعمره سبع عشرة سنة. وقدم مع أبيه دمشق واستقر في قضاء قضاة الحنفية بها عوضا عن أبيه لما توجه إلى مصر في ثاني صفر سنة ست وتسعين وستمائة، ودرس وأفتى وعمي في آخر عمره. وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر شهر رجب سنة خمس وأربعين وسبعمائة. قال الشهاب أحمد (¬3) بن يحيى بن فضل الله العمري: وهو كبير المروءة لقصّاده، حسن المعاشرة، طيب الأخلاق، طيب النفس جدا. وله نيف وسبعون سنة يدرس بدمشق، وغالب مفتي مذهبه من الحكّام والمدرسين كانوا فقهاء عنده، وقل منهم من درس وأفتى بغير خطه. حكى لي أعجوبة جرت له، قال: كان والدي [قد] (¬4) سفرني ¬

_ (¬1) تسميها العرب انكورية، ضبطها أبو الفداء إسماعيل في تقويم البلدان فقال: (بفتح الهمزة وسكون النون وضم الكاف وسكون الواو وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحتية وهاء في الآخر). وأنقرة: كانت باقليم غلاطية القديمة بآسيا الصغرى (الاناضول). وفيها دفن امرؤ القيس الشاعر المشهور سنة 565 م. وافتتحها المعتصم الخليفة العباسي سنة 223 هـ. وعندها أسر تيمورلنك السلطان بايزيد العثماني سنة 1117 هـ 1401 م. وهي الآن مقر الحكومة التركية. (حواشي النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 10/ 109). (¬2) في الأصل: «خربرت»، والصواب في: النجوم الزاهرة لابن تغري بردي، والجواهر المضيئة، وقضاة دمشق لابن طولون. (¬3) في الأصل: «قال الشهاب بن أحمد»، تحريف، صوابه في: حسن المحاضرة، والدرر الكامنة. (¬4) تكملة عن مسالك الأبصار.

لإحضار أهله من الشرق، فلما جزت البيرة ألجأنا المطر إلى أن نمنا في مغارة، وكنت في جماعة، فبينما أنا نائم إذا بشيء يوقظني، فانتبهت فإذا بامرأة وسط من النساء لها عين واحدة مشقوقة بالطول، فارتعت، فقالت ما عليك، إنما أتيتك لتتزوج ابنة لي كالقمر، فقلت لخوفي منها: على خيرة الله، ثم نظرت، فإذا برجال قد أقبلوا كهيئة المرأة التي أتتني، عيونهم كلّهم مشقوقة بالطول في هيئة قاض وشهود، فخطب القاضي، وعقد، فقبلت. ثم نهضوا، وعادت المرأة، ومعها جارية حسناء إلا أن عينها مثل عين أمها، وتركتها عندي وانصرفت، فزاد خوفي واستيحاشي، وبقيت أرمي من معي بالحجارة لينتبهوا فما انتبه والله واحد منهم (¬1)، فأقبلت علي بالدعاء والتضرع، ثم آن الرحيل فرحلنا وتلك الشابة لا تفارقني، فدمت على هذا ثلاثة أيام وأنا مقبل على الدعاء والتضرع، فلما كان في اليوم الرابع أتتني المرأة، وقالت: كأنّ هذه الشّابّة ما أعجبتك؟ وكأنك تختار فراقها، فقلت أي والله، فقالت: طلقها فطلقتها فانصرفتا ثم [لم] (¬2) أرهما، قال: فسألته إن كان أفضى إليها فزعم أن لا. ولما قدم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون من الكرك سنة تسع وسبعمائة (¬3) تردد إليه ونفق عليه، فجلس مرة هو والقضاة إلى جانبه وقت صلاة الجمعة بالميدان الصغير، فقرأ القارئ عشرا، فسأل السلطان عن معنى آية منه فلم يحر القضاة جوابا، فقال هو للسلطان بالتركي: هؤلاء حمير، ما فيهم من يعرف التفسير، ثم أخذ يفسرها له بالتركي، فقال له: لم لا تقول بالعربي؟ فقال: لأن هؤلاء ما هم أهل لأن أعلمهم، وإنما الخطيب يعرف، ¬

_ (¬1) في مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري، والمقفى للمقريزي: «فما انتبه والله ولا واحد منهم». (¬2) تكملة عن المقفى، ومسالك الأبصار. (¬3) في الأصل «سنة تسع وسبعين وسبعمائة» والصواب في المقفى.

يريد جلال الدين القزوينيّ، وسيتفرج مولانا السلطان عليّ وعليه، ويظهر له ذلك الوقت جهل هؤلاء القضاة، فضحك السلطان وجميع من حضر، ثم نزل الخطيب وصلى، فلما فرع طلبه السلطان، وأعاد السلطان (¬1). فتكلم هو والرازي وتناظرا والقضاة سكوت وقد سقطوا من الأعين كلها، وكان الاستظهار للرازي. 35 - أحمد بن حسين بن علي بن رسلان الشيخ شهاب الدين الرملي الشهير بابن رسلان الشافعي (¬2). الإمام العالم العلامة الزاهد الرباني العارف بالله المنقطع [إليه] (¬3) بركة البلاد القدسية. ولد سنة ثلاث أو خمس وسبعين وسبعمائة بالرملة، ونشأ بها، وحفظ القرآن، وكان أبوه تاجرا وأجلسه في حانوت ليبيع البز فيها، وكان يقبل على المطالعة ويهمل أمرها فظهرت فيها الخسارة، فلامه والده على ذلك، فقال: أنا لا أصلح إلا للمطالعة. فأسلم إليه قياده ولازم الاشتغال، فأخذ النحو عن شخص مغربي قدم عليهم، وتفقه على [الشيخ شمس الدين] (¬4) القلقشندي. وشارك في جميع الفنون إلى أن صار إماما عالما في كل منها؛ لكثرة مذاكرته بما يعرفه، وقصده الخير، وهو مع ذلك شديد الملازمة للخيرات والعبادة، لا تعرف له صبوة، وهو تارة في القدس، وتارة في الرملة، لا تخلو سنة من السنين عن المرابطة على جانب البحر بالأسلحة الجيدة، ويحث ¬

_ (¬1) في المقفى، ومسالك الأبصار: «وأعاد السؤال». (¬2) له ترجمة في: الأنس الجليل لمجير الدين الحنبلي 2/ 174، البدر الطالع للشوكاني 1/ 49، الضوء اللامع للسحاوي 1/ 282، عنوان الزمان للبقاعي 1/ 40. (¬3) تكملة عن: عنوان الزمان. (¬4) بياض في الأصل، أكملته عن: الأنس الجليل، والضوء اللامع.

أصحابه على الشجاعة ومعالي الأخلاق، ويدعو إلى الله سرا وجهرا، ويأخذ على أيدي الظلمة، مع محبة الخمول والشغف بعدم الظهور، ولا يقبل لأحد شيئا، عرضت عليه أشياء من زينة الدنيا فلم يقبل منها شيئا. وانتفع به خلق كثير، منهم الشيخ الإمام العلامة أبو الأسباط أحمد (¬1). وله تصانيف كثيرة نافعة: من أجلها: «شرح سنن أبي داود» في أحد عشر مجلدا، «واختصره بضبط ألفاظه» و «شرح جمع الجوامع» في مجلد، و «شرح منهاج البيضاوي» في مجلدين، وله «تصحيح على الحاوي» و «ألفية نظم في الفقه» عظيمة الجدوى، اعتمد فيها غالبا على «زبد البارزي» (¬2) وسماها «صفوة الزبد وإيضاحها» في مجلد، و «شرح السيرة النبوية» نظم العراقي (¬3)، و «اختصار شرح- العراقي- البخاري» وصل فيه إلى الحج، و «شرح أحاديث ابن أبي حمزة» في مجلد، و «قطعة من ضبط ألفاظ الشفاء» للقاضي عياض، «وقطعة من شرح البهجة» لابن الوردي، و «شرح الحاوي» لم يكمل، و «وقطعة من شرح الملحة» من حروف الجر إلى آخر الكتاب، و «قطع متفرقة من تفسير القرآن العظيم» و «استشكالات على التنقيح والكرماني» كمل منها مجلد، «مختصر حياة الحيوان للدميري» مع زيادات فيه، و «قطعة من النباتات». ¬

_ (¬1) هو: أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أحمد بن منصور بن نعيم، الشهاب أبو الأسباط العامري الرملي، ولد سنة 805 هـ، وقرأ معظم القرآن عند الشهاب بن رسلان وصحبه الى أن مات، توفي سنة 877. (الضوء اللامع للسحاوي 1/ 327). (¬2) هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم الشيخ شرف الدين أبو القاسم البارزي، له تصانيف كثيرة منها: الزبد في الفقه، ولد سنة 645 هـ. ومات سنة 738 هـ. (الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 174). (¬3) هو: الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي من تصانيفه: نظم منهاج البيضاوي، ونظم السيرة النبوية، ولد سنة 725 هـ. وتوفي سنة 806. (ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 370).

وسمع «البخاري» أجمع على أبي الخير (¬1) ابن الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي، أنبأنا الحجّار، أنبأنا الزّبيديّ، أنبأنا أبو الوقت: أنبأنا الداوديّ (¬2) أنبأنا الحمّويي (¬3) أنبأنا الفربريّ، أنبأنا البخاريّ. و «الموطّأ» رواية يحيى بن بكير، على السراج أبي حفص عمر بن محمد ابن علي الصالحي ثم البصروي المعروف بابن الزراتيتي. ومن نظمه: لفاتحة أسماء عشر وواحد ... فأم كتاب والقرآن ووافيه صلاة مع الحمد الأساس ورقية ... شفاء كذا السبع المثاني وكافيه وله أيضا: تواضع وكن في الناس سهلا ميسرا ... لتلقى لهم من فيك درا وجوهرا وإياك يبس الطبع فيهم ترفّعا ... عليهم فترمى بالقبيح وتزدرى ¬

_ (¬1) أحمد بن خليل بن كيكلدي الشهاب أبو الخير بن الحفاظ الصلاح أبي سعيد العلائي الدمشقي ثم المقدسي الشافعي، ولد سنة 723 هـ بدمشق، سمع من الحجار، وسمع منه الأئمة كابن رسلان، توفي سنة 802 هـ. (الضوء اللامع للسحاوي 1/ 296). (¬2) بفتح الدال وسكون الألف وضم الواو الأولى وسكون الثانية، وفي آخرها دال أخرى، نسبة الى من اسمه داود من الآباء. والداودي هو: أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود الداوديّ البوشنجي، سمع أبا محمد الحمويي البوشنجي. روى عنه أبو الوقت السجزي صحيح البخاري عاليا. ولد سنة 374 هـ، وتوفي سنة 467 هـ. (اللباب لابن الأثير 1/ 407). (¬3) في الأصل «الحموي» وكذا في عنوان الزمان للبقاعي، وكلاهما تحريف، والصواب في: اللباب. والحمويي: بفتح الحاء وتشديد الميم وضمها وسكون الواو وفي آخرها ياء، نسبة الى الجد، اشتهر بها أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي الحمويي نزيل فوشنج، سمع من محمد بن يوسف الفربري صحيح البخاري. توفي بعد سنة 380 هـ. (اللباب لابن الأثير 1/ 321).

أما ترى الزرع في سهل البقاع نما ... وفي الصخور فلا زرعا ولا ثمرا ورافع الرأس نحو السقف يلطمها ... ومن يطأطئه في ظله استترا هكذا أنشد هذه الأبيات، والأولان من بحر طويل، والأخيران من البسيط. قال البقاعيّ في معجمه (¬1) فلو قال عوضهما: أما تنظر سهل الربا فزروعها ... زكت، وبصخر لست من مثمر ترى ومن يبتغي سقفا برأس يؤمه ... بلطم ومن طأطأه في ظله جرى لكانت جميعا من بحر الطويل، وهما كما ترى موفيان بالمعنى. مات بالقدس الشريف ثاني عشر من شعبان سنة أربع وأربعين وثمانمائة. 36 - أحمد بن خلف بن عيشون بن خيار أبو العباس الجذامي الإشبيلي المجود، لقب بذلك لحسن أدائه، له مصنف في: «الناسخ والمنسوخ»، ................ ................ ....... (¬2) ¬

_ (¬1) عنوان الزمان للبقاعي 1/ 43. (¬2) بياض في الأصل، وفي حاشية الأصل «تكمل هذه الترجمة من طبقات القراء للذهبي» وهذه ترجمته كاملة من طبقات القراء للذهبي 1/ 390 «أحمد بن خلف بن عيشون بن خيار، أبو العباس الجذامي الإشبيلي، المقرئ الأستاذ. أخذ القراءات، عن أبي عبد الله محمد بن شريح، وأبي الحسن العبسي، وأبي عبد الله السرقسطي، ومحمد بن يحيى العبدي. وتصدر للاقراء في أيام أبي داود بن سليمان بن نجاح، وطال عمره، وأخذ عنه جعفر بن الباذش، وأبو بكر بن خير، وعبد العزيز السمعاني، ونجية ابن يحيى وآخرون. وكان يلقب بالمجود لحسن أدائه، وله مصنف في «الناسخ والمنسوخ». توفي في رجب سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، عن سبع وستين سنة» وانظر ترجمته في: بغية الملتمس للضبي 164، التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار 1/ 38، ذيل الموصول والصلة للمراكشي 1/ 107، طبقات القراء لابن الجرزي 1/ 52. وقد جاء في الأصل «ابن عيسون» وكذا في طبقات القراء للذهبي، وكلاهما تحريف، وضبطه المراكشي في ذيل الموصول والصلة بالعين المفتوحة والياء الساكنة والشين المعجمة المضمومة وواو مد ونون.

37 - أحمد بن داود بن ونند أبو حنيفة الدينوري (¬1). كان نحويا لغويا مع الحساب والهندسة، راوية ثقة ورعا زاهدا، أخذ عن البصريين والكوفيين. وأكثر عن ابن السكيت. وصنّف: «تفسير القرآن»، كتاب «الباه»، «لحن العامة»، «الشعر والشعراء»، «الأنواء»، «النبات» لم يؤلف في معناه مثله، «إصلاح المنطق»، «الفصاحة»، «الجبر والمقابلة»، «البلدان»، «الرد على لغزة» بالغين المعجمة ويقال بالكاف، واسمه الحسن بن عبد الله الأصبهاني. وغير ذلك؛ وكان من نوادر الرجال؛ ممن جمع بين بيان العرب وحكم الفلاسفة. مات في جمادى الأولى سنة إحدى- أو اثنتين- وثمانين، وقيل سنة تسعين ومائتين. 38 - أحمد بن سعد بن محمد أبو العباس العسكري الأندرشي الصوفيّ (¬2). قال الصفدي: شيخ العربية بدمشق في زمانه، أخذ عن أبي حيّان وأبي جعفر بن الزيات، وكان منجمعا عن الناس، حضر يوما عند الشيخ تقيّ الدين السّبكي بعد إمساك الأمير تنكز بخمس سنين، فذكر إمساكه، فقال: وتنكز أمسك؟ فقيل له: نعم، وجاء بعده ثلاثة نوّاب أو أربعة، فقال: ما علمت بشيء من هذا؛ فعجبوا منه ومن انجماعه وانقباضه. وكان بارعا في النحو، مشاركا في الفضائل، تلا على الصائغ وشرح «التسهيل»، واختصر «تهذيب الكمال»، وشرع في «تفسير كبير». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 1/ 41، الجواهر المضيئة لعبد القادر بن محمد القرشي 1/ 67، الفهرست لابن النديم 78، معجم الأدباء لياقوت 1/ 123، نزهة الألباء 240. (¬2) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 145، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 56.

مولده بعد التسعين وستمائة، ومات بعلّة الإسهال في ذي القعدة سنة خمسين وسبعمائة. 39 - أحمد بن سهل أبو زيد البلخيّ (¬1). صاحب التصانيف المشهورة. قال النديم في الفهرست: كان فاضلا في علوم كثيرة، وكان يسلك طريق الفلاسفة، ويقال له؛ جاحظ زمانه، وكان يرمى بالإلحاد. يحكى عن أبي القاسم البلخي أنه قال: هذا رجل مظلوم، وإنما هو موحد يعني معتزليا، وأنا أعرف به من غيري، وقد نشأنا معا وقرأنا المنطق. وذكر الإمام فخر الدين الرازي في شرح الأسماء أن أبا زيد هذا طعن في عدة أحاديث صحيحة، منها حديث (إنّ لله تسعة وتسعين اسما (¬2)). ويظهر في غضون كلامه ما يدل على الانحلال من الازدراء بأهل العلوم الشرعية وغير ذلك. وقد بالغ أبو حيان التوحيدي في إطرائه والرفع من قدره، وأورد من ذلك في كتابه «تقريظ الجاحظ». وذكر ياقوت: أنه كان يسلك في مصنفاته طريقة الفلاسفة، إلا أنه بأهل الأدب أشبه، وكان قيّما بجميع العلوم القديمة والحديثة. ويقال أنه قام في رحلته ثماني سنين، وأخذ عن يعقوب بن إسحاق ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الفهرست لابن النديم 138، لسان الميزان للذهبي 1/ 183، معجم الأدباء لياقوت 1/ 141. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله تعالى، ص 2063. والحديث هناك بتمامه «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة».

الفلسفة وأقام مدة على مذهب الإمامية ثم رجع، ويقال: إنه دخل العراق وتتلمذ ليعقوب بن إسحاق الكندي. ووصفه أبو محمد الوزيريّ: بأنه كان ذا هيبة ووقار، واسع الكلام في الرسائل. ونقل التوحيدي: أن أبا حامد المروزيّ أثنى على تصنيف أبي زيد في التفسير. ولأبي زيد من الكتب: «فضائل مكة على سائر البقاع» و «القرابين والذبائح» و «عصمة الأنبياء» و «نظم القرآن» و «غريب القرآن» و «بيان أن سورة الحمد تنوب عن جميع القرآن» و «السياسة» و «المصادر»، و «البحث عن التأويلات» و «أدب السلطان» و «أخلاق الأمم» و «فضائل بلخ» و «الحروف المقطّعة في أوائل السور» و «كتاب أسماء الله وصفاته» و «أقسام العلوم» و «النحو والتصريف»، «المختصر في اللغة»، «قوارع القرآن»، «ما أغلق من غريب القرآن»، «صناعة الشعر»، «فضل صناعة الكتابة»، «فضيلة علم الأخبار»، «أسامي الأشياء»، «كتاب الأسماء والكنى والألقاب»، «كتاب النوادر في فنون شتّى»، «كتاب في تفسير الفاتحة»، وغير ذلك. مات ليلة السبت لتسع بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة عن بضع وثمانين سنة. 40 - أحمد بن سعيد بن غالب الأموي (¬1). من أهل طليطلة؛ يكنى أبا جعفر، ويعرف: بابن اللّورانكي. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: ترتيب المدارك للقاضي عياض 4/ 819، الصلة لابن بشكوال 1/ 67.

كان من أهل الأدب والفرائض واللغة، دريا بالفتيا، مشاورا في الأحكام، فقيها في المسائل، مشاركا في شرح الحديث والتفسير. وكان متواضعا. توفي في شوال سنة تسع وستين وأربعمائة، وصلى عليه عبد الرحمن ابن مغيث رحمه الله تعالى. 41 - أحمد بن صدقة بن أحمد بن حسن (¬1) بن عبد الله بن محمد بن محمد الشيخ الإمام العلامة، أحد أذكياء الدهر ونادرة العصر، شهاب الدين المعروف بابن الصيرفي (¬2)، المصري، الشافعي. ولد في سابع ذي الحجة سنة تسع وعشرين وثمانمائة. سمع الحديث على الحافظ ابن حجر، وقرأ عليه «شرح النخبة»، وأتقن القراءات والفقه والأصلين، والعربية، والمعاني والبيان والبديع، وفن الأدب، والمنطق، والصرف، والفرائض والحساب، والجبر والمقابلة، والهندسة والهيئة، والحكمة، والحساب المفتوح، والفلك، والمقنطرات، على أشياخ كثيرين منهم: الجلال المحليّ، والمناوي، والعلم البلقينيّ، والأبوتيجي، والحناويّ، والكافيجي، والشرواني، وابن المجديّ، والعلاء القلقشندي، والبدر العينيّ، والتقي الحصنيّ وغيرهم. وأخذ عنه الفضلاء بالقاهرة ومكة، وناب في القضاء عن المناوي فمن بعده، وأتقن المنقولات والمعقولات. وصنّف التصانيف المفيدة، «كشرحه على التبريزي»، و «نظم الإرشاد لابن المقري» وسماه «عين الرشاد»، وشرحه، و «شرح الورقة في أصول الفقه» للامام عز الدين بن جماعة، و «الكافي في العروض» و «مقدمة في ¬

_ (¬1) في الضوء اللامع «حسين». (¬2) له ترجمة في: بدائع الزهور لابن إياس 2/ 365، الضوء اللامع للسحاوي 1/ 316.

الفلك» و «نظم النخبة» لشيخه ابن حجر، وسماها: «عنوان معاني نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر»، و «الحاوي في الحساب لابن الهائم»، وشرح أصله، ونظم في القراءات «قصيدة على روي الشاطبية» ووزنها وأبوابها جمع ما تفرد به كل من الكتب الثلاثة: «التيسير» و «العنوان» و «الشاطبية»، وله «منظومة في العروض» وأخرى في «أصول الفقه»، و «ديوان شعر» و «تفسير مزج على القرآن العظيم»، وله «كتابة على ديوان ابن الفارض» ونظم أشياء في تائيته وهو من رءوس الذابين عن كلامه، الرافعين لأعلامه، وغير ذلك. وكان من محاسن الزمان، مع التواضع المفرط والاعتقاد في الصوفية بتأويل مشكل كلامهم، وحج غير مرة. ومات في منتصف شعبان سنة خمس وتسعمائة، ودفن بتربة بإزاء ضريح ابن الفارض رحمه الله. 42 - أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيمية الحراني (¬1). ثم الدمشقي الحنبلي، الإمام العلامة الفقيه المجتهد الناقد المفسر البارع الأصولي شيخ الإسلام علم الزهاد نادرة دهره تقي الدين أبو العباس، ابن المفتي شهاب الدين عبد الحليم، ابن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين، شهرته تغني عن الإطناب في ذكره، والإسهاب في أمره. ولد يوم الاثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة بحران، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 163، البدر الطالع للشوكاني 1/ 63، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1496، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 154، الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 387، فوات الوفيات 1/ 62، مرآة الجنان لليافعي 4/ 277، المقفي للمقريزي ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ ورقة 96 ب، المنهل الصافي 1/ 336، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 9/ 271.

وقدم به والده وبإخوته إلى دمشق، عند استيلاء التتار على البلاد سنة سبع وستين. فسمع بها من ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، والمجد بن عساكر، ويحيى بن الصيرفي الفقيه. وابن أبي الخير الحداد، والقاسم الإربليّ، والشيخ شمس الدين بن أبي عمر والمسلم بن علان، وإبراهيم بن الدرجي؛ وخلق. وعني بالحديث، وسمع «المسند» مرات، والكتب الستة، و «معجم الطبراني» الكبير، وما لا يحصى من الكتب والأجزاء. وقرأ بنفسه، وكتب بخطه جملة من الأجزاء، وأقبل على العلوم في صغره. فأخذ الفقه والأصول عن والده، وعن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، والشيخ زين الدين بن المنجا. وبرع في ذلك. وقرأ في العربية أياما على ابن عبد القوي، ثم أخذ «كتاب سيبويه»، فتأمله ففهمه. وأقبل على تفسير القرآن الكريم، وبرز فيه، وأحكم أصول الفقه. والفرائض والحساب والجبر والمقابلة، وغير ذلك من العلوم، ونظر في علم الكلام والفلسفة وبرز في ذلك على أهله، ورد على رؤسائهم وأكابرهم، ومهر في هذه الفضائل. وتأهل للفتوى والتدريس، وله دون العشرين سنة، وأفتى من قبل العشرين أيضا، وأمده الله بكثرة الكتب وسرعة الحفظ، وقوة الإدراك والفهم، وبطء النسيان، حتى قال غير واحد: إنه لم يكن يحفظ شيئا فينساه، ثم توفي والده وكان له حينئذ إحدى وعشرين سنة. فقام بوظائفه بعده، فدرس بدار الحديث السكرية في أول سنة ثلاث وثمانين. وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي. والشيخ تاج الدين

الفزاري، وزين الدين بن المرحل (¬1). والشيخ زين الدين بن المنجا، وجماعة، وذكر درسا عظيما في البسملة. وهو مشهور بين الناس، وعظّمه الجماعة الحاضرون، وأثنوا عليه ثناء كثيرا. قال الذهبي: وكان الشيخ تاج الدين الفزاري، يبالغ في تعظيمه، بحيث أنه علق بخطه درسه بالسكرية، ثم جلس عقب ذلك مكان والده بالجامع على منبر أيام الجمع، لتفسير القرآن العظيم، وشرع من أول القرآن، وكان يورد من حفظه في المجلس نحو كراسين أو أكثر، وبقي يفسر في سورة نوح عليه السلام، عدة سنين أياما يوم أجمع. وفي سنة تسعين: ذكر على الكرسي يوم جمعة شيئا من الصفات، فقام بعض المخالفين، وسعوا في منعه من الجلوس، فلم يمكنهم ذلك. وقال قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويّيّ: أنا على اعتقاد الشيخ تقي الدين، فعوتب في ذلك. فقال: لأن ذهنه صحيح، ومواده كثيرة. فهو لا يقول إلا الصحيح، فقال الشيخ شرف الدين المقدسي: أنا أرجو بركته ودعاءه، وهو صاحبي وأخي، ذكر ذلك البرزالي في «تاريخه». وشرع الشيخ في الجمع والتصنيف من دون العشرين، ولم يزل في علو وازدياد من العلم والقدر إلى آخر عمره. قال الذهبي في «معجم شيوخه»: برع في تفسير القرآن، وغاص في دقيق معانيه بطبع سيال، وخاطر إلى مواقع الإشكال ميّال، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها. وبرع في الحديث وحفظه، فقلّ من يحفظ ما يحفظه ¬

_ (¬1) في الأصل «ابن المرجل» تحريف، والصواب في «المقفى» للمقريزي وهو: زين الدين أبو حفص عمر بن مكي بن عبد الصمد. كان من علماء زمانه، دينا متمسكا بطريقة السلف، درس وأفتى وناظر، وولي خطابة دمشق. مات في ربيع الأول سنة 691 هـ. (حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 419).

معزوا إلى أصوله وصحابته، مع شدة استحضار له وقت إقامة الدليل، وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب، وفتاوى الصحابة والتابعين، بحيث أنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب بل بما يقوم دليله عنده، وأتقن العربية أصولا وفروعا وتعليلا واختلافا، ونظر في العقليات، وعرف أقوال المتكلمين، وردّ عليهم، ونبه على أخطائهم، وحذّر منهم، ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين. وأوذي في ذات الله من المخالفين، وأخيف في نصر السنة المحضة، حتى أعلى الله مناره، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له، وكبت أعداءه، وهدى به رجالا من أهل الملل والنحل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالبا، وعلى طاعته، وأحيى به الشام، بل الإسلام، بعد أن كاد ينثلم بتثبيت أولي الأمر لما أقبل حزب التتر والبغي في خيلائهم، فظنت بالله الظنون، وزلزل المؤمنون، واشرأبّ النفاق وأبدى صفحته، ومحاسنه كثيرة، وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي، فلو حلفت بين الركن والمقام، لحلفت: أني ما رأيت بعيني مثله، وأنه ما رأى مثل نفسه. قال الذهبي: وقد قرأت بخط شيخنا العلامة كمال الدين بن الزملكاني، ما كتبه سنة بضع وتسعين تحت اسم «ابن تيمية» كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع: أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحدا لا يعرفه مثله. وكان الفقهاء من سائر الوظائف إذا جالسوه استفادوا في مذاهبهم منه أشياء كثيرة، ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم- سواء كان من علم الشرع أو غيره- إلا فاق فيه أهله، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها. وأما تصانيفه رحمه الله فهي أشهر من أن تذكر، وأعرف من أن تنكر.

سارت مسير الشمس في الأقطار، وامتلأت بها البلاد والأمصار، قد جاوزت حد الكثرة، فلا يمكن أحد حصرها، ولا يتسع هذا الكلام لعد المعروف منها ولا ذكرها. وقد بلغت ثلاثمائة مجلدة. وكتب بخطه من التصانيف والتعاليق المفيدة. والفتاوى المشبعة في الأفرع والأصول والحديث ورد البدع بالكتاب والسنة شيئا كثيرا، يبلغ عدة احمال، فمما كمل منها «كتاب الصارم المسلول على منتقص الرسول» و «كتاب تبطيل التحليل» و «كتاب اقتضاء الصراط المستقيم» و «كتاب تأسيس التقديس» في عدة مجلدات، و «كتاب الرد على طوائف الشيعة» أربع مجلدات. و «كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام»، و «كتاب السياسة الشرعية»، و «كتاب التصوف»، و «كتاب الكلم الطيب»، و «كتاب مناسك الحج»، وغير ذلك. وقد امتحن وأوذي مرارا ومات في سحر ليلة الاثنين والعشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة معتقلا بقلعة الشام، وقد وقع أجره على الله. 43 - أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن الحافظ ولي الدين أبو زرعة (¬1). ابن الحافظ الكبير زين الدين العراقي الشافعي. ولد في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وسبعمائة، واعتنى به والده، وأسمعه الكثير من أصحاب الفخر البخاريّ وغيرهم، واستملى على أبيه، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البدر الطالع للشوكاني 1/ 72، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 363، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 284 رفع الأصر لابن تغري بردي 1/ 81، الضوء اللامع للسحاوي 1/ 336، المنهل الصافي لابن تغري بردي 1/ 312.

ولازم البلقينيّ في الفقه وغيره، وتخرج به، وأخذ عن البرهان الأبناسيّ، وابن الملقن، والضياء القزوينيّ، وغيرهم. وبرع في الفنون، وكان إماما محدّثا حافظا فقيها محققا أصوليا صالحا له الخبرة التامة بالتفسير والعربية. وصنف التصانيف الكثيرة والنافعة «كشرح سنن أبي داود» لم يتم و «شرح البهجة في الفقه»، و «مختصر المهذب»، و «النكت على الحاوي»، و «التنبيه» و «شرح جمع الجوامع في الأصول»، «وحاشية على الكشاف»، و «نكت الأطراف» و «المهمات»، و «أشياء في الحديث»، وأملى أكثر من ستمائة مجلس، وولي القضاء بالديار المصرية بعد الجلال البلقيني. مات في السابع والعشرين من شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة. 44 - أحمد بن أبي الفرج عبد الله بن شهاب الدين المعروف بابن البابا فرج النجيبي الشافعي (¬1). برع في الفقه، وقال الشعر الجيد، وأتقن العربية، وقرأ بالسبع، وعرف التفسير. والحديث والأصلين والطب، وكتب الخط الحسن، مع الدين والمروءة. أخذ عن العلم العراقي وغيره، ودرّس الحديث بالقبة من خانقاه بيبرس. ومات في آخر سنة تسع وأربعين وسبعمائة مطعونا. ومن شعره قوله في قاضي القضاة بدر الدين محمد (¬2) بن جماعة وقد عزم على الحج فلما ركب بغلته سقط عن ظهرها فوقعت عمامته وانكشفت رأسه. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 128، المقفى للمقريزي، ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ، ورقة 120 ب. (¬2) في الأصل «بدر الدين بن محمد» تحريف، صوابه في: ذيل تذكرة الحفاظ.

شعر: بشراك يا قاضي القضاة بحجة ... تكسوك من حلل الكمال لبوسا (¬1) قد شاقك الإحرام لما شقته ... فأبى يقبل رأسك المحروسا 45 - أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم بن أحمد بن محمد بن سليم ابن محمد القيسيّ تاج الدين أبو محمد الحنفي الفقيه النّحوي (¬2). ولد في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وأخذ النحو عن البهاء ابن النّحّاس، ولازم أبا حيّان دهرا طويلا، وتفقه على السّروجيّ وغيره، وتقدّم في الفقه والنحو واللغة، ودرّس وناب في الحكم، وكان سمع من الدّمياطي اتفاقا قبل أن يطلب، ثم أقبل على سماع الحديث ونسخ الأجزاء فأكثر عن أصحاب النّجيب،؟؟؟ علاق، وهذه الطبقة. وقال في ذلك (¬3). وعاب سماعي للحديث وبعد ما ... كبرت أناس هم إلى العيب أقرب وقالوا إمام في علوم كثيرة ... يروح ويغدو سالما يتطلّب فقلت مجيبا عن مقالتهم وقد ... غدوت لجهل منهم أتعجّب إذا استدرك الإنسان ما فات من علا ... فللحزم يعزي لا إلى الجهل ينسب وقد سمع منه ابن رافع وذكره في معجمه. ¬

_ (¬1) المقفى للمقريزي. (¬2) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 12، الجواهر المضيئة لعبد القادر بن محمد القرشي 1/ 75، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 470، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 186، الطبقات السنية 1/ 440، طبقات القراء للذهبي 2/ 602، المقفى ص 52، ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ ورقة 105 أ. (¬3) الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 186.

وله تصانيف منها: «الجمع بين العباب والمحكم في اللغة»، «شرح الهداية في الفقه»، «الجمع المثناة في أخبار اللغويين والنحاة» عشر مجلدات، «شرح كافية ابن الحاجب»، «شرح شافيته»، «شرح الفصيح» «الدر اللّقيط من البحر المحيط» في التفسير، قصره على مباحث أبي حيّان مع ابن عطية والزمخشريّ، «التذكرة» ثلاث مجلدات، سماها قيد الأوابد. مات في الطاعون العام في شهر رمضان سنة تسع وأربعين وسبعمائة. ومن شعره (¬1): ما على العالم المهذّب عار ... إن غدا خاملا وذو الجهل سامي فاللّباب الشّهيّ بالقشر خاف ... ومصون الثمار تحت الكمام والمقادير لا تلام بحال ... والأماني حقيقة بالملام وأخو الفهم من تزوّد للمو ... ت وخلى الدنيا لنهب الطغام ومنه (¬2): نفضت يدي من الدنيا ... ولم أضرع لمخلوق لعلمي أن رزقي لا ... يجاوزني لمرزوق ومن عظمت جهالته ... يرى فعلي من الموق 46 - أحمد بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الرّبعيّ الباغاني المقرئ (¬3). ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 187. البيتان الأولان فقط. والبيت الثالث في: المقفى للمقريزي، ورقة 105 أ. (¬2) الطبقات السنية لتقي الدين الغزي 1/ 442. (¬3) له ترجمة في ترتيب المدارك للقاضي عياض 4/ 680، الديباج المذهب لابن فرحون 38، الصلة لابن بشكوال 1/ 87.

ويكنى أبا العباس، مولده «بباغا» (¬1) مدينة بأقصى إفريقية، سنه خمس وأربعين وثلاثمائة، وقدّم إلى الأقراء بالمسجد الجامع بقرطبة واستأدبه المنصور محمد بن أبي عامر لابنه عبد الرحمن، ثم عتب عليه فأقصاه، ثم رقّاه المؤيد بالله هشام بن الحكم في دولته الثانية إلى خطة الشورى بقرطبة مكان أبي عمر الإشبيلي الفقيه على يد قاضيه أبي بكر بن واقد ولم يطل أمده. وكان من أهل العلم والحفظ والذكاء، وكان في حفظه آية من آيات الله تعالى وكان بحرا من بحور العلم، وكان لا نظير له في حفظ القرآن قراءاته وإعرابه وأحكامه وناسخه ومنسوخه. وله كتاب حسن في «أحكام القرآن» نحا فيه نحوا حسنا وهو على مذهب مالك رحمه الله تعالى. وروى بمصر عن أبي الطبيب بن غلبون، وأبي بكر الأدفوي وغيرهما. توفي في يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة إحدى وأربعمائة مع أبي عمرو (¬2) الاشبيليّ في عام واحد. 47 - أحمد بن علي بن أحمد بن أفلح رزقون (¬3). - بالراء المهملة (¬4) والزاي المعجمة بعدها- ابن سحنون المرسيّ الفقيه المالكي المقرئ. ¬

_ (¬1) في الأصل «ببغاي» تحريف، والصواب في الصلة لابن بشكوال 1/ 87. (¬2) في الصلة: «أبي عمر». (¬3) له ترجمة في: تاريخ الاسلام للذهبي، وفيات سنة 542، الديباج المذهب لابن فرحون 52، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 83، طبقات القراء للذهبي 2/ 408، طبقات المفسرين للسيوطي 4. (¬4) وضبطه بتقديم الراء المهملة أيضا، ابن فرحون في: الديباج المذهب. وابن حجر، في تبصير المنتبه. وفي طبقات القراء للذهبي، وطبقات القراء لابن الجزري «زرقون» وهو تحريف.

قال الذهبي: كان فقيها مشاورا حافظا محدثا مفسرا نحويا، سمع من أبي عبد الله بن الفرج الطلاعي، وأبي علي الغساني، وأخذ القراءات عن أبي الحسن بن الجزار الضّرير صاحب مكي، وتصدر للإقراء بالجزيرة الخضراء، وأخذ الناس عنه. روى عنه أبو حفص بن عذرة، وابن خير، وجماعة، آخرهم أحمد بن أبي جعفر بن فطيس الغافقي. مات في ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. [48] أحمد بن علي بن أبي جعفر بن أبي صالح الإمام أبو جعفر البيهقيّ النحوي المفسر المعروف ببو جعفرك (¬1). نزيل نيسابور وعالمها، قال ابن السمعاني، كان إماما في القراءة والتفسير والنحو واللغة. له المصنفات المشهورة منها «تاج المصادر»، سمع أحمد بن صاعد، وعلي ابن الحسن بن العباس الصندلي، وله تلامذة نجباء، وكان لا يخرج من بيته إلا [في] (¬2) أوقات الصلوات، وكان يزار ويتبرّك به. ولد في حدود السبعين وأربعمائة، ومات في آخر رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة فرحمه الله تعالى. 49 - أحمد بن علي المهرجاني المقرئ ... (¬3) له «جوابات ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 1/ 89، طبقات المفسرين للأدنةوي ميكروفيلم بدار الكتب رقم 3466 ورقة 44 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 4، معجم الأدباء لياقوت الحمويي 1/ 414. والبيهقي، بفتح الباء وسكون الياء: منسوب الى بيهق، وهي قرى مجتمعة بنواحي نيسابور. والكاف في «جعفرك» للتصغير، بالفارسية. قاله السيوطي في بغية الوعاة، وياقوت في معجم الأدباء. (¬2) تكملة عن: معجم الأدباء، وطبقات المفسرين للسيوطي. (¬3) بياض في الأصل وذكره ابن النديم في الفهرست ص 38 ولم يزد عن ذلك، فقال: أحمد ابن علي المهرجاني المقرئ، له: «جوابات القرآن».

القرآن» ................ ........... (¬1) ................ ................ ........ (¬2) 50 - أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي .......... (¬3) توفي في العشر الأول من ذي الحجة سنة ست وسبعين وثلاث مائة. صنف «أحكام القرآن»، «شرح مختصر الطحاوي»، «شرح الجامع الكبير» لمحمد بن الحسن، «شرح الجامع الكبير» النسخة الثانية، «المناسك» لطيف، ................ .......... (¬4) 51 - أحمد بن عمار الإمام أبو العباس المهدوي (¬5). نسبة إلى المهدية بالمغرب، أستاذ مشهور، رحل وقرأ على: محمد بن ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، وفي حاشية لعبد القادر بن محمد القرشي الأصل «تراجع ترجمته من طبقات الحنفية». جاءت ترجمته في الجواهر المضيئة لعبد القادر بن محمد القرشي 1/ 84: أحمد بن علي أبو بكر الرازي الامام الكبير الشأن المعروف بالجصاص وهو لقب له، ولد سنة 305 هـ. سكن بغداد، وعنه أخذ فقهاؤها، قال الخطيب: كان أمام أصحاب أبي حنيفة في وقته، وكان مشهورا بالزهد. تفقه على أبي سهل الزجاج صاحب كتاب الرياضة. وله من المصنفات: أحكام القرآن، وشرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي، وشرح مختصر الطحاوي، وشرح الجامع لمحمد بن الحسن، وشرح الأسماء الحسنى، قال ابن النجار: توفي في يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة 370 هـ. وانظر ترجمته في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 6، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 4/ 314، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 959، الفوائد البهية للكنوي 27، مفتاح السعادة 2/ 183، المنتظم لابن الجوزي 7/ 105، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 138. (¬2) بياض في الأصل، وفي حاشية لعبد القادر بن محمد القرشي الأصل «تراجع ترجمته من طبقات الحنفية». جاءت ترجمته في الجواهر المضيئة لعبد القادر بن محمد القرشي 1/ 84: أحمد بن علي أبو بكر الرازي الامام الكبير الشأن المعروف بالجصاص وهو لقب له، ولد سنة 305 هـ. سكن بغداد، وعنه أخذ فقهاؤها، قال الخطيب: كان أمام أصحاب أبي حنيفة في وقته، وكان مشهورا بالزهد. تفقه على أبي سهل الزجاج صاحب كتاب الرياضة. وله من المصنفات: أحكام القرآن، وشرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي، وشرح مختصر الطحاوي، وشرح الجامع لمحمد بن الحسن، وشرح الأسماء الحسنى، قال ابن النجار: توفي في يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة 370 هـ. وانظر ترجمته في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 6، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 4/ 314، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 959، الفوائد البهية للكنوي 27، مفتاح السعادة 2/ 183، المنتظم لابن الجوزي 7/ 105، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 138. (¬3) بياض في الأصل. (¬4) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 1/ 91، الصلة لابن بشكوال 1/ 88، طبقات القراء لابن الجرزي 1/ 92، طبقات المفسرين للسيوطي 5، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 227، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 84. والمهدوي: نسبة الى المهدية، بينها وبين القيروان مرحلتان؛ بناها أحمد بن إسماعيل المهدي على ساحل البحر. (معجم البلدان لياقوت 4/ 694). (¬5) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 1/ 91، الصلة لابن بشكوال 1/ 88، طبقات القراء لابن الجرزي 1/ 92، طبقات المفسرين للسيوطي 5، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 227، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 84. والمهدوي: نسبة الى المهدية، بينها وبين القيروان مرحلتان؛ بناها أحمد بن إسماعيل المهدي على ساحل البحر. (معجم البلدان لياقوت 4/ 694).

سفيان، وعلى: جده لأمه مهدي بن إبراهيم، وأبي الحسن أحمد بن محمد القنطري بمكة. ألف التواليف منها: «التفسير المشهور»، «الهداية في القراءات السبع»، وهو الذي ذكره الشاطي في باب الاستعاذة، روى عن أبي الحسن القابسي. قرأ عليه غانم بن الوليد، وغيره. قال الذهبي: توفي بعد الثلاثين وأربعمائة رحمه الله تعالى. 52 - أحمد بن عمر بن هلال الربيعي (¬1). نسبة إلى ربيعة الفرس بن نزار بن معد بن عدنان المالكي، إمام عادل فاضل متفنن في علوم شتى، كان فاضلا في الفقه والأصلين والعربية والمعاني والبيان. سمع الحديث على: الشيخ تقي الدين بن عرّام وغيره، وتفقه بقاضي القضاة فخر الدين بن المخلطة (¬2)، وبسراج الدين عمر بن علي المراكشي، وبزين الدين أبي أحمد عبد الملك بن رستم السكندري، وأخذ الأصول عن الشيخ شمس الدين الأصبهاني، والعربية عن الإمام أثير الدين أبي حيّان. ورحل من الإسكندرية إلى القاهرة. فأخذ بها الفقه عن الشيخ الولي العارف بالله تعالى عبد الله المنوفي، والإمام شرف الدين أبي موسى بن علي ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 458، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 246، الديباج المذهب لابن فرحون 82. (¬2) هو: أحمد بن محمد بن عبد الله الإسكندري المالكي، مهر في الفقه والعربية، ورحل الى دمشق، فأخذ عن الذهبي، ثم ولي قضاء الاسكندرية، مات سنة 759 هـ. (الدرر الكامنة 1/ 295).

الزواوي، وقاضي القضاة تقي الدين الإخنائيّ (¬1)، وشرف الدين عيسى المغيلي وغيرهم. وله تواليف عدة، منها «شرح ابن الحاجب الفقهي» في ثمانية أسفار كبار، وكان قد شرحه شرحا مطولا ثم تركه فلم يكمله لطوله، وله على مختصر ابن الحاجب الأصلي «شرحان»، وله «شرح على كافية ابن الحاجب في العربية» لم يكمله، وله «تأليف مستقل على الأشكال الأربعة» التي في مختصر ابن الحاجب الأصلي، سماه «رفع الإشكال عما في المختصر من الأشكال»، وله «تفسير آية الكرسي» أتى فيه بفوائد كثيرة، لقيه الشيخ برهان الدين بن فرحون بدمشق، قال، وكان مع مجموع فضائله خامل الذكر، كثير العزلة عن أهل المناصب، بل عن الناس ما عدا خواص طلبته. توفي سنة خمس وتسعين وسبعمائة. 53 - أحمد بن عمر بن محمد بن عبد الله (¬2). أبو الجنّاب- بفتح الجيم وبعدها نون مشددة وباء موحدة- الشيخ الإمام الزاهد الكبير المعروف بالشيخ نجم الدين الكبراء، جمع كبير بالباء الموحدة، وقيل على صيغة فعلى كعظمى الخيوقي (وخيوق (¬3)) بفتح الخاء المعجمة وقد تكسر، وآخرها قاف من قرى خوارزم، الشافعي. ¬

_ (¬1) تقي الدين محمد بن أبي بكر السعدي المعروف بابن الاخنائي، كان من عدول القضاة وخيارهم، ولد سنة 658 هـ. ومات سنة 750 هـ. (حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 460). والاخنائي، بالكسر، نسبة لاخنا، مقصورة، بلد بقرب الاسكندرية من الغربية. (الضوء اللامع للسحاوي 11/ 183). (¬2) له ترجمة في: سير أعلام النبلاء للذهبي ج 13 ق 1 ورقة 143 ب طبقات الشافعية للسبكي (ط. الحسينية) 5/ 11، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 42، طبقات المفسرين للأدنةوي، ميكروفيلم بدار الكتب رقم 3466، ورقة 51 أ، العبر للذهبي 5/ 73، المقفى، ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ، ورقة 118 أ. (¬3) تكملة عن العبر للذهبي.

قال الذهبي: سمعت أبا العلاء الفرضي، يقول: إنما هو نجم الكبراء، ثم غير فقيل: نجم الدين الكبراء، كان إماما زاهدا صوفيا فقيها مفسرا، له عظمة في النفوس وجاه عظيم، ولد بقرية من قرى خوارزم، يقال لها: «خيوق» في سنة خمس وأربعين وخمسمائة. طاف البلاد وقدم القاهرة ونزل بالخانكاه الصلاحية سعيد السعداء، وسمع بالإسكندرية من الحافظ السلفي، وبتبريز من محمد بن أسعد، وبأصبهان من أبي المكارم أحمد بن محمد اللبان، وأبي سعيد خليل بن بدر ابن ثابت، وأبي عبد الله محمد بن أبي زيد الكرّانيّ، وأبي جعفر محمد بن أحمد ابن نصر الصيدلانيّ، وأبي الحسن مسعود بن أبي منصور الجمّال، وبهمذان من الحافظ أبي العلاء، وبنيسابور من أبي المعالي الفراويّ. وحدث بخوارزم، وكتب عنه عامة الرّحّالة من أهل الحديث وغيرهم. روى عنه عبد العزيز بن هلالة، وناصر بن منصور، والشيخ سيف الدين الباخرزي، وآخرون. [قال] (¬1) ابن نقطة: هو شافعيّ المذهب إمام في السنة. وقال ابن هلالة: جلست عنده في الحلقة مرارا فوجدت من بركته شيئا عظيما، و «فسر القرآن الكريم» في اثنتي عشرة مجلدة، وله عدة رسائل في التصوف وكان له معرفة بالفقه والجبر، وصار من كبار مشايخ الصوفية، وانتهت إليه المشيخة بناحية خوارزم وما يليها، وكثر أتباعه وانتشر مريدوه في تلك النواحي، وانتفع به خلائق في سلوك طريق الله تعالى. واجتمع به الإمام فخر الدين الرازي فاعترف بفضله، واستوطن خوارزم ¬

_ (¬1) تكملة عن: طبقات الشافعية للسبكي.

إلى أن قصدتها التتار في ربيع الأول سنة ثماني عشرة وستمائة، فخرج فيمن خرج لقتالهم مع جماعة من مريديه، وكانوا نحو الثمانين، فقاتلوا إلى أن استشهدوا جميعا على باب البلد، بعد أن قاتلوا معه، وجاهدوا في سبيل الله، حتى أكرمهم الله معه بالشهادة، رحمهم الله وإيانا. 54 - أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب أبو الحسين اللغوي (¬1). صاحب «المجمل». قال ياقوت في معجمه: ذكره السّلفيّ في «شرح مقدمة معالم السنن» للخطّابيّ، فقال أصله من قزوين. وقال غيره: إنه أخذ عن أبي بكر، أحمد بن الحسن الخطيب راوية ثعلب، وأبي الحسن علي بن إبراهيم القطّان، وعليّ بن عبد العزيز المكي صاحب أبي عبيد وأبي القاسم سليمان بن أحمد الطّبراني (¬2). وكان مقيما بهمذان ثم حمل منها إلى الرّيّ ليقرأ عليه أبو طالب بن فخر ¬

_ (¬1) وردت له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 1/ 92، الديباج المذهب لابن فرحون 36، طبقات المفسرين للسيوطي 5، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 230، الفهرست لابن النديم 80، معجم الأدباء لياقوت 2/ 6، مفتاح السعادة لطاش كبرى زادة 1/ 109، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 112، نزهة الألباء 230، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 100، يتيمة الدهر للثعالبي 3/ 400. وفي حواشي إنباه الرواة مراجع أخرى لترجمة أحمد بن فارس. (¬2) في الأصل «الطهراني» تحريف. صوابه في: معجم الأدباء لياقوت الحموي. والطبراني: بفتح الطاء والباء الموحدة والراء وبعد الألف نون، نسبة الى طبرية الشام، وهي مدينة بالأردن. منها أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني اللخمي، رحل في طلب الحديث، وسكن أصبهان الى أن مات بها سنة 360 هـ. (اللباب لابن الأثير 2/ 80).

الدولة فسكنها، وكان شافعيا فتحول مالكيا، وقال: أخذتني الحميّة لهذا الإمام المقبول القول على جميع الألسنة، أن يخلو مثل هذا البلد عن مذهبه. وكان الصاحب بن عبّاد يتتلمذ له، ويقول: شيخنا ممن رزق حسن التصنيف. وقرأ عليه البديع الهمذاني، وكان كريما جوادا ربما سئل فيهب ثيابه وفرش بيته. وله من التصانيف: «جامع التأويل في تفسير القرآن» أربع مجلدات، «كتاب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم»، «كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم»، «تفسير أسماء النبي صلى الله عليه وسلم»، «كتاب غريب إعراب القرآن»، «كتاب فقه اللغة»، «كتاب المجمل في اللغة»، «كتاب دارات العرب»، «كتاب الليل والنهار»، «كتاب العم والخال»، «كتاب خلق» «الإنسان» «كتاب الشيات والحلى»، «كتاب مقاييس اللغة». قال ياقوت: وهو كتاب جليل لم يصنّف مثله، «مقدمة في النحو» «ذم الخطأ في الشعر»، «فتاوى فقيه العرب»، «الاتباع والمزاوجة»، «اختلاف النحويين»، «الانتصار لثعلب»، «الحماسة المحدثة»، وغير ذلك. وكان نحويا على طريقة الكوفيين. قال الذهبي: مات سنة خمس وتسعين وثلاثمائة بالري، وهو أصح ما قيل في وفاته. قال ياقوت: وقال قبل وفاته بيومين:

شعر: يا رب إن ذنوبي قد أحطت بها ... علما وبي وبإعلاني وإسراري (¬1) أنا الموحد لكني المقر بها ... فهب ذنوبي لتوحيدي وإقراري وله: مرّت بنا هيفاء مقدودة ... تركيّة تنمي لتركيّ (¬2) ترنو بطرف فاتن فاتر ... كأنه حجة نحويّ وله: إذا كنت في حاجة مرسلا ... وأنت بها كلف مغرم فأرسل حكيما ولا توصه ... وذاك الحكيم هو الدّرهم وله: قد قال فيما مضى حكيم ... ما المرء إلّا بأصغريه (¬3) فقلت قول امرئ لبيب ... ما المرء إلا بدرهميه من لم يكن معه درهماه ... م تلتفت عرسه إليه وكان من ذلّه حقيرا ... تبول سنّوره عليه 55 - أحمد بن الفرات بن خالد الحافظ الحجة أبو مسعود الضبيّ الرازيّ (¬4). ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت الحموي 2/ 6. (¬2) المصدر السابق 2/ 9. (¬3) نفس المصدر 2/ 12. (¬4) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 544، تهذيب التهذيب لابن حجر 1/ 66، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 9، الرسالة المستطرفة للكتاني 87، العبر للذهبي 2/ 16، مرآة الجنان لليافعي 2/ 169، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 127، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 29.

نزيل أصبهان، وصاحب التصانيف، «التفسير» وغيره، سمع عبد الله ابن نمير وأبا أسامة، ويزيد بن هارون، وابن أبي فديك، وعبد الرزاق، وأكثر الترحال في لقاء الرجال. حدث عنه أبو داود، وابن أبي عاصم، والفريابي، وعبد الرحمن بن يحيى ابن منده، وعبد الله بن جعفر بن فارس، وآخرون. قال إبراهيم بن محمد الطيان: سمعت أبا مسعود يقول: كتبت عن ألف وسبعمائة شيخ، وكتبت ألف ألف حديث وخمسمائة ألف، فعملت من ذلك في تواليفي خمسمائة ألف حديث. وعن أحمد بن حنبل قال: ما أظن بقي أحد أعرف بالمسندات من ابن الفرات. قال أبو عروبة: هو في عداد أبي بكر بن أبي شيبة في الحفظ، وأحمد بن سليمان الرّهاويّ في التثبت. وقال ابن عدي: لا أعلم له رواية منكرة، وهو من أهل الصدق والحفظ. قال أبو عمران الطّرسوسي سمعت الأثرم يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما تحت أديم السماء أحفظ لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي مسعود الرّازيّ. وعن أبي مسعود قال: كتبت الحديث وأنا ابن اثنتي عشرة سنة، وذكرت بالحفظ ولي ثماني عشرة سنة. وسئل أبو بكر الأعين أيما أحفظ أبو مسعود، أو الشّاذكونيّ؟ فقال: أما

المسند فأبو مسعود، وأما المنقطع فالشّاذكونيّ. توفي في شعبان سنة ثمان وخمسين ومائتين، فرحمه الله وإيانا. 56 - أحمد بن فرح- بالحاء المهملة- ابن جبريل أبو جعفر البغدادي العسكري (¬1). الضرير المقرئ المفسر، قرأ على أبي عمر الدّوري، وأقرأ الناس مدة. وحدث عن علي بن المديني، وأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة، وأبي الربيع الزّهراني، وعنه أحمد بن جعفر الختّلي (¬2)، وابن سمعان. وكان ثقة عالما بالقرآن واللغة، بصيرا بالتفسير، قرأ عليه أبو بكر النقّاش وغيره. مات بالكوفة في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثمائة. 57 - أحمد بن قلمشاه أبو العباس القونوي الحنفي (¬3). قاضي القضاة بمدينة قونية من بلاد الروم أكثر من ثلاثين سنة، كان عالما بالتفسير والفقه والنحو والأصلين، ودرّس بقونية بالمصلحية والنظامية وغيرهما. ذكره القرشي في طبقات الحنفية، ولم يؤرخ وفاته. 58 - أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة بن منصور بن كعب بن يزيد أبو بكر البغدادي (¬4). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 4/ 345، طبقات القراء لابن الجرزي 1/ 95، العبر للذهبي 2/ 125. (¬2) بضم الخاء والتاء المشدّدة نسبة الى الختل. قرية على طريق خراسان. (اللباب لابن الأثير 1/ 345). (¬3) له ترجمة في: الجواهر المضيئة لعبد القادر بن محمد القرشي 1/ 90. (¬4) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 1/ 97، تاج التراجم لابن قطلوبغا 14، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 4/ 357، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 90، طبقات القراء لابن الجرزي 1/ 98، الفهرست لابن النديم 32، اللباب لابن الأثير 2/ 13، لسان الميزان للذهبي 1/ 249، معجم الأدباء لياقوت 2/ 16، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 129.

القاضي الحافظ يعرف بوكيع، صاحب التصانيف، وأحد أصحاب ابن جرير، ولد بسرّمن رأى سنة ستين ومائتين. روى القراءة عرضا عن أبي بكر الأصبهاني، ومحمد بن يحيى الكسائي، وأحمد بن يعقوب بن أخي العرق، وعبد الله بن أحمد الفسطاطيّ، وأبي بكر ابن التمّار. وروى عن أبي قلابة الرقاشيّ وغيره، روى عنه أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبريّ، وقرأ عليه أبو بكر بن مهران، والحسن بن علي بن الزمن، وأحمد بن محمد بن عبدون، وإبراهيم بن أحمد المروزيّ، والدارقطنيّ، وسئل عنه فقال: كان متساهلا وربما حدث من حفظه بما ليس في كتابه، وأهلكه العجب فاختار لنفسه مذهبا ومشّاه غيره. وقال ابن رزقويه: لم تر عيناي مثله. قال الخطيب: كان عالما بالأحكام وعلوم القرآن والنحو والشعر والتاريخ وأصحاب الحديث، تقلد قضاء الكوفة، وكان أولا جريري المذهب، ثم اختار لنفسه مذهبا، وأملى «كتابا في السير»، وتكلم على الأخبار. وحدث عن محمد بن سعد العوفيّ، وعبد الله بن روح المدائنيّ، وابن أبي خيثمة، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وإبراهيم بن الهيثم البلدي، وخلق كثير. وعنه الدارقطني، والمرزباني، وجماعة من القدماء، وابن رزقويه، وابن الفضل، وابن شاذان، وأبو الحسن بن الحمامي. وقال الخطيب: أخبرنا الحسن بن أبي بكر، قال: سمعت أحمد بن كامل القاضي يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقرأت عليه الفاتحة وخمسين آية من سورة البقرة.

وصنف «غريب القرآن» «القراءات» «كتاب التقريب في كشف الغريب» «كتاب موجز التأويل عن معجز التنزيل» «كتاب الوقوف» «كتاب التاريخ» «كتاب المختصر في الفقه» «كتاب الشروط الكبير» و «الصغير» «كتاب أخبار القضاة» «أخبار الشعراء» وغير ذلك. مات يوم الأربعاء لثمان خلون من المحرم سنة خمسين وقيل خمس وثلاثمائة. 59 - أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق النّيسابوري الثّعلبيّ (¬1) صاحب «التفسير». كان أوحد زمانه في علم القرآن وله كتاب «العرائس في قصص الأنبياء عليهم السلام» وكتاب «ربيع المذكرين» قال ابن السّمعانيّ: يقال له الثّعلبي، والثّعالبي، وهو لقب لا نسب. روى عن أبي طاهر محمد بن الفضل بن خزيمة، وأبي محمد المخلديّ، وأبي بكر بن هانئ، وأبي بكر بن مهران المقرئ، وجماعة. وعنه أخذ أبو الحسن الواحدي. وقد جاء عن الأستاذ أبي القاسم القشيري، أنه قال: رأيت ربّ العزّة في المنام وهو يخاطبني، وأخاطبه فكان في أثناء ذلك أن قال الرب جل اسمه أقبل الرجل الصالح. فالتفتّ، فإذا الثعلبي مقبل. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 1/ 119، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 40، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1090، طبقات الشافعية للسبكي 4/ 58، طبقات المفسرين للأدنةوي ميكروفيلم بدار الكتب رقم 3466، ورقة 30 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 5، اللباب لابن الأثير 1/ 194، مرآة الجنان لليافعي 3/ 46، مفتاح السعادة 2/ 67، معجم الأدباء لياقوت الحموي 2/ 104 النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 283، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 61.

ومن شعر الثّعلبي: وإني لأدعو الله والأمر ضيق ... عليّ فما ينفكّ أن يتفرّجا ورب فتى سدّت عليه وجوهه ... أصاب له في دعوة مخرجا توفي في المحرم، سنة سبع وعشرين وأربعمائة. 60 - أحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد أبو العباس العشاب المرادي القرطبي (¬1). إمام كامل مقرئ ثقة، نزل بالثغر، وروى القراءات عن عبد الله بن يوسف صاحب الحصار. وروى عنه محمد بن أحمد اللبان، وعبد الوهاب القروي، وعبد العزيز ابن عبد الرحمن بن أبي زكنون وألف «تفسيرا صغيرا» «وكتابا في المعاني والبيان» توفي سنة ست وثلاثين وسبعمائة. وله سبع وثمانون سنة. 61 - أحمد بن محمد بن أحمد الملقب بعلاء الدولة وعلاء الدين أبو المكارم السّمناني (¬2). ذكره الأسنويّ في طبقاته وقال: كان عالما مرشدا، له كرامات، وتصانيف كثيرة، في التفسير، والتصوف، وغيرهما، وتوفي قبل الأربعين وسبعمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 256، طبقات القراء لابن الجرزي 1/ 100. (¬2) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 266، طبقات الشافعية للاسنوي 143. والسمناني: نسبة الى سمنان، بسين مهملة مفتوحة ثم ميم ساكنة ونونين بينهما ألف، وهي مدينة بخراسان. (طبقات الشافعية للاسنوي 143).

62 - أحمد بن محمد بن أحمد بن برد الأندلسي أبو حفص الكاتب (¬1). قال الحميدي مليح الشّعر، بليغ الكتابة، من أهل بيت أدب ورئاسة. له كتب في علم القرآن، منها: «كتاب التحصيل في تفسير القرآن» «وكتاب التفصيل في تفسيره أيضا» وله «رسالة في المفاخرة بين السيف والقلم» وهو أول من سبق إلى القول في ذلك بالأندلس، رأيته بالمريّة بعد الأربعين والأربعمائة. 63 - أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس أبو جعفر المعروف بابن المرادي المصري النحوي (¬2). رحل إلى العراق، وسمع من الزجاج، وأخذ عنه النحو، وقرأ عليه في كتاب سيبويه، وسمع ببغداد من عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان، وأبي القاسم عبد الله البغوي، والحسن بن عمر بن أبي الأحوص وجماعة. وسمع بالرملة من عبيد الله بن إبراهيم البغدادي وسمع من ابن الأنباري، ونفطويه، وأخذ عن علي بن سليمان الأخفش وغيره، وعاد إلى مصر فسمع من أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاويّ، والنسائيّ، وبكر بن سهل الدمياطي. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 153، جذوة المقتبس للحميدي 107، طبقات المفسرين للأدنةوي ميكروفيلم بدار الكتب رقم 3466، ورقة 31 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 6، معجم الأدباء 2/ 106. (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 1/ 101، الانساب للسمعاني 555 أ، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 222، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 531، العبر 2/ 246، مرآة الجنان لليافعي 2/ 311، معجم الأدباء 2/ 72، مفتاح السعادة لطاش كبرى زادة 2/ 82، المقفى، ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ، ورقة 154 ب، المنتظم 6/ 364، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 300، نزهة الألباء 291، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 82.

واشتغل بالتصنيف في علوم القرآن والأدب، فزادت تصانيفه على خمسين مصنفا منها «تفسير عشرة دواوين للعرب» و «إعراب القرآن» جلب فيه الأقاويل وحشد الوجوه، ولم يذهب في ذلك مذهب الاختيار والتقليد. وكتاب «معاني القرآن» وكتاب «الناسخ والمنسوخ» وهو كتاب حسن وكتاب «الكافي في علم العربية» وهو مختصر وكتاب «المقنع» ذكر فيه اختلاف البصريين والكوفيين و «شرح المعلقات» و «شرح المفضليات» و «شرح أبيات الكتاب» و «كتاب الاشتقاق» و «كتاب الأنواء» و «كتاب تفسير أسماء الله عز وجل» أحسن فيه، ونزع في صدره بالاتباع للسنة والانقياد للآثار، وكتاب «أخبار الشعراء» وكتاب «أدب الكتّاب» وكتاب «أدب الملوك» وكتاب «التفاحة» في النحو، وغير ذلك. قال الزّبيدي: وكان واسع العلم غزير الرواية، ولم يكن له مشاهدة، وإذا خلا بقلمه جوّد وأحسن، وكان لا يتكبر أن يسأل الفقهاء وأهل النظر، ويناقشهم عما أشكل عليه في تأليفاته، وكان يحضر حلقة ابن الحداد الشافعي، وكانت لابن الحداد ليلة في كل جمعة، يتكلّم فيها عنده في مسائل الفقه على طرائق النحو، وكان لا يدع حضور مجلسه تلك الليلة. قال: وحدّثني قاضي القضاة المنذر بن سعيد قال: أتيت ابن النحاس في مجلسه فألفيته يملي في أخبار الشعراء في شعر قيس بن معاذ المجنون، حيث يقول: خليليّ هل بالشام عين حزينة ... تبكّي على نجد لعلّي أعينها (¬1) قد اسلمها الباكون إلا حمامة ... مطوّقة باتت وبات قرينها فلما بلغ هذا الموضع قلت: باتا يفعلان ماذا؟ قال لي: وكيف [تقول ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت الحموي 2/ 72.

أنت؟] (¬1) فقلت: «بانت وبان قرينها» فسكت، قال القاضي: فما زال يستقلني بعدها حتى منعني كتاب «العين»، وكنت قد ذهبت إلى الانتساخ من نسخته؛ فلما قطع بي قيل لي: أين أنت من أبي العباس بن ولّاد فقصدته، فلقيت رجلا كامل العلم والأدب. حسن المروءة. وسألته الكتاب فأخرجه إلي. ثم تندم أبو جعفر بن النحاس حين بلغه إباحة أبي العباس كتابه لي، وعاد إلى ما كنت أعرفه منه. قال: وكان أبو جعفر لئيم النفس، شديد التقتير على نفسه، وكان ربما أهديت إليه العمامة يقطّعها على ثلاث عمائم، وكان يلي شرى حوائجه بنفسه، ويتحامل فيها على أهل معرفته. وتوفي بمصر لخمس خلون من ذي الحجة سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة. وذكر الوزير أبو الحسن علي بن يوسف القفطيّ: أن ابن النحاس جلس على درح المقياس بمصر على شاطئ النيل في مدة زيادته، ومعه كتاب في العروض، وهو يقطّع بحرا منه، فسمعه بعض العوام، فقال هذا يسحر النيل، حتى لا يزيد، فتغلوا الأسعار، ثم دفعه برجله، فذهب في المد، فلم يوقف على خبره. وذكره الداني في طبقات القراء، فقال: روى الحروف عن أبي الحسن ابن شنبوذ، وأبي بكر الداجوني، وأبي بكر بن يوسف. وسمع الحسن بن غليب، وبكر بن سهل. قال عبد الرحمن بن أحمد بن يونس: كان عالما بالنحو حاذقا، وكتب الحديث [وخرج إلى العراق] (¬2) ولقي أصحاب المبرد. 64 - أحمد بن محمد بن أيوب أبو بكر الفارسي (¬3). ¬

_ (¬1) تكملة عن: المقفى للمقريزي، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي. (¬2) تكملة عن: انباه الرواة للقفطي. (¬3) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 5.

الواعظ المفسر، نزيل نيسابور، كان يحضر مجلسه نحو عشرة آلاف، أخذ عنه أبو عبد الله الحاكم، مات سنة أربع وستين وثلاثمائة. 65 - أحمد بن محمد بن حنبل (¬1). ابن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيّان بن عبد الله بن أنس ابن عرف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر (¬2) بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد ابن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، الشيباني المروزي، نزيل بغداد، أبو عبد الله أحد الأئمة، حافظ فقيه، حجة زاهد ورع، وهو رأس الطبقة العاشرة. ولد في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، ومات سنة إحدى وأربعين [ومأتين] (¬3) وله سبع وسبعون سنة. قال ابن الجوزي في مناقبه في الباب السابع والعشرين منها ذكر مصنفاته: كان الإمام أحمد رضي الله عنه لا يرى وضع الكتب، وينهى أن يكتب عنه كلامه ومسائله، ولو رأى ذلك لكانت له تصانيف كثيرة ولنقلت عنه كتب. فكانت تصانيفه المنقولات؛ فصنف «المسند» وهو إحدى وثلاثون ألف حديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إماما (¬4). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 4/ 412، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 431، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني 9/ 161، طبقات الحنابلة 1/ 4، العبر 1/ 435، الفهرست لابن النديم 229، مرآة الجنان لليافعي 2/ 132، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 304، وفيات الأعيان 1/ 47. (¬2) في الأصل: «علي بن أبي بكر»، تحريف، والصواب في: مناقب الامام أحمد لابن الجوزي 16، وطبقات الحنابلة، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي. (¬3) سقط (¬4) مناقب الامام أحمد، لابن الجوزي 191.

قال ولده عبد الله: وصنف أبي «المسند» سنة ثمانين، و «التفسير» وهو مائة ألف وعشرون ألفا. و «الناسخ والمنسوخ» و «التاريخ» و «حديث شعبه»، و «المقدم والمؤخر في القرآن»، و «جوابات القرآن»، و «المناسك الكبير والصغير» و «العلل» و «الزهد» و «المسائل» و «الفضائل» و «الفرائض» و «الايمان». و «الرد على الجهمية» و «الأشربة». و «طاعة الرسول» وأشياء أخر. وكان ينهى الناس عن كتابة كلامه، فنظر الله تعالى إلى حسن قصده فنقلت ألفاظه وحفظت، فقل أن تقع مسألة إلا وله فيها نص من الفروع والأصول، وربما عدمت في تلك المسألة نصوص الفقهاء الذين صنعوا وجمعوا. قال حنبل بن إسحاق: جمعنا أحمد بن حنبل أنا، وصالح، وعبد الله، وقرأ علينا المسند وما سمعه منه غيرنا، وقال لنا: هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم [فارجعوا إليه] (¬1) فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة. 66 - أحمد بن محمد بن خالد البرقي (¬2). من برقة من قرى قم، وأصله كوفي من كبار الرّافضة. له تصانيف جمة أدبية، منها «فضائل القرآن» و «اختلاف الحديث» و «العيافة والقيافة» وأشياء كثيرة. وكان في زمن المعتصم، وعد النديم في الفهرست شيئا كثيرا منها ويقال: إنها تحتوي على سبعين كتابا، ويقال: ثمانين. ¬

_ (¬1) تكملة عن: مناقب الامام أحمد بن حنبل. (¬2) له ترجمة في الفهرست للطوسي 37، الفهرست لابن النديم 221.

67 - أحمد بن محمد بن رستم الطّبري (¬1). ويعد في طبقة أبي يعلى بن أبي زرعة. له من الكتب كتاب «غريب القرآن» و «المقصور والممدود» و «المذكر والمؤنث» و «صورة الهمز» و «التصريف» و «النحو». 68 - أحمد بن محمد بن سعيد بن إسماعيل الحافظ أبو سعيد بن الشيخ أبي بكر ابن الشيخ الزاهد أبي عثمان الحيري النيسابوري الشافعي (¬2). سمع أبا عمرو والخفاف، وعبد الله بن شيرويه، والحسن بن سفيان، والهيثم بن خلف الدّوريّ، وحامد بن شعيب، والقاسم بن الفضل الرازي، وطبقتهم، بخراسان، والعراق، والجبال، وكان ذا أموال وحشمة وفضائل. روى عنه الحاكم كثيرا وقال: صنف «التفسير الكبير»، و «الصحيح المخرج على كتاب مسلم» وغير ذلك قال: ولما خرج إلى بغداد خرج بعسكر كثير وأموال واجتمع عليه ببغداد خلق كثير مجاهدون، وكان من محبّته للحديث يكتب. بخطّه ويسمع، إلى أن استشهد بطرسوس في سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وله خمس وستون سنة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: إنباه الرواة للقفطي 1/ 128، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 5/ 125، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 114، الفهرست لابن النديم 60، معجم الأدباء لياقوت 2/ 60. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 920، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 43، العبر للذهبي 2/ 296.

69 - أحمد بن محمّد بن سلامة بن عبد الملك أبو جعفر الأزديّ الحجريّ المصريّ الطّحاويّ الحنفي (¬1). وطحا من قرى مصر، الإمام العلامة الحافظ، سمع هارون بن سعيد الأيليّ، وعبد الغنيّ بن رفاعة، ويونس بن عبد الأعلى، وعيسى بن مثرود، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر وطبقتهم. روى عنه أحمد بن القاسم الخشّاب، وأبو الحسن محمّد بن أحمد الإخميميّ، ويوسف الميانجيّ (¬2)، وأبو بكر بن المقرئ، والطبرانيّ، وأحمد ابن عبد الوارث الزجّاج، وعبد الغني بن محمد الجوهري قاضي الصعيد، ومحمد بن بكر بن مطروح، وآخرون. خرج إلى الشام سنة ثمان وستين ومائتين فتفقّه بالقاضي أبي خازم (¬3) وبغيره. قال ابن يونس: ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين، وكان ثقة ثبتا فقيها عاقلا لم يخلف بعده مثله. قال أبو إسحاق الشيرازيّ في الطبقات: انتهت إلى أبي جعفر رئاسة أصحاب أبي حنيفة بمصر، أخذ العلم عن أبي جعفر أحمد بن عمران وأبي ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 174، تاج التراجم لابن قطلوبغا 8، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 808، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 102، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 350، طبقات الشيرازي 120، الفهرست لابن النديم 207، الفوائد البهية 31، اللباب لابن الأثير 2/ 82، لسان الميزان للذهبي 1/ 274، مرآة الجنان لليافعي 2/ 281، مفتاح السعادة 2/ 275، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 53. (¬2) بفتح الميم والياء وسكون الألف وفتح النون وفي آخرها الجيم، نسبة الى ميانج، موضع بالشام (اللباب 3/ 197). (¬3) في الأصل «أبي حازم»، والضبط عن لسان الميزان للعسقلاني 1/ 275.

خازم القاضي، وغيرهما، وكان أولا شافعيا يقرأ على المزنيّ، فقال له يوما: والله لا جاء منك شيء؛ فغضب من ذلك، وانتقل إلى ابن أبي عمران، فلما صنف مختصره قال: رحم الله أبا إبراهيم، لو كان حيا لكفّر عن يمينه. وذكر أبو يعلى الخليليّ (¬1) في كتاب «الإرشاد» في ترجمة المزنيّ أنّ الطحاوي وكان ابن أخت المزني، وأن أحمد بن محمد الشّرطيّ (¬2) قال: قلت للطحاويّ: لم خالفت خالك واخترت مذهب أبي حنيفة؟ قال: لأني كنت أرى خالي يديم النظر في كتب أبي حنيفة؛ فلذلك انتقلت إليه انتهى، وناب في القضاء عن أبي عبيد (¬3) الله محمد بن عبدة قاضي مصر بعد السبعين ومائتين، وترقت حاله. فحدث أنه حضر رجل معتبر عند القاضي محمد بن عبدة فقال: أيش روى أبو عبيدة بن عبد الله عن أمّه عن أبيه؟ [فقلت حدثنا بكار بن قتيبة أنبأنا أبو أحمد أنبأنا سفيان عن عبد الأعلى الثعلبي عن أبي عبيدة عن أمه عن أبيه (¬4)] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ الله تعالى ليغار للمؤمن فليغر) وحدثنا به إبراهيم بن أبي داود حدثنا سفيان بن وكيع عن أبيه عن سفيان موقوفا، قال: فقال لي الرّجل: تدري ما تقول، تدري ما تتكلم به؟ قلت: ما الخبر؟ قال: رأيتك العشية مع ¬

_ (¬1) هو: الخليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل القزويني الخليلي، القاضي الحافظ، المتوفى سنة 446 هـ، وكتابه «الارشاد في علماء البلاد» ذكر فيه المحدثين وغيرهم من العلماء، على ترتيب البلاد الى زمانه، ورتبه الحافظ زين الدين أبو العدل قاسم بن قطلوبغا الحنفي، من تلاميذ الحافظ ابن حجر، المتوفى بحارة الديلم سنة تسع وسبعين وثمانمائة، على الحروف. وتوجد نسخة من كتاب «الارشاد» للخليلي، بدار الكتب، ميكروفيلم 487. (تاريخ قزوين 299) (الرسالة المستطرفة للكتاني 130). (¬2) بضم الشين والراء وبعدها الواو وفي آخرها الطاء. نسبة الى الشروط، وهي: كتابة الوثائق بالديون والمبيعات وغير ذلك (اللباب لابن الأثير 2/ 18). (¬3) في الأصل «عن أبي عبد الله» تحريف، صوابه في: الولاة والقضاة للكندي ص 514. (¬4) تكملة عن: تذكرة الحفاظ للذهبي وبها يتم المعنى.

الفقهاء في ميدانهم وأنت الآن في ميدان أهل الحديث، وقل من يجمع ذلك، فقلت. هذا من فضل الله وإنعامه. صنف أبو جعفر كتاب «الشروط الكبير»، و «الشروط الصغير»، و «المختصر الكبير»، «المختصر الصغير»، «شرح الجامع الكبير» لمحمد بن الحسن، «شرح الجامع الصغير»، و «المحاضر والسجلات»، وكتاب «الوصايا»، وكتاب «الفرائض»، وكتاب «شرح مشكل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم» وكتاب «نقض كتاب المدلسين على الكرابيسي» و «كتاب أحكام القرآن» وكتاب «شرح معاني الآثار»، وكتاب «العقيدة»، وكتاب «التسوية بين حدثنا وأخبرنا» صغير، وكتاب «الاختلاف بين الفقهاء» و [هو] (¬1) كتاب كبير لم يتمّه، والذي خرج منه نحو ثمانين كتابا على ترتيب كتب الاختلاف على الولاء، وكتاب «معاني الآثار». وهو ابن أخت المزنيّ وأما ابن أبي عمران الحنفي فكان قاضي الدّيار المصرية بعد القاضي بكار. قال ابن يونس. مات أبو جعفر في مستهل ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة عن بضع وثمانين سنة. 70 - أحمد بن محمد بن شارك أبو حامد الهروي الشافعي (¬2). مفتي هراة، وأديبها، وعالمها، ومفسرها، ومحدّثها في زمانه، سمع الحسن ¬

_ (¬1) تكملة عن: الفهرست لابن النديم. (¬2) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 3/ 45، طبقات المفسرين للأدنةوي، ميكروفيلم بدار الكتب رقم 3466، ورقة 25 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 5، العبر للذهبي 2/ 321.

ابن سفيان، وأبا يعلى الموصلي، وعنه أبو عبد الله الحاكم. مات بهراة سنة خمس- وقيل ثمان- وخمسين وثلاثمائة. 71 - أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله بن عبد الرحمن بن عبد الكريم بن الحسن المالكي أبو الفضل تاج الدين بن أبي عبد الله بن أبي محمد الجذاميّ الإسكندري الإمام المتكلم الشاذلي (¬1). كان جامعا لأنواع العلوم من تفسير وحديث، ونحو وأصول وفقه، وغير ذلك. وله تواليف مفيدة، وكان رحمه الله متكلما على طريقة أهل التصوف، واعظا، انتفع به خلق كثير وسلكوا طريقه، وكان شاذلي الطريقة، ينتمي إلى الشيخ أبي الحسن رحمه الله، وكان أعجوبة زمانه في كلام التصوف. قدم القاهرة، وتكلم بالجامع الأزهر وغيره فوق كرسي بكلام يروح النفوس على طريقة القوم، مع إلمام بآثار السلف، ومشاركة في الفضائل، فأحبه الناس وكثرت أتباعه، وكان رجلا صالحا له ذوق، وعليه سيما الخير. توفي بالمدرسة المنصورية في القاهرة في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة تسع وسبعمائة، ودفن بالقرافة، وتردد الناس لزيارة قبره تبركا به، وعملوا عند قبره في كل ليلة حادي عشر جمادى من كل سنة مجتمعا يقرءون فيه القرآن ويطعمون الطعام، فيحشر الناس من أكثر الجهات لشهود هذا المحيا. ومن مصنفاته كتاب «التّنوير في إسقاط التدبير» وكتاب «الحكم» ¬

_ (¬1) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 524، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 291، الديباج المذهب لابن فرحون 70، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 176 (طبعة الحسينية)، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 8/ 280.

وكتاب «لطائف المنن» وكتاب «المرقى إلى القدس الأبقى» و «مختصر تهذيب المدوّنة» للبرادعي في الفقه. واجتمع ثلاثة بالقاهرة، فقال أحدهم. أنا لو سلمت من العائلة [لتجردت] (¬1)، وقال الثاني: أنا أصلي وأصوم وما علي من أثر الفلاح ذرّة. وقال ثالثهم؛ وهو محمّد بن نصر بن سلامة الصواف: أنا صلاتي ما ترضي نفسي. فكيف ترضي الله ثم قاموا إلى مجلسه فتكلم في الوعظ، ثم قال: ومن الناس من يقول وتكلم على ما قالوه. ومن شعره: مرادي منك نسيان المراد ... إذا رمت السبيل إلى الرشاد فإن تدع الوجود فلا تراه ... وتصبح مالكا حبل اعتمادي إلى كم غفلة عني وإني ... على حفظ الرعاية والوداد وودّي فيك لو تدري قديم ... ويوم البت تشهد بانفراد وهل ربّ سواي فترتجيه ... غدا ينجيك من كرب شداد فوصف العجز عم الكون طرّا ... فمفتقر لمفتقر ينادي وبي قد قامت الأكوان طرّا ... وأظهرت المظاهر من مراد أفي داري وفي ملكي وفلكي ... توجه للسّوى وجه اعتمادي وها خلعي عليك فلا تزلها ... ومن وجه الرجاء عن العباد ووصفك فالزمنه وكن ذليلا ... ترى مني المنى طوع القياد وكن عبدا لنا والعبد يرضى ... بما تقضي الموالي من مراد ¬

_ (¬1) تكملة عن: الدرر الكامنة لابن حجر.

72 - أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى بن لب بن يحيى أبو عمر المعافريّ المالكي الحافظ الطّلمنكيّ (¬1). من طلمنكة، بفتح الطاء واللام والميم وسكون النون وفتح الكاف وهاء ساكنة من ثغر الأندلس الشرقي، نزيل قرطبة. سمع بها من القلعيّ، وابن عون الله، وغيرهما. ورحل إلى المشرق فلقي جماعة: الدّمياطي، وابن غلبون، وعنه أخذ القراءة، وأبا القاسم الجوهري، وأبا بكر الأدفويّ. ودخل إفريقية فأخذ عن ابن أبي زيد. روى عنه ابن عبد البر، وابن حزم وطائفة. وكان حبرا في علوم القرآن، قراءاته وإعرابه، وناسخه ومنسوخه، وأحكامه ومعانيه، ذا عناية تامّة بالآثار ومعرفة الرّجال، حافظا للسّنن، عارفا بأصول الدّيانات، عالي الأسناد شديدا في ذات الله قامعا لأهل الأهواء والبدع. وله تواليف جليلة ككتاب «الدليل إلى معرفة الجليل» مائة جزء، كتاب في «تفسير القرآن» نحو هذا، وكتابه في «الوصول إلى معرفة الأصول» وكتاب «البيان في إعراب القرآن». و «فضائل مالك» و «رجال الموطأ» و «الرد على ابن مسرّة» و «رسالة في أصول الديانات» إلى أهل أشبونة (¬2) وهي جيدة، وغير ذلك. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 151، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1098 ترتيب المدارك للقاضي عياض 4/ 749، جذوة المقتبس للحميدي 106، الديباج المذهب لابن فرحون 39، الصلة لابن بشكوال 1/ 48، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 120، طبقات القراء للذهبي 1/ 309، طبقات المفسرين للأدنةوي ميكروفيلم بدار الكتب رقم 3466، ورقة رقم 30 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 5، العبر 3/ 168، المقفى، ميكروفيلم بالجامعة العربية، رقم 510 تاريخ ورقة 128، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 28. (¬2) أشبونة: بالضم ثم السكون وضم الباء الموحدة وواو ساكنة ونون وهاء، مدينة بالأندلس يقال لها لشبونة، قريبة من البحر المحيط (معجم البلدان لياقوت 1/ 275).

سكن قرطبة وأقرأ بها. ثمّ سكن المريّة ثم مرسية ثم سرقسطة. ثم رجع إلى بلده طلمنكة، فبقي بها إلى أن مات في ذي الحجة سنة تسع وعشرين وأربعمائة، ومولده سنة أربعين وثلاثمائة. قال أبو القاسم بن بشكوال في كتاب الصّلة: أخبرنا أبو القاسم بن بقي الحجاريّ قال: خرج علينا أبو عمر الطّلمنكي يوما ونحن نقرأ عليه فقال: اقرءوا وأكثروا فإني لا أتجاوز هذا العام فقلنا له: ولم؟ قال: رأيت البارحة في منامي منشدا ينشدني يقول: اغتنموا البر بشيخ ثوى ... يفقده السّوقة والصيد قد ختم العمر بعيد مضى ... ليس له من بعده عيد قال فتوفي في ذلك العام، رحمه الله وإيانا. 73 - أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبيد العبدي المؤدّب الهرويّ الفاشانيّ (¬1). صاحب كتاب «الغريبين» كان من العلماء الأكابر. قرأ على أبي سليمان الخطابيّ وأبي منصور الأزهري. (¬2) وكتابه المذكور جمع فيه بين غريب القرآن الكريم والحديث النبوي، وسار ¬

_ (¬1) تذكرة الحفاظ للذهبي، والصلة لابن بشكوال. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 344، طبقات الشافعية للسبكي 4/ 84، العبر للذهبي، 2/ 75، معجم الأدباء لياقوت 2/ 86، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 228، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 79. والفاشاني: بفتح الفاء وبعد الألف شين معجمة، وبعد الألف الثانية نون: نسبة الى «فاشان» ويقال «باشان» بالباء الموحدة بدل الفاء، من قرى هراة، على ما ذكر ابن خلكان حكاية عن السمعاني، ويجعلها ياقوت من نواحي مرو. (معجم البلدان لياقوت 3/ 884) (وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 80).

في الآفاق، وهو من الكتب النافعة (¬1). وله أيضا كتاب «ولاة هراة». روى عنه عبد الواحد المليحيّ (¬2) وأبو بكر الأردستانيّ. وكانت وفاته شهر رجب سنة إحدى وأربعمائة. 74 - أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة المقدسي الحنبليّ المقرئ الأصوليّ النحويّ شهاب الدين أبو العباس (¬3). ابن الشيخ تقيّ الدّين أبي عبد الله، ولد سنة سبع- أو ثمان- وأربعين وستمائة. وقال البرزالي: سنة تسع وأربعين. أظنه بقاسيون. وسمع من خطيب مردا حضورا، ومن ابن عبد الدائم، وجماعة. وارتحل إلى مصر بعد الثمانين، فقرأ بها القراءات، على الشيخ حسن الراشدي، وصحبه إلى أن مات، وقرأ الأصول على الإمام شهاب الدين القرافي المالكيّ، والعربية على الشيخ بهاء الدين بن النحاس، وبرع في ذلك، وتفقه في المذهب، لعله على ابن حمدان. وقدم دمشق بعد التسعين، فأقرأ بها القراءات، ثم تحول إلى حلب، فأقرأ بها أيضا، ثم استوطن بيت المقدس، وتصدّر لإقراء القرآن، والعربية. ¬

_ (¬1) قام بتحقيقه الأستاذ محمود الطناحي، وقد صدر منه الجزء الأول. (¬2) المليحي: بفتح الميم وكسر اللام وآخرها الحاء المهملة. نسبة عرف بها عبد الواحد هذا (اللباب لابن الأثير 3/ 177). (¬3) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 276، الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 386، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 122، طبقات القراء للذهبي 2/ 593، المقفى ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ ورقة 130.

وصنف «شرحا كبيرا للشاطبية»، و «شرحا آخر للرائية في الرسم» و «شرحا لألفية ابن معط» قال ابن رجب: ولا أدري أكمله أم لا؟ وصنف «تفسيرا» وأشياء في القراءات. قال الذهبي في طبقات القراء: هو صالح متعفف، خشن العين، جمّ الفضائل، ماهر بالفن، قلّ من رأيت بعد رفيقه مجد الدين- يعني التونسي- مثله. وذكره في معجم شيوخه أيضا، فقال: كان إماما مقرئا بارعا فقيها متقنا، نحويا، نشأ إلى اليوم في صلاح ودين وزهد، سمعت منه مجلس البطاقة، وانتهت إليه مشيخة بيت المقدس. وذكره البرزاليّ في تاريخه، وذكر: أنه حج وجاور بمكة، قال: وكان رجلا صالحا، مباركا عفيفا منقطعا، يعد في العلماء الصالحين الأخيار، قرأت عليه بدمشق والقدس، عدة أجزاء. وتوفي بالقدس سحر يوم الأحد رابع رجب سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، ودفن في اليوم المذكور بمقبرة ماملا، وصلي عليه بجامع دمشق صلاة الغائب، في سادس عشر الشهر. وذكر الذهبي: أنه مات فجأة، نفعنا الله به. 75 - أحمد بن محمد بن عماد بن علي الشيخ الإمام العلامة أبو العبّاس المصريّ القرافيّ المعروف بابن الهائم (¬1). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 2/ 525، الأنس الجليل لمحيي الدين الحنبلي 2/ 110، البدر الطالع للشوكاني 1/ 117، الضوء اللامع للسحاوي 2/ 17، المقفى ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ، ورقة 133.

ولد في سنة ست وخمسين أو سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة بالقرافة الصغرى، وسمع من التقي بن حاتم، والجمال الأميوطيّ والعراقيّ، وغيرهم. وتفقه على شيخ الإسلام سراج الدين البلقينيّ واشتغل كثيرا، وبرع في الفقه والعربية، وتقدّم في الفرائض والحساب ومتعلقاتهما على أهل عصره. وارتحل إلى بيت المقدس، فانقطع هناك به للتدريس والإفتاء، وناب هناك في تدريس الصلاحية، وكان حبرا مهابا معظّما قوالا بالحق. وله عدة تواليف انتفع الناس بها، وصار عليها المعول وهي «الفصول المهمة في علم مواريث الأمّة»، و «المعونة في الحساب الهوائي» و «مختصرها» و «المبدع» و «[اللمع] (¬1) المرشدة في صناعة الغبار» ومختصرها، المسمى «نزهة النظار في صناعة الغبار» و «مختصر تلخيص ابن البناء المسمّى بالحاوي» و «شرح الياسمينية في الجبر والمقابلة»، «منظومة لاميّة في الجبر» من بحر البسيط، وأخرى لاميّة من الطويل تسمى «بالمقنع» وشرحها الكبير المسمى «بالممتع» ومختصره المسمّى «بالمشرع» و «ترغيب الرائض في علم الفرائض». والألفية فيه المسمّاة «بالكافية» و «النفحة القدسية» و «غاية السول في الإقرار بالدين المجهول» و «نظم قواعد الإعراب لابن هشام» المسمّى «بتحفة الطلاب» و «شرحه» في مطوّل ومختصر و «القواعد الحسان فيما يتقوم به اللسان» المشهور «بالسماط» و «نظمه في قصيدة ميمية» من بحر البسيط، وسماه «نظم السماط» وعدتها ثلاثمائة وخمسون بيتا و «شرحها» و «خلاصة الخلاصة في النحو» و «مختصر اللمع للشيخ أبي إسحاق في الأصول» و «تحقيق المعقول والمنقول في نفي الحكم الشرعي عن الأفعال قبل بعثة الرسول» و «المغرب من ¬

_ (¬1) تكملة عن الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع للسحاوي.

استحباب ركعتين قبل المغرب» و «جزء في صيام ستة أيام من شوال» و «التحرير بدلالة نجاسة الخنزير» و «نزهة النفوس في بيان حكم التعامل بالفلوس» و «اللمع في الحث على اجتناب البدع» و «التبيان في تفسير غريب القرآن» و «دفع الملام عن القائل باستحباب القيام». والذي لم يكمل فكثير منها: «شرح الجعبرية في الفرائض» و «شرح كفايته» وقد قارب الفراغ وهو ثلاثة أجزاء ضخمة، و «العقد النضيد في تحقيق كلمة التوحيد» كتب منه ثلاثين كراسا، و «تحرير القواعد العلائية وتمهيد المسالك الفقهية» و «البحر العجاج في شرح المنهاج» لو كمل لكان قريبا من ثلاثين مجلدة، وشرح الخطبة منه في عشرين كراسا في قطع الكامل من مسطرة خمسة وعشرين، و «قطعة جيّدة من التفسير» إلى قوله تعالى: (فأزلّهما الشّيطان عنها) (¬1) و «إبراز الخفايا في فن الوصايا» و «العجالة في حكم استحقاق الفقهاء أيام البطالة» و «تعاليق على مواضع من الحاوي» وغير ذلك. أجاز للحافظ ابن حجر كما ذكره في معجمه وإنبائه، وقال: اجتمعت به في بيت المقدس، وسمعت من فوائده. ومات في العشر الأخير من جمادى الآخرة، كما قاله المقريزي والحافظ ابن حجر في أنبائه، وقال في معجمه: في رجب سنة خمس عشرة وثمانمائة ببيت المقدس، بعد ان أثكل ولده محمّد، وكان نادرة عصره، فصبر واحتسب، فرحمهما الله وإيانا. 76 - أحمد بن محمد بن عمر الإمام العلامة الزاهد زين الدّين أبو نصر، وقيل أبو القاسم العتّابيّ البخاريّ الحنفيّ (¬2). ¬

_ (¬1) سورة البقرة 36. (¬2) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 9، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 114، طبقات المفسرين للسيوطي 6، الفوائد البهية للكنوي 36.

أحد من سار ذكره. من تصانيفه «الزيادات» الكتاب المشهور، رواها عنه جماعة منهم حافظ الدين، وشمس الأئمة الكردري، وغيرهما، و «جوامع الفقه»، أربع مجلدات. و «شرح الجامع الصغير»، و «تفسير القرآن العظيم»، لازمه الكردريّ. مات يوم الأحد وقت الظهر سنة ست وثمانين وخمسمائة ببخاري، ودفن «بكلاباذ» (¬1)، بمقبرة القضاة السبعة، وأحدهم أبو زيد الدّبّوسيّ. والعتّابيّ: نسبة إلى «دار عتّاب» محلة ببخارى. ذكره القرشيّ في طبقات الحنفية. 77 - أحمد بن محمد بن عمر بن يوسف بن إدريس بن عبد الله بن ورد التميميّ (¬2). من أهل المرية يكنى أبا القاسم ويعرف بابن ورد. قال الملاحي: كان من جلة العلماء الفقهاء المحدّثين، وقال ابن الزبير كذلك، وزاد أنّه كان موفور الحظ من الأدب والنحو والتاريخ، متقدّما في علم الأصول والتفسير حافظا متفنّنا. انتهت الرئاسة في مذهب مالك إليه وإلى القاضي أبي بكر بن العربي في وقتهما، لم يتقدمهما بالأندلس أحد في ذلك بعد وفاة القاضي أبي الوليد بن رشد. ¬

_ (¬1) كلاباذ: بالفتح والباء الموحدة وآخره ذال معجمة، محلة ببخارى. (معجم البلدان لياقوت 4/ 293). (¬2) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 41، الصلة لابن بشكوال 1/ 83.

ونقل أن أبا عمر بن عات قال: حدّثت أن القاضي أبا بكر بن العربيّ اجتمع بابن ورد وسهرا ليلة واحدة في التناظر والتذاكر، فكانا عجبا، يتكلم أبو بكر فيظن السامع أنه ما ترك شيئا إلا أتى به، ثم يجيبه أبو القاسم بأبدع الجواب ينسى السامع ما سمع قبله، وكانا أعجوبتي دهرهما، وكان له مجلس يتكلم فيه على الصّحيحين، ويخص الأخمسة بالتفسير. روى عن أبي علي الغسانيّ، وأبي الحسين بن سراج، وأبي بكر بن سابق الصّقليّ، وأبي محمد عبد الله بن فرح المعروف بابن الغسّال الزاهد، وغيرهم من الجلة. روى عنه أبو جعفر بن الباذش، وابن حكم، وابن رفاعة وغيرهم. توفي سنة أربعين وخمسمائة. 78 - أحمد بن محمد بن الفضل أبو بكر الخطيبي القزويني (¬1). سمع بها الحديث وبالريّ، وكان له حظ من الفقه والتفسير، واللغة والنحو والشروط، صالح، ويقرأ عليه كل من هذه الفنون وهو ملازم مسجده، وكان ينظم الشعر. والقضاة يثقون بخطه وبجرحه وتعديله، ويعتمدون قوله. سمع سنن ابن ماجة من الإمام ملكداد بن علي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. ذكره الرافعي في «تاريخ قزوين»، وقال: وأجاز له عامة شيوخ والدي. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ قزوين، مصور بدار الكتب برقم 6154 ح، ص 219.

79 - أحمد بن محمد بن محمد بن سعيد أبو العباس بن الخروبيّ الأنصاريّ الأندلسيّ الوادي آشي (¬1). روى عن أبي بحر سفيان بن العاصي، وأبي بكر بن غالب بن عطية، وأبي الحسين شريح، وأبي علي الصّدفيّ، وأبي الحسن بن الباذش، وأبي الوليد بن رشد، وابن خيرة، وعبد الحق بن غالب بن عطية، وأجازه المازريّ. وروى عنه أبو الخطاب بن واجب، وعبد المنعم بن الفرس، وأبو ذرّ الخشنيّ وأبو عبد الله الأندرشي وجماعة أجلاء فضلاء. وكان فقيها عارفا متقنا للقراءات وأصول الفقه وعلم الكلام، حسن القيام على تفسير القرآن العظيم، محدثا رواية مكثرا، حسن المشاركة في كثير من فنون العلم، يغلب عليه حفظ اللغة والآداب، مقدما في كل ما ينتحله، موفور الحظ من علم العربية، يقرض يسيرا من الشعر، واستقضى ببلده فشكر. توفي سن اثنتين وعشرين وخمسمائة. 80 - أحمد بن محمد بن المظفر بن المختار أبو العباس. الفقيه الرازيّ الحنفيّ الصوفيّ المفسر. قال القرشي: قدم دمشق وكان يفسر القرآن على المنبر بجامعها، ثم رحل منها متوجها إلى بلاد الروم، وتولى بها القضاء والتدريس، وسمع الحديث الكثير من أبي المعالي عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل الفراويّ، وبدمشق من أبي اليمن الكنديّ، وأبي المعالي محمد بن موهوب بن البناء وغيرهما. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: التكملة لابن الأبار 1/ 70، الديباج المذهب لابن فرحون 57، طبقات المفسرين للسيوطي 6.

ومن نظمه: تفقد السّادات خدامهم ... مكرمة لا ينقص السّؤددا هذا سليمان على ملكه ... قد قال ما لي لا أرى الهدهدا 81 - أحمد بن محمد بن مكّي بن ياسين المخزوميّ الشيخ العلامة نجم الدين أبو العباس القموليّ (¬1). المصري الشافعي، اشتغل إلى أن برع، وأفتى وصنّف، وولي قضاء قوص ثم إخميم ثم أسيوط والمنية والشرقية والغربية، ثم ولي نيابة الحكم بالقاهرة وحسبة مصر مع الوجه القبلي، ودرّس بالفخرية بالقاهرة، وبالفائزية بمصر. وشرح «الوسيط» شرحا مطوّلا، أقرب تناولا من «المطلب»، وأكثر فروعا، وإن كان كثير الاستمداد منه. قال الإسنويّ: لا أعلم كتابا في المذهب أكثر مسائل منه، وسماه «البحر المحيط في شرح الوسيط» ثم لخص أحكامه خاصة «كتلخيص الرّوضة» من الرافعي سماه «جواهر البحر» و «شرح كافية ابن الحاجب في النحو» شرحا مطولا، و «شرح الأسماء الحسنى» في مجلد، وكمل «تفسير الإمام فخر الدّين» (¬2). قال السّبكي في الطبقات الكبرى: كان من الفقهاء المشهورين، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 131، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 424، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 324، الطالع السعيد للادفوي 125، طبقات الشافعية للاسنوي 231، طبقات الشافعية للسبكي (ط. الحسينية 5/ 179)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 71 أ. النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 8/ 279. (¬2) طبقات الشافعية للاسنوي 231.

والصّلحاء المتورعين، يحكى أن لسانه كان لا يفتر عن قول: «لا إله إلا الله» ولم يبرح يفتي ويدرّس ويصنف ويكتب. وكان الشيخ صدر الدين بن الوكيل يقول فيما نقل لنا عنه: ليس بمصر أفقه من القموليّ. وقال جعفر الأدفويّ، قال: لي أربعون سنة أحكم ما وقع لي حكم خطأ ولا مكتوب فيه خلل. وكان مع جلالته في الفقه عارفا بالنحو والتفسير. مولده سنة ثلاث وخمسين وستمائة، ومات يوم الأحد ثامن رجب سنة سبع وعشرين وسبعمائة عن ثمانين سنة ودفن بالقرافة. وقمولا: بفتح القاف وضم الميم وإسكان الواو بلده في البر الغربيّ من الأعمال القوصية، قريبة من قوص. 82 - أحمد بن محمد بن منصور بن أبي القاسم بن مختار بن أبي بكر بن علي أبو العبّاس المنعوت بناصر الدين المعروف بابن المنيّر الجروي الجذاميّ الإسكندرانيّ المالكيّ (¬1). ولد سنة عشرين وستمائة، كان إماما بارعا في الفقه، ورسخ فيه وفي الأصلين والعربية وفنون شتى، وله اليد الطولي في علم النظر وعلم البلاغة والإنشاء، وكان متبحرا في العلوم مدققا فيها، له الباع الطويل في علم التفسير والقراءات، وكان علامة الإسكندرية وفاضلها. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 316، الديباج المذهب لابن فرحون 71، العبر 5/ 342، فوات الوفيات 1/ 132، مرآة الجنان لليافعي 4/ 198، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 7/ 361.

وولي نظر الأحباس والمساجد وديوان النظر، ثم القضاء نيابة عن القاضي ابن التّنسيّ في سنة إحدى وخمسين وستمائة، ثم ولى القضاء استقلالا وخطابتها في سنة اثنتين وخمسين، ثم عزل عن ذلك، ثم ولي ثم عزل، وكان خطيبا مصقعا. سمع من أبيه ومن أبي بحر عبد الوهاب بن رواح بن أسلم الطوسي بسماعه من السلفيّ. قال ابن قريش (¬1): وخرجت له مشيخته وقرأتها عليه. روى عنه أبو حيان وغيره، وتفقه بجماعة اختص منهم بالإمام العلامة أبي عمرو بن الحاجب وتفنن به، وفيه يقول: لقد سئمت حياتي اليوم لولا ... مباحث ساكن الإسكندريّة (¬2) كأحمد سبط أحمد حين يأتي ... بكل غريبة كالعبقريّة تذكرني مباحثه زمانا ... وإخوانا لقيتهم سريّة زمانا كان الابياري فيه ... مدرسنا وتغبطنا البريّة مضوا فكأنهم إما منام ... وإما صبحة أضحت عشيّة وقوله سبط أحمد أشار به إلى جده لأمه، وهو كمال الدين الإمام أحمد ابن فارس. وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول: الديار المصرية تفتخر برجلين في طرفيها: ابن دقيق العيد [بقوص وابن المنير بالإسكندرية (¬3)] ¬

_ (¬1) هو: إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي المصري، تاج الدين أبو الطاهر، كان ذا معرفة وفهم، مات سنة 694 هـ. (ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 83). (¬2) الديباج المذهب لابن فرحون (¬3) تكملة عن: حسن المحاضرة للسيوطي، والديباج المذهب، وبها يتم المعنى.

[وسأله ابن دقيق العيد (¬1)] يوما عن الحجّة في كون عمل أهل المدينة حجّة، فقال. وهل يتّجه غير هذا! وذكر كلاما طويلا، فلم يتكلم الشيخ معه، فلمّا خرج سئل عن ترك الكلام معه، فقال: رأيت رجلا لا ينتصف منه إلا بالإساءة إليه. وله تصانيف حسنة جليلة مفيدة، منها: «تفسير القرآن العظيم» سماه «البحر الكبير في نخب التفسير» واعترض عليه في هذه التسمية بأن البحر الكبير مالح، وأجيب عن ذلك بأنه محل العجائب والدرر، ومنها «الانتصاف من الكشّاف» ألفه في عنفوان الشبيبة، وكتب له عليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام بالثناء عليه، وكذا الإمام شمس الدين الخسروشاهيّ، أحد شيوخ الشيخ شهاب الدين القرافي، وغيرهما من العلماء. ومنها «المقتفى في آية الإسراء» وهو كتاب نفيس، فيه فوائد جليلة واستنباطات حسنة، وله «اختصار التهذيب» من أحسن مختصراته، وله على تراجم البخاري «مناسبات» وله «ديوان خطب» مشهور بديع، يسمى «عقود الجواهر على أجياد المنابر» وله «مناقب الشيخ أبي القاسم القبّاري» وأراد أن يصنّف في الردّ على الأحياء فخاصمته أمه، وقالت له: فرغت من مضاربة الأحياء وشرعت في مضاربة الأموات! فتركه. وله شعر لطيف، وذكر في ديباجة تفسيره أنه لم يجتمع بأبي عمرو بن الحاجب حتى ضغط مختصريه في الفقه والأصول، وأجازه ابن الحاجب بالإفتاء. ومات- قيل مسموعا- في يوم الخميس مستهل شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين وستمائة. 83 - أحمد بن محمد بن موسى بن أبي عطاء أبو بكر القرشي (¬2). ¬

_ (¬1) تكملة عن، وبها يستقيم الكلام. (¬2) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 6.

مولاهم الدّمشقي المفسّر، روى عن بكّار بن قتيبة، وعبد الله بن الحسين المصّيصيّ، وعنه أبو هاشم المؤدّب، وعبد الوهاب الكلابيّ، وغيرهما. مات سنة خمس وعشرين وثلاثمائة. 84 - أحمد بن محمد بن هاشم الجلفريّ. بضم الجيم وسكون اللام وفتح الفاء وراء، نسبة إلى «جلفر» إحدى قرى مرو، صاحب «التفسير». سمع مغيث بن بدر، وعنه خارجة ............... (¬1) 85 - أحمد بن المعذّل (¬2). من الطبقة الأولى الذين انتهى إليهم فقه مالك ممن لم يره ولم يسمع منه، من أهل العراق. هو أحمد بن المعذّل بن غيلان بن الحكم العبديّ، يكنى أبا الفضل، بصري، وأصله من الكوفة. وهو: الفقيه المتكلم من أصحاب عبد الملك بن الماجشون، ومحمد بن مسلمة، كان مفوّها ورعا، متبعا للسنة. قال القاضي عياض: وسمع أيضا من إسماعيل بن أبي أويس، وبشر ابن عمر، وغيرهما، وعليه تفقه جماعة من كبار المالكية، كإسماعيل بن إسحاق القاضي، وأخيه حماد، ويعقوب بن شيبة، وسمع منه ابنه محمد بن أحمد، وعبد العزيز بن إبراهيم البصريّ، وغيرهم. قال أبو عمر الصدفيّ: هو ثقة. وأثنى عليه أبو حاتم. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل. (¬2) له ترجمة في: ترتيب المدارك للقاضي عياض 1/ 550، الديباج المذهب لابن فرحون 30، العبر للذهبي 1/ 434.

وقال أبو سليمان الخطّابيّ: أحمد بن المعذّل، مالكيّ المذهب، يعدّ في زهاد أهل البصرة وعلمائها. وقال أبو خليفة الفضل [بن] (¬1) الحباب الجمحيّ القاضي، لأبي بكر النقّاش: أحمدنا يعني ابن المعذّل: أفضل من أحمدكم، يعني أحمد بن حنبل، قيل: وكان ابن المعذّل من العلماء الأدباء الفصحاء النظار، فقيها بمذهب مالك، ذا فضل ووصل وورع ودين وعبادة ليلا، له أشعار ملاح. وكان أخوه عبد الصمد يؤذيه ويهجوه، فكان أحمد يقول له: أنت كالإصبع الزائدة، إن تركت شانت، وإن قطعت آلمت، فأجابه عبد الصمد: أطاع الفريضة والسنة ... فتاه على الإنس والجنة كأن لنا النار من دونه ... وأفرده الله بالجنة وينظر نحوي إذا زرته ... بعين حماة إلى كنه وكان أحمد من الأبهة والتمسك بالمنهاج، والتجنب للعيب، وعدم التعرض لما في أيدي الناس، والزهد فيه على غاية، وكان من أفصح الناس وأبلغهم وأنسكهم وأصمتهم، حتى نسب بذلك إلى الكبر. وكان يسمى الراهب لفقهه ونكسه، لم يكن المالك بالعراق أرفع منه، ولا أعلى درجة ولا أبصر بمذهب أهل الحجاز، منه. وقال أحمد بن المعذّل: دخلت المدينة فتحملت على عبد الملك بن الماجشون، برجل ليخصّني ويعني بي، فلما فاتحني قال: ما تحتاج أنت إلى شفيع. معك من الحذاء والسقاء ما تأكل به لب الشجر، وتشرب به صفو ¬

_ (¬1) تكملة عن: ترتيب المدارك للقاضي عياض.

الماء، وكان يذهب إلى البادية ويكتب عن الأعراب، وقيل إنه توفي وقد قارب الأربعين سنة. قال القاضي عياض في أول المدارك: كثير من يقول أحمد بن المعدّل بدال مهملة وصوابه معجمة، انتهى، وبما ضبطه القاضي عياض، ضبطه الدارقطنيّ وغيره. قال في الصحاح: ورجل معذّل لإفراطه في الجود، شدّد للكثرة. ولابن المعذّل كتاب «فضائل القرآن» و «أحكام القرآن». 86 - أحمد بن مغيث بن أحمد بن مغيث أبو جعفر الصدفيّ الطّليطلي المالكيّ (¬1). كان من أهل البراعة والفهم والرئاسة في العلم، متفنّنا، عالما بالحديث وعلله، وبالفرائض والحساب واللغة والنحو، وله يد طولى في التفسير. وله كتاب «المقنع في عقد الشروط». مات في صفر سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وولد سنة ست وأربعمائة. 87 - أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهانيّ (¬2). الحافظ الكبير، الثبت العلامة، صاحب «التفسير» و «التاريخ» وغير ذلك. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: إنباه الرواة للقفطي 1/ 135، الديباج المذهب لابن فرحون 40، الصلة لابن بشكوال 1/ 63، طبقات المفسرين للأدنةوي، ميكروفيلم بدار الكتب رقم 3466، ورقة 32 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 6. (¬2) له ترجمة في: تاريخ أصبهان لابن العماد الحنبلي 1/ 168، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1050، الرسالة المستطرفة للكتاني 26، العبر للذهبي 3/ 102، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 245.

روي عن أبي سهل بن زياد القطّان، وميمون بن إسحاق، وعبد الله بن إسحاق الخراسانيّ، ومحمد بن عبد الله بن علم الصفّار، وإسماعيل الخطبيّ، ومحمد بن علي بن دحيم الشيبانيّ، وأحمد بن عبد الله بن دليل، وإسحاق بن محمد بن علي الكوفيّ، ومحمد بن أحمد بن علي الأسواريّ، وأحمد بن عيسى الخفاف، وأحمد بن محمد بن عاصم الكرّانيّ، وطبقتهم. روى عنه أبو القاسم عبد الرحمن بن منده، وأخوه عبد الوهاب، وأبو الخير محمد بن أحمد بن ررا (¬1)، وأبو منصور محمد بن شكرويه، وأبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن سليم، وأبو عبد الرحمن الثقفيّ الرئيس، وأبو مطيع محمد بن عبد الواحد المصريّ، وأحمد بن عبد الرحمن الذكوانيّ، وهو راوي التفسير عنه، وخلق كثير. وعمل «المستخرج على صحيح البخاريّ» وكان قيّما بمعرفة هذا الشأن، بصيرا بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف. ولد سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، ومات لست بقين من رمضان سنة عشر وأربعمائة. 88 - أحمد بن ناصر بن طاهر العلامة برهان الدين أبو المعالي الشريف الحسينيّ الحنفيّ (¬2). ذكره البرزاليّ فقال: كان إماما علّامة زاهدا عابدا مفتيا، وعنده انقطاع وعبادة وزهد ومعرفة بالتفسير والفقه والأصول. صنّف «تفسيرا» في سبع مجلدات، و «كتابا في أصول الدين» فيه سبعون مسألة. ¬

_ (¬1) بمهملتين مفتوحتين، تبصير المنتبه لابن حجر 2/ 598. (¬2) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 11، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 129، طبقات المفسرين للسيوطي 7، وهو فيها: إسماعيل بن ناصر.

توفي في شوال سنة تسع وثمانين وستمائة بدمشق، ودفن بمقابر الصوفية. 89 - أحمد بن يحيى بن زيد بن سيّار الشّيبانيّ مولاهم الإمام العلامة المحدث شيخ اللغة والعربية أبو العباس ثعلب (¬1). إمام الكوفيين فيهما، ولد سنة مائتين، وابتدأ بالطلب في العربية والشعر واللغة سنة ست عشرة، وحفظ كتب الفرّاء فلم يشذ عنه منها حرف، وعني بالنحو أكثر من غيره، فلما أتقنه أكبّ على الشّعر والمعاني والغريب. ولازم ابن الأعرابيّ بضع عشرة سنة. وسمع من إبراهيم بن المنذر الحزاميّ، ومحمد بن سلّام الجمحيّ، وعبيد الله بن عمر القواريريّ، وعليّ بن المغيرة الأثرم. وسلمة بن عاصم، وخلق سواهم. وروي عنه محمد بن العباس اليزيديّ، والأخفش الأصغر، ونفطويه، وأبو عمر الزّاهد وجمع. قال بعضهم: إنما فضل أبو العباس أهل عصره بالحفظ للعلوم التي تضيق عنها الصدور. وقال ثعلب: كنت أصير إلى الرّياشي لأسمع منه، فقال لي يوما وقد قرئ عليه: ما تنقم الحرب العوان منّي ... بازل عامين صغير سنّي كيف تقول: بازل أو بازل؟ فقلت: أتقول لي هذا في العربية؟ إنما ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 1/ 138، الأنساب للسمعاني، الورقة 555، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 98، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 5/ 204، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 666، طبقات الحنابلة 1/ 83، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 148، العبر 2/ 88، الفهرست لابن النديم 74، اللباب 3/ 217، مرآة الجنان 2/ 219، معجم الأدباء 2/ 133، مفتاح السعادة 1/ 180، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 133، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 84.

أقصدك لغير هذا، يروى بالرفع على الاستئناف والنصب على الحال والخفض على الإتباع. فاستحيا وأمسك. قال: وكان محمد بن عبد الله بن طاهر يكتب ألف درهم واحدة، بالهاء، فإذا مرّ به ألف درهم واحد أصلحه واحدة، وكان كتّابه يهابون أن يكلّموه في ذلك، فقال يوما: أتدري لم عمل الفرّاء كتاب البهاء؟ قلت لا. قال: لعبد الله أني، بأمر طاهر جدّي، قلت له: إنه قد عمل له كتبا منها كتاب «المذكر والمؤنث»، قال: وما فيه؟ قلت: مثل ألف درهم واحد، ولا يجوز واحدة، فتنبه وأقلع. قال أبو الطيّب اللّغويّ: كان ثعلب يعتمد على ابن الأعرابيّ في اللغة وعلى سلمة (¬1) عن عاصم في النحو، ويروى عن ابن نجدة كتب أبي زيد، وعن الأثرم كتب أبي عبيدة، وعن أبي نصر كتب الأصمعي، وعن عمرو ابن أبي عمرو كتب أبيه. وكان ثقة متقنا يستغني بشهرته عن نعته، وكان ضيّق النفقة مقترا على نفسه، وكان بينه وبين المبرّد منافرة، فقيل له قد هجاك المبرد، فقال: بماذا؟ فقيل: بقوله: أقسم بالمبتسم العذب ... ومشتكى الصب إلى الصبّ (¬2) لو أخذ النحو عن الرب ... ما زاده إلا عمى القلب فقال: أنشدني من أنشده أبو عمرو بن العلاء: يشتمني عبد بني مسمع ... فصنت عنه النفس والعرضا (¬3) ولم أجبه لاحتقاري له ... من ذا يعض الكلب إن عضّا ¬

_ (¬1) في الأصل «ابن سلمة»، والصواب في: معجم الأدباء لياقوت. (¬2) إنباه الرواة، ومعجم الأدباء لياقوت. (¬3) معجم الأدباء لياقوت، وأنباه الرواة للقفطي.

وقال أبو بكر بن مجاهد: قال ثعلب يا أبا بكر، اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، وأصحاب الحديث بالحديث ففازوا، وأصحاب الفقه بالفقه ففازوا؛ واشتغلت أنا بزيد وعمرو، فليت شعري ماذا يكون حالي؟ فانصرفت من عنده، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فقال لي: أقرئ أبا العباس مني السلام، وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل. قال أبو عبد الله الروذباريّ، العبد الصالح، أراد أن الكلام به يكمل، والخطاب به يجمل، وأن جميع العلوم مفتقرة إليه. وقال أبو عمر الزاهد: سئل ثعلب عن شيء فقال: لا أدري، فقيل له: أتقول: لا أدري، وإليك تضرب أكباد الإبل من كلّ بلد! فقال: لو كان لأمّك بعدد ما لا أدري بعر لاستغنت. صنف «المصون في النحو»، «اختلاف النحويين»، «معاني القرآن»، «معاني الشعر»، «القراءات»، «التصغير»، «الوقف والابتداء»، «الهجاء»، «الأمالي»، «غريب القرآن»، «كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف»، «ما يجرى وما لا يجرى»، «الأمثال»، «الإيمان والدواهي»، «استخراج الألفاظ من الأخبار»، «المسائل»، «حدّ النحو»، «تفسير كلام ابنة الخسّ»، «المجالسات»، «الفصيح» - وقيل هو للحسن بن داود الرّقيّ، وقيل: ليعقوب ابن السّكيت- وله أشياء أخر. وثقل سمعه بأخرة، ثم صمّ، فانصرف يوم الجمعة من الجامع بعد العصر وإذا بدوابّ من ورائه، فلم يسمع صوت حافرها، فصدمته فسقط على رأسه في هوّة من الطريق، فلم يقدر على القيام، فحمل إلى منزله. ومات فيه ثاني يوم السبت لعشر خلون- وقيل لثلاث عشرة بقيت-

من جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين ومائتين، وخلّف كتبا تساوي جملة وألفي دينار وواحدا وعشرين ألف درهم، ودكاكين تساوي ثلاثة آلاف دينار؛ فردّ ماله على ابنته. ورثاه بعضهم بقوله: مات ابن يحيى فماتت دولة الأدب ... ومات أحمد أنحى العجم والعرب (¬1) فإن تولّى أبو العبّاس مفتقدا ... فلم يمت ذكره في النّاس والكتب وذكره الداني في طبقات القرّاء فقال: روى القراءة عن سلمة بن عاصم عن أبي الحارث، عن الكسائيّ عن الفراء، وله كتاب حسن فيها. روى القراءة عنه ابن مجاهد وابن الأنباريّ وغيرهما. وذكره الذهبي في طبقات الحفاظ، وقال: إنما أخرجته في هذا الكتاب لأنه قال: سمعت من القواريريّ مائة ألف حديث. وقال الخطيب: كان ثعلب ثقة حجّة ديّنا صالحا مشهورا بالحفظ. 90 - أحمد بن يوسف بن أصبغ بن خضر الأنصاريّ المالكيّ (¬2). من أهل طليطلة؛ يكنى أبا عمر. سمع من أبيه يوسف بن أصبغ، وعبد الرحمن بن محمد بن عبّاس. وكان ماهرا في الحديث، والتفسير، والفرائض. وشوور في الأحكام. وكانت له رحلة إلى المشرق وحج فيها، وولي القضاء بطليطلة وكان مرضيا. ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت الحموي 2/ 152. (¬2) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 1/ 71، طبقات المفسرين للأدنةوي، ميكروفيلم بدار الكتب رقم 3466، ورقة 37 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 6.

توفيّ بقرطبة في شعبان سنة تسع وسبعين وأربعمائة (¬1)، رحمه الله وإيانا. 91 - أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع بن حسين (¬2). الإمام العلامة الزاهد الكبير موفق الدين أبو العباس الموصلي الكواشي الشيباني الشافعي المفسّر. نزيل الموصل، ولد بكواشة. وهي قلعة من أعمال الموصل، سنة تسعين- أو إحدى وتسعين- وخمسمائة. اشتغل وبرع في القراءات والتفسير والفضائل، وقرأ على والده، وقدم دمشق فأخذ عن السخاوي وغيره، وحج وزار بيت المقدس، ورجع إلى بلده وتعبد. قال الذهبي: وكان منقطع القرين عديم النظير زهدا وصلاحا وتبتّلا وصدقا واجتهادا، وكان يزوره السلطان فمن دونه فلا يعبأ بهم ولا يقوم لهم، ولا يقبل لهم شيئا، وله كشف وكرامات، وأضر قبل موته بنحو من عشر سنين. قال الذهبي: وبلغنا أنه اشترى قمحا من قرية الجابية (¬3) لكونها من فتوح عمر رضي الله عنه، ثلاثة أمداد وحملها إلى الموصل، فزرعها بأرض البقعة، وخدمها بيده، ثم حصدها وتقوت منه. ¬

_ (¬1) في الأصل «وتسعمائة» تحريف، صوابه في: مصادر الترجمة. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1465، طبقات الشافعية للسبكي (ط، الحسينية) 5/ 18، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 54 ب، طبقات القراء للذهبي 2/ 547، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 151، العبر للذهبي 5/ 327، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 7/ 348. (¬3) الجابية، بكسر الباء وياء مخففة، قرية من أعال دمشق (معجم البلدان لياقوت 2/ 3).

وخبأ بذرا ثم زرعه فنما وكثر، إلى أن بقي يدخل عليه من ذلك القمح ما يقوم به وبجماعة من أصحابه. قال الشيخ تقي الدين أبو بكر المقصّاتي: قرأت على الشيخ موفق الدين تفسيره، فلما بلغت إلى والفجر منعني من إتمام الكتاب، وقال أنا أجيزه لك، ولا تقول قرأته كله على المصنف، يعني أن للنفس في ذلك حظا. قال: وغبت عنه سنة ونصفا، فجئت ودققت الباب، وكان قد أضرّ فجاء ليفتح وقال: من، ذا أبو بكر، فاعتددتها له كرامة. صنف «التفسير الكبير»، و «التفسير الصغير» وجوّد فيه الإعراب، وحرّر أنواع الوقوف، وأرسل منه نسخة إلى مكة والمدينة والقدس. قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في «طبقات النحاة» في ترجمته: وعليه اعتمد الشيخ جلال الدّين المحليّ في «تفسيره»، واعتمدت عليه أنا في تكملته مع «الوجيز» و «تفسير البيضاويّ» و «ابن كثير». وأشهر [من] (¬1) أخذ عنه القراءات محمد بن عليّ بن خروف الموصلي، وتقيّ الدين المقصّاتي نائب الخطابة بدمشق. مات بالموصل في سابع عشر جمادى الآخرة سنة ثمانين وستمائة. 92 - أحمد بن يوسف بن محمد بن عبد الدائم الحلبيّ (¬2). شهاب الدين أبو العبّاس المقرئ النحويّ الشافعيّ نزيل القاهرة المعروف بالسّمين. قرأ النحو على أبي حيّان، والقراءات على ابن الصّائغ، وسمع الحديث ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 536، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 360، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 80 أ، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 152.

من يونس الدّبوسيّ، وولي تدريس القراءات والنحو بالجامع الطولونيّ، والإعادة بالشافعيّ، وناب في الحكم بالقاهرة وولي نظر الأوقاف. وصنف تصانيف حسنة، منها؛ «تفسير القرآن» مطوّل وقد بقي منه أوراق قلائل في عشرين سفرا، و «إعراب القرآن» سمّاه «الدّر المصون» في أربعة أجزاء ألفه في حياة شيخه أبي حيّان إلا أنه زاد عليه، وناقشه في مواضع مناقشة حسنة، و «أحكام القرآن» وشرح «التسهيل» شرحا مختصرا من شرح أبي حيّان وشرح «الشاطبيّة». قال الإسنويّ: كان فقيها بارعا في النحو والتفسير وعلم القراءات ويتكلم في الأصول خيّرا ديّنا، مات في جمادى الآخرة، وقيل: في شعبان سنة ست وخمسين وسبعمائة. 93 - أبو أحمد بن جزيّ الكلبيّ المالكيّ (¬1). كان شيخا جليلا ورعا زاهدا عابدا متقلّلا من الدنيا، وكان فقيها مفسّرا. وله «تفسير القرآن العزيز». توفي في حدود العشرين وستمائة. 94 - أحمشاد (¬2) بن عبد السلام بن محمود- وهو فرد- ابن عبد السلام بن محمود (¬3). أبو المكارم الغزنويّ الحنفيّ الفقيه الواعظ. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 99. (¬2) ترجم له تقي الدين عبد القادر التميمي فقال: أحمد شاد، كذا رأيته في غالب الكتب والأشعار التي له فيها ذكر، وبعضهم كتبها «أحمشاد» فوصل بين الميم والشين وأسقط الدال، وأتى به في الشعر كذلك، بحيث لو أتى بالدال لذهب الوزن فيه، ولعل إسقاط الدال لضرورة الشعر (الطبقات السنية لتقي الدين الغزي ورقة 113 ب). (¬3) له ترجمة في الجواهر المضيئة 1/ 135، الطبقات السنية الورقة 113/ ب.

من اسمه إسحاق

قال القرشيّ: ذكره العماد أبو عبد الله محمد بن محمد الكاتب في الخريدة من جمعه، فقال: كان من فحول العلماء، شاهدته بأصبهان في سنة نيف وأربعين وخمسمائة. وكان عالما بتفسير كتاب الله تعالى، ويعقد مجلس الوعظ بجامع أصبهان في كل يوم أربعاء، ويتكلم على التوحيد باللفظ السديد. ورحل من أصبهان إلى العسكر، وتولى قضاء «أرأسة» «وخيرة». ومات سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة. من اسمه إسحاق 95 - إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر. الإمام الحافظ الكبير المجتهد أبو يعقوب التميميّ الحنظليّ المروزي (¬1). نزيل نيسابور وعالمها، بل هو شيخ أهل المشرق، ويعرف بابن راهويه صاحب «المسند» و «السنن» و «التفسير» المشهور، الذي رواه عنه محمد ابن يحيى بن خالد المروزيّ المشعرانيّ بفتح الميم والمهملة، بينهما معجمة ساكنة. ولد إسحاق سنة ست وستين ومائة، وقيل: سنة إحدى وستين، وسمع ابن المبارك وهو صبي، وجرير بن عبد الحميد، وعبد العزيز بن عبد الصمد، وفضيل بن عياض، وعيسى بن يونس، والدّراورديّ وطبقتهم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 433، تهذيب التهذيب لابن حجر 1/ 116، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني 9/ 234، الرسالة المستطرفة للكتاني 65، العبر للذهبي 1/ 426، الفهرست لابن النديم 230، مفتاح السعادة 2/ 297 ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 182، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 293. وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 179.

وعنه الجماعة سوى ابن ماجة، وأحمد، وابن معين، وشيخه يحيى بن آدم، والحسن بن سفيان، وأبو العباس السراج، وخلق. قال محمد بن أسلم الطوسي وبلغه موت إسحاق: ما أعلم أحدا كان أخشى لله من إسحاق، يقول الله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (¬1)) وكان أعلم الناس، ولو كان الثوري والحمادان في الحياة لاحتاجوا إليه. وعن أحمد قال: لا أعلم لإسحاق بالعراق نظيرا. وقال النّسائيّ: إسحاق ثقة مأمون إمام. قال أبو داود الخفاف: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كأني أنظر إلى مائة ألف حديث في كتبي وثلاثين ألف أسردها، قال: وأملى علينا إسحاق من حفظه أحد عشر ألف حديث، قرأها علينا فما زاد حرفا ولا نقص حرفا. وقال أبو زرعه ما رئي أحفظ من إسحاق. وقال أبو حاتم: العجب من إتقانه وسلامته من الغلط مع ما رزق من الحفظ. وقال عبد الله ابن أحمد بن شبويه: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إسحاق لم يلق مثله. قال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: جمعني وهذا المبتدع ابن أبي صالح مجلس الأمير عبد الله بن طاهر، فسأله الأمير عن أخبار النزول فسردتها، فقال ابن أبي صالح: كفرت بربّ ينزل من سماء إلى سماء فقلت: آمنت بربّ يفعل ما يشاء. قال الذهبي في طبقات الحفاظ عقب هذا الكلام: هذه حكاية صحيحة، رواها البيهقيّ في الأسماء والصفات. ¬

_ (¬1) سورة فاطر 28.

من اسمه إسماعيل

قال البخاريّ: مات ليلة نصف شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين وله سبع وسبعون سنة. وراهويه: بفتح الراء، لقب أبيه أبي الحسن إبراهيم، وإنما لقب بذلك لأنه ولد في طريق مكة، والطريق بالفارسية «راه» و «ويه» معناه وجد، فكأنه وجد في الطريق. والحنظلي: بسكون النون وفتح الظاء، نسبة إلى حنظلة بن مالك، ينسب إليه بطن من تميم. من اسمه إسماعيل 96 - إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسديّ البصريّ (¬1). مولى بني أسد بن خزيمة، يكنى أبا بشر، وأمّه عليّة مولاة لبني أسد. سمع أيوب، وعبد العزيز، وروح بن القاسم ويحيى بن سعيد التيميّ، وابن أبي عروبة، وخالد الحذّاء، والجريريّ سعيد، ومنصور بن عبد الرحمن، ويونس بن عبيد، وداود بن أبي هند. روى عنه علي بن المدينيّ، وصدقة، وقتيبة، وابن أبي شيبة، وزهير، وعلي بن حجر. ولد سنة عشر ومائة، وتوفي سنة ثلاث- أو أربع وتسعين- ومائة ببغداد، ثقة حافظ من الطبقة الثامنة. له «التفسير»، «الطهارة»، «الصلاة»، «المناسك»، أخرج له الجماعة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 6/ 229، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 322، طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/ 99، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 216.

97 - إسماعيل بن أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن الحيريّ النّيسابوريّ (¬1). الضّرير المفسّر المقرئ الزاهد، أحد أئمة المسلمين والعلماء العاملين، له التصانيف المشهورة في القرآن، والقراءات، والحديث والوعظ، رحل في طلب الحديث كثيرا، وسمع من زاهر السّرخسيّ، وأبي الحسين الخفّاف، ومحمد بن مكي الكشميهني (¬2). روى عنه الخطيب أبو بكر، وكان مفيدا نفّاعا للخلق مباركا في علمه، له «تفسير» مشهور. ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة، ومات سنة ثلاثين وأربعمائة. 98 - إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حمّاد بن زيد بن درهم ابن بابك (¬3) الجهضميّ الأزديّ (¬4). مولى آل جرير بن حازم، أبو إسحاق، أصله من البصرة، وبها نشأ واستوطن بغداد، وسمع محمّد بن عبد الله الأنصاريّ، وسليمان بن حرب الواشحي، وحجاج بن المنهال، ومسدّدا والقعنبيّ:، وأبا الوليد الطيالسيّ، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 6/ 313، طبقات الشافعية للسبكي 4/ 265، طبقات المفسرين للسيوطي 7، العبر للذهبي 3/ 171، معجم الأدباء لياقوت 2/ 256، نكت الهميان للصفدي 119. (¬2) الكشميهني: بضم أوله وسكون الشين وكسر الميم وسكون الياء وفتح الهاء وآخره النون نسبة الى قرية من قرى مرو القديمة، وقد خربت (اللباب). (¬3) في الديباج: «لامك». (¬4) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 72، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 6/ 284، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 625، الديباج المذهب لابن فرحون 92، الرسالة المستطرفة للكتاني 37، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 162، العبر 2/ 67، الفهرست لابن النديم 200، مرآة الجنان لليافعي 2/ 194، معجم الأدباء لياقوت 2/ 257، المنتظم لابن الجوزي 5/ 151.

وعلي بن المدينيّ، وسمع أيضا من أبيه، ونصر بن علي الجهضميّ، وأبي بكر ابن أبي شيبة وأبي مصعب الزهريّ، وغيرهم. وأخذ الفقه عن ابن المعذّل، وكان يقول: أفخر على الناس برجلين بالبصرة، ابن المعذّل يعلمني الفقه، وابن المديني يعلمني الحديث. روى عنه موسى بن هارون، وعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، وأبو القاسم البغويّ، ويحيى بن صاعد، وابن عمه يوسف بن يعقوب، وابنه أبو عمر القاضي، وأخوه، وإبراهيم بن عرفة نفطويه وابن الأنباريّ والمحامليّ وجماعة. وممن تفقه عليه وروى عنه وسمع منه، ابن أخيه إبراهيم بن حماد، وابنا بكير، والنسائي، وابن المنتاب، وأبو بشر الدولابيّ، وأبو الفرج القاضي، وأبو بكر بن الجهم، وبكر القشيريّ، والفريابيّ، وابن مجاهد المقرئ، ويحيى ابن عمر الأندلسيّ، وخلق. به تفقه أهل العراق من المالكية، وكان شديدا على أهل البدع يرى استتابتهم حتى أنهم تحاموا بغداد في أيامه. ومن تآليفه: «موطّؤه»، وكتاب «القراءات»، وكتاب «أحكام القرآن» لم يسبق إلى مثله، وكتاب «معاني القرآن وإعرابه» خمسة وعشرون جزءا، و «كتاب الرد على محمد بن الحسن» مائتا جزء، لم يتم، و «كتابه في الرد على أبي حنيفة»، و «كتابه في الرد على الشافعيّ في مسألة الخمس» وغيرها، وكتابه «المبسوط في الفقه»، و «مختصره»، وكتاب «الأموال والمغازي» وكتاب «الشفاعة»، وكتاب «الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم» وكتاب «الفرائض»، مجلد، و «زيادات الجامع من الموطأ» أربعة أجزاء، وله كتاب كبير سمي «شواهد الموطأ» في عشر

مجلدات وذكر أنه في خمسمائة جزء، وكتاب «مسند يحيى بن سعيد الأنصاريّ» و «مسند حديث ثابت البنانيّ»، و «مسند حديث مالك بن أنس»، و «مسند حديث أيوب السّختيانيّ» و «مسند حديث أبي هريرة»، وجزء حديث أم زرع، وكتاب «الأصول»، وكتاب «الاحتجاج بالقرآن» مجلدان، وكتاب «السنن»، وكتاب «الشفعة» وما روي فيها من الآثار ومسألة المني يصيب الثوب، وكتاب المعاني المذكور، كان ابتدأه أبو عبيد القاسم بن سلام بلغ فيه إلى الحج أو الأنبياء، ثم تركه فلم يكمله، وذلك أن الإمام أحمد بن حنبل كتب إليه: بلغني أنك تؤلف كتابا في القراءات أقمت فيه الفرّاء وأبا عبيد أئمة يحتج بهما في معاني القرآن فلا تفعل، فأخذه إسماعيل وزاد فيه زيادة، وانتهى إلى حيث انتهى أبو عبيد. توفّي فجأة وقت صلاة العشاء الأخيرة ليلة الأربعاء لثمان بقين من ذي الحجة سنة اثنتين ومائتين، ومولده سنة تسع وتسعين ومائة، وهو معدود في حفّاظ الحديث، ذكره الذهبي في طبقاتهم. 99 - إسماعيل بن زياد أو ابن أبي زياد السّكونيّ (¬1). قاضي الموصل، شاميّ، واسم أبيه مسلم. روى عن ابن جريج، وابن عون، وهشام بن عروة (¬2)، وقال الدارقطنيّ: متروك يضع الحديث، وقال الخليليّ: شيخ ضعيف ليس بالمشهور، كان يعلم ولد المهدي، وشحن كتابه في «التفسير» بأحاديث مسندة يرويها عن شيوخه، ثور بن يزيد، ويونس الأيلي، لا يتابع عليها. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 29، الفهرست لابن النديم 37، لسان الميزان للذهبي 1/ 406، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 230. (¬2) في الأصل: «وهشام وعروة» تحريف، والصواب في ميزان الاعتدال، ولسان الميزان.

وروى عنه نائل بن نجيح، وجماعة. متروك من الطبقة الثامنة، أخرج له ابن ماجة. له «التفسير» و «ناسخ القرآن ومنسوخه». 100 - إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل أبو عثمان الصّابونيّ النّيسابوريّ (¬1). الواعظ، المفسّر، المحدّث، الأستاذ شيخ الإسلام إمام المسلمين، أوحد وقته شهدت له أعيان الرجال بالكمال في الحفظ، والتفسير؛ وغيرهما، حدّث عن زاهر السّرخسيّ، وأبي طاهر بن خزيمة، وعبد الرحمن بن أبي شريح. وعنه أبو بكر البيهقيّ، وعبد العزيز الكتانيّ، وطائفة. وكان كثير السماع والتصنيف وممن رزق العزّ، والجاه، في الدّين، والدّنيا، عديم النظير، وثّق السّنة، ودافع أهل البدع، يضرب به المثل في كثرة العبادة والعلم والذكاء والزهد والحفظ، أقام أشهرا في تفسير آية. ولد سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، ومات يوم الجمعة رابع محرم سنة تسع وأربعين وأربعمائة. ورثاه الإمام أبو الحسن الداوديّ بقوله: أودى الإمام الحبر إسماعيل ... لهفي عليه فليس منه بديل (¬2) والشمس والقمر المنير تناوحا ... حزنا عليه وللنجوم عويل ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 346 ب، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 76، الرسالة المستطرفة للكتاني 103، طبقات المفسرين للأدنةوي، ميكروفيلم بدار الكتب رقم 3466، ورقة 31 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 7، طبقات الشافعية للسبكي 4/ 271، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 223 أ، العبر للذهبي 3/ 219، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 62. (¬2) طبقات الشافعية للسبكي 4/ 282.

والأرض خاشعة تبكّي شجوها ... ويلي تولول أين إسماعيل أين الإمام الفرد في آدابه ... ما إن له في العالمين عديل لا تخدعنك منى الحياة فإنها ... تلهى وتنسي والمنى تضليل وتأهبن للموت قبل نزوله ... فالموت حتم والبقاء قليل ومن نظمه: إذا لم أصب أموالكم ونوالكم ... ولم أنل المعروف منكم ولا البرّا (¬1) وكنتم عبيدا للذي أنا عبده ... فمن أجل ماذا أتعب البدن الحرّا 101 - إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الهاشمي السّدّيّ (¬2). بضمّ المهملة وتشديد الدال، الكبير أبو محمد الكوفي الأعور. صاحب «التفسير» أصله حجازيّ، مولى زينب بنت قيس بن مخرمة من بني المطلب بن عبد مناف، يكنى أبا محمد. روى عن ابن عباس، وأنس، وطائفة. وعنه أبو عوانة، والثوري، والحسن بن صالح، وزائدة، وإسرائيل، وأبو بكر بن عيّاش، وخلق، صدوق يهم. ورمي بالتشيّع، من الطبقة الرابعة، أخرج له الجماعة إلا البخاري. مات سنة سبع وعشرين ومائة. 102 - إسماعيل بن علي الحافظ أبو سعد السّمّان (¬3). ¬

_ (¬1) المصدر السابق 4/ 285. (¬2) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 30، اللباب لابن الأثير 1/ 537، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 236، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 1/ 304. (¬3) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1121، الرسالة المستطرفة للكتاني 59، العبر 3/ 209، لسان الميزان للذهبي 1/ 421، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 239، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 51.

صدوق لكنه معتزليّ جلد، وهو من الرّي. سمع من المخلّص، وعبد الرحمن بن فضالة، وعلي بن عبيد الله الفقيه، وأحمد بن إبراهيم بن فراس، وابن أبي نصر، ومحمد بن بكران، وخلق كثير وعنه ابن أخيه طاهر بن الحسين، وأبو بكر الخطيب، وله تصانيف، وحفظ واسع، ورحلة كبيرة ومشايخ تجاوز الثلاثة آلاف على ما قال. قال ابن طاهر: سمعت المرتضى أبا الحسن المطهر بن علي العلويّ بالري يقول: سمعت أبا سعد السّمّان إمام المعتزلة يقول: من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام، وسئل عبد الرحيم بن المظفر بن عبد الرحيم الرازي الحمدوني عن وفاته فقال: توفي سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، وكان عدلي المذهب، يعني معتزليا، وكان له ثلاثة آلاف وستمائة شيخ ولم يتأهل، يعني لم يتزوج. وقال الكتّاني: بلغني أنه مات سنة سبع وأربعين، وكان من الحفاظ الكبار، وكان فيه زهد وورع إلا أنه كان يذهب إلى الاعتزال. وقال غيره: مات سنة خمس وأربعين. وقال ابن بانويه: وأي ثقة. حافظ مفسّر، وأثنى عليه. وله «تفسير» في عشر مجلدات، و «سفينة النجاة في الإمامة» وغير ذلك. 103 - إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن درع الحافظ عماد الدين أبو الفداء (¬1). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 39، البدر الطالع للشوكاني 1/ 153، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 399، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 57، 361، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة، ورقة 90 ب، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 123.

ابن الخطيب شهاب الدين أبي حفص القرشي البصرويّ الدمشقي الشافعي. مولده بقرية شرقي بصرى من أعمال دمشق سنة إحدى وسبعمائة كان قدوة العلماء والحفاظ وعمدة أهل المعاني والألفاظ. تفقّه على الشيخين برهان الدين الفزاريّ، وكمال الدين بن قاضي شهبة، ثم صاهر الحافظ أبا الحجاج المزي ولازمه، وأخذ عنه وأقبل على علم الحديث، وأخذ الكثير عن ابن تيمية، وقرأ الأصول على الأصفهاني، وسمع الكثير، وأقبل على حفظ المتون، ومعرفة الأسانيد والعلل والرجال والتاريخ، حتى برع في ذلك وهو شاب. وصنّف في صغره كتاب «الأحكام على أبواب التنبيه» والتاريخ المسمّى «بالبداية والنهاية» و «التفسير» و «كتابا في جمع المسانيد العشرة» واختصر «تهذيب الكمال» وأضاف إليه ما تأخر في «الميزان» سماه «التكميل» و «طبقات الشافعية» و «مناقب الإمام الشافعي» وخرج الأحاديث الواقعة في «مختصر ابن الحاجب» و «سيرة» صغيرة، وشرع في أحكام كثيرة حافلة كتب منها مجلدات إلى الحج، وشرح قطعة من «البخاري» وقطعة كبيرة من «التنبيه». وولي مشيخة أم الصالح بعد موت الذهبي، وبعد موت السبكي مشيخة دار الحديث الأشرفية مدة يسيرة، ثم أخذت منه. وذكره شيخه في المعجم المختص فقال: فقيه متفنن ومحدث متقن ومفسر نقاد، وقال تلميذه الحافظ شهاب الدين بن حجّي: كان أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث، وأعرفهم بتخريجها ورجالها وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وكان يستحضر شيئا كثيرا من الفقه والتاريخ، قليل النسيان وكان فقيها جيد الفهم، صحيح الذهن، ويحفظ

«التنبيه» إلى آخر وقت، ويشارك في العربية مشاركة جيدة، وينظم الشعر، وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه. وقال غيره: كانت [له] (¬1) خصوصية بالشيخ تقي الدين بن تيمية، ومناضلة عنه، واتباع له في كثير من آرائه، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق، وامتحن بسبب ذلك، وأوذي. مات في يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية. قال في إنباء الغمر (¬2): وهو القائل: تمرّ بنا الأيام تترى وإنما ... نساق إلى الآجال والعين تنظر فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدّر. 104 - إسماعيل بن محمد بن علي بن عبد الله بن هانئ الأندلسي الغرناطيّ (¬3). الإمام العلامة قاضي القضاة سريّ الدين (¬4)، أبو الوليد المالكي. ولد سنة عشر وسبعمائة بغرناطة، وحفظ «الموطأ» عن ظهر قلب، واشتغل بالعلوم، فبرز في النحو، والفقه، والفرائض والحساب والتفسير. وأخذ القراءات عن القيجاطيّ، وخرج من الأندلس بعد الثلاثين، فقدم ¬

_ (¬1) تكملة عن طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة. (¬2) انباء الغمر لابن حجر 1/ 40. (¬3) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 406، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 168. (¬4) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: الدرر الكامنة، وطبقات القراء لابن الجرزي: «شرف الدين».

مصر واجتمع بأبي حيان فعظمه كثيرا، ثم قدم حماة فأقام بها، وولي بها قضاء المالكية وهو أول من ولي ذلك. واشتغل عليه الناس، وانتفعوا به كثيرا، على لكنة كانت في لسانه، لا يعرف كلامه إلا من أكثر ملازمته، وذلك من ضربة وقعت في رأسه في الجهاد، ثم ولي قضاء دمشق. مات بالقاهرة في ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وسبعمائة. ذكره ابن الجزري في طبقات القراء، وهو من أحد شيوخه. 105 - إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي بن أحمد بن طاهر التيميّ الحافظ الكبير أبو القاسم الطّلحيّ الأصبهاني (¬1). الملقب قوام السنة، ويلقب أيضا بجوزي [ومعناه] (¬2) طائر صغير. قال ابن السمعاني: هو أستاذي في الحديث، وهو إمام في التفسير والحديث واللغة والأدب عارف بالمتون والأسانيد، عديم النظير لا مثيل له في وقته. وقال السّلفيّ: كان فاضلا في العربية ومعرفة الرجال، حافظا للحديث، عارفا بكل علم. ولد سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وسمع من أبي عمرو بن منده، وأبي نصر الزينبي، وأبي بكر بن خلف الشيرازي، ومالك البانياسيّ، وعائشة الوركانية، ورحل وطوّف، وأملى وصنّف، وتكلم في الجرح والتعديل. روى عنه أبو القاسم بن عساكر، وأبو سعد السّمعاني، وأبو موسى المدينيّ، وآخرون. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 217، تذكرة الحفاظ 4/ 1277، الرسالة المستطرفة للكتاني 57، طبقات المفسرين 8، العبر 4/ 94، مرآة الجنان لليافعي 3/ 263، المنتظم لابن الجوزي 10/ 90، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 267. (¬2) تكملة عن:

قال أبو موسى في «معجمه»: هو إمام أئمة وقته، وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السنّة في زمانه. مات بأصبهان يوم الأضحى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة بالفالج. وكان يحضر مجلس إملائه الأئمة والحفاظ والمسندون، وبلغ عدد أماليه نحوا من ثلاثة آلاف وخمسمائة مجلس. قال أبو موسى: وهو المبعوث على رأس المائة الخامسة الذي أحيا الله به الدين، ولا أعلم أحدا في ديار الإسلام يصلح لذلك غيره. قال الذهبي: وهذا تكلف زائد من أبي موسى فإنه لم يشتهر إلا من بعد العشرين وخمسمائة. هذا إن سلم أنه أجل أهل زمانه في العلم، ثم قال أبو موسى: ومن تصانيفه «التفسير الكبير» ثلاثون مجلدا، سماه «الجامع»، وله كتاب «الإيضاح في التفسير» أربع مجلدات، و «الموضح في التفسير» ثلاث مجلدات، و «المعتمد في التفسير» عشر مجلدات، وكتاب «التفسير باللسان الأصبهاني» في عدة مجلدات، وله كتاب «الترغيب والترهيب»، وكتاب «السنة»، وكتاب «دلائل النبوة» و «شرح البخاري»، و «شرح مسلم» و «إعراب القرآن»، وغير ذلك. وله فتاوى كثيرة، وكان أهل بغداد يقولون: ما دخل بغداد بعد الإمام أحمد بن حنبل أفضل ولا أحفظ منه. 106 - إسماعيل بن محمد بن يوسف ............ (¬1) 107 - إسماعيل بن يزيد بن حريث بن مردانبه (¬2) القطان أبو أحمد (¬3). ¬

_ (¬1) بياض في الأصل. (¬2) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: تاريخ أصبهان، وفي لسان الميزان «ابن حريث أبو برد ابن القطان». (¬3) له ترجمة في: تاريخ أصبهان 1/ 209، لسان الميزان للذهبي 1/ 443.

روى عن سفيان بن عيينة، وبشر بن السريّ، ووكيع، وأنس بن عياض، ومعن بن عيسى، والوليد بن مسلم، وابن مهدي، وأبي داود الطيالسي، وعدة. روى عنه: محمد بن حميد الرازي، مع تقدمه، وأحمد بن الحسين الأنصاري وغيرهما. وصنّف «المسند»، و «التفسير»، وكان يذكر بالزهد والعبادة، كثير الغرائب والفوائد. قال أبو نعيم في تاريخ أصبهان: اختلط عليه بعض حديثه في آخر أيامه. مات سنة ستين ومائتين أو قبلها بقليل.

حرف الباء الموحدة

حرف الباء الموحدة من اسمه بشر 108 - بشر بن المعتمر (¬1). كوفيّ، ويقال: بغداديّ، يكنى أبا سهل من كبار المعتزلة، انتهت إليه رياستهم ببغداد، توفي سنة عشرين (¬2) ومائتين. قال الجاحظ: كان يقع في أبي الهذيل، وخالف المعتزلة في مسألة القدر. وكان نخاسا في الرقيق، وكان يقول: إن الله لم يخلق شيئا من الأعراض كلها. وإنما هي فعل الناس، ومن مناكيره زعمه أن الإنسان يقدر أن يفعل (¬3) لغيره لونا وطعما وإدراكا وسمعا ونظرا بالتولد إذا عرف أسبابها. له كتاب في «متشابه القرآن»، وأورد له النديم في «الفهرست»: ستة وعشرين مؤلفا. من اسمه بشير 109 - بشير بن حامد بن سليمان بن يوسف بن سليمان بن عبد الله الإمام نجم الدين أبو النعمان الهاشمي الطالبي الجعفريّ الزينبيّ التّبريزيّ الفقيه الشافعي الصوفي (¬4). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الفهرست لابن النديم 38، لسان الميزان للذهبي 2/ 33. (¬2) في لسان الميزان «عشرة». (¬3) في لسان الميزان «أن يجعل». (¬4) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 8/ 133، طبقات المفسرين للسيوطي 8، العقد الثمين للشقي الفاسي.

من اسمه بقي

ولد بأردبيل سنة سبعين وخمسمائة، وتفقه ببغداد، علي ابن فضلان وغيره، وحفظ المذهب والأصول والخلاف، وناظر وأفتى وأعاد بالنّظاميّة، وكان إماما مشهورا بالعلم والفضل. وله «تفسير» مليح في عدّة مجلدات. سمع من ابن طبرزد، وعبد المنعم بن كليب، وابن سكينة. روى عنه الحافظ الظاهريّ، والمحب الطبريّ، والشرف الدّمياطيّ وغيرهم. مات بمكة في صفر سنة ست وأربعين وستمائة، وهو القائل: دخلت إليك يا أملي بشيرا ... فلمّا أن خرجت بشرا (¬1) أعد يائي التي سقطت من اسمي ... فيائي في الحساب تعدّ عشرا وكان دخل على بعض الكبار فسرقت نعله. من اسمه بقي 110 - بقيّ بن مخلد بن يزيد أبو عبد الرحمن الأندلسيّ القرطبيّ (¬2) الحافظ. أحد الأعلام وصاحب «التفسير» و «المسند»، أخذ عن يحيى بن يحيى الليثيّ ورحل إلى المشرق، ولقي الكبار، فسمع بالحجاز أبا مصعب الزهريّ، وإبراهيم بن المنذر الحزاميّ، وبمصر يحيى بن بكير، وأبا الطاهر بن السرح، وبدمشق هشام بن عمار، وببغداد أحمد بن حنبل، وبالكوفة يحيى ابن عبد الحميد الحمّانيّ، وأبا بكر بن أبي شيبة، وخلائق، وعدد شيوخه ¬

_ (¬1) طبقات المفسرين للسيوطي. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 56، تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي 91، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 629، جذوة المقتبس للحميدي 167، الصلة لابن بشكوال 1/ 118، طبقات المفسرين للسيوطي 9، العبر 2/ 56، مرآة الجنان 2/ 190، معجم الأدباء لياقوت 2/ 368، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 75، نفح الطيب للمقري 2/ 518.

من اسمه بكر

مائتان وأربعة وثمانون رجلا، وعني بالأثر وكان إماما زاهدا صوّاما صادقا كثير التهجّد مجاب الدعوة، قليل المثل، بحرا في العلم، مجتهدا، لا يقلد أحدا، بل يفتي بالأثر، وهو الذي نشر الحديث بالأندلس وكثّره، وليس لأحد مثل مسنده ولا تفسيره. [قال ابن حزم أقطع أنه لم يؤلف في الإسلام مثل تفسيره (¬1)] ولا تفسير ابن جرير ولا غيره، قال: وقد روى في مسنده عن ألف وثلاثمائة صحابي ونيف، ورتّب حديث كل صاحب على أبواب الفقه. فهو مسند ومصنّف. قال: وله تواليف في «فتاوى الصحابة والتابعين» فمن دونهم، أربى فيه على مصنّف عبد الرزاق، وابن أبي شيبة. قال: فصارت تصانيف هذا الإمام قواعد للإسلام لا نظير لها، وكان لا يقلد أحدا، وكان جاريا في مضمار البخاري ومسلم والنسائي، انتهى. وقال غيره: كان بقيّ متواضعا، ضيق العيش، كانت تمضي عليه الأيام في وقت طلبه ليس له عيش إلا ورق الكرنب الذي يرمى. روى عنه ابنه أحمد، وأيوب بن سليمان المريّ، وأسلم بن عبد العزيز الغافقيّ، وآخرون. ولد في رمضان سنة إحدى ومائتين، ومات في جمادى الآخرة سنة ست وسبعين. قال ابن عساكر: لم يقع إليّ حديث مسند من حديثه. من اسمه بكر 111 - بكر بن سهل الدمياطيّ أبو محمد (¬2). ¬

_ (¬1) تكملة عن طبقات المفسرين للسيوطي، وبها يتم المعنى. (¬2) له ترجمة في: لسان الميزان للذهبي 2/ 51، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 354.

مولى بن هاشم، يروى عن عبد الله بن يوسف، وكاتب الليث، وطائفة. وعنه: الطحاوي، والأصم، والطبراني، وخلق، وهو مقارب الحديث (¬1). قال النسائي: ضعيف، وقال مسلمة بن القاسم: تكلم الناس فيه وضعفوه من أجل الحديث الذي يحدث به عن سعيد بن كثير، عن يحيى بن أيوب، عن مجمع بن كعب، عن مسلمة بن مخلد؛ رفعه: (أعروا النساء يلزمن الحجال (¬2)) وهذا الحديث أخرجه الطبراني عن مسلمة. وله «تفسير». [توفي (¬3)] في سنة تسع وثمانين ومائتين، عن نيّف وتسعين سنة. هذه الترجمة من «لسان الميزان». 112 - بكر بن محمد بن العلاء بن محمد بن زياد بن الوليد (¬4). كنيته أبو الفضل، وأمه من ولد عمران بن حصين صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. وهو من أهل البصرة وانتقل إلى مصر، وهو من كبار فقهاء المالكيين، راوية للحديث، مذكور في أصحاب إسماعيل، وقيل: إنه لم يدرك إسماعيل ولا سمع منه، وقد حدث بكر عن إسماعيل في كتبه بالإجازة، ولا يبعد سماعه من إسماعيل إذ قد أدركه بالسن، كما تراه في وفاته، وسنه. وسمع من كبار أصحاب إسماعيل وغيرهم كابن خشنام، والقاضي أبي عمر، وإبراهيم بن حماد، وجعفر بن محمد الفريابي. ¬

_ (¬1) في لسان الميزان «مقارب الحال». (¬2) ذكره السيوطي في: الجامع الصغير ص 46، وضعفه. (¬3) تكملة عن: لسان الميزان. (¬4) له ترجمة في: ترتيب المدارك للقاضي عياض 3/ 290، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 450، الديباج المذهب لابن فرحون 100، العبر للذهبي 2/ 263.

وروى عن محمد بن صالح الطبريّ، وعن أحمد بن إبراهيم، وسعيد بن عبد الرحمن الكرابيسي؛ وأبي خليفة الجمحي، وغيرهم من أئمة الفقه والحديث. حدث عنه من لا يعد كثرة من المصريين والأندلسيين والقرويين وغيرهم، وممن حدث عنه ابن عراك، وأبو محمد النحاس، وابن مفرج، وابن عيشون، وأحمد بن ثابت، وابن عون الله وغيرهم. كان بكر من كبار الفقهاء المالكيين بمصر؛ وتقلد أعمالا للقضاء؛ وكان راوية للحديث عالما به، وأصله من البصرة وخرج من العراق لأمر اضطره، فنزل مصر قبل الثلاثين وثلاثمائة، وأدرك فيها رئاسة عظيمة، وكان قد ولي القضاء ببعض نواحي العراق، وعده أبو القاسم الشافعيّ في شيوخ المالكيين الذين لقيهم، وأثنى عليه. وألف بكر كتبا جليلة، منها: كتاب «أحكام القرآن» المختصر من كتاب إسماعيل بن إسحاق، بالزيادة عليه، وكتاب «الرد على المزني» وكتاب «الأشربة» وهو نقيض كتاب الطحاوي، وكتاب «أصول الفقه»، وكتاب «القياس»، و «كتاب في مسائل الخلاف»، وكتاب «الرد على الشافعي» في وجوب الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم، وكتاب «الرد على القدرية»، وكتاب «من غلط في التفسير، والحديث، ومسألة الرضاع ومسألة بسم الله الرحمن الرحيم»، و «رسالة إلى من جهل محل مالك بن أنس» من العلم وكتاب «مآخذ الأصول» وكتاب «ما في القرآن من دلائل النبوة» وغير ذلك. وذكر أنّ بكرا قال: احتبس بولي، وأنا صبي نحو سبعة أيام، فأتى بي

من اسمه بكير

والدي إلى سهل التستري، ليدعو لي، فمسح بيده على بطني فما هو إلا أن خرجنا بلت [على عنق (¬1)] الغلام. وتوفي رحمه الله بمصر ليلة السبت لسبع بقين من ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وقد جاوز الثمانين سنة بأشهر، ودفن بالمقطم (¬2). 113 - بكر بن أبي الثلج ................ .. (¬3) له تفسير ................ ................ ....... (¬4) من اسمه بكير 114 - بكير بن معروف الدّامغاني (¬5). أبو معاذ المفسّر قاضي نيسابور، ثم نزيل دمشق، يروى عن مقاتل بن حيان وأبي الزبير، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ، وعنه الوليد بن مسلم، ومروان بن محمد، وعبدان بن عثمان. فيه لين، من الطبقة السابعة، روى له أبو داود في المراسيل. مات في الشام سنة بضع وستين ومائة. 115 - بيبرس المنصوري ركن الدين (¬6). أحد مماليك الملك المنصور قلاوون، تنقل في الخدم إلى أن تأمر في الأيام ¬

_ (¬1) تكملة عن الديباج المذهب لابن فرحون، وترتيب المدارك للقاضي عياض. (¬2) في الأصل «المقطب»، وصوابه في: ترتيب المدارك. (¬3) بياض في الأصل: وذكر ابن النديم، بكر بن أبي الثلج، ولم يزد على ذلك، فقال تحت عنوان الكتب المصنفة في تفسير القرآن: «كتاب تفسير بكر بن أبي الثلج» وانظر الفهرست 34. (¬4) بياض في الأصل: وذكر ابن النديم، بكر بن أبي الثلج، ولم يزد على ذلك، فقال تحت عنوان الكتب المصنفة في تفسير القرآن: «كتاب تفسير بكر بن أبي الثلج» وانظر الفهرست 34. (¬5) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 45، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 351. (¬6) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 555، الدرر الكامنة لابن حجر 431، 510 تاريخ ورقة 270 أ، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 9/ 263.

المنصورية، وولي نيابة الكرك إلى أن صرفه الملك الأشرف خليل بن قلاوون بالأمير جمال الدين آقوش. وقدم مصر فأقام بها إلى أن صار داودار السلطان، فلما تسلطن الملك الناصر محمد بن قلاوون بعد مقتل أخيه الملك الأشرف خليل وتحكم كتبغا في الدولة، أعطى بيبرس هذا إمرة مائة فارس وتقدمة ألف، وبقي على حاله دوادارا، وفوض إليه أمر ديوان الانشاء في المكاتبات والأجوبة والبريد، فباشر ذلك أيام كتبغا وأيام المنصور لاجين إلى أن قتل وأعيد الناصر إلى السلطنة فاستمر به، وكان يباشر كتابة السر، شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله العمريّ، فبعث إليه أن يكتب إلى نائب الشام كتابا عن السلطان بشيء ذكره، فقال: لا بد من مشاورة السلطان أو النائب، فغضب بيبرس منه واستدعاه، فلما جاءه لم يكترث به، وقال له: كيف أقول لك وا لك أكتب ما يكتب، فقال: تأدب يا أمير، ولا تقل: وا لك فقام إليه وضربه على رأسه ثلاث ضربات، فخرج من عنده وكان يسكن بالقلعة، وعبر إلى الأمير سلّار النائب، وهو أيضا في دار النيابة بالقلعة، وشكا إليه ما نزل به، فسكّن من روعه، وأقره عنده إلى وقت الخدمة السلطانية، عرف الأمراء بما كان من بيبرس، وتحدث مع الأمير بيبرس الجاشنكير، وكانا هما حينئذ القائمين بأمور الدولة، فاتفق الجميع وأنكروا على بيبرس، وأمر به فأخذ سيفه وعنف تعنيفا كثيرا، وصرف من الدوادارية بالأمير عز الدين أيدمر في جمادى سنة أربع وسبعمائة، وصار من جملة الأمراء الكبار. فلما عاد الملك الناصر إلى الملك بعد الملك المظفّر بيبرس الجاشنكير، أعاده إلى الدوادارية في يوم الخميس ثاني شوال سنة تسع وسبعمائة، وأضاف إليه نيابة دار العدل ونظر الأحباس. ثم استقر في نيابة السلطنة بعد القبض على الأمير بكتمر الجوكندار،

وخلع عليه في يوم السبت ثاني عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة بعد ما استعفى من النيابة فلم يعفه، وباشر النيابة إلى أن قبض عليه في يوم الاثنين ثاني ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة، وسجنه هو وآقوش الأفرم، وسنقر الكمالي في أربعة أمراء أخر. وولي بعده النيابة الأمير أرغون الناصري، فلم يزل في السجن إلى أن أفرج عنه بشفاعة أرغون النائب، وأحضر من الإسكندرية هو والأمير بهادرآص في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة فلزم بيته، وكانت مدة سجنهما نحو الخمس السنين. ثم أنعم عليه بإمرة ثمانين بديار مصر على إقطاع مغلطاي أمير مجلس، وخلع عليه، وجلس رأس الميسرة في سنة ثماني عشرة وحج في سنة ثلاث وعشرين. ومات ليلة الخميس خامس عشري شهر رمضان سنة خمس وعشرين وسبعمائة عن ثمانين سنة، ودفن بتربة خارج القاهرة. وكان أميرا حشما، كثير الأدب، عاقلا، له صدقات ومعروف، وأنشأ مدرسة بسويقة العزّي خارج باب زويلة، تعرف بالمدرسة الدّوادارية، ورتب فيها درسا للحنفية، وجعل لها أوقافا دارّة. وكان يخرج من داره في السحر ومعه الدراهم فيتصدق بها سرا. وصنف «تفسيرا» وألف تاريخا سماه «زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة» يدخل في أحد عشر سفرا. وكان يجلس رأس الميسرة، وكان حنفيّ المذهب له اشتغال بالفقه، وأجيز بالفتوى والتدريس، وكان يلازم الصلوات الخمس في الجماعة، ويحيي أكثر ليله صلاة وقراءة، ويقضي نهاره بسماع الحديث والبحث في العلوم،

وكان دائم البشر طلق الوجه، لا يسمع غيبة أحد ولا يرمي بالنميمة، مع العفة والديانة وكان يخرج زكاة ماله وعشر غلاته، رحمه الله وإيانا. 116 - بيبش بن محمد بن علي بن بيبش أبو بكر العبدريّ الشاطبيّ (¬1). قاضي شاطبة، كان مفتيا مفسرا مصنفا، سمع أبا الحسن بن هذيل، وأبا عبد الله بن سعادة. روى عنه: أبو محمد، وأبو سليمان ابنا حوط الله. مات سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، عن ثمان وخمسين. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: التكملة لابن الآبار 1/ 228، طبقات المفسرين للسيوطي 10.

حرف الثاء

حرف الثاء 117 - ثابت بن أبي صفية الشمالي (¬1). بضم المثلثة أبو حمزة، واسم أبيه دينار، وقيل سعيد. روى عن أنس وعدة، وعنه وكيع، وأبو نعيم، وخلق. ضعّفوه، من الطبقة الخامسة. مات في خلافة أبي جعفر، أخرج له الترمذي وابن ماجة. له «تفسير». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 48.

حرف الجيم

حرف الجيم من اسمه جبير 118 - جبير بن غالب (¬1). من فقهاء الشّراة، ويكنى أبا فراس، كان فقيها شاعرا خطيبا فصيحا. فمن كتبه: كتاب «السنن والأحكام» كتاب «أحكام القرآن» و «رسالته إلى مالك بن أنس»، «المختصر في الفقه»، «الجامع الكبير في الفقه». ذكره النديم في الفهرست ولم يزد على ذلك. قال ياقوت: الشّراة صقع بين طريق الشام والمدينة. من اسمه جعفر 119 - جعفر بن حرب أبو الفضا الهمذانيّ (¬2). من كبار معتزلة بغداد. له تصانيف، منها كتاب «متشابه القرآن» و «الاستقصاء» و «الأصول» و «الرد على أصحاب الطبائع». ذكر الخطيب أنه توفي سنة ست وثلاثين ومائتين وله تسع وخمسون سنة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الفهرست لابن النديم 236. (¬2) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 7/ 162، الفهرست لابن النديم 36، لسان الميزان للذهبي 2/ 113.

أخذ عن أبي الهذيل العلاف، وقال النديم: كان زاهدا عفيفا فرحمه الله وإيانا. 120 - جعفر بن مبشّر الثقفيّ (¬1). من رءوس المعتزلة، له تصانيف في الكلام، وهو أخو حبيش بن مبشر، روى عن عبد العزيز بن أبان. وعنه عبيد الله بن محمد الترمذيّ. مات سنة أربع وثلاثين ومائتين انتهى. قال النديم: كان حبيش أيضا متكلما لكنه لم يقارب جعفرا، وكان جعفر متكلما صاحب حديث وله خطابة وبلاغة وزهد وفقه. وذكر له تصانيف كثيرة منها «ناسخ القرآن ومنسوخه» و «السنن والأحكام» و «تنزيه الأنبياء» «الطهارة»، «الآثار» الكبير، وغير ذلك. 121 - جعفر بن محمد بن الحسن بن زياد أبو يحيى الرّازيّ الزعفراني ويعرف بالتفسيريّ (¬2). كان إماما في التفسير صدوقا ثقة، حدث عن سهل بن عثمان العسكريّ، وعلي بن محمد الطنافسيّ، وجماعة. روى عنه إسماعيل الصفّار، وأبو سهل بن [زياد] (¬3) القطان، وأبو بكر الشافعيّ، وابن حاتم، وآخرون. مات في ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائتين. 122 - جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد الحافظ العلامة أبو العباس المستغفريّ النّسفيّ (¬4). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 7/ 162، الفهرست لابن النديم 37، لسان الميزان للذهبي 2/ 121. (¬2) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 7/ 184، طبقات المفسرين للسيوطي 10. (¬3) تكملة عن: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وميزان الاعتدال للذهبي 2/ 238. (¬4) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 21، تذكرة الحفاظ 3/ 1102، الجواهر المضيئة 1/ 180، العبر للذهبي 3/ 177، الفوائد البهية للكنوي 57، اللباب لابن الأثير 3/ 136، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 33.

من اسمه الجنيد

روى عن زاهر بن أحمد السّرخسيّ، وإبراهيم بن لقمان، وأبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي صاحب ابن الضريس، وعلي بن محمد بن سعيد السرخسيّ، وجعفر بن محمد البخاري، وخلائق. وكان صدوقا في نفسه، لكنه يروي الموضوعات في الأبواب ولا يوهيها، حدث عنه الحسن بن أحمد السمرقنديّ والحسن بن عبد الملك النّسفيّ، وإسماعيل بن محمد النّوحيّ (¬1) الخطيب، وآخرون. له كتاب «معرفة الصحابة» وكتاب «تاريخ نسف» و «تاريخ كش» وكتاب «الدعوات» وكتاب «المنامات» وكتاب «الخطب النبوية» وكتاب «دلائل النبوة» وكتاب «فضائل القرآن» وكتاب «الشمائل». مولده بعد الخمسين وثلاثمائة؛ ومات بنسف في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة. من اسمه الجنيد 123 - الجنيد بن محمد بن الجنيد القواريريّ الخزّاز (¬2). قيل: كان خزّازا، وكان أبوه قواريريّا، صحب سرّيا، والحارث المحاسبيّ، وسمع الحسن بن عرفة، وعنه جعفر الخلديّ. وتفقه على أبي ثور صاحب الشافعي، وأفتى في حلقته، وكان شيخ وقته، وفريد عصره، وكلامه ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: تذكرة الحفاظ للذهبي. وفي اللباب لابن الأثير، وتبصير المنتبه «اسحاق بن محمد النوحي». والنوحي بضم النون وسكون الواو وبعدها حاء مهملة. نسبة الى نوح، وهو اسم لجد المنتسب اليه (اللباب). (¬2) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 465، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 7/ 241، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني 10/ 255، صفوة الصفوة لابن الجوزي 2/ 325، طبقات الحنابلة 1/ 127، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 260، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3 ب، طبقات ابن هداية الله 10، العبر 2/ 10، الفهرست لابن النديم 186، اللباب 3/ 9، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 177، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 323.

في الحقيقة مدون مشهور. ومات سنة ثمان وتسعين ومائتين، ودفن عند سريّ بالشونيزي ببغداد. له كتاب «أمثال القرآن» و «الرسالة» وتحتوي على (¬1) ... ¬

_ (¬1) وقفت أسماء الكتب عند هذه الكلمة، كما وقفت عندها في الفهرست لابن النديم.

حرف الحاء

حرف الحاء من اسمه الحارث 124 - الحارث بن عبد الرحمن .............. (¬1) له «ناسخ القرآن ومنسوخه» ................ (¬2) من اسمه حجّاج 125 - حجّاج بن محمد المصّيصيّ الأعور أبو محمد (¬3). مولى أبي جعفر الهاشميّ ترمذيّ الأصل، نزل بغداد ثم سكن المصّيصة، سمع ابن جريج عند البخاري، وشعبة عند البخاري. روى عنه: قتيبة بن سعيد، ومحمد بن مقاتل، وصدقة، ويحيى بن معين، ومحمد بن عبد الرحيم، والفضل بن يعقوب عند البخاري، ومحمد بن حاتم، وإبراهيم بن دينار، والوليد بن شجاع، وهارون بن عبد الله، وحجاج الشاعر، وزهير بن حرب، وعلي بن خشرم (¬4) ويحيى بن يحيى، وشريح بن ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، وذكره ابن النديم ص 37 ولم يزد على ذلك. (¬2) بياض في الأصل، وذكره ابن النديم ص 37 ولم يزد على ذلك. (¬3) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 8/ 236، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 345، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 62، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 203، العبر للذهبي 1/ 349، الفهرست لابن النديم 37، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 464، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 181. (¬4) علي بن خشرم- بمعجمتين الثانية ساكنة والأولى مفتوحة بزنة جعفر- ابن عبد الرحمن ابن عطاء بن هلال المروزي أبو الحسن الحافظ توفي سنة 257 هـ (خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 131).

من اسمه حسان

يونس عند مسلم. وروى له الأربعة أيضا. مات ببغداد سنة خمس ويقال ست ومائتين. له: كتاب «ناسخ القرآن ومنسوخه». من اسمه حسان 126 - حسان بن المداريّ (¬1). روى عن علي بن الحسين زين العابدين وأدرك [بعض الصحابة (¬2)] وكان عارفا بالتفسير. روى عنه ابن جريج وغيره. ذكره الكشي في رجال الشيعة، وقال: ثقة مستقيم الطريق. من اسمه الحسن 127 - الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل الحافظ العلامة المقرئ شيخ الإسلام أبو العلاء الهمذانيّ العطار (¬3). شيخ همذان. مولده سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، قرأ بالروايات على أبي عليّ الحداد وأكثر عنه ولازمه مدة، وعلى مقرئ واسط أبي العز القلانسي، وأبي عبد الله البارع، وأبي بكر المزرفيّ، وطائفة. وسمع من أبي القاسم بن بيان، وأبي علي بن نبهان، وابن الحصين، وخلائق ببغداد، وأبي عبد الله محمد بن الفضل الفراويّ، وطائفة بنيسابور، ثم ¬

_ (¬1) له ترجمة في: لسان الميزان للذهبي 2/ 190. (¬2) تكملة عن: لسان الميزان. (¬3) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1324، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 204، العبر 4/ 206، مرآة الجنان لليافعي 3/ 389، معجم الأدباء للياقوت 3/ 26، المنتظم لابن الجوزي 10/ 248، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 72.

رحل ثاني مرة إلى بغداد فأسمع ابنه، ثم قدم الثلاثين وخمسمائة فأكثر، ثم بعد عام أربعين، قرأ عليه بالروايات أبو أحمد بن سكينة، وأبو الحسن بن الدباس، ومحمد بن محمد الكيّال. وحدث عنه أبو المواهب بن صصري، والحافظان عبد القادر، وأبو يعقوب يوسف بن أحمد الشّيرازيّ، ومحمد بن محمود الحماميّ وآخرون، وخاتمة أصحابه بالإجازة ابن المقير. قال أبو سعد السمعانيّ: حافظ متقن، ومقرئ فاضل، حسن السيرة، مرضي الطريقة، عزيز النفس، سخي بما يملكه، مكرم للغرباء، يعرف القراءات والحديث والأدب معرفة حسنة، سمعت منه. وقال عبد القادر الحافظ: شيخنا أبو العلاء برع على حفّاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسّير. ولقد كان يوما في مجلسه فجاءته فتوى في عثمان بن عفان رضي الله عنه فكتب من حفظه ونحن جلوس درجا طويلا في أخباره. وله تصانيف، منها: «زاد المسافر» في خمسين مجلدا، وكان إماما في القرآن وعلومه وحصل من القراءات ما إنه صنف فيها «العشرة»، و «المفردات»، وصنّف في الوقف والابتداء، وفي التجويد، والماءات، والعدد و «معرفة القراء» وهو نحو من عشرين مجلدا، واستحسنت تصانيفه وكتبت ونقلت إلى خوارزم وإلى الشام. وبرع عنده جماعة كثيرة في القراءات، وكان إذا جرى ذكر القرّاء يقول: فلان مات عام كذا، ومات فلان في سنة كذا، وفلان يعلو إسناده على فلان بكذا.

وكان إماما في النحو واللغة، سمعت أن [من] (¬1) جملة ما حفظ كتاب «الجمهرة». وخرج له تلامذة في العربية أئمة يقرءون بهمذان، وبعض أصحابه رأيته، فكان من محفوظاته كتاب «الغريبين» للهروي. وكان مهينا للمال باع جميع ما ورثه، وكان من أبناء التجار فأنفقه في طلب العلم حتى سافر إلى بغداد وأصبهان مرات ماشيا يحمل كتبه على ظهره. سمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد وآكل خبز الدّخن (¬2). وسمعت أبا الفضل بن بنيمان الأديب يقول: رأيت أبا العلاء في مسجد من مساجد بغداد يكتب وهو قائم لأن السراج كان عاليا، فعظم بعد ذلك شأنه في القلوب حتى إنه كان يمر في همذان فلا يبقى أحد رآه إلا قام ودعا له حتى الصبيان واليهود. وربما كان يمضي إلى بلدة مشكان (¬3) فيصلي بها الجمعة فيتلقاه أهلها خارج البلد، المسلمون على حدة، واليهود على حدة، يدعون له إلى أن يدخل البلد. وكان يفتح عليه من الدنيا جمل فلا يدخرها بل ينفقها على تلامذته، وكان عليه رسوم لأقوام وما كان يبرح عليه ألف دينار همذانية أو أكثر من الدّين مع كثرة ما كان يفتح عليه. وكان يطلب لأصحابه من الناس، ويعز أصحابه ومن يلوذ به، ولا يحضر دعوة حتى يحضر جماعة أصحابه، وكان لا يأكل أموال الظلمة، ولا قبل منهم مدرسة قط ولا رباطا، وإنما كان يقرئ في داره. ¬

_ (¬1) تكملة عن: تذكرة الحفاظ للذهبي. (¬2) في القاموس أن الدخن حب الجاورس. (¬3) مشكان: بضم الميم وسكون الشين وفتح الكاف وبعد الألف نون قرية من أعمال روز راور، من نواحي همذان.

وكان لا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكّن أحدا أن يعمل في مجلسه منكرا ولا سماعا. وكان ينزل كل إنسان منزلته حتى تألفت القلوب على محبته، وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبلية. وكان حسن الصلاة، لم ير أحدا (¬1) يمس مداسه، وكانت ثيابه قصارا، وأكمامه قصارا، وعمامته نحو سبعة أذرع. وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقادا وفعلا، بحيث إنه كان إذا دخل مسجده رجل فقدّم رجله اليسرى كلفه أن يرجع فيقدّم اليمنى، ولا يمس الأجزاء إلا على وضوء، ولا يدعو شيئا قط إلا مستقبل القبلة معظما لها. مات أبو العلاء بهمذان ليلة الخميس رابع عشر جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة. 128 - الحسن بن الحظيري بن أبي الحسين النعمانيّ الفارسيّ (¬2). نسبة إلى النّعمانيّة، قرية بين بغداد وواسط، وإلى جده النعمان بن المنذر؛ الإمام أبو علي الظهير. ويقال له الفارسي لأنه تفقه بشيراز على مذهب أبي حنيفة. قال ياقوت. كان مبرّزا في النحو والعروض والقوافي والشعر والأخبار، عالما بتفسير القرآن والفقه والخلاف والكلام والحساب والمنطق والهيئة والطبّ ¬

_ (¬1) في تذكرة الحفاظ للذهبي «لا يدع أحدا يمس مداسه». (¬2) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 23، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 191، معجم الأدباء لياقوت الحموي 3/ 64.

قارئا بالعشر والشواذ، عالما باللغة العبرانيّة. ويناظر أهلها، يحفظ في كل فنّ كتابا. دخل الشام، وأقام بالقدس مدة، فاجتاز به العزيز بن صلاح الدين بن أيوب، فرآه عند الصّخرة يدرس، فسأل عنه فعرف منزلته في العلم فأحضره ورغبه في المصير معه إلى مصر ليقمع به الشّهاب الطوسي، فورد معه، وأجرى له كل شهر ستين دينارا ومائة رطل خبز وخروفا وشمعة، كلّ يوم، ومال إليه الناس، وقرّر العزيز المناظرة بينه وبين الطوسي، وعزم الظهير على أن يسلك معه مسلكا في المغالطة لأن الطوسي كان قليل المحفوظ إلا أنه كان جريئا مقداما، فركب العزيز يوم العيد، وركب معه الطوسي والظهير، فقال الظهير للعزيز في أثناء الكلام: أنت يا مولاي من أهل الجنة، فوجد الطوسي السبيل إلى مقتله، فقال له: وما يدريك أنه من أهل الجنة؟ وكيف تزكي على الله! ومن أخبرك بهذا! ما أنت إلا كما زعموا أن فأرة وقعت في دن خمر فشربت فسكرت فقالت: أين القطاط؟ فلاح لها هرّ، فقالت: لا تؤاخذ السّكارى بما يقولون. وأنت شربت من خمر دنّ هذا الملك فسكرت، فصرت تقول خاليا: أين العلماء؟ فأبلس الظهير، ولم يحر جوابا، وانصرف وقد انكسرت حرمته عند العزيز، وشاعت هذه الحكاية بين العوام، وصارت تحكى في الأسواق والمحافل، فكان مآل أمره أن انضوى إلى مدرسة الأمير الأسديّ يدرس بها مذهب أبي حنيفة، إلى أن مات يوم الجمعة سلخ ذي القعدة سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. وكان يقول قد انتحلت مذهب أبي حنيفة وانتصرت له فيما وافق اجتهادي. صنّف «تفسيرا كبيرا» و «شرح الجمع بين الصحيحين» للحميديّ، و «كتابا في اختلاف الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار» و «تنبيه البارعين على المنحوت من كلام العرب»، وغير ذلك.

129 - الحسن بن سعيد الفارسي المقرئ (¬1). أخذ القراءة عرضا عن محمد (¬2) بن عبد القاسم بن يزيد، صاحب ذكوان. روى القراءة بفارس عنه محمد بن جعفر الجرجاني .... (¬3) 130 - الحسن بن سليمان بن الخير الأستاذ أبو علي النّافعي الأنطاكيّ المقرئ (¬4). قال الذهبي في طبقات القراء: قرأ بالروايات على أبي الفتح بن بذهن، وأبي الفرج غلام ابن شنّبوذ، ومحمد بن علي الأذفويّ، وغيرهم. وقرأ عليه محمد بن أبي سعيد القزويني، وغيره. قال أبو عمرو الدانيّ: كان من أحفظ أهل عصره للقراءات والشواذ، وكان مع ذلك يحفظ تفسيرا كثيرا، ومعاني جمة، وإعرابا وعللا، يسرد ذلك سردا ولا يتتعتع، جلست إليه وسمعت منه. وكان يظهر مذهب الرفض بسبب الدولة، شاهدت ذلك منه. فذاكرت به فارس بن أحمد وكان لا يرضاه في دينه، وقيل: كان يؤدب الوزير ابن حنزابة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 1/ 215. (¬2) في الأصل «عن علي بن محمد بن القاسم» تحريف، والصواب في: طبقات القراء 2/ 232 وترجمته فيها «محمد بن القاسم بن يزيد أبو علي الاسكندراني مقرئ، أخذ القراءة عن عبد الله بن ذكوان روى القراءة عنه عرضا، الحسن بن سعيد الفارسي بالاسكندرية سنة 298 هـ. (¬3) بياض في الأصل ووقفت الترجمة عند كلمة «الجرجاني» كما وقفت عندها في طبقات القراء، وترجمته فيها كاملة «الحسن بن سعيد الفارسي مقرئ، عرض على محمد بن القاسم ابن يزيد صاحب ذكوان، روى القراءة بفارس عنه محمد بن جعفر الجرجاني. (¬4) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 1/ 215.

قال الذهبي: كان مداخلا للعبيديين أصحاب مصر فسلط عليه الحاكم، وقتله في آخر سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، نسأل الله الرحمة. والنافعيّ نسبة إلى قراءة نافع. 131 - الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران اللغوي الأديب أبو هلال العسكري (¬1). قال السّلفيّ: هو تلميذ أبي أحمد العسكري (¬2)، توافقا في الاسم واسم الأب والنسبة. وكان موصوفا بالفقه والعلم، والغالب عليه الأدب والشّعر، وكان يتبزز احترازا من الطمع والدناءة والتبذل. روى عنه أبو سعد السّمان وغيره. وقال ياقوت: ذكر بعضهم أنه ابن أخت أبي أحمد العسكريّ وله كتاب «صناعتي النّظم والنّثر»، مفيد جدا، «التّلخيص في اللغة»، «جمهرة الأمثال»، «شرح الحماسة»، «من احتكم من الخلفاء إلى القضاة»، «لحن الخاصّة»، «الأوائل»، «نواد الواحد والجمع»، «الدّرهم والدينار»، «ديوان شعره»، وغير ذلك (¬3). قال ياقوت: ولم يبلغني [شيء (¬4)] في وفاته إلا أنه فرغ من إملاء ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 10، معجم الأدباء للسيوطي 3/ 135. (¬2) هو: الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري أبو أحمد اللغوي العلامة، له من الكتب صناعة الشعر، الحكم والأمثال، وغير ذلك، ولد سنة 293 هـ. ومات سنة 382 هـ (معجم الأدباء لياقوت 3/ 126). (¬3) وذكر له ياقوت أيضا: كتاب المحاسن في تفسير القرآن خمس مجلدات. (¬4) تكملة عن: معجم الأدباء للسيوطي.

«الأوائل» يوم الأربعاء لعشر خلت من شعبان سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. ومن شعره: إذا كان مالي مال من يلقط العجم ... وحالي فيكم حال من حاك أو حجم (¬1) فأين انتفاعي بالأصالة والحجى ... وما برحت كفي عن العلم والحكم ومن ذا الذي في الناس يبصر حالتي ... فلا يلعن القرطاس والحبر والقلم وله قصيدة في فضل الشتاء. 132 - الحسن بن علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسين بن محمد، القاضي المهذّب (¬2). صفي الدين عميد الدولة، أبو محمد ابن القاضي الرشيد سديد الدولة أبي الحسن ابن القاضي الرشيد الموفق سديد الدولة ثقة الملك أبي إسحاق المعروف بابن الزبير القرشي الأسدي الأسوانيّ، لم يكن في زمنه أشعر منه. قال الحافظ أبو محمد المنذريّ: سألت قاضي القضاة شرف الدين محمد ابن عين الدولة عنه وعن أخيه الرّشيد أيّهما أفضل؟ فقال: المهذّب في الشعر والأدب، وذاك في فنون. وله كتاب «تفسير القرآن» في خمسين مجلدة، وكتاب «جنان الجنان ورياض الأفهام» ذيّل به كتاب «يتيمة الدهر» وله شعر كثير، ومحلّ في الفضل أثير. ومات خوفا من شاور في سنة إحدى وستين وخمسمائة. ومن شعره في الشمعة: ومصفرّة لا عن هوى غير أنها ... تحوز صفات المستهام المعذّب (¬3) ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت. (¬2) له ترجمة في: خريدة القصر 1/ 304، معجم الأدباء لياقوت الحموي 3/ 157. (¬3) خريدة القصر.

شجونا وسقما واصطبارا وأدمعا ... وخفقا وتسهيدا وفرط تلهب إذا جمّشتها (¬1) الريح كانت كمعصم ... يرد سلاما بالبنان المخضّب وقال: لا ترج ذا نقص ولو أصبحت ... من دونه في الرتبة الشّمس (¬2) كيوان (¬3) أعلى كوكب موضعا ... وهو إذا أنصفته نحس وقال: وترى المجرّة في السماء كأنّها ... تسقي الرياض بجدول ملآن (¬4) لو لم تكن نهرا لما عامت بها ... [أبدا (¬5)] نجوم الحوت والسّرطان ولما مات الصالح بن رزّيك حدثت عداوة بين القاضي الجليس بن الحبّاب (¬6) والمهذب بن الزبير، فبلغ شاور أن ابن الزبير يمدح شير كوه ويحرضه على قتله، فلما سار شيركوه عن القاهرة قبض شاور على ابن الزبير واعتقله وعزم على قتله، فدخل عليه القاضي الجليس بن الحبّاب وما زال به حتى أفرج عنه، فلما كان الليل وقف ابن الزبير على باب ابن الحبّاب واستأذن عليه، فبعث إليه يقول: العداوة باقية وما فعلت هذا إلا سترا ¬

_ (¬1) التجميش: الملاعبة والمغازلة. (¬2) معجم الأدباء، وخريدة القصر. (¬3) كيوان: اسم يطلق على زحل، وكان عند العرب مثلا في العلو والبعد، وهو مع هذا عندهم رمز للشؤم والنحس. (¬4) خريدة القصر. (¬5) تكملة عن: خريدة القصر، ووفيات الأعيان لابن خلكان. (¬6) هو: عبد العزيز بن الحسين بن الحباب أبو المعالي القاضي الجليس السعدي كان يجالس خلفاء مصر من بني عبيد فسمى الجليس. وكان أدبيا مترسلا شاعرا. مات 561 هـ (النجوم الزاهرة لابن تغري بردى 5/ 371).

للحرمة والفضيلة وقد [حدث (¬1)] معك قبل هذا ما هو أعظم من هذه فما حفظتها. والله لا اجتمعنا إلا يوم القيامة، فاتفق موت القاضي الجليس في أول السنة، ومات بعده ابن الزبير. 133 - الحسن بن علي بن غسان يعرف بالشاكر الشافعي. أحد الجامعين لفنون العلم من الحديث والفقه وعلوم القرآن والآداب والشعر له عدة تصانيف في عدة فنون ذكره ياقوت في معجمه ... (¬2). 134 - الحسن بن علي بن فضال بن عمرو بن أنيس التيمي مولاهم الكوفي أبو بكر (¬3). روى عن موسى بن جعفر، وابنه علي بن موسى، وإبراهيم بن محمد الأشعري، ومحمد بن عبد الله بن زرارة، وعلي بن عقبة، وغيرهم. روى عنه الفضل بن شاذان، وبالغ في الثناء عليه بالزهد والعبادة، وابناه أحمد وعلي ولد الحسن، ومحمد بن عبد الله التميمي، وابن عقدة، وآخرون، وكان من مصنفي الشيعة. له كتاب «الزيارات» و «البشارات» و «النوادر» و «الرد على الغالية» و «الناسخ والمنسوخ» و «التفسير» و «المبتدأ والابتداء» و «الطب». مات سنة أربع وعشرين ومائتين. 135 - الحسن بن علي بن نصر بن منصور الطوسيّ أبو علي (¬4). ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) بياض في الأصل وجاء في حاشية الأصل «تكملة ترجمته منه». (¬3) له ترجمة في: الفهرست للطوسي 93، الفهرست لابن النديم 223، لسان الميزان للذهبي 2/ 225. (¬4) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 787، لسان الميزان للذهبي 2/ 232.

حافظ يحمل عن بندار، ومحمد بن رافع، والزبير بن بكار، والطبقة. ومنه الحاكم أبو أحمد، وقال: تكلموا في روايته «الأنساب» للزبير، وكان يعرف بكردش. وقال الخليليّ: له تصانيف تدل على معرفته انتهى. منها كتاب «نظم القرآن» وكتاب «الأحكام» على نمط «جامع الترمذي». مات سنة ثمان وثلاثمائة. 136 - الحسن بن الفتح بن حمزة بن الفتح أبو القاسم الهمذاني (¬1). قال السّلفي: كان من أهل الفضل والتقدّم في الفرائض، والتفسير، والآداب واللغة، والمعاني والبيان، والكلام، استوطن بغداد في آخر عمره، وله «تفسير» حسن، وشعر رائق، صحب أبا إسحاق الشّيرازيّ وتفقه عليه. وقال ابن الصلاح: رأيت مجلدين من تفسيره، واسمه كتاب «البديع في البيان عن غوامض القرآن» فوجدته ذا عناية بالعربية والكلام، ضعيف الفقه، مات بعد الخمسمائة. ومن شعره: نسيم الصبا إن عجت يوما بأرضها ... فقولي لها حالي علت عن سؤالك (¬2) فها أنا ذا إن كنت يوما تعينني ... فلم يبق لي إلا حشاشة هالك 137 - الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المراديّ (¬3) 222. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 10. (¬2) طبقات المفسرين للسيوطي. (¬3) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 436، الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 116، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 227.

المصريّ المولد الآسفي المغربيّ المحتد النحويّ اللّغويّ الفقيه البارع بدر الدين المعروف بابن أمّ قاسم، وهي جدته أمّ أبيه؛ واسمها زهراء، وكانت أول ما جاءت من المغرب، عرفت بالشّيخة، فكانت شهرته تابعة لشهرتها، ذكر ذلك العفيف المطريّ في «ذيل طبقات القرّاء». قال: وأخذ العربية عن أبي عبد الله الطنجيّ، والسرّاج الدمنهوريّ، وأبي زكريا الغماريّ، وأبي حيان، والفقه عن الشّرف المقيليّ المالكيّ. والأصول عن الشّيخ شمس الدين بن اللّبّان، وأتقن العربية والقراءات على المجد إسماعيل التّستريّ: وصنّف وتفنّن، وأجاد. وله: «شرح التسهيل» و «شرح المفصل» و «شرح الشاطبية» و «الألفية» و «الجني الدّاني في حروف المعاني» و «شرح الاستعاذة والبسملة» في كراس، و «فسر القرآن العظيم» في عشر مجلدات، أتى فيه بالفوائد الكثيرة، و «إعراب القرآن» وأفرد باب وقف حمزة على الهمز في مصنف، وذكر فيه احتمالات، قال ابن الجزري: أكثرها لا يصح، وكان تقيا صالحا. مات يوم عيد الفطر سنة تسع وأربعين وسبعمائة. 138 - الحسن بن محبوب السّراد أبو علي (¬1). مولى بجيلة، روى عن جعفر الصادق، والحسن بن صالح بن حي، وجعفر بن سالم، وحنان بن سدير، وصالح بن زرارة، وعباد بن صهيب في آخرين. روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى، ومعاوية بن حكيم، ويونس بن علي العطار، ومحمد بن سيرين بن أبي الخطاب، وآخرون. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الفهرست للطوسي 104، الفهرست لابن النديم 221، لسان الميزان للذهبي 2/ 248.

له: «التفسير»، «النكاح»، «الفرائض»، «الحدود» و «الديات». ذكره الطوسي في مصنفي الشيعة. 139 - الحسن بن مسلم بن سفيان أبو علي الضرير المفسر (¬1). روى القراءة عن أبيه، وعن زيد بن أخي يعقوب، وأحمد بن عبد الخالق المكفوف، وكعب بن إبراهيم، وحميد بن وزير، وأبي بشر (¬2) القطان، وكلهم عن يعقوب. روى عنه القراءة عرضا محمد بن إسحاق البخاري، ومحمد بن عبيد الله ابن الحسن الرازي. والحسين بن جعفر بن أيوب الرازي. ذكره ابن الجزي في «طبقات القراء»، ولم يؤرخ مولده ولا وفاته. 140 - الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب بن أيوب أبو القاسم النّيسابوريّ الواعظ المفسّر (¬3). قال عبد الغافر: إمام عصره في معاني القرآن وعلومه، صنف «التفسير» المشهور، وكان أديبا نحويا، عارفا بالمغازي والقصص والسير، يدرس لأهل التّحقيق، ويعط العوام، ويعقد مجلس التذكير، وانتشر عنه بنيسابور العلم الكثير، وسارت تصانيفه الحسان في الآفاق، وكان أستاذ الجماعة، ظهرت بركته على أصحابه، وسمع الحديث الكثير وجمع، حدث عن الأصم، وأبي زكريا العنبري، وأبي عبد الله الصفار، وأبي الحسني الكارزيّ (¬4)، وأبي محمد ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 1/ 233. (¬2) في الأصل «وأبي كثير» تحريف، والصواب في: طبقات القراء لابن الجزري. (¬3) له ترجمة في: تاريخ الاسلام الذهبي وفيات سنة 406 هـ، طبقات المفسرين للسيوطي 11، العبر للذهبي 3/ 93. (¬4) في الأصل «الكابدي» تحريف، والصواب في تاريخ الاسلام للذهبي وفيات سنة 406 هـ. والكارزي: بفتح أوله وكسر الراء والزاي نسبة الى كارز، من قرى نيسابور، وهو أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن الكارزي النيسابوري (اللباب لابن الأثير 3/ 20).

المزني، وأبي سعيد عمرو بن منصور الضّرير، وأبي جعفر محمد بن صالح بن هاني وغيرهم. وذكره في كتاب «سر السرور» وقال: هو أشهر مفسّري خراسان، وأقفاهم لحق الإحسان، وكان الأستاذ أبو القاسم الثّعلبي من خواص تلامذته. وقال السّمعاني: كان أولا كرّاميّ (¬1) المذهب، ثم تحوّل شافعيّا. وقال الذهبي: سمع أبا حاتم بن حبّان (¬2)، وجماعة روى عنه أبو بكر محمد بن عبد الواحد الحيريّ الواعظ، وأبو الفتح محمد بن إسماعيل الفرغانيّ، وآخرون. وصنف في القراءات والتفسير والآداب وعقلاء المجانين. مات في ذي الحجة سنة ست وأربعمائة. ومن شعره أورده ياقوت (¬3): رضي بالدهر كيف جرى وصبرا ... ففي أيامه جمع وعيد ولم يخشن عليك قضيب عود ... من الأيام إلا لان عود وله: في علم علام الغيوب عجائب ... فاصبر فللصبر الجميل عواقب ومصائب الأيام إن عاديتها ... بالصبر رد عليك وهي مواهب لم يدج ليل العسر قطّ بغمّه ... إلا بدا لليسر فيه كواكب ¬

_ (¬1) الكرامية: أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام، ومن مذهبه أن الله تعالى جسم، الى غير ذلك مما يتعالى الله عنه من أمر جسم وجوهر وأنه في مكان مخصوص مماس لعرشه من فوقه، مات أبو عبد الله سنة 225 هـ (الملل والنحل للشهرستاني 1/ 180) (اللباب لابن الأثير 3/ 32). (¬2) في الأصل «ابن حيان» تحريف، والصواب في: تاريخ الاسلام للذهبي. (¬3) لم أعثر عليه في ياقوت، وهو في طبقات المفسرين للسيوطي.

وله أيضا: بمن يستعين العبد إلا بربه ... ومن للفتى عند الشدائد والكرب ومن مالك الدنيا ومالك أهلها ... ومن كاشف البلوى على البعد والقرب ومن يدفع الغماء وقت نزولها ... وهل ذاك إلا من فعالك يا ربّ وقال البيهقي في «شعب الإيمان»: أنشدنا الأستاذ أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب في «تفسيره» قال أنشدني أبي: إن الملوك بلاء حيث ما حلوا ... فلا يكن لك في أكنافهم ظلّ ماذا تأمل من قوم إذا غضبوا ... جاروا عليك وإن أرضيتهم ملّوا فإن مدحتهم خالوك تخدعهم ... واستثقلوك كما يستثقل الظلّ فاستعن بالله عن أبوابهم أبدا ... إن الوقوف على أبوابهم ذلّ ................ ... (¬1) 141 - الحسن بن محمد بن عبد الله شرف الدين الطّيبيّ (¬2). بكسر الطاء. الإمام المشهور العلّامة في المعقول والعربية والمعاني والبيان. قال الحافظ ابن حجر: كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن، مقبلا على نشر العلم متواضعا حسن المعتقد، شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة مظهرا فضائحهم، شديد الحب لله ورسوله، كثير الحياء، ملازما لأشغال الطلبة في العلوم الإسلاميّة بغير طمع، بل يخدمهم ويعينهم، ويعير الكتب النفيسة لأهل بلده وغيرهم؛ من يعرف ومن لا يعرف، محبّا لمن عرف منه تعظيم الشريعة. وكان ذا ثروة من الإرث والتّجارة، فلم يزل ينفقه في وجوه الخيرات حتى صار في آخر عمره فقيرا، وضعف بصره في آخر عمره. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، والترجمة منقولة بالنص عن طبقات المفسرين للسيوطي، وقد وقفت الترجمة هناك عند كلمة: «على أبوابهم ذل». (¬2) له ترجمة في: البدر الطالع للشوكاني 1/ 229، مفتاح السعادة لطاش كبرى زادة 2/ 101.

شرح «الكشاف» شرحا حسنا كبيرا، وأجاب عما خالف فيه الزمخشريّ أهل السنة بأحسن جواب، وصنّف في المعاني والبيان كتابا سماه «التبيان» وشرحه، وصنف «تفسير القرآن» وشرح «مشكاة المصابيح». وعقد مجلسا لقراءة صحيح البخاري، وكان يشتغل في التفسير من الشروق إلى الزوال ومن ثمّ إلى العصر في البخاري إلى يوم مات، فإنه فرغ من وظيفة التفسير وتوجه إلى مجلس الحديث، فصلى النّافلة، وجلس ينتظر الإقامة للفريضة. فقضى نحبه، متوجّها إلى القبلة، وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشري شعبان سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. وذكر في شرحه على الكشّاف أنه أخذ عن أبي حفص السّهرورديّ، وأنه قبيل الشّروع في هذا الشرح رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في النّوم، وقد ناوله قدحا من اللبن، فشرب منه. 142 - الحسن بن محمد بن صالح النابلسي (¬1). الحنبليّ المفسّر، أحد شيوخ الشيخ شمس الدين بن الجزري المقرئ ................ ........ (¬2) 143 - الحسن بن محمد بن الصّباح البغدادي، الإمام أبو علي الزّعفرانيّ (¬3). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 221، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 231. (¬2) بياض في الأصل، وقد جاءت ترجمته كاملة في طبقات القراء «الحسن بن محمد بن صالح أبو محمد النابلسي الحنبلي امام فقيه، قرأ السبع على أبي حيان، والعشر بمضمن الكنز على ابن مؤمن، وسكن مصر، قرأت عليه بها جمعا بالعشر الى: «وهم فيها خالدون» من البقرة، ومن كتاب الارشاد لأبي العز الى آخر المائدة في شعبان سنة 771 هـ». (¬3) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 7/ 407، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 525، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/ 318، طبقات الشافعية للاسنوي 10، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 114، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2 أ، طبقات الشيرازي 82، طبقات ابن هداية الله 7، اللباب لابن الأثير 1/ 402، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 23، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 357.

أحد رواة «القديم» عن الشافعي، كان إماما، جليلا، فقيها، محدّثا، فصيحا، ثقة، ثبتا. قال الماورديّ: هو أثبت رواة «القديم». وقال أبو عاصم: الكتاب العراقيّ منسوب إليه. وقد سمع بقراءته الكتب على الشافعيّ أحمد، وأبو ثور، والكرابيسيّ. والزّعفرانيّ كما قال ابن السبكي في الطبقات الكبرى: منسوب إلى قرية بالسّواد، يقال لها الزّعفرانية. ثم سكن بغداد في بعض دروبها فنسب الدرب إليه، وصار يقال درب الزّعفرانيّ ببغداد، وفي الدرب المذكور مسجد الشافعيّ رضي الله عنه، وكان الشيخ أبو إسحاق الشّيرازيّ يدرّس فيه. سمع الزّعفرانيّ من سفيان بن عيينة (¬1) وعبيدة- بفتح العين- ابن حميد الكوفي، وعبد الوهاب الثّقفيّ، ويزيد بن هارون، وخلق. روى عنه الجماعة إلا مسلما. وروى عنه أيضا أبو القاسم البغويّ، وابن صاعد وزكريا السّاجيّ، وابن خزيمة، وأبو عوانة، ومحمد بن مخلد، وأبو سعيد بن الأعرابيّ، وطائفة. قال النّسائيّ: ثقة. وقال ابن حبّان (¬2): كان أحمد بن حنبل وأبو ثور يحضران عند الشافعيّ، وكان الحسن الزّعفرانيّ هو الذي يتولى القراءة. وقال زكريا السّاجي: سمعت الزّعفرانيّ، يقول: قدم علينا الشافعيّ، ¬

_ (¬1) في الأصل «ابن عتيبة» تحريف، والصواب في: طبقات الشافعية للسبكي، وميزان الاعتدال للذهبي. (¬2) في الأصل «ابن حيان» تحريف، صوابه في: طبقات الشافعية للسبكي.

فاجتمعنا إليه، فقال: التمسوا من يقرأ لكم، فلم يجترئ أحد أن يقرأ عليه غيري، وكنت أحدث القوم سنّا، ما كان في وجهي شعرة، وإني لأتعجّب اليوم من انطلاق لساني بين يدي الشافعيّ، وأتعجّب من جسارتي يومئذ، فقرأت عليه الكتب كلها إلا كتابين؛ فإنه قرأهما علينا: كتاب «المناسك» و «كتاب الصلاة». وقال أحمد بن محمد بن الجرّاح: سمعت الحسن الزّعفرانيّ، يقول: لمّا قرأت كتاب «الرسالة» على الشافعيّ، قال لي: من أيّ العرب أنت؟ قلت: ما أنا بعربيّ، وما أنا إلا من قرية يقال لها الزّعفرانيّة. قال فأنت سيد هذه القرية. ومما يحكى من فصاحة الزّعفرانيّ أن الأنماطيّ، قال: سمعت المزنيّ، يقول: سمعت الشافعيّ، يقول: رأيت في بغداد نبطيّا يتنحّى (¬1) عليّ حتى كأنه عربيّ، وأنا نبطيّ، فقيل له: من هو؟ فقال: الزّعفرانيّ. وقال أبو حامد المروذي: كان الزعفراني من أهل اللغة. توفي في شهر رمضان سنة ستين ومائتين. قال الرّافعيّ في «شرح مسند الشافعيّ» في كتاب الجمعة: عن نافع بن جبير بن مطعم، وعطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «شاهد يوم الجمعة ومشهود يوم عرفة». قال الرافعيّ: رواه الحسن بن محمد الزعفرانيّ صاحب الشافعي في تفسيره موصولا عن روح بن عبادة عن موسى ابن عبيدة عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة. ورواه كذلك حميد بن زنجويه عن عبد الله بن موسى بن عبيدة. وروى ذلك عن أبي هريرة موقوفا، وهو أصح عند الأئمة، وتكلموا في موسى بن عبيدة (¬2). انتهى. ¬

_ (¬1) يتنحى: يستعمل الاعراب في كلامه. (¬2) قال النسائي: ضعيف، وقال ابن معين: لا يحتج بحديثه، مات سنة 153 هـ (ميزان الاعتدال للذهبي 4/ 213).

وقال الزّعفرانيّ عن الشافعيّ في قوله تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ (¬1) أي من أبوين في الإسلام. وقال الزعفراني: سألت يحيى بن معين عن الشافعي، فقال: لو كان الكذب له منطلقا لمنعته منه مروءته. وروي الحافظ أبو الحسن بن حمكان (¬2) أن الزعفرانيّ، قال: قال الشافعيّ في الرّافضيّ يحضر الوقعة: لا يعطى من الفيء شيئا؛ لأن الله تعالى ذكر آية الفيء ثم قال: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ (¬3) الآية. فمن لم يقل بها لم يستحق. 144 - الحسن البصريّ بن أبي الحسن أبو سعيد (¬4). مولى زيد بن ثابت، وقيل مولى جميل بن قطبة، وقيل غير ذلك، وأبو يسار بالتحتانية من سبى ميسان (¬5)، أعتقته الربيع بنت النضر. ولد الحسن في زمن عمر، وشهد الدار وهو ابن أربع عشرة سنة. وروى عن عمران بن حصين، وأبي موسى، وابن عباس، وجندب، وخلق. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب 4. (¬2) في الأصل «جمعان» تحريف، صوابه في طبقات الشافعية للسبكي. وحكمان بحاء مهملة بعدها ميم مفتوحتان وكاف. (¬3) سورة الحشرة 10. (¬4) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 71، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني 2/ 131، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 235، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 527، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 354. (¬5) ميسان: بفتح الميم وسكون الياء المثناة من تحتها، وفتح السين المهملة وبعد الألف نون، بليدة بأسفل البصرة (اللباب لابن الأثير 3/ 202).

من اسمه الحسين

وعنه ابن عون، ويونس، وأمم، وكان إماما كبير الشأن، رفيع الذكر رأسا في العلم والعمل، وهو رأس الطبقة الثالثة، أخرج له الجماعة ومات في رجب سنة عشر ومائة. له: «التفسير» رواه عنه جماعة و «كتابه إلى عبد الملك بن مروان في الرد على القدرية». من اسمه الحسين 145 - الحسين بن أحمد بن خالويه بن حمدان أبو عبد الله الهمذانيّ النحويّ (¬1). إمام اللغة والعربية وغيرهما من العلوم الأدبية، دخل بغداد طالبا للعلم سنة أربع عشرة وثلاثمائة، وقرأ القرآن على ابن مجاهد، والنحو والأدب على ابن دريد ونفطويه، وأبي بكر بن الأنباريّ، وأبي عمر الزّاهد. وسمع الحديث من محمد بن مخلد العطار وغيره، وأملى الحديث بجامع المدينة. وروى عنه المعافى بن زكريا وآخرون. ثم سكن حلب واختصّ بسيف الدولة ابن حمدان وأولاده، وهناك انتشر علمه وروايته؛ وله مع المتنبي مناظرات. وكان أحد أفراد الدّهر في كل قسم من أقسام العلم والأدب؛ وكانت ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 1/ 324، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 267، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 269، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 237، العبر للذهبي 2/ 356، الفهرست لابن النديم 84، لسان الميزان للذهبي 2/ 267، مرآة الجنان 2/ 394، معجم الأدباء 4/ 4، النجوم الزاهرة 4/ 139، نزهة الألباء للأنباري 311، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 433، يتيمة الدهر للثعالبي 1/ 123.

الرحلة إليه من الآفاق، وقال له رجل: أريد أن أتعلّم من العربية ما أقيم به لساني، فقال: أنا منذ خمسين سنة أتعلّم النحو، ما تعلّمت ما أقيم به لساني. توفّي في حلب سنة سبعين وثلاثمائة. وقال الداني في طبقاته: عالم بالعربية، حافظ للّغة، بصير بالقراءة ثقة. روى عنه غير واحد من شيوخنا: عبد المنعم بن عبيد الله، والحسن بن سليمان وغيرهما. ومن شعره: إذا لم يكن صدر المجالس سيّدا ... فلا خير فيمن صدّرته المجالس (¬1) وكم قائل: ما لي رأيتك راجلا! ... فقلت له: من أجل أنّك فارس وله: الجود طبعي ولكن ليس لي مال ... فيكيف يبذل من بالقرض يحتال (¬2) فهاك حظّي فخذه اليوم تذكرة ... إلى اتّساعي فلي في الغيب آمال وله تصانيف: «الجمل في النحو»، «الاشتقاق»، «اطرغشّ (¬3)» في اللغة، «القراءات»، «إعراب ثلاثين سورة»، «شرح الدّريدية (¬4)»، «المقصور والممدود»، «الألفات»، «المذكر والمؤنث»، «كتاب ليس» - يقول فيه: ليس في كلام العرب كذا إلا كذا، وعمل عليه بعضهم كتابا سمّاه «الميس»، بل استدرك عليه أشياء- «كتاب اشتقاق خالويه»، «البديع في القراءات السبع»، وغير ذلك. ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت الحموي. (¬2) معجم الأدباء لياقوت. (¬3) في القاموس: اطرغش من مرضه اذا قام وتحرك ومشى، واطرغش القوم: اذا غيثوا وأخصبوا. (¬4) في الأصل «الدردية» تحريف، صوابه في: البداية والنهاية لابن كثير.

146 - الحسين بن زيد المفسر الحلبي التِّنَّبيّ (¬1). يروي عنه أحمد بن طاهر المقرئ الكرماني حكاية، روى له الماليني: كنت بالمسجد فصلى رجل صلاة غير مرضية، فعلمته كيف يصلّي، وقلت له: أعد، فأعاد فأجاد، فقلت أيما خير؟ فقال صلاتي أولا، قلت: وكيف؟ قال: صليت أولا لله، وما كان لله خير مما يكون للمخلوقين. وتنّب: بالكسر وفتح النون المشددة وموحدة، من قرى حلب. 147 - الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد الأهوازيّ (¬2). من موالي علي بن الحسين من أصحاب الرضا رحمة الله عليه. أوسع أهل زمانه علما بالفقه، والآثار والمناقب، وغير ذلك من علوم الشيعة، له «التفسير» «الأيمان والنذور» «الوضوء» «الصلاة» «الصيام» «النكاح» «الطلاق» «الأشربة» «الدعاء» «العتق والتدبير». 148 - الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز بن محمد (¬3). الإمام أبو علي بن أبي الأحوص القرشي الفهري، الغرناطي الموطن، البلنسيّ الأصل الجيّانيّ المولد، ويعرف أيضا بابن النّاظر، الحافظ النحويّ. كان من فقهاء المحدثين القراء النّحاة الأدباء. أخذ القراءات عن ابن الكوّاب ولازمه، وعن ابن الدبّاج وغيرهما، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تبصير المنتبه لابن حجر 1/ 211. (¬2) له ترجمة في: الفهرست للطوسي 96، الفهرست لابن النديم 221، 222. (¬3) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 1/ 242.

ولازم في العربية والأدب الشّلوبين، واعتنى بالرواية، فأخذ عن ابن بقي، وأبي الربيع بن سالم، وأبي القاسم بن الطيلسان، وأبي الحسن الغافقي، وجمع جم. وأقرأ القرآن والعربية والأدب بغرناطة مدة، ثم انتقل إلى مالقة لغرض عنّ له بغرناطة فلم يقض، فأنف من ذلك، فأقرأ يسيرا ثم يسيرا ثم انقبض عن الإقراء، واقتصر على الخطبة، واستمر على ذلك بضعا وعشرين سنة، ثم جرت فتنة، ففر إلى غرناطة، فولي قضاء المرّية ثم بسطة ثم مالقة، فحمدت سيرته. وكان من أهل الضّبط والإتقان في الرواية ومعرفة الأسانيد، نقّادا ذاكرا للرجال، متفنّنا في معارف، آخذا بحظّ من كلّ علم، حافظا للتّفسير والحديث، ذاكرا للآداب واللغات والتواريخ، شديد العناية بالعلم، مكبّا على تحصيله وإفادته، حريصا على نفع الطّلبة. ألّف في القراءات، وله برنامج ومسلسلات، وأربعون سمعها منه أبو حيّان. مولده سنة ثلاث وستمائة، ومات بغرناطة في الرابع عشر من جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وستمائة. كذا قال ابن الزبير، وقال ابن عبد الملك: سنة ثمانين، وفي كلام ابن الزبير تحامل عليه كثير. وقال أبو حيان في النّضار: كان فيه بعض ترفّع وتعتّب على الدنيا حيث قدّم من هو دونه، وكان لا يحكم برأي ابن القاسم بل بما يرى أنّه صواب. وله شرح «المستصفى» وشرح «الجمل».

ومن شعره: رغبت عن الدنيا لعلمي أنّها ... محلّ حياة المرء فيه بلاغ 111 وقد لاح في فودي مشيب على الرّدي ... دليل وفيه ما أردت بلاغ وأمّلت من مولاي نظرة رحمة ... يكون بها منّي إليه بلاغ فأحظى إذا الأبرار قيل لهم غدا ... هلمّوا إلى دار النّعيم فراغوا رأيت بنيها ما رمتهم سهاما ... فطاشت ولا حمّ الحمام فراغوا فعجت إلى دار البقاء بهمّتي ... فعندي عنها راحة وفراغ 149 - الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد المغربي (¬1) 111. ابن يوسف بن بحر بن بهرام بن المرزبان بن ماهان بن باذام بن سامان (¬2) بن الحرون بن ملاس (¬3) بن جاماس بن فيروز بن يزدجر بن بهرام جور بن يزدجر الملك المعروف بالأثيم بن بهرام بن سابور بن سابور ذي الأكتاف بن هرمز بن هرمز بن نرسي بن بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور الجنود بن أردشير بن بابك قاتل ملوك الطوائف وجامع ملك فارس بعد تفرقها أبو القاسم بن أبي الحسن الوزير. ولد أول وقت طلوع [الفجر] (¬4) من ليلة صباحها يوم الأحد الثالث عشر من ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة بمصر، واستظهر القرآن الكريم، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: لسان الميزان للذهبي 2/ 301، مرآة الجنان لليافعي 3/ 32، معجم الأدباء لياقوت الحموي 4/ 60، المقفى للمقريزي، ميكروفيلم بالجامعة العربية رقم 510 تاريخ، ورقة 390، والترجمة فيه بالنص، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 428. (¬2) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في المقفى، وفي معجم الأدباء «ساسان». (¬3) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في المقفى، وفي وفيات الأعيان «بلاش» (¬4) تكملة عن: المقفى، ووفيات الأعيان لابن خلكان.

وعدة كتب في النحو واللغة ونحو خمسة عشر ألف بيت من مختار الشعر القديم، ونظم الشعر، وتصرف في النثر، وفي حساب النجوم والجبر والمقابلة، وبلغ من ذلك كله حظّا وافرا، قبل استكماله أربع عشرة سنة. واختصر كتاب «إصلاح المنطق في اللغة»، وابتدأ في نظم ما اختصره قبل استكماله سبع عشرة سنة، وصنف كتاب «الإيناس»، وهو مع صغر حجمه كثير الفائدة، يدل على كثرة اطلاعه، وكتاب «الإلحاق بالاشتقاق»، وكتاب «أدب الخواص»، وكتاب «الشاهد والغائب»، بين فيه أوضاع كلام العرب والمنقول منه وأقسامه تبينا يكاد يكون أصلا لكل ما يسأل عنه من الألفاظ المنقولة عن أصولها إلى استعمال محدث، وكتاب «فضائل القبائل»، وكتاب «أخبار بني حمدان وأشعارهم»، وإملاءات عدة في تفسير القرآن العظيم وتأويله. وروى «موطأ مالك»، و «صحيح مسلم»، و «جامع سفيان». وروى عن محمد بن الحسين التنوخي، ومحمد بن إبراهيم التميمي، وأحمد ابن فارس. وروى عنه: أبو يحيى عبد الحميد بن الحسين، وأبو الحسن بن الطيب الفارقي. وقارض أبا العلاء أحمد بن سليمان المعري بمكاتبات أدبية كثيرة الغريب، وقال الشعر الجيد، وبرع في الترسل، وصار إماما في كتابة الإنشاء وكتابة الحساب، وتصرف في فنون من علم العربية واللغة، وتمهر في أكثر الفنون العلمية. وكان إذا دخل عليه الفقيه سأله عن النحو، والنحوي سأله عن الفرائض، والشاعر سأله عن القراءات، قصدا لتبكيتهم، ولاتساع نطاقه

وقوة سبحه في العلوم الدينية والأدبية والنحوية وإفراط ذكائه وفطنته وسرعة خاطره وجودة بديهته. وتأدب بأبي الحسن علي بن القارح دوخلة. وقتل الحاكم العبيدي أباه أبا الحسن علي بن الحسين المغربي، والد الوزير أبي القاسم، وقتل أخاه أبا عبد الله محمد عم الوزير أبي القاسم، وقتل محسنا ومحمدا أخوي الوزير أبي القاسم لثلاث خلون من ذي القعدة سنة أربعمائة، ففر الوزير أبو القاسم من مصر في هيئة جمال الثاني من ذي القعدة المذكور، وتوجه إلى الشام وقتل مسموما بميّافارقين في ثالث عشر شهر رمضان سنة ثماني عشرة وأربعمائة وحملت جثته إلى الكوفة، فدفن بتربة كانت له بجوار قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وله «ديوان» شعر. ومن شعره، قوله: كنت في سفرة الغواية والجه ... ل مقيما فحان مني قدوم (¬1) تبت من كل مأثم فعسى يم ... حى بهذا الحديث ذاك القديم بعد خمس وأربعين، لقد ما ... ظلت، إلا أن الغريم كريم وقوله: أقول لها والعيس تحدج للسرى ... أعدّي لفقدي ما استطعت من الصبر (¬2) سأنفق ريعان الشبيبة آنفا ... على طلب العلياء أو طلب الأجر أليس من الخسران أن لياليا ... تمر بلا نفع وتحسب من عمري وقوله وقد لجأ إلى مشهد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت. (¬2) وفيات الأعيان لابن خلكان.

تحصنت من كيد العدو وآله ... بمجنبة من حب آل محمد (¬1) ودون يد الجبار من أن تنالني ... جواشن أمن صنتها بالتهجد ألح على مولى كريم كأنما ... يباكر مني بالغريم اليلندد ليسلمني من بعد أن أنا جاره ... وقد علقت إحدى حبائله يدي- 150 - الحسين بن علي بن خلف الألمعي الكاشغري الواعظ (¬2). روى عن ابن غيلان، وطبقته، متهم بالكذب. قال ابن النجار: كان شيخا صالحا متدينا إلا أنه كتب الغرائب، وقد ضعفوه واتهموه بالوضع. وقال شيرويه الديلمي: عامة حديثه مناكير إسنادا ومتنا، لا نعرف لتلك الأحاديث وجها. وقال السمعاني: قال محمد بن عبد الحميد المروزي: كان الكاشغري يضع الحديث وكان ابنه عبد الغافر ينكر عليه، وعاش الحسين بعده عشر سنين. سمع أيضا من أبي عبد الله العلوي، وأبي عبد الله الصوري، وغيرهم. وقال: كان بكاء خائفا، تاب على يديه خلق كثير، وله أكثر من مائة مصنف أكثرها في التصوف. مات سنة أربع وثمانين وأربعمائة. وساق ابن السمعاني نسبه فقال: ابن علي بن خلف بن جبريل بن الخليل بن صالح بن محمد، أبو عبد الله ويعرف بالفضل. وقال شيرويه أيضا: رأيت له جزءا جمع فيه أحاديث وسماها «جائزة المختار» أكثرها مناكير. ¬

_ (¬1) المقفى للمقريزي. (¬2) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 472 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 11، لسان الميزان للذهبي 2/ 305، معجم البلدان لياقوت 4/ 237.

وقال ابن السمعاني: قرأت بخط الإمام أبي محمد عطاء الملك بن عبد الجبار بسمرقند، فهرست مصنفات أبي عبد الله الحسين بن أبي الحسين الكاشغري المعروف بالفضل، فسردها، وهي في التفسير، والفقه، والرقائق، وغيرها، تزيد على مائة وعشرين مصنفا. 151 - الحسين بن علي أبو عبد الله البصري يعرف بالجعل (¬1). سكن بغداد، وصنف في الكلام على مذهب المعتزلة، وأملى مجالس من ذلك، وكان يدري الفقه على مذهب أهل العراق، قاله الخطيب. وقال أبو القاسم التنوخي: مات في ذي الحجة سنة تسع وستين وثلاثمائة، وله بضع وسبعون سنة. وقال الشيخ أبو إسحاق في «طبقات الفقهاء» (¬2): كان رأس المعتزلة، صلى عليه أبو علي الفارسي. له كتاب في «الناسخ والمنسوخ». 152 - الحسين بن الفضل بن عمير البجليّ الكوفي ثم النّيسابوري أبو عليّ (¬3). المفسر الأديب، إمام عصره في معاني القرآن، سمع يزيد بن هارون، وعبد الله بن بكر السهمي، وأبا النضر. وشبابة، وطائفة. روى عنه محمد بن الأخرم، ومحمد بن صالح، ومحمد بن القاسم العتكيّ وآخرون. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 8/ 73، طبقات الفقهاء للشيرازي 121، الفهرست لابن النديم 108. (¬2) في الأصل: «في طبقات فقهاء الحنفية» تحريف، والصواب ما أثبته، وقد أورد هذه العبارة أبو اسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء. (¬3) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 12، لسان الميزان للذهبي 2/ 307.

أقام بنيسابور يعلم الناس العلم ويفتي، من سنة سبع عشرة ومائتين، إلى أن مات سنة اثنتين وثمانين، عن مائة وأربعين سنة. وكان من العلماء الكبار العابدين، يركع كل يوم وليلة ستمائة ركعة، وقبره هناك مشهور يزار، وأطنب الحاكم في ترجمته. 153 - الحسين بن محمد بن علي الأصبهاني (¬1). قال أبو نعيم: كثير الحديث صاحب معرفة وإتقان. صنف «المسند»، و «التفسير» و «الشيوخ»، وله من المصنفات شيء كثير. سمع أبا القاسم البغوي، وأبا محمد بن صاعد، والحسين بن علي بن زيد، وطبقتهم. روى عنه: أبو نعيم، وأبو بكر بن أبي علي، وأهل أصبهان، وله حديث في تفسير حسبي الله ونعم الوكيل، من رواية أبي نعيم عنه. أنبأنا الحسين بن علي بن زيد، أنبأنا محمد بن عمرو بن حنان (¬2) أنبأنا بقيّة عن أب فروة (¬3) الرهاويّ (¬4)، عن مكحول، عن شداد بن أوس مرفوعا: (حسبي الله ونعم الوكيل أمان كلّ خائف). مات سنة تسع وستين وثلاثمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ أصبهان 1/ 283، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 956، طبقات المفسرين للسيوطي 12. (¬2) في الأصل «ابن حيان» تحريف، صوابه في: تبصير المنتبه، وتذكرة الحفاظ. (¬3) في الأصل «أبو عمر وفروة الرهاوي» تحريف، صوابه في: تاريخ أصبهان، وتذكرة الحفاظ. (¬4) بضم الراء وفتح الهاء وفي آخرها واو نسبة الى الرها، مدينة من بلاد الجزيرة (اللباب لابن الأثير 1/ 483).

154 - الحسين بن مسعود بن محمد أبو محمد البغويّ الفقيه الشافعي (¬1). يعرف بابن الفرّاء، ويلقب محيي السنة، وركن الدين أيضا. كان إماما في التفسير، إماما في الحديث، إماما في الفقه، جليلا ورعا زاهدا، تفقه على القاضي حسين، وهو أخص تلامذته، وسمع الحديث منه ومن أبي عمر عبد الواحد المليحي، وأبي الحسن الداوديّ، وأبي بكر يعقوب ابن أحمد الصّيرفيّ وأبي الحسن علي بن يوسف الجوينيّ، وأبي الفضل زياد ابن محمد الحنفيّ، وأحمد بن أبي نصر الكوفانيّ، وحسان بن محمد المنيعيّ، وأبي بكر محمد بن الهيثم التّربيّ، وأبي الحسن محمد بن محمد الشّيرزيّ (¬2)، وغيرهم. وسماعاته بعد الستين وأربعمائة. روى عنه أبو منصور محمد بن أسعد العطّاريّ المعروف بحفدة، وأبو الفتوح محمد بن محمد الطائيّ: وجماعة، آخرهم أبو المكارم فضل الله بن محمد النوقانيّ، روى عنه بالإجازة، وبقي إلى سنة ستمائة، وأجاز، النوقاني للفخر علي بن البخاري (¬3). وله من التصانيف «معالم التنزيل في التفسير»، و «شرح السنة» و «المصابيح» و «الجمع بين الصحيحين» و «التهذيب في الفقه» وله ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 193، تذكرة الحفاظ 4/ 1257، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 75، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 29 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 12، طبقات ابن هداية الله 74، العبر 4/ 37، مرآة الجنان 3/ 213، معجم البلدان لياقوت 1/ 695، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 102، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 223، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 463. (¬2) في الأصل: «وأبي نصر الحسن» تحريف، والصواب في: تذكرة الحفاظ للذهبي، وطبقات الشافعية للسبكي، والشيرازي: بكسر الشين المعجمة وسكون الياء وفي آخرها زاي، نسبة الى شيرز، قرية كبيرة بنواحي سرخس (اللباب لابن الأثير 2/ 40). (¬3) في الأصل: «وأجاز الى النوقاني الفخر بن علي البخاري» تحريف، صوابه في: طبقات الشافعية للسبكي، وطبقات المفسرين للسيوطي.

«فتاوى» مشهورة لنفسه، غير «فتاوى القاضي الحسين» التي علّقها هو عنه. وقد بورك له في تصانيفه، ورزق فيها القبول الحسن بنيته، وكان لا يلقي الدرس إلا على طهارة، وكان قانعا يأكل الخبز وحده، ثم عذل في ذلك، فصار يأكله بزيت. مات في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة بمروالرّوذ، وبها كانت إقامته، ودفن عند شيخه القاضي الحسين، وقد جاوز البغوي الثمانين ولم يحج. 155 - الحسين بن منصور الحلّاج كنيته أبو مغيث (¬1). ولم يكن يحلج القطن، وإنما قيل له ذلك: لأنه زعم أنه يحلج الأسرار، يعني يخبر عن أخبار الناس، وقيل غير ذلك، ونشأ ببغداد، فخالط الصوفية وصحب الجنيد، وأبا الحسين النّوريّ (¬2)، وعمرو بن عثمان المكّي. والصوفيون مختلفون فيه، فأكثرهم نفى أن يكون منهم، وأبى أن يعدّه فيهم، وطائفة قبلوه، منهم: أبو العباس بن عطاء البغداديّ، ومحمد بن خفيف الشيرازي، وإبراهيم بن محمّد النّصرآباذيّ، وصححوا حاله، ودوّنوا كلامه، حتى قال ابن خفيف فيه: هو عالم رباني، ومن نفاه منهم نسبه إلى الشّعبذة في فعله، وإلى الزندقة في عقيدته. وكان حسن العبارة، حلو المنطق، له شعر على طريقة التصوف، وطاف ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 132، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 8/ 112، العبر 2/ 138، الفهرست لابن النديم 190، لسان الميزان للذهبي 2/ 314، مرآة الجنان لليافعي 2/ 253، المنتظم لابن الجوزي 6/ 160، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 202، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 405. (¬2) النوري: نسبة الى نور الوعظ (المشتبه للذهبي).

بلاد العجم وما وراء النهر، وبلاد السند والهند، يذكّر الناس ويدعو الخلق إلى الله تعالى. وحج وجاور، ورجع إلى بغداد، فوقع بينه وبين الشّبلي (¬1) والجنيد ومشايخ الوقت، ونسبوه إلى الزندقة، واختلفت الآراء فيه، فقيل ساحر، وقيل: مجنون وقيل: صاحب كرامات، وهذا هو الأظهر واختلفت الألسنة [في أمره] (¬2) حتى أخذه السلطان وحبسه، ثم أفتى العلماء بضربه ألف سوط، ما تأوّه. وقطعت يده ثم رجله، وحزّ رأسه وصلب وأحرقت جثته، وآخر ما تكلم به أن قال: حسب الواجد إفراد الواحد له، وكان ذلك في ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة ببغداد. وله من الكتب «تفسير سورة: قل هو الله أحد»، «الأصول والفروع» «سر العالم والمبعوث» «العدل والتوحيد» «السياسة والخلافة والأمراء» «علم البقاء والفناء» «نور النور» «التجليات» «اليقظة وبدء الخلق» «الكبر والعظمة» «خزائن الخيرات» ويعرف بالإلف المقطوع والإلف المألوف، «الصدق والإخلاص» «اليقين» «النجم إذا هوى» «كتاب في إنّ الّذي أنزل عليك القرآن لرادّك إلى معاد»، وعدّد النديم [سوى ذلك كثيرا (¬3)]. 156 - الحسين بن واقد القرشي المروزيّ القاضي (¬4). ¬

_ (¬1) الشبلي: بكسر الشين المعجمة وسكون الباء. نسبة الى قرية من قرى أسروشنة يقال لها شبلية. وهو أبو بكر دلف بن جحدر الشبلي، شيخ الصوفية في عصره، توفي سنة 334 هـ (اللباب لابن الأثير 2/ 10). (¬2) تكملة عن تاريخ بغداد. (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 72، العبر للذهبي 1/ 226، مرآة الجنان لليافعي 1/ 334، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 549، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 31.

مولى عبد الله بن عامر بن كريز يكنى أبا علي، سمع عبد [الله (¬1)] بن بريدة وعكرمة ومطر الورّاق وعنه ابن المبارك، وابناه علي والعلاء، وعلي بن الحسن. بن شقيق، قال ابن المبارك: ومن مثله ثقة، له أوهام. من الطبقة السابعة. مات سنة تسع ويقال سبع وخمسين ومائة، أخرج له الجماعة خلا البخاري. صنف «التفسير» و «وجوه القرآن»، و «الناسخ والمنسوخ». 157 - أبو الحسين بن أبي بكر بن الحسين الإسكندراني المالكي النحوي (¬2). قال الحافظ ابن حجر في «الدرر»: ولد سنة أربع وخمسين وستمائة، واشتغل بالعلم خصوصا العربية، وانتفع به الناس، وجمع تفسيرا في عشر مجلدات، وحدث عن الدّمياطي. ومات في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. 158 - حصين بن مخارق بن ورقاء أبو جنادة (¬3). عن الأعمش، قال الدارقطني: يضع الحديث، ونقل ابن الجوزي أنّ ابن حبان قال: لا يجوز الاحتجاج به، وهو كما قال، وأورد له حديثا، وأخرج ¬

_ (¬1) تكملة عن: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي. (¬2) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 459، الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 161، الديباج المذهب لابن فرحون 200. (¬3) له ترجمة في: الفهرست لابن النديم 193، لسان الميزان للذهبي 2/ 319، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 554.

من اسمه حفص

الطبراني في «المعجم الصغير» من طريقه حديثا، وقال: حصين بن مخارق كوفي ثقة. ونسبه ابن النجاشي في مصنفي الشيعة، فقال: ابن مخارق بن عبد الرحمن ابن ورقاء بن حبشي بن جنادة السلولي، لجده حبشي بن جنادة صحبة، وذكر أنه ضعيف، وأن له «تفسير القرآن» و «القراءات»، وهو كبير، و «جامع العلم». وأخرج الخليلي في فوائده من طريقه حديثا، وقال: غريب من حديث حصين بن مخارق عن يوسف بن ميمون الصباغ، رحمه الله وإيانا. من اسمه حفص 159 - حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان بن عدي بن صهبان (¬1). ويقال: صهيب أبو عمر الدّوريّ الأزدي البغدادي النحوي الضرير. نزيل سامراء، إمام القراء، وشيخ الناس في زمانه، ثقة ثبت كبير ضابط، أول من جمع القراءات، ونسبته إلى الدور موضع ببغداد، ومحلة بالجانب الشرقي. قال الأهوازي: رحل الدّوريّ في طلب القراءات، وقرأ بسائر الحروف السبعة وبالشواذ، وسمع من ذلك شيئا كثيرا، قرأ على: إسماعيل بن جعفر عن نافع، وقرأ أيضا عليه وعلى أخيه يعقوب بن جعفر وغيرهما. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 8/ 203، تهذيب التهذيب لابن حجر 2/ 408، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 255، طبقات القراء للذهبي 1/ 157، العبر للذهبي 1/ 446، اللباب لابن الأثير 1/ 428، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 33، معجم الأدباء لياقوت 4/ 118، ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 566، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 323.

وروى القراءة عنه: أحمد بن شيخ المطوعي، وأحمد بن فرح- بالحاء المهملة- أبو جعفر المفسر المشهور وغيرهما، وروى عن إسماعيل بن عياش، وأبي معاوية الضرير، وابن عيينة، ومحمد بن مروان السدي، وأحمد، وهو من أقرانه. وروى عنه ابن ماجة في «سننه»، وأبو حاتم، وقال: صدوق، وطال عمره، وقصد من الآفاق، وازدحم عليه الحذاق لعلو سنده، وسعة علمه. توفي في شوال سنة ست وأربعين ومائتين. قال الذهبي: وغلط من قال سنة ثمان وأربعين. له من التصانيف: «أحكام القرآن»، «السنن»، «ما اتفقت ألفاظه ومعانيه في القرآن»، «فضائل القرآن».

حرف الخاء

حرف الخاء من اسمه الخضر 160 - الخضر بن نصر بن عقيل أبو العباس الإربليّ الفقيه الشافعي (¬1). أحد الأئمة، اشتغل ببغداد علي الكياالهرّاسيّ، وأبي بكر الشاشي، وتخرج به خلق. وكان صالحا. صنف تصانيف كثيرة في التفسير والفقه وغير ذلك، مات بإربل في جمادى الآخرة، سنة سبع وستين وخمسمائة. من اسمه خلف 161 - خلف بن جامع بن حبيب الباجي. كان مفتيا ومفسرا، توفي في سنة عشرين وثلاثمائة. ذكره القاضي عياض: في «المدارك». 162 - خلف بن هشام بن ثعلب (¬2). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 287، طبقات الشافعية للاسنوي 31، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 83، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 36 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 13، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 10. (¬2) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 8/ 322، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 272، طبقات القراء للذهبي 1/ 171، العبر للذهبي 1/ 404، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 256.

بالمثلثة والمهملة، وقيل: ابن طالب بن غراب أبو محمد البغدادي المقرئ البزار بالراء آخره. أحد الأعلام، وله اختيار قرأ به، وخالف فيه حمزة. قرأ على سليم عن حمزة، وسمع مالكا، وأبا عوانة، وحماد بن زيد، وأبا شهاب عبد ربّه الخياط، وأبا الأحوص، وشريحا، وحماد بن يحيى الأبحّ، وطائفة. وقرأ أيضا على أبي يوسف الأعشى لعاصم، وأخذ حرف نافع عن إسحاق المسيّبيّ، وقراءة أبي بكر عن يحيى بن آدم. قرأ عليه أحمد بن يزيد الحلواني، وأحمد بن إبراهيم ورّاقة، ومحمد بن الجهم، وسلمة بن عاصم، وخلق سواهم. حدث عنه مسلم في «صحيحه»، وأبو داود في «سننه»، وأحمد بن حنبل، وأبو زرعة الرازي، وأحمد بن أبي خيثمة، ومحمد بن إبراهيم بن أبان البرّاج، وأبو يعلى الموصليّ، وأبو القاسم البغوي، وعدد كثير. وثقة ابن معين، والنسائي، وقال الدارقطني: كان عابدا فاضلا. وقال أحمد بن إبراهيم المقرئ: سمعت خلف بن هشام يقول: أشكل عليّ باب من النحو، فأنفقت ثمانين ألف درهم، حتى حذقته. وعن خلف قال: أعدت الصلاة أربعين سنة، وقال الحسين بن فهم: ما رأيت أنبل من خلف بن هشام، كان يبدأ بأهل القرآن ثم يأذن للمحدثين، وكان يقرأ علينا من حديث أبي عوانة خمسين حديثا، وكان يصوم الدهر. ولد سنة خمسين ومائة، ومات في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين ومائتين.

من اسمه الخليل

صنّف «فضائل القرآن». 163 - خلف بن ....... (¬1) النحوي. ................ ................. (¬2) له معاني القرآن. من اسمه الخليل 164 - الخليل بن كيكلدي الشيخ صلاح الدين العلائي الحافظ المفيد أبو سعيد (¬3). ولد سنة أربع وتسعين وستمائة، وجدّ في طلب الحديث، فسمع من القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة المقدسي، وعيسى المطعّم، وخلائق. وانتقى وخرّج وصنف وتفقه على الشيخين كمال الدين الزملكاني، وبرهان الدين بن الفركاح. وكان حافظا، ثبتا ثقة عارفا بأسماء الرجال والعلل والمتون، فقيها، متكلما، أديبا، شاعرا، ناظما، متفننا، أشعريا صحيح العقيدة سنيا، لم يخلف بعده في الحديث مثله. درّس بدمشق في حلقة صاحب حمص، ثم ولي تدريس المدرسة الصلاحية بالقدس، فأقام بها إلى أن توفي. يصنّف ويفيد وينشر العلم ويحيي السنة، وكان بينه وبين الحنابلة خصومات كثيرة. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، وذكره ابن النديم ولم يزد ذلك، فقال: كتاب معاني القرآن لخلف النحوي (الفهرست لابن النديم 34). (¬2) بياض في الأصل، وذكره ابن النديم ولم يزد ذلك، فقال: كتاب معاني القرآن لخلف النحوي (الفهرست لابن النديم 34). (¬3) له ترجمة في: الأنس الجليل لمجير الدين الحنبلي 2/ 106، الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 179، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 43، طبقات الشافعية للاسنوي 198، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 104 (طبع الحسينية)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 90 ب.

وصنف «كتابا في الأشباه والنظائر» وكتابا سماه «تنقيح الفهوم في صيغ العموم» وكتابا حسنا في «المراسيل» وكتابا في «المدلسين» وكتبا أخر وشرع في «أحكام كبرى» عمل منها قطعا نفيسة، و «فسّر آيات متفرقة» وجمع «مجاميع مفيدة»، وأما الحديث فلم يكن في عصره من يدانيه فيه، وأما بقية علومه من فقه ونحو وتفسير وكلام، فكان في كل واحد منها حسن المشاركة. توفي بالقدس الشريف في المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة.

حرف الدال

حرف الدال 165 - داود بن علي بن داود بن خلف الإمام الحافظ المجتهد الكبير أبو سليمان الأصبهانيّ البغدادي (¬1). فقيه أهل الظاهر، أول من استعمل قول الظاهر وأخذ بالكتاب والسنة، وألغى ما سوى ذلك من الرأي والقياس، كان إماما فاضلا صادقا ورعا، سمع من سليمان بن حرب، والقعنبيّ، ومسدّد، وابن راهويه، وأبي ثور، وصنّف الكتب. قال الخطيب في «تاريخه». كان إماما ورعا زاهدا ناسكا، وفي كتبه حديث كثير، لكن الرواية عنه عزيزة جدّا، روى عنه ابنه محمد الفقيه، وزكريا السّاجي، وجماعة. وقال أبو إسحاق: مولده سنة اثنتين ومائتين، وأخذ العلم عن إسحاق، وأبي ثور، وكان زاهدا متقللا. وقال أبو حزم: إنما عرف بالأصبهاني لأن أمّه أصبهانية، وكان عراقيا، كتب ثمانية عشر ألف ورقة. ¬

_ (¬1) ترجم له: السمعاني في الأنساب 377 أ، تاريخ أصبهان 1/ 312، والخطيب البغدادي تاريخ بغداد 8/ 369، وعبد القادر بن محمد القرشي في الجواهر المضيئة 2/ 419، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 284، طبقات الشيرازي 76، العبر 2/ 45، الفهرست لابن النديم 216، لسان الميزان 2/ 422، مرآة الجنان 2/ 184، وطاش كبرى زاده في مفتاح السعادة 2/ 312، ميزان الاعتدال 2/ 14، النجوم الزاهرة 3/ 47، وابن خلكان في وفيات الأعيان 2/ 26.

وقال أبو إسحاق: قيل كان في مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر، وكان من المتعصبين للشافعي، صنف مناقبه وإليه انتهت رئاسة العلم ببغداد وأصله من أصبهان، ومولده بالكوفة، ومنشؤه ببغداد، وبها قبره. وقال القاضي المحاملي: رأيت داود يصلي، فما رأيت مسلما يشبهه في حسن تواضعه، مات داود سنة سبعين ومائتين. صنف داود رحمه الله تعالى «كتاب الطّهارة»، «الحيض»، «الصلاة»، «الأذان»، «القبلة»، «المواقيت»، «السهو» أربعمائة ورقة، «الاستسقاء»، «افتتاح الصلاة»، «ما تفسد به الصلاة»، «الجمعة»، «صلاة الخوف»، «صلاة العيدين»، «الإمامة»، «الحكم على تارك الصلاة»، «الجنائز»، «غسل الميت»، «الزكاة» ثلاثمائة ورقة، «صدقة الفطر»، «صيام التطوع»، «صيام الفرض» ستمائة ورقة، «الاعتكاف»، «المناسك»، «مختصر الحج»، «النكاح» ألف ورقة، «الصداق»، «الرضاع»، «النشوز»، «الخلع»، «البيّنة على من يستحق البيّنة عليه»، «الاستبراء»، «الرجعة»، «الإيلاء»، «الظهار»، «اللعان»، «المفقود»، «الطلاق»، «طلاق السنة»، «الأيمان في الطلاق»، «الطلاق قبل الملك»، «طلاق السكران والناسي»، «العدد»، «البيوع»، «الصرف»، «المأذون له في التجارة»، «الشركة»، «القراض»، «الوديعة»، «العارية»، «الحوالة والضمان»، «الرهن» «الإجارات»، «المزارعة»، «المساقاة»، «المحاقل والمعاقل»، «الشرب»، «الشفعة»، «الكفالة بالنفس»، «الوكالة»، «أحكام الإباق»، «الحدود»، «السرقة»، «تحريم المسكر»، «الأشربة»، «الساحر»، «قتل الخطأ»، «قتل العمد»، «القسامة»، «الأيمان والكفارات»، «النذور»، «العتاق»، «المكاتب»، «المدبر»، «إيجاب

القرعة»، «الصيد»، «الطب» (¬1)، «الجهاد»، «السير»، «قسم الفيء»، «سهم ذوي القربى»، «قسم الصدقات»، «الخراج»، «المعدن»، «الجزية»، «القسمة»، «المحاربة»، «سر المعادلة (¬2)»، «المرتد»، «اللقطة والضوال»، «اللقيط»، «الفرائض»، «ذوي الأرحام»، «الوصايا»، «الوصايا في الحساب»، «الدور»، «الولاء والحلف»، «الأوقاف» (¬3)، «الهبة والصدقة»، «القضاء»، «أدب القاضي»، «القضاء على الغائب»، «المحاضر»، «الوثائق» ثلاثة آلاف ورقة، «السجلات»، «الحكم بين أهل الذمة»، «الدعوى والبينات» ألف ورقة، «الإقرار»، «الرجوع عن الشهادات»، «الحجر»، «التفليس»، «الغصب»، «الصلح»، «النضال»، «ما يجب من الاكتساب»، «الذب عن السنن والأحكام والأخبار» ألف ورقة، «الرد على أهل الإفك»، «المشكل»، «الواضح والفاضح» للساعي، «أحكام القرآن»، «صفة أخلاق النبيّ صلى الله عليه وسلم»، «أعلام النبي»، «المعرفة»، «الدعاء»، «المستقبل والمستدبر»، «الإجماع»، «إبطال التقليد»، «إبطال القياس»، «خبر الواحد»، «الخبر الموجب للعلم»، «الحجة»، «الخصوص والعموم»، «المفسّر والمجمل»، «ترك الإكفار»، «رسالة الربيع بن سليمان»، «رسالة أبي الوليد»، «رسالة القطان»، «رسالة هارون الشاري»، «الإيضاح» أربعة آلاف ورقة، «الإفصاح» خمسمائة ورقة، «المتعة»، «المسائل الأصبهانيات»، «المسائل المكتومات»، «المسائل البصريات»، «المسائل الخوارزميات»، «الكافي في مقالة المطلبي» يعني الشافعي، «مسألتين ¬

_ (¬1) في الأصل «الطيب»، والمثبت في: الفهرست لابن النديم .. (¬2) في الفهرست لابن النديم: «سير المعادلة». (¬3) في الفهرست لابن النديم «كتاب الأوقات».

خالف فيهما الشافعي»، والكتب الأولى ما عدا من «المسائل الأصبهانيات» يحتوي عليها كتاب سماه «السير». 166 - داود بن أبي هند القشيريّ مولاهم أبو بكر أو أبو محمد البصري (¬1). أحد الأعلام، ثقة متقن من الطبقة الخامسة. رأى أنس بن مالك، وروى عن أبي العالية، وابن المسيّب. وعنه شعبة، والقطّان، له نحو مائتي حديث. وكان حافظا، صوّاما دهره، قانتا لله تعالى. مات سنة أربعين ومائة بطريق مكة، عن خمس وسبعين سنة. له «تفسير» ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 146، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 94، العبر 1/ 189، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 1/ 342.

حرف الذال

حرف الذال 167 - أبو ذرّ الحنفيّ (¬1). إمام. له «تفسير» أفتى فيمن قال يا ربّ جمعت العقوبات عليّ تسخّطا، يكفر، ذكره في «القنية». وذكر في تفسيره الكلاب ثلاثة، كلب يضر [وهو (¬2)] الذي أمرنا بقتله، وكلب ينفع ولا يضر (¬3) فيجوز بيعه وإمساكه، وكلب لا ينفع ولا يضر فلا يتعرض له. وروي عن أبي ذرّ: أن إمامه ببخارى قرأ ووقف، وابتدأ من قوله تعالى (¬4): وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ فعزل إمامه، ولم يأمر بإعادة الصلاة. ذكره القرشي. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الطبقات السنية (الكنى) ورقة 10 ب. (¬2) تكملة عن: الطبقات السنية (الكنى). (¬3) في الأصل: «لا يضر ولا ينفع»، والمثبت في: المصدر السابق. (¬4) جزء من الآية الأولى من سورة الممتحنة.

حرف الراء

حرف الراء 168 - ربيع بن سليمان بن عطاء الله أبو سليمان القطان (¬1). كان من الفقهاء المعدودين، والعبّاد المجتهدين، والنسّاك، أهل الورع والدين، عالما بالقرآن قراءة وتفسيرا ومعنى. حافظا للحديث ومعانيه، وعلله وغريبه ورجاله، حافظا للفقه، حسن الكلام على معانيه، قويا على المناظرة حافظا «للمدوّنة» وغيرها، معتنيا بالمسائل والفقه، كانت له بجامع القيروان حلقة يحضرها أبو القاسم بن شبلون وغيره، أيام أبي زيد، ذكر المالكيّ. وكان تفقه عند أحمد بن نصر ولازمه، وصار من كبار أصحابه، وكان عالما بالوثائق حسن الخط، أخذها عن ابن زياد، وأخذ النحو واللغة عن أبي علي المكفوف، وغيره. وكان يؤلف الخطب والرسائل ويقول الشعر، وكان لسان إفريقية في وقته في الزهد والرقائق. سمع أحمد بن زياد، وابن اللبّاد، والتمار، والفضل، وابن نصر، وابن أبي زاهر، وأبا محمد بن رشد، وأبا محمد بن يزيد المقرئ، وغيرهم. وبمصر من مأمون. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: ترتيب المدارك للقاضي عياض 3/ 323.

وبمكة من ابن شاذان الجلاب، وغيره. ووصف بالزهد والخير، وذهب إلى علم الباطن والنسك والعبادة، ومن حكمه: الدّنيا أمل ووجل، والآخرة جزاء وعمل، والمتوسّط بينهما أجل. وله رسائل كثيرة مشطحة على طريق كلام الصّوفية ورموزهم. ويقال: إنه كان يجتمع بالخضر، قتل شهيدا سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، ومولده سنة ثمان وثمانين ومائتين. 169 - رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد (¬1). أبو محمّد التميميّ البغداديّ الحنبليّ، المقرئ الفقيه الواعظ. قال الذهبي في «طبقات القراء»: ولد سنة أربعمائة، وقرأ القرآن على أبي الحسن الحمّامي، وسمع من أبي الحسين أحمد بن المتيّم، وأبي عمر بن مهدي، وأبي الحسين بن بشران، وجماعة. وكان إماما مقرئا فقيها محدّثا، واعظا أصوليا مفسّرا لغويّا، فرضيّا كبير الشأن وافر الحرمة. قال ابن سكرة: قرأت عليه لقالون ختمة. وقال أبو زكريّا يحيى بن منده الحافظ: سمعت رزق الله يقول: أدركت ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1208، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 77، طبقات القراء للذهبي 1/ 356، العبر للذهبي 3/ 320، المنتظم لابن الجوزي 9/ 88.

من أصحاب ابن مجاهد، رجلا يقال له أبو القاسم عبيد الله بن محمد الخفّاف، وقرأت عليه سورة البقرة، وقرأها على أبي بكر بن مجاهد. قال الذهبي: وممّن قرأ لقالون على رزق الله، محمد بن الخضر المحوّليّ شيخ التاج الكنديّ، والشيخ أبو الكرم الشّهرزوريّ. وقد روى أبو سعد السّمعاني: حديث (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب) عن أربعة وسبعين نفسا، سمعوه من رزق الله التميمي، وآخر من روى عنه ببغداد، أبو الفتح (¬1) بن البطّيّ، وآخر من روى عنه مطلقا أبو طاهر السّلفيّ، روى عنه إجازة. قال ابن ناصر: توفي شيخنا أبو محمد التميميّ، في نصف جمادى الأولى سنة ثمان وأربعمائة، ودفن بداره، ثم حول بعد ثلاث سنين. 170 - رفيع بن مهران أبو العالية الرّياحيّ (¬2). بكسر الراء والتحتانيّة البصريّ المقرئ الفقيه، مولى امرأة من بني رياح بطن من تميم، رأى أبا بكر، وقرأ القرآن علي أبيّ وغيره. وسمع من عمر، وابن مسعود، وعلي، وعائشة، وطائفة. وعنه قتادة: وخالد الحذّاء، وداود بن أبي هند، وعوف الأعرابي، والربيع بن أنس، وأبو عمرو بن العلاء، وطائفة. ¬

_ (¬1) في الأصل: «أبو الحسن»، تحريف، والصواب في اللباب وهو: أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن البطي البغدادي والبطي: بفتح الباء الموحدة والطاء المشددة المكسورة، والبطي: بفتح الباء الموحدة والطاء المشددة المكسورة، نسبة الى بيع البط (اللباب لابن الأثير 1/ 130). (¬2) له ترجمة في: تهذيب التهذيب 3/ 284، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 101، طبقات القراء لابن الجزري لابن الأثير 1/ 284، طبقات القراء الذهبي 1/ 49، العبر للذهبي 1/ 108، اللباب لابن الأثير 1/ 483.

روى قتادة عنه، قال: قرأت القرآن بعد وفاة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم بعشر سنين. وعن أبي خلدة عنه قال: كان ابن عبّاس يرفعني على سريره وقريش أسفل منه، ويقول: هكذا العلم، يزيد الشريف شرفا، ويجلس المملوك على الأسرة. قال أبو بكر بن أبي داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية، ثم سعيد بن جبير. ثقة، كثير الإرسال، وله «تفسير»، رواه عنه الربيع بن أنس البكري، خرّج حديثه الجماعة. مات سنة تسعين، والأصح سنة ثلاث وتسعين من الهجرة. 171 - روح بن عبادة بن العلاء بن حسّان القيسيّ أبو محمد البصري (¬1) ثقة فاضل. سمع ابن عون، وحسينا، المعلّم، وابن أبي عروبة، وطبقتهم، وعني بهذا الشأن. وعند أحمد، وإسحاق، وبندار، وإسحاق الكوسج، وبشر بن موسى، وخلق كثير. قال الكديمي: سمعت عليّ بن المدينيّ يقول: نظرت لروح في أكثر من مائة ألف حديث، كتبت منها عشرة آلاف. وقال يعقوب بن شيبة: كان روح يتحمل الحمالات، وكان سريّا مهيبا كثير الحديث جدا، سمعت ابن المديني يقول: ما زال في الحديث لم يشغل عنه. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 8/ 401، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 349، خلاصة تذهيب الكمال 101، العبر للذهبي 1/ 347، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 58، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 179.

وقال الخطيب: صنّف الكتب في السنن والأحكام، وجمع «تفسيرا» وكان ثقة. وقال أحمد بن الفرات: طعن على روح اثنا عشر فلم ينفذ قولهم فيه. قال الذهبي: وحديثه في أصول الإسلام كلها. مات في جمادى الأولى سنة خمسين ومائتين ونيف على الثمانين، تكلم فيه القواريري لكونه روى عن مالك سبعمائة حديث فاستعظم كثرتها. روى له الجماعة، وتفسيره رواه عنه أبو الأزهر صالح بن درهم الباهلي البصري.

حرف الزاي

حرف الزاي 172 - زائدة بن قدامة أبو الصّلت الثقفيّ النّكريّ الكوفيّ (¬1). سمع أبا حصين، والأعمش، وهشام بن عروة، وعبد الملك بن عمير، وزياد بن علاقة، وأبا إسحاق الشيباني، وسليمان التيميّ، وحميدا، وحصين ابن عبد الرحمن، وشيبان، والمختار بن فلفل، وهشام بن حسّان، وأبا الزناد، وسماكا، ومنصورا، وموسى بن أبي عائشة، ومالك بن مغول، وعمرو بن يحيى الأنصاري، وإسماعيل بن أبي خالد، وأبا حازم بن دينار، وأشعث بن أبي الشعثاء، وميسرة، والسدي إسماعيل، وسعيد بن مسروق، والحسن بن عبيد الله. روى عنه حسين الجعفيّ، وأبو أسامة، ومعاوية بن عمرو، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وعبد الرحيم المحاربيّ، ويحيى بن أبي بكير، وأبو حذيفة، وأبو الوليد، وموسى القاريّ (¬2)، وسفيان بن عيينة، ومصعب بن المقدام، وأبو داود الطيالسي. قال ابن سعد: مات بالرّوم، عام غزاة الحسن بن قحطبة الصّائفة سنة ستين- أو إحدى وستين- ومائة، أخرج له الجماعة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 215، تهذيب التهذيب لابن حجر 3/ 306، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 102، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 288، العبر للذهبي 1/ 236، الفهرست لابن النديم 226، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 39. (¬2) القاري: بفتح القاف وبعد الألف راء وياء مشددة، نسبة الى القارة، وهو: أيثع بن مليح بن خزيمة بن الياس بن مضر (اللباب لابن الأثير 2/ 235).

له كتاب «التفسير»، «كتاب السنن»، «كتاب القراءات»، «كتاب الزهد»، «كتاب المناقب». 173 - الزبير بن أحمد ..... (¬1) له «ناسخ القرآن ومنسوخه» ................ ..... (¬2) 174 - زكريا بن داود بن بكر بن عبد الله الخفّاف النّيسابوريّ (¬3). صاحب «التفسير الكبير» تقدّم في عصره. سمع يحيى بن يحيى، ويزيد بن صالح، وأبا بكر بن شيبة، وعلي بن الجعد، وأبا مصعب الزهري، وغيرهم. وعنه أبو العباس السراج، وأبو حامد بن الشّرقيّ. مات في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين ومائتين. 175 - زيد بن أسلم العدويّ الإمام أبو عبد الله العمري المدني الفقيه (¬4). يروي عن مولاه عبد الله بن عمر، وسلمة بن الأكوع، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعطاء بن يسار، وعلي بن الحسين، وعدّة. وعنه مالك، وهشام بن سعد، والسفيانان، وعبد العزيز الدّراورديّ، وخلق. وكانت له حلقة للعلم في مسجد النبي صلّى الله عليه وسلم. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل: وكل ما قيل عنه في الفهرست لابن النديم 37 «الزبير بن أحمد، له «ناسخ القرآن ومنسوخه». (¬2) بياض في الأصل: وكل ما قيل عنه في الفهرست لابن النديم 37 «الزبير بن أحمد، له «ناسخ القرآن ومنسوخه». (¬3) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 676. (¬4) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 132، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 108، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 296.

قال أبو حازم الأعرج: لقد رأيتنا، في مجلس زيد بن أسلم أربعين فقيها، أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا، وما رأيت فيه متماريين ولا متنازعين في حديث لا ينفعنا. وكان أبو حازم يقول: لا أراني الله يوم زيد، إنه لم يبق أحد أرضى لديني ونفسي منه، فأتاه نعي زيد فعقر فما شهده. قال البخاري: كان علي بن الحسين يجلس إلى زيد بن أسلم فكلّم في ذلك؛ فقال: إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه. قال الذهبي: ولزيد «تفسير» يرويه عند ولده عبد الرحمن، وكان من العلماء الأبرار، قال مالك، قال ابن عجلان: ما هبت أحدا هيبتي زيد بن أسلم. وقال بن معين: لم يسمع زيد من أبي هريرة، ولا من جابر. مات زيد سنة ست وثلاثين ومائة. خرّج له الجماعة، وهو من الطبقة الثالثة. 176 - زيد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن ميمون بن عبد الله بن عبد الحميد بن أيوب اليمانيّ الفائشي (¬1). جمع علوما في التفسير والقرآن والحديث، واللغة والنحو، والكلام والفقه والخلاف، والدّور والحساب، وكان كثير الحج والمجاورة. تفقه ببلدة المشيرق بأسعد بن الهيثم، وببلدة سير بإسحاق الصّردفيّ، وبأبي بكر المخائيّ (¬2) بالظّرافة- وهي بالظاء المعجمة المضمومة قرية قريبة ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 7/ 85، طبقات فقهاء اليمن لابن سمرة 155. (¬2) في الأصل «المحابي». والمثبت في طبقات فقهاء اليمن 103. والمخائي: نسبة الى المخا: مدينة بساحل البحر الأحمر جنوبي زبيد وشمالي مضيق باب المندب (طبقات فقهاء اليمن لابن سمرة 323).

من الجند- وبيعقوب بن أحمد، وابن عبدوية ببلاد تهامة، وبالحسين الطّبريّ، وأبي نصر البندنيجيّ بمكة، وبخير بن ملامس، ومقبل بن زهير ببلد ذي أشرق. وكان شيخ الشافعية وشيخ الفقهاء ببلاد اليمن في زمانه، وعليه تفقه صاحب «البيان» وأولاده أحمد، وعلي، وقاسم، بنو زيد بن الحسين. مولده في شوال سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ودرّس بالجعامى (¬1) مدة حياته، وبها توفي في شهر رجب سنة ثمان وعشرين وخمسمائة. ذكره ابن السبكي في «الكبرى». ¬

_ (¬1) في الأصل «الجعلم»، والصواب في طبقات فقهاء اليمن 159. والجعامي: من قرى وحاظة باليمن، وانظر صفحة 311 من طبقات فقهاء اليمن.

حرف السين المهملة

حرف السين المهملة 177 - سريج بن يونس بن إبراهيم أبو الحارث البغدادي الحافظ (¬1). مروزي الأصل، ثقة عابد، من الطبقة العاشرة. مات لثمان بقين من ربيع الأول سنة خمس وثلاثين ومائتين. روى عن إسماعيل بن جعفر، وعباد بن عباد. وعنه البخاري، ومسلم، والنسائي. له «التفسير»، «الناسخ والمنسوخ» «القراءات»، «السنن». من اسمه سعد 178 - سعد بن محمد بن محمود بن محمد بن أحمد أبو الفضائل المشّاط (¬2). فقيه متكلم واعظ مفسّر، مذكّر، عارف بالمذهب والخلاف. ذكره علي بن عبيد الله بن الحس صاحب «تاريخ الرّيّ» في كتابه، وذكر أنه سمع القاضي أبا المحاسن الرّويانيّ، وأباه أبا جعفر محمد بن محمود المشّاط، وأبا الفرج محمد بن محمود بن الحسن القزوينيّ الطبريّ، وغيرهم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تهذيب التهذيب لابن حجر 3/ 485، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 113، العبر للذهبي 1/ 421، الفهرست لابن النديم 231، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 282. (¬2) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 7/ 90.

من اسمه سعيد

قال: وتوفّي ليلة الثلاثاء رابع عشر رمضان، سنة ست وأربعين وخمسمائة وروى عنه حديثا قرأه عليه. ذكره ابن السبكي في «الكبرى». من اسمه سعيد 179 - سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن قيس بن زيد بن النعمان ابن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج أبو زيد الأنصاري (¬1). الإمام المشهور. كان إماما نحويا، صاحب تصانيف أدبيّة ولغويّة، وغلبت عليه اللّغة والنّوادر والغريب. روى عن أبي عمرو بن العلاء، ورؤية بن العجّاج، وعمرو بن عبيد، وروى عنه أبو حاتم السّجستانيّ، وأبي عبيد القاسم بن سلّام، وعمر بن شبّة، وطائفة. وروى له أبو داود، والترمذيّ، وهو صدوق له أوهام. وجدّه ثابت، شهد أحدا والمشاهد بعدها، وهو أحد الستّة الذين جمعوا القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال السّيرافيّ كان أبو زيد يقول: كلّما قال سيبويه: أخبرني الثقة، فأنا أخبرته به. ¬

_ (¬1) وردت له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 30، البداية والنهاية لابن كثير 10/ 269، تهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 3، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 115، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 305، العبر للذهبي 1/ 367، الفهرست لابن النديم 54، مرآة الجنان لليافعي 2/ 58، معجم الأدباء 4/ 238، ميزان الاعتدال 2/ 126، النجوم الزاهرة 2/ 210، نزهة الألباء للأنباري 125، وفيات الأعيان 2/ 120. وفي حواشي انباه الرواة، مراجع أخرى لترجمة سعيد بن أوس.

وقيل: كان الأصمعيّ يحفظ ثلث اللغة، وأبو زيد ثلثي اللغة، والخليل ابن أحمد نصف اللغة، وعمرو بن كركره الأعرابيّ يحفظ اللغة كلّها. وقال المازنيّ: رأيت الأصمعيّ وقد جاء إلى حلقة أبي زيد، فقبّل رأسه، وجلس بين يديه، وقال: أنت سيّدنا ورئيسنا منذ خمسين سنة. ومن تصانيف أبي زيد: «لغات القرآن» «القوس والتّرس» «المياه» «خلق الإنسان» «الإبل والشاء» «حيلة ومحالة» «إيمان عثمان» «اللامات» «الجمع والتثنية» «قراءة أبي عمرو» «اللغات» «المطر» «النبات والشجر» «النوادر» «اللّبن» «بيوتات العرب» «تخفيف الهمز الواحد» «الجود والبخل» «المقتضب» «الغرائز» «الوحوش» «فعلت وأفعلت» «غريب الأسماء» «الأمثال» «المصادر» «الحلبة» «التّضارب» «المكتوم» «المنطق لغة» وغير ذلك. توفّي سنة خمس عشرة ومائتين. وقيل أربع عشرة، وقيل ست عشرة، عن ثلاث وتسعين سنة بالبصرة. 180 - سعيد بن بشير الأزديّ مولاهم أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة الشاميّ (¬1). أصله من البصرة، أو واسط. يروى عن قتادة، والزهري. وعنه ابن مهدي، وأبو مسهر، وأبو الجماهر. قال البخاري: يتكلمون في حفظه، وهو محتمل، من الطّبقة الثامنة. مات سنة ثمان- أو تسع وستين- ومائة، خرج له الأربعة، صنّف «التفسير». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 8، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 116، العبر للذهبي 1/ 253، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 128، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 56.

181 - سعيد بن جبير بن هشام الأسدي (¬1). مولى بني والية بن الحارث من بني أسد، كنيته أبو عبد الله، وكان فقيها ورعا من الطبقة الثالثة، قرأ القرآن على ابن عبّاس، وقرأ عليه أبو عمرو، والمنهال بن عمرو، وقد حدّث عن ابن عبّاس، وعدي بن حاتم، وابن عمر، وعبد الله بن مغفّل، وأبي هريرة. وروايته عن عائشة، وأبي موسى، ونحوهما، مرسلة. روى عنه الحكم، وأيّوب، وجعفر بن أبي المغيرة، ومحمد بن سوقة، والأعمش، وخلق كثير. وعن أشعث بن إسحاق قال: كان يقال لسعيد بن جبير: جهبذ العلماء، وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: يا أهل الكوفة تسألوني وفيكم سعيد ابن جبير؟ خرج سعيد مع ابن الأشعث على الحجّاج ثم اختفى، وتنقّل في النواحي، ثم أتى به الحجّاج فقتله سنة خمس وسبعين ومائة. وعن الثوري عن عمر بن سعيد بن أبي حسين قال: دعا سعيد بن جبير ابنه حين دعي ليقتل، فبكى، فقال: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟ ومات الحجّاج بعده بستة أشهر، ولم يقتل بعده أحدا، ومات الحجّاج في شوال. وكان سعيد من سادات التابعين، علما، وفضلا، وصدقا، وعبادة. وروى عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال: مات سعيد بن جبير وما على الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 76، تهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 11، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني 4/ 272، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 305، طبقات القراء للذهبي 1/ 56، المعارف لابن قتيبة 445، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 112.

وقال إسماعيل بن عبد الملك: كان سعيد بن جبير يؤمنا في رمضان، فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود، وليلة بقراءة زيد. وعن هلال بن يساف قال: دخل سعيد بن جبير الكعبة فقرأ القرآن في ركعة، وقيل: إنه كان يختم في كل ليلتين. 182 - سعيد بن محمد بن شعيب بن أحمد بن نصر الله الأنصاري (¬1) الخطيب الأديب بجزيرة قبثور وغيرها؛ يكنى أبا عثمان. روى عن أبي الحسن الأنطاكي المقرئ، وأبي زكرياء العابدي، وأبي بكر الزبيدي، وغيرهم. وسمع: من أبي على البغدادي يسيرا وهو صغيرة. وكان شيخا صالحا من أئمة القرآن، عالما بمعانيه وقراءاته، وعالما بفنون العربيّة، متقدّما في ذلك كلّه، حافظا ثبتا. وكان ظريف الحكايات والأخبار. توفي في حدود سنة عشرين وأربعمائة. ذكره ابن بشكوال في «الصّلة». 183 - سعيد بن محمد بن محمد العقباني التلمساني (¬2). هو إمام عالم فاضل فقيه في مذهب مالك، متفنن في علوم، سمع من ابني الإمام أبي زيد وأبي موسى، وتفقه بهما. وأخذ الأصول عن أبي عبد الله الأبلي وغيره، وصدارته في العلوم مشهورة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 1/ 212، معجم البلدان لياقوت الحموي 4/ 27. (¬2) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 124، الضوء اللامع للسحاوي 3/ 256، نيل الابتهاج 125.

ولي قضاء الجماعة ببجانة في أيام السلطان أبي عنان والعلماء يومئذ متوافرون، وولي قضاء تلمسان، وله في ولاية القضاء مدّة تزيد على أربعين سنة. وله تواليف منها «شرحه لسورة الفتح»، أتى فيه بفوائد جليلة، و «شرح الحوفي في الفرائض»، لم يؤلف مثله. و «شرح الجمل» للخونجي في المنطق، و «شرح التلخيص» لابن البناء، و «شرح قصيدة لابن ياسمين» في الجبر والمقابلة، و «شرح العقيدة البرهانية في أصول الدين»، و «شرح مختصر ابن الحاجب» الأصلي وغير ذلك. قال الشيخ برهان الدين بن فرحون في «طبقات المالكية»: وهو باق بالحياة، نفع الله به. 184 - سعيد بن المبارك بن علي بن عبد الله الإمام ناصح الدّين بن الدّهان النحويّ (¬1). كان من أعيان النّحاة المشهورين بالفضل ومعرفة العربيّة. سمع الحديث من أبي القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، وأبي غالب أحمد بن البنّاء، وجماعة. وصنّف «شرح الإيضاح» في أربعين مجلّدة، «شرح اللّمع»، «الدّروس في النحو»، «الرّياضة في النّكت النحويّة»، «الفصول في النّحو»، «الدروس في العروض»، «المختصر في القوافي»، «الضاد والظاء»، «تفسير القرآن»، «الأضداد»، «العقود في المقصور والممدود»، «النّكت والإشارات على ألسنة الحيوانات»، «إزالة المراء في الغين ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 47، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 352، مرآة الجنان لليافعي 3/ 390، معجم الأدباء 4/ 241، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 72، نكت الهميان للصفدي 158، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 124.

والراء»، «تفسير الفاتحة»، «تفسير سورة الإخلاص»، «شرح بيت من شعر ابن رزيّك» عشرون كرّاسة، «ديوان شعر»، «رسائل». ولد ليلة الجمعة حادي عشري شهر رجب سنة أربع- وقيل ثلاث- وتسعين وأربعمائة، وتوفي بالموصل ليلة عيد الفطر سنة تسع وستين وخمسمائة. ومن شعره: لا تحسبن أنّ بالكت ... ب مثلنا ستصير فللدّجاجة ريش ... لكنّها لا تطير وله: وأخ رخصت عليه حتّى ملّني ... والشيء مملول إذا ما يرخص ما في زمانك من يعزّ وجوده ... إن رمته إلا صديق مخلص قال العماد الكاتب: كان ابن الدهّان سيبويه عصره، وكان يقال حينئذ النحويّون ببغداد أربعة: ابن الجواليقيّ، وابن الشّجريّ، وابن الخشاب، وابن الدّهان. 185 - سعيد بن مسعدة أبو الحسن الأخفش الأوسط (¬1). كان مولى لبني مجاشع بن دارم من أهل بلخ. سكن البصرة، وكان أجلع لا تنطبق شفتاه على أسنانه. قرأ اللغة على سيبويه، وكان أسنّ منه، ولم يأخذ عن الخليل، وكان معتزليّا. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 36، الفهرست لابن النديم 52، مرآة الجنان لليافعي 2/ 61، معجم الأدباء لياقوت 4/ 242، نزهة الألباء للأنباري 133، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 122، وفي حواشي انباه الرواة مراجع أخرى لترجمة سعيد بن مسعدة.

حدّث عن الكلبيّ، والنّخعيّ، وهشام بن عروة، وروى عنه أبو حاتم السّجستانيّ، ودخل بغداد وأقام بها مدّة، وروي وصنف بها. قال: ولما ناظر سيبويه الكسائي ورجع وجّه إليّ فعرفني ومضى إلى الأهواز وودّعني، فوردت بغداد فرأيت مسجد الكسائي فصليت خلفه الغداة، فلمّا انفتل من صلاته وقعد وبين يديه الفرّاء والأحمر وابن سعدان، سلّمت عليه وسألته عن مائة مسألة، فأجاب بجوابات خطّأته في جميعها، فأراد أصحابه الوثوب عليّ، فمنعهم مني ولم يقطعني ما رأيتهم عليه ممّا كنت فيه. ولما فرغت قال لي: بالله أنت أبو الحسن سعيد بن مسعدة! فقلت: نعم، فقام إليّ وعانقني، وأجلسني إلى جنبه، ثم قال لي: أولادي أحبّ أن يتأدّبوا بك، ويتخرّجوا عليك، وتكون معي غير مفارق لي، فأجبته إلى ذلك. فلما اتّصلت الأيّام بالاجتماع، سألني أن أؤلف له كتابا في معاني القرآن، فألفت كتابا في المعاني [فجعله إمامه، وعمل عليه كتابا في المعاني (¬1)] وعمل الفراء في ذلك كتابا عليهما، وقرأ عليه الكسائي كتاب سيبويه سرا، ووهب له سبعين دينارا. وقال المبرّد: أحفظ من أخذ عن سيبويه الأخفش، ثم الناشي، ثم قطرب. قال: وكان الأخفش أعلم الناس بالكلام، وأحذقهم بالجدل. صنّف «الأوسط» في النحو، «تفسير معاني القرآن»، «المقاييس في النحو»، «الاشتقاق»، «المسائل الكبير»، «الصغير»، «العروض»، ¬

_ (¬1) تكملة لازمة عن: انباه الرواة.

من اسمه سفيان

«القوافي»، «الأصوات»، «كتاب الملوك»، «معاني الشعر»، «كتاب وقف التمام»، «كتاب صفات الغنم وألوانها وعلاجها»، وغير ذلك. مات سنة عشر- وقيل خمس عشرة، وقيل إحدى وعشرين- ومائتين. وكان أجلع، والأجلع الذي لا تنضم شفتاه على أسنانه، والأخفش: الصّغير العينين مع سوء بصرهما. من اسمه سفيان 186 - سفيان بن سعيد بن مسروق الإمام شيخ الإسلام الفقيه الحافظ الحجّة العابد أبو عبد الله الثوريّ (¬1) من ثور همدان، الكوفيّ، صاحب «التفسير» المشهور، الذي رواه عنه أبو حذيفة موسى بن مسعود النّهديّ. حدث الثوري عن أبيه، وزبيده بن الحارث، وحبيب بن أبي ثابت، والأسود بن قيس، وزياد بن علاقة، ومحارب بن دثّار وطبقتهم. وعنه ابن المبارك، ويحيى القطان، وابن وهب، ووكيع، والفريابيّ، وقبيصة، وأبو نعيم، ومحمد بن كثير، وأحمد بن يونس اليربوعيّ، وخلائق. قال شعبة ويحيى بن معين وجماعة: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن المبارك: كتبت عن ألف شيخ ومائة شيخ ما فيهم أفضل من سفيان. وكان شعبة يقول: سفيان أحفظ مني. وقال ورقاء: لم ير الثوري مثل نفسه. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 203، تهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 111، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 123، الرسالة المستطرفة للكتاني 41، العبر 1/ 235، الفهرست لابن النديم 225، اللباب لابن الأثير 1/ 198، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 39، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 127.

وقال الإمام أحمد: لم يتقدمه في قلبي أحد. وقال القطان: ما رأيت أحفظ منه، كنت إذا سألته عن حديث ليس عنده اشتد عليه. قال عبد الرازق: وقال سفيان ما استودعت قلبي شيئا قط فخانني. وقال الأوزاعي: لم يبق من تجتمع عليه الأمة بالرضى والصحة إلا سفيان. وقال ابن المبارك: لا أعلم على وجه الأرض أعلم من سفيان. وقال وكيع: كان سفيان بحرا. وقال القطان: سفيان فوق مالك في كل شيء. وقال أبو أسامة: من أخبرك أنه رأى مثل سفيان فلا تصدقه. وقال ابن أبي ذئب: ما رأيت بالعراق أحدا يشبه ثوريكم. وقال الثوريّ: وددت أني نجوت من العلم لا عليّ ولا لي وما من عمل أنا أخوف عليّ منه، يعني الحديث. قال يحيى بن يمان سمعت سفيان يقول: العلم طبيب الدّين، والدّراهم داء الدّين، فإذا اجتر الطبيب الداء إليه متى يداوي غيره. قال الخريبي: سمعت الثوري يقول: ليس شيء أنفع للناس من الحديث. [وقال أبو أسامة: سمعت سفيان يقول: ليس طلب الحديث (¬1)] من عدّة الموت لكنه علة يتشاغل به الرجل. قال الذهبي في «طبقات الحفاظ» عقب هذا الكلام: قلت صدق والله ¬

_ (¬1) تكملة لازمة عن: تذكرة الحفاظ للذهبي.

إن طلب الحديث شيء غير الحديث، وطلب الحديث اسم عرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهية الحديث، وكثير منها مراق إلى العلم، وأكثرها أمور يشغف بها المحدّث من تحصيل النسخ المليحة، وتطلب العالي، وتكثير الشيوخ، والفرح بالألقاب والثناء وتمنى العمر الطويل ليروي، وحب التفرد إلى أمور عديدة، لازمة للأغراض النفسانية لا للأعمال الربانية، فإذا كان طلبك للحديث النبوي محفوفا بهذه الآفات فمتى خلاصك منها إلا الإخلاص، وإذا كان علم الآثار مدخولا فما ظنك بعلم المنطق والجدل، وحكمة الأوائل التي تسلب الإيمان، وتورث الشكوك والحيرة التي لم تكن والله من علم الصحابة ولا التابعين، ولا من علم الأوزاعي، والثوري، ومالك، وأبي حنيفة، وابن أبي ذئب، وشعبة، ولا والله عرفها ابن المبارك، ولا أبو يوسف القائل: من طلب الدين بالكلام تزندق. ولا وكيع، ولا ابن مهدي، ولا ابن وهب، ولا الشافعي، ولا عفان ولا أبو عبيد، ولا ابن المديني، وأحمد، وأبو ثور، والمزني، والبخاري، والأثرم، ومسلم، والنسائي، وابن خزيمة، وابن سريج، وابن المنذر، وأمثالهم، بل كانت علومهم القرآن والحديث والفقه والنحو وشبه ذلك، نعم. وقال سفيان أيضا، فيما سمعه منه الفريابي: ما من عمل أفضل من طلب الحديث إذا صحّت النية فيه. قال وسمعته يقول: دخلت على المهدي فقلت بلغني أن عمر أنفق في حجته اثني عشر دينارا وأنت فيما أنت فيه، فغضب. وقال: تريدني أن أكون في مثل الذي أنت فيه؟ قلت فإن لم تكن في مثل ما أنا فيه ففي دون ما أنت فيه. قال ضمرة: سمعت مالكا يقول: إنما كانت العراق تجيش علينا بالدّراهم والثياب ثم صارت تجيش علينا بسفيان الثوري. قال صالح جزرة: سفيان أحفظ من شعبة، يبلغ حديثه ثلاثين ألفا، وحديث شعبة نحو عشرة آلاف.

مولد سفيان في سنة سبع وتسعين، وطلب العلم وهو حدث فإن إباه من علماء الكوفة، مات بالبصرة في الاختفاء من المهدي، فإنه كان قوالا بالحق شديد الإنكار. مات في شعبان سنة إحدى وستين ومائة رحمه الله تعالى. وقد صح عن معدان عن الثوري في قوله تعالى (وهو معكم (¬1)) قال: عمله، وهكذا جاء عن جماعة من المفسّرين. وقد أفرد مناقب هذا الإمام بالتأليف ابن الجوزي، واختصره الذهبي. وله «الجامع الكبير» يجري مجرى الحديث، رواه عنه يزيد بن أبي حكيم وعبد الله بن الوليد العرفيّ، وغيرهما «الجامع الصّغير» رواه عنه جماعة، منهم الأشجعي، وغسان بن عبيد، وغيرهما. و «كتاب الفرائض» و «رسالة أبي عباد بن الأرسوفيّ». 187 - سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون (¬2). الإمام المجتهد. الحافظ شيخ الإسلام أبو محمد الهلاليّ الكوفيّ. محدّث الحرم مولى محمد بن مزاحم أخي الضحاك بن مزاحم صاحب «التفسير» يرويه عنه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي. ولد سنة سبع ومائة وطلب العلم في صغره. سمع عمرو بن دينار، والزّهريّ وزياد بن أسلم، وعبد الله بن دينار، ومنصور بن المعتمر، وعبد الرحمن بن القاسم، وأمما سواهم. ¬

_ (¬1) سورة الحديد 4. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 262، الرسالة المستطرفة للكتاني 41، العبر للذهبي 1/ 326، الفهرست لابن النديم 226، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 170.

حدّث عنه الأعمش، وابن جريج، وشعبة، وغيرهم، من شيوخه، وابن المبارك وابن مهدي، والشافعي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق ابن راهويه وأحمد بن صالح، وابن نمير، وأبو خيثمة، والفلاس، والزعفراني، ويونس بن عبد الأعلى، وسعدان بن نصر، وعلي بن حرب، ومحمد بن عيسى بن حيّان المدائني، وزكريا بن يحيى المروزيّ، وأحمد بن شيبان الرمليّ (¬1) وخلق لا ينحصرون. فقد كان خلق يحجون، والباعث لهم لقى ابن عيينة فيزدحمون عليه في أيام الحج. وكان إماما، حجّة، حافظا، واسع العلم، كبير القدر. قال الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز. وعن الشافعي قال: وجدت أحاديث الأحكام كلها عند مالك سوى ثلاثين حديثا، ووجدتها كلها عند ابن عيينة سوى ستة أحاديث. قال عبد الرحمن بن مهدي: كان ابن عيينة من أعلم الناس بحديث أهل الحجاز. وقال الترمذي: سمعت البخاري يقول: سفيان بن عيينة أحفظ من حماد ابن زيد. قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت أحدا فيه من آلة العلم ما في سفيان، وما رأيت أحدا أكفّ عن الفتيا منه، وما [رأيت (¬2)] أحدا أحسن لتفسير الحديث منه. وقال أحمد: ما رأيت أعلم بالسنن منه. وقال ابن المديني: ما في ¬

_ (¬1) في الأصل «البرمكي»، وأثبت ما في: ميزان الاعتدال، وتذكرة الحفاظ. (¬2) تكملة عن: تذكرة الحفاظ للذهبي.

من اسمه سلمان

أصحاب الزهري أتقن من ابن عيينة. قال أحمد: دخل ابن عيينة باليمن على معن بن زائدة، ووعظه ولم يكن سفيان تلطخ بعد بجوائزهم. قال العجلي: كان ابن عيينة ثبتا في الحديث، وحديثه نحو من سبعة آلاف، ولم يكن له كتب. وقال بهز (¬1) بن أسد: ما رأيت مثله ولا شعبة. قال يحيى بن معين: وأثبت [الناس (¬2)] في عمرو بن دينار. وقال ابن مهدي: عند سفيان بن عيينة من المعرفة بالقرآن وتفسير الحديث ما لم يكن عند الثوري. قال حمّاد بن يحيى: سمعت ابن عيينة يقول: رأيت كأنّ أسناني سقطت فذكرته للزهري، فقال: يموت أسنانك وتبقى، فمات أسناني وبقيت فجعل الله كل عدوّ لي محبّا. قال علي بن الجعد: سمعت ابن عيينة يقول: من زيد في عقله نقص في رزقه. وعن ابن عيينة قال: الزهد- الصبر وارتقاب الموت، وقال: العلم إذا لم ينفعك ضرك. مات في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائة. وله: «جوابات القرآن». من اسمه سلمان 188 - سلمان بن أبي طالب عبد الله بن محمد الفتى النحويّ النّهروانيّ. (¬3) ¬

_ (¬1) في الأصل «نمير»، والمثبت في: تذكرة الحفاظ للذهبي. (¬2) تكملة عن: تذكرة الحفاظ. (¬3) له ترجمة في: انباه الرواة 2/ 26، طبقات المفسرين للسيوطي 13، مرآة الجنان لليافعي 3/ 156، معجم الأدباء لياقوت الحموي 4/ 253، نزهة الألباء للأنباري 369. واسمه في جميع هذه المراجع عدا بغية الوعاة: «سليمان».

نزيل أصبهان، قال ابن النّجار والقفطيّ: قدم بغداد، وقرأ بها النحو على الثمانينيّ وغيره، واللغة على الحسن بن الدهان وغيره. وبرع في النحو، وكان إماما فيه وفي اللّغة. وسمع الحديث من القاضي أبي الطيب الطبريّ وغيره. وجال في العراق، نشر بها النحو واستوطن أصبهان، وروى عنه السّلفيّ. وصنف: «التفسير على القراءات» «القانون في اللغة» عشر مجلدات، لم يصنف مثله، «شرح الإيضاح للفارسي»، «شرح ديوان المتنبّي»، «الأمالي» وغير ذلك. توفي في ثاني عشر صفر سنة ثلاث- وقيل أربع- وتسعين وأربعمائة. ومن شعره: تقول بنيتي: أبتي تقنّع ... ولا تطمح إلى الأطماع تعتد (¬1) ورض باليأس نفسك فهو أحرى ... وأزين في الورى وعليك أعود فلو كنت الخليل وسيبويه ... أو الفراء أو كنت المبرّد لما ساويت في حيّ رغيفا ... ولا تبتاع بالماء المبرّد 189 - سلمان بن ناصر بن عمران بن محمد بن إسماعيل بن إسحاق ابن يزيد بن زياد بن ميمون بن مهران أبو القاسم الأنصاريّ النّيسابوريّ (¬2). الفقيه الصوفي، صاحب إمام الحرمين، كان بارعا في الأصول، وصنف في «التفسير» وشرح «الإرشاد» لشيخه، وخدم أبا القاسم القشيري مدة، وكان صالحا زاهدا عابدا إماما عارفا، من أفراد الأئمة ومن كبار المصنفين في علم الكلام. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 7/ 96، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 30 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 13، طبقات ابن هداية الله 73، العبر للذهبي 4/ 27، مرآة الجنان لليافعي 3/ 203. (¬2) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 7/ 96، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 30 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 13، طبقات ابن هداية الله 73، العبر للذهبي 4/ 27، مرآة الجنان لليافعي 3/ 203.

سمع الحديث من عبد الغافر الفارسي، وكريمة المروذيّة، وأبي صالح المؤذّن، وأبي القاسم القشيريّ، وغيرهم. روى عنه بالإجازة ابن السّمعاني، وغيره. قال عبد الغافر: كان نحرير وقته في فنه، زاهدا ورعا صوفيا، من بيت صلاح. وتصوف وتزهد. وصحب الأستاذ أبا القاسم القشيريّ مدة، وحصّل عليه من العلم طرفا صالحا، ثم سافر الحجاز، وعاد إلى بغداد، ثم قدم الشام فصحب المشايخ وزار المشاهد، ثم عاد إلى نيسابور واستأنف تحصيل الأصول على الإمام. قال: وكانت معرفته فوق لسانه، ومعناه أكثر من ظاهره، وكان ذا قدم في التصوف والطريقة، عفّا في مطعمه، يكتسب بالوراقة، ولا يخالط أحدا، ولا يباسطه في مقعد دنيوي، وأقعد في خزانة الكتب بنظامية نيسابور اعتمادا على دينه، وأصابه في آخر عمره ضعف في بصره، ويسير وقر في أذنه. وقال أبو نصر عبد الرحمن بن محمد الخطيبيّ: سمعت محمود بن أبي توبة الوزير يقول: مضيت إلى باب بيت أبي القاسم الأنصاريّ فإذا الباب مردود وهو يتحدث مع واحد، فوقفت ساعة وفتحت الباب فما كان في الدار غيره، فقلت: مع من كنت تتحدث؟ فقال كان هنا واحد من الجن كنت أكلّمه. قال ابن السمعانيّ: أجاز لي مرويّاته، وسمعت محمد بن أحمد النّوقانيّ يقول: سمعت أبا القاسم الأنصاريّ يقول: كنت في البادية فأنشدت: سرى يخبط الظلماء والليل عاسف ... حبيب بأوقات الزيارة عارف (¬1) فما راعني إلا سلام عليكم ... أأدخل قلت أدخل ولم أنت واقف ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للسبكي.

فجاء بدوي وجعل يطرب ويستعيدني. قال ابن السبكي: وهذان البيتان مذكوران في ترجمة الإمام أبي المظفر السمعانيّ. مات هذا الشيخ صبيحة يوم الخميس في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وخمسمائة. 190 - سلمة بن عاصم أبو محمد البغداديّ النحويّ (¬1). صاحب الفراء. روى القراءة عن أبي الحارث الليث بن خالد. روى القراءة عنه أحمد بن يحيى ثعلب، ومحمد بن فرج الغساني (¬2)، ومحمد بن يحيى الكسائي. قال ثعلب: كان سلمة حافظا لتأدية ما في الكتب. وقال ابن الأنباريّ: كتاب سلمة في «معاني القرآن» أجود الكتب، لأن سلمة كان إماما عالما، وكان يراجع الفراء فيما عليه، ويرجع عنه. توفي بعد السبعين ومائتين فيما أحسب. ذكره ابن الجزري في «طبقات القراء». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 56، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 311، الفهرست لابن النديم 67، معجم الأدباء لياقوت الحموي 4/ 249، نزهة الألباء للأنباري 146. (¬2) في الأصل «محمد بن نوح العتابي»، والمثبت في: طبقات القراء لابن الجزري. والغساني هو: محمد بن فرج أبو جعفر الغساني البغدادي النحوي، صاحب سلمة بن عاصم، مشهور ضابط نحوي عارف، أخذ القراءة عن سلمة بن عاصم عن أبي الحارث، توفي بعد سنة 300 هـ (طبقات القراء لابن الجزري 2/ 229).

من اسمه سليم

من اسمه سليم 191 - سليم بن أيوب بن سليم (¬1). الفقيه أبو الفتح الرّازيّ الأديب المفسر الشافعيّ، تفقه وهو كبير، لأنه كان اشتغل في صدر عمره باللغة والنحو والتفسير والمعاني، ثم لازم الشيخ أبا حامد وعلّق عنه «التّعليقة»، ولما توفّي الشيخ أبو حامد جلس في مكانه، ثم إنه سافر إلى الشام وأقام يثغر صور مرابطا ينشر العلم، فتخرج عليه أئمة، منهم الشيخ نصر المقدسيّ، وسمع أبا الحسين أحمد بن فارس اللغويّ، وشيخه أبا حامد الأسفراينيّ، وأحمد (¬2) بن عبد الله الأصبهانيّ، وأحمد بن محمد البصير الرّازيّ، ومحمد بن عبد الله الجعفيّ، ومحمد بن جعفر التّميميّ، الكوفيّين، وأحمد بن محمد المجبّر، وجماعة. وروى عنه الكتّانيّ، وأبو بكر الخطيب، والفقيه نصر المقدسيّ، وغيرهم. وكان ورعا زاهدا، يحاسب نفسه على الأوقات، لا يدع وقتا يمضي بغير فائدة. قال الشيخ أبو إسحاق: إنه كان فقيها أصوليا. وقال أبو القاسم بن عساكر: بلغني أن سليما تفقه بعد أن جاوز الأربعين. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 69، تبيين كذب المفتري 262، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 231، طبقات الشافعية للسبكي 4/ 388، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 22 ب، طبقات الشيرازي 111، طبقات ابن هداية الله 50، العبر للذهبي 3/ 213، مرآة الجنان لليافعي 3/ 64، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 133. (¬2) في الأصل: «حمد» والمثبت في طبقات الشافعية للسبكي، وهو أحمد بن عبد الله الأصبهاني أبو نعيم. أنظر: العبر للذهبي 3/ 170.

من اسمه سليمان

غرق في بحر القلزم عند ساحل جدّة، بعد الحج، في صفر سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وقد نيّف على الثمانين. ومن تصانيفه كتاب «التفسير» سمّاه «ضياء القلوب» و «المجرّد» أربع مجلدات، عار عن الأدلة غالبا، جرّده من تعليقة شيخه، وكتاب «الفروع» دون «المهذب»، و «كتاب رءوس المسائل في الخلاف» مجلد ضخم، و «كتاب الكافي» مختصر قريب من «التنبيه»، و «كتاب الإشارة» تصنيف لطيف. وسأله شخص ما الفرق بين مصنفاتك ومصنفات رفيقك المحاملي؟ معرضا بأن تلك أشهر، فقال الفرق أنّ تلك صنّفت بالعراق، ومصنفاتي صنفت بالشام. من اسمه سليمان 192 - سليمان بن إبراهيم بن حمزة البلوي (¬1). من أهل مالقة، يكنى أبا أيوب. كان مجوّدا للقرآن، عالما بكثير من معانيه، متصرفا في فنون من العربيّة، حسن الفهم، خيّرا فاضلا، وكان زوجا لابنة أبي عمر الطلمنكي؛ وروى عنه كثيرا من روايته وتواليفه. وروى عن حسنون القاضي وغيره من شيوخ مالقة. وكان محسنا في العبارة، مطبوعا. وتوفي بقرطبة سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. ذكره ابن بشكوال في «الصلة». 193 - سليمان بن إبراهيم بن هلال القيسي (¬2). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 1/ 196. (¬2) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 1/ 196.

من أهل طليطلة، يكنى أبا الربيع. كان رجلا صالحا زاهدا عالما بأمور دينه تاليا للقرآن، مشاركا في التفسير والحديث، ورعا، فرّق جميع ماله وانقطع إلى الله تعالى، ولزم الثغور. وتوفي بحصن غرماج، وذكر أن النصارى يقصدونه ويتبركون بقبره، رحمه الله ونفعنا به. ذكره ابن بشكوال أيضا. 194 - سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير (¬1). الإمام الحجة بقية الحفاظ أبو القاسم اللّخميّ الشامي الطّبرانيّ، مسند الدنيا، ولد بعكا. وأمّه من أهلها، في صفر سنة ستين ومائتين، وسمع من سنة ثلاث وسبعين وهلم جرا، بمدائن الشام، والحرمين، واليمن، ومصر، وبغداد، والكوفة، والبصرة، وأصبهان، والجزيرة، وغير ذلك، وحدّث عن ألف شيخ أو يزيدون. وصنّف «المعجم الكبير» وهو المسند سوى «مسند أبي هريرة»، فكأنه أفرده في مصنف، و «المعجم الأوسط» في ست مجلدات كبار على معجم شيوخه، يأتي فيه عن كل شيخ بما له من الغرائب والعجائب، فهو نظير «كتاب الأفراد» للدارقطنيّ، بين فيه فضيلته وسعة روايته، وكان يقول: هذا الكتاب روحي. فإنه تعب عليه وفيه كل نفيس وعزيز ومنكر، وصنّف «المعجم الصغير» وهو عن كل شيخ له حديث واحد، وله «كتاب الدعاء» في مجلد كبير، وكتاب «المناسك» و «كتاب عشرة النساء» و «كتاب السنة» و «كتاب الطوالات» و «كتاب النوادر» وكتاب ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 270، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 912، الرسالة المستطرفة للكتاني 38، طبقات الحنابلة 2/ 49، العبر 2/ 315، لسان الميزان للذهبي 3/ 73، مرآة الجنان لليافعي 2/ 372، المنتظم 7/ 54، ميزان الاعتدال 2/ 195، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 59، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 141.

«دلائل النبوة» وكتاب «مسند شعبة» وكتاب «مسند سفيان» وعمل «مسانيد جماعة من الكبار»، وله «كتاب حديث الشاميين» و «كتاب الأوائل» و «كتاب الرمي» وله «تفسير كبير» وأشياء أخر. وهو من فرسان هذا الشأن مع الصدق والأمانة، سمع هاشم بن مرثد الطبرانيّ، وأبا زرعة الدمشقيّ، وإسحاق الدّبريّ، وإدريس العطار، وبشر ابن موسى، وحفص بن عمر سنجة ألف الرّقيّ، وعلي بن عبد العزيز البغويّ، ومقدام بن داود الرّعينيّ، ويحيى بن أيّوب العلّاف، وأبا عبد الرحمن النّسائيّ وعبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، ونظراءهم. وحرص عليه أبوه في صباه، ورحل به، وكان يروى عن دحيم وغيره. حدّث عن الطبراني أبو خليفة الجمحي، وابن عقدة، وأحمد بن محمد الصحاف وهؤلاء من شيوخه، وأبو بكر بن مردويه، والفقيه أبو عمر محمد ابن الحسين [البسطامي، وأبو الحسين (¬1)] بن فاذشاه، ومحمد بن عبيد الله بن شهريار، وعبد الرحمن بن أحمد الصفار، وأبو بكر بن ريذة خاتمة أصحابه، وبقي بعده عامين عبد الرحمن الذّكوانيّ يروى عنه بالإجازة. قال الذّكوانيّ: سئل الطبراني عن كثرة حديثه فقال: كنت أنام على البواري ثلاثين سنة. قال أبو نعيم: دخل الطبراني أصبهان سنة تسعين، فسمع وسافر ثم قدمها فاستوطنها ستين سنة. وقال ابن مردويه: قدم الطبراني سنة عشر فقبله أبو علي بن رستم العامل وضمه إليه، وجعل له معلوما في دار الخراج، كان يتناوله إلى أن مات. قال أبو عمر بن عبد الوهاب السلمي: سمعت الطبراني يقول: لما قدم ¬

_ (¬1) تكملة عن: تذكرة الحفاظ للذهبي.

ابن رستم من فارس أعطاني خمسمائة درهم، فلما كان في آخر أمره تكلم في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ببعض الشيء، فخرجت ولم أعد إليه بعد. قال ابن فارس صاحب اللغة: سمعت الأستاذ ابن العميد يقول: ما كنت أظن أن في الدنيا كحلاوة الوزارة والرئاسة التي أنا فيها؛ حتى شاهدت مذاكرة الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي، فكان الطبراني يغلبه بكثرة حفظه؛ وكان أبو بكر يغلبه بفطنته حتى ارتفعت أصواتهما إلى أن قال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلّا عندي فقال: هات؛ قال: حدثنا أبو خليفة حدثنا سليمان بن أيوب وحدث بحديث، فقال الطبراني: فأنا سليمان بن أيوب، ومني سمعه أبو خليفة، فاسمعه مني عاليا، فخجل الجعابي، فوددت أن الوزارة لم تكن وكنت أنا الطبراني وفرحت كفرحه. قال أبو جعفر بن أبي السري: سألت ابن عقدة أن يعيد لي فوتا وشددت عليه، فقال: من أين أنت؟ فقلت: من أصبهان، فقال: ناصبة، فقلت: لا تقل هذا ففيهم فقهاء ومتشيعة، قال: شيعة معاوية، قلت: بل شيعة علي رضي الله عنه، وما فيهم إلّا من على أعز عليه من عينيه وأهله، فأعاد عليّ ما فاتني، ثم قال لي: سمعت من سليمان بن أحمد اللخمي؟ فقلت: لا أعرفه، فقال: يا سبحان الله. أبو القاسم ببلدك وأنت لا تسمع منه وتؤذيني هذا الأذى، ما أعرف له نظيرا. وقال: أتعرف إبراهيم بن محمد بن حمزة؟ قلت: نعم. قال: ما رأيت مثله في الحفظ. قال ابن مندة: الطبراني أحد الحفاظ المذكورين، حدث عن أحمد بن عبد الرحيم البرقي ولم يحتمل منه لقيه. قال الذهبي: نعم، ولكن ما أراده الطبراني ولا قصد الرواية عنه، إنما روى عن عبد الرحيم بن البرقي السيرة وغير ذلك، فغلط في اسمه وسماه باسم أخيه.

195 - [سليمان بن الأشعث أبو داود السّجستانيّ (¬1). ................ .... ................ ................ ........ ................ ................ ........ جوابا (¬2) لهم عن ذلك، ومسائله للإمام أحمد وحديث مالك. وشيوخه في السنن وغيرها، نحو ثلاثمائة نفس. وروى عنه من أصحاب الكتب الستة أبو عيسى الترمذيّ، وأبو عبد الرحمن النسائيّ. وأخذ علم الحديث عن الإمام أحمد، ويحيى بن معين، وبأولهما تفقه ولازمه مدة، وكان من نجباء أصحابه، ومن جلة فقهاء زمانه، ومع ذلك فقد ذكره في «طبقات الشافعية» أبو عاصم العبّادي، وابن باطيش، وتبعهما التاج السبكي، ولم يذكر لذلك دليلا، ولذا تعقب بابه حنبلي، ودليل ذلك مسائله عن الإمام أحمد، وقد ذكره القاضي أبو الحسين بن الفراء في الطبقة الأولى من طبقات الحنابلة، وهو من كبار الطبقة الحادية عشرة. ولد سنة اثنتين ومائتين، ومات بالبصرة ليلة الجمعة لست عشرة ليلة خلت من شوال، سنة خمس وسبعين ومائتين. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 54، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 9/ 55، تذكرة الحفاظ 2/ 591، تهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 169، طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/ 159، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 293، العبر 2/ 54، اللباب 1/ 533، مرآة الجنان لليافعي 2/ 189، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 135، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 138. (¬2) اتصل آخر الترجمة السابقة بهذه العبارات دون أن يكون هناك بياض أو فاصل في الأصل، وهذه العبارات من ترجمة لسليمان بن الأشعث، وقد بحثت في مراجع الترجمة المثبتة هنا وغيرها، للوقوف على من نقل عنه الداودي بالنص، حتى أستكمل صدر الترجمة، فلم أهتد الى ذلك.

196 - سليمان بن الحسن جمال الدين بن النقيب. الحنفيّ المصريّ، فقيه حسن، ومحدّث مجيد. صنّف «تفسيرا» نحو خمسين مجلدا، جمع فيه أقوال المفسّرين، وكان زاهدا عابدا. ذكره العلامة شيخ الإقراء برهان الدين أبو محمد بن عمر بن إبراهيم الجعبري في شيوخه، ولم يؤرخ مولده ولا وفاته. 197 - سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث (¬1). الإمام الحافظ العلامة أبو الوليد الباجي التّجيبيّ القرطبي الذهبي المالكي، الأصولي المتكلم المفسر الأديب الشاعر، صاحب التصانيف النافعة. ولد في يوم الثلاثاء النصف من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة، وأصله من مدينة بطليوس، فانتقل جده إلى باجة المدينة التي بقرب إشبيلية فنسب إليها، وليس هو من باجة القيروان التي ينسب إليها الحافظ أبو محمد المذكور. أخذ عن يونس بن عبد الله القاضي، ومكي بن أبي طالب، ومحمد بن إسماعيل وأبي بكر بن الحسين بن عبد الوارث. وارتحل سنة ست وعشرين. فحج وجاور ثلاثة أعوام ملازما لأبي ذرّ الحافظ، وحمل عنه علما كثيرا، وكان يسافر معه إلى سراة بني شبابة ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 122، بغية الملتمس للضبي 289، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1178، ترتيب المدارك 4/ 802، الديباج المذهب 120، الرسالة المستطرفة للكتاني 207، الصلة 1/ 197، طبقات المفسرين للسيوطي 14، فوات الوفيات 1/ 356، اللباب 1/ 82، مرآة الجنان اليافعي 3/ 108، معجم الأدباء لياقوت الحموي 4/ 251، نفح الطيب للمقري 2/ 67، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 142.

ويخدمه، ثم رحل إلى بغداد ودمشق ففاته أبو القاسم بن بشران، وسمع أبا القسم بن الطّبيز، وعلي بن موسى السمسمار، والسكن بن جميع الصيداويّ، وأبا طالب عمر بن إبراهيم الزهريّ، وأبا طالب بن غيلان، وأبا القاسم عبيد الله الأزهريّ، ومحمد بن عبد الله الصّوريّ، وأبا بكر الخطيب، وطبقتهم. وتفقه في بغداد بالقاضي أبي الطيب، والقاضي أبي عبد الله الحسين الصيمريّ، وأبي العباس أحمد بن محمد بن عمروس المالكي، وأخذ الأصول عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وأقام بالموصل سنة على أبي جعفر السّمنانيّ فأخذ عنه العقليات، وبرع في الحديث وعلله، وفي الفقه وغوامضه وخلافه، وفي الكلام ومضايقه، ورجع إلى الأندلس بعد ثلاثة عشر عاما بعلم جم حصله مع الفقر والتعفف. روى عنه الحافظان أبو بكر الخطيب، وأبو عمر بن عبد البر، وهما أكبر منه، وأبو عبد الله الحميديّ، وعلي بن عبد الله الصقليّ، وأحمد بن علي بن غزلون، والحافظ أبو علي الصدفيّ، وولده الإمام أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد الزاهد، وأبو بكر الطرطوشي، وأبو علي بن سهل السبتيّ، وأبو بحر سفيان بن العاص، ومحمد بن أبي الخير القاضي وسواهم، وتفقه به الأصحاب. قال القاضي عياض: آجر أبو الوليد نفسه ببغداد لحراسة درب، وكان حين رجع إلى الأندلس يضرب ورق الذهب للغزل ويعقد الوثائق، قال لي أصحابه: كان يأتينا للإقراء وفي يده أثر المطرقة؛ إلى أن فشا علمه وهيئت الدنيا له، وعظم جاهه، وأجزلت صلاته حتى مات عن مال وافر، وكان يستعمله الأعيان في ترسلهم ويقبل جوائزهم، ولي القضاء بمواضع من الأندلس. وصنّف كتابا كبيرا جامعا بلغ فيه الغاية سماه كتاب «الاستيفاء»

وكتاب «المعاني في شرح الموطأ» جاء في عشرين مجلدا عديم النظير، وكتاب «المنتقى في شرح الموطأ» وهو اختصار «الاستيفاء» ثم اختصر «المنتقى» في كتاب سماه «الإيماء» قدر ربع «المنتقى» وكتاب «الإيماء في الفقه» خمس مجلدات، وكتاب «السراج في عمل الحجاج» وكتاب «اختلاف الموطآت» وكتاب «مسائل الخلاف» لم يتم، وكتاب «المقتبس من علم مالك بن أنس» لم يتم، وكتاب «المهذب في اختصار المدونة» وكتاب «الجرح والتعديل» وكتاب «شرح المدونة» و «مسألة اختلاف الزوجين في الصداق» وكتاب «إحكام الفصول في أحكام الأصول» وكتاب «الحدود في أصول الفقه» وكتاب «تبين المنهاج» وكتاب «التسديد إلى معرفة طريق التوحيد» وكتاب «شرح المنهاج» وكتاب «السراج في الخلاف» وكتاب «سنن الصالحين وسنن العابدين» وكتاب «سبيل المهتدين» و «كتابا في فرق الفقهاء» وكتاب «التفسير» لم يتمه، وكتاب «الناسخ والمنسوخ» لم يتمه، وكتاب «السنن في الرقائق والزهد»، وكتاب «التعديل والتخريج لمن خرج عنه البخاري في الصحيح» «وكتابا في مسح الرأس» و «كتابا في غسل الرجلين» و «كتاب النصيحة لولديه» و «رسالته المسماة بتحقيق المذهب» وله غير ذلك. قال أبو نصر بن ماكولا: أما الباجي ذو الوزارتين أبو الوليد ففقيه متكلم، شاعر أديب [سمع (¬1)] بالعراق ودرس الكلام وصنّف، وكان جليلا رفيع القدر والخطر، قبره بالمرية. وقال أبو علي بن سكرة: ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي، وما رأيت أحدا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه، ولما كنت ببغداد قدم ولده أبو القاسم ¬

_ (¬1) تكملة عن: تذكرة الحفاظ للذهبي.

فسرت معه إلى شيخنا قاضي القضاة الشاميّ فقلت له: أدام الله عزك، هذا ابن شيخ الأندلس، فقال: لعله ابن الباجي؟ فقلت: نعم، فأقبل عليه. قال القاضي عياض: كثرت القالة في أبي الوليد لمداخلته للرؤساء، وولي قضاء أماكن تصغر عن قدره «كأوريولة (¬1)» فكان يبعث إليها خلفاءه وربما أتاها المرة ونحوها، وكان في أول أمره مقلا، حتى احتاج في سفره إلى القصد بشعره، واستئجار نفسه مدة مقامه ببغداد فيما سمعته، مستفيضا لحراسة درب، وقد جمع ابنه شعره، وكان ابتداؤه لكتاب «الاستيفاء» في الفقه، لم يصنع منه سوى كتاب الطهارة في مجلدات. قال: ولما قدم الأندلس وجد لكلام ابن حزم طلاوة، إلا أنه كان خارجا عن المذهب، ولم يكن بالأندلس من يشتغل بعلمه، فقصرت ألسنة الفقهاء عن مجادلته وكلامه، واتبعه في رأيه جماعة من أهل الجهل، وحلّ بجزيرة ميورقة (¬2) فرأس فيها واتبعه أهلها، فلما قدم أبو الوليد كلموه في ذلك، فدخل عليه وناظره وشهر باطله، وله معه مجالس كثيرة. ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في البخاري، قال: بظاهر لفظه، فأنكر عليه الفقيه أبو بكر بن الصائغ، وكفره بإجازة الكتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي وأنه تكذيب للقرآن، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام، حتى أطلقوا الفتنة، وقبحوا عند العامة ما أتى به، وتكلم به خطباؤهم في الجمع، وقال شاعرهم: ¬

_ (¬1) في الأصل «أوربولة»، والمثبت في معجم البلدان لياقوت الحموي. وأوريولة: بالضم ثم السكون وكسر الراء وياء مضمومة ولام وهاء، مدينة قديمة من أعمال الأندلس من ناحية تدمير، بساتينها متصلة ببساتين مرسية (معجم البلدان لياقوت 1/ 403). (¬2) ميورقة: بالفتح ثم الضم وسكون الواو والراء وقاف، جزيرة في شرقي الأندلس (المصدر السابق 4/ 720).

برئت ممن شرى دنيا بآخرة ... وقال إن رسول الله قد كتبا (¬1) وصنّف أبو الوليد «رسالة» بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة، فرجع بها جماعة. قال الذهبي الحافظ عقب هذا الكلام، قلت: ما كل من عرف أن يكتب اسمه فقط بخارج عن كونه أميا لأنه لا يسمى كاتبا، وجماعة من الملوك قد أدمنوا في كتابة العلامة وهم أميون، والحكم للغلبة لا للصورة النادرة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إنّا أمّة (¬2)) أي أكثرهم كذلك لندرة الكتابة في الصحابة، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ (¬3). ولأبي الوليد: إذا كنت أعلم علما يقينا ... بأن جميع حياتي كساعة (¬4) فلم لا أكون ضنينا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعة [وأما الحافظ ابن عساكر، فذكر أن أبا الوليد قد كان أتى من باجة القيروان تاجرا يختلف إلى الأندلس، وهذا أقوى مما ابتدأنا به، وصار الباجيان نسبتهما إلى مكان واحد. قال ابن سكرة: مات بالمرية في تاسع عشر رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة، رحمة الله عليه (¬5)]. ¬

_ (¬1) تذكرة الحفاظ للذهبي. (¬2) رواه مسلم في كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان، وروايته هناك: «إنا أمة أمية. لا نكتب ولا نحسب. الشهر هكذا وهكذا وهكذا» وعقد الابهام في الثالثة «والشهر هكذا وهكذا» يعني تمام ثلاثين. (¬3) سورة الجمعة 2. (¬4) معجم الأدباء لياقوت الحموي. (¬5) ما بين القوسين بياض في الأصل، أكملته عن تذكرة الحفاظ للذهبي والداودي هنا ينقل بالنص عن الذهبي.

198 - سليمان بن أبي القاسم نجاح أبو داود المقرئ (¬1). مولى الأمير المؤيد بالله بن المستنصر الأموي الأندلسي، شيخ الاقراء مسند القراء. وعمدة أهل الأداء أخذ القراءات عن أبي عمرو الداني، ولازمه مدة، وأكثر عنه، وهو أجلّ أصحابه، وكتب عن أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، وأبي شاكر الخطيب. قرأ عليه بشر كثير، منهم أبو عبد الله بن سعيد الداني؛ وأبو علي الصدفي، وأبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عاصم الثقفي. وأحمد بن سحنون المرسي، وإبراهيم بن جماعة البكري الداني، وجعفر بن يحيى بن غتال، ومحمد بن علي النواشي، وعبد الله بن فرج الزهيري، وأبو الحسن علي بن هذيل، وأبو نصر فتح بن خلف البلنسي، وأبو نصر فتح بن يوسف بن أبي كبة، وأبو داود سليمان بن يحيى القرطبي. قال ابن بشكوال: كان من جلة المقرئين وفضلائهم وأخيارهم، عالما بالقراءات وطرقها، حسن الضبط، ثقة دينا. له تواليف كثيرة في معاني القرآن العظيم وغيره. أخبرنا عنه جماعة ووصفوه [بالعلم والفضل والدين (¬2)] قرأت بخط بعض تلامذة أبي داود، قال: تسمية الكتب التي صنفها أبو داود كتاب «البيان الجامع لعلوم القرآن» في ثلاثمائة جزء، كتاب «التبيين لهجاء التنزيل» في ست مجلدات، «كتاب الرجز» المسمى بالاعتماد، الذي ¬

_ (¬1) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 289، الصلة لابن بشكوال 1/ 200، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 316، طبقات القراء للذهبي 1/ 364. (¬2) ما بين القوسين بياض في الأصل، أكملته عن طبقات القراء للذهبي لأن ترجمة بنصها في طبقات القراء.

عارض فيه شيخه أبا عمر في أصول القراءات وعقود الديانة، وهو عشرة أجزاء، وعدد هذه الأرجوزة ثمانية عشر ألف بيت وأربعمائة وأربعين بيتا، وله كتاب عن قوله تعالى (¬1): حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى في مجلد، ثم سمى تتمة ستة وعشرين مصنفا. قال ابن بشكوال: ولد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وتوفي ببلنسية في سادس عشر رمضان سنة ست وتسعين، وتزاحموا على نعشه، رحمه الله وإيانا. ذكره الذهبي في: «طبقات القراء». 199 - سلمة بن عاصم النحويّ أبو محمد (¬2) وكان ثقة عالما حافظا. صنّف: «معاني القرآن»، «غريب الحديث»، «المسلوك في النحو» وهو والد المفضّل بن سلمة ........ (¬3). 200 - سنيد- بنون ثم دال مصغرا- ابن داود الحافظ أبو علي المصّيصيّ المحتسب (¬4). واسمه الحسين، كان أحد أوعية العلم. حدث عن حماد بن زيد، وجعفر بن سليمان، وعبد الله بن المبارك، وأبي بكر بن عياش، ونحوهم. ¬

_ (¬1) سورة البقرة 238. (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 56، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 311، الفهرست لابن النديم 67، معجم الأدباء 4/ 249، نزهة الألباء للأنباري. (¬3) بياض في الأصل، وقد وقفت الترجمة عند المفضل بن سلمة في بغية الوعاة التي نقل عنها الداودي، ولكنها جاءت مستوفاة في انباء الرواة. (¬4) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ 2/ 456، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 137، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 236.

وعنه أبو بكر الأثرم، وأبو زرعة، وأحمد بن أبي خيثمة، وعبد الكريم الدّيرعاقوليّ (¬1)، وخلق سواهم. قال أبو داود: لم يكن بذاك. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائيّ فتجاوز الحد: لم يكن ثقة، وهو مع معرفته وإمامته فيه ضعف؛ لكونه كان يلقن حجاج بن محمد شيخه. وله «تفسير» رواه عنه محمد بن إسماعيل الصائع. مات سنيد سنة ست وعشرين ومائتين، خرج له ابن ماجة. 201 - سهل بن إبراهيم بن سهل (¬2). ابن نوح بن عبد الله بن جمّاز (¬3). من أهل إستجّة؛ نسبه في البربر ويوالي بني أميّة، يعرف بابن العطار، كان ذكيّا فاضلا زاهدا، عالما بمعاني القرآن والحديث، بصيرا بالمذهب، حافظا للإعراب عالما بالحساب. سمع بقرطبة من أحمد بن خالد، والحسن بن سعيد، وقاسم بن أصبغ. ودخل البيرة سنة تسع عشرة وثلاثمائة، فسمع بها من محمد بن فطيس، وعثمان بن جرير، ولزم الانقباض والعبادة إلى أن توفي. قال: ولدت سنة تسع وتسعين ومائتين، وتوفي في يوم الأربعاء لست خلون من شهر رجب سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. 202 - سهل بن عبد الله [بن يونس بن عيسى بن عبد الله (¬4)] ¬

_ (¬1) الدير عاقولي: بفتح الدال المهملة وسكون الياء وبعدها الراء وبعدها العين المهملة وبعد الألف قاف ثم واو وفي آخرها اللام. نسبة الى دير العاقول، وهي قرية من أعمال بغداد (اللباب لابن الأثير 1/ 437). (¬2) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 302. تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي 191. (¬3) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: الأثير تاريخ علماء الأندلس «ابن خمار». (¬4) بياض في الأصل، أكملته عن اللباب لابن الأثير 1/ 176.

التستريّ (¬1) ................ ........... (¬2). 203 - سهل بن محمد بن محمد بن القاسم أبو حاتم السّجستانيّ (¬3). من ساكني البصرة. كان إماما في علوم القرآن واللغة والشعر، قرأ كتاب سيبويه على الأخفش مرتين، وروى عن أبي عبيدة، وأبي زيد، والأصمعيّ، وعمرو بن كركرة، وروح بن عبادة. وعنه ابن دريد وغيره. ودخل بغداد. فسئل عن قوله تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ (¬4)، ما يقال منه للواحد؟ فقال: ق، فقال: فالاثنين؟ فقال: قيا، قال: فالجميع؟ قال: قوا، قال: فاجمع لي الثلاثة، قال: ق، قيا، قوا. قال: وفي ناحية المسجد رجل جالس ومعه قماش، فقال لواحد: احتفظ بثيابي حتى أجيء، ومضى إلى صاحب الشرطة، وقال: إني ظفرت بقوم زنادقة يقرءون القرآن على صياح الدّيك، فما شعرنا حتى هجم علينا الأعوان والشّرطة، فأخذونا وأحضرونا مجلس صاحب الشرطة، فسألنا فتقدّمت إليه وأعلمته بالخبر، وقد اجتمع خلق من خلق الله، ينظرون ما يكون، فعنّفني وعذلني، وقال: مثلك ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 685، العبر 2/ 10، اللباب لابن الأثير 1/ 176، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 98. والتستري: بالتاء المضمومة وسكون السين المهملة وفتح التاء الثانية والراء المهملة. نسبة الى تستر من كور الأهواز من خوزستان (اللباب لابن الأثير 1/ 176). (¬2) بياض في الأصل، والتستري كما جاء في العبر، هو: القدوة العارف سهل بن عبد الله التستري الزاهد، له مواعظ وأحوال وكرامات، وكان من أكبر مشايخ القوم، توفي سنة 283 هـ (العبر 2/ 70). (¬3) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 58، الانساب الورقة 291، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 2، تهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 257، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 320، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 361، العبر 1/ 455، الفهرست لابن النديم 58، مرآة الجنان 2/ 156، معجم الأدباء 4/ 258، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 332، نزهة الألباء لابن حجر 189، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 150. (¬4) سورة التحريم 6.

يطلق لسانه عند العامة بمثل هذا! وعمد إلى أصحابي فضربهم عشرة عشرة، وقال: لا تعودوا إلى مثل هذا، فعاد أبو حاتم إلى البصرة سريعا، ولم يقم ببغداد، ولم يأخذ عنه أهلها. وكان أعلم الناس بالعروض واستخراج المعميّ، وكان يعدّ من الشعراء المتوسطين، وكان يعنى باللغة، وترك النحو بعد اعتنائه به، حتى كأنه نسيه، ولم يكن حاذقا فيه، وكان إذا اجتمع بالمازنيّ في دار عيسى بن جعفر الهاشميّ تشاغل، وبادر بالخروج خوف أن يسأله مسألة في النحو. وكان [جمّاعا] (¬1) للكتب يتّجر فيها، ذكره ابن حبّان في الثقات، وروى له النّسائيّ في «سننه»، والبزّار في «مسنده». وصنّف: «إعراب القرآن»، وكتاب «ما تلحن فيه العامة»، وكتاب «المقصور والمدود»، وكتاب «الأضداد»، وكتاب «القسيّ والنبال والسهام»، وكتاب «السيوف والرماح»، وكتاب «الدرع والترس»، وكتاب «اللّبأ واللبن الحليب»، وكتاب «اختلاف المصاحف»، وكتاب «القراءات»، وكتاب «الهجاء»، وكتاب «خلق الإنسان»، وكتاب «الإدغام»، وغير ذلك. وكانت وفاته في المحرم- وقيل: في رجب- سنة ثمان وأربعين ومائتين بالبصرة. ذكره ابن خلكان، ثم شيخنا في «طبقات النحاة». 204 - سيار بن عبد الرحمن النحوي ..... (¬2) له «تفسير». ¬

_ (¬1) تكملة عن: (¬2) بياض في الأصل، وقد ذكره ابن النديم ولم يزد على ذلك، وانظر الفهرست 34.

حرف الشين المعجمة

حرف الشين المعجمة 205 - شاهفور بن طاهر بن محمد الأسفراينيّ الشافعيّ أبو المظفر (¬1). الإمام الكامل، الفقيه الأصوليّ المفسر، جامع بارع. صنّف «التفسير الكبير» المشهور، وصنّف في الأصول، وسافر في طلب العلم، وحصل الكثير، وارتبطه نظام الملك بطوس فأقام بها سنين، ودرس بها سنين، ودرس بها في العلوم، وأفاد الكثير واستفاد الناس منه. وسمع الحديث من أصحاب الأصم، وأصحاب أبي علي الرفاء، وكان له اتصال مصاهرة بالأستاذ أبي منصور البغداديّ الإمام، وولد له منها النسل المبارك ومن غيرها، وكلهم كانوا وجوه أهل بلخ المشهورين المعروفين بها، والمتقدمين من علمائها وأئمتها. توفي الإمام شاهفور بطوس سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. وأنشد الإمام شاهفور لنفسه: ليس الجواد هو البذول لماله ... إن الجواد هو المحقّر للندى من غير شكر يبتغيه بجوده ... كلا ولا منّ لذاك ولا أذى وأنشد الإمام شاهفور وقال أنشدنا هلال بن العلاء: أتعجب أن يقال عليّ دين ... وقد ذهب الطريف مع التلاد ملأت يدي من الدنيا مرارا ... فما طمع العواذل في اقتصاد ولا وجبت على زكاة مال ... وهل تجب الزكاة على جواد ذكره عبد الغافر الفارسي رحمه الله تعالى. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 5/ 11 طبقات المفسرين للأدنةوي 34 أ.

حرف الصاد المهملة

حرف الصاد المهملة 206 - صالح بن عبد الله بن جعفر بن علي بن صالح الأسدي محيي الدين بن الصباغ الكوفي الحنفي (¬1). ذكره التاج عبد الباقي في «ذيل الوفيات»، فقال: كان فردا في علوم التفسير والفقه والفرائض والأدب، نادرة العراق في ذلك مع الزهد والفضل والورع، ألقى «الكشاف» دروسا من صدره ثماني مرات، مع بحث وتدقيق، وإيراد وتشكيك، وطلب لرئاسة الحنفية بالمستنصريّة فامتنع، مات سنة سبع وعشرين وله [ثمان (¬2)] وثمانون سنة. ذكره الحافظ ابن حجر في «الدرر الكامنة»، وقال: ذكره الصفدي في حرف العين المهملة، فقال. عبد الله بن جعفر إلى آخره، قال: وأظنه. وهم في ذلك، رأيته تبع الذهبي، فإنه ذكره في «سير النبلاء» كذلك، وكان قد ذكره قبل ذلك، فقال: صالح بن عبد الله إلى [آخر (¬3)] ما ذكره التاج عبد الباقي، وذكر أنه أجاز [له (¬4)] الصاغاني، وأنه تفقه وتزهد حتى صار عالم الكوفة، ومنهم من زعم أنه كان إماميا، انتهى كلامه. والتحقيق أن اسمه صالح، والله أعلم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ علماء بغداد للخطيب البغدادي 62، الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 299. (¬2) تكملة عن الدرر الكامنة لابن حجر. (¬3) تكملة عن المصدر السابق. (¬4) تكملة عن: تاريخ علماء بغداد للخطيب البغدادي.

207 - صالح بن عمر بن رسلان بن نصير قاضي القضاة علم الدين بن شيخ الإسلام سراج الدين البلقينيّ الشافعي (¬1). ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وتفقه بوالده وأخيه، وأخذ النحو عن الشطنوفيّ، والأصول عن العز بن جماعة، وسمع على أبيه جزء الجمعة للنسائي، وختم الدلائل، وغير ذلك. وحضر عند الحافظ أبي الفضل الإملاء، وتولى مشيخة الخشابيّة، والتفسير بالبرقوقيّة بعد أخيه، وتولى القضاء الأكبر سنة ست وعشرين، بعزل الشيخ ولي الدين العراقيّ، وتكرر عزله وإعادته، وتفرد بالفقه، وأخذ عن الجم الغفير، وألحق الأصاغر بالأكابر، والأحفاد بالأجداد. وألف «تفسير القرآن العظيم»، وأكمل «التدريب» لأبيه، وغير ذلك. مات سنة ثمان وستين وثمانمائة. 208 - صالح بن مزيد بن زهير أبو شعيب البخاري المفسر. 209 - صدقة بن الحسين بن أحمد بن محمد بن وزير أبو الحسن الواعظ (¬2). كان والده من المتقدّمين في الدنيا، بواسط، وترك هو ما كان عليه والده وأهله، وطلب العلم وتزهّد وسلك طريق الفقر والتجريد، وأكل الجشب (¬3) ومجاهدة النفس. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البدر الطالع للشوكاني 1/ 268، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 444، الضوء اللامع للسحاوي 3/ 312، نظم العقيان للسيوطي 119. (¬2) ورد له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 245، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 112، المنتظم لابن الجوزي 10/ 204. (¬3) في الأصل «العشب»، والمثبت في: طبقات الشافعية للسبكي وقد جاء في الحديث «أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل الجشب من الطعام» قال ابن الأثير: هو الغليظ الخشن من الطعام. وقيل: غير المأدوم. وكل بشع الطعم: جشب. النهاية لابن كثير 1/ 272.

وسمع الحديث من أبي الوقت السّجزيّ، وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي ابن (¬1) البطّيّ، وخلق كثير. وكان يعرف التفسير والفقه والأدب، وحدّث باليسير وله شعر جيد. توفّي في ذي القعدة سنة سبع وخمسين وخمسمائة. أورده ابن السبكي في «الكبرى». ¬

_ (¬1) في الأصل «والفتح محمد بن عبد الباقي وابن البطي»، الصواب في: طبقات الشافعية للسبكي.

حرف الضاد المعجمة

حرف الضاد المعجمة 210 - الضحّاك بن مزاحم الهلاليّ أبو القاسم الخراساني المفسر (¬1). يروى «تفسيره» عنه عبيد بن سليمان. والضحاك خراساني صدوق كثير الإرسال، من الطبقة الخامسة. مات بعد المائة، خرّج أحاديثه الأربعة ................. (¬2). 211 - ضرار بن عمرو القاضي (¬3) معتزلي جلد، له مقالات خبيثة. قال: يمكن [أن يكون جميع من يظهر الإسلام كفّارا في الباطن لجواز ذلك على كل فرد منهم في نفسه. قال المروزي: قال أحمد بن حنبل: شهدت على ضرار عند سعيد بن عبد الرحمن القاضي فأمر بضرب عنقه، فهرب وقيل: إن يحيى بن خالد البرمكي أخفاه. قال ابن حزم: [كان ضرار ينكر عذاب القبر (¬4)]. 212 - ضياء (¬5) بن سعيد بن محمد بن عثمان القزويني الشيخ ضياء ¬

_ (¬1) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 150، العبر للذهبي 1/ 124، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 325. (¬2) بياض في الأصل، وجاء في حاشية الأصل: «تسطر ترجمته بأبسط من هذا». (¬3) له ترجمة في: ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 328. (¬4) ما بين القوسين بياض في الأصل، أكملته عن ميزان الاعتدال للذهبي، والداودي هنا ينقل بالنص عن ميزان الاعتدال. (¬5) سقط صدر الترجمة في الأصل الى قوله: «إن أردت الخلاص من ظلمة الجهل ... » وقد أكملته عن بغية الوعاة لأن الترجمة هنا منقولة بنصها عن بغية الوعاة للسيوطي. ولضياء بن سعيد ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 309.

الدين القرمي العفيفي العلامة المتفنن، أحد العلماء الأكابر. كان إماما عالما بالتفسير، والعربية، والمعاني والبيان، والفقه والأصلين، ملازما للاشتغال والإفادة؛ حتى في حال مشيه وركوبه؛ يتوقد ذكاء، تفقه في بلاده، وأخذ عن أبيه والعضد، والبدر التستري، والخلخالي، وتقدم في العلم قديما، حتى كان الشيخ سعد الدين التفتازاني أحد من قرأ عليه، وحج قديما، فسمع من العفيف المطري. وكان يقول: أنا حنفي الأصول، شافعي الفروع؛ وكان يستحضر المذهبين، ويفتي فيهما، ويحل «الكشاف» و «الحاوي» حلا إليه المنتهى؛ حتى يظن أنه يحفظهما، ويحسن إلى الطلبة بجاهه وماله؛ مع الدين المتين، والتواضع الزائد، والعظمة، وكثرة الخير وعدم الشر. ولما قدم القاهرة استقر في تدريس الشافعية بالشيخونية ومشيخة البيبرسية، وكان اسمه عبيد الله؛ فكان لا يرضى بذلك ولا يكتبه لموافقته اسم عبيد الله بن زياد قاتل الحسين، وكانت لحيته طويلة بحيث تصل إلى قدميه، ولا ينام إلا وهي في كيس، وإذا ركب تتفرق فرقتين؛ وكان عوام مصر إذا رأوه يقولون: سبحان الخالق! فكان يقول: عوام مصر مؤمنون حقا لأنهم يستدلون بالصنعة على الصانع. أخذ عنه الشيخ عز الدين بن جماعة، والشيخ ولي الدين العراقي، وخلق. وروى عنه البرهان الحلبي، وغيره. ومات في ذي الحجة سنة ثمان وسبعمائة. ذكر ذلك ابن حجر وغيره. وكتب إليه طاهر بن حبيب: قل لرب الندى ومن طلب العل ... م مجدا إلى سبيل السواء إن إن أردت الخلاص من ظل ... مة الجهل فما تهتدي بغير الضّياء

فأجابه: قل لمن يطلب الهداية منّي ... خلت لمع السراب بركة ماء ليس عندي من الضياء شعاع ... كيف يبغى الهدى من اسم الضّياء قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى، بعد إيراد ذلك في «طبقات النجاة» له ما نصه: فائدة رأيت أن أطرّز بها هذا الكتاب، وقع في كلام الشيخ ضياء الدين هذا السابق نقله عنه آنفا إطلاق «الصانع» على الله تعالى؛ وهذا جار في ألسنة المتكلمين؛ وانتقد عليهم بأنه لم يرد إطلاقه على الله تعالى، وأسماؤه توقيفيّة. وأجاب التقي السبكي بأنه قرئ شاذّا: صنعه الله، بصيغة الماضي، فمن اكتفى في إطلاق الأسماء بورود الفعل اكتفى بمثل ذلك. وأجاب غيره بأنه مأخوذ من قوله تعالى: صُنْعَ اللَّهِ (¬1)، ويتوقف أيضا على القول بالاكتفاء بورود المصدر. وأقول: إني لأعجب للعلماء سلفا وخلفا من المحدّثين والمحقّقين، ممن وقف على هذا الانتقاد وقول القائل: إنه لم يرد، وتسليمهم له ذلك، ولم يستحضروه وهو وارد في حديث صحيح. كتب إليّ مسند الدنيا أبو عبد الله بن مقبل الحلبيّ، عن الصلاح بن أبي عمر، عن أبي الحسن بن البخاريّ عن عبد الرحيم بن عبد الرحمن الشّعريّ: أنبأنا محمد بن الفضل الفراويّ، أنبأنا الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقيّ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن أبي المعروف، أنبأنا أبو سهل الأسفراينيّ، أنبأنا أبو جعفر الحذّاء، أنبأنا عليّ بن المدينيّ، حدثنا مروان ¬

_ (¬1) من قوله تعالى في سورة النمل 88: (صنع الله الذي أتقن كل شيء).

ابن معاوية الفزاريّ، حدثنا أبو مالك، عن ربعي بن حراش (¬1)، عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله صانع كل صانع وصنعته)، هذا حديث صحيح، أخرجه الحاكم عن أبي النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه، عن عثمان بن سعيد الدارمي، عن علي بن المديني به، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم ينقده الذهبي في تلخيصه، ولا العراقي في مستخرجه، والعجب من السبكي كيف [لم (¬2)] يستحضره، وعدل إلى جواب لا يسلم له! مع حفظه؛ حتى قال ولده: إنه ليس بعد المزي والذهبي أحفظ منه، انتهى. ¬

_ (¬1) في الأصل: «جراس» تحريف، صوابه في: وهو: ربعي بن حراش بكسر المهملة العبسي، روى عن عمر، وعلي، وأبي ذر. وعنه أبو مالك الأشجعي. مات سنة مائة (خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 97). (¬2) تكملة عن بغية الوعاة للسيوطي.

حرف الطاء المهملة

حرف الطاء المهملة 213 - طلحة بن مظفر بن غانم بن محمد العلثي (¬1). الحنبلي الفقيه الخطيب المحدث الفرضي النظار، المفسر الزاهد الورع، تقي الدين أبو محمد. قرأ على علي البطائحي، والبرهان الحصري، وغيرهما. وقرأ الفقه على ناصح الإسلام أبي الفتح بن المنيّ، وسمع الحديث الكثير. وقرأ «صحيح مسلم» في ثلاث مجالس. وكان يقرأ كتاب «الجمهرة» على ابن القصار فمن سرعة قراءته وفصاحتها قال ابن القصار: هذا طلحة يحفظ هذا الكتاب. قالوا: لا. وكان يقرأ الحديث فيبكي. ويتلو القرآن في الصلاة فيبكي. وكان متواضعا لطيفا، لا يسفه على أحد فقيرا مجردا، ويرحم الفقير، ولا يخالط الأغنياء. قال الشيخ ناصح الدين بن الحنبلي: حدثني الشيخ: أن ناصح الإسلام ابن المنيّ، زار رجلا من أرباب الدنيا. قال: وكنت معه يعتمد على يدي، فرأيت في زاوية الدار صحن حلواء، فاشتهته نفسي، وخرجنا ولم يقدمه لنا. فنمت تلك الليلة، فرأيت في نومي حلواء حضرت إلي، فأكلت منها حتى شبعت، فأصبحت ونفسي لا تطلب الحلواء. وقال الحافظ المنذري: تفقه ببغداد على أبي الفتح بن المني، ويحيى بن ثابت بن بندار، وأحمد بن المبارك المرقعاني، وعبد الحق بن عبد الخالق، وشهدة، وتجنى الوهبانية، وجماعة كثيرة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 390.

وقرأ بلفظه على الشيوخ، وانقطع في آخر عمره إلى العبادة وتعليم العلم. قال ابن رجب: وسمع أيضا على أحمد بن المقرب الكرخي، وعني بالحديث، ولازم أبا الفرج بن الجوزي، وقرأ عليه كثيرا من تصانيفه. وكان أديبا شاعرا فصيحا، واشتهر اسمه، ورزق القبول من الخلق، وكثر أتباعه وانتفع به الناس. وروى عنه يوسف بن خليل وغيره. وروى عنه ابن الجوزي حكاية في «تاريخه»، وقال: حدثني طلحة بن مظفر الفقيه: أنه ولد عندهم بالعلث مولود لستة أشهر، فخرج له أربعة أضراس. قال المنذري: توفي في ثالث عشر ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بزاويته بالعاث. ودفن هناك. والعلث: بفتح المهملة وسكون اللام وبعدها مثلثة، قرية من نواحي دجيل، بين عكبرا وسامرّا (¬1). ¬

_ (¬1) سامرا: لغة في سر من رأى، مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة وقد خربت (معجم البلدان لياقوت 3/ 14).

حرف العين المهملة

حرف العين المهملة 214 - عالي بن إبراهيم بن إسماعيل أبو علي الغزنوي البلقي الحنفي (¬1). الإمام ناصر الدين الملقب بتاج الشريعة، ويلقب نظام الإسلام أيضا، صاحب فنون، إمام في التفسير، والفقه، والعربية، والأصول، والجدل. له «تفسير القرآن الكريم». في مجلدين ضخمين، سماه «تفسير التفسير» أبدع فيه، تفقه عليه عبد الوهاب بن يوسف النحاس. توفي سنة إحدى- أو اثنتين، أو سنة خمس- وثمانين وخمسمائة. ذكره القرشي في «طبقات الحنفية». 215 - عبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلّس (¬2). على مذهب داود، إليه انتهت رئاسة الداوديين في وقته: ولم ير مثله فيما بعد وكان فاضلا عالما نبيلا صادقا ثقة، مقدما عند جميع الناس ومنزله ببغداد على نهر مهدي، يقصده العالم من سائر البلدان. وتوفي لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. من تصانيفه «الموضح» «جوابات كتابات المزني» «المنجح» «المفصح» «أحكام القرآن» «الطلاق» «الولاء». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 49، الجواهر المضيئة لعبد القادر بن محمد القرشي 1/ 271. (¬2) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 9/ 385، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 821، طبقات الشيرازي 150، العبر 2/ 201، الفهرست لابن النديم 218، اللباب لابن الأثير 2/ 100، المنتظم لابن الجوزي 6/ 286، النجوم الزاهرة 3/ 259.

216 - عبد الله بن أحمد بن محمود أبو القاسم البلخيّ الحنفي (¬1). صاحب التصانيف في علم الكلام، ذكره الخطيب فقال: من متكلمي المعتزلة البغداديين، أقام ببغداد مدة طويلة، واشتهرت بها كتبه؛ ثم عاد إلى بلخ فأقام بها إلى حين وفاته، وقال: توفي في أوائل شعبان سنة تسع عشرة وثلاثمائة انتهى. وذكره النديم في «الفهرست» فقال: ويعرف بالكعبي، عالم متكلم، رئيس أهل زمانه. وكان يكتب لقائد من قواد نصر بن أحمد يعرف بابن سهل، وكان أحمد ابن سهل خلع نصر بن أحمد وأقام بنيسابور، فلما ظفر بأحمد أخذ البلخي في جملة من أخذ فاعتقل، وبلغ علي بن عيسى الوزير أمره، فأنفذ من أشخصه هذا وفي وزارة حامد بن العباس، حضر البلخي مجلس أبي أحمد يحيى بن علي الذي كان يحضره المتكلمون وهم مجتمعون، فأعظموه ورفعوه، ولم يبق أحد إلا قام إليه. ودخل يهودي وقد تكلم بعضهم في نسخ الشرع، فبلغوا إلى موضع من الكلام حكموا فيه أبا القاسم، وكان الكلام على اليهودي، فقال أبو القاسم الكلام عليك، فقال له اليهودي ما يدريك يا هذا؟ فقال له أبو القاسم: انظر يا هذا، أتعرف ببغداد مجلسا للكلام أجل من هذا؟ قال: لا، قال: أفتعلم من المتكلمين أحدا لم يحضر؟ قال: لا، قال: أفرأيت منهم أحدا لم يقم إليّ ويعظمني؟ قال: لا. قال: أفتراهم فعلوا ذلك وأنا فارغ، ثم قال: ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 31، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 9/ 384، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 271، خطط المقريزي 2/ 348، الفهرست لابن النديم 34، لسان الميزان للذهبي 3/ 255، المنتظم لابن الجوزي 6/ 238. هدية العارفين للاسماعيلي 1/ 444، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 248.

وله من الكتب «كتاب المقالات» وأضاف إليه «عيون المسائل والجوابات» فصار يعرف بكتاب «المقالات وعيون المسائل والجوابات» وكتاب «الغرر والنوادر» و «كتاب كيفية الاستدلال بالشاهد على الغائب» وكتاب «الجدل وآداب أهله وتصحيح علله» وكتاب «السنة والجماعة» وكتاب «المجالس» الكبير، وكتاب «المجالس» الصغير، وكتاب «نقض» كتاب الخليل على برغوث «وكتاب» مسائل الخجندي فيما خالف فيه أبا علي «وكتاب تأييد مقالة أبي الهذيل في الجبر» وكتاب «المضاهاة على برغوث» وكتاب «التفسير الكبير» للقرآن العظيم، وكتاب «فصول الخطاب في النقض على من تنبأ بخراسان» وكتاب «النهاية في الأصلح» على أبي علي، ونقضه عليه الصيمري، وكتاب «النقض على الرازي في العلم الإلهي». 217 - [عبد الله (¬1)] بن جعفر بن درستويه (¬2). بضم الدال والراء، وضبطهما ابن ماكولا بفتحهما، ابن المرزبان النحويّ أبو محمد أحد من اشتهر وعلا قدره، وكثر علمه. جيّد التّصنيف صحب المبرّد، ولقي ابن قتيبة، وأخذ عنه الدارقطنيّ وغيره. وكان شديد الانتصار للبصريين في النّحو واللغة، وثقه ابن منده وغيره، وضعّفه هبة الله اللّالكائيّ، وقال: بلغني أنه قيل له: حدّث عن عباس الدوريّ حديثا ونعطيك درهما، ففعل، ولم يكن سمعه منه. ¬

_ (¬1) ساقط من الأصل، والتكملة عن مصادر الترجمة. (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 113، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 233، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 9/ 428، العبر للذهبي 2/ 276، الفهرست لابن النديم 63، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 166 النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 321، نزهة الألباء لطاش كبرى زاده 283، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 247.

قال الخطيب: وهذا باطل؛ لأنه كان أرفع قدرا من أن يكذب. ولد سنة ثمان وخمسين ومائتين، ومات يوم الأحد لتسع بقين من صفر وقيل لست بقين منه سنة سبع وأربعين وثلاثمائة. صنّف «الإرشاد» في النحو، شرح «الفصيح» «الرد على المفضل في الرد على الخليل» «غريب الحديث» «المقصور والممدود» «معاني الشعر» «أخبار النحاة» «أدب الكاتب» «الهجاء» «الحيّ والميت» «التوسط بين الأخفش وثعلب في معاني القرآن» «تفسير السبع» ولم يتمه، «نقض كتاب ابن الراوندي على النحويين» «خبر قسّ بن ساعدة وتفسيره» «الأضداد» «الردّ على الفرّاء في المعاني» «جوامع العروض» «الرد على أبي زيد البلخيّ» في النحو. 218 - عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين الإمام محب الدين أبو البقاء العكبريّ البغداديّ الضّرير النحويّ الحنبلي (¬1). صاحب الإعراب، المقرئ الفقيه المفسر الفرضيّ اللغويّ، ولد ببغداد في اوائل سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. قال القفطي: أصله من عكبرا، وقرأ بالروايات على أبي الحسن البطائحيّ، وتفقه بالقاضي أبي يعلى بن الفرّاء، وأبي حكيم النهرواني، ولازمه حتى برع في المذهب والخلاف والأصول. وقرأ العربية على أبي البركات يحيى بن نجاح، وابن الخشّاب، وأخذ ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 116، البداية والنهاية لابن كثير 13/ 85، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 109، العبر 5/ 61، مرآة الجنان لليافعي 4/ 32، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 246، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 286. والعكبري: بضم العين المهملة، وسكون الكاف، وفتح الباء الموحدة، وبعدها راء، نسبة الى عكبراء، وهي بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ (وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 286).

اللغة عن ابن القصار، وحاز قصب السّبق في العربية، وصار فيها من الرؤساء المتقدمين، وقصده الناس من الأقطار، وأقرأ المذهب والنّحو واللّغة والخلاف والفرائض والحساب. وسمع الحديث من أبي الفتح بن البطّي، وأبي زرعة المقدسيّ، وأبي بكر ابن النقور، وابن هبيرة الوزير، وغيرهم. وكان صدوقا غزير الفضل كامل الأوصاف، كثير المحفوظ ديّنا، حسن الأخلاق متواضعا، وله تردّد إلى الرؤساء لتعليم الأدب. أضرّ في صباه بالجدريّ، فكان إذا أراد التصنيف أحضرت إليه مصنّفات ذلك الفنّ، وقرئت عليه فإذا حصل ما يريده في خاطره أملاه، وكان لا تمضي عليه ساعة من نهار أو ليل إلا في العلم؛ سأله جماعة من الشافعيّة أن ينتقل إلى مذهبهم، ويعطوه تدريس النحو بالنظاميّة، فقال: لو أقمتموني وصببتم عليّ الذهب حتى واريتموني ما رجعت عن مذهبي. وكان معيدا للشيخ أبي الفرج بن الجوزي في المدرسة، وقرأ عليه ابن النجار غالب تصانيفه، وهي كثيرة جدا منها «تفسير القرآن» «البيان في إعراب القرآن» في مجلدين، «إعراب الشواذ» «متشابه القرآن» «عدد الآي» «إعراب الحديث» كتاب «التعليق في مسائل الخلاف» في الفقه، «شرح الهداية لأبي الخطاب في الفقه» كتاب «المرام في نهاية الأحكام» في المذهب، كتاب «مذاهب الفقهاء» «الناهض في علم الفرائض» «بلغة الرائض في علم الفرائض» و «كتاب آخر في الفرائض» للخلفاء، «المنقع من الخطل في علم الجدل» «الاعتراض على دليل التلازم ودليل التنافي» جزء، «الاستيعاب في أنواع الحساب» «اللباب في علل البناء والإعراب» «شرح الإيضاح والتّكملة» «شرح اللمع» «التلقين في النحو» و «شرحه»، «التلخيص في النحو» «الإشارة في النحو» «تعليق

على المفصل للزمخشري» «شرح الحماسة» «غوامض الألفاظ اللغوية للمقامات الحريرية» «شرح خطب ابن نباتة» «شرح بعض قصائد رؤية» «شرح لغة الفقه» أملاه على ابن النجار الحافظ «شرح ديوان المتنبي» «أجوبة مسائل وردت من حلب» «مسائل مفرقة» «المشرق المعلم في ترتيب إصلاح المنطق على حروف المعجم» «تلخيص أبيات شعر لأبي علي» «تهذيب الإنسان بتقويم اللسان» في النحو، «الإعراب عن علل الإعراب» «الترصيف في التصريف» «لباب الكتاب» «شرح أبيات الكتاب» وغير ذلك. أخذ عنه العربية خلق كثير، وأخذ الفقه عنه جماعة، كالموفق بن صدقة، ويحيى بن يحيى الحرانيين. وسمع الحديث منه خلق كثير، وروى عنه ابن الدّبيثي، وابن النجار، والضياء، وابن الصيرفي، وبالإجازة جماعة، منهم: الكمال البزاز البغدادي. وتوفي ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر سنة ست عشرة وستمائة، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد رضي الله عنه. ومن شعره يمدح الوزير ابن القصاب: بك أضحى جيد الزّمان محلى ... بعد أن كان من علاه مخلى (¬1) لا يجاريك في نجاريك خلق ... أنت أعلى قدرا وأعلى محلا دمت تحيي ما قد أميت من الفض ... ل وتنفي فقرا وتطرد محلا ¬

_ (¬1) انباه الرواة للقفطي،

وقال القطيعي: أنشدني أبو البقاء لنفسه: صاد قلبي على العقيق غزال ... ذو نفار وصاله ما ينال (¬1) فاتر الطرف تحسب الجفن منه ... ناعسا والنعاس منه مدال 219 - عبد الله بن حنين بن عبد الله بن عبد الملك المالكي الكلابيّ (¬2). مولاهم، كنيته أبو محمد، قرطبي، يعرف بابن أخي ربيع الصباغ. سمع من الأعناقيّ، وأسلم، وأبي صالح أيوب بن سليمان، وابن لبابة، وأحمد بن خالد، وابن أيمن، وغيرهم، وأدرك ابن وضاح ولم يسمع منه. وحج آخر عمره، فسمح بمصر من محمد بن زبّان الباهلي، سمع منه بها أبو سعيد بن يونس، وأبو عمر الكندي، وغيرهما. كان معتنيا بالحديث، إماما فيه، بصيرا بعلله، حسن التأليف فيه، وله تآليف في معرفة الرجال وعلل الحديث، واختصر «مسند بقيّ بن مخلد» وكتاب «التفسير» له، وهو المبتدئ بتأليف كتاب «الاستيعاب لأقوال مالك» مجردة دون أقوال الصحابة (¬3)، الذي تممه أبو عمر المكوي، وأبو بكر المعيطيّ، وثقه أبو محمد الباجي وأثنى عليه. قال أحمد بن سعيد: كان من أهل العلم واليقين والمروءة مع هدى حسن، وسمت عجيب، لم أر مثله وقارا وحلما وسعة في الحديث ومعانيه، ¬

_ (¬1) الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب. (¬2) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 317، جذوة المقتبس للحميدي 333، الديباج المذهب لابن فرحون 139. (¬3) في الديباج المذهب: «أصحابه».

وكتب الناس عنه بالمشرق. توفي سنة ثمان عشرة، وقيل: تسع عشرة وثلاثمائة. 220 - عبد الله بن سعيد بن حصين الكنديّ الكوفيّ الحافظ (¬1). شيخ الإسلام، أبو سعيد الأشجّ، محدث الكوفة، وصاحب «التفسير» والتصانيف. حدث عن هشيم، وأبي بكر بن عياش، وعبد الله بن إدريس، وعقبة بن خالد، وخلائق. وعنه الأئمة الستة، وابن خزيمة، وأبو يعلى، وزكريا الساجي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأمم سواهم. ذكره ابن أبي حاتم فقال: هو إمام أهل زمانه. وقال محمد بن أحمد بن بلال الشّطويّ (¬2): ما رأيت أحدا أحفظ منه. وقال النسائيّ: صدوق، مات في ربيع الأول سنة سبع وخمسين ومائتين، وقد زاد على التسعين، من صغار الطبقة العاشرة. 221 - عبد الله بن سعيد بن محمد أبو محمد الشّقّاق القرطبيّ المالكي (¬3). شيخ المفتين بها في وقته، وأحد أصحاب أبي عمر بن المكوي المختصين به، تفقه به وبقرنائه، وقرأ القرآن على ابن النعمان، وسمع من أبي محمد القلعي. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 501، العبر 2/ 15. (¬2) الشطوي: بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة. نسبة الى الثياب الشطوية وبيعها، وهي منسوبة الى شطا من أرض مصر (اللباب لابن الأثير 2/ 19). (¬3) له ترجمة: بغية الملتمس للضبي 332، ترتيب المدارك للقاضي عياض 4/ 729، الديباج المذهب لابن فرحون 139، الصلة لابن بشكوال 1/ 258، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 420.

قال أبو مروان: كان أحد علماء الأندلسيين من النحارير المبرزين في الفقه والحفظ، والحذق بالفتوى والشروط والفرائض، والحساب. إماما في القراءات والتفسير، مشاركا في الأدب والعربية والخبر، وانفرد هو وصاحبه أبو محمد بن دحون برياسة العلم بقرطبة، وكانا خليلي صفاء. قال أبو حيان: وكانا يرخصان في السماع، وقد ذكره الداني في «طبقات القراء» فقال: كان مقرئا، أقرأ في مسجده بقرطبة زمانا. مات في آخر- رمضان سنة [ست] (¬1) وعشرين وهو ابن إحدى وثمانين سنة، مولده سنة ست وأربعين وثلاثمائة (¬2). 222 - عبد الله بن سليمان بن الأشعث (¬3). ابن إسحاق بن بشير (¬4) بن عمرو بن عمران الأزدي السّجستاني أبو بكر بن أبي داود. ولد بإقليم سجستان سنة ثلاثين ومائتين، وسمع سنة أربعين باعتناء أبيه ولذكائه، بخراسان، والجبال، وأصبهان، وفارس، والبصرة، وبغداد، والكوفة، ومكة، والشام، ومصر، والجزيرة، والثغور من علي بن خشرم (¬5) المروزيّ، وأبي داود سليمان بن معبد، وسلمة بن شبيب، ومحمد بن يحيى ¬

_ (¬1) تكملة عن: ترتيب المدارك، والصلة. (¬2) في الأصل: «مولده سنة تسع وأربعمائة»، والمثبت في مصادر الترجمة. (¬3) له ترجمة في: تاريخ أصبهان 2/ 66، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 9/ 464، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 767، الرسالة المستطرفة للكتاني 46، طبقات الحنابلة 2/ 51، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 307، طبقات العبادي 60، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 420، العبر للذهبي 2/ 164، الفهرست لابن النديم 232، لسان الميزان 3/ 293، مرآة الجنان لليافعي 2/ 269، المنتظم لابن الجوزي 6/ 218، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 433، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 222. (¬4) في الأصل: «ابن كثير»، والمثبت في: تاريخ بغداد، وتذكرة الحفاظ، وطبقات الشافعية. (¬5) خشرم، كجعفر. أنظر القاموس (خ ش ر م).

الذّهليّ، وأحمد بن الأزهر النيسابوري، وإسحاق بن منصور الكوسج، ومحمد ابن بشّار بندار، ومحمد بن المثنى، وعمرو بن علي، ونصر بن علي، وإسحاق ابن إبراهيم النهشلي، وزياد بن أيوب، ويعقوب الدّورقيّ، ويوسف بن موسى القطان، وأحمد بن صالح، وأبي طاهر بن السّرح، ومحمد بن سلمة المرادي، وخلق كثير. وروى عنه أبو بكر بن مجاهد المقرئ، وعبد الباقي بن قانع، ودعلج بن أحمد، وابن المظفّر، والدارقطنيّ، وأبو عمر بن حيويه، وأبو أحمد الحاكم، وأبو حفص بن شاهين، وأبو القاسم بن حبابة، وعيسى بن الوزير، وأبو طاهر المخلّص، ومحمد بن عمر بن زنبور، وأبو مسلم الكاتب، وجماعة كثيرة جدا، وبرع وساد الأقران. قال الخطيب: رحل به أبوه من سجستان، فطوّف به شرقا وغربا، يسمع ويكتب، واستوطن بغداد. وصنّف «المسند» و «السنن» و «التفسير» و «القراءات» و «الناسخ والمنسوخ» و «المصاحف» و «المصابيح» في الحديث، و «نظم القرآن» و «فضائل القرآن» و «شريعة التفسير» و «شريعة القارئ» و «البعث والنشور» وغير ذلك، وكان فقيها عالما حافظا. قال عبد الله بن أبي داود: دخلت الكوفة ومعي درهم، فاشتريت به مدّا باقلّاء فكنت آكل منه وأكتب عن الأشجّ، فما فرغ الباقلاء حتى كتبت عنه ثلاثة آلاف حديث، ما بين مقطوع، ومرسل. وقال أبو بكر بن شاذان: قدم ابن أبي داود أصبهان أو قال سجستان، فسألوه أن يحدّثهم، فقال: ما معي أصل، فقالوا: ابن أبي داود وأصل؟ قال: فأثاروني فأمليت عليهم من حفظي ثلاثين ألف حديث، فلما قدمت

بغداد، قال البغداديون: مضى إلى سجستان، ولعب بهم، ثم فيّجوا فيجا (¬1)، اكتروه بستة دنانير إلى سجستان، ليكتب لهم النسخة، فكتبت وجيء بها، وعرضت على الحفاظ، فخطّئوني في ستة أحاديث، ثلاثة منها حدّثت بها كما لو كنت حدّثت، وثلاثة أخطأت فيها. وقال أبو بكر الخلال: كان ابن أبي داود أحفظ من أبيه. وقال صالح بن أحمد الهمذانيّ: كان ابن أبي داود إمام أهل العراق، ونصب له السلطان المنبر، وكان في وقته بالعراق مشايخ أسند منه، فلم يبلغوا في الآلة والاتقان ما بلغ هو. وقال ابن شاهين: أملى علينا ابن أبي داود، وما رأيت بيده كتابا، إنما كان يملي حفظا، وكان يقعد على المنبر بعد ما عمي ويقعد دونه بدرجة، ابنه بيده كتاب فيقول له: حديث كذا، فيسرده من حفظه، حتى يأتي على المجلس، قرأ علينا يوما حديث القنوت من حفظه فقام أبو تمام الزينبيّ وقال: لله درك، ما رأيت مثلك إلا أن يكون إبراهيم الحربيّ، فقال: كل ما كان يحفظ إبراهيم الحربي فأنا أحفظه، وأنا أعرف النجوم وما كان يعرفها، وكان يتقلد لأحمد بأخرة. وقال محمد بن عبيد الله بن الشخير: كان ابن أبي داود زاهدا ناسكا، صلّى عليه يوم مات نحو ثلاثمائة ألف إنسان. ومات في ذي الحجة سنة عشر وثلاثمائة، وله سبع وثمانون سنة، وصلّي عليه ثمانين مرة، رحمه الله وإيانا. 223 - عبد الله بن طلحة بن محمد أبو بكر اليابريّ (¬2). ¬

_ (¬1) الفيج: الجماعة من الناس. القاموس (ف ي ج). (¬2) له ترجمة في: نفح الطيب للمقري 2/ 648، نيل الابتهاج 131.

نزيل إشبيلية، كان ذا معرفة بالفقه والأصول والنحو والتفسير، خصوصا التفسير. روى عن أبي الوليد الباجيّ وقرأ عليه الزّمخشريّ بمكة «كتاب سيبويه» وشرح «رسالة ابن أبي زيد»، ورد على ابن حزم. واستوطن مصر مدّة وحج، فمات بمكة سنة ثماني عشرة وخمسمائة. 224 - عبد الله بن عباس بن هاشم بن عبد مناف أبو العباس الهاشميّ المكي (¬1). ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن جماعة من الصحابة. روى عنه سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيّب، وعبيد الله بن عتبة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وجماعة من التابعين. مات بالطائف سنة ثمان، ويقال سنة تسع وستين. قال يحيى بن بكير: قال ابن عباس: ولدت قبل الهجرة بثلاث، وتوفي النبي صلّى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث عشرة. له «تفسير» رواه عنه مجاهد، ورواه عن مجاهد، حميد بن قيس. 225 - عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عقيل القرشي الهاشمي العقيليّ (¬2). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 1/ 173، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 40، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 172، طبقات القراء للذهبي 1/ 41، العبر 1/ 76، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 1/ 182. (¬2) له ترجمة في: البدر الطالع للشوكاني 1/ 386، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 537، الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 372، طبقات الشافعية للاسنوي 198، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 91 ب، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 428، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 334، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 109، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 100.

الهمذانيّ الأصل، ثم البالسيّ المصريّ، قاضي القضاة، بهاء الدين بن عقيل الشافعيّ. نحويّ الديار المصرية. قال الحافظ ابن حجر والصّفدي: ولد يوم الجمعة تاسع المحرم سنة ثمان وتسعين وستمائة، وأخذ القراءات عن التقيّ الصائغ، والفقه عن الزّين الكتانيّ (¬1)، ولازم العلاء القونويّ في الفقه والأصلين والخلاف والعربية والمعاني والتفسير والعروض، وبه تخرّج وانتفع، ثم لازم الجلال القزوينيّ وأبا حيان، وتفنّن في العلوم، وسمع من الحجّار، ووزيرة، وحسن بن عمر الكرديّ، والشرف بن الصابوني، والواني، وغيرهم. وناب في الحكم عن القزوينيّ بالحسينية، وعن العز بن جماعة بالقاهرة، فسار سيرة حسنة، ثم عزل لواقع وقع منه في حق القاضي موفق الدين الحنبلي في بحث، فتعصّب صرغتمش له، فولي القضاء الأكبر، وعزل ابن جماعة، فكانت ولايته ثمانين يوما، وكان قوي النفس، يتيه على أرباب الدولة وهم يخضعون له، ويعظمونه. ودرّس بالقطبية العتيقة، والخشابيّة، والجامع الناصريّ بالقلعة، وولي درس التفسير بالجامع الطولونيّ بعد شيخه أبي حيّان. قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته»: وختم به القرآن تفسيرا في مدّة ثلاث وعشرين سنة ثم شرع في أول القرآن بعد ذلك فمات في أثناء ذلك. قال الإسنويّ في «طبقاته»: وكان إماما في العربية والبيان، ويتكلم في الأصول والفقه كلاما حسنا، وكان غير محمود التصرفات المالية، حاد الخلق، جوادا مهيبا، لا يتردد إلى أحد. ¬

_ (¬1) في الأصل: «الكتناني».

ولما تولى جاءه ابن جماعة فهنأه ثم راح إليه هو بعد ذلك، وجلس بين يديه، وقال: أنا نائبك، وعرف الناس في مدة ولايته اللطيفة مقدار ما بينه وبين ابن جماعة. انتهى. وقال غيره: ما أنصف الشيخ جمال الدين الإسنوي ابن عقيل، وفي كلامه تحامل عليه، لأن ابن عقيل كان لا ينصفه في البحث في مجلس أبي حيان، وربما خرج عليه. وله تصانيف: منها «التفسير» وصل فيه إلى أواخر سورة آل عمران، وله آخر مختصر لم يكمله سماه «بالتعليق الوجيز على الكتاب العزيز» و «مختصر الشرح الكبير» و «الجامع النفيس» في الفقه، جامع للخلاف والأوهام الواقعة للنووي وابن الرّفعة وغيرهما، مبسوط جدا، لم يتم، و «المساعد في شرح التسهيل» وأملى عليه مثلا، وعلى الألفية «شرحا» أملاه على أولاد قاضي القضاة جلال الدين القزويني، وله كتاب مطول على «مسألة رفع اليدين» ثم لخصه في كراس واحد، و «رسائل» على قول: أنا مؤمن إن شاء الله. قرأ عليه شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، وتزوج بابنته فأولدها قاضي القضاة جلال الدين، وأخاه بدر الدين. روى عنه سبطه جلال الدين، والجمال بن ظهيرة، والشيخ ولي الدين العراقي. ومات بالقاهرة ليلة الأربعاء ثالث عشري ربيع الأول سنة تسع وستين وسبعمائة، ودفن بالقرب من الإمام الشافعي رضي الله عنه.

ومن شعره: قسما بما أوليتم من فضلكم ... للعبد عند قوارع الأيام (¬1) ما غاص ماء وداده وثنائه ... بل ضاعفته سحائب الإنعام 226 - عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام بن عبد الصمد التميمي الدارمي السمرقندي (¬2). الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو محمد، صاحب «المسند» العالي الذي في طبقة «منتخب مسند» عبد بن حميد. سمع بالحرمين، ومصر، والشام، والعراق، وخراسان، وحدّث عن يزيد ابن هارون، ويعلى بن عبيد، وجعفر بن عون، والأسود بن عامر، وأبي المغيرة الحمصي، وأبي علي الحنفي، والفريابي (¬3)، ومروان بن محمد، ويحيى ابن حسان التنيسي، والنّضر بن شميل، وأبي النضر هاشم بن القاسم، ووهب بن جرير، وعثمان بن عمر بن فارس، وحبان بن هلال، وزيد بن يحيى الدمشقي، وسعيد بن عامر الضّبعي، وسعيد بن أبي مريم، وأبي عاصم، وخلق كثير. حدث عنه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وبقي بن مخلد، وأبو زرعة، وصالح جزرة، والبخاري فيما رواه عنه الترمذي في «جامعه»، ومطيّن، وخلائق. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 534، تهذيب التهذيب لابن حجر 5/ 294، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 173، الرسالة المستطرفة للكتاني 32، العبر للذهبي 2/ 8، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 22. (¬2) هو أبو عبد الله محمد بن يوسف الفريابي الحافظ، أكثر عن الأوزاعي والثوري. أدركه البخاري، ورحل اليه الإمام أحمد فلم يدركه، توفي سنة 212 هـ (العبر للذهبي 1/ 363). (¬3) بضم الضاد وفتح الباء الموحدة وفي آخرها عين مهملة. نسبة الى ضبيعة بن قيس بن ثعلبة (اللباب لابن الأثير 2/ 70).

قال عبد الصمد بن سليمان البلخيّ: سألت أحمد بن حنبل عن يحيى الحماني، فقال تركناه لقول عبد الله بن عبد الرحمن، لأنه إمام. وقال إسحاق بن داود السمرقندي: قدم قريب لي، فقال: أتيت أحمد ابن حنبل فقال لي: أين أنت عن عبد الله بن عبد الرحمن، عليك بذاك السيد. وقال نعيم بن ناعم: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: غلبنا عبد الله بن عبد الرحمن بالحفظ والورع. وقال إسحاق بن إبراهيم الوراق: سمعت محمد بن عبد الله المخرمي (¬1) يقول: يا أهل خراسان ما دام عبد الله بن عبد الرحمن بين أظهركم فلا تشتغلوا بغيره، قال: وسمعت أبا سعيد الأشج يقول: هذا إمامنا، وسمعت عثمان بن أبي شيبة يقول: أمر عبد الله أظهر من ذاك فيما يقولون، من البصر والحفظ وصيانة النفس عافاه الله. وقال بندار: حفاظ الدنيا أبو زرعة، والبخاري، والدارمي، ومسلم. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: عبد الله بن عبد الرحمن إمام أهل زمانه. وقال أبو حامد بن الشرقي: إنما أخرجت خراسان من أئمة الحديث خمسة، فذكر منهم عبد الله بن عبد الرحمن. وقال محمد بن إبراهيم الشيرازي: كان الدارمي على غاية من العقل والديانة، ممن يضرب به المثل في الحلم، والدراية والحفظ، والعبادة ¬

_ (¬1) في الأصل: «المخرومي»، تحريف، صوابه في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، والعبر. وهو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي الحافظ، روى عن وكيع وطبقته، وولي قضاء حلوان، مات سنة 254 هـ. (العبر 2/ 6). والمخرمي: بفتح الميم وسكون الخاء وفتح الراء وفي آخرها ميم، نسبة الى مخرمة بن نوفل القرشي (اللباب لابن الأثير 3/ 109).

والزهادة، أظهر علم الآثار بسمرقند، وكان مصنفا (¬1) كاملا، وفقيها عالما. وقال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين، وأهل الورع في الدين، ممن حفظ وجمع، وتفقه وصنف، وحدث، وأظهر السنة في بلده، ودعا إليها، وذب عن حريمها، وقمع من خالفها. وقال الخطيب أبو بكر البغدادي: كان أحد الحفاظ والرحالين، موصوفا بالثقة والزهد والورع، استقضي على سمرقند، وألح عليه السلطان حتى ولي، وقضى قضية واحدة، ثم استعفى فأعفى، وكان على غاية العقل ونهاية الفضل، يضرب به المثل في الديانة والحفظ والرزانة، والاجتهاد والعبادة، والزهادة والتقلل. صنف «المسند» و «التفسير». قال إسحاق الوراق: سمعت الدارمي يقول: ولدت في سنة مات ابن المبارك سنة إحدى وثمانين ومائة. وقال أحمد بن سيار: مات في سنة خمس وخمسين ومائتين يوم التروية، ودفن يوم عرفة يوم الجمعة، وهو ابن خمس وسبعين سنة. وكذا أرخ موته غير واحد وغلط من قال وفاته سنة خمسين. قال إسحاق بن خلف: كنا عند محمد بن إسماعيل البخاري، فورد عليه كتاب فيه نعي الدارمي، فنكس رأسه ثم رفع واسترجع، وجعل تسيل دموعه على، [خديه (¬2)] ثم أنشأ يقول شعرا: ¬

_ (¬1) في تهذيب التهذيب لابن حجر: «وكان مفسرا». (¬2) تكملة عن: تهذيب التهذيب لابن حجر.

إن تبق تفجع بالأحبة كلهم ... وبقاء نفسك لا أبا لك أفجع (¬1) 227 - عبد الله بن عبد الكريم بن هوازن الإمام أبو سعد بن القشيري النيسابوري (¬2). كان أكبر أولاد الشيخ، وكان كبير الشأن في السلوك والطريقة ذكيا غزير العربية. قال السّمعاني: كان رضيع أبيه في الطريقة وفخر ذويه على الحقيقة، ثم بالغ في تعظيمه في التصوف، والأصول، والمناظرة، والتفسير، واستغراق الأوقات في العبادة والمراقبة. روى عن أبي بكر الحيريّ، وأبي سعيد الصّيرفيّ. وقدم بغداد مع والده فسمع من القاضي أبي الطيّب الطبريّ وغيره. وكان والده يعامله معاملة الأقران، ويحترمه لما يراه عليه من الطريقة الصالحة. روى عنه ابن أخته عبد الغافر بن إسماعيل الفارسيّ، وعبد الله الفراويّ، وآخرون. ولد سنة أربع عشرة وأربعمائة، ومات في سادس ذي القعدة سنة سبع وسبعين وأربعمائة، قبل أمّه السيدة الطاهرة فاطمة بنت الأستاذ أبي علي الدقّاق بأربع سنين. 328 - عبد الله بن عطية بن عبد الله بن حبيب، أبو محمد الدمشقي (¬3). ¬

_ (¬1) تهذيب التهذيب لابن حجر 5/ 296. (¬2) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 453 ب، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 68، العبر للذهبي 3/ 287. (¬3) ترجم له الذهبي في: تذكرة الحفاظ 3/ 1017، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 433، طبقات القراء للذهبي 1/ 281، طبقات المفسرين للسيوطي 15، وطاش كبرى زادة في مفتاح السعادة 2/ 106.

المقرئ المفسّر العدل، إمام ثقة. أخذ القراءة عرضا وسماعا عن جعفر بن حمدان بن سليمان، والحسن ابن حبيب ومحمد بن النضر الأخرم، وجعفر بن داود النيسابوري، وحدّث عن ابن جوصا وغيره. روى القراءة عنه علي بن داود الداراني، وعبد الله بن سلمة المكتب، وغيرهما وكان ثقة ضابطا خيرا فاضلا. قال عبد العزيز الكتاني: كان يحفظ خمسين ألف بيت شعر في الاستشهاد على معاني القرآن. روى عنه أبو محمد بن أبي نصر، وطرفة الحرستانيّ (¬1)، وعبد الله بن سوار العنسيّ، وأبو نصر بن الحباب، وآخرون. وكان إمام مسجد الجابية، وهو المسجد الذي داخل الباب، ويعرف اليوم بمسجد عطية. مات في شوال سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. 229 - عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيّان (¬2). بفتح المهملة بعدها تحتانية، الإمام الحافظ مسند زمانه، أبو محمد المعروف بأبي الشيخ الأصبهاني، صاحب المصنفات السائرة. ولد سنة أربع وسبعين ومائتين، وسمع في سنة أربع وثمانين وهلم جرا، وكتب العالي والنازل، ولقي الكبار، سمع من جدّه لأمّه الزاهد محمود بن الفرج (¬3)، وإبراهيم بن سعدان، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن حفص ¬

_ (¬1) في الأصل: «الخراساني»، تحريف. صوابه في: طبقات القراء للذهبي، وطبقات القراء لابن الجزري، وطبقات المفسرين للسيوطي. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 945، الرسالة المستطرفة للكتاني 1/ 38، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 447، العبر للذهبي 2/ 351، اللباب لابن الأثير 1/ 331، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 136. (¬3) في الأصل: «محمود بن الفرج بن إبراهيم بن سعدان». تحريف، صوابه في: تذكرة الحفاظ للذهبي.

الهمذانيّ، رئيس أصبهان، ومحمد بن أسد المدينيّ، وأحمد بن محمد بن علي الخزاعيّ، وأبي بكر بن أبي عاصم، وإسحاق بن إسماعيل الرّمليّ، وأبي خليفة الجمحيّ، وأحمد بن الحسن الصّوفيّ، وأبي يعلى الموصليّ، وأبي عروبة الحراني، وكان مع سعة علمه وغزارة حفظه صالحا خيرا قانتا لله صدوقا. حدّث عنه أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشّيرازيّ، وأبو بكر بن مردويه، وأبو سعد المالينيّ، وأبو نعيم، ومحمد بن علي بن سمّويه المؤدب، وسليمان بن حسنكويه، وحفيده محمد بن عبد الرزاق بن أبي الشيخ، والفضل بن محمد القاسانيّ، وأبو طاهر بن عبد الرحيم الكاتب، وخلق كثير. قال ابن مردويه: ثقة مأمون، صنّف «التفسير» والكتب الكثيرة في الأحكام وغير ذلك. وقال أبو بكر الخطيب: كان حافظا ثبتا متقنا، وروى عن بعض العلماء قال: ما دخلت على الطبرانيّ إلا وهو يمزح أو يضحك، وما دخلنا على أبي الشيخ إلا وهو يصلي. قال أبو نعيم: كان أحد الأعلام. وصنّف «الأحكام» و «التفسير»، وكان يفيد عن الشيوخ ويصنّف لهم ستين سنة، وكان ثقة. وروى عنه أبو بكر بن المقرئ وقال: أخبرنا عبد الله بن محمد القصير. وعن يوسف بن خليل الحافظ قال: رأيت في النوم كأني دخلت مسجد الكوفة فرأيت شيخا طوالا لم أر شيخا أحسن منه، فقيل لي: هذا أبو محمد ابن حيان، فتبعته وقلت له: أنت أبو محمد بن حيان؟ قال: نعم. قلت:

أليس قد متّ؟ قال: بلى؛ قلت: فبالله ما فعل الله بك؟ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ (¬1) الآية. فقلت: أنا يوسف بن خليل، جئت لأسمع حديثك وأحصل كتبك، فقال: سلمك الله وفقك الله. ثم صافحته فلم أر شيئا قط ألين من كفه، فقبلتها ووضعتها على عيني. قال أبو نعيم: توفي في سلخ المحرم سنة تسع وستين وثلاثمائة. 230 - عبد الله بن عمر بن محمد بن علي أبو الخير قاضي القضاة ناصر الدين البيضاويّ (¬2). كان إماما علامة، عارفا بالفقه والتفسير والأصلين والعربية والمنطق، نظّارا صالحا متعبّدا زاهدا شافعيا. صنّف «مختصر الكشّاف» «المنهاج في الأصول»؛ «شرحه» أيضا، «مختصر ابن الحاجب في الأصول» «شرح المنتخب في الأصول» للإمام فخر الدين، «شرح المطالع» في المنطق، «الإيضاح» في أصول الدين، «الغاية القصوى» في الفقه، «الطوالع» في الكلام، «شرح الكافية» لابن الحاجب، «شرح المصابيح» وغير ذلك. ولي قضاء القضاة بشيراز، ودخل تبريز، وناظر بها، وصادف دخوله إليها مجلس درس قد عقد بها لبعض الفضلاء، فجلس القاضي ناصر الدين في أخريات القوم، بحيث لم يعلم به أحد، فذكر المدرّس نكتة زعم أن أحدا من الحاضرين لا يقدر على جوابها، وطلب من القوم حلها، والجواب عنها، ¬

_ (¬1) الآية 74 من سورة الزمر. (¬2) أنظر ترجمته في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 309، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 157، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 60 ب، مرآة الجنان لليافعي 4/ 220، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 103، هدية العارفين لاسماعيل باشا البغدادي 1/ 462، 463.

فإن لم يقدروا فالحلّ فقط، فإن لم يقدروا فإعادتها، فلما انتهى من ذكرها، شرع القاضي ناصر الدين في الجواب، فقال له لا أسمع حتى أعلم أنك فهمتها، فخيّره بين إعادتها بلفظها أو معناها، فبهت المدرّس، وقال: أعدها بلفظها فأعادها، ثم حلها وبيّن أن في تركيبه إياها خللا، ثم أجاب عنها، وقابلها في الحال بمثلها، ودعا المدرّس إلى حلها، فتعذرت عليه، فأقامه الوزير من مجلسه، وأدناه إلى جانبه، وسأله من أنت؟ فأخبره أنه البيضاويّ، وأنه جاء في طلب القضاء بشيراز، فأكرمه، وخلع عليه في يومه، ورده وقضيت حاجته. مات سنة خمس وثمانين وستمائة بتبريز، كذا ذكره الصفديّ. وقال ابن السبكيّ: سنة إحدى وتسعين. 231 - عبد الله بن فرج بن غزلون اليحصبيّ (¬1). يعرف بابن الغسّال؛ أبو محمد، الطليطليّ الأصل، الغرناطيّ الموطن. قال في «تاريخها»: كان فقيها جليلا، زاهدا مفنّنا، فصيحا لسنا، الأغلب عليه حفظ الحديث والآداب والنحو، عارفا بالتفسير، [شاعرا] (¬2) مطبوعا، فذّا في وقته، غريب الجود، ظرفا في الخير والزّهد والورع، له في كل علم سهم، وله في الوعظ تواليف، وأشعار في الزهد. أقرأ في الفقه والتفسير، وألف، ووعظ الناس بجامع غرناطة. وروى عن: أبي عمر بن عبد البرّ، ومكيّ بن أبي طالب، وأبي الوليد الباجيّ. ومات يوم الاثنين لعشر خلون من شهر رمضان سنة سبع وثمانين وأربعمائة عن نيّف وثمانين سنة، ودفن من الغد، وكان له يوم مشهود، حشر إليه الناس رجالا ونساء. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 1/ 276. (¬2) تكملة عن: الصلة لابن بشكوال.

232 - عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظليّ التميمي (¬1). مولاهم، أبو عبد الرحمن المروزيّ، أحد الأئمة الأعلام، ثقة ثبت، فقيه عالم، جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير. روى عن حميد الطويل، وحسين المعلم، وسليمان التيمي، وخلق. وعنه معمر، والسفيانان وهم من شيوخه، وفضيل بن عياض، وحفص ابن سليمان الضّبعيّ، ويحيى القطان، والوليد بن مسلم، وخلق. قال ابن عديّ: الأئمّة أربعة، سفيان ومالك، وحماد بن زيد، وابن المبارك. وقال أحمد: لم يكن في زمن ابن المبارك أطلب للعلم منه، وكان صاحب حديث حافظا. وقال ابن معين: ما رأيت من يحدّث لله إلا ستة، منهم ابن المبارك، وكان ثقة عالما متثبتا صحيح الحديث، وكانت كتبه التي حدث بها عشرين ألف. مات بهيت (¬2) منصرفا من الغزو، سنة إحدى وثمانين ومائة، وله ثلاث وستون سنة، أخرج له الجماعة. وله من الكتب «السنن»، و «التفسير»، و «التاريخ»، و «الزهد». وترجمته تحتمل أكثر من هذا. 233 - عبد الله بن المبارك الدّينوريّ. له التفسير المعروف «بالواضح». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ 1/ 274، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 281، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني 8/ 162، الديباج المذهب لابن فرحون 130، العبر 1/ 280، الفهرست لابن النديم 228، اللباب لابن الأثير 1/ 334، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 103. (¬2) هيث: بلدة على الفرات فوق الأنبار (معجم البلدان لياقوت الحموي).

234 - عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ النحويّ اللغويّ (¬1). الكاتب: نزيل بغداد، قال الخطيب: كان رأسا في العربيّة واللغة والأخبار وأيّام الناس، ثقة ديّنا فاضلا. ولي قضاء الدّينور، وحدث عن إسحاق بن راهويه، وأبي حاتم السّجستانيّ، وعنه ابنه القاضي أحمد، وابن درستويه. وقال البيهقيّ: كان كرّاميّا. وقال الدارقطنيّ: كان يميل إلى التشبيه واستبعد، بأن له مؤلفا في الردّ على المشبهة. وقال الحاكم: أجمعت الأمة على أنه كذاب. وقال الذهبيّ: ما علمت أحدا اتهم القتيبيّ في نقله؛ مع أن الخطيب قد وثّقه، وما أعلم الأمة أجمعت إلا على كذب الدجال، ومسيلمة. صنّف: «إعراب القرآن»، «معاني القرآن»، «مختلف الحديث»، «جامع النحو»، «الخيل»، «ديوان الكتّاب»، «خلق الإنسان»، «دلائل النبوة»، «الأنواء»، «مشكل القرآن»، «غريب القرآن»، «غريب الحديث»، «إصلاح غلط أبي عبيد»، «جامع النحو الصغير»، «المسائل والأجوبة»، «القلم»، «الجوابات الحاضرة»، «طبقات الشعراء»، «الرد على القائل بخلق القرآن»، وأشياء أخر. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 143، الأنساب للسمعاني الورقة 443، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 48، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 10/ 170، تذكرة الحفاظ 2/ 631، روضات الجنات 447، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 52، العبر 2/ 56، الفهرست لابن النديم 77، اللباب 2/ 242، لسان الميزان للذهبي 2/ 357، مرآة الجنان لليافعي 2/ 191، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 503، النجوم الزاهرة 3/ 75، نزهة الألباء 209، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 246. وفي حواشي نزهة الألباء للأنباري، مراجع أخرى لترجمة عبد الله بن مسلم.

ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين، واتفق أنه أكل هريسة فأصابه حرارة فبقي إلى الظهر، ثم اضطرب ساعة ثم هدأ، وما زال يتشهّد إلى السّحر؛ فمات وذلك في سنة سبع وستين. 235 - عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خواستي (¬1). أبو بكر الحافظ. العديم النظير، الثبت النحرير، العبسي مولاهم، الكوفيّ. صاحب «المسند» و «المصنف» وغير ذلك. سمع من شريك القاضي، وأبي الأحوص، وابن المبارك، وابن عيينة، وجرير بن عبد الحميد، وطبقتهم. وعنه أبو زرعة، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة، وأبو بكر ابن أبي عاصم، وبقيّ بن مخلد، والبغويّ، وجعفر الفريابيّ، وأمم سواهم. قال الإمام أحمد: أبو بكر صدوق، هو أحبّ إليّ من أخيه عثمان. وقال العجلي: ثقة حافظ. وقال الفلاس: ما رأيت أحفظ من أبي بكر ابن أبي شيبة. وكذا قال أبو زرعة الرازي. وقال أبو عبيد: انتهى علم الحديث إلى أربعة: فأبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له، وأحمد أفقههم فيه، وابن معين أجمعهم له، وابن المديني أعلمهم به. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 10/ 315، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 10/ 66، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 432، الرسالة المستطرفة للكتاني 40، العبر للذهبي 1/ 421، الفهرست لابن النديم 229، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 282.

وقال صالح بن محمد: أعلم من أدركت بالحديث وعلله، علي بن المدينيّ، وأحفظهم له عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة. وقال الخطيب: كان أبو بكر متقنا حافظا. صنّف: «المسند» و «الأحكام» و «التفسير» و «السنن» و «التاريخ» و «الفتن» و «صفين»، و «الجمل»، و «الفتوح». قال البخاريّ: مات في المحرم سنة خمس وثلاثين ومائتين. 236 - عبد الله بن محمد بن حسن بن عبد الله بن عبد الملك (¬1). الحافظ الثبت العلامة، أبو محمد الكلاعيّ، مولاهم، القرطبيّ الأندلسيّ، المعروف بابن أخي رفيع الصائغ. روى عن محمد بن وضاح، ومحمد بن عبد السلام، وطبقتهما، وقد أدركهما. وسمع من عبيد الله بن يحيى، والأعناقي، وطائفة، وكان بصيرا بالرجال والعلل. اختصر «مسند بقيّ» و «تفسيره» وجوّد، وله تصانيف نافعة. مات في آخر سنة ثمان عشرة وثلاثمائة. 237 - عبد الله بن محمد بن سفيان الخزّار النحويّ أبو الحسن (¬2). أخذ عن المبرّد وثعلب وغيرهما، وخلط المذهبين. وكان معلّما في دار الوزير أبي الحسن عليّ بن عيسى بن الجرّاح. وصنّف: «معاني القرآن» له، وله من الكتب أيضا: «المختصر في ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 891. (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 135، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 10/ 123، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 46، الفهرست لابن النديم 82.

النحو» «المقصور والممدود»، «المذكر والمؤنث»، «الفسيح» (¬1) في علم اللغة ومنظومها وغير ذلك. مات يوم الثلاثاء لليلة بقيت من ربيع الأوّل سنة خمس وعشرين وثلاثمائة. 238 - عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو عبد الله الخشنيّ (¬2). المالكي. المعروف بابن أبي جعفر، شيخ فقهاء وقته بشرق الأندلس، وأحفظهم للمذهب، مع المعرفة بالتفسير لكتاب الله تعالى، والتفنن في المعارف، والمشاركة في علوم. سمع أباه، وأبا القاسم الطرابلسيّ، وأبا الوليد الباجي، وابن سعدون القرويّ، وهشام بن وضاح. ولقي فقهاء طليطلة وقرطبة، أبا المطرف بن سلمة، وأبا جعفر بن رزق، وأبا الحسن بن حمديس، وغيرهم. وحجّ، فسمع بمكة من أبي عبد الله الطبريّ «كتاب مسلم». توفي بمرسية لثلاث خلون من شهر رمضان في سنة ست وعشرين وخمسمائة، ومولده سنة سبع وأربعين وأربعمائة. 239 - عبد الله بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن الكرجي أبو محمد (¬3). إمام مرجوع إليه مقبول القول فقيه مناظر مفسّر. صنّف في التفسير «مجموعا» كبيرا، وكان يحفظ الفقه، ويكرر عليه على كبر السن. ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، والفهرست لابن النديم. وفي انباه الرواة للقفطي: كتاب في علم اللغة ومنظومها. (¬2) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 324، الصلة لابن بشكوال 1/ 284. (¬3) له ترجمة في: تاريخ قزوين للرافعي 378.

وسمع الحديث من أبيه، ومن السيد أبي حرب، وغيرهما. وأجاز له كثير من الأئمة، منهم الشيخ أبو سعد الحصيريّ. وتوفي سنة سبع وسبعين وخمسمائة بهمذان، ونقل إلى قزوين. ذكره الرافعي في «تاريخ قزوين». 240 - عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن متّ شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهرويّ (¬1). الحافظ العارف، من ولد أبي أيوب الأنصاريّ رضي الله. قال عبد الغافر: كان إماما كاملا في التفسير، حسن السيرة في التصوّف، على حظ تام من معرفة العربيّة، والحديث، والتواريخ، والأنساب، قائما بنصر السنة والدين، من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا غيره، وقد تعرضوا بسبب ذلك إلى إهلاكه مرارا، فكفاه الله شرهم. قال ابن طاهر: سمعته يقول بهراة: عرضت على السيف خمس مرات لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، ولكن يقال لي: اسكت عمن خالفك، فأقول: لا أسكت. وسمعته يقول: أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سردا. سمع من عبد الجبار الجرّاحيّ، وأبي الفضل الجاروديّ، ويحيى بن عمّار السجزيّ المفسر، وأبي ذرّ الهرويّ، وخلائق. وتخرج به خلق، وفسر القرآن زمانا، وكان يقول: إذا ذكرت التفسير فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1183، الرسالة المستطرفة للكتاني 45، طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 2/ 247، طبقات المفسرين للأدنةوي ورقة 35 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 25، العبر للذهبي 3/ 297، المنتظم 9/ 44، النجوم الزاهرة لابن تغري. بردي 5/ 127.

وله تصانيف منها «ذم الكلام» وكتاب «منازل السائرين» في التصوف، و «كتاب الفاروق» في الصفات، و «الأربعين» وغير ذلك. وكان آية في التذكير والوعظ. روى عنه أبو الوقت عبد الأول، وخلائق، آخرهم بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار. ومولده سنة ست وتسعين وثلاثمائة، ومات في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، عن أربع وثمانين. 241 - عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو بكر بن الناصح المفسّر (¬1). كان فقيها شافعيا. روى عند الدارقطنيّ وأثنى عليه. ولد بدمشق في ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وسكن مصر، ومات بها يوم الثلاثاء [في] (¬2) رجب سنة خمس وستين وثلاثمائة. 242 - عبد الله بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل البريهيّ ثم السّكسكيّ أبو محمد (¬3). قال الخزرجيّ: كان متفنّنا في العلوم، عارفا بالحديث والتفسير والفقه، والنحو واللغة، والتصوّف، ورعا صالحا، زاهدا عابدا صوفيا، له كرامات، سهل الأخلاق، مبارك التدريس، عظيم الصبر على الطلبة، كثير الحجّ. مات في المحرم سنة أربع وستين وسبعمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 402، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 314، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 452، العبر للذهبي 2/ 338. (¬2) تكملة عن: حسن المحاضرة للسيوطي. (¬3) له ترجمة في: العقود اللؤلؤية للخزرجي 2/ 130.

243 - عبد الله بن محمد بن محمد بن فورك (¬1). ابن عطاء بن مهيار أبو بكر القبّاب (¬2) [الأصبهاني إمام وقته، مقرئ مفسر مشهور، قرأ على: أبي بكر الداجوني، وابن شنّبوذ (¬3)] وجعفر بن الصباح واختار اختيارا من القراءة. روى عنه الهذلي، قرأ عليه أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد العطار (¬4)، ومنصور بن محمد بن المقدر (¬5)، ومحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، وأحمد ابن محمد بن صالح. قال الحافظ أبو العلاء: فأما أبو بكر القباب فمن جلة قراء أصبهان، ومن العلماء بتفسير القرآن، كثير الحديث، ثقة نبيل. توفي يوم الأحد خامس عشر ذي القعدة سنة سبعين وثلاثمائة، قيل إنه بلغ المائة. ذكره ابن الجزري في «طبقات القراء». 244 - عبد الله بن يحيى بن المبارك أبو عبد الرحمن بن أبي محمد اليزيديّ البغدادي (¬6). ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في: الأنساب للسمعاني ورقة 440 أ، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 960، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 454، العبر للذهبي 2/ 356، اللباب لابن الأثير 2/ 238، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 139. (¬2) بفتح القاف والباء المشددة الموحدة وبعد الألف باء ثانية، نسبة الى عمل القباب التي هي كالهوادج (اللباب لابن الأثير 2/ 238). (¬3) ما بين القوسين تكملة عن: طبقات القراء لابن الجزري. والترجمة هنا منقولة بالنص عن ابن الجزري. (¬4) في الأصل: «القطان» والمثبت في: طبقات القراء لابن الجزري. والعطار هو عبد الله بن أحمد أبو القاسم العطار الأصبهاني، قرأ على أبي بكر عبد الله القباب (طبقات القراء لابن الجزري 1/ 447). (¬5) في الأصل: «المنذر» والمثبت في طبقات القراء لابن الجزري. وابن المقدر هو: منصور بن محمد بن عبد الله الأصبهاني المقرئ، قرأ علي أبي عبد الله بن محمد بن فورك (طبقات القراء لابن الجزري 2/ 314). (¬6) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 1/ 463.

ثقة مشهور، أخذ القراءة عرضا وسماعا عن أبيه [عن] (¬1) أبي عمرو، وله عنه نسخة. قال الحافظ أبو عمرو الداني: وهو من أجل الناقلين عنه، وله كتاب حسن في «غريب القرآن». روى عنه القراءة: ابنا أخيه العباس وعبد الله ابنا محمد بن أبي محمد، وأحمد بن إبراهيم وراق خلف، وجعفر بن محمد الأدمي، وبكران بن أحمد. ذكره ابن الجزري في «طبقات القراء»، ولم يؤرخ وفاته. 245 - عبد الله بن أبي نجيح يسار المكيّ أبو يسار الثّقفيّ (¬2). مولاهم، ثقة، رمي بالقدر، وربما دلس، من السادسة. مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. أخرج حديثه الأئمة الستة، وترجمته تحتمل أكثر من هذا، فيراجع «التهذيب» للمزي. 246 - عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن محمّد بن حيّويه الشيخ أبو محمد (¬3). ¬

_ (¬1) تكملة عن: طبقات القراء لابن الجزري. (¬2) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 183، العبر للذهبي 1/ 173، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 515. (¬3) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 144 ب، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 55، تبيين كذب المفتري 257، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 73، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 20 أ، طبقات العبادي 212، طبقات المفسرين للسيوطي 15، طبقات ابن هداية الله 48، العبر للذهبي 3/ 188، اللباب لابن الأثير 1/ 257، مرآة الجنان لليافعي 3/ 58، معجم البلدان لياقوت 2/ 165، مفتاح السعادة لطاش كبرى زادة 2/ 324، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 42، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 250.

والد إمام الحرمين، أوحد زمانه، علما وزهدا، وتقشفا زائدا، وتحرّيا في العبادات. كان يلقّب ركن الإسلام، له المعرفة التامّة بالفقه والأصول، والتفسير والنحو والأدب، وكان لفرط الديانة مهيبا، لا يجري بين يديه إلا الجدّ والكلام، إمّا في علم أو زهد وتحريض على التحصيل. سمع الحديث من القفال، وعدنان بن محمد الضّبّيّ، وأبي نعيم عبد الملك بن الحسن، وابن محمش، وببغداد من أبي الحسين بن بشران، وجماعة. روى عنه ابنه إمام الحرمين، وسهل بن إبراهيم المسجديّ، وعلي بن أحمد المديني، وغيرهم. تفقه أولا على أبي يعقوب الأبيورديّ بناحية جوين، ثم قدم نيسابور، واجتهد في الفقه على أبي الطيب الصعلوكيّ، ثم ارتحل إلى مرو قاصدا القفال المروزيّ، فلازمه حتى تخرّج به، مذهبا وخلافا، وأتقن طريقته، وعاد إلى نيسابور سنة سبع وأربعمائة، وقعد للتدريس والفتوى، ومجلس المناظرة، وتعليم العام والخاصّ، وكان ماهرا في إلقاء الدروس. وأما زهده وورعه فإليه المنتهى. قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصّابونيّ: لو كان الشيخ أبو محمد في بني إسرائيل لنقل إلينا شمائله ولا افتخروا به. ومن ورعه أنه ما كان يستند في داره المملوكة له إلى الجدار المشترك بينه وبين جيرانه، ولا يدقّ فيه وتدا، وإنه كان يحتاط في أداء الزكاة، حتى كان يؤدي في سنة واحدة مرّتين، حذرا من نسيان النية، أو دفعها إلى غير مستحقّ.

وعن الشيخ أبي محمد، أنه قال: نحن من العرب، من قرية يقال لها سنبس. ومن ظريف ما يحكى ما ذكره أبو عبد الله الفراويّ قال: سمعت إمام الحرمين يقول: كان والدي يقول في دعاء قنوت الصبح: لا تعقنا عن العلم بعائق، ولا تمنعنا عنه بمانع. وروي أن الشيخ أبا محمد رأى إبراهيم الخليل عليه السلام في منامه، فأومأ لتقبيل رجليه، فمنعه ذلك تكريما له. قال: فقبلت عقبيه، وأوّلت ذلك البركة والرّفعة تكون في عقبي. قال الشيخ تاج الدين السبكيّ: وأيّ بركة ورفعة مثل إمام الحرمين ولده. توفي الشيخ أبو محمد سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة بنيسابور. قال أبو صالح المؤذّن: غسّلته، فلما لففته في الأكفان رأيت يده اليمنى إلى الإبط منيرة كلون القمر، فتحيّرت وقلت هذه بركات فتاويه. ومن تصانيفه: «الفروق» و «السّلسلة» و «التبصرة» في الفقه، و «التذكرة» و «مختصر المختصر» و «شرح رسالة الشافعي» و «مختصر في موقف الإمام والمأموم»، وله «تفسير» كبير يشتمل على عشرة أنواع من العلوم، في كل آية. ومن شعره يرثي بعض أصدقائه: رأيت العلم بكاء حزينا ... ونادى الفضل وا حزنا وبؤسى (¬1) سألتهما بذاك فقيل أودى ... أبو سهل محمد بن موسى ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للسبكي.

247 - عبد الله- وقيل عبد الباقي- بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا (¬1). الأديب الشاعر اللغويّ المترسّل. هو من أهل الحريم الطاهريّ، وهي محلة ببغداد، وكان فاضلا بارعا. له مصنفات كثيرة حسنة مفيدة، منها مجموع سمّاه «ملح الممالحة» ومنها كتاب «الجمان في تشبيهات القرآن» وله «مقامات أدبيّة» مشهورة، و «مختصر الأغاني» في مجلد واحد، و «شرح كتاب الفصيح»، وله «ديوان شعر» كبير، وله «ديوان رسائل». ومن شعره: أخلّاي ما صاحبت في العيش لذّة ... ولا زال من قلبي حنين التّذكر ولا طاب لي طعم الرقاد ولا [اجتلت (¬2)] ... لحاظي مذ فارقتكم حسن منظر ولا عبثت كفي بكأس مدامة ... يطوف بها ساق ولا جسّ مزهر وكان ينسب إلى التعطيل ومذهب الأوائل، وصنف في ذلك مقالة، وكان كثير المجون. وحكى الذي تولى غسله بعد موته أنه وجد يده اليسرى مضمومة، فاجتهد حتى فتحها، فوجد فيها كتابة بعضها على بعض، فتمهل حتى قرأها. فإذا فيها مكتوب: ¬

_ (¬1) له ترجمة في: لسان الميزان للذهبي 3/ 384، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 284. (¬2) تكملة عن: في وفيات الأعيان لابن خلكان: «اجتنت».

من اسمه عبد الجبار

نزلت بجار لا يخيب ضيفه ... أرجي نجاتي من عذاب جهنم وإني على خوف من الله واثق ... بإنعامه والله أكرم منعم ومولده في [منتصف ذي (¬1)] القعدة سنة عشر وأربعمائة، وتوفي ليلة الأحد رابع المحرّم سنة خمس وثمانين وأربعمائة، ودفن بباب الشام ببغداد رحمه الله. وناقيا بنون، وبعد الألف قاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحتها مفتوحة بعدها ألف. أورده ابن خلكان، آخر العبادلة ولله الحمد. من اسمه عبد الجبار 248 - عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن الخليل القاضي أبو الحسن الهمذانيّ الأسدآباذيّ (¬2). وهو الذي تلقّبه المعتزلة قاضي القضاة، ولا يطلقون هذا اللقب على سواه ولا يعنون به عند الإطلاق غيره. كان إمام أهل الاعتزال في زمانه، وكان ينتحل مذهب الشافعيّ في الفروع، وله التصانيف السائرة منها «التفسير» والذكر الشائع بين الأصوليين. عاش دهرا طويلا، حتى ظهرت له الأصحاب وبعد صيته، ورحلت إليه الطلاب، وولي قضاء الرّيّ وأعمالها. ¬

_ (¬1) تكملة عن: وفيات الأعيان لابن خلكان. (¬2) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 11/ 113، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 97، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 16 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 16، العبر للذهبي 3/ 119، مرآة الجنان لليافعي 3/ 29، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 533.

سمع الحديث من أبي الحسن بن سلمة القطان، وعبد الرحمن بن حمدان الجلّاب، وعبد الله جعفر بن فارس، والزبير بن عبد الواحد الأسدآباذي، وغيرهم. روى عنه القاضي أبو يوسف عبد السلام بن محمد بن يوسف القزويني المفسر، وأبو عبد الله الحسن بن علي الصّيمري، وأبو القاسم علي بن المحسّن (¬1) التنوخيّ. توفي في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة بالرّيّ ودفن في داره. ومن ظريف ما يحكى: أن الأستاذ أبا إسحاق نزل به ضيفا، فقال: سبحان من لا يريد المكروه من الفجار. فقال الأستاذ: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يختار. وهذا جواب حاضر، وشبيه بما ذكر أن بعض الروافض قال لشخص من أهل السنّة، يستفهمه استفهام إنكار: من أفضل من أربعة، رسول الله صلى الله عليه وسلم خامسهم؟ يشير إلى علي وفاطمة والحسن والحسين حين لف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم الكساء. فقال له السّنّيّ: اثنان الله ثالثهما، يشير إلى رسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق، رضي الله عنه وقضية الغار، وقوله صلى الله عليه وسلم: ما ظنّك باثنين الله ثالثهما. 249 - عبد الجبار بن عبد الخالق بن محمد بن أبي نصر بن عبد الباقي ابن عكبر (¬2). ¬

_ (¬1) في الأصل: «الحسن»، وأثبت الصواب من طبقات الشافعية للسبكي، والمشتبه للذهبي 2/ 576. (¬2) له ترجمة في: تبصير المنتبه لابن حجر 3/ 1017، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 300، المشتبه للذهبي 2/ 467.

الزاهد. ابن عبد الخالق بن محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن منصور بن سالم بن تميم بن أبي نصر بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب جلال الدين أبو محمد، البغداديّ، العكبريّ الحنبليّ. الفقيه المفسّر الأصوليّ، الواعظ، أحد الأئمة المشاهير. قال ابن رجب: هكذا رأيت نسبه، وفيه نظر، والله أعلم. ولد سنة تسع عشرة وستمائة ببغداد. وسمع من ابن اللتيّ، والقاضي أبي صالح الجيليّ، وأحمد بن يعقوب المارستانيّ، ومحمّد بن أبي سهل الواسطيّ، وغيرهم. واشتغل بالفقه والأصول، والتفسير، والوعظ، والطبّ، وبرع في ذلك، وله النظم والنثر، والتصانيف الكثيرة، منها: «مشكاة البيان في تفسير القرآن» في ثمان مجلدات، وكتاب «إيقاظ الوعاظ» و «المقدمة في أصول الفقه» و «مسائل خلاف» و «أربعون حديثا» تكلم عليها. قال الإمام صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق، في حقه: شيخ الوعاظ ببغداد، ومتقدمهم، كان في صباه خياطا، واشتغل بالطب مدة، ثم رتب فقيها بالمستنصرية واشتغل بالفقه والتفسير، وطالع. وكان يجلس للوعظ بمجلس القاعوس بدرب الجب، ثم اختير في آخر زمن الخليفة للوعظ بباب بدر، تحت منظرة الخليفة، ولم يزل على ذلك إلى واقعة بغداد، واستؤسر فاشتراه بدر الدين صاحب الموصل فحمله إلى الموصل فوعظ بها، ثم حذّره إلى بغداد، فرتب مدرسا للحنابلة بالمدرسة المستنصرية، ولم يزل يعقد مجلس الوعظ في الجمعات بجامع الخليفة. روى عنه ابن الفوطي، وقال: كان وحيد الدّهر في علم الوعظ ومعرفة التفسير ونسيبه نصير الدين أحمد بن عبد السلام بن عكبر، وبالإجازة صفي

الدين عبد المؤمن في مشيخته وقال: توفي يوم الاثنين سابع عشري شعبان سنة إحدى وثمانين وستمائة. 250 - عبد الجليل بن موسى بن عبد الجليل أبو محمد (¬1) الأنصاري الأندلسي، القرطبيّ الصّوفي الزاهد، من قصر عبد الكريم، شيخ الإسلام، كان متقدما في الكلام مشاركا في فنون، رأسا في العلم والعمل، منقطع القرين، متصوفا زاهدا ورعا عن الدنيا. له «تفسير القرآن» وكتاب «شعب الإيمان» و «شرح الأسماء الحسنى» وكتاب «المسائل والأجوبة» وكتاب «تنبيه الأنام في مشكل حديث النبي صلى الله عليه وسلم» وغير ذلك. روى عن أبي الحسن بن حنين، وأبي نصر فتح بن محمد المغربي، وأبي الحسن علي بن خلف بن غالب. وعنه أبو الحسن الغافقيّ، وغيره. وأجاز لأبي محمد بن حوط الله. مات سنة ثمان وستمائة. وكان له من الصيت والذكر الجميل ما ليس لغيره. وختم به بالمغرب التصوف على طريقة أهل السنة. 251 - عبد الحقّ بن غالب بن عبد الرحمن (¬2). ابن عبد الرءوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطيّة بن خالد بن ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 16، نيل الابتهاج للبستي 184. (¬2) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 376، الديباج المذهب لابن فرحون 174، الصلة لابن بشكوال 1/ 367، صلة الصلة لابن الزبير 2، طبقات المفسرين للسيوطي 16، المعجم لابن الأبار 259.

خفاف بن أسلم من مكرم المحاربي من ولد زيد بن محارب بن خصفة من قيس عيلان بن مضر الإمام الكبير قدوة المفسرين أبو محمد الغرناطي القاضي. كان فقيها عالما بالتفسير والأحكام والحديث والفقه، والنحو واللغة والأدب، مفيدا حسن التقييد. روى عن أبيه الحافظ الحجة أبي بكر، وعن أبي علي الغساني، والصدفيّ، وأبي عبد الله محمد بن فرج مولى الطلاع، وأبي المطرف الشعبي، وأبي القاسم بن أبي الخصال المقبري، وأبي العباس أحمد بن عثمان بن مكحول، وأبي القاسم بن عمر الهوزني (¬1)، وأبي بكر عبد الباقي بن محمد الحجازي، وابن برّال، وأبي محمد عبد الواحد بن عيسى الهمذاني، وغيرهم من الجلة. وكانت له يد في الإنشاء والنظم والنثر، وكان يتوقد ذكاء، وألف كتابه المسمى «بالوجيز في التفسير» فأحسن فيه وأبدع، وطار بحسن نيته كل مطار، وألف «برنامجا» ضمنه مروياته وأسماء شيوخه، وولي قضاء المرية. روى عنه أبو جعفر بن مضاء، وعبد المنعم بن الفرس، وأبو بكر بن أبي جمرة (¬2)، وأبو محمد عبيد الله، وأبو القاسم بن حبيش، وآخرون، آخرهم بالإجازة أبو الحسن علي بن أحمد الشقوري المتوفى سنة ست عشرة وستمائة. ¬

_ (¬1) كذا في: الديباج المذهب لابن فرحون، والمعجم لابن الأبار. وفي الأصل: «ابن عمرو الهروي». (¬2) في الأصل: «ابن أبي حمزة». والمثبت في: تبصير المنتبه 1/ 454، والمشتبه للذهبي 1/ 247.

مولده سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، ومات في خامس عشري رمضان [سنة إحدى (¬1)] وأربعين وخمسمائة بمدينة لورقة، رحمه الله وإيانا. وذكره صاحب «قلائد العقيان»، وأورد له في الفحم: جعلوا القرى للقرّ فحما حالكا ... قدح الزّناد به فأورى نارا (¬2) فبدا دبيب السّقط في جنباته ... كالبرق في جنح الظّلام أنارا ثم انبرى لهبا وصار كأنّه ... في الحرق ذو حرق يطالب ثارا فكأنّه ليل تفجّر فجره ... نهرا فكان على المقام نهارا. 252 - عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو العثماني مولاهم الدمشقي أبو سعيد (¬3). لقبه دحيم، بمهملتين، مصغر، ابن اليتيم، ثقة، حافظ، متقن، من الطبقة العاشرة. روى عن معروف الخياط، وسويد بن عبد العزيز، والوليد بن مسلم، وخلق. وعنه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وأبو زرعة. قال أبو داود: حجّة، لم يكن بدمشق في زمنه مثله. مات بالرّملة سنة خمس وأربعين ومائتين. تراجع ترجمته من «طبقات الحفاظ» للذهبي. 253 - عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن المبارك بن معالي أبو محمد بن البغدادي (¬4). ¬

_ (¬1) تكملة عن: طبقات المفسرين للسيوطي. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 480، العبر للذهبي 1/ 445. (¬3) ورد له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 203، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 396، الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 431، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 364، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 196. (¬4) ورد له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 203، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 396، الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 431، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 364، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 196.

ويقال له أيضا الواسطي، ثم المصري المولد والدار والوفاة، الشافعي الإمام العالم العلامة. ولد سنة اثنتين وسبعمائة. وقرأ بالروايات الكثيرة على الأستاذ التقي محمد بن أحمد الصائغ، وبرع في الفن وانتهت إليه مشيخة الإقراء بالديار المصرية مع الصيانة والخير والانقطاع عن الناس. وأخذ العربية عن أبي حيان، والفقه عن ابن عدلان، وشرح «الشاطبية» شرحين، واختصر «البحر المحيط» في التفسير، لأبي حيان، ونظم «غاية الاحسان» في النحو له، وقرأه عليه، وكتب له خطه عليه. قرأ عليه ابن الجزري، ونور الدين علي بن سلامة المكيّ، وغيرهما. وجاور بمكة مرارا، منها سنة ثمان وستين، فقرأ عليه السبع بها الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي. توفي بمصر يوم الخميس تاسع صفر سنة إحدى وثمانين وسبعمائة. ذكره ابن الجزري. 254 - عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان شهاب الدين أبو القاسم (¬1). ¬

_ (¬1) ورد له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 250، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1460، الدارس للنعيمي 1/ 23، الذيل على الروضتين لأبي شامة 37. ذيل مرآة الزمان 2/ 367، روضات الجنات 429، السلوك 1/ 562، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 165، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 54 ب، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 366، طبقات القراء للذهبي 2/ 537، العبر للذهبي 5/ 280، فوات الوفيات لابن شاكر 1/ 527، مرآة الجنان لليافعي 4/ 164، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 7/ 224.

عرف بأبي شامة، من أجل شامة كبيرة فوق حاجبه الأيسر، المقدسي الأصل، الدمشقي الشافعي، المقرئ النحوي ذو الفنون. ولد في أحد شهري ربيع من سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وقرأ القرآن الكريم قبل أن يكمل له من العمر عشر سنين، وقرأ القراءات كلها سنة ست عشرة وستمائة على العلم السخاوي. وسمع بثغر الإسكندرية من أبي القاسم عيسى بن عبد العزيز، وغيره. وسمع «صحيح البخاري» من داود بن ملاعب، وأحمد بن عبد الله العطار، وسمع «مسند الشافعي» من الشيخ موفق الدين، وأخذ عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام. واعتنى بالحديث بعد سنة ثلاثين وستمائة، وسمع أولاده، وقرأ بنفسه، وكتب الكثير من العلوم، وأتقن الفقه، وبرع في العربية، ودرس وأفتى. ومن مصنفاته «شرح القصيدة الشاطبية» و «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر في خمس عشرة مجلدة، واختصره ثانيا في خمس مجلدات و «شرح القصائد النبوية» للسخاوي في مجلد، وكتاب «الروضتين في أخبار الدولتين النّوريّة والصّلاحيّة» وكتاب «الذيل» عليها، وكتاب «المقتفى في شرح حديث مبعث المصطفى» صلى الله عليه وسلم، وكتاب «ضوء الساري إلى معرفة الباري» عز وجل، وكتاب «المحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول» صلى الله عليه وسلم، وكتاب «البسملة» الأكبر في مجلد، ثم اختصره، وكتاب «الباعث على إنكار البدع والحوادث»، و «كشف حال بني عبيد»، وكتاب «الأصول في الأصول»، وكتاب «مفردات القراء»، وكتاب «الوجيز في تفسير أشياء من الكتاب العزيز»، ومقدمة في النحو، ونظم كتاب «المفصّل» في النحو للزمخشري، وكتاب «شيوخ البيهقي» وغير ذلك ممّا لم يتمه.

وأخذ عنه القراءات الشيخ شهاب الدين حسين الكردي، وشهاب الدين أحمد اللبان، وجماعة. وقرأ عليه الشاطبية الشيخ شرف الدين الفزاري الخطيب. وولي مشيخة [الإقراء (¬1)] بالتربة الأشرفيّة، ومشيخة دار الحديث الأشرفيّة بدمشق، وكان مع فرط ذكائه وكثرة علمه متواضعا، مطرحا للتكلف، حليما، وكان يسكن بآخر الحكر المعروف بطواحين الأشنان خارج دمشق، فدخل عليه رجلان في جمادى الآخرة من سنة خمس وستين وستمائة في هيئة من يستفتيه، وضرباه ضربا مبرّحا حتى أشفى على الموت، ولم يشعر به أحد ثم تركاه وانصرفا، فلمّا أتاه أصحابه قيل له اجتمع بولاة الأمر، فقال: أنا قد فوضت أمري إلى الله. وأنشد لنفسه: قلت لمن قال ألا تشتكي ... ما قد جرى فهو عظيم جليل (¬2) يقيّض الله تعالى لنا ... من يأخذ الحقّ ويشفي الغليل إذا توكلنا عليه كفى ... وحسبنا الله ونعم الوكيل ومن شعره أيضا: وقال النبي المصطفى إنّ سبعة ... يظلهم الله العظيم بظلّه (¬3) محب عفيف ناشئ متصدّق ... وباك مصلّ والإمام بعدله ولما أورده الشيخ شمس الدين بن الجزري في «طبقات القراء» قال: ¬

_ (¬1) تكملة عن: طبقات القراء لابن الجزري، وطبقات الشافعية للسبكي. (¬2) فوات الوفيات لابن شاكر، والبداية والنهاية لابن كثير. (¬3) فوات الوفيات، وطبقات الشافعية للسبكي.

أخبرني شيخنا الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير من لفظه، قال: حدثني برهان الدين إبراهيم بن الشيخ تاج الدّين الفزاري، قال: قال لي والدي: عجبت من أبي شامة كيف قلد الشافعي. توفي في تاسع عشر شهر رمضان سنة خمس وستين وستمائة. 255 - عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدويّ (¬1). مولاهم المدنيّ، روى عن أبيه، وابن المنكدر، وعنه أصبغ، وقتيبة، وهاشم، ضعفوه. له: «التفسير» و «الناسخ والمنسوخ». مات سنة اثنتين وثمانين ومائة. أخرج له الترمذيّ، وابن ماجة. 256 - عبد الرحمن بن سليمان بن الأكرم بن سليمان الدمشقيّ الصالحيّ الحنبلي (¬2). أبو شعر، الشيخ الإمام العالم العلامة، زاهد الحنابلة وشيخهم وقدوتهم، شديد المحبة للعلم ومطالعته، والعناية به، واقتناء كتبه، حصل من الأصول الحسان ما لم يقربه غيره، اشتغل في غالب فنون العلم النافعة حتى فاق فيها. وله في التفسير عمل كثير، ويد طولى، ولد في شعبان سنة ثمانين وسبعمائة. ذكره الحافظ برهان الدين البقاعيّ في «معجمه». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 192، العبر للذهبي 1/ 282، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 564. (¬2) له ترجمة في: الضوء اللامع للسحاوي 4/ 82.

257 - عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبغ (¬1). ابن حبيش بن سعدون (¬2) بن رضوان بن فتوح الإمام أبو زيد وأبو القاسم السهيليّ الخثعميّ الأندلسيّ المالقيّ المالكيّ الحافظ. قال ابن الزبير: كان عالما بالعربيّة، واللغة والقراءات، بارعا في ذلك، جامعا بين الرواية والدراية، نحويا متقدما، أديبا، عالما بالتفسير وصناعة الحديث، حافظا للرجال والأنساب، عارفا بعلم الكلام والأصول، حافظا للتاريخ، واسع المعرفة، غزير العلم، نبيها ذكيا، صاحب اختراعات واستنباطات تصدر للإقراء والتدريس، وبعد صيته، أخذ القراءات عن سليمان بن يحيى، وعن أبي منصور بن الخير، وروى عن ابن العربي، وابن طاهر، وابن الطّراوة، وعنه ابن الرندي، وابنا حوط الله، وأبو الحسن الغافقي وخلق، وكفّ بصره وهو ابن سبع عشرة سنة، واستدعي إلى مراكش، وحظي بها، ودخل غرناطة. وصنف «الروض الأنف» في شرح السيرة «شرح الجمل» لم يتم، «التعريف والإعلام بما في القرآن من الأسماء والأعلام» «مسألة السر في عور الدجال» «مسألة رؤية الله والنبي في المنام» «نتائج الفكر» «شرح آية الوصية في الفرائض» كتاب بديع. توفي بمراكش في ليلة الخميس خامس عشري شوال. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 162، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 319، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1348، الديباج المذهب لابن فرحون 150، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 371، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 69، العبر 4/ 244، مرآة الجنان لليافعي 3/ 422، نكت الهميان للصفدي 187، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 323. قال ابن خلكان: «والخثعمي، بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وبعدها ميم، هذه النسبة الى خثعم بن أنمار، وهي قبيلة كبيرة». (¬2) في الأصل: «ابن سعد»، والمثبت في: تذكرة الحفاظ، والديباج المذهب لابن فرحون، ووفيات الأعيان لابن خلكان.

وفي «طبقات القراء» للذهبي: في شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وله بضع وسبعون سنة، وهو من بيت علم وخطابة. وسهيل: قرية من عمل مالقة، لا يرى سهيل في جميع الأندلس إلا من جبلها. وذكره ابن الأبار وحكى عنه، قال: أخبرنا أبو بكر بن العربي (¬1) في مشيخته عن أبي المعالي، أنه سأله في مجلسه رجل من العوام، فقال: أيها الفقيه الإمام، أريد أن تذكر لي دليلا شرعيا على أنه تعالى لا يوصف بالجهة ولا يحدد بها، فقال: نعم، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تفضلوني على يونس بن متى) فقال: الرجل إني لا أعرف وجه الدليل من هذا الدليل، وقال كل من حضر: مثل قول الرجل، فقال أبو المعالي: ضافني الليلة ضيف له علي ألف دينار، وقد شغلت بالي، فلو قضيت عني قلتها، فقام رجلان [من (¬2)] التجار فقالا: هي في ذمتنا، فقال أبو المعالي: لو كان رجلا واحدا يضمنها كان أحب إلي، فقال أحد الرجلين أو غيرهما: هي في ذمتي، فقال أبو المعالي: نعم، إن الله سبحانه أسرى بعبده إلى فوق سبع سماوات، حتى سمع صريف الأقلام، والتقم يونس الحوت، فهوى به إلى جهة التحت من الظلمات ما شاء الله، فلم يكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في علوّ مكانه بأقرب إلى الله من يونس في بعد مكانه، فالله تعالى لا يتقرب إليه بالأجرام والأجسام، وإنما يتقرب إليه بصالح الأعمال. ¬

_ (¬1) في الأصل «الغرفي» تحريف، صوابه في: تذكرة الحفاظ للذهبي، والديباج المذهب لابن فرحون. (¬2) تكملة عن: الديباج المذهب لابن فرحون.

قال ابن دحية: أنشدني، وقال: ما سأل الله بها حاجة إلا أعطاه إيّاها، وكذلك من استعمل إنشادها، وهي هذه (¬1): يا من يرى ما في الضّمير ويسمع ... أنت المعدّ لكلّ ما يتوقّع يا من يرجّى للشدائد كلّها ... يا من إليه المشتكى والمفزع يا من خزائن رزقه في قول كن ... امنن فإنّ الخير عندك أجمع ما لي سوى فقري إليك وسيلة ... فبالافتقار إليك فقري أدفع ما لي سوى قرعي لبابك حيلة ... فلئن رددت فأيّ باب أقرع ومن الذي أدعو وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقيرك يمنع حاشا لمجدك أن تقنّط عاصيا ... الفضل أجزل والمواهب أوسع قرأت بخط شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السّيوطيّ رحمه الله تعالى في «طبقات النحاة» له ما نصّه: رأيت بخطّ القاضي عزّ الدين بن جماعة: وجد بخط الشيخ محيي الدين النّواويّ ما نصه: ما قرأ أحد هذه الأبيات، ودعا الله عقبها بشيء إلا استجيب له. ومن شعره أيضا: إذا قلت يوما سلام عليكم ... ففيها شفاء وفيها سقام شفاء إذا قلتها مقبلا ... وإن أنت أدبرت فيها الحمام 258 - عبد الرحمن بن كيسان أبو بكر الأصم المعتزليّ (¬2). صاحب المقالات في الأصول. ذكره عبد الجبار الهمذاني في طبقاتهم وقال: كان من أفصح الناس وأورعهم وأفقههم. ¬

_ (¬1) الأبيات في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 319، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 323. (¬2) ورد له ترجمة في: الفهرست لابن النديم 34، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 3/ 427.

قال الحافظ ابن حجر في «اللسان»: وهو من طبقة أبي الهذيل العلاف وأقدم منه. له «تفسير» عجيب. ومن تلامذته إبراهيم بن إسماعيل بن عليّة. وله تصانيف كثيرة ذكرها النديم في «الفهرست». 259 - عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري (¬1). المدني ثم الكوفي، مفتيها وقاضيها، الفقيه المقرئ. حدث عن الشعبي، وعطاء، والحكم، ونافع، وعمرو بن مرة، وطائفة. وكان أبوه من كبار التابعين. حدث عنه شعبة، والسفيانان، وزائدة، ووكيع، والخريبيّ (¬2) وأبو نعيم، وخلائق. قال أحمد بن يونس: كان ابن أبي ليلى أفقه أهل الدنيا. وقال العجلي: كان فقيها صدوقا صاحب سنة جائز الحديث، قارئا عالما بالقرآن قرأ على حمزة. مات في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين ومائة. قال أبو حفص الأبار عنه: دخلت على عطاء فجعل يسألني وكأن أصحابه أنكروا ذلك، فقال: وما تنكرون وهو أعلم مني، أخرج له الجماعة. 260 - عبد الرحمن بن علي بن محمد (¬3). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 171، العبر للذهبي 1/ 211. (¬2) بضم الخاء وفتح الراء وسكون الياء وباء موحدة، نسبة الى الخريبة، محلة بالبصرة (اللباب لابن الأثير). (¬3) ورد له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 28، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1342، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 399، طبقات المفسرين للسيوطي 17، العبر للذهبي 4/ 297، مرآة الجنان لليافعي 3/ 489، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 254، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 174، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 321.

ابن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمّادى بن إبراهيم بن أحمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، القرشي التّيمي البكري البغدادي الحنبلي. الإمام العلامة، حافظ العراق، وواعظ الآفاق، صاحب التصانيف المشهورة في أنواع العلوم، من التفسير، والحديث، والفقه، والوعظ، والزهد، والتاريخ والطب، وغير ذلك. وعرف جدهم بالجوزي لجوزة كانت في دارهم بواسط، لم يكن بها جوزة سواها. ولد تقريبا سنة ثمان- أو عشر- وخمسمائة، وأول سماعة في سنة ست عشرة. سمع أبا القاسم بن الحصين، وعلي بن عبد الواحد الدينوري، وأبا عبد الله الحسين بن محمد البارع، وأبا السعادات أحمد بن أحمد المتوكلي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، والفقيه أبا الحسن بن الزاغواني، وأبا غالب ابن البناء، وأبا بكر محمد بن الحسين المزرفيّ، وعليه تلا القرآن الكريم بالعشر، وأبا غالب محمد بن الحسن الماوردي، وخطيب أصبهان أبا القاسم عبد الله بن محمد، وابن السمرقندي، وأبا الوقت السجزي، وابن ناصر، وخلق، عدتهم سبعة وثمانون نفسا. وكتب بخطه ما لا يوصف كثرة. ووعظ في حدود سنة عشرين وخمسمائة وإلى أن مات. حدث عنه ابنه الصاحب محيي الدين، وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن قزأغلي، والحافظ عبد الغني، وابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل، والتقي اليلداني، وابن عبد الدائم، والنجيب عبد اللطيف، وخلق سواهم.

وبالإجازة الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، والفخر علي بن البخاري، وأحمد بن سلامة الحداد، والقطب أحمد بن عبد السلام العصروني، والخضر ابن حمويه الجويني. وهو آخر من حدث عن الدينوري، والمتوكلي. ومن تصانيفه: كتاب «زاد المسير في التفسير» أربع مجلدات، و «المغني» في علوم القرآن، كبير جدا، و «تذكرة الأريب» في اللغة، و «جامع المسانيد» سبع مجلدات، و «الوجوه والنظائر» مجلد، و «فنون الأفنان» مجلد، و «الحدائق» مجلدان، و «نفي النقل» مجلد كبير، و «عيون الحكايات» مجلدان، و «التحقيق في مسائل الخلاف» مجلدان، و «مشكل الصحاح» أربع مجلدات، و «الموضوعات» مجلدان، و «الواهيات» ثلاث مجلدات، و «الضعفاء» مجلد، و «تلقيح فهوم الأثر» مجلد، و «الانتصار في مسائل الخلاف» مجلدان، و «الدلائل في مشهور المسائل» مجلدان، و «التوقيت في الخطب الوعظية» مجلد، و «نسيم السحر» مجلد، و «المنتخب» مجلد، و «المدهش» مجلدان، و «صفوة التصوف» أربع مجلدات و «أخبار الأخيار» مجلد، و «أخبار النساء» مجلد، و «مثير الغرام الساكن» مجلد، و «المقعد المقيم» مجلد، و «ذم الهوى» مجلد، و «تلبيس إبليس» مجلد كبير، و «صيد الخاطر» ثلاث مجلدات، و «الأذكياء» مجلد، و «المغفلين» مجلد، و «منافع الطب» مجلد، و «فنون الألباب» مجلد، و «الظرفاء» مجلد، و «سلوة الأحزان» مجلد، و «منهاج العابدين» مجلدان، و «الوفا بفضائل المصطفى» مجلدان، و «مناقب الصديق» مجلد، و «مناقب عمر» مجلد، و «مناقب علي» مجلد، و «مناقب عمر بن عبد العزيز» مجلد، و «مناقب سعيد بن المسيب» مجلد، ومناقب الحسن» جزآن. و «مناقب الثوري» مجلد، و «مناقب الإمام أحمد» مجلد، و «مناقب الإمام الشافعي» مجلد،

و «مناقب جماعة» في أجزاء، و «موافق المرافق» مجلد، وأشياء كثيرة يطول شرحها، كاختصاره فنون ابن عقيل في بضعة عشر مجلدا. قال الحافظ شمس الدين الذهبي: وما علمت أحدا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل، مات أبوه وله ثلاث سنين فربته عمته، وأقاربه تجار في النحاس، وربما كتب اسمه في السماع عبد الرحمن بن علي الصفار لذلك. ولما ترعرع حملته عمته إلى الحافظ ابن ناصر فاعتنى به وسمعه الكثير، وحصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحد قط، وحضر مجلسه ملوك ووزراء بل وخلفاء من وراء الستر. ويقال في بعض المجالس حضره مائة ألف. والظاهر أنه كان يحضره نحو عشرة آلاف. مع أنه قد قال غير مرة: إن مجلسه حزر (¬1). بمائة ألف. فلا ريب إن كان هذا وقع فإن أكثرهم لا يسمعون مقالته. قال سبطه سمعت جدي يقول على المنبر: كتبت بإصبعي ألفي مجلد. وتاب علي يدي مائة ألف. وأسلم على يدي عشرون ألف. قال: وكان يختم في كل أسبوع ختمة. ولا يخرج من بيته إلا إلى الجمعة أو المجلس. ثم سرد سبطه [مصنفاته (¬2)] فذكر منها «درّة الإكليل» في التاريخ أربع مجلدات، و «فضائل العرب» مجلد، «شذور العقود» مجلد، «المنفعة في المذاهب الأربعة» مجلدان، «المختار من الأشعار» عشر مجلدات، «التبصرة» في الوعظ ثلاث مجلدات، «رءوس القوارير» مجلدان. إلى أن قال: ومجموع تصانيفه مائتان ونيف وخمسون كتابا. ¬

_ (¬1) الحزر: عدد الشيء بالحدس (اللسان: حزر). (¬2) تكملة عن: تذكرة الحفاظ للذهبي.

ومن بدائع كلامه: عقارب المنايا تلسع، وخدران الأمل يمنع. من قنع طاب عيشه، ومن طمع طال طيشه. وقال في وعظه: يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك، وإن سكت خفت عليك، فأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك. قول الناصح: اتق الله، خير من قول القائل: أنتم أهل بيت مغفور لكم. وقال: يفتخر فرعون بملك مصر بنهر ما أجراه، ما أجراه. وإليه المنتهى في النظم والنثر. وقد نالته محنة في أواخر عمره، وشوا إلى الخليفة عنه بأمر اختلف في حقيقته، فجاءه من شتمه وأهانه، وختم على داره، وشتت عياله، ثم أخذ في سفينة إلى واسط فحبس بها في بيت، فبقي يغسل ثوبه ويطبخ، ودام على ذلك خمس سنين ما دخل فيها حماما. قام عليه الركن عبد السلام بن عبد الوهاب الجيلي بجاه الوزير ابن القصّاب، وكان الركن سيّئ النحلة، أحرقت كتبه بحضرة ابن الجوزي، وأعطى مدرسة الجيلي، فعمل الركن عليه وقال لابن القصاب الشيعي: أين أنت عن ابن الجوزي فإنه ناصبي، ومن أولاد أبي بكر؛ فمكن الركن من الشيخ فجاء وسبه وأنزل معه في سفينة، وعلى الشيخ غلالة بلا سراويل، وعلى رأسه تخفيفة. وكان ناظر واسط شيعيا، فقال له الركن: مكني من عدوّي هذا. والله لو كان على مذهبي لبذلت نفسي في خدمته، فرد الركن إلى بغداد، ثم كان السبب في خلاص الشيخ، أن ابنه يوسف نشأ واشتغل وعمل الوعظ وتوصل، فشفعت أم الخليفة في الشيخ فأطلق. وقد قرأ بواسط وهو ابن ثمانين سنة بالعشر على ابن الباقلاني، وتلا معه ولده يوسف، نقل ذلك ابن نقطة عن القاضي محمد بن أحمد بن الحسن.

قال الموافق عبد اللطيف: كان ابن الجوزي لطيف الصورة، حلو الشمائل، رخيم النغمة، موزون الحركات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون، لا يضيع من زمانه شيئا، يكتب في اليوم أربع كراريس، وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كاف، وأما السجع الوعظي فله فيه ملكة قوية. وله في الطب «كتاب» في مجلدين، وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقله قوة، وذهنه حدة، جل غذائه الفراريج والمزاوير، ويعتاض عن الفاكهة بالأشربة والمعجونات، ولباسه أفضل لباس الأبيض الناعم المطيّب. وله ذهن وقاد وجواب حاضر، ومجون ومداعبة حلوة، ولا ينفك من جارية حسناء. قال الذهبي في «التاريخ الكبير»: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة؛ بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه. مات يوم الجماعة ثالث عشر شهر رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وكانت جنازته مشهودة شيعه الخلائق إلى مقبرة باب حرب، وبه دفن وقد قارب التسعين. 261 - عبد الرحمن (¬1) بن علي بن محمد الحلوانيّ الحنبليّ الفقيه الإمام أبو محمد بن أبي الفتح (¬2). ولد سنة تسعين وأربعمائة وتفقه على أبيه، وأبي الخطاب، وبرع في ¬

_ (¬1) في الأصل «عبد الكريم»، والمثبت في: مصادر الترجمة، وفي نهاية هذه الترجمة، تحدث الداودي عن ابن صاحب الترجمة فقال عنه: أبو عبد الله بن عبد الرحمن. (¬2) له ترجمة في: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 221.

الفقه والأصول، [وناظر، وصنّف تصانيف في الفقه والأصول (¬1)] منها: كتاب «التبصرة» في الفقه، كتاب «الهداية» في أصول الفقه، وله «تعليقة» في مسائل الخلاف كبيرة، «وتفسير القرآن» في أحد وأربعين جزءا، حدث به. وروى عن [أبيه (¬2)] وعلي بن أيوب البزار، والمبارك بن عبد الجبار، والحسين الخلال، وأبي نصر بن ودعان، وغيرهم. وسمع منه يحيى بن طاهر بن النجار الواعظ، وغيره. وقال ابن شافع: كان فقيها في المذهب، يفتي وينتفع به جماعة أهل محلته. وقال ابن النجار: كان موصوفا بالخير والصلاح والفضل. وقال ابن الجوزي: كان يتجر في الخل وينتفع، ولا يقبل من أحد شيئا. توفي يوم الاثنين سلخ ربيع الأول سنة ست وأربعين وخمسمائة. وصلى عليه من الغد الشيخ عبد القادر بالمصلى القديم بالجلبة. ودفن بداره بالمأمونية. وذكر الحفاظ زكي الدين المنذريّ في «التكملة» في ترجمة ولده (¬3) أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن. المتوفى سنة أربع عشرة وستمائة: أنه سمع بإفادة والده من أبي المعالي بن السّمين، وغيره. قال: ووالده أبو محمد كان من شيوخ الحنابلة، وله معرفة بالفقه والتفسير، وحدث. ¬

_ (¬1) تكملة عن: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب. (¬2) تكملة عن: المصدر السابق. (¬3) في الأصل: «والده» تحريف، صوابه في: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب.

قال: والحلواني- بفتح المهملة وسكون اللام- وهذه النسبة إلى بيع الحلواء وعملها. والمعروف أنه بضم الحاء، وما أظنه منسوبا إلا إلى حلوان البلد المعروف بالعراق. 262 - عبد الرحمن بن عمر بن رسلان بن نصير بن صالح جلال الدين أبو الفضل (¬1). البلقينيّ الأصل، الشافعيّ سبط الإمام بهاء الدين بن عقيل. ولد في خامس عشري رمضان سنة ثلاث وستين وسبعمائة بالقاهرة، ونشأ في كنف والده الإمام سراج الدين، فحفظ القرآن، «وتدريب» والده، وغيره. وقرأ على والده «الحاوي» ولم يأخذ عن غيره، وكان مفرط الذكاء، قوي الحافظة، أعجوبة من عجائب الدنيا في سرعة الفهم وجودة الحفظ، فمهر في مدة يسيرة. وكتب له والده إجازة قال فيها: إنه رأى منه البراعة في فنون متعددة، من الفقه وأصوله، والفرائض وغيرها، مما يظهر من مباحثه على الطريقة الجدلية، والمسالك المرضية، والأساليب الفقهية، والمعاني الحديثية. وولي القضاء في رابع جمادى الآخرة سنة أربع وثمانمائة، واستمع قاضيا إلى جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين، مع تخلل عزله وعوده مراتب قليلة، ثم أعيد في ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين. إلى أن مات وقت أذان العصر يوم الأربعاء عاشر شوال سنة أربع وعشرين، ويقال: إنه مات مسموما، وصلي عليه ضحى يوم الخميس بجامع الحاكم، ودفن بجانب والده. ¬

_ (¬1) ورد له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 438، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 282، الضوء اللامع للسحاوي 4/ 106، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 119 ب.

وكان قد ابتلي بحب القضاء، وكان يبحث في فنون التفسير في كلام أبي حيّان، والزمخشري، ويبدي في كل فن منه ما يدهش الحاضر. ودرس بالخشابيّة، والشريفيّة. وغيرهما من المدارس. وكان إماما ذكيا، نحويا، مفتيا، مفسّرا، فصيحا بليغا، جهوريّ الصوت، عارفا بالفقه ودقائقه، مستحضرا لفروع مذهبه، مستقيم الذهن، جيد التصوّر، حتى إن الحافظ ابن حجر قال: إنه كان أحسن تصوّرا من والده وكان مليح الشكالة، أبيض مشربا بحمرة، إلى الطول أقرب، صغير اللحية مستديرها، منوّر الشيبة، جميلا وسيما، ديّنا عفيفا، مهابا معظما عند الملوك، حلو المحاضرة، رقيق القلب، سريع الدمعة، زائد الاعتقاد في الصالحين، كثير الخضوع لهم. ومن تصانيفه «الإفهام بما وقع في صحيح البخاري من الإبهام» و «تفسير» لم يكمل، و «نكت على المنهاج» لم تكمل، وأخرى على «الحاوي الصغير» و «معرفة الكبائر والصغائر» و «الخصائص النبوية» و «علوم القرآن» و «ترجمة والده» و «كتاب في الوعظ» و «نظم ابن الحاجب الأصلي» وكان التزم لكل من حفظه بخمسمائة، و «أجوبة عن أسئلة يمنية» وعن «أسئلة يمينة»، وعن «أسئلة مغربية»، و «حواشي على الروضة» أفردها أخوه العلم الصالح، وأفرد له ترجمة، رحمه الله وإيانا. 263 - عبد الرحمن بن أبي القاسم بن علي بن عثمان البصريّ (¬1). الضرير. الإمام نور الدين أبو طالب، نزيل بغداد. ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في: تاريخ علماء بغداد للسلامي 86، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 313، طبقات المفسرين للسيوطي 17.

ولد يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة بناحية عبدليّان، من قرى البصرة. وحفظ القرآن بالبصرة سنة إحدى وثلاثين على الشيخ حسن بن دويرة. وقدم بغداد. وسكن بمدرسة أبي حكيم، وحفظ بها كتاب «الهداية» لأبي الخطاب، وجعل فقيها بالمستنصرية، ولازم الاشتغال حتى أذن له في الفتوى سنة ثمان وأربعين. وسمع ببغداد من أبي بكر الخازن، ومحمد بن علي بن أبي سهل، والصاحب أبي محمد بن الجوزي، وغيرهم. وسمع من الشيخ مجد الدين بن تيمية أحكامه، وكتاب «المحرر» في الفقه. وكان بارعا في الفقه. وله معرفة بالحديث والتفسير. ولما توفي شيخه ابن دويرة بالبصرة ولي التدريس بمدرسة شيخه، وخلع عليه ببغداد خلعة، وألبس الطرحة السوداء في خلافة المستعصم سنة اثنتين وخمسين. وذكر ابن السّاعي: أنه لم يلبس الطرحة أعمى بعد أبي طالب بن الحنبلي. سوى الشيخ نور الدين هذا. ثم بعد واقعة بغداد: طلب إليها ليولي تدريس الحنابلة بالمستنصرية، فلم يتفق. وتقدم الشيخ جلال الدين بن عكبر فرتب الشيخ نور الدين مدرسا بالبشيرية. فلمّا توفي ابن عكبر المذكور نقل إلى تدريس المستنصرية في شوال سنة إحدى وثمانين. وله تصانيف عديدة، منها «جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحيّ القيوم» كتاب «الحاوي» في الفقه، مجلدين، «الكافي» في شرح الخرقي، «الواضح» في تفسير الخرقي أيضا، «الشافي» في المذاهب، «مشكل كتاب الشهاب» طريقة في الخلاف يحتوي على عشرين مسألة.

تفقه عليه جماعة، منهم: الإمام صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق، وسمع منه. وكان يكتب عنه في الفتاوى، ثم أذن له فكتب عن نفسه، وقال عنه: كان شيخنا من العلماء المجتهدين، والفقهاء المنفردين. وروى عنه جماعة، وكانت له فطنة عظيمة، وبادرة عجيبة. وكان ملازما للشيخ نور الدين حتى زوجه الشيخ ابنته، قال: عقد مرة مجلس بالمستنصرية للمظالم. وحضره الأعيان فاتفق جلوس الشيخ بهاء الدين ابن الفخر عيسى، كاتب ديوان الإنشاء، وتكلم الجماعة فبرز الشيخ نور الدين عليهم بالبحث، ورجع إلى قوله، فقال له ابن الفخر عيسى: من أين الشيخ؟ قال: من البصرة. قال: والمذهب؟ قال: حنبلي. قال: عجبا! بصريّ حنبليّ؟ فقال الشيخ: هنا أعجب من هذا: كرديّ رافضي. فخجل ابن الفخر عيسى وسكت. وكان كرديا رافضيا. والرفض في الأكراد معدوم أو نادر. توفي الشيخ نور الدين ليلة السبت ليلة عيد الفطر سنة أربع وثمانين وستمائة. ودفن في دكة القبور بين يدي قبر الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه. 264 - عبد الرحمن بن [أبي] (¬1) حاتم محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو محمد التّميميّ الحنظليّ (¬2). ¬

_ (¬1) تكملة عن: تذكرة الحفاظ للذهبي. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 191، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 829، الرسالة المستطرفة للكتاني 72، طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 2/ 55، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 324، طبقات العبادي 29، طبقات المفسرين للسيوطي 17، العبر 2/ 208، فوات الوفيات 1/ 542، لسان الميزان 3/ 432، مرآة الجنان لليافعي 2/ 289، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 587، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 265.

الإمام الثبت ابن الإمام الثبت، حافظ الرّيّ وابن حافظها. سمع من أبيه، وابن وارة، وأبي زرعة، والحسن بن عرفة، وأبي سعيد الأشجّ، ويونس بن عبد الأعلى، وخلائق بالحجاز، والشام ومصر، والعراق والجبال، والجزيرة. روى عنه أبو الشيخ بن حيان، ويوسف الميانجيّ (¬1) وخلائق. قال الخليليّ: أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال. صنّف في الفقه، واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، وكان عابدا زاهدا يعدّ من الأبدال. ومن تصانيفه: «التفسير المسند» اثنا عشر مجلدا، وكتاب «الجرح والتعديل» يدل على سعة حفظه وإمامته، وكتاب «الرد على الجهميّة»، وكتاب «الزهد» وكتاب «الكنى» وكتاب «العلل» المبوب على أبواب الفقه، و «مناقب الشافعيّ» و «مناقب أحمد» وغير ذلك. وكان من كبار الصالحين لم [يعرف] (¬2) له ذنب قط: ولا جهالة طول عمره. قال يحيى بن منده: صنّف «المسند» في ألف جزء. قال عمر بن إبراهيم الزاهد الهرويّ: حدثنا الحسين بن أحمد الصفّار، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم، يقول: وقع عندنا الغلاء، فأنفذ بعض أصدقائي حبوبا من أصبهان، فبعته بعشرين ألف درهم، وسألني أن ¬

_ (¬1) الميانجي: بفتح الميم والياء وسكون الألف وفتح النون وفي آخرها الجيم نسبة الى ميانج، وهو موضع بالشام (اللباب لابن الأثير 3/ 197). (¬2) تكملة عن: طبقات المفسرين للسيوطي.

أشتري له دارا عندنا، فإذا نزل علينا نزل فيها، فأنفقتها على الفقراء، وكتب إليّ: ما فعلت؟ قلت: اشتريت لك بها قصرا في الجنة، قال: رضيت إن ضمنت ذلك لي: فتكتب على نفسك صكا، قال ففعلت، فأريت في المنام: قد وفّينا بما ضمنت ولا تعد لمثل هذا. وقال أبو الربيع محمد بن الفضل البلخيّ: سمعت أبا بكر محمد بن مهرويه الرازيّ، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد، سمعت يحيى بن معين، يقول: إنا لنطعن على أقوام، لعلهم قد حطّوا رحالهم في الجنة [من (¬1)] مائتي سنة. قال ابن مهرويه: فدخلت على ابن أبي حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب «الجرح والتعديل» فحدثته بها، فبكى وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب، وجعل يستعيدني الحكاية، ويبكى. مات في المحرّم سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وهو في عشر التسعين. 265 - عبد الرحمن بن محمد بن أميرويه بن محمد بن إبراهيم الكرمانيّ الحنفيّ ركن الدين أبو الفضل (¬2). قال السمعاني في «معجم شيوخه»: إمام أصحاب أبي حنيفة بخراسان، قدم مرو، وتفقه على القاضي محمد بن الحسين الأردستانيّ (¬3)، ¬

_ (¬1) تكملة عن تذكرة الحفاظ للذهبي، وطبقات الشافعية للسبكي. (¬2) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 480 أ، تاج التراجم لابن قطلوبغا 33، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 304، طبقات المفسرين للأدنةوي 44 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 18، الطبقات السنية 275 ب، الفوائد البهية للكنوي 91. (¬3) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: الجواهر المضيئة 1/ 304، والطبقات السنية للغزي ورقة 275 ب. وفي طبقات المفسرين للسيوطي، والأنساب للسمعاني، والفوائد البهية للكنوي: «الأرسابندي».

وكان قد فرغ قبل قدومه من تعليقه المذهب ببلخ، على عمر الخلنجيّ، ولازمه إلى أن صار أصحابه، ولم يزل يرتفع حاله لاشتغاله بالعلم ونشره، وتكاثر الفقهاء لديه، وتزاحم الطلبة عليه، إلى أن سلم له التقدم بمرو، وصار مقبولا عند الخاص والعام، وانتشر أصحابه في الآفاق، وظهرت تصانيفه بخراسان والعراق، ودرس عليه العلماء، وكانوا يقرءون عليه التفسير والحديث في شهر رمضان. سمع بكرمان والده، وبمرو أستاذه الأردستانيّ. تفقه عليه بمرو أبو الفتح محمد بن يوسف بن أحمد القنطريّ السمرقنديّ. ومن تصانيفه «الجامع الكبير» و «التجريد» في الفقه مجلد و «شرحه» في ثلاث مجلدات، وسماه «الإيضاح». قال السمعاني: سمعت منه، وكانت ولادته بكرمان في شوال سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وتوفي بمرو عشية الجمعة لعشر بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، بمدرسة القاضي الشهيد. ذكره القرشي في «طبقات الحنفية». 266 - عبد الرحمن بن محمد بن سلم الحافظ الكبير أبو يحيى الرازي (¬1). إمام جامع أصبهان. ومصنف «المسند» و «التفسير»، من الثقات. حدّث عن سهل بن عثمان، وعبد العزيز بن يحيى، والحسين بن عيسى الزهريّ وطبقتهم. حدث عنه أبو أحمد العسّال، وأبو الشيخ، والطبرانيّ، وآخرون. مات سنة إحدى وستين ومائتين. ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 690، الرسالة المستطرفة للكتاني 70، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 133.

267 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر البعلبكيّ (¬1). ثم الدمشقيّ الحنبليّ، الفقيه المحدّث، فخر الدين أبو بكر ابن الشيخ شمس الدين أبي عبد الله بن الإمام فخر الدين أبي محمد (¬2). مولده يوم الخميس رابع عشري ربيع الآخر سنة خمس وثمانين وستمائة. وسمع من ابن البخاري في الخامسة، ومن الشيخ تقيّ الدين الواسطيّ، وعمر القواس. وعني بالحديث. وارتحل فيه مرات، وكتب العالي والنازل من سنة خمس وسبعمائة، وهلم جرا. وخرّج لغير واحد من الشيوخ، وأفاد وتفقه، وأفتى في آخر عمره، وولي مشيخة الصّدرية والإعادة بالمسمارية، وجمع عدة تآليف، وفسّر بعض القرآن الكريم، وحدث. سمع منه الذهبي وجماعة، وكان فقيها محدّثا، كثير الاشتغال بالعلم، عفيفا ديّنا، حج مرات، وأقام بمكة أشهرا، وكان مواظبا على قراءة جزءين من القرآن في الصلاة كل ليلة. وله مواعيد كثيرة لقراءة الحديث، والرقائق على الناس، وجمع في ذلك مجموعات حسنة، منها كتاب. «الثمر الرائق المجتنى من الحقائق» (¬3) وانتفع بمجالسته الناس. توفي يوم الخميس تاسع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. وصلي عليه بالجامع، وحضر جنازته جمع كثير، وحمل على الرقاب، ودفن بمقبرة الصوفية، ولم يعقب. ¬

_ (¬1) في الأصل: «البعلي»، والمثبت في: الدرر الكامنة لابن حجر، وذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي، وذيل العبر. (¬2) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 451، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 30، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 419، ذيل العبر للذهبي 175. (¬3) ذكر في شذرات الذهب، والذيل على طبقات الحنابلة، باسم «الثمر الرائق المجتنى من الحدائق».

وأخبر بعض أقاربه- وكان يخدمه في مرضه الذي توفي فيه- قال: آخر ما سمعت منه عند موته، أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله) ثم مات. 268 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد العزيز اللّخميّ أبو القاسم الإمام النحويّ الحنفيّ (¬1). أخذ عن العلامة أبي محمد عبد الله بن برّي [كتابه] (¬2) الذي وضعه في أغلاط ضعفاء أهل الفقه. ورواه عنه الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم الحرّانيّ ورواه عن الحرّانيّ، أبو إسحاق إبراهيم الصّريفينيّ. قال الحافظ الدّمياطيّ: ويدعى أيضا عبد الرحيم. سكن القاهرة، ومولده في سنة خمس وخمسين وخمسمائة. (¬3) تفقه على أبي محمد عبد الله بن سعد البجليّ مدرس السيوفية، وسمع منه ومن الحافظ أبي محمد القاسم بن علي بن عبد الرحمن. قال الدّمياطيّ: كان شيخا فاضلا شاعرا، مع ما فيه من التبحّر في مذهب أبي حنيفة فإنّه درّس وناظر، وطال عمره، ودرس بالمدرسة العاشورية بحارة زويلة، إلى أن مات. وله تصانيف في فنون نظما ونثرا في المذاهب الأربعة، واللغة، والتفسير، والوعظ، والإنشاء، وله خط حسن. قال الدّمياطيّ وغيره: مات في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وستمائة؛ ودفن بسفح المقطم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 34، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 305، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 465، الطالع السعيد للادفوي 295. (¬2) تكملة عن: الجواهر المضيئة للقرشي. (¬3) تكملة عن: الجواهر المضيئة للقرشي.

سمع منه الحافظ المنذري، وذكره في «معجم شيوخه». ذكره القرشي. 269 - عبد الرحمن بن محمد بن عتّاب (¬1). يكنى: أبا محمد، هو آخر الشيوخ الجلّة الأكابر بالأندلس في علو الإسناد. وسعة الرواية. روى عن أبيه وأكثر عنه. وأجاز له من الشيوخ خلق كثير. وكان عالما بالقراءات السبع وكثير من التفسير وغريبه ومعانيه، مع حظ وافر من اللغة. وكان صدرا فيما يستفتى فيه. وكانت الرحلة في وقته إليه. ومدار أصحاب الحديث عليه. وله تواليف حسنة مفيدة منها: كتاب حفيل في الزهد والرقائق سماه «بشفاء الصدور» وهو كتاب كبير، وسمع منه الآباء والأبناء. وكثر انتفاع الناس به. توفي سنة عشرين وخمسمائة. ذكره ابن فرحون في «طبقات المالكية». 270 - عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس بن أصبغ بن فطيس (¬2). واسم هذا، سليمان، وفطيس لقب له، يكنى أبا المطرّف، قاضي الجماعة بقرطبة. روى عن أبي الحسن الأنطاكيّ المقرئ، وأبي محمد القلعي، وأبي محمد ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 150، الصلة لابن بشكوال 1/ 332. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1061، الديباج المذهب لابن فرحون 150، الرسالة المستطرفة للكتاني 58، الصلة لابن بشكوال 1/ 298، العبر 3/ 78، مرآة الجنان لليافعي 3/ 4، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 231.

الباجي، وأبي محمد الأصيلي، وخلق يكثر إيرادهم من أهل المشرق. ومن أهل بغداد، أبو الحسن الدارقطنيّ. وأبو بكر الأبهريّ، وغيرهما. ومن أهل القيروان أبو محمد بن أبي زيد الفقيه، وأحمد بن نصر الداوديّ، وغيرهما. كان رحمه الله من كبار المحدثين، وصدور العلماء المسندين، حافظا للحديث متقنا لعلومه. وله مشاركة في سائر العلوم، وجمع من الكتب في أنواع العلوم ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس. وكان له ستة وراقين ينسخون له دائما. وكان قد رتّب لهم على ذلك راتبا معلوما. وكان لا يسمع بكتاب حسن إلا اشتراه أو استنسخه. ولمّا توفي اجتمع أهل قرطبة لبيع كتبه، فأقاموا في بيعها مدّة عام كامل في المسجد، وكان ذلك في وقت الغلاء والفتنة، فاجتمع فيها من الثمن أربعون ألف دينار قاسمية، يبلغ صرفها نحو ثلاثمائة ألف درهم، وتقلد رحمه الله قضاء قرطبة مقرونا بولاية صلاة الجمعة والخطبة مضافا إلى ذلك خطّته العليا من الوزارة، وكان ذا صلابة في الحق ونصرة للمظلوم، ودفع للظالم. حدّث عنه من كبار العلماء أبو عمر بن عبد البرّ، وأبو عبد الله بن عائذ، والصاحبان، وابن أبيض، وسراج القاضي، وأبو عمر الطلمنكي، وأبو عمر بن الحذّاء، وحاتم بن محمد الخولاني، وأبو حفص الزهراويّ وغيرهم، وصنفا كتبا حسانا منها كتاب «القصص والأسباب التي نزل من أجلها القرآن» في نحو مائة جزء ونيف، وكتاب «المصابيح في فضائل الصحابة» مائة جزء، و «فضائل التابعين لهم بإحسان» مائة وخمسون جزءا، و «الناسخ والمنسوخ» ثلاثون جزءا، و «كتاب الإخوة من المحدّثين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين» أربعون جزءا، و «أعلام النبوة»، و «دلالات الرسالة» عشرة أسفار، و «كرامات الصالحين ومعجزاتهم» ثلاثون جزءا، و «مسند حديث محمد بن فطيس» خمسون جزءا، و «مسند قاسم بن أصبغ»، و «العوالي» ستون جزءا،

و «الكلام على الإجازة والمناولة» عدّة أجزاء، وغير ذلك من تواليفه. توفي يوم الثلاثاء للنصف من ذي القعدة سنة اثنتين وأربعمائة. ذكره ابن بشكوال في «الصلة». 271 - عبد الرحمن بن محمد الحلّالي- بالمهملة- الشيخ زين الدين (¬1). من أهل جزيرة ابن عمر، وهو ابن أخت الشيخ نظام الدين عالم بغداد. أخذ عن أبيه وغيره، وبرع في الفقه، والقراءات، والتفسير. مات ظنا سنة ست وثلاثين وثمانمائة. 272 - عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن أبو المطرّف القنازعي القرطبيّ الأنصاريّ المالكيّ (¬2). كان إماما عالما عاملا، فقيها حافظا، عالما بالتفسير والأحكام. بصيرا بالحديث، حافظا للرأي، ورعا زاهدا، متقشّفا قانعا باليسير، مجاب الدعوة، وله معرفة باللغة والأدب. تفقه بالأصيلي، وأبي عمر بن المكوي وغيرهما. وسمع الحديث من أبي عيسى، والقلعي، وابن عون الله وغيرهم. ثم رحل وحجّ وسمع بمصر من الحسن بن رشيق وغيره، وأخذ عن ابن أبي زيد جملة من تواليفه، وأقبل على نشر العلم وإقراء القرآن، وامتحن بالبرابرة في الفتنة، أيام ظهورهم على قرطبة، محنة أودت بحاله، وقدحت في خاطره، فعراه طيف خيال يغشاه ولا يؤذيه، وكان أقرأ من بقي. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الضوء اللامع للسحاوي 4/ 154. (¬2) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 358، جذوة المقتبس للحميدي 260، الديباج المذهب لابن فرحون 1/ 380، طبقات المفسرين للسيوطي 18، العبر 3/ 112.

وصنّف: «شرح الموطأ» مفيد مشهور، و «مختصر تفسير القرآن» لابن سلام، و «مختصر وثائق ابن الهندي» وعرض عليه السلطان الشّورى فامتنع. روى عنه ابن عتاب، وابن عبد البرّ، وابن الطّبنيّ (¬1)، وغيرهم. مولده سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة. مات في رجب سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. والقنازعي: نسبة إلى ضيعة (¬2) من بلاد المغرب. 373 - عبد الرحمن بن محمد بن المظفّر بن محمد بن داود بن أحمد بن معاذ بن سهل بن الحكم بن شيرزاد، أبو الحسن الداودي البوشنجي (¬3). الذي روى عنه أبو الوقت «صحيح البخاري». من أهل بوشنج، بباء موحدة مضمومة، ثم واو ساكنة، ثم شين معجمة مفتوحة، ثم نون ساكنة ثم جيم: بلدة بنواحي هراة. ولد سنة أربع وسبعين وثلاثمائة. تفقه على أبي بكر القفّال، وأبي الطيب الصّعلوكي، وأبي طاهر الزياديّ، وأبي حامد الأسفراينيّ، وأبي الحسن الطّبسيّ. وما أظن شافعيّا اجتمع له مثل هؤلاء الشيوخ. ¬

_ (¬1) هو إبراهيم بن يحيى بن محمد بن حسين بن أسد التميمي، يعرف: بابن الطبني من أهل قرطبة، من أهل بيت أدب وشعر ورئاسة توفي سنة 461 هـ (الصلة لابن بشكوال 1/ 96). (¬2) كذا في الأصل، وفي الصلة لابن بشكوال «منسوب الى صنعته». (¬3) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 220 أ، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 112، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 117، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 25 ب، العبر 3/ 264، فوات الوفيات لابن شاكر 1/ 548، اللباب لابن الأثير 1/ 407، المنتظم لابن الجوزي 8/ 496، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 99.

وسمع عبد الله بن أحمد بن حمّويه السّرخسيّ، وهو آخر الرّواة عنه، وأبا محمد بن أبي شريح، وأبا عبد الله الحاكم، وأبا طاهر الزياديّ، وأبا عمر بن مهديّ، وعليّ بن عمر التمّار، وغيرهم ببوشنج، وهراة ونيسابور، وبغداد. روى عنه أبو الوقت، ومسافر بن محمد، وعائشة بنت عبد الله البوشنجية، وأبو المحاسن أسعد بن زياد المالينيّ، وغيرهم. وكان فقيها إماما صالحا زاهدا ورعا، شاعرا أديبا صوفيا. صحب الأستاذ أبا عبد الرحمن السّلميّ، وأبا علي الدّقّاق، وغيرهم. وقيل: إنه كان يحمل ما يأكله وقت تفقهه ببغداد وغيرها من البلاد من بلده بوشنج، احتياطا. وقد سمع مشايخ عدّة، وكان يصنّف ويفتي ويعظ ويكتب الرسائل الحسنة. ويحكى أنّه كان لا تسكن شفتاه من ذكر الله عز وجل، وأنّ مزينا جاء ليقصّ شاربه، فقال له: أيها الإمام يجب أن تسكّن شفتيك، فقال: قل للزمان حتى يسكن. ودخل إليه نظام الملك، وتواضع معه غاية التواضع، فلم يزده على أن قال: أيها الرجل، إن الله سلطك على عبيده، فانظر كيف تجيبه إذا سألك عنهم. وذكره الحافظ أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجانيّ، فقال: شيخ عصره، وأوحد دهره، الإمام المقدّم في الفقه والأدب والتفسير، وكان زاهدا ورعا حسن السّمت، بقية المشايخ بخراسان، وأعلاهم إسنادا. أخذ عنه فقهاء بوشنج. ولد في شهر ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وثلاثمائة. وتوفي ببوشنج في شوال سنة سبع وستين وأربعمائة، ابن ثلاث وتسعين سنة.

وكان سماعه للصحيح في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وهو ابن ست سنين. هذا كلام الجرجانيّ. وروي أنّ أبا الحسن عبد الغافر الفارسي كان قد سمع الصحيح من أبي سهل الحفصيّ. ومن شعره: إن شئت عيشا طيّبا ... صفوا بلا منازع (¬1) فاقنع بما أوتيته ... فالعيش عيش القانع 274 - عبد الرحمن بن مسلمة بن عبد الملك بن الوليد القرشي المالقي (¬2). سكن إشبيلية. يكنى أبا المطرّف، كان مقدّما في الفهم: بصيرا بعلوم كثيرة من علوم القرآن، والأصول، والحديث، والفقه، وفنون العربية، والحساب، والطب، والعبادات، قد أخذ من كل علم بحظ وافر، مع حفظه للأخبار والأشعار روضة لجليسه، وكان قديم الطلب لذلك كله ببلده وبقرطبة. فمن شيوخه بقرطبة: الأصيلي، وأبو عمرو الإشبيليّ، وابن الهندي، وعباس بن أصبغ، وأبو نصر، وخلف بن قاسم، وغيرهم. توفي في شوال سنة ست وأربعين وأربعمائة، ومولده سنة ست وستين وثلاثمائة. ذكره ابن بشكوال. ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 1/ 307.

275 - عبد الرحمن بن موسى الهواري أبو موسى (¬1). من إستجّة. قال ابن الفرضيّ: رحل فلقي مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة ونظرائهما من الأئمة، ولقي الأصمعيّ، وأبا زيد الأنصاري، وغيرهما من رواة الغريب، وداخل العرب، فتردد في محالها، ورجع إلى الأندلس؛ وكان حافظا للفقه والقراءات والتفسير، وله «كتاب في تفسير القرآن»؛ وكان إذا قدم قرطبة لم يفت كبراؤها حتى يرحل عنها. وذكره الزبيديّ في الطبقة الأولى من نحاة الأندلس؛ وقال: هو أول من جمع الفقه في الدين وعلم العرب بالأندلس؛ وذكر مثل ما تقدّم عن ابن الفرضيّ. ثم قال. وكانت العبادة أغلب عليه من العلم. ذكره شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين الأسيوطيّ في «طبقات النحاة»، وكذا ابن فرحون، ولم يؤرّخا وفاته. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ علماء الأندلس لابن فرضي. 257، الديباج المذهب لابن فرحون 148.

ذكر من اسمه عبد الرحيم وما بعده

ذكر من اسمه عبد الرحيم وما بعده 276 - عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن أبو نصر القشيريّ النيسابوريّ الشافعي. (¬1) قال عبد الغافر: هو إمام الأئمة، وحبر الأمة، وبحر العلوم. رباه والده واعتنى به حتى برع في النظم والنثر واستوفى الحظ الأوفر من علم التفسير والأصول، ثم لازم إمام الحرمين حتى أحكم عليه المذهب والخلاف والأصول. وسمع الحديث من أبيه، وأبي عثمان الصابوني، وابن النّقور، وأبي القاسم الزّنجاني، وجماعة، وحدّث بالكثير. روى عنه سبطه أبو سعد عبد الله بن عمر الصفار، وأبو الفتوح الطائي، وبالإجازة ابن عساكر، وابن السمعاني. وصنف «التيسير في التفسير». قال الرافعيّ آخر باب النذر، في «تفسير أبي نصر القشيريّ» أن القفال قال: من التزم بالنذر أن لا يكلّم الآدميين. يحتمل أن يقال: يلزمه، لأنه ممّا يتقرّب به، ويحتمل أن يقال: لا، لما فيه من التضييق والتشديد، وليس ذلك من شرعنا، كما لو نذر الوقوف في الشمس. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 187، تبين كذب المفتري لابن عساكر 308، طبقات الشافعية: للسبكي 7/ 159، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 30 أ، طبقات المفسرين للأدنةوي 38 ب، طبقات ابن هداية الله 73، العبر 4/ 33، فوات الوفيات لابن شاكر 1/ 559، مرآة الجنان 3/ 210، المنتظم 9/ 220. هذا وقد ترجم ابن خلكان لعبد الرحيم القشيري أثناء ترجمة أبيه عبد الكريم، في وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 377.

قال ابن السبكي: وقد رأيت ذلك في «تفسير أبي نصر» المذكور. ذكره في تفسير سورة مريم (¬1). ومن العجائب أنه اعتقل لسانه في آخر عمره عن الكلام إلّا عن الذّكر، فكان يتكلم بآي القرآن. مات في يوم الجمعة الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وخمسمائة وهو في عشر الثمانين. ومن شعره: ليالي وصال [قد (¬2)] مضين كأنها ... لآلي عقود في نحور الكواعب (¬3) وأيام هجر أعقبتها كأنّها ... بياض مشيب في سواد الذوائب وله أيضا (¬4): تقبيل خدّك أشتهي ... أمل إليه أنتهي لو نلت ذلك لم أبل ... بالرّوح مني أن تهي دنياي لذّة ساعة ... وعلى الحقيقة أنت هي وله (¬5): شيئان من يعذلني فيهما ... فهو على التّحقيق منّي بري حبّ أبي بكر إمام التّقى ... ثم اعتقادي مذهب الأشعري ¬

_ (¬1) قال أبو نصر القشيري: وعلى هذا يكون نذر الصمت يعني في قوله تعالى «إني نذرت للرحمن صوما» في تلك الشريعة لا في شريعتنا (طبقات الشافعية للسبكي 7/ 166). (¬2) عن طبقات الشافعية للسبكي. (¬3) طبقات الشافعية للسبكي. (¬4) الأبيات الثلاثة في فوات الوفيات. وفيها: تقبيل ثغرك ... (¬5) طبقات الشافعية للسبكي.

277 - عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف بن أبي الهيجاء الرّسعنيّ الحنبليّ (¬1). الإمام الفقيه، الحافظ المفسّر، عز الدين، أبو محمد، ولد برأس عين الخابور سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وسمع الحديث ببلده من أبي المجد القزويني، وغيره، وببغداد من عبد العزيز بن منينا، والداهري، وعمر بن كرم، وغيرهم. وبدمشق من أبي اليمن الكندي، وابن الحرستاني، والخضر بن كامل، والشيخ موفق الدين، وأبي الفتوح بن الجلاجلي، وغيرهم. وبحلب من الافتخار الهاشمي، وببلدان أخر. وعني بالحديث وطلب، وقرأ بنفسه. وذكره الذهبي في «طبقات الحفاظ». وتفقه على الشيخ موفق الدّين، وحفظ كتاب «المقنع» في الفقه، وصحب الشيخ العماد، وطائفة من أهل العلم والدين والصّلاح. وقرأ العربية والأدب، وتفنن في العلوم. وولي مشيخة دار الحديث بالموصل. وكانت له حرمة وافرة عند بدر الدين صاحب الموصل، وغيره من ملوك الجزيرة. وصنّف «تفسيرا» حسنا في أربع مجلدات ضخمة سمّاه «رموز الكنوز» وفيه فوائد حسنة ويروى فيه الأحاديث بأسانيده. وصنف كتاب «مصرع الحسين» رضي الله عنه، ألزمه بتصنيفه صاحب الموصل. فكتب فيه ما صحّ من القتل دون غيره. وكان لما قدم بغداد فأنعم عليه المستنصر، صنف هذا ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1452، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 274، طبقات المفسرين للسيوطي 19، العبر للذهبي 5/ 264.

التفسير ببلده، وأرسله إليه، وهو في ثمان مجلدات، وقف بالمدرسة البشيرية ببغداد. وكان إماما فقيها محدّثا، أديبا شاعرا، ديّنا صالحا فاضلا في فنون العلم والأدب، ذا فصاحة وحسن عبارة، وله في تفسيره مناقشات مع الزمخشري وغيره في العربية وغيرها. وكان متمسّكا بالسنة والآثار، ويصدع بالسنة عند المخالفين من الرافضة وغيرهم. وله نظم حسن. ومن نظمه: «القصيدة النونية» المشهورة في الفرق بين الضاد والظاء. وصنّف في الفقه والعروض وغير ذلك، وحدّث. وسمع منه جماعة. وقدم دمشق رسولا. فقرأ عليه أبو حامد بن الصابوني جزءا. وروى عنه ابنه أبو عبد الله محمد بن عبد الرزاق، والدمياطي الحافظ في «معجمه»، وغير واحد. وبالإجازة: أبو المعالي الأبرقوهي، وأبو الحسن بن البندنيجي الصوفي، وزينب بنت الكمال. روى عنه العلامة أبو الفتح بن دقيق العيد وأخوه وأبوه. وأنشد ابن دقيق العيد له (¬1): وكنت أظن في مصر بحارا ... إذا ما جئتها أجد الورودا فما ألفيتها إلا سرابا ... فحينئذ تيممت الصّعيدا توفي بسنجار في رجب، وقيل في السابع والعشرين من ذي الحجة سنة ستين وستمائة. وذكر الذهبي وغيره: أنه توفي ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة. ¬

_ (¬1) الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب.

ذكره ابن رجب، ثم شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في «طبقات المفسّرين» مختصرا. 278 - عبد الرزاق بن همّام بن نافع الحافظ أبو بكر الحميريّ مولاهم الصّنعانيّ (¬1). صاحب التصانيف «كالتفسير» المشهور، الذي رواه عنه محمد بن حماد الطّهرانيّ. روى عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر قليلا، وعن ابن جريج، وثور ابن يزيد، ومعمر، والأوزاعيّ، والثوريّ، وخلق كثير. رحل في تجارة إلى الشام ولقي الكبار. وعنه أحمد، وإسحاق، وابن معين، والذهلي، وأحمد بن صالح، والرمادي، وإسحاق الدّبريّ (¬2)، وأمم سواهم. وكان يقول جالست معمرا سبع سنين. قال أحمد: كان عبد الرزاق يحفظ حديث معمر. وثّقه غير واحد، وحديثه مخرّج في الصّحاح وله ما ينفرد به، ونقموا عليه التشيع، وما كان يغلو فيه، بل يحبّ عليا رضي الله عنه ويبغض من قاتله، وقد قال سلمة بن شبيب: سمعت عبد الرزاق يقول: والله ما انشرح صدري قط أن أفضّل ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 10/ 265، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 364، الرسالة المستطرفة للكتاني 40، الفهرست لابن النديم 228، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 609، النجوم الزاهرة 2/ 202. (¬2) الدبري: بفتح الدال المهملة والباء وبعدها راء، هذه النسبة الى دبر وهي من قرى صنعاء اليمن (اللباب لابن الأثير 1/ 409).

عليّا على أبي بكر وعمر. وكان رحمه الله من أوعية العلم، ولكنه ما هو في حفظ وكيع وابن مهدي. قال ابن سعد: مات في نصف شوال سنة إحدى عشرة ومائتين وعاش خمسا وثمانين سنة، وترجمته تحتمل أوسع من هذا، أخرج له الجماعة، رحمه الله. 279 - عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي ابن تيمية الحرانيّ الحنبليّ (¬1). الفقيه، الإمام المقرئ المحدّث المفسر، الأصولي النحوي، مجد الدين أبو البركات، شيخ الإسلام وفقيه الوقت، وأحد الأعلام، ابن أخي الشيخ فخر الدين بن أبي القاسم، وجد شيخ الإسلام تقي الدين. ولد سنة تسعين وخمسمائة- تقريبا- بحران، وحفظ بها القرآن. وسمع من عمه الخطيب فخر الدين، والحافظ عبد القادر الرهاويّ، وحنبل الرصافي. ثم ارتحل إلى بغداد سنة ثلاث وستمائة مع ابن عمه سيف الدين عبد الغني، فسمع بها من عبد الله بن سكينة، وابن الأخضر الحافظ، وابن طبرزد، وضياء بن الخريف، ويوسف بن مبارك الخفاف، وعبد العزيز ابن منينا، وأحمد بن الحسن العاقولي، وعبد المولى بن أبي تمام وغيرهم. وأقام ببغداد ست سنين يشتغل في الفقه والخلاف والعربية وغير ذلك. ثم رحل إلى بغداد سنة بضع عشرة، فازداد بها من العلوم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في البداية والنهاية لابن كثير 13/ 185، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 249، الرسالة المستطرفة للكتاني 180، السلوك للمقريزي ج أق 2 ص 395، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 385، فوات الوفيات لابن شاكر 1/ 570.

قرأ ببغداد القراءات بكتاب «المبهج» لسبط الخياط على عبد الواحد ابن سلطان. وتفقه بها على أبي بكر بن غنيمة الحلاوي، والفخر إسماعيل، وأتقن العربية والحساب والجبر والمقابلة والفرائض على أبي البقاء العكبريّ، حتى قرأ عليه كتاب «الفخري» في الجبر والمقابلة. وبرع في هذه العلوم وغيرها. قال الحافظ الذهبي: حدثني شيخنا أبو العباس بن تيمية شيخ الإسلام حفيد الشيخ مجد الدين هذا، أن جده ربّي يتيما، وأنه سافر مع ابن عمه إلى العراق ليخدمه ويشتعل معه وهو ابن ثلاث عشرة سنة، فكان يبيت عنده، فيسمعه يكرر عليّ مسائل الخلاف [فيحفظ المسألة، فقال الفخر إسماعيل: أيش حفظ هذا التنين- يعني الصغير- فبدر (¬1)] وقال: حفظت يا سيدي الدرس، وعرضه في الحال، فبهت الفخر، وقال لابن عمه: هذا يجيء منه شيء، وحرّضه على الاشتغال، قال: فشيخه في الخلاف: الفخر إسماعيل، وعرض عليه مصنّفه «جنة الناظر» وكتب له عليه سنة ست وستمائة: عرض عليّ الفقيه الإمام العالم أوحد الفضلاء، أو نحو هذه العبارة وأخرى نحوها وهو ابن ستة عشر عاما. قال الذهبي: قال لي شيخنا أبو العبّاس: كان الشيخ جمال الدين بن مالك يقول: ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين لداود الحديد. قال: وبلغنا أن الشيخ المجد لما حج من بغداد في آخر عمره، واجتمع به الصاحب العلامة، محيي الدين بن الجوزي، فانبهر له، وقال: هذا الرجل ما عندنا ببغداد مثله، فلما رجع من الحج التمسوا منه أن يقيم ببغداد، فامتنع، واعتل بالأهل والوطن. ¬

_ (¬1) ما بين القوسين عن ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب.

قال: وكان حجه سنة إحدى وخمسين. وفيها حج الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، ولم يتفق اجتماعهما. قال: وكان الشيخ مجد الدين بن حمدان مصنف «الرعاية» يقول: كنت أطالع على درس الشيخ المجد، وما أبقى ممكنا، فإذا حضرت الدرس يأتي الشيخ بأشياء كثيرة لا أعرفها. وقال الحافظ الشريف عز الدين: حدث بالحجاز، والشام، والعراق، وبلده حرّان، وصنف ودرس، وكان من أعيان العلماء، وأكابر الفضلاء ببلده، وبيته. مشهور بالعلم والدين والحديث. وقال الذهبي: كان الشيخ مجد الدين معدوم النظير في زمانه، رأسا في الفقه وأصوله، بارعا في الحديث ومعانيه، له اليد الطولى في معرفة القرآن والتفسير، صنف التصانيف، واشتهر وبعد صيته، وكان فريد زمانه في معرفة المذهب، مفرط الذكاء متين الديانة، كبير الشأن. ذكر تصانيفه: «أطراف أحاديث التفسير» رتبها على السور معزوة، «أرجوزة» في علم القراءات، «الأحكام الكبرى» في عدة مجلدات، «المنتقى من أحاديث الأحكام» وهو الكتاب المشهور، انتقاه من الأحكام الكبرى، ويقال: إن القاضي بهاء الدين شداد هو الذي طلب منه ذلك بحلب، «المحرر» في الفقه، «منتهى الغاية في شرح الهداية» بيض منه أربع مجلدات كبار إلى آخر الحج، والباقي لم يبيضه، «مسودة» في أصول الفقه مجلد، وزاد فيها ولده، ثم حفيده أبو العباس، «مسودة» في العربية على نمط المسودة في الأصول. قرأ عليه القراءات جماعة، وأخذ الفقه عنه ولده شهاب الدين عبد الحليم، وابن تميم صاحب «المختصر» وغيرهما، وسمع منه خلق.

وروى عنه ابنه شهاب الدين، والحافظ عبد المؤمن الدّمياطيّ، والأمين ابن شقير الحرانيّ، وأبو العباس بن الظاهري الحافظ، ومحمد بن أحمد القزاز، وأحمد الدّشتيّ، ومحمد بن زناطر. والعفيف إسحاق الآمديّ، والشيخ نور الدين عبد الرحمن بن عمر البصريّ مدرس المستنصرية، وأبو عبد الله بن الدواليبيّ. وأجاز لتقي الدين سليمان بن حمزة الحاكم، ولزينب بنت الكمال، وأحمد ابن علي الجزريّ، وهما خاتمة من روى عنه. وتوفي يوم عيد الفطر بعد صلاة الجمعة منه سنة اثنتين وخمسين وستمائة بحرّان، ودفن بظاهرها. 280 - عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن أبو الحكم اللخميّ الأفريقي، ثم الإشبيليّ الصوفي المعروف بابن برّجان (¬1). روى عن محمد بن أحمد بن منظور، روى عنه عبد الحق الإشبيلي، ومحمد بن خليل القيسي، وأبو القاسم القنطريّ، وآخرون. قال ابن الأبار: كان من أهل المعرفة بالقراءات والحديث. والتحقق بعلم الكلام والتصوف، مع الزهد والعبادة. وله تأليف منها «تفسير القرآن» و «شرح الأسماء الحسنى» مات سنة ست وثلاثين وخمسمائة، عابوا عليه الإمعان في علم الحرف حتى استعمله في تفسير القرآن، وقصيدة ابن الزكيّ التي مدح بها السلطان صلاح الدين في ذلك مشهورة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 73، طبقات المفسرين للأدنةوي 41 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 20، العبر للذهبي 4/ 100، فوات الوفيات لابن شاكر 1/ 569، لسان الميزان 4/ 13، مرآة الجنان لليافعي 3/ 267، مفتاح السعادة لطاش كبرى زادة 2/ 111، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 270.

له مجلس مناظرة، وأوردوا عليه المسائل التي أنكروها فأجاب، وخرجها مخارج محتملة، فلم يرضوا منه بذلك؛ لكونهم لم يفهموا مقاصده، وقرروا عند السلطان أنه مبتدع، فاتفق [أنه مرض (¬1)] بعد أيام قليلة، ومات في المحرم. واتفق أن علي بن يوسف مات بعده في رجب على مزبلة بغير صلاة ولا دفن، بحسب ما قرره معه من طعن عليه من المتفقهة، فاتفق أن بعض أهل الفضل لما بلغته وفاته، أرسل عبدا أسود نادى جهارا، أحضروا جنازة فلان، فامتلأت الرحاب بالناس، فغسلوه وصلوا عليه ودفنوه. 281 - عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب أبو هاشم بن أبي علي الجبّائي (¬2). من رءوس المعتزلة هو وأبوه، وسيأتي. له تصانيف و «تفسير» مات في شعبان سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ببغداد. قال ابن درستويه: اجتمعت مع أبي هاشم، فألقى عليّ ثمانين مسألة من غريب النحو ما كنت أحفظ لها جوابا، وكان موته هو وابن دريد في يوم واحد، فقيل: مات علم الكلام واللغة معا. وقال ابن عبد الملك في «ذيل الصلة» لابن بشكوال: سعى عليه سعاية باطلة عند علي بن يوسف بن تاشفين، فأحضره إلى مراكش، فلما وصل إليها قال: لا أعيش إلا قليلا، ولا يعيش الذي أحضرني بعدى إلا قليلا، فعقد ¬

_ (¬1) تكملة عن لسان الميزان. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 176، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 11/ 55، العبر للذهبي 2/ 187، الفهرست لابن النديم 174، لسان الميزان للذهبي 4/ 16، المنتظم لابن الجوزي 6/ 261، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 242.

282 - عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار أبو يوسف القزويني (¬1). شيخ المعتزلة، ونزيل بغداد. قال السمعاني: كان أحد المعمرين والفضلاء المقدمين، جمع «التفسير الكبير» الذي لم ير في التفاسير أكبر منه ولا أجمع للفوائد، لولا أنه مزجه بكلام المعتزلة، وبث فيه معتقده، وهو في ثلاثمائة مجلد، منها سبع مجلدات في الفاتحة. أقام بمصر سنين، ثم رحل إلى بغداد، وكان داعية إلى الاعتزال، ويقول لم يبق من ينصر هذا المذهب غيره. وقال ابن النجار: كان طويل اللسان ولم يكن محقّقا إلا في التفسير، فإنه لهج في التفاسير حتى جمع كتابا بلغ خمسمائة مجلّد، حشا فيه العجائب، حتى رأيت منه مجلدا في آية واحدة وهي قوله تعالى: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ (¬2) الآية. أخذ العلم عن القاضي عبد الجبّار، وغيره. وسمع الحديث من أبي نعيم الأصبهانيّ، وأبي طاهر بن سلمة، وغيرهما. روى عنه أبو غالب بن البناء، وأبو بكر قاضي المارستان، وأبو البركات الأنماطي، وآخرون. مات في رابع عشر ذي العقدة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، عن ست وتسعين سنة، لأنّ مولده في شعبان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 150، تاريخ قزوين 358، تذكرة الحفاظ 4/ 1208، الجواهر المضيئة 1/ 315، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 121، طبقات المفسرين للسيوطي 19، العبر 3/ 321، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 4/ 11، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 156. (¬2) سورة البقرة 102.

قال الرافعيّ في «تاريخ قزوين»: رأيت بخط القاضي عبد الملك بن المعافى قال أنشدني القاضي أبو يوسف القزوينيّ: أموج إذا وليت أم كفك يرى ... قضيب لجين في الغلائل أم قدّ (¬1) أحقّان من عاج بصدرك ركّبا ... لطيفان أم هذان ثديان يا هند أليل دجا أم شعرك الفاحم الجعد ... أصبح بدا أم وجهك الطالع السّعد أنرجسة هاتيك أم تيك مقلة ... أتفاحة ذاك المضرّج أم خدّ أهذا الذي في فيك درّ منضّد ... أبيني لنا أم لؤلؤ ضمه العقد 283 - عبد الصمد بن حامد بن أبي البركات بن عبد الصمد بن بدل ابن نهشل النهشليّ (¬2). أبو محمد نظام الدين التبريزيّ الشافعيّ، الفقيه العلّامة النحوي، المقرئ المفسّر، المفتي القاضي، صدر القراء، وأوحد البلغاء. أخذ القراءات والعربيّة والتفسير والفقه عن غير واحد من فضلاء بلاده، منهم العلامة فخر الدين الجار برديّ، والطيبيّ، والإمام شمس الدين القزويني، والشيخ شمس الدين الخفاف، وغيرهم. ولد في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعمائة بمدينة تبريز، وحج وزار على طريق الشام في سنة اثنتين وستين وسبعمائة، ثم توجه إلى بلاده، وكان قد ولي في آخر وقت قضاء القضاة بتبريز، وله يد طولى في علم الفلك مع الدين والأمانة. ذكره ابن الجزري في «طبقات القراء» ولم يؤرّخ وفاته. ¬

_ (¬1) تاريخ قزوين للرافعي. (¬2) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 1/ 388.

284 - عبد الصمد بن عبد الرحمن بن أبي رجاء الإمام أبو محمد البلويّ الأندلسي الوادي آشي المقرئ (¬1). ولد سنة نيف وثلاثين وخمسمائة. قال ابن الأبار: روى عن أبيه الأستاذ أبي القاسم، وأبي العباس الجزولي، وأبي بكر بن رزق، وأبي الحسن بن كوثر، وأبي القاسم بن حبيش، وأبي عبد الله بن حميد. وأخذ القراءات عن جماعة، وأجاز له أبو طاهر السلفيّ، وجماعة. وكان راوية مكثرا، وواعظا مذكرا، يتحقق بالقراءات والتفاسير، ويشارك في الحديث، والعربيّة، اعتمد في ذلك على أبيه، وأبي العباس الجزولي. أقرأ الناس ببلده، وتصدر وحدّث، وقال أبو حيّان: روى عن أبيه القراءات تلاوة، وسمع منه عدة كتب، ومات أبوه وله نحو من عشر سنين، ومع ذلك روى الناس عنه، ووثقوه، سألت أبا علي بن أبي الأحوص عنه فوثقه. روى عنه الحافظ أبو عبد الله محمد بن سعيد الطراز، وأبو جعفر أحمد بن سعد بن بشير، وأبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن عروس الغساني. قال الأبار: توفي في رجب سنة تسع عشرة وستمائة. قال أبوه: قرأت بالروايات بمكة على عبد الله بن العرجاء، صاحب ابن نفيس. 285 - عبد العزيز بن أحمد بن سعيد بن عبد الله (¬2). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 1/ 389، طبقات القراء للذهبي 2/ 486، طبقات المفسرين للسيوطي 20. (¬2) له ترجمة في: ايضاح المكنون للبغدادي 1/ 60، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 421، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 199، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 61 ب، طبقات الشعراني 1/ 202، كشف الظنون لحاجي خليفة 1/ 195، هدية العارفين للبغدادي 1/ 580، 581.

أبو محمد الشيخ عز الدين الدّميريّ المعروف بالدّيرينيّ المصريّ الشافعيّ الفقيه العالم الأديب الصوفيّ الرفاعيّ. أخذ عن الشيخ عز الدين وغيره ممن عاصره، ثم صحب أبا الفتح بن أبي الغنائم الرّسعنيّ وتخرج به، وتكلم في الطريق وغلب عليه الميل إلى التصوف، وكان مقره بالريف ينتقل من موضع إلى موضع، والناس يقصدونه للتبرك به. قال السبكي: الشيخ الزاهد، القدوة، ذو الأحوال المذكورة، والكرامات المشهورة، والمصنفات الكثيرة، والنظم الشائع، وكان يعرف الكلام على مذهب الأشعريّ. قال: وقد ذكره شيخنا أبو حيّان وقال: كان متقشّفا، مخشوشنا، من أهل العلم، يتبرّك به الناس. قال السبكي: وهذا من أبي حيان كثير، لولا أن هذا الشيخ ذو قدم راسخ بالتقوى لما شهد له أبو حيّان بهذه الشهادة؛ فإنه كان قليل التّزكية للمتصلّحين. توفي في رجب سنة أربع وتسعين وستمائة قاله صاحب «نجم المهتدي ورجم المعتدي». وقال السبكي في «الطبقات الكبرى»: توفي في السنة المذكورة، قال: ومولده سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة. قال في «الوسطى» توفي في حدود التسعين. وقال الإسنوي: سنة سبع وتسعين. وقال ابن حبيب: توفي في سنة تسع وثمانين، والصواب الأوّل. والدّيرينيّ: نسبة إلى ديرين، بدال مهملة مكسورة بعدها ياء مثناة من تحت ساكنة ثم راء مثناة من تحت أيضا ثم نون، بلدة بالديار المصرية من أعمال الغربية.

ومن تصانيفه: «تفسير» سماه «المصباح المنير في علم التفسير» في مجلدين، ونظم «أرجوزة» في التفسير سماها «التيسير في علم التفسير» تزيد على ثلاثة آلاف ومائتي بيت، وكتاب «طهارة القلوب في ذكر علام الغيوب» في التصوف وهو كتاب حسن، وكتاب «أنوار المعارف وأسرار العوارف» في التصوف أيضا، و «تفسير أسماء الله الحسنى» و «الوسائل والرسائل» في التوحيد و «نظم السّيرة النبويّة» ونظم «الوجيز» فيما يزيد على خمسة آلاف بيت ونظم «التنبيه» وشرع في «نظم الوسيط» وله نظم كثير فمنه: اقتصد في كلّ حال ... واجتنب شحّا وغرما (¬1) لا تكن حلوا فتؤكل ... لا ولا مرّا فترمى 286 - عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد (¬2) بن معروف الحنبليّ أبو بكر المعروف بغلام الخلّال (¬3). حدّث عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وموسى بن هارون، ومحمد بن الفضل الوصيفي، وأبي خليفة الفضل بن الحباب (¬4) البصريّ، وجعفر الفريابي، وإبراهيم بن الهيثم القطيعيّ، ومحمد بن محمد الباغنديّ، والقاسم ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) كذا في تاريخ بغداد، والمنتظم، وطبقات الحنابلة، وطبقات الشيرازي. وفي الأصل: «ابن داود». (¬3) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 278، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 10/ 459، طبقات الحنابلة 2/ 119، طبقات الشيرازي 146، العبر 2/ 330، المنتظم 7/ 71، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 105. (¬4) كذا في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، والمنتظم، وطبقات الحنابلة، وميزان الاعتدال. وفي الأصل: «ابن الحارث».

ابن زكرياء المطرّز، والحسين بن عبد الله الخرقيّ (¬1)، وأبي القاسم البغويّ، وعبد الله بن أحمد، وأبي بكر بن أبي داود، في آخرين. روى عنه أحمد بن عثمان بن الجنيد الخطبيّ، وبشر بن عبد الله الفاتنيّ، وأبو عبد الله بن بطة، وأبو الحسن التميميّ، وأبو حفص البرمكيّ، وأبو حفص العكبريّ، وأبو عبد الله بن حامد. وكان أحد أهل الفهم، موثوقا به في العلم، متسع الرواية، مشهورا بالديانة، موصوفا بالأمانة، مذكورا بالعبادة. وله المصنّفات في العلوم المختلفات: «الشافي»، و «المقنع»، و «تفسير القرآن» و «الخلاف مع الشافعي»، و «كتاب القولين»، و «زاد المسافر»، و «التنبيه» وغير ذلك. سأله رافضي عن قوله عز وجل: (¬2) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [من هو (¬3)] فقال له: أبو بكر الصّديق. فردّ عليه، وقال: بل هو علي. فهمّ به أصحابه، فقال لهم: دعوه ثم قال له اقرأ ما بعدها لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ. ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ. لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا (¬4) وهذا يقتضي أن يكون هذا المصدّق ممن له إساءات سبقت. وعلى قولك أيها السائل: لم يكن لعلي إساءات. فقطعه. وهذا استنباط حسن لا يعقله إلا العلماء. فدل ذلك على علمه وحلمه وحسن خلقه. فإنه لم يقابل الرافضي على جناية، وعدل إلى العلم. ¬

_ (¬1) في الأصل «الحرفي»، والصواب في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى. والخرقي: بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء وفي آخرها القاف، هذه النسبة الى بيع الخرق والثياب (اللباب لابن الأثير 1/ 356). (¬2) سورة الزمر: 33. (¬3) تكملة عن: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى. (¬4) سورة الزمر: 34، 35.

وله اختيارات في المذهب مشهورة، منها: أن الصلاة في الثوب المغصوب باطلة. واختار أن المرأة إذا وقفت إلى جانب الرجل بطلت صلاة من يليها من الرجال. واختار أن الكفر ملل واختياراته كثيرة. وتوفي في شوال لعشر بقين منه، في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة. وتوفي يوم الجمعة بعد الصلاة. وفي رواية أخرى قال أبو بكر عبد العزيز في علته: أنا عندكم إلى يوم الجمعة. وذلك في شوال سنة ثلاث وستين وثلاثمائة. فقيل له: يعافيك الله- أو كلاما هذا معناه- فقال: سمعت أبا بكر الخلال يقول: سمعت أبا بكر المروزيّ يقول: عاش أحمد بن حنبل ثمانيا وسبعين سنة. ومات يوم الجمعة ودفن بعد الصلاة. وعاش أبو بكر المروزيّ ثمانيا وسبعين سنة، ومات يوم الجمعة. ودفن بعد الصلاة. وأنا عندكم إلى يوم الجمعة ولي ثمان وسبعون سنة. فلما كان يوم الجمعة مات ودفن بعد الصلاة. وهذه كرامة حسنة له. فإنه حدّث بيوم موته، وكان يوم موته يوما عظيما لكثرة الجمع. وهاجر من داره لما ظهر سب السلف إلى غيرها. وهذا يدل على قوة دينه وصحة عقيدته رحمة الله عليه. لخصت هذه الترجمة، من «طبقات الحنابلة» لأبي يعلى بن الفراء. 287 - عبد العزيز بن عبد الجليل النمراوي الشيخ عزّ الدين الشافعي (¬1). ولد بناحية نمرا من أعمال الغربية، وقدم القاهرة، واشتغل في العلم بها حتى برع، وصار عالما نظّارا، وتصدى للاشتغال وأفتى، ودرس الفقه بالمدرسة ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 60، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 422، الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 481، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 66 ب.

النابلسية، ودرس التفسير بالقبة المنصورية، وناظر بحضرة الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فرجحه على ابن المرحل. مات يوم الأربعاء تاسع ذي القعدة سنة [عشر] (¬1) وسبعمائة. 288 - عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد ابن المهذّب عز الدين أبو محمد السلمي (¬2). الشافعي، الملقب بسلطان العلماء وشيخ الإسلام، أصله مغربيّ، ومولده بدمشق، في سنة سبع- أو ثمان- وسبعين وخمسمائة، وسمع حضورا على أبي الحسين أحمد بن الموازيني، والخشوعي، وسمع عبد اللطيف بن إسماعيل الصوفي، والقاسم بن عساكر، وابن طبرزد، وحنبل المكبر، وعبد الصمد بن محمد الحرستاني وجماعة. وخرج له الحافظ شرف الدين أبو محمد الدّمياطي أربعين حديثا عوالي. روى عنه تلامذته، الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وهو الذي لقّبه سلطان العلماء، وعلاء الدين أبو الحسن علي الباجي، وتاج الدين الفركاح، والحافظ أبو بكر محمد بن يوسف بن مسدي، وأبو العباس أحمد الدّشناوي، وأبو محمد هبة الله القفطي، وشرف الدين الدّمياطي، وأبو الحسين اليونينيّ، وخلائق من أهل مصر والشام وغيرهم. وتفقه على الإمام فخر الدين عبد الرحمن بن عساكر، وقرأ الأصول على ¬

_ (¬1) تكملة عن: الدرر الكامنة لابن حجر. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 335، تاريخ علماء بغداد للسلامي 104، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 314، ذيل الروضتين لأبي شامة 216، ذيل مرآة الزمان 1/ 505، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 209، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 51 أ، طبقات ابن هداية الله 85، العبر 5/ 260، فوات الوفيات 1/ 594، المختصر لأبي الفداء 3/ 251، مرآة الجنان لليافعي 4/ 153، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 353، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 7/ 208.

السيف الآمديّ، وغيره. ومهر في العربية، ودرس وأفتى وصنف، وبرع في المذهب وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده الطلبة من [البلاد] وتخرج به أئمة، وصار رأس الشافعية في وقته، ولم يلحقه أحد في حالته. وكان عاقلا ناسكا، ورعا زاهدا متقشفا، أمّارا بالمعروف نهاء عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم، ولي خطابة الجامع الأموي بدمشق من قبل الملك الصالح إسماعيل بعد الدولعي، وأزال كثيرا من البدع التي كان الخطباء يفعلونها؛ من دق المنبر بالسّيف وغير ذلك، وأبطل صلاتي الرّغائب ونصف شعبان، ومنع منهما. فلما أعطى الصالح الفرنج صفدو الشّقيف، أنكر الناس ذلك عليه، وتنكروا له، فعرّض به الشيخ عزّ الدين في الخطبة يوم الجمعة، ونال منه وترك الدّعاء له، فعزله الصالح وحبسه ثم أفرج عنه فسار إلى القاهرة، ومرّ في طريقه إليها على الكرك، وذلك في حدود سنة تسع وثلاثين وستمائة، فسأله الناصر داود هو والشيخ أبو عمرو بن الحاجب الإقامة بها فامتنع، وقال: هذه بلدة تصغر عن نشر علمي، ومضى إلى القاهرة فأكرمه السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب، وبالغ في تعظيمه وتلقاه واحترمه، فاتّفق وفاة قاضي القضاة شرف الدين أبي المكارم محمد بن عبد الله بن الحسن بن عين الدولة، في تاسع عشر ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وستمائة، فولي السلطان الملك الصالح بدر الدين أبا المحاسن يوسف ابن الحسن بن علي السنجاري قضاء القاهرة والوجه البحري، وولي الشيخ عز الدين قضاء مدينة مصر والوجه القبلي، وأضاف إليه خطابة جامع عمرو بن العاص، عوضا عن الشيخ مجد الدين أبي الحسن علي الإخميمي بعد عزله، فلم يتغير عن طريقته، من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واطراح التكلف، وترك الاحتفال بالملبس، حتى إنه كان يحضر الموكب السّلطانيّ وعلى رأسه قبع لبّاد.

وحكى أنه ركب يوما بغلة، وعليه قميص وهو معتم على طرطورلباد، فتعرض له فقير يسأله شيئا، فقطع نصف العمامة من على رأسه ودفعها إليه وسار، فقصده آخر فدفع إليه النصف الآخر. وطلع يوم العيد إلى القلعة والعساكر مصطفين بين يدي السلطان والأمراء تقبّل الأرض له، فنادى في ذلك الموكب العظيم: يا أيوب، ما حجّتك عند [الله] (¬1) إذا قال لك: ألم أولك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟ فقال السلطان: هل جرى هذا؟ فقال نعم، الحانة الفلانيّة يباع فيها الخمر وغيره من المنكرات، وبها أنواع من سوء، وأنت تتقلّب في نعمة هذه المملكة، وذلك بأعلى صوته، والعساكر واقفون، فقال: يا سيدي، هذا شيء لم أعمله، وهو من زمان أبي فقال: أنت من الذين يقولون يوم القيامة إذا سئلوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ (¬2) فرسم السلطان بإبطال ما يعمل في تلك الحانة. فلما انصرف الشيخ من المجلس قال له تلميذه الباجيّ: يا سيّدي كيف تجرأت على السلطان وفاجأته بهذا الجواب؟ فقال: يا بنيّ رأيته في تلك العظمة فأردت أن أهينه، لئلا تكبر نفسه. فقال له يا سيدي أما خفت منه؟ قال والله با بنيّ استحضرت هيبة الله تعالى في قلبي، فصار [السلطان (¬3)] قدّامي كالقطّ. وبالغ في القيام بالأمر بالمعروف وشدّد في ذلك، حتى شجر بينه وبين الأمراء كلام في هذا المعنى، فقال لهم: أنتم الآن أرقاء لا ينفذ لكم تصرف، وقد عزمت على بيعكم، فشق ذلك عليهم، واستشاطوا غضبا، وهمّوا بالإيقاع به، وقال بعضهم: كيف ينادي علينا ويبيعنا ونحن ملوك ¬

_ (¬1) تكملة عن: طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) الآية 23 من سورة الزخرف. (¬3) تكملة عن طبقات الشافعية للسبكي.

الأرض؟ والله لأضربنّه، وشهر سيفه وركب في جمع من خدمه حتى أتى بيت الشيخ وسيفه مشهور بيده، وطرق الباب، فخرج عبد اللطيف بن الشيخ، فلمّا رآه على تلك الحالة رجع إلى أبيه وأخبره بما رأى، فخرج غير مكترث وقد اشتد جزع الولد، فقال له: يا بني أبوك أقلّ من أن يقتل في سبيل الله، فعند ما عاينه الأمير هابه وسقط السّيف من يده وبكى، ثم نزل عن فرسه، وأخذ يقبّل يد الشيخ ويسأله الدعاء ويستغفر مما كان منه، ثم قال: يا سيّدي، خبّر نا إيش تعمل؟ قال: أنادي عليكم وأبيعكم قال: فثمننا في أي شيء تصرفه؟ قال: في مصالح المسلمين. قال: من يقبضه؟ قال: أنا، وانصرف، فلم يزل إلى أن نادى عليهم واحدا بعد واحد وبالغ في إشهارهم في النداء وحمل ثمنهم لبيت المال. فاتفق أن بعض غلمان الوزير معين الدين عثمان ابن الشيخ، بني بنيانا على سطح مسجد بمصر، وعمل فيه طبل خانات، فأنكر ذلك الشيخ عز الدين ومضى بجماعته وهدم البناء، وعلم أن الوزير والسلطان يغضبان لذلك، فأشهد عليه بإسقاط عدالته [وحكم بفسق (¬1)] الوزير، وعزل نفسه عن القضاء، فعظم ذلك على السّلطان، وقيل له: اعزله عن الخطابة وإلا شنع عليك على المنبر كما فعل بدمشق، فعزله، فأقام في بيته من المدرسة الصالحية يشغل الناس، وولي قضاء مصر بعده أبو منصور موهوب بن عمر الجزري، أحد نواب الشيخ عز الدين في ثالث عشري ذي القعدة سنة أربعين وستمائة، وأعيد المجد الإخميمي إلى الخطابة، فاتفق أن الملك الصالح بعث رسولا إلى الخليفة ببغداد، فأدّي رسالته، فقيل له: أسمعت هذه الرسالة من السلطان؟ قال: لا، ولكن حمّلنيها ابن شيخ الشيوخ أستاداره. فقال الخليفة: إن المذكور أسقطه ابن عبد السلام، فنحن لا نقبل روايته. ¬

_ (¬1) تكملة عن: مرآة الجنان لليافعي.

فرجع حتى شافهه الملك الصالح، ثم عاد بها إلى بغداد حتى أدّاها. فلما بنى الصالح المدارس الصالحية بالقاهرة، فوّض إلى الشيخ عز الدين تدريس الشافعية، واستمر على ما هو عليه إلى أن مات يوم الأحد العاشر من جمادى الأولى سنة ستين وستمائة، ودفن بالقرافة، وشهد جنازته خلائق لا تحصى. وكان مع شدته حسن المحاضرة بالنوادر والأشعار، ولبس خرقة التصوّف من الشهاب السهرورديّ، وأخذ عنه، وكان يقرأ عليه «رسالة القشيريّ» وله يد في التصوف، وكان يحضر السماع ويرقص ويتواجد. وكان كل أحد يضرب به المثل في الزهد والعلم، فيقال بمصر: ما أنت إلا من العوام ولو كنت ابن عبد السّلام. ولما حضر بيعة السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري، قال له: يا ركن الدين أنا أعرفك مملوك البندقداري، وما أعلم هل عتقك أم لا، وانصرف ولم يبايعه أحد، حتى جاء من شهد له بالخروج عن رق البندقداري إلى السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب وعتقه. ولما مرض أرسل إليه السلطان، وقال: عيّن مناصبك لمن تريد من أولادك، فقال: ما فيهم من يصلح، وهذه المدرسة- يعني الصالحية- تصلح للقاضي تاج الدين يعني ابن بنت الأعز، ففوضت إليه بعده، وكان على غاية من صفاء الذهن وفرط الذكاء. حكى عنه الوجيه أبو محمد عبد الوهّاب بن السديد حسين بن عبد الوهاب البهنسيّ: أنه قال: مضت لي ثلاثون سنة، لا أنام كل ليلة إلا بعد أن أمرّ أبواب الشريعة علي خاطري.

وروي عنه أنه كان يقول: ما احتجت في علم من العلوم إلى أن أكمله على الشيخ الذي أقرأ عليه، وما توسطته على شيخ من المشايخ الذين كنت أقرأ عليهم، إلا وقال لي الشيخ: قد استغنيت عني فاشتغل مع نفسك، ولم أقنع بذلك، بل لا أبرح حتى أكمل الكتاب الذي أقروه في ذلك العلم. وقال ابن دقيق العيد: ابن عبد السّلام أحد سلاطين العلماء، وعن أبي عمرو بن الحاجب أنه قال: ابن عبد السّلام أفقه من الغزالي. وله مصنفات كثيرة منها: كتاب «تفسير القرآن» في مجلد كبير، رتبه على المعاني مختصرا، وكتاب «مختصر مسلم» وأقرأه، وكتاب «المجاز»، وكتاب «قواعد الإسلام» نسختان، كبرى وصغرى، وكتاب «مناسك الحج» وكتاب «الغاية في اختصار النهاية» وكتاب في «الإيمان ووجوهه» وفرق ما بينه وبين الإسلام، وكتاب «بداية السّول في تفضيل الرسول» وكتاب «في الصوم وفضله» وكتاب «الفتاوى المجموعة» وكتاب «مقاصد الصلاة» وكتاب «الملحة» في تصحيح العقيدة، وكتاب «الردّ على المبتدعة والحشوية» وكتاب «الأمالي» وكتاب «الفتاوى الموصليّة» وكتاب «شجرة المعارف» وكتاب «بيان أحوال الناس يوم القيامة» وكتاب «الدلائل المتعلقة بالملائكة والنبيين عليهم السلام» و «مختصر رعاية المحاسبي» و «الإمام في أدلة الأحكام»، و «فوائد البلوى والمحن» و «الجمع بين الحاوي والنهاية» مجموع يشتمل على فنون من الفوائد، وغير ذلك. وخرج يوما إلى الدرس وعليه قبع لباد وهو لابس فروة مقلوبة، فلما جلس على السجادة، تبسم بعض من حضر وهو يراه فلم يعبأ به، وقال: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (¬1) فهابه كل من حضر، وكان مع ¬

_ (¬1) سورة الأنعام 91.

هذه المهابة حسن البشر في ملقاه، ويكتب خطا حسنا قويا، وفيه يقول أبو الحسين الجزار من أبيات: سار عبد العزيز في الحكم سيرا ... لم يسره سوى ابن عبد العزيز (¬1) عمّنا حكمه بعدل بسيط ... شامل للورى ولفظ وجيز ولما استقر مقامه بمصر امتنع الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذريّ من الفتيا وقال: كنّا نفتي قبل حضور الشيخ عز الدين، وأما بعد حضوره فمنصب الفتيا متعيّن فيه. ويحكى أن الشيخ عز الدين في أول أمره كان فقيرا معدما، ولم يشتغل بالعلم إلا على كبر. وذلك أنه كان يبيت في الكلاسة بدمشق، فاحتلم ذات ليلة وكان البرد شديدا فاغتسل في البركة، ونام فاحتلم ثانيا، فعاد فاغتسل، فأغمى عليه من شدة برد الماء، فسمع نداء، با ابن عبد السلام، أتريد العلم أم العمل؟ فقال: أريد العلم، لأنه يهدي إلى العمل، وأصبح فأخذ كتاب «التنبيه» في الفقه فحفظه في مدّة يسيرة، وأقبل على العلم، حتى صار إلى ما صار. وكان بين الشيخ عبد الله البلتاجيّ وبين الشيخ عزّ الدّين صداقة، وكان يهدي له في كلّ عام هدية، فأرسل إليه مرّة هدية، ومن جملتها جبن في وعاء، فعند ما وصل الرسول بالهدية إلى باب القاهرة انكسر وعاء الجبن وتبدد ما فيه، فبينما هو نائم إذ أتاه ذمّيّ وباعه جبنا بدله وأتى به، فلما بعث بالهدية إلى الشيخ قبلها ورد الجبن، وقال للرسول: يا ولدي ليش تفعل هذا؟ إن التي حلبت لبن الجبن كانت يدها متنجّسة بالخنزير، سلّم على أخي. ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للسبكي.

ووقع بدمشق غلاء كبير حتى صارت البساتين تباع بالثمن القليل، فأعطته زوجته مصاغا لها وقالت: اشتر لنا به بستانا نصيف فيه، فأخذ المصاغ وباعه وتصدّق بثمنه، فقالت له: جزاك الله خيرا. وأفتى مرّة بفتيا، ثم ظهر له أنه أخطأ، فنادى في مصر والقاهرة على نفسه: من أفتى له فلان بكذا فلا يعمل به فإنه خطأ. ولما قدم الشيخ أبو العباس المرسيّ إلى القاهرة، أتى الشيخ عزّ الدين [فقال له الشيخ عز الدين (¬1)] تكلم على هذا الفصل، فأخذ الشيخ أبو العباس يتكلم، والشيخ عز الدين يزحف في الحلفة، ويقول: اسمعوا هذا الكلام الذي هو حديث عهد بربّه. ولما عزم السلطان الملك المظفر قطز على المسير من مصر لمحاربة التتار وقد دهموا البلاد، جمع العساكر فضاقت يده عن نفقاتهم، واستشار الشيخ عزّ الدين، فقال له: أخرجوا وأنا أضمن لكم على الله النّصر، فقال السلطان: إن المال في خزانتي قليل، وأنا أريد أن أقترض من أموال التّجّار. فقال له: إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمراء ما عندهم من الحليّ الحرام اتخاذه، وضربته سكّة ونقدا، وفرّقته في الجيش ولم يقم بكفايتهم، ذلك الوقت اطلب القرض، وأمّا قبل ذلك فلا، فأحضر السلطان والعسكر كلّهم ما عندهم من ذلك بحضرة الشيخ، وكانت له عندهم عظمة، وله في أنفسهم مهابة بحيث لا يستطيعون مخالفته، فامتثلوا ما قاله، وكان لقطز النصرة المعروفة على التتار بعين جالوت. ومن عظمته في النفوس أن الملك بيبرس لم يبايع واحدا من الخليفة المستنصر والخليفة الحاكم العباسيين إلا بعد أن تقدّمه الشيخ عزّ الدين ¬

_ (¬1) تكملة عن: طبقات الشافعية للسبكي.

للمبايعة، ثم يبايع السّلطان بعده، ثم يبايع القضاة، ولما مرّت جنازته من تحت القلعة ورأى الملك الظاهر كثرة الخلائق، قال لبعض خواصّه: اليوم استقرّ أمري في الملك؛ لأن هذا الرجل لو كان يقول للناس: أخرجوا عليه، لانتزعوا الملك منّي. وشهد رحمه الله واقعة الفرنج لما أخذوا دمياط ووصلوا في مراكبهم إلى المنصورة، واستظهروا على المسلمين، فقويت الرّيح على مراكب المسلمين واشتد الأمر، فنادى الشيخ بأعلى صوته وأشار إلى الريح بيده: يا ريح خذيهم مرارا، فعادت الريح على مراكب الفرنج فكسرتها، وكان الفتح، وغرق أكثر الفرنج وصرخ من بين المسلمين صارح: الحمد لله الذي أرانا من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم رجلا سخّر له الرّيح. وكان الملك الأشرف موسى بن العادل، لما أخذ دمشق وبها يومئذ الشيخ عز الدين، وشيء به إليه أنه يخالفه في المعتقد، وكان الشيخ رحمه الله رأسا في مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعريّ، وكان الأشرف على خلاف الأشعريّ، فدسّ أعداؤه عليه فتوى في مسألة الكلام فكتب عليها العقيدة المشهورة، وهي طويلة تشتمل على طريقة أبي الحسن الأشعريّ، ووضع فيها من الحنابلة وغض منهم، فلما وقف عليها الأشرف اشتد غضبه ووقع في حق الشيخ بعظيمة، وكان عنده جمع من الفقهاء فلم يستطيعوا أن يردوا قوله سوى [بعض الأعيان (¬1)] فإنه قال: السلطان أولى بالعفو والصّفح، فكثرت القالة، وقام الشيخ جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب في حق الشيخ عز الدّين، ومضى إلى القضاة والعلماء الذين حضروا مجلس الأشرف وعتبهم على سكوتهم، وما زال بهم حتى كتبوا خطوطهم على فتوى بصورة الحال وافقوا ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، أكملته عن: طبقات الشافعية للسبكي.

فيها ابن عبد السلام، وطلب ابن عبد السلام أن يعقد الأشرف مجلسا بحضرة الشافعية والحنابلة والمالكية والحنفية، فكتب الأشرف بخطه: وصل إليّ ما التمسه الفقيه ابن عبد السلام، أصلحه الله، من عقد مجلس وجمع المفتين والفقهاء، وقد وقفنا على خطّه وما أفتى به، وعلمنا من عقيدته ما أغنى عن الاجتماع به، ونحن فنتّبع ما عليه الخلفاء الراشدون الذين قال صلى الله عليه وسلم في حقّهم: (عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي) وعقائد الأئمة الأربعة فيها كفاية لكلّ مسلم يغلب هواه ويتبع الحق ويتخلص من البدع، إلا إن كنت تدّعي الاجتهاد، فعليك أن تثبت، ليكون الجواب على قدر الدّعوى، لتكون صاحب مذهب خامس، وأمّا ما ذكرته عن الذي جرى في أيام والدي تغمّده الله برحمته، فذلك الحال أنا أعلم به منك، وما كان لك سبب إلّا فتح باب السلامة لا لأمر ديني. وجرم جرّه سفهاء قوم ... فحلّ بغير جانبه العذاب (¬1) ومع هذا فقد ورد في الحديث: (الفتنة نائمة لعن الله مثيرها) ومن تعرّض لإثارتها قاتلناه بما يخلّصنا من الله تعالى، وما يعضد كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم، فلما قرأها الشيخ عز الدين بن عبد السلام كتب جوابها بعد البسملة: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (¬2) أما بعد حمد الله الذي جلّت قدرته، وعظمت كلمته، وعمّت رحمته، وسبغت نعمته (¬3)، فإن الله قال لأحبّ خلقه إليه وأكرمهم لديه: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (¬4) وقد أنزل الله ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) سورة الحجر 92، 93. (¬3) في الأصل: «ووسعت رحمته»، والمثبت في: طبقات الشافعية للسبكي. (¬4) سورة الأنعام 116.

كتبه وأرسل رسله لنصائح خلقه، فالسّعيد من قبل نصائحه وحفظ وصاياه، وكان فيما أوصى به خلقه أن قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ، فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (¬1). فهو سبحانه أولى من قبلت نصيحته، وحفظت وصيّته. وأما طلب المجلس وجمع العلماء، فما حملني عليه إلّا النصح للسلطان وعامّة المسلمين، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدّين، فقال: (الدين النصيحة) قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله وأئمّة المسلمين وعامّتهم) فالنصح لله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولكتابه بالعمل بمواجبه، ولرسوله باتباع سنّته، وللأئمة بإرشادهم إلى أحكامه والوقوف عند أوامره ونواهيه، ولعامّة المسلمين بدلالتهم على ما يقرّبهم إليه ويزلفهم لديه، وقد أدّيت ما عليّ في ذلك. والفتيا التي وقعت في هذه القضية يوافق عليها علماء المسلمين، من الشافعيّة والمالكيّة والحنفيّة والفضلاء من الحنبلية، وما يخالف في ذلك إلّا رعاع لا يعبأ الله بهم وهو الحق الذي لا يجوز دفعه، والصواب الذي لا يمكن رفعه، ولو حضر العلماء مجلس السلطان لعلم صحّة ما أقول، والسلطان أقدر على تحقيق ذلك، وقد كتب الجماعة خطوطهم على ما قلته، وإنما سكت من سكت في أوّل الأمر لما رأوا من غضب السّلطان [ولولا ما شاهدوه من غضب السلطان (¬2)] لما أفتوا أولا إلا بما رجعوا إليه آخرا، ومع ذلك فنكتب ما ذكرته في الفتيا، وما ذكره الغير، وتبعث به إلى بلاد الإسلام، ليكتب فيها كلّ من يحب الرجوع إليه ويعتمد في الفتيا عليه، ونحن نحضر كتب العلماء المعتبرين، ليقف عليها السلطان. ¬

_ (¬1) سورة الحجرات، الآية السادسة. (¬2) تكملة عن: طبقات الشافعية للسبكي، وبها يتم المعنى.

وبلغني أنهم ألقوا إلى سمع السلطان أنّ الأشعريّ يستهين بالمصحف، ولا خلاف بين الأشعريّة وجميع علماء المسلمين أن تعظيم المصحف واجب، وعندنا أنّ من استهان بالمصحف أو بشيء منه فقد كفر، وانفسخ نكاحه، وصار ماله فيئا للمسلمين، ويضرب عنقه. ولا يغسّل ولا يكفّن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل يترك بالقاع طعمة للسباع. ومذهبنا أن كلام الله تعالى قديم أزليّ قائم بذاته، لا يشبه كلام الآدميين، كما لا يشبه ذاته ذات الخلق، ولا يتصوّر في شيء من صفاته أن تفارق ذاته، إذ لو فارقته لصار ناقصا، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا، وهو مع ذلك مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصّدور، مقروء بالألسنة، وصفة الله القديمة ليست بمداد للكاتبين، ولا ألفاظ اللّافظين، ومن اعتقد ذلك فقد فارق الدّين، وخرج عن عقائد المسلمين، بل لا يعتقد ذلك إلا جاهل غبي وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (¬1). وليس ردّ البدع وإبطالها من باب إثارة الفتن، فإنّ الله سبحانه أمر العلماء بذلك، وأمرهم ببيان ما علموه، ومن امتثل أمر الله، ونصر دين الله، لا يجوز أن يقال: لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما ما ذكر من أمر الاجتهاد، والمذهب الخامس، فأصول الدين ليس فيها مذاهب، فإنّ الأصل واحد، والخلاف في الفروع، ومثل هذا الكلام فلا أعتمد فيه قول من لا يجوز أن يعتمد قوله، والله أعلم بمن يعرف دينه ويقف عند حدوده، وبعد ذلك فإنا نعلم أنا من جملة حزب الله، وأنصار دينه وجنده، وكلّ جنديّ لا يخاطر بنفسه فليس بجنديّ. وأما ما ذكر من أمر باب السلامة، فنحن تكلمنا فيه بما ظهر لنا، من ¬

_ (¬1) الآية الأخيرة من سورة الأنبياء.

أن السلطان الملك العادل تغمده الله برحمته، إنما فعل ذلك إعزازا للدّين، ونصرة للحقّ، ونحن نحكم بالظاهر، والله يتولّى السرائر، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فلما وقف الأشرف على جوابه اشتد غضبه وبعث إليه بالغرس خليل أستاداره، فبلغه غضب السلطان مما وقف من مخاطبته بما لا يعهده من مخاطبة الناس للملوك، مع ما ذكره من مخالفة اعتقاده، وأنه شرط أنه لا يفتي، ولا يجتمع بأحد، ويلزم بيته، فأظهر البشر لذلك، وخلع على الغرس سجادة كان يصلي عليها، فبقي على هذا ثلاثة أيام. واجتمع الجمال الحصيريّ شيخ الحنفية بالسلطان، وحدثه في أمر ابن عبد السلام فأوقفه على ورقته، فقال: هذا اعتقاد المسلمين، ومن خالف وذهب إلى إثبات الحرف والصوت فهو حمار، وما زال به حتى بعث إلى الشيخ يحايله وتقدم إلى الفريقين بالإمساك عن الكلام في مسألة الكلام وأن لا يفتي فيها أحد بشيء. فلما قدم السلطان الملك الكامل من القاهرة إلى دمشق، وكان على رأي الأشعري، أكرم ابن عبد السلام وطلب منه أن يكتب له ما جرى في هذه القضية بطوله، فأمر ولده عبد اللطيف بذلك فكتبه وأعجب به الكامل، وعتب أخاه الأشرف على منعه ابن عبد السلام من الكلام في مسألة الكلام، وعنفه على ميله للحنابلة، فأخذ الأشرف في طلب مصنّفات الشيخ وقرئ عليه منها كتاب «الملحة في اعتقاد الحق» وكتاب «مقاصد الصلاة» وكرر قراءته في يوم واحد ثلاث مرّات، فلما بلغ ذلك ابن عبد السلام قال: لو قرئت «مقاصد الصلاة» على بعض مشايخ الزّوايا أو على متزهّد أو مريد أو متصوف مرّة واحدة، في مجلس، لما أعادها فيه مرّة أخرى، فاشتهر كتاب «مقاصد الصلاة» بدمشق وكتب منه عدة نسخ، فلما

مات الأشرف وقدم الكامل إلى دمشق بعد موته، ولي الشيخ تدريس الزاوية الغزّالية بجامع بني أمية، وعزم على ولايته قضاء دمشق، وإرساله في الرسالة إلى بغداد، فمات دون إمضاء ذلك بدمشق، فلما ملك الصالح أيوب بالكرك، ولي الشيخ خطابة الجامع الأموي، فاتفق خروج الصالح أيوب من الكرك، وأخذ ملك مصر من أخيه العادل، فحافد الصالح إسماعيل واعتضد عليه بالفرنج، وسلم إليهم صفد والشقيف، لينصروه على الصالح أيوب فدخل الفرنج دمشق واشتروا الأسلحة لقتال الصالح أيوب، فأنكر الناس ذلك، واستفتوا الشيخ فأفتاهم بتحريم بيع السلاح للفرنج، وجدد دعاءه على المنبر، وكان يدعو به قبل نزوله والناس يؤمنون، وهو: اللهم أبرم لهذه الأمة إبرام رشد تعز فيه أولياءك، وتذلّ فيه أعداءك، ويعمل فيهم بطاعتك، وينهى فيه عن معصيتك. فنقل للصالح عنه ما غيره عليه، فاعتقله ثم أفرج عنه، فأقام مدة ثم خرج من دمشق فلقيه الناصر داود في الفور، وأخذه وأقام عنده بنابلس مدّة، ثم سار إلى القدس حتى جاء الصالح إسماعيل بالفرنج لقتال المصريين، ومرّ بالقدس فقبض على الشيخ واعتقله في خيمة إلى جانبه، فلما انهزم نجا الشيخ وسار إلى القاهرة فأكرمه الصالح أيّوب، وولاه خطابة جامع عمرو وقضاء مصر، وفوّض إليه عمارة المساجد المهجورة، فجرت في ولايته عجائب وغرائب، وعزل نفسه عن الحكم ثم ردّه السلطان فباشر مدة ثم عزل نفسه. وحكي أن رجلا قال له: رأيتك في النوم تنشد: وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزّمان فشلت فقال: أعيش ثلاثا وثمانين سنة، فإن هذا الشّعر لكثيّر عزّة، ولا نسبة بيني وبينه غير السّنّ، أنا سنّيّ وهو شيعيّ، وأنا لست بقصير وهو قصير،

ولست بشاعر وهو شاعر، وأنا سلمي وهو ليس بسلميّ، لكنه عاش هذا القدر، فكان كذلك. وأنشد طلبته يوما، وقال لهم: أجيزوه. لو كان فيهم من عراه غرام ... ما عنّفوني في هواه ولاموا (¬1) ولا يعرف له نظم غيره، فأجازه شمس الدين عمر بن عبد العزيز بن الفضل الأسوانيّ قاضي أسوان، فقال: لكنّهم شهدوا لذاذة حسنه ... وعلمتها ولذا سهرت وناموا (¬2) وذكر عدة أبيات وأنشدها كلّها في المجلس، فقال له الشيخ: أنت إذا فقيه وشاعر. 289 - عبد العزيز بن علي الشّهرزوريّ (¬3). يكني أبا عبد الله. قدم الأندلس سنة ست وعشرين وأربعمائة. وكان شيخا جليلا أخذ من كل علم بأوفر نصيب، وكانت علوم القرآن وتعبير الرؤيا أغلب عليه. روى عن أبي زيد المروزيّ، وأبي إسحاق القرطبيّ، وأبي بكر الأبهريّ، وأبي بكر بن الباقلاني، وأبي تمام صاحب الأصول، وأبي بكر الأدفويّ، وأبي أحمد السّاريّ، والحسن بن رشيق، والدارقطنيّ. ودخل دانية، وركب البحر منصرفا منها، فقتلته الروم في البحر سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وقد قارب المائة سنة. ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) المصدر السابق، وفيه: «لكنهم جهلوا». (¬3) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 1/ 357.

ذكره ابن بشكوال في «الصلة». 290 - عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن الواثق بالله هارون بن إسحاق المعتصم بالله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العبّاس أبو علي الهاشمي البغداديّ (¬1). شيخ مقرئ مشهور، أخذ القراءة عرضا [عن أبي أيوب الضبي، بقراءة حمزة، روى عنه القراءة عرضا (¬2)] علي بن عمر الحمامي، وإبراهيم بن أحمد الطبري، وأبو الحسن بن العلاف. توفي ببغداد، قيل: سنة خمسين وثلاثمائة. له من الكتب «التفسير» «السنن» «قراءة حمزة»، «رسالته إلى ثعلب»، يسأله عن أيّ البلاغتين أبلغ. 291 - عبد الغني بن سعيد الثقفي (¬3). صاحب «التفسير» حدّث عنه بكر بن سهل الدّمياطيّ وغيره، ضعفه ابن يونس انتهى. وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: مصريّ، يروي عن موسى بن عبد الرحمن الصّنعانيّ عن هشام بن عروة. قلت: ابن يونس أعلم به، وقد ذكر في «تاريخه» أنه توفي رجب سنة تسع وعشرين ومائتين. هذه الترجمة من «لسان الميزان» لشيخ شيوخنا الحافظ ابن حجر. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 1/ 395، الفهرست لابن النديم 39. (¬2) تكملة عن: طبقات القراء لابن الجزري. (¬3) له ترجمة في: لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 4/ 45.

292 - عبد الغني بن القاسم بن الحسن أبو محمد المصريّ المقرئ الشافعيّ الحجّار المدنيّ (¬1). اختصر «تفسير» سليم الرازي اختصارا حسنا، وقال أخبرنا به أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ثابت المقرئ، أخبرنا الفقيه أبو الفتح سلطان ابن إبراهيم المقدسيّ، عن سليم بن أيوب. سمع منه عبد الله بن الشبلي. مات في ليلة السابع من شوال سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. 293 - عبد الغني بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن تيميّة الحراني (¬2). خطيب حران، وابن خطيبها، سيف الدين أبو محمد، ابن الشيخ فخر الدين أبي عبد الله. ولد في ثاني صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بحران. وسمع بها من والده، وعبد القادر الرهاويّ، وعبد الوهاب بن أبي حبّة (¬3). وحماد الحراني، وغيرهم. وأخذ العلم بها عن والده. ورحل إلى بغداد سنة ثلاث وستمائة، فسمع بها من عبد الوهاب بن سكينة وضياء بن الخريف، وعمر بن طبرزد، وعبد العزيز بن منينا، وعبد الواحد بن سلطان، ويحيى بن الحسين الأوانيّ (¬4)، وأبي الفرج محمد بن ¬

_ (¬1) ورد له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 20. (¬2) له ترجمة في: الذيل على طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 2/ 222. (¬3) بالباء الموحدة، وهو عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبة العطار، كان يسكن حران على رأس الستمائة (تبصير المنتبه لابن حجر 1/ 405). (¬4) الأواني: بفتح الألف والواو المخففة وفي آخرها النون، نسبة الى أوانا، وهي قرية على عشرة فراسخ من بغداد (اللباب لابن الأثير 1/ 74).

هبة الله الوكيل، وعبد الرّازق بن عبد القادر الحافظ، وسعيد بن محمد بن عطاف، وأحمد بن الحسن العاقوليّ، وغيرهم. وطلب وقرأ بنفسه، وأخذ الفقه عن الفخر إسماعيل غلام بن المنى وغيره. ورجع إلى حران، وقام مقام أبيه في وظائفه بعد وفاته، وكان يخطب ويعظ ويدرس، ويلقي التفسير في الجامع على الكرسي. قال ابن حمدان: الشيخ الإمام العالم الفاضل، سيف الدين، قام مقام والده في التدريس والفتوى، والوعظ والخطابة: وكان خطيبا فصيحا، رئيسا ثابتا، رزين العقل. وله تصنيف «الزوائد على تفسير الوالد»، و «إهداء القرب إلى ساكن الترب». قال: ولم أسمع منه ولا قرأت عليه شيئا. وسمعت بقراءته على والده كثيرا. وقال المنذري: لقيته بحران وغيرها، وعلقت عنه بنهر الجوز بالقرب من شاطئ الفرات شيئا. وأجاز للقاضي أبي الفضل سليمان بن حمزة المقدسيّ. وتوفي في سابع عشر المحرم سنة تسع وثلاثين وستمائة بحرّان. ذكره ابن رجب. 294 - عبد القاهر بن طاهر بن محمد التّميميّ الإمام الكبير الأستاذ أبو منصور البغداديّ الشافعي (¬1). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 185، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 44، تبيين كذب المفتري لابن عساكر 253، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 136، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 20 ب، طبقات ابن هداية الله 47، فوات الوفيات لابن شاكر 1/ 613، مرآة الجنان لليافعي 3/ 52، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 325، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 372.

إمام عظيم القدر، جليل المحلّ، كثير العلم، بحر لا يساجل في الفقه وأصوله والفرائض والحساب، وعلم الكلام. اشتهر اسمه، وبعد صيته، وحمل عنه العلم أكثر أهل خراسان. سمع أبا عمرو بن نجيد، وأبا عمرو محمد بن جعفر بن مطر، وأبا بكر الإسماعيليّ، وأبا أحمد (¬1) بن عديّ، وغيرهم. روى عنه البيهقي، والقشيريّ، وعبد الغافر بن محمد بن شيرويه، وغيرهم. وكان يدرّس في سبعة عشر فنّا، وله حشمة وافرة ومال جزيل. قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني: كان من أئمة الأصول وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل والتحصيل، بديع الترتيب، غريب التأليف والتهذيب، تراه الجلّة صدرا مقدّما، وتدعوه الأئمة إماما مفخّما، ومن خراب نيسابور اضطرار مثله إلى مفارقتها. قال ابن السبكي: فارق نيسابور بسبب فتنة وقعت بها من التركمان. وقال عبد الغافر الفارسيّ: هو الأستاذ الإمام الكامل ذو الفنون، الفقيه الأصوليّ، الأديب الشاعر النحوي، الماهر في علم الحساب، العارف بالعروض، ورد نيسابور مع أبيه أبي عبد الله طاهر، وكان ذا مال وثروة ومروءة، وأنفقه على أهل العلم والحديث حتى افتقر، صنف في العلوم، وأربى على أقرانه في الفنون، ودرّس في سبعة عشر نوعا من العلوم، وكان قد درس على الأستاذ أبي إسحاق، وأقعده بعده للإملاء، وأملى سنين، واختلف إليه الأئمة وقرءوا عليه، مثل ناصر العمري المروزيّ، وأبي القاسم القشيريّ، وغيرهما. ¬

_ (¬1) في الأصل «وأبا بكر» وأثبت الصواب من طبقات الشافعية للسبكي، وتبيين كذب المفتري لابن عساكر.

قال وخرج من نيسابور في أيام التركمانيّة وفتنتهم، إلى أسفراين، فمات بها. وقال الإمام فخر الدين الرازيّ في كتاب «الرّياض المونقة»: كان- يعني أبا منصور- يسير في الرد على المخالفين سير الآجال في الآمال، وكان العالم (¬1) في الحساب والمقدّرات، والكلام والفقه والفرائض وأصول الفقه، ولو لم يكن له إلا كتاب «التكملة في الحساب» لكفاه. وقال أبو علي الحسن بن نصر المرنديّ الفقيه: حدثني أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفقيه، قال: لما حصل أبو منصور بأسفراين ابتهج الناس بمقدمه إلى الحدّ الذي لا يوصف، فلم يبق بها إلا يسيرا حتى مات، واتفق أهل العلم على دفنه إلى جانب الأستاذ أبي إسحاق، فقبراهما متجاوران تجاور تلاصق، كأنهما نجمان جمعهما مطلع، وكوكبان ضمهما برج مرتفع. مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة. ومن شعره (¬2). يا من عدى ثم اعتدى ثم اقترف ... ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف أبشر بقول الله في آياته ... إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف (¬3) من شعره (¬4): لا تعترض فيما قضى ... واشكر لعلّك ترتضى اصبر على مرّ القضا ... إن كنت تعبد من قضى ¬

_ (¬1) في طبقات الشافعية للسبكي: «وكان علامة العالم في الحساب». (¬2) البيتان في طبقات الشافعية للسبكي 5/ 139. (¬3) أنظر الآية 38 من سورة الأنفال. (¬4) طبقات الشافعية للسبكي.

ومنه: يا فاتحا لي كلّ همّ مرتج ... إني لعفو منك عنّي مرتجي (¬1) فامنن عليّ بما يفيد سعادتي ... فسعادتي طوعا متى تأمر تجيومنه (¬2): طلبت من الحبيب زكاة حسن ... على صغر من القدّ البهيّ (¬3) فقال وهل على مثلي زكاة ... على قولي العراقيّ الكميّ فقلت الشافعيّ لنا إمام ... وقد فرض الزكاة على الصبيّ وله (¬4): يا سائلي عن قصّتي ... دعني أمت في غصّتي المال في أيدي الورى ... واليأس منه حصتي ومن تصانيفه: كتاب «التفسير» وكتاب «فضائح المعتزلة» وكتاب «الفرق بين الفرق» وكتاب «التحصيل» في أصول الفقه، وكتاب «تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر» وكتاب «فضائح الكرّاميّة» وكتاب «تأويل متشابه الأخبار» وكتاب «الملل والنحل» مختصر وليس في هذا النوع مثله، وكتاب «بلوغ المدى عن أصول الهدى» وكتاب «إبطال القول بالتولد» وكتاب «العماد في مواريث العباد» ليس في الفرائض والحساب له نظير، وكتاب «التكملة» في الحساب، وهو الذي أثنى عليه الإمام فخر الدين في كتاب «الرياض المونقة» وكتاب «شرح مفتاح ابن القصاص» وهو الذي نقل عنه الرافعيّ في آخر باب «الرجعة» وغيره، ¬

_ (¬1) البيتان في طبقات الشافعية للسبكي، وروايته هناك: يا فاتحا لي كل باب مرتج. (¬2) الأبيات في فوات الوفيات لابن شاكر 1/ 614. (¬3) في الفوات: «من العمر البهي». (¬4) البيتان في فوات الوفيات 1/ 615.

وكتاب «نقض ما عمله أبو عبد الله الجرجاني في ترجيح مذهب أبي حنيفة» وكتاب «أحكام الوطء التام» وهو المعروف بالتقاء الختانين في أربعة أجزاء. قال ابن الصّلاح: ورأيت له كتابا في معنى لفظتي «التصوّف والصّوفيّ» جمع فيه من أقوال الصوفية زهاء ألف قول، مرتبة على حروف المعجم. وجميع تصانيفه بالغة في الحسن أقصى الغايات. 295 - عبد القاهر بن عبد الرحمن الشيخ أبو بكر الجرجاني (¬1). [النحويّ، أخذ (¬2)] النحو بجرجان عن أبي الحسين محمد بن الحسن الفارسي ابن أخت الشيخ أبي علي الفارسي، وصار الإمام المشهور، المقصود من جميع الجهات، مع الدّين المتين والورع والسكون. قال السّلفي. كان ورعا قانعا، دخل عليه لصّ وهو في الصلاة، فأخذ جميع ما وجد، وعبد القاهر ينظر ولم يقطع صلاته. قال: وسمعت أبا محمد الأبيوردي يقول: ما مقلت عيني لغويا مثله. وأما في النحو فعبد القاهر. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 188، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 149، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 25 ب، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 94، العبر 3/ 277، فوات الوفيات لابن شاكر 1/ 612، مرآة الجنان لليافعي 3/ 101، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 177، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 108، نزهة الألباء لأبي البركات 363. (¬2) تكملة عن: طبقات الشافعية للسبكي.

ومن مصنّفاته كتاب «المغني في شرح الإيضاح» في نحو ثلاثين مجلدا، و «المقصد في شرح الإيضاح» أيضا، ثلاث مجلدات وكتاب «إعجاز القرآن» الكبير، وكتاب «إعجاز القرآن» الصغير، و «العوامل المائة» و «المفتاح»، و «شرح الفاتحة»، و «العمدة» في التصريف، و «الجمل» المختصر المشهور، و «التلخيص» في شرح هذا الجمل. ومن شعره: كبر على العلم يا خليلي ... ومل إلى الجهل ميل هائم وعش حمارا تعش سعيدا ... فالسعد في طالع البهائم مات سنة إحدى- وقيل أربع- وسبعين وأربعمائة. 296 - عبد الكبير بن محمد بن عيسى بن محمد بن بقي أبو محمد الغافقي المرسي (¬1). نزيل إشبيلية. قال ابن الأبار: كان فقيها، حافظا، مشاركا في الحديث، متقدما في الفتيا. صنف «تفسيرا» جمع فيه بين «تفسير» ابن عطية، و «تفسير» الزمخشري، و «مختصرا» في الحديث. روى عن أبيه، وأبي عبد الله بن سعادة، وأجاز له أبو الحسن بن هذيل، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: صلة الصلة لابن الزبير 44، طبقات المفسرين للسيوطي 20.

وحدث. وأخذ عنه الناس، وولي قضاء رندة (¬1). ولد سنة ست وثلاثين وخمسمائة، ومات في صفر سنة سبع عشرة وستمائة، رحمه الله وإيانا. 297 - عبد الكريم بن الحسن بن المحسن بن سوار الأستاذ أبو علي المصري التككي (¬2) المقرئ (¬3). قرأ بالروايات على أبي الحسن علي بن محمد بن حميد الواعظ، مصنف «الروضة» وسمع أبا الحسن الحبال، وأبا الحسن الخلعي. كان عارفا بالقراءات، والتفسير ووجوهه، والإعراب والعربية وغوامضها، وكانت له حلقة إقراء بمصر، روى عنه السلفي. مات في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وله ثمان وستون سنة. 298 - عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن علي بن محمد أبو معشر الطبري المقرئ القطان (¬4). مقرئ أهل مكة، ومصنف «التلخيص» وكتاب «سوق العروس» في القراءات المشهورة والغريبة، وله كتاب «الدرر» في التفسير، وكتاب ¬

_ (¬1) رندة: يضم أوله وسكون ثانيه، معقل حصين بالأندلس، وهي مدينة قديمة على نهر جار (معجم البلدان لياقوت 2/ 825). (¬2) له ترجمة في حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 495، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 400، طبقات القراء للذهبي 1/ 389، طبقات المفسرين للأدنةوي 39 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 21. (¬3) التككي: بكسر التاء ثالث الحروف وفتح الكاف وفي آخرها كاف أخرى. منسوب الى التكك جمع تكة (اللباب لابن الأثير 1/ 179. (¬4) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 5/ 152، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 401، طبقات القراء للذهبي 1/ 351، العبر للذهبي 3/ 290، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 4/ 49، مرآة الجنان لليافعي 3/ 123، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 644.

«الرشاد في شرح القراءات الشاذة» وكتاب «عيون المسائل» وكتاب «طبقات القراء» وكتاب «العدد» وكتاب «المصاحف» و «كتاب في اللغة» وأشياء غير ذلك، وقد روى «تفسير الثّعلبي» عن المصنّف، و «مسند الإمام أحمد» و «تفسير النقاش» عن شيخه الزّيدي بحران. [وقرأ على (¬1)] أبي عبد الله الكارزينيّ، وابن نفيس، وإسماعيل بن راشد الحداد، والحسين بن محمد الأصبهاني، وخلق، أسند عنهم في تواليفه. وسمع الحديث من أبي عبد الله بن نظيف، وأبي النعمان تراب بن عبد الله، وأبي عبد الله بن يوسف بتنيس، وأبي الطيب الطّبري. قرأ عليه أبو علي بن العرجاء وجماعة وله كتاب «سوق العروس» فيه ألف وخمسمائة طريق. وحدث عنه أبو بكر محمد بن [عبد (¬2)] الباقي، وإبراهيم بن أحمد الصيمريّ، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، ومحمد بن مسبح (¬3) الفضي، وأبو القاسم خلف بن النحاس، والحسن بن عمر الطّبريّ وهو ابن العرجاء. وممّن قرأ عليه الحسن بن خلف بن بليمة، ومحمد بن إبراهيم بن نعم الخلف، ومنصور بن الخير، وآخرون. توفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بمكة. أورده الذهبي في «طبقات القراء». ¬

_ (¬1) تكملة عن: طبقات القراء للذهبي. (¬2) تكملة عن: لسان الميزان للعسقلاني، وطبقات القراء للذهبي. (¬3) في الأصل: «مسيخ»، والمثبت في: طبقات القراء لابن الجزري، وطبقات القراء للذهبي.

299 - عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري (¬1). المصريّ. الأندلسيّ الأصل، الإمام علم الدين، المعروف بالعراقيّ الشافعيّ، ولد بمصر سنة ثلاث وعشرين وستمائة. كان إماما فاضلا في فنون كثيرة، خصوصا التفسير، وكان أبوه من الأندلس، فقدم مصر، فولد ولده هذا بها، وقيل له العراقيّ نسبة إلى جده لأمه، وهو العراقي شارح «المهذب». أخذ الفقه عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وغيره، والحديث عن المنذري قراءة وسماعا، والأصلين عن التّلمسانيّ، والخسروشاهيّ (¬2)، ومهر وبرع في فنون العلم، وتصدر بجامع مصر، ودرس المشهد الحسيني، ودرس الفقه بالقبة المنصورية وغيرها. وصنّف كتبا منها: في التفسير «الإنصاف في مسائل الخلاف بين الزمخشري وابن المنير» ونبّه على مواضع الاعتزال في «الكشاف» وصنف «مختصرا في أصول الفقه» وأملى في تفسير القرآن. قال الإسنوي: كان عالما فاضلا في فنون كثيرة، خصوصا التفسير، وفيه دعابة كثيرة مأثورة، قال: وشرح «التنبيه» شرحا متوسطا، رأيت منه جزءا من أوائل الكتاب وجزءا من آخره، وقد لا يكون أكمله. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 421، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 13، طبقات الشافعية للاسنوي 197، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 129 (ط. الحسينية)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 66 ب. (¬2) الخسروشاهي: بضم الخاء وسكون السين المهملة وفتح الراء وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وبعدها ألف وفي آخرها هاء، هذه النسبة الى خسروشاه، وهي قرية من قرى مرو (اللباب لابن الأثير 1/ 371).

وأقرأ الناس مدة طويلة حتى صاروا أئمة، وكتب بخطه كثيرا حتى كتب «حاوي الماوردي» مرات وأضر في آخر عمره. وقال ابن كثير في «طبقاته» نقلا عن بعضهم: إنه له مصنفات في التفسير والأصول، مات في يوم الثلاثاء سابع صفر سنة أربع وسبعمائة، ودفن بالقرافة الصغرى. ومن شعره فيما رواه عنه أبو حيان، قال نظمت في النوم في قاضي القضاة ابن رزين وكان معزولا: يا سالكا سبل السعادة منهجا ... يا موضح الخطب البهيم إذا دجا يا ابن الذين رست قواعد مجدهم ... وثنا ثناهم عاطرا فتأرجا لا تيأسن من عود ما فارقته ... بعد السّرار يرى الهلال تبلجا وابشر ومرّح ناظرا فلقد ترى ... عما قليل في العدا متفرجا وترى وليك ضاحكا مستبشرا ... قد نال من تدميرهم ما يرتجي 300 - عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل الإمام أبو القاسم إمام الدين الرافعي القزوينيّ الشافعي (¬1). صاحب «الشرح الكبير». قال أبو عبد الله محمد بن محمد الأسفراينيّ: كان أوحد عصره في العلوم الدينية، أصولا وفروعا، ومجتهد زمانه في المذهب، وفريد وقته في التفسير، كان له مجلس بقزوين للتفسير ولتسميع الحديث. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ الاسلام للذهبي (وفيات 623)، تاريخ ابن الوردي 2/ 148، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 264، 265، سير أعلام النبلاء للذهبي ج 13 ق 2 ص 183، طبقات الشافعية للاسنوي 108، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 281، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 46 أ، طبقات ابن هداية الله 83، 84، العبر 5/ 94، فوات الوفيات لابن شاكر 2/ 7، 8، مرآة الجنان لليافعي 4/ 56، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 114، 115، 354، 355، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 266.

صنف شرحا «لمسند الشافعي» وشرحا «للوجيز» وآخر أوجز منه، وكان زاهدا ورعا متواضعا، سمع الكثير. وقال النوويّ: إنه كان من الصالحين المتمكّنين، وكانت له كرامات كثيرة ظاهرة. وقال الإسنوي: كان إماما في الفقه، والتفسير، والحديث، والأصول، وغيرها. طاهر اللسان في تصنيفه، كثير الأدب، شديد الاحتراز في المنقولات، فلا يطلق نقلا عن أحد غالبا إلا إذا رآه في كلامه، فإن لم يقف عليه فيه عبّر بقوله: وعن فلان كذا، شديد الاحتراز أيضا في مراتب الترجيح. قال الذهبي: ويظهر عليه اعتناء قوي بالحديث وفنونه في شرح «المسند». وقيل: إنه لم يجد زيتا للمطالعة في قرية بات بها فتألم، فأضاء له عرق كرمة فجلس يطالع ويكتب عليه. وله شعر حسن ذكر منه في «أماليه»: أقيما على باب الرحيم أقيما ... ولا تنيا في ذكره فتهيما هو الربّ من يقرع على الصّدق بابه ... يجده رءوفا بالعباد رحيما وله أيضا: الملك لله الّذي عنت الوجو ... هـ له وذلّت عنده الأرباب متفرد بالملك والسّلطان قد ... خسر الذين تجاذبوه وخابوا (¬1) دعهم وزعم الملك يوم غرورهم ... فسيعلمون غدا من الكذّاب ¬

_ (¬1) في الأصل: «يجادلوه وخابوا»، والمثبت في: طبقات الشافعية للسبكي، ومفتاح السعادة لطاش كبرى زاده.

وله: تنبّه فحقّ أن يطول بحسرة ... تلهّف من يستغرق العمر نومه وقد نمت في عصر الشّبيبة غافلا ... فهبّ نصيح الشّيب قد جاء يومه توفي أواخر سنة ثلاث- أو أوائل سنة أربع- وعشرين وستمائة بقزوين قاله ابن الصلاح. وقال ابن خلكان. في ذي القعدة سنة ثلاث وعمره نحو ست وستين سنة. ومن تصانيفه: «العزيز في شرح الوجيز» و «الشرح الصغير» و «المحرّر» و «شرح المسند» وهو مجلدان ضخمان، و «التذنيب» مجلد لطيف، يتعلق بالوجيز كالدقائق على «المنهاج»، و «الأمالي في مجلد» و «أخطار الحجاز» و «الأمالي الشارحة على مفردات الفاتحة» وهو ثلاثون مجلسا، أملاها أحاديث بأسانيد عن أشياخه على سورة الفاتحة، وتكلم عليها. والرافعيّ منسوب إلى رافعان: بلدة من بلاد قزوين. قاله النووي. قال الإسنويّ: وسمعت قاضي القضاة جلال الدين القزوينيّ يقول: إن رافعان بالعجمي مثل الرافعيّ بالعربي، فإن الألف والنون في آخر الاسم عند العجم كياء النسبة في آخره عند العرب، فرافعان نسبة إلى رافع، ثم إنه ليس بنواحي قزوين بلدة يقال لها رافعان ولا رافع. بل هو منسوب إلى جد له يقال له رافع. قال الإسنويّ: وحكى بعض الفضلاء عن شيخه قال: سألت القاضي مظفر الدين قاضي قزوين، إلى ماذا نسبة الرافعي؟ فقال: كتب بخطه وهو عندي في كتاب «التدوين في أخبار قزوين» أنه منسوب إلى رافع بن

خديج رضي الله عنه. وحكى ابن كثير قولا: أنه منسوب إلى أبي رافع، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. 301 - عبد الكريم بن محمود بن مودود بن محمود بن بلدجي الموصليّ (¬1). أبو الفضل. الفقيه الإمام الحنفيّ المفسر. مولده سنة اثنتين وثلاثين وستمائة بالموصل، ودرّس بالمشهد بعد محمود، فقيه عالم بالتفسير. ذكره القرشي هكذا ولم يؤرخ وفاته. 302 - عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد النّيسابوريّ الأستاذ أبو القاسم القشيريّ الملقّب زين الإسلام (¬2). شيخ المشايخ وأستاذ الجماعة ومقدّم الطائفة، الجامع بين أشتات العلوم. ولد في ربيع الأول سنة ست وسبعين وثلاثمائة. وسمع الحديث من أبي الحسين الخفّاف، وأبي نعيم الأسفراينيّ. وأبي بكر بن عبدوس المزكّيّ، وأبي نعيم أحمد بن محمد المهرجانيّ، وعلي بن أحمد ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الجواهر المضيئة لعبد القادر بن محمد القرشي 1/ 327 الطبقات السنية للغزي 292 أ، طبقات المفسرين للأدنةوي 52 ب. (¬2) له ترجمة في انباه الرواة للقفطي 2/ 193، الأنساب للسمعاني 453 ب، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 107، تاريخ بغداد 11/ 83، تبيين كذب المفتري 271، الرسالة المستطرفة 166، روضات الجنات 444، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 153، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 26 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 21، العبر للذهبي 3/ 259، اللباب لابن الأثير 2/ 264، المختصر في أخبار البشر 2/ 199، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 107، المنتظم لابن الجوزي 8/ 80، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 91، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 375.

الأهوازيّ، وأبي عبد الرحمن السّلميّ، وابن باكويه الشّيرازيّ، والحاكم، وابن فورك (¬1)، والحسين بن بشران، وغيرهم. روى عنه ابنه عبد المنعم، وابن ابنه أبو الأسعد هبة الرحمن، وأبو عبد الله الفراويّ، وزاهر الشحّاميّ، وعبد الوهّاب بن شاه الشاذياخيّ (¬2) ووجيه الشحّاميّ، وعبد الجبار الخواريّ (¬3)، وخلق. وروى عنه من القدماء أبو بكر الخطيب، وغيره. واخذ الفقه عن أبي بكر محمد بن بكر الطوسي، وعلم الكلام عن الأستاذ أبي بكر بن فورك. واختلف يسيرا إلى الشيخ أبي إسحاق (¬4). وأخذ التصوف عن أستاذه أبي عليّ الدقاق. وكان فقيها بارعا أصوليا، محقّقا متكلّما، سنيا محدّثا حافظا، مفسّرا، متفنّنا، نحويا لغويا، أديبا كاتبا شاعرا، مليح الخطّ جدا، شجاعا بطلا، له في الفروسية واستعمال السلاح الآثار الجميلة. ¬

_ (¬1) في الأصل: «والحاكم بن فورك»، وصوابه في طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) الشاذياخي: بفتح الشين وسكون الألف والذال المعجمة وفتح الياء وسكون الألف وفي آخرها خاء معجمة، نسبة الى موضعين: أحدهما على باب نيسابور مثل قرية متصلة بالبلد بها دار السلطان ... ينسب اليها أبو بكر شاه بن أحمد بن عبد الله الشاذياخي الصوفي من أهل الدين، مشهور بخدمة أبي القاسم القشيري (اللباب لابن الأثير 2/ 3). (¬3) في الأصل: «الخوارزمي»، الصواب في: طبقات الشافعية للسبكي، العبر. وهو: عبد الجبار بن محمد بن أبو محمد الخواري الشافعي المفتي، امام نيسابور سمع القشيري وجماعة. توفي في شعبان سنة 535 هـ (العبر للذهبي 4/ 99). والخوارزمي: بضم الخاء وفتح الواو. نسبة الى خوار بلدة بالري (اللباب لابن الأثير 1/ 391). (¬4) الأسفرايني. كما في التبيين 273.

أجمع أهل عصره على أنه سيد زمانه، وقدوة وقته، وبركة المسلمين في ذلك العصر. قال الخطيب: حدّث ببغداد، وكتبنا عنه، وكان ثقة، وكان يعظ، وكان حسن الموعظة، مليح الإشارة، وكان يعرف الأصول على مذهب الأشعريّ، والفروع على مذهب الشافعي. وقال عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي فيه: الإمام مطلقا، الفقيه المتكلم الأصولي، المفسّر الأديب النحوي، الكاتب الشاعر، لسان عصره وسيّد وقته وسر الله بين خلقه، شيخ المشايخ وأستاذ الجماعة، ومقدّم الطائفة، ومقصود سالكي الطريقة، وبندار الحقيقة، وعين السادة، وحقيقة الملاحة، لم ير مثل نفسه، ولا رأى الراءون مثله، في كماله وبراعته، جمع بين علم الشريعة والحقيقة، وشرح أحسن الشرح أصول الطريقة. أصله من ناحية إستوا، من العرب الذين وردوا خراسان، وسكنوا لنواحي، فهو قشيري الأب سلمي الأم (¬1)، وخاله أبو عقيل السلمي، من وجوه دهاقين ناحية إستوا. توفي أبوه وهو طفل، فوقع إلى أبي القاسم الأليماني، فقرأ الأدب والعربية عليه، بسبب اتصاله بهم، وقرأ على غيره، وحضر البلد، واتفق حضوره مجلس الأستاذ الشهيد أبي علي الحسن بن علي الدقاق، فاستحسن كلامه، وسلك طريق الإرادة، فقبله الأستاذ، وأشار عليه بتعلم العلم، فخرج إلى درس الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن بكر الطوسي. وشرع في الفقه حتى فرغ من التعليق، ثم اختلف بإشارته إلى الاستاذ الإمام أبي بكر بن فورك، وكان ¬

_ (¬1) في الأصل: «فهو قشيري الأم سلمي الأب»، والمثبت في المنتظم، وطبقات الشافعية للسبكي.

المقدّم في الأصول، حتى حصلها وبرع فيها، وصار من أوجه تلامذته، وأشدّهم تحقيقا وضبطا، وقرأ عليه أصول الفقه، وفرغ منه، ثم بعد وفاة الأستاذ أبي بكر اختلف إلى الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني، وقعد يسمع جميع دروسه، وأتى عليه أيام، فقال له الأستاذ: هذا العلم لا يحصل بالسماع. وما توهم فيه ضبط ما يسمع، فأعاد عنده ما سمعه منه، وقرره أحسن تقرير من غير إخلال بشيء، فتعجب منه وعرف محله فأكرمه، وقال: ما كنت أدري انك بلغت هذا المحل، فلست تحتاج إلى درسي، يكفيك أن تطالع مصنفاتي وتنظر في طريقي، وأن أشكل عليك شيء طالعتني به، ففعل ذلك، وجمع بين طريقته وطريقة ابن فورك. ثم نظر بعد ذلك في كتب القاضي أبي بكر بن الطيّب، وهو مع ذلك يحضر مجلس الأستاذ أبي علي إلى أن اختاره لكريمته، فزوجها منه. وبعد وفاة الأستاذ عاشر أبا عبد الرحمن السلمي، إلى أن صار أستاذ خراسان وأخذ في التصنيف فصنف «التفسير الكبير» قبل العشر وأربعمائة، ورتب المجالس وخرج إلى الحج في رفقة، فيها أبو محمد الجويني، والشيخ أحمد البيهقي، وجماعة من المشاهير، فسمع معهم الحديث ببغداد، والحجاز من مشايخ عصره. وكان في علم الفروسية واستعمال السلاح وما يتعلق به من أفراد العصر، وله في ذلك الفن دقائق وعلوم انفرد بها. وأما المجالس في التذكير والقعود فيما بين المريدين وأسئلتهم عن الوقائع وخوصه في الأجوبة، وجريان الأحوال العجيبة، فكلها منه وإليه. أجمع أهل عصره على أنه عديم النظير فيها، غير مشارك في أساليب الكلام على المسائل؛ وتطييب القلوب؛ والإشارات اللطيفة المستنبطة من

الآيات والأخبار من كلام المشايخ؛ والرموز الدقيقة؛ وتصانيفه فيها المشهورة؛ إلى غير ذلك من نظم الأشعار اللطيفة على لسان الطريقة. ولقد عقد لنفسه مجلس الإملاء في الحديث سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وكان يملي إلى سنة خمس وستين، يذنّب أماليه بأبياته، وربما كان يتكلم على الحديث بإشاراته ولطائفة. وله في الكتابة طريقة أنيقة رشيقة تفوق على النظم. وقد أخذ طريق التصوف عن الأستاذ أبي عليّ الدقّاق، وأخذها أبو عليّ عن أبي القاسم النّصر أباذيّ، والنصرآباذيّ عن الشّبليّ، والشّبليّ عن الجنيد، والجنيد عن السّريّ السقطيّ، والسّريّ عن معروف الكرخيّ، ومعروف عن داود الطائيّ، وداود لقي التابعين. هكذا كان يذكر إسناد طريقته. ومن جملة أحواله ما خصّ به من المحنة في الدّين والاعتقاد وظهور التعصب بين الفريقين، في عشر سنة أربعين إلى خمس وخمسين وأربعمائة، وميل بعض الولاة [إلى] (¬1) الأهواء، وسعي بعض الرؤساء والقضاة إليه بالتخليط، حتى أدى ذلك إلى رفع المجالس، وتفرق شمل الأصحاب، وكان هو المقصود من بينهم حسدا، حتى اضطرته الحال إلى مفارقة الأوطان، وامتد في أثناء ذلك إلى بغداد وورد على أمير المؤمنين القائم بأمر الله، ولقي فيها قبولا، وعقد له المجلس في منازله المختصة [به] (¬2) وكان ذلك بمحضر ومرأى منه، ووقع كلامه في مجلسه الموقع، وخرج الأمر بإعزازه وإكرامه، وعاد إلى نيسابور، وكان يختلف منها إلى طوس بأهله وبعض أولاده، حتى طلع صبح ¬

_ (¬1) تكملة عن: طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) تكملة عن: المصدر السابق.

النوبة المباركة، دولة السلطان ألب أرسلان في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، فبقي عشر سنين في آخر عمره مرفها محترما، مطاعا معظما، وأكثر صفوه في آخر أيامه التي شاهدناه فيها أخيرا إلى أن تقرأ عليه كتبه وتصانيفه، والأحاديث المسموعة له، وما يؤول إلى نصرة المذهب. بلغ المنتمون إليه آلافا فأملوا بذكره وتصانيفه أطرافا. قال ابن السمعانيّ: سمعت أبا بشر مصعب بن عبد الرزاق بن مصعب المصعبيّ (¬1) بمرو، ويقول: حضر الأستاذ أبو القاسم مجلس بعض الأئمة الكبار، وكان قاضيا بمرو، وأظنه قال: القاضي علي الدهقان، وقت قدومه علينا، فلما دخل الأستاذ قام القاضي على رأس السرير، وأخذ مخدة كان يستند عليها على السرير، وقال لبعض من كان قاعدا على درجة المنبر: احملها إلى الأستاذ الإمام ليقعد عليها. ثم قال: أيها الناس إني حججت سنة من السنين، وكان قد اتفق أن حج تلك السنة هذا الإمام الكبير، وأشار إلى الأستاذ، وكان يقال لتلك السنة سنة القضاة، وكان حج تلك السنة أربعمائة نفس من قضاة المسلمين وأئمتهم من أقطار البلدان وأقاصي الأرض، فأرادوا أن يتكلم واحد منهم في حرم الله سبحانه وتعالى فاتفق الكلّ على الأستاذ أبي القاسم، فتكلم هو باتفاق منهم. وبلغنا أنه مرض للأستاذ أبي القاسم ولد مرضا شديدا، بحيث أيس منه، فشق ذلك على الأستاذ، فرأى الحق سبحانه وتعالى في المنام، فشكى إليه، فقال له الحق سبحانه وتعالى: أجمع آيات الشفاء واقرأها عليه، أو اكتبها في إناء واجعله فيه مشروبا واسقه إيّاه، ففعل ذلك، فعوفي الولد. ¬

_ (¬1) في الأصل: «المصيصي»، والمثبت في: طبقات الشافعية للسبكي.

وآيات الشفاء في القرآن ست: وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (¬1). شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ (¬2). فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ (¬3). وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (¬4). وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (¬5). قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ (¬6). ورأيت كثيرا من المشايخ يكتبون هذه الآيات للمريض، ويسقاها في الإناء طلبا للعافية. ومن تصانيف الأستاذ «التفسير الكبير» وهو من أجود التفاسير، وأوضحها. و «الرسالة» المشهورة المباركة التي قيل فيها: ما تكون في بيت وينكب و «التحبير في التذكير»، و «آداب الصوفية» و «لطائف الإشارات»، وكتاب «الجواهر»، و «عيون الأجوبة في فنون الأسئلة» وكتاب «المناجاة» وكتاب «نكت أولي النهى» وكتاب «شجو القلوب» الكبير وكتاب «شجو القلوب» الصغير وكتاب «أحكام السّماع» وكتاب «الأربعين في الحديث» وغير ذلك. وخلّف من البنين ستة عبادلة، كلّهم من السيّدة الجليلة فاطمة بنت الأستاذ أبي علي الدّقاق. ¬

_ (¬1) سورة التوبة 14. (¬2) سورة يونس 57. (¬3) سورة النحل 69. (¬4) سورة الاسراء 82. (¬5) سورة الشعراء 80. (¬6) سورة فصلت 44.

ولما مرض لم تفته ولا ركعة قائما، بل كان يصلّي عن قيام إلى أن توفي رحمه الله في صبيحة يوم الأحد، السادس عشر من شهر ربيع الآخر، سنة خمس وستين وأربعمائة، ودفن في المدرسة إلى جانب أستاذه أبي عليّ الدّقاق. قال أبو تراب المراغيّ: رأيته في النوم، فقال: أنا في أطيب عيش وأكمل راحة. وقال غيره: كانت له فرس يركبها، فلما مات امتنعت عن العلف، ولم تطعم شيئا، ولم تمكّن راكبا من ركوبها، ومكثت أياما قلائل على هذا بعده، إلى أن ماتت. ومن شعره: يا من تقاصر شكري عن أياديه ... وكلّ كل لسان عن معاليه (¬1) وجوده لم يزل فردا بلا شبه ... علا عن الوقت ماضيه وآتيه لا دهر يخلقه لا قهر يلحقه ... لا كشف يظهره لا ستر يخفيه لا عدّ يجمعه لا ضدّ يمنعه ... لا حد يقطعه لا قطر يحويه لا كون يحصره لا عون ينصره ... وليس في الوهم معلوم يضاهيه جلاله أزليّ لا زوال له ... وملكه دائم لا شيء يفنيه وقال: وإذا سقيت من المحبّة مصّة ... ألقيت من فرط الخمار خماري كم تبت قصدا ثم لاح عذاره ... فخلعت من ذاك العذار عذاري وقال: أيها الباحث عن دين الهدى ... طالبا حجّة ما يعتقده إن ما تطلبه مجتهدا ... غير دين الشافعي لا تجده ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للسبكي.

وقال: لا تدع خدمة الأكابر واعلم ... أن في خدمة الصّغار صغارا (¬1) وابغ من في يمينه لك يمن ... وترى في اليسار منه اليسارا وقال: جنّباني المجون يا صاحبيّا ... واتلوا سورة الصلاح عليّا (¬2) قد أجبنا لزاجر العقل طوعا ... وتركنا حديث سلمى وميّا ومنحنا لموجب الشّرع نشرا ... وشرعنا لموجب اللهو طيّا ووجدنا إلى القناعة بابا ... فوضعنا على المطالع كيّا كنت في حرّ وحشتي لاختياري ... فتعوّضت بالرّضى منه فيا إنّ من يهتدي لقطع هواه ... فهو في العزّ حاز أوج الثّريّا والذين ارتووا بكأس مناهم ... فعلى الصّدّ سوف يلقون غيّا 303 - عبد اللطيف بن أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسنيّ الفاسي المكيّ الشافعيّ (¬3). أبو الثناء نجم الدين أخو الحافظ تقي الدين، عني بالفقه والأصلين، والتفسير والعربية، والمعاني والبيان، والمنطق، وغير ذلك. ولازم العلامة عز الدين بن جماعة في هذه الفنون، وتفقه بالسراج بن الملقن، والبرهان الأبناسيّ، والجلال البلقيني، والوليّ العراقي، والنور البكريّ المعروف بابن فتيلة. وأخذ الأصول ودرس بالحرم الشريف، وأفتى، وسمع من ابن أبي المجد ¬

_ (¬1) في طبقات الشافعية للسبكي: «عشرة الصغار». (¬2) في طبقات الشافعية للسبكي: «سورة الصلاة». (¬3) له ترجمة في: الضوء اللامع للسحاوي 4/ 322.

الدمشقيّ. والبرهان الشاميّ، وابن الشيخة، وابن صديق، ومريم بنت الأذرعيّ. ودخل تونس من بلاد المغرب. وحدث بها، وعاد إلى القاهرة واستوطنها إلى أن توفي بها في يوم الخميس سادس جمادى الأولى، سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة شهيدا بالطاعون. 304 - عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جلهمة بن عباس بن مرداس السّلميّ أبو مروان الأندلسي (¬1). من الطبقة الأولى، الذين انتهى إليهم فقه مالك ممن لم يره، من أهل الأندلس. روى بالأندلس عن صعصعة بن سلام، والغازي بن قيس، وزياد بن عبد الرحمن، ورحل سنة ثمان ومائتين، فسمع ابن الماجشون، ومطرّفا، وإبراهيم بن المنذر الحزاميّ، وعبد الله بن نافع الزبيري، وابن أبي أويس، وعبد الله بن عبد الحكم، وعبد الله بن المبارك، وأصبغ بن الفرج، وأسد بن موسى، وجماعة سواهم. وانصرف إلى الأندلس سنة ست عشرة وقد جمع علما عظيما، فنزل بلده إلبيرة وقد انتشر سموّه في العلم والرواية، فنقله الأمير عبد الرحمن بن الحكم إلى قرطبة، ورتبه في طبقة المفتين فيها، فأقام مع يحيى بن يحيى زعيمها في المشاورة والمناظرة، وكان الذي بينهما سيئا جدا، ومات يحيى قبله، فانفرد ¬

_ (¬1) ورد له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 206، بغية الملتمس للضبي 364، تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي 269، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 537، ترتيب المدارك للقاضي عياض 3/ 30، تهذيب التهذيب لابن حجر 6/ 390، جذوة المقتبس للحميدي 263، الديباج المذهب لابن فرحون 154، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 100، العبر 1/ 427، لسان الميزان 4/ 59، مرآة الجنان لليافعي 2/ 122، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 652، النجوم الزاهرة 2/ 293، نفح الطيب للمقري 2/ 5.

عبد الملك بعده بالرئاسة، سمع منه ابناه محمد، وعبيد الله، وبقيّ بن مخلد، وابن وضّاح، والمغاميّ في جماعة وكان المغامي آخرهم موتا. كان عبد الملك حافظا للفقه على مذهب مالك نبيلا فيه، غير أنه لم يكن له علم بالحديث ولا معرفة صحيحه من سقيمه. وقال ابن مزين وابن لبابة: عبد الملك عالم الأندلس. وسئل ابن الماجشون عن أعلم الرجلين: القروي التنوخيّ؛ أم الأندلسي السلميّ؟ فقال: السلمي مقدمه علينا أعلم من التنوخي منصرفه عنا. ثم قال للسائل: أفهمت؟ قال أحمد بن عبد البر كان جمّاعا للعلم، كثير الكتب، طويل اللسان، فقيه البدن، نحويا عروضيا شاعرا، نسابة إخباريا، وكان أكثر من يختلف إليه الملوك وأبناؤهم وأهل الأدب، وكان لا يلي إلا معالي الأمور. وكان ذابّا عن مذهب مالك، وقال بعضهم رأيته يخرج من الجامع وخلفه نحو ثلاثمائة نفر طالب حديث وفرائض وإعراب وفقه، وقد رتب الدول عنده كل يوم ثلاثين دولة، لا يقرأ فيها عليه شيء إلا تواليفه، و «موطأ» مالك. وكان صوّاما قواما. وقال المغامي: لو رأيت ما كان على باب ابن حبيب لازدريت غيره، ولما نعي إلى سحنون استرجع، وقال: مات عالم الأندلس، بل والله عالم الدنيا. وذكره ابن الفرضي في طبقات الأدباء فجعله صدرا فيهم، وقال: كان قد جمع إلى إمامته في الفقه التنجيح في الأدب والتفنن في ضروب العلم، وكان فقيها مفتيا، نحويّا لغويّا، نسّابة إخباريا، عروضيا فائقا، شاعرا محسنا مترسلا حاذقا مؤلفا متقنا، وذكر بعض المشايخ. أنه لما دنا من مصر، في

رحلته أصاب جماعة من أهلها بارزين لتلقي الرفقة على عادتهم. فكلما أطل عليهم رجل له هيئة ومنظر، رجحوا الظن به، وقضوا بفراستهم عليه، حتى رأوه، وكان ذا منظر جميل، فقال قوم: هذا فقيه. وقال آخرون: بل شاعر. وقال آخرون. طبيب. فلما كثر اختلافهم تقدموا نحوه، وأخبروه باختلافهم فيه، وسألوه عما هو؟ فقال لهم كلكم قد أصاب، وجميع ما قدرتم أحسنه والخبرة تكشف الحيرة والامتحان يجلى عن الإنسان، فلما حط رحله ولقي الناس شاع خبره، فقصد إليه كل ذي علم يسأله عن فنه، وهو يجيبه جواب متحقق، فعجبوا من ثقوب علمه، وأخذوا عنه، وعطلوا [حلق (¬1)] علمائهم، وأثنى عليه ابن المواز بالعلم والفقه. وقال العتبي: وذكر «الواضحة» رحم الله عبد الملك، ما أعلم أحدا ألف على مذهب أهل المدينة تأليفه ولا لطالب أنفع من كتبه ولا أحسن من اختياره. وألف كتبا كثيرة حسانا في الفقه، والتواريخ، والآداب، منها الكتب المسماة «بالواضحة» في السنن والفقه لم ير مثلها، وكتاب «إعراب القرآن» وكتاب «الحسبة في الأمراض» و «كتاب الفرائض» و «كتاب السخاء واصطناع المعروف» و «كتاب كراهية الغناء» و «كتاب النسب» و «كتاب النجوم» و «كتاب الجامع» وهو كتاب فيه مناسك النبي صلى الله عليه وسلم و «كتاب الرغائب» و «كتاب الورع في المال وغيره» ستة أجزاء، وكتاب «العمل بالجوارح»، وكتاب «فضائل الصحابة» وكتاب «غريب الحديث» وكتاب «تفسير الموطأ» وكتاب «حروب الإسلام» وكتاب «المسجدين» وكتاب «سيرة الإمام في الملحدين» وكتاب «طبقات الفقهاء والتابعين» وكتاب «مصابيح الهدى». ¬

_ (¬1) عن: ترتيب المدارك للقاضي عياض، والديباج المذهب لابن فرحون.

قال بعضهم: قسم ابن الفرضي هذه الكتب وهذه الأسماء وهي يجمعها كتاب واحد، لأن ابن حبيب إنما ألف كتابه عشرة أجزاء، الأول «تفسير الموطأ حاشى الجامع» الثاني «شرح الجامع» الثالث والرابع والخامس في حديث النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وكتاب «مصابيح الهدى» جزء منها ذكر فيه من الصحابة والتابعين. والعاشر «طبقات الفقهاء» وليس فيها أكثر من الأول، وتحامل في هذا الشرح على أبي عبيد، والأصمعي، وانتحل كثيرا من كلام أبي عبيد، وكثيرا ما يقول فيه: أخطأ شارح العراقيين. وأخذ عليه فيه تصحيف قبيح، وهو أضعف كتبه. قال بعضهم: قلت لعبد الملك: كم كتبك التي ألفت؟ قال: ألف وخمسون كتابا. وقال عبد الأعلى بن معلي: هل رأيت كتبا تحبب عبادة الله إلى خلقه، وتعرفهم به، ككتب عبد الملك بن حبيب، يريد كتبه في الرغائب والرهائب، ومنها كتب المواعظ سبعة، وكتب الفضائل سبعة، «فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه» و «فضائل عمر بن عبد العزيز» و «فضائل مالك بن أنس» وكتاب «أخبار قريش وأنسابها» خمسة عشر كتابا و «كتاب السلطان» و «سيرة الإمام» ثمانية كتب، وكتاب «الباه والنساء» ثمانية كتب، وغير ذلك من كتب سماعه في الحديث والفقه، وتواليفه في الطبّ و «تفسيره» في القرآن ستون كتابا، و «كتاب القارئ» و «الناسخ والمنسوخ»، و «رغائب القرآن» و «كتاب الدهور والقدماء والمغازي والحدثان» خمسة وتسعون كتابا، وكتاب «مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم» اثنان وعشرون كتابا. وكان له قارورة قد أذاب فيها اللبان والعسل، يشرب منها كل غداة على الريق للحفظ.

توفي في ذي الحجة، سنة ثمان وثلاثين، وقيل تسع وثلاثين ومائتين، وقبره [بقرطبة (¬1)] بمقبرة أم مسلمة في قبلة مسجد الضيافة، وصلى عليه القاضي أحمد بن زياد، وقال: صلى عليه ابنه، رحمه الله تعالى. 305 - عبد الملك بن سراج بن عبد الله بن محمد سراج (¬2). مولى بني أمية، من أهل قرطبة، يكنى: أبا مروان. إمام اللغة بالأندلس غير مدافع. روى عن أبيه، والقاضي يونس بن عبد الله، وعن أبي القاسم إبراهيم بن محمد بن زكريا الإفليلي، وأبي سهل الحراني، وأبي محمد مكّي بن أبي طالب المقرئ، وأبي عمرو السّفاقسيّ، وأبي مروان بن حيّان وغيرهم. قال أبو علي: هو أكثر من لقيته علما بضروب الأدب، ومعاني القرآن، والحديث، وقرأ عليه أبو علي كثيرا من كتب اللغة، والغريب، والأدب وقيد ذلك كله عنه، وكانت الرحلة في وقته إليه، ومدار أصحاب الآداب واللغات عليه، وكان وقور المجلس لا يجسر أحد على الكلام به لمهابته وعلو مكانته. قال لنا القاضي أبو عبد الله بن الحاج رحمه الله: كان شيخنا أبو مروان بن سراج يقول: حدثنا، وأخبرنا، واحد. ويحتج بقول الله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (¬3) فجعل الحديث والخبر واحدا. وذكره شيخنا أبو الحسن بن مغيث فقال: كان واسع المعرفة، حافل الرّواية، بحر علم، عالما بالتفاسير، ومعاني الحديث. أحفظ الناس للسان ¬

_ (¬1) تكملة عن: ترتيب المدارك لقاضي عياض. (¬2) ورد له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 207، بغية الملتمس للضبي 367، الديباج المذهب لابن فرحون 157، الصلة لابن بشكوال 1/ 346. (¬3) سورة الزلزلة 4.

العرب، وأصدقهم فيما يحمله، وأقومهم بالعربيّة والأشعار، والأخبار، والأنساب، والأيام. عنده يسقط حفظ الحفاظ، ودونه يكون علم العلماء، فاق الناس في وقته، وكان حسنة من حسنات الزمان، وبقيّة من الأشراف الأعيان. مولده لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، سنة أربعمائة، وتوفّي رحمه الله ليلة عرفة، ودفن يوم عرفة سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ودفن بالربض، رحمه الله وإيّانا. ذكره ابن بشكوال في «الصلة». 306 - عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الروميّ الأموي (¬1). مولاهم. المكيّ، الإمام المجتهد الحافظ، فقيه الحرم. أبو اليد، ويقال: أبو خالد، صاحب التصانيف «التفسير» وغيره، روى تفسيره عنه: حجاج ابن محمد المصّيصيّ (¬2) الحافظ، سمعه منه في الإملاء. حدّث عن أبيه، ومجاهد يسيرا، وعطاء بن أبي رباح فأكثر، وميمون بن مهران، وعمرو بن شعيب، ونافع، والزهريّ، وخلق كثير. ولد سنة نيف وسبعين، وأدرك صغار الصحابة لكن لم يحفظ عنهم. روى عنه: السفيانان، ومسلم بن خالد، وابن عليّة، وحجاج بن محمد، وأبو عاصم، وروح، ووكيع، وعبد الرزاق، وأمم سواهم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 10/ 400، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 169، تهذيب التهذيب لابن حجر 6/ 402، الرسالة المستطرفة للكتاني 34، العبر للذهبي 1/ 213، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 659، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 338. (¬2) بكسر الميم والصاد المشددة وسكون الياء وفي آخرها صاد مهملة ثانية، نسبة الى مصيصة على ساحل البحر (اللباب لابن الأثير 3/ 147).

قال أحمد بن حنبل. كان من أوعية العلم، وهو وابن عروبة أوّل من صنّف الكتب [بالحجاز (¬1)]. وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج، كنت إذا رأيته علمت أنه يخشى الله، ويقال إن عطاء قيل له: من نسأل بعدك؟ قال: هذا الفتى إن عاش، يعني ابن جريج. وقال يحيى القطّان: كان ابن جريج يرى المتعة تزوّج ستين امرأة. وقال ابن المديني: لم يكن في الأرض أعلم بعطاء [من] (¬2) ابن جريج، وقال: لم يسمع من الزهري، إنما أعطاني جزءا كتبته وأجازه لي، وقيل: سمع من مجاهد حرفين في القراءات. وقال عبد الوهّاب بن همام: قال ابن جريج: لزمت عطاء ثمانية عشر عاما. قال الواقدي: مات ابن جريج في أول ذي الحجة سنة خمسين ومائة. وقال خالد بن نزار الأيليّ: خرجت بكتب ابن جريج، سنة خمسين ومائة لأوافيه، فوجدته قد مات. وقال مؤمل بن إسماعيل: مات قبل الموسم سنة خمسين ومائة، وفيها أرّخه جماعة، ووهم ابن المديني حيث يقول: سنة تسع وأربعين، وكان ابن جريج قد قدم في آخر أيامه البصرة وحدّث بها. له كتاب «السنن» يحتوي على مثل ما تحتوي عليه كتب السنن، مثل الطهارة والصلاة والزكاة، وغير ذلك. ¬

_ (¬1) تكملة عن: العبر للذهبي. (¬2) تكملة عن: تذكرة الحفاظ.

307 - عبد الملك بن علي. قال الصّفدي: كان مؤدبا بهراة، قرأ عليه أكثر فضلائها. وصنّف: «المحيط في اللغة»، «المنتخب من تفسير الرّمانيّ»، «الصفات والأدوات التي يبتدئ بها الأحداث». مات سنة تسع وثمانين وأربعمائة. 308 - عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع (¬1). ابن مظهر (¬2) - بضم الميم وسكون الظاء المعجمة وكسر الهاء- بن رباح بن عمرو بن عبد شمس بن أعيا بن سعد بن قيس عيلان بن مضر الباهلي أبو سعيد الأصمعيّ البصريّ اللغويّ. أحد أئمة اللغة والغريب والأخبار والملح والنوادر، روى عن أبي عمرو ابن العلاء، وقرّة بن خالد، ونافع بن أبي نعيم، وشعبة، وحماد بن سلمة وخلق. قال عمر بن شبّة: سمعته يقول: حفظت ستة عشر ألف أرجوزة. وقال الشافعي: ما عبّر أحد عن العرب بمثل عبارة الأصمعيّ. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 197، الأنساب للسمعاني الورقة 51، تاريخ أصبهان 2/ 13، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 273، تهذيب التهذيب لابن حجر 6/ 415، جمهرة الأنساب 245، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 207، روضات الجنات 458، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 470، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 101، العبر للذهبي 1/ 370، الفهرست لابن النديم 55، اللباب 1/ 56، مرآة الجنان لليافعي 2/ 64، المعارف 543، ميزان الاعتدال 2/ 662، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 190، نزهة الألباء 112، وفيات الاعيان لابن خلكان 2/ 344. (¬2) كذا في الأصل بهذا الضبط المنصوص عليه، وفي بغية الوعاة للسيوطي وانباه الرواة: «ابن مظهر» وضبطه أيضا ابن خلكان وصاحب القاموس بضم الميم وفتح الظاء وتشديد الهاء المكسورة.

قال ابن معين: ولم يكن ممّن يكذب، وكان من أعلم الناس في فنه. وقال أبو داود: صدوق، وكان يتقي أن يفسّر الحديث، كما يتقي أن يفسّر القرآن. وكان بخيلا ويجمع أخبار البخلاء. وتناظر هو وسيبويه، فقال يونس: الحقّ مع سيبويه، وهذا يغلبه بلسانه. وكان من أهل السنة، ولا يفتي إلا فيما أجمع عليه علماء اللّغة، ويقف عما ينفردون عنه، ولا يجيز إلا أفصح اللغات. وعنه أنه قال: حضرت أنا وأبو عبيدة عند الفضل بن الربيع، فقال لي: كم كتابك في الخيل؟ فقلت: مجلد واحد، فسأل أبا عبيدة عن كتابه فقال: خمسون مجلدا، فقال له: قم إلى هذا الفرس، وأمسك عضوا عضوا منه وسمّه، فقال: لست بيطارا، وإنما هذا شيء أخذته عن العرب، فقال: قم يا أصمعيّ وافعل ذلك، فقمت وأمسكت ناصيته، وجعلت أذكر عضوا عضوا، وأضع يدي عليه، وأنشد ما قالته العرب إلى أن بلغت حافره، فقال: خذه، فأخذت الفرس وكنت إذا أردت أن أغيظه ركبته وأتيته. صنّف: «غريب القرآن» «خلق الإنسان» «الأجناس» «الأنواء» «الهمز» «المقصور والممدود» «الصفات» «خلق الفرس» «الإبل» «الخيل» «الشاء» «الميسر والقداح» «الأمثال» «فعل وأفعل» «الاشتقاق» «ما اتفق لفظه واختلف معناه» وغير ذلك. ولم تبيضّ لحيته إلا لما بلغ ستين سنة. روى له أبو داود والترمذيّ. ومات سنة ست عشرة- وقيل خمس عشرة- ومائتين، عن ثمان وثمانين سنة.

ومن شعره في جعفر البرمكيّ: إذا قيل: من للنّدى والعلا ... من الناس؟ قيل الفتى جعفر وما إن مدحت فتى قبله ... ولكن بني جعفر جوهر 309 - عبد المحمود بن أحمد بن علي أبو محمد الفقيه الشافعي (¬1). من أهل واسط، يعرف بابن جندي. ولد بقرية تعرف بالحدّاديّة، وحفظ القرآن الكريم بها، وتفقه بواسط على أبي جعفر هبة الله بن يحيى بن البوقيّ، وسمع منه الحديث ومن غيره. ونظر في العربية والنحو، وله معرفة حسنة بذلك وبالتفسير، وسمع بالبصرة من أبي جعفر المبارك بن محمد المواقيتي، وبالكوفة من أبي العباس أحمد بن يحيى بن ناقة، وبمكة شرفها الله تعالى من أبي محمد المبارك بن علي الطباخ. ودرس الفقه بواسط، وذكر التفسير وأفتى، وقدم بغداد وجالس العلماء بها، وكتب عن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي شيئا من كتبه، وعاد إلى بلده عالما عاملا ناسكا حسن الطريقة. توفي بواسط في ليلة الاثنين ثالث عشر شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين وخمسمائة، ودفن بمقبرة مسجد زنبور، وقد بلغ الستين أو أناف عليها. ذكره ابن الدبيثي في «الذيل». 310 - عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن الفرج بن خلف الأنصاريّ الخزرجيّ (¬2). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 232، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 99. (¬2) له ترجمة في: الديباج المذهب 218.

من أهل غرناطة. يعرف بابن الفرس، ويكنى أبا عبد الله. ولد آخر سنة أربع وعشرين وخمسمائة. وسمع جده أبا القاسم، وأباه أبا عبد الله، وتفقه به في الحديث، وكتب أصول الفقه والدين. وسمع أبا محمد بن أيوب، وأبا الوليد بن الدبّاغ، وأبا الحسن بن هذيل. وأخذ عنه القراءات- وغيرهم. وأجاز له طائفة كثيرة من أعيانهم، منهم أبو الحسن بن مغيث، وأبو القاسم بن بقي، وأبو الحسن بن شريح، وأبو بكر بن العربي، وأبو الحجاج القضاعي وأبو محمد الرشاطيّ. ومن أهل المشرق أبو المظفر الشيبانيّ، وأبو سعيد الحلبيّ، وأبو عبد الله المازريّ (¬1). وكان محققا للعلوم على تفاريعها، وأخذ في كل فنّ منها، وتقدّم في حفظ الفقه، والبصر بالمسائل. مع المشاركة في صناعة الحديث والعكوف عليها، وتميز في أبناء عصره بالقيام على الرأي والشفوف عليه. سمعت أبا الربيع بن سالم يقول: سمعت أبا بكر بن أعبد- وناهيك به من شاهد في هذا الباب- يقول غير مرّة: ما أعلم بالأندلس أعلم بمذهب مالك من عبد المنعم بن الفرس بعد أبي عبد الله بن زرقون. وبيته عريق في العلم والنباهة، له ولأبيه وجده رواية ودراية وجلالة، كان كلّ واحد منهم فقيها مشاورا عالما متفنّنا، وألف «كتابا في أحكام القرآن» جليل الفائدة، من أحسن ما وضع في ذلك، وله في الأبنية مجموع حسن. ¬

_ (¬1) نسبة الى مازر: مدينة بصقلية، منها: أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري، أحد الأئمة، مات سنة 536 هـ (تبصير المنتبه لابن حجر 4/ 1336).

حدث عنه جلة من شيوخنا وأكابر أصحابنا وغيرهم، وذكره أبو عبد الله التجيبيّ في مشيخته، وقال: لقيته بمرسية في سنة ست وستين وخمسمائة وقت رحلتي إلى أبيه، ورأيت من حفظه وذكائه وتفننه في العلوم ما عجبت منه، وكان يحضر معنا التدريس والإلقاء عند أبيه، فإذا تكلم أنصت الحاضرون لجودة ما ينصّه، ولإتقانه واستيفائه بجميع ما يجب أن يذكر في الوقت، وكان نحيف الجسم كثير المعرفة، وفي مثله يقول بعضهم: إذا كان الفتى ضخم المعالي ... فليس يضره الجسم النحيل (¬1) تراه من الذكاء نحيف جسم ... عليه من توقده دليل وكان شاعرا، وأنشدني من شعره كثيرا، واضطرب في روايته قبل موته بقليل، لاختلال أصابه من علة خدر، وطاولته فترك الأخذ عنه، إلى أن توفي وهو على تلك الحال عند صلاة العصر يوم الأحد الرابع من جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وخمسمائة. وقال أبو الربيع بن سالم الكلاعيّ في برنامجه: «كتاب أحكام القرآن» - لشيخنا القاضي أبي محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم- كتاب حسن مفيد، جمعه رحمه الله في ريعان الشبيبتين من طلبه وسنه، فللنشاط اللازم عن ذلك أثر في حسن ترتيبه وتهذيبه، قرأت عليه صدرا من أوله، وناولني جميعه في أصله، وأخبرني أنه فرغ من تأليفه بمرسية، سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. ¬

_ (¬1) الديباج المذهب لابن فرحون.

ومن نظمه غ ما بالنا متّهما ودنّا ... ونحن في ودّكم نقتتل كأنّكم مثل فقيه رأى ... أن يترك الظاهر للمحتمل 311 - عبد الواحد أبو محمد بن شرف الدين بن المنير المالكيّ (¬1). هو ابن أخي القاضي ناصر الدين أحمد بن محمد بن المنير المتقدم ذكره. كان هذا الرجل شيخ ثغر الإسكندرية، يلقب بعز القضاة. وكان فقيها فاضلا وعمّر وانتفع الناس به، أخذ الفقه عن عمّيه ناصر الدين، وزين الدين، وجمع «تفسيرا» حسنا في عشرة مجلدات، ويقرأ المواعيد على الناس، وله «ديوان مديح» في النبي صلى الله عليه وسلم. وأنشد عز القضاة لنفسه: ألا فاسألوا [في] (¬2) الفضل من كان بارعا ... وفي العلم أفنى عمره باشتغاله عن المرء يوصي قاصدا وجه ربه ... لزيد بما سمّاه من ثلث ماله فإن يكن الموصى له متموّلا ... دفعنا له الموصى به بكماله وإن يك ذا قلّ وفقر وفاقة ... حرمناه ذاك المال فأرث لحاله أيحرم ذو فقير ويعطاه ذو غنى ... لعمرك ما رزق الفتى باحتياله فلا تعتمد إلا على الله وحده ... ولا تستند إلّا لعزّ جلاله توفي سنة ست وثلاثين وسبعمائة، ومولده سنة إحدى وخمسين وستمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 163، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 459، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 36، الديباج المذهب لابن فرحون 177. (¬2) عن الديباج المذهب.

312 - عبد الواحد بن محمد بن علي بن أبي السّداد الشهير [بالبائع (¬1)] المالقيّ المالكيّ (¬2). كان فقيها نحويّا أصوليا حسن التعليم، نافعا منجبا، منقطع القرين، في الدين المتين، والصلاح والتواضع، وحسن الخلق. سمع من أبي عمر عبد الرحمن بن حوط الله، وغيره من المشايخ. وله تواليف في القراءات والفقه، و «شرح التيسير» وله شعر، توفي تمام خمسة وسبعمائة. ذكره والذي قبله ابن فرحون. 313 - عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازيّ ثم المقدسي ثم الدمشقيّ الفقيه الزاهد أبو الفرج الأنصاري السعديّ العباديّ الخزرجيّ (¬3). شيخ الشام في وقته، تفقه ببغداد على القاضي أبي يعلى مدة، وقدم الشام فسكن بيت المقدس، ونشر مذهب الإمام أحمد فيما حوله، ثم أقام بدمشق فنشر المذهب، وتخرج به الأصحاب، وسمع بها من أبي الحسن السمسار، وأبي عثمان الصابوني، ووعظ، واشتهر أمره، وحصل له القبول التام. وكان إماما عارفا بالفقه والأصول، شديدا في السنّة، زاهدا عارفا، عابدا متألها، ذا أحوال وكرامات. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 178، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 477. (¬2) له ترجمة في: الأنس الجليل لمحيي الدين الحنبلي 1/ 297، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1199، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 68، طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 2/ 248، العبر للذهبي 3/ 312. (¬3) في الأصل: «شيخ الشافعية في وقته»، والمثبت في ذيل الحنابلة، والأنس الجليل.

يقال إنه اجتمع مع الخضر دفعتين (¬1)، وكان يتكلم في عدة أوقات على الخاطر. قال أبو الحسين في «الطبقات»: وبلغني أن بعض السلاطين من المخالفين كان أبو الفرج يدعو عليه. ويقول: كم أرميه، ولا تقع الرمية به، فلما كان في تلك الليلة هلك ذلك المخالف فيها، قال أبو الفرج لبعض أصحابه: قد أصبت فلانا، وقد هلك، فأرخت [تلك الليلة. فلما كان بعد بضعة عشر يوما، ورد الخبر بوفاة ذلك الرجل في تلك (¬2)] الليلة التي أخبر أبو الفرج بهلاكه فيها. وكان أبو الفرج ناصرا لاعتقادنا، متجردا لنشره، مبطلا لتأويل أخبار الصفات. قال ابن رجب: وقرأت بخط الناصح عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج قال: حدّثنا الشريف الجواني النسّابة عن أبيه قال: تكلم الشيخ أبو الفرج في مجلس وعظه، فصاح رجل متواجد، فمات في المجلس، وكان يوما مشهودا، فقال المخالفون في المذهب: كيف نعمل إن لم يمت في مجلسنا أحد، وإلا كان وهنا؟ فعمدوا إلى رجل غريب، ودفعوا له عشرة دنانير فقالوا: احضر مجلسنا، فإذا طاب المجلس فصح صيحة عظيمة، ثم لا تتكلم حتى نحملك ونقول: مات! ونجعلك في بيت، فاذهب في الليل، وسافر عن البلد. ففعل، وصاح صيحة عظيمة، فقالوا: مات! فجاء رجل من الحنابلة، وزاحم حتى حصل تحته، وعصر على خصاه فصاح الرجل. فقالوا: عاش! عاش! وأخذ الناس في الضحك، وقالوا: المحال ينكشف. وللشيخ أبي الفرج تصانيف عدّة في الفقه والأصول. ¬

_ (¬1) حياة الخضر عليه السلام، وخرافة اختلقتها الصوفية، وقد بين ابن تيمية وغيره من الأئمة ما في ذلك من الأباطيل. (¬2) تكملة عن: ذيل الحنابلة لابن رجب.

منها: «المبهج» و «الإيضاح» و «التبصرة في أصول الدين» و «مختصر في الحدود» و «مختصر في أصول الفقه»، و «مسائل الامتحان». قال ابن رجب: وقرأت بخط الناصح عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب ابن الشيخ قال: سمعت والدي يقول: للشيخ أبي الفرج «كتاب الجواهر» وهو ثلاثون مجلدة يعني في التفسير. قال: وكانت بنت الشيخ تحفظه. قال أبو يعلى بن القلانسي في «تاريخه» في حق الشيخ أبي الفرج: كان وافر العلم، متين الدين، حسن الوعظ، محمود السمت. توفي في يوم الأحد ثامن عشري ذي الحجة، سنة ست وثمانين وأربعمائة بدمشق، ودفن بمقبرة الباب الصغير، وقبره مشهور ويزار. 314 - عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي ثم الدمشقي المعروف بابن الحنبلي (¬1). الفقيه الواعظ المفسّر شيخ الإسلام أبو القاسم، كذا كناه ابن القلانسي في «تاريخه» وكناه المنذري: أبا البركات ابن شيخ الإسلام أبي الفرج الزاهد، شيخ الحنابلة بالشام في وقته. توفي والده وهو صغير فاشتغل بنفسه، وتفقه وبرع، وناظر وأفتى، ودرس الفقه والتفسير ووعظ، واشتغل عليه خلق كثير. وكان فقيها بارعا، وواعظا فصيحا، وصدرا معظما، ذا حرمة وحشمة وسؤدد ورئاسة، ووجاهة وجلالة، وهيبة. وكان له بجامع [دمشق (¬2)] مجلس يعقده للوعظ. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 198. (¬2) عن ذيل الحنابلة.

قال السمعاني: سمعت أبا الحجاج يوسف بن محمد بن مقلد التنوخي الدمشقي- مذاكرة- يقول: سمعت الشيخ الإمام عبد الوهاب بن أبي الفرج الحنبلي الدمشقي بدمشق، ينشد على الكرسي في جامعها وقد طاب وقته: سيّدي علل الفؤاد العليلا ... وأحيني قبل أن تراني قتيلا (¬1) إن تكن عازما على قبض روحي ... فترفّق بها قليلا قليلا قال ناصح الدّين عبد الرحمن بن نجم: كان وجيه الدين مسعود بن شجاع شيخ الحنفية بدمشق يذكر شرف الإسلام ويقول: كان يذكر مجلدة من التفسير في المجلس الواحد ويثنى عليه. من تصانيفه: «المنتخب في الفقه» في مجلدين، و «المفردات»، و «البرهان في أصول الدين» و «رسالة في الرد على الأشعرية». وحدّث عن أبيه ببغداد ودمشق، وسمع منه ببغداد أبو بكر بن كامل، وناظر مع الفقهاء ببغداد في المسائل الخلافيات. قال ابن النجار: وبنى بدمشق مدرسة داخل باب الفراديس، وهي المعروفة بالحنبلية. توفي رحمه الله ليلة الأحد سابع عشر صفر سنة ست وثلاثين وخمسمائة، ودفن عند والده بمقابر الشهداء من مقابر الباب الصغير. وذكره أبو المعالي بن القلانسي في «تاريخه» فقال كان على الطريقة المرضية؛ والخلال الرضية، ووفور العلم وحسن الوعظ، وقوة الدين، والتنزه عما يقدح في أفعال غيره من المتفقهين. 315 - عبد الوهاب بن عطاء العجليّ الخفاف (¬2). ¬

_ (¬1) الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 339، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 210، العبر للذهبي 1/ 346، الفهرست لابن النديم 288.

نزيل بغداد ويكنى أبا نصر. سمع من سعيد بن أبي عروبة، وحميد، والتيميّ. وعنه أحمد، وإسحاق الكوسج، والحارث بن أبي أسامة. قال أحمد: كان عالما بسعيد. صدوق ربما أخطأ، ووثقه ابن معين. مات ببغداد سنة أربع ويقال ست ومائتين، روى له مسلم والأربعة. صنّف «التفسير» و «التاريخ» و «الناسخ والمنسوخ» و «السنن في الفقه». 316 - عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد الفارسي أبو محمد الفاميّ الشيرازي (¬1). من أهل شيراز. قدم بغداد والحسين الطبريّ يدرّس بالنّظامية، فتقرّر أن يدرّس كل واحد منهما يوما مناوبة. وحدّث عن أبي بكر أحمد بن الحسين بن الليث الحافظ، ومحمد بن أحمد ابن عبدك الحبّال، وجماعة. روى عنه عبد الوهاب الأنماطيّ، وأبو الفضل بن ناصر، وغيرهما، وكان من أفقه أهل زمانه وأفضلهم. وله كتاب «الآحاد» وقيل: إنه صنّف تأليفا، وإنه ألف «تفسيرا» ضمّنه مائة ألف بيت من الشواهد، وكان يملي الحديث، إلا أنه ربما صحف التصحيف الشنيع فردّ عليه فلم يرجع، وربما أسقط من الإسناد، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 168، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 205، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 29 ب، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 4/ 90، المنتظم لابن الجوزي 9/ 152.

وحاصل أمره أنه ذو وهم بالغ في الكثرة، ولكل فنّ رجال يعرفونه، وهو لم يكن محدّثا، ولكنه كان لا يرى تنقيص نفسه فيدخل في الإملاء وقد كان غنيا عن ذلك. ومن مصنّفاته كتاب «تاريخ الفقهاء». قال فيه ابن السمعانيّ: [الفقهاء (¬1)] الشافعية، وكان له يد في المذهب، ونقل أن أبا زكريا يحيى بن أبي عمرو بن منده قال في «تاريخ أصبهان»: أبو محمد الفامي أحفظ من رأيناه لمذهب الشافعيّ. مات بشيراز في السابع والعشرين من شهر رمضان سنة خمسمائة. 317 - عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم بن بيرم بن بهرام بن بختيار ابن السلار (¬2). الشيخ أمين الدين أبو محمد، إمام مقرئ، محقق، كامل عارف صالح. ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وتلا بالسبع على الشيخ مجير الدين محمد ابن عبد العزيز البياني وغيره، ولي المشيخة الكبرى بدمشق بعد وفاة ابن اللبان، وانتهت إليه مشيخة الإقراء بالشام، وكان إماما خيّرا ديّنا منقطع القرين، جامعا لفنون من العلم كالنحو والفقه والتفسير. أخذ القراءة عنه جماعة كثيرون منهم ابن الجزري. توفي ليلة الأربعاء ثامن عشر شعبان سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، ودفن يوم الأربعاء بمقابر الصوفية جوار شيخ الإسلام ابن تيمية. ¬

_ (¬1) عن طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) له ترجمة في: انباه الغمر لابن حجر 1/ 225، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 45، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 482.

ذكره ابن الجزري في «طبقات القراء». 318 - عبد بغير إضافة بن أحمد بن محمّد بن عبد الله بن غفير الإمام العلّامة الحافظ أبو ذرّ الهرويّ الأنصاريّ المالكيّ (¬1). شيخ الحرم. سمع أبا الفضل بن خيرون، وبشر بن محمد المزني، وعدة بهراة. وأبا محمد بن حمّويه، وزاهر بن أحمد السرخي، وأبا إسحاق المستمليّ ببلخ، وأبا الهيثم الكشميهنيّ بمرو، وأبا بكر هلال بن محمد بن محمد، وشيبان بن محمد الضّبعيّ بالبصرة، وأبا الفضل الزهري، وأبا الحسن الدارقطنيّ، وأبا عمر بن حيويه ببغداد، وعبد الوهاب بن الحسين الكلابيّ بدمشق، وأبا مسلم الكاتب بمصر، وجاور بمكة. روى عنه ولده عيسى، وعلي بن محمد بن أبي الهول، وموسى بن عيسى الصقلي، وعبد الله بن الحسن التنيسي، وأبو صالح النيسابوريّ المؤذن، وعلي ابن بكار الصوري، وأحمد بن محمد القزوينيّ، وأبو الطاهر إسماعيل بن سعيد النحوي، وأبو الحسين بن المهتدي بالله، وأبو الوليد الباجي، وعبد الله ابن سعيد النحوي، وعبد الخالق بن هارون السهمي، وأبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي، وأبو شاكر أحمد بن علي العثماني، وخلائق. وبالإجازة أبو بكر الخطيب، وأبو عمر بن عبد البر» وأحمد بن عبد القادر اليوسفي، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن غلبون الخولاني. ولد أبو ذر سنة خمس وخمسين وثلاثمائة تقريبا. قال الخطيب: قدم أبو ذر بغداد وأنا غائب، فحدّث بها وحج وجاور، ثم تزوج في العرب، وسكن السّروات، فكان يحج كل عام ويحدّث ويرجع، وكان ثقة ضابطا دينا. ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في: تبيين كذب المفتري لابن عساكر 255، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1103، الرسالة المستطرفة للكتاني 23، العبر للذهبي 3/ 180، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 36، نفح الطيب للمقري 2/ 70.

وقال أبو علي بن سكّرة: توفي في عقب شوال سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. وقال الخطيب: في ذي القعدة. قال أبو الوليد الباجي في كتاب «فرق الفقهاء» عند ذكر أبي بكر الباقلانيّ: لقد أخبرني أبو ذرّ وكان يميل إلى مذهبه فسألته: من أين لك هذا؟ قال كنت ماشيا مع الدارقطني، فلقينا القاضي أبا بكر، فالتزمه الدارقطني وقبّل وجهه وعينيه، فلما افترقنا قلت: من هذا؟ قال: هذا إمام المسلمين، والذابّ عن الدين، القاضي أبو بكر بن الطيّب. فمن ذلك الوقت تكررت إليه. قال الحسن بن بقي المالقيّ: حدثني شيخ قال لأبي ذر: أنت هرويّ، فمن أين تمذهبت بمذهب مالك ورأي الأشعريّ؟ قال: قدمت بغداد، فذكر نحوا ممّا تقدم وقال: فاقتديت بمذهبه. وقال عبد الغافر في «تاريخ نيسابور»: كان أبو ذرّ زاهدا ورعا، عالما، سخيا لا يدخر شيئا. وصار من كتاب مشيخة الحرم مشارا إليه في التصوف. قال حاتم بن محمد: كان أبو ذر مالكيّا خيّرا فاضلا متقللا من الدنيا، بصيرا بالحديث وعلله وتمييز الرجال. وله تواليف منها: كتابه الكبير في «المسند الصحيح المجرّد على البخاري ومسلم» وله أيضا «مستدرك» لطيف في مجلد على الصحيحين، يدل على حفظه و «كتاب الجامع» و «كتاب السنة والصفات» و «كتاب الدعوات» وكتاب «فضائل القرآن» وكتاب «فضائل العيدين» وكتاب

«دلائل النبوة» و «كتاب شهادة الزور» وكتاب «فضائل مالك بن أنس» و «مسانيد الموطآت» وكتاب «فضل يوم عاشوراء» وكتاب «كرامات الأولياء» و «كتاب الرؤيا» و «كتاب المنامات» و «كتاب المناسك» و «كتاب الربا واليمين الفاجرة» و «كتاب بيعة العقبة» وما روي في بسم الله الرحمن الرحيم، و «كتاب على شيوخه» اشتمل على نحو ألف ومائة اسم و «كتاب آخر في من لقيه ولم يأخذ عنه» وسكن الحرم إلى أن مات، نفعنا الله به. 319 - عبد بن حميد بن نصر (¬1). الإمام الحافظ أبو محمد الكسّي بالكسر وتشديد المهملة، وينطق بها الناس بالفتح والمعجمة، وهو خطأ، أبو محمد مصنف «المسند» و «التفسير» وغير ذلك، قيل: اسمه عبد الحميد، وبذلك جزم ابن حبّان وغير واحد. رحل على رأس المائتين في شبيبته، فسمع يزيد بن هارون، ومحمد بن بشر العبديّ، وعلي بن عاصم، وابن أبي فديك، وحسين بن علي الجعفيّ، وأبا أسامة، وعبد الرزاق، وطبقتهم. وحدث عنه مسلم، والترمذيّ، وإبراهيم بن خزيم (¬2) الشّاشي، وابن حبّان وخلق، وعلق له البخاري في دلائل النبوّة في «صحيحه»، فسماه عبد الحميد، وكان من الأئمة الثقات. مات سنة تسع وأربعين ومائتين. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 534، الرسالة المستطرفة للكتاني 66، العبر للذهبي 1/ 454، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 330. (¬2) في الأصل: «ابن خريم»، والصواب في: تبصير المنتبه 2/ 258.

ذكر من اسمه عبيد الله مصغرا

ذكر من اسمه عبيد الله مصغرا 320 - عبيد الله بن إبراهيم بن أبي بكر النسائي التّفتازاني (¬1). قال ابن السمعانيّ: كان إماما مفنّنا، مفسّرا محدّثا، واعظا، مشتغلا بالعبادة، يتولى الحرث والحصاد بنفسه، ويأكل من كدّه، سمع نصر الله الخشنيّ، وإسماعيل بن عبد الغافر، وصاعد بن سيّار الحافظ. روى عنه عبد الرحيم بن السمعانيّ، وأبوه. مات في حدود سنة خمسين وخمسمائة. 321 - عبيد الله بن عبد الكريم بن بندار بن فروخ القرشي (¬2). مولاهم حافظ العصر أبو زرعة الرازي. سمع أبا نعيم، وقبيصة، وخلاد بن يحيى، ومسلم بن إبراهيم، والقعنبيّ، ومحمد بن سابق. وطبقتهم بالحرمين والعراق والشام والجزيرة وخراسان ومصر، وكان من أفراد الدهر حفظا وذكاء ودينا وإخلاصا وعلما وعملا. حدث عنه من شيوخه حرملة، والترمذيّ وابن ماجة، والنسائيّ، وابن أبي داود، وأبو عوانة، وسعيد بن عمر اليربوعيّ، وأبو حاتم، ومحمد بن الحسين القطّان، وآخرون، وفي السابق واللاحق رواية إبراهيم بن أورمة الحافظ عن الفلّاس عن أبي زرعة الرازي. قال البخاري: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: أبو زرعة عندنا، فقال لي أبي: يا بني قد اعتضت عن نوافلي بمذاكرة هذا الشيخ. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الأنساب ورقة 107 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 22، اللباب 1/ 178. (¬2) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 10/ 326، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 557، الرسالة المستطرفة للكتاني 64، طبقات الحنابلة 1/ 199، العبر للذهبي 2/ 28، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 38.

قال صالح بن محمد: سمعت أبا زرعة يقول: كتبت عن ابن أبي شيبة مائة ألف حديث، وعن إبراهيم بن موسى الرازي مائة ألف حديث، قلت: تقدر أن تملي عليّ مائة ألف حديث من حفظك؟ قال: لا، ولكني إذا ألقي عليّ عرفت. وعن أبي زرعة أن رجلا استفتاه أنه حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، قال: تمسّك بامرأتك. عن ابن عقدة أنبأنا مطين عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة، وعن الصغاني قال: أبو زرعة عندنا يشبه بأحمد بن حنبل. وقال علي بن الجنيد: ما رأيت أعلم من أبي زرعة. وقال يعلى الموصليّ: كان أبو زرعة مشاهدته أكبر من اسمه، يحفظ الأبواب والشيوخ والتفسير. وقال صالح جزرة: سمعت أبا زرعة يقول: أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث. وقال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أكثر تواضعا من أبي زرعة. وقال عبد الواحد بن غياث: ما رأى أبو زرعة مثل نفسه. وقال أبو حاتم: ما خلف أبو زرعة بعده مثله، ولا أعلم من كان يفهم هذا الشأن مثله، وقلّ من رأيت في زهده. مات أبو زرعة في آخر يوم من سنة أربع وستين ومائتين وقد شاخ، رحمه الله وإيانا. 322 - عبيد الله بن عثمان بن عبيد الله اللّخمي البرجانيّ (¬1). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 1/ 291.

من أهل إشبيلية، يكنى أبا مروان. كان من أهل العلم بمعاني القرآن وقراءاته من أهل النحو والأدب، وممّن يقول الشعر الحسن، بليغ اللسان والقلم، حسن الخط، موصوفا بصحة العقل وقوة الفهم. وكان له حظ صالح من الفقه، أخذ عن أبي إسحاق بن الروح بونه، وغيره، بإشبيلية، وقرطبة. أورده ابن بشكوال في «الصّلة»، ولم يؤرخ مولده ولا وفاته. 323 - عبيد الله بن محمد بن جرو الأسديّ أبو القاسم النحويّ العروضيّ المعتزليّ (¬1). قال ياقوت: من أهل الموصل، قدم بغداد وقرأ على شيوخها، وسمع من أبي عبيد الله المرزبانيّ، وأخذ الأدب عن الفارسيّ والرّمانيّ والسيرافيّ، وكان ذكيّا حاذقا، جيّد الخط، صحيح الضبط، عارفا بالقراءات والعربيّة، أمّ بعضد الدولة؛ وكان يلثغ بالراء غينا، فقال له الفارسيّ: ضع ذبابة القلم تحت لسانك لترفعه به، وأكثر مع ذلك ترديد اللفظ. بالراء، ففعل، فاستقام له إخراج الراء من مخرجها. صنّف كتبا منها «تفسير القرآن العظيم» ذكر في بسم الله الرحمن الرحيم مائة وعشرين وجها، و «الموضّح في العروض»، و «والمفصح في القوافي»، و «الأمد في علوم القراءات». مات يوم الثلاثاء لأربع بقين من رجب سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة 2/ 154، روضات الجنات للخوانساري 465، طبقات المفسرين للأدنةوي 27 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 22، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 120، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 4/ 115، معجم الأدباء لياقوت الحموي 5/ 5.

من اسمه عثمان

324 - عبيد الله بن محمد بن مالك أبو مروان القرطبيّ الفقيه المالكيّ (¬1). كان حافظا للفقه والحديث والتفسير، عالما بوجوه الاختلاف بين فقهاء الأمصار، متواضعا، كثير الورع مجاهدا، متبذّلا في لباسه، قانعا باليسير. روى عن أبي بكر بن مغيث وغيره، وعنه أبو الوليد بن طريف، وصنف «مختصرا في الفقه» وله كتاب «ساطع البرهان» مات في جمادى الأولى سنة ستين وأربعمائة، وله ستون سنة. من اسمه عثمان 325 - عثمان بن الحسن بن عثمان بن أحمد بن الخطيب البغدادي (¬2). يكنى: أبا عمرو، ذكره أبو محمّد بن خزرج وقال: قدم علينا سنة سبع عشرة وأربعمائة بإشبيليّة فقرأنا عليه، وكان يروى عن أبي طاهر المقرئ البغدادي [قرأ عليه بالقراءات السبع. وروى عن جلة البغداديين] (¬3) وغيرهم وكان مجوّدا للتلاوة محسنا، عالما بمعاني القرآن، وكان كبير السّن جدا. ذكره ابن بشكوال في «الصلة» ولم يؤرخ وفاته. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 1/ 292، طبقات المفسرين للأدنةوي 33 أ. طبقات المفسرين للسيوطي 22. (¬2) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 2/ 390. (¬3) ما بين القوسين، عن الصلة لابن بشكوال.

326 - عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي (¬1). مولاهم. القرطبيّ، الإمام العلم، المعروف في زمانه بابن الصيرفي، وفي زماننا بأبي عمرو الداني؛ لنزوله بدانية (¬2). ولد سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، قال: وابتدأت بطلب العلم في سنة ست وثمانين وثلاثمائة، ورحلت إلى المشرق سنة سبع وتسعين. فمكثت بالقيروان أربعة أشهر، أكتب. ثم دخلت مصر في شوال من السنة، فمكثت بها سنة، وحججت ودخلت الأندلس في ذي القعدة سنة تسع وتسعين. وخرجت إلى الثغر سنة ثلاث وأربعمائة، فسكنت سرقسطة (¬3) سبعة أعوام، ثم رحلت إلى قرطبة، قال: وقدمت دانية سنة سبع عشرة، فاستوطنها حتى مات. وقرأ بالروايات على: عبد العزيز بن جعفر بن خواستي (¬4) الفارسي، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 341، بغية الملتمس للضبي 399، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1120، جذوة المقتبس للحميدي 286، الديباج المذهب لابن فرحون 188، روضات الجنات 467، الرسالة المستطرفة للكتاني 139، الصلة لابن بشكوال 2/ 385، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 503، طبقات القراء للذهبي 1/ 325، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 127، العبر 3/ 207، مرآة الجنان لليافعي 3/ 62، معجم الأدباء لياقوت 5/ 36، معجم البلدان 2/ 540، مفتاح السعادة 2/ 47، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 54، نفح الطيب للمقري 2/ 136. (¬2) دانية: مدينة بالأندلس من أعمال بلنسية على ساحل البحر الرومي، أهلها اقرأ أهل الأندلس، لأن مجاهدا كان يستجلب القراء، وينفق عليهم الأموال، فكانوا يقصدونه ويقيمون عنده فكثروا في بلاده (معجم البلدان لياقوت الحموي 2/ 540). (¬3) سرقسطة: بفتح أوله وثانيه ثم قاف مضمومة وسين مهملة ساكنة وطاء مهملة، بلدة مشهورة بالأندلس (معجم البلدان لياقوت الحموي 3/ 78). (¬4) خواستي: بضم الخاء المعجمة وسكون السين المهملة، كما ضبطها ابن الجزري بالعبارة في طبقات القراء 1/ 392.

وعلى: خلف بن إبراهيم بن خاقان، وأبي الفتح فارس بن أحمد، وأبي الحسن طاهر بن غلبون. وسمع كتاب ابن مجاهد في اختلاف السّبعة، من أبي مسلم محمد بن أحمد الكاتب، بسماعه منه، وسمع الحديث من أبي مسلم، ومن أحمد بن فراس العبقسي، وعبد الرحمن بن أحمد الزاهد، وحاتم بن عبد الله البزاز، وأحمد بن فتح الرسّان، ومحمد بن خليفة بن عبد الجبار، وأحمد بن عمر بن محفوظ الحيري، وعبد الرحمن بن عمر بن النحاس، وأبي الحسن علي بن محمد القابسي، وأبي عبد الله بن أبي زمنين، وعبد الوهاب بن منير المصري، وطائفة كبيرة. قرأ عليه أبو بكر بن الفصيح، وأبو الزواد مفرج فتى إقبال الدولة، وأبو الحسين يحيى بن أبي زيد، وأبو بكر محمد بن المفرج، وأبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن الدّش (¬1)، وأبو داود سليمان بن نجاح، وأبو عبد الله محمد ابن مزاحم، وأبو علي الحسين بن علي بن مبشر، وأبو القاسم خلف بن إبراهيم، وأبو إسحاق إبراهيم بن علي، وخلق سواهم. قال ابن بشكوال: كان أبو عمرو أحد الأئمة في علم القرآن رواياته وتفسيره ومعانيه وإعرابه، وجمع في ذلك تواليف حسانا مفيدة يطول تعدادها، وله معرفة بالحديث وطرقه، وأسماء رجاله ونقلته. وكان حسن الخط، جيد الضبط، من أهل الحفظ والذكاء والتفنن، ديّنا فاضلا ورعا سنيا. وقال المغامي: كان أبو عمرو مجاب الدعوة مالكي المذهب. ¬

_ (¬1) علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن الدوش، بضم الدال المهملة بعدها واو ساكنة بعدها شين معجمة ساكنة، وربما تحذف الواو لالتقاء الساكنين، أستاذ ماهر ثقة كبير، أخذ القراءات عرضا عن أبي عمرو الداني. مات سنة 496 هـ (طبقات القراء لابن الجزري 2/ 548).

قال الذهبي في «طبقات القراء»: وكتبه في غاية الحسن والإتقان، منها كتاب «جامع البيان في القراءات السبع وطرقها المشهورة والغربية» وكتاب «إيجاز البيان في قراءة ورش» مجلد، وكتاب «التلخيص في قراءة ورش» مجلد صغير، وكتاب «التيسير» مجلد، وكتاب «المقنع في رسم المصحف»، وكتاب «المحتوى في القراءات الشواذ»، وكتاب «الأرجوزة في أصول السنة» وكتاب «طبقات القراء وأخبارهم» في أربعة أسفار، وكتاب «الوقف والابتداء»، وغير ذلك. بلغني أن له مائة وعشرين مصنفا، ثم وقفت على أسماء مصنفاته في «تاريخ الأدباء» لياقوت الحموي؛ فإذا فيها كتاب «التمهيد» لاختلاف قراءة نافع عشرين جزءا، كتاب «الاقتصاد» في القراءات السبع مجلد، كتاب «اللامات والراءات» لورش مجلد، كتاب «الفتن» مجلد، كتاب «مذاهب القراء» في الهمزتين مجلد، كتاب «اختلافهم في الياءات» مجلد، كتاب «الفتح والإمالة» لأبي عمرو بن العلاء مجلد، ثم عامة تواليفه جزءا جزءا. وكان بين الداني وابن حزم الظاهري منافرة عظيمة، أفضت إلى المهاجاة بينهما، ولكل واحد منهما في الآخر هجاء يقذع فيه، غفر الله لهما. وقد روى عنه بالإجازة أحمد بن محمد بن عبد الله الخولاني، وأحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة المرسي (¬1). [وبقي ابن أبي جمرة (¬2)] هذا إلى بعد الثلاثين وخمسمائة ومن أرجوزته في السّنة: ¬

_ (¬1) كذا في: المشتبه للذهبي، وتبصير المنتبه لابن حجر، العبر للذهبي، وطبقات القراء لابن الجزري، وطبقات القراء للذهبي، وفي الأصل: «ابن أبي حمزة». (¬2) تكملة عن: طبقات القراء للذهبي.

كلم موسى عبده الكليما ... ولم يزل مدبرا حكيما (¬1) كلامه وقوله قديم ... وهو فوق عرشه العظيم والقول في كتابه المفصّل ... بأنه كلامه المنزّل على رسوله النبي الصّادق ... ليس بمخلوق ولا بخالق من قال فيه إنه مخلوق ... أو محدث فقوله مروق أهون بقول جهم الخبيث ... وواصل وبشر المريسي ومما يذكر من شعره: قد قلت إذ ذكروا حال الزمان وما ... يجري على كل من يعزى إلى الأدب (¬2) لا شيء أبلغ من ذل يجرعه ... أهل الخساسة أهل الدين والحسب القائمين بما جاء الرسول به ... والمبغضين لأهل الزيغ والريب توفي الحافظ أبو عمرو الداني بدانية يوم الاثنين منتصف شوال، سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ودفن ليومه بعد العصر، ومشى صاحب دانية أمام نعشه، وشيّعه خلق عظيم، رحمه الله تعالى. ذكره ابن فرحون باختصار، والذهبي في «طبقات القراء» مطولا، وهذا منه. 327 - عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى (¬3). ¬

_ (¬1) طبقات القراء للذهبي. (¬2) معجم الأدباء لياقوت الحموي. (¬3) له ترجمة في: الأنس الجليل لمحيي الدين الحنبلي 2/ 104، البداية والنهاية لابن كثير 13/ 168، تاريخ علماء بغداد للخطيب البغدادي 130، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1430، ذيل الروضتين 175، طبقات الشافعية للاسنوي 164، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 326، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 52 أ، طبقات ابن هداية الله 84، العبر 5/ 177، المختصر لأبي الفداء 3/ 174، مرآة الزمان لليافعي 8/ 757، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 60، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 354، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 408.

الإمام الحافظ المفتي شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو بن المفتي صلاح الدين الكردي الشهرزوريّ الشافعيّ. ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وتفقه على والده بشهرزور، ثم اشتغل بالموصل، مدة، كرر جميع «المهذب» ولم يطر شاربه، ثم صار معيدا عند العماد بن يونس. سمع من عبيد الله بن السمين، ونصر الله بن سلامة، ومحمود بن علي الموصليّ، وعبد المحسن بن الطوسيّ، وارتحل إلى بغداد فسمع من أبي أحمد بن سكينة، وعمر بن طبرزد، وبهمذان من أبي الفضل بن المعزّم، وبنيسابور من منصور، والمؤيد، وزينب وطبقتهم، وبمرو من أبي المظفر السمعاني، وجماعة. وبدمشق من القاضي جمال الدين عبد الصّمد الحرستانيّ، والشيخ موفق الدّين المقدسيّ، والشيخ فخر الدين بن عساكر، وبحلب من أبي محمد بن علوان. وبحران من الحافظ عبد القادر. ودرس بالمدرسة الصلاحيّة ببيت المقدس، فلما هدم المعظم سور البلد، قدم دمشق ودرس بالرواحية، ثمّ ولي مشيخة دار الحديث الأشرفيّة، ثم تدريس الشّامية الصّغرى. وصنف «شرح مسلم» و «علوم الحديث» و «إشكالات على الوسيط» وغير ذلك، وأفتى وتخرّج به الأصحاب وكان من أعلام الدين. قال ابن خلكان: كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وله مشاركة في عدّة فنون، وكانت فتاواه مسدّدة. وقال أبو حفص بن الحاجب في «معجمه»: إمام ورع وافر العقل، حسن السمت، متبحر في الأصول والفروع، بالغ في الطلب حتى صار

يضرب به المثل وأجهد نفسه في الطاعة والعبادة، وكان وافر الجلالة، حسن البزّة، كثير الهيبة موقرا عند السلاطين والأمراء. تفقه به الأئمة شمس الدين عبد الرحمن بن نوح، وكمال الدين سلار، وتقي الدين بن رزين القاضي، وغيرهم. وحدّث عنه فخر الدين عمر الكرجيّ، ومجد الدين بن المهتار، والشيخ تاج الدين عبد الرحيم، والشيخ زين الدين الفارقيّ، والقاضي شهاب الدين الخويي والخطيب شرف الدين الفزاريّ، والشهاب محمد بن مشرف، والصدر محمد بن حسن الأرموي، والعماد بن البالسي، والشرف محمد بن الخطيب الآباري، وناصر الدين محمد بن المهتار، والقاضي أبو العباس أحمد ابن علي الخليلي، والشهاب أحمد بن العفيف وآخرون. انتقل إلى الله تعالى في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وكثر التأسّف لفقده، وحمل نعشه على الرءوس، وكان على جنازته هيبة وخشوع، فصلّوا عليه بجامع دمشق وشيّعوه إلى عند باب الفرج، ورجع الخلائق لمكان حصار الخوارزمية لدمشق، فخرج عشرة من خواصه مشمّرين ودفنوه بمقابر الصوفية، وقبره ظاهر يزار، وعاش ستا وثمانين سنة. 328 - عثمان بن أبي شيبة الحافظ الكبير أبو الحسن بن محمد بن إبراهيم بن عثمان الكوفيّ (¬1). صاحب «المسند» و «التفسير» و «السنن» و «الفتن» سمع شريكا، وهشيما، وإسماعيل بن عيّاش، وابن المبارك، وطبقتهم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 11/ 232، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 444، العبر للذهبي 1/ 430، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 35، النجوم الزاهرة 2/ 301.

وعنه الجماعة سوى الترمذي، وأبو يعلى، وأحمد بن الحسن الصوفيّ، وجعفر الفريابيّ، والبغويّ، وخلق كثير. قال ابن معين: ثقة مأمون، وسئل عنه أحمد بن حنبل فقال: ما علمت إلا خيرا وقد أكثر عنه البخاري، وكان مزّاحا حتى فيما يتصحف من القرآن. قال إبراهيم بن أبي طالب: جئته فقال: إلى متى لا يموت إسحاق بن راهويه! فقلت له: شيخ مثلك يتمنى هذا! فقال: دعني، فلو مات لصفا لي. جرير بن عبد الحميد. وعاش بعد إسحاق خمسة أشهر، ومات في أول سنة تسع وثلاثين ومائتين. 329 - عطاء بن أبي مسلم أبو عثمان الخراساني (¬1). واسم أبيه ميسرة، وقيل عبد الله. صدوق يهم كثيرا، ويرسل ويدلس من الطبقة الخامسة. له كتاب «تنزيل القرآن» و «تفسيره» و «ناسخه ومنسوخه» رواية يونس بن راشد الحراني عنه. مات سنة خمس وثلاثين ومائة، لم يصح أن البخاري أخرج له، لكن روى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 226. العبر للذهبي 1/ 182، مرآة الجنان لليافعي 1/ 281، ميزان الاعتدال 3/ 73.

330 - عطية بن الحارث أبو روق (¬1). بفتح الراء وسكون الواو بعدها قاف الهزّاني بكسر الهاء وفتح الزاي المشددة الكوفي. صدوق من الطبقة الخامسة، صاحب «التفسير» روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجة. 331 - عكرمة بن عبد الله الحبر العالم أبو عبد الله البربريّ ثم المدني الهاشميّ (¬2). مولى ابن عباس، روى عن مولاه، وعائشة، وأبي هريرة وعقبة بن عامر، وأبي سعيد، وعدة، وروايته عن علي بن أبي طالب في «سنن النسائي». وذلك ممكن، لأن ابن عباس ملكه عند ما ولي البصرة لعلي. حدث عنه خلائق منهم أيوب، وأبو بشر، وعاصم الأحول، وثور بن يزيد وخالد الحذاء، وداود بن أبي هند، وعقيل بن خالد، وعباد بن منصور وعبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، وأفتى في حياة ابن عباس. قال عكرمة: طلبت العلم أربعين سنة، وكان ابن عباس يضع الكبل في رجلي على تعليم القرآن والسّنن. قال عمرو بن دينار سمعت أبا الشعثاء يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، أعلم الناس. وروى مغيرة عن سعيد بن جبير وقيل له: تعلم أحدا أعلم منك؟ قال: نعم، عكرمة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 126. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 95، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 229، العبر للذهبي 1/ 131، معجم الأدباء لياقوت 5/ 62، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 1/ 263.

وعن الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة. قال أيوب قال عكرمة: إني لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة فيفتتح لي خمسون بابا من العلم. قال قرة بن خالد: كان الحسن إذا قدم عكرمة البصرة أمسك عن التفسير والفتيا ما دام عكرمة بالبصرة. وهو ثقة ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه، ولا ثبتت عنه بدعة، روى له الجماعة. مات رحمه الله سنة أربع ومائة بالمدينة، وقيل بعد ذلك.

من اسمه علي

من اسمه علي 332 - علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف بن سعيد (¬1). الإمام أبو الحسن الحوفيّ تم المصريّ النحويّ الأوحد، من قرية شبرا من حوف بليس. له «تفسير» جيد، سمّاه: «البرهان في تفسير القرآن»، وكتاب «إعراب القرآن» في عشر مجلدات، و «الموضح في النحو» وكتب أخر. أخذ عن أبي بكر الأدفويّ، وكان حويّا قارئا وأخذ عنه خلق من المصريين. مات بكرة يوم السبت مستهل ذي الحجة سنة ثلاثين وأربعمائة. 333 - علي بن إبراهيم بن سلمة بن بحر أبو الحسن القطّان (¬2). الإمام الحافظ القدوة، محدّث قزوين وعالمها، ولد سنة أربع وخمسين ومائتين، ورحل في هذا الشأن، وكتب الكثير. سمع أبا حاتم الرازي، وإبراهيم بن ديزيل سيفنّة، ومحمد بن الفرج الأزرق، والقاسم بن محمد الدّلال، والحارث بن أبي أسامة، وأبا عبد الله ابن ماجة صاحب «السنن»، وإسحاق بن إبراهيم الدّبري، ويحيى بن عبدك القزويني وخلقا سواهم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 219، الأنساب للسمعاني 181 أ، البداية والنهاية 12/ 47، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 532، طبقات المفسرين للأدنة 31 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 25، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 132، العبر 3/ 172، اللباب 1/ 239، معجم الأدباء لياقوت 5/ 80، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 107، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 461. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 856، العبر للذهبي 2/ 267، معجم الأدباء 5/ 79، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 315.

روى عنه الزبير بن عبد الواحد الحافظ، وأبو الحسن النحوي، وأحمد بن علي بن لال (¬1)، والقاسم بن أبي المنذر الخطيب، وأبو سعيد عبد الرحمن بن محمّد القزويني، وأبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي، وآخرون. وتلا عليه بحرف الكسائي أحمد بن نصر الشّذائيّ عن قراءته على الحسن ابن علي الأزرق. قال الخليلي: أبو الحسن شيخ عالم بجميع العلوم والتفسير والفقه والنحو واللغة، وكان له بنون، محمد، وحسن، وحسين ماتوا شبابا، وسمعت جماعة من شيوخ قزوين، يقولون: لم ير أبو الحسن مثل نفسه، في الفضل والزهد، أدام الصيام ثلاثين سنة، وكان يفطر على الخبز والملح، وفضائله أكثر من أن تعد. مات سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. 334 - علي بن إبراهيم بن علي الأنصاري المالقي أبو الحسن (¬2). قال في «تاريخ غرناطة» آية الله في الحفظ وثقوب الذهن والنّجابة في الفنون، وفصاحة الإلقاء، إمام في العربية لا يشق فيها غباره، حفظا وبحثا وتوجيها واطلاعا وعثورا على سقطات الأعلام، ذاكرا للغات والآداب، قائما على التفسير، مقصودا للفتيا عاقدا للوثيقة، ينظم وينثر، سليم الصدر، أبيّ النفس، كثير المشاركة. قرأ على أبي عبد الله بن الفخّار، وأبي عمرو بن منظور، سكن سلا وأقرأ بها الفقه والتفسير والعربية، وناظر بها، ونوّه به. ¬

_ (¬1) ابن لال، بلامين بينهما ألف، معناه بالفارسية: الأخرس (الرسالة المستطرفة للكتاني 36). وهو: الامام أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني. مفتي همذان، له مصنفات في علوم الحديث، غير أنه كان مشهورا بالفقه. توفي سنة 398 هـ (العبر للذهبي 3/ 67). (¬2) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 551، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 436، النجوم الزاهرة لابن تغري 6/ 183.

335 - علي بن إبراهيم بن نجا بن غنائم الأنصاري الدمشقي الفقيه الحنبلي الواعظ المفسر، زين الدين أبو الحسن بن رضي الدين أبي الطاهر المعروف بابن نجية. نزيل مصر سبط الشيخ أبي الفرج الشيرازي الحنبلي. ولد بدمشق سنة ثمان وخمسمائة فيما ذكره ابن نقطة، والمنذري. وغيرهما. وقال ناصح الدين بن الحنبلي: سنة عشر. وسمع بدمشق من أبي الحسن علي بن أحمد بن قيس، وسمع درس خاله شرف الإسلام عبد الوهاب. وتفقه به، وسمع التفسير منه، وأحب الوعظ وغلب عليه، فاشتغل به. قال ناصح الدين: قال لي: حفظني خالي مجلس وعظ، وعمري يومئذ عشر سنين، ثم نصب لي كرسيا في داره، وأحضر لي جماعته، وقال: تكلم، فتكلمت، فبكى. قال: وكان ذلك المجلس يذكره بنصه وهو ابن تسعين، وكان بطيء النسيان وكان لا يخطب في مجلسه، وإنما يدعو عقيب القراءة، ثم يقرأ مقرئ آيات من القرآن فيفسّرها ويوسع في ذكره، ثم يذكر فصولا، وعنده من كلام العرب والعجم، فيلقن من الفصول ما يختار. وبعثه نور الدين محمود بن زنكي رسولا إلى بغداد سنة أربع وستين وخمسمائة فسمع هناك من سعد الخير بن محمد الأنصاري كثيرا، ومن [عبد (¬1)] الصبور بن عبد السلام، وعبد الخالق بن يوسف، وغيرهم. واجتمع هناك بالشيخ عبد القادر وغيره من الأكابر، ووعظ بجامع المنصور، وانتقل إلى مصر من قبل دولة صلاح الدين، وأقام بها إلى أن مات. وكان يعظ بها بجامع القرافة مدة طويلة. ¬

_ (¬1) تكملة عن: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب.

وقال أبو شامة: كان صلاح الدين يكاتبه، ويحضر مجلسه هو وأولاده: العزيز، وغيره. وحكى عنه السّلفي في «معجم شيوخ بغداد»، وروى عنه الحافظ عبد الغني، وابن خليل، والضياء المقدسي، وأبو سليمان بن الحافظ عبد الغني، وعبد الغني بن سليمان، وخطيب مردا، وجماعة. وأجاز للمنذري، وأحمد بن أبي الخير بن سلامة وغيرهما. وتوفي في شهر رمضان- قال المنذري: في سابعه، وقال ابن نقطة: في ثامنه- سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالشارع، ظاهر القاهرة، ودفن من الغد بسفح المقطم، رحمه الله تعالى. ذكره ابن رجب. 336 - علي بن إبراهيم بن أبي بكر نور الدين الأنصاريّ المقسميّ الشافعيّ (¬1). ويعرف بالكلبشاويّ (¬2)، ويقال فيه أيضا: الصالحيّ، ولد في حادي عشر شعبان سنة أربعين وثمانمائة. أخذ عن المناوي والشروانيّ، والشّمنيّ، والكافيجيّ، والتقيّ الحصني، والتقيّ القلقشنديّ، وصحب الشيخ مدين، وناب في القضاء والجمع، وقطن جامع الزهد. وله تصنيف سماه «الفيض القدسي على آية الكرسي» في عدة كراريس أجاد فيه. ¬

_ (¬1) له ترجمة في الضوء اللامع للسحاوي 5/ 152. (¬2) في الأصل: «الكبشاوي» تحريف، والصواب في الضوء اللامع. والكلبشاوي: بفتح أوله وثالثه بينهما لام ثم معجمة، نسبة لكلبشا، بجوار مليج من الغربية (الضوء اللامع 11/ 223).

337 - علي بن إبراهيم بن هاشم القمّيّ أبو الحسن المحمديّ (¬1). من مصنفي الإمامية. ذكره محمد بن إسحاق النديم في «الفهرست»، وقال: له من الكتب «التفسير» و «الناسخ والمنسوخ» و «فضائل القرآن» و «المغازي» و «الشرائع». يروى عن ابن أبي داود، وابن عقدة، وجماعة. قال الذهب في «الميزان»: رافضي جلد. له تفسير فيه مصائب، ولم يؤرخ وفاته. 338 - علي بن أحمد بن الحسن بن إبراهيم التجيبيّ الإمام أبو الحسن الحرالّيّ (¬2). وحرالة من أعمال مرسية. قال الذهبي: ولد بمراكش، وأخذ العربية عن ابن خروف، وحج ولقي العلماء، وجال في البلاد وشارك في عدة فنون، ومال إلى النظريات وعلم الكلام، وأقام بحماة وبها مات، وله «تفسير» فيه عجائب ولم أتحقق بعد ما كان منطويا عليه من العقيدة غير أنه تكلم في علم الحروف والأعداد وزعم أنه يستخرج [من] (¬3) علم [الحروف] (¬4) وقت خروج الدجال، ووقت طلوع الشمس من مغربها، ويأجوج ومأجوج. وكان ابن تيمية يحط من كلامه، ويقول تصوفه على طريقة الفلاسفة، ورأيت جماعة يتكلمون في عقيدته. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الفهرست للطوسي 209، الفهرست لابن النديم 222، معجم الأدباء لياقوت 5/ 77، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 111. (¬2) له ترجمة في: الفهرست للطوسي 209، الفهرست لابن النديم 222، معجم الأدباء لياقوت 5/ 77، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 111. (¬3) له ترجمة في: سير أعلام النبلاء للذهبي ج 13 ق 2 ص 231، طبقات المفسرين للسيوطي 22، العبر للذهبي 5/ 157، لسان الميزان 4/ 204، ميزان الاعتدال 3/ 114، النجوم الزاهرة 6/ 317، نفح الطيب للمقري 2/ 187، نيل الابتهاج 201. (¬4) تكملة عن: لسان الميزان لابن حجر العسقلاني، وميزان الاعتدال للذهبي.

وله «تأليف في المنطق» و «شرح الأسماء الحسنى» وغير ذلك، وكان من أحلم الناس بحيث يضرب به المثل ولا يقدر أحد يغضبه. مات سنة سبع وثلاثين وستمائة، هذا كلام الذهبي في «تاريخه». وذكره في «الميزان» فقال: صنّف «تفسيرا» وملأه بحقائق ونتائج فكره، وكان الرجل فلسفي التصوف، وزعم أنه يستخرج من علم الحروف وقت خروج الدجال ووقت [طلوع] (¬1) الشمس من مغربها. وهذه علوم وتحديدات ما علمتها رسل الله، بل كل منهم حتى نوح عليه السّلام يتخوّف من الدجّال، وينذر أمته الدجال، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه)، وهؤلاء الجهلة إخوته يدّعون معرفة متى يخرج. نسأل الله السلامة. ويذكر عن أبي الحسن الحرالّيّ مشاركة قوية في الفضائل، وحسن سمت، ولا أعلم له رواية. مات بحماة قبل الأربعين وستمائة، وأرخه ابن الأبار في شعبان سنة ثمان وثلاثين. وكان لقي أبا الحسن بن خروف، ومحمد بن عمر القرطبيّ. ومن تصانيفه «مفتاح الباب المقفل لفهم الكتاب المنزل» جعله قوانين كقوانين أصول الفقه. وحكى عنه أنه أقام سبع سنين يجاهد نفسه، حتى صار من يعطيه الدنانير الكثيرة ومن يزدري به سواء. وذكر ابن الأبار أنه أقام ببلبيس مدّة، وذكر عنه أنه قال: إذا أذّن العصر أموت، فلما جاء العصر أجاب المؤذن ومات رحمه الله تعالى. ¬

_ (¬1) تكملة عن: ميزان الاعتدال للذهبي، ولسان الميزان للسبتي.

339 - علي بن أحمد بن محمد بن علي بن متّويه الإمام أبو الحسن الواحديّ النّيسابوريّ (¬1). كان أوحد عصره في التفسير، لازم أبا إسحاق الثّعلبي، وأخذ العربيّة عن أبي الحسن القهندزيّ (¬2) الضرير، ودأب في العلوم وأخذ اللغة عن أبي الفضل أحمد بن محمد بن يوسف العروضي، صاحب أبي منصور الأزهري، وسمع [أبا طاهر] (¬3) بن محمش [الزّياديّ، وأبا بكر أحمد بن الحسن (¬4)] الحيريّ وجماعة، وروى عنه أحمد بن عمر الأرغيانيّ، وعبد الجبار بن محمد الخواريّ، وطائفة. وكان نظام الملك يكرمه ويعظّمه، وكان حقيقا بالاحترام والإعظام؛ لولا ما كان فيه من إزرائه على الأئمة المتقدمين، وبسط اللّسان فيهم بما [لا] يليق. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 223، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 114، دمية القصر للباخرزي 203، روضات الجنات للخوانساري 484، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 240، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 26 ب، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 523، طبقات المفسرين للسيوطي 23، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 135، طبقات ابن هداية الله 58، العبر للذهبي 3/ 267، المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء 2/ 192، مرآة الجنان لليافعي 2/ 96، معجم الأدباء لياقوت الحموي 5/ 97، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 104، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 464. وانظر في حواشي انباه الرواة مراجع اخرى لترجمته. قال ابن خلكان: «والواحدي- بفتح الواو، وبعد الألف حاء مهملة مكسورة، وبعدها دال مهملة- لم أعرف هذه النسبة إلى أي شيء هي، ولا ذكرها السمعاني، ثم وجدت هذه النسبة الى الواحد بن الديل بن مهرة. ذكره أبو أحمد العسكري». (¬2) بضم القاف والهاء وسكون النون وضم الدال المهملة وفي آخرها الزاي، هذه النسبة الى قهندز، وهو من بلاد شتى، وهو المدينة الداخلة المسورة. اللباب لياقوت 3/ 13. وهو عند ياقوت بفتح القاف والهاء والدال، معجم البلدان لياقوت 4/ 210 والقهندزي هذا هو: علي بن محمد بن إبراهيم. نكت الهميان للصفدي 215. (¬3) ما بين القوسين، عن طبقات الشافعية للسبكي. (¬4) عن طبقات الشافعية للسبكي.

صنف التفاسير الثلاثة «البسيط» [والوسيط (¬1)] و «الوجيز» ومنه أخذ أبو حامد الغزالي أسماء كتبه الثلاثة. و «أسباب النزول» و «المغازي» و «الإغراب في الإعراب (¬2)» و «شرح الأسماء الحسنى» وسماه «التحبير»، و «شرح ديوان المتنبي» و «نفي التحريف عن القرآن الشريف» و «كتاب الدعوات» و «كتاب تفسير النبيّ صلى الله عليه وسلم» وغير ذلك. وتصدّر للإفادة والتدريس مدة، وله شعر حسن. وفيه قيل: قد جمع العالم في واحد ... عالمنا المعروف بالواحدي (¬3) مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة. قال الواحديّ في تفسير سورة القتال، عند قوله تعالى: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (¬4): أخبرني أبو الحسن محمد بن أحمد بن الفضل ابن يحيى، عن محمد بن عبيد الله بن الكاتب، قال: قدمت مكة، فلما وصلت إلى طيزناباذ (¬5) ذكرت بيت أبي نواس: بطيزناباذ كرم ما مررت به ... إلا تعجبت ممّن يشرب الماء فهتف بي هاتف، أسمع صوته ولا أراه: ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: معجم الأدباء. وفي طبقات الشافعية للسبكي: «الأعراب في علم الاعراب». (¬2) معجم الأدباء لياقوت. (¬3) سورة محمد 15. (¬4) بكسر أوله وسكون ثانية ثم زاي مفتوحة ثم نون وبعد ألفها باء موحدة وآخره ذال معجمة: موضع بين الكوفة والقادسية على حافة الطريق على جادة الحاج (معجم البلدان لياقوت 3/ 569). (¬5) طبقات الشافعية للسبكي، ومعجم البلدان لياقوت.

وفي الجحيم حميم ما تجرّعه ... حلق فأبقى له في البطن أمعاء (¬1). وقال في [تفسير (¬2)] سورة (ألم نشرح (¬3)) بسنده أنّ العتبيّ قال: كنت ذات ليلة في البادية بحالة من الغمّ، فألقى في روعي بيت من الشّعر، فقلت: أرى الموت لمن أص ... بح مغموما له أروح (¬4) فلمّا جنّ الليل سمعت هاتفا يهتف في الهواء: ألا [يا] (¬5) أيها المرء الّ ... ذي الهمّ به برّح وقد أنشد بيتا لم ... يزل في فكره يسبح إذا اشتدّ بك العسر ... ففكّر في ألم نشرح فعسر بين يسرين ... إذا أبصرته فافرح 340 - علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة [بن] (¬6) أبي موسى الأشعريّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الحسن المتكلم (¬7). ¬

_ (¬1) معجم البلدان لياقوت، وطبقات الشافعية للسبكي. (¬2) تكملة عن: طبقات الشافعية للسبكي. (¬3) الآية الأولى من سورة الانشراح. (¬4) طبقات الشافعية للسبكي. (¬5) ساقط من الأصل، وهو في طبقات الشافعية للسبكي، وبه يستقيم الوزن. (¬6) عن طبقات الشافعية للسبكي. (¬7) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 39 أ، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 187، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 11/ 346، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 821، الجواهر المضيئة 1/ 353، الديباج المذهب لابن فرحون 193، روضات الجنات 474، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 347، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 7 ب، العبر للذهبي 2/ 202، الفهرست لابن النديم 181، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 152، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 259، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 446.

ولد سنة ستين ومائتين، كان مالكيا، صنف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنن، وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى ورؤيته وقدم كلامه وقدرته عز وجل، وأمور السمع الواردة من الصراط والميزان، والشفاعة والحوض، وفتنة القبر الذي نفته المعتزلة، وغير ذلك من مذاهب أهل السنة والحديث، فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة، والدلائل الواضحة العقلية، ودفع شبه المبتدعة ومن بعدهم من الملحدة والرافضة، وصنف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة، وناظر المعتزلة وظهر عليهم. وكان أبو الحسن القابسي يثني عليه، وله رسالة في ذكره لمن سأله عن مذهبه فيه، أثنى عليه وأنصفه، وأثنى عليه أبو محمد بن أبي زيد وغيره من أئمة المسلمين. ولأبي الحسن من التآليف المشهورة كتب كثيرة جدا، عليها معول أهل السنة، ككتاب «الموجز» وكتاب «التوحيد والقدر» وكتاب «الأصول الكبير» وكتاب «خلق الأفعال» الكبير، وكتاب «الصفات» وكتاب «الاستطاعة»، وكتاب «الرؤية»، وكتاب «الأسماء والأحكام، والخاص والعام»، وكتاب «إيضاح البرهان»، وكتاب «الحث عن البحث» و «النقض على البلخيّ» و «النقض على الجبّائي» والنقض «على ابن الراوندي» و «النقض على الخالدي»، وكتاب «الدامغ» و «أدب الجدل»، و «جوابات الطبريين»، و «جوابات النعمانيين» و «جوابات الجرجانيين»، و «الجوابات الخراسانية»، و «جوابات الرامهرمزيين»، و «جوابات الشيرازيين»، و «النوادر»، و «الرد على الفلاسفة» و «نقض كتاب الإسكافي» و «كتاب الاجتهاد» وكتاب «المعارف»، و «الرد على الدهريين» و «الرد على المنجمين» و «مقالات الإسلاميين» و «المقالات» الكبير، و «نقض كتاب التاج»، و «كتاب

النبوات» وكتاب «اللمع» الكبير، وكتاب «اللمع» الصغير، و «كتاب الشرح والتفصيل»، وكتاب «الإبانة في أصول الديانة» وله الكتاب المسمى «بالمختزن في علوم القرآن» كتاب عظيم جدا بلغ فيه سورة الكهف وقد انتهى مائة جزء، وقيل إنه أكبر من هذا، ومن وقف على تواليفه رأى أن الله تعالى أمده بتوفيقه، وذكر أنه كان في ابتداء أمره معتزليا، ثم رجع إلى هذا المذهب الحق ومذهب أهل السنّة، فكثر التعجب منه، فسئل عن ذلك فأخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وأمره بالرجوع إلى الحق ونصره، فكان ذلك والحمد لله. توفي أبو الحسن رحمه الله تعالى سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، ذكره عياض في «المدارك». وفي ترجمته في كتاب «الوفيات» لابن خلكان، والأشعريّ: بفتح الهمزة، وسكون الشين المعجمة، وفتح العين المهملة، وبعدها راء، هذه النسبة إلى أشعر، واسمه نبت بن أدد بن زيد، وإنما قيل له أشعر، لأن أمّه ولدته والشّعر على يديه، هكذا قاله ابن السمعانيّ. 341 - علي بن إسماعيل بن يوسف القونويّ العلامة علاء الدين (¬1). ولد بقونية من بلاد الروم سنة ثمان وستين وستمائة، وقدم دمشق سنة ثلاث وتسعين، فدرّس بالإقبالية، ثم قدم القاهرة، فولى مشيخة سعيد السعداء. سمع أبا الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر، والأبرقوهيّ، والدمياطي، وابن دقيق العيد، وأبا حفص عمر بن القواس، وابن الصواف، وابن القيم، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 147، البدر الطالع للشوكاني 1/ 439، الدرر الكامنة 3/ 93، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 144 (ط. الحسينية)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 73 ب، مرآة الجنان لليافعي 4/ 280.

وغيرهم ولازم الشمس الأيكيّ، وتقدّم في معرفة علم التفسير والفقه والأصول والتصوّف وكان محكما للعربية، قويّ الكتابة. له يد طولى في الأدب، أقام ثلاثين سنة يصلّي الصبح جماعة، ثم يقرأ إلى الظهر، ثم يصليها، ويأكل شيئا في بيته، ثم يذهب إلى عيادة مريض أو تهنئة أو نحو ذلك، ثم يرجع وقت حضور الخانقاه الصلاحية ويشتغل بالذكر إلى آخر النهار. وولي تدريس الشريفية. وتخرّج به جماعة في أنواع من العلوم. قال الإسنويّ: وكان أجمع من رأيناه للعلوم خصوصا العقلية واللغوية، لا يشار فيها إلا إليه، وكان قليل المثل من عقلاء الرّجال، صالحا كثير الإنصاف، طاهر اللسان، مهيبا وقورا. وكان الناصر يعظمه ويثني عليه. ولي قضاء الشام فباشره بعفّة وصلف، ولم يغير عمامته الصوفية، خرّج له الذهبي جزءا حدّث به، وسمعه منه أبو إسحاق التنوخيّ، ولما استقر في القضاء أخرج من وسطه كيسا فيه ألف دينار بحضرة الفخر المصري وابن جملة، وقال: هذه حضرت معي من القاهرة، ثم طلب الإقالة من القضاء فلم يجب. صنّف «شرح الحاوي»، و «مختصر منهاج الحليميّ»، و «شرح التعرف في التصوّف»، و «اختصر المعالم في الأصول»، وفيه يقول ابن الوردي: إن رمت تذكر في زمانك عالما ... متواضعا فابدأ بذكر القونوي (¬1) ولي القضاء وصار شيخ شيوخهم ... والقلب منه على التصوف منطوي زادوه تعظيما فزاد تواضعا ... الله أكبر هكذا البشر السّوي ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة لابن حجر.

مات في منتصف ذي القعدة سنة تسع وعشرين وسبعمائة، بعد أن مرض أحد عشر يوما بورم الدماغ، وتأسّف الناس عليه، رحمه الله تعالى وإيابا. 342 - علي بن أنجب بن عثمان بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن عبد الرحيم (¬1). الإمام المحدّث البارع المؤرّخ الكبير تاج الدين أبو طالب البغدادي المعروف بابن الساعي. خازن كتب المستنصرية، ولد في شعبان سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وقرأ القراءات علي أبي البقاء العكبريّ، وسمع الحديث من جماعة. وكان فقيها قارئا بالسبع، محدّثا مؤرخا، شاعرا لطيفا كريما. له مصنفات كثيرة في التفسير والحديث والفقه والتاريخ وغير ذلك، منها: «مختصر تفسير البغوي» و «ذيل علي كامل ابن الأثير» في خمس مجلدات، و «تاريخ» في ستة وعشرين مجلدا و «شرح على مقامات الحريري» في خمسة وعشرين مجلدا، و «شعراء زمانه» في عشر مجلدات، و «طبقات الفقهاء» في ثمان مجلدات، و «معجم الأدباء» في خمس مجلدات، و «مناقب الخلفاء» و «تاريخ الوزراء» و «سيرة الخليفة الناصر»، وغير ذلك. قال الذهبي: وقد أورد الكازروني في ترجمة ابن الساعي أسماء المصنفات التي صنفها، وهي كثيرة جدا لعلها وقر بعير، منها «مشيخته بالسماع ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 270، تاريخ علماء بغداد للخطيب البغدادي 137، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1469، الرسالة المستطرفة للكتاني 141، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 55 ب.

والإجازة» في عشر مجلدات، وقرأ على ابن النجار «تاريخه لبغداد»، وقد تكلم فيه فالله أعلم. وكان يحصل له من الدولة ذهب جيّد على عمل هذه التآليف، وله أوهام، وعمّر، واشتهر، وما هو من أحلاس الحديث، بل عداده في الأخباريين. مات ببغداد في رمضان سنة أربع وسبعين وستمائة عن إحدى وثمانين سنة، ووقف كتبه على النظامية. ذكره ابن قاضي شهبة. 343 - علي بن جمعة بن زهير بن قحطبة الأزديّ أبو الحسن القزوينيّ (¬1). كان ديّنا عالما بالأدب والتفسير والحديث، وسمع بقزوين أباه، وهارون ابن هزاري، ويحيى بن عبدك، وبالري أبا حاتم، وبهمذان حمدان بن المغيرة السّكّريّ، وببغداد عبيد بن شريك، ومحمد بن يونس، وبمكة علي بن عبد العزيز. روى عنه علي بن أحمد الأستاذ، وحدث عنه عمر بن عبد الله بن زاذان، توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وقيل: سنة تسع. أورده الرافعي في «تاريخ قزوين». 344 - علي بن حجر- بضم المهملة وسكون الجيم- ابن إياس السّعديّ المروزيّ الحافظ الكبير أبو الحسن (¬2). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ قزوين. للرافعي 4/ 406. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 450، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 230، العبر للذهبي 1/ 443، اللباب لابن الأثير 1/ 544، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 319.

رحّال جوّال، سمع شريكا، وإسماعيل بن جعفر، وهشيما، وابن المبارك، وأمثالهم، وعنه الجماعة- سوى أبي داود، وابن ماجة- وأبو بكر ابن خزيمة، والحسن بن سفيان، وخلق. قال محمد بن علي بن حمزة المروزي: كان فاضلا حافظا، نزل بغداد ثم تحول إلى مرو. قال النسائي، ثقة مأمون حافظ. وقال الخطيب: كان صدوقا متقنا حافظا. وقال الخليل بن أحمد السجزيّ: سمعت السراج يقول: أنبأنا قتيبة قال: كتب إليّ علي بن حجر: إن أحببت أن تستمتع ببصرك فلا تنظر بعد العصر في كتاب. وله تصانيف منها «أحكام القرآن» وله أدب وشعر. توفي في منتصف جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين ومائتين وقد قارب المائة أو جاوزها، رحمه الله وإيانا. 345 - علي بن الحسن بن علي الصندليّ النيسابوريّ الحنفيّ أبو الحسن (¬1). من أصحاب أبي عبد الله الصيمريّ، قرأ بنيسابور على الحسن الصّعبيّ، ودرس هناك، وله يد في الكلام على مذهب المعتزلة، وله تصنيف «تفسير القرآن» وكان يعظ على عادة أهل خراسان، وورد مع السّلطان طغريل إلى بغداد، ولما رجع إلى نيسابور انقطع وتزهّد فلم يدخل على السلاطين. وقال له السلطان ملك شاه في جامع نيسابور: لم لا تجيء إليّ؟ فقال: أردت أن تكون من خير الملوك حيث تزور العلماء، ولا أكون من شر العلماء حيث أزور الملوك. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 357، الفوائد البهية 120.

قال الهمذاني: وحدثني أبو محمد عبد الله بن أحمد السمرقنديّ المحدّث، قال: كان الصندليّ يستعمل السّنة في ملابسه، ويسعى ماشيا إلى الجمعة فيسلم على كل من اجتاز به، وكانت بينه وبين أبي محمد الجوينيّ إمام الشافعية وابنه أبي المعالي [بعده (¬1)] مخالفة في الأصول والفروع، ولكل واحد منهما طائفة. والله يغفر للجميع. مات يوم الأحد عند غروب الشمس التاسع عشر من ربيع الآخر سنة أربع وثمانين وأربعمائة. ذكره القرشي. 346 - علي بن الحسن بن فضال (¬2). من الشيعة ... (¬3) له كتاب «فضائل القرآن». 347 - علي بن الحسين بن الجنيد (¬4). الحافظ الثبت، أبو الحسن الرازي، ويعرف في بلده بالمالكي، لكونه جمع حديث مالك. كان بصيرا بالرّجال والعلل، ثقة صدوقا. قال الخليلي: هو حافظ علم مالك. قال الذهبي: وكان يحفظ أيضا أحاديث الزهري. مات سنة إحدى وتسعين ومائتين. له كتاب «أمثال القرآن». ¬

_ (¬1) تكملة عن: الجواهر المضيئة. (¬2) تكملة عن: الجواهر المضيئة. (¬3) بياض في الأصل، وقد ذكره ابن النديم تحت عنوان الكتب المؤلفة في فضائل القرآن، ولم يزد على ذلك. وعبارته هناك: «كتاب على ابن حسن بن فضال من الشيعة». (¬4) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 671، العبر للذهبي 2/ 89.

348 - علي بن الحسين بن عبد الله بن محمد أبو الحسن الغزنويّ الواعظ (¬1). سمع بغزنة ومرو والعراق، وكان يتكلم بالعربي والعجمي، جيّد الكلام، مليح الايراد، حسن المعرفة بالفقه والتفسير، حنفي، تام المروءة والسخاء، كثير البذل. حدث ببغداد يسيرا، وعنه أبو سعد بن السمعاني، وأبو الفضل محمد بن يوسف الغزنوي. ومات سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. قال ابن الجوزي: كان يميل إلى التشيع، وبنت له زوجة المستظهر رباطا بباب الأزج، وكان الوزراء والأكابر والسلطان يأتونه، وهو والد المسند أبي الفتح أحمد راوي المسند. ومن شعره: إني لوصلك أشتهي ... أمل إليه أنتهي إن نلت ذلك لم أبل ... بالرّوح مني أن تهي دنياي لذة ساعة ... وعلى الحقيقة أنت هي ولقد نهاني العاذلون ... فقلت لا لا أنهي 349 - علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان الإمام. أبو الحسن الكسائيّ (¬2). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: المنتظم لابن الجوزي 10/ 166، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 323. (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 256، الأنساب للسمعاني 482 أ، تاريخ بغداد 11/ 403، تهذيب التهذيب لابن حجر 7/ 313، روضات الجنات 471، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 535، طبقات القراء للذهبي 1/ 100، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 147، الفهرست لابن النديم 29، اللباب 3/ 40، مرآة الجنان لليافعي 1/ 421، المعارف لابن قتيبة 445، معجم الأدباء لياقوت 5/ 183، معجم البلدان لياقوت 1/ 458، مراتب النحويين 74، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 130، نزهة الألباء 67. وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 457. وفي حواشي انباه الرواة مراجع أخرى لترجمة الكسائي.

من ولد بهمن بن فيروز. مولي بن أسد، من أهل باحمشا (¬1)، إمام الكوفيين في النحو واللغة وأحد القراء السبعة المشهورين، وسمّي الكسائيّ لأنه أحرم في كساء، وقيل لغير ذلك. وهو من أهل الكوفة، واستوطن بغداد، وقرأ القرآن وجوّده على حمزة الزيات، ثم اختار لنفسه قراءة. وسمع من جعفر الصّادق، والأعمش، وزائدة، وسليمان بن أرقم (¬2)، وأبي بكر بن عياش (¬3). قال الخطيب: وتعلم النحو على كبر، وسببه أنه جاء إلى قوم وقد أعيا، فقال: قد عيّيت، فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن! قال: كيف لحنت؟ قالوا: إن كنت أردت من انقطاع الحيلة فقل: عييت [مخففا] (¬4) وإن أردت من التعب، فقل: أعييت؛ فأنف من هذه الكلمة، وقام من فوره، وسأل عمّن يعلّم النحو، فأرشد إلى معاذ الهرّاء، فلزمه حتى أنفد ما عنده، ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل وجلس في حلقته، فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميما وعندها الفصاحة، وجئت إلى البصرة! فقال للخليل (¬5): من أين أخذت علمك هذا؟ فقال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فخرج ورجع؛ وقد أنفذ خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة ¬

_ (¬1) باحمشا: بسكون الميم والشين معجمة، قرية بين أوانا والحظيرة، وكانت بها وقعة للمطلب ابن عبد الله بن مالك الخزاعي أيام الرشيد (معجم البلدان لياقوت 1/ 458). (¬2) هو سليمان بن أرقم أبو معاذ البصري، روى قراءة الحسن البصري، وروى عنه الكسائي. (طبقات القراء لابن الجزري 1/ 312). (¬3) هو شعبة بن عياش بن سالم أبو بكر الحناط الأسدي. راوي عاصم وعطاء، عمر دهرا طويلا، وقطع الأقراء قبل موته بسنين. توفي سنة 193 هـ. (المصدر السابق 1/ 325). (¬4) تكملة عن: معجم الأدباء لياقوت. (¬5) في الأصل: «فقال الخليل»، تحريف صوابه في: معجم الأدباء لياقوت، ونزهة الالباء لابن البركات.

عن العرب، سوى ما حفظ، فقدم البصرة فوجد الخليل قد مات وفي موضعه يونس، فجرت بينهما مسائل أقرّ له فيها يونس، وصدره في موضعه. وقال ابن الأعرابي: كان الكسائيّ أعلم الناس، ضابطا عالما بالعربية، قارئا صدوقا، إلا أنه كان يديم شرب النبيذ، ويأتي الغلمان. وأدّب ولد الرشيد، وجرى بينه وبين أبي يوسف القاضي مجالس. وعن الفراء، قال: قال لي رجل: ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في النحو! فأعجبتني نفسي، فأتيته فناظرته مناظرة الأكفاء، فكأني كنت طائرا يغرف بمنقاره من البحر. وعند أيضا، قال: مات الكسائي وهو لا يحسن حدّ «نعم» و «بئس» و «أن» المفتوحة الهمزة، والحكاية، قال: ولم يكن الخليل يحسن النّداء ولا سيبويه يدري حد التعجب. وعن الأصمعي: أخذ الكسائي اللغة عن أعراب من الحطمة ينزلون بقطربّل، فلما ناظر سيبويه استشهد بلغتهم عليه، فقال أبو محمد اليزيدي: كنّا نقيس النّحو فيما مضى ... على لسان العرب الأوّل (¬1) فجاء أقوام يقيسونه ... على لغى أشياخ قطربل فكلّهم يعمل في نقض ما ... به نصاب الحقّ لا يأتلي إنّ الكسائي وأصحابه ... يرقون في النحو إلى أسفل وقال فيه: أفسد النحو الكسائي ... وثنى ابن غزاله (¬2) وأرى الأحمر تيسا ... فاعلفوا التّيس النّخالة ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) الدوري: منسوب إلى الدور، محلة ببغداد. وهو أبو عمر حفص بن عمر البغدادي المقرئ الضرير، روي عن الكسائي وغيره، ومات سنة 246 هـ. (اللباب لابن الأثير 1/ 428).

وقال ابن درستويه: كان الكسائي يسمع الشاذ الذي لا يجوز إلا في الضرورة، فيجعله أصلا ويقيس عليه، فأفسد بذلك النحو. قرأ عليه أبو عمر الدوريّ (¬1) وأبو الحارث الليث، ونصير (¬2) بن يوسف الرازيّ، وقتيبة بن مهران الأصبهانيّ، وأحمد بن أبي سريج النهشلي، وأبو حمدون الطيب بن إسماعيل، وعيسى بن إسماعيل الشيرازي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ومحمد بن سفيان، وخلق سواهم. وحدث عنه يحيى الفراء، وأحمد بن حنبل، وخلف البزار، ومحمد بن المغيرة، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن يزيد الرفاعي، ويعقوب الدورقي، وعدد كثير. وإليه انتهت الإمامة في القراءة والعربية. وصنّف «معاني القرآن» «مختصرا في النحو» «القراءات» «مقطوع القرآن وموصوله» «الهاءات المكنى بها في القرآن» «النوادر الكبير» «الأوسط» «الأصغر» «العدد» «الهجاء» «المصادر» «الحروف» «أشعار المعاياة» وغير ذلك. ¬

_ (¬1) في الأصل «نصر» والمثبت في: انباه الرواة للقفطي 3/ 347، وطبقات القراء لابن الجزري، وطبقات القراء للذهبي. وهو: نصح بن يوسف بن أبي نصر أبو المنذر الرازي ثم البغدادي النحوي، أخذ القراءة عن الكسائي وهو من جلة أصحابه وعلمائهم، وله عنه نسخة. مات سنة 240 هـ (طبقات القراء لابن الجزري 2/ 340). (¬2) في الأصل: «شريح»، والمثبت في طبقات الشافعية للسبكي 2/ 25، وطبقات القراء لابن الجزري. وهو: أحمد بن أبي سريج الصباح أبو بكر النهشلي الرازي، شيخ البخاري، قرأ على الكسائي. مات سنة 230 هـ. (طبقات القراء لابن الجزري 1/ 63).

ومات بالري هو ومحمد بن الحسن في يوم واحد، وكانا خرجا مع الرشيد، فقال: دفنت الفقه والنحو في يوم واحد، وذلك سنة اثنتين أو ثلاث، وقيل تسع وثمانين ومائة، وصحح وقيل: سنة اثنتين أو ثلاث، وقيل تسع وثمانين ومائة، وصحح وقيل: سنة اثنتين وتسعين. ومن شعره: أيّها الطالب علما نافعا ... اطلب النحو ودع عنك الطّمع إنما النحو قياس يتبع ... وبه في كل علم ينتفع وإذا ما أبصر النحو فتى ... مرّ في المنطق مرّا فاتّسع (¬1) في أبيات أخرى. وقال ابن الدّورقي (¬2)، اجتمع الكسائيّ واليزيدي عند الرشيد، فحضرت الصّلاة فقدّموا الكسائي يصلي، فأرتج عليه في قراءة: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، فقال اليزيدي: قراءة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ترتج على قارئ الكوفة! قال: فحضرت صلاة فقدموا اليزيدي، فأرتج عليه في [سورة (¬3)] ¬

_ (¬1) بعدها في: انباه الرواة للقفطي 2/ 267. فاتقاه كل من جالسه ... من جليس ناطق أو مستمع واذا لم يبصر النحو الفتى ... هاب أن ينطق جبنا فانقطع فتراه ينصب الرفع وما ... كان من نصب ومن خفض رفع يقرأ القرآن لا يعرف ما ... صرف الاعراب فيه وصنع والذي يعرفه يقرؤه ... واذا ما شك في حرف رجع ناظرا فيه وفي إعرابه ... فاذا ما عرف اللحن صدع فهما فيه سواء عندكم ... ليست السنة منا كالبدع وكم وضيع رفع النحو وكم ... من شريف قد رأيناه وضع (¬2) هو محمد بن جعفر بن محمد أبو الصقر البغدادي المعروف بابن الدورقي (طبقات القراء لابن الجزري 2/ 111). (¬3) عن انباه الرواة للقفطي.

الحمد فلما سلم قال: احفظ لسانك لا تقول فتبتلى ... إن البلاء موكّل بالمنطق أخبرنا بهذه الحكاية شيخنا القاضي جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن ابن بدر الدين محمد عرف بابن الأمانة مشافهة، عن إمام المقرئين والمحدثين شمس الدين محمد بن محمد بن الجزري، أنبأنا أبو حفص عمر بن الحسن المزي إذنا، عن يوسف بن المجاور، أنبأنا أبو اليمن الكندي، أنبأنا أبو منصور الشيباني، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا أبو الحسن الحمامي، قال: سمعت عمر بن محمد الإسكاف يقول: سمعت عمي يقول: سمعت ابن الدروقي يقول، فذكرها. 350 - علي بن سليمان الزهراوي المالكي أبو الحسن (¬1). كان من أهل العلم والتفسير والقراءات والفرائض. له «المعاملات» على طريق البرهان، و «الزهراوي» في الطب، وكتاب كبير في «تفسير القرآن». وكان إمام الجامع بغرناطة والخطيب به، وحج ورجع إلى غرناطة وتوفي سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. ذكره القاضي عياض في «المدارك». 351 - علي بن سهل النيسابوري ......... (¬2) ¬

_ (¬1) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 410، الصلة لابن بشكوال 2/ 392. (¬2) بياض في الأصل، وجاءت ترجمته كاملة في طبقات الشافعية للسبكي 5/ 258 على هذا النحو: «علي بن سهل أبو الحسن المفسر، من أهل نيسابور». قال ابن السمعاني: كان إماما فاضلا زاهدا، حسن السيرة، مرضي الطريقة، جميل الأثر، عارفا بالتفسير. قال: وجمع «كتابا في التفسير» وجمع شيئا سماه «زاد الحاضر والبادي» وكتاب «مكارم الأخلاق». سمع أبا عثمان الصابوني، وأبا عثمان البحيري، وأبا القاسم القشيري، وأبا صالح المؤذن، وعبد الغافر الفارسي، وخلقا. توفي في ذي القعدة سنة احدى وتسعين وأربعمائة.

352 - علي بن صلاح بن أبي بكر بن محمد بن علي علاء الدين السّحومي القرمي (¬1). نزيل حلب. كان عارفا بالفقه والتفسير، أقام مدة بحلب يشغل وينفع الناس إلى أن مات بها سنة أربع وسبعين (وسبعمائة) (¬2) عن بضع وسبعين سنة، ذكره ابن حبيب. [(¬3) وقال في حقه: عالم جليل القدر، يسر القلب ويشرح الصدر، كان عارفا بالفقه، والتفسير، والأصول، والعربية، وكان كثير الانجماع مقبلا على شأنه. وقال القاضي علاء الدين في «تاريخ حلب» كان دينا كثير العبادة، انتفع به الطلبة]. تحرر هذه الترجمة من «الدرر الكامنة» لشيخ شيوخنا الحافظ ابن حجر، فإن النسخة التي نقلت منها سقيمة جدا. 353 - علي بن عبد الله بن أحمد العلامة أبو الحسن بن أبي الطيب النيسابوري (¬4). كان رأسا في تفسير القرآن. له «التفسير الكبير» في ثلاثين مجلدة، و «الأوسط» في عشر مجلدات، و «الصغير» في خمس مجلدات، وكان من حفاظ العلم. مات في شوال سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، رحمه الله وإيانا. 354 - علي بن عبد الله بن أبي الحسن بن أبي بكر الشيخ تاج الدين ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 126. (¬2) الدرر الكامنة لابن حجر. (¬3) ما بين المعقوفتين أكملته عن الدرر الكامنة لابن حجر لأن الترجمة هنا منقولة بنصها عن الدرر الكامنة. (¬4) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 23، معجم الأدباء لياقوت الحموي 5/ 231.

التبريزي الشافعي (¬1). نزيل القاهرة، المتضلع بغالب الفنون من المعقولات والفقه والنحو والحساب والفرائض. أخذ عن قطب الدين الشيرازي، وعلاء الدين النعماني الخوارزمي، والسيد ركن الدين [الأسترآباذيّ] وسراج الدين الأردبيلي، وغيرهم. وسمع الحديث من الواني، والختنيّ، والدبوسيّ، وأدرك البيضاوي ولم يأخذ عنه، ودخل بغداد سنة ست عشرة، وحج ثم دخل مصر سنة اثنتين وعشرين. قال الذهبي: هو عالم كبير شهير: كثير التلامذة، حسن الصيانة، من مشايخ الصوفية. وقال السبكي: كان ماهرا في علوم شتى، وعني بالحديث بأخرة، وصنف في التفسير والحديث والأصول والحساب، ولازم شغل الطلبة بأصناف العلوم. وقال الإسنوي: واظب على العلم فرادى وجماعة، وجانب الملل، فلم يسترح قبل قيامته ساعة، كان عالما في علوم كثيرة، من أعرف الناس «بالحاوي» الصغير. وقال ابن الملقن: شرح «المصباح» وعمل أحكاما في علم الحديث سماها «القسطاس» تعب عليه كثيرا وأفرد الأحاديث الضعيفة في جزءين. وقال غيره: جرد الأحاديث التي في «الميزان» للذهبي ورتبها على الأبواب. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 545، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 143، طبقات الشافعية للاسنوي 46، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 146 (ط. الحسينية). طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 82 ب، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 10/ 145.

وله على «الحاوي» حواشي مفيدة، واختصر «علوم الحديث» لابن الصلاح اختصارا مفيدا، وأقرأ «الحاوي» كله سبع مرات في شهر واحد، كان يرويه عن علي بن عثمان العفيفي عن مصنفه. وتخرج به جماعة، منهم برهان الدين الرشيد، ومحب الدين ناظر الجيش، وشهاب الدين بن النقيب. توفي بالقاهرة في سابع عشر شهر رمضان سنة ست وأربعين وسبعمائة، ودفن بتربته التي أنشأها قريبا من الخانقاه الدويدارية، وكان في لسانه عجمة، ورثاه الصفدي بقوله: يقول تاج الدين لما قضى ... من ذا رأى مثلي بتبريز وأهل مصر بات إجماعهم ... يقضى على الكلّ بتبريزي ذكره ابن قاضي شهبة، وشيخنا في «طبقات النحاة». 355 - علي بن عبد الله بن خلف بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الملك الإمام أبو الحسن بن النّعمة البلنسي الأنصاري المالكي (¬1). من أهل المرية، أخذ في صغره عن أبي الحسن بن شفيع، وموسى بن خميس المقرئ الضرير، وابن باشّة. سمع من أبي محمد بن عتاب، وابن مغيث، وأبي علي بن سكّرة، وخلق، وبرع في العلوم. قرأ عليه بالسبع الحسن بن محمد بن فاتح الشعار، وغيره. وقال ابن الأبار: كان عالما متقنا، حافظا للفقه، والتفاسير، ومعاني ¬

_ (¬1) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 411، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 553، طبقات المفسرين للسيوطي 23، العبر للذهبي 4/ 198، مرآة الجنان لليافعي 3/ 382، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 66، نيل الابتهاج 200.

الآثار والسنن، متقدما في علم اللسان، فصيحا مفوها، ورعا، معظما عن الخاصة والعامة، ولي خطابه بلنسية، وانتهت إليه رئاسة الإقراء والفتوى، وانتفع به الناس، وكثر الراحلون إليه. صنف «ري الظمآن في تفسير القرآن» في عدة مجلدات و «الإمعان في شرح سنن النسائي» أبي عبد الرحمن وهو خاتمة العلماء بشرق الأندلس، توفي سنة سبع وستين وخمسمائة وهو في عشر الثمانين. وأخذ عنه القراءات أيضا أبو جعفر بن عون الله الحصار. وذكره الذهبي في «طبقات القراء»، ثم شيخنا في «طبقات النحاة». 356 - علي بن عبد الله بن المبارك أبو بكر الوهرانيّ (¬1). المفسر، خطيب داريّا، إمام فاضل صنف «تفسيرا» و «شرح أبيات الجمل» وله شعر جيد. مات في ذي القعدة سنة خمس عشرة وستمائة. قاله الذهبي. 357 - علي بن عبد الله بن محمد بن سعيد بن موهب الجذاميّ (¬2). من أهل المرية، يكنى أبا الحسن، روى عن أبي العباس العذري كثيرا واختص به، وسمع من القاضي أبي إسحاق بن وردون، والقاضي أبي بكر ابن صاحب الأحباس وغيرهم: وأجاز له أبو عمر بن عبد البر، وأبو الوليد الباجي ما روياه. وكان من ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 24. والوهراني: بفتح الواو وسكون الهاء وفتح الراء وفي آخرها نون. نسبة الى وهران، وهي مدينة بعدوة الأندلس على أرض القيروان (اللباب لابن الأثير 3/ 281). (¬2) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 410، الصلة لابن بشكوال 2/ 405، طبقات المفسرين للأدنة 39 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 24، العبر 4/ 88، مرآة الجنان لليافعي 3/ 260، معجم الأدباء للياقوت 5/ 244.

أهل العلم والمعرفة، والذّكاء والفهم، وجمع في «تفسير القرآن» كتابا حسنا مفيدا، وله معرفة في أصول الدين، وحجّ بيت الله الحرام، وأخذ الناس عنه. ومولده لعشر خلون من رمضان سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وتوفي رحمه الله في ليلة الخميس السادس عشر من جمادى الآخرة. سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. ذكره ابن بشكوال في «الصلة». علي (¬1) بن عبد الله بن موهب الجذامي أبو الحسن. قال ياقوت له تأليف عظيم في «تفسير القرآن» روى عن عبد الله بن عبد البر. ولد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، مات في سادس عشر جمادى الأولى، سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. 358 - عليّ بن عبد العزيز بن الحسن بن علي بن إسماعيل أبو الحسن الجرجاني (¬2). الفقيه الشاعر المطبق. قال حمزة السهميّ: كان قاضي جرجان، وولي قضاء قضاة الري، وكان من مفاخر جرجان. وقال الشيخ أبو إسحاق: كان فقيها أديبا شاعرا وله «ديوان»، وهو القائل من قصيدة له: ¬

_ (¬1) هذه الترجمة كالسابقة، وهي تكرار لها وقد جاءت هكذا في الأصل. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 331، تاريخ جرجان 277، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 459، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 13 ب، طبقات الشيرازي 101، طبقات العبادي 111، مرآة الجنان 2/ 386، معجم الأدباء لياقوت 5/ 249، النجوم الزاهرة لابن تغري 4/ 205، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 440، يتيمة الدهر للثعالبي 4/ 3.

يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما أرى الناس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزة النفس أكرما وما كل برق لاح لي يستفزني ... ولا كل من لاقيت أرضاه منعما وإني إذا ما فاتني الأمر لم أبت ... أقلب كفى إثره متندّما ولم أقض حق العلم إن كان كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظما ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة ... إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما وقال العبادي: صنف «كتاب الوكالة» وفيه أربعة آلاف مسألة. وقال ابن كثير: له «ديوان» مشهور، «وتفسير» كبير، وغير ذلك. وقال أبو شامة: له اختصار «تاريخ أبي جعفر الطبري» في مجلدة سماه «صفوة التاريخ». توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وحمل تابوته الى جرجان، فدفن بها، كذا قال حمزة السهمي، وجرى عليه الذهبي، وابن كثير في «طبقاته»، والسبكي، وهو مقتضي كلام الشيخ في «الطبقات»، فإنه جعله من الطبقة الذين ماتوا بعد التسعين، لكن قال الحاكم: في صفر سنة ست وستين عن ست وسبعين سنة. قال ابن خلكان: ونقل الحاكم أثبت وأصح، فعلى هذا هو من أهل الطبقة السادسة. 359 - علي بن أبي الأعز (¬1) بن أبي عبد الله الباجسرائي الفقيه الحنبلي ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وفي: ذيل الحنابلة، «ابن أبي العز».

الزاهد أبو الحسن (¬1). كان يسكن بمدرسة الشيخ عبد القادر وسمع الكثير من أبي الوقت، وابن البطيّ وغيرهما. وحدث باليسير. سمع منه جماعة من الفقهاء. وكان صالحا ورعا متدينا ذا عبادة وزهد. جمع كتابا في «تفسير القرآن الكريم» في أربع مجلدات. توفي ليلة الخميس حادي عشر ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وصلي عليه بالمصلى بباب الحلبة، ودفن بباب حرب. ذكره ابن رجب. 360 - علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار بن سليم السّبكيّ (¬2). تقي الدين أبو الحسن الفقيه الشافعي المفسر الحافظ الأصولي النحوي اللغوي المقرئ البياني الجدلي الخلافي النظار البارع، شيخ الإسلام أوحد المجتهدين. ولد بسبك من أعمال الشرقية في مستهل صغر سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وحفظ «التنبيه» وقدم القاهرة فعرضه على القاضي تقي الدين بن ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 378. والباجسرائي: بفتح الباء المنقوطة بواحدة وكسر الجيم وسكون السين المهملة وفتح الراء وفي آخرها الياء، نسبة إلى باجسرا، وهي قرية كبيرة بنواحي بغداد (اللباب لابن الأثير 1/ 82). (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 252، حسن المحاضرة 1/ 321، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 134، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 39، 352، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 141 (طبع الحسينية)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 83 أ، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 551، قضاة دمشق لابن طولون 101، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 363، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 10/ 318.

بنت الأعز، وقرأ القراءات على التقي الصائغ، والتفسير على العلم العراقيّ، والحديث على شرف الدين الدمياطي، والفقه على والده، ثم على جماعة آخرهم ابن الرّفعة، والأصول على العلاء الباجيّ، والنحو على أبي حيّان، والمنطق والخلاف على سيف الدين البغدادي، وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين بن عطاء الله وغيرهم، وأجاز له الرشيد بن أبي القاسم، وإسماعيل بن الطبال، وخلق، يجمعهم «معجمه» الذي خرجه له الحافظ شهاب الدين بن أيبك (¬1). وبرع في الفنون وتخرج به خلق في أنواع العلوم. وتفقه به جماعة من الأئمة، كالإسنوي، وأبي البقاء، وابن النقيب، وقريبه تقي الدين بن أبي الفتح وأولاده، وغيرهم. وناظر، وأقرّ له الفضلاء، وولي قضاء دمشق بعد الجلال القزويني، في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين، فباشره بعفّة ونزاهة على الوجه الذي يليق به ست عشرة سنة وشهرا، غير ملتفت إلى الأكابر والملوك، ولم يعارضه أحد من نواب الشام إلا قصمه الله. وولي مشيخة الحديث الأشرفية، والشامية البرانية، والغزالية، والعادلية الكبرى، والأتابكية، والمسرورية، ودرس بكل منها، قال ولده: والذي نراه أنه ما دخلها أعلم منه، ولا أحفظ من المزي، ولا أورع من النوويّ، وابن الصلاح وقد خطب بجامع دمشق مدة طويلة. قال ولده وأنشدني شيخنا الذهبيّ لنفسه إذ ذاك: ¬

_ (¬1) هو شهاب الدين أبو الحسن أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي المعروف بالدمياطي، محدث مصر، خرج لقاضي القضاة تقي الدين السبكي معجما في عشرين جزءا ولم يستوعب شيوخه، وذيل في الوفيات على الشريف عز الدين الحسيني. مات سنة 749 هـ (ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 54).

ليهن المنبر الأموي لما ... علاه الحاكم البحر التقي (¬1) شيوخ العصر أحفظهم جميعا ... وأخطبهم وأقضاهم عليّ وجلس للتحدث بالكلاسة فقرأ عليه قريبه تقي الدين أبو الفتح السبكي جميع «معجمه» وسمع عليه خلائق منهم الحافظان [أبو (¬2) الحجاج المزي، وأبو عبد الله الذهبي. ذكره الذهبي في «المعجم المختص] فقال: القاضي الإمام العلامة الفقيه المحدّث الحافظ فخر العلماء، إلى أن قال: وكان صادقا، متثبتا، خيّرا، ديّنا، متواضعا، حسن السّمت، من أوعية العلم، يدري الفقه ويقرّره، وعلم الحديث ويحرّره، والأصول ويقربها، والعربيّة ويحققها، وصنف التصانيف المتقنة، وقد بقي في زمانه الملحوظ إليه بالتحقيق والفضل، سمعت منه، وسمع مني، وحكم بالشام وحمدت أحكامه، فالله يؤيده ويسدده، سمعنا «معجمه» بالكلاسة. وقال الإسنوي في «طبقاته»: كان أنظر من رأيناه من أهل العلم، ومن أجمعهم للعلوم، وأحسنهم كلاما في الأشياء الدقيقة، وأجلدهم على ذلك، إن هطل در المقال فهو سحابه، أو اضطرم نار الجدال فهو شهابه، وكان شاعرا أديبا، حسن الحظ، وفي غاية الإنصاف والرجوع إلى الحق في المباحث، ولو على لسان آحاد المستفيدين منه، خيّرا، مواظبا على وظائف العبادات، كثير المروءة، مراعيا لأرباب البيوت، محافظا على ترتيب الأيتام في وظائف آبائهم. ولازم الاشتغال والاشتغال، والتصنيف، والإفتاء، وتخرّج به فضلاء عصره. ¬

_ (¬1) البيتان في: طبقات الشافعية للسبكي 6/ 157، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 83. (¬2) ما بين المعقوفتين تكملة عن المصدرين السابقين.

ومحاسنه ومناقبه أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، ذكر له ولده في «الطبقات الكبرى» ترجمة طويلة، في أكثر من أربعة كراريس، قال: وكان شيخه ابن الرّفعة يعامله معاملة الأقران، ويبالغ في تعظيمه، ويعرض عليه ما يصنعه في «المطلب» وقال شيخه الدمياطي: إمام المحدّثين. وقال ابن الرفعة: إمام الفقهاء، فلما بلغ ذلك الباجي فقال: وإمام الأصوليين وكان محققا مدققا نظارا جدليا، بارعا في العلوم، له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة، والدقائق اللطيفة، والقواعد المحررة التي لم يسبق إليها. وفي آخر عمره استعفى من القضاء، ورجع إلى مصر متضعفا، فأقام بها دون العشرين يوما، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة، ودفن بمقابر الصوفية. وصنف نحو مائة وخمسين كتابا مطولا ومختصرا، والمختصر منها لا بدّ وأن يشتمل على ما لا يوجد في غيره، من تحقيق وتحرير لقاعدة، واستنباط وتدقيق، منها «تفسير» القرآن العظيم، في ثلاث مجلدات، لم يكمل، و «الابتهاج في شرح المنهاج» وصل فيه إلى الطلاق، في ثلاث مجلدات، و «الرّقم الإبريزيّ في شرح مختصر التبريزي» و «نور الربيع في الكلام على ما رواه الربيع» و «السيف المسلول على من سب الرسول» و «شفاء السقام في زيارة خير الأنام» و «رفع الشقاق في مسألة الطلاق» و «رد على الشيخ زين الدين بن الكتاني (¬1) في اعتراضاته على الروضة» و «الفتاوى» ¬

_ (¬1) في الأصل: «ابن الكنتاني»، وكذا في الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 237، وطبقات الشافعية للسبكي 6/ 245 (طبع الحسينية)، وهو تحريف، والصواب في: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 74 أ. وابن الكتاني هو: زين الدين عمر بن أبي الحزم بن عبد الرحمن بن يونس المعروف بابن الكتاني، شيخ الشافعية في عصره بالاتفاق، ولد سنة 653 هـ بالقاهرة، ثم سافر مع أبويه الى دمشق؛ لأن أباه كان تاجرا في الكتان من مصر الى الشام. توفي سنة 738 هـ.

في مجلدين، وفيه كثير من مصنفاته الصغار، و «نيل العلا في العطف بلا» و «الاقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص» و «التعظيم والمنة» في إعراب قوله تعالى (¬1). لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ «وكشف القناع في إفادة لو للامتناع» و «من أقسطوا ومن غلوا في حكم من يقول لو» و «الرفدة في معنى وحدة» و «كل وما عليه تدل» و «بيان الربط في اعتراض الشرط على الشرط» و «التهدّي إلى معنى التعدي» وغير ذلك. (¬2) ومن نظمه: إنّ الولاية ليس فيها راحة ... إلا ثلاث يبتغيها العاقل. حكم بحقّ أو إزالة باطل ... أو نفع محتاج سواها باطل وله: قلبي ملكت فما له ... مرمى لواش أو رقيب قد حزت من أعشاره ... سهم المعلّى والرقيب يحييه قربك إن منن ... ت به ولو مقدار قيب يا متلفي ببعاده ... عنّى أما خفت الرّقيب 361 - علي بن عثمان أبو الحسن قاضي القضاة الماردينيّ الحنفيّ (¬3). كان إماما في التفسير، والحديث، والفقه، والفرائض، والشعر، صنّف وأفتى، ودرّس وأفاد وأحسن، وكان ملازما للاشتغال والكتابة لا يمل من ذلك. ¬

_ (¬1) من سورة آل عمران 81. (¬2) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 44، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 366، حسن للسيوطي 1/ 469، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 156، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 10/ 246. (¬3) وسماه «الجوهر النقي في الرد على البيهقي» كما صرح به في «تاج التراجم لابن قطلوبغا»، وقد طبع هذا الكتاب في حيدرآباد، وهو كتاب نفيس.

وسمع الحديث وقرأ بنفسه. اختصر كتاب «الهداية» بكتاب سماه «الكفاية في مختصر الهداية» و «شرح الهداية» لم يكمله، وشرع ولده قاضي القضاة جمال الدين من حيث انتهى إليه والده و «اختصر علوم الحديث» لابن الصلاح، ووضع على «الكتاب الكبير» للبيهقي كتابا نفيسا نحوا من مجلدين (¬1)، وله «غريب القرآن» و «وتخريج أحاديث الهداية» و «مختصر المحصل» وأشياء كثيرة لم تكمل، وله نظم وسط. مات في يوم عاشوراء في سنة خمسين وسبعمائة. ذكره القرشي. 362 - علي بن عقيل الإمام أبو الوفاء البغداديّ الظفريّ الحنبليّ (¬2). العلّامة الجامع لأنواع العلوم، وشيخ الحنابلة، وصاحب كتاب «الفنون» الذي بلغ أربعمائة وسبعين مجلدا. ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وقرأ القراءات على أبي الفتح بن شيطا (¬3)، قرأ عليه المبارك (¬4) بن أحمد بن الإخوة، وكان إماما كبيرا متبحرا، مبرّزا في علوم، يتوقد ذكاء، وكان أنظر أهل زمانه. قال السّلفيّ: ما رأت عيناي مثله، وما كان أحد يقدر [أن (¬5)] يتكلم ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 184، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 142، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 556، طبقات القراء للذهبي 1/ 380، العبر 4/ 29، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 4/ 243، مرآة الجنان لليافعي 3/ 204، المنتظم لابن الجوزي 9/ 212. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 184، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 142، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 556، طبقات القراء للذهبي 1/ 380، العبر 4/ 29، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 4/ 243، مرآة الجنان لليافعي 3/ 204، المنتظم لابن الجوزي 9/ 212. (¬3) هو عبد الواحد بن الحسين بن أحمد بن عثمان بن شيطا أبو الفتح البغدادي، كان ثقة عالما بوجوه القراءات والعربية، ألف كتاب «التذكار» في القراءات العشر، ولد سنة 370 هـ، وتوفي سنة 405 هـ (طبقات القراء لابن الجزري 1/ 473). (¬4) المبارك بن أحمد بن علي بن الاخوة أبو البركات البغدادي، ولد سنة 480 هـ، وقرأ القراءات والفقه على أبي الوفاء علي بن عقيل، وكان عارفا بالنحو والأدب، مات سنة 552 هـ (المصدر السابق 2/ 37). (¬5) تكملة عن: العبر للذهبي، وذيل الحنابلة لابن رجب.

معه لغزارة علمه وبلاغته، وحسن إيراده، وقوة حجته، انتهى. توفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وخمسمائة. ذكره ابن الجزري في «طبقات القراء». 363 - علي بن عمر بن أحمد بن عمار بن أحمد بن علي بن عبدوس الحراني (¬1). الفقيه الحنبلي الزاهد، العارف الواعظ، أبو الحسن. ولد سنة عشر- أو إحدى عشرة- وخمسمائة، على ما نقله القطيعي عن أبي المحاسن الدّمشقي عنه. وسمع ببغداد بأخرة سنة أربع وأربعين من الحافظ أبي الفضل بن ناصر، وغيره. وتفقه وبرع في الفقه والتفسير والوعظ، والغالب على كلامه التذكير وعلوم المعاملات. وله «تفسير» كبير، وهو مشحون بهذا الفن، وله كتاب «المذهب في المذهب» ومجالس وعظية، فيها كلام حسن على طريقة كلام ابن الجوزي. قرأ عليه قرينه أبو الفتح نصر الله بن عبد العزيز، وجالسه الشيخ فخر الدين بن تيمية في أول اشتغاله، وقال عنه: كان نسيج وحده في علم التذكير، والاطلاع على علوم التفسير، وله فيه التصانيف البديعة، والمبسوطات الوسيعة. وسمع منه الحديث أبو المحاسن عمر بن علي القرشي الدمشقي بحران، سنة ثلاث وخمسين، وهو إمام الجامع بحران، من أهل الخير والصلاح والدين. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 241.

قال وأنشدني لنفسه: سألت حبيبي وقد زرته ... ومثلي في مثله يرغب (¬1). فقلت حديثك مستظرف ... ويعجب منه الذي يعجب أراك مليحا ظريفا نظيفا ... فصيح الخطاب فما تطلب فهل فيك من خلة تزدرى ... بها الصد والهجر قد يقرب فقال أما قد سمعت المقال ... مغنيّة الحيّ ما تطرب توفي في آخر يوم عرفة- وقيل: ليلة عيد النحر- سنة تسع وخمسين وخمسمائة بحران. ذكره: ابن رجب. 364 - علي بن عيسى بن داود بن الجرّاح أبو الحسن الوزير (¬2). ................ (¬3) له كتاب «معاني القرآن وتفسيره ومشكله» أعانه على عمله أبو بكر بن مجاهد، وأبو الحسين الخزاز النحوي ................ ................ .. (¬4). 365 - علي بن عيسى بن علي بن عبد الله أبو الحسن الرّماني النحويّ (¬5). ¬

_ (¬1) ذيل الحنابلة لابن رجب. (¬2) ذيل الحنابلة لابن رجب. (¬3) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 847، العبر للذهبي 2/ 238، الفهرست لابن النديم 129، معجم الأدباء لياقوت 5/ 277، ترجمة مطولة، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 288. (¬4) بياض في الأصل، وجاء في حاشية الأصل: «تحرر». (¬5) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 294، الأنساب للسمعاني 258 ب، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 314، تاريخ بغداد 12/ 16، تذكرة الحفاظ 3/ 986، طبقات المفسرين للسيوطي 24، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 174، العبر للذهبي 3/ 25، الفهرست لابن النديم 63، اللباب 1/ 475، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 4/ 248، مرآة

وكان يعرف أيضا بالإخشيديّ وبالورّاق، وهو بالرّمانيّ أشهر، كان إماما في العربيّة، علّامة في الأدب في طبقة الفارسي والسّيرافي، معتزليا. ولد سنة ست وسبعين ومائتين، وأخذ عن الزجّاج وابن السّراج وابن دريد. قال أبو حيان التوحيديّ: لم يرد مثله قط علما بالنحو وغزارة بالكلام، وبصرا بالمقالات، واستخراجا للعويص، وإيضاحا للمشكل مع تأله وتنزّه ودين وفصاحة، وعفاف ونظافة، وكان يمزج النّحو بالمنطق، حتى قال الفارسي: إن كان النحو ما يقوله الرّمانيّ فليس معنا منه شيء، وإن كان النحو ما نقوله نحن فليس معه منه شيء. قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السّيوطيّ رحمه الله في ترجمة الرّمانيّ من «طبقات النحاة» عقب كلام الفارسي هذا ما نصه «قلت: النحو ما يقوله الفارسيّ، ومتى عهد الناس أن النحو يمزج بالمنطق! وهذه مؤلفات الخليل وسيبويه ومعاصريهما ومن بعدهما بدهر لم يعهد فيها شيء من ذلك» انتهى. وكان الرّماني متفنّنا في علوم كثيرة من القراءات، والفقه، والنحو، والكلام على مذهب المعتزلة. صنّف الرماني: «التفسير»، و «الحدود الأكبر»، و «الأصغر»، و «شرح أصول ابن السراج» و «شرح موجزه»، و «شرح جمله»، ¬

_ الجنان 2/ 420، معجم الأدباء لياقوت 5/ 280، مفتاح السعادة 1/ 175، المنتظم 7/ 176، ميزان الاعتدال 3/ 149، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 168، نزهة الألباء للأنباري 318، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 461. قال ابن خلكان: «والرماني، بضم الراء وتشديد الميم وبعد الألف نون، هذه النسبة يجوز أن تكون الى الرمان وبيعه، ويمكن أن تكون الى قصر الرمان، وهو بواسط معروف. وقد نسب الى هذا وهذا خلق كثيرون، ولم يذكر السمعاني أن نسبة أبي الحسن المذكور الى أيهما. والله أعلم».

و «شرح سيبويه»، و «شرح مختصر الجرمي»، و «شرح الألف واللام للمازني»، و «شرح المقتضب»، و «شرح الصّفات» و «معاني الحروف» و «صنعه الاستدلال في الكلام»، و «إعجاز القرآن» وغير ذلك. قال القفطي: له نحو مائة مؤلف، وكان مع اعتزاله شيعيا. روى عنه هلال بن المحسّن، وأبو القاسم التّنوخي، والحسن بن علي الجوهري. ومات في حادي عشر جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وكانت ولادته في سنة ست وسبعين ومائتين. 366 - علي بن فضّال بن علي غالب بن جابر (¬1). من ذرية الفرزدق الشاعر أبو الحسن القيروانيّ المجاشعيّ التميمي الفرزدقيّ. كان إماما في اللغة والنحو والتصريف والأدب والتفسير والسّير، ولد بهجر، وطوّف الأرض، وأقام بغزنة مدّة، وصادف بها قبولا، ورجع إلى العراق، وأقرأ ببغداد مدّة النحو واللغة، وحدّث بها عن جماعة من شيوخ المغرب. قال هبة الله السّقطيّ: كتبت عنه أحاديث فعرضتها على بعض المحدّثين فأنكرها، وقال: أسانيدها مركّبة على متون موضوعة، فاجتمع به جماعة من المحدّثين وأنكروا عليه، فاعتذر، وقال: وهمت فيها. قال عبد الغافر: ورد ابن فضّال نيسابور، فاجتمعت به، فوجدته بحرا في ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 299، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 132، طبقات المفسرين للسيوطي 24، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 177، العبر للذهبي 3/ 295، مرآة الجنان لليافعي 3/ 132، معجم الأدباء لياقوت 5/ 289، المنتظم 9/ 33، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 124. وفضال، ضبطه ابن قاضي شهبة في طبقات النحاة، بفتح الفاء وتشديد الضاد المعجمة.

علمه ما عهدت في البلديين ولا في الغرباء مثله، وكان حنبليّا يقع في كل شافعي. صنّف «البرهان العميدي» في التفسير، عشرون مجلدا، «الإكسير في علم التفسير» خمسة وثلاثون مجلدا و «إكسير الذهب في صناعة الأدب» في خمس مجلدات «النكت في القرآن» «شرح معاني الحروف» «شرح عنوان الإعراب» وصنّف كتابا كبيرا في «بسم الله الرحمن الرحيم» و «الفصول في معرفة الأصول» و «الإشارة إلى تحسين العبارة» و «المقدمة» في النحو، كتاب «شرح معاني الحروف» كتاب «معارف الأدب» في النحو ثلاث مجلدات، كتاب «الدّول» في التاريخ ثلاثون مجلدا «العوامل والهوامل» في النحو «شرح عنوان الأدب» «العروض» «شجرة الذهب في معرفة أئمة الأدب». مات ببغداد يوم الثلاثاء ثاني عشري ربيع الأول سنة تسع وسبعين وأربعمائة. ومن شعره: وإخوان حسبتهم دروعا ... فكانوها ولكن للأعادي (¬1) وخلتهم سهاما صائبات ... فكانوها ولكن في فؤادي وقالوا قد صفت منّا قلوب ... لقد صدقوا ولكن عن ودادي 367 - علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر بن خليل الشيحيّ (¬2). بمعجمة مكسورة ومثناة من تحت ساكنة ثم حاء مهملة نسبة إلى شيحة، قرية من عمل حلب. البغدادي الصّوفي، علاء الدين، خازن الكتب السّميساطية، واشتهر بالخازن بسبب ذلك. ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت 5/ 299، وذكر له ياقوت أبياتا أخرى غير هذه. (¬2) له ترجمة في: تاريخ علماء بغداد للخطيب البغدادي 151، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 171، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 83 ب.

ولد سنة ثمان وسبعين وستمائة ببغداد، وسمع بها من ابن الثعالبي، وقدم دمشق فسمع من القاسم بن مظفر، ووزيرة (¬1) بنت عمر، واشتغل كثيرا، وجمع تفسيرا كبيرا سماه «التأويل لمعالم التنزيل» و «شرح العمدة»، وهو الذي صنّف «مقبول المنقول» في عشر مجلدات، جمع فيه بين «مسند الإمام أحمد» و «مسند الشافعي» والستة، و «الموطأ»، والدارقطني، فصارت عشرة كتب. ورتبها على الأبواب، و «سيرة نبوية» مطوّلة: وكان حسن السّمت والبشر والتودد قاله: ابن رافع (¬2): مات في آخر شهر رجب- أو مستهل شعبان- سنة إحدى وأربعين وستمائة بحلب. وقال ابن قاضي شهبة: كان من أهل العلم، جمع وألف وحدّث ببعض مصنفاته. 368 - علي بن محمد بن حبيب القاضي أبو الحسن الماورديّ البصري (¬3). ¬

_ (¬1) هي ست الوزراء وزيرة بنت عمر بن أسعد أم عبد الله، الدمشقية الحنبلية، سمعت من والدها، وحدثت بدمشق ومصر. قال الذهبي: كانت طويلة الروح على سماع الحديث، وهي آخر من حدث بالمسند بالسماع عاليا، ماتت سنة 716 هـ (الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 223). (¬2) هو الحافظ تقي الدين أبو المعالي محمد بن رافع السلامي، المصري المولد والمنشأ، ثم الدمشقي الشافعي. عمل لنفسه معجما في أربع مجلدات يشتمل على أكثر من ألف شيخ، وصنف ذيلا على تاريخ بغداد لابن النجار، وقد عدم هو والمعجم في الفتن. مات سنة 774 هـ. (¬3) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني ورقة 504 أ، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 80، تاريخ بغداد 12/ 102، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 267، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 23 أ، طبقات الشيرازي 110، طبقات المفسرين للسيوطي 25، طبقات ابن هداية الله 51، العبر 3/ 223، اللباب 3/ 90، لسان الميزان 4/ 260، المختصر في اخبار البشر 2/ 179، مرآة الجنان لليافعي 3/ 72، معجم الأدباء لياقوت 5/ 407، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 322، المنتظم 8/ 199، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 155، النجوم الزاهرة 5/ 64، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 444. والماوردي: نسبة الى بيع الماورد.

أحد أئمة أصحاب الوجوه. قال الخطيب: كان ثقة من وجوه الفقهاء الشافعيين وله تصانيف عدّة في أصول الفقه وفروعه، وفي غير ذلك، وكان ولي القضاء ببلدان شتى، ثم سكن بغداد. وقال الشيخ أبو إسحاق: تفقه على أبي القاسم الصيمريّ بالبصرة، وارتحل إلى الشيخ أبي حامد الأسفراينيّ، ودرس بالبصرة وبغداد سنين كثيرة، وله مصنفات كثيرة في الفقه وأصوله، والتفسير والأدب، وكان حافظا للذهبي. وقال ابن خيرون: كان رجلا عظيم القدر، مقدّما عند السلطان، أحد الأئمة، له التصانيف الحسان في كل فن من العلم. وذكره ابن الصلاح في «طبقاته»، واتهمه بالاعتزال في بعض المسائل بحسب ما فهمه عنه في تفسيره في موافقة المعتزلة فيها، ولا يوافقهم في جميع أصولهم، ومما خالفهم فيه أن الجنة مخلوقة. نعم يوافقهم في القول بالقدر وهي بليّة غلبت على البصريين. قال ابن السّبكي: والصحيح أنه ليس معتزليا، ولكنه يقول بالقدر فقط. وذكر ابن خلكان في «الوفيات» أنه لم يكن أبرز شيئا من مصنفاته في حياته وإنما أوصى [رجلا] (¬1) من أصحابه إذا حضره الموت أن يضع يده في يده، فإن رآه قبض على يده فلا يخرج من مصنفاته شيئا، وإن رآه بسط يده فهي علامة قبولها فليخرجها فبسطها. ومن تصانيفه «الحاوي» «تفسير القرآن» في ثلاث مجلدات سماه «النكت» «الأحكام السلطانية» «أدب الدنيا والدين» «الإقناع» في ¬

_ (¬1) تكملة عن: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة والعبارة هنا ليست بالنص في وفيات الأعيان.

الفقه، «مختصر» يشتمل على غرائب «قانون الوزارة» «سياسة الملك» وغير ذلك. مات في يوم الثلاثاء سلخ ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة، بعد موت أبي الطيب بأحد عشر يوما، عن ست وثمانين سنة، ودفن في مقبرة باب حرب. 369 - علي بن محمد بن عبد الله بن منظور القيسي (¬1). من أهل إشبيلية، يكنى أبا الحسن. قرأ القرآن على أبي العباس الباغاني المقرئ، وغيره. وكان من أهل العلم بالقرآن والفقه والعربية، وكانت فنون العربية أغلب عليه. وكان حسن السّمت من أهل العلم والفهم والضبط مات في المحرم سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ومولده سنة سبع وستين وثلاثمائة. ذكره ابن بشكوال في «الصلة». 370 - علي محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد بن عبد الغالب بن غطّاس (¬2) الإمام علم الدين أبو الحسن الهمداني (¬3) السخاوي (¬4). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 2/ 393. (¬2) ضبطه ابن قاضي شهبة في طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 182: بفتح الغين وتشديد الطاء المهملة المشددة وبعد الألف سين مهملة. (¬3) في الأصل: «الهمذاني»، تحريف، ونص ابن حجر على أنه بالدال المهملة، نسبة الى القبيلة (تبصير المنتبه لابن حجر 4/ 1461). (¬4) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 311، البداية والنهاية لابن كثير 13/ 170، تاريخ الاسلام للذهبي (وفيات سنة 643)، تذكرة الحفاظ 4/ 1432، حسن المحاضرة 1/ 412، ذيل الروضتين لابن شامة 177، روضات الجنات 492، سير أعلام النبلاء للذهبي ج 13 ق 2 ص 231، طبقات الشافعية للأسنوي 141، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 297، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 52 ب، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 568 - 571، طبقات القراء للذهبي 2/ 503، طبقات المفسرين للأدنة 53 ب،

المقرئ المفسر، النحويّ. شيخ القراء بدمشق في زمانه. ولد بسخا من قرى أرض مصر الغربية في سنة ثمان- أو تسع وخمسين وخمسمائة، وقدم من سخا إلى القاهرة. وسمع من الحافظ أبي الطاهر السّلفيّ، وأبي الطاهر بن عوف بالإسكندرية، وبمصر من أبي الجيوش عساكر بن علي، وهبة الله البوصيريّ، وإسماعيل بن ياسين. وأخذ القراءات عن أبي القاسم الشاطبي، وأبي الجود غياث بن فارس اللخمي، وأبي الفضل محمد بن يوسف الغزنوي. وأخذ بدمشق عن أبي اليمن الكندي لكن اقتصر على الشاطبي وأبي الجود في إسناد الروايات عنهما. لأن الشاطبي قال له فيما يقال: إذا مضيت إلى الشام فاقرأ على الكندي ولا ترو عنه، وقيل: بل رأى الشاطبي في النوم فنهاه أن يقرأ بغير ما أقرأه. ثم تحول من مصر، وسكن دمشق، وأقرأ الناس بها عند قبر زكرياء عليه السلام من جامع بني أمية، نيفا وأربعين سنة، فقرأ عليه خلق كثير بالروايات، منهم شهاب الدين أبو شامة، وشمس الدين أبو الفتح محمد بن علي بن موسى الأنصاري، وزين الدين عبد السلام الزواوي، ورشيد الدين أبو بكر بن أبي الدر، وتقي الدين يعقوب الجرائدي، وجمال الدين إبراهيم ¬

_ طبقات المفسرين للسيوطي 25، 26، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 183، العبر للذهبي 5/ 178، المختصر لأبي الفداء 3/ 174، مرآة الجنان 4/ 110، 111، مرآة الزمان 8/ 758، مسالك الأبصار ج 3 ق 2 ص 231، معجم الأدباء لياقوت 5/ 414، معجم البلدان لياقوت 3/ 51 (سخا)، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 354، 355، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 27، 28. قال ابن خلكان: والسخاوي- بفتح السين المهملة والخاء المعجمة وبعدها ألف- هذه النسبة الى سخا، وهي بليدة بالغربية من أعمال مصر، وقياسه: سخوي، لكن الناس أطبقوا على النسبة الأولى.

الفاضلي، ورضي الدين جعفر بن دبوقا، وشهاب الدين محمد بن مزهر، وشمس الدين محمد الدمياطي، وقرأ عليه بشر كثير، ثم تركوا الفن كالجمال عبد الواحد بن كثير، ورشيد الدين إسماعيل الحنفي، وشمس الدين محمد ابن قايماز، والنظام محمد التبريزي ... .... (¬1) شرف الدين أبو محمد عبد الله الحسيني الحجازي يا مولانا ما أحسن قوله: سيروا إلى الله عرجا ومكاسير فإن انتظار الصحة بطال، فاستحسن ذلك وقال: ما سمعته إلا الساعة، ثم أطرق قليلا ورفع رأسه وقال: اكتب وأنشد لنفسه: يا من يسوّف بالأعمال مرتقبا ... وقت الفراغ وقد ألهته أشغال سر أعرجا أو كسيرا غير منتظر ... لصحة فمرجيّ ذاك بطّال وقد نظم ذلك العارف بالله تعالى شرف الدين عمر بن الفارض رحمه الله، فأحسن ما شاء حيث يقول: فسر زمنا وانهض كسيرا فخطك ال ... بطالة ما أخّرت عزما لصحة وللشيخ علم الدين أيضا: قد كنت منكم على بال فأين مضى ... عني ترفقكم بي يا مولينا حاشاكم وجميل الصفح عادتكم ... أن تنقضوا بالوفا عاداتكم فينا وله أبيات يمدح بها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب: فيوسف يوسف في المأثرات وأيا ... م ابن أيوب أيام ابن يعقوب حقيقة الملك إلا فيه تسمية ... شتان ما بين تحقيق وتلقيب ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، وقد بحثت في مراجع ترجمة السخاوي عن العبارات التي تتفق مع وسط الترجمة هنا فلم أهتد الى ذلك، وقد ذكر الداودي في نهاية هذه الترجمة، أنه نقلها عن المقفي للمقريزي، ولا يوجد من المقفى في نسختي الجامعة العربية ودار الكتب الجزء الخاص بمن اسمه علي.

ومن غرائب الاتفاق أنه مدح السلطان صلاح الدين، ومدح الأديب رشيد الدين الفارقي، وبين وفاة الممدوحين مائة سنة. وقال الشهاب أبو شامة شيخ وقته: توفي شيخنا علم الدين علامة زمانه، وآية أوانه [بمنزله] (¬1) بالتربة الصالحية، ودفن بسفح قاسيون، وكان على جنازته هيبة وجلالة وإخبات، ومنه استفدت علوما جمة، كالقراءات، والتفسير، وفنون العربية، وصحبته من شعبان سنة أربع عشرة وستمائة، ومات وهو عني راض في ثاني عشر جمادى الآخرة، سنة ثلاث وأربعين وستمائة. ذكره الشيخ تقي المقريزي في «المقفى». 371 - علي بن محمد بن علي السيد زين الدين أبو الحسن الحسيني الجرجانيّ الحنفي (¬2). عالم المشرق، ويعرف بالسيد الشريف، اشتغل ببلاده: وأخذ عن النور الطاوسي شرحه على «المنهاج» وشرحه للفظيه عن ولد مؤلفه مخلص الدين، وقدم القاهرة. وأخذ بها عن الشيخ أكمل الدين الحنفي وغيره، وأقام بسعيد السعداء أربع سنين ثم خرج إلى بلاد الروم، ثم لحق ببلاد العجم، ورأس هناك. وقال فيه العيني (¬3): كان عالم الشرق، علامة دهره، وكانت بينه وبين ¬

_ (¬1) تكملة عن: طبقات القراء للذهبي، وطبقات القراء لابن الجزري. (¬2) له ترجمة في: البدر الطالع للشوكاني 1/ 488، الضوء اللامع للسحاوي 5/ 328، الفوائد البهية للكنوي 125، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 208. (¬3) هو محمود بن أحمد بن موسى أبو محمد، بدر الدين العيني، ولد سنة 762 هـ بعنتاب، ونشأ بها وتفقه، وكان أماما عالما عارفا بالعربية حافظا للغة، وله مصنفات كثيرة، منها: شرح البخاري، شرح معاني الآثار، طبقات الحنفية، طبقات الشعراء، وغير ذلك. مات سنة 855 هـ.

السّعد التفتازاني مباحثات ومحاورات في مجلس تمرلنك، تكرر استظهار السيد فيها عليه غير مرّة، وآخر من علمته ممن حضرها وأتقنها العلاء الروميّ (¬1) وكان له أتباع يبالغون في تعظيمه ويفرطون في إطرائه كعادة العجم، وله تصانيف يقال إنها تزيد على الخمسين، انتهى. ويقال: إنه حرر الرضى «شرح الحاجبية» وكان فيه سقم كثير، ومن تصانيفه «مقدمة في الآفاق وفي الأنفس» يعنى في تفسير قوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) (¬2). «وشرح المواقف» للعضد و «شرح التجريد» للنصير الطوسيّ و «شرح القسم الثالث من المفتاح» و «حاشية الكشاف» لم تتم، وتصدى للإقراء والتصنيف والفتيا، وتخرج به أئمة. مات- كما قال العفيف الجرهي (¬3)، وأبو الفتوح الطاوسي في يوم الأربعاء سادس ربيع الآخر سنة ست عشرة وثمانمائة بشيراز. قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين الأسيوطي في «طبقات النحاة»: أفادني صاحبنا المؤرّخ شمس الدين بن عزم، أن مولد السيد بجرجان، سنة أربعين وسبعمائة. 372 - علي بن محمد علي بن أحمد بن هارون العمرانيّ الخوارزميّ الحنفي أبو الحسن (¬4). ¬

_ (¬1) هو علي بن موسى بن إبراهيم العلاء أبو الحسن الرومي الحنفي، نزيل القاهرة، ولد سنة 756 هـ، وأشتغل ببلده، وتفنن في العلوم، ودخل بلاد العجم ولازم السيد الجرجاني مدة، مات سنة 841 هـ (الضوء اللامع للسحاوي 6/ 41). (¬2) سورة فصلت 53. (¬3) الجرهي: نعمة الله بن محمد أبو الخير بن العفيف الجرهي الشيرازي الشافعي، ولد سنة 810 هـ، وقدم القاهرة من مكة في طلب الحديث فسمع الكثير، واشتغل في عدة علوم ومهر وفضل في مدة يسيرة. مات سنة 840 هـ (الضوء اللامع للسحاوي 10/ 202). (¬4) له ترجمة في: معجم الأدباء لياقوت 5/ 412.

يلقب حجة الأفاضل، وفخر المشايخ. قال ياقوت: سيد الأدباء، وقدوة مشايخ الفضل، المحيط بأسرار الأدب، والمطّلع على غوامض كلام العرب. قرأ الأدب على الزمخشريّ وصار من أكبر أصحابه، وأوفرهم حظا من غرائب آدابه، لا يشقّ غباره في حسن الخطّ واللفظ، ولا يمسح عذاره في كثرة السماع والحفظ. سمع الحديث من الزمخشريّ، والإمام عمر الترجماني، والحسن بن سليمان الخجنديّ، وعبد الواحد الباقرجي وغيرهم. وكان ولوعا بالسماع كتوبا، وكان من العلم الغزير فيه دين وصلاح وزهد، وكان يذهب مذهب الرأي والعدل. وجعل في آخر عمره أيّامه مقصورة على نشر العلم وإفادته لطالبيه، وفزع الناس إليه في حلّ المشكلات وشرح المعضلات، وهو مع العلم الغزير والفضل الكثير علم في الدين، والصلاح المتين، وآية في الزهد، معتزليّ. صنّف «التفسير» و «اشتقاق الأسماء» و «المواضع والبلدان». مات سنة ستين وخمسمائة (¬1). ومن شعره: رأيتك تدّعي علم العروض ... كأنك لست منها في عروض (¬2) فكم تزري بشعر مستقيم ... صحيح في موازين العروض كأنّك لم تحط مذ كنت علما ... بمخبون الضّروب ولا العروض ومنه قصيدة يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم: ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت 5/ 412. (¬2) المصدر السابق 5/ 414.

أضاء برق وسجف الليل مسدول ... كما يهزّ اليماني وهو مصقول (¬1) فهاج وجدي بسعدى وهي نائية ... عنّي وقلبي بالأشواق متبول لم يبق لي مذ تولّى الظّعن باكرة ... صبر ولم يبق لي قلب ومعقول مهما تذكّرتها فاض الجمان على ... خدّي حتّى نجاد السيف مبلول ذكره الصفدي في «تاريخه»، والقرشي، وشيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطيّ في «طبقات النحاة». 373 - علي بن محمد بن علي النيريزي (¬2). نسبة إلى نيريز- بنون مفتوحة ثم تحتانية- من قرى شيراز، أبو الحسن، كان من العلماء وله «تفسير»، ذكره ابن الفوطي في «الدرر الناصعة في شعراء المائة السابعة» وقال: مات سنة اثنتين [وخمسين (¬3)] وستمائة وله أربع وثمانون سنة. وذكره ابن الدّبيثي في «تاريخ واسط» وقال: إنه قدم عليهم وحدثهم عن عبد العزيز بن محمد الأدمي، وكان خطيب شيراز. ذكره الحافظ ابن حجر في «تبصير المنتبه». 374 - علي بن محمد بن علي بن عباس بن فتيان (¬4) القاضي الإمام البارع علاء الدين علي المعروف بابن اللحام الحنبلي الدمشقي (¬5). ¬

_ (¬1) نفس المصدر 5/ 413. (¬2) له ترجمة في: تبصير المنتبه لابن حجر 1/ 206. (¬3) تكملة عن تبصير المنتبه. (¬4) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: الضوء اللامع للسحاوي، وانباء الغمر للزركلي. (¬5) له ترجمة في: انباء الغمر للزركلي 2/ 174، الضوء اللامع للسحاوي 5/ 320.

برع في الفقه، والتفسير، والعربية، وغير ذلك. وأفتى ودرس ووعظ بجامع دمشق، وكان حسن الوعظ ديّنا خيّرا، وناب في الحكم بدمشق، فلما قدم تمرلنك إلى حلب، جفل فيمن جفل من الناس إلى القاهرة، فأكرمه الحنابلة وأجلوا قدره إلى أن مات الموفق أحمد بن نصر الله قاضي الحنابلة، عين المجد سالم، وابن اللحام هذا، فقال كل منهما: لا أصلح، وإنما يصلح هذا، فصرف الله ذلك عن ابن اللحام وابتلى به المجد سالم، وأعطى تدريس المدرسة المنصورية لابن اللحام، فمات بعد استقراره فيها بسبعة عشر يوما يوم عيد الفطر سنة ثلاث وثمانمائة. ذكره المقريزي في «المقفى». 375 - عليّ بن محمد بن مهديّ أبو الحسن الطّبريّ (¬1). تلميذ الشيخ أبي الحسن الأشعري الشافعي، صحبه بالبصرة وأخذ عنه. وكان من المبرّزين في علم الكلام والقوّامين (¬2) بتحقيقه وله كتاب «تأويل الأحاديث المشكلات الواردة في الصفات» وكان مفتنّا في أصنام العلوم. قال أبو عبد الله الحسين بن الحسن الأسديّ: كان شيخنا وأستاذنا أبو الحسن علي بن مهدي الطبري الفقيه، مصنّفا للكتب، في أنواع العلم، حافظا للفقه، والكلام، والتفاسير، والمعاني، وأيّام العرب، فصيحا، مبارزا في النظر، ما شوهد في أيامه مثله، انتهى. وترجمه الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتاب «التبيين» ولم أر من ورّخ وفاته. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تبيين كذب المفتري لابن عساكر 195، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 466، طبقات العبادي 85. (¬2) في الأصل: «والقوانين» بالنون، ولعل الصواب ما أثبته.

وله: ما ضاع من كان له صاحب ... يقدر أن يصلح من شأنه (¬1) فإنما الدّنيا بسكانها ... وإنما المرء بإخوانه اختصرته من «الطبقات الكبرى» لابن السّبكي. 376 - علي بن محمد بن محمد بن وفاء أبو الحسن السكندريّ الأصل المصريّ الشاذليّ المالكي الصوفي (¬2). ويعرف كسلفه بابن وفاء، ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة بالقاهرة. كان على أحسن حال وأجمل طريقة، ولما بلغ سبع عشرة سنة جلس مكان أبيه وعمل الميعاد، وشاع ذكره وبعد صيته، وانتشر أتباعه، وذكر بمزيد اليقظة وجودة الذهن والترقي في الأدب والوعظ. قال في «الإنباء»: كان أكثر أوقاته في الروضة، وكان يقظا حاد الذهن، اشتغل بالأدب والوعظ، وحصل له أتباع، وأحدث ذكرا بألحان وأوزان، وله نظم كثير. مات بمنزله في الروضة في يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة سنة سبع وثمانمائة ودفن عند أبيه بالقرافة. وقال غيره: كان فقيها عارفا بفنون العلم بارعا في التصوّف حسن الكلام فيه، مستحضرا للتفسير، بل له «تفسير» ونظم و «ديوانه» متداول بالأيدي، رحمة الله عليه. 377 - علي بن مرزوق بن عبد الله الشيخ أبو الحسن الردينيّ. حفظ القرآن العظيم، وسمع الحديث، وكان فقيها عارفا بالتفسير، متخليا ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 2/ 308، الضوء اللامع للسحاوي 6/ 21.

للعبادة، أقام بمسجد سعد الدولة من الشرف الذي عليه الآن قلعة الجبل، ثم تحول منه إلى مسجد الرديني الموجود الآن بداخله قلعة الجبل، وكانت كلمته مقبولة عند الملوك، توفي سنة أربعين وخمسمائة، ودفن بالقرافة قريبا من سارية شرقي قبر الكيزاني، وعرف قبره بإجابة الدعاء، وجرّب ذلك. وفي كتاب «مصباح الدّياجي» أن معن بن زيد بن سليمان نام عند قبر الرديني، وكان عليه دين مبلغ عشرة آلاف درهم، فرآه في النوم، فشكى إليه ذلك، فقال: قل اللهم بما كان بينك وبين عبدك الرّديني، إلا ما قضيت ديني، فاستيقظ وسأل الله ذلك، فأتاه شخص وقال: أنت الذي شكوت للشيخ ثقل الدين؟ قال: نعم. فدفع إليه عشرة آلاف درهم. وأنه بلغ الشيخ أبا عمرو عثمان بن مرزوق بن حميد بن سلامة الحوفي الحنبلي، أن الرّديني ينكر على أصحابه، فعزم على أن يسير إليه في غدو معه جماعته، فلما كان في الليل وهو على سطح داره، إذا برجل سقط عليه من الهواء وقال: أنا الرديني، جئت إليك قبل أن تأتيني، فقال: إنما أكلم من يأتي على رجليه، وأما من أعطى هذه المكانة فلا أكلمه بما يكره. وتوفي أبو عمرو الحوفي سنة أربع وستين وخمسمائة وقد جاوز سبعين سنة. ذكره المقريزي في «المقفى». 378 - علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح أبو الحسن السّلمي الدمشقي الشافعي الفرضيّ جمال الإسلام (¬1). قال ابن عساكر: كان عالما بالتفسير والأصول والفقه والتذكير والفرائض والحساب، وتعبير المنامات، تفقه على القاضي أبي المظفر عبد الجليل بن عبد ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تبيين كذب المفتري لابن عساكر 326، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 235، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 33، طبقات المفسرين للأدنة 40 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 26.

الجبار المروزيّ، ثم على الفقيه نصر المقدسيّ ولازمه، وبرع في المذهب حتى أعاد للشيخ نصر، ولزم الغزاليّ مدّة مقامه بدمشق، ودرس في حلقة الغزالي بالجامع وكان يثني على علمه وفهمه. قال الذهبي: وسمع من عبد العزيز الكتّاني، والفقيه نصر، وجماعة. وبرع في الفقه وغيره. وله مصنفات في الفقه والتفسير، وكان ثقة ثبتا، موفقا في الفتاوى، ملازما للتدريس والإفادة، حسن الأخلاق، يعقد مجلس التذكير ويظهر السنّة ويردّ على المخالفين. قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: بلغني أن الغزالي قال: خلفت بالشام شابا إن عاش كان له شأن. قال فكان كما تفرّس فيه، ولي التدريس بالأمينيّة وهو أول من درس، وروى عنه الحافظ أبو القاسم بن عساكر، وابنه القاسم، والسّلفيّ، وبركات الخشوعيّ، وطائفة، آخرهم القاضي أبو القاسم الحرستانيّ. وقد أملى عدة مجالس ولم يخلف بعده مثله، مات ساجدا في صلاة الفجر في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، ودفن بباب الصغير في الصفة التي فيها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. ومن تصانيفه: «كتاب أحكام الخناثي» مختصر، وهو تصنيف مفيد في بابه. 379 - علي بن موسى بن يزداد أبو الحسن القمّي (¬1). الفقيه الحنفي، إمام أهل الرأي في عصره بلا مدافعة .. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 42، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 380، طبقات المفسرين للسيوطي 26، الفهرست لابن النديم 207، اللباب لابن الأثير 3/ 4.

له مصنفات منها «أحكام القرآن» وهو كتاب جليل، وكتاب «نقض ما خالف فيه الشافعي العراقيين في أحكام القرآن» وكتاب «إثبات القياس والاجتهاد وخبر الواحد». سمع محمد بن شجاع الثلجي، ومنه أبو بكر بن سعيد (¬1) بن نصر، وتخرج به جماعة من الكبار، وأملى بنيسابور. مات سنة خمسين وثلاثمائة، رحمه الله وإيّانا. 380 - علي بن يعقوب بن جبريل بن عبد المحسن بن يحيى بن الحسن ابن موسى الشيخ الإمام نور الدين أبو الحسن البكري (¬2). من ولد أبي بكر الصّديق رضي الله عنه، المصري. ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وسمع «مسند الشافعي» من وزيرة بنت المنجا، واشتغل وأفتى ودرّس، ولما دخل ابن تيميّة إلى مصر، قام عليه وأنكر ما يقوله وآذاه. وله كتاب «تفسير الفاتحة». قال السبكي في «الطبقات الكبرى» وصنف «كتابا في البيان». وكان من الأذكياء، سمعت الوالد يقول: إن ابن الرافعة أوصى بأن يكمل شرحه «الوسيط» وكان رجلا خيرا، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر وقد واجه مرة الملك الناصر بكلام غليظ، فأمر السلطان بقطع لسانه، حتى شفع ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: طبقات المفسرين للسيوطي، وفي تاج التراجم لابن قطلوبغا، والجواهر المضيئة: للقرشي: «أبو بكر بن سعد». وهو كما جاء في الجواهر المضيئة 1/ 68: أحمد بن سعد بن نصر بن اسماعيل أبو بكر الفقيه البخاري. ولد سنة 299 هـ. قدم بغداد، وحدث بها عن علي بن موسى القمي الحنفي. مات سنة 306 هـ. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 114، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 423، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 214، ذيل العبر 133، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 442 (طبع الحسينية)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 74 أ.

فيه، فإنه قال له: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، فقال له السّلطان وقد اشتدّ غضبه: أنا جائر؟ فقال: نعم. أنت سلطت الأقباط على المسلمين وقويت دينهم، فلم يتمالك السلطان أن أخذ السّيف وهمّ ليضربه، فبادر الأمير طغاي فأمسك بيده، فالتفت السّلطان إلى ابن مخلوف المالكي، وقال: يا قاضي، يتجرّأ عليّ هذا! ما الذي يجب عليه، فلم يقل شيئا. وقال الإسنويّ: تحيا بمجالسته النفوس، ويتلقى بالأيدي فيحمل على الرءوس، تقمّص بأنواع الورع والتقى، وتمسّك بأسباب التقى فارتقى، كان عالما، صالحا نظارا، ذكيا، متصوفا، أوصى إليه ابن الرفعة بأن يكمل ما بقي من شرحه على «الوسيط» لما علم من أهليته لذلك دون غيره، فلم يتفق له ذلك، لما كان يغلب عليه من التّجلي والانقطاع، والإقامة بالأعمال الخيرية مقابل مصر، بسبب محنة حصلت له مع الملك الناصر، وأمر فيها بقطع لسانه، ثم شفع فيه، وتركه ومنعه من الإقامة بالقاهرة ومصر، إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة، ودفن بالقرافة. 381 - علي بن يوسف بن حريز بن معضاد بن فضل اللخمي الشطنوفي نور الدين أبو الحسن المقرئ النحوي. (¬1) كذا ذكره الأدفوي، وقال: قرأ القراءات على التقي يعقوب بن بدران الجرائدي، والنحو على الضياء صالح بن إبراهيم الفارقي إمام جامع الحاكم، وسمع من النجيب، وتولى تدريس التفسير بالجامع الطولوني، وتصدر للإقراء بجامع الحاكم، وكان كثير من الناس يعتقده، والقضاة تكرمه. مات بالقاهرة يوم السبت تاسع عشر ذي الحجة سنة ثلاث عشرة وسبعمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر، 3/ 216، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 585.

وقال ابن مكتوم: كان رئيس المقرئين بالديار المصرية، ومعدودا في المشايخ من النحاة، وله اليد الطولى في علم التفسير، وعلق فيه تعليقا. وله «كتاب في مناقب الشيخ عبد القادر الكيلاني» نفعنا الله ببركاته؛ في ثلاث مجلدات. مولده في شوال سنة سبع وأربعين وستمائة. أورده شيخنا في «طبقات النحاة». تم الجزء الأول من كتاب طبقات المفسرين ويليه الجزء الثاني وأوله: من اسمه عمر

تتمة حرف العين

[الجزء الثانى] [تتمة حرف العين] من اسمه عمر 382 - عمر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي ابن حمزة بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو البركات الحسيني الكوفي الحنفي الزّيدي (¬1) قال السمعانيّ: شيخ كبير فاضل، له معرفة بالفقه، والحديث، واللغة، والتفسير والنحو، وله التصانيف الحسنة السائرة، سمعته يقول: أنا زيدي المذهب، لكني أفتي على مذهب السلطان، يعني مذهب أبي حنيفة ظاهرا، ومذهب زيد تديّنا. وقال أبو طالب بن الهراس الدمشقي: إنه صرح له بالقول بالقدر وخلق القرآن، وقال الحافظ أبو الغنائم النّرسيّ: هو جاروديّ (¬2) المذهب، لا يرى الغسل من الجنابة. سمع الحديث من أبي بكر الخطيب، وأبي القاسم بن عساكر، وأبي موسى المدينيّ، مولده سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، ومات في شعبان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. ¬

_ (¬1) ورد له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 324، الأنساب للسمعاني 283 ب، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 219، تاج التراجم لابن قطلوبغا 48، طبقات المفسرين للأدنةوي 142، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 194، اللباب لابن الأثير 1/ 517، معجم الأدباء لياقوت 6/ 12، المنتظم لابن الجوزي 10/ 114، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 276. (¬2) الجارودية: أصحاب أبي الجارود؛ زياد بن أبي زياد، زعموا أن النبي صلّى الله عليه وسلم نص على علي بالوصف دون التسمية، وهو الامام بعده، والناس قصروا؛ حيث لم يعرفوا الوصف، ولم يطلبوا الموصوف (الملل والنحل للشهرستاني 1/ 311).

383 - عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين (¬1). الإمام الحافظ، المفيد الواعظ، محدّث العراق أبو حفص البغدادي، صاحب «الترغيب» و «التفسير» الكبير، ألف جزء، و «المسند» ألف جزء وثلاثمائة جزء و «التاريخ» و «الزهد» مائة جزء، وغير ذلك. ولد سنة سبع وسبعين ومائتين، وروى الحروف عن أبي بكر بن أبي داود، وأبي بكر بن مجاهد، وأبي بكر النقاش، وأحمد بن مسعود الزهري، بمصر. سمع الباغندي، والبغوي، ومنه الماليني، والبرقاني، وجمع الأبواب والشيوخ، وصنف ثلاثمائة وثمانين مصنفا. وقال ابن ماكولا وغيره: ثقة مأمون، صنف ما لم يصنفه أحد إلا أنه لحّان ولا يعرف الفقه. روى القراءة عنه الحسين بن الطّناجيري. مات في ذي الحجة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. 384 - عمر بن إسماعيل بن مسعود بن سعد بن سعيد الفارقيّ الفقيه النحويّ الشافعي الأديب الكاتب أبو القاسم رشيد الدين (¬2). قال الذّهبيّ: كانت له يد طولى في التّفسير والبيان والبديع واللغة، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 11/ 265، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 987، الرسالة المستطرفة للكتاني 38، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 588، لسان الميزان 4/ 283، مرآة الجنان لليافعي 2/ 426، المنتظم لابن الجوزي 7/ 152، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 172. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 318، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 308، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 62 ب، العبر للذهبي 5/ 363، فوات الوفيات 2/ 302، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 7/ 385.

انتهت إليه رئاسة الأدب، واشتغل عليه خلق من الفضلاء؛ وقد وزر وتقدم في دول، وأفتى وناظر، وبرع في البراعة والبلاغة والنّظم والنّثر. وكان حلو المحاضرة، مليح النّادرة، يشارك في الأصول والطلب، وله في النّحو مقدّمتان. سمع من ابن الزّبيديّ، وعبد العزيز بن باقا، وجماعة، ودرّس بالناصريّة مدّة، وبالظاهرية وانقطع بها وخنق فيها، وأخذ ذهبه في رابع المحرم سنة تسع وثمانين وستمائة. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 385 - عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن شهاب بن عبد الخالق بن محمد بن مسافر (¬1). شيخ الاسلام، الحافظ الفقيه، البارع المجتهد ذو الفنون، سراج الدين أبو حفص الكناني البلقينيّ الشافعيّ، ولد بناحية بلقينة من قرى مصر في ثاني عشر شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وقرأ بها القرآن. وقدم إلى القاهرة صغيرا في سنة سبع وثلاثين، وسمع من ابن القماح، وابن عبد الهادي، وابن شاهد الجيش، وأحمد بن كشتغدي، وإسماعيل التفليسي، وأجاز له المزّيّ، وخلق. وأخذ الفقه عن ابن عدلان، والتقى السّبكي، والنحو عن أبي حيان، وانتهت إليه رئاسة المذهب والافتاء. وولي قضاء الشام سنة تسع وستين عوضا عن تاج الدين السّبكي، فباشر دون السنة. ¬

_ (¬1) ورد له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 2/ 245، البدر الطالع للشوكاني 1/ 506. حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 329، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 206، الضوء اللامع للسحاوي 6/ 85، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 111 أ، قضاة دمشق لابن قطلوبغا 109.

وولي تدريس الخشّابية، والتفسير بجامع ابن طولون، وبالظاهرية. [وبرع (¬1)] في معرفة مذهبه، مع كثرة الحفظ للحديث أسانيد ومتونا، والتبحّر في علم التفسير، ومعرفة العربية واللغة، وغير ذلك من العلوم، وتخرج به أعيان العصر، ودارت على رأسه الفتوى عدة سنين، وقصد من أقطار الأرض للأخذ عنه، وبالفتاوى، وأتاه الناس من الهند واليمن وبغداد وخراسان وبلاد الروم والمغرب والشام والحجاز، وكان في الحفظ آية من خالقه تعالى. ومن مصنفاته: «شرح البخاري» و «الترمذي» و «محاسن الاصلاح» و «تضمين ابن الصّلاح» و «التدريب» في الفقه ولم يكمله، و «حواشي الرافعي» و «الرّوضة» وغير ذلك. مات في ليلة الجمعة، ودفن من الغد وهو عاشر ذي القعدة سنة خمسين وثمانمائة، وله من العمر إحدى وثمانون سنة. 386 - عمر بن عثمان بن الحسين بن شعيب أبو حفص الجنزيّ (¬2). الأديب. أحد الأعلام في الأدب والشعر، قال في «الوشاح»: هو إمام في النّحو والأدب، لا يشقّ غباره، ومع ذلك فقد تحلى بالورع ونزاهة النّفس. وقال السّمعانيّ: أحد أئمة الأدب، لازم أبا المظفر الأبيورديّ (¬3) مدة، ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 2/ 329، الأنساب للسمعاني 137 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 27، اللباب لابن الأثير 1/ 241، معجم الأدباء للسيوطي 6/ 49. والجنزي، بفتح الجيم وسكون النون وكسر الزاي. نسبة الى مدينة جنزة، وهي من أذربيجان. (¬3) بفتح الألف وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المعجمة وفتح الواو وسكون الراء وفي آخرها الدال المهملة، نسبة الى أبيورد، وهي بلدة من بلاد خراسان (اللباب لابن الأثير 1/ 21).

وذاكر الفضلاء، وبرع في العلم حتى صار علامة زمانه وأوحد عصره، وكان حسن السيرة. صنف التصانيف وشاعت في الآفاق، وشرع في إملاء تفسير لو تم لم يوجد مثله. سمع «سنن النّسائيّ» من عبد الرحمن الدّونيّ. قال الذهبيّ: روى عنه السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم. مات رابع عشر ربيع الآخر سنة خمسين وخمسمائة، وقد جاوز السبعين. 387 - عمر بن عبد الرحمن بن عمر سراج الدين الفارسيّ الكنانيّ (¬1). صاحب «الكشف على الكشاف» كان من صباه مشمرا ساق الجد في التحصيل، لا يفتر ساعة، وكان له حظ وافر من العلوم، سيما العربية. قرأ على قوام الدين الشيرازي، وهو قرأ على القطب العالي. توفي سنة خمس وأربعين وسبعمائة عن سبع- أو ثمان- وثلاثين سنة. 388 - عمر بن علي بن سليمان بن يعقوب بن عبد الحموي له تفسير في نحو الثلاثين مجلدا كان في ................ ... (¬2) 389 - عمر بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن علي بن لقمان النسفيّ ثم السمرقنديّ الحنفيّ الإمام الزاهد نجم الدين أبو حفص (¬3). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ علماء بغداد للسلامي 159، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 256، ذيل تذكرة الحفاظ للذهبي 358، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 594. (¬2) بياض في الأصل. (¬3) له ترجمة في: تار التراجم لابن قطلوبغا 47، الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 394، طبقات المفسرين للأدنةوي 41 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 27، العبر للذهبي 4/ 102، الفوائد البهية للكنوي 149، لسان الميزان للعسقلاني 4/ 327، مرآة الجنان لليافعي 2/ 268، معجم الأدباء لياقوت 6/ 53، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 127.

ولد بنسف في شهور سنة إحدى- أو اثنتين- وستين وأربعمائة. وسمع أبا محمد إسماعيل بن محمد النّوحيّ النسفيّ، وأبا اليسر محمد بن الحسين البزدويّ، وأبا علي الحسن بن عبد الملك النسفيّ. وروى عنه عمر بن محمد بن العقيليّ. حكي أنه أراد أن يزور الزمخشريّ في مكة، فلما وصل إلى داره دق الباب ليفتحوه ويأذنوا له بالدخول، فقال الزمخشري: من ذا الذي يدق الباب؟ فقال: عمر. فقال جار الله: انصرف، فقال نجم الدين: يا سيدي، [عمر] (¬1) لا ينصرف، فقال جار الله: إذا نكر ينصرف. قال السمعانيّ: فقيه فاضل، عارف بالمذهب والأدب، صنف التصانيف في الفقه، والحديث، و «نظم الجامع الصغير». وأما مجموعاته في الحديث فطالعت منها الكثير وتصفحتها، فرأيت فيها من الخطأ وتغيير الأسماء وإسقاط بعضها شيئا كثيرا، وأراها غير محصورة، ولكن كان مرزوقا في الجمع والتصنيف. كتب إليّ بالإجازة بجميع مسموعاته ومجموعاته، ولم أدركه بسمرقند حيّا، وحدثني عنه جماعة (¬2) (قال: وإنما ذكرته في هذا المجموع لكثرة تصانيفه، وشيوع ذكره، وإن لم يكن إسناده عاليا، وكان ممن أحب الحديث وطلبه، ولم يرزق فهمه، وكان له شعر حسن مطبوع على طريقة الفقهاء والحكماء). ¬

_ (¬1) تكملة من الجواهر المضيئة، والفوائد البهية. (¬2) كذا وقفت الترجمة مبتورة في نسخة دار الكتب، وجاءت تكملتها في الجزء الموجود من نسخة معهد المخطوطات بالجامعة العربية على النحو المذكور بين القوسين.

قال: وكان إماما فاضلا مبرّزا متفنّنا. صنف في كل نوع من العلم، في التفسير والحديث، والشروط، وبلغت تصانيفه المائة، ونظم «الجامع الصغير» لمحمد بن الحسن، وهو صاحب «القند في علماء سمرقند»، انتهى. وهو أحد مشايخ صاحب «الهداية» قال: وسمعته يقول: أنا أروي الحديث عن مائة وخمسين شيخا. قال الكتبي في «تاريخه»: ولعله صنف مائة مصنف، قدم بغداد، وحدث بكتاب «تطويل الأسفار لتحصيل الأخبار» من جمعه، وروى فيه عن عامة مشايخه. توفي ليلة الخميس ثاني عشر جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة بسمرقند. 390 - [عمر (¬1) بن محمد بن بجير الهمذاني السمرقندي. الحافظ الإمام الكبير أبو حفص، محدث ماوراء النهر، وصاحب «الصحيح» و «التفسير» وغير ذلك. ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وكان والده صاحب حديث ورحلة، يروي عن عارم وطبقته، فحرص على ولده أبي حفص وسفره إلى الأقاليم مرات. سمع عيسى بن حماد زغبة، وبشر بن معاذ العقدي، وعمر بن علي الفلاس، وأحمد بن عبدة الضبي، ومحمد بن معاوية خال الدارميّ، وخلائق. ¬

_ (¬1) سقط صدر الترجمة في الأصل الى: «قوله ومعمر بن جبريل الكرميني» وقد أكملته عن تذكرة الحفاظ؛ لأن الترجمة هنا منقولة بنصها عن تذكرة الحفاظ للذهبي. ولعمر بن محمد بن بجير ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 719، العبر للذهبي 2/ 149، اللباب لابن الأثير 1/ 99، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 209.

حدث عنه محمد بن صابر، ومحمد بن بكر الدهقان، ومحمد بن أحمد بن عمران الشاشي، ومحمد بن المؤدب]. ومعمر بن جبريل الكرميني، وأعين بن جعفر السمرقندي، وعيسى بن موسى الكسائي، وآخرون. وقد دخل مصر، فصادف جنازة أحمد بن صالح المصري وشهدها. قال أبو سعد الإدريسيّ: كان فاضلا خيّرا [ثبتا] (¬1) في الحديث، له العناية التامة في طلب الآثار والرحلة، وقد تفرد بحديث حسن، فقال: حدثنا العباس بن الوليد الخلال حدثنا مروان بن محمد حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا (إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم، ألا وهي ركعتان قبل صلاة الفجر). توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. 391 - عمر بن محمد بن عبد الله بن [محمد بن] (¬2) عبد الله بن نصر (¬3). بفتح النون والصاد المهملة. أبو شجاع البسطاميّ ثم البلخيّ. إمام مسجد راعوم: محدّث، رفيق الحافظ الكبير أبي سعد السمعانيّ وصديقه. ولد سنة خمس وسبعين وأربعمائة، وسمع ببلخ أباه، وأبا القاسم أحمد بن محمد الخليل، وإبراهيم بن الأصبهانيّ، وأبا جعفر محمد بن الحسين السّمنجانيّ، وعليه تفقه، وأبا حامد بن محمد الشّجاعيّ، وأبا نصر محمد بن محمد الماهانيّ، وجماعة. ¬

_ (¬1) تكملة عن: تذكرة الحفاظ للذهبي. (¬2) تكملة عن: طبقات الشافعيّة للسبكي. (¬3) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1318، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 248، العبر 4/ 178، مرآة الزمان 8/ 330، النجوم الزاهرة 5/ 376.

روى عنه أبو سعد السعانيّ، وابنه عبد الرحيم، وابن الجوزيّ، والافتخار عبد المطلب الهاشميّ، والشيخ تاج الدين الكنديّ، وأبو أحمد بن سكينة، وأبو الفتح المندائيّ، وأبو روح عبد المعز الهرويّ، وآخرون. ذكره صاحبه ابن السمعانيّ، فقال: مجموع حسن وجملة مليحة، مفت مناظر، محدّث مفسّر، واعظ أديب، شاعر حاسب. قال: وكان مع هذه الفضائل حسن السّيرة جميل الأمر، مليح الأخلاق، مأمون الصحبة، نظيف الظاهر والباطن، لطيف العشرة، فصيح العبارة، مليح الإشارة في وعظه، كثير النّكت والفوائد، وكان على كبر السّنّ حريصا على طلب الحديث والعلم، مقتبسا من كلّ أحد. ثم قال: كتبت عنه الكثير بمرو، وهراة، وبخارى وسمرقند، وكتب عني الكثير وحصّل نسخة بهذا الكتاب، يعني «ذيل تاريخ بغداد». وقال في موضوع آخر: لا نعرف للفضائل أجمع منه مع الورع التام. وقال في «الذّيل»: كتب إليّ من بلخ أبياتا، وهي: يا آل سمعان ما أسنى (¬1) فضائلكم ... قد صرن في صحف الأيّام عنوانا معاهدا ألفتها النازلون بها ... فما وهت بمرور الدّهر أركانا حتى أتاها أبو سعد فشيّدها ... وزادها بعلو الشّأن تبيانا كانوا ملاذ بني الآل فانقرضوا ... مخلّفين به مثل الذي كانا كانوا عياضا فأهدوا من خلائقه ... إلى طبائعنا روحا وريحانا لولا مكان أبي سعد لما وجدوا ... على مفاخرهم للناس برهانا في أبيات أخر، يمدح بها «الذيل» ذكرها أبو سعد. ¬

_ (¬1) في طبقات الشافعية للسبكي: «ما أنسى».

وحكي أن كلّا من أبي شجاع وأبي سعد [كان] (¬1) يسأل الله أن لا يسمعه نعي صاحبه، فماتا في شهرين، أبو شجاع ببلخ، وأبو سعد بمرو، ولم يسمع أحدهما نعى الآخر. توفي أبو شجاع ببلخ في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وخمسمائة. أورده ابن السبكي في «الكبرى». 392 - عمر بن محمد أبو حفص الشيخ شهاب الدين السّهرورديّ (¬2). صاحب «عوارف المعارف» وكتاب «بغية البيان في تفسير القرآن» وكتاب «المناسك» وكتاب «رشف النصائح الإيمانية وكشف الفضائح اليونانية». وكان فقيها شافعيا، شيخا صالحا ورعا، كثير الاجتهاد في العبادة والرياضة، وتخرج عليه خلق كثير من الصوفية في المجاهدة والخلوة، ولم يكن في آخر عصره مثله. وكان شيخ الشيخونية ببغداد، وكان له مجلس وعظ، وعلى وعظه قبول كثير، وله نفس مبارك، وكان كثير الحج، وربما جاور في بعض حججه. وكان أرباب الطريق من مشايخ عصره يكتبون من البلاد صورة فتاوى، يسألونه عن شيء من أحوالهم، حتى إن بعضهم كتب إليه: يا سيّدي، إن ¬

_ (¬1) من طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 143، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1458، ذيل الروضتين لأبي شامة 163، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 338، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 47 أ، العبر للذهبي 5/ 129، مرآة الجنان لليافعي 4/ 79، مرآة الزمان 8/ 679، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 355، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 283، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 119.

تركت العمل أخلدت إلى البطالة، وإن عملت داخلني العجب، فأيّما أولى؟ فكتب جوابه: اعمل واستغفر الله من العجب، وله من هذا شيء كثير. وكان قد صحب عمّه الشيخ نجيب الدين عبد القاهر زمانا، وعليه تخرج. ومولده بسهرورد في أواخر رجب أو أوائل شعبان، والشك منه في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وتوفي في المحرم سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ببغداد، رحمه الله تعالى. 393 - عمر بن مسلّم بن سعيد بن عمر بن بدر بن مسلم القرشي (¬1). الملحي الأصل، الشافعي، الشيخ الإمام العلامة المفتي المفيد، زين الدين أبو حفص القبيباتي. الفقيه، المحدّث، المفسّر، الواعظ. مولده سنة أربع وعشرون وسبعمائة. ورد دمشق بعد الأربعين، فنودي بالقبيباتي، وقرأ القرآن، واشتغل بالعلم، وكان هناك يشهد ويقرأ وينتفع الناس به. قرأ الفقه على شرف الدين خطيب جامع جراح، وكان الشيخ علاء الدين بن حجي نازلا هناك، فأخذ عنه أيضا. وأخذ الأصول عن البهاء الإخميميّ، واشتغل بالحديث، وكان يعمل ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 405، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 271، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 368، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 102 أ.

مواعيد نافعة، تفيد الخاصة والعامة، وانتفع به خلق كثير من العوام، وصار لديهم فضيلة، وأفتى، وتصدى للإفتاء والإفادة، ثم درّس بالمسرورية سنة سبع وسبعين، ثم صدر بالناصرية. ووقع بينه وبين قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة سنة سبع وثمانين، وحصلت له محنة، وأخذت منه الناصرية، ورسم عليه بسبب المعلوم، ومنع من الإفتاء وذهب إلى مصر فردّ من الطريق وسجن بالقلعة، ثم اصطلح مع ابن جماعة، وعوضه بالأتابكية، ثم أخذت منه، فلما ولي ولده قضاء دمشق سنة إحدى وتسعين، ترك له الخطابة، وتدريس الناصريّة، والأتابكية، ثم فوض إليه دار الحديث الأشرفية، فلما كان في آخر أيام منطاش أخذت منه، واعتقل بالقلعة، فلما زالت دولة منطاش اعتقل مع ولده، وجرت لهما محن، وطلبت منهما أموال، فرهن الشيخ كتبا من كتبه على المبلغ المطلوب منهما، ومات في السجن. قال ابن حجّي: برع في علم التفسير، وأما علم الحديث فكان حافظا عارفا بالرجال، سمع الكثير من شيوخنا، وله مشاركة في العربية. قال ابن حبيب: كان عالما كبير القدر بين العلماء، والوجاهة بين الناس، مشهورا بالفضل، وعمل المواعيد، وإلقاء الدروس، وله معرفة تامة في علم التفسير، والحديث النبوي، والمواعظ، واللطائف. أخذ العلم عن الأئمة الأكابر من أهل عصره، وسمع الحديث، ورواه، واستفاده وأفاد. ورحل إلى البلاد، واستوطن دمشق وسكنها، وكان له تردد إلى الديار المصرية، وولي الوظائف الدينية وغيرها بدمشق، وما زال يجتهد في الاستكثار من دنياه الدنية، إلى أن انقضت مدته وأدركته المنية، انتهى.

وكان القاضي تاج الدين هو الذي أدخله بين الفقهاء، فقام عليه في محنته، وكان مشهورا بقوة الحفظ، إذا حفظ شيئا لا ينساه، كثير الإنكار على أرباب الشبه، شجاعا مقداما، كثير المساعدة لطلبة العلم، يقول الحق على من كان من غير مداراة ولا محاباة، ملك من نفائس الكتب شيئا كثيرا. توفي يوم الجمعة ثالث عشر ذي الحجة سنة اثنتين وسبعمائة بقلعة دمشق، بسبب ولده ودخولهم في الدولة، ودفن بالقبيبات. ذكره ابن المعتمد في «الذيل» على «طبقات» ابن السبكي.

ذكر من اسمه عمرو

ذكر من اسمه عمرو 394 - عمرو بن بحر الجاحظ (¬1). صاحب التصانيف التي منها كتاب «نظم القرآن» وكتاب «المسائل في القرآن». روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل، قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون، قال الذهبي: وكان من أئمة البدع، انتهى. قال الجاحظ في كتاب البيان: «لما قرأ المأمون كتبي في الإمامة فوجدها على ما أخبر به، وصرت إليه- وقد كان أمر اليزيدي بالنظر فيها ليخبره عنها- قال لي: كان بعض من يرتضى عقله، ويصدّق خبره، خبّرنا عن هذه الكتب بإحكام الصنعة، وكثرة الفائدة، فقلنا قد تربي الصفة على العيان، فلما رأيتها رأيت العيان قد أربى على الصفة، فلما فليتها أربى الفلى على العيان، وهذا كتاب لا يحتاج إلى حضور صاحبه، ولا يفتقر إلى المحتجين [عنه]، وقد جمع استقصاء المعاني واستيفاء جميع الحقوق مع اللفظ [الجزل] (¬2) والمخرج السهل، فهو سوقي ملوكيّ وعامي خاصي (¬3). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني ورقة 118، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 19، تاريخ بغداد 12/ 212، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 541، الكامل لابن الأثير 7/ 217، اللباب لابن الأثير 1/ 202، لسان الميزان 4/ 355، مرآة الجنان لليافعي 2/ 156، مروج الذهب 4/ 195، معجم الأدباء لياقوت 6/ 56، ميزان الاعتدال 3/ 247، نزهة الألباء للأنباري 192، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 140. (¬2) تكملة عن: البيان والتبيين 3/ 305. (¬3) البيان والتبيين للجاحظ 3/ 305.

وهذه والله صفة كتب الجاحظ كلها، فسبحان من أضله على علم. قال المسعودي: «توفي سنة خمس وخمسين [ومائتين] (¬1) وقيل: سنة ست وخمسين، مات الجاحظ بالبصرة ولا يعلم أحد من الرواة وأهل العلم أكثر كتبا منه، وحكى يموت بن المزرّع عن الجاحظ- وكان خاله- أنه دخل عليه أناس وهو عليل فسألوه عن حاله، فقال: عليل من مكانين ... من الإفلاس، والدّين ثم قال: أنا في علل متناقضة يتخوف من بعضها التلف، وأعظمها عليّ نيف وتسعون، يعني عمره» (¬2). وقال أبو العيناء قال الجاحظ: كان الأصمعي مانويا (¬3) [فقال له العباس بن رستم: لا والله (¬4)] ولكن نذكر حين جلست إليه تسأله، فجعل يأخذ نعله بيده وهي مخصوفة بحديد ويقول: نعم قناع القدريّ، نعم قناع القدري، فعلمت أنه يعنيك فقمت وتركته. وروى الجاحظ عن حجاج الأعور، وأبي يوسف القاضي، وخلق كثير، وروايته عنهم في أثناء «كتابه في الحيوان» وحكى ابن خزيمة: أنه دخل عليه هو وإبراهيم بن محمود، وذكر قصة. وحكى الخطيب بسند له: أنه كان لا يصلي. وقال الصولي: مات سنة خمسين ومائتين. ¬

_ (¬1) تكملة عن: مروج الذهب للمسعودي. (¬2) مروج الذهب 4/ 195. (¬3) في الأصل: «منانيا» تحريف، صوابه في: معجم الأدباء. والمانوية: أصحاب ماني بن فاتك الحكيم الذي ظهر في زمان سابور بن أردشير، وقتله بهرام بن هرمز، وذلك بعد عيسى ابن مريم عليه السلام، وكانوا يزعمون أنه ليس في الظلمة خير كما لا يكون في النور شر (الملل والنحل للشهرستاني). (¬4) تكملة عن معجم الأدباء لياقوت.

وقال إسماعيل بن محمد الصفار: سمعت أبا العيناء يقول: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك، وأدخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه إلا ابن شيبة العلوي فإنه أباه، وقال: هذا كذب، سمعت الحاكم عن عبد العزيز بن عبد الملك الأعور، قلت: ما علمت ما أراد بحديث فدك. وقال الخطابي: هو مغموص في دينه. وذكر أبو الفرج الأصبهاني: أنه كان يرمى بالزندقة، وأنشد في ذلك أشعارا، وقد وقعت لي رواية ابن أبي داود عنه ذكرتها في غير هذا الموضع، وهي في الطيوريات. قال ابي قتيبة في اختلاف الحديث: ثم نصير إلى الجاحظ، وهو أحسنهم للحجة استنارة، وأشدهم تلطفا لتعظيم الصغير حتى يعظم، وتصغير العظيم حتى يصغر، ويكمل الشيء وينقصه، فنجده مرة يحتج للعثمانية على الرافضة، ومرة للزيدية على أهل السنة، ومرة يفضل عليا، ومرة يؤخره، ويقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذا. قال الجماز: ويذكر من الفواحش ما يجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يذكر في كتاب ذكر أحد منهم فيه، فكيف في ورقة أو بعد سطر أو سطرين! ويعمل كتابا يذكر فيه حجج النصارى على المسلمين، فاذا صار للرد عليهم تجوّز للحجة كأنه إنما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة، ويستهزئ بالحديث استهزاء لا يخفى على أهل العلم، وذكر الحجر الأسود، وأنه كان أبيض فسوّده المشركون، قال: وقد كان يجب أن يبيّضه المسلمون حين أسلموا، وأشياء من أحاديث أهل الكتاب. وهو مع هذا أكذب الأمة، وأوضعهم لحديث، وأنصرهم لباطل. وقال النديم: قال المبرد: ما رأت أحرص على العلم من ثلاثة، الجاحظ، واسماعيل القاضي، والفتح بن خاقان.

وقال النديم- لمّا حكى قول الجاحظ: لما قرأ المأمون كتبي قال: هي كتب لا تحتاج إلى حضور صاحبها إلى آخر ما تقدم-: عندي أن الجاحظ حسن هذا اللفظ تعظيما لنفسه وتفخيما لتأليفه، وإلا فالمأمون يقول ذلك. وحكي عن ميمون بن هارون أنه قال: قال لي الجاحظ: أهديت كتاب «الحيوان» لابن الزيات فأعطاني خمسة آلاف دينار، وأهديت كتاب «البيان والتبيين» لابن أبي داود، فأعطاني خمسة آلاف دينار، وأهديت كتاب «النخل والزرع» لإبراهيم الصول، فأعطاني خمسة آلاف دينار، قال: فلست أحتاج إلى شراء ضيعة ولا غيرها. وسرد النديم كتبه، وهي مائة ونيّف وسبعون كتابا في فنون مختلفة. وقال ابن حزم في «الملل والنحل»: كان أحد المجان الضلال، غلب عليه الهزل، ومع ذلك فإنا ما رأينا له في كتبه تعمد كذبة يوردها مثبتا لها، وإن كان كثير الإيراد لكذب غيره. وقال أبو منصور الأزهريّ في مقدمة (¬1) «تهذيب اللغة»: «وممّن تكلم في اللغات بما حضر لسانه وروى عن الثقات ما ليس من كلامهم: الجاحظ، وكان أوتي بسطة في القول، وبيانا عذبا في الخطاب، ومجالا في الفنون غير أن أهل العلم ذمّوه، وعن الصّدق دفعوه». وقال ثعلب: كان كذابا على الله، وعلى رسوله، وعلى الناس. 395 - عمرو بن علي بن بحر بن كنيز بنون وزاي الحافظ الإمام أبو حفص الباهلي الصّيرفيّ الفلاس (¬2). ¬

_ (¬1) أنظر مقدمة تهذيب اللغة ص 30. (¬2) له ترجمة في: تبصير المنتبه لابن حجر 3/ 1188، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 487، تهذيب التهذيب لابن حجر 8/ 80، اللباب لابن الأثير 2/ 230.

أحد الأئمة الأعلام صاحب «التفسير» الذي رواه عنه علي بن إسماعيل ابن حماد البزار، مولده بعيد الستين ومائة. سمع يزيد بن زريع، وعبد العزيز بن عبد الصمد العميّ، وسفيان بن عيينة، ومعتمر بن سليمان وطبقتهم، فأكثر وأتقن وجوّد وأحسن. وروى عنه الأئمة الستة والنسائي أيضا بواسطة، وعفان وهو من شيوخه أبو زرعة، ومحمد بن جرير، وابن صاعد، والمحاملي، وأبو روق الهزّاني، وأمم سواهم. قال النسائي: ثقة صاحب حديث. وقال أبو حاتم: كان أرشق من علي ابن المديني، وقال عباس العنبريّ: ما تعلمت الحديث إلا منه. وقال حجاج ابن الشاعر: عمرو بن علي لا يبالي أحدّث من حفظه أو من كتابه. وقال أبو زرعة: ذاك من فرسان الحديث، لم نر بالبصرة أحفظ منه ومن ابن المديني والشّاذكونيّ. وقال ابن إشكاب: ما رأيت مثل الفلاس، كان يحسن كل شيء. مات الفلاس بسامرا في ذي القعدة سنة تسع وأربعين ومائتين، وقد تردد إلى أصبهان مرات. 396 - عمرو بن هشيم الكوفي ................ (¬1). له كتاب «فضائل القرآن» ................ .. (¬2). ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، وقد ذكره ابن النديم تحت عنوان الكتب المؤلفة في فضائل القرآن ولم يزد على ذلك، وأنظر الفهرست 37. (¬2) بياض في الأصل، وقد ذكره ابن النديم تحت عنوان الكتب المؤلفة في فضائل القرآن ولم يزد على ذلك، وأنظر الفهرست 37.

من اسمه عمران

من اسمه عمران 397 - عمران بن موسى بن ميمون الهواريّ السّلاويّ أبو موسى (¬1). قال ابن الزبير: كان مفسّرا حافظا أديبا نحويّا، أقرأ العربية بغرناطة، وكان أخذها- فيما أظنّ- عن ابن خروف، وروى عن أبي القاسم بن سمحون، وأبي عبد الله بن الفخّار المالكيّ، وعنه ابن فرتون. مات في حدود سنة أربعين وستمائة. أورده شيخنا في «طبقات النحاة». من اسمه عياض 398 - عياض بن موسى بن عمرون (¬2) بن موسى بن عياض بن عبد الله ابن محمد بن عياض اليحصبيّ القاضي أبو الفضل (¬3). الإمام العلامة، سبتيّ الدار والميلاد، أندلسي الأصل. قال ولده محمد: كان أجدادنا في القديم بالأندلس ثم انتقلوا [إلى] ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: الديباج المذهب. وفي تذكرة الحفاظ، والنجوم الزاهرة: «عمرو». وفي وفيات الأعيان: «عمر». (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة 2/ 363، البداية والنهاية 12/ 225، بغية الملتمس 425، تاج العروس (حصب)، تاريخ الاسلام للذهبي (وفات سنة 544)، تذكرة الحفاظ 4/ 1304، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 43، الديباج المذهب لابن فرحون 168، الرسالة المستطرفة للكتاني 106، روضات الجنات للخوانساري 506، الصلة لابن بشكوال 2/ 429، العبر للذهبي 4/ 122، المعجم لابن أبار 294، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 149، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 285، وفيات الاعيان لابن خلكان 3/ 152. (¬3) تكملة عن: المعجم لابن أبار.

مدينة فاس، وكان لهم استمرار بالقيروان، لا أدري قبل حلولهم الأندلس أو بعد ذلك، وانتقل عمرون إلى سبته بعد سكنى فاس. كان القاضي أبو الفضل إمام وقته في الحديث وعلومه، عالما بالتفسير وجميع علومه، فقيها أصوليا، عالما بالنحو واللغة، وكلام العرب، وأيامهم وأنسابهم، بصيرا بالأحكام، عاقدا للشروط، حافظا لمذهب مالك، شاعرا مجيدا، ريانا من علم الأدب، خطيبا بليغا، صبورا حليما، جميل العشرة، جوادا، سمحا، كثير الصدقة، دءوبا على العمل، صلبا في الحق. رحل إلى الأندلس سنة سبع وخمسمائة طالبا للعلم، فأخذ بقرطبة عن القاضي أبي عبد الله محمد بن علي بن حمدين، وأبي الحسين بن سراج، وعن أبي محمد بن عتاب، وغيرهم. وعني بلقاء الشيوخ والأخذ عنهم، وأخذ عن أبي عبد الله المازري، كتب إليه يجيزه، وأجازه الشيخ أبو بكر الطرطوشي، ومن شيوخه القاضي أبو الوليد بن رشد. قال صاحب «الصلة» البشكوالية: واظنه سمع من ابن رشد، وقد اجتمع له من الشيوخ بين من سمع منه وبين من أجازه مائة شيخ، وذكر ولده محمد منهم: أحمد بن بقي، وأحمد بن محمد بن مكحول، وأبو الطاهر أحمد ابن محمد السّلفيّ، والحسن بن محمد بن سكّرة، والقاضي أبو بكر بن العربي، والحسن بن علي بن طريف، وخلف بن إبراهيم بن النحاس، ومحمد بن أحمد ابن الحاج القرطبي، وعبد الله بن محمد الخشبي، وعبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي، وعبد الرحمن بن بقي مخلد، وعبد الرحمن بن محمد بن العجوز، وغيرهم يطول ذكرهم. قال صاحب «الصلة»: وجمع من الحديث كثيرا، وله عناية كبيرة به، واهتمام بجمعه وتقييده، وهو من أهل التفنن في العلم، واليقظة والفهم.

وبعد عوده من الأندلس أجلسه أهل سبته للمناظرة عليه في «المدوّنة» وهو ابن ثلاثين سنة أو ينيف عنها، ثم أجلس للشورى، ثم ولى قضاء بلده مدة طويلة، حمدت سيرته فيها، ثم نقل إلى قضاء غرناطة في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، ولم يطل أمده بها، ثم قضاء سبتة ثانيا. قال صاحب «الصلة» وقدم علينا قرطبة فأخذنا عنه بعض ما عنده. قال ابن الخطيب: وبنى الزيادة الغربية الجامع الأعظم، وبنى في جبل المينا الراتبة الشهيرة، وعظم صيته. ولما ظهر أمر الموحّدين بادر إلى المسابقة بالدخول في طاعتهم، ورحل إلى لقاء أميرهم بمدينة سلا، فأجزل صلته، وأوجب بره، إلى أن اضطربت أمور الموحدين عام ثلاث وأربعين وخمسمائة، فتلاشت حاله ولحق بمراكش مشردا به عن وطنه فكانت بها وفاته وله التصانيف المفيدة البديعة منها «إكمال المعلم في شرح مسلم» ومنها «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» صلى الله عليه وسلم أبدع فيه كل الإبداع وسلم له أكفاؤه كفايته فيه ولم ينازعه أحد الانفراد به ولا أنكروا مزيّة السبق إليه بل تشوقوا للوقوف عليه وأنصفوا في الاستفادة منه وحمله الناس عنه وطارت نسخه شرقا وغربا، وكتاب «مشارق الأنوار» في تفسير غريب حديث الموطأ، والبخارى، ومسلم، وضبط الألفاظ، والتنبيه على مواضح الأوهام والتصحيفات، وضبط أسماء الرجال، وهو كتاب لو كتب بالذهب، أو وزن بالجواهر لكان قليلا في حقه، وفيه أنشد بعضهم: مشارق أنوار تبدّت بسبتة ... ومن عجب كون المشارق بالغرب وكتاب «التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة» جمع فيه غرائب من ضبط الألفاظ وتحرير المسائل، وكتاب «ترتيب المدارك وتقريب المسالك»

لمعرفة أعلام مذهب مالك رحمه الله، وكتاب «الاعلام بحدود قواعد الإسلام» وكتاب «الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع» وكتاب «بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد»، وكتاب «الغنية» في شيوخه، وكتاب «المعجم» في شيوخ ابن سكرة، وكتاب «نظم البرهان على صحة حزم الآذان» وكتاب «مسألة الأهل المشروط بينهم التزاور»، ومما لم يكمله «المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان»، وكتاب «العيون الستة في أخبار سبتة»، وكتاب «غنية الكاتب وبغية الطالب في الصدور والترسل» وكتاب «الأجوبة المحبرة عن الأسئلة المتخيرة»، وكتاب «أجوبة القرطبيين» وكتاب «أجوبته عما نزل في أيام قضائه من نوازل الأحكام» في سفر، وكتاب «سر السراة في أدب القضاة»، وكتاب «خطب»، وكان لا يخطب إلا من إنشائه. وله شعر كثير حسن رائق فائق فمنه قوله: يا من تحمل عني غير مكترث ... لكنه للضنى والسقم أوصى بي (¬1) تركتني مستهام القلب ذا حرق ... أخا جوى وتباريح وأوصابي أراقب النجم في جنح الدجى سحرا ... كأنني راصد للنجم أوصابي وما وجدت لذيذ النوم بعدكم ... إلا جنى حنظل في الطعم أوصاب وله: الله يعلم أني منذ لم أركم ... كطائر خانه ريش الجناحين (¬2) فلو قدرت ركبت الريح نحوكم ... فإن بعدكم عني جنى حيني ¬

_ (¬1) الديباج المذهب لابن فرحون 171. (¬2) البيتان في: الديباج المذهب لابن فرحون 171، ووفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 153.

وله من أبيات: إن البخيل بلحظة أو لفظة ... أو عطفة أو وقفة لبخيل وله في خامات زرع بينها شقائق النعمان هبت عليه الريح: أنظر إلى الزرع وخاماته ... تحكى وقد ماست أمام الرياح (¬1) كتيبة خضراء مهزومة (¬2) ... شقائق النعمان فيها جراح وله غير ذلك كثير. كان مولد القاضي عياض بسبتة في شهر شعبان سنة ست وسبعين وأربعمائة، وتوفي بمراكش في شهر جمادى الآخرة وقيل في رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقيل: إنه مات مسموما سمه يهودي، ودفن رحمه الله بباب إيلان داخل المدينة. وعياض بكسر العين المهملة وفتح الياء المثناة من تحت وبعد الألف ضاد معجمة. واليحصبي بفتح الياء المثناة من تحت وسكون الحاء المهملة وضم الصاد المهملة وفتحها وكسرها وبعدها ياء موحدة، نسبة إلى يحصب بن مالك، قبيلة من حمير. وسبتة: بفتح السين مدينة مشهورة. وغرناطة: مدينة بالأندلس، وهي بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وبعد الألف طاء مهملة ثم هاء، ويقال فيها أغرناطة، بألف قبل الغين. ¬

_ (¬1) وفيات الأعيان. (¬2) كذا في: تذكرة الحفاظ للذهبي، والديباج المذهب لابن فرحون، ووفيات الأعيان لابن خلكان، وفي الأصل: «حمراء مهزوزة».

حرف الغين المعجمة

حرف الغين المعجمة 399 - غالب بن عطية الفقيه أبو بكر المحاربي (¬1) وقد تقدّم بقية نسبه في ترجمة أبيه عبد الحق. تفقه على فقهاء بلده وسمع منهم، كالفقيه أبي الربيع بن الربيع، والفقيه أبي عثمان بن جعد، وغيرهم، وتأدّب، وقرأ القراءات السبع على أبي علي الحسين بن عبد الله الحضرمي، وغلب عليه الأدب في شبيبته، وأجاد الكلام، ونظم الشعر، ثم عطف على الفقه والحديث، فسمع من أبي بكر بن صاحب الأحباس، وأبي محمد بن أبي قحافة، وأبي عبد الله بن المرابط، وابن نعمة القروي، وغانم الأديب، ومحمد بن حارث النحوي، ثم من أبي علي الجياني أخيرا. وله رحلة إلى المشرق قديمة، لقى فيها رجال إفريقية وتفقه معهم [ولقي بالمهدية (¬2)] أبا [عبد (¬3)] الله بن معاذ، وأبا محمد عبد الحميد الصائغ، وابن القديم (¬4). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 427، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1269، الصلة لابن بشكوال 2/ 432، العبر 4/ 43. (¬2) عن الصلة لابن بشكوال. (¬3) عن الصلة لابن بشكوال. (¬4) هو يعيش بن علي بن القديم أبو البقاء الأنصاري الشلبي، نزيل فاس، إمام كبير معمر مقرئ ناقل، توفي سنة أربع وعشرين وستمائة وقد نيف على المائة بنحو من سبع سنين (طبقات القراء لابن الجزري 2/ 391).

وصحب بمصر الواعظ أبا الفضل الجوهريّ، وبمكة أبا عبد الله الجاحظ المري، وأبا عبد الله الطبري، وأخذ عنهم، ودرس هناك علم الاعتقاد والأصول، وحصل علما جما، وتقدم في علم الحديث، وأحسن التقييد والضبط. وتصدّر ببلده غرناطة للفتيا والتدريس، والإسماع والتفسير، وانتفع به الناس وأخذوا عنه كثيرا، وكان شيخهم المقدم، وكفّ بصره آخرا. وتوفي رحمه الله بها ليلة الجمعة لست بقين من جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وخمسمائة. قال رحمه الله: أنشدنا أبو عبد الله النحوي إمام الحرم المعروف بالجاحظ المري: سهرت أعين ونامت عيون ... لأمور تكون أو لا تكون فاطرد الهمّ ما استطعت عن النف ... س فحملانك الهموم جنون إن ربّا كفاك بالأمس ما كا ... ن سيكفيك في غد ما يكون

حرف الفاء

حرف الفاء 400 - فتح الله الشرواني الشافعي (¬1). حج بعد السبعين وثمانمائة، وقدم القاهرة في رجوعه، أثنى عليه الشيخ نجم الدين بن قاضي عجلون بتمام الفضلة. وله تصانيف، منها «تفسير آية الكرسي» وشرح «المراح»، و «الإرشاد» في النحو للتفتازاني، وشرح «الأنوار» للأردبيلي (¬2)، بالفارسية لأجل ابن شاه رخ سلطان سمرقند في مجلد، وبقي بعد الثمانين وثمانمائة في قيد الحياة. ذكره الحافظ شمس الدين السخاوي في «تاريخه». 401 - فرج بن عمر بن الحسن بن أحمد بن عبد الكريم بن ديدان أبو الفتح الواسطي الضرير (¬3). ويقال البصري. المفسّر، مقرئ حاذق، حسن الأخذ. ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وعرض القرآن بواسط على عليّ بن منصور الشعيري، وعلى عثمان بن عبد الله بن شوذب، وبالجامدة (¬4) على ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الضوء اللامع للسبحاوي 6/ 167. (¬2) بفتح الألف وضم الدال المهملة، نسبة لبلدة أردبيل من أذربيجان (الضوء اللامع للسحاوي 11/ 184). (¬3) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 7. (¬4) الجامدة: بكسر الميم، قرية كبيرة جامعة من أعمال واسط بينها وبين البصرة. قال ياقوت: رأيتها غير مرة (معجم البلدان لياقوت 2/ 10).

عليّ بن أحمد العريف الجامدي، وببغداد على صالح بن محمد المؤدّب، ثم سكنها حتى مات. قرأ عليه الأئمة أبو طاهر بن سوار، وأبو المعالي ثابت بن بندار، وأبو بكر أحمد بن بندار، وأبو بكر أحمد بن الحسين القطان، وأبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون، وقال: توفي يوم السبت سنة ست وثلاثين وأربعمائة، ودفن يوم الأحد الثاني من جمادي الأولى، وكان رجلا صالحا زاهدا. قال ابن سوار: قرأت عليه في منزله بدرب الناووس، سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، وكان من الأبدال. ذكره الذهبي، وابن الجزري، كلاهما في «طبقات القراء». 402 - فرج بن قاسم بن أحمد بن لبّ- وقيل ليث- أبو سعيد التغلبي (¬1) الغرناطيّ (¬2) .. قال في «تاريخ غرناطة»: كان عارفا بالعربيّة واللّغة، مبرّزا في التفسير، قائما على القراءات، مشاركا في الأصلين الفرائض والأدب، جيّد الخطّ والنّظم والنثر، قعد للتّدريس ببلده على وفور الشيوخ، وولي الخطابة بالجامع، وكان معظّما عند الخاصة والعامة. قرأ على أبي الحسن القيجاطيّ، والعربية على أبي عبد الله بن الفخار، وروى عن محمد بن جابر الوادي آشي. وكان إماما في أصول الدين، وأصول الفقه، تخرج به جماعة من ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: انباء الغمر لابن حجر، ونيل الابتهاج: «الثعلبي». (¬2) له ترجمة في: انباء الغمر 1/ 349، الديباج المذهب لابن فرحون 220، نيل الابتهاج للسبتي 219.

الفضلاء، وله تعاليق مفيدة، وله نظم حسن في الرد على القائلين بخلق الأفعال، من جملته: قضى الرب كفر الكافرين ولم يكن ... ليرضاه تكليفا لدى كل ملة (¬1) نهى خلقه عما أراد وقوعه ... وإنفاذه والملك أبلغ حجة فترضى قضاء الربّ حكما وإنما ... كراهتنا مصروفة للخطيئة فلا ترض فعلا قد نهى عنه شرعه ... وسلّم لتدبير وحكم مشيئة دعا الكل تكليفا ووفق بعضهم ... فخص بتوفيق وعمّ بدعوة فيقضي إذا لم تنتهج طرف شرعه ... وإن كنت تمشي في طريق المنية إليك اختيار الكسب والله خالق ... يريد بتدبير له في الخليقة وما لم يرده الله ليس بكائن ... تعالى وجل الله رب البريّة فهذا جواب عن مسائل سائل ... جهول ينادى وهو اعمى البصيرة ثم استشهد على كل بيت بآيات من القرآن، فالبيت الأول مأخوذ من قوله تعالى وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا (¬2)، وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ (¬3) وقوله: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ (¬4). والثاني مأخوذ من قول الله تعالى: فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ (¬5) حجة الملك. وسأل عمران بن حصين أبا الأسود فقال له: ما يكدح الناس كدحا؟ شيء قدر عليهم ومضى فيهم. فقال له عمران: أفلا يكون ظلما؟ فقال له أبو ¬

_ (¬1) الديباج المذهب لابن فرحون. (¬2) سورة الأنعام 107. (¬3) سورة الأنعام 112. (¬4) سورة الزمر 7. (¬5) سورة الأنعام 149.

الأسود: كل شيء خلق الله وملك يده: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (¬1) فقال له عمران: أحسنت، إنما أردت [أن] (¬2) أختبر عقلك. الثالث والرابع مأخوذان من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (¬3) وقوله: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ (¬4) الآية. الخامس مأخوذ من قوله تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (¬5) فعمّ بالدعاء إلى الجنة، وخصّ بالهداية. السادس مأخوذ من قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (¬6) الآية، مع قوله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ الآية. السابع والثامن مأخوذ معناهما من قوله تعالى: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ (¬7) وقوله: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ ... (¬8) الآية. قال الحافظ ابن حجر: صنف كتابا في «الباء الموحدة»، وأخذ عنه شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقيّ. ومات سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة. ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء 23. (¬2) عن الديباج المذهب. (¬3) سورة المائدة 1. (¬4) سورة الحجرات 7. (¬5) سورة يونس 25. (¬6) سورة النور 63. (¬7) سورة الانسان 30. (¬8) سورة النحل 37.

من اسمه الفضل

من اسمه الفضل 403 - الفضل بن إسماعيل التميمي أبو عامر الجرجاني النحوي (¬1). قال في «السّياق»: لبيب كامل من أفاضل عصره وأفراد دهره، حسن النظم والنثر، متين الفضل. قرأ على عبد القاهر، وسمع من أبي نصر بن رامش، وأبي القاسم النوقاني، ورد نيسابور. وصنف: «البيان في علم القرآن»، و «عروق الذهب من أشعار العرب»، و «سلوة الغرباء». وله: عذيري من شاطر أغضبو ... هـ فجرّد لي مرهفا فاتكا (¬2) وقال أنا لك يا بن الوكي ... ل وهل لي رجاء سوى ذلكا ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 404 - الفضل بن خالد أبو معاذ النحوي المروزيّ (¬3). مولى باهلة. روى عن عبد الله بن المبارك، وداود بن أبي هند، وعنه محمد بن شقيق، والأزهريّ، وأكثر عنه في «التهذيب»، وذكره ابن حبّان في الثقات، وصنف «كتابا في القرآن». ومات سنة إحدى عشرة ومائتين. ذكره شيخنا. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: معجم الأدباء لياقوت 6/ 127. (¬2) البيتان في: معجم الأدباء لياقوت 6/ 130. (¬3) له ترجمة في: معجم الأدباء لياقوت 6/ 140.

405 - الفضل بن دكين أبو نعيم (¬1). وهو الفضل بن عمرو بن حماد بن زهير القرشي الأحول الملائيّ الكوفي، مولى أبي طلحة بن عبيد الله، ودكين لقب عمرو. مولده سنة ثلاثين ومائة، سمر الأعمش، ومسعرا، والثوري، ومالكا، وابن عيينة، وشيبان، وزهيرا، وهشاما الدّستوائي، وزكريا بن أبي زائدة، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وهمام بن يحيى، وأبا عاصم محمد بن أيوب الثقفي، وإسماعيل بن مسلم وسيف بن أبي سليمان، وأبا العميس، وموسى ابن علي، وأبا شهاب بن نافع، وعبد الواحد بن أيمن، وإسرائيل. وعنه البخاري، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، والأشج، وابن نمير، وعبد الله الدارمي، وغيرهم. ومات سنة ثمان. أو تسع عشرة- ومائتين، وكان أصغر من وكيع بسنة، أخرج له الجماعة. «له تفسير» 406 - الفضل بن شاذان الرازي الشيعي ................ (¬2) له من الكتب «التفسير»، «السنن». 407 - الفضل بن خلف النحوي .............. (¬3) له «معاني القرآن». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 12/ 346، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 372، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 262، الرسالة المستطرفة للكتاني 46، العبر للذهبي 1/ 377، الفهرست لابن النديم 227، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 350. (¬2) بياض في الأصل، وقد ذكر ابن النديم ترجمته كاملة على هذا النحو: «الفضل بن شاذان الرازي، الشيعة تدعيه والحشوية تدعيه. وله من الكتب التي تتعلق بالحشوية كتاب التفسير، كتاب القراءات، كتاب السنن في الفقه (الفهرست لابن النديم 231). (¬3) بياض في الأصل، وذكره ابن النديم ولم يزد على ذلك، فقال تحت عنوان الكتب المؤلفة في معاني القرآن: «كتاب معاني القرآن، لخلف النحوي». (الفهرست لابن النديم 34).

408 - فضل الله بن أبي الخير بن غالي الهمذاني (¬1). الوزير. رشيد الدولة ................ ..... ................ .............. (¬2) ¬

_ (¬1) له ترجمة في: ايضاح المكنون للبغدادي 2/ 523، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 314، كشف الظنون لحاجي خليفة 447. (¬2) بياض في الأصل، وجاء في حاشية الأصل: «تراجع ترجمته من الدرر الكامنة». وهو: فضل الله بن أبي الخير بن غالي الهمذاني الوزير رشيد الدولة أبو الفضل ... كان متواضعا سخيا، كثير البذل للعلماء والصالحين، وله «تفسير» على القرآن فسره على طريقة الفلاسفة فنسب الى الالحاد، وقد احترقت تواليفه بعد قتله، توفي سنة 718. هـ. وانظر الدرر الكامنة 3/ 341 ففيها ترجمة مطولة.

حرف القاف

حرف القاف 409 - قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف بن ناصح بن عطاء (¬1). مولى الوليد بن عبد الملك بن مروان، الإمام الحافظ محدّث الأندلس أبو محمد القرطبي، ويعرف بالبيّانيّ. وبيّانة من عمل قرطبة. سمع من بقي بن مخلد، والخشنيّ، وابن وضّاح، ومطرّف بن قيس، وأصبغ بن خليل، وإبراهيم وعبد الله ابني هلال، وعبد الله بن مسرة، وغيرهم. وصل إلى المشرق مع ابن أيمن فأدرك الناس متوافرين، فسمع بمكة من محمد بن إسماعيل الصائغ، وعلي بن عبد العزيز. وبالعراق من القاضي إسماعيل، وابن أبي خيثمة، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وابن قتيبة، والحارث بن أبي أسامة، والمبرّد وثعلب، ومحمد بن الجهم السمري في آخرين. وبمصر من محمد بن عبد الله العمري، وأبي الزّنباع روح بم الفرج المالكي، وغيرهم. ¬

_ (¬1) ورد له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 0433، تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي 364، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 853، جذوة المقتبس للحميدي 311، الديباج المذهب لابن فرحون 222، الرسالة المستطرفة 25، العبر 2/ 254، لسان الميزان 4/ 458، معجم الأدباء 6/ 153، معجم البلدان لياقوت 1/ 774، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 307، نفح الطيب للمقري 2/ 47.

وانصرف إلى الأندلس بعلم كثير، وسكن قرطبة، وكان له بها قدر عظيم، وسمع منه الناس ومالوا إليه، وسمع منه الناصر لدين الله أمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمد قبل ولايته، وولي عهده الحكم ابنه، وطال عمره فلحق الأصاغر فيه الأكابر، وشارك الآباء فيه الأبناء. وكانت الرحلة إليه بالأندلس، وإلى أبي سعيد بن الأعرابي بالمشرق، وكان ثبتا صادقا حليما مأمونا، بصيرا بالحديث والرجال، والرجال، والرجال، نبيلا في النحو والغريب، وشوور في الأحكام، وغلبت عليه الرواية والسماع، مذكور في أئمة المالكية. وصنّف في الحديث مصنفات حسنة، منها: مصنفه المخرج على كتاب أبي داود واختصاره، المسمّى «بالمجتنى» على نحو كتاب ابن الجارود «المنتفى» وكان قد فاته السماع منه ووجده قد مات، فألف مصنفا على أبواب كتابه خرجها عن شيوخه، وقال أبو محمد بن حزم: وهو خير انتقاء منه، ومنها «مسند حديثه»، و «غرائب حديث مالك»، و «مسند حديث مالك» من رواية يحيى، وكتابه في «أحكام القرآن» على أبواب كتاب إسماعيل القاضي، وكتاب «فضائل قريش»، وكتاب «الناسخ والمنسوخ»، و «كتاب في الأسباب» وكتاب «بر الوالدين». ولد يوم الاثنين العشرين من ذي الحجة سنة سبع وأربعين ومائتين، وتوفي ليلة السبت لأربع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة أربعين وثلاثمائة، وسنه اثنتان وتسعون سنة وخمسة أشهر غير ستة أيام، وكان قد تغير ذهنه آخر عمره، من سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، تغمده الله برحمته. 410 - القاسم بن الخليل الدمشقي (¬1). ¬

_ (¬1) ورد له ترجمة في: لسان الميزان للعسقلاني 4/ 459.

رافضي. أخذ عن هشام بن عمر، والفوطيّ. ذكره أحمد بن الحسين المسمعيّ في كتاب «المقالات» وحكاه عنه ابن عساكر، انتهى. قال النديم: وهو من طبقة جعفر بن مبشر، له من الكتب «تفسير القرآن»، «التوحيد»، «إمامة أبي بكر»، «الوعيد»، «القول في أصناف المعتزلة». 411 - القاسم بن سلّام بتشديد اللام أبو عبيد التركي البغدادي (¬1). مولى الأزد كان أبوه مملوكا روميّا، الفقيه، الأديب المشهور، صاحب التصانيف المشهورة، والعلوم المذكورة، من القراءات، والفقه، واللغة، والشعر. أخذ القراءات عرضا وسماعا عن الكسائي، وشجاع بن أبي نصر، وإسماعيل بن جعفر، وعن حجاج بن محمد، وعن أبي مسهر، وهشام بن عمار، وسمع سليمان بن عبد الرحمن، وحدّث عنهم. وعن جرير، وهشيم، وسعيد بن الحكيم، وحفص بن غياث، وأبي معاوية، وإسماعيل بن جعفر، ومروان بن معاوية، وعباد بن عباد المهلبي، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، وابن عليّة، وصفوان بن عيسى، وغيرهم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 12، البداية والنهاية لابن كثير 10/ 281، تاريخ الاسلام للذهبي (وفيات 224)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 12/ 403، تذكرة الحفاظ 2/ 417، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 257، تهذيب التهذيب 8/ 315، خلاصة تذهيب الكمال 265، روضات الجنات 526، طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/ 259، طبقات ابن سعد 7/ 355، الطبقات السنية ورقة 377 أترجمة مطولة، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 153، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2 ب، طبقات الشيرازي 76، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 17، طبقات القراء للذهبي 1/ 141، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 223، العبر 1/ 392، الفهرست لابن النديم 71، مرآة الجنان لليافعي 2/ 83، مراتب النحويين 93، المعارف 549، معجم الأدباء 6/ 162، مفتاح السعادة 2/ 306، ميزان الاعتدال 3/ 371، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 241، نزهة الالباء لأبي بركات الأنباري 136، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 225.

روى عنه سعيد بن الحكم بن أبي مريم، وهو من شيوخه. وسمع منه أحمد بن حنبل، وزهير بن حرب، ومحمد بن إسحاق الصغاني، أبو بكر بن أبي الدنيا، والحارث بن محمد بن أبي أسامة، والحسن ابن مكرم البزار، وأحمد بن يوسف التغلبي، وعلي بن عبد العزيز، والبخاري في «التاريخ» وأبو داود، والترمذي، وجماعة. وأخذ عن أبي زيد؛ وأبي عبيدة، والأصمعيّ، وأبي محمد اليزيدي، وابن الأعرابي، والكسائي، والفراء، وغيرهم. وروى الناس من كتبه نيفا وعشرين كتابا. قال الخطيب: وهو من أبناء خراسان، وكان مؤدبا صاحب نحو وعربيّة، وطلب الحديث والفقه، وولي قضاء طرسوس أيام ثابت بن ناصر بن مالك، ولم يزل معه ومع ولده. وقدم بغداد، وفسّر بها غريب الحديث، وصنّف كتبا، وسمع الناس منه، وحج. وقال ابن عساكر: قدم دمشق طالب علم. قال ابن يونس: سكن بغداد، وقدم مصر مع يحيى بن معين سنة ثلاث عشرة ومائتين، وكتب بمصر. قال الخطيب: أبو عبيد القاسم بن سلّام التركي، مولى الأزد، صاحب الكتب المصنفة، منها: «غريب القرآن» وكتاب «غريب الحديث» و «الغريب المصنف» وكتاب «الأموال» وكتاب «القراءات» (¬1)، وكتاب «الناسخ والمنسوخ»، وكتاب «معاني القرآن»، وكتاب «المجاز في ¬

_ (¬1) في الأصل بعد هذا: «كتاب الأمثال» وسوف يأتي ذكره.

القرآن»، وكتاب «عدد آي القرآن»، وكتاب «المقصور والممدود»، وكتاب «المذكر والمؤنث» وكتاب «الأمثال السائرة»، وكتاب «فضائل القرآن»، وكتاب «الطهارة»، وكتاب «الحيض»، وكتاب «الحجر والتفليس»، وغير ذلك. وكان أحد الأئمة في الدين، وعلما من أعلام المسلمين. قال عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسيّ النحويّ: أبو عبيد من علماء بغداد المحدّثين النحويين على مذهب الكوفيين، ورواة اللغة والغريب عن البصريين والكوفيين. والعلماء بالقراءات، وممن جمع صنوفا من العلم، وصنف الكتب، في كل فن من العلوم والآداب فأكثر وشهر، وكان مؤدّبا لآل هرثمة، وصار في ناحية عبد الله بن طاهر. وكان ذا فضل ودين، ومذهب وحسن. روى عن أبي زيد الأنصاري، وأبي عبيدة، والأصمعي، واليزيدي، وغيرهم من البصريين. روى عن ابن الأعرابي، وأبي زياد الكلابي، وعن الأموي، وأبي عمر والشيباني، والكسائي، والأحمر، والفراء. وروى الناس من كتبه المصنّفة بضعة وعشرين كتابا، في القرآن والفقه، وغريب الحديث والغريب المصنف، والأمثال، ومعاني الشعر، وغير ذلك. وله كتب لم يروها، قد رأيتها في ميراث بعض الطاهرين تباع كثيرة في أصناف الفقه كلّه. وبلغنا أنه كان إذا ألف كتابا أهداه إلى عبد الله بن طاهر، فيحمل إليه

مالا خطيرا استحسانا لذلك، وكتبه مستحسنة مطلوبة في كل بلد. والرواة عنه مشهورون ثقات ذوو ذكر ونبل. وقد سبق إليّ جميع مصنفاته، فمن ذلك: «الغريب المصنف»، وهو من أجلّ كتبه في اللغة، فانه احتذى فيه كتاب النّضر بن شميل المازنيّ الذي يسميه كتاب «الصفات»، وبدأ فيه بخلق الفرس، ثم بالإبل، فذكر صنفا بعد صنف، حتى أتى على جميع ذلك، وهو أكبر من كتاب أبي عبيد وأجود. ومنها كتابه في «الأمثال» وقد سبقه إلى ذلك جميع البصريين والكوفيين، الأصمعي، وأبو زيد، وأبو عبيد، والنّضر بن شميل، والمفضّل الضبيّ، وابن الأعرابيّ، إلا أنه جمع رواياتهم في كتابه، فبوّبه أبوابا، وأحسن تأليفه. وكتاب «غريب الحديث» أوّل من عمله أبو عبيدة معمر بن المثنى، وقطرب، والأخفش، والنّضر بن شميل، ولم يأتوا بالأسانيد. وعمل أبو عدنان النحويّ البصريّ كتابا في غريب الحديث وذكر فيه الأسانيد، وصنفه على أبواب [السّنن] (¬1) والفقه، إلا أنه ليس بالكبير، فجمع أبو عبيد عامة ما في كتبهم وفسّره وذكر الأسانيد، وصنّف المسند على حدته، وأحاديث كلّ رجل من الصحابة والتابعين على حدته، وأجاد تصنيفه، فرغب فيه أهل الحديث، والفقه، واللغة لاجتماع ما يحتاجون إليه فيه. وكذلك كتابه في «معاني القرآن»، وذلك أن أول من صنّف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى، ثم قطرب بن المستنير، ثم الأخفش، وصنف من الكوفيين الكسائي، ثم الفرّاء. فجمع أبو عبيد ما في كتبهم، وجاء فيها بالآثار والأسانيد، وتفاسير الصحابة والتابعين والفقهاء. وروى النصف منه ومات قبل أن يسمع منه باقيه، وأكثره غير مرويّ عنه. ¬

_ (¬1) عن: انباه الرواة للقفطي، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي.

وأما كتبه في الفقه فإنه عمد إلى مذهب مالك والشافعي، فتقلّد أكثر ذلك وأتى بشواهده، وجمعه من حديثه ورواياته، واحتج فيها باللغة والنحو فحسّنها بذلك. وله في القراءات كتاب جيّد، ليس لأحد من الكوفيين قبله مثله. وكتابه في «الأموال» من أحسن ما صنّف في الفقه وأجوده. وقال أبو بكر بن الأنباري: كان أبو عبيد يقسم الليل أثلاثا، فيصلي ثلثه، وينام ثلثه، ويضع الكتب ثلثه. وقال أبو عبيد: ما دققت على محدث بابه قط، وفي رواية: ما أتيت عالما قط فاستأذنت عليه، ولكن صبرت حتى يخرج إليّ وتأولت قول الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (¬1). وقال: من شكر العلم، أن تقعد مع كل قوم، فيذكرون شيئا لا تحسنه فتتعلم منهم، ثم تقعد بعد ذلك في موضع آخر، فيذكرون ذلك الشيء الذي تعلمته فتقول: والله ما كان عندي شيء، حتى سمعت فلانا يقول كذا وكذا فتعلمته، فإذا فعلت ذلك، فقد شكرت العلم. وقال: المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله. وقال عاشرت الناس، وكلمت أهل الكلام، فما رأيت قوما أوسخ وسخا، ولا أقذر ولا أضعف حجة ولا أحمق من الرافضة: ولقد وليت الثغر، فلقيت ثلاثة رجال: جهميين، ورافضي- وقلت: مثلكم لا يساكن أهل الثغر، وأخرجتهم. ¬

_ (¬1) سورة الحجرات 5.

وفي «طبقات النحاة» للزبيديّ قيل لأبي عبيد: إن فلانا يقول: أخطأ أبو عبيد في مائتي حرف من «الغريب المصنّف»، فحلم أبو عبيد ولم يقع في الرجل بشيء، وقال: في المصنف كذا وكذا ألف حرف، فلو لم أخطئ الا في هذا القدر اليسير ما هذا بكثير، ولكن صاحبنا هذا لو بدا لنا فناظرناه في هذه المائتين- بزعمه- لوجدنا لها مخرجا. قال الزّبيديّ: ثم عددت ما تضمّنه الكتاب من الألفاظ فألفيت فيه سبعة عشر ألف حرف، وسبعمائة وسبعين حرفا. وقال أبو عبيد: مثل الألفاظ الشريفة، والمعاني الظريفة، مثل القلائد اللائحة، في الترائب الواضحة. وقال: إني لأتبين في عقل الرجل أن يدع الشمس ويمشي في الظل. وتوجه إلى مكة سنة تسع عشرة ومائتين، وأقام بها إلى أن مات بمكة سنة اثنتين. وقيل ثلاث وقيل أربع وعشرين ومائتين، عن سبع وستين سنة. 412 - القاسم بن الفتح بن محمد بن يوسف أبو محمد الريولي الأندلسي (¬1). من أهل مدينة الفرج. قال الذهبي: كان عالما بالحديث، عارفا باختلاف الأئمة، عالما بالتفسير والقراءات، لم يكن يرى التقليد. وله تصانيف كثيرة، وشعر رائق، مع صدق ودين وورع، وتقلل وقنوع. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 2/ 446، طبقات المفسرين للأدنةوي 32 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 27.

وقال أبو محمد بن صاعد: كان واحد الناس في وقته في العلم والعمل، سالكا سبيل [السلف] (¬1) في الورع والصدق متقدما في علم اللسان، والقرآن، وأصول الفقه وفروعه، ذا حظ جليل من البلاغة ونصيب من قرض الشعر. جميل المذهب، سديد الطريقة، عديم النظير، ويتكلم على معانيه. روى عن أبيه، وعن أبي عمر الطلمنكي. مولده سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، ومات في صفر سنة إحدى وخمسين وأربعمائة. ومن شعره: أيام عمرك تذهب ... وجميع سعيك يكتب (¬2) ثم الشهيد عليك ... منك فأين المذهب (¬3) وله: يا معجبا بعلائه وغنائه ... ومطولا في الدّهر حبل رجائه (¬4) كم ضاحك أكفانه منشورة ... ومؤمّل والموت من تلقائه 413 - القاسم بن فيرة (¬5). ¬

_ (¬1) تكملة عن: الصلة لابن بشكوال، وطبقات المفسرين للسيوطي. (¬2) البيتان في: الصلة لابن بشكوال، وطبقات المفسرين للسيوطي. (¬3) في الصلة: «المهرب». (¬4) البيتان في: الصلة لابن بشكوال. (¬5) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 10، تاريخ الاسلام للذهبي (وفيات 590)، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1356، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 496، الديباج المذهب 224، روضات الجنات للخوانساري 528، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 270، طبقات الشافعية لابن قاضي شبهة 40 أ، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 20، طبقات القراء للذهبي 2/ 457، مرآة الجنان لليافعي 3/ 467، معجم الأدباء لياقوت 6/ 184، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 49، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 136، نفح الطيب للمقري 2/ 22، نكت الهميان للصفدي 228، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 234.

بكسر الفاء وسكون الياء المثناة من تحت وتشديد الراء وضمها، وهو بلغة الرطانة من أعاجم الأندلس، ومعناه بالعربي الحديد- ابن أبي القاسم خلف بن أحمد الإمام أبو محمد وأبو القاسم الرّعينيّ الشاطبيّ المقرئ الضرير، أحد الأعلام. ولد في آخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة بشاطبة، وقرأ بها القراءات وأتقنها على أبي عبد الله محمد بن علي بن أبي العاص النّفزيّ المعروف بابن اللايه الشاطبيّ، ثم ارتحل إلى بلنسية، فعرض بها القراءات، وكتابه «التيسير» من حفظه، علي أبي الحسن علي بن محمد بن هذيل، وسمع الحديث منه ومن أبي الحسن بن النّعمة، وأبي عبد الله بن سعادة، وأبي محمد ابن عاشر، وأبي عبد الله بن حميد، وارتحل ليحجّ، فسمع من أبي طاهر السّلفي وغيره. واستوطن القاهرة، واشتهر اسمه، وبعد صيته، وقصده الطلبة من النواحي. وكان إماما علامة ذكيا، كثير الفنون، منقطع القرين، رأسا في القراءات والتفسير، حافظا للحديث، بصيرا بالعربية واللغة، واسع العلم، وقد سارت الركبان بقصيدتيه حرز الأماني وعقيلة أتراب الفضائل اللتين في القراءة والرسم، وحفظهما خلق لا يحصون، وخضع لهما فحول الشعراء وكبار البلغاء وحذاق القراء، ولقد أبدع وأوجز، وسهّل الصعب. ونظم قصيدة دالية في خمسمائة بيت من حفظها أحاط علما بكتاب «التمهيد» لابن عبد البر. روى عنه أبو الحسن بن خيرة، ووصفه من قوة الحفظ بأمر معجب، وقرأ عليه بالروايات عدد كثير، منهم: أبو موسى عيسى بن يوسف المقدسي، وأبو القاسم عبد الرحمن بن سعيد الشافعي، وأبو عبد الله الكردي، وأبو

الحسن علي بن محمد السخاوي، والسديد عيسى بن أبي الحرم (¬1) العامري، والكمال علي بن شجاع الضرير. وحدث عنه محمد بن يحيى الجنجالي، وبهاء الدين بن هبة الله الجمّيزي، وآخر من روى عنه الشاطبية أبو محمد عبد الوارث [المعروف (¬2) با] بن فار اللبن، وهو آخر أصحابه موتا. قال أبو عبد الله الأبار في «تاريخه»: تصدر الإقراء بمصر فعظم شأنه وبعد صيته وانتهت إليه الرئاسة في الإقراء. وقال: أحد الأعلام، والمحتذى بمعجزة شاطبيته على علماء الاسلام، والفرد بلا نظير على كثرة الأنام، ولا شبيه يطمع أن يرى مثله حتى ولا في المنام، المبصر قلبه، لأن القرآن نوره، والإيمان مشكاة فهمه إذا اشتبهت أموره، الذي قل من لا استقى من بحره، أو اغترف غرفة بيده من نهره، أو جاء بعده من القراء مجيد؛ إلا وقصيدته حرز الأماني تميمة معلّقة في نحره. وكان رحمه الله موصوفا بالزهد والعبادة والانقطاع، وتصدّر للإقراء بالمدرسة الفاضليّة من القاهرة، وكان يجتنب فضول الكلام، لا ينطق في سائر أوقاته إلا بما تدعو إليه الضرورة. ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة، وفي هيئة حسنة وتخشع واستكانة. وكان يجلس إليه من لا يعرفه فلا يشك أنه يبصر، لأنه لذكائه لا يظهر منه ما يظهر من الأعمى في حركاته، وظهرت عليه كرامات الصالحين، ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في العبر للذهبي، وفي طبقات القراء لابن الجزري: «ابن أبي الحزم». (¬2) تكملة عن: حسن المحاضرة للسيوطي، طبقات الشافعية للسبكي، وطبقات القراء لابن الجزري، وطبقات القراء للذهبي.

كسماع الآذان في وقت الزوال بجامع مصر من غير مؤذن، ولا يسمع ذلك إلا الصالحون، وكان يعذل أصحابه على أشياء لم يطلعوه عليها، وكان يعتل العلة الشديدة فلا يشتكي ولا يتأوه. وتوفي رحمه الله يوم الأحد بعد صلاة العصر الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة، ودفن بالقرافة الصغرى في تربة القاضي الفاضل، وقبره يزار، ويرجى استجابة الدّعاء عنده. قال السّخاوي (¬1): أقطع بأنه كان مكاشفا، وأنه سأل الله كتمان حاله، ما كان أحد يعلم أي شيء هو. ومن شعره (¬2): قل للأمير نصيحة ... لا تركننّ إلى فقيه إن الفقيه إذا أتى ... أبوابكم لا خير فيه (¬3) وله (¬4): خالطت أبناء الزمان فلم أجد ... من لم أرم منه ارتياد المخلص (¬5) رد الشباب وقد مضى لسبيله ... أهيأ وأمكن من صديق مخلص 414 - القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ الإمام أبو ¬

_ (¬1) هو تلميذه علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد بن عبد الغالب الهمداني السخاوي المتوفى سنة 643 هـ. (¬2) البيتان في نفح الطيب للمقري، وطبقات الشافعية للسبكي. (¬3) رواية البيت في النفح: قل للأمير مقاله ... من ناصح فطن نبيه والأمير هنا: هو عز الدين موسك، كما في النفح، وساق حكاية هذا الشعر. (¬4) البيتان في نفح الطيب للمقري 2/ 23. (¬5) رواية البيت في النفح: خالصت أبناء الزمان فلم أجد ... من لم أرم منه ارتيادي مخلصي

القاسم محدث الأندلس المعروف بابن الطيلسان الأنصاري (¬1) القرطبي. ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة أو نحوها. ذكره الأبار فقال: روى عن جده لأمه أبي القاسم بن الشرّاط، وأبي العباس بن مقدام، وأبي محمد عبد الحق الخزرجي، وأبي الحكم بن حجاج، وجماعة. وأجاز له عبد المنعم بن الفرس، وأبو القاسم بن سمحون، وشيوخه ينيّفون عن المائتين، تصدّر الإقراء والإسماع، وكان له معرفة بالقرآن والعربية، متقدما في صناعة الحديث، متفننا. له من المصنفات: كتاب «ما ورد من الأمر في شربة الخمر» وكتاب «بيان المنن على قارئ الكتاب والسّنن» وكتاب «الجواهر المفصلات في المسلسلات» وكتاب «غرائب أخبار المسندين ومناقب آثار المهتدين» وكتاب «أخبار صلحاء الأندلس». خرجة من قرطبة وقت أخذ الفرنج لها «فنزل بمالقة، وولي خطابتها إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر» سنة اثنتين وأربعين وستمائة. 415 - قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز السّدوسيّ (¬2). الحافظ العلامة، أبو الخطاب البصري، الضرير الأكمه المفسّر. رأس الطبقة الرابعة، روى «تفسيره» عنه شيبان بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي أبو معاوية البصري. حدث عن عبد الله بن سرجس، ومعاذة (¬3)، وخلق، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1426، نيل الابتهاج للسيوطي 221. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 9/ 313، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 122، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 268، اللباب 1/ 537، معجم الأدباء لياقوت 6/ 202، ميزان الاعتدال 3/ 385، نكت الهميان للصفدي 230، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 248. (¬3) هي معاذة العدوية الفقيهة العابدة بالبصرة، ماتت بعد المائة (العبر 1/ 122).

وعنه مسعر، وابن أبي عروبة، وشيبان، وشعبة، ومعمر. وأبان بن يزيد وأبو عوانة، وحماد بن سلمة «وأمم سواهم». قال معمر: أقام قتادة عند سعيد بن المسيب ثمانية أيام فقال له في اليوم الثالث: ارتحل يا أعمى فقد أترفتني. قال قتادة: ما قلت لمحدث قط: أعد عليّ، وما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي. قال ابن سيرين: قتادة أحفظ الناس. وقال معمر: سمعت قتادة يقول: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا. قال الإمام أحمد بن حنبل: قتادة عالم بالتفسير وباختلاف العلماء، ووصفه بالفقه والحفظ، وأطنب في ذكره، وقال: قلّ أن تجد من يتقدمه. وقال: كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئا إلا حفظه، قرئت عليه صحيفة جابر مرّة فحفظها. قال شعبة: قصصت على قتادة سبعين حديثا كلها يقول فيها: سمعت ابن مالك، إلا أربعة. وقال همام: سمعت قتادة يقول. ما أفتيت بشيء من رأيي منذ عشرين سنة. قال سفيان الثوري: أو كان في الدنيا مثل قتادة؟ وقال معمر قلت للزهري. أقتادة أعلم عندك أو مكحول؟ قال: بل قتادة. ومع حفظ قتادة وعلمه بالحديث كان رأسا في العربية واللغة وأيام العرب والنسب قال أبو عمرو بن العلاء: كان قتادة من أنسب الناس. وقال أبو هلال عن غالب عن بكر بن عبد الله قال: من سرّه أن ينظر إلى أحفظ من أدركناه فلينظر إلى قتادة. وقال الصعق بن حزن حدثنا زيد أبو عبد الواحد سمعت سعيد بن المسيب يقول: ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة. مات بواسط في الطاعون سنة ثماني عشرة ومائة وقيل سنة سبع عشرة، وله سبع وخمسون سنة، أخرج له الجماعة.

416 - [قتيبة] (¬1) بن أحمد بن شريح أبو حفص البخاري (¬2). صاحب «التفسير الكبير». روى عن سعيد بن مسعود المروزي، وأبي يحيى بن أبي مسرة. وعنه نصوح بن واصل، وكان شيعيا. مات سنة ست عشرة وثلاثمائة. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، أكملته عن طبقات المفسرين للسيوطي. (¬2) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 28.

حرف الميم

حرف الميم من اسمه محمد 417 - محمد بن آدم بن كمال أبو المظفر الهروي (¬1) الحنفي (¬2). [تفقه على القاضي (¬3)] أبي الهيثم، ثم جدد الفقه على القاضي أبي العلاء صاعد، وتلمذ للأستاذ أبي بكر الخوارزمي. ذكره عبد الغافر في «سياق نيسابور» وقال: سمعت من أثق به أن القاضي الإمام صاعدا. كان يراجعه في المشكلات في أثناء درسه في الأحايين، وكان يقعد للتدريس في التفسير، والنحو، والتصريف، وشرح الدواوين. مات سنة أربع عشرة وأربعمائة. ذكره القرشي. 418 - محمد بن أبان بن وزير (¬4). المستملى لوكيع بن الجراح، ويعرف بحمدويه. ¬

_ (¬1) في الأصل: «المهدوي» تحريف، صوابه في: الجواهر المضيئة للقرشي، والطبقات السنية، ومعجم الأدباء لياقوت. (¬2) له ترجمة في: الجواهر المضيئة للقرشي 2/ 30، الطبقات السنية ورقة 383 أ، معجم الأدباء للسيوطي 6/ 267، الوافي بالوفيات للصفدي 1/ 333. (¬3) تكملة عن الجواهر المضيئة، والطبقات السنية. (¬4) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 498، العبر 1/ 443، ميزان الاعتدال 3/ 454، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 319، الوافي بالوفيات للصفدي 1/ 334.

روى عن إسماعيل بن عليّة، وأيوب بن سويد الرملي، وحماد بن أبي أسامة، وسفيان بن عيينة، وأبي عاصم الضحاك بن مخلد، وعبد الله بن رجاء المكي. روى عنه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وإبراهيم الحربي، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، والحسن بن علي بن شبيب المعمري، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهم. وجمع، وصنّف «التفسير» وغيره. مات ببلخ سنة أربع وأربعين ومائتين. 419 - محمد بن إبراهيم بن أحمد بن أسود بن أبي بكر الغساني (¬1). من أهل المريّة، قدم إلى مصر ولقي بها أبا بكر الطرطوشي، ثم عاد إلى بلده، وشوور واستقضي بمرسيّة مدة طويلة، ثم صرف وسكن مراكش. قال ابن بشكوال: وتوفي بمراكش في رجب سنة ست وثلاثين وخمسمائة. وقال أبو جعفر بن الزبير: وله كتاب «تفسير القرآن» وبيته بيت علم ودين. ذكره المقريزي في «المقفى». 420 - محمد بن إبراهيم بن الحسن أبو بكر الفقيه الحنفي الرازي (¬2). نزيل الإسكندرية، صاحب الكرامات. سمع من أبي إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال بمصر، وأبي الحسن علي ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 2/ 553، المقفى للمقريزي 1/ 31. (¬2) له ترجمة في: الجواهر المضيئة للقرشي 2/ 4، الطبقات السنية ورقة 385 ب.

ابن أحمد السرخاباذي (¬1)، وروى عن أبي علي الحسين بن علي بن إسحاق الفاقوسي. وروى عنه أبو بكر يحيى بن إبراهيم بن عثمان بن شبل، وأبو الحسين يحيى بن سعادة، وأبو محمد عبد المعطي بن مسافر بن يوسف القمودي، وأبو محمد عبد الكريم بن أحمد بن فراج التّروجيّ (¬2)، والكرم راشد بن ناجي بن خلف، وأبو العباس أحمد بن موسى المباحيّ نسبة إلى أكل المباح، وشداد ابن شريف بن صدقة التاجر. ولم ير في زمنه من الفقهاء من يجري مجراه زهدا وعلما، وكان في الشتاء يمشي في الطين وفي رجله الخف بغير نعل ولا تتلوث رجله. وكان من أعيان الفقهاء ومن الصلاح على أعلى طريقة، وكان يقعد في داره مستقبل القبلة، وكتبه بين يديه وهو في وسطها لا يلتذ بسواها، وله تصنيف في «تأويل آيتي القتل في سورة النساء». ومات بالإسكندرية في جمادى الأولى سنة ثلاث. وقيل أربع وتسعين وأربعمائة وكانت جنازته عظيمة جدا. ذكره المقريزي في «المقفى». 421 - محمد بن إبراهيم بن محمد بن عليّ بن رفاعة كمال الدين أبو الفتوح القوصي (¬3). ¬

_ (¬1) نسبة الى سرخاباذ من قرى الري (معجم البلدان). (¬2) نسبة الى تروجة- بالفتح ثم الضم وسكون الواو وجيم- قرية بمصر من كورة البحيرة من أعمال الاسكندرية. وجاء في ياقوت: أنا أبا بكر الرازي كان أجل شيخ للتروجي، وبه كان يفتخر التروجي (معجم البلدان لياقوت 1/ 845). (¬3) له ترجمة في: الطالع السعيد للادفوي 482، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 27.

مولده بقوص في سنة أربعين وخمسمائة، وتوفي في سنة ست وتسعين وخمسمائة. وكان عالما متفنّنا في الفقه والأصلين، والنحو واللغة والتفسير، وتقلّد القضاء والأعمال القوصيّة عدة سنين، ومدح بعدة مدائح. ذكره المقريزي. 422 - محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بحاء مهملة وزاي- بن صخر بن عبد الله بدر الدين أبو عبد الله بن أبي إسحاق بن الفضل الكناني الشافعي الحموي (¬1). ولد بمدينة حماة عشية الجمعة رابع عشر ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وستمائة، وسمع من شيخ الشيوخ الأنصاري، ومن والده، ومن عبد الله بن علاق، وجماعة. وسمع بمصر من الرضيّ بن البرهان، والرشيد العطار، وإسماعيل بن عزّون، وآخرين، وبدمشق من أبي اليسر، وبمكة وغيرها من جماعة، وحدث بالكثير، وتفرّد في وقته، وكان يشارك في معرفة علم الحديث وفي الفقه والأصول والتفسير مشاركة جيدة، وكانت له عبادة وأوراد. وولي قضاء بيت المقدس مدّة، والخطابة به، وولاه الأشرف خليل قضاء مصر والتدريس بالصالحية، كخطابة الجامع الأزهر، ثم صرف عن القضاء بتقي الدين بن بنت الأعز، وعوض عنه التدريس بالمدرسة الناصرية بجوار قبة ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الأنس الجليل لمجير الدين الحنبلي 2/ 136، البداية والنهاية لابن كثير 14/ 163، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 425، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 367، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 107، الرسالة المستطرفة للكتاني 214، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 74 ب، فوات الوفيات 2/ 253، قضاة دمشق لابن قطلوبغا 80، كشف الظنون لحاجي خليفة 1663، 1884، مرآة الجنان 4/ 287، المقفى 1/ 45، مصور بدار الكتب رقم 5372 تاريخ، والترجمة فيه بالنص، النجوم الزاهرة 9/ 298، نكت الهميان للصفدي 235، هدية العارفين للبغدادي 2/ 248، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 18.

الإمام الشافعي، وتدريس المشهد الحسيني، ثم ولي قضاء دمشق بعد موت شهاب الدين محمد بن أحمد الخوييّ، وأضيفت إليه خطابة الجامع الأموي، ثم صرف عن القضاء بإمام الدين عمر القزويني، وبقي على خطابة الجامع، ثم أعيد إلى القضاء بعد موت تقي الدين محمد بن دقيق العيد، فلم يزل على قضاء مصر إلى أن صرفه الناصر محمد بن قلاوون بجمال الدين سليمان بن عمر الزّرعي (¬1)، ثم أعاده عوضا عن الزرعي، فلما أنشأ السّلطان الجامع الجديد خارج مدينة مصر، ولاه الخطابة به، فطالت ولايته هذه وشاخ وأضرّ وثقل سمعه، فطلب الإعفاء من القضاء فأعفي، ولزم داره إلى أن مات في ليلة الاثنين حادي عشري جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، ودفن بالقرافة، وكان يخطب من إنشائه. وصنّف كتاب «مناسك الحج» وكتاب «علوم الحديث» وكتابا نحا فيه نحو السهيلي في كتاب «التعريف والإعلام» وزاد عليه، و «كتابا في الكنائس وأحكامها» وخرج له أهل الحديث عوالي ومشيخات، وخرج لنفسه أيضا «أربعين حديثا» تساعيا. وكان عارفا بطرائق الصوفية، وقصد بالفتوى من الأقطار، وتفرد بها وبرواية أشياء، وكان رئيسا متوددا، لين الأخلاق، عفيفا عن الأموال، زاهدا فيما في أيدي الناس. وحج مرارا كثيرة، وانتفع الناس بعلمه. وذكر أن الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله، وقف له على فتوى فاستحسن ما كتبه. ¬

_ (¬1) ولد الزرعي بأذرعات، وولي قضاء زرع بالضم وكلاهما من أعمال الشام، والنسبة الى الأولى أذرعي، والى الثانية زرعي. فشهر بالثانية. حواشي ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 18.

ومن شعره: لما تمكّن من فؤادي حبه ... عاتبت قلبي في هواه ولمته (¬1) فرثى له طرفي وقال أنا الذي ... قد كنت في شرك الهوى أوقعته عاينت حسنا باهرا فاقتادني ... سرّا إليه عند ما أبصرته وله: أحنّ إلى زيارة حيّ ليلى ... وعهدي من زيارتها قريب (¬2) وكنت أظنّ قرب العهد يطفي ... لهيب الشوق فازداد اللهيب أورده الشيخ تقي الدين المقريزي في «المقفى». 423 - محمد بن إبراهيم بن المنذر الإمام أبو بكر النّيسابوريّ (¬3) الفقيه نزيل مكة، وأحد الأعلام، وممن يقتدى به في الحلال والحرام. كان إماما مجتهدا، حافظا، ورعا. سمع الحديث من محمد بن ميمون، ومحمد بن إسماعيل الصّائغ، ومحمد ابن عبد الله بن عبد الحكم، والربيع بن سليمان وغيرهم. روى عنه أبو بكر بن المقري، ومحمد بن يحيى بن عمّار الدّمياطيّ، شيخ الطلمنكيّ، والحسن بن علي بن شعبان، وأخوه الحسين، وآخرون. ¬

_ (¬1) الأبيات في الوفي بالوفيات للصفدي 2/ 19، والمقفى للمقريزي 1/ 47. (¬2) المقفى 1/ 47، والوفي بالوفيات 2/ 19. (¬3) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 782، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 197، الرسالة المستطرفة للكتاني 77، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 102، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 6 أ، طبقات الشيرازي 89، طبقات العبادي 67، طبقات المفسرين للسيوطي 28، الفهرست لابن النديم 215، لسان الميزان 5/ 27، مرآة الجنان لليافعي 2/ 261، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 450، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 344.

وصنّف كتبا معتبرة عند أهل الاسلام، ولم يصنف مثلها في الفقه وغيره، منها كتاب «المبسوط» و «كتاب الإشراف في معرفة الخلاف»، و «الأوسط» وهو أصل الإشراف، وكتاب «الإجماع»، وكتاب «الإقناع» «السنن والإجماع والاختلاف» وكتاب «التفسير» الذي لم يصنف مثله، وكان مجتهدا لا يقلد أحدا. قال الشيخ أبو اسحاق: توفي سنة تسع- أو عشر- وثلاثمائة. قال الذهبيّ: وهذا ليس بشيء، لأن محمد بن يحيى بن عمّار لقيه سنة ست عشرة وثلاثمائة. 424 - محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان بن محمد بن عبد الله أبو أحمد بن أبي جعفر الأصبهانيّ المعروف بالعسّال- بعين وسين مهملتين- الحافظ العلامة القاضي الأصبهاني (¬1). سمع أبا مسلم الكجّيّ، ومحمد بن أيوب البجليّ، وأبا بكر بن أبي عاصم، ومحمد بن عبد الله الحضرميّ، ومحمد بن عثمان العبسيّ، وأبا شعيب الحرانيّ، وبكر بن سهل الدّمياطيّ، وطبقتهم. وقرأ لنافع على أبي سهل صاحب المفضل بن شاذان، تلا عليه ابنه أبو عامر عبد الوهاب، وحدّث عنه أولاده أبو عامر، وأبو جعفر أحمد، وإبراهيم، والعباس، وأبو بكر عبد الله، وأبو الحسين عامر، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر المقري، وابن منده، وابن مردويه، وابن أبي علي، ومحمد بن عبد الله الرّباطيّ، وأحمد بن إبراهيم القصّار، وأحمد بن محمد بن ماجة المؤدب، وأبو سعيد النقاش، وأبو نعيم الحافظ، ومحمد بن علي بن مصعب التاجر، وآخرون. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 886، العبر للذهبي 2/ 282، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 325.

قال الباطرقانيّ: حدثنا أبو عبد الله بن منده، قال: كان أبو أحمد العسال يتولى القضاء خلافة لعبد الرحمن بن أحمد الطبري وهو أحد الأئمة في الحديث فهما وإثباتا وأمانة. وقال النقاش: أخبرنا أبو أحمد العسال، ولم ير مثله في الإتقان. وقال أبو نعيم: أبو أحمد من الكبار في المعرفة، والاتقان، والحفظ، صنف «الشيوخ» و «التفسير» وعامة «المسند». وقال أبو يعلى في «الإرشاد» له: أبو أحمد العسال، حافظ، متقن، عالم بهذا الشأن، كان على قضاء أصبهان، من شرط الصحاح، لقيت ابنه أحمد بالري. قال ابن مردويه: سمعت أبا أحمد العسال يقول: أحفظ في القراءات خمسين ألف حديث، ويقال: إن أبا أحمد أملى تفسيرا كبيرا من حفظه، وقيل إنه أملى أربعين ألف حديث بأردستان، فلما رجع إلى بلده قابل ذلك، فاذا به كما أملى. وقال الخطيب: حدثنا عبد الله بن أحمد السوذرجانيّ، سمعت ابن منده يقول: كتبت عن ألف شيخ لم أر فيهم أتقن من أبي أحمد العسال. وقال عبد الرحمن بن منده: سمعت أبي يقول: كتبت عن ألف وسبعمائة شيخ فلم أر فيهم مثل العسّال وأبي إسحاق بن حمزة. وقيل: كان أبو أحمد لا يمسّ جزءا إلا على طهارة، وأنه صلى بالختمة في ركعة. ولأبي أحمد أيضا «تاريخ» و «المعجم» له، وكتاب «المعرفة في السنة» وكتاب «الرؤية» وكتاب «العظمة» وكتاب «الرقائق» وكتاب «المسند» على الأبواب، وكتاب «غريب الحديث» على الأبواب، وكتاب

«حروف القراءات»، وكتاب «كرامات الأولياء» و «كتاب حديث مالك» وكتاب «غسل الجمعة» وأشياء كثيرة. وكان من كبراء أهل بلده، وذوي الثروة، وكان أبوه من كبار التجار المتمولين وقف أملاكه على أولاده، وكان قد لحق إسماعيل بن عمر البجلي صاحب مسعر، وسمع منه. ومات سنة اثنتين وثمانين ومائتين، قال ابن مردويه: مات أبو أحمد في شهر رمضان سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، وكان مولده يوم التروية سنة تسع وستين ومائتين. 425 - محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان أبو الحسن النحوي (¬1). قال الزّبيديّ: وليس هذا بالقديم الذي له [في] (¬2) العروض والمعمى [كتاب] (¬3). قال الخطيب: كان يحفظ المذهبين البصريّ والكوفيّ في النّحو، لأنه خذ عن المبرّد وثعلب، وكان أبو بكر بن مجاهد، يقول: إنه أنحى منهما. قال ياقوت: لكنّه إلى مذهب البصريين أميل. وكان ابن الأنباريّ يقول: خلط المذهبين فلم يضبط منهما شيئا. قال أبو حيان التوحيديّ: ما رأيت مجلسا أكثر فائدة، ولا أجمع لأصناف العلوم والتّحف والنّتف من مجلسه. وكان يجتمع على بابه نحو مائة رأس من ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للخطيب البغدادي 3/ 57، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 117، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 1/ 335، روضات الجنات للخوانساري 600، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 15، الفهرست لابن النديم 81، مرآة الجنان لليافعي 2/ 236، معجم الادباء لياقوت 6/ 280، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 178، نزهة الألباء 235، الوافي بالوفيات 2/ 31. (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للخطيب البغدادي 3/ 57، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 117، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 1/ 335، روضات الجنات للخوانساري 600، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 15، الفهرست لابن النديم 81، مرآة الجنان لليافعي 2/ 236، معجم الادباء لياقوت 6/ 280، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 178، نزهة الألباء 235، الوافي بالوفيات 2/ 31. (¬3) من انباه الرواة للقفطي ومعجم الأدباء لياقوت.

الدوابّ للرؤساء والأشراف الذين يقصدونه، وكان إقباله على صاحب المرقعة والخلق كإقباله على صاحب الدّيباج والدّابة. ومن تصانيفه: «معاني القرآن»، «المهذّب في النحو»، «غلط أدب الكاتب»، «اللّامات»، «البرهان»، «غريب الحديث»، «علل النحو»، «مصابيح الكتّاب»، «ما اختلف فيه البصريون والكوفيون» وغير ذلك. قال الخطيب: مات لثمان خلون من ذي القعدة سنة تسع وتسعين ومائتين. قال ياقوت: هذا لا شكّ سهو، ففي «تاريخ» أبي غالب همّام بن الفضل بن المهذّب المغربيّ: إنه مات سنة عشرين وثلاثمائة. أورده شيخنا في «طبقات النحاة». 426 - محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو الفرج الشّنّبوذي (¬1) البغدادي (¬2). المقرئ. غلام ابن شنّبوذ. قال الذهبي في «طبقات القراء»: قرأ عليه، وعلى ابن مجاهد، وإبراهيم نفطويه، وابن الأخرم الدمشقي، ومحمد بن هارون التمار، وأبي بكر الأدمي، وأبي مزاحم الخاقاني، وأبي بكر النقاش. وأكثر الترحال في طلب القراءات وتبحر فيها، واشتهر أسمه وطال عمره. قرأ عليه الهيثم بن أحمد الصباغ، وأبو طاهر محمد بن ياسين الحلبي، وأبو الفرج الأسترآباذي، وأبو العلاء محمد بن علي الواسطي، ومحمد بن الحسن ¬

_ (¬1) نسبة الى شيخه ابن شنبوذ (اللباب لابن الأثير 2/ 30). (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1020، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 50، طبقات القراء للذهبي 1/ 268، طبقات المفسرين للسيوطي 37، العبر للذهبي 3/ 40، اللباب 2/ 30، معجم الأدباء 6/ 304، المنتظم لابن الجوزي 7/ 204، النجوم الزاهرة 4/ 199، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 39.

الكارزيني، وأبو علي الأهوازي، وخلق سواهم. وكان عالما بالتفسير وعلل القراءات. قال الخطيب: سمعت عبد الله بن أحمد يذكر الشنية ذي فعظّم أمره، وقال سمعته يقول: أحفظ خمسين ألف بيت من الشعر شواهد للقرآن. وقال أبو عمرو الداني: مشهور نبيل حافظ ماهر حاذق، كان يتجول في البلدان، سمعت عبد العزيز بن علي المالكي يقول: دخل أبو الفرج غلام بن شنبوذ على عضد الدولة زائرا، فقال له: يا أبا الفرج، إن الله يقول: يَخْرُجُ (¬1) مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ ونرى العسل يأكله المحرور فيتأذى به، والله الصادق في قوله. فقال: أصلح الله الملك، إن الله لم يقل فيه الشفاء للناس بالألف واللام اللذين يدخلان لاستيفاء الجنس، وإنما ذكره منكرا، فمعناه فيه شفاء لبعض الناس دون بعض. قال الداني: الصواب أن الألف واللام في قوله للناس، لا يستغرقان الجنس كله، كما لا يستغرقانه في قوله: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ (¬2) وقوله فَنادَتْهُ (¬3) الْمَلائِكَةُ وفي قوله: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ (¬4) وشبهه. وسمعت عبد الرحمن بن عبد الله يقول: كنت أجلس إلى الشّنبوذي أسمع منه التفسير، وكان من أعلم الناس به. سمعت فارس بن أحمد يقول: علينا الشّنبوذي حمص، فقال لنا: كيف يقف الكسائي على قوله: تراءى الجمعان؟ فقلنا: الفائدة من الشيخ أعزه الله، فقال: تراءى، فأمالها. ¬

_ (¬1) سورة النحل 69. (¬2) سورة آل عمران 173. (¬3) سورة آل عمران 39. (¬4) سورة التوبة 30.

قال أبو بكر الخطيب: ولد الشنبوذي سنة ثلاثمائة، وتكلم الناس في رواياته فحدّثني أحمد بن سليمان الواسطي المقرئ، قال: كان الشنبوذي يذكر أنه قرأ على الأشناني، فتكلم الناس فيه. وقرأت [عليه] (¬1) لابن كثير، ثم سألت الدارقطني عنه فأساء القول فيه. وتعقب ذلك شيخ المقرئين شمس الدين بن الجزري في «طبقات القراء» فقال: وثقه الحافظ أبو العلاء الهمذاني وأثنى عليه، قال: ولا نعلمه ادعى القراءة على الأشناني. وله من الكتب كتاب «ما خالف فيه ابن كثير أبا عمرو» قال الخطيب: توفي أبو الفرج الشنبوذي يوم الاثنين لثلاث خلون من صفر، سنة ثمان وثمانين (¬2) وثلاثمائة، انتهى. وشنّبوذ بفتح الشين المعجمة والنون المشددة ثم باء موحدة وآخره ذال معجمة، فقلت هذا الضبط من «حاشية الشفاء» للشيخ شهاب الدين بن رسلان. 427 - محمد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي صاحب كتاب «الكشف (¬3) والبيان في القرآن» ................ (¬4) 428 - محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التونسيّ العلامة أبو عبد الله ¬

_ (¬1) من طبقات القراء لابن الجزري. (¬2) في الأصل: «سنة ثمان وعشرين» وصوابه في مصادر الترجمة. (¬3) كتاب «الكشف والبيان في تفسير القرآن» لأحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، والد المترجم، وقد تقدمت ترجمته رقم 59، وانظر أيضا كشف الظنون لحاجي خليفة 2/ 1496. (¬4) بياض في الأصل، وجاء في حاشية نسخة معهد المخطوطات: «ستكمل ترجمته إن شاء الله».

الوانوغيّ (¬1) المالكي. نزيل الحرمين. كان عالما بالتفسير والأصلين والعربيّة والفرائض والحساب والجبر والمقابلة والمنطق، ومعرفته بالفقه دون غيره. ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة بتونس ونشأ بها، وسمع من مسندها أبي الحسن بن أبي العباس البطرنيّ خاتمة أصحاب الأستاذ أبي جعفر بن الزبير بالإجازة، وسمع أيضا من ابن عرفة، وأخذ عنه الفقه والتفسير والأصلين، والمنطق، وعن الوليّ بن خلدون الحساب والهيئة والأصلين والمنطق والنّحو عن أبي العباس البصار. وكان شديد الذكاء سريع الفهم، حسن الإيراد للتدريس والفتوى، وإذا رأى شيئا وعاه وقدّره وإن لم يعتن به وله «تأليف على قواعد ابن عبد السلام» و «عشرون سؤالا في فنون العلماء (¬2)» تشهد بفضله، بعث بها إلى القاضي جلال الدين البلقينيّ، فأجاب عنها فردّ ما قاله البلقينيّ. وكان يعاب عليه إطلاق لسانه في العلماء، ومراعاة السائلين في الإفتاء. ومات بمكة المشرفة في سحر يوم الجمعة، تاسع عشري شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وثمانمائة. أورده شيخنا في «طبقات النحاة». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: ذيل تذكرة الحفاظ 277، الضوء اللامع للسحاوي 7/ 3، كشف الظنون لحاجي خليفة 92، نيل الابتهاج للسبتي 268. (¬2) «عشرون سؤالا في فنون من العلم» وفي كشف الظنون لحاجي خليفة 92: «الأسئلة في فنون من العلم» وسيذكر المصنف هذه الترجمة مرة أخرى فيما بعد، وقد ورد اسم الكتاب فيها: «عشرون سؤالا في العلم».

429 - محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف الشيخ العلامة الزاهد وليّ الدين أبو عبد الله العثماني الديباجي الشافعي المعروف بابن المنفلوطي وبالملوي (¬1). ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وسمع من جماعة، وتفقه وبرع في فنون، وأخذ عن الشيخ نور الدين الأردبيلي، وحدث واشتغل، وكان قد نشأ بدمشق، ثم طلب إلى الديار المصرية في أيام الناصر حسن، ودرس بالمدرسة (¬2) التفسير بالمنصورية وغيرهما. قال الشيخ وليّ الدين العراقي: برع في التفسير، والفقه، والتصوّف، وكان متمكنا من هذه العلوم، قادرا على التصرف فيها، حلو العبارة، حسن الوعظ، كثير العبادة والتأله، جمع وألف، وشغل وأفتى، ووعظ وذكر، وانتفع به الناس، ولم يخلف في معناه مثله. وقال الحافظ شهاب الدين بن حجّي: تفرّد بحسن التدريس، وكان يتصوف، وكان من ألطف الناس وأظرفهم شكلا وهيئة، وله تواليف بديعة الترتيب، توفي في ربيع الأول سنة أربع وسبعين وسبعمائة. وذكر أنه لما حضرته الوفاة قال: هؤلاء ملائكة ربي قد حضروا وبشّروني بقصر في الجنة، وشرع يرد السلام عليكم. ثم قال: انزعوا ثيابي عني فقد جاءوا بحلل من الجنة، وظهر عليه السرور ومات في الحال، ودفن بتربة الأمير ناصر الدين بن آقبغا آص، وكانت جنازته مشهودة، قال بعضهم حزر الجمع الذين صلوا عليه بثلاثين ألفا. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الأنس الجليل لمجير الدين الحنبلي 2/ 109، البدر الطالع للشوكاني 2/ 257، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 376، الضوء اللامع للسحاوي 9/ 255، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 247، قضاة دمشق لابن قطلوبغا 121، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 56، هدية العارفين للبغدادي 2/ 187، 188. (¬2) في الأصل: «وتدريس التفسير بالمنصورية». ولعل الأوفق ما أثبته.

ذكره ابن قاضي شهبة. 430 - محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الشيخ شمس الدين أبو الخير المنعوت بابن الجزري (¬1). الدمشقي، الشافعي، المقرئ، الحافظ شيخ الإقراء في زمانه. ولد في ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، بداخل خط القصاعين بين السورين. وأخذ القراءات عن أبي محمد عبد الوهاب بن السلار، وأبي العباس أحمد بن إبراهيم بن الطحان، والشيخ أحمد بن رجب، والشيخ إبراهيم الحموي، وأبي المعالي بن اللبان، وأبي عبد الله محمد بن صالح والإمام بالمدينة الشريفة، وأبي بكر عبد الله بن الجندي، والعلامة أبي عبد الله محمد ابن الصائغ، وأبي محمد عبد الله بن البغدادي، وغيرهم. وسمع الحديث من أصحاب الدمياطي، والأبرقوهي، والفخر بن البخاري. وأخذ الفقه عن الإسنويّ وغيره، وقرأ الأصول والمعاني والبيان على الشيخ. ضياء الدين سعد الله القزويني: وأذن له في الإفتاء الحافظ عماد الدين بن كثير، والشيخ سراج الدين البلقيني، وولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح بدمشق، وولي قضاء الشام سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة. ثم دخل مملكة الروم لما ناله من الظلم فاتصل بملكها أبي يزيد (¬2) بن ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 46، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 395، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 94 أ. (¬2) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي، والضوء اللامع. وفي طبقات القراء لابن الجزري: «با يزيد بن عثمان».

عثمان فأكرمه وانتفع به أهل الروم، فلما دخل تيمورلنك إلى الروم، وقتل ملكها، اتصل بتيمور ودخل معه بلاد العجم، وولي قضاء شيراز، وانتفع به أهلها في القراءة والحديث، وكان إماما في القراءات لا نظير له في عصره، حافظا للحديث وغيره أتقن منه فيه. وألف «النشر في القراءات العشر» ومختصرة «التقريب» و «تحبير التيسير في القراءات العشرة»، «طبقات القراء» جمع فيه فأوعى و «شرح المصابيح» في ثلاثة أسفار، وألف في التفسير، والحديث، والفقه، والعربية، وله تخاريج في الحديث وعمل، وصفه الحافظ ابن حجر بالحفظ في مواضع عديدة من «الدرر الكامنة». ونظم «غاية المهرة في الزيادة على العشرة» ونظم «طيبة النشر في القراءات العشر» و «الجوهرة» في النحو، و «المقدمة فيما على القارئ أن يعلمه» وقصيدة سماها «التذكار في رواية أبان العطار». مات سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. 431 - محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح بن أزهر أبو منصور الأزهريّ الشافعيّ (¬1). الإمام في اللغة. ولد بهراة سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وأخذ عن الربيع بن سليمان، وسمع بهراة من الحسين بن إدريس، ومحمد عبد الله الشافعي، وطائفة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 960، روضات الجنات للخوانساري 175، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 63، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 12 أ، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 5، اللباب لابن الأثير 1/ 38، معجم الأدباء لياقوت 6/ 297، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 111، النجوم الزاهرة 4/ 139، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 45، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 458.

ثم رحل إلى بغداد، فسمع أبا القاسم البغويّ، وأبا بكر بن أبي داود، وإبراهيم بن عرفة نفطويه، وابن السّرّاج، وأبا الفضل المنذيريّ، وعبد الله ابن عروة وغيرهم. وروى عنه أبو يعقوب القرّاب، وأبو ذرّ عبد (¬1) بن أحمد، وأبو عثمان سعيد القرشيّ، والحسين الباشانيّ، وعلي بن أحمد خمروزيه، وغيرهم. وكان إماما في اللغة، بصيرا في الفقه، عارفا بالمذهب، عالي الإسناد، ثخين الورع، كثير العبادة والمراقبة، شديد الانتصار لألفاظ الشافعي، متحريا في دينه. أدرك ابن [دريد (¬2)] وامتنع أن يأخذ عنه اللغة (¬3). وقد حمل عنه اللغة جماعة، منهم أبو عبيد الهرويّ صاحب الغريبين. ومن مصنفاته «التهذيب» الذي جمع فيه فأوعى في عشرة مجلدات، و «التقريب» في التفسير، و «تفسير، ألفاظ مختصر المزني» و «علل القراءات» وكتاب «الروح وما ورد فيها من الكتاب والسنة» و «تفسير الأسماء الحسنى» و «تفسير إصلاح المنطق» و «تفسير السبع الطّول» (¬4) و «شرح شعر ديوان أبي تمام» و «الأدوات». وأسرته القرامطة، فحكى عن نفسه أنه وقع في أسر عرب نشأ وافى البادية، يتبعون مساقط الغيث أيام النّجع، ويرجون إلى أعداد المياه في ¬

_ (¬1) في الأصل: عبد الرحمن. وما أثبتنا عن المشتبه وتاريخ الاسلام والشذرات وتذكرة الحفاظ للذهبي وطبقات الشافعية للسبكي. (¬2) من طبقات الشافعية للسبكي، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة. (¬3) في طبقات النحاة لابن قاضي شهبة: «ولم يأخذ عن أبي بكر بن دريد تدينا وتورعا لأنه رآه سكرانا». (¬4) السبع الطول: من البقرة الى الأعراف، والسابعة سورة يونس أو الأنفال وبراءة جميعا، لأنها سورة واحدة عند الجوهري. القاموس (ط ول).

محاضرهم زمن القيظ، ويتكلمون بطباعهم البدوية، ولا يوجد في منطقهم لحن أو خطأ فاحش، قال فبقيت في أسرهم دهرا طويلا، واستفدت منهم ألفاظا جمّة. توفى بهراة في شهر ربيع الآخر سنة سبعين وثلاثمائة. أخبرني القاضي زين الدين عبد الغني (¬1) بن شيخ الإسلام علامة أوانه، قاضي المالكية شمس الدين محمد البساطي، والخطيب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن [محمد بن (¬2)] قدامة الحنبلي، وخاتمة المسندين أمة الخالق بنت عبد اللطيف العقبى تسويغا، عن أم عبد الله عائشة بنت محمد بن عبد الهادي، عن أبي العباس بن أبي طالب، عن ابن عمر، أنبأنا عبد الأوّل ابن عيسى أنبأنا علي بن أحمد خميرويه، حدثنا محمد بن أحمد بن الأزهر إملاء، حدثنا عبد الله بن عروة، حدثنا محمد بن الوليد، عن غندر، عن شعبة، عن الحكم، عن علي بن الحسين، عن مروان بن الحكم، قال: شهدت عليا وعثمان، فنهى عثمان عن التمتع، وأن يجمع بينها، فلما رأى ذلك عليّ أهل بهما، فقال: لبّيك بحجّة وعمرة. فقال عثمان: تراني أنهي الناس، وأنت تفعله؟ فقال: لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس. قال الحافظ الذهبي: إسناده صحيح. وهو شيء غريب، إذ فيه رواية عليّ بن الحسين، عن مروان، وفيه تصويب مروان اجتهاد عليّ على اجتهاد عثمان رضي الله عنهما، مع كون مروان عثمانيا. وجد على أصل كتاب «التهذيب» بخط الأزهري: وإنّ عناء تعلّم جاهلا ... ويحسب جهلا أنه منك أعلم متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وآخر يهدم فكيف بناء خلفه ألف هادم ... وألف وألف ثم ألف وأعظم ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في الضوء اللامع للسحاوي 4/ 255. (¬2) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل، أكملته من الكواكب السائرة 1/ 19.

432 - محمد بن أبي سعد أحمد بن الحسن بن علي أحمد بن سليمان أبو الفضل البغدادي ثم الأصبهاني. من بيت العلم والحديث، كان واعظا عالما فصيحا عارفا بالتفسير. روى عن ابن فاذشاه، وابن زيد. وعنه الحافظ أبو سعد. مات في صفر سنة ثمانين وأربعمائة. 433 - محمد بن أحمد بن حسنويه أبو أحمد الزاهد الحسنوييّ (¬1). كان فاضلا عالما زاهدا. سمع أبا بكر بن خزيمة، وأبا العباس السراج، وأقرانهما. قال الحاكم: كان من كبار مشايخ التصوف، ذا لسان وبيان، وكان مقدّما في معاني القرآن. مات في جمادى الأولى سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. محمد (¬2) بن أحمد بن عثمان بن عمر التونسي العلامة أبو عبد الله الوانوغي (¬3). نزيل الحرمين. كان عالما بالتفسير والأصلين العربية والفرائض والحساب والجبر والمقابلة والمنطق، ومعرفته بالفقه دون غيره. ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة بتونس، ونشأ بها، وسمع من مسندها أبي الحسن بن أبي العباس البطرني خاتمة أصحاب ابن الزبير بالإجازة، وسمع أيضا من ابن عرفة، وأخذ عنه الفقه والتفسير والأصلين والمنطق، وعن ¬

_ (¬1) له ترجمة في: اللباب لابن الأثير 1/ 300. (¬2) سبقت ترجمته برقم 428. (¬3) له ترجمة في: ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 277، الضوء اللامع للسحاوي 7/ 3، كشف الظنون لحاجي خليفة 92، نيل الابتهاج للسبتي 268.

الولي بن خلدون الحساب والهندسة. والأصلين والمنطق والنحو عن أبي العباس البصار. وكان شديد الذكاء، سريع الفهم، حسن الإيراد للتدريس والفتوى، وإذا رأى شيئا وعاه وقرّره وإن لم يعتن به. وله «تأليف على قواعد ابن عبد السلام»، و «عشرون سؤالا في العلم» تشهد بفضله، بعث بها إلى القاضي جلال الدين البلقيني فأجاب عنها، فرد ما قاله البلقيني. وكان يعاب عليه إطلاق لسانه في العلماء ومراعاة السائلين في الإفتاء. مات رحمه الله بمكة المشرفة في سحر يوم الجمعة تاسع عشري من شهر ربيع الآخر، سنة تسع عشرة وثمانمائة. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 434 - محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح- بسكون الراء والحاء المهملة- الأنصاري الخزرجي المالكي أبو عبد الله القرطبي (¬1). مصنف «التفسير» المشهور، الذي سارت به الركبان. كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة، أوقاته معمورة ما بين توجّه وعبادة وتصنيف، جمع في تفسير القرآن كتابا كبيرا في خمسة عشر مجلدا، سماه كتاب «جامع أحكام القرآن والمبيّن لما تضمنه من السنة وآي القرآن (¬2)، وهو من أجلّ التفسير وأعظمها نفعا، أسقط منه القصص ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 317، طبقات المفسرين للسيوطي 28، نفح الطيب للمقري 2/ 110، هدية العارفين للبغدادي 2/ 129، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 122. (¬2) كذا في الأصل، والديباج المذهب لابن فرحون، واسمه في كشف الظنون: «جامع أحكام القرآن والمبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان»، وهو أولى.

والتواريخ، وأبت عوضها أحكام القرآن، واستنباط الأدلة، وذكر القراءات، والإعراب، والناسخ والمنسوخ، وله «شرح الأسماء الحسنى» وكتاب في مجلدين سمّاه «الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» وكتاب «التذكار في أفضل الأذكار» وضعه على طريقة «التبيان» للنووي لكن هذا أتم منه وأكثر علما، وكتاب «التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» وكتاب «شرح التقصّي» وكتاب «قمع الحرص بالزهد والقناعة ورد ذل السؤال بالكتب والشفاعة». قال ابن فرحون: لم أقف على تأليف أحسن منه في بابه، وله «أرجوزة» جمع فيها أسماء النبي صلّى الله عليه وسلم، وله تآليف وتعاليق مفيدة غير هذه. وكان طارح التكلف، يمشي بثوب واحد وعلى رأسه طاقية. سمع من ابن رواج، ومن ابن الجميزي، والشيخ أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي شارح «مسلم» بعضه، وأبي علي الحسن بن محمد بن محمد البكري الحافظ، وغيرهم. وروى عنه ولده شهاب الدين أحمد. قال الذهبي: إمام متقن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة، تدل على إمامته وكثرة اطلاعه ووفور فضله، كان مستقرا بمنية بني خصيب من الصعيد الأدنى، وبها توفى في ليلة الاثنين التاسع من شوال سنة إحدى وسبعين وستمائة. 435 - محمد بن أحمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بكر ابن علي القرشي المقري ويكنى أبا عبد الله (¬1). قاضي الجماعة بفاس، تلمساني، هذا الرجل مشار إليه بالعدوة الغربية اجتهادا ودءوبا وحفظا وعناية واطلاعا ونبلا ونزاهة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 288.

سليم الصدر، محافظ على العمل، حريص على العبادة، قائم على علم العربية والتفسير أتم القيام. ويحفظ الحديث، ويتفجر بحفظ الأخبار والتاريخ والآداب، ويشارك مشاركة فاضلة في الأصلين والجدل والمنطق. وله شعر جيد، ويتكلم في طريق الصوفية كلام أرباب المعالي، ويعتني بالتدوين فيها؛ حجّ ولقي جلة، ثم عاد إلى بلده، فأقرأ به وانقطع إلى خدمة العلم، فلما ولي السلطان أبو عنان المغرب، ولاه قضاء الجماعة بفاس، فاستقل بذلك أعظم الاستقلال، وأنفذ الحق وألان الكلمة، وآثر التشديد. قرأ العلم واستفاد على الإمامين العالمين الراسخين، أبي زيد عبد الرحمن، وأبي موسى عيسى، ابني (¬1) الإمام الحافظ ناصر الدين موسى عمران بن موسى بن يوسف المشدالي، وكان رحمه الله نسيج وحده في المتأخرين، وعلى قاضي الجماعة بتلمسان أبي عبد الله محمد بن منصور بن هدية القرشي، من ولد عقبة بن عامر الفهري، وغيرهم من المشايخ الجلة. وألف «كتابا يشتمل على أزيد من مائة مسألة فقهية» ضمنها كل أصل من الرأي والمباحثة، ودون في التصوف «إقامة المريد ورحلة المتبتل» وكتاب «الحقائق والرقائق». قال ابن الخطيب: اتّصل بنا نعيه في شهر محرم عام تسعة وخمسين وسبعمائة، وأراه توفي في ذي الحجة من العام قبله. أورده ابن فرحون. ¬

_ (¬1) في الأصل: «وأبي موسى عيسى بن الإمام وعلي الامام العالم الحافظ ناصر الدين» والمثبت في الديباج لابن فرحون، ولعله الصواب.

436 - محمد بن أحمد بن عبد الله أبو بكر بن خوازمنداد (¬1). ويقال خويزمنداد. قال ابن فرحون: ورأيت على كتبه بخطه: محمد بن أحمد بن إسحاق أبو عبد الله، تفقه على الأبهري، وله «كتاب كبير في الخلاف» و «كتاب في أصول الفقه» و «كتاب في أحكام القرآن». وعنده شواذ عن مالك، وله اختيارات كقوله في أصول الفقه: العبيد لا يدخلون في خطاب الأحرار، وأن خبر الواحد يوجب العلم، وفي بعض مسائل الفقه حكاية عن مالك في التيمم أنه يرفع الحدث، ولم يكن بالجيد النظر، ولا قوي الفقه. وقد قال فيه أبو الوليد الباجي: لم أسمع له في العراق ذكرا، وكان يجانب الكلام وينافر أهله، حتى يؤدّي ذلك إلى منافرة المتكلمين من أهل السنة، ويحكم على الكل منهم بأنهم من أهل الأهواء، الذين قال مالك في منكحتهم وشهادتهم وإمامتهم، ما قال. 437 - محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن بحير بن صالح بن عبد الله ابن أسامة أبو طاهر الذهلي القاضي السدوسي البصري البغدادي المالكي (¬2). ولي قضاء البصرة، وواسط، ودمشق، ومصر، وكان أبوه ولي قضاء البصرة، وواسط، وكان يستخلف ولده هذا. دخل أبو طاهر مصر سنة أربعين وثلاثمائة، وحج منها وعاد إليها، وتولى القضاء بها، ولم يتول قضاء مصر أحد من القضاة الذين تولوا قضاء بغداد غيره، وغير يحيى بن أكثم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 1/ 323، الديباج المذهب لابن فرحون 268، لسان الميزان 5/ 291، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 52. (¬2) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 314، العبر 2/ 344، قضاة دمشق لابن قطلوبغا 34، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 130، الولاة والقضاة للكندي 160.

روى أبو طاهر عن أبي غالب علي بن أحمد بن النضر، وإسحاق بن خالويه، والحسين بن الكميت، وأبي مسلم الكجي، وأبي خليفة الفضل بن الحباب، وجعفر بن محمد الفريابي، ويوسف بن يعقوب القاضي، وجماعة كثيرة من الأعيان. قال ابن زولاق: وكان أبو طاهر كثير الحديث والأخبار، واسع المذاكرة، قد عنى به أبوه فسمعه في سنة سبع وثمانين ومائتين، فأدرك جماعة منهم علي بن محمد السمسار، وعبد الله بن الإمام أحمد، وغيرهما. وحدّث ببغداد يسيرا، ونزل مصر فحدّث بها وأكثر، وكتب عنه عامة أهلها. وسمع منه الحافظ أبو الحسن الدارقطني، وأبو أسامة الهروي، والحافظ عبد الغني بن سعيد، وأبو العباس الصيرفي، وخلائق لا يحصون كثرة. وذكره ابن ماكولا فقال: كان ثقة ثبتا كثير السماع فاضلا، وكان من بيت جليل في الحديث والقضاء، وكان يذهب إلى قول مالك بن أنس، وربما اختاره، وكان من أهل القرآن والعلم والأدب مفننا في علوم. وله «كتاب في الفقه» أجاب فيه عن مسائل «مختصر المزني» على قول مالك بن أنس، واختصر «تفسير الجياني» و «تفسير البلخي» وكان يخالف قول مالك في الحكم باليمين مع الشاهد، ويحكى أن أباه وإسماعيل القاضي كانا لا يحكمان به، وكانا مالكيين، وكان إذا شهد عنده الشاهد الواحد ليس معه سواه رد الحكم، ومما استحسن من كلامه أنه تلقى الخليفة المعز لدين الله بالإسكندرية وهو أحد الخلفاء العبيديين، وكان مع الخليفة قاضيه النعمان بن محمد، فلما جلس أبو طاهر عنده سأله الخليقة عن أشياء، منها: أنه قال له: كم رأيت من خليفة؟ فقال: واحدا، فقال: ومن هو؟ فقال: أنت، والباقي ملوك.

ثم قال: أحججت؟ قال: نعم، فقال: وزرت؟ قال: نعم قال: سلمت على الشيخين؟ قال: شغلني عنهما النبيّ صلّى الله عليه وسلم، كما شغلني أمير المؤمنين عن وليّ عهده، فأرضى الخليفة وتخلص من وليّ عهده، وكان لم يسلم عليه بحضرة الخليفة، فازداد به الخليفة عجبا، وخلع عليه، وأبقاه على ولايته، وأجازه بعشرة آلاف درهم. وأقام النعمان بن محمد بمصر لا ينظر في شيء اختيارا، ولما أسن وضعف عزله العزيز بالله، وولي ابن النعمان، فكانت ولاية أبي الطاهر ست عشرة سنة، وقيل ثمان عشرة سنة، بل استعفى قبل موته بيسير. ومولده سنة تسع وسبعين ومائتين، وهي سنة النجباء، ولد فيها هو وجعفر بن الفرات، والحسين بن القاسم بن عبيد الله، وغيرهم. وقال رحمه الله: كتبت العلم بيدي ولي تسع سنين. وتوفي بمصر سنة سبع وستين وثلاثمائة، وله ثمان وثمانون سنة، وقيل غير ذلك. ذكره القاضي عياض رحمه الله. 438 - محمد بن أحمد بن عبد الله هلال بن عبد العزيز بن عبد الكريم ابن عبد الله بن حبيب أبو بكر السلمي الجبنيّ الأطروش (¬1). شيخ القراء بدمشق. ولد سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. أخذ القراءة عرضا عن أبيه، وابن الأخرم، وجعفر بن أبي داود، وأحمد ابن عثمان السباك، والحسين بن محمد بن علي بن عتاب، ومحمد بن أحمد ابن عتاب. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 84، طبقات القراء للذهبي 1/ 299.

أخذ القراءة عنه عرضا علي بن الحسن الربعي، ومحمد بن الحسن الشيرازي، وأحمد بن محمد بن يزده الأصبهاني، ورشاء بن نظيف، وأبو علي الأهوازي، وقال عنه في «الإيضاح»: وما خلت دمشق قط من إمام كبير في قراءة الشاميين يسافر إليه فيها، وما رأيت بها مثل أبي بكر السلمي، من ولد أبي عبد الرحمن السلمي، إماما في القراءة ضابطا للرواية، قيّما بوجوه القراءات، يعرف صدرا من التفسير، ومعاني القراءات. قرأ على سبعة من أصحاب الأخفش، له منزلة في الفضل والعلم والأمانة والورع والدين والتقشف والصيانة. قال ابن الجزري في «القراء»: وكان أبوه يؤم بمسجد تل الجبن بدمشق، ولهذا قيل له الجبنى. مات في سابع ربيع الآخر سنة ثمان. وقال الأهوازي، وهو الأصح: سنة سبع وأربعمائة، ودفن خارج الباب الصغير من دمشق، وقد جاوز الثمانين. 439 - محمد بن أحمد بن عبد الله النحوي من أهل المرية يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن اللجالش (¬1) 111. رحل إلى المشرق، واستوطن مكة، وأخذ عن أبي المعالي الجويني، وكريمة المروزيّة، وغيرهما. أخذ الناس عنه هنالك، وكان عالما بالأصول والنحو، مقدما في معرفتهما، وله اختصار في كتاب أبي جعفر الطبري في «تفسير القرآن». توفي في نحو التسعين وأربعمائة. ذكره ابن تشكوال في «الصلة». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 2/ 533.

440 - محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر أبو بكر الكناني الفقيه الشافعي عرف بابن الحداد (¬1). قاضي مصر. وقيل له أيضا ابن الحداد؛ لأن أحد أجداده كان يعمل الحديد ويصنعه، فنسب إليه. كان من أعيان الفقهاء المشهورين، وهو صاحب «الفروع» المشهورة على مذهب الشافعي. حدّث عن أبي عبد الرحمن النسائي، ومحمد بن عقيل، وأبي الزّنباع روح بن الفرج، والحسن بن علي بن زولاق، وعبد الله بن أحمد الخفاف، ومحمد بن جعفر بن لإمام، ومحمد بن جعفر بن أعين، وكتب علم أبي عبد الرحمن النسائي وعول عليه، وأخذ عنه علم الحديث، وأخذ علم القضاء عن عبيد علي بن الحسين بن حربويه وسار عنه رسولا إلى بغداد في سنة عشر وثلاثمائة، ولقي بها محمد بن حرير الطبري، وأبا سعيد الإصطخري، وابن الصيرفي، ونفطويه. قال ابن يونس: وكان فيه بأو وفصاحة لسان، وكان يحسن النحو والفرائض، وكتب الحديث، وكان حافظا للفقه على مذهب الشافعي. وقال أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن زولاق: كان فقيها عالما متعبدا، يحسن علوما كثيرة، منها علم القرآن، وعلم الحديث، والأسماء والكنى ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 899، طبقات الشافعية للاسنوي 64، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 79، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 10 أ، طبقات الشيرازي 93، طبقات العبادي 65، العبر 2/ 264، مرآة الجنان لليافعي 2/ 336، المقفى لليافعي 1/ 100، والترجمة فيه بالنص، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 313، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 69، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 336.

للرواة، والنحو واللغة، واختلاف العلماء وأيام الناس، وسير الجاهلية والعرب، والأنساب، ويحفظ شعرا كثيرا، ويختم كل يوم وليلة ختمة قائما. ويصوم يوما ويفطر يوما، ويختم يوم الجمعة ختمة أخرى قبل الصلاة في ركعتين. وكان حسن الثياب رفيعها، حسن المركوب، طويل اللسان، غير مطعون عليه في لفظ ولا فعل، مجمع على صيانته وطهارته. عمل «كتاب أدب القضاء» في أربعين جزءا وكتاب «الرائض في الفقه» في نحو مائة جزء وله كتاب «جامع الفقه» و «كتاب المسائل المنثورة» و «كتاب فضائل القرآن» و «كتاب الرد على محمد بن علي النسائي» و «كتاب استئذان البكر في تزويجها». وقال فيه أحمد بن علي الكحال من أبيات: كالشافعي تفقها والأصمعي ... تفهما والتابعين تزهدا وكان مولده لتسع بقين من شهر رمضان سنة أربع وستين ومائتين. وتوفى في منصرفه من الحج في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة بمنية جريج على باب مدينة مصر. أورده المقريزي في «المقفى». 441 - محمد بن أحمد محمد بن عبد الله بن سحمان جمال الدين أبو بكر الوائلي البكري الأندلسي المعروف بالشريشي المالكي النحوي (¬1). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ علماء بغداد للسلامي 177، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 19، نفح الطيب 2/ 131، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 131.

ولد بشريش في العشرين من صفر سنة إحدى وستمائة. وتفقّه وبرع في المذهب، وأتقن العربية والأصول والتفسير، وتفنن في العلوم. وطاف البلاد، فسمع بالإسكندرية من أبي عبد الله محمد بن عماد الحراني وبدمشق من مكرّم بن أبي الصقر، وابن الشيرازي. وبحلب من أبي البقاء يعيش بن علي النحوي، وبإربل من الفخر الإربليّ، وببغداد من القطيعيّ، وابن روزبه، وابن اللّتي، وياسمين بنت البيطار، وخلق. وجمع ودرس وأفتى، وعني بالحديث، وقال الشعر، ودرس بالرباط الناصريّ والنّورية وغيرهما، ودخل مصر ودرس بالفاضليّة، ثم القدس، ثم عاد إلى دمشق، وطلب لقضائها فامتنع. وتخرّج به ولده كمال الدين، وروى عنه، وابن العطار، وابن تيمية، والمزّيّ، والبرزاليّ، والذهبيّ. والقطب الحلبيّ، وابن الخبّاز. ومدحه العلم السخاوي بقصيدة، وكان من العلماء المتبحرين في الفقه على مذهب مالك ورعا زاهدا. وصنف «كتابا في الاشتقاق» و «شرحا جليلا على ألفية ابن معط». ومات يوم الاثنين الرابع والعشرين من شهر رجب سنة خمس وثمانين وستمائة بدمشق.

ومن شعره: الجدّ يدرك ما لا يدرك الطلب ... والجد من دون جد كله تعب (¬1) وكل شيء فبالأقدار موقعه ... ما للامور سوى أقدارها سبب إن الأمور إذا ما الله يسرها ... أتتك من حيث لا ترجو وتحتسب وكل ما لم يقدره الإله فما ... يفيد حرص الفتى فيه ولا النصب ثق بالإله ولا تركن إلى أحد ... فالله أكرم من يرجى ويرتقب وسحمان بسين مهملة مضمومة وجاء مهملة ساكنة بعدها ميم ثم نون. أورده شيخنا في «طبقات النحاة». 442 - محمد بن أحمد بن الضياء محمد بن العز محمد بن عمر بن سعيد ابن محمد بن محمد بن عمر بن يوسف بن علي بن إسماعيل الإمام العالم القاضي بهاء الدين أبو البقاء الحنفي العمري المكي (¬2). ولد سنة تسع وثمانين وسبعمائة. وتفقه بوالده، وقارئ الهداية، وأخذ عن العز بن جماعة، والشمس المعيد، وجماعة، إلى أن ضرب في العلوم بنصيب وافر، وانفرد بالشيخوخة في مذهبه في بلاد الحجاز؛ وولي قضاء مكة. وصنف كتبا منها «تفسير القرآن» و «شرح البزدوي» و «شرح مقدمة الغزنوي»، و «الشافي في اختيار الكافي»، ومناسك [الحج] (¬3) في ثلاث مجلدات، و «تنزيه المسجد الحرام عن بدع جهلة العوام». مات في ذي القعدة سنة أربع وخمسين وثمانمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: نظم العقيان للعقبان 137. (¬2) من نظم العقيان للسيوطي. (¬3) من نظم العقيان للسيوطي.

ذكره شيخنا في كتابه «العقيان في أعيان الأعيان». 443 - محمد بن أحمد بن المجيد القرنبيّ الزاهدي الحنفي سراج الدين (¬1). أحد الأئمة، تخرج به علماء، كان هذا الرجل حافظا واعظا مفتيا مفسرا مدققا محققا. تفقه ببخارى على العلامة أبي الوجد محمد بن عبد الستار الكروري (¬2). وتوفي ببخارى في رمضان سنة ست وخمسين وستمائة، ودفن بمقبرة أهل الجنة ظاهر كلاباذ. والقرنبيّ بقاف ونون وموحدة كذا ذكره الذهبي في «المؤتلف (¬3)». قال القرشي في «طبقات الجنة»: ورأيت هذه النسبة بخط بعضهم مضبوطة بفتح القاف. 444 - محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الإسعردي ثم الدمشقيّ (¬4). نزيل القاهرة الإمام العلامة شمس الدين بن اللبان الشافعيّ المصريّ. سمع الحديث بدمشق من أبي حفص عمر بن غدير بن القوّاس، والشرفين الحافظين أبي الحسين اليونيني، والدّمياطيّ، والفزاري. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الجواهر المضيئة للقرشي 2/ 22، المشتبه للذهبي 2/ 506. (¬2) في الأصل: «الكردي» تحريف، صوابه في الجواهر المضيئة، وتاج التراجم، وانظر ترجمته في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 64. (¬3) وهو كتابه «المشتبه» في الرجال. (¬4) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 428، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 420، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 121، ذيل العبر 271، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 213 (ط. الحسينية)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 85 أ، مرآة الجنان لليافعي 4/ 333، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 168.

وبثغر الإسكندرية من الشريف تاج الدين الغرّافي، وغيره. وخرّج له المحدّث شهاب الدين بن أيبك جزءا وحدّث به، وسأله مولده فقال: في العشر الأخير من شوال، سنة تسع وسبعين وستمائة بدمشق. وتفقه بابن الرفعة، وجمال الدين أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن سحمان الشّريشي، وأبي المعالي محمد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري، وصدر الدين محمد بن عمر بن مكي بن الوكيل. وأخذ العربية عن شيخ النحاة، والحنابلة، والقراء، شمس الدين محمد ابن أبي الفتح البعلي. وقرأ القراءات، «الشاطبية» على والده شيخ القراء، والصلحاء. وصحب في التصوف الشيخ ياقوت المقيم باسكندرية، صاحب الشيخ أبي العباس المرسي، صاحب الشيخ أبي الحسن الشاذلي. ودرس بقبة الإمام الشافعي، وبالخشابية. وله تصانيف مفيدة، منها: «ترتيب الأم» للامام الشافعي على مسائل الروضة، واختصر الأم في أربعة مجلدات ولم يبيضه، و «اختصر الروضة»، ولم يشتهر لغلاقة لفظه، وجمع «كتابا في علوم الحديث» و «كتابا في النحو» و «ألفية» ضمّنها أكثر فوائد «التسهيل» و «المقرب» لم يصنف مثلها في العربية، و «شرحها» و «ديوان خطب» وله «تفسير» لم يكمله، جاءت البقرة في مجلدين، وله كتاب «متشابه القرآن والحديث» تكلم فيه على بعض الآيات والأحاديث المتشابهة بكلام حسن على طريقة الصوفية، سماه «إزالة الشبهات عن الآيات والأحاديث المتشابهات». قال الإسنويّ: كان عارفا بالفقه، والأصلين، والعربية، أديبا، شاعرا، ذكيا، فصيحا، ذا همة وصرامة وانقباض عن الناس.

وقال الحافظ زين الدين العراقي: أحد العلماء الجامعين بين العلم والعمل، وكان يتكلم على الناس بجامع عمرو بن العاص وغيره، على طريقة الشاذلية، ثم امتحن بأن شهد عليه بأمور وقعت في كلامه، وأحضر إلى مجلس الجلال القزويني، وادعى عليه بذلك، وانتصر له ابن فضل الله إلى أن استنقذ، ومنع من الكلام على الناس، وتعصب عليه بعض الحنابلة. وتخرّج به جماعة من الفضلاء. وله أشعار رائقة منها: أحبة قلبي أنتم وحياتكم ... حياتي فمالي عيشة بسواكم أموت إذا غبتم وأنشر عند ما ... يبشرني ريح الصبا بلقاكم إذا كنتم روح الوجوه بأسره ... فكيف يعيش الصبّ عند جفاكم فان كان ذنبي حال بيني وبين ما ... يؤمله منكم نزيل قراكم مال سوى أني بكم قد أتيتكم ... وعادتكم أن تجبروا من أتاكم ومن شعره ما أورده في كتابه «المتشابه في الرّبانيات»: تشاغل عنّا بوسواسه ... وكان قديما لنا يطاب محبّ تناسى عهود الهوى ... وأصبح في غيرنا يرغب ونحن نراه ونملي له ... ويحسبنا أننا غيّب ونحن إلى العبد من نفسه ... ووسواس شيطانه أقرب قال العثمان قاضي صفد: رأيته بمكة وقت صلاة الجمعة، وأمير الحاج يضرب الطائفين ويقول: اجلسوا للصلاة، فقام إليه، وأمسك بكتفه، وقال: نبيك قال: لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت أيّ ساعة، بليل أو نهار، فسقطت العصا من يد الأمير، وقبّل يد الشيخ، قال: فاتفق أنه لما خرج الخطيب، جلس الناس دفعة واحدة. توفي شهيدا بالطاعون في يوم الجمعة خامس عشر شوال، سنة تسع وأربعين وسبعمائة.

445 - محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة (¬1). الإمام الأوحد المحدّث الحافظ الحاذق الفقيه البارع المقرئ النحوي اللغوي ذو الفنون، شمس الدين المقدسي الحنبلي أحد الأذكياء. ولد في رجب سنة خمس وسبعمائة. وسمع من ابن عبد الدائم، والطبقة. وتفقه بابن مسلّم، وتردد إلى ابن تيمية؛ ومهر في الفقه والأصول والعربية. قال الصفديّ: لو عاش لكان آية، كنت إذا لقيته سألته عن مسائل أدبية وقواعد عربية فينحدر كالسيل، وكنت أراه يرافق المزي في أسماء الرجال ويرد عليه فيقبل منه. وقال ابن كثير: كان حافظا علامة ناقدا حصل من العلوم ما لا يبلغه الشيوخ ولا الكبار، وبرع في العلوم وكان جبلا في العلل والطرق والرجال، حسن الفهم جدا صحيح الذهن. قال المزي: ما لقيته إلا واستفدت منه، وكذا قال الذهبي أيضا. درس بالصدرية والضيائية. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 210، البدر الطالع للشوكاني 2/ 108، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1508، الدرر الكامنة 3/ 421، ذيل تذكرة الحفاظ 351، ذيل الحنابلة 2/ 436، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 161.

وصنّف شرحا على «التسهيل»، والأحكام في الفقه، والرد على السبكي في مسألة الزيادة، سماه «الصارم المنكي» و «المحرر في اختصار الإلمام» والكلام على أحاديث «مختصر ابن الحاجب» و «العلل» على ترتيب كتب الفقه، و «التفسير المسند» لم يتمه، واختصر «التعليق» لابن الجوزي، وزاد عليه. ومات في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وسبعمائة. ذكره شيخنا في «طبقات الحفاظ». 446 - محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد الامام العلامة أوحد الأئمة جلال الدين المحلي (¬1) الشافعي (¬2). ولد بمصر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، واشتغل وبرع في الفنون فقها وأصولا وكلاما ونحوا ومنطقا وغيرها، وأخذ عن البدر محمود الأقصرائي، والبرهان البيجوري، والعلاء البخاري، والعلامة شمس الدين بن البساطي، وغيرهم وكان علامة آية في الذكاء والفهم، وكان غرة هذا العصر في سلوك طريق السلف، على قدم من الصلاح والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وظهرت له كرامات كثيرة، وأحوال خارقة، وعرض عليه القضاء الأكبر فامتنع، وولي تدريس الفقه بالمؤيدية، وكان متقشفا في ملبوسه ومركوبه، ويتكسب بالتجارة، وألف كتبا تشد إليها الرّحال، في غاية الاختصار والتحرر والتنقيح، وسلاسة العبارة وحسن المزج، والحل بدفع الإيراد. منها: شرح «جمع الجوامع في الأصول» و «شرح المنهاج» في الفقه، و «شرح الورقات» في الأصول، و «شرح بردة المديح» و «مناسك» ¬

_ (¬1) المحلى: نسبة الى المحلة الكبرى من الغربية (الضوء اللامع للسحاوي 7/ 39). (¬2) له ترجمة في: البدر الطالع للشوكاني 2/ 115، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 443، الضوء اللامع 7/ 39.

و «كتاب في الجهاد» ومنها أشياء لم تكمل «كشرح القواعد» لابن هشام و «شرح التسهيل» كتب منه قليلا جدا، و «حاشية على جامع المختصرات» و «حاشية على جواهر الإسنوي» وأجلّ كتبه التي لم تكمل «تفسير القرآن العظيم» كتب منه من أول الكهف إلى آخر القرآن. مات أول يوم من سنة أربع [وستين (¬1)] وثمانمائة. 447 - محمد بن أحمد بن محمد بن جزيّ الكلبي المالكي (¬2). يكنى أبا القاسم، من أهل غرناطة وزوي الأصالة والنباهة فيها. كان رحمه الله على طريقة مثلى من العكوف على العلم، والاشتغال بالنظر والتقييد والتدوين، فقيها حافظا قائما على التدريس، مشاركا في فنون، من عربية، وأصول وقراءات وحديث وأدب، حفظة للتفسير، مستوعبا للأقوال، جمّاعة للكتب، ملوكي الخزانة، حسن المجلس، ممتع المحاضرة، صحيح الباطن، تقدم خطيبا بالمسجد الأعظم من بلده على حداثة سنه، فاتفق على فضله، وجرى على سنن اصالته. قرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير، وأخذ عنه العربية والفقه والحديث والقراءات، ولازم الخطيب الفاضل أبا عبد الله بن برطال، والأستاذ النظار المتفنن أبا القاسم قاسم بن عبد الله بن الشاط (¬3). ¬

_ (¬1) من مصادر الترجمة. (¬2) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 446، الديباج المذهب لابن فرحون 295، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 83، نفح الطيب للمقري 5/ 114. (¬3) في الأصل: «ابن المشاط» والمثبت في: الديباج المذهب، ونفح الطيب للمقري. وابن الشاط هو: قاسم بن عبد الله بن محمد بن الشاط الأنصاري نزيل سبته، يكنى أبا القاسم، قال: والشاط، اسم لجدي، وكان طوالا فجرى عليه هذا الاسم، مولده في عام 643، ومات سنة 723 هـ (الديباج المذهب لابن فرحون 225).

وألف الكثير في فنون شتى منها كتاب «وسيلة المسلم في تهذيب صحيح [مسلم (¬1)]» وكتاب «الأنوار السنية في الكلمات السنّية» وكتاب «الدعوات والأذكار المخرجة من صحيح الأخبار» وكتاب «القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية» و «التنبيه على مذهب الشافعية والحنفية» وكتاب «تقريب الوصول إلى علم الأصول» وكتاب «النور المبين في قواعد عقائد الدين» وكتاب «المختصر البارع في قراءة نافع» وكتاب «أصول القراء الستة غير نافع» وكتاب «الفوائد العامة في لحن العامة» إلى غير ذلك مما قيده من التفسير والقراءات وغير ذلك. وله فهرسة كبيرة اشتملت على جملة كثيرة من أهل المشرق والمغرب. ومن شعره: لكلّ بني الدّنيا مراد ومقصد ... وإن مرادي صحّة وفراغ (¬2) لأبلغ في علم الشريعة مبلغا ... يكون إلى بر الجنان بلاغ ففي مثل هذا فلينافس أو لو النهى ... وحسبي من الدنيا الغرور بلاع فما الفوز إلا في نعيم مؤبّد ... به العيش رغد والشراب يساغ وله في الجناب النبوي صلى الله عليه وسلم: أروم امتداح المصطفى ... قصوري عن إدراك تلك المناقب (¬3) ولو أنّ كلّ العالمين تألفوا ... على مدحه لم يبلغوا بعض واجب فأمسكت عنه هيبة وتأدبا ... وخوفا وإعظاما لأرفع جانب وربّ سكوت كان فيه بلاغة ... وربّ كلام فيه عتب لعاتب ¬

_ (¬1) من الديباج المذهب، ونفح الطيب للمقري. (¬2) الأبيات في الديباج المذهب لابن فرحون، ونفح الطيب للمقري. (¬3) المصدران السابقان.

وله: يا ربّ إن ذنوبي اليوم قد كثرت ... فما أطيق لها حصرا ولا عددا (¬1) وليس لي النّار من قبل ... ولا أطيق لها صبرا ولا جلدا فانظر إلهي إلى ضعفي ومسكنتي ... ولا تذيقنّني حرّ الجحيم غدا توفي شهيدا يوم الكائنة في عام إحدى وأربعين وسبعمائة. أورده ابن فرحون في «الطبقات». 448 - محمد بن أحمد بن محمود العلامة أبو الثناء الريحاني الحنفي. صاحب التفسير. كان بحرا من بحور العلم وهو والد قاضي القضاة عز الدين. سمع الحديث من جماعة، وقتلته التتار ببغداد في سنة ست وخمسين وستمائة، عن تسع وسبعين سنة. هذه الترجمة ليست من «طبقات القرشي» وإنما نقلتها من حاشية على الهامش بخط العلامة قاضي الحنفية محب الدين بن الشحنة، وعزاها «لطبقات الحنفية» لابن دقماق، وكتب بجانبها ما نصه: أخشى أن تكون هذه ترجمة محمود بن أحمد بن محمود فاشتبهت عليه. 449 - محمد بن أحمد بن منصور أبو بكر الخياط النحويّ (¬2). قال [ياقوت (¬3)] أصله من سمرقند، وقدم بغداد، وكان يخلط نحو البصريّين بالكوفيين، وناظر الزّجاج. أخذ عنه الزّجاج والفارسيّ. ¬

_ (¬1) نفس المصدرين. (¬2) أنظر ترجمته في: انباه الرواة للقفطي، 3/ 54، الفهرست لابن النديم 81، معجم الأدباء لياقوت 6/ 283، نزهة الألباء للأنباري 247، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 88. (¬3) أنظر ترجمته في: انباه الرواة للقفطي، 3/ 54، الفهرست لابن النديم 81، معجم الأدباء لياقوت 6/ 283، نزهة الألباء للأنباري 247، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 88.

وكان حميد الأخلاق، طيب العشرة. صنّف «معاني القرآن» و «النحو الكبير» و «المقنع في النحو» و «الموجز فيه» ومات سنة عشرين وثلاثمائة. أورده شيخنا في «طبقات النحاة». 450 - محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري (¬1). من علماء الشيعة والروايات والفقه. من كتبه «النوادر»، «وما نزل من القرآن» ........ (¬2) 222 451 - محمد بن أحمد أبو سعيد العميدي الأديب النحوي اللغوي (¬3). قال أبو الحسن علي بن يوسف القفطي في كتاب «تاريخ النحاة» كان فاضلا [مصنّفا (¬4)؛ سكن مصر، وولي بها ديوان الترتيب، سنة ثلاث عشرة وأربعمائة في أيام الظاهر لإعزاز دين الله أبي هاشم علي بن الحاكم بأمر الله، ثم ولي بها ديوان الإنشاء في أيام المستنصر عوضا من ابن خيران في صفر سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وولي بعده أبو الفرج الذهلي]. وله في الأدب مصنفات منها كتاب «تنقيح البلاغة» عشر مجلدات، وكتاب «الإرشاد إلى حل المنظوم» وكتاب «الهداية إلى نظم المنثور» ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الفهرست للطوسي 273، ترجمة مطولة، هدية العارفين للبغدادي 2/ 20. (¬2) بياض في الأصل قدر سطر، وقد جاءت ترجمة الأشعري في هدية العارفين 2/ 20 على هذا النحو: «محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري أبو جعفر، فاضل، توفي في حدود سنة 280 هـ. من تصانيفه: كتاب «ما نزل من القرآن»، وكتاب «النوادر». (¬3) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 46، معجم الأدباء لياقوت 6/ 328، المقفى للمقريزي ج 1 ورقة 115، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 75. (¬4) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل، وقد جاء على هذا النحو المذكور في المقفى للمقريزي ج 1 ورقة 115، والداودي هنا ينقل بالنص عنه.

وكتاب «انتزاعات القرآن» وكتاب «العروض» وكتاب «القوافي» وكتاب «سرقات المتنبي»، وهو كتاب حسن يدل على اطلاع كثير. روى عنه محمد بن محمود بن الدليل الصواف، والحسين بن أحمد النيسابوري. ومن شعره: منزلي منزل الكرام ونفسي ... نفس حر ترى المذلة كفرا (¬1) فاذا ما رضيت بالقرب دهري ... فلماذا أزور زيدا وعمرا توفى يوم الخميس لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين [وأربعمائة (¬2)]. ذكره المقريزي في «المقفى». 452 - محمد بن أسعد بن أحمد الزاكاني القزويني، خال الإمام الرافعي أبو عبد الله (¬3). فقيه مدرس مناظر مفسّر شروطي، حسن المنظر والمخبر والحظ، تلمذ له جماعة من خواص الفقهاء، وكان له جاه وقبول عند العوام والخواص. تفقه بقزوين مدة على والده وعلى [والد (¬4)] الإمام أبي القاسم الرافعي، ¬

_ (¬1) البيتان في المقفى للمقريزي، وليسا في انباه الرواة للقفطي، مع أن المقريزي في المقفى ينقل بدوره عن القفطي، وهذا مما جعلني أعتمد في ملء البياض هنا على المقريزي نفسه، ليس على القفطي. (¬2) عن المقفى للمقريزي. (¬3) له ترجمة في: تاريخ قزوين للرافعي 1/ 72. (¬4) عن تاريخ قزوين.

ثم بأصبهان، وسمع بهما الحديث، وسافر آخرا إلى همذان وناب بها في قضائها، وقابله أكابرها وحمدوه. وتوفي بها سنة تسع وثمانين وخمسمائة. 453 - محمد بن أسعد بن محمد بن نصر الحكيمي (¬1). عرف بابن حكيم. أبو المظفر العراقي الواعظ [فقيه (¬2)] أصحاب أبي حنيفة، نزيل دمشق. قال السمعاني: رأيته بها واجتمعت به، وبيننا مفاوضات. تفقه ببغداد على الحسين بن محمد بن علي الرئيس، وذكر أنه سمع ومن نور الهدى الزينبي، وأبي علي بن نبهان، وأخذ «المقامات» عن مصنفها الحريري. روى عنه أبو المواهب بن صصري، وأبو نصر الشيرازي، قال ابن ناصر: كذاب، ما سمع شيئا ببغداد ولا رأيناه مع أصحاب الحديث، وهو قاصّ يتسوّق عند العوام. قال السمعاني: ورأيت سماعه بخط من أثق به على أبي علي بن نبهان ولعله سمعه اتفاقا لا قصدا. توفي في المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة. قال ابن النجار [أخبرنا 122] إسماعيل بن سليمان السكري بدمشق، أنبانا أبو محمد عبد الخالق بن أسد بن ثابت الحنفي، قال: سألت أبا المظفر ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 53، الجواهر المضيئة للقرشي 2/ 32، الطبقات السنية ورقة 403 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 29، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 28، مرآة الجنان لليافعي 3/ 382، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 203. (¬2) عن الجواهر المضيئة.

محمد بن أسعد عن مولده فقال: في يوم الخميس السادس عشر من شهر ربيع الأول سنة أربع وثمانين وأربعمائة. قال ابن النجار: درس بدمشق بمدرسة طرخان ثم بنى له الأمير الواثق المعروف بمعين الدولة مدرسة، ودرس بالمدرسة الصادرية أياما، وظهر له قبول في الوعظ وصنّف «تفسيرا» وشرح «المقامات»، سمعت منه شيئا من شعره، وكان فسلا (¬1) في دينه، خليعا، قليل المروءة، ساقطا كذابا. قال ابن النجار: قرأت في كتاب الحسن بن محمد بن خسرو أبي عبد الله البلخي بخطه، أنشدني القاضي أبو المظفر محمد بن أسعد بن نصر العراقي لنفسه: الدهر يوضح عامدا ... فيلا ويرفع قدر نمله (¬2) فاذا تنبه للئا ... م وقام للنوام نم له وشرح «الشهاب» للقضاعي، ونظم «مختصر القدوري» قال الصلاح الكتبي: وذكر أنه سمع «المقامات» من مصنفها، وهو من شعراء «الخريدة» وأرخ وفاته بسنة ست وستين وخمسمائة، عن نيف وثمانين سنة. ومن نظمه: لما عصاني القلب عاتبته ... وقلت تبا لك من قلب أصبت جسمي بهوى معرض ... يجر ذيل التيه والعجب فقال لي طرفك فهو الذي ... قادك بحر العشق والحب فقال طرفي أنت أرسلتني ... وما على المرسل من عتب ¬

_ (¬1) الفسل: الرذل الذي لا مروءة له (القاموس: فسل). (¬2) البيتان في شذرات الذهب، والوافي بالوفيات للصفدي، وفي الطبقات السنية: «يخفض بدل «يوضع».

وله: يا مليحا كمل اللّ ... هـ له الحسن وأبدع هل لصب مستهام ... بك في وصلك مطمع إن يكن ذاك فاني ... في رياض الحسن أرتع أو أبيت الوصل والوع ... د فقل لي كيف أصنع ................ ................ (¬1) وأورد له الصّلاح الكتبي: (¬2) ألا هل لصّب بالشام متيم ... بحبّكم بين الأنام بلاغ له شغل بالحبّ عن كل شاغل ... وليس له عما عداه فراغ تجرع يوم البين كأس فراقكم ... فليس لكأس الصبر فيه مساغ 454 - محمد بن أبي بكر بن أحمد بن عمر الذّواليّ اليمنيّ الزّبيديّ (¬3). أبو عبد الله المعروف بالزّكيّ، بضم الزاي. قال الفاسي في «تاريخ مكة»: كان إماما عالما فاضلا متفننا. انتهت إليه الرئاسة باليمن في علم الأدب. وكان حسن الخلق، سليم الصدر، ¬

_ (¬1) بياض في الأصل قدر سطر، والمقطوعة في الطبقات السنية، وقد ورد البيت الرابع والخامس فيها بتقديم وتأخير هكذا: أو فاني أن تمنع ... ت بوعد منك أقنع أو أبيت الوصل والوع ... د فقل لي كيف أصنع (¬2) كذا ورد في الأصل، وهو يعني الصلاح الصفدي والأبيات في الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 203. (¬3) له ترجمة في: تاريخ قزوين للرافعي 1/ 75.

مشهورا بالخير والصلاح، ذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال له ما معناه: إنه من قرأ عليه دخل الجنة. وقد أخذ عنه لذلك غير واحد من أهل العلم. وقال الخزرجي في «طبقات أهل اليمين»: كان فقيها عارفا بالفقه والحديث والتفسير والنحو واللغة والعروض، قرأ النحو على ابن بصيص، وانتهت إليه رئاسة الأدب بعده. مات بمكة في آخر ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة. أورده شيخنا في «طبقات النحاة». 455 - محمد بن أبي بكر أحمد الإسفرايني أبو الحسن الأندقاني الصّوفي (¬1). توطن قزوين، وأعقب بها، وكان له قبول عند الأكابر والعوام، وحظ من التفسير والحديث والفقه والخلاف، وكتب بخطه على رداءته الكثير من كل فن [لحرصه (¬2) على الجمع، وروى «صحيح البخاري» كما روى «غريب الحديث» لأبي عبيد الكاتب، وروى «تنبيه الغافلين»، «ومسند الشهاب» للقضاعي، وسمع بقزوين «صحيح مسلم» من الأستاذ إبراهيم الشحاذي سنة ست وعشرين وخمسمائة]. 456 - محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعيد بن حريز الزّرعيّ ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي (¬3) الأصولي المفسّر النحوي العارف شمس الدين أبو ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ قزوين للرافعي 1/ 75. (¬2) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل، أكملته عن تاريخ قزوين، والداودي هنا ينقل بالنص عن تاريخ قزوين. (¬3) كذا في ذيل العبر، والدرر الكامنة، والوافي بالوفيات للصفدي، والنجوم الزاهرة. وفي الأصل: «الحنفي».

عبد الله بن قيّم الجوزيّة (¬1). ولد في سابع صفر سنة إحدى وتسعين وستمائة. سمع من شهاب الدين النابلسي العابر، والقاضي تقي الدين سليمان، وأبي بكر بن عبد الدائم، وأبي نصر بن الشيرازي، وعيسى المطعم، وفاطمة بنت جوهر، وجماعة. وتفقه في المذهب، وبرع وأفتى، ولازم الشيخ الإمام تقي الدين بن تيمية، وأخذ عنه الفقه والفرائض والأصلين. وقرأ العربية على المجد التونسي. وابن أبي الفتح البعلي، وكذا الأصلين على الصفي الهندي. وتفنن في علوم الإسلام، وكان عارفا بالتفسير لا يجارى فيه، وبأصول الدين، وإليه فيهما المنتهى، وبالحديث ومعانيه وفقهه، ودقائق الاستنباط منه، لا يلحق في ذلك، وبالفقه وأصوله، وبالعربية، وله فيها اليد الطولى، وبعلم الكلام وغير ذلك و [كان] (¬2) عالما بعلم السلوك، وكلام أهل التصوف، وإشاراتهم ودقائقهم، له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولى. وكان ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتأله ولهج بالذكر، وشغف بالمحبة، والإنابة والافتقار إلى الله، والانكسار له، والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته. قال ابن رجب: لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علما، ولا ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 234، البدر الطالع للسحاوي 2/ 143، الدرر الكامنة 4/ 21، ذيل الحنابلة 2/ 447، ذيل العبر 282، روضات الجنات للخوانساري 205، السلوك ج 2 ق 3 ص 834، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 10/ 249، الوافي بالوفيات 2/ 270. (¬2) من ذيل الحنابلة.

أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو بالمعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله. وقد امتحن وأوذي مرات، وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة بالقلعة، منفردا عنه ولم يفرج عنه إلا بعد موت الشيخ. وكان في مدة حبسه مستقلا بتلاوة القرآن العظيم بالتدبر والتفكر، ففتح عليه من ذلك خير كثير، وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسلط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف، والدخول في غوامضهم، وتصانيفه ممتلئة بذلك. وجاور بمكة، وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمرا يتعجب منه، وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه وإلى أن مات، وانتفعوا به، وكان الفضلاء يعظمونه، ويسلّمون (¬1) له، كابن عبد الهادي وغيره. وقال القاضي برهان الدين الزرعي: ما تحت أديم السماء أوسع [علما] (¬2) منه. ودرس بالصدرية، وأم بالجوزية مدة طويلة. وكتب بخطه ما لا يوصف كثرة. وصنف تصانيف كثيرة في أنواع العلم. وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه، واقتناء كتبه، واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره. فمن تصانيفه «تهذيب سنن أبي داود» وإيضاح مشكلاته. والكلام على ما فيه من الأحاديث المعلولة، مجلد، «سفر الهجرتين وباب السعادتين» ¬

_ (¬1) في ذيل الحنابلة: «ويتتلمذون له». (¬2) من ذيل الحنابلة.

مجلد ضخم، «مراحل السائرين بين منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» مجلدان، وهو شرح «منازل السائرين» لشيخ الإسلام الأنصاري، كتاب جليل القدر، «عقد محكم الإخاء بين الكلم الطيب والعمل الصالح المرفوع إلى رب السماء» مجلد، «شرح أسماء الكتاب العزيز» مجلد، «زاد المسافرين إلى منازل السعداء في هدى خاتم الأنبياء»، «زاد المعاد في هدى خير العباد» أربع مجلدات، وهو كتاب عظيم جدا، «جلاء الأفهام في ذكر الصلاة والسلام على خير الأنام» وبيان أحاديثها وعللها مجلد، «بيان الدليل على استغناء المسابقة عن التحليل» مجلد، «نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول» مجلد، «إعلام الموقعين عن رب العالمين» ثلاث مجلدات، «بدائع الفوائد» مجلدان، وهو كثير الفوائد، أكثره مسائل نحوية، «الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية» وهي، «القصيدة النونية في السنة» مجلد، «الصواعق المنزلة على الجهمية والمعطلة» في مجلد، «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» وهو كتاب «صفة الجنة» مجلد، «نزهة المشتاقين وروضة المحبين» مجلد، «الداء والدواء» مجلد، «المودود في أحكام المولود» مجلد، لطيف، «مفتاح دار السعادة» مجلد، «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الجهمية» مجلد، «الطرق الحكمية» مجلد، «رفيع اليدين في الصلاة» مجلد، «نكاح المحرم» مجلد، «تفضيل مكة على المدينة» مجلد، «فضل العلم» مجلد، «عدة الصابرين» مجلد، «الكبائر» مجلد، «حكم تارك الصلاة» مجلد، «حكم إغمام هلال رمضان»، «التحرير فيما يحل ويحرم من لباس الحرير»، «جوابات عابدي الصلبان، وأن ما هم عليه دين الشيطان» «بطلان الكيمياء من أربعين وجها» مجلد، «الكلم الطيب والعمل الصالح» مجلد لطيف، «الفتح القدسي»، «التحفة المكية»، «أمثال القرآن»، «أيمان القرآن»، «شرح الأسماء الحسنى»، «تفسير الفاتحة»، «المسائل الطرابلسية» ثلاث مجلدات، «الصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم» مجلدان، كتاب «الطاعون» مجلد لطيف،

«[نظم] (¬1) الرسالة الحلبية في الطريقة المحمدية»، «معاني الأدوات والحروف» وغير ذلك. توفي وقت عشاء الآخرة ليلة الخميس ثالث عشري شهري رجب سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، ودفن بمقبرة الباب الصغير. ذكره ابن رجب، ثم شيخنا في «طبقات النحاة». 457 - محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله ابن جماعة (¬2). الأستاذ العلامة المتفنّن عزّ الدين بن المسند، شرف الدين بن قاضي القضاة، عزّ الدين أبي عمرو بن القاضي بدر الدين ابن الشيخ المسلك برهان الدين الحمويّ الأصل، الشافعيّ الأصولي، المتكلّم الجدليّ النّظّار، النحويّ اللغويّ البيانيّ الخلافيّ. أستاذ الزمان، وفخر الأوان، الجامع لأشتات جميع العلوم. قال الحافظ ابن حجر: وقفت له على كرّاسة سمّاها: «ضوء الشمس في أحوال النفس» ترجم فيها نفسه، فذكر فيها أن مولده بينبع سنة تسع وخمسين وسبعمائة. وحفظ القرآن في شهر واحد، كل يوم حزبين، واشتغل بالعلوم على كبر، وأخذ عن السرّاج الهنديّ، والضياء القرميّ، والمحبّ ناظر الجيش، والرّكن القرميّ، والعلاء السّيراميّ، وجار الله الخطابي، وابن خلدون، والحلّاوي، ويوسف الندروميّ، والتاج السبكيّ، وأخيه البهاء، السراج البلقينيّ، والعلاء بن صغير الطبيب، وغيرهم. وأتقن العلوم، وبرع في الفنون، حتى صار المشار إليه بالدّيار المصرية في فنون المعقول، والمفاخر به علماء العجم في كلّ فنّ، والعيال عليه. ¬

_ (¬1) كشف الظنون لحاجي خليفة. (¬2) له ترجمة في: البدر الطالع للشوكاني 2/ 147، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 584، الضوء اللامع للسحاوي 7/ 171، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 113 ب.

وأقرأ وتخرج به طبقات من الخلق، وكان أعجوبة زمانه في التقرير؛ وليس له في التأليف حظّ؛ مع كثرة مؤلّفاته التي جاوزت الألف، فإن له على كل كتاب أقرأه التأليف والتأليفين والثلاثة، وأكثره ما بين شرح مطوّل ومتوسط ومختصر، وحواش ونكت، إلى غير ذلك. وكان قد سمع الحديث على جدّه، والبيانيّ، والقلانسيّ، والعرضيّ. وأجاز له أهل عصره، مصرا وشاما، وكان ينظم شعرا عجيبا، غالبه بلا وزن، وكان منجمعا عن بني الدنيا، تاركا للتعرض للمناصب، بارّا بأصحابه مبالغا في إكرامهم، يأتي مواضع النزه، ويمشي بين العوام ويقف على حلق المشاقفين ونحوهم، ولم يحجّ ولم يتزوّج، وكان لا يحدث إلا توضّأ، ولا يترك أحدا يستغيب عنده، مع محبة المزاح والفكاهة. واستحسان النادرة. وحضر عند الملك المؤيد شيخ في المجلس الذي عقد للشمس بن عطاء الله الهرويّ، فلم يتكلم؛ مع سؤالهم له، وسأله السلطان عن شيء من مؤلفاته في فنون الرمح والفروسيّة، فأنكر أن يكون له شيء من ذلك. وحصل له في دولته سوق. وكان يعرف علوما عديدة؛ منها الفقه، والتفسير، والحديث، والأصلان والجدل والخلاف، والنّحو والصرف، والمعاني والبيان والبديع، والمنطق والهيئة والحكمة، والزّيج، والطب، والفروسية، والرّمح والنشّاب والدّبوس، والثّقاف والرّمل، وصناعة النّفط، والكيمياء، وفنون أخر. وعنه أنه قال: أعرف ثلاثين علما لا يعرف أهل عصري أسماءها. وقال في «رسالته ضوء الشمس»: سبب ما فتح به عليّ من العلوم منام رأيته. ومن عيون مصنفاته في الأصول: «شرح جمع الجوامع»، «نكت عليه»، «ثلاث نكت على مختصر ابن الحاجب»، «حاشية على رفع

الحاجب»، «حاشية على شرح البيضاوي للإسنويّ»، «حاشية على شرحه للعبريّ»، «حاشية على شرحه للجار برديّ»، «حاشية على متن المنهاج» مختصرة، «حاشية على العضد». وفي النحو: «حاشية على شرح الألفية» لابن الناظم، «حاشية على التوضيح لابن هشام»، «حاشية على المغني له»، «ثلاثة شروح على القواعد الكبرى له»، «ثلاث نكت عليها»، «ثلاثة شروح على القواعد الصغرى له»، «ثلاث نكت عليها»، «إعانة الإنسان على أحكام اللسان»، «حاشية على الألفية»، «حاشية على شرح الشافية للجار برديّ»، «مختصر التسهيل المسمّى بالقوانين». وفي المعاني والبيان: «مختصر التلخيص»، «حاشية على شرحه للسبكيّ»، «ثلاث حواش على المطوّل»، «حاشية على المختصر». وفي الفقه: «نكت على المهمّات»، «نكت على الرّوضة»، «شرح التّبريزيّ». وفي الحديث: «شرح علوم الحديث لابن الصّلاح»، و «تخريج أحاديث الرافعيّ»، و «ثلاثة شروح على منظومة ابن فرج في الحديث»، و «شرح المنهل الرويّ في علوم الحديث لجدّ والده»، و «القصد التمّام في أحكام الحمّام». و «مثلّث في اللغة»، و «مختصر الروض الأنف سماه نور الروض». و «الأنوار في الطبّ»، و «شرحان عليه»، و «نكت على فصول أبقراط»، و «الجامع في الطبّ». وله «فلق الصبح في أحكام الرمح»، «وأوثق الأسباب في الرمي بالنّشاب»، و «الأمنيّة في علم الفروسية»، و «الأسوس في صناعة الدّبوس».

أخذ عنه جمع جمّ، منهم الشيخ ركن الدين عمر بن قديد، والكمال بن الهمام، والشمس القاياتي، والمحب الأقصرائيّ، وحافظ العصر: ابن حجر، وقاضي القضاة علم الدين البلقينيّ، وخلائق. وكان ينهى أصحابه في الطاعون عن دخول الحمّام، فلمّا ارتفع الطاعون أو كاد، دخل الحمّام وتصرّف في أشياء كان امتنع منها فطعن. ومات في جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وثمانمائة، واشتد أسف الناس عليه، ولم يخلف مثله. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 458 - محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدّم أبو عبد الله الثقفي (¬1). مولاهم البصري المعروف بالمقدّمي- بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة- وهو أخو عمر بن علي. سمع المعتمر بن سليمان، وفضيل بن سليمان، وغيرهما. روى عنه البخاري، ومسلم، وأبو يعلى، والحسن بن سفيان، وخلق. مات في أول سنة أربع وثلاثين ومائتين. له «تفسير». 459 - محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمة (¬2). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 380، اللباب لابن الأثير 3/ 169، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 259. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 160، الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 27، ذيل العبر 175، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 45 (طبع الحسينية)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 75 أ، قضاة دمشق لابن قطلوبغا 92، الوافي بالوفيات 2/ 269.

الشيخ الإمام العلامة قاضي القضاة علم الدين بن القاضي شمس الدين السّعديّ الإخنائي المقرئ الشافعيّ قاضي دمشق. مولده في رجب سنة أربع وستين وستمائة بالقاهرة. وسمع الكثير، وأخذ عن الدّمياطيّ وغيره، وولي قضاء الإسكندرية ثم الشام بعد وفاة القونوي. قال الذهبي في «معجمه»: من نبلاء العلماء، وقضاة السداد، وقد شرع في تفسير القرآن، وجملة من «صحيح البخاري»، وكان أحد الأذكياء، وكان يبالغ في الاحتجابات (¬1) عن الحاجات فيتعطل عن أمور كثيرة، ودائرة علمه ضيقة، لكنه وقور قليل الشر. وقال في [ذيل (¬2)] العبر: كان دينا عادلا وحدث بالكثير. وقال ابن كثير: كان عفيفا نزها، ذكيا، شاذ العبارة، محبا للفضائل معظما لأهلها، كثير الإسماع للحديث في العادلية الكبرى، خيّرا ديّنا. توفي بدمشق في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، ودفن بسفح قاسيون بتربة العادل كتبغا. ذكره ابن قاضي شهبة. 460 - محمد بن أبي بكر بن مجير. ذكره ابن أبي الرجّال اليونيني في سنة تسع وسبعمائة. فقال: في أواخر السنة توفي الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن مجير الحنفي، خطيب بلد حصن الأكراد، وكان يبحث ويتكلم، وصنّف «تفسيرا» حسنا، وفيه زهد وورع. ذكر القرشيّ. ¬

_ (¬1) في طبقات ابن قاضي شهبة: «الاحتجاب». (¬2) زيادة لازمة، لأن العبر انتهت التراجم فيه عند سنة 700 هـ، وجاء هذا القول في ذيل العبر ص 175.

461 - محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي المطلبي الشافعيّ المكيّ (¬1). نسيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وناصر سنته، الإمام العلم، حبر الأمة. ولد سنة خمسين ومائة بغزة، فحمل إلى مكة لما فطم، فنشأ بها، وأقبل على العلوم فتفقه بمسلم بن خالد الزنجي، وغيره. وحدث عن عمه بن علي، وعبد العزيز بن الماجشون، ومالك الإمام، وإسماعيل بن جعفر، وإبراهيم بن أبي يحيى، وخلق. وعنه أحمد، والحميدي، وأبو عبيد والبويطي، وأبو ثور، والربيع المرادي، والزعفراني، وأمم سواهم. وكان من أحذق قريش بالرمي. كان يصيب من العشرة عشرة، وكان أولا قد برع في ذلك، وفي الشعر، واللغة، وأيام العرب، ثم أقبل على الفقه، والحديث، وجوّد القرآن على إسماعيل بن قسطنطين مقرئ مكة، وكان يختم في رمضان ستين مرة ثم حفظ «الموطأ»، وعرضه على مالك، وأذن له مسلم ابن خالد بالفتوى وهو ابن عشرين سنة أو دونها، وكتب عن محمد بن الحسين الفقيه، روى ذلك ابن أبي حاتم عن الربيع عنه. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الأنس الجليل لمجير الدين الحنبلي 1/ 294، البداية والنهاية لابن كثير 10/ 251، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 56، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 361، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 44، تهذيب التهذيب 9/ 25، حسن المحاضرة 1/ 303، حلية الأولياء للأصبهاني 9/ 63، الديباج المذهب 227، طبقات الشيرازي 48، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 21، طبقات ابن هداية الله 2، الفهرست لابن النديم 209، اللباب 2/ 5، مرآة الجنان لليافعي 2/ 13، معجم الأدباء 6/ 367، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 176، الوافي بالوفيات 2/ 171، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 305.

وكان مع فرط ذكائه، وسيلان ذهنه، يستعمل اللبان ليقوى حفظه، فأعقبه رمي الدم سنة. قال إسحاق بن راهويه: قال لي أحمد بن حنبل بمكة: تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله فأقامني على الشافعي. وقال أبو ثور: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى هو مثل نفسه. وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: سمّيت ببغداد ناصر الحديث. وقال الفضل بن زياد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أحد مسّ محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منّة. وقال ابن راهويه: الشافعي إمام ما أحد تكلم بالرأي إلا والشافعي أكثرهم اتباعا وأقلهم خطأ. وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثا خطأ، وصح عن الشافعيّ، أنه قال: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط. وقال الربيع: سمعته يقول: إذا رويت حديثا صحيحا فلم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب. وكان رضي الله عنه حافظا للحديث، بصيرا بعلله، لا يقبل منه إلا ما يثبت عنده. وهو أول من صنف أحكام القرآن، وهو رأس الطبقة التاسعة، وهو المجرد أمر الدين على رأس المائتين. توفي بمصر في أول شعبان سنة أربع ومائتين، وله أربع وخمسون سنة رضي الله عنه. 462 - محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف أبو المعالي الشيخ صدر

الدين القونويّ (¬1). له «تفسير سورة الفاتحة» في مجلد .... (¬2) وله .... (¬3) 463 - محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة الإمام أبو عبد الله البخاري الجعفي مولاهم (¬4). الحافظ العلم، صاحب «الصحيح» وإمام هذا الشأن، والمعول على صحيحه في أقطار البلدان. ولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثالث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائتين ببخارى، وبردزبة: بفتح الباء الموحدة وسكن الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها هاء، هذا هو المشهور في ضبطه، وبه جزم ابن ماكولا، ومعناها بالفارسية الزارع. وكان فارسيا على دين قومه، ثم أسلم والد جده المغيرة على يد اليمان الجعفي والي بخارى، فنسب إليه نسبة ولاء، وقيل له الجعفي لذلك. وأما والد البخاري، فقال ابن حبان في الطبقة الرابعة من كتاب الثقات: إسماعيل بن إبراهيم البخاري، يروى عن حماد بن زيد، ومالك، روى عنه العراقيون. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الأعلام للزركلي 6/ 254، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1491، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 45، كشف الظنون لحاجي خليفة 120، 455، 537، 889، 900، 1034، 1038، 1288، 1490، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 124، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 100. (¬2) بياض في الأصل. (¬3) بياض في الأصل. (¬4) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 24، تاريخ بغداد لطاش كبرى زاده 2/ 4، تذكرة الحفاظ 2/ 555، تهذيب التهذيب 9/ 47، طبقات الحنابلة 1/ 271، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 212، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 4 ب، العبر 2/ 12، الفهرست لابن النديم 230، اللباب 1/ 231، مرآة الجنان لليافعي 2/ 167، معجم البلدان 1/ 521، مفتاح السعادة 2/ 130، النجوم الزاهرة 3/ 25، هدية العارفين 2/ 16، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 206، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 329.

وقال البخاري في كتاب «التاريخ الكبير»: إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، سمع من مالك، وحماد بن زيد، وصحب ابن المبارك، ومات إسماعيل ومحمد صغير، فنشأ في حجر أمه، ثم حج مع أمه وأخيه أحمد، وكان أسن منه، فأقام هو بمكة مجاورا يطلب العلم، ورجع أخوه إلى بخارى فمات بها. روى البخاري عن: الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، ومكيّ بن إبراهيم، وأبي عاصم النّبيل، وعبيد الله بن موسى، وأبي نعيم، وخلّاد بن يحيى، وعلي بن عباس، وعصام بن خالد، وآدم بن أبي إياس، وقتيبة، وخلق. وروى عنه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وأبو بكر البزار (¬1) وعبيد الله بن واصل، والفربري (¬2)، وخلق سواهم. قال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم: قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟ قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتّاب ولي عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكتّاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الدّاخليّ وغيره. فلما طعنت في ست عشرة سنة، حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء. فلما طعنت في ثمان عشرة، جعلت أصنّف قضايا الصحابة والتابعين ¬

_ (¬1) البزار: بالباء الموحدة والزاي والراء: نسبة لمن يخرج الدهن من البزور ويبيعه (اللباب لابن الأثير 1/ 118). (¬2) الفربري: بفتح الفاء والراء وسكون الباء الموحدة وفي آخرها راء ثانية، نسبة الى فربر، وهي بلدة على طرف جيحون مما يلي بخارى (اللباب لابن الأثير 2/ 202).

وأقاويلهم، وصنفت «كتاب التاريخ» إذ ذاك عند [قبر] (¬1) رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقلّ اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة، إلا أني كرهت تطويل الكتاب. وروي عن البخاري أنه قال: أخرجت هذا الكتاب يعني الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث. وقال الفربريّ: قال لي البخاري: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك، وصليت ركعتين. وقال بندار: حفاظ الدنيا أربعة، أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، والدارمي بسمرقند، والبخاري ببخارى. قال ابن عدي: كان ابن صاعد إذا ذكر البخاري، قال: الكبش النطاح. وللبخاري من المؤلفات «الجامع الصحيح» قال الفربري: سمعه منه تسعون ألفا وأنه لم يبق من يرويه غيري، وهذا الإطلاق منه بحسب ما علم، وإلا فقد تأخر بعده بتسع سنين أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البزدويّ (¬2)، وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، قاله: ابن ماكولا. وروى «الجامع» أيضا، إبراهيم بن معقل النفسي، إلا قطعة من آخره رواها بالإجازة، وكذلك حماد بن شاكر النّسويّ. ¬

_ (¬1) من تذكرة الحفاظ للذهبي، وطبقات الشافعية للسبكي. (¬2) بفتح الباء الموحدة وسكون الزاي وفتح الدال المهملة وفي آخرها الواو، نسبة الى بزدة، وهي قلعة حصينة على ستة فراسخ من نسف (اللباب لابن الأثير 1/ 118).

ورواية محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربريّ لكتاب «الجامع الصحيح» عن الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، هي التي اتصلت في هذه الأعصار وما قبلها. وللبخاري غير ذلك من المصنفات «كتاب الأدب» يرويه عنه أحمد بن محمد بن الجليل بالجيم البزار. وكتاب «رفع اليدين في الصلاة» وكتاب «القراءة خلف الإمام» يرويهما عنه محمود بن إسحاق الخزاعي، وهو آخر من حدث عنه ببخارى. وكتاب «بر الوالدين» يرويه عنه محمد بن دلويه الوراق. وكتاب «التاريخ الكبير» يرويه أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس، وأبو الحسن محمد بن سهل الفسوي، وغيرهما. وكتاب «التاريخ الأوسط» يرويه عنه عبد الله بن أحمد بن عبد السلام ابن زنجويه بن محمد اللباد. وكتاب «خلق أفعال العباد» يرويه عنه يوسف بن ريحان بن عبد الصمد، والفربريّ أيضا. وكتاب «الضعفاء» يرويه عنه أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي، وأبو جعفر مسبّح بن سعيد، وآدم بن موسى الخواري، وهذه التصانيف موجودة مروية. ومن تصانيفه أيضا كتاب «الجامع الكبير» ذكره ابن طاهر، وكتاب «المسند الكبير»، وكتاب «التفسير الكبير»، ذكره الفربريّ، وكتاب «الأشربة» ذكره الدارقطني في «المؤتلف والمختلف» في ترجمة كبشة، وكتاب «الهبة» ذكره ورّاقة، وكتاب «أسامي الصحابة» ذكره أبو

القاسم بن منده، وأنه يرويه من طريق ابن فارس عنه، وكتاب «العلل» ذكره ابن منده، وكتاب «الكنى» ذكره الحاكم أبو أحمد، وكتاب «الفوائد» ذكره الترمذي. وقال الخطيب عن عبد الواحد بن آدم الطّواويسيّ قال: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلم في النوم، ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع، فسلّمت عليه، فردّ عليّ السلام، فقلت: ما وقوفك هنا يا رسول الله؟ قال: أنتظر محمد بن إسماعيل، قال فلما كان بعد أيام بلغني موته، فنظرت، فإذا هو قد مات في الساعة التي رأيت فيها النبي صلّى الله عليه وسلم. قال مهيب بن سليم: كان ذلك ليلة السبت، ليلة عيد الفطر المبارك، سنة ست وخمسين ومائتين، وكانت مدة عمره اثنتين وستين سنة، إلا ثلاثة عشر يوما، رحمة الله عليه. وقال ابن عديّ: سمعت عبد القدوس بن عبد الجبار، يقول: خرج البخاري إلى خرتنك، قرية من قرى سمرقند، وكان له بها أقرباء فنزل عندهم، قال: فسمعته ليلة من الليالي، وقد فرغ من صلاة الليل، يقول في دعائه: اللهم قد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك. فما تمّ الشهر حتى قبضه الله. 464 - محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي أبو إسماعيل الترمذي (¬1). نزيل بغداد. ثقة، حافظ، لم يتضح كلام أبي حاتم فيه. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن الأثير 11/ 69، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 42، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 604، تهذيب التهذيب لابن حجر 9/ 62، الكامل لابن الأثير 7/ 456، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 212.

روى عن الأنصاري، وخلق. وعنه الترمذي والنسائي، وأبو بكر الشافعيّ، وخلق. مات في رمضان سنة ثمانين ومائتين. له كتاب «ناسخ القرآن ومنسوخه». 465 - محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس البجليّ الرّازي الحافظ (¬1). مصنف كتاب «فضائل القرآن». ولد على رأس المائتين، وسمع القعنبيّ، ومسلم بن إبراهيم، وأبا الوليد الطيالسي، ومحمد بن كثير العبدي، وطبقتهم. وعنه أحمد بن إسحاق بن نيخاب، وإسماعيل بن نجيد، وعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، وآخرون. قال بعض العلماء: سمعت محمد بن أيوب يقول: آخر قدمة قدمتها البصرة أديت أجرة الوراقين عشرة آلاف درهم. وثقه عبد الرحمن بن أبي حاتم، والخليلي وقال: هو محدّث بن محدّث، وجده يحيى من أصحاب الثوري. مات بالري في يوم عاشوراء سنة أربع وتسعين ومائتين. 466 - محمد بن بحر الأصبهاني (¬2). [أبو سلمة (¬3)، صاحب التفسير، وذكره أبو الحسين بن بابويه في ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 643، الرسالة المستطرفة للكتاني 58، العبر 2/ 98، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 162. (¬2) له ترجمة في: لسان الميزان 5/ 89. (¬3) عن لسان الميزان.

تاريخ] الري وقال: كان على مذهب المعتزلة ووجها عندهم، وصنف لهم «التفسير» على مذهبهم. ومات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وهو ابن سبعين سنة. ذكره في «لسان الميزان». 467 - محمد بن ثور (¬1). عن معمر عن قتادة .............. (¬2) له «تفسير». 468 - محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الآمليّ الطبريّ أبو جعفر (¬3). الإمام، صاحب التصانيف المشهورة. استوطن بغداد، وأقام بها إلى حين وفاته. وكان قد رحل في طلب الحديث، وسمع بالعراق والشام ومصر من خلق كثير وحدث بأكثر مصنفاته. وقرأ القرآن ببيروت على العباس بن الوليد بن يزيد، وسمع بمصر من يونس بن عبد الأعلى، وغيره. وحدث عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب الأموي، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإسماعيل بن موسى الفزاريّ، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الفهرست لابن النديم 34. (¬2) بياض في الأصل، وذكره ابن النديم تحت عنوان الكتب المؤلفة في تفسير القرآن ولم يزد على ذلك فقال: «كتاب تفسير محمد بن ثور عن معمر». (¬3) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 145، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 162، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 710، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 78، روضات الجنات 163، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 120، طبقات الشيرازي 76، طبقات العبادي 52، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 106، طبقات القراء للذهبي 1/ 213، طبقات المفسرين للسيوطي 30، الفهرست لابن النديم 234، اللباب 2/ 81، لسان الميزان 5/ 100، مرآة الجنان 2/ 261، معجم الأدباء 6/ 423، المقفى 1/ 182 والترجمة فيه بالنص، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 498، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 284، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 332.

وهناد بن السّريّ التميمي، وأبي همام الوليد بن شجاع السّكوني، وأبي كريب محمد بن العلاء الهمذاني، وأبي سعيد عبد الله بن سعيد الأشج، وأحمد بن منيع البغويّ، ويعقوب بن إبراهيم الدّورقيّ (¬1)، وعمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن بشار بندار وأبي موسى محمد بن المثنى الزمن. وعبد الأعلى بن واصل، وسليمان بن عبد الجبار، والحسن بن قزعة، والزبير بن بكار، وغيرهم من العراقيين والشاميين والمصريين. روى عنه أبو شعيب عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحرّاني، وهو أقدم منه سماعا ووفاة، وأبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان النيسابوري، وأبو الحسن علي بن علان الحافظ الحراني، وأبو الطيب عبد الغفار بن عبيد الله بن السري الحصيبيّ (¬2) المقرئ الواسطي، وأبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني في آخرين. واتفق أنه جمعت الرحلة إلى مصر بين محمد بن جرير الطبري، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزيّ، ومحمد بن هارون الرّوياني (¬3) فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضرّ بهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأتون إليه، فاتفق رأيهم على أن يستهموا (¬4) ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق- ابن خزيمة، فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أتوضأ وأصلي صلاة الخيرة، ¬

_ (¬1) في الأضل: «الدوني»، تحريف، صوابه في المقفى للمقريزي 1/ 182، واللباب لابن الأثير 1/ 428. (¬2) الحصيبي: بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وسكون الياء المثناة وفي آخرها باء موحدة، نسبة الى الحصيب، والد بريدة بن الحصيب الأسلمي (اللباب لابن الأثير 1/ 303). (¬3) الروياني: بضم الراء وسكون الواو وفتح الياء آخر الحروف وبعد الألف نون، نسبة الى رويان، وهي مدينة بنواحي طبرستان (اللباب لابن الأثير 1/ 482). (¬4) أي على أن يقترعوا.

واندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع وخصيّ من قبل والي مصر يدق الباب، ففتحوا فنزل عن دابته وقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل: هو، ذا، فأخرج صرّة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، وقال: أيكم محمد بن هارون؟ فقالوا: هو ذا. فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، وقال: أيكم محمد بن جرير؟ فقيل: هو، ذا. فأخرج صرّة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ثم قال: أيكم محمد بن إسحاق ابن خزيمة؟ فقالوا: هو، ذا يصلي، فلما فرغ دفع إليه صرة فيها خمسون دينارا، ثم قال: إن الأمير كان قائلا (¬1) فرأى في المنام خيالا. قال: إن المحامد طووا كشحهم جياعا، فأنفذ إليكم هذه الصرر، وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إليّ أمدّكم. قال أبو سعيد بن يونس: كان فقيها، قدم إلى مصر قديما سنة ثلاث وستين ومائتين. وكتب بها، ورجع إلى بغداد، وصنف تصانيف حسنة تدل على سعة علمه. وقال الخطيب أبو بكر: أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من المخالفين (¬2) في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في «تاريخ الأمم والملوك» وكتاب «التفسير» الذي لم يصنّف أحد مثله، وكتاب «تهذيب الآثار» لم أر سواه في معناه، إلا أنه لم يتمّه، وكتاب حسن في القراءات سماه «الجامع» وله في أصول الفقه ¬

_ (¬1) أي نائما في القيلولة، وهي نصف النهار. (¬2) في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 163: «من الخالفين».

وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء وتفرّد بمسائل حفظت عنه. وبلغني عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الأسفراينيّ قال: لو سافر رجل إلى الصّين، حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير، لم يكن ذلك كثيرا. وسمعت علي بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي (¬1)، يحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة، يكتب في كل منها أربعين ورقة. وذكر بسنده عن أبي علي الطوماريّ (¬2). قال كنت أصلح (¬3) القنديل في شهر رمضان، بين يدي أبي بكر بن مجاهد في المسجد، لصلاة التّراويح، فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره، واجتاز على مسجده فلم يدخله وأنا معه وسار حتى انتهى إلى آخر سوق العطش، فوقف بباب مسجد محمد ابن جرير، ومحمد يقرأ سورة الرحمن، فاستمع قراءته طويلا، ثم انصرف، فقلت له: يا أستاذ، تركت الناس ينتظرونك، وجئت لتسمع قراءة هذا! فقال: يا أبا علي دع [هذا (¬4)] عنك. ما ظننت أن الله تعالى خلق بشرا يحسن يقرأ هذه القراءة. وقال أبو عمرو الداني في «طبقات القراء» أخذ القراءة عرضا عن سليمان بن عبد الرحمن بن حماد الطلحي، عن خلاد بن خالد الشيباني الصيرفي الكوفي، عن سليم بن عيسى الكوفي، عن حمزة. ¬

_ (¬1) في الأصل: «العلوي»، والمثبت في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 164، وانباه الرواة للقفطي 2/ 288، وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 122، ومعجم الأدباء لياقوت 5/ 271. (¬2) بضم الطاء وسكون الواو وفتح الميم وبعد الألف راء، نسبة الى الطومار، وهو لقب رجل (اللباب لابن الأثير 2/ 93). (¬3) في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 164: «أحمل». (¬4) زيادة يقتضيها السياق، وهي موجودة في طبقات الشافعية للسبكي 3/ 124.

وروى الحروف سماعا عن العباس بن الوليد، ويونس بن عبد الأعلى الصدفي وأبي كريب محمد بن العلاء، وأحمد بن يوسف التغلبي، وصنف كتابا حسنا في القراءات. روى عنه الحروف محمد بن أحمد الداجوني، وعبد الواحد بن عمر، وعبد الله بن أحمد الفراغانيّ، وقد روى عنه ابن مجاهد غير أنه داس اسمه فقال: حدثني محمد بن عبد الله. وقال أبو عبد الله الحاكم في «تاريخ» نيسابور: سمعت أبا أحمد الحسين ابن علي التميمي يقول: أول ما سألني محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: كتبت عن محمد بن جرير الطبري؟ قلت: لا. قال: لم؟ قلت: كان لا يظهر، وكانت الحنابلة تمنع الدخول عليه. فقال: بئس ما فعلت، ليتك لم تكتب عن كل من كتبت عنهم وسمعت من أبي جعفر. وقال ابن خزيمة وقد نظر تفسير محمد بن جرير: قد نظرت فيه من أوله إلى آخره، وما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير. وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد الفرغانيّ في «تاريخه» (¬1) فتمّ من كتب يعني محمد بن جرير كتاب «تفسير القرآن» وجوّده، وبين فيه أحكامه، وناسخه ومنسوخه، ومشكله وغريبه، ومعانيه، واختلاف أهل التأويل والعلماء في أحكامه وتأويله، والصحيح لديه من ذلك، وإعراب حروفه، والكلام على الملحدين فيه، والقصص وأخبار الأمة، والقيامة، وغير ذلك مما حواه من الحكم والعجائب، كلمة كلمة، وآية آية، من الاستعاذة وإلى أبي جاد، فلو ادعى عالم أن يصنف منه عشرة كتب كل كتاب منها يحتوي على علم مفرد عجيب مستقصى لفعل. ¬

_ (¬1) وهو المعروف بكتاب الصلة، وهو كتاب وصل به تاريخ ابن جرير.

وتم من كتبه أيضا كتاب «الغرائب» و «التنزيل» و «العدد». وتم أيضا كتاب «اختلاف علماء الأمصار»، وتم أيضا «التاريخ» إلى عصره، وتم أيضا «تاريخ الرجال» في الصحابة والتابعين والخالفين إلى رجاله الذين كتب عنهم، وتم أيضا «لطيف القول» في أحكام شرائع الإسلام، وهو مذهبه الذي اختاره وجرده واحتج له وهو ثلاثة وثلاثون كتابا [منها كتاب] (¬1) «البيان عن أصول الأحكام» وهو «رسالة اللطيف». وتم أيضا كتاب «الخفيف» في أحكام شرائع الإسلام، وهو مختصر لطيف. وتم أيضا كتابه المسمى «بالتبصير» وهي رسالته إلى أهل آمل طبرستان، يشرح فيها ما يتقلده من أصول الدين. وابتدأ بتصنيف «تهذيب الآثار» وهو من عجائب كتبه، فابتدأ بما رواه أبو بكر الصديق رضي الله عنه مما صح عنده بسنده، وتكلم على كل حديث منه، فابتدأ بعلله، وطرقه، وما فيه من الفقه والسنن، واختلاف العلماء، وحججهم، وما فيه من المعاني، وما يطعن فيه الملحدون، والرد عليهم، وبيان فساد ما يطعنون به، فخرج منه مسند العشرة، وأهل البيت، والموالي، ومن مسند ابن عباس قطعة، وكان قصده فيه أن يأتي بكل ما يصح من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن آخره ويتكلم على جميعه حسب ما ابتدأ به، فلا يكون لطاعن في شيء من علم رسول الله صلّى الله عليه وسلم مطعن، ويأتي بجميع ما يحتاج إليه أهل العلم كما فعل في التفسير، فيكون قد أتى على علم الشريعة من القرآن والسنن، فمات قبل تمامه. ¬

_ (¬1) من المقفى للمقريزي.

وابتدأ «بكتاب البسيط» فخرج منه «كتاب الطهارة» في ألف وخمسمائة ورقة، لأنه ذكر في كل باب منه اختلاف الصحابة والتابعين وغيرهم من طرقها وحجة كلّ من اختار منهم لمذهبه واختياره رحمه الله في آخر كل باب منه واحتجاجه لذلك. وخرج من البسيط أكثر «كتاب الصلاة» وخرج منه «آداب الحكام» تاما وكتاب «المحاضر والسجلات» و «كتاب ترتيب العلماء» وابتدأ «بآداب النفوس»، وهو أيضا من كتبه النفيسة لأنه عمله على ما ينوب الإنسان من الفرائض في جميع أعضاء جسده، فبدأ بما ينوب القلب، واللسان، والسمع، والبصر، على أن يأتي بجميع الأعضاء، وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وعن الصحابة والتابعين، وما حكي من أفعالهم، وإيضاح الصواب في جميع ذلك، فلم يتم الكتاب. وكتاب «آداب المناسك» وهو ما يحتاج إليه الحاج من يوم خروجه، وما يختاره له من الأيام لابتداء سفره، وما يقوله ويدعو به عند ركوبه ونزوله، ومعاينة المنازل والمساجد وإلى انقضاء حجه. و «كتاب شرح السنة» لطيف، بين فيه مذهبه وما يدين الله به على ما مضى عليه الصحابة والتابعون وفقهاء الأمصار. وكتابه «المسند المخرج» يأتي على جميع ما رواه الصحابة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم من صحيح وسقيم، ولم يتمه. ولما بلغه أن أبا بكر بن أبي داود السجستاني [تكلم] (¬1) في حديث غدير خم عمل «كتاب الفضائل». فبدأ بفضل أبي بكر وعمر وعثمان ¬

_ (¬1) من المقفى للمقريزي.

وعلي رضوان الله عليهم، وتكلم على تصحيح غدير خم، واحتج لتصحيحه، وأتى من فضائل علي بن أبي طالب بما انتهى إليه، ولم يتم الكتاب. وكان ممّن لا تأخذه في دين الله لومة لائم، وحكي أنه استخار الله وسأله الإعانة على تصنيف التفسير ثلاث سنين فأعانه، وروى القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي قال: أنبأنا علي بن نصر بن الصباح التغلبي، أنبأنا القاضي أبو عمر عبيد الله بن أحمد السمسار، وأبو القاسم بن عقيل الورّاق، أن أبا جعفر قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما يفني الأعمار قبل تمامه. فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. ثم قال: هل تنشطون لتاريخ العالم، إلى وقتنا هذا؟ قالوا كم قدره؟ فذكر نحوا ممّا ذكره في التفسير [فأجابوا (¬1) بمثل ذلك، فقال: إنا لله، ماتت الهمم. فاختصره في نحو ما اختصر التفسير] وقال أبو بكر الخطيب: عن القاضي ابن كامل: أربعة كنت أحبّ بقاءهم، أبو جعفر الطبري، والبربري، وأبو عبد الله بن أبي خيثمة، والمعمري، فما رأيت أفهم منهم ولا أحفظ. ومولد أبي جعفر بآمل في سنة أربع وعشرين ومائتين، ووفاته ببغداد في يوم السبت، ودفن يوم الأحد بالغداة في داره لأربع بقين من شوال سنة عشر وثلاثمائة، وقيل توفي في عشية يوم الأحد ليومين بقيا من شوال ودفن يوم الاثنين، واجتمع في جنازته خلق لا يحصون، وصلّي على قبره عدة شهور ليلا ونهارا، وكان السواد في رأسه ولحيته كثيرا، وكان أسمر إلى الأدمة، أعين، نحيف الجسم، مديد القامة، فصيح اللسان، ورثاه خلق كثير من أهل الدّين والأدب. وقيل إنه دفن في سفح المقطم من القرافة، وليس بصحيح. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين من المقفى، وطبقات الشافعية للسبكي.

قال الفرغاني: وكان عالما زاهدا ورعا فاضلا متقنا لقراءة حمزة الزيات، ومن فتاويه أن رجلا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا بتاتا لا خاطبتني بشيء إلا خاطبتك مثله، فقالت له في الحال: أنت طالق ثلاثا بتاتا، فأفتاه فقهاء بغداد بأنها لا بد أن تطلق وأنه عليه أن يجيبها بمثل ما قالت فتصير بذلك طالقا، فدله شخص على أبي جعفر فجاءه وأخبره بما جرى عليه، فقال له: امض ولا تعاود الأيمان، وأقم على زوجك بعد أن تقول لها: أنت طالق ثلاثا بتاتا إن طلقتك؛ فتكون قد خاطبتها بمثل ما خاطبتك به، فوفيت يمينك ولم تطلقها. وعمل ابن دريد قصيدة طنانة يرثي بها ابن جرير يقول فيها (¬1): إنّ المنيّة لم تتلف به رجلا ... بل أتلفت علما للدين منصوبا كان الزمان به تصفو مشاربه ... والآن أصبح بالتكدير مقطوبا كلا وأيامه الغرّ التي جعلت ... للعلم نورا وللتقوى محاريبا أودى أبو جعفر والعلم فاصطحبا ... أعظم بذا صاحبا أو ذاك مصحوبا ودّت بقاع بلاد الله لو جعلت ... قبرا له فحباها جسمه طيبا 469 - محمد بن جنكلى بن محمد بن البابا بن جنكلى بن خليل ناصر الدين (¬2). الفقيه الأديب الحنبلي، أحد أمراء مصر. ولد في سنة سبع وتسعين وستمائة. ¬

_ (¬1) الأبيات في ديوان ابن دريد 39 وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 167. (¬2) أنظر ترجمته في: الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 36، المقفى للمقريزي 1/ 193، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 10/ 50، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 310.

وسمع الحديث، واشتغل بالفقه على مذهب أبي حنيفة، ثم على مذهب أحمد بن حنبل. وقرأ الأصول والمنطق على التاج التبريزي، وشارك في علم التفسير والبيان والموسيقى وكتب الخط الحسن، وحدث، وخرج له الشهاب أحمد بن أيبك الدمياطي أربعين حديثا حدث بها قبل موته، وأجيز بالإفتاء. واختص بصحبة الشيخ فتح الدين بن سيد الناس، فأخذ عنه معرفة الناس وأيامهم وطبقاتهم وأسماء الرجال. وكان آية في معرفة فقه السلف ونقل مذاهبهم وأقوال الصحابة والتابعين، وهذا هو علمه، مع مشاركة جيدة في العربية وغيرها. وكان له نظم جيد، وكان جهوريّ الصوت، له تقدّم في نقد الشعر وذوق معانيه اللطيفة، ويستحضر من مجون ابن الحجاج جملة، ومال في آخر أمره إلى مذهب أهل الظاهر، لملازمته النظر في كتب أبي محمد بن حزم. وكان يؤثر مجالسة أهل العلم على مجالسة الأمراء، وكان لا يزال متيما هائما، يتعشق بعض الصّور، يذوب صبابة ووجدا، ويستحضر في هذه الحالة ما يناسبها من شعر الشريف الرّضي، ومهيار، ومتيّمي العرب كثيرا، ويراسل به ويعاتب. وكان له إفضال كثير وصدقات ومعروف. قرئ عليه مرّة حساب شونته، فإذا فيه إنعام على أرباب الملهى بنحو ثلاثمائة إردب، فقال لأستاداره: ما هو قبيح من الله. تعطي في رضا الشيطان هذا القدر! ثم أمره أن يخرج من الشونة ستمائة إردب يفرقها في الفقراء والأرامل، ففرقت من يومه. وكان له جمال الموكب وجها وصباحة وقدا وشكلا، محبّبا، تامّ الخلق، حسن الخلق، لم يكن في زمانه أحسن وجها منه.

ومن شعره: لما رأيت سلوى عزّ مطلبه ... عنكم وعقد اصطباري صار محلولا دخلت بالرغم مني تحت طاعتكم ... ليقضي الله أمرا كان مفعولا ومنه: ومن حيثما غيّبت عنّي ظاهرا ... وسرت على رغمي وفارقتني قسرا (¬1) أقمت ولكني وعيشك آيس ... من الروح بعد الخلّ أن تسكن الصدرا فكم عبرة للعين أجريتها دما ... وكم حرق في الصّدر أذكيتها جمرا لعل الذي أضحى له الأمر كلّه ... على طول ما ألقاه يحدث لي أمرا ومنه (¬2): بك استجار الحنبلي ... محمد بن جنكلي فاغفر له ذنوبه ... فأنت ذو التفضل ذكره المقريزي في «المقفى». 470 - محمد بن حاتم بن ميمون السمين الحافظ الإمام أو عبد الله المروزي (¬3). سمع عبد الله بن إدريس، وسفيان بن عيينة، ووكيعا، والقطان، وأمثالهم. وعنه مسلم، وأبو داود، والحسن بن سفيان، وأحمد بن الحسن الصوفي، وآخرون. ¬

_ (¬1) الأبيات في الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 313. (¬2) نفس المصدر 2/ 311. (¬3) ورد له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 266، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 455 والترجمة فيها بالنص، تهذيب التهذيب لابن حجر 9/ 101، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 315.

وثقه ابن عدي، والدارقطني. قال محمد بن سعد: جمع كتابا في «تفسير القرآن» كتبه عنه الناس ببغداد وكان ينزل قطيعة الربيع. وقال أبو حفص الفلاس: ليس بشيء. قال الذهبي: وهذا جرح مردود. مات في آخر سنة خمس وثلاثين، ومائتين؛ رحمه الله. 471 - محمد بن الحسن بن إبراهيم الأسترآباذيّ، وقيل: الجرجاني، المعروف بالختن، الفقيه الشافعي (¬1). كان فقيها فاضلا ورعا مشهورا في عصره، وله وجوه حسنة في المذهب، وكان مقدّما في الأدب ومعاني القرآن والقراءات، ومن العلماء المبرّزين في النظر والجدل، وكان كثير السماع والرحلة، وشرح كتاب «التلخيص» لأبي العباس بن القاص. وتوفي بجرجان يوم عيد الأضحى سنة ست وثمانين وثلاثمائة، وهو ابن خمس وسبعين سنة. والختن بفتح الخاء المعجمة والتاء المثناة من فوق، وبعدها نون. وإنما قيل له ذلك لأنه كان ختن الفقيه أبي بكر الإسماعيلي. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ جرجان 408، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 136، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 14 أ، طبقات العبادي 111، طبقات ابن هداية الله 33، العبر 3/ 33، مرآة الجنان لليافعي 2/ 431، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 338، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 341.

قاله ابن خلكان: 472 - محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمّيّ (¬1). الشيعي ................ ........ (¬2). له «تفسير القرآن» «الجامع» في الفقه، على مذهبهم ... (¬3). 473 - محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية بن حنتم بن حماميّ (¬4) بن واسع بن وهب بن سلمة بن حاضر بن جشم بن ظالم بن حاضر بن أسد بن عدي بن مالك بن فهم (¬5) بن غنم بن دوس بن عدثان ابن عبد الله بن زهير- ويقال زهران- بن كعب بن الحارث بن عبد الله بن مالك بن نضر بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان الإمام أبو بكر الأزديّ اللغويّ الشافعيّ (¬6). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الفهرست للطوسي 284، هدية العارفين للبغدادي 2/ 41. (¬2) بياض في الأصل، وجاءت ترجمته في الفهرست للطوسي على هذا النحو: «محمد بن الحسين ابن أحمد بن الوليد القمي، جليل القدر، عارف بالرجال، موثوق به. له كتب منها: كتاب «الجامع»، وكتاب «التفسير» وغير ذلك. والقمي: بضم القاف وتشديد الميم، نسبة الى قم، بلدة بين أصبهان وساوة كبيرة، وأكثر أهلها شيعة، وبنيت هذه المدينة سنة ثلاث وثمانين زمن الحجاج بن يوسف (اللباب لابن الأثير 3/ 4). (¬3) بياض في الأصل، وجاءت ترجمته في الفهرست للطوسي على هذا النحو: «محمد بن الحسين ابن أحمد بن الوليد القمي، جليل القدر، عارف بالرجال، موثوق به. له كتب منها: كتاب «الجامع»، وكتاب «التفسير» وغير ذلك. والقمي: بضم القاف وتشديد الميم، نسبة الى قم، بلدة بين أصبهان وساوة كبيرة، وأكثر أهلها شيعة، وبنيت هذه المدينة سنة ثلاث وثمانين زمن الحجاج بن يوسف (اللباب لابن الأثير 3/ 4). (¬4) في الأصل: «حماد» وأثبتنا ما في جمهرة أنساب العرب، ووفيات الأعيان لابن خلكان، ومعجم الأدباء، وأنباه الرواة للقفطي. (¬5) في الأصل «ابن فهر» والمثبت في: انباه الرواة للقفطي، وجمهرة أنساب العرب، ووفيات الأعيان لابن خلكان، ومعجم الأدباء لياقوت. (¬6) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 92، الأنساب للسمعاني 226 أ، البداية والنهاية 11/ 176، تاريخ الاسلام للذهبي (وفيات سنة 321)، تاريخ بغداد 2/ 195، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 810، جمهرة الأنساب لابن حزم 381، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 138، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 8 أ، طبقات القراء للجزري 2/ 116، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 33، العبر 2/ 187، الفهرست لابن النديم 61،

مولده بالبصرة سنة ثلاث وعشرين ومائتين. وقرأ على علمائها، ثم صار إلى عمان (¬1) فأقام بها إلى أن مات. روى عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ، وأبي حاتم السّجستانيّ، وأبي الفضل الرّياشيّ. وكان رأس أهل هذا العلم. روى عنه خلق؛ منهم أبو سعيد السّيرافي، والمرزبانيّ، وأبو الفرج الأصبهاني. وله شعر كثير، وروى من أخبار العرب وأشعارها ما لم يروه كثير من أهل العلم. وقال أبو الطّيب اللغوي في «مراتب النحويين» عند ذكره ابن دريد: هو الذي انتهت إليه لغة البصريين، وكان أحفظ الناس، وأوسعهم علما، وأقدرهم على الشعر، وما ازدحم العلم والشعر في صدر أحد ازدحامهما في صدر خلف الأحمر، وابن دريد، وتصدر ابن دريد في العلم ستين سنة (¬2). وكان يقال: ابن دريد أشعر العلماء. قال الخطيب البغدادي: كان واسع الحفظ جدّا، تقرأ عليه دواوين العرب كلها أو أكثرها، فيسابق إلى إتمامها ويحفظها. وسئل عنه الدارقطني فقال: تكلموا فيه. ¬

_ الكامل لابن الأثير 8/ 273، اللباب 1/ 418، لسان الميزان 5/ 132، مرآة الجنان لليافعي 2/ 282، مراتب النحويين 84، المزهر 2/ 465، معجم الأدباء 6/ 483، معجم الشعراء 425، المنتظم 6/ 261، ميزان الاعتدال 3/ 520، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 242، نزهة الألباء 258، الوافي الوفيات للصفدي 2/ 339، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 448. (¬1) عمان، بضم أوله وتخفيف ثانية، كورة عربية على ساحل بحر اليمين والهند. (¬2) مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي ص 84.

وقال ابن شاهين: كنا ندخل على ابن دريد فنستحي لما نرى من العيدان المعلقة، والشراب المصفّى موضوع. قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى: قد تاب بعد ذلك، كما سيأتي. وقال الخطيب: جاء إليه سائل فلم يكن عنده غير دنّ نبيذ، فأعطاه له، فأنكر عليه غلامه، فقال: لم يكن عندنا غيره، وتلا قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (¬1) فما تم اليوم حتى أهدي له عشرة دنان، فقال: تصدقنا بواحد، وأخذنا عشرة. وقال الأزهريّ: وممّن ألف الكتب في زماننا فرمي بافتعال العربية وتوليد الألفاظ أبو بكر بن دريد، وقد سألت عنه إبراهيم بن عرفة، فلم يعبأ به، ولم يوثقه في روايته. وألفيته على كبر سنه سكران لا يكاد يفتر عن ذلك. وقال غيره: أملى ابن دريد «الجمهرة» في فارس، ثم أملاها بالبصرة وببغداد من حفظه، فلذلك تختلف النسخ، والنسخة المعوّل عليها هي الأخيرة، وآخر ما صح نسخة عبيد الله بن أحمد [فهي] حجة، لأنه كتبها من عدّة نسخ، وقرأها عليه. وله من التصانيف «الجمهرة» في اللغة، «الأمالي»، «المجتني»، «اشتقاق أسماء القبائل»، «الملاحن»، «المقتبس»، «المقصور والمدود»، «الوشاح»، «الخيل» الكبير، «الخيل» الصغير، «الأنواء»، «غريب القرآن» لم يتم، «فعلت وأفعلت»، «أدب الكاتب»، «المطر»، «زوار (¬2) العرب»، «السرج واللجام»، «تقويم اللسان» لم يبيض، ¬

_ (¬1) سورة آل عمران 92. (¬2) اسمه في كشف الظنون وهدية العارفين: «زوراء العرب». واسمه في بغية الوعاة «رواد العرب».

«المقصورة» مدح بها الأمير أبا العباس إسماعيل بن عبد الله بن ميكال رئيس نيسابور. قال بعضهم: أملى ابن دريد الجمهرة من حفظه سنة سبع وتسعين ومائتين، فما استعان عليها بالنظر في شيء من الكتب، إلا في الهمزة واللفيف. قال: وكفى عجبا أن يتمكن الرجل من علمه كل التمكن ثم لا يسلم مع ذلك من الألسن، حتى قيل فيه: ابن دريد بقره ... وفيه عيّ وشره (¬1) ويدعى من حمقه ... وضع كتاب الجمهرة وهو كتاب العين إلا ... أنه قد غيّره قال بعضهم: حضرنا مجلس ابن دريد، وكان يتضجّر ممن يخطئ في قراءته، فحضر غلام وضيء، فجعل يقرأ ويكثر الخطأ، وابن دريد صابر عليه، فتعجب أهل المجلس، فقال رجل منهم: لا تعجبوا، فإن في وجهه غفران ذنوبه، فسمعها ابن دريد، فلما أراد أن يقرأ، قال له: هات يا من ليس في وجهه غفران ذنوبه، فعجبوا من صحة سمعه، على كبر سنه. وقال بعضهم فيه: من يكن للظباء صاحب صيد ... فعليه بمجلس ابن دريد (¬2) إن فيه لأوجها قيّدتني ... عن طلاب العلا بأوثق قيد ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت 6/ 490. (¬2) معجم الأدباء لياقوت 6/ 491.

مات يوم الأربعاء لثنتي عشرة ليلة بقيت من رمضان، سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، يوم مات عبد السلام الجبائي، فقيل: مات علم اللغة والكلام جميعا. ورثاه جحظة بقوله: فقدت بابن دريد كلّ منفعة ... لمّا غدا ثالث الأحجار والترب (¬1) وكنت أبكي لفقد الجود مجتهدا ... فصرت أبكي لفقد الجود والأدب ومن نظم ابن دريد في النرجس: عيون ما يلم بها الرّقاد ... ولا يمحو محاسنها السّهاد (¬2) إذا ما الليل صافحها استهلّت ... وتضحك حين ينحسر السّواد لها حدق من الذهب المصفّى ... صياغة من يدين له العباد وأجفان من الدر استفادت ... ضياء مثله لا يستفاد على قضب الزبرجد في ذراها ... لأعين من يلاحظها مراد في «ربيع الأبرار» للزمخشري: جمع ابن دريد ثمانية أسماء في بيت واحد: فنعم أخو الجليّ ومستنبط الندى ... وملجأ محزون ومفزع لاهث قال ابن خالويه في شرح «المقصورة»: كان ببغداد الكرماني صاحب لغة، وكان يطعن على ابن دريد، وينقض عليه الجمهرة، فجاء غلام لابن دريد فجلس بحذائه في الجامع، ونقض على الكرماني جميع ما نقضه على ابن دريد، فقال: اكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم، قال أبو بكر بن دريد أعزه الله تعالى: عننت الفرس إذا حبسته بعنانه، فإن حبسته بمقوده فليس بمعنّ، قال الكرماني الجاهل: أخطأ ابن دريد، لأنه إن كان من عننت فيجب أن ¬

_ (¬1) معجم الأدباء 6/ 489. (¬2) معجم الأدباء 6/ 493.

يكون معنونا، وإن كان من أعننت فيجب أن يكون معنا، وأخطأ لكذا، وكذا، فوقف شاعر على الحلقة فقال اكتبوا: أذللت كرمان وعرّضتها ... لجحفل مثل عديد الحصى وابن دريد غرّة فيهم ... في بحره مثلك قد غوّصا جثا على الركبة حتى إذا ... أحسن نزرا قعد القرفصا والله إن عاد إلى مثلها ... لأصفعنّ هامته بالعصا فلم يلتفت إلى الكرماني بعد ذلك. قال ابن خالويه في «شرح المقصورة» حضرت ابن دريد، وقد ناول أبو الفوارس غلامه طاقة نرجس، فقال: يا بني ما أصنع بهذا اليوم! وأنشد: صبا ما صبا حتى علا الشّيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل: ابعد أورده شيخنا في «طبقات النحاة». 474 - محمد بن الحسن بن سليمان، أبو جعفر الزوزنيّ البحاث الشافعي (¬1). أحد الفقهاء المبرّزين، قضاة المسلمين. تولى القضاء بنواحي خراسان، وما وراء النهر. كان من أساطين العلم، وكان من أقران الأودنيّ، وكان يكون بينهما من المنافرة في المناظرة ما يكون بين الأقران. وذكر أن مصنفاته في التفسير، والحديث، والفقه، وأنواع العلوم، تزيد على المائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 3/ 143، يتيمة الدهر للثعالبي 4/ 343.

وقدم على الصاحب بن عباد، فارتضى تصرفه في العلم، وتفنّنه في أنواع الفضل، وعرض عليه القضاء على شرط انتحال مذهبه، يعني الاعتزال، فامتنع وقال: لا أبيع الدّين بالدنيا: فتمثل له الصاحب بقول القائل: فلا تجعلني للقضاء فريسة ... فإن قضاة العالمين لصوص (¬1) مجالسهم فينا مجالس شرطة ... وأيديهم دون الشّصوص شصوص فأجاب البحاث بقوله بديهة: سوى عصبة منهم تخصّ بعفة ... ولله في حكم العموم خصوص خصوصهم زان البلاد وإنما ... يزين خواتيم الملوك فصوص والقاضي أبو جعفر هذا هو جد القاضي أبي جعفر محمد بن إسحاق البحاثيّ، الأديب، شيخ الباخرزيّ، صاحب «دمية القصر» وكلاهما أديب. وكان القاضي أبو جعفر الكبير، صاحب هذه الترجمة، مع علو مرتبته في العلم يحب منصب القضاء. ومن شعره قصيدة قالها في الشيخ العميد أبي علي محمد بن عيسى، يخطب قضاء مدينة فرغانة ويصف الربيع: اكتسب الأرض وهي عريانه ... من نشر نور الربيع ألوانه واتّزرت بالنبات وانتشرت ... حين سقاها السحاب ألبانه فالروض يختال في ملابسه ... مرتديا ورده وريحانه تضاحكت بعد طول عبستها ... ضحك عجوز تعود بهتانه كم سائل لحّ في مساءلتي ... عن حالتي قلت وهي وسنانه قلب كسير فمن يجبّره ... قال نرى من يحبّ جيرانه ¬

_ (¬1) يتيمة الدهر للثعالبي، وطبقات الشافعية للسبكي.

سوى الوزير الذي يلوذ به ... يخدم برد الغداة إيوانه قلت متى قال قد أتى فدنا ... مفتتح العام كان إبانه فقلت ماذا الذي تؤمله ... فقال أبشر قضاء فرغانه ومن شعره، قال الباخرزيّ: وهو أبلغ ما سمعت في فنّه: إن الخزائن للملوك ذخائر ... ولك المودّة في القلوب ذخائر أنت الزمان فإن رضيت فخصبه ... وإذا غضبت فجدبه المتعاسر فإذا رضيت فكل شيء نافع ... وإذا غضبت فكل شيء ضائر وشعره كثير، وكذلك شعر حفيده أبي جعفر. قال الحاكم: توفي ببخارى سنة سبعين وثلاثمائة. 475 - محمد بن الحسن بن عبد الله السيد الشريف شمس الدين أبو عبد الله الحسيني الواسطي الشافعي (¬1). نزيل الشامية الجوانية. مولده سنة سبع عشرة وسبعمائة. اشتغل وفضل ودرس بالصارمية، وأعاد بالشامية البرانية، وكتب الكثير نسخا وتصنيفا بخطه الحسن. فمن تصنيفه مختصر «الحلية» لأبي نعيم، في مجلدات، سماه «مجمع الأحباب»، و «تفسير» كبير، وشرح «مختصر ابن الحاجب» في ثلاثة مجلدات، ينقل فيه كلام الأصفهاني صفحة فأكثر، وينقل من شرح القاضي تاج الدين فوائد، ويصرح بنقلها عنه، و «كتاب في أصول الدين» مجلد، و «كتاب في الرد على الإسنوي في تناقضه». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 41، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 95 أوالترجمة فيه بالنص.

قال الحافظ شهاب الدين بن حجي: سمعته يعرض بعضه [على] (¬1) القاضي بهاء الدين أبي البقاء قبل سيره إلى مصر ويقرأ عليه فيه. قال: وكان منجمعا عن الناس وعن الفقهاء خصوصا. توفي يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبعمائة، ودفن عند مسجد القدم. ذكره ابن قاضي شهبة. 476 - محمد بن الحسن بن علي أبو جعفر الطّوسي (¬2). فقيه الشيعة، مصنفهم. كان ينتمي إلى مذهب الشافعي. له مصنفات كثيرة في الكلام على مذهب الإمامية، وجمع «تفسير القرآن» وأملى أحاديث وحكايات تشتمل على مجلدين. قدم بغداد وتفقه على مذهب الشافعي. وقرأ الأصول والكلام على أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالمفيد، فقيه الإماميّة. وحدث عن هلال الحفار. روى عنه ابنه أبو [علي (¬3)] الحسن. ¬

_ (¬1) من طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 97، الذريعة لمحسن الطهراني 2/ 14، روضات الجنات 580، طبقات الشافعية للسبكي 4/ 126، طبقات المفسرين للسيوطي 29، الفهرست للطوسي 285، لسان الميزان 5/ 135، المنتظم لابن الجوزي 8/ 252، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 82، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 349. (¬3) من طبقات الشافعية للسبكي.

وقد أحرقت كتبه عدة نوب بمحضر من الناس في رحبة جامع القصر، واستتر هو خوفا على نفسه بسبب ما يظهر عنه من انتقاص السلف. مات بمشهد علي من الكوفة في المحرم، ذكره النجّار في «الذيل»، وأرخه بعضهم سنة إحدى وستين وأربعمائة. 477 - محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن محمد بن سليمان بن داود بن عبد الله بن مقسم (¬1). ومقسم هذا هو صاحب ابن عباس رضي الله عنه، أبو بكر العطار المقرئ النحوي. قال ياقوت: ولد سنة خمس وستين ومائتين، وسمع أبا مسلم الكجّي، وثعلبا، ويحيى بن محمد بن صاعد. وروى عنه ابن شاذان، وابن رزقويه. وكان ثقة، من أعرف الناس بالقراءات، وأحفظهم لنحو الكوفيين، ولم يكن فيه عيب إلا أنه قرأ بحروف تخالف الإجماع، واستخرج لها وجوها من اللغة، والمعنى، كقوله: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا (¬2)، قال: نجبا، بالباء، وشاع أمره، فأحضر إلى السلطان واستتابه، فأذعن بالتوبة، وكتب محضرا بتوبته. وقيل: إنه لم ينزع عنها، كان يقرأ بها إلى أن مات. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 259، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 206، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 123، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 41، العبر 2/ 310، الفهرست لابن النديم 33، الكامل لابن الأثير 8/ 566، معجم الأدباء لياقوت 6/ 498، المنتظم 7/ 30، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 343، الوافي بالوفيات 2/ 337. (¬2) سورة يوسف 80.

وروى الخطيب عن بعضهم قال: رأيت في النوم أني أصلي مع الناس وابن مقسم يصلي مستدبرا القبلة، فأولته بمخالفته الأئمة فيما اختاره من القراءات (¬1). وله من التصانيف «الأنوار في تفسير القرآن»، «المدخل إلى علم الشعر»، «الاحتجاج في القراءات»، «كتاب في النحو» كبير، «المقصور والممدود»، «المذكر والمؤنث»، «الوقف والابتداء»، «المصاحف»، و «عدد التمام»، «أخبار نفسه»، «مجالسات ثعلب»، «مفرداته»، «الموضح»، «الرد على المعتزلة»، «الانتصار لقراء الأمصار»، «اللطائف في جمع هجاء المصاحف»، وغير ذلك. قال الداني: عالم بالعربية، حافظ للغة، حسن التصنيف، مشهور بالضبط والإتقان، إلا أنه سلك مسلك ابن شنبوذ، فاختار حروفا خالف فيها أئمة العامة، وكان يذهب إلى أن كل قراءة توافق خط المصحف فالقراءة بها جائزة، وإن لم تكن لها مادة. مات سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 478 - محمد بن الحسن الأستاذ أبو بكر بن فورك- بضم الفاء وفتح الراء- الأصفهاني (¬2). ¬

_ (¬1) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 208. (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 110، تاج التراجم لابن قطلوبغا 184، تبيين كذب المفتري 232، طبقات الشافعية للسبكي 4/ 127، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 17 ب، العبر 3/ 95، مرآة الجنان لليافعي 3/ 17، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 240، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 344، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 402.

قال ابن خلكان: هو المتكلم، الأصولي، الأديب، النحوي، الواعظ. أقام بالعراق يدرس ثم توجه إلى الري، فسعت به المبتدعة، فراسله أهل نيسابور والتمسوا منه التوجه إليهم ففعل، وورد نيسابور فبنى له بها مدرسة ودارا، فأحيا الله تعالى به أنواعا من العلوم، وظهرت بركته على المتفقهة. وبلغت مصنفاته في الأصلين، ومعاني القرآن، قريبا من مائة مصنف، ثم دعي إلى مدينة غزنة من الهند، وجرت له بها مناظرات عظيمة، فلما رجع إلى نيسابور، سمّ في الطريق، فمات سنة ست وأربعمائة، فنقل إلى نيسابور، فدفن بها. 479 - محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن بندار بن طفيل أبو عبد الله المرادي. يعرف بابن المؤذّن قال في «تاريخ غرناطة»: كان صاحب قدم في العربية، إماما في اللغة والأخبار، شاعرا مجيدا، حافظا للتفسير كاتبا وبقية من بقايا أهل الأدب، ذا نباهة وصدق، ومروءة وكرم وطيب نفس، وحسن عشرة، وسرعة إدراك، مع الدين المتين، والتواضع والوقار. ولم يزل طول عمره على المطالعة والدرس والقراءة، لم يشغله عنها شيء على كبر سنه، لازم خاله أبا عبد الله بن سودة وتأدب عليه. وقرأ بغرناطة على الأستاذ أبي محمد القرطبي، وأبي علي الرّنديّ، وغيرهما. مات ليلة الأحد ثاني ذي الحجة سنة تسع وستين وستمائة عن نيّف وسبعين سنة.

ومن شعره: عجبت لدوحة التفّاح أبدت ... جناها فوق أغصان نجوما 111 تخال جنانها والريح تسعى ... شياطينا فترسلها رجوما أورده شيخنا في «طبقات اللغويين والنحاة». 480 - محمد بن الحسن بن أبي سارة الرؤاسي النّيليّ النحويّ (¬1). أبو جعفر ابن أخي معاذ الهرّاء، سمي الرؤاسي لأنه كان كبير الرأس، وهو أول من وضع من الكوفيين كتابا في النحو، وهو أستاذ الكسائي، والفراء، وكان رجلا صالحا. وقال: بعث الخليل إليّ يطلب كتابي، فبعثت به إليه، فقرأه، فكل ما في كتاب سيبويه: «وقال الكوفي» فإنما عنى الرؤاسي هذا، وكتابه يقال له «الفيصل». وقال المبرد: ما عرف الرؤاسي بالبصرة. وقد زعم بعض الناس أنه صنّف كتابا في النحو، فدخل البصرة ليعرضه على أصحابنا، فلم يلتفت إليه، ولم يجسر على إظهاره لما سمع كلامهم. وقال ابن درستويه: زعم جماعة من البصريين أن الكوفي الذي ذكره الأخفش في آخر المسائل ويردّ عليه، هو الرّؤاسي. وله من الكتب «معاني القرآن»، «الفيصل»، «التصغير»، «الوقف والابتداء» الكبير، «الوقف والابتداء» الصغير. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: روضات الجنات للخوانساري 156، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 116، مراتب النحويين 24، معجم الأدباء لياقوت 6/ 480، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 334.

وذكره أبو عمرو الداني في «طبقات القراء»، وقال: روى الحروف عن أبي عمرو، وهو معدود في المقلين عنه، وسمع الأعمش؛ وهو من جلة الكوفيين. وله اختيار في القراءة يروى. سمع الحروف منه خلاد بن خالد المنقريّ، وعلي بن محمد الكنديّ. وروى عنه الكسائي، والفراء. وقال الزبيدي: كان أستاذ أهل الكوفة في النحو، أخذ عن عيسى بن عمر، وله «كتاب في الإفراد والجمع». قال الصفدي: وله شعر مقبول، فمنه: ألا يا نفس هل لك في صيام ... عن الدنيا لعلك تهتدينا يكون الفطر وقت الموت منها ... لعلك عنده تستبشرينا أجيبيني هديت وأسعفيني ... لعلك في الجنان تخلّدينا أورده شيخنا في «طبقات النحاة». 481 - محمد بن الحسن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر بن [سند (¬1)] المقرئ المفسر الحافظ (¬2). ¬

_ (¬1) من معجم الأدباء لياقوت، والوافي بالوفيات للصفدي، وطبقات الشافعية للسبكي، وطبقات القراء لابن الجزري. (¬2) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني ورقة 556 ب، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 242، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 201، تذكرة الحفاظ 3/ 908، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 145، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 119، طبقات القراء للذهبي 1/ 236، طبقات المفسرين للسيوطي 29، العبر 2/ 292، الفهرست لابن النديم 33، لسان الميزان 5/ 132، مرآة الجنان لليافعي 2/ 347، معجم الأدباء 6/ 496، المنتظم 7/ 14، ميزان الاعتدال 3/ 520، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 345، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 425.

كان إمام أهل العراق في القراءات والتفسير. قرأ القرآن على هارون بن موسى الأخفش، وابن أبي مهران، وجماعة. وقرأ عليه خلائق، منهم أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران، وأبو الحسن الحمامي، وجماعة. وروى الحديث عن أبي مسلم الكجي، ومطين، والحسن بن سفيان، وآخرين. وروى عنه الدارقطني، وابن شاهين، وأبو أحمد الفرضيّ، وأبو علي بن شاذان، وجماعة. ورحل وطوف من مصر إلى ما وراء النهر في لقي المشايخ. وصنف التفسير، وسماه «شفاء الصدور» في نحو اثني عشر ألف ورقة، وله «الإشارة في غريب القرآن»، و «الموضح في معاني القرآن» و «دلائل النبوة»، و «القراءات» بعللها، وكتاب «العقل»، وكتاب «ضد العقل»، وكتاب «المناسك»، وكتاب «فهم المناسك»، وكتاب «أخبار القصاص»، وكتاب «ذم الحسد»، وكتاب «الأبواب في القرآن»، وكتاب «إرم ذات العماد»، وكتاب «المعجم» الأوسط، وكتاب «المعجم الأصغر»، وكتاب «المعجم الكبير في أسماء القراء وقراءاتهم»، وكتاب «السبعة بعللها» الكبير، وكتاب «السبعة الأوسط»، وكتاب «السبعة الأصغر»، وأشياء أخر. ضعفه جماعة، قال البرقاني: كل حديث النقاش منكر. وقال طلحة بن محمد بن جعفر: كان يكذب في الحديث. وقال الخطيب: في حديثه مناكير بأسانيد مشهورة.

وقال الذهبي: متروك. ليس بثقة على جلالته ونبله. وقال هبة الله اللالكائي: تفسير النقاش إشفاء الصدور ليس بشفاء الصدور. قال الدارقطني في كتاب «التصحيف»: إن النقاش قال مرة: كسرى أبو شروان، جعلها كنية. قال الحسن بن الفضل القطان: حضرت النقاش وهو يجود بنفسه، فجعل يحرك شفتيه، ثم ينادي بعلو صوته لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (¬1) يرددها ثلاثا، ثم خرجت نفسه. مولده سنة ست وستين ومائتين، ومات في بغداد يوم الثلاثاء ثالث شوال سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. ¬

_ (¬1) سورة الصافات 61.

ذكره من اسم والده الحسين

ذكره من اسم والده الحسين 482 - محمد بن الحسين بن رزين بن موسى بن عيسى بن نصر الله بن هبة الله تقي الدين أبو عبد الله بن أبي علي بن أبي البركات العامري الحنفي (¬1) الشافعي. قاضي القضاة، ولد بحماة في يوم الثلاثاء سادس شعبان سنة ثلاث وستمائة. وتفقه على الشيخ الإمام الحافظ تقي الدين أبي عمر، وعثمان بن علي بن عبد الرحمن بن الصلاح، وبه تخرّج وتميّز في حياته وسمع عليه الحديث، وعلي أبي الحسن علي محمد بن عبد الصمد السخاوي، وقرأ عليه القراءات، وسمع أيضا على أبي القاسم عبد الله بن الحسين بن رواحة، وكريمة بنت عبد الوهّاب القرشية، وجماعة. وحدث عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي، وبدر الدين محمد بن جماعة في عدة من أهل مصر، وحفظ في صباه «التنبيه»، و «الوسيط»، و «المفصل». ورحل من حماة إلى حلب، فقرأ على الموفق، ورجع فتصدر للإقراء والتدريس، وعمره ثماني عشرة سنة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 298، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1465، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 417، 2/ 167، ذيل مرآة الزمان لليونيني 4/ 124، طبقات الشافعية للاسنوي 115، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 46، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 57 أ، العبر 5/ 331، 332، المقفى 1/ 221 والترجمة فيه بالنص، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 7/ 353.

وحفظ «المستصفى»، وكتابي ابن الحاجب في الفقه والأصول، وبرع في علم التفسير، وشارك في الخلاف والمنطق والحديث والبيان، وصار من الفقهاء المقصودين للإفتاء. وتخرّج عليه جماعة، منهم البدر محمد بن جماعة. وقدم إلى دمشق فولي بها وكالة بيت المال في أيام الناصر صلاح الدين الأيوبي صاحب حلب ودمشق، وتدريس الشاميّة البرانية وغيرها. ثم رحل إلى القاهرة في جفل التتار، سنة ثمان وخمسين وستمائة، فأقام بها، وولي تدريس المدرسة الظاهرية عند فراغها في صفر سنة اثنتين وستين وستمائة، وفوض إليه قضاء القاهرة والوجه البحري، بعد وفاة قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز في شعبان سنة خمس وستين. واستقر محيي الدين عبد الله بن عين الدولة في قضاء مصر والوجه القبلي، ثم صرف ابن عين الدولة عن قضاء مصر، وأضيف إلى ابن رزين في ثامن شهر ذي القعدة سنة ست وسبعين، فكمل له قضاء القضاة بديار مصر كلها، إلى أن عزل بصدر الدين عمر بن عبد الوهاب بن بنت الأعز في نصف جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين. ثم أعيد إلى قضاء القضاة بعد عزل صدر الدين عمر بن بنت الأعز، في يوم السبت سادس عشري شهر رمضان سنة تسع وسبعين، فاستمر إلى أن مات وهو قاض في ليلة الأحد ثالث شهر رجب سنة ثمانين وستمائة بالقاهرة، ودفن من الغد بالقرافة. وكان فقيها عارفا بالأحكام، مدرسا بالمدرسة جوار قبر الشافعي من القرافة، وبالمدرسة الصالحية، والظاهرية، وكان يسكنها، وامتنع من أخذ الجامكيّة على القضاء تورعا وتدينا، وكانت الفتاوى ترد إليه من الأقطار

فيجيد الكتابة عليها، مع اليد الطولى في علم التفسير، وحسن السيرة في القضاء، وكانت علامته الحمد لله الكافي وحده. وكان يذهب إلى الوجه الذي حكاه صاحب «التتمة» أن الرّشد صلاح المال فقط، ويرفع الحجر عمن بلغ رشيدا في ماله، وإن بلغ سفيها في دينه. قال ابن الرفعة: سمعته في مجلس حكمه بمصر يصرّح باختياره، ويحكم بموجبه، ويستدل بإجماع المسلمين على جواز معاملة من يلقاه الغريب من أهل البلاد، مع أن العلم محيط بأن الغالب على الناس عدم الرشد في الدين، والرشد في المال، ولو كان ذلك مانعا من نفوذ التصرفات لم تجر الأقلام عليه. وكانت العادة إذا جمع للواحد [بين] (¬1) قضاء مصر والقاهرة أن يتوجه يوم الاثنين ويوم الخميس إلى مصر، فيجلس بجامع عمرو بن العاص، لفصل القضاء بين الناس، ويحضر عنده فقهاء مصر، فكان ابن الرفعة يحضر عند ابن رزين إذا حضر إلى مصر من القاهرة. ومن اختياراته أن من عزم على معصية قد فعلها ولم يتب منها، فإنه يؤاخذ بهذا العزم؛ لأنه إصرار. ومنها [لو] (¬2) وقفت مدرسة لم يجر أن يشترك اثنان في تدريسها، بل لا يكون إلا مدرس واحد، وله شعر. ذكره الشيخ تقي الدين المقريزي في «المقفى». ¬

_ (¬1) من المقفى للمقريزي، طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) تكملة عن المقفى للمقريزي.

483 - محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن يعقوب المروزيّ أبو عبد الله البنجديهيّ الزّاغوليّ الشافعيّ الحافظ (¬1). ولد سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، وتفقه على أبي بكر السّمعانيّ، والد أبي سعد، وعلى الموفّق [بن] (¬2) عبد الكريم الهرويّ. وسمع محيي السنّة البغويّ، وعيسى بن شعيب السجزيّ، وأبي الفتح نصر ابن إبراهيم الحنفيّ. وحدّث عنه أبو سعد السّمعانيّ، وولده أبو المظفر. قال أبو سعد: وكان عارفا بالحديث وطرقه، صالحا، حسن السيرة، خشن العيش، عارفا باللغة والحديث. وله «قيد الأوابد» أربعمائة مجلد يشتمل على التفسير، والحديث، والفقه، واللغة. ومات في ثاني عشر جمادى الآخرة، سنة تسع وخمسين وخمسمائة. وبنج ديه: بباء موحدة ونون وجيم ثم دال ثم ياء مثناة من تحت ثم هاء. وزاغول: بفتح الزاي وضم الغين المعجمة ولام، قرية من أعمال بنج ديه من أعمال مرو الروذ. ذكره ابن قاضي شهبة، ثم شيخنا في «طبقات الحفاظ». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني ورقة 267 أ، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1337، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 99، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 35 أ، اللباب 1/ 489، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 373. (¬2) تكملة عن: طبقات الشافعية للسبكي، واللباب لابن الأثير.

484 - محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزديّ أبا أبو عبد الرحمن (¬1). السّلميّ جدا، لأنه سبط أبي عمرو إسماعيل بن نجيد السّلميّ، النّيسابوريّ بلدا. كان شيخ مشايخ الصّوفية، وعالمهم بخراسان. له اليد الطّولى في العلم الغزير، والتصوف، والسير على سنن السّلف. سمع من أبي العباس الأصمّ، وأحمد بن علي بن حسنويه المقري، وأحمد ابن محمد بن عبدوس، ومحمد بن أحمد بن سعيد الرازيّ، صاحب ابن وارة، وأبي ظهير عبد الله بن فارس العمريّ البلخيّ، ومحمد بن المؤمّل الماسرجسيّ، والحافظ أبي عليّ الحسين بن محمد النّيسابوريّ، وسعيد بن القاسم البرذعيّ، وأحمد بن محمد بن رميح النسويّ، وجده أبي عمر. وروى [عنه] (¬2) الحاكم أبو عبد الله، وأبو القاسم القشيريّ، وأبو بكر البيهقيّ، وأبو سعيد بن رامش، وأبو بكر محمد بن يحيى المزكيّ، وأبو صالح المؤذّن، وأبو بكر بن خلف، وعلي بن أحمد المديني المؤذّن، والقاسم بن الفضل الثّقفيّ وخلق سواهم. واختلف في مولده، فالمشهور أنه في رمضان سنة ثلاثين. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية 12/ 12، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 248، تذكرة الحفاظ 3/ 1046، طبقات الشافعية للسبكي 4/ 143، طبقات المفسرين للسيوطي 31، العبر 3/ 109، الكامل لابن الأثير 9/ 326، اللباب 1/ 554، لسان الميزان 5/ 140، مرآة الجنان 3/ 26، المنتظم لابن الجوزي 8/ 6، ميزان الاعتدال 3/ 523، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 256، الوافي بالوفيات للصفدي 2/ 380. (¬2) تكملة عن: طبقات الشافعية للسبكي.

ذكره عبد الغافر الفارسي في «السّياق» فقال: شيخ الطريقة في وقته، الموفق في جميع علوم الحقائق، ومعرفة طريق التّصوّف، وصاحب التصانيف المشهورة العجيبة في علم القوم، وقد ورث التصوف عن أبيه وجدّه، وجمع من الكتب ما لم يسبق إلى ترتيبه، حتى بلغ فهرست تصانيفه المائة وأكثر. وحدّث أكثر من أربعين سنة إملاء وقراءة. وكتب الحديث بنيسابور، ومرو، والعراق، والحجاز. وانتخب عليه الحفّاظ الكبار. توفي في شعبان سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. قال الخطيب الحافظ: قال لي محمد بن يوسف النّيسابوريّ القطّان: كان السلمي غير ثقة، وكان يضع للصوفية. قال الخطيب: قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، وكان مع ذلك مجودا صاحب حديث. قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في «الطبقات الكبرى»: قول الخطيب هو الصحيح، وأبو عبد الرحمن ثقة، ولا عبرة بهذا الكلام فيه. قال: وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: كان، يعني السّلميّ، وافر الجلالة، له أملاك ورثها عن أمّه، وورثتها هي من أبيها. وتصانيفه يقال: إنها ألف جزء، وله كتاب سماه «حقائق التفسير» ليته لم يصنّفه، فإنه تخريف وقرمطة، فدونك الكتاب فسترى العجب. انتهى. قال ابن السبكي مخاطبا لشيخه الذهبيّ: لا ينبغي أن تصف بالجلالة من تدّعى فيه التحريف والقرمطة، وكتاب «حقائق التفسير» المشار إليه قد كثر الكلام فيه، من قبل أنه اقتصر فيه على ذكر تأويلات، ومحامل للصوفية، ينبو عنها ظاهر اللفظ.

485 - محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله الإمام فخر الدين أبو عبد الله الحرّانيّ (¬1). الفقيه، الحنبليّ، الواعظ المفسر. شيخ حرّان وعالمها وخطيبها. ولد بها في أواخر شعبان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، ورحل إلى بغداد، فسمع بها الحديث من أبي طالب المبارك بن خضير، وأبي الفتح بن البطّيّ، وأبي بكر بن النقور، وسعد الله بن نصر الدّجاجيّ، ويحيى بن ثابت ابن بندار، وأبي الفضل بن شافع، وعلي بن عساكر البطائحيّ، وأبي الحسين اليوسفيّ، وأخيه أبي نصر، وأبي الفتح بن شاتيل، وشهدة، وغيرهم. وسمع بحران من أبي النجيب السّهرورديّ، وأبي الفتح أحمد بن أبي الوفاء، وأبي الفضل حامد بن أبي الحجر، وبالثلاثة. تفقه ببغداد على أبي الفتح نصر بن المنّي، وأبي العباس بن بكروس. وأخذ التفسير عن ابن أبي الحجر، ولازم أبا الفرج بن الجوزي ببغداد، وسمع منه كثيرا من مصنفاته، وقرأ عليه كتابه «زاد المسير في التفسير» قراءة بحث وفهم. وقرأ الأدب على أبي محمد بن الخشاب، وبرع في الفقه والتفسير، وغيرهما. ورجع إلى بلده، وجدّ في الاشتغال، ثم أخذ في التدريس، والوعظ، والتصنيف، وشرع في إلقاء التفسير بكرة كل يوم بجامع حران في سنة ثمان وثمانين، وواظب على ذلك حتى فسر القرآن خمس مرات، انتهى آخرها إلى ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 109، ذيل الحنابلة لابن رجب 2/ 151، طبقات المفسرين للسيوطي 32، العبر للذهبي 5/ 92، النجوم الزاهرة 6/ 262، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 37، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 20.

سنة عشر وستمائة وكان مجموع ذلك في ثلاث وعشرين سنة، ذكر ذلك في أول «تفسيره» الذي صنفه. وكان رحمه الله رجلا صالحا، تذكر له كرامات وخوارق، وولي الخطابة والإمامة بجامع حران، والتدريس بالمدرسة النورية بها، وبنى هو مدرسة بحران أيضا. قال ابن حمدان الفقيه: كان شيخ حران، ومدرسها، وخطيبها، ومفسّرها، وكان مغري بالوعظ والتفسير، مواظبا عليهما. وقال المنذريّ: كان عارفا بالتفسير، وله خطب مشهورة، وشعر، و «مختصر في الفقه»، وكان مقدما في بلده، وولي الخطابة بها، ووعظ ودرس بها، وحدّث ببغداد، وحران، قال: ولنا منه إجازة. وله تصانيف كثيرة، منها: «التفسير الكبير» في مجلدات كثيرة، وهو تفسير حسن جدا، ومنها ثلاث مصنفات في المذهب، على طريقة البسيط، والوسيط، والوجيز [للغزالي (¬1)] أكبرها «تخليص المطلب في تلخيص المذهب»، وأوسطها «ترغيب القاصد في تقريب المقاصد» وأصغرها «بلغة الساغب وبغية الراغب» وله شرح «الهداية» لأبي الخطاب، ولم يتمه، وله «ديوان الخطب الجمعية» وهو مشهور، ومصنفات في الوعظ، و «الموضح في الفرائض». قال الذهبي: كان إماما في التفسير، إماما في الفقه، إماما في اللغة. أخذ العلم عنه جماعة، منهم: ولده أبو محمد عبد الغني خطيب حران، وابن أخيه المجد عبد السلام. ¬

_ (¬1) من ذيل الحنابلة لابن رجب.

وسمع منه خلق كثير من الأئمة والحفاظ، منهم: ابن نقطة، وابن النجار، والشهاب الأبرقوهي، والجمال يحيى بن الصيرفي، والرشيد عمر بن إسماعيل الفارقي، وسبط ابن الجوزي، وغيرهم. وروى عنه ابن عبد الدائم، وعبد الرحمن بن محفوظ الرسعني، وغيرهما. توفي رحمه الله يوم الخميس حادي عشر صفر، سنة اثنتين وعشرين وستمائة بحرّان. 486 - محمد بن خلف بن المرزبان بن بسام أبو بكر الآجري المحوّليّ (¬1). والمحوّل قرية غربي بغداد، أخباري صاحب تصانيف. روى عن الزبير، والرمادي. وعنه أبو عمر بن حيويه، وجماعة. مات سنة تسع وثلاثمائة. قال الدارقطني: أخباري لين، انتهى. وقال الخطيب: كان أخباريا مصنفا حسن التأليف. له من الكتب كتاب «الحاوي في علوم القرآن» سبعة وعشرون جزءا، كتاب «الحماسة»، كتاب «أخبار عبد الله بن جعفر بن أبي طالب»، كتاب، «الشعراء»، كتاب «تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب»، كتاب «تفضيل السودان على البيضان»، «ذم الثقلاء»، «أخبار العرجي»، «أخبار عبد الله بن قيس الرقيات»، كتاب ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 5/ 237، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 757، الفهرست لابن النديم 86، 149، 150، اللباب 3/ 108، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 5/ 157، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 203، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 44.

«الشراب»، «كتاب المتيّمين المعصومين المتباعدين»، كتاب «الروضة»، كتاب «الجلساء والندماء»، كتاب «الهدايا»، كتاب «من غدر وخان» انتهى. 487 - محمد بن خلف بن موسى الأوسي (¬1). من أهل إلبيرة، يكنى أبا عبد الله. كان متكلما متحققا برأي الأشعري، ذاكرا لكتب الأصول والاعتقادات، مشاركا في الأدب، مقدما في الطّب. روى عن ابن فرج مولى ابن الطلاع؛ وأبي علي الغساني. وأخذ علم الكلام عن أبي بكر بن الحسن المرادي. روى عنه أبو إسحاق بن قرقول، وأبو الوليد بن خيرة، وجماعة كثيرة. وله «النكت والأمالي في الرد على الغزالي»، و «الإفصاح والبيان في الكلام على القرآن»، و «الوصول إلى معرفة الله تعالى ونبوة الرسول» صلى الله عليه وسلم، و «رسالة البيان في حقيقة الإيمان»، و «الرد على أبي الوليد بن رشد في مسألة الاستواء» الواقعة في الجزء الأول من مقدماته و «شرح مشكلة ما وقع في الموطأ وصحيح البخاري» و «كتاب في مداواة العين» وهو كتاب جم الفائدة. توفي سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. ذكره ابن فرحون في «طبقات المالكيّة». 488 - محمد بن دليف أبو عبد الله. مولى ابن عبدوس، صاحب وثّقه. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 313، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 46.

كان من أهل العلم، والفصاحة، والحفظ لمعاني القرآن وتفسيره، عابدا مجتهدا، حج وانصرف، فلزم السياحة والتبتل نحو عشرين عاما، ثم نكح أخيرا وجلس للناس يعلمهم ويحدثهم. مات سنة خمس وثلاثين ثلاثمائة. ذكره عياض في «المدارك». 489 - محمد بن دينار الأحول ............. (¬1). له كتاب «غريب القرآن» .............. (¬2). 490 - محمد بن زيد الواسطي (¬3). أحد المتكلمين على مذهب المعتزلة. أخذ عن أبي علي الجبائي. وصنف «إعجاز القرآن في نظمه وتأليفه» وكتاب «الإمامة» جود فيه، ومات بعد أبي علي بأربع سنين، ذكره ابن النجار في «تاريخه». وقال مسلمة بن قاسم: كان حنفي الفقه بغداديا. وعنه أخذ ابن بنت حامد الاعتزال. وقال النديم: كان عالي الصوت، كثير الأصحاب، وكان خفيف الروح، وهجا نفطويه، فكان يقول: من أراد أن يتناهى في الجهل، فليقرأ الكلام على طريقة الناشي، والفقه على طريقة داود، والنحو على طريقة نفطويه، قال: وكان نفطويه يتكلم على طريقة الناشي، ويتفقه بمذهب داود، فأراد الواسطي بما قال، أنه تناهى في الجهل. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، وذكره ابن النديم تحت عنوان الكتب المؤلفة في غريب القرآن ولم يزد على ذلك، وانظر الفهرست ص 35. (¬2) بياض في الأصل، وذكره ابن النديم تحت عنوان الكتب المؤلفة في غريب القرآن ولم يزد على ذلك، وانظر الفهرست ص 35. (¬3) له ترجمة في: الفهرست لابن النديم 172، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 5/ 172، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 82.

491 - محمد بن السائب بن بشر الكلبيّ أبو النّضر الكوفي (¬1). النسابة المفسر. روى عن الشعبي، وجماعة. وعنه ابنه، وأبو معاوية، ويزيد، ويعلى بن عبيد، وخلق، متهم بالكذب، ورمي بالرفض. قال البخاري: تركه القطان. وابن مهدي. قال مطين: مات سنة ست وأربعين ومائة. أخرج له أبو داود في المراسيل والترمذي وابن ماجة في التفسير. وله «تفسير» مشهور، و «تفسير الآي الذي نزل في أقوام بأعيانهم» و «ناسخ القرآن ومنسوخه». 492 - محمد بن سليمان بن الحسن بن الحسين العلامة جمال الدين أبو عبد الله بن أبي الربيع البلخي الأصل المقدسي الحنفي المعروف بابن النقيب (¬2). ولد بالقدس في نصف شعبان، سنة إحدى عشرة وستمائة. كان أحد الأئمة العلماء الزهاد، عابدا متواضعا، عديم التكلف، صرف همته أكثر دهره إلى التفسير، و «تفسيره» مشهور في نحو مائة مجلد. ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 288، الفهرست لابن النديم 95، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 556، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 83، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 436. (¬2) له ترجمة في: الأنس الجليل لمجير الدين الحنبلي 2/ 217، الجواهر المضيئة 2/ 57، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 467، طبقات المفسرين للسيوطي 32، العبر للذهبي 5/ 398، الفوائد البهية 168، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 8/ 188.

سمع الحديث من أبي الفضل يوسف بن المخيلي، وغيره. وحدّث، وقال الشعر على طريق التصوف، وله قصيدة في هذا المعنى سمّاها «منهاج العارف المتقي ومعراج السالك المرتقي» طويلة جدا، تدخل في أربعين ورقة. وكان بعينيه ضعف، وقدم القاهرة، ودرّس بالعاشورية ثم تركها، وأقام بسطح الجامع الأزهر. وكان أمّارا بالمعروف، نهّاء عن المنكر، لا يخاف من ذي سطوة، أنكر على الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، وقال له: أنت ظالم، لا تخف الله، فاحتمله وهابه وطلب رضاه. ذكره الحافظ قطب الدين في «تاريخه»، والإربلي في «معجم شيوخه». ثم إنه خرج من القاهرة قاصدا إلى القدس، فتوفي به في محرم سنة ثمان وتسعين وستمائة، عن سبع وثمانين سنة. سمع منه البرزالي، وابن سامة، والذهبي. 493 - محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن عبد الملك بن علي بن يوسف بن إبراهيم بن خلف بن عبد الكريم أبو عبد الله بن أبي الربيع بن أبي عبد الله الحميري المعافري الشاطبي (¬1). نزيل الاسكندرية. أحد أولياء الله تعالى، شيخ الصالحين صاحب الكرامات المشهورة، جمع بين العلم والعمل، والورع والزهد، والانقطاع إلى الله تعالى، والتخلي عن الناس، والتمسك بطريقة السلف. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 521، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 149، المقفى للمقريزي 1/ 270، نفح الطيب للمقري 2/ 140، هدية العارفين للبغدادي 2/ 129.

قرأ القرآن ببلده بالقراءات السبع، على أبي عبد الله محمد بن سعادة الشاطبي، وأبي عبد الله الجنجاني. وقرأ بدمشق على أبي الحسن بن باسويه الواسطي، وسمع عليه الحديث، ورحل فسمع من الزاهد أبي يوسف يعقوب بن علي بن يوسف، خادم أضياف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قبره ومنبره، سنة سبع عشرة وستمائة. وسمع بدمشق على أبي القاسم [الحسين بن (¬1)] هبة الله بن صصري، وأبي المعالي أحمد بن الخضر بن هبة الله بن طاوس، وأبي الوفاء عبد الملك ابن عبد الوهّاب وغيره، وانقطع لعبادة الله تعالى في تربة الشيخ أبي العباس المرسي (¬2) المعروف برباط سوار من الإسكندرية، وتلمذ للشاطبي تلميذ الراس. صنف كتبا حسنة منها كتاب «المسلك القريب في ترتيب الغريب»، وكتاب «اللمعة الجامعة في العلوم النافعة» في تفسير القرآن العزيز، وكتاب «شرف المراتب والمنازل في معرفة العالي في القراءات والنازل»، وكتاب «المباحث السنية في شرح الحصرية»، وكتاب «الحرقة في إلباس الخرقة»، وكتاب «المنهج المفيد فيما يلزم الشيخ والمريد»، وكتاب «النبذ الجلية في ألفاظ اصطلح عليها الصّوفية» وكتاب «زهر العريش في تحريم الحشيش»، وكتاب «الزهر المضي في ترجمة الشاطبي»، وكتاب «الأربعين المضيّة في الأحاديث النبويّة». ومولده بشاطبة سنة خمس وثمانين وخمسمائة، ووفاته بالإسكندرية في يوم ¬

_ (¬1) من المقفى للمقريزي. (¬2) كذا في الأصل. وفي المقفى، ونفح الطيب للمقري «الراس».

السبت الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين وستمائة، ودفن بتربة شيخه المجاورة لزاويته، رحمهما الله تعالى. ذكره المقريزي في «المقفى». 494 - محمد بن سليمان بن داود بن عقبة بن رؤبة القزويني أبو جعفر المقرئ (¬1). كبير في علوم القرآن، حدث عن يحيى بن عبدك، وروى عنه أبو يعقوب ابن مندة الكرجي. صنف في القراءات كتابا مفيدا سمّاه «بالوافر»، روى فيه عن الفضل ابن شاذان المقرئ، وإبراهيم بن الحسين المعروف بابن ديزيل، وعلي بن محمد الطنافسي، وأبي حاتم الرازي، وغيرهم. سمع منه هذا الكتاب سنة خمس وتسعين ومائتين. ذكره الرافعي في «تاريخ قزوين». 495 - محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن هارون بن موسى بن عيسى بن إبراهيم بن بشر، الحنفي نسبا، من بني حنيفة، العجليّ، الأستاذ الكبير أبو سهل الصّعلوكيّ الشافيّ (¬2). شيخ عصره، وقدوة أهل زمانه، وإمام وقته في الفقه، والتفسير، واللغة، والنحو، والشعر، والعروض، والكلام، والتصوف، وغير ذلك من أصناف العلم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ قزوين للرافعي 171. (¬2) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 3/ 167، طبقات الشيرازي 95، طبقات العبادي 99، طبقات ابن هداية الله 29، العبر للذهبي 2/ 352، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 136، الوافي 3/ 124، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 342.

أجمع أهل عصره على أنه بحر العلم الذي لا ينزف. ولد سنة ست وتسعين ومائتين. وأول سماعه سنة خمس وثلاثمائة. سمع ابن خزيمة، وعنه حمل الحديث، وأبا العباس السّرّاج، وأبا العباس أحمد بن محمد الماسرجسيّ، وأبا قريش محمد بن جمعة، وأحمد بن عمر المحمّدآباذيّ، وأبا محمد بن أبي حاتم، وإبراهيم بن عبد الصمد، وأبا بكر بن الأنباريّ، والمحامليّ، وغيرهم. وتفقه على أبي إسحاق المروزيّ، وطلب العلم، وتبحّر فيه قبل خروجه إلى العراق بسنين. قال الحاكم: لأنه ناظر في مجلس أبي الفضل البلعميّ، الوزير، سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وتقدّم في المجلس إذ ذاك، ثم خرج إلى العراق، سنة اثنتين وعشرين، وهو إذ ذاك أوحد بين أصحابه، ثم دخل البصرة ودرّس بها سنين، فلما نعي إليه عمه أبو الطيّب، وعلم أن أهل أصبهان لا يخلون عنه في انصرافه [خرج] (¬1) مختفيا منهم، فورد نيسابور في رجب سنة سبع وثلاثين، وهو على الرجوع إلى الأهل والولد والمستقرّ من أصبهان، فلما ورد جلس لمأتم عمّه ثلاثة أيام، فكان الشيخ أبو بكر بن إسحاق يحضر كل يوم، فيقعد معه، هذا مع قلة حركته، وكذلك كل رئيس ومرءوس، وقاض ومفت من الفريقين، فلما انقضت الأيام عقدوا له المجلس غداة كل يوم للتدريس والإلقاء، ومجلس النّظر عشيّة الأربعاء، واستقرّت به الدار، ولم يبق في البلد موافق ولا مخالف إلا وهو مقر له بالفضل والتّقدم، وحضره المشايخ مرة بعد أخرى يسألونه أن ينقل من خلّفهم وراءه بأصبهان، [فأجاب (¬2)] إلى ذلك، ودرّس، وأفتى، ورأس أصحابه بنيسابور اثنتين ¬

_ (¬1) من طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) من طبقات الشافعية للسبكي.

وثلاثين سنة، وكان يسأل عن التحدّث فيمتنع أشدّ الامتناع إلى غرة رجب سنة خمس وستين وثلاثمائة، [سئل] (¬1) فأجاب للإملاء، وقعد للتحدّث عشيّة الجمعة. قال الحاكم: سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق الإمام غير مرّة، وهو يعوذ أبا سهل، وينفث على دعائه، ويقول: بارك الله فيك، لا أصابتك العين. هذا في مجلس النظر عشيّة السبت للكلام، وعشية الثلاثاء للفقه. قال: وسمعت أبا علي الأسفراينيّ يقول: [سمعت] (¬2) أبا إسحاق المروزي يقول: ذهبت الفائدة من مجلسنا بعد خروج أبي سهل النيسابوري. قال: وسمعت أبا بكر محمد بن علي القفال، الفقيه ببخارى يقول: قلت للفقيه أبي سهل بنيسابور حين أراد مناظرتي: هذا ستر قد أسبله الله عليّ، فلا تسبق إلى كشفه. قال: وسمعت أبا منصور الفقيه يقول: سئل أبو الوليد عن أبي بكر القفّال وأبي سهل، أيهما أرجح؟ فقال: ومن يقدر أن [يكون] (¬3) مثل أبي سهل؟ وقال الأستاذ أبو القاسم القشيريّ: سمعت أبا بكر بن إشكاب يقول: رأيت الأستاذ أبا سهل في المنام على هيئة حسنة لا توصف، فقلت: يا أستاذ، بم نلت هذا؟ فقال: بحسن ظنّي بربّي. وحكي أن أبا نصر الواعظ، وكان حنفيا في زمان الأستاذ أبي سهل انتقل إلى مذهب الشافعيّ، فسئل عن ذلك فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام مع أصحابه قاصدا لعيادة الأستاذ أبي سهل. وكان مريضا، ¬

_ (¬1) من طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) من طبقات الشافعية للسبكي. (¬3) من طبقات الشافعية للسبكي.

قال: فتبعته، ودخلت عليه معه، وقعدت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم متفكرا، فقلت إن هذا إمام أصحاب الحديث، وإن مات أخشى أن يقع الخلل فيهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي: لا تفكر في ذاك إن الله لا يضيّع عصابة أنا سيّدها. صحب الأستاذ أبو سهل من أئمة التصوف المرتعش، والشّبليّ، وأبا علي الثقفيّ، وغيرهم. وقال السّلميّ: سمعت أبا سهل يقول: ما عقدت لي على شيء قطّ، وما كان لي قفل ولا مفتاح، ولا صررت على فضّة ولا ذهب قط. توفي يوم الثلاثاء خامس عشر ذي القعدة. سنة تسع وستين (¬1) وثلاثمائة، وصلى عليه ابنه أبو الطّيّب، ودفن في المجلس الذي كان يدرّس فيه. قال الشيخ أبو الفضل أحمد بن محمد بن أبيّ الفراتيّ: سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السّلميّ، يقول: قلت يوما للأستاذ أبي سهل، في كلام يجري بيننا: لم؟ فقال لي أما علمت أن من قال لأستاذه: لم، لا يفلح أبدا. قال: وسمعت الشيخ أبا عبد الرحمن، يقول: قال الأستاذ أبو سهل لي يوما: عقوق الوالدين يمحوها الاستغفار، وعقوق الأستاذين لا يمحوها شيء. قال عمر بن أحمد بن منصور: أنشدنا أبو سهل محمد بن سليمان الحنفيّ إملاء، أنشدنا أبو بكر بن الأنباريّ، أنشدنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى: لقد هتفت في جنح ليل حمامة ... إلى إلفها شوقا وإنّي لنائم كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم ¬

_ (¬1) في الأصل: «تسع وثلاثين»، صوابه في طبقات الشافعية للسبكي.

قال: وأنشدنا الإمام أبو سهل لنفسه (¬1): أنام على سهو وتبكي الحمائم ... وليس لها جرم ومنّي الجرائم كذبت وبيت الله لو كنت عاقلا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم قال الحاكم: سمعت الأستاذ أبا سهل، ودفع إليه مسألة، فقرأها علينا، وهي: تمنّيت شهر الصوم لا لعبادة ... ولكن رجاء أن أرى ليلة القدر فأدعو اله النّاس دعوة عاشق ... عسى أن يريح العاشقين من الهجر فكتب أبو سهل في الحال: تمنيت ما لو نلته فسد الهوى ... وحل به للحين قاصمة الظهر فما في الهوى طيب ولا لذة سوى ... معاناة ما فيه يقاسى من الهجر 496 - محمد بن سلّام- بالتشديد- بن عبد الله بن سالم الجمحيّ (¬2). مولى محمد بن زياد، مولى قدامة بن مظعون. ذكره الزبيدي في الطبقة الخامسة من اللغويين البصريين، وقال: توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين بالبصرة. ¬

_ (¬1) البيتان في الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 124. (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 143، الأنساب للسمعاني 134 ب، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 5/ 327، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 57، العبر 1/ 409، الفهرست لابن النديم 113، اللباب 1/ 236، لسان الميزان 5/ 182، مراتب النحويين 67، معجم الأدباء 7/ 13، ميزان الاعتدال 3/ 567، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 260، نزهة الألباء للأنباري 157.

له «غريب القرآن» ................. (¬1) 497 - محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون (¬2) بن إبراهيم بن محمد بن مسلم أبو عبد الله القضاعي المصري. الفقيه الشافعي، القاضي. (¬3) روى عن أبي مسلم محمد بن أحمد بن علي الكاتب، وأبي الحسن أحمد ابن عبد العزيز بن ثرثال، وأبي عبد الله محمد بن محمد بن الحسين بن عمر ابن حفص التنوخي اليمني، وأبي الحسن علي بن عبد الله بن جهضم، وأبي القاسم بن الطبيز الحلبي، وأبي الحسن علي بن موسى بن السمسار الدمشقي. وأبي العباس أحمد بن محمد الجيزي، وأبي محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ، وأبي العباس أحمد بن محمد يحيى بن عبد الله بن أبي العوام السعدي، وغيرهم من شيوخ مكة والشام ومصر والواردين عليها. قال في حقه السلفي: قاضي مصر، وقد خرج معظم شيوخه الذين رآهم سفرا وحضرا. وله تآليف مفيدة، منها: «تفسير القرآن العظيم» في نحو أربعين مجلدة، و «الشهاب» و «مسنده»، و «دستور الحكم»، و «منثور الكلم» من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، وقد وقفت الترجمة عند هذا الحد أيضا في بغية الوعاة. وذكر له ابن النديم من الكتب أيضا: كتاب «الفاصل في منح الأخبار والاشعار». كتاب «بيوتات العرب»، كتاب «طبقات الشعراء الجاهليين»، كتاب «طبقات الشعراء الاسلاميين»، كتاب «الحلاب وأجر الخيل». (¬2) في الأصل: حمكون. وما أثبتنا عن شذرات الذهب، والوافي بالوفيات، ووفيات الأعيان. (¬3) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 403، طبقات الشافعية للسبكي 4/ 150، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 23 ب، العبر 3/ 233، اللباب 2/ 269، مرآة الجنان لليافعي 3/ 75، المقفى للمقريزي 1/ 277، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 116، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 349.

وكان من الثقات الأثبات، كثير السماعات، شافعي المذهب والاعتقاد، مرضي الجملة عند الانتقاد. وروى عنه أبو بكر الخطيب، وأبو نصر بن ماكولا، وأبو عبد الله الحميدي وأبو الفرج سهل بن بشر الأسفراينيّ، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم الرازي، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، وأبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس النسيب وغيرهم. وقال ابن عساكر: ثقة أمين، قدم إلى دمشق مجتازا لبلاد الروم، رسولا من صاحب مصر. وقال ابن ميسر: كان يحلف القضاة بمصر وأوّل من استحلفه من قضاة مصر، أبو محمد قاسم بن عبد العزيز النعمان، في ولايته الثانية من قبل المستنصر، سنة سبع وعشرين وأربعمائة، إلى أن صرف بأبي محمد الحسن بن علي بن عبد الرحمن اليازوري، فأقره، واستمر يحلف من يلي القضاء حتى مات. وقال ابن ماكولا: كان فقيها على مذهب الشافعي رحمه الله، متفننا في عدة علوم، وصنف وحدّث، ولم أر بمصر من يجري مجراه. وسمع عليه أبو عبد الله الرازي، كتاب «المختلف والمؤتلف» أخبره به عن مصنفه عبد الغني بن سعيد، وكتاب «فضائل أبي حنيفة» النعمان بن ثابت، وروى تأليف أبي القاسم عبيد الله بن محمد بن أحمد بن يحيى السعدي عرف بابن العوام، أخبره به عن أبي العباس أحمد بن محمد بن يحيى بن عبيد الله بن محمد بن أحمد بن يحيى بن أبي العوام عن أبيه عن جده. وقال ابن عساكر: سمعت أبا الفتح [نصر الله بن محمد الفقيه يقول:

سمعت أبا الفتح نصر بن إبراهيم الزاهد (¬1)] يقول: قدم علينا القاضي أبو عبد الله القضاعي رسولا من المصريين إلى الروم، فذهبت ولم أسمع منه، ثم إني رويت عنه بالإجازة يعني أنه لم يرضه في أول أمره، لدخوله في الولاية من قبل المصريين. وقال أبو بكر محمد بن شافع الصنوبري: سمعت القاضي أبا عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي يقول: لما دخلت على ملك الروم أليون رسولا من قبل المستنصر بالله وأحضرت المائدة، فلما رفعت جعلت ألتقط الفتات، فأمر الفراش أن يحضر أخرى ففعل، فقال لي الملك: أصب منه فإنك لم تشبع، فقلت: بلغني مرفوعا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: (من التقط ما يسقط من المائدة برىء من الحمق والفقر) فأمر الخازن في الحال بإحضار ألف دينار، فقلت: صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاستغنيت وبرئت من الحمق. وذكر ابن عساكر أن القضاعي توفي سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وهو وهم، إنما كانت وفاته ليلة الجمعة سابع عشر من ذي القعدة سنة أربع وخمسين وأربعمائة بمصر. ودفن على شفير الخندق، وقبره يزار ويتبرك به. ذكره المقريزي في «المقفى». 498 - محمد بن سيف (¬2) الأزديّ الحدّاني، بضم المهملة وتشديد الدال أبو رجاء البصريّ (¬3). ثقة من الطبقة السادسة، روى عن أبي بريدة، وطائفة. ¬

_ (¬1) من المقفى للمقريزي. (¬2) في الأصل: «ابن يوسف» والمثبت في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي، والفهرست لابن النديم. (¬3) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 290، الفهرست لابن النديم 34.

وعنه شعبة، وابن عليّة، ويزيد بن زريع. أخرج له النسائي، وأبو داود في «المراسيل». له «تفسير». 499 - محمد بن طاهر بن محمد الحسن بن الوزير (¬1). الأديب المذكّر المفسر. كان كثير العلوم فصيحا. سمع عبد الله بن محمد بن الشّرقيّ، وأبا حامد بن بلال. وأبا علي الثقفيّ، وأقرانهم. توفي في شهر رمضان، سنة خمس وستين وثلاثمائة. وكان أولا حنفيا، ثم تحول شافعيا. 500 - محمد بن طيفور الغزنويّ أبو عبد الله السجاونديّ (¬2). المفسر، المقرئ، النحويّ، له «تفسير» حسن، وكتاب «علل القراءات» في عدة مجلدات، وكان من كبار المحققين. وذكره القفطيّ مختصرا وقال: كان في وسط المائة السادسة. وذكره ياقوت فقال: أبو المحامد الملقب شمس العارفين، ترجمه أبو الحسن البيهقي في «الوشاح»، وأورد له: أزال الله عنكم كل آفه ... وسد عليكم سبل المخافة (¬3) ولا زالت نوائبكم لديكم ... كنون الجمع في حال الإضافة ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني لوحة 584 أ، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 175، لسان الميزان 5/ 207، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 586. (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 153، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 157، طبقات المفسرين للسيوطي، 32، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 59، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 178. (¬3) انباه الرواة للقفطي 3/ 153.

501 - محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عمروس أبو الفضل البزّار البغدادي (¬1). إمام فاضل، درس على القاضي أبي الحسن بن القصّار، والقاضي ابن نصر. وكان من حفاظ القرآن ومدرسيه، وإليه انتهت الفتيا في الفقه على مذهب مالك في زمانه ببغداد، وكان القاضي الدامغاني يجيز شهادته. وكان فقيها أصوليّا، وله تعليق حسن مشهور في الخلاف، درس عليه القاضي أبو الوليد الباجي ببغداد، وحدّث عنه هو وأبو بكر الخطيب. توفي سنة سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة. ذكره ابن فرحون. 502 - محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي الثلج (¬2) - بمثلثة وجيم- البغدادي أصله من الري. صاحب أحمد، يروي عن يزيد بن هارون، وعدة. وعنه البخاري، والترمذي، وابن خزيمة، وابن أبي حاتم، وآخرون. من الطبقة الحادية عشرة، مات سنة سبع وخمسين ومائتين، له «تفسير». 503 - محمد بن عبد الله بن أشتة اللوذريّ أبو بكر الأصبهانيّ (¬3). أستاذ كبير، وإمام شهير، ونحوي محقق ثقة، سكن مصر. قال الدّاني: ضابط مشهور مأمون ثقة، عالم بالعربية، بصير بالمعاني، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 339، الديباج المذهب لابن فرحون 2/ 273، العبر 3/ 228. (¬2) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 293. (¬3) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 184.

حسن التصنيف. قرأ على أبي بكر بن مجاهد، ومحمد بن أحمد بن الحسن الكسائي الأخير، ومحمد بن يعقوب المعدل، وأبي بكر النقاش، وغيرهم. قرأ عليه خلف بن إبراهيم، وعبد الله بن محمد الأندلسي، وعبد المنعم بن غلبون، ومحمد بن عبد الله المؤدب، وخلف بن قاسم وغيرهم. له كتاب «رياضة الألسنة» في إعراب القرآن ومعانيه، و «كتاب المصاحف»، وكتاب «المحبّر». قال ابن الجزري في «طبقات القراء»: كتاب جليل يدلّ على عظم مقداره، وكتاب «المفيد في الشاذ». مات بمصر ليلة الأربعاء لثلاث بقيت من شعبان سنة ستين وثلاثمائة. ذكره ابن الجزري ثم شيخنا «في طبقات النحاة». 504 - محمد بن عبد الله بن بهادر (¬1). الإمام العالم العلامة المصنف المحرر بدر الدين أبو عبد الله المصري الزركشيّ الشافعي. مولده سنة خمس وأربعين وسبعمائة، أخذ عن الإسنويّ، ومغلطاي، وابن كثير والأذرعيّ، والسراج البلقينيّ. ورحل إلى حلب، فأخذ عن الشهاب الأذرعي، وسمع الحديث بدمشق سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة من الصلاح بن أبي عمر، وابن أميلة، ومن غيرهما. وكان فقيها أصوليا مفسّرا أديبا فاضلا في جميع ذلك، ودرّس وأفتى، وولي مشيخة خانقاه كريم الدين بالقرافة الصّغرى، وكان منقطعا إلى الاشتغال بالعلم، لا يشتغل عنه بشيء، وله أقارب يكفونه أمر دنياه. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 446، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 437، الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 17، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 104 أ، طبقات ابن هداية الله 93، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 12/ 134.

وله تصانيف كثيرة في عدّة فنون، منها «الخادم على الرافعي والرّوضة» وشرح «المنهاج»، و «الديباج»، وشرح «جمع الجوامع» وشرح «البخاري» «والتنقيح» عليه، وشرح «العمدة»، وشرح «التنبيه»، و «البحر في الأصول»، في ثلاثة أجزاء، جمع فيه جمعا كثيرا لم يسبق إليه، و «سلاسل الذهب» في الأصول، و «البرهان في علوم القرآن»، و «القواعد في الفقه»، و «أحكام المساجد» و «تخريج أحاديث الرافعيّ»، و «تفسير القرآن العظيم» وصل فيه إلى سورة مريم، و «النّكت على ابن الصّلاح». وخطه ضعيف جدا، قلّ من يحسن استخراجه. توفي يوم الأحد ثالث شهر رجب سنة أربع وتسعين وسبعمائة، ودفن بالقرافة الصغرى بالقرب من تربة الأمير بكتمر الساقي، رحمهما الله تعالى. 505 - محمد بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن الحسين بن الفهم المعروف بابن صبر أبو بكر الحنفي الفقيه (¬1). ولي القضاء بعسكر المهدي، وكان معتزليّا مشهورا به، رأسا في علم الكلام، خبيرا بالتفسير. وله كتاب «عمدة الأدلة» وله كتاب «التفسير» ما تمه. مات ببغداد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ثمانين وثلاثمائة. ولبشر بن هارون فيه: قل للدعيّ إلى صبر ... وهب ادعيت فمن صبر (¬2) وإذا تطيلس للقضا ... فمرحبا بأبي العرر فقضاؤه شر القضا ... إذا قضى عمى البصر ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 4/ 6، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 321، طبقات المفسرين للأدنةوي 26 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 33، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 5/ 255. (¬2) طبقات المفسرين للسيوطي 33.

506 - محمد بن عبد الله بن خلف أبو بكر الأنصاري البلنسي (¬1) مقرئ حاذق نحويّ. قال الذهبي في «طبقات القراء»: أخذ القراءات عن أبي العطاء بن نذير، وأبي عبد الله بن نوح الغافقي. وأتقن العربية، ثم تزهد وأقبل على العلم، وتحقق بالتفسير وأقرأ القراءات. وله كتاب «نسيم الصبا في الوعظ» على طريقة الشيخ أبي الفرج بن الجوزي، و «كتاب في الخطب». توفي في رجب سنة أربعين وستمائة، وله ست وستون سنة، وازدحم الخلق على نعشه حتى كسروه. 507 - محمد بن عبد الله بن سليمان أبو سليمان السعديّ (¬2). قال ياقوت: ذكر في كتاب الشام وقال: هو المفسّر. صنّف كتبا في التفسير، منها: «مجتبى التفسير» جمع فيه الصّغير والكبير، والقليل والكثير مما أمكنه، وكتاب «الجامع الصّغير في مختصر التفسير». وكتاب «المهذب في التفسير». سمع ببغداد أبا علي الصواف، وأبا بكر الشافعي، وأبا عبد الله المحامليّ، ودعلجا، ونظراءهم. وكان شافعيّا أشعريا، كثير الاتباع للسنّة، حسن التكلم في التفسير. 508 - محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرميّ (¬3). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 178، طبقات القراء للذهبي 2/ 514. (¬2) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 32. (¬3) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 662، الرسالة المستطرفة للكتاني 63، الفهرست لابن النديم 232، لسان الميزان للعسقلاني 5/ 233، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 607، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 345.

مطيّن. الحافظ، محدث الكوفة. حطّ عليه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وحط هو على ابن أبي شيبة، وآل أمرهما إلى القطيعة، ولا يعتد بحمد الله بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعض. قال الحافظ ابن حجر في «اللسان»: مطيّن، وثقه الناس وما أصغوا إلى ابن أبي شيبة. توفي سنة سبع وتسعين ومائتين، وقد أنكر موسى بن هارون الحافظ أيضا على مطين أحاديث، لكن ظهر الصّواب مع مطيّن. له من التصانيف «المسند»، «التفسير»، «السنن»، «الأدب». 509 - محمد بن عبد الله بن عمرو أبو جعفر الهروي (¬1). الفقيه صاحب «التفسير» .......... (¬2). مات سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. 510 - محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد المرّي الإمام أبو عبد الله الألبيري المعروف بابن أبي زمنين (¬3). من المفاخر الغرناطية، ولد سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وكان من كبار المحدّثين والعلماء الراسخين، عارفا بمذهب مالك، بصيرا به، وأجلّ أهل وقته قدرا في العلم والرواية، والحفظ للرأي والتمييز للحديث، والمعرفة باختلاف العلماء، متفننا في العلم والآداب، مضطلعا بالإعراب، قارضا ¬

_ (¬1) له ترجمة في طبقات المفسرين للسيوطي 37. (¬2) بياض في الأصل، والترجمة منقولة بالنص عن طبقات المفسرين للسيوطي، والبياض هنا موجود في نفس المكان في الترجمة عند السيوطي. (¬3) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 77، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1029، جذوة المقتبس للحميدي 53، الديباج المذهب لابن فرحون 269، طبقات المفسرين للسيوطي 34، العبر 3/ 71، الوافي بالوفيات 3/ 321.

للشعر، متصرّفا في حفظ المعاني والأخبار، مع التنسك والزاهد والاستنان بسنن الصالحين، أمة في الخير، عالما عاملا، متبتلا متقشفا، دائم الصلاة والبكاء، واعظا مذكرا بالله، فاشي الصدقة معينا على النائبة مواسيا بجاهه وماله، مجانبا للسلطان، ذا لسان وبيان تصغى إليه الأفئدة، ما رئي بعده مثله. تفقه بقرطبة عند أبي إبراهيم، وسمع منه ومن وهب بن مسرة، وأحمد ابن مطرف، وابن الشاط، وأبان بن عيسى، وغيرهم. وكان من كبار الفقهاء والمحدّثين والراسخين في العلم، وكان متفننا في الأدب وله قرض في الشعر، إلى زهد وورع واقتفاء لآثار السلف. وكان حسن التأليف، مليح التصنيف: مفيد الكتب، ككتابه في «تفسير القرآن» و «المعرب» في المدوّنة وشرح مشكلها والتفقه في نكت منها مع تحرير للفظها، وضبط لروايتها ليس في مختصراتها مثله باتفاق، وكتاب «المنتخب في الأحكام» الذي ظهرت بركته، وطار شرقا وغربا ذكره، وكتاب «المهذب في اختصار شرح ابن مزين للموطأ» و «كتابه المشتمل على أصول الوثائق» وكتاب «مختصر تفسير ابن سلام للقرآن» وكتاب «حياة القلوب في الرقائق والزهد» وكتاب «النصائح المنظومة» من شعره، وكتاب «أنس المريدين في الزهد» وكتاب «المواعظ المنظومة في الزهد» وكتاب «آداب الإسلام» وكتاب «أصول السنّة» وكتاب «قدوة القارئ» وكتاب «منتخب الدعاء» وغير ذلك. روى عنه أبو عمرو الداني، وأبو عمر بن الحذاء. وطائفة. توفي بإلبيرة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. وزمنين بفتح الزاي المعجمة وكسر النون ثم ياء ساكنة بعدها نون، وسئل لم قيل لهم بني زمنين: فلم يعرف ذلك.

511 - محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد الإمام أبو بكر بن العربيّ المعافريّ الأندلسيّ الإشبيلي (¬1). الحافظ. ختام علماء الأندلس، وآخر أئمتها وحفاظها، أحد الأعلام، ولد ليلة الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة، وأبوه أبو محمد من فقهاء بلدة إشبيلية ورؤسائها. سمع ببلده من أبي عبد الله بن منظور، وأبي محمد بن خزرج، وبقرطبة من أبي عبد الله محمد بن عتاب، وأبي مروان بن سراج، وحصلت له عند العبادية أصحاب إشبيلية رئاسة ومكانة، فلما انقضت دولتهم خرج إلى الحج مع ابنه القاضي أبي بكر يوم الأحد مستهل ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وسن القاضي أبي بكر إذ ذاك نحو سبعة عشر عاما. وكان القاضي قد تأدب ببلده، وقرأ القراءات فلقي بمصر أبا الحسن الخلعيّ، وأبا الحسن بن مشرف، ومهديا الوراق، وأبا الحسن بن داود الفارسيّ. ولقي بالشام أبا نصر المقدسيّ، وأبا سعيد الزنجانيّ، وأبا حامد الغزاليّ، وأبا سعيد الرهاويّ، وأبا القاسم بن أبي الحسن المقدسيّ، والإمام أبا بكر الطرطوشيّ، وبه تفقه، وأبا محمد هبة الله بن أحمد الأكفانيّ، وأبا الفضل ابن الفرات الدمشقيّ. ودخل بغداد فسمع بها أبي الحسن المبارك بن عبد الجبار الصيرفيّ المعروف بابن الطيوريّ، ومن أبي الحسن علي بن أيوب البزاز- بزاءين معجمتين- ومن أبي بكر بن طرخان، ومن النقيب الشريف أبي الفوارس ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 228، بغية الملتمس 82، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1294، الديباج المذهب لابن فرحون 281، الصلة لابن بشكوال 2/ 558، طبقات المفسرين للأدنةوي ورقة 43 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 34، مرآة الجنان 3/ 279، نفح الطيب 2/ 25، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 423.

طراد بن محمد الزينبيّ، وجعفر بن أحمد السراج، وأبي الحسن بن عبد القادر، وأبي زكريا التبريزيّ، وأبي المعالي ثابت بن بندار الحماميّ بتخفيف الميم، ونصر بن البطر، في آخرين. وحج في موسم سنة تسع وثمانين، وسمع بمكة من أبي عبد الله الحسين ابن علي الطبريّ (¬1)، وغيره. ثم عاد إلى بغداد ثانية، وصحب أبا بكر الشاشيّ، وأبا حامد الطوسيّ، وأبا بكر الطرطوشيّ، وغيرهم من العلماء والأدباء، فأخذ عنهم الفقه والأصول، وقيّد الشعر، واتسع في الرواية، وأتقن مسائل الخلاف والأصول والكلام على أئمة هذا الشأن من هؤلاء وغيرهم. ثم صدر عن بغداد إلى الأندلس، فأقام بالإسكندرية عند أبي بكر الطرطوشي، فمات أبوه بها في سنة ثلاث وتسعين. ثم انصرف هو إلى الأندلس سنة خمس وتسعين، فقدم بلده إشبيلية بعلم كثير لم يأت به أحد قبله ممن كانت له رحلة إلى المشرق، وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها، والجمع لها، متقدما في المعارف كلها، متكلما في أنواعها، نافذا (¬2) في جميعها حريصا على أدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها، وأحد من بلغ مرتبة الاجتهاد، وأحد من انفراد بالأندلس بعلو الإسناد، صارما في أحكامه، ويجمع إلى ذلك كله آداب ¬

_ (¬1) في الأصل: «أبي الحسين بن علي الطيوري» تحريف، صوابه في: تذكرة الحفاظ للذهبي، وبغية الملتمس للضبي، والصلة لابن بشكوال، ونفح الطيب للمقري، والعبر وطبقات الشافعية للسبكي. وهو أبو عبد الله الطبري، الحسين بن علي الفقيه الشافعي، محدث مكّة، كان فقيها مفتيا، مات سنة 498 هـ (العبر 3/ 351). (¬2) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: الصلة، والوافي بالوفيات، ووفيات الأعيان لابن خلكان. وفي شذرات الذهب «ناقدا».

الأخلاق مع حسن المعاشرة، وكثرة الاحتمال، وكرم النفس، وحسن العهد، وثبات الود. ورحل إليه، للسّماع والأخذ عنه. وتصانيفه كثيرة حسنة مفيدة منها: «أحكام القرآن» وكتاب «المسالك في شرح موطّإ مالك» وكتاب «القبس» على موطأ مالك بن أنس و «عارضة الأحوذيّ على كتاب الترمذيّ» و «القواصم والعواصم» و «المحصول» في أصول الفقه و «سراج المريدين»، وكتاب «المتوسط» (¬1) وكتاب «المشكلين» (¬2)، و «شرح حديث أم زرع» وكتاب «الناسخ والمنسوخ» وكتاب «القانون في تفسير الكتاب العزيز» وكتاب «معاني الأسماء الحسنى» وكتاب «الإنصاف في مسائل الخلاف» عشرين مجلدا، وكتاب «شرح حديث الإفك» وكتاب «شرح حديث جابر في الشفاعة» وكتاب «ستر العورة» وكتاب «أعيان الأعيان» وله غير ذلك من التواليف. وقال في كتابه القبس إنه ألف كتابه المسمى «أنوار الفجر في تفسير القرآن» في عشرين سنة، ثمانين ألف ورقة، وتفرقت بأيدي الناس. قال الشيخ برهان الدين فرحون: وأخبرني الشيخ الصالح أبو الربيع سليمان بن عبد الرحمن البرغواطيّ في سنة إحدى وستين وسبعمائة بالمدينة النبوية؛ قال أخبرني الشيخ الصالح يوسف الحزّام المغربي بثغر الإسكندرية في سنة ستين وسبعمائة، قال: رأيت تأليف القاضي أبي بكر بن العربي في تفسير القرآن؛ المسمى «أنوار الفجر» كاملا في خزانة الملك العادل أمير ¬

_ (¬1) اسمه في نفح الطيب «المتوسط في معرفة صحة الاعتماد والرد على من خالف أهل السنة من ذوي البدع والالحاد». (¬2) اسمه أيضا في نفح الطيب «كتاب المشكلين: مشكل القرآن والسنة».

المسلمين أبي عنان فارس بن السلطان أمير المسلمين أبي سعيد عثمان بن يوسف بن عبد الحق، وكان السلطان أبو عنان إذ ذاك بمدينة مراكش؛ وكانت له خزانة كتب يحملها معه في الأسفار، وكنت أخدمه مع جماعة في حزم الكتب ورفعها، فعددت أسفار هذا الكتاب فبلغت عدته ثمانين مجلدا، ولم ينقص من الكتاب المذكور شيء. قال أبو الربيع: وهذا المخبر يعني يوسف، ثقة صدوق، رجل صالح، كان يأكل من كده. قال ابن خلكان في كتاب «الوفيات» في معنى عارضة الأحوذيّ: العارضة، القدرة على الكلام. والأحوذيّ: الخفيف في الشيء لحذقه. وقال الأصمعيّ: الأحوذي، المشمر في الأمور القاهر لها لا يشذ عليه منها شيء. قال القاضي عياض: واستقضى أبو بكر ببلده فنفع الله به أهلها لصرامته وشدته ونفوذ أحكامه، وكانت له في الظالمين سورة مرهوبة، يؤثر عنه في قضائه أحكام غريبة، ثم صرف عن القضاء، وأقبل على نشر العلم وبثه، وكان فصيحا أديبا، شاعرا، كثير الخبر (¬1)، مليح المجلس. وممن أخذ عنه القاضي عياض، وأبو زيد السهيلي، وأحمد بن خلف الطلاعي، وعبد الرحمن بن ربيع الأشعري، والقاضي أبو الحسن الخلعي، وخلائق. وروى عنه بالإجازة في سنة ست عشرة وستمائة أبو الحسن علي بن أحمد الشقوري، وأحمد بن عمر الخزرجي التاجر، وتوفي في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة منصرفة من مراكش، وحمل ميتا إلى مدينة فاس، ودفن بها خارج باب المحروق. ¬

_ (¬1) في الأصل «الخير» والمثبت في: الديباج المذهب لابن فرحون، ونفح الطيب للمقري.

وأما معنى «عارضة الأحوذي» فالعارضة: القدرة على الكلام، يقال: فلان شديد العارضة، إذا كان ذا قدرة على الكلام. والأحوذيّ: المشمر في الأمور القاهر لها الذي لا يشذ عليه منها شيء، وهو بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الواو وكسر الذال المعجمة وفي آخره ياء مشدودة. 512 - محمد بن عبد الله بن محمد ظفر المكي الصّقلي (¬1). حجة الدين أبو جعفر النحوي اللغوي المالكي. ولد بمكة، ثم قدم مصر في صباه، ولقي أبا بكر الطرطوشي بالإسكندرية، ولقي بالأندلس أبا بكر بن العربي، وأبا مروان الباجي، وأبا الوليد الدباغ، وابن مسرة. وقصد بلاد إفريقية، وأقام بالمهدية مدة، وشاهد بها حروبا من الفرنج وأخذت من المسلمين وهو هناك، ثم انتقل إلى صقليّة، ثم إلى مصر، ثم قدم حلب، وأقام بمدرسة ابن أبي عصرون، وصنف بها تفسيرا كبيرا، ثم جرت فتنة بين الشّيعة وأهل السنة، فنهبت كتبه فيما نهب، فقدم حماة، فصادف قبولا، وأجري له راتب، وصنف هناك تصانيفه. وكان رجلا صالحا ورعا زاهدا، مشتغلا بما يعينه. وله شعر حسن. وكان أعلم باللغة من النحو، وأقام بحماة إلى أن مات بها سنة خمس وستين وخمسمائة. وله من الكتب «ينبوع الحياة في التفسير» «التفسير الكبير» الاشتراك اللغوي «الاستنباط المعنوي» «سلوان المطاع» «القواعد والبيان في النحو» ¬

_ (¬1) له ترجمة في: لسان الميزان للعسقلاني 5/ 371، المختصر في أخبار البشر 3/ 52، معجم الأدباء لياقوت 7/ 102، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 233، المقفى للمقريزي ج 3 ورقة 82، هدية العارفين لاسماعيل باشا البغدادي 2/ 96، الوافي بالوفيات لابن الصفدي 1/ 141، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 29. وهو مكرر 576.

«الرد على الحريري في درة الغواص» «أساليب الغاية في أحكام آية» «المطول في شرح المقامات» «التنقيب على ما في المقامات من الغريب» «ملح اللغة فيما اتفق لفظه واختلف معناه على حروف المعجم» «خير البشر بخير البشر» «نجباء الأنباء» «معاتبة الجريء على معاقبة البريء» «إكسير كيمياء التفسير» «أرجوزة في الفرائض والولاء» وغير ذلك. ومن شعره: ببسم الله يفتتح العليم ... وبالرّحمن يعتصم الحليم (¬1) وكيف يلومني في حسن ظنّي ... بربي لائم وهو الرحيم! وأنشد له ابن خلكان: جعلتك في قلبي فهل أنت عالم ... بأنك محمول وأنت مقيم (¬2) ألا إن شخصا في فؤادي محله ... واشتقاقه، شخص على كريم وأورد له في «الخريدة»: على قدر فضل المرء تأتي خطوبه ... ويعرف عند الصبر منه نصيبه (¬3) ومن قل فيما يتقيه اصطباره ... فقد قل فيما يرتجيه نصيبه 513 - محمد عبد الله بن محمد بن أبي الفضل المرسي أبو عبد الله (¬4). العلامة شرف الدين النحوي الأديب الزاهد المفسر المحدّث الفقيه الأصولي. ¬

_ (¬1) وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 30. (¬2) نفس المصدر. (¬3) نفس المصدر. (¬4) له ترجمة في: ذيل مرآة الزمان لليونيني 1/ 76، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 69، طبقات المفسرين للسيوطي 35، العبر 5/ 224، العقد الثمين 2/ 81، مرآة الجنان لليافعي 4/ 137، معجم الأدباء 7/ 16، النجوم الزاهرة 7/ 59، نفح الطيب 2/ 241، هدية العارفين لاسماعيل باشا البغدادي 2/ 125، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 354.

قال ياقوت: أحد أدباء عصرنا، ومن أخذ من النحو والشعر بأوفر نصيب، وضرب فيه بالسهم المصيب، وخرج التخاريج، وتكلم على «المفصّل» للزمخشري، وأخذ عليه عدة مواضع، بلغني أنها سبعون موضعا، أقام على خطئها البرهان واستدل على سقمها بالبيان. وله عدة تصانيف. رحل إلى خراسان، ووصل إلى مرو الشاهجان، ولقى المشايخ، وقدم بغداد، وأقام بحلب ودمشق، ورأيته بالموصل ثم حج ورجع إلى دمشق، فأقام على الإقراء ثم أنتقل إلى مصر- وأنا بها- سنة أربع وعشرين وستمائة، ولزم النسك والعبادة والانقطاع. أخبرني أن مولده سنة سبعين وخمسمائة، وأنه قرأ القرآن على ابن غلبون وغيره، والنحوي على أبي الحسن علي بن يوسف بن شريك الداني، والطيب ابن محمد بن الطيب النحوي، والشلوبيني، والتاج الكندي، والأصول على إبراهيم بن دقماق، والعميدي، والخلاف على معين الدين الجاجرمي. وسمع الحديث الكثير بواسط من ابن عبد السميع، ومن ابن الماندائي مشيخته، وبهمذان من جماعة، وبنيسابور «صحيح مسلم» من المؤيد الطوسي، وجزءا [من] (¬1) ابن نجيد، ومن منصور بن عبد المنعم الفراوي، وزينب الشعرية، وبهراة من أبي روح الهروي، وبمكة من الشريف يونس بن محمد الهاشمي. وكان نبيلا ضريرا، يحل بعض [مشكلات] (¬2) إقليدس، ويحفظ «صحيح مسلم» مجردا عن السند. صنّف «الضوابط النحوية في علم العربية» و «الإملاء على ¬

_ (¬1) تكملة عن: معجم الأدباء لياقوت. (¬2) تكملة عن: معجم الأدباء لياقوت.

المفصل»، و «تفسير القرآن» قصد فيه ارتباط الآي بعضها ببعض، وكتابا «في أصول الفقه والدين» و «كتابا في البديع والبلاغة» انتهى كلام ياقوت ملخصا. وقال ابن النجّار في «تاريخ بغداد»: هو من الأئمة الفضلاء في فنون العلم والحديث والقراءات والفقه والخلاف والأصلين والنحو واللغة، وله قريحة حسنة، وذهن ثاقب، وتدقيق في المعاني، ومصنفات في جميع ما ذكرنا، وله النظم والنثر الحسن. وقال الفاسي (¬1) في «تاريخ مكة»: له تصانيف، منها «التفسير الكبير» يزيد على عشرين جزءا، و «الأوسط» عشرة، و «الصغير» ثلاثة، و «مختصر مسلم» و «الكافي في النحو» في غاية الحسن، وله التعاليق الرائعة في كل فنّ. قال: وهو الشيخ الإمام العالم الزاهد، فخر الزمان، علم العلماء، زين الرؤساء، إمام النظّار، رئيس المتكلّمين، أحد علماء الزّمان المتصرف أحسن التصرف في كل فنّ، أصله من مرسية، لم يزل مشتغلا من صغره إلى كبره. وله المباحث العجيبة، والتصانيف الغربية، وجمع الأقطار في رحلته، ارتحل إلى غرب بلاده ثم الأندلس، والديار المصرية، والشام والعراقين والعجم، وناظر وقرأ وأقرأ، واستفاد وأفاد، ولم يزل يقرئ ويدرّس حيث حل، ويقرّ له بعلمه وفضله في كل محلّ، وجاور بمكة كثيرا. سمع منه الحفاظ والأعيان من العلماء، وبالغوا في الثّناء عليه، وآخر من روى عنه أيوب الكحّال بالسماع، وأحمد بن علي الجزريّ بالإجازة، وذكره القطب اليونينيّ في «ذيل المرآة» وأثنى عليه؛ وقال كان مالكيّا. لكن ذكره التاج السّبكي في «طبقات الشافعية»، وذكره الحافظ شرف ¬

_ (¬1) في الأصل «الفارسي» تحريف، والمثبت في بغية الوعاة.

الدين الدّمياطيّ (¬1) في «معجمه»، وترجمه بالنحو والأدب والفقه والحديث والتفسير والزهد. وذكر أن مولده في ذي الحجة سنة تسع وستين وخمسمائة، ومات متوجها إلى دمشق (¬2) بين العريش والزعقا، يوم الاثنين خامس عشر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة. وقال الذهبيّ: سمع «الموطأ» بالمغرب بعلوّ من الحافظ أبي محمد عبد الله بن عبيد الله الحجريّ، وسمع من عبد المنعم بن الفرس. روى عنه المحبّ الطبريّ، والشرف الفزاريّ، ومحمد بن يوسف بن المهتار. ومن شعره: قالوا محمد قد كبرت وقد أتى ... داعي المنون وما اهتممت بزاد (¬3) قلت: الكريم من القبيح لضيفه ... عند القدوم مجيئه بالزّاد قال ياقوت: وأنشدني لنفسه وقد تماروا عنده في الصفات فقال: من كان يرغب في النجاة فما له ... غير اتباع المصطفى فيما أتى ذاك السّبيل المستقيم وغيره ... سبل الغواية والضلالة والردى فاتبع كتاب الله والسّنن التي ... صحت فذاك إذا اتبعت فهو الهدى ودع السؤال بكم وكيف فإنه ... باب بحر ذوي البصيرة للعمى الدين ما قال الرسول وصحبه ... والتابعون ومن مناهجهم قفا ¬

_ (¬1) هو شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي. ولد في دمياط وتنقل في البلاد. قال عنه الذهبي: أحد الأئمة الاعلام وبقية نقاد الحديث، رحل وسمع الكثير، ومعجمه نحو ألف ومائتين وخمسين شيخا، توفي سنة 705 هـ. (¬2) في الأصل «متوجها الى مصر» والمثبت في: الوافي بالوفيات. وعبارة نفح الطيب «وخرج من مصر يريد الشام فمات بين الزعقة والعريش». (¬3) معجم الأدباء لياقوت 7/ 18.

وله قالوا فلان قد أزال بهاءه ... ذاك العذار وكان بدر تمام (¬1) فأجبتهم بل زاد نور بهائه ... وكذا تزايد فيه فرط غرامي واستقصرت ألحاظه فتكا بها ... فأتى العذار يمدها بسهام وله. والبيت الثاني تضمين لغيره: دخلت هراة أستفيد علومها ... فألقيت من فيها حمير الورى فهما يمرّون بي لا يعرفون مكانتي ... كأنّي دينار يمرّ به أعمى 514 - محمد بن عبد الله بن ميمون بن إدريس بن محمد العبدري (¬2) يكنى أبا بكر كان عالما بالقراءات، ذاكرا للتفسير، حافظا للفقه واللغات والآداب، شاعرا محسنا، كاتبا بليغا، مبرّزا في النحو، جميل العشرة، حسن الخلق، متواضعا، فكه المحاضرة، ظريف الدّعابة. روى عن أبي بكر بن العربي، وأبي الحسن شريح، وعبد الرحمن بن بقي، وأبي الحسن بن الباذش، وأبي الوليد بن رشد، ولازمه عشر سنين، ويونس ابن مغيث، وأبي عبد الله بن الحاج، وأبي محمد بن عتاب، وسمع أبا بحر الأسدي وغيرهم. روى عنه أبو البقاء يعيش بن القديم، وأبو زكريّا المرجيقيّ وغيرهما. ودخل غرناطة. وصنّف شرحين على «الجمل»: كبيرا، وصغيرا، وشرح أبيات «الإيضاح» للفارسي، وشرح «مقامات الحريري»، وصنف «مشاحذ الأفكار فيما أخذ على النظّار»، وشرح «معشراته الغزلية» و «مكفراته الزهدية»، وغير ذلك. ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت 7/ 18. (¬2) الديباج المذهب لابن فرحون 302.

وكان يحضر مجلس عبد المؤمن مع جملة العلماء، ويبدي ما عنده من المعارف؛ إلى أن أنشد في المجلس أبياتا كان نظمها في أبي القاسم عبد المنعم بن محمد بن تيسيت، وهي: أبا قاسم والهوى جنّة ... وها أنا من مسّها لم أقق تقحّمت جاحم نار الضّلوع ... كما خضت بحر دموع الحدق أكنت الخليل، أكنت الكليم! * أمنت الحريق، أمنت الغرق! فهجره عبد المؤمن، ومنعه من الحضور في مجلسه، وصرف بنيه عن القراءة عليه، وسرى ذلك في أكثر من كان يتردد عليه؛ على أنه كان في المرتبة العليا من الطّهارة والعفاف. مات بمراكش يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة سبع وستين وخمسمائة وقد قارب السبعين. ومن شعره: توسّلت يا ربي بأني مؤمن ... وما قلت إني سامع ومطيع (¬1) أيصلى بحر النار عاص موحد ... وأنت كريم والرسول شفيع وله أيضا لا تكترث بفراق أوطان الصبا ... فعسى تنال بغيرهن سعودا (¬2) فالدر ينظم عند فقد بحاره ... بجميل أجياد الحسان عقودا أورده ابن فرحون، ثم شيخنا في «طبقات النحاة». 515 - محمد بن عبد الله أبو بكر البردعي (¬3) قال النديم في «الفهرست»: رأيته في سنة أربعين وثلاثمائة، وكان بي ¬

_ (¬1) الديباج المذهب لابن فرحون 302. (¬2) الديباج المذهب لابن فرحون 302. (¬3) له ترجمة فى: الفهرست لابن النديم 237.

آنسا، يظهر مذهب الاعتزال، وكان خارجيا وأحد فقهاء الشراة. وقال لي: إنه له في الفقه عدة كتب، وذكر بعضها، وهو كتاب «المرشد» في الفقه، كتاب «الرد على المخالفين» في الفقه، كتا «تذكرة الغريب» في الفقه، كتاب «التبصر للمتعلمين»، كتاب «الاحتجاج على المخالفين»، كتاب «الجامع» في أصول الفقه، كتاب «الدعاء» كتاب «الناسخ والمنسوخ» في القرآن، كتاب «الأذكار والتحكيم»، كتاب «السنة والجماعات»، كتاب «الإمامة»، كتاب «نقض كتاب ابن الراوندي في الإمامة»، كتاب «تحريم المسكر»، كتاب «الرد على من قال بالمتعة»، كتاب «الناكثين، كتاب «الأيمان والنذور». 516 - محمد بن عبد الله بن عبد الحكم الإمام الحافظ فقيه عصره أبو عبد الله المصري (¬1). ولد منتصف ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين ومائة. وروى عن ابن وهب، وأبي ضمرة، وابن أبي فديك، والشافعي، وأشهب، وأبي القاسم، وإسحاق بن الفرات، وشعيب بن الليث، وحرملة بن عبد العزيز، وعدّة. وتفقه بأبيه، وبالشافعي. روى عنه النسائي وابن خزيمة، وابن صاعد، وأبو بكر بن زياد، والأصم وأبو حاتم الرازي، وابنه عبد الرحمن، وأبو جعفر الطبري، وخلق. وثقه النّسائي. وقال مرة: لا بأس به. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 546، تهذيب التهذيب لابن حجر 9/ 260، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 309، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 294، الديباج المذهب لابن فرحون 231، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 67، طبقات الشيرازي 81، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 179، العبر 2/ 38، الفهرست لابن النديم 211، مرآة الجنان لليافعي 2/ 181، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 295، ميزان الاعتدال 3/ 611، النجوم الزاهرة 3/ 44، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 338، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 333.

وقال ابن أبي حاتم: ثقة صدوق، أحد فقهاء مصر من أصحاب مالك. وقال أبو إسحاق الشيرازي: حمل في المحنة إلى ابن أبي داود فلم يجبه، فرده. وانتهت إليه الرئاسة بمصر في العلم. وقال ابن خزيمة: أما الإسناد فلم يكن يحفظه. قال ابن حارث: كان من العلماء الفقهاء، مبرزا من أهل النظر والمناظرة والحجة فيما يتكلم فيه ويتقلده من مذهبه، وإليه كانت الرحلة من المغرب والأندلس في العلم والفقه. قال أبو عمر بن عبد البر: كان فقيها نبيلا جميلا وجيها في زمنه. وقال فيه ابن القاسم: إن قبل محمد لعلما، وإليه انتهت الرئاسة بمصر. وقال ابن أبي دليم: كان فقيه مصر في عصره على مذهب مالك، وصحب الشافعي ورسخ في مذهبه، وربما تخير قوله عند ظهور الحجة، وكان أفقه أهل زمانه. وناظره ابن ملول صاحب سحنون، فقال لمن معه: صاحبكم أعلم من سحنون، ثقة فاضل، عالم متواضع صدوق. قال محمد بن فطيس: لقيت في رحلتي نحو مائتي شيخ، ما رأيت فيهم مثل محمد بن عبد الحكم. وله تواليف كثيرة في فنون العلم، والرد على المخالفين، كلها حسان، ككتاب «أحكام القرآن» كبير، وكتاب «الوثائق والشروط» وكتاب «مجالسة» أربعة أجزاء، وكتاب «الرد على الشافعي»، وكتاب «الرد على أهل العراق»، وكتابه الذي زاد فيه على مختصر أبيه، وكتاب «أدب القضاة»، وكتاب «الدعوى والبينات» وكتاب «السبق والرمي» وكتاب «اختصار كتب أشهب»، وكتاب «الرد على بشر المريسي»، وكتاب «النجوم»، وكتاب «الكفالة»، وكتاب «الرجوع عن الشهادة»، وكتاب «المولدات».

قال ابن حارث: وأراها مؤلفة عليه، لأنها مسائل منثورة لم تضم لثقات كالأسمعة، وكان محمد يقول: التوقر في النزهة مثل التبذل في الحفلة. وذكر أنه ضرب في المحنة بالقرآن، وكان يفتى فيمن حلف بالمشي إلى مكة بكفارة يمين، وحكى ذلك عن ابن القاسم أنه أفتى به ابنه. وذكر عنه أن قوما استشاروه في الحج أو الجلوس إلى السماع، فأشار على بعضهم بالحج، وعلى بعضهم بالجلوس، فسئل عن ذلك. فقال: رأيت عند الذين أمرتهم بالجلوس فهما، ورأيت الآخرين بخلافهم، ولهذا الأمر فرسان. وسئل كيف يعزى الرجل في أمّة النصرانية فقال: يقال له: الحمد لله على ما قضى، قد كنا نحب أن تموت على الإسلام، ويسرك الله بذلك. وسئل أيضا عن القريب النصراني يموت للمسلم، كيف يعزى عنه فقال: يقول: إن الله قد كتب الموت على خلقه، والموت حتم على الخلق كلهم. توفي في ذي القعدة سنة ثمان وستين ومائتين، وقيل سنة تسع. 517 - محمد بن عبد الحميد بن الحسين بن الحسن بن حمزة أبو الفتح الأسمندي السمرقندي المعروف بالعلاء العالم (¬1). قال ابن النجار وابن السمعاني: كان فقيها مناظرا بارعا، له الباع الطويل في علم الجدل، من فحول الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة. ورد بغداد حاجّا سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وحدث بها عن عمر بن عبد العزيز بن مازة البخاري، وعلي بن عمر الخراط، وتفقه على السيد الإمام الأشرف. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 56، الجواهر المضيئة لعبد القادر القرشي 2/ 74، طبقات المفسرين للسيوطي 35، لسان الميزان 5/ 243، المنتظم لابن الجوزي 10/ 226، النجوم الزاهرة 5/ 379، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 218.

له «تعليقة» مشهورة في مجلدات، وصنف في الخلاف، وأملى «التفسير»، وشرح «عيون المسائل» لأبي الليث في مجلد. وروى عنه أبو المظفر السمعاني. ولد بسمرقند سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. وتنسك، وترك المناظرة، واشتغل بأنواع الخير، إلى أن توفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة. 518 - محمد بن عبد الرحمن بن أحمد العلامة أبو عبد الله البخاري (¬1). المفسر، العلاء، الملقب بالزاهد الحنفيّ. قال السمعاني: كان إماما مفننا مذكرا أصوليا متكلما، قيل إنه صنف في «التفسير» كتابا أكثر من ألف جزء أملاه في آخر عمره ولكنه كان مجازفا متساهلا. تفقه بأبي نصر أحمد بن عبد الرحمن الريغذموني (¬2)، وحدث عنه. كتب إلي بالإجازة، ولم ألحقه ببخاري، لأنه توفي ليلة الاثنين الثاني عشر من جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وخمسمائة. أخذ عنه صاحب «الهداية» وغيره. 519 - محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي أبو عمر النسوي الشافعي (¬3) الملقب أقضى القضاة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 56، الجواهر المضيئة 2/ 76، طبقات المفسرين للسيوطي 36، الفوائد البهية للكنوي 175، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 232. (¬2) بكسر الراء وسكون الياء والغين المعجمة وفتح الذال المعجمة وضم الميم وسكون الواو وفي آخرها نون، نسبة الى ريغذمون، وهي من قرى بخارى (اللباب لابن الأثير 1/ 485). (¬3) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 4/ 175، طبقات المفسرين للسيوطي 36.

ولد سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وكان يعرف بالقاضي الرئيس. ذكره كل واحد من عبد الله بن محمد الجرجاني في «طبقات الشافعية» وأبي سعيد السمعاني في «الذيل»، ومحمود الخوارزمي في «تاريخ خوارزم». قال الجرجانيّ: هو قاضي القضاة بخوارزم، وفراوة، ونسا. أخذ الفقه ببلده عن القاضي الحسن الدّامانيّ (¬1) النسويّ. ثم رحل إلى العراق، وحصّل العلم. وولاه أمير المؤمنين، القائم بأمر الله القضاء بالنواحي المذكورة، ولقبه بأقضى القضاة. صنّف كتبا في الفقه، والتفسير، حسن السّيرة في القضاء، مرضي الطريقة. وقال ابن السمعانيّ: هو المعروف بالقاضي الرئيس، كان من أكابر أهل عصره فضلا وحشمة وقبولا عند الملوك. بعث رسولا إلى دار الخلافة ببغداد، من جهة الأمير طغرلبك. وله آثار وجدت بخراسان وخوارزم، وولي قضاءها مدّة، وبنى مدرسة. سافر الكثير، وسمع بنيسابور الإمام أبا إسحاق الأسفراينيّ، وبجرجان أبا معمر الإسماعيليّ. وبمصر أبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء. وبدمشق أبا الحسن علي بن موسى السّمسار. ¬

_ (¬1) بفتح الدال وسكون الألفين بينهما ميم مفتوحة وفي آخرها نون، نسبة الى دامان، وهي قرية بالجزيرة (اللباب لابن الأثير 1/ 406).

وبمكة أبا ذر الهرويّ. وأملى المجالس، وتكلم على الأحاديث. روى عنه أبو عبد الله الفراوي، وعبد المنعم القشيري، وغيرهم. وقال الخوارزمي: فاق أهل عصره فضلا، وإفضالا، وتقدم على أبناء دهره رتبة، وجلالة، وحشمة، ونعمة، وقبولا، وإقبالا، له الفضل الوافر في العلوم الدينية، وأنواعها الشّرعية، وكان لغويا، نحويا، مفسرا، مدرسا، فقيها، مفتيا، مناظرا، شاعرا، محدثا. إلى أن قال: وكان سلاطين السّلجوقية يعتمدونه فيما يعنّ لهم من المهمات. وذكر أن السلطان ملك شاه بن ألب رسلان استحضره بإشارة نظام الملك من خوارزم إلى أصبهان وجهزه إلى الخليفة ليخطب له ابنته، فلما مثل بين يدي الخليفة، وضعوا له كرسيا جلس عليه، والخليفة على السّرير، فلما فرغ من إبلاغ الرسالة نزل عن الكرسي، وقال: هذه الرسالة، وبقيت النصيحة لا تخلط بيتك الطاهر النبويّ بالتّركمانية. فقال الخليفة: سمعنا رسالتك، وقبلنا نصيحتك. فرجع عن حضرة الخلافة، وقد بلغ الوزير نظام الملك الخبر قبل وصوله إليه، فلما وصل إلى أصبهان، قال له: دعوناك من خوارزم لإصلاح أمر أفسدته. فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (الدّين النّصيحة) وأنا لا أبيع الدّين بالدنيا. ولم تنتقص حشمته بذلك. ومن شعره. من رام عند الإله منزلة ... فليطع الله حق طاعته وحق طاعاته القيام بها ... مبالغا فيه وسع طاقته

وله أيضا: اتّخذ طاعة الإله سبيلا ... تجد الفوز بالجنان وتنجو واترك الإثم والفواحش طرّا ... يؤتك الله ما تروم وترجو وكان أبو القاسم محمود الزمخشريّ، يحكى: أنه كان لا يذكر أحدا إلا بخير، وأنه ذكر له فقيه كثير المساوي، فقال: «لا تقولوا ذلك فإنه يتعمم حسنا» يعني به لم يجد وصفا جميلا إلا حسن عمته، فذكره. توفي في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. ذكره ابن السبكي في «الكبرى». محمد (¬1) بن عبد الرحمن بن نصير أبو بكر الحنفي الفقيه (¬2). صاحب تصانيف، لكنه معتزلي جلد، انتهى. وناب هذا الرجل في القضاء عن ابن معروف، فقيل: اسم أبيه عبد الله ابن جعفر بن محمد بن الحسين بن الفهم. صنف «التفسير» وغيره. وكان بصيرا بالكلام على طريقة أبي هاشم الجبائي. مات في أواخر سنة ثمانين وثلاثمائة. ذكره في «لسان الميزان». 520 - محمد بن عبد الرحمن بن عسكر البغدادي (¬3). ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته برقم 505. (¬2) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 64، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 321، طبقات المفسرين للأدنةوي 26 ب، طبقات المفسرين للسيوطي 33، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 5/ 255. (¬3) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 333.

الإمام العالم العلامة المتفنن، الجامع بين المعقول والمنقول، القائم بلواء مذهب مالك ببغداد. ولد سنة إحدى وسبعمائة، وكان فاضلا في الفقه، متقنا للأصول والجدل والمنطق والعربية، إماما في علومه لا يجارى. رحلة للطلاب، ولي قضاء بغداد والحسبة بها، وكانت له هيبة عظيمة، وهمة سرية، ومكارم أخلاق، وكان مدرس المدرسة المستنصريّة. وله تواليف، منها: «شرح الإرشاد» لوالده في مذهب مالك، وشرح «مختصر ابن الحاجب» الفقهي، و «الأصلي»، و «تفسير» كبير. قال الشيخ برهان الدين بن [فرحون (¬1)] بلغني قديما قبل وفاته بنحو خمس عشرة سنة، أنه وصل فيه إلى سورة تبارك. وله «تعليقة» في علم الخلاف، وله «أجوبة اعتراضات لابن الحاجب». توفي سنة ست وسبعين وسبعمائة. 521 - محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزمرديّ (¬2) الشيخ شمس الدين بن الصائغ (¬3) الحنفيّ (¬4) النحويّ. قال الحافظ ابن حجر: ولد قبل سنة عشر وسبعمائة واشتغل بالعلم، وبرع في اللغة والنحو والفقه، وأخذ عن الشهاب بن المرحّل، وأبي حيان، والقونويّ، والفخر الزيلعيّ. ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق، لأن هذا القول إنما هو من كلام ابن فرحون في الديباج المذهب. (¬2) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في حسن المحاضرة والدرر الكامنة، وانباه الرواة للقفطي، «الزمردي». (¬3) كذا في سائر مراجع الترجمة، وفي الأصل: «الصانع». (¬4) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 95، تاج التراجم لابن قطلوبغا 64، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 471، الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 119. طبقات القراء لابن الجزري 2/ 163، الفوائد البهية 175.

وسمع الحديث من الدبوسيّ، والحجّار، وأبي الفتح اليعمريّ. وكان ملازما للاشتغال، كثير المعاشرة للرؤساء، كثير الاستحضار، فاضلا بارعا، حسن النظم والنثر [قوي] البادرة، دمث الأخلاق. ولي قضاء العسكر وإفتاء دار العدل، ودرس بالجامع الطولونيّ وغيره. وله من التصانيف: «شرح المشارق» في الحديث، «شرح ألفية ابن مالك»، في غاية الحسن والجمع والاختصار، «الغمز على الكنز»، «التذكرة» عدة مجلدات في النحو، «المباني في المعاني»، الثمر الجني في الأدب السنيّ»، «المنهج القويم» في القرآن العظيم، «نتائج الأفكار»، «الرقم على البردة»، «الوضع الباهر في رفع أفعل الظاهر»، «اختراع الفهوم لاجتماع العلوم»، «روض الأفهام في أقسام الاستفهام»، وغير ذلك. وله «حاشية على المغني» لابن هشام، وصل فيها إلى أثناء الباء الموحدة، وافتتحها بقوله: الحمد لله الذي لا مغني سواه. أخذ عنه العلامة عز الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة. ومات في حادي عشر شعبان سنة ست وسبعين وسبعمائة، وخلف ثروة واسعة. قال الشيخ علاء الدين علي بن عبد القادر المقريزي: رأيته في النوم بعد موته، فسألته ما فعل الله بك؟ فأنشدني: الله يعفو عن المسيء إذا ... مات على توبة ويرحمه (¬1) ومن نظمه: ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 119.

لا تفخرنّ بما أوتيت من نعم ... على سواك وخف من كسر جبّار (¬1) فأنت في الأصل بالفخار مشتبه ... ما أسرع الكسر في الدنيا لفخار 522 - محمد بن عبد الرحمن بن الفضل بن الحسين أبو بكر التميمي الجوهري (¬2). الخطيب. صاحب التفاسير، والقراءات، كذا قاله فيه أبو نعيم. سمع أبا الخليفة، وعبدان الأهوازي، وجماعة. وعنه أبو نعيم، وغيره. قال ابن الجزري في «طبقات القراء»: وروى القراء عرضا عن محمد ابن أحمد بن الحسن الأشناني الكسائي، ويعقوب بن إبراهيم. روى القراءة عنه عرضا أبو الحسين علي بن محمد الخبازي، وعبد الله بن محمد الذارع. مات بعد الستين وثلاثمائة. 523 - محمد بن عبد الرحمن بن موسى بن عياض أبو عبد الله المخزومي الشاطبي المنتشي (¬3). كان إماما في التفسير والقراءات، مقدّما في البلاغة، مشاركا في أشياء. أخذ القراءات عن ابن أبي داود، وابن شفيع، وجماعة. وسمع ابن سكرة، وغيره. وتصدر للإقراء بشاطبة، فأخذ عنه الناس. مات سنة تسع عشرة وخمسمائة. 524 - محمد بن عبد الرحيم بن الطيب أبو العباس القيسي (¬4) الضرير. مقرئ المغرب. ¬

_ (¬1) في بغية الوعاة: «من مكر». (¬2) له ترجمة في: طبقات القراء للجزري 2/ 165. (¬3) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 90. (¬4) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 128، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 171.

قال الذهبي في «طبقات القراء»: ولد في حدود الثلاثين وستمائة بالجزيرة الخضراء. وقرأ القرآن على خطيبها أبي عبد الله الركيني، وعلي أبي عبد الله الشريشي السماتي، عن أبي عمرو بن عظيمة صاحب شريح. ثم تحول إلى سبتة، فأكرمه أميرها أبو القاسم محمد بن أبي العباس العزفي (¬1)، فلمّا جاء رمضان سأله أن يقرأ السيرة على الناس، فصار يدرس كل يوم ميعادا منها ويورده. وكان من أسرع الناس حفظا، وأحسنهم صوتا، وكان إليه المنتهى في العصر في معرفة القراءات وضبطها وأدائها، كان يحفظ «التيسير» و «الكافي» لابن شريح، وكان عارفا بالتفسير والعربية والحديث، حمل عنه أهل سبتة. وتوفي في رمضان سنة إحدى وسبعمائة. 525 - محمد بن عبد الكريم بن الفضل القزوينيّ (¬2) والد الإمام الرّافعيّ. روى عن أبي البركات الفراويّ، وعبد الخالق الشحّاميّ، وسعد الخير محمد بن طراد الزينبيّ، وغيرهم. وتفقه ببلده على ملكداد بن علي وغيره. وببغداد على أبي منصور الرّزّاز. وبنيسابور على محمد بن يحيى. وقد ترجمه ولده في كتابه «الأمالي» وقال: خص بالصلابة في الدين، والبراعة في العلم، حفظا، وضبطا، وإتقانا، وبيانا، وفهما، ودراية. ¬

_ (¬1) في الأصل: «الغزفي» تحريف، صوابه في تبصير المنتبه 3/ 1005. (¬2) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 6/ 131، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 37 ب، طبقات ابن هداية الله 80، مختصر ذيل تاريخ بغداد للذهبي 1/ 74، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 280.

قال: وأقبلت عليه المتفقّهة بقزوين، فدرّس، وأفاد، وصنف في الحديث، والتفسير، والفقه. وكان جيد الحفظ. سمعته يقول: سهرت البارحة، مفكرا فيما أحفظ من الأبيات المفردة، والمقطوعات خاصة، فذكر آلافا. قال: وحكى لي الحسين بن عبد الرحيم المؤذن، وهو رجل صالح، أن والدي خرج ليلة لصلاة العشاء، وكانت ليلة مظلمة، فرأيت نورا، فحسبت أن معه سراجا، فلما وصل إلي لم أجد معه شيئا، فذكرت له ذلك، فلم يعجبه وقوفي على حاله، وقال لي: أقبل على شأنك. وفي ترجمة ولده الإمام عبد الكريم ما يشبه هذه الحكاية. قال ابن السبكي: فلعل نوع هذه الكرامة في الوالد والولد. توفي في شهر رمضان، سنة ثمانين وخمسمائة، وهو في عشر السبعين. ذكره ابن قاضي شهبة. 526 - محمد بن عبد الملك بن سليمان بن أبي الجعد التستري الحنبلي يكنى أبا بكر (¬1). قدم الأندلس تاجرا سنة ثلاثين وأربعمائة (¬2). ذكره الخزرجي وقال: كان خيرا، متدينا، قوي النفس، متسننا، مؤتما بأحمد بن حنبل، ودائنا بمذهبه. وروايته واسعة عن شيوخ جلة بالعراق وخراسان. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 2/ 568. (¬2) في الأصل: «وثلاثمائة» والمثبت في الصلة.

وكان عالما بفنون علم القرآن، من قراءات، وإعراب، وتفسير. ولد بتستر سنة خمس وخمسين وثلاثمائة. وكان ممتعا قوي الأعضاء مصححا. هذه الترجمة من كتاب «الصلة» لابن بشكوال. 527 - محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر بن محمد الكرجي، بالجيم الشافعي أبو الحسن بن أبي طالب (¬1). ولد سنة ثمان وخمسين واربعمائة. وسمع الحديث من مكّي بن علان الكرجي، وأبي القاسم علي بن أحمد ابن الرزاز، وأبي علي محمد بن سعيد بن نبهان الكاتب، وأبي الحسن بن العلاف وغيرهم. روى عنه ابن السمعاني، وأبو موسى المديني، وجماعة. وصنف تصانيف في المذهب، والتفسير. وله كتاب «الذرائع في علم الشرائع». قال ابن السمعاني فيه: أبو الحسن من أهل الكرج، رأيته بها، إمام ورع، عالم، عاقل، فقيه، مفت، محدّث، شاعر، أديب، [له (¬2)] مجموع حسن. أفنى عمره في جمع العلم ونشره. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 213، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 137، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 33 ب، العبر 4/ 89، الكامل لابن الأثير 11/ 66، مرآة الزمان 8/ 167، المنتظم لابن الجوزي 10/ 75، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 262. (¬2) من طبقات الشافعية للسبكي.

وكان شافعي المذهب إلا أنه كان لا يقنت في صلاة الفجر. وقد ذكر في كتاب «الذرائع» أنه أخذ الفقه عن أبي منصور محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني، عن الإمام أبي بكر عبيد الله بن أحمد الزّاذقانيّ، عن الشيخ أبي حامد الإسفرايني. قال السمعاني: وله قصيدة بائية في السنة، شرح فيها اعتقاده واعتقاد السلف، تزيد على مائتي بيت، قرأتها عليه في داره في الكرج. قال ابن السبكي: ثبت لنا بهذا الكلام، إن [ثبت أن (¬1)] ابن السمعاني قاله، أن لهذا الرجل قصيدة في الاعتقاد على مذهب السلف، موافقة للسنة، وابن السمعاني كان أشعريّ العقيدة، فلا يعترف بأن القصيدة على السنة واعتقاد السلف إلا إذا وافقت ما يعتقد أنه كذلك، وهو رأي الأشعري. توفى الكرجيّ سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. 528 - محمد بن عبد الواحد بن محمد الطبري أبو طاهر المفسّر (¬2). روى عن الخليلي الحافظ، وعبد الجبار (¬3) بن محمد بن ماك. له كتاب «التفريد في فضائل التوحيد». ذكره الرافعي في «تاريخ قزوين» ولم يؤرخ مولده ولا وفاته. 529 - محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن يزيد بن أبي السكن الجبّائيّ البصري أبو علي (¬4). ¬

_ (¬1) عن المصدر السابق. (¬2) له ترجمة في: تاريخ قزوين للرافعي 130. (¬3) في الأصل: «عبد الجبار ومحمد بن مالك» تحريف، صوابه في تاريخ قزوين. وهو عبد الجبار بن محمد بن عبد العزيز بن ملك القاضي أبو الحسن، فقيه متقن، تفقه ببغداد، وروى عنه محمد بن عبد الواحد الطبري (تاريخ قزوين للرافعي 341). (¬4) له ترجمة في الأنساب للسمعاني ورقة 121 أ، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 125، روضات الجنات للخوانساري 161، طبقات المفسرين للسيوطي 33، اللباب لابن الأثير 1/ 208، لسان الميزان 5/ 271، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 189، الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 74، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 398.

رأس المعتزلة وشيخهم وكبيرهم، ومن انتهت إليه رياستهم، كان رأسا في الفلسفة والكلام. أخذ عن أبي [يوسف (¬1)] يعقوب الشحام البصري، وغيره. وله مقالات وتصانيف، منها: «التفسير»، و «متشابه القرآن». وكان من رأيه: تقديم أبي بكر على عمر، وعثمان، والوقوف عن أبي بكر، وعلي وتوفي في شوال سنة ثلاث وثلاثمائة، وله ثمان وستون سنة. أخذ عنه ابنه أبو هاشم، والشيخ أبو الحسن الأشعري، ثم أعرض الأشعري عن طريق الاعتزال وتاب منه. وذكر النديم له سبعين تصنيفا، منها «الرد على الأشعري في الرواية» وهو من العجائب؛ لأن الأشعري كان من تلامذته ثم خالفه، وصنف في الرد عليه فنقض هو بعض تصانيفه. وله «الردّ على أبي الحسن الخياط»، والصالحي، والجاحظ، والنظام، والبرذعي، وغيرهم من المعتزلة مما خالفهم فيه. 530 - محمد بن عبد الوهاب بن عبد الكافي بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد سعد الدين أبو بكر (¬2). وأبو اليمن، وأبو المعالي، وأبو سعيد. ويقال في اسمه: سعيد الأنصاري، الدمشقي، الشيرازي الأصل، ابن الحنبلي، الواعظ، الأطروش. أخذ عن أبيه، وأبي محمد عبد الغني المقدسي، وأبي اليمن زيد الكندي، ¬

_ (¬1) من النجوم الزاهرة. (¬2) له ترجمة في: المقفى للمقريزي 2/ 74.

وقرأ عليه القراءات السّبع، وقرأ [على (¬1)] أبي البقاء العكبري شرحه «لمقامات الحريري». وأخذ عن أبي الفرج بن الجوزي، وحفظ الكثير، وعرف التفسير. وقدم مصر، ودخل الأندلس سنة إحدى وخمسين وستمائة. وعبر سبتة، وتكلم في الوعظ بجامعها أشهرا، وجال في الأندلس، ورجع إلى سبتة، وتوجه إلى أزمور، وقدم مراكش. وهو يعظ في كل ذلك. فيفتتح مجلسه بالتفسير بعد الخطبة والدعاء وشيء من أخبار الصالحين، ومن كلام ابن الجوزي، ويختم بفصل من السّير. ومجالسه على التوالي، يبدأ اليوم من حيث انتهى بالأمس، وكلامه في ذلك متقن، يشهد بحسن تقدّمه، ولم يكن عنده كتاب يسعده، ليذكر ما كان بسبيله سوى خطب من كلام ابن الجوزي في سفر بخطه، مع تأليف له سماه «مصباح الواعظ» يتضمن ذكر من وعظ من الصدر الأول وما ينبغي للواعظ ويلزمه. وكان يشارك في الطب وغيره، وكان شديد الصمم، لا يكاد يسمع شيئا البتة، إنما يخاطب بالكتابة، فيجيب بالعين والإشارة. وكان شافعي المذهب، مستحسن المنزع، لولا حرص كان فيه من باب التكسب، ومع ذلك فقد كان من حسنات وقته. مات بالقرب من مراكش في رجب سنة اثنتين وخمسين وستمائة، وترك ثلاثمائة وستين دينارا. ذكره المقريزي في «المقفى». 531 - محمد بن عبدوس بن أحمد بن الجنيد أبو بكر المقرئ، المفسّر، الواعظ، النيسابوري. ¬

_ (¬1) من المقفى للمقريزي.

إمام فاضل في القراءات، عالم بمعاني القرآن. سمع السري بن خزيمة، وأبا عبد الله البوشنجي، وتلا على حمدون المقرئ، وأبي الحسن بن شنبوذ. سمع منه الحاكم، وأثنى عليه. ومات في ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة. 532 - محمد بن عثمان بن أبي شيبة أبو جعفر العبسيّ الكوفي الحافظ (¬1). سمع أباه، وابن المديني، وأحمد بن يونس، وخلقا. وعنه النجاد، والشافعي (¬2) البزار، والطبراني. وكان عالما بصيرا بالحديث والرجال. له تواليف مفيدة، منها: كتاب «فضائل القرآن» وثقه صالح جزرة. وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا، وهو على ما وصف لي عبدون لا بأس به. وأما عبد الله بن أحمد بن حنبل، فقال: كذاب. وقال ابن خراش: كان يضع الحديث. وقال مطيّن: هو عصا موسى تلقف ما يأفكون. وقال البرقاني: لم أزل أسمعهم يذكرون أنه مقدوح فيه. مات سنة سبع (¬3). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 2/ 42، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 661. العبر 2/ 108، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 642، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 171. (¬2) في الأصل: «والشافعي والبزار»، تحريف صوابه في العبر، وميزان الاعتدال. (¬3) أي سنة سبع وتسعين ومائتين كما في العبر وتذكرة الحفاظ.

له «تاريخ كبير» وله معرفة وفهم، وقال أبو نعيم بن عدي: رأيت كلا منه ومن مطيّن يحط أحدهما على الآخر. قال لي مطين: من أين لقى محمد بن عثمان (¬1) ابن أبي ليلى؟ فعلمت أنه يحمل عليه، فقلت له: ومتى مات محمد؟ قال: سنة أربع وعشرين، فقلت لابني: أكتب هذا، فرأيته قد ندم. فقال: مات بعد هذا بسنتين، ورأيته قد غلط في موت ابن أبي ليلى. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كتب عنه أصحابنا. 533 - محمد بن عثمان بن مسبح أبو بكر الملقب بالجعد الشيبانيّ النحويّ (¬2). أحد أصحاب ابن كيسان. كان من العلماء الفضلاء. له من التصانيف: «معاني القرآن»، «غريب القرآن»، «الناسخ والمنسوخ»، «القراءات»، «المختصر في النحو»، «المقصور والممدود»، «المذكر والمؤنث»، «العروض»، «الفرق»، «الألفات»، «خلق الإنسان»، «الهجاء» (¬3). 534 - محمد بن عزيز أبو بكر السجستانيّ العزيزيّ (¬4). ¬

_ (¬1) في الأصل: «محمد بن عمران» تحريف، صوابه في ميزان الاعتدال. (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 184، الأنساب للسمعاني ورقة 55، تاريخ بغداد 3/ 47، الفهرست لابن النديم 82، معجم الأدباء 7/ 39، نزهة الالباء 309، الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 82. (¬3) بياض في الأصل قدر كلمة، والترجمة بالنص في بغية الوعاة، وقد وقفت الترجمة عند هذا الحد، ويبدو أن البياض هنا لعبارة: «ذكره شيخنا في طبقات النحاة» التي تعود الداودي أن يذكرها عقب نقله عن شيخه السيوطي. (¬4) له ترجمة في: تبصير المنتبه لابن حجر 3/ 948، اللباب 2/ 135، الوافي بالوفيات 4/ 95.

بزائين (¬1) معجمتين، كما ذكره الدّارقطنيّ، وابن ماكولا، وقيل: الثانية مهملة؛ نسبة لبني عزرة؛ وردّ بأنّ القياس فيه العزريّ. كان أديبا فاضلا متواضعا. أخذ عن أبي بكر بن الأنباريّ، وصنّف «غريب القرآن» المشهور فجوّده. ويقال: إنه صنّفه في خمس عشرة سنة، وكان يقرأه على شيخه ابن الأنباري ويصلح فيه مواضع، ورواه عنه ابن حسنون، وغيره. مات سنة ثلاثين وثلاثمائة. وقال ابن النجار في ترجمته: كان عبدا صالحا، روى عنه «غريب القرآن» أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان المعروف بابن بطة العكبري، وأبو عمرو عثمان بن أحمد بن سمعان الوزّان، وأبو أحمد عبد الله ابن حسنون المقرئ وغيرهم. قال: والصحيح في اسم أبيه عزير، آخره راء، هكذا رأيته بخط ابن ناصر الحافظ، وبخط غير واحد من الذين كتبوا كتابه [عنه] وكانوا متقنين. قال: وذكر لي شيخنا أبو محمد بن الأخضر أنه رأى نسخة لغريب القرآن، بخط مصنفه، وفي آخرها، «وكتب محمد بن عزير» بالراء المهملة. انتهى. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في اللباب: وأما محمد بن عزيز العزيري السجستاني فهو منسوب الى ابيه وهو مصنف غريب القرآن، ومن قال بزائين فقد أخطأ (اللباب لابن الأثير 2/ 135). وقد بسط ابن حجر القول في هذه المسألة وشرحها باسهاب، وانظر تبصير المنتبه 3/ 948.

535 - محمد بن علي بن أحمد بن محمد الإمام أبو بكر الأذفوي (¬1). بضم الهمزة وسكون الذال (¬2) المعجمة وفاء، مدينة حسنة بالقرب من أسوان، المصري المقرئ النحوي المفسر. أخذ القراءات عن أبي غانم المظفر بن أحمد بن حمدان، وسمع الحروف من أحمد بن إبراهيم بن جامع، ومن سعيد بن السّكن، والعباس بن أحمد، وكان من أهل العلم والصلاح والدين والأدب، وكان يبيع الخشب، وكان سيد أهل عصره بمصر، أخذ عنه جماعة. وله كتاب «تفسير القرآن» سماه «الاستغناء» في مائة وعشرين مجلدا، صنفه في اثنتي عشرة سنة. قال الذهبي: منه نسخة بمصر بوقف القاضي الفاضل عبد الرحيم. وقال الدّاني: انفرد بالإمامة في دهره في قراءة نافع، رواية ورش، مع سعة علمه، وبراعة فهمه، وصدق لهجته، وتمكّنه من علم العربية، وبصره بالمعاني. روى عنه القراءة جماعة من الأكابر، منهم: محمد بن الحسين [بن (¬3)] النعمان، والحسن بن سليمان، وعبد الجبار بن أحمد الطّرسوسيّ، وابنه أبو ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 186، تاج العروس للعمروسي 10/ 128، حسن المحاضرة 1/ 490، الطالع السعيد 552، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 198، طبقات المفسرين للسيوطي 38، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 97، معجم البلدان لياقوت الحموي 1/ 169، هدية العارفين لاسماعيل باشا البغدادي 2/ 56، الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 117. (¬2) وأثبتها الأدفوي في الطالع السعيد للادفوي ص 555 بالدال المهملة، فقال: «ورأيته كذا في مكاتيبهم الحديثة والقديمة جدا والمتوسطة، لا يختلفون في ذلك ... وبعضهم قال بالذال المعجمة، وكل ذلك عندي لا يعتد به لما وصفت لك، وأهل البلاد أعرف ببلادهم من البعيد الدار، والموجود في الكتب في النسبة اليها: أدفوي». (¬3) من الطالع السعيد للادفوي، وطبقات القراء لابن الجزري.

القاسم أحمد بن أبي بكر الأذفوي، وعتبة بن عبد الملك، وأبو الفضل الخزاعي. ولد سنة خمس وثلاثمائة، وقيل: سنة ثلاث، وقيل: سنة أربع في صفر، وهو أصح. ومات يوم الخميس سابع ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، وعمر خمسا وثمانين سنة، وقبره ظاهر بالقرافة يزار، رحمه الله وإيانا. 536 - محمد بن علي بن إسماعيل الإمام أبو بكر الشّاشي الفقيه الشافعي المعروف بالقفّال (¬1) الكبير. أحد أعلام المذهب، وأئمة المسلمين. ولد سنة إحدى وتسعين ومائتين، ومات بالشاش سنة خمس وستين، وقيل سنة ست وستين وثلاثمائة. وسمع من أبي بكر بن خزيمة، ومحمد بن جرير، وأبي القاسم البغوي، وأبي عروبة الحرّانيّ، وعبد الله المدائنيّ، ومحمد بن محمد الباغنديّ، وطبقتهم. قال الشيخ أبو إسحاق: درس على ابن سريج، وجرى عليه الرافعي في «التذنيب» قال ابن الصلاح: الأظهر عندنا أنه لم يدرك ابن سريج، وهو الذي ذكره المطوعي في كتابه، يعني أن ابن سريج مات قبل دخوله بغداد. ¬

_ (¬1) ورده له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 460 أ، تبيين كذب المفتري 182، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 282، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 200، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 12 ب، طبقات الشيرازي 91، طبقات العبادي 92، طبقات المفسرين للسيوطي 36، طبقات ابن هداية الله 27، العبر 2/ 338، اللباب 2/ 275، مرآة الجنان 2/ 381، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 111، الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 112، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 338.

وإنما أخذ عن أبي الليث الشالوسي، عن ابن سريج. كان إمام عصره بما وراء النهر، فقيها، محدثا، مفسرا، أصوليا، لغويا، شاعرا، لم يكن للشافعية بما وراء النهر مثله في وقته. رحل إلى خراسان والعراق والشام، وسار ذكره، واشتهر اسمه. صنف في القرآن «التفسير الكبير»، و «دلائل النبوة»، و «محاسن الشريعة»، و «أدب القضاء» جزء كبير، وله «كتاب حسن في أصول الفقه»، وله «شرح الرسالة». قال الحاكم: كان أعلم أهل ماوراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في طلب الحديث. وقال الشيخ أبو إسحاق: له مصنفات كثيرة ليس لأحد مثلها، وهو أول من صنف الجدل من الفقهاء، وعنه انتشر فقه الشافعي بما وراء النهر. وقال النووي: القفال هذا هو الكبير، يتكرر ذكره في التفسير، والحديث، والأصول، والكلام، بخلاف القفال الصغير المروزي، فإنه يتكرر في الفقه خاصة. وقال الذهبي: سئل أبو سهل الصعلوكيّ عن تفسير أبي بكر القفال، فقال: قدّسه من وجه ودنّسه من وجه، أي دنسه من جهة نصرة مذهب الاعتزال. روى عنه الحاكم، وابن منده، والحليميّ، وأبو عبد الرحمن السلمي وجماعة. ونقل عنه الإمام الرازي في «تفسيره» كثيرا مما يوافق مذهب المعتزلة. وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: بلغني أنه كان مائلا عن الاعتدال قائلا بالاعتزال في أول مرة، ثم رجع إلى مذهب الأشعريّ.

قال الشيخ تاج الدين السبكي في «الطبقات الكبرى»: وهذه فائدة جليلة، انفرجت بها كربة عظيمة، وحسيكة في الصدر جسيمة؛ وذلك أن مذاهب تحكى عنه في الأصول، لا تصح إلا على قواعد المعتزلة، وطالما وقع البحث في ذلك حتى توهم أنه معتزليّ، واستند المتوهم إلى ما نقل أنّ أبا الحسن الصّفار، قال: سمعت أبا سهل الصعلوكيّ، سئل عن تفسير القفّال، فقال ما حكاه ابن عساكر، وتبين لنا بها أن ما كان من هذا القبيل، كقوله: يجب العمل بالقياس عقلا، وبخبر الواحد عقلا، وأنحاء ذلك، فالذي نراه أنه لما ذهب إليه كان على ذلك المذهب، فلما رجع لا بد أن يكون قد رجع عنه، فاضبط ذلك. قال: وقد ذكر الشيخ أبو محمد في «شرح الرسالة» أن القفال أخذ علم الكلام عن الأشعري، وأن الأشعري كان يقرأ عليه الفقه، كما كان هو يقرأ عليه الكلام، وذلك لا شك فيه، كذلك ويدل على أنه أشعري، وكأنه لما رجع عن الاعتزال، أخذ في تلقي علم الكلام عن الأشعري، فقرأ عليه على كبر السن، لعليّ رتبة الأشعري، ورسوخ قدمه في الكلام. ومن نظم القفّال فيما رواه البيهقي عن عمر بن قتادة، قال: أنشدنا أبو بكر القفّال لنفسه: أوسع رحلي على منزلي ... وزادي مباح على من أكل (¬1) نقدّم حاضر ما عندنا ... وإن لم يكن غير بقل وخل فأمّا الكريم فيرضى به ... وأما البخيل فمن لم أبل 537 - محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني أبو جعفر الباقر (¬2). ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للسبكي 3/ 204. وروايته هناك: «أوسع رحلي على من نزل». (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 124، تهذيب التهذيب لابن حجر 9/ 350، حلية الأولياء للأصبهاني 3/ 180، الذريعة لمحسن الطهراني 1/ 315، صفوة الصفوة لابن الجوزي 2/ 60، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 314.

سمع جابر بن عبد الله، وأبا مرّة مولى عقيل بن أبي طالب، وعبيد الله بن أبي رافع، وسعيد بن المسيب، ويزيد بن هرمز. روى عنه أبو إسحاق الهمذاني، ومكحول بن راشد، ومعمر بن يحيى، وابنه جعفر، والأوزاعي، وعمرو بن دينار. ولد سنة ست وخمسين، ومات سنة سبع عشرة ومائة. له «تفسير» رواه عنه زياد بن المنذر أبو الجارود الكوفي الأعمى، رئيس الجارودية الزيدية من الرافضة. 538 - محمد بن علي بن شهراسوب (¬1) بن أبي نصر [أبو (¬2)] جعفر السروريّ المازندرانيّ رشيد (¬3) الدين. أحد شيوخ الشيعة. اشتغل بالحديث، ولقي الرجال، ثم تفقه وبلغ النهاية في فقه أهل مذهبه، ونبغ في الأصول حتى صار رحلة، ثم تقدم في علم القراءات، والغريب، والتفسير، والنحو. كان إمام عصره، وواحد دهره، والغالب عليه، علم القرآن والحديث. وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة في تصانيفه، في تعليقات الحديث ورجاله ومراسيله، ومتفقه ومفترقه، إلى غير ذلك من أنواعه، واسع العلم، كثير الفنون. ¬

_ (¬1) كذا بالسين المهملة في: طبقات المفسرين للسيوطي، ولسان الميزان، وضبطه الصفدي في الوافي بالوفيات بالعبارة فقال: شهراسوب (الثانية سين مهملة). وفي الأصل: «شهراسوب». (¬2) من لسان الميزان، وطبقات المفسرين للسيوطي. (¬3) له ترجمة في: روضات الجنات للخوانساري 602، طبقات المفسرين للسيوطي 37، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 5/ 310، الوافي بالوفيات 4/ 164.

مات في شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. قال ابن أبي طيّ: ما زال الناس بحلب لا يعرفون الفرق بين ابن بطّة الشيعي، وبين ابن بطّة الحنبلي، حتى قدم الرشيد فقال: ابن بطّة الحنبلي، بالفتح، والشيعي بالضم. 539 - محمد بن علي عبد القوي بن عبد الباقي بن أبي اليقظان بن أبي الحصيب (¬1) - بالحاء المهملة- محيي الدين أبو عبد الله التنوخي المعري الدمشقي الحنفي (¬2). ولد بدمشق سنة سبع وأربعين وستمائة. سمع من عثمان بن [علي] (¬3) خطيب القرافة، والعماد بن الحرستاني، وإبراهيم بن خليل الأدمي، وخرج له الحافظ أبو محمد الدمياطي مشيخة. وكان كثير المطالعة والإشغال والاشتغال، فاضلا في النحو والفقه، مشهورا بالعلم، عارفا بالتفسير وغيره من العلوم، زاهدا. وكان معيدا بعدة مدارس من القاهرة، ومات بها ليلة الأحد ثامن عشر رمضان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، ودفن بالقرافة. ذكره المقريزي في «المقفى». 540 - محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم الدكاليّ المغربي الأصل الإمام شمس الدين أبو امامة المعروف بابن النقاش (¬4). ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وفي المقفى، والجواهر المضيئة: «ابن أبي الحصينا». (¬2) ورد له ترجمة في: الجواهر المضيئة لعبد القادر القرشي 2/ 94، الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 187، الطبقات السنية 459 أ، المقفى للمقريزي 2 ورقة 145، والترجمة فيه بالنص. (¬3) من الدرر الكامنة. (¬4) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 292، البدر الطالع للشوكاني 2/ 211، الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 190، ذيل العبر 349، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 97 أ، النجوم الزاهرة 11/ 13.

قال في «الدرر»: ولد في نصف رجب سنة عشرين- وقال العراقيّ: سنة ثلاث، وابن رافع خمس وعشرين- وسبعمائة. حفظ «الحاوي» الصغير، وكان يقول: إنّه أوّل من حفظه بالديار المصرية. واشتغل على الشيخ شهاب الدين الأنصاري، والشيخ تقي الدين السبكيّ. وأخذ القراءات عن الشيخ برهان الدين الرّشيديّ، والعربية عن أبي حيّان، وغيره. وتقدم في الفنون، وحصل، ودرس، وأفتى، وتكلم على الناس، وكان من الفقهاء المبرزين، والفصحاء المشهورين، وله نظم ونثر حسن. وحصل له بمصر رئاسة عظيمة، وشاع ذكره في الناس، ودرس بعدة مدارس، وبعد صيته. وورد الشام في أيام السبكي، وجلس بالجامع ووعظ بجنان ثابت، ولسان فصيح من غير تكلف، فعكف الناس عليه. وله مصنفات منها شرح «التسهيل» وشرح «العمدة» في ثمان مجلدات، شرح «ألفية ابن مالك» وكتاب «النظائر والفروق»، و «خرج أحاديث الرافعي»، وله «تفسير» مطول جدا، التزم أن لا ينقل فيه حرفا عن أحد. قال ابن كثير: كان فقيها، نحويا، شاعرا، واعظا، له يد طولى في فنون، وقدرة على السجع. وكان يقول: الناس اليوم رافعية لا شافعية، ونووية لا نبوية، انتهى. قال ابن قاضي شهبة في «الطبقات»: وآخر هذا الكلام منكر، ومما نقل من الزركشي (¬1)، أنه صنف كتابا سماه «اللاحق السابق». ¬

_ (¬1) في طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: «ومما نقل من خط الزركشي».

وقال الصفدي: قدم دمشق فأكرمه السبكي وعظمه، وصحب الأمراء، ثم صحب الناصر حسنا إلى أن أبعده عنه الهرماس بسبب أنه أفتى فتيا تخالف مذهب الشافعي، فشنع عليه، وعقد له مجلس بالصالحيّة بحضرة القاضي عز الدين بن جماعة، ومنع من الفتيا قال: ومات في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وسبعمائة عن تسع وثلاثين. وقال ابن حبيب: عن ثلاث وأربعين. وهو والد [الشيخ زين الدين (¬1)] أبي هريرة الخطيب. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 541 - محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن العربي الحاتمي (¬2). الصوفي الفقيه الظاهري، المحدّث، من ولد عبد الله بن حاتم أخي عديّ ابن حاتم. ولد بمرسية في شهر رمضان سنة ستين وخمسمائة. وسمع بقرطبة من الحافظ أبي القاسم خلف بن بشكوال، وغيره. وبإشبيلية من أبي بكر محمد بن خلف بن صاف اللخمي، وقرأ عليه القرآن الكريم بالقراءات السبع، وبكتاب «الكافي» لأبي عبد الله محمد بن شريح الرعيني المقرئ في مذاهب القراء السبعة المشهورين، وحدثه به عن ابن المؤلف أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني عن أبيه. ¬

_ (¬1) من الدرر الكامنة لابن حجر. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 156، روضات الجنات للخوانساري 192، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 208، طبقات المفسرين للسيوطي 38، العبر 5/ 158، فوات الوفيات 2/ 478، لسان الميزان 5/ 311، مرآة الجنان 4/ 100، المقفى للمقريزي ج 2 ورقة 158 والترجمة فيه بالنص، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 659، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 339، نفح الطيب 2/ 161، الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 173.

وقرأ أيضا بالكتاب المذكور على أبي القاسم عبد الرحمن بن غالب الشراط القرطبي، وحدثه به عن ابن المؤلف. وسمع على قاضي مدينة فاس أبي محمد عبد الله التادلي كتاب «التبصرة» في مذاهب القراء السبعة، لأبي محمد مكي بن أبي طالب المقرئ عن أبي بحر سفيان عن المؤلف. وسمع على القاضي أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي جمرة كتاب «التيسير» في مذاهب القراء السبعة لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني عن أبيه عن المؤلف، وسمع على القاضي أبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون الأنصاري، وعلى أبي محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الإشبيلي، وعلى عبد الصّمد بن محمد بن أبي الفضل بن الحرستاني. وعلى يونس بن أبي الحسن العباسي نزيل مكة، وعلى المكين بن شجاع زاهر بن رستم الأصبهاني إمام المقام، وعلي بن البرهان نصر بن أبي الفتوح بن علي وسالم ابن رزق الله الأفريقي، ومحمد بن أبي الوليد بن أحمد بن شبل، وأبي عبد الله ابن عيشون. وأجازه جماعة كثيرة منهم الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر، وأبو الطاهر السلفي، وأبو الفرج بن الجوزي. وقدم إلى مصر. وأقام بالحجاز مدة. ودخل بغداد والموصل وبلاد الروم، ومات بدمشق في ليلة الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة، ودفن بسفح قاسيون. قال ابن الأبار: من أهل إشبيلية، وأصله من سبتة. وقال أبو جعفر بن الزبير: أظنه من أهل المريّة. وقال ابن النجار: أقام بإشبيلية إلى سنة ثمان وتسعين، ثم دخل بلاد المشرق.

وقال ابن الأبار: أخذ عن مشيخة بلده، ومال إلى الآداب، وكتب لبعض الولاة، ثم رحل إلى المشرق حاجا، فأدى الفريضة ولم يعد بعدها إلى الأندلس. وقال أبو محمد المنذري: ذكر أنه سمع بقرطبة من أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال وجماعة سواه، وسمع بإشبيلية من أبي بكر محمد بن خلف بن صاف، وأنه سمع بمكة وبغداد والموصل وغيرها من جماعة، وطاف البلاد، وسكن بلاد الروم مدة، وجمع مجاميع في الطريقة. وقال ابن الأبار: وسمع الحديث من أبي القاسم الحرستاني، وسمع «صحيح مسلم» مع شيخنا أبي الحسن بن أبي نصر في شوال سنة ست وستمائة، وكان يحدث بالإجازة العامة عن السلفي ويقول بها، وبرع في علم التصوف، وله في ذلك مصنفات جليلة طويلة كثيرة، لقيه جماعة من العلماء والمتعبدين وأخذوا عنه. وقال أبو جعفر بن الزبير: وجال في بلاد المشرق، وأخذ في رحلته، وألف في التصوف وما يرجع إليه، وفي التفسير وفي غير ذلك، تواليف لا يأخذها الحصر منها «الجمع والتفصيل في أسرار معاني التنزيل»، وكتاب «كشف المعنى في تفسير الأسماء الحسنى» وكتاب «الإعلام بإشارات أهل الإلهام» إلى ذلك، وله شعر وتصرف في فنون من العلم، وتقدم في علم الكلام والتصوف. وقال ابن الدّبيثي: قدم بغداد في سنة ثمان وستمائة، وكان يومأ إليه بالفضل والمعرفة، والغالب عليه طريق أهل الحقيقة، وله قدم في الرياضة والمجاهدة، وكلام على لسان أهل التصوف، ورأيت جماعة يصفونه بالتقدم والمكانة عند جماعة من أهل هذا الشأن بدمشق، وبلاد الشام والحجاز، وله أصحاب وأتباع، ووقفت له على مجموع من تأليفه وقد ضمّنه منامات رأى

فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وما سمعه منه، ومنامات قد حدث بها عمن رآه صلى الله عليه وسلم، فكتب عني شيئا من ذلك، وعلقت عنه منامين فحسب. وقال ابن النجار: وكان قد صحب الصوفية، وأرباب القلوب، وسلك طريق الفقر، وحج وجاور، وصنف كتبا في علوم القوم، وفي أخبار مشايخ المغرب وزهادها، وله أشعار حسنة، وكلام مليح، اجتمعت به بدمشق في رحلتي إليها. وكتبت عنه شيئا من شعره، ونعم الشيخ هو: ذكر لي أنه دخل بغداد في سنة إحدى وستمائة، فأقام بها اثني عشر يوما، ثم دخلها ثانيا حاجا مع الركب في سنة ثمان وستمائة. وأنشدني لنفسه: أيا حائرا ما بين علم وشهوة ... ليتصلا ما بين ضدين من وصل (¬1) ومن لم يكن يستنشق الريح لم يكن ... يرى الفضل للمسك الفتيق على الزبل وسألته عن مولده فقال: في ليلة الاثنين سابع عشر رمضان سنة ستين وخمسمائة بمرسية من بلاد الأندلس. وقال ابن مسدي: وكان يلقب بالقشيري، لقب غلب عليه لما كان يشير من التصوف إليه، وكان جميل الجملة والتفصيل، محصلا لفنون العلم أخصّ تحصيل، وله في الأدب الشأو الذي لا يلحق، والتقدم الذي لم يسبق. سمع ببلده من أبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون القاضي، ومن الحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله بن الجد، وأبي الوليد جابر بن أبي أيوب الحضرمي. ¬

_ (¬1) البيتان في المقفى للمقريزي، ونفح الطيب للمقري 2/ 163، والوافي بالوفيات للصفدي 4/ 178، وعبارة الوافي: «أنا حائر».

وبسبتة من أبي محمد بن عبيد الله، وقدم عليه إشبيلية أبو محمد عبد المنعم بن محمد الخزرجي فسمع منه، وأبو جعفر بن مضاء واختصّ بنجبة بن يحيى، فقرأ عليه القرآن بالروايات. وسمع بمرسية من القاضي أبي بكر بن أبي جمرة (¬1)، وغيره، وذكر أنه لقي عبد الحق بن عبد الرحمن ببجانة وفي ذلك نظر. وذكر الشيخ محيي الدين في إجازته للملك المظفر غازي بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب [ما معناه أو نصه (¬2)]، ومن شيوخنا المحدّث أبو محمد عبد الحق بن عبد الله الأزدي الإشبيلي رحمه الله حدثني بجميع مصنفاته في الحديث، وعين لي من أسمائها «تلقين المبتدي» و «الأحكام الصغرى» و «الوسطى» و «الكبرى» وكتاب «التهجد» وكتاب «العاقبة» ونظمه ونثره، وحدثني بكتب الإمام أبي محمد علي بن أحمد بن حزم، عن أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح عنه. وذكر الشيخ محيي الدين: أن الحافظ السلفي أجاز له، وأحسبها الإجازة العامة. وله تواليف، وكان مقتدرا على الكلام ولعله ما سلم من الكلام. وكان رحمه الله ظاهري المذهب في العبادات، باطني النظر في الاعتقادات. قال ابن النجار: توفي ليلة الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة بدمشق، ودفن يوم الجمعة بجبل قاسيون، واتفق أنه لما أقام ببلاد الروم ركبه ذات يوم الملك وقال: هذا بدعوة الأسود، ¬

_ (¬1) في الأصل: «ابن أبي حمزة» تحريف، صوابه في تبصير المنتبه لابن حجر 1/ 454. (¬2) من نفح الطيب للمقري.

فسئل عن ذلك، فقال: خدمت بمكة بعض الصّلحاء، فقال لي يوما: الله يذل لك أعزّ خلقه، وأمر له ملك الروم مرة بدار تساوي مائة ألف درهم، فلما نزل بها وأقام بها مرّ به في بعض الأيام سائل، فقال له: شيء لله، فقال: ما لي غير هذه الدار، خذها لك، فتسلمها السائل وصارت له. وقد نقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام، أنه قال عن ابن العربي: هذا شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم، ولا يرى تحريم فرج، وأنه سئل عن كذبه، فقال: كان ينكر تزويج الإنس بالجن، ويقول: الجن روح لطيف، والإنس جسم كثيف لا يجتمعان، ثم زعم أنه تزوج امرأة من الجن وأقامت معه مدة ثم ضربته بعظم جمل فشجته، وأرانا شجّة بوجهه وقد برئت. ويقال أيضا إنه خرج هو وابن سراقة العامري من باب القراديس بدمشق، فقال: بعد كذا وكذا ألف سنة، يخرج ابن العربي وابن سراقة من هذا الباب على هذه الهيئة. وقال في حقه شمس الدين محمد بن عثمان الذهبي: له توسع وذكاء، وقوة خاطر، وحافظة، وتدقيق في التصوف، وتواليف جمة في العرفان، لولا شطحه في كلامه وشعره، ولعل ذلك وقع منه حال سكره وغيبته، فيرجى له الخير. وقال القطب اليونيني في ذيل «مرآة الزمان» عن ابن عربي، وكان يقول: أعرف الاسم الأعظم، وأعرف الكيمياء. وحكى ابن سودكين عنه: أنه كان يقول: ينبغي للعبد أن يستعمل همّته في الحضور في مناماته، بحيث يكون حاكما على خياله يصرفه بعقله نوما، كما كان يحكم عليه يقظة، فإذا حصل للعبد هذا الحضور وصار خلقا

له، وجد ثمرة ذلك في البرزخ، وانتفع به جدا، فليهتم العبد بتحصيل هذا القدر، فإنه عظيم الفائدة بإذن الله. وقال: إن الشيطان ليقنع من الإنسان بأن ينقله من طاعة إلى طاعة ليفسخ عزمه بذلك. وقال: ينبغي للسالك متى خطر له أن يعقد على أمر، أو يعاهد الله تعالى عليه، أن يترك ذلك الأمر إلى أن يجيء وقته، فإن يسّر الله فعله فعله، وإن لم ييسّر الله فعله، يكون مخلصا من نكث العهد، ولا يتصف بنقض الميثاق. وقال: بلغني في مكة عن امرأة من أهل بغداد، أنها تكلمت فيّ بأمور عظيمة، فقلت: هذه جعلها الله سببا لخير وصل إليّ فلأكافئنها، وعقدت في نفسي أن أجعل جميع ما أعتمر في رجب يكون لها وعنها، ففعلت ذلك، فلما كان الموسم استدل عليّ رجل غريب. فسأله الجماعة عن قصده. فقال: رأيت بالينبع في الليلة التي بت فيها، كأنّ آلافا من الإبل، أوقارها المسك والعنبر والجوهر، فعجبت من كثرته ثم سألت لمن هو؟ فقيل: هو لمحمد بن عربي، يهديه إلى فلانة، وسمّى تلك المرأة ثم قال: وهذا بعض ما تستحق. قال ابن عربي: فلما سمعت الرّؤيا واسم المرأة، ولم يكن أحد من خلق الله علم مني ذلك، علمت أنه تعريف من جانب الحق، وفهمت من قوله: إن هذا بعض ما تستحق، أنها مكذوب عليها، فقصدت المرأة وقلت: أصدقيني، وذكرت لها ما كان من ذلك، فقالت: كنت قاعدة قبالة باب البيت وأنت تطوف، فشكرك الجماعة التي كنت فيهم، فقلت في نفسي: اللهمّ إني أشهدك قد وهبت له ثواب ما أعمله في يوم الاثنين وفي يوم الخميس، وكنت أصومهما، وأتصدق فيهما، قال: فعلمت أن الذي وصل منها إلى بعض ما تستحقه، فإنها سبقت بالجميل والفضل المتقدم.

542 - محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الفخار الجذاميّ (¬1). الأركشي المولد والمنشأ، المالقيّ الاستيطان، الشّريشيّ التدرب والقراءة، الإمام أبو بكر. قال في «تاريخ غرناطة» كان متفنّنا عالما بالفقه والعربيّة والقراءات والأدب الحديث، خيّرا صالحا، شديد الانقباض، ورعا، سليم الباطن، كثير العكوف على العلم، قليل الرياء والتصنّع، عظيم الصبر. خرج من بلده أركش حين استولى عليها العدوّ، فاستوطن شريش وقرأ بها العربية والأدب على الأستاذ أبي الحسن بن إبراهيم السّكوني، وأبي بكر محمد بن محمد الديباج وغيرهما، ولحق بالجزيرة الخضراء لما استولى العدو على شريش، فأخذ بها عن أبي عبد الله بن خميس وغيره. ثم أخذ عن أبي الحسين بن أبي الرّبيع وغيره بسبتة، والأبذيّ، وابن الصائغ بغرناطة، ثم استوطن مالقة وسمع بها على أبي عمر بن حوط الله، وتصدر للإقراء، فكان يدرّس من صلاة الصبح إلى الزوال، ويقرأ القرآن، ويفتي النّساء بالمسجد إلى بعيد العصر، ويأتي الجامع الأعظم بعد المغرب فيفتي إلى العشاء الآخرة، ولا يقبل من أحد شيئا، ووقعت له مشاحنات [مع] فقهاء بلده في فتاوى، وعقدت له مجالس، وشهر فيها، وبالغ الناس في تعظيمه. وقد أخذ عن أبي يعقوب المحاسني، وأبي الحسن علي بن عيسى المعروف بابن ميتوان، والمحدث الحافظ أبي محمد الكماد، وغيرهم من الأئمة الجلة ممن يطول تعدادهم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 199، الديباج المذهب لابن فرحون 303، هدية العارفين لاسماعيل باشا البغدادي 2/ 159.

وكان مغري بالتأليف، ألف نحو الثلاثين تأليفا في فنون مختلفة، منها: كتاب «تحبير الجمان في تفسير أم القرآن»، و «انتفاع الطلبة النبهاء في اجتماع السبعة القراء» و «الأحاديث الأربعون فيما ينتفع به القارءون والسامعون»، وكتاب «منظوم الدرر في شرح كتاب المختصر»، وكتاب «نصح المقالة في شرح الرسالة» وكتاب «الجواب المختصر المروم في تحريم سكنى المسلمين ببلاد الروم»، وكتاب «استواء النهج في تحريم اللعب بالشطرنج»، وكتاب «النصل المنتضى المهزوز في الرد على من أنكر صيام يوم النيروز» وكتاب «تفضيل صلاة الصبح للجماعة في آخر وقتها المختار على صلاة الصبح للمنفرد في أول وقتها بالابتدار»، وكتاب «إرشاد السالك في بيان إسناد زياد عن مالك» وكتاب «الجوابات المجمعة على السؤالات المنوعة» وكتاب «إملاء الدول في ابتداء مقاصد الجمل» و «شرح مشكلات سيبويه» سماه «أجوبة الإقناع والاحتساب في مشكلات مسائل الكتاب» وشرح قوانين الجزولية سماه «منهج الضوابط المقسمة في شرح قوانين المقدمة» وكتاب «التوجيه الأوضح الأسمى في حذف التنوين من حديث أسما» وكتاب «التكملة والتبرية في إعراب البسملة والتصلية» وكتاب «سح مزنة الانتخاب في شرح خطبة الكتاب» و «اللائح المعتمد عليه في الرد على من رفع الخبر بلا إلى سيبويه» وغير ذلك. ومن نظمه: أنظر إلى ورد الرياض كأنه ... ديباج خدّ في بنان زبرجد قد فتّحته نضارة فبدا له ... في القلب رونق صفرة كالعسجد حكت الجوانب خدّ حب ناعم ... والقلب يحكي قلب صبّ مكمد مات رحمه الله تعالى بمالقة سنة ثلاث وسبعمائة. ذكره ابن فرحون، ثم شيخنا في «طبقات النحاة».

543 - محمد بن علي بن محمد بن الحسين بن مهرايزد النحوي (¬1) المعلم الأصبهاني الأديب، أبو مسلم. صنف «تفسيرا» كبيرا في عشرين مجلدا، وكان عارفا بالنحو غاليا في الاعتزال. روى عن ابن المقرئ «مسند» ابن وهب رواية حرملة عنه، وهو آخر من حدث عنه. مولده سنة ست وستين وثلاثمائة ومات سنة تسع وخمسين وأربعمائة. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 544 - محمد بن عليّ بن محمد البلنسي الغرناطي (¬2). قال في «تاريخ غرناطة»؛ قائم على العربيّة والبيان، ذاكر لكثير من المسائل، حافظ متقن، حسن الإلقاء، عفيف النشأة، مكب على العلم، مع زمانة أصابت يمناه، لازم ابن الفخّار، ومهر في العربيّة. وصنّف «الاستدراك على التعريف والإعلام للسهيلي»، و «تفسيرا كبيرا». وجرت له منحة مع السلطان، ثم صفح عنه لحسن تلاوته. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». ولم يؤرخ وفاته. 545 - محمد بن علي بن ممويه أبو بكر الأصبهاني (¬3). الواعظ، المفسر، المعروف بالحمّال، كان ملك العلماء في وقته بأصبهان. مات سنة أربع عشرة وأربعمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في طبقات المفسرين للسيوطي 32، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 5/ 298، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 655، الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 130. (¬2) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 207. (¬3) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 39.

546 - محمد بن علي بن يحيى بن يوسف بن الحسين بن محمد بن عبيد الله بن هبيرة أبو الرضا النسفي ثم البغدادي (¬1). قال ابن النجار: كان صالحا فاضلا خبيرا بالتفسير والنحو والأدب. حدث عن طراد، وابن البطر. روى عنه أبو محمد بن الخشاب النحوي، وغيره. مات في محرم سنة سبع عشرة وخمسمائة. 547 - محمد بن عليّ المصريّ أبو عبد الله. قال الخزرجيّ في «طبقات أهل اليمن»: كان فقيها فاضلا، عارفا بالنحو، والفقه، واللغة، والحديث، والتفسير والقراءات. أعاد بالمؤيديّة بتعز، ودرّس بالمجاهدية بها. ومات سنة خمس وأربعين وسبعمائة. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 548 - محمد بن أبي عليّ بن أبي نصر فخر الدين أبو عبد الله النوقاني (¬2). الفقيه الشافعي الأصولي، كان له يد طولى في التفسير، والفقه، والجدل، كثير العبادة والصلاح. تفقه على الإمام محمد بن يحيى، وقدم بغداد ودرّس وناظر، وتولى تدريس مدرسة أم الخليفة النّاصر. مات بالكوفة في صفر سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في طبقات المفسرين للسيوطي 38. (¬2) له ترجمة في: طبقات الشافعيّة للسبكي 7/ 29.

549 - محمد بن علي- ويقال يعلى- بن محمد بن وليد بن عبيد المعافري (¬1). ويعرف بالجوزي (¬2): من أهل إشبيلية، وأصله من قرطبة، خرج جده محمد منها في فتنة البربر، يكنى بأبي بكر، وبأبي عبد الله. وهو خال القاضي أبي الفضل عياض. سمع بسبتة من أبي علي بن خالد، ومروان بن سمحون، وغيرهما. ودخل إلى بلاد إفريقية فدرس على عبد العزيز الديباجي، وروى عنه كتبه وغيرها. وصنف في «التفسير» كتابا حسنا، مات قبل إكماله، وصنف في علم التوحيد، وكان متفننا في العلوم، ومن أهل البلاغة والشعر. وله: يا من عدا ثم اعتدى ثم اقترف ... ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف أبشر بقول الله في آياته ... إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف مولده بسبتة في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، وتوفي يوم الجمعة لتسع بقين من صفر سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. ذكره ابن بشكوال في «الصلة». 550 - محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي (¬3). ¬

_ (¬1) له ترجمة في الصلة لابن بشكوال 2/ 573. (¬2) كذا في الأصل، وفي الصلة: «ابن الجوزي». (¬3) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 55، تاريخ الحكماء للقفطي 292، تاريخ ابن الوردي 2/ 127، ذيل الروضتين لأبي شامة 68، روضات الجنات 190، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 81، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ورقة 44 أ، طبقات المفسرين للسيوطي 39، طبقات ابن هداية الله 82، العبر 5/ 18، عيون الأنباء 2/ 23، لسان الميزان 4/ 426،

الإمام العلامة سلطان المتكلمين في زمانه، فخر الدين، أبو عبد الله القرشي البكري التيميّ، من ذرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الطبرستاني الأصل، ثم الرازي، ابن خطيبها. المفسّر، المتكلم. إمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة في العلوم الشرعية، صاحب المصنفات المشهورة، والفضائل الغزيرة المذكورة، وأحد المبعوثين على رأس المائة السادسة لتجديد الدين. ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقيل سنة ثلاث، اشتغل أولا على والده ضياء الدين عمر، وهو من تلامذة البغوي، ثم على الكمال السمناني، وعلى المجد الجيلي، صاحب محمد بن يحيى، وأتقن علوما كثيرة، وبرز فيها، وتقدّم وساد، وقصده الطلبة من سائر البلاد، وصنف في فنون كثيرة؛ وكان له مجلس كبير للوعظ يحضره الخاص والعام، ويلحقه فيه حال ووجد. وجدت بينه وبين جماعة من الكرامية مخاصمات وفتن، وأوذي بسببهم، وآذاهم وكان ينال منهم في مجلسه، وينالون منه. وكان إذا ركب يمشي حوله نحو ثلاثمائة تلميذ فقهاء وغيرهم، وقيل: إنه كان يحفظ «الشامل» لإمام الحرمين في الكلام، وقيل إنه ندم على دخوله في علم الكلام. قال ابن الصلاح: أخبرني القطب الطوغاني (¬1) مرتين: أنه سمع الإمام ¬

_ المختصر لابن الفداء 3/ 118، مرآة الجنان لليافعي 4/ 7، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 116، ميزان الاعتدال 3/ 340، النجوم الزاهرة 6/ 197، هدية العارفين لاسماعيل باسا البغدادي 2/ 107، الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 248، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 381. (¬1) في الأصل: «الغواني» وأثبتنا ما في طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة.

فخر الدين يقول: يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام، وبكى. وروى عنه أنه قال: لقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فلم أجدها تروي غليلا، ولا تشفي عليلا، ورأيت أصحّ الطرق طريقة القرآن، اقرأ في التنزيه وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ (¬1) وقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (¬2) وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (¬3). واقرأ في الإثبات الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (¬4)، يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ (¬5) إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ (¬6) واقرأ في أن الكل من الله، قوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (¬7). ثم قال: وأقول من صميم القلب من داخل الرّوح، إني مقرّ بأنّ ما هو الأكمل الأفضل الأجل فهو لك، وكل ما هو عيب ونقص فأنت منزه عنه. وكانت وفاته بهراة في يوم الاثنين يوم عيد الفطر سنة ست وستمائة. قال أبو شامة: وبلغني أنه خلف من الذهب ثمانين ألف دينار سوى الدواب والعقار وغير ذلك. نقل عنه النووي في «الروضة» في موضع واحد في القضاء، وفي الكلام على ما إذا تغير اجتهاد المفتي. ومن تصانيفه «التفسير الكبير» لكنه لم يكمل، كذا في مختصر «تاريخ ¬

_ (¬1) سورة محمد 38. (¬2) سورة الشورى 11. (¬3) سورة الاخلاص 1. (¬4) سورة طه 5. (¬5) سورة النحل 50. (¬6) سورة فاطر 10. (¬7) سورة النساء 78.

الذهبي» سماه «مفاتيح الغيب»، وكتاب «المحصول»، وكتاب «المنتخب»، وكتاب «نهاية العقول»، وكتاب «البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان»، وكتاب «المباحث العمادية في المطالب المعادية»، وكتاب «تأسيس التقديس» في تأويل الصفات، وكتاب «إرشاد النظار إلى لطائف الأسرار»، وكتاب «الزّبدة» وكتاب «المعالم في أصول الدين»، و «المعالم في أصول الفقه»، و «شرح أسماء الله الحسنى»، وكتاب «شرح الإشارات»، وكتاب «الملخص» في الفلسفة، وشرح «المفصّل للزمخشري»، وشرح نصف «الوجيز للغزالي»، و «شرح سقط الزّند» لأبي العلاء، وكتاب «إعجاز القرآن» وصنّف في الطب «شرح كليات القانون»، وله مصنف في «مناقب الإمام الشافعي»، وكتاب «المطالب العالية» في ثلاثة مجلدات، ولم يتمه، وهو من آخر تصانيفه، وكتاب «الملل والنحل» وغير ذلك. ورزق سعادة في مصنفاته، وانتشرت في الآفاق، وأقبل الناس على الاشتغال بها. وقال ابن السبكي في «الطبقات الكبرى»: وكان يفتي مع ابن عبد السلام، واختصر المذهب في كتاب سماه «الهادي». ومن شعره: نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال (¬1) وأرواحنا في غفلة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وكم من جبال قد علت شرفاتها ... رجال فزالوا والجبال جبال وكم قد رأينا من جبال ودولة ... فبادوا جميعا مسرعين وزالوا ¬

_ (¬1) الأبيات في طبقات الشافعية للسبكي 8/ 96.

551 - محمد بن عمر بن سعيد الباهلي البصري. من كبار المعتزلة، كان له مجلس يقصّ فيه، وكان رقيق العبارة. مات سنة ثلاثمائة، مولده بالبصرة ومنشؤه بها. كان حسن الاضطلاع بصناعة الكلام على مذهب البصريين، وحكي أن أبا علي كان يحضر مجلسه. له من الكتب «الأصول في التوحيد»، «إعجاز القرآن». وغير ذلك (¬1). 552 - محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس بن سعيد ابن مسعود بن حسن بن محمد بن عمر بن رشيد الفهريّ السبتيّ المالكي أبو عبد الله محبّ الدين يعرف بابن رشيد (¬2). قال في «تاريخ غرناطة»: كان مضطلعا بالعربيّة واللغة والعروض، فريد دهره عدالة وجلالة، وحفظا وأدبا، وسمتا وهديا، كثير السّماع، عالي الإسناد، صحيح النّقل، تامّ العناية بصناعة الحديث، قيّما عليها، بصيرا، محققا فيها، ذاكرا للرجال، فقيها، أصيل النّظر، ذاكرا للتّفسير، ريّان من الأدب، حافظا للأخبار والتواريخ، مشاركا في الأصلين، عارفا بالقراءات، عظيم الوقار والسكينة، بارع الخط، حسن الخلق، كثير التّواضع، رقيق الوجه، مبذول الجاه، كهفا لأصناف الطلبة. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل. (¬2) له ترجمة في البدر الطالع للشوكاني 2/ 234، الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 229، الديباج المذهب 310، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 97، 355، ذيل العبر 121، الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 284.

قرأ [على] (¬1) ابن أبي الربيع (¬2) وحازم القرطاجني، ورحل فأخذ بمصر، والشّام، والحرمين؛ عن جماعة منهم الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدّمياطي، وأبي اليمن بن عساكر، والقطب القسطلّانيّ (¬3)، وغيرهم مما ضمّن رحلته التي سماها «ملء العيبة، فيما جمع بطول الغيبة، في الرّحلة إلى مكة وطيبة»، وهي ستّ مجلدات مشتملة على فنون. وأقرأ بغرناطة فنونا من العلم، وولي الإمامة والخطابة بجامعها الأعظم. مولده سنة سبع وخمسين وستمائة بسبتة، ومات بفاس في المحرم سنة إحدى وعشرين وسبعمائة. وقال الصلاح الصفدي: له مصنّفات، منها: «تلخيص القوانين في النحو» وشرح «التّجنيس لحازم» و «حكم الاستعارة» و «إفادة النّصيح في رواية الصحيح» و «إيضاح المذاهب فيمن يطلق عليه اسم الصاحب» و «جزء في مسألة العنعنة» و «المحاكمة بين الإمامين» وغير ذلك. وله: هنيئا لعيني أن رأت عين أحمد ... فيا سعد جدي قد ظفرت بمقصدي وقبّلتها أشفي الغليل فزاد بي ... فيا عجبا زاد الظما عند موردي (¬4) وله في مزدلفة: ¬

_ (¬1) تكملة عن: الديباج المذهب لابن فرحون. (¬2) هو عبد الله أحمد بن عبيد الله، أبو الحسين بن أبي الربيع الاشبيلي إمام أهل النحو في زمانه، أخذ القراءات عن محمد بن أبي هارون التيمي، وجاء الى سبتة وأقرأ بها النحو دهره. مات سنة 688 هـ. (¬3) محمد بن أحمد القسطلاني، شيخ دار الحديث الكاملية. مات سنة 686 هـ. (¬4) البيتان في بغية الوعاة للسيوطي 1/ 200، والوافي بالوفيات للصفدي 4/ 286.

ما اسم لأرض فريد ... وإن تشأ فهو جمع وفيه للفعل وقف ... وفيه للحرف رفع وفيه للجمع صرف ... وفيه للصّرف منع ذكره ابن فرحون، ثم شيخنا في «طبقات النحاة». 553 - محمد بن عمر بن يوسف الإمام أبو عبد الله القرطبي (¬1) الأنصاريّ، المقرئ، المالكي، الزاهد. ويعرف في الأندلس بابن مغايظ بالغين والظاء المعجمتين. قال الذهبي: كان إماما صالحا، زاهدا مجوّدا للقراءات، عارفا بوجوهها، بصيرا بمذهب مالك، حاذقا بفنون العربيّة، وله يد طولى في التفسير. ولد بالأندلس، ونشأ بفاس، وحجّ وسمع بمكة من عبد المنعم الفراويّ، وبالإسكندرية من ابن موقا، وبمصر من البوصيريّ، والأرتاحيّ، وأبي القاسم ابن فيّره الشاطبي، ولازمه مدّة، وقرأ عليه القراءات، وجلس بعد موته مكانه، ولم يسمع أحد من الشاطبي الرائية كاملة فيما نعلم سواه وسوى التجيبي، وله فيها أبيات انفرد بروايتها عنه، وكذلك في الشاطبية بيتان: أحدهما في البقرة، والآخرة في الرعد. وأقرأ القرآن والحديث، وجاور بالمدينة الشريفة وشهر بالفضل والصلاح والورع، ونوظر عليه في كتاب سيبويه. روى عنه الزّكيّ المنذريّ، والشهاب القوصي، وجماعة آخرهم الحسن سبط زيادة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 219، طبقات القراء للذهبي 2/ 510، العبر للذهبي 5/ 125، النجوم الزاهرة لابن تغري بردى 6/ 287، الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 261.

ولد سنة سبع أو ثمان وخمسين وخمسمائة، ومات بمصر في مستهل صفر سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ودفن بالقرافة. 554 - محمد بن عمران بن موسى الجوريّ الأديب النحوي (¬1). كان أديبا فاضلا. سمع أبا بكر بن دريد، وأبا الفضل حماد بن مدرك، [وعبد الله بن] جعفر بن درستويه، وغيرهم. وعنه الحاكم، وقال: كان من الأدباء المتقنين، علامة في معرفة الأنساب، وعلوم القرآن. مات في شهر رجب سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. 555 - محمد بن عمر الإمام أبو بكر السّيغيّ (¬2). ويقال: بالصاد، المفسر، مصنف كتاب «التلخيص» في اللغة، ذكره صاحب القاموس. والسّيغي بكسر أوّليه، وآخره غين معجمة نسبة إلى سيغ، ناحية بخراسان. 556 - محمد بن عوض بن خضر جلال الدين الكرماني (¬3). كان ذا معرفة بالتفسير، والعربية؛ والمنطق، وغير ذلك. تصدى للإفادة، وجاور بمكة سنين، ثم انتقل إلى اليمن، ونال قربا ونفعا من صاحبها الملك الناصر، فاشتهر ذكره، وأخذ عنه الطلبة، وأدركه الأجل بعدن، في ذي القعدة سنة سبع وعشرين وثمانمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 141 ب، اللباب لابن الأثير 1/ 250. (¬2) له ترجمة في: تبصير المنتبه لابن حجر 2/ 725، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 114، القاموس، مادة (ساغ). (¬3) له ترجمة في الضوء اللامع للسخاوي 8/ 272.

وكان كثير الميل لتصوف الشيخ محيي الدين بن عربي، ويدعي القدرة للانتصار له. ذكره الحافظ تقي الدين الفاسي في كتابه «تعريف ذوي العلا بمن م يذكره الذهبي في سير النبلا». 557 - محمد بن عون بن داود السّيرافي (¬1). لقبه مشليق. عن عبد الواحد بن غياث، وعبد الرحمن بن المتوكل وغيرهما. وعنه الإسماعيلي في معجمه، قال: وكان ينسب إلى التفسير، ولم يكن في الحديث بذاك. ذكره في «لسان الميزان». 558 - محمد بن عيسى الإمام العالم المفتي شمس الدين السلسلي (¬2) المصري. سمع من عبد الرحيم بن أبي اليسر، كما حكاه ابن رافع عن بعض الطلبة، وحفظ «التنبيه» و «الألفية» واشتغل بالعربية وغيرها كثيرا، وتصدر بجامع دمشق، وشغل به، وتولي مشيخة الخانقاه الشهابية بدمشق. قال ابن رافع: علق في «التفسير» شيئا. وذكره ابن حجيّ فقال: صاحبنا وشيخنا، كان رجلا فاضلا في العربية يشغل بالجامع تحت [قبة (¬3)] النسر، وله عمل جيد في الفقه وغيره. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 5/ 332. (¬2) له ترجمة في: الدرر الكامنة 4/ 246، هدية العارفين لاسماعيل باشا البغدادي 2/ 163. (¬3) عن طبقات الشافعية للسبكي 6/ 158.

وكان الفقهاء من أصحابه ورفقاؤه والطلبة يترددون إليه، ويحبونه وينشرحون لحديثه وكان عزبا، وهو رجل جيد، له عبادة من صيام وصدقة، ويزور مقابر الباب الصغير في كل سبت، لا يترك [ذلك] صيفا ولا شتاء. وكان كثير المطالعة والمذاكرة والاشتغال بمنزله والجامع، وله «سؤالات في العربية»، سأل عنها الشيخ الإمام تقي الدين السبكيّ فأجابه، وله «أرجوزة في التصريف» وكتب على «المنهاج» في الفقه. توفي ليلة ثالث عشر ربيع الأول سنة سبعين وسبعمائة بالخانقاه الشهابية من مرض طال به، ودفن بالباب الصغير، وقد جاوز الخمسين. ذكره ابن المعتمد في «الذيل على طبقات السبكي». 559 - محمد بن الفضل البلخي الإمام أبو بكر المفسّر (¬1). توفي سلخ سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. كذا ذكره الذهبي. ثم قال بعد ذلك: محمد بن الفضل بن محمد بن جعفر بن صالح أبو بكر، يعرف بميرك البلخي المفسر المعروف بالرّوّاس. صنف «التفسير الكبير» وروى عن أحمد بن محمد بن نافع، ومحمد بن علي بن عنبسة. روى عنه: علي بن محمد بن حيدر وغيره. ومات سنة خمس عشرة- أو ست عشرة- وأربعمائة. وقال القرشي في «طبقات الحنفية»: له كتاب «الاعتقاد» في اعتقاد أهل السنة. صنفه لمحمود بن سبكتكين «ذكر فيه أن العلم أفضل من العقل، ومن قال: إن العقل أفضل من العلم فهو معتزلي. قال: لأن العلم حاجة والعقل كالآلة. ¬

_ (¬1) ورد له ترجمة في: الجواهر المضيئة للقرشي 2/ 111، حلية الأولياء للأصبهاني 10/ 232، طبقات المفسرين للسيوطي 38، اللباب لابن الأثير 1/ 478.

قال: وقال الذهبي في «العبر» (¬1): وفيها يعني سنة تسع عشرة وثلاثمائة، مات محمد بن الفضل البلخي الزاهد أبو عبد الله. نزيل سمرقند، وكان إليه المنتهى في الوعظ والتذكير. يقال: إنه مات في مجلسه أربعة أنفس، صحب أحمد خضرويه البلخي، وهو آخر من روى عن قتيبة، وقد أجاز لأبي بكر بن المقرئ، انتهى. وقال في «الرسالة» في آخر باب حفظ قلوب المشايخ: سمعت الأستاذ أبا علي يقول: لما نفى أهل بلخ محمد بن الفضل من البلد، دعا عليهم فقال: اللهم امنع عنهم الصدق، فلم يخرج من بلخ بعده صديق. 560 - محمد بن فضيل بن غزوان- بفتح المعجمة وسكون الزاي- أبو عبد الرحمن الضبي الحافظ مولاهم الكوفي (¬2). سمع أباه، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وغير واحد. روى عنه محمد بن نمير، وإسحاق الحنظلي، وابن أبي شيبة، ومحمد بن سلام وقتيبة، وعمران بن ميسرة، وعمرو بن علي، وعبد الله بن عامر، وأبو كريب، ومحمد بن طريف، وواصل بن عبد الأعلى. وزهير، وأبو سعيد الأشج، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي، وأحمد الوكيعي، وعبد العزيز بن عمر بن أبان. صدوق عارف، رمي بالتشيع، من الطبقة التاسعة، مات سنة أربع وتسعين ومائة، خرج له الجماعة. ¬

_ (¬1) أنظر العبر للذهبي 2/ 176. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 315، تهذيب التهذيب لابن حجر 9/ 405، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 229، العبر 1/ 319، الفهرست لابن النديم 226، ميزان الاعتدال للذهبي 4/ 9، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 148.

وله من الكتب «التفسير» «الطهارة» «الصلاة» «الصيام» «الزكاة» «السنن» على ترتيب أبواب الفقه «الدعاء» «المناسك» «الزهد». 561 - محمد بن القاسم بن شعبان (¬1) بن محمد بن ربيعة بن داود بن سليمان بن الصيقل بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، أبو إسحاق (¬2). كذا حكى عنه أبو القاسم بن سهل الحافظ. وذكر أنه نسب له نفسه كذا، يقال: إن عمارا من عنس بنون، وعنس من مذحج، ويعرف بابن القرطي. كان رأس فقهاء المالكية بمصر في وقته، وأحفظهم لمذهب مالك، مع التفنن في سائر العلوم من الخبر، والتاريخ، والأدب، إلى التدين والورع. وكان رحمه الله يلحن، ولم يكن له بصر بالعربية مع غزارة علمه، وكان واسع الرواية، كثير الحديث، مليح التأليف، شيخ الفتوى حافظ البلد، وإليه انتهت رئاسة المالكيين بمصر. ووافق موته دخول بني عبيد الروافض، وكان شديد الذم لهم، وكان يدعو على نفسه بالموت قبل دولتهم ويقول: اللهم أمتني قبل دخولهم مصر، فكان ذلك. وكان أبو الحسن القابسي يقول فيه: إنه لين الفقه، وأما كتبه ففيها غرائب من قول مالك، وأقوال شاذة عن قوم لم يشتهروا بصحبته، ليست ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: تبصير المنتبه، وحسن المحاضرة، والديباج المذهب لابن فرحون. وفي اللباب: «ابن سفيان». (¬2) له ترجمة في: تبصير المنتبه لابن حجر 3/ 1166، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 313، الديباج المذهب لابن فرحون 248، اللباب لابن الأثير 2/ 254.

مما رواه ثقات أصحابه واستقر من مذهبه. وألف كتاب «الزاهي الشعباني» المشهور في الفقه، وكتابا في «أحكام القرآن» وكتاب «مختصر ما ليس في المختصر» وكتاب «جماع النسوان» وكتاب «مواعظ ذي النون (¬1) الإخميمي» وكتاب «النوادر» وكتاب «الأشراط» وكتاب «المناسك» وكتاب «السنن قبل الوضوء». وتوفي يوم السبت لأربع عشرة بقيت من جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، ودفن يوم الأحد وقد جاوز ثمانين سنة، وصلى عليه الفقيه أبو علي الصيرفي وخلق عظيم. ذكره ابن فرحون. والقرطي بضم القاف وسكون الراء وطاء مهملة، قال السمعاني: نسبة إلى القرط. وقال الرشاطيّ (¬2): هذه النسبة في القبائل في كلب من قضاعة، وفي مهرة، وفي كلاب بن قيس عيلان. 562 - محمد بن القاسم بن محمد بن بشّار بن الحسن بن بيان بن ¬

_ (¬1) هو: ذو النون المصري، ثوبان بن إبراهيم أبو الفيض، أحد مشايخ الطريق، ولد باخميم. حدث عن مالك والليث، روى عنه الجنيد وآخرون، وكان أوحد وقته علما وورعا وحالا وأدبا. مات سنة 245 هـ (حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 511). (¬2) هو: أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله اللخمي، المعروف بالرشاطي، كانت له عناية كثيرة بالحديث والرجال والرواة والتواريخ، وله كتاب حسن سماه كتاب «اقتباس الأنوار، والتماس الأزهار، في أنساب الصحابة ورواه الآثار» وهو على أسلوب كتاب أبي سعيد السمعاني الذي سماه بالأنساب. توفي سنة 542 هـ (وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 291).

سماعة بن فروة بن قطن بن دعامة، الإمام أبو بكر بن الأنباري (¬1). المقرئ، النحوي «النحوي، الحنبلي، البغدادي. صاحب التصانيف. ولد يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر رجب سنة إحدى وسبعين ومائتين. وروى القراءة عن أبيه، وإسماعيل القاضي، وسليمان بن يحيى الضبي، وأحمد بن سهل الأشناني، وإدريس بن عبد الكريم، ومحمد بن هارون التمّار، وطائفة وقرأ على بعضهم. وسمع من الكديمي (¬2)، والبزاز. روى عنه عبد الواحد بن أبي هاشم، وأبو الفتح بن بدهن، وأحمد بن نصر الشّذائي، وأبو علي القاليّ، وصالح بن إدريس، والحسين بن خالويه، وأبو عمر بن حيويه، والدارقطني، وابن أخي ميمي، وخلق كثير، ومن آخرهم محمد بن أحمد أبو مسلم الكاتب. روى عنه الداني كتاب «الوقف والابتداء»، وكان صدوقا فاضلا ديّنا خيّرا من أهل السنة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 201، الأنساب للسمعاني 49 أ، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 196، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 3/ 181، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 842، روضات الجنات 608، طبقات الحنابلة 2/ 69، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 230، طبقات القراء للذهبي 1/ 225، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 120، العبر 2/ 214، الفهرست لابن النديم 75، الكامل لابن الأثير 8/ 356، اللباب 1/ 69، مرآة الجنان لليافعي 2/ 294، معجم الأدباء 7/ 73، المنتظم 6/ 311، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 269، نزهة الألباء 264، الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 344، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 463. (¬2) في الأصل: «سمع من الكديمي البزاز» تحريف، صوابه في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 3/ 182. والكديمي هو: أبو العباس محمد بن يونس الكديمي البصري الحافظ توفي سنة 286 هـ (العبر للذهبي 2/ 78).

وكان يملي في ناحية وأبوه مقابلة، وكان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهدا في القرآن، وكان يملي من حفظه، لا من كتاب. ومرض يوما فعاده أصحابه، فرأوا من انزعاج والده عليه أمرا عظيما فطيبوا نفسه، فقال: كيف لا أنزعج وهو يحفظ جميع ما ترون؟ وأشار إلى خزانة مملوءة كتبا. وكان مع حفظه زاهدا متواضعا، حكى الدّارقطنيّ أنه حضره في إملاء فصحف اسما في إسناد. قال الدارقطني: فأعظمت أن يحمل عن مثله في فضله وجلالته [وهم (¬1)] فلمّا انقضى المجلس تقدمت إليه، وذكرت له ذلك، وانصرفت. ثم حضرت المجلس الآتي فقال للمستملي: عرّف الجماعة أنّا صحّفنا الاسم الفلانيّ لما أملينا كذا في المجلس الماضي، ونبّهنا ذلك الشاب على الصواب، وهو كذا، وعرّف ذلك الشاب أنا رجعنا إلى الأصل، فوجدناه كما قال. وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها. وقال أبو الحسن العروضي: اجتمعت أنا وأبو بكر بن الأنباري عند الرّاضي بالله على الطعام- وكان الطبّاخ قد عرف ما يأكل- فكان يطبخ له قليّة، يابسة، قال: فأكلنا نحن من ألوان الطعام وأطايبه، وهو يعالج تلك القليّة، ثم فرغنا وأتينا بحلواء، فلم يأكل منها، وقمنا إلى الخيش، فنام بين الخيشين، ونمنا نحن في خيشين ولم يشرب ماء إلى العصر، فلما كان العصر قال لغلام: الوظيفة فجاءه بماء من الحب (¬2) وترك المزمّل بالثلج، فغاظني ذلك، فصحت، فأمر الراضي بإحضاري، وقال: ما قصّتك؟ فأخبرته، وقلت: هذا ¬

_ (¬1) من تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. (¬2) الحب، بضم الماء: إناء معروف للماء.

يا أمير المؤمنين يحتاج أن يحال بينه وبين تدبير نفسه، لأنه يقتلها، ولا يحسن عشرتها، فضحك. وقال: يا أبا بكر لم تفعل هذا؟ فقال: أبقي على حفظي، قلت له: قد أكثر الناس في حفظك، فكم تحفظ؟ قال ثلاثة عشر صندوقا. قال: وسألته يوما جارية المراضي عن [شيء] (¬1) في تعبير الرؤيا، فقال: أنا حاقن، ثم مضى من يومه، فحفظ كتاب الكرمانيّ، وجاء من الغد وقد صار معبّرا للرؤيا وكان يأخذ الرطب فيشمّه، ويقول: إنّك لطيّب، ولكن أطيب منك ما وهب الله لي من العلم. ولما مرض مرض الموت، أكل كلّ شيء كما يشتهي، وقال: هي علّة الموت. وقال الخطيب: ورأى يوما بالسوق جارية حسناء، فوقعت في قلبه، فذكرها للراضي، فاشتراها وحملها إليه، فقال لها: اعتزلي إلى الاستبراء، قال: وكنت أطلب مسألة، فاشتغل قلبي، فقلت للخادم: خذها وامض بها، فليس قدرها أن تشغل قلبي عن علمي، فأخذها الغلام، فقالت له: دعني أكلّمه بحرفين، فقالت له: أنت رجل لك محلّ وعقل، وإذا أخرجتني ولم تبيّن ذنبي ظنّ الناس فيّ ظنا قبيحا، فقال لها: مالك عندي ذنب غير أنّك شغلتني عن علمي، فقالت: هذا سهل، فبلغ الرّاضي، فقال: لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحد أحلى منه في صدر هذا الرّجل (¬2). قال الزبيديّ: وكان شحيحا، وما أكل له أحد شيئا قط، وكان ذا يسار وحال واسعة ولم يكن له عيال. ¬

_ (¬1) من تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. (¬2) تاريخ بغداد 3/ 182.

ووقف عليه رجل يوما، فقال له: أجمع أهل سبع فراسخ على شيء، فأعطني درهما حتى أفارق الإجماع، فقال له: ما هذا الإجماع؟ فقال [على] أنّك بخيل، فضحك ولم يعطه شيئا. وأملى كتبا كثيرة، منها «غريب الحديث»، «الهاءات» في كتاب الله عز وجل، «الأضداد» في النحو، «المشكل» في معاني القرآن لم يتمه، «المذكر والمؤنث»، «الزاهر»، «أدب الكاتب». «المقصور والممدود»، «الواضح في النحو»، «الموضح فيه»، «الهجاء»، «اللامات»، «شرح شعر الأعشى» «شرح شعر النابغة»، «شرح شعر زهير»، كتاب «الألفات»، «نقض مسائل ابن شنبوذ»، «المفضليات»، «إيضاح الوقف والابتداء»، «الكافي في النحو»، «السبع الطوال» صنعته، «الرد على من خالف مصحف عثمان»، «شعر الراعي» صنعته، وله مجالسات لغة ونحو وأخبار. ومات ليلة الأضحى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ببغداد. ومن شعره: إذا زيد شرا زاد صبرا كأنّما ... هو المسك ما بين الصّلاية والفهر (¬1) لأنّ فتيت المسك يزداد طيبه ... على السّحق والحر اصطبارا على الضر ذكره أبو يعلى في «طبقات الحنابلة»، ثم الذهبي في «طبقات القراء»، ثم شيخنا في «طبقات النحاة». 563 - محمد بن أبي القاسم بن بابجوك (¬2) زين المشايخ أبو الفضل ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت 7/ 67. (¬2) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في الوافي بالوفيات. وفي بغية الوعاة ومعجم الأدباء: «بايجوك». وقد ضبطه الصفدي بالعبارة فقال: ابن بابجوك، بباءين موحدتين بينهما ألف وبعدهما جيم وبعد الواو كاف.

الخوارزمي البقّالي (¬1). النحوي الملقب بالآدمي، لحفظه «كتاب الآدمي» في النحو. قال ياقوت: كان إماما في الأدب وحجة في لسان العرب، أخذ اللغة والإعراب عن الزّمخشريّ وخلفه في حلقته، وسمع الحديث منه ومن غيره. وكان جمّ الفوائد حسن الاعتقاد، كريم النفس نزيه العرض غير خائض فيما لا يعنيه، له يد في الترسل ونقد الشعر. له من التصانيف: «تفسير القرآن» سماه مفتاح التنزيل، وكتاب «إعجاز القرآن»، و «شرح الأسماء الحسنى» و «تقويم اللسان في النحو» وكتاب «الإعجاب في الإعراب»، وكتاب «الهداية (¬2) في المعاني والبيان» وكتاب «منازل العرب ومياهها» وغير ذلك. مات في سلخ جمادى الآخرة سنة اثنتين وستين وخمسمائة عن نيف وسبعين سنة. 564 - محمد بن أبي القاسم بن عبد السلام بن جميل أبو عبد الله الربعي التونسي المالكي (¬3). العلامة القاضي الأوحد المتفنن المفتي، الملقب شمس الدين. مولده سنة تسع وثلاثين وستمائة بمدينة تونس، سمع الحديث من جماعة ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الجواهر المضيئة لعبد القادر القرشي 2/ 372، طبقات المفسرين للسيوطي 40، الفوائد البهية 161، معجم الأدباء لياقوت 7/ 77، الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 340. والبقالي: هو البقال الذي يبيع الأشياء اليابسة، والعجم يزيدون الياء، وهي زيادة العجم لا نسبة. (¬2) كذا في الأصل، والوافي بالوفيات. واسمه في بغية الوعاة، ومعجم الأدباء: «البداية في المعاني والبيان». (¬3) أنظر ترجمته في: الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 266، الديباج المذهب لابن فرحون 323.

بها وبالقاهرة، كأبي المحاسن يوسف بن يوسف بن أحمد بن محمود الدمشقي اليغموري المعروف بالحافظ، وقاضي القضاة شمس الدين محمد بن إبراهيم ابن عبد الواحد المقدسي الحنبلي. وتولى نيابة الحكم بالحسينية بالقاهرة مدة، وتولى قضاء الإسكندرية سنة سبع وسبعمائة، ثم عزل ورجع إلى القاهرة فأقام يشغل بها في العلوم. وكان إماما مفنّنا، فقيها، مفسرا، بارعا في فنونه، أصوليا، عالما، ذا سكون وعفة وديانة، سريع الدمعة، وله كتاب «مختصر التفريع». قال ابن فرحون: قال شيخنا عفيف الدين المطري: أنشدنا القاضي شمس الدين بن جميل، قال: أنشدني ظهير الدين قاضي إخميم: ولو أني جعلت أمير جيش ... لما قاتلت إلا بالسّؤال لأن الناس ينهزمون منه ... وقد صبروا لأطراف العوالي توفي في شهر صفر سنة خمس عشرة وسبعمائة ودفن بالقرافة. 565 - محمد بن قرقماس الحنفي الشيخ ناصر الدين الأديب الشاعر. ولد سنة اثنتين وثمانمائة. (¬1) وتلا بالسبع على الشيخ محمود الفوال. واشتغل بالنحو والمعاني والبيان وعلم الحرف على علامة الزمان عز الدين محمد بن جماعة. واشتغل في المنطق والجدل والأصلين والفقه على الشيخ عز الدين عبد السلام البغدادي وغيره، ومال إلى الأدب وعلم الحرف وصار له فيهما ذكر. وكان منجمعا عن الناس، ملازما للكتابة، بحيث أن أكثر رزقه منها، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الضوء اللامع للسخاوي 8/ 292، نظم العقيان للسيوطي 158.

وكان له تهجد في الليل، وتلاوة كثيرة، ومحاضرة حسنة، وله خط فائق، وشكله في غاية النضرة والبهجة، وله سمت حسن. وله مصنفات كثيرة منها: «تفسير القرآن الكريم» سماه «فتح الرحمن» وهو ممزوج، و «زهرة الربيع في البديع» وشرحه، سماه «الغيث المريع»، ومجاميع وغير ذلك. مات في شوال سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة. ومن شعره: ما أكرم الله مولانا وأحلمه ... على العصاة تعالى الله عن مثل (¬1) اقطع يصل وادع يسمع استزده يزد ... وتب يتب واعصه يستر وسل ينل وله أيضا: للحظ من قد رمى قلبي وقامته ... وخدّه وثنايا ثغره العطر رشق بلا أسهم طعن بلا أسل ... نار بلا شعل زهر بلا شجر وله: يا حبّذا زمن الربيع وروضه ... ونسيمه الخفاق بالأغصان زمن يريك النجم فيه يانعا ... والشمس كالدينار في الميزان 566 - محمد بن محمد بن أحمد بن هميماة- بضم الهاء وفتح الميم- أبو نصر الرّامشيّ (¬2). ابن بنت أبي نصر منصور بن رامش من أهل نيسابور. ¬

_ (¬1) نظم العقيان للسيوطي. (¬2) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 254 ب، اللباب 1/ 453، معجم الأدباء لياقوت 7/ 100.

ولد سنة أربع وأربعمائة. وسمع الحديث من أصحاب العباس الأصم، ورحل في طلب القراءات والحديث، فسمع بنيسابور أبا القاسم عبد الرحمن بن محمد بن السراج، وأبا الحسن علي بن محمد الطّرازي، وأبا عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه الدّينوري، وبالحجاز أبا الحسن بن صخر، وبالرملة وتنيس ومعرة النعمان ودمشق من جماعة. وكان مبرزا في القراءات وعلوم القرآن، وكان له حظ صالح من النحو والعربية عقد له مجلس الإملاء بنيسابور، وأملى في المدرسة النظامية، وحمل عنه الكثير. قال السمعاني: سافر إلى العراق، والحجاز، والشام، وديار مصر، وقرأ بمعرة النعمان على أبي العلاء. روى عنه أبو القاسم زاهر بن طاهر، وجماعة. قال عبد الغافر الفارسي: برز في القراءات وعلوم القرآن، وكان له حظ صالح من النحو، وهو إمام في فنه، وله شعر كثير، سمع الحديث سفرا وحضرا. توفي يوم الخميس سادس عشر جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وأربعمائة بنيسابور. ذكره المقريزي في «المقفى». 567 - محمد بن محمد بن أيوب القطواني الإمام أبو محمد (¬1). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 458 ب، الجواهر المضيئة لعبد القادر القرشي 2/ 115، الطبقات السنية 480 أ، اللباب لابن الأثير 2/ 272.

قال ابن السمعاني: كان مفتيا واعظا مفسّرا مات سنة ست وخمسمائة. وهو أستاذ الولوالجيّ (¬1) لما ورد سمرقند اختص به، وتفقه عليه، بعد ان تفقه ببلخ على أبي بكر القزاز، وببخارى على البرهان. ذكره القرشي في «طبقات الحنفية». 568 - محمد بن محمد بن زكريا النيسابوري أبو سعيد (¬2). كان فقيها، مفسّرا، ثقة في الرواية. قدم قزوين غازيا، روى عنه الخليليّ في مشيخته. توفي بعد التسعين وثلاثمائة. ذكره الرافعي في «تاريخ قزوين». 569 - محمد بن محمد بن عرفة بن حماد الورغميّ (¬3) - بفتح الواو وسكون الراء المهملة وغين معجمة وتشديد الميم- التونسي المالكي أبو عبد الله (¬4). الإمام العلامة المقرئ، الفروعي، الأصولي، البياني، المنطقي، شيخ الشيوخ، وبقية أهل الرسوخ. ولد بتونس سنة ست عشرة وسبعمائة. ¬

_ (¬1) نسبة الى ولوالج، بالفتح ثم السكون وكسر اللام والجيم، بلد من أعمال بذخشان خلف بلخ وطخارستان (معجم البلدان لياقوت 4/ 940). (¬2) له ترجمة في: تاريخ قزوين للرافعي 152. (¬3) نسبة الى ورغمة، قرية بإفريقية (الضوء اللامع للسخاوي 9/ 240). (¬4) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 2/ 192، الديباج المذهب 337، ذيل تذكرة الحفاظ 193، الضوء اللامع للسخاوي 9/ 240، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 243، نيل الابتهاج 274.

وقرأ بالروايات على أبي عبد الله محمد بن محمد بن حسن بن سلمة وغيره، وسمع من الوادي آشي «الصحيحين»، ومن الإمام أبي عبد الله محمد ابن عبد السلام الهواري «الموطأ»، وأخذ عنه الفقه والأصول. وتفقه أيضا بأبي عبد الله محمد بن هارون، ومحمد بن حسن الزبيدي، وأبي عبد الله الأيلي ونظرائهم، وتفرّد بشيخوخة العلم والفتوى في المذهب. وله التصانيف العزيزة، والفضائل العديدة، وانتشر علمه شرقا وغربا، فإليه الرحلة في الفتوى والاشتغال بالعلم والرواية، حافظا للمذهب ضابطا لقواعده، إماما في علوم القرآن، مجيدا في التفسير، والعربية، والأصلين، والفرائض والحساب، وعلم المنطق، والمعاني والبيان، وغير ذلك. وله في ذلك تواليف مفيدة، تخرج بين يديه جلّة من العلماء الأعلام وقضاة الإسلام، فعن رأيه تصدر الولايات، وبإشارته تعين الشهود للشهادات، ولم يرض لنفسه الدخول في الولايات، بل اقتصر على الإمامة والخطابة بجامع الزيتونة، وانقطع للاشتغال بالعلم والتصدّر لتجويد القراءات. اجتمع على اعتقاده ومحبته الخاصة والعامة، ذا دين متين، وعقل رصين، وحسن إخاء وبشاشة وجه للطلاب، صائم الدهر، لا يفتر عن ذكر الله وتلاوة القرآن إلا في أوقات الاشتغال، منقبضا عن مداخلة السلاطين، لا يرى إلا في الجامع أو في حلقة التدريس، لا يغشى سوقا ولا مجتمعا، ولا مجلس حاكم إلا أن يستدعيه السلطان في الأمور الدينية، كهفا للواردين عليه من أقطار البلاد، يبالغ في برهم والإحسان إليهم وقضاء حوائجهم. وقد خوله الله من رئاسة الدين والدنيا ما لم يجتمع لغيره في بلده، له أوقاف جزيلة في وجوه البرّ وفكاك الأسرى، رأسا في العبادة والزهد والورع، ومناقبة عديدة وفضائله كثيرة.

وله تواليف منها: «تقييده الكبير في المذهب» في نحو عشرة أسفار جمع فيه ما لم يجتمع في غيره، أقبل الناس على تحصيله شرقا وغربا. وله في «أصول الدين» تأليف عارض به كتاب «الطوالع» للبيضاوي، واختصر كتاب «الحوفي» اختصارا وجيزا. وله «تأليف» في المنطق، ونظم «قراءة يعقوب» وغير ذلك. وأقام والده بالمدينة النبوية على منهاج الصالحين والسلف الماضين. قال ابن فرحون: توفي فيما أظن سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ودفن بالبقيع. وحج الشيخ أبو عبد الله في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة فتلقاه العلماء وأرباب المناصب بالإكرام التام، واجتمع بسلطان مصر الملك الظاهر فأكرمه، وأوصى أمير الركب بخدمته. قال ابن فرحون: ولما زار [المدينة النبوية (¬1)] نزل عندي في البيت، وكان يسرد الصوم في سفره. قال أبو حامد بن ظهيرة في «معجمه»: ولم يكن بالمغرب من يجري مجراه في التحقيق، ولا من اجتمع له من العلوم ما اجتمع له. وكانت الفتوى تأتي إليه من مسافة شهر. وكانت وفاته ليلة الخميس الرابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانمائة ولم يخلف بعده مثله. ¬

_ (¬1) من الديباج المذهب لابن فرحون.

ومن شعره: بلغت الثمانين بل جزتها (¬1) * وهان على النفس صعب الحمام وأمثال عصري مضوا دفعة ... وصاروا خيالا كطيف المنام وكانت حياتي بلطف جميل ... لسبق دعاء أبي في المقام 570 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن الجعفريّ التونسي (¬2). أبو عبد الله ركن الدين بن القوبع. بضم (¬3) القاف فيما اشتهر على الألسنة وقيل هو بفتحها، وهو طائر، المالكيّ النحويّ. قال الصّفدي: ولد بتونس في رمضان سنة أربع وستين وستمائة، وقرأ النحو على يحيى بن الفرج بن زيتون، والأصول على محمد بن عبد الرحمن قاضي تونس. وقدم سنة تسعين، فسمع بدمشق من ابن القواس، وأبي الفضائل بن عساكر وجماعة، ودرس بالمنكوتمرية، وأعاد بالناصريّة وغيرها، ودرّس الطب بالمارستان المنصوري، وكان يتوقّد ذكاء، ومهر في الفنون حتى إذا [صار] يتحدّث في شيء من العلوم تكلم في دقائقه وغوامضه، حتى يقول القائل: إنه أفنى عمره في ذلك. وقال ابن سيد الناس: لما قدم قعد في سوق الكتب- والشيخ بهاء الدين بن النحاس هناك- ومع المنادي ديوان ابن هانئ، فنظر فيه القوبع، فترنم بقوله: ¬

_ (¬1) في الأصل والضوء اللامع للسخاوي 9/ 242: «بلغت الثمانين وبضعا لها». وبه يختل الوزن، والمثبت في نيل الابتهاج 278. (¬2) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 299، الوافي بالوفيات للصفدي 1/ 238. (¬3) عبارة البغية: «بفتح القاف فيما أشتهر على الألسنة، وقيل هو بضمها».

فتكات لحظك أم سيوف أبيك ... وكئوس خمرك أم مراشف فيك (¬1) فقرأه بالنصب في الجميع، فقال له ابن النحاس: يا مولانا هذا نصب كثير فقال له بنترة (¬2): أنا أعرف الذي تريد من رفعها، على أنها أخبار لمبتدءات مقدّرة، والذي ذهبت أنا إليه أغزل وأمدح؛ وتقديره: «أقاسي فتكات لحظك» فقال له: وأيش هو النّحو في الدنيا حتى يذكر. وكانت فيه بادرة وحدّة، وكان يتردّد إلى الناس من غير حاجة إلى أحد، ولا سعى في منصب، وناب في الحكم بالقاهرة ثم تركه، وقال: يتعذر فيه براءة الذمة. وجاء إليه إنسان يصحّح عليه في «أمالي القالي» فكان يسابقه إلى ألفاظ الكتاب، فبهت الرجل، فقال له: لي عشرون سنة ما كرّرت عليه. وكان كثير التلاوة، حسن الصّحبة، كثير الصدفة سرّا، ولا يخل (¬3) بالمطالعة في «الشفاء» لابن سينا كل ليلة، مع سآمة (¬4) وملل، ويلثغ بالراء همزة. صنّف تفسير سورة «ق» في مجلد، و «شرح ديوان المتنبي». ومات بالقاهرة في سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. وله شعره: ¬

_ (¬1) الوافي بالوفيات للصفدي 1/ 339. (¬2) النتر: تغليظ الكلام وتشديده (القاموس: نتر) وفي الدرر الكامنة: «بفترة»، وفي الوافي: «بتلك الحدة المعروفة منه والنفرة». (¬3) كذا في الأصل، والدرر الكامنة لابن حجر. (¬4) في الدرر الكامنة: «وكانت فيه سآمة وملل وضجر».

تأمّل صحيفات الوجود فإنّها ... من الجانب السّامي إليك رسائل (¬1) وقد خطّ فيها إن تأمّلت خطّها ... ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 571 - محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان بن عبد العزيز البعليّ المولد، الشافعيّ الشيخ شمس الدين بن الموصليّ (¬2). ولد سنة تسع وتسعين وستمائة، وقرأ القرآن العظيم على الشجاع عبد الرحمن بن علي خادم الشرف اليونينيّ، وعلى ابن أخيه محمد الأعرج ببعلبك، وسمع الحديث [من القطب اليونيني، وعلى شمس الدين محمد بن أبي الفتح الحنبلي (¬3)] والعفيف إسحاق بن يحيى الآمدي، والجمال يوسف المزّي، والذهبي، ويوسف العزازي، والبدر بن مكي، ومحيي الدين بن جهبل في آخرين. وتفقه على شرف الدين البارزيّ بحماة، وعلى البدر محمد التبريزيّ قاضي بعلبك، وجماعة. وأخذ العربية عن المجد البعليّ، وابن مكيّ. وصنف: «غاية الإحسان في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ (¬4)» وكتاب «بهجة المجالس ورونق المجالس» خمس مجلدات، يتضمن الكلام على آيات وغيرها، وكتاب «المنهاج» في الفقه ¬

_ (¬1) البيتان في الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 301. (¬2) له ترجمة في انباء الغمر لابن حجر 1/ 52، الدرر الكامنة 4/ 306، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 97 ب، المقفي للمقريزي ورقة 34 والترجمة فيه بالنص، الوافي بالوفيات 1/ 262. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط في الأصل. والتكملة من المقفى. (¬4) سورة النحل 90.

للنووي، وكتاب «الدر المنتظم في نظم أسرار الكلم» وهو نظم كتاب «فقه اللغة» للثعالبي. وكان إماما في الفقه واللغة العربية، ماهرا في النظم والنثر إنشاء وخطبا، يكتب الخط المليح. وأقام بطرابلس الشام زمانا، وسكن دمشق أعواما، وتصدر بالجامع الأموي للإفادة، وقدم القاهرة وتوفي بطرابلس عن خمس وسبعين سنة (¬1)، سنة أربع وسبعين وسبعمائة. ذكره المقريزي في «المقفى». 572 - محمد بن عبد النور الحميري التونسي المالكي (¬2). كان من صدور العلم المبرّزين. أخذ عن القاضي الإمام العالم أبي القاسم بن زيتون، والقاضي الخطيب أبي محمد بن برطلة الأزدي. وله تفنن [في سائر العلوم، وله تصانيف في عدة علوم، واختصر (¬3)] تفسير الإمام فخر الدين بن الخطيب في سبعة أسفار اختصارا حسنا. سماه «نفحات الطيب في اختصار تفسير ابن الخطيب» وله على «الحاصل» تقييد كبير في سفرين، وله في الفقه كتاب جمع فيه فتاوى على طريقة أحكام ابن سهل، سماه: «الحاوي في الفتاوي»، وله غير ذلك. ¬

_ (¬1) في الأصل: «عن خمس وسبعين سنة في يوم سنة أربع وسبعين وسبعمائة». والمثبت في بغية الوعاة، والداودي والسيوطي كلاهما ينقل عن المقفى في هذه الترجمة. (¬2) راجع ترجمته في: الديباج المذهب لابن تغري بردي 337. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط في الأصل، والتكملة من الديباج المذهب.

وكان بالحياة عام ستة وعشرين وسبعمائة. ذكره ابن فرحون رحمه الله تعالى. 573 - محمد بن محمد بن علي بن محمد بن علي الشيخ الإمام العلامة صدر الدين [بن (¬1)] شمس الدين الروّاسي (¬2). بفتح المهملة وتشديد الواو وآخره مهملة، العكاشي، الأسدي، القرشي، الشّقّانيّ- بكسر المعجمة وتشديد القاف وآخره نون- الإسفرايني. من بلاد خراسان. الشافعي مذهبا، السهروردي، القادري تصوفا. والروّاسي نسبة إلى شخص من أجداده. ولد في صفر سنة ثمان وتسعين وسبعمائة بشقان، قصبة من بلاد خراسان، وحفظ القرآن، وتلا بالعشر على المولى يوسف الهروي، تلميذ العلامة شمس الدين بن الجزري. وأخذ الفقه في مذهب الشافعي عن خاله الشيخ محمد الروّاسي، والمولى سعد الدين الفارسي، تلميذ السيد الشريف. وفقه الحنفية عن خاله المذكور، وسمع الحديث من والده، ومن الشمس الجزري والزين الخافي (¬3). ¬

_ (¬1) من الضوء اللامع للسخاوي. (¬2) له ترجمة في: الضوء اللامع 9/ 157، عنوان الزمان للبقاعي 4/ 256 والترجمة فيه بالنص، نظم العقيان للسيوطي 165. (¬3) في الأصل: «الخاف»، وفي عنوان الزمان «الحافي»، كلاهما تحريف، والصواب في تبصير المنتبه. وهو زين الدين الخافي، صوفي من أتباع الشيخ يوسف العجمي، كان بالقاهرة ثم نزح عنها، ثم قدمها سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة ومعه جمع من أتباعه. (تبصير المنتبه لابن حجر 2/ 484).

وأخذ التفسير عن خاله، والسعد المذكورين أولا، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، عنهما. وأصول الفقه عن خاله، وكذا أصول الدين، والمنطق، والهيئة، عن خاله، والسعد، وانتفع بهما كثيرا في غير ذلك من العلوم. قال البقاعي: لقيته يوم الأحد رابع عشر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وثمانمائة بالمدرسة الباسطية جوار المسجد الحرام، فإذا هو شيخ حسن الهيئة، منور الشيبة، جميل المرأى، ظاهر البشاشة، عذب الكلام، واضح الفضيلة في عدة فنون فسمعت من لفظه في ذلك المجلس «رسالته في الرد على الملاحدة» المسماة «منهج اقتصاد الاعتقاد». وصنّف تصانيف منها: «الفتوحات الرجبية» تشمل على تحقيقات في معاني بعض الآيات والأحاديث وأقوال بعض المشايخ، فاضت على قلبه في خلوة اختلاها ومنها «الواردات الرجبية» تشتمل على مثل ذلك في خلوة أخرى، ومنها «ضوابط العبادات» تشتمل على الحكم في كون الصلوات خمسا، وكون الأوقات كذلك، وكون الصبح ركعتين، والظهر أربعا، ونحو ذلك، وكذا في الطهارة والزكاة والحج وغير ذلك من أبواب الفقه، ومنها «تصحيح القراءة» يشتمل على الرد على من أنكر على بعض تلامذته القراءة بما زاد على «الشاطبية» وبيّن طرقا غيرها بأسانيدها واعترض على بعض حروف في طرق الشاطبية، ومنها «الرسالة العلمية» تشتمل على أقسام تعاريف العلم، بما في ذلك من الاعتراضات والأجوبة وبيان القيود، وترجيح ما هو مرجح منها، أوصلها إلى نيف وثلاثين تعريفا، ومنها «الحاشية على أوائل الحاوي» في الفقه، ومنها «حواش على أوائل البيضاوي»، ومنها رسالة سماها «منهج اقتصاد الاعتقاد في رد مذهب الإلحاد» في نحو نصف كراس.

قال البقاعي: سمعتها جميعها من لفظه أول يوم اجتمعت [به] (¬1) كما مضى، وهي في غاية الإيجاز والإبداع، كتبها مجيبا لسؤال البدر محمود بن عبيد الله، لما أرسله الظاهر جقمق إلى حلب، لقتل من يعثر عليه من النسيمية الذين ظهروا هناك سنة ثمان وأربعين، ومنها «رسالة في ثماني عشرة مسألة» كل مسألة من علم، ومنها «النكت القرآنية على سورة ق»، ومنها «الرسالة الفتحية في تفسير أوائل سورة الفتح». قال البقاعي: هكذا أملاني. وقال: وغير ذلك بكثرة. 574 - محمد بن محمد بن علي الكاشغريّ النحوي اللغوي (¬2). قال الجنديّ في «تاريخ اليمن»: كان ماهرا في النحو، واللغة، والتفسير، والوعظ، صوفيا. أقام بمكة أربع عشرة سنة، وصنف فيها كتابا سماه «مجمع الغرائب ومنبع العجائب» في أربعة مجلدات، واختصر «أسد الغابة»، وقدم اليمن. وكان حنفيا فتحول شافعيا، وقال: رأيت القيامة قامت والناس يدخلون الجنة فعبرت مع زمرة، فجذبني شخص، وقال: يدخل الشّافعية قبل أصحاب أبي حنيفة، فأردت أن أكون مع المتقدمين. مات سنة خمس وسبعمائة. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 575 - محمد بن محمد بن محمد تاج الدين (¬3). ¬

_ (¬1) من عنوان الزمان للبقاعي. (¬2) له ترجمة في: روضات الجنات للخوانساري 203، العقود اللؤلؤية للخزرجي 1/ 368. (¬3) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 254.

أبو المحامد البخاري الزندني- بزاي ونونين- مقرئ المشرق، إمام، واعظ مقرئ، ناقل. تلا بالصحيح والشاذ على محمد بن محمد بن الجنبذي (¬1). وأخذ الحديث والتفسير عن حافظ الدين البخاري. قرأ عليه أبو حنيفة الأنزاري، وكتب عنه أبو العلاء الفرضي. وقال: له معرفة تامة بروايات القراء وطرقهم في السبع والشواذ، عارف بعلل القراءات، وبفنون، قرأ عليه كثير من الناس، ولم يؤرخ وفاته. قال ابن الجزري في «طبقات القراء»: وأظنه بقي إلى قريب السبعمائة، بل تجاوزها. 576 - محمد بن محمد بن ظفر المنعوت حجة الإسلام (¬2). برهان الدين أبو هاشم، وأبو عبد الله بن أبي محمد المكي الأصل، المغربي المنشأ، نزيل حماة الصقلي. ولد بصقلية، وقدم إلى مصر، وتنقل في البلاد، وسكن في آخر عمره مدينة حماة وبها مات في سنة خمس وستين وخمسمائة. وله من المصنفات كتاب «ينبوع الحياة» في تفسير القرآن الحكيم، وكتاب «فوائد الوحي الموجز إلى فرائد الوحي المعجز» وكتاب «المنشي في الفقه» على مذهب مالك بن أنس، وكتاب «أساليب الغاية في أحكام ¬

_ (¬1) في الأصل: «الجنيد» تحريف، صوابه في طبقات القراء لابن الجزري. والجنبذي هو: محمد بن محمد بن عمر الجنبذي، أخذ الروايات عن والده، وسمع الحافظ أبي سعد السمعاني، قرأ عليه أبو المحامد محمد بن محمد البخاري، وقد بقى الى بعد العشرين وستمائة (طبقات القراء لابن الجزري 2/ 246). (¬2) له ترجمة في: لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 5/ 371، معجم الأدباء لياقوت 7/ 102، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 233، المقفى للمقريزي ج 3 ورقة 82 والترجمة فيه بالنص، هدية العارفين 2/ 96، الوافي بالوفيات للصفدي 1/ 141، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 29. وهو مكرر 512.

آية»، وكتاب «التشحين في أصول الدين»، وكتاب «معاتبة الجريء على معاقبة البريء» في اعتقاد أبي حنيفة والأشعري، وكتاب «العادات» في الاعتقاد أيضا، وكتاب «الجنة» في اعتقاد أهل السنة، وكتاب «خير البشر بخير البشر»، وكتاب «ملح اللغة فيما اتفق لفظه واختلف معناه على حرف المعجم»، وكتاب «إبهام الخواص في إبهام الخواص» في بيان غلط أبي محمد الحريري، وكتابان في «مقامات الحريري» أحدهما كبير، والآخر صغير، وكتاب «كشف الكسف في نقض الكتاب المسمى بالكشف»، وكتاب «غرر أنباء نجباء الأبناء»، وكتاب «مالك الأذكار في مسالك الأفكار»، وكتاب «سلوان المطاع في عدوان الاتباع» (¬1)، وكتاب «الخوذ الواقية والعوذ الراقية»، وكتاب «نصائح الذكرى» وكتاب «إكسير كيمياء التفسير»، وكتاب «البرهانية في شرح الأسماء الحسنى»، وكتاب «الاشتراك اللغوي والاستنباط المعنوي» وكتاب «الإنباء عن الكتاب المسمى بالإحياء»، وكتاب «الإشارة إلى علم العبارة»، وكتاب «القواعد والبيان» مختصر في النحو. وكان قصير القامة، ذميم الخلقة، إلا أنه كان صبيح الوجه. واجتمع مع الشيخ تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، وتناظرا في اللغة والنحو، فوقف في مسائل نحوية، وكان حاله في اللغة قريبا، فقال: الشيخ تاج الدين أعلم مني بالنحو، وأنا أعلم منه باللغة، فقال الكندي: الأول مسلّم، والثاني ممنوع. واجتمع بالحافظ أبي طاهر السلفي وروى عنه، وعن القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي. ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، والمقفى الذي ينقل عنه الداودي. وفي كشف الظنون لحاجي خليفة 798 وهدية العارفين 2/ 96: «سلوان المطاع في عدوان الطباع».

وصنف كتاب «سلوان المطاع» في إبان مقامه بصقلية سنة أربع وخمسين وخمسمائة. قال الحافظ جمال الدين يوسف بن أحمد اليغموري: وأخبرني الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن عبد الله بن يوسف بن حمزة الأنصاري القرطبي المعروف بالعابد أنه وقف على نسخة من «سلوان المطاع»، تصنيف ابن ظفر بمكة وعليها خطه، موقوفة في رباط الخليفة في نظر القطب القسطلاني، تكون في مقدار هذه التي بأيدي الناس مرتين، وفي أولها أن ملكا حسن السيرة، مظنون حسن السريرة، أمرني أن أصنّف له كتابا يكون لهمومه شافيا، ولدمنة وكليلة قافيا، فأجبته لذلك مكافيا، وذكر نسبه واسمه. وله شعر جيد منه: حملتك في قلبي فهل أنت عالم ... بأنك محمول وأنت مقيم (¬1) ألا إنّ شخصا في فؤادي محلّه ... وأشتاقه شخص عليّ كريم [ومن شعره (¬2)]: يقول المنجم لا تسر فإنّ ... ك إن سرت لاقيت شرّا (¬3) فإن كان يعلم أني أسير ... فقد جاء بالنهي لغوا وهذرا وإن كان يجهل أني أسير ... فجهل العواقب أولى وأحرى وله: أيها المستجيش [ألسنة (¬4)] الوعاظ ... قد أسهبوا وما أيقظوكا (¬5) ¬

_ (¬1) الوافي بالوفيات للصفدي، ووفيات الأعيان لابن خلكان. (¬2) من المقفى للمقريزي. (¬3) الأبيات في المقفى. (¬4) عن المقفى، وبها يستقيم الوزن. (¬5) الأبيات في المقفى، والوافي بالوفيات للصفدي 1/ 142.

هاك بيتا يغنيك عن كل سجع ... وقريض كانوا به وعظوكا لا تشاغل بالناس عن ملك النا ... س فلولا نعماه ما لحظوكا [وقال (¬1)]: بباء براءة عند الغلو ... وسين سروري بالمعرفة (¬2) وبالميم من مرحي عند ما ... تبشرني آية أو صفه أقل عبدك المذنب المستجير ... بعفوك من سوء ما أسلفه ولم يزل رحمه الله يكابد الفقر طول عمره، وزوج ابنته من الضرورة بغير كفء فسافر بها وأباعها (¬3) في البلاد. ذكره المقريزي في «المقفى». 577 - محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن بنان- بضم الباء الموحدة وفتح النون وبعد الألف نون أخرى- القاضي الأجل ذو الرئاستين أثير الدين أبو الطاهر (¬4). ابن القاضي الأجل ذي الرئاستين أبي الفضل، المعروف بالأثير بن بنان، الأنباري الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، الكاتب. ولد بالقاهرة في سنة سبع وخمسمائة، وقرأ القرآن الكريم على أبي العباس أحمد بن عبد الله بن الحطيئة، وسمع من والده القاضي أبي الفضل محمد، ¬

_ (¬1) من المقفي للمقريزي. (¬2) المقفي، والوافي بالوفيات. (¬3) أباعها: عرضها للبيع. القاموس: باع. (¬4) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 209، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 375، العبر 4/ 294، فوات الوفيات 2/ 319، المقفى للمقريزي 3 ورقة 80، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 159، الوافي بالوفيات 1/ 281.

ومن القاضي أبي الحسن محمد بن هبة الله بن الحسن بن عرس بضم المهملة، وأبي صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني، وأبي البركات محمد ابن حمزة بن أحمد العرقي. وحدّث فسمع منه جماعة بمصر وبغداد، وكتب الكثير. ولي النظر في الدولة أيام بني عبيد، ثم تنقلت به الخدم الديوانية بتنيس والإسكندرية وغير ذلك في الأيام الصلاحية. وكان من رؤساء المصريين وأكابرهم وفضلائهم، وعنده أدب وترسل وخط حسن، وكان القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني يغشى بابه ويمتدحه، ويفتخر بالوصول إليه، والمثول بين يديه، فلما زالت دولة بني عبيد على يد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب؛ ولي الإسكندرية وتنيس وغير ذلك، إلى أن قال القاضي الفاضل لصلاح الدين: هذا رجل كبير يصلح أن يجري عليه ما يكفيه، ويقعد في منزله، ففعل ذلك. ثم إنه توجه إلى اليمن، ووزر لسيف الإسلام طغتكين بن أيوب، وأرسله إلى الديوان العزيز برسالة، فدخل بغداد في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وعظم وبجل، وكان يروي «صحاح» الجوهري في اللغة عن أبي البركات الرقي، عن ابن القطاع، فسمع عليه أولاد أمير المؤمنين وخلق كثير، وشهر الكتاب ببغداد، ولم يكن شهيرا، وكتب به عدة نسخ، وشاع بالموصل. وحدث أيضا «السيرة» لابن هشام، ثم إنه عاد إلى القاهرة، وصار في ضنك من العيش وعليه دين كبير، وعجز عن نفقته، وآل به الحال إلى أن حبس بالجامع الأزهر على الدين، وكان ينتقص القاضي الفاضل ويراه بالعين الأولى، ويحدث الناس بأنه كان من أقل أتباعه، والفاضل يقصر عنه، فيقصر الناس في حقه مراعاة للقاضي الفاضل، وكان بعض أصحاب

الدّين رجلا أعجميا أحمق كثير الشر، فصعد إليه سطح الجامع الأزهر، وسفه عليه وقبض على لحيته وضربه، ففر من بين يديه، وألقى نفسه من سطوح الجامع إلى سطوح دكاكين الوراقين، وكانت يومئذ بجانب الجامع، فتهشم وحمل إلى داره، فبقي أياما ومات، فسير له القاضي الفاضل خمسة عشر دينارا ليجهزه بها ولده، ولم يصل عليه، ولا شيع جنازته، فأنكر ذلك عليه. واتفق أن الفاضل مات بعده فجأة بعد ثلاثة أيام، فعد هذا أعجب من حال جرير والفرزدق، فإنه كان بينهما ستة أشهر، وكان بين هذين الرجلين ثلاثة أيام، فليعتبر العقلاء بذلك. وكان الأثير فاضلا جليلا نبيلا عالما أديبا بليغا، وله شعر مليح، وترسل فائق، وتقدم في الكتابة، ونال الرئاسة الخطيرة، وتمكن التمكن الكثير. وصنف كتاب «تفسير القرآن الكريم»، وكتاب «المنظوم والمنثور»، قال فيه العماد الكاتب: له شعر كالسحر، ونثر كنظم الدرر. ومن شعره يصف مغارة في جبل: وشاهقة خضت حشا الجو مرتقى ... تشير إلى زهر الكواكب من عل (¬1) محاسنها شتى ولكن أخصها ... وآثرها ذكرى حبيب ومنزل جداول تجري باللجين فتارة ... تسح وأجداث تريني موئلي وقال المنذري عن أبي الحسن علي المقدسي: سماعه صحيح، إلا أنه كان يتشيع. وكانت وفاته بالقاهرة ليلة السبت الثالث من ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمسمائة، وكان رجلا طوالا دقيقا أسمر. ¬

_ (¬1) الأبيات في المقفى، والأول والثاني منها في انباه الرواة.

ذكره المقريزي في «المقفى». 578 - محمد بن محمد بن محمد العلامة أبو الفضائل الحنفي عرف البرهان النسفي (¬1). صاحب التصانيف الكلامية الخلافية، مولده سنة ستمائة تقريبا، ولخص «تفسير القرآن» للإمام فخر الدين، وله «مقدمة في الخلاف» مشهورة تحفظ. أجاز للبرزالي الحافظ، وكتب بخطه الملقب بالبرهان النسفي. مات سنة سبع وثمانين وستمائة، ودفن تحت قبة مشهد الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه بالخيزرانية [رحمه الله تعالى (¬2)]. 579 - محمد بن محمد بن محمود بن قاسم البرزالي (¬3) البغدادي (¬4). الفقيه الحنبلي، الأصولي، الأديب، شمس الدين أبو عبد الله ابن الإمام أبي الفضل. قرأ الفقه على الشيخ تقي الدين الزريراني، وكان إماما عالما متقنا بارعا في الفقه والأصلين، والأدب، والتفسير، وغير ذلك. وله نظم حسن، وخط مليح، ودرس بالمستنصرية بعد شيخه الزريراني، وكان من فضلاء أهل بغداد، وكذلك كان ولده أبو الفضل إماما عالما مفتيا صالحا. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 58، الجواهر المضيئة لعبد القادر القرشي 2/ 167، العبر للذهبي 5/ 346، الفوائد البهية للكنوي 194، الوافي بالوفيات للصفدي 1/ 282. (¬2) بياض في الأصل قدر كلمة، والتكملة من الجواهر المضيئة. (¬3) في الأصل: «ابن البرزني» وما أثبتنا عن الدرر الكامنة والشذرات والوافي بالوفيات. (¬4) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 3، ذيل الحنابلة لابن رجب 2/ 425، الوافي بالوفيات للصفدي 1/ 237.

توفى أبو عبد الله بن البرزالي في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ببغداد. ذكره ابن رجب. 580 - محمد بن محمود بن أحمد البابرتي الشيخ أكمل الدين الحنفي (¬1). ولد سنة بضع عشرة وسبعمائة. وأخذ عن أبي حيّان، والأصفهاني، وسمع الحديث من الدلاصي، وابن عبد الهادي، وقرّره شيخون في مشيخة مدرسته، وعظم عنده جدا وعند من بعده بحيث كان الظاهر برقوق يجيء إلى شبّاك الشيخونية فيكلمه وهو راكب وينتظره حتى يخرج فيركب معه. وكان علامة، فاضلا، ذا فنون، وافر العقل، قوي النفس، عظيم الهيئة، مهيبا عرض عليه القضاء مرارا فامتنع. وله من التصانيف «التفسير»، «شرح المشارق»، «شرح مختصر ابن الحاجب»؛ «شرح عقيدة الطوسي»، «شرح الهداية في الفقه»، «شرح ألفية ابن معطي في النحو»، «شرح المنار»، «شرح البزدوي»، «شرح التلخيص في المعاني». قال الحافظ ابن حجر؛ وما علمته حدث بشيء من مسموعاته. مات ليلة الجمعة تاسع عشر رمضان سنة ست وثمانين وسبعمائة، وحضر جنازته السلطان فمن دونه، ودفن بالشيخونية. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 298، الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 18، الفوائد البهية 195، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 301.

581 - محمد بن محمود بن عبد الله شمس الدين النيسابوري (¬1). قدم إلى القاهرة، وناب عن عمه قاضي القضاة جلال الدين جار الله الحنفي في الحكم، وتقلد مشيخة الشيوخ بخانقاه سعيد السعداء، وولي إفتاء دار العدل، وعدة تداريس، وتصدى للإشغال عدة سنين في فقه الحنفية، وفي النحو، والتفسير، والأصول. وكان مليح الشكل، جميل الصورة، دمث الأخلاق، بشوشا، هيّئا حسن اللقاء، متوددا إلى أصحابه، منجمعا عن الناس، صدرا من صدور الحنفية، ومفخرا من مفاخر مصر. مات يوم الأحد سابع عشري جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. ذكره المقريزي في بعض تراجمه من شيوخه. 582 - محمد- وقيل محمود- بن الإمام العلامة قطب الدين أبو عبد الله الرازي. (¬2) المعروف بالقطب التحتانيّ. تمييزا له عن قطب آخر كان ساكنا معه بأعلى المدرسة الظاهرية. أحد أئمة المعقول، اشتغل في بلاده بالعلوم العقلية وأتقنها، وشارك في العلوم الشرعية، وجالس العضد وأخذ عنه؛ ثم قدم دمشق واشتغل بها في العقليات، وأقام بها إلى أن توفي. ذكره ابن السبكي في «الطبقات الكبرى» وقال: إمام مبرز في ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 389. (¬2) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 107، طبقات الشافعية للاسنوي 47، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 31 (طبع الحسينية)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 98 أ، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 298، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 87.

المعقولات، اشتهر اسمه، وبعد صيته، ورد إلى دمشق سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وبحثنا معه فوجدناه إماما في المنطق والحكمة، عالما بالتفسير، والمعاني والبيان، مشاركا في النحو، يتوقد ذكاء. وقال الإسنوي في «طبقاته»: كان ذا علوم متعددة، وتصانيف مشهورة. وقال ابن كثير: كان أحد المتكلمين العالمين بالمنطق وعلوم الأوائل، قدم دمشق من سنوات، وقد اجتمعت به فوجدته لطيف العبارة عنده ما يقال، وله مال وثروة، انتهى. وسأل الشيخ تقيّ الدين السبكي عن حديث: (كل مولود يولد على الفطرة) فأجابه السبكي، فنقض هو ذلك الجواب وبالغ في التحقيق، فأجابه السبكي، وأطلق لسانه فيه، ونسبه إلى عدم فهم مقاصد الشرع والوقوف مع ظواهر قواعد المنطق. توفى في ذي القعدة سنة ست وستين وسبعمائة، ودفن بسفح قاسيون. ومن تصانيفه «شرح الحاوي» في أربع مجلدات، قال ابن رافع: ولم يكمله، و «حواشي على الكشاف» وصل فيها إلى سورة طه، و «شرح المطالع» و «الشمسية» كلاهما في المنطق، وشرح «الإشارات» لابن سينا وغير ذلك. ذكره ابن قاضي شهبة، ثم شيخنا في «طبقات النحاة». 583 - محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل السّدي (¬1). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 306، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 261، ميزان الاعتدال للذهبي 4/ 32.

بضم المهلة والتشديد. وهو الأصغر، كوفي، متهم بالكذب، من الطبقة الثامنة، وهو صاحب «التفسير» يروى عن يحيى بن عبيد الله والكلبي. وعنه هشام بن عبيد الله، ومحمد بن عبيد المحاربي. 584 - محمد بن المستنير أبو علي النحويّ المعروف بقطرب (¬1). لازم سيبويه، وكان يدلج إليه، فإذا خرج رآه على بابه، فقال: ما أنت إلا قطرب ليل! فلقّب به. وأخذ عنه عيسى بن عمر، وكان يرى رأي المتعزلة النظامية، فأخذ عن النّظّام مذهبه، واتصل بأبي دلف العجليّ، وأدّب ولده، ولم يكن ثقة. قال ابن السّكّيت: كتبت عنه قمطرا، ثم تبينت أنه يكذب في اللغة، فلم أذكر عنه شيئا. وله من التصانيف: «معاني القرآن» لم يسبق إلى مثله، وعليه احتذى الفراء، «الاشتقاق»، «القوافي»، «المثلث»، «النوادر»، «الصفات»، «الأصوات»، العلل في النحو، «الأضداد»، «الهمز»، «خلق الإنسان»، «خلق الفرس»، «إعراب القرآن»، «المصنف الغريب» في اللغة، كتاب «الرد على الملحدين في متشابه القرآن»، كتاب «غريب الآثار»، كتاب «فعل وأفعل»، «الأزمنة» وغير ذلك. مات سنة ست ومائتين. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 219، البداية والنهاية لابن كثير 10/ 259، تاريخ الاسلام للذهبي (وفيات 206)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 3/ 298، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 126، العبر 1/ 35، الفهرست لابن النديم 52، الكامل لابن الأثير 6/ 380، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 5/ 378، مرآة الجنان لليافعي 2/ 31، مراتب النحويين 67، معجم الأدباء 7/ 105، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 160، نزهة الألباء 91، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 439.

ومن شعره: إن كنت لست معي فالذكر منك معي ... يراك قلبي وإن غيّبت عن بصري (¬1) فالعين تبصر من تهوى وتفقده ... وناظر القلب لا يخلو من النّظر أورده شيخنا في «طبقات النحاة». 585 - محمد بن مسلم- بتشديد اللام- بن سعيد بن عمر بن بدر الدمشقي الشيخ زين الدين القرشي (¬2). كان بارعا في التفسير، يحفظ المتون، ويعرف أسماء الرجال، ويشارك في العربية. كثير الإقبال على الاشتغال والطالعة لا يمل، مشهورا بقوة الحفظ وعدم النسيان، والقيام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكانت له سمعة وصيت. ولد في شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة. وتعانى عمل المواعيد، وتصدر للتدريس والإفتاء. مات في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة. ذكره شيخنا في «طبقات الحفاظ». 586 - محمد بن منصور بن إبراهيم أبو بكر القصري البغدادي (¬3). المقرئ المفسر. قرأ بالروايات على ابن سوار، وثابت بن بندار. ¬

_ (¬1) البيتان في معجم الأدباء لياقوت 7/ 106. (¬2) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 405، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 271، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 368، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 102 أ، وهو فيها جميعها، عمر بن مسلم، وقد سبقت ترجمته رقم 393 باسم عمر بن مسلم. (¬3) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 262.

وأقرأ طائفة، وكان رأسا في التفسير، والقراءات، له حلقة بجامع المنصور. قال أبو محمد بن الخشاب: من سمع بالسلف فرأى القصرى فكأنه قد رآهم. مات في شعبان سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وله سبعون سنة. ذكره الذهبي في «طبقات القراء». 587 - محمد بن منصور بن الحسن أبو سهل البرجي الأصبهاني العروضي (¬1). بفتح العين وضم الراء وسكون الواو وضاد معجمة، نسبة إلى علم العروض الذي يعرف [به (¬2)] موزون الشعر من مكسوره، عن الحافظ أبي نعيم وغيره، صنف كتاب «غريب القرآن». 588 - محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن عبد الجبار بن الفضل بن الربيع بن مسلم بن عبد الله بن المجيد الإمام الكبير أبو بكر بن الإمام أبي المظفر بن الإمام أبي منصور بن السّمعانيّ (¬3). الشافعي، الفقيه، الأديب، المحدّث، الحافظ، الواعظ، الخطيب، المبرّز ¬

_ (¬1) له ترجمة في: اللباب لابن الأثير 2/ 133. (¬2) من اللباب. (¬3) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 308 أ، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 180، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 5، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 31 ب، طبقات ابن هداية الله 72، العبر للذهبي 4/ 22، الكامل 10/ 524، اللباب لابن الأثير 1/ 563، المنتظم لابن الجوزي 9/ 188.

في علم الحديث، رجالا، وأسانيد، ومتونا، وغير ذلك، جامع لأشتات العلوم. وهو أبو الحافظ الكبير، تاج الإسلام أبي سعيد عبد الكريم بن محمد، وكان هو أيضا يلقّب تاج الإسلام. مولده في سنة ست وستين وأربعمائة. سمع والده أبا المظفّر، وعبد الواحد بن أبي القاسم القشيريّ، ونصر الله ابن أحمد الخشناميّ، وأسعد بن مسعود العتبيّ، وأبا الحسن عليّ بن محمد العلّاف، ومحمد بن عبد الكريم بن حشيش الحافظ، وأبا الغنائم النّرسيّ (¬1) الحافظ، وغيرهم، بمرو، ونيسابور، والرّيّ، وهمذان، وبغداد، والكوفة، وأصبهان، ومكة وغيرها. روى عنه السلفيّ وأبو الفتوح الطّائي وغيرهما. ذكره عبد الغافر في «السياق»، وقال فيه: الإمام، ابن الإمام، شاب نشأ في عبادة الله، وفي التحصيل من صباه، إلى أن أرضى أباه، حظي من الأدب، والعربية، والنحو، وثمرتها، نظما ونثرا، بأعلى المراتب. ينفث إذا خط بأقلامه عقد السحر، وينظم من معاني كلامه عقود الدر، متصرفا في الفنون [بما] (¬2) يشاء كيف يشاء، مطيعا له على البديهة الإنشاء، ثم برع في الفقه، مستدرا أخلافه من أبيه، بالغا في المذهب من الخلاف أقصى مراميه، وزاد على أقرانه وأهل عصره، بالتبحر في علم الحديث، ومعرفة الرجال والأسانيد، وما يتعلق من الجرح والتعديل، ¬

_ (¬1) في الأصل: «الزينبي» تحريف، صوابه في طبقات الشافعية للسبكي، وتذكرة الحفاظ. (¬2) من طبقات الشافعية للسبكي.

والتحريف، والتبديل، وضبط المتون، والمشكلات من المعاني، مع الإحاطة بالتواريخ، والأنساب. وطرّز أكمام فضله بمجالس تذكيره، الذي تتصدع صم الصخور عند تحذيره، وتتجمع أشتات العظام النخرة عند تبشيره، وصغى آذان الحفظة لمجاري نكته، وتختطف الملائكة لفاظة إشاراته من شفته، ويخترق حجب السبع الشداد صواعد دعواته ويطفئ أطباق الجحيم سوابق عبراته، وهو مع ذلك متخلق بأحسن الأخلاق، متمكن بتواضعه وتودده من الأحداق، رافل جلابيب أهل الصفا، مراع لعهود الإسلام (¬1) بحسن الوفا، مجموع له الأخلاق الحميدة، ثابت له الحقوق الأكيدة. خلف أباه ببلدته، في مجالس التدريس، والنظر، والتذكر، وزاد عليه في الخطابة والقبول التام بين الخاص والعام، وصبر على مكابدة الخصوم اللد، ومقاومة المعاندين والمخالفين، ونفق سوق تقواه وورعه عند الملوك والأكابر، حتى عظموا خدمته وتبركوا به، وبنصحه، وكلامه، وصار قطب قطره، حشمة، وحرمة، وجاها، ومنزلة، مستغنيا بكفافه، وما آتاه الله من غير منة مخلوق، عن التعرض لمنال شيء من الحطام قاصرا همه وأيامه على الإفادة، ونشر العلم، مد الله في عزيز أنفاسه، وأبقاه حجة على العلماء. هذا آخر كلام عبد الغافر. قال الحافظ أبو سعيد: أملى والدي رحمه الله مائة وأربعين مجلسا، في غاية الحسن والفوائد، بجامع مرو، واعترف له بأنه لم يسبق إلى مثلها، وصنف تصانيف في الحديث. وكان يملي في مجلس وعظه الأحاديث بأسانيدها، فاعترض عليه بعض المنازعين، وقال: محمد السمعانيّ يصعد المنبر، ويعد الأسامي، ونحن لا نعرف، ولعله يضعها في الحال، وكتب هذا الكلام في رقعة، وأعطيت له، ¬

_ (¬1) في طبقات الشافعية للسبكي: «لعهود الأسلاف».

بعد أن صعد المنبر، فنظر فيها، وروى حديث: (من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) بنيف وتسعين طريقا، ثم قال: إن لم يكن في هذا البلد أحد يعرف الحديث، فنعوذ بالله من المقام في بلد ما فيها من يعرف الحديث، وإن كان فليكتب عشرة أحاديث بأسانيدها، ويترك اسما أو اسمين من كل إسناد، ويخلط الأسانيد بعضها ببعض، فإن لم أميز بينها، وأضع كل اسم منها مكانه، فهو كما يدّعيه. وفعلوا ذلك امتحانا، فرد كل اسم إلى موضعه، وطلب القراء الذين يقرءون في مجلسه، في ذلك اليوم شيئا، فأعطاهم الحاضرون ألف دينار. وللإمام أبي بكر شعر كثير، ويحكى أنه غسل قبل موته جميع المسودات التي فيها شعره، فلم يوجد له إلا ما كان على ظهور الدفاتر والأجزاء. ويحكى أن شخصا كتب إليه رقعة، وفيها أبيات شعر، وأراد جوابها، فقال: أما الأبيات فقد أسلم شيطان شعري، فلا جواب لها. ومن مليح شعره: أقلي النهار إذا أضاء صباحه ... وأظل أنتظر الظلام الدامسا (¬1) فالصبح يشمت في فيقبل ضاحك ... والليل يرثي لي فيدبر عابسا ومنه: وظبي فوق طرف ظل يرمي ... بسهم اللحظ قلب الصب طرفه يؤثر طرفه في القلب ما لا ... يؤثر في الحصى والتّرب طرفه ومنه، ما أورده ولده أبو سعد، في كتاب «التحبير» في ترجمة أبي حامد ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للسبكي 7/ 8.

أحمد بن عبد الله الفازيّ، المعروف بالأوحد، وذكر أنه قال في قرية فاز، إحدى قرى طوس: نزلنا بقعة تدعى بفاز ... فكان ألذّ من نيل المفاز وقست إلى ثراها كلّ أرض ... فكانت كالحقيقة في المجاز قال الحافظ أبو سعد: من عجيب ما اتّفق، أن آخر مجلس أملاه، كان افتتاحه بقوله صلى الله عليه وسلم: (إنّ أمامكم عقبة كئودا، لا يجوزها المثقّلون، فأنا أحبّ أن أتخفف لتلك العقبة). وكان قد وصل في التفسير، الذي يذكره في مجلس الوعظ إلى قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (¬1) الآية. وتوفى عقب ذلك، ابن ثلاث وأربعين سنة، في يوم الجمعة، ثاني صفر سنة عشر وخمسمائة رحمه الله تعالى. ذكره ابن السبكي في «الكبرى». 589 - محمد بن موسى بن عثمان بن موسى بن عثمان بن حازم الإمام الحافظ البارع النسابة أبو بكر الحازميّ الهمذانيّ (¬2). صاحب كتاب «الناسخ والمنسوخ» وكتاب «عجالة المبتدى» في ¬

_ (¬1) سورة المائدة 3. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 332، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1363، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 192، الروضتين 2/ 137، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 13، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 41 ب، طبقات ابن هداية الله 80، العبر 4/ 254، مرآة الجنان لليافعي 3/ 429، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 109، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 421.

الأنساب، و «المؤتلف والمختلف» في أسماء البلدان، وإسناد أحاديث «المهذب» للشيخ أبي إسحاق إملاء لم يتم. ولد الحازمي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وسمع من أبي الوقت السجزي حضورا، ومن شهردار بن شيرويه الديلمي، وأبي زرعة المقدسي، والحافظ أبي العلاء الهمذاني، ومعمر بن الفاخر. وقدم بغداد فسمع من أبي الحسين عبد الحق بن يوسف، وعبد الله بن عبد الصمد العطار، وبالموصل من الخطيب أبي الفضل الطوسي، وبواسط من أبي طالب المحتسب، وبالبصرة من محمد بن طلحة المالكي، وبأصبهان من أبي الفتح الخرقي. وكتب الكثير وصنّف وجوّد. قال الدّبيثي: قدم بغداد وسكنها، وتفقه بها على مذهب الشافعي، وجالس العلماء، وتميز وفهم، وصار من أحفظ الناس للحديث وأسانيده ورجاله، مع زهد وتعبّد ورياضة وذكر، صنّف في الحديث عدة مصنفات، وأملى عدة مجالس، وكان كثير المحفوظ، حلو المذاكرة، يغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام. وذكره ابن النجار فقال: كان من الأئمة الحفاظ، العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله. قال: وكان ثقة نبيلا زاهدا عابدا ورعا ملازما للخلوة والتصنيف وبث العلم، أدركه أجاله شابا. قال: وسمعت محمد بن محمد بن محمد بن غانم الحافظ يقول: ما رأيت شابا أحفظ منه. وقال: وسمعت بعض الأئمة يذكر أن الحازمي كان يحفظ كتاب «الإكمال» في المؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة.

قال: وسمعت أبا القاسم المقرئ جارنا يقول- وكان صالحا- كان الحازمي في رباط البديع، فكان يدخل بيته في كل ليلة ويطالع ويكتب إلى الفجر، فقال البديع للخادم: لا تدفع إليه الليلة نورا للسراج لعله يستريح الليلة، فقال: فلما جنّ الليل اعتذر إليه الخادم لانقطاع النور، فدخل بيته وصف قدميه، ولم يزل يصلي ويتلو إلى أن طلع الفجر، وكان الشيخ خرج ليعلم خبره فوجده في الصلاة. مات الحازمي رحمه الله في جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وخمسمائة. 590 - محمد بن موسى أبو علي الواسطي (¬1). قاضي الرملة. قال ابن يونس في «تاريخ مصر». كان عالما بالفقه والتفسير، ويتفقه على مذهب أهل الظاهر، وقد رمي بالقدر. مات في ربيع الأول سنة عشرين وثلاثمائة. 591 - محمد بن النضر بن مرّ بن الحر (¬2) الرّبعيّ الإمام أبو الحسن بن الأخرم (¬3) الدمشقي (¬4). صاحب هارون بن موسى بن شريك. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 40. (¬2) في الأصل: «ابن الحراء». وأثبتنا ما في طبقات القراء لابن الجزري، وطبقات القراء للذهبي، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة. (¬3) في الأصل: «ابن الأحزم». والتصويب من الشذرات، والنجوم الزاهرة، والعبر، وطبقات القراء لابن الجزري، وطبقات القراء للذهبي. (¬4) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 270، طبقات القراء للذهبي 1/ 234، طبقات المفسرين للسيوطي 40، العبر للذهبي 2/ 257، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 309.

قال الذهبي في «طبقات القراء»: قرأ على هارون، وعلى جعفر بن أحمد ابن كزاز، وانتهت إليه رئاسة الإقراء بالشام، وكان له حلقة عظيمة. وتلامذة جلة. قال أبو عمرو الداني: روى القراءة عنه عرضا أحمد بن عبد العزيز بن بدهن، وأحمد بن نصر الشّذائيّ، ومحمد بن أحمد الشّنبوذيّ، ومحمد بن الخليل، وصالح بن إدريس، وعلي بن محمد بن بشر الأنطاكيّ، وعبد الله بن عطية المفسر، والفتح المظفر بن برهام، وعلي بن داود الدّارانيّ (¬1)، ومحمد بن حجر، وجماعة لا يحصى عددهم، منهم: محمد بن أحمد السلمي الجبنيّ شيخ الأهوازيّ، وسلامة بن الربيع المطرّز، وأبو بكر أحمد بن مهران. وقد أخطأ عبد الباقي بن الحسن في اسمه واسم أبيه، فقال فيه: علي بن الحسن بن مرّ. وقال علي بن داود: لما قدم ابن الأخرم: بغداد حضر مجلس ابن مجاهد، فقال لأصحابه: هذا صاحب الأخفش الدمشقي، فاقرءوا عليه، وكان ممن قرأ عليه أبو الفتح بن بدهن. وقال الشنبوذي: قرأت على أبي الحسن المعروف بابن الأخرم، فما رأيت شيخا أحسن معرفة منه بالقرآن ولا أحفظ، وكان مع ذلك يحفظ تفسيرا كثيرا ومعاني، وقال لي [إن] (¬2) الأخفش لقنني القرآن. وقال عبد الباقي بن الحسن: قال لي ابن الأخرم: قرأت على الأخفش وكان يأخذ علي في منزلي، قال عبد الباقي: كان أبوه يخلص للأخفش رزقه من السلطان كل سنة. ¬

_ (¬1) الداراني: بفتح الدال وسكون الألفين بينهما راء مفتوحة وفي آخرها نون، هذه النسبة إلى داريا، وهي قرية من غوطة دمشق (اللباب لابن الأثير 1/ 403). (¬2) من طبقات القراء لابن الجزري، وطبقات القراء للذهبي.

قال أبو القاسم بن عساكر: طال عمر ابن الأخرم. وارتحل الناس إليه، وكان عارفا بعلل القراءات بصيرا بالتفسير والعربية، متواضعا، حسن الأخلاق كبير الشأن. وقال محمد بن علي السلمي: قمت ليلة المؤذن الكبير لأخذ النوبة على ابن الأخرم، فوجدت قد سبقني ثلاثون قارئا، ولم تدركني النوبة إلى العصر. قال أبو علي أحمد بن محمد الأصبهاني: توفي ابن الأخرم الرّبعيّ سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وقال غيره: سنة اثنتين وأربعين. وقال عبد الباقي بن الحسن: توفي أبو الحسن بن الأخرم بعد سنة أربعين، وصليت عليه في المصلى بعد الظهر، وكان يوما صائفا، وصعدت غمامة على جنازته من المصلى إلى قبره، فكانت شبه الآية له رحمه الله. مولده سنة ستين ومائتين. 592 - محمد بن أبي عليّ بن أبي نصر بن أبي سعيد الشيخ فخر الدين النّوقاني (¬1). من أهل نوقان طوس. درس الفقه بنيسابور على محمد بن يحيى، ثم قدم بغداد واستوطنها، ودرّس بالمدرسة القيصرية مدة، إلى أن أنشأت أم الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين مدرسة بالجانب (¬2) الغربي فجعلته مدرسا بها. قال ابن النجار: كان من كبار الأئمة. وأعيان فقهاء الأمة، عالما كاملا نبيلا ورعا، له اليد الباسطة في المذهب والخلاف، والباع الممتد في حسن الكلام والمناظرة وإيراد ما يورده من الجدل والمنطق، وله معرفة تامة بالتفسير. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 7/ 29. (¬2) في الأصل: «بالجامع الغربي»، والمثبت في طبقات الشافعية للسبكي.

قال: وأكثر الفقهاء والمدرسين ببغداد من الشافعية والحنابلة تلامذته. قال: وكان مع فضله صالحا متدينا حافظا لأوقاته، لا يذهب ساعة من عمره إلا في أشغال أو اشتغال أو نسخ أو مطالعة. حدّث ببغداد بكتاب «الأربعين» لشيخه محمد بن يحيى. قال: وسمعت الفقيه أبا عبد الله محمد بن أبي بكر بن الدّبّاس يقول فيه: كان وليا لله، ويذكر أشياء من كلامه، كان يعده بها ورآها. مولد بنوقان، في شوال سنة [ست (¬1)] عشرة وخمسمائة. وتوفي في صفر سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. ذكره ابن السبكي في «الكبرى». 593 - محمد بن هبة الله بن جعفر، بن هبة الله، سراج الدين أبو بكر الدّندريّ الرّبعيّ الشافعيّ (¬2). برع في الفقه والأصلين، والتفسير، وولي الحكم بأدفو، وبدندرا، من بلاد الصعيد، وله مصنّف في «الوراقة». توفي ببلده سنة أربع وسبعين وستمائة. ذكره المقريزي في «المقفى» .. 594 - محمد بن وسيم بن سعدون أبو بكر الطليطلي (¬3). سمع أباه، وغيره من شيوخ بلده. وبقرطبة من ابن أيمن، وقاسم بن أصبغ، وغيرهما. ¬

_ (¬1) من طبقات الشافعية للسبكي. (¬2) له ترجمة في: الطالع السعيد للادفوي 636. (¬3) له ترجمة في: تاريخ علماء الأندلس 2/ 66، ترتيب المدارك للقاضي عياض 4/ 460.

وكان أعمى، ذا بصر بالفقه والحديث، وحظ من علم العربية، واللغة، والشعر والتفسير والفرائض، والحساب، شاعرا ذكيا، وكانوا يرون ما فيه من ذكاء ببركة دعاء أبيه وكان صالحا. مات في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة (¬1). ومن شعره: خذ من شبابك قبل الموت والهرم ... وبادر التّوب قبل الفوت والندم (¬2) واعلم بأنك مجزي ومرتهن ... وراقب الله واحذر زلّة القدم فليس بعد حلول الموت معتبة ... إلا الرّجاء وعفو الله ذي الكرم. ذكره القاضي عياض في «المدرك». 595 - محمد بن يحيى بن أحمد بن خليل أبو سعيد الشّلوبين الإشبيلي (¬3). روى عن أبيه وعمه أبي علي الشّلوبين. وألف كتابا في «الأحكام» وكتابا في «غوامض التأويل، واعتنى بعلم التفسير اعتناء كبيرا، وغلب عليه حال العبادة. ورحل مع أخيه أبي الفضل محمد، وحجا، ومات أبو الفضل بمصر، وعاد أبو سعيد إلى بلده، فمات إثر وصوله في عشر الأربعين وستمائة. وقد أخذ عن أبي الطاهر بن عوف، وغيره .......... (¬4) ¬

_ (¬1) في الأصل: «وخمسمائة»، صوابه في مصادر الترجمة. (¬2) الأبيات في بغية الوعاة للسيوطي، وترتيب المدارك للقاضي عياض. (¬3) له ترجمة في: المقفى للمقريزي 3 ورقة 202. (¬4) بفتح المعجمة واللام، وسكون الواو وكسر الواو الموحدة ونون، وربما زيد تعدها ياء النسبة، ومعناه بلغة الأندلس «الابيض الاشقر».

ذكره المقريزي في «المقفى». 596 - محمد بن يحيى بن أبي حزم- بفتح المهملة وسكون الزاي- واسمه مهران القطعي- بضم القاف وفتح المهملة- البصري (¬1). عن عمه حزم، وعبد الأعلى بن الأعلى. وعنه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن خزيمة، وابن صاعد. ثقة صدوق من كبار الطبقة العاشرة. مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين. له «لغات القرآن» ................ .... (¬2). 597 - محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسان بن سليم بن سعد بن عبد الله بن زيد (¬3) بن مالك بن الحارث بن عامر بن عبد الله بن بلال بن عوف بن أسلم- وهو ثمالة- بن أحجن بن كعب بن الحارث ابن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن أزد بن الغوث أبو العباس الأزدي الثمالي المعروف بالمبرد (¬4). ¬

_ (¬1) له ترجمة في تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 548، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 310، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 278. (¬2) بياض في الأصل. (¬3) كذا في جمهرة أنساب العرب ومعظم المصادر. وفي الأصل: «يزيد». (¬4) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 241، الأنساب للسمعاني الورقة 116، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 79، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 3/ 380، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 280، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 146، العبر 2/ 74، الفهرست لابن النديم 59، اللباب لابن الأثير 1/ 197، لسان الميزان 5/ 430، مراتب النحويين 83، مرآة الجنان لليافعي 2/ 210، معجم الأدباء 7/ 137، مفتاح السعادة 1/ 157، المقفى للمقريزي 3 ورقة 232 ترجمة مطولة، المنتظم 6/ 9، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 117، نزهة الألباء للأنباري 217، هدية العارفين للبغدادي 2/ 20، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 441.

شيخ أهل النحو، وحافظ علم العربية. ولد يوم الاثنين ليلة الأضحى سنة عشر ومائتين. وقيل: سنة سبع ومائتين. وهو من أهل البصرة وسكن بغداد. أخذ عن أبي عثمان المازنيّ، وأبي حاتم السجستانيّ وغيرهما من الأدباء. روى عنه: إسماعيل بن محمد الصفار، ونفطويه، ومحمد بن أبي الأزهر، وأبو بكر الصولي، وأبو عبد الله الحكيمي، وأبو سهل بن زياد، وجماعة يتسع ذكرهم. وكان عالما فاضلا، فصيحا بليغا مفوّها، ثقة أخباريا، موثقا به في الرواية، حسن المحاضرة، علامة صاحب نوادر وظرافة، وكان جميلا لا سيما في صباه. قال السيرافيّ في «طبقات النحاة البصريين»: وهو من ثمالة- يعني بضم التاء المثلثة- قبيلة من الأزد، وفيه يقول عبد الصمد بن المعذّل هاجيا له: سألت عن ثمالة كل حي ... فقال القائلون ومن ثماله فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله قال: وكان الناس بالبصرة، يقولون: ما رأى المبرد مثل نفسه. ولما صنف المازني كتاب «الألف واللام»، سأل المبرد عن دقيقه وعويصه فأجابه بأحسن جواب، فقال له: قم فأنت المبرد- بكسر الراء- أي المثبت للحق، فغيره الكوفيون، وفتحوا الراء. قال نفطويه: ما رأيت أحفظ للأخبار بغير أسانيد منه. مات المبرد

ببغداد يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ست وثمانين ومائتين، وصلى عليه القاضي أبو محمد يوسف بن يعقوب. وله من التصانيف كتاب «معاني القرآن» ويعرف «بالكتاب التام»، وكتاب «الحروف في معاني القرآن إلى سورة طه» وكتاب «إعراب القرآن»، وكتاب «احتجاج القراء» وكتاب «معاني صفات الله تعالى» وكتاب «الكامل» وكتاب «الروضة»، وكتاب «المقتضب»، وكتاب «الاشتقاق»، وكتاب «التعازي»، وكتاب «الأنواء والأزمنة»، وكتاب «القوافي»، وكتاب «الخط والهجاء»، وكتاب «المدخل» إلى كتاب سيبويه، وكتاب «الرد على سيبويه» وكتاب «المقصور والممدود»، وكتاب «المذكر والمؤنث»، وكتاب «شرح شواهد كتاب سيبويه»، وكتاب «ضرورة الشعر»، وكتاب «نسيب عدنان وقحطان»، وكتاب «أدب الجليس»، وكتاب «العروض»، وكتاب «الممادح والمقابح»، وكتاب «الرياض المونقة»، وكتاب «أسماء الدواهي»، وكتاب «الجامع» لم يتمه، وكتاب «الوشى»، وكتاب «معنى (¬1) كتاب سيبويه»، وكتاب «معنى (¬2) كتاب الأخفش الأوسط»، وكتاب «شرح كلام العرب وتخليص (¬3) ألفاظها ومزاوجة كلامها وتقريب معانيها»، وكتاب «ما اتفقت ألفاظه واختلفت معانيه في القرآن»، وكتاب «طبقات النحويين البصريين» وغير ذلك. قال السيرافيّ: وكان بينه وبين ثعلب في المنافرة ما لا خفاء به، وأكثر أهل التحصيل يفضلونه. ¬

_ (¬1) كذا في: الفهرست لابن النديم، ومعجم الأدباء لياقوت، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة. وفي الأصل: «فقر كتاب سيبويه». (¬2) كذا في الفهرست لابن النديم، وانباه الرواة للقفطي، ومعجم الأدباء لياقوت، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة. وفي الأصل: «فقر كتاب الأخفش الأوسط». (¬3) كذا في: الفهرست لابن النديم، ومعجم الأدباء لياقوت. وفي الأصل: «تلخيص».

ولاشتهار عداوتهما نظمهما الشعراء فقال بعضهم: كفى حزنا أنّا جميعا ببلدة ... ويجمعنا في أرض برشهر مشهد (¬1) وكل لكلّ مخلص الودّ وامق ... ولكننا في جانب عنه نفرد نروح ونغدو لا تزاور بيننا ... وليس بمضروب لنا عنه موعد فأبداننا في بلدة والتقاؤنا ... عسير كأننا ثعلب والمبرد وقال بعضهم يفضله: رأيت محمد بن يزيد يسمو ... إلى الخيرات في جاه وقدر جليس خلائف وغذيّ ملك ... وأعلم من رأيت بكل أمر وينثر إن أجال الفكر درا ... وينثر لؤلؤا من غير فكر وكان الشعر قد أودى فأحيا ... أبو العباس دائر كل شعر وقالوا ثعلب رجل عليهم ... وأين النجم من شمس وبدر وقالوا ثعلب يفتى ويملي ... وأين الثعلبان من الهزبر وهذا في مقالك مستحيل ... تشبّه جدولا وشلا ببحر وقال: أيا طالب العلم لا تجهلن ... وعذ بالمبرد أو ثعلب تجد عند هذين علم الورى ... فلا تك كالجمل الأجرب علوم الخلائق مقرونة ... بهذين بالشّرق والمغرب ومن شعر المبرد: حبّذا ماء العناقي ... د بريق الغانيات بهما ينبت لحمي ... ودمي أيّ نبات أيها الطالب شيئا ... من لذيذ الشّهوات كل بماء المزن تفّا ... ح خدود ناعمات ¬

_ (¬1) برشهر: اسم لمدينة نيسابور بخراسان، والأبيات في معجم البلدان لياقوت 1/ 566.

ذكره المقريزي في «المقفى» ولخصت هذه الترجمة منه. وذكره شيخنا في «طبقات اللغويين والنحاة». 598 - محمد بن يزيد بن طيفور الإمام العلامة المفسر ركن الدين السجاوندي البسطامي. مؤلف «عيون المعاني»، ومختصره و «نور العيون في التفسير» و «الوقف والابتداء» [مات] تخمينا سنة ست وأربعين. 599 - محمد بن يزيد بن ماجة مولى ربيعة أبو عبد الله القزوينيّ الحافظ (¬1). صاحب «كتاب السنن». وماجة (¬2) لقب يزيد. ولد سنة تسع ومائتين، وارتحل إلى العراق والبصرة والري والكوفة وبغداد والشام ومصر في طلب الحديث. فسمع بمصر حرملة بن يحيى، وأبا الطاهر بن السرح، ومحمد بن رمح، ومحمد بن الحارث، ويونس بن عبد الأعلى. وسمع بدمشق هشام بن عمار، ودحيما، والعباس بن الوليد، والخلال، وعبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان، ومحمود بن خالد. ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في: البداية والنهاية لابن كثير 11/ 52، تاريخ قزوين للرافعي 165، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 636، تهذيب التهذيب لابن حجر 9/ 530، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 312، الرسالة المستطرفة للكتاني 12، العبر 2/ 51، مرآة الجنان لليافعي 2/ 188، مفتاح السعادة 2/ 139، المقفى 3 ورقة 229، والترجمة فيه بالنص، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 7، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 636. (¬2) قال الامام الرافعي: وماجة «لقب يزيد، والد أبي عبد الله. كذلك رأيت بخط أبي الحسن القطان، وهبة الله بن زاذان، وقد يقال: محمد بن يزيد بن ماجة». والأول أثبت (تاريخ قزوين للرافعي 165).

وبحمص محمد بن مصفى، وهشام بن عبد الملك. وبالعراق أبا بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن عبدة، وإسماعيل بن موسى الفزاري، وأبا خيثمة زهير بن حرب، وسويد بن سعيد، وخلقا. روى عنه أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان، وأبو عمر وأحمد ابن محمد بن إبراهيم بن حكيم، وأبو الطيب أحمد بن روح البغدادي. وكان عارفا بهذا الشأن، وله كتاب في «التفسير»، وكتاب «السنن»، وكتاب «التاريخ» إلى عصره، مات بقزوين عن أربع وستين سنة يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وتولى غسله محمد بن علي القهرمان، وإبراهيم بن دينار الوراق، وصلى عليه أخوه أبو بكر، وتولى دفنه أخوه الحسن وابنه عبد الله. قال ابن طاهر: من نظر في سننه، علم منزلة الرجل من حسن الترتيب، وغزارة الأبواب، وقلة الأحاديث، وترك التكرار، ولا يوجد فيه من النوازل والمقاطيع والمراسيل والرواية عن المجروحين إلا قد ما أشار إليه أبو زرعة. وهذا الكتاب وإن لم يشتهر عند أكثر الفقهاء، فإن له بالري وما والاها من بلاد الجيل وقوهستان ومازندران وطبرستان شأن عظيم، عليه اعتمادهم. وله عندهم طرق كثيرة. وقال أبو الحسن علي بن إبراهيم بن [سلمة] (¬1) القطان: جملة كتاب «السنن»، وهو اثنان وثلاثون كتابا فيها ألف باب وخمسمائة باب، في جملة الأبواب أربعة آلاف حديث. 600 - محمد بن يزيد الواسطي. ¬

_ (¬1) من العبر للذهبي.

معتزلي، له كتاب «إعجاز القرآن في نظمه (¬1) ..... » .. (¬2). 601 - محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن إدريس بن فضل الله بن الشيخ أبي إسحاق صاحب «التنبيه» الشيخ مجد الدين أبو الطاهر الشيرازي الفيروزآبادي (¬3). صاحب «القاموس». قال الحافظ ابن حجر: وكان الناس يطعنون في ذلك مستندين إلى أن الشيخ أبا إسحاق لم يعقب [ثم ارتقى] فادعى بعد أن ولي قضاء اليمن أنه من ذرية أبي بكر الصديق. قال الحافظ ابن حجر: ولم يكن مدفوعا عن معرفة، إلا أن النفس تأبى قبول ذلك. ولد في ربيع الآخر وقيل في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وسبعمائة بكازرون (¬4) من أعمال شيراز، ونشأ بها فحفظ القرآن، وانتقل إلى شيراز ¬

_ (¬1) اسمه في الفهرست لابن النديم ص 38: «كتاب اعجاز القرآن في نظمه وتأليفه». (¬2) بياض في الأصل. وقد ذكر ابن النديم صاحب الترجمة تحت عنوان الكتب المؤلفة في معاني شتى من القرآن ص 38 ولم يزد على ذلك. ثم ذكره مرة أخرى ص 172 باسم محمد بن زيد الواسطي، مصنف «اعجاز القرآن في نظمه وتأليفه»، وأطال في ترجمته. ولعل المصنف تبع ابن النديم في ذلك، فقد ذكره المصنف باسم محمد بن زيد الواسطي: وأطال في ترجمته، وانظر الترجمة 490، ثم ذكره المصنف هنا باسم محمد بن يزيد الواسطي، ووقف عند اسم كتابه كما فعل ابن النديم. (¬3) له ترجمة في: البدر الطالع للشوكاني 2/ 280، ذيل تذكرة الحفاظ 256، روضات الجنات 207، الضوء اللامع للسحاوي 10/ 79، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 116 أ، كشف الظنون لحاجي خليفة 14، 401، 502، 624، 749، 1306، 1351، 1859، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 119، المقفى للمقريزي ج 3 ورقة 231، هدية العارفين 2/ 180، 181. (¬4) كازرون: بتقديم الزاي وآخره نون مدينة بفارس بين البحر وشيراز (معجم البلدان لياقوت 4/ 225).

فأخذ اللغة والأدب عن والده، ثم عن قوام الدين عبد الله بن محمود وغيرهما من علماء شيراز، ثم دخل بغداد فأخذ عن تاج الدين محمد بن السباك، وقرأ عليه «المشارق» للصغاني، ثم ارتحل إلى دمشق، فأخذ بها على أكثر من مائة شيخ منهم التقي السبكي، ودخل القدس فقطن به نحو عشر سنين، وولي به تداريس وتصادير، وظهرت فضائله، وكثر الآخذون عنه، فكان ممن أخذ عنه الصلاح الصفدي، وأوسع في الثناء عليه. ثم دخل القاهرة، فكان ممن لقيه بها الجمال الإسنوي، والبهاء بن عقيل، وابن هشام، والعز بن جماعة، وابن نباتة، وغيرهم. وجال في البلاد الشمالية والمشرقية، ودخل الروم والهند، ولقي جمعا من الفضلاء، وحمل عنهم شيئا كثيرا، وسمع الكثير من مشايخ العراق والشام ومصر وغيرها. ومن مروياته الكتب الستة، و «سنن البيهقي»، و «مسند الإمام أحمد»، و «صحيح ابن حيان». وقرأ «صحيح مسلم» بدمشق على ناصر الدين محمد بن جهبل في ثلاثة أيام تجاه نعلي النبي صلى الله عليه وسلم، وتكررت مجاورته بمكة، وابتنى بها دارا على الصفا عملها مدرسة للأشرف صاحب اليمن وقرر بها مدرسين وطلبة، وفعل بالمدينة الشريفة كذلك، وله بمنى وغيرها دور. وجال في البلاد، ولقي بها الملوك والأكابر، ونال وجاهة ورفعة، واجتمع بتمرلنك في شيراز، وعظمه وأكرمه ووصله بنحو مائة ألف درهم، وارتحل إلى مكة ثم اليمن، ودخل زبيد فتلقاه سلطانها الأشرف إسماعيل بالقبول، وبالغ في إكرامه، وصرف له ألف دينار سوى الألف التي أمر بها ناظر عدن بتجهيزه بها، واستمر مقيما في كنفه على نشر العلم، فكثر الانتفاع به، وأضاف إليه قضاء اليمن كله بعد ابن العجيل، واستمر في وظيفته إلى حين وفاته، وهي مدة تزيد على عشرين سنة.

وكان الأشرف قد تزوج ابنته لمزيد جمالها، ونال منه برا ورفعة بحيث أنه صنف له كتابا وأهداه له على أطباق، فملأها له دراهم، وفي أثناء هذه المدة قدم مكة مرارا، فجاور بها وبالمدينة النبوية والطائف، وعمل بها مآثر حسنة لو تمت. ولم يكن قط دخل بلدا إلا وأكرمه متوليها مع المبالغة، مثل شاه منصور [بن (¬1)] شجاع صاحب تبريز، والأشرف صاحب مصر، والأشرف صاحب اليمن، وابن عثمان ملك الروم، وأحمد بن أويس صاحب بغداد، وتمرلنك الطاغية، وغيرهم. واقتنى من ذلك كتبا نفيسة حتى نقل الخياط أنه سمع الناصر أحمد بن اسماعيل يقول: إنه سمعه يقول: اشتريت كتبا بخمسين ألف مثقال ذهب، وكان لا يسافر إلا وصحبته منها عدة أحمال، ومن وسع دنياه كان يدفعها إلى من يمحقها بالإسراف في صرفها. وصنف الكثير، فمنه في التفسير «بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز» مجلدان، و «تنوير المقباس في تفسير ابن عباس» أربع مجلدات، و «تيسير فاتحة الإياب في تفسير فاتحة الكتاب» مجلد كبير، و «الدر النظيم المرشد إلى مقاصد القرآن العظيم»، و «حاصل كورة الخلاص (¬2) في فضائل سورة الإخلاص» و «شرح قطبة الخشاف (¬3) في شرح خطبة الكشاف». وفي الحديث «شوارق الأسرار العلية في شرح مشارق الأنوار النبوية» ¬

_ (¬1) من الضوء اللامع للسحاوي. (¬2) في الأصل: «الاخلاص». وأثبتنا ما في: البدر الطالع، والضوء اللامع، وكشف الظنون، وهدية العارفين، والمقفى. (¬3) في الأصل: «الحشاف». والمثبت في المقفى للمقريزي، والبدر الطالع، وهدية العارفين للبغدادي، وكشف الظنون لحاجي خليفة.

أربع مجلدات، و «منح (¬1) الباري بالسيح الفسيح الجاري في شرح صحيح البخاري» كمل منه ربع العبادات، ويخمن تمامه في أربعين مجلدا، و «عمدة الحكام في شرح عمدة الأحكام» مجلدان و «النفحة العنبرية في مولد خير البرية» و «الصلاة والبشر في الصلاة على خير البشر» و «أحاسن اللطائف في محاسن الطائف (¬2) و «منية السول في دعوات الرسول». وفي التاريخ «نزهة الأذهان في تاريخ أصبهان» مجلد، و «تعيين الغرفات للمعين على عين عرفات». وفي اللغة «اللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب» وزيادات امتلأ بها الوطاب واعتلى منها الخطاب ففاق كل مؤلف في هذا الباب، يقدر تمامه في مائة مجلد، كل مجلد يقرب من صحاح الجوهري» في المقدار، أكمله منه خمس مجلدات، و «القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من لغة العرب شماطيط» في جزءين ضخمين، وهو عديم النظير. قال التقي الكرماني: أمره والدي يعني الشيخ شمس الدين باختصاره فاختصره في مجلد ضخم، وفيه فوائد عظيمة، وفرائد كريمة، واعتراضات على الجوهري، وكان كثير الاعتناء بتصانيف الصغاني، وله في اللغة أيضا «تحبير المؤشّين فيما يقال بالسين والشين»، أخذه عنه البرهان الحلبي الحافظ، ونقل عنه أنه تتبع أوهام ابن فارس في «المجمل» في ألف موضع، مع تعظيمه لابن فارس وثنائه عليه، و «المثلث الكبير» في خمس مجلدات، و «الصغير»، و «الروض المسلوف فيما له اسمان الى ألوف»، و «الدرر المبثثة في الغرر ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وهو يوافق ما في: الضوء اللامع للسحاوي، والمقفى للمقريزي، وهدية العارفين، وكشف الظنون. وفي مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده: «فتح الباري». (¬2) في الأصل: «محاسن اللطاف». وأثبتنا ما في سائر مصادر الترجمة.

المثلثة» (¬1)، و «تحفة القماعيل فيمن يسمى من الملائكة والناس إسماعيل» و «ترقيق الأسل في تصفيق العسل» في كراريس و «مزاد المزاد وزاد المعاد» إلى غير ذلك من مؤلفاته التي تبلغ في العدد خمسين تقريبا. قال الحافظ ابن حجر: ولما صنف «شرح البخاري» ملأه بغرائب النقول، ولما اشتهرت مقالة ابن عربيّ باليمن، صار يدخل منها فيه، فشأنه بذلك، ولم يكن متّهما بالمقالة المذكورة إلا أنه كان يحبّ المداراة، انتهى وفيه نظر. وسئل بالروم عن قول علي رضى الله عنه لكاتبه: «الصق روانفك بالجبوب، وخذ المزبر بشناترك، واجعل حندورتيك إلى قيهلي، حتى لا أنغى نغية إلا أودعتها حماطة جلجلانك»، ما معناه؟ فأجاب: الزق عضرطك بالصّلة وخذ المصطر بأباخسك؛ واجعل جحمتيك إلى أثعباني، حتى لا أنبس نبسة إلا وعيتها في لمظة رياطك. فتعجب الحاضرون من سرعة الجواب بما هو أبدع وأغرب من السؤال. قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى بعد أن أورد ذلك في ترجمته في «طبقات النحاة» ما نصه، قلت: الروانف: المقعدة، والجبوب: الأرض، والمزبر: القلم، والشناتر: الأصابع، والحندورتان: الحدقتان. وقيهلي: أي وجهي، وأنغي. أي انطق، والحماطة: الحبة، والجلجلان: القلب. ومن شعره: ¬

_ (¬1) في الأصل: «الدرر المثلثة في الغر المثلثة» تحريف. وأثبتنا ما في: الضوء اللامع للسحاوي، والمقفى للمقريزي، وكشف الظنون لحاجي خليفة، وهدية العارفين للبغدادي.

أخلانا الأماجد إن رحلنا ... ولم ترعوا لنا عهدا وإلّا (¬1) نودّعكم ونودعكم قلوبا ... لعلّ الله يجمعنا وإلّا ولم يزل مقيما بزبيد على علو مكانته، وسأل سلطانها العود إلى مكة فما مكنه، معللا باحتياج بلاده إليه، إلى أن مات بها ليلة العشرين من شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة، وقد ناهز التسعين، وهو ممتع بحواسه، وكان يرجو وفاته بمكة، فما قدر الله له ذلك. 602 - محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبيّ محبّ الدين ناظر الجيش (¬2). قال الحافظ ابن حجر: ولد سنة سبع وتسعين وستمائة، واشتغل ببلاده، ثم القاهرة، ولازم أبا حيّان، والجلال القزوينيّ، والتّاج التّبريزيّ، وغيرهم. وتلا بالسّبع على التّقيّ الصائغ، ومهر في العربيّة وغيرها، ودرّس فيها وفي «الحاوي». وسمع الحديث من الحجّار، ووزيرة، وجماعة، وحدّث وأفاد، وخرّج له الياسوفيّ مشيخة. ودرّس بالمنصورية في التفسير، وكان له في الحساب يد طولى، ثم ولي نظر الجيش وغيره، ورفع قدره. وكان عليّ الهمّة، نافذ الكلمة، كثير البذل والجود. ¬

_ (¬1) مقدمة القاموس ص 4. (¬2) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 147، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 537، الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 61، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 284، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 143.

ومن العجائب أنّه مع فرط كرمه وبذله الآلاف في غاية البخل على الطعام، حتى كان يقول: إذا رأيت شخصا يأكل طعامي أظنّ أنه يضربني بسكين. وبالجملة كان من محاسن الدنيا مع الدين والصّيانة واللطف والظرف. شرح «التلخيص» و «التسهيل» إلا قليلا، واعتنى بالأجوبة الجيّدة عن اعتراضات أبي حيان. وقال ابن العميد: كان إماما في العربية والتفسير، وله مباحث جيدة دقيقة، واعتراضات وأجوبة، وكان نسيج وحده، ووحيد عصره، وفريد دهره، وكان فيه رئاسة وحشمة ومروءة كاملة، وتعصب مع من يعرف ومن لا يعرف، وفيه ديانة وصيانة، وكان من محاسن الدنيا لكمال أدواته وعلومه، مع الكرم المفرط والمروءة التامة. مات في يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 603 - محمد بن يوسف بن بندار. له كتاب «علم نكت القرآن» لخصه من كتاب أبي الحسن علي بن عيسى البغدادي النحوي. 604 - محمد بن يوسف بن سعادة (¬1). من أهل سبتة، وسكن شاطبة، كنيته أبو عبد الله. سمع أبا علي الصدفي، وأبا محمد بن عتاب، وأبا بحر الأسدي، وأبا الوليد بن رشد، وأبا بكر بن العربي، وأبا عبد الله بن الحاج. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 132، الديباج المذهب لابن فرحون 287.

وأخذ الفقه وعلم الكلام عن أبي الحجاج بن زياد الميورقي، وكتب إليه أبو بكر الطرطوشي، ولقي أبا عبد الله المازريّ وسمع منه. وكان عارفا بالسنن والآثار، والتفسير، والفروع، والأدب، وعلم الكلام، مائلا إلى التصوف، وكان بليغا خطيبا ينشئ الخطب. وولى خطة الشورى بمرسية مضافة إلى الخطبة بجامعها، وأخذ في إسماع الحديث وتدريس الفقه، وولي القضاء بها، ثم ولي قضاء شاطبة واتخذها وطنا. وألف كتاب «شجرة الوهم المرقية إلى ذروة الفهم» لم يسبق إلى مثله، وليس له غيره. وجمع فهرسة حافلة. وذكره ابن عباد، ووصفه بالتفنن في المعارف، والرسوخ في الفقه وأصوله، والمشاركة في علم الحديث والأدب. وقال: كان صليبا في الأحكام، مقتفيا للعدل، حسن الخلق والخلق، جميل المعاملة، لين الجانب. قال: ولم يكن عند شيوخنا مثل كتبه في صحتها وإتقانها وجودتها، ولا كان فيهم من رزق عند الخاصة والعامة من الحظوة والذكر وجلالة القدر ما رزقه. توفي في منسلخ ذي الحجة من سنة خمس وستين وخمسمائة. ومولده بمرسية في شهر رمضان سنة ست وتسعين وأربعمائة. 605 - محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمد بن خلف بن غالي بن محمد بن تيم (¬1). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: ايضاح المكنون للبغدادي 1/ 385، الضوء اللامع للسحاوي 6/ 142، عنوان الزمان للبقاعي 3/ 446، نيل الابتهاج للسبتي 196، هدية العارفين للبغدادي 1/ 792، 793، واسمه فيها جميعا: «عمر بن يوسف».

الشيخ الإمام العالم ذو الفنون العديدة سراج الدين أبو علي بن أبي كامل ابن العلامة جمال الدين العفيفي- نسبة إلى عفيف الدين أحد أجداده- القبائلي اللخمي السكندري المعروف بالبسلقوني المالكي. شيخ الفقراء الأحمدية. ولد في شعبان سنة إحدى وستين وسبعمائة بثغر اسكندرية، فخرج به جده إلى إقطاعه، قرية البسلقون تحت اسكندرية بقليل. فأقام بها إلى أن توفي جده، وقرأ بها القرآن، قال: وقد حفظت البقرة في يوم واحد. ثم رحل به والده إلى الثغر وعمره نحو العشرة، ثم رجع والدة إلى البسلقون، وتخلف هو بالثغر لطلب العلم، فحفظ «رسالة» ابن أبي زيد، و «الشاطبية» و «ألفية ابن مالك» وعرضهم. ثم شمر عن سلق الجد فأخذ الفقه عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن صالح بن حسن اللخمي، والشيخ شمس الدين بن علي الفلاحي، والنحو عنه وعن الشيخ منصور بن عبد الله المغربي، وأصول الفقه عن شمس الدين محمد بن يعقوب الغماري المالكي، وأصول الدين عن الشيخ محيي الدين الهني، وانتفع به كثيرا، والمعاني والبيان عن السراج عمر بن نبوه الطندتاوي، وقرأ القراءات العشر على الشيخ وجيه الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن ناصر الدين أبي علي منصور بن محمد بن سعد الدين الفكيري، مكبرا، خطيب الجامع الأعظم الغربي بالثغر، وأجاز له ابن عرفة. خدم العلم الخدمة الزائدة، ودأب الدأب البليغ، وعلق التعاليق والفوائد، وصنّف في أنواع العلوم، وكتب الخط المنسوب، ثم حصل لعينيه ضرر في حدود سنة خمس وثلاثين، وكان لا يبصر إلا قليلا. ونظم المنظومات المتباينة، فمن تصانيفه «الجوهرة الثمينة في مذهب عالم المدينة» نظمها من بحر الرجز في نحو الستمائة بيت، و «أرجوزة أخرى محتوية

على العبادات» في نحو خمسين بيتا، ونظم في الفرائض أراجيز أحسنها «تحفة الفرائض» مائة واثنان وسبعون بيتا، وشرحها في مجلد، و «بهجة الفرائض» تسعين بيتا، وشرحها في نحو أربعة كراريس، ونظم في العربية قصيدة على نحو الشاطبية في مائة بيت، غريبة في فنها، سماها بعض أصحابه «العمرية» و «أرجوزة» ضمنها ما في «التلخيص» مع الزيادة عليه، في مائتي بيت ونيف وعشرين بيتا، ونظم في العربية أراجيز كثيرة وأفرد أصول قراءة أبي عمرو في بحر «الشاطبية» ووزنها، وكان كثير النظم، و «فسر الفاتحة»، ومن أول سورة النبأ إلى آخر القرآن، في مجلد، سماه أصحابه «سراج الأغراب في التفسير ومعاني الإعراب» شحنه فوائد وأجاد فيه. و «شرح منظومة ابن الشحنة» في المعاني والبيان، في مجلد. أجاز له السراج البلقيني، والحافظان العراقي والهيثمي، وعبد الرحمن بن أحمد بن مبارك الغزي المعروف بابن الشيخة ... (¬1). 606 - محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمود شمس الدين أبو عبد الله الجزري (¬2). الفقيه الشافعي، النحوي، الخطيب. ولد بجزيرة ابن عمر سنة سبع وثلاثين وستمائة. وقدم مصر، فسكن قوص، وقرأ على الأصفهاني، وأتقن الفنون، ثم قدم القاهرة ودرّس بمدرسة الشريف بن ثعلب، والصاحبية، والشريفية. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل. وفي الضوء اللامع للسحاوي: وأجاز له البلقيني، وابن الشيخة، وكان حيا سنة 844 هـ. ورأيت ابن عزم أرخ وفاته سنة 842 هـ، ووصفه بشيخنا. (¬2) له ترجمة في: تاريخ علماء بغداد للخطيب البغدادي 211، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 544، الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 67، ذيل العبر 63، السلوك للمقريزي ج 2 ق 1 ص 114، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 31 (ط. الحسينية)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 69 أ، المقفي للمقريزي 3 ورقة 238 والترجمة فيه بالنص، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 9/ 221، هدية العارفين 2/ 142.

وسمع من أبي المعالي الأبرقوهي، وغيره، وانتصب للإقراء، فقرأ عليه المسلمون واليهود والنصارى، وولي خطابه الجامع الطولوني، وخطابة جامع الصالح خارج باب زويلة، وولي تدريس المعزية بمصر، بعد شمس الدين محمد بن يوسف بن أبي بكر بن القوام المحوجب، في سنة إحدى عشرة وسبعمائة فدرس بها، مرة واحدة، ثم مرض حتى مات يوم الخميس سادس ذي القعدة سنة إحدى عشرة وسبعمائة، ودفن بالقرافة. وقرأ عليه الشيخ تقي الدين السبكي، وروى عنه، وعرض عليه قضاء دمشق، فحلف بالطلاق لا يليه. وكان إماما في الأصلين، والمنطق، والخلاف، وعامة العلوم العقلية والفقهية، وله يد طولى في تفسير القرآن وعلم البيان، والطب. وكان حسن الصورة، مليح الشكل، حلو العبارة، كريم الأخلاق، ساعيا في قضاء حوائج الناس. وله «شرح ألفية ابن مالك»، و «شرح التحصيل»، و «شرح منهاج البيضاوي»، و «ديوان شعر» ومنه وقد دخل يعود المجد ابن دقيق العيد: حاشاك أن يعتريك سقم ... تبيت من مسه نحيلا (¬1) أصبحت مثل النسيم لطفا ... لذاك قالوا غدا عليلا ذكره الشيخ تقي الدين المقريزي في «المقفي»، والحافظ ابن حجر في «الإنباء» وشيخنا في طبقات «اللغويين والنحاة». 607 - محمد بن يوسف بن علي بن سعيد الكرماني ثم البغدادي الشيخ شمس (¬2) الدين. ¬

_ (¬1) البيتان في المقفى للمقريزي. (¬2) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 1/ 299، البدر الطالع للشوكاني 2/ 292، الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 77، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 106 أ، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/ 303.

صاحب «شرح البخاري». الإمام العلامة في الفقه، والحديث، والتفسير، والأصلين، والمعاني، والعربية. قال ابنه في «ذيل المسالك»: ولد يوم الخميس سادس عشري جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة. وقرأ على والده بهاء الدين، ثم انتقل إلى كرمان، وأخذ عنه العضد، ولازمه اثنتي عشرة سنة. وقرأ عليه تصانيفه، وأخذ عن غيره أيضا. ومهر وفاق أقرانه، وفضل غالب أهل زمانه، ثم دخل دمشق، ومصر وقرأ بها «البخاريّ» على ناصر الدين الفارقي، وسمع من جماعة، وحج ورجع إلى بغداد، واستوطنها. وكان تام الخلق، فيه بشاشة وتواضع للفقراء وأهل العلم، غير مكترث بأهل الدنيا، ولا ملتفت إليهم، يأتي إليه السلاطين في بيته، ويسألونه الدعاء والنصيحة. وصنف كتبا في علوم شتى، منها في العربية والكلام والمنطق، و «شرح البخاري» شرحا جيدا في أربعة مجلدات، و «شرح المواقف» وشرح «مختصر ابن الحاجب»، في ثلاثة مجلدات، يذكر فيه عبارات الشراح برمز، وذكر من شروح الكتاب المشهورة سبعة شروح، و «سماها الكواكب السبعة السيارة» و «شرح الفوائد الغيائية في المعاني والبيان»، «شرح الجواهر»، و «أنموذج الكشاف»، و «حاشية على تفسير البيضاوي»، وصل فيها إلى سورة يوسف، و «رسالة في مسألة الكحل»، وغير ذلك. وكان مشارا إليه بالعراق وتلك البلاد في العلم، وتصدّى لنشر العلم ببغداد ثلاثين سنة، قانعا باليسير، شريف النفس، متواضعا، بارّا لأهل العلم، متكبّرا على أهل الدنيا.

توفي راجعا من الحج، بكرة يوم الخميس سادس عشر المحرم سنة ست وثمانين وسبعمائة، فنقل إلى بغداد فدفن بمقبرة باب أبرز عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، بوصية منه في موضع أعده لنفسه، ثم بنى عليه ابنه هناك قبة ومدرسة. ذكره ابن قاضي شهبة، ثم شيخنا في «طبقات النحاة». 608 - محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان الإمام أثير الدين أبو حيان الأندلسي الغرناطي (¬1). النفزيّ، نسبة إلى نفزة قبيلة من البربر. نحوي عصره، ولغويه، ومفسّره، ومحدثه، ومقرئه، ومؤرخه، وأديبه. ولد بمطخشارش، مدينة من حضرة غرناطة في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة. وأخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطباع، والعربية عن أبي الحسن الأبّذيّ، وأبي جعفر بن الزبير، وابن أبي الأحوص، وابن الصائغ، وأبي جعفر اللبليّ. وبمصر عن البهاء بن النحاس، وجماعة. وتقدم في النحو، وأقرأ في حياة شيوخه بالمغرب، وسمع الحديث بالأندلس وإفريقية والإسكندرية ومصر والحجاز. من نحو أربعمائة وخمسين ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البدر الطالع للشوكاني 2/ 288، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 534، الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 70، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي 23، ذيل العبر 245، الرسالة المستطرفة 101، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 31 (ط. الحسينية)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة، 87 أ، المقفى للمقريزي 3 ورقة 241، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 10/ 111.

شيخا؛ منهم أبو الحسين بن ربيع، وابن أبي الأحوص، والرضي الشاطبيّ (¬1)، والقطب القسطلاني، والعزّ الحرّانيّ. وأجاز له خلق من المغرب والمشرق؛ منهم الشرف الدمياطي، والتقي ابن دقيق العيد، والتقي ابن رزين، وأبو اليمن بن عساكر. وأكب على طلب الحديث وأتقنه وبرع فيه، وفي التفسير، والعربية، والقراءات، والأدب، والتاريخ، واشتهر اسمه، وطار صيته، وأخذ عنه أكابر عصره، وتقدموا في حياته، كالشيخ [تقي الدين السبكي، وولديه، والجمال الاسنوي، وابن قاسم، وابن عقيل] والسمين، وناظر الجيش، والسفاقسي وابن مكتوم، وخلائق. قال الصفدي: لم أره قط إلا يسمع أو يشغل، أو يكتب أو ينظر في كتاب، وكان ثبتا قيما عارفا باللغة؛ وأما النحو والتصريف فهو الإمام المجتهد المطلق فيهما، خدم هذا الفن أكثر عمره، حتى صار لا يدركه أحد في أقطار الأرض فيهما غيره. وله يد طولى في التفسير والحديث، وتراجم الناس ومعرفة طبقاتهم، خصوصا المغاربة وأقرأ [الناس] قديما وحديثا، وألحق الصغار بالكبار، وصارت تلامذته أئمة وأشياخا في حياته، والتزم ألا يقرئ أحدا إلا في «كتاب سيبويه»، أو «التسهيل» أو مصنفاته. وكان سبب رحلته عن غرناطة أنه حملته حدة الشبيبة على التعرض للأستاذ أبي جعفر بن الطباع، وقد وقعت بينه وبين أستاذه أبي جعفر بن ¬

_ (¬1) في الأصل: «والرضى والشاطبي»، والمثبت في بغية الوعاة، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة.

الزبير واقعة، فنال منه وتصدى لتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته، فرفع أمره إلى السلطان، فأمر بإحضاره وتنكيله فاختفى، ثم ركب البحر، ولحق بالمشرق. وذكر هو في كتاب «النضار» الذي ألفه في ذكر مبدئه واشتغاله وشيوخه ورحلته، أن مما قوى عزمه على الرحلة عن غرناطة أن بعض العلماء بالمنطق والفلسفة والرياضي والطبيعي قال للسلطان: إني قد كبرت وأخاف أن أموت، فأرى أن ترتب لي طلبة أعلمهم هذه العلوم، لينفعوا السلطان من بعدي. قال أبو حيان: فأشير إلى أن أكون من أولئك. قال الصفدي: وقرأ على العلم العراقي، وحضر مجلس الأصبهاني، وتمذهب للشافعي، وكان أبو البقاء يقول: إنه لم يزل ظاهريا. قال الحافظ ابن حجر: كان أبو حيان يقول: محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه. قال الأدفوي: وكان يفخر بالبخل كما يفخر الناس بالكرم، وكان ثبتا صدوقا حجة سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم، ومال إلى مذهب أهل الظاهر وإلى محبة علي بن أبي طالب، كثير الخشوع والبكاء عند قراءة القرآن وكان شيخا طوالا حسن النغمة، مليح الوجه، ظاهر اللون، مشربا بحمرة، منور الشيبة، كبير اللحية، مسترسل الشعر. وكان يعظم الشيخ تقي الدين بن تيمية، ثم وقع بينه وبينه في مسألة نقل فيها أبو حيان شيئا عن سيبويه، فقال ابن تيمية: وسيبويه كان نبي النحو! لقد أخطأ سيبويه في ثلاثين موضعا من كتابه، فأعرض عنه ورماه في تفسيره «النهر» بكل سوء.

قال الصفدي: وكان له إقبال على الطلبة الأذكياء، وعنده تعظيم لهم، وهو الذي جسر الناس على مصنفات ابن مالك ورغبهم في قراءتها، وشرح لهم غامضها، وخاض بهم لججها. وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب: هذه نحو الفقهاء. تولى تدريس التفسير بالمنصورية، والإقراء بجامع الأقمر، وكانت عبارته فصيحة، لكنه في غير القرآن يعقد القاف قريبا من الكاف. وله من التصانيف: «البحر المحيط في التفسير»، «النهر» مختصره، «إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب»، «التذييل والتكميل في شرح التسهيل»، «مطول الارتشاف ومختصره» مجلدان. قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى: ولم يؤلف في العربية أعظم من هذين الكتابين، ولا أجمع ولا أحصى للخلاف والأقوال، «التنحيل الملخص من شرح التسهيل» للمصنف وابنه بدر الدين، «الإسفار الملخص من شرح سيبويه للصفار»، «التجريد لأحكام كتاب سيبويه»، «التذكرة في العربية» أربع مجلدات كبار، «التقريب»، «مختصر المقرب»، «التدريب في شرحه»، «المبدع في التصريف»، «غاية الإحسان» في النحو، «شرح الشذا في مسألة كذا»، «اللمحة» و «الشذرة» كلاهما في النحو، «الارتضاء في الضاد والظاء»، «عقد اللآلي في القراءات» على وزن الشاطبية وقافيتها، «الحلل الحالية في أسانيد القرآن العالية»، «نحاة الأندلس»، «الأبيات الوافية في علم القافية»، «منطق الخرس في لسان الفرس»، «الإدراك للسان الأتراك». ومما لم يكمل «شرح الألفية»، «نهاية الإغراب في التصريف والإعراب»، أرجوزة، «نور الغبش في لسان الحبش»، «مجاني الهصر في تواريخ أهل العصر»، وله «ديوان شعر».

وحدث، فسمع منه الأئمة العلماء والحفاظ وغيرهم، وأضر قبل موته بقليل. مات بالقاهرة في صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة، ودفن بمقابر الصوفية. ومن شعره: عداي لهم فضل عليّ ومنّة ... فلا أذهب الرحمن عنّي الأعاديا (¬1) هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا ومنه: سبق الدمع بالمسير المطايا ... إذ نوى من أحبّ عني نقله وأجاد السطور في صفحة الخ ... د ولم لا يجيد وهو ابن مقله ومنه: راض حبيبي عارض قد بدا ... يا حسنه من عارض رائض (¬2) وظن قوم أن قلبي سلا ... والأصل لا يعتد بالعارض 609 - محمد بن يوسف بن علي أبو الفضل الغزنوي (¬3). الحنفي، المقرئ، ناقل، فقيه، مفسر. ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. وسمع في صغره من أبي بكر قاضي المارستان، وأبي منصور بن خيرون، وقرأ الروايات على أبي محمد سبط الخياط، وأبي الكرم الشهرزوري. قرأ عليه العلامتان أبو الحسن السخاوي، وأبو عمرو بن الحاجب، والكمال الضرير، والحافظان ابن خليل، والضياء، والرشيد العطار. ومات ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 72. (¬2) الدرر الكامنة 5/ 71. (¬3) له ترجمة في: الجواهر المضيئة لعبد القادر القرشي 2/ 147، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 286.

بالقاهرة في نصف ربيع الأول سنة تسع وتسعين وخمسمائة. ذكره ابن الجزري «في طبقات القراء». 610 - محمد بن يوسف بن محمد بن علي العلوي الحسيني أبو القاسم الحنفي (¬1). من أهل سمرقند. قال أبو سعد: إمام فاضل، عالم بالتفسير، والحديث، والفقه، والوعظ، قدم علينا مرو، منصرفا من الحج سنة ثلاث وأربعين، وأقام ببغداد مدة. ومات سنة ست وخمسين وخمسمائة، وقيل: قتل صبرا بسمرقند. وكان يبسط لسانه في حق الأئمة والعلماء. ذكره القرشي. 611 - محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم التركي الفريابي (¬2). بكسر الفاء وسكون الراء بعدها تحتانية وبعد الألف موحدة. نزيل قيسارية من مدائن الشام. الثقة الحافظ العابد شيخ الشام أبو عبد الله، حدث عن عمر بن ذر، والأوزاعي، والثوري، وجرير بن حازم، وخلق. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الجواهر المضيئة لعبد القادر القرشي 2/ 147. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 376، تهذيب التهذيب لابن حجر 9/ 535، الرسالة المستطرفة للكتاني 67، العبر 1/ 363، الفهرست لابن النديم 38، 229، اللباب لابن الأثير 2/ 211، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 204، هدية العارفين للبغدادي 2/ 10.

وعنه ابن وارة، والبخاري، وعباس الترقفي، وعبد الله بن محمد بن سعيد ابن أبي مريم، وأمم سواهم. قال البخاري: كان من أفضل أهل زمانه. وقال ابن زنجويه: ما رأيت أورع منه. وقال محمد بن سهل بن عسكر: استسقى بنا الفريابي فما أنزل يديه حتى مطرنا. وقال الدارقطني: هو مقدم على قبيصة والثوري، لفضله ونسكه. مات في سنة اثنتي عشرة ومائتين. وقد ارتحل إليه أحمد بن حنبل فبلغه موته فرجع من حمص. وله كتاب «التفسير»، رواه عنه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، كتاب «الطهارة»، كتاب «الصلاة»، كتاب «الصيام»، كتاب «الزكاة»، كتاب «المناسك»، وعلى هذا، إلى أن يستغرق كتب الفقه، كتاب «ترك المراء عن القرآن». خرج له الجماعة. 612 - محمد بن ... (¬1) النسفي. أمة في الجدليات. روى «المصابيح» عن الكردري، عن الطرازي، عن مؤلفه أبي الحسين البغوي. وصنف «تفسيرا» كثيرا الفوائد، و «مقدمة النظر والأصولين»، و «الإعياء في المنطق» وتهذيب (¬2). وكان زاهدا، منقطعا، لم يل منصبا قط. ذكره الجعبري المقرئ في شيوخه، ولم يؤرخ وفاته ولا مولده. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل. (¬2) كذا في الأصل، ولم أهتد اليها فيما بين يدي من مراجع.

ذكر بقية حرف الميم على الترتيب

ذكر بقية حرف الميم على الترتيب 613 - مالك بن أنس (¬1). ابن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان- بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية- بن خثيل- بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة وسكون التحتية ولام، وقيل بالجيم- بن عمرو بن الحارث، وهو ذو أصبح- الذي ينسب إليه السياط الأصبحية- بن سويد بن عمرو بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهل بن عمر بن قيس بن معاوية بن جشم (¬2) بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن غريب بن زهير بن أيمن (¬3) بن هميسع بن حمير الأكبر بن سبأ الأكبر، واسمه عبد شمس، وإنما سمي سبأ لأنه أول من سبي وغزا القبائل،- بن يعرب- وإنما سمي يعربا لأنه أوّل من أقام اللسان العربي- بن يشجب بن قحطان. قال الزبير بن بكار: وزعم نسابو أهل اليمن أن قحطان: هو يقطن بن عابر وهو هود عليه السّلام. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني ورقة 41 أ، البداية والنهاية لابن كثير 10/ 174 تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 207 تهذيب التهذيب لابن حجر 10/ 5، جمهرة الانساب لابن حزم 435، حلية الأولياء للأصبهاني 6/ 316، الديباج المذهب لابن فرحون 17، الرسالة المستطرفة 13، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 35، الفهرست لابن النديم 198، اللباب 1/ 55، 3/ 86، مرآة الجنان 1/ 373، مروج الذهب للمسعودي 3/ 350، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 96، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 284. (¬2) في الأصل: «جثيم». وأثبتنا ما في جمهرة الأنساب لابن حزم ووفيات الأعيان لابن خلكان. (¬3) كذا في جمهرة الأنساب لابن حزم، ووفيات الأعيان. وفي الأصل: «أنس».

ويزعم نسابو أهل الحجاز، أن قحطان بن تيمن بن قيس بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام، أبو عبد الله المدني الأصبحي الفقيه إمام دار الهجرة شيخ الإسلام، رأس المتقنين، وكبير المفتين. حدث عن نافع، والمقبري، ونعيم المجمر، والزهري، وعامر بن عبد الله بن الزبير، وابن المكندر، وعبد الله بن دينار، وخلق كثير. حدث عنه أمم لا يكادون يحصون، منهم: ابن المبارك، والقطان، وابن مهدي، وابن وهب، وابن القاسم، والقعنبي، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وسعيد (¬1) بن منصور؛ ويحيى بن يحيى النيسابوري، ويحيى بن يحيى الأندلسي، ويحيى بن بكير، وقتيبة بن سعيد، وأبو مصعب الزهري. ومن أئمة المذاهب المتبوعين، أبو حنيفة، والشافعي، والأوزاعي، وسفيان الثوري. ومن الخلفاء أمراء المؤمنين المنصور، والمهدي، والهادي، والرشيد، والأمين، والمأمون. ومن أقرانه جماعة، ومن شيوخه جماعة، منهم: الزهري، ويزيد بن عبد الله بن الهادي، وربيعة، ويحيى بن سعيد، وخاتمة أصحابه أبو حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي. وقد رأى مالك عطاء بن أبي رباح لما قدم المدينة. وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قلت لأبي من أثبت أصحاب الزهري؟ قال: مالك أثبت في كل شيء. ¬

_ (¬1) في الأصل: «سعد بن منصور» والمثبت في تذكرة الحفاظ للذهبي. وهو سعيد بن منصور الحافظ أبو عثمان المروزي، صاحب السنن، سمع مالكا وغيره، مات سنة 227 (تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 416).

وقد روى الترمذي وحسّنه من حديث أبي هريرة مرفوعا: (يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة)، وقد روى ابن عيينة، أنه مالك بن أنس، وكذا قال ابن جريج وعبد الرازق، وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يقدم على مالك أحدا. وقال الشافعي: لولا مالك والليث لضللنا. وقال شعبة: قدمت المدينة بعد موت نافع بسنة، فإذا لمالك حلقة. قال أبو مصعب: سمعت مالكا يقول: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك. وقال الشافعي: ما في الأرض كتاب في العلم أكثر صوابا من «موطأ» مالك. وقال أشهب: كان مالك إذا اعتمّ [جعل (¬1)] منها تحت ذقنه وسدل طرفيها بين كتفيه. وقال مصعب: كان مالك يلبس الثياب العدنية الجياد، ويتطيب. وقال القعنبي: كنت عند ابن عيينة، فبلغه نعي مالك فحزن، وقال: ما ترك على ظهر الأرض مثله. وقال ابن معين: مالك أحب إليّ في نافع من أيوب وعبيد الله. وقال وهيب: إمام أهل الحديث مالك. وقال أحمد بن الخليل: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: إذا اجتمع الثوري ومالك والأوزاعي على أمر فهو سنّة، وإن لم يكن فيه نص. ¬

_ (¬1) من تذكرة الحفاظ للذهبي.

وروى سعيد بن أبي مريم عن أشهب بن عبد العزيز قال: رأيت أبا حنيفة بين يدي مالك كالصبي بين يدي أمّه (¬1)، فهذا يدل على حسن أدب أبي حنيفة وتواضعه مع كونه أسنّ من مالك بثلاث عشرة سنة. إسماعيل القاضي، حدثنا أبو منصور، سمعت مالكا يقول: دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين وهو على فراشه، وإذا صبي يخرج ثم يرجع، فقال لي: أتدري من هذا؟ فقلت: لا، قال: ابني وإنما يفزع من هيبنا، قال: ثم ساءلني عن أشياء منها حلال ومنها حرام، ثم قال لي: والله أنت أعقل الناس وأعلم الناس، قلت لا والله يا أمير المؤمنين. قال: بلى ولكنك تكتم، لئن بقيت لأكتبنّ قولك كما تكتب المصاحف، ولأبعثنّ به إلى الآفاق فأحملهم عليه. ابن وهب. قال مالك: سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة، ما حدثت بها قط، ولا أحدّث بها. نصر بن علي الجهضمي. حدثني حسين بن عروة قال: قدم المهدي فبعث إلى مالك بألفي دينار أو قال بثلاثة آلاف دينار، ثم أتاه الربيع فقال: إن أمير المؤمنين يحبّ أن تعاد له إلى مدينة السلام: فقال مالك: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) والمال عندي على حاله. قال ابن سعد: حدثني محمد بن عمر قال: كان مالك يأتي المسجد يشهد الصلوات والجنائز، ويعود المرضى، ويقضي الحقوق؛ ويجلس في المسجد. ثم ترك الجلوس فيه فكان يصلي وينصرف، وترك شهود الجنائز ¬

_ (¬1) هذه الحكاية خطأ، فان أبا حنيفة توفي وأشهب صبي له نحو خمس سنين، فان صح السند فلعل الصواب «رأيت محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة». (هامش تذكرة الحفاظ 1/ 209).

فكان يأتي أصحابها فيعزيهم، ثم ترك ذلك كله والصلوات في المسجد والجمعة، واحتمل الناس ذلك كله، فكانوا أرغب ما كانوا فيه وأشد تعظيما، وكان ربما كلّم في ذلك فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره. وكان مجلسه [مجلس (¬1)] وقار وحلم وعلم، وكان رجلا مهيبا نبيلا، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط ولا رفع صوت، وكان الغرباء يسألونه عن الحديث، فلا يجيب إلّا في الحديث بعد الحديث، وربما أذن لبعضهم يقرأ عليه. وكان له كاتب قد نسخ كتبه يقال له حبيب، يقرأ للجماعة، فليس أحد ممن يحضره يدنو ولا ينظر في كتابه ولا يستفهم، هيبة لمالك وإجلالا، وكان إذا أخطأ حبيب فتح عليه مالك. مطرف بن عبد الله. سمعت مالكا يقول: الدنوّ من الباطل هلكة، والقول بالباطل بعد عن الحق، ولا خير في شيء وإن كثر من الدنيا بفساد دين المرء ومروءته. قال حرملة، حدثنا ابن وهب قال: قال لي مالك: العلم ينقص ولا يزيد، ولم يزل ينقص بعد الأنبياء والكتب. عبد الله بن يوسف. سمعت مالكا يقول: ما أدركت فقهاء بلدنا إلا وهم يلبسون الثياب الحسان. مصعب الزبيري. قال: سأل هارون مالكا وهو في منزله ومعه بنوه أن يقرأ عليهم. فقال: ما قرأت على أحد منذ زمان. وإنما يقرأ عليّ، قال ¬

_ (¬1) من تذكرة الحفاظ للذهبي.

هارون: أخرج الناس عني حتى أقرأ أنا عليك، فقال: إذا منع العام لبعض الخاص لم ينتفع الخاص وأمر معن بن عيسى فقرأ. قال إسماعيل بن أبي أويس: كان خالي مالك لا يفتي حتى يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. إسماعيل القاضي. سمعت أبا مصعب يقول: لم يشهد مالك الجماعة خمسا وعشرين سنة، فقيل له: ما يمنعك؟ قال: مخافة أن أرى منكرا فأحتاج أن أغيّره. قال مطرف: قال لي مالك: ما يقول الناس فيّ؟ قلت: أما الصديق فيثني، وأما العدو فيقع، قال: ما زال الناس كذلك، ولكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة كلها. ابن وهب. حججت سنة ثمان وأربعين وصائح يصيح: لا يفتي الناس إلا مالك وعبد العزيز بن الماجشون. إسحاق بن موسى. حدثنا معن قال: كان مالك يتحفظ من الياء والتاء في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال الذهبي: وقد اتفق لمالك مناقب ما علمتها اجتمعت لغيره، أحدها طول العمر، وعلوّ الرّواية، وثانيها الذهن الثاقب والفهم وسعة العلم، وثالثها اتفاق الأمّة على أنه حجة صحيح الرواية، ورابعها تجمعهم على دينه وعدالته واتباعه للسنن وخامسها تقدّمه في الفقه والفتوى وصحة قواعده. عاش ستا وثمانين سنة، وقيل ولد سنة ست وتسعين. وقال أبو داود: ولد سنة اثنتين وتسعين، وأما يحيى بن بكير فقال: سمعته يقول: ولدت سنة ثلاث وتسعين، فهذا أصح الأقوال.

وأما وفاته، فقال أبو مصعب: لعشر مضت من ربيع الأول، وكذلك قال ابن وهب. وقال سحنون: في حادي عشر ربيع الأول. وقال ابن أبي أويس: في بكرة أربع عشرة منه. وقال مصعب الزبيري: في صفر، وكلهم قالوا في سنة تسع وسبعين ومائة. وهو أول من صنّف «تفسير القرآن» بالإسناد على طريقة «الموطأ»، تبعه الأئمة، فقل حافظ إلا وله تفسير مسند، وله غير الموطأ كتاب «المناسك» و «التفسير المسند» لطيف، فيحتمل أن يكون من تأليفه، وأن يكون علق عنه. و «رسالته إلى ابن وهب في القدر والرد على القدرية» قال القاضي عياض: وهي من خيار الكتب في هذا الباب الدال على سعة علمه بهذا الشأن. وكتاب «النجوم وحساب ديوان الزمان ومنازل القمر» وهو كتاب جيد مفيد جدا، قد اعتمد الناس عليه في هذا الباب، وجعلوه أصلا. و «رسالته في الأقضية» كتب بها لبعض القضاة، عشرة أجزاء. و «رسالته إلى أبي غسان محمد بن مطرف» وهو ثقة من كبراء أهل المدينة قريبا لمالك، وهو في الفتوى مشهور. و «رسالته المشهورة إلى هارون الرشيد في الآداب والمواعظ» حدّث بها بالأندلس أولا ابن حبيب عن رجاله عن مالك، وحدّث بها آخرا أبو جعفر ابن عون الله والقاضي أبو عبد الله بن مفرج عن أحمد بن زيدويه الدمشقي، وقد أنكرها غير واحد، منهم أصبغ بن المفرج، وحلف ما هي من وضع مالك، وقالوا: فيها أحاديث منكرة، لو سمع مالك من يحدّث بها أدّبه.

وكتابه في «التفسير لغريب القرآن» الذي يرويه عنه خالد بن عبد الرحمن المخزومي، و «وصيته لطلبة العلم». وذكر الخطيب أبو بكر في «تاريخه» الكبير عن أبي العباس السراج النيسابوري أنه قال: هذه سبعون ألف مسألة لمالك، وأشار إلى كتب منضدة عنده كتبها. قال القاضي عياض: هي جواباته في أسمعة أصحابه التي عند العراقيين. ومنها «رسالته إلى الليث في إجماع أهل المدينة» رضي الله عنه وعن أهل العلم. 614 - المبارك (¬1) بن المبارك بن سعيد بن أبي السعادات الوجيه أبو بكر بن الدهان النحوي الضرير (¬2). قال ياقوت: من أهل واسط، قدم بغداد، فأقام بها، وقرأ على ابن الخشّاب ولازم الكمال بن الأنباريّ. وسمع منه تصانيفه. وسمع الحديث من طاهر المقدسي، وتولى تدريس النحو بالنظامية سنين فتخرج عليه جماعة، منهم سالم بن أبي الصّقر، وعبد اللطيف بن يوسف البغدادي. وكان قليل الحظ من التلامذة، يتخرجون به ولا ينسبون إليه. ¬

_ (¬1) كذا في نسخة الجامعة العربية وسائر مصادر الترجمة. وفي نسخة دار الكتب: «محمد بن سعيد بن أبي السعادات». (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 254، البداية والنهاية لابن كثير 13/ 69، تاريخ الاسلام للذهبي (وفيات 612)، ذيل الروضتين 90، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 354، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 41، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 326، العبر للذهبي 5/ 43، الكامل لابن الأثير 12/ 312، المختصر لأبي الفداء 3/ 116، مرآة الجنان لليافعي 4/ 64، مرآة الزمان 8/ 573، معجم الأدباء لياقوت 6/ 231، النجوم الزاهرة 6/ 241، نكت الهميان للصفدي 233، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 299.

وكان جيد القريحة، حادّ الذهن، متضلّعا من علوم كثيرة: إماما في النحو، واللغة، والتصريف، والعروض، ومعاني الأشعار، والتفسير، والإعراب، وتعليل القراءات، عارفا بالفقه، والطبّ، والنجوم، وعلوم الأوائل. وكان يتكلم بعدة ألسن بأفصح عبارة، واستوطن بغداد، وله النظم والنثر الحسن، حسن التعليم، طويل الروح، كثير الاحتمال للتلامذة، واسع الصدر، لم يغضب قط من شيء، وشاع ذلك حتى بلغ [بعض] الخلفاء فجهد على أن يغضبوه فلم يقدروا. وكان حنبليا. ثم تحول حنفيا [ثم] لما درس النحو بالنظامية صار شافعيا، لأنه شرط الواقف. فقال فيه تلميذه أبو البركات محمد بن أبي الفرج التّكريتيّ: ألا مبلغ عني الوجيه رسالة ... وإن كان لا تجدي إليه الرسائل (¬1) تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل ... وذلك لما أعوزتك المآكل وما اخترت رأي الشافعيّ ديانة ... ولكن لأن تهوى الذي منه حاصل وعما قليل أنت لا شك صائر ... إلى مالك فافطن لما أنت قائل قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى بعد إيراده لهذه الأبيات من «طبقات النحاة» قلت: هكذا تكون التلامذة، يتخرجون بأشياخهم ثم يهجونهم! لا قوة إلا بالله. ولد ابن الدهان سنة اثنتين- وقيل أربع وثلاثين وخمسمائة- ومات في شعبان سنة ثنتي عشرة وستمائة. ¬

_ (¬1) الأبيات في: انباه الرواة للقفطي 3/ 255، ومعجم الأدباء لياقوت 6/ 236، ووفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 299.

615 - مبارك بن محمد بن عمرو البكريّ (¬1). إشبيلي، يكنى: أبا الحسن. كان خيّرا، فاضلا، مجتهدا في العمل الصالح، كثير التلاوة للقرآن، حافظا لتفسيره، ذا حظ صالح من علم الحديث والرأي، صحيح العقل. روى بالأندلس عن جماعة من الشيوخ، وحجّ سنة ثمان وأربعمائة، ولقي بالمشرق جماعة من الشيوخ وروى عنهم. وتوفي في سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. ذكره ابن بشكوال في «الصلة». 616 - المبارك (¬2) بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيبانيّ (¬3). العلامة مجد الدين، أبو السّعادات الجزريّ الإربليّ، المشهور بابن الأثير. من مشاهير العلماء، وأكابر النبلاء، وأوحد الفضلاء. ولد في سنة أربع وأربعين وخمسمائة بالجزيرة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الصلة لابن بشكوال 2/ 600. (¬2) كذا في نسخة الجامعة العربية وسائر مصادر الترجمة. وفي نسخة دار الكتب: «محمد بن أبي الكرم». (¬3) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 257 - 260، البداية والنهاية لابن كثير 13/ 54، ذيل الروضتين لأبي شامة 68، روضات الجنات 585 - 587، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 366، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 43 ب، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 238 - 240، العبر 5/ 19، كشف الظنون لحاجي خليفة 182، 219، 236، 535 - 536، 1265، المختصر لأبي الفداء 3/ 112، 113، مرآة الجنان 4/ 11 - 14، معجم الأدباء 6/ 238، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 128، 129، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 198، 199، هدية العارفين لاسماعيل باشا البغدادي 2/ 2، وفيات الاعيان لابن خلكان 3/ 289 - 291.

وانتقل إلى الموصل، وأخذ النحو عن أبي محمد سعيد بن المبارك الدهان، ويحيى بن سعدون القرطبيّ. وسمع الحديث متأخرا من عبد الوهاب بن سكينة وغيره، وتنقّل في الولايات، وكتب في الإنشاء، ثم عرض له مرض كفّ يديه ورجليه، ومنعه الكتابة، فانقطع في بيته، يغشاه الأكابر والعلماء، فجاءه مغربيّ، فالتزم أن يداويه ولا يأخذ أجره إلا بعد برئه، وأخذ في معالجته بدهن صنعه، ولانت رجلاه، وأشرف على البرء فأرضي المغربيّ بشيء وصرفه، فلامه أخوه عز الدين، فقال: أنا [كنت] في راحة مما كنت فيه من صحبة هؤلاء القوم والتزام أخطارهم، وقد سكنت روحي إلى الانقطاع والدّعة، فإذا طرأت لهم أمور ضرورية جاءوني بأنفسهم، ليأخذوا رأيي. وله من التصانيف «النهاية في غريب الحديث» و «جامع الأصول في أحاديث الرسول» جمع فيه بين الصحاح الستة، وهو على وضع كتاب رزين إلا أن فيه زيادات كثيرة عليه، و «البديع في شرح الفصول» لابن الدهان، و «الباهر في الفروق في النحو»، و «تهذيب فصول ابن الدهان»، و «الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف» في تفسير القرآن الكريم، أخذه من تفسير الثعلبي والزمخشري، و «شرح مسند الإمام الشافعي»، و «البنين والبنات والآباء والأمهات والأذواء والذوات»، و «المصطفى والمختار في الأدعية والأذكار»، وله «كتاب لطيف في صنعة الكتابة»، وغير ذلك. ولما انتقل إلى الموصل اتصل بخدمة الأمير مجاهد الدين قايماز بن عبد الله الزيني، وكان نائب المملكة، فكتب بين يديه منشئا إلى أن قبض عليه، فاتصل بخدمة عز الدين مسعود بن مودود صاحب الموصل، وتولى ديوان رسائله، وكتب له إلى أن توفي.

ثم اتصل بولده أرسلان شاه، فحظي عنده، وتوفرت حرمته لديه، وكتب مدة، ثم عرض له ما تقدم ذكره. وأنشأ رباطا بقرية من قرى الموصل تسمى قصر حرب، ووقف أملاكه عليها وعلى داره التي يسكنها بالموصل. وصنف هذه الكتب كلها في مدة العطلة، فإنه تفرغ لها، وكان عنده جماعة يعينونه عليها في الاختيار والكتابة. وله شعر يسير: من ذلك ما أنشده للأتابك صاحب الموصل وقد زلّت به بغلته: إن زلّت البغلة من تحته ... فإن في زلتها عذرا (¬1) حملها من علمه شاهقا ... ومن ندى راحته بحرا وكانت وفاته بالموصل، يوم الخميس سلخ ذي الحجة سنة ست وستمائة؛ رحمه الله تعالى (¬2). 617 - مجاهد بن جبر- بفتح الجيم وسكون الموحدة- أبو الحجاج المكيّ (¬3). المقرئ، المفسّر، الإمام، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي، وقد اختلف في ولائه، فقيل: مولى قيس بن السائب بن عويمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة، وهو قول عبد الرحمن بن مهدي، ومصعب، وعلي ¬

_ (¬1) البيتان في وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 290. (¬2) بين نهاية هذه الترجمة وبداية والترجمة التالية بياض في الأصل، ولعل مكانه ترجمة ساقطة. (¬3) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 92، تهذيب التهذيب لابن حجر 10/ 42، حلية الأولياء للأصفهاني 3/ 279، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 315، صفوة الصفوة لابن الجوزي 2/ 117، طبقات الشيرازي 45، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 41، العبر 1/ 125، معجم الأدباء لياقوت 6/ 242، ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 439.

ابن المديني، ومحمد بن عبد الرحيم، ومحمد بن سعد. وإليه ذهب أبو عمرو الداني، وأبو جعفر بن الباذش. وهو مرويّ عن مجاهد أيضا، روي عنه أنه قال: هذه الآية نزلت في مولاي قيس بن السائب وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ (¬1) فأفطر، وأطعم كل يوم مسكينا. وقيل: إنه مولى عبد الله بن السائب بن أبي السائب. وهو قول أحمد بن حنبل والبخاري، ومسلم؛ وروى أيضا عن مجاهد. روى عنه الأعمش أنه قال: حدثني مولاي عبد الله بن السائب. وقيل: إنه مولى السائب بن أبي السائب والد عبد الله بن السائب، حكاه عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، وهو اختيار الذهبي. ولد سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب. وروى عن عبد الله بن عباس، وقرأ عليه القرآن ثلاث عرضات، قال مجاهد كنت أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت؟ وكيف كانت؟ وقال: لو كنت قرأت على قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن. وروى عن عائشة، وحديثه عنها في الصحيحين. وقال ابن معين: لم يسمع من عائشة. وروى عن أم سلمة، وأبي هريرة، وأم هانئ. وجويرية بنت الحارث، وجابر بن عبد الله، ورافع بن خديج، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن ¬

_ (¬1) سورة البقرة 184.

عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وروى عن طاوس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن جبير. وقدم مصر فروى عن مسلمة بن مخلد، وروى عن خلق كثير. وحدّث عنه عكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وحميد بن قيس الأعرج، وابن عون، وسليمان بن مهران الأعمش، وعمر بن ذر، وعبد الله بن أبي نجيح، وخلق، وكتب عنه بمصر وغيرها من البلاد. وروى عنه أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة. قرأ عليه ابن كثير، وأبو عمرو، وابن محيصن، وغيرهم، والذي صح عنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت؟ وكيف كانت؟ وقال خصيف: كان أعلمهم بالتفسير مجاهد. وقال يحيى بن سعيد القطان: مرسلات مجاهد أحب إليّ من مرسلات عطاء بكثير. وقال يحيى بن معين وأبو زرعة: ثقة. وقال سلمة بن كهيل: ما رأيت أحدا أراد بهذا العلم وجه الله إلا عطاء، وطاوسا، ومجاهدا. وعن مجاهد [قال] (¬1) قال لي عبد الله بن عمر: وددت أن نافعا حفظ حفظك وأن علي درهما زائفا، قلت: هلا كان جيّدا؟ قال: هكذا كان في نفسي. ¬

_ (¬1) من ميزان الاعتدال للذهبي.

وقال مجاهد: ربّما أخذ لي ابن عمر بالركاب. وعن الأعمش: كنت إذا رأيت مجاهدا مبتذلا ازدريته، فإذا تكلم خرج من فيه اللؤلؤ. وعلى مجاهد، قرأ القرآن عبد الله بن كثير، وأبو عمرو بن العلاء. وعن قتادة: أعلم من بقي بالتفسير مجاهد. وعن أبي بكر بن عياش قلت للأعمش: ما لهم يتقون تفسير مجاهد؟ قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب. وعن مجاهد أنه يكبر من سورة والضحى، وأعطى رجلا خمسمائة درهم على مصحف يكتبه فكتبه له. وعن الأعمش قال: كان مجاهد لا يسمع بأعجوبة إلا ذهبت فنظر إليها، ذهب إلى حضرموت ليرى بئر هوت، [وذهب] (¬1) إلى بابل وعليها وال صديق له، فقال: تعرض عليّ هاروت وماروت، فدعا رجلا من السحرة فقال: اذهب بهذا، فقال اليهودي: بشرط أن لا تدعو الله عندهما، قال مجاهد، فذهب بي إلى قلعة فقلع حجرا، وقال: خذ برجلي، فهوى به حتى انتهى إلى جوبة، فإذا هما معلقان منكسين كالجبلين العظيمين، فلمّا رأيتهما قلت: سبحان الله خالقكما، فاضطربا فكأن جبال الدنيا قد تدكدكت، فغشي عليّ وعلى اليهودي، ثم أفاق قبلي، فقال: أهلكت نفسك وأهلكتني. توفي مجاهد بمكة سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة وهو ساجد، وله ثلاث وثمانون سنة. روى عنه «تفسيره» شب بن عبّاد المكي. ¬

_ (¬1) من تذكرة الحفاظ للذهبي.

618 - محمود بن أحمد بن عبد المنعم بن أحمد بن محمود [بن (¬1)] ماشاذة أبو منصور الأصبهاني (¬2). الواعظ الفقيه. قال السمعاني: إمام مفسّر واعظ، كان له التقدم والجاه العريض، وكان أوحد وقته، والمرجوع إليه في بلده. تفقه على أبي بكر الخجنديّ. وروى عن أبي المظفّر السمعاني، وعائشة الوركانية. وعنه أبو موسى المديني، وابن السمعاني، وطائفة. ولد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ومات بأصبهان في ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وخمسمائة. 619 - محمود بن أحمد بن الفرج بن عبد العزيز الإمام أبو المحامد (¬3) السمرقندي السّغديّ (¬4) الساغرجي (¬5). أحد الأعلام. ¬

_ (¬1) من اللباب لابن الأثير، وطبقات الشافعية للسبكي. (¬2) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني ورقة 140 أ، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 285، طبقات المفسرين للسيوطي 40، اللباب لابن الأثير 1/ 245، معجم البلدان لياقوت الحموي 2/ 138. (¬3) في الأصل: «أبو المحاسن». وأثبتنا ما في الانساب واللباب وتاج التراجم والجواهر المضيئة وطبقات المفسرين للسيوطي. (¬4) له ترجمة في: الأنساب للسمعاني 286 أ، تاج التراجم لابن قطلوبغا 69، الجواهر المضيئة 2/ 156، طبقات المفسرين للسيوطي 41، اللباب لابن الأثير 3/ 242. (¬5) في الأصل: «الشاغرجي». والمثبت في اللباب وتاج التراجم والأنساب، وقد ضبطه السمعاني بالعبارة فقال: بفتح السين المهملة والغين المعجمة وسكون الراء وفي آخرها الجيم.

قال ابن السّمعاني: إمام بارع، مبرّز في أنواع الفضل، والتفسير، والحديث والأصول، والمتفق، والمفترق، والوعظ، حسن السيرة، كثير الخير والعبادة. قرأت عليه «تنبيه الغافلين» بروايته عن أبي إبراهيم إسحاق بن محمد النّوحيّ عن سبط الترمذي، عن مؤلفه. ولد سنة ثمانين وأربعمائة ومات في حدود سنة خمس وخمسين وخمسمائة. 620 - محمد بن أحمد بن محمود بن بختيار الفقيه الشافعي الإمام أبو الثناء الزّنجانيّ (¬1). ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. واشتغل في العلوم، وأفتى، ودرّس بالنّظاميّة والمستنصريّة. وولي قضاء القضاة ببغداد مدّة ثم عزل. صنّف «تفسير القرآن» قال ابن النجار: برع في المذهب والخلاف والأصول. وقال الذهبي: كان من بحور العلم، له تصانيف، استشهد بسيف التتار في المحرم سنة ست وخمسين وستمائة (¬2). ذكره ابن قاضي شهبة. 621 - محمود بن أحمد بن مسعود (¬3). ¬

_ (¬1) له ترجمه في: طبقات الشافعية للسبكي 8/ 368، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 53 ب، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 7/ 68. (¬2) في الأصل: «وخمسمائة» تحريف، والصواب في مصادر الترجمة. (¬3) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 70، الجواهر المضيئة للقرشي 2/ 156، الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 90، الفوائد البهية للكنوي 207، قضاة دمشق لابن طولون 200، هدية العارفين لاسماعيل باشا البغدادي 2/ 409.

العلّامة قاضي القضاة بدمشق، جمال الدين القونوي الدمشقي الحنفي، عرف بابن السراج، بكسر المهملة وتخفيف الراء ثم جيم. درس بأماكن و «اختصر شرح الهداية للسغناقي» في مجلد سماه «القلائد»، و «الزبدة في شرح العمدة» في أصول الدين مجلد، «وتهذيب أحكام القرآن» مجلد، و «المعتمد مختصر مسند أبي حنيفة»، وله «المسند [شرح (¬1)] المعتمد» مجلد، و «البغية في الفتاوى» مجلدان، و «منتخب وقفي هلال والخصاف» مجلد، و «الإعجاز في الاعتراض على الأدلة الشرعية»، و «مشرق الأنوار في مشكل الآثار»، و «مقدمة في رفع اليدين في الصلاة» رد فيها على العلامة قوام الدين الاتقاني في «مقدمته» التي ألفها في فساد الصلاة برفع اليدين عند الركوع والرفع، لأنه عمل كثير، ومشى فيها على عدم صحة اقتداء الحنفي بالشافعي، لفساد صلاته بالرفع المذكور. والحقّ ما ذهب إليه القونوي في مقدمته من صحة اقتداء الحنفي بالشافعي. وله «التفريد مختصر تجريد القدوري» أربع مجلدات، وله «التكملة في فوائد الهداية» مجلد. وله معرفة بالنحو والأصول، وأبوه أحمد بن مسعود، وكان [قد (¬2)] شرح «الجامع الكبير» ومات ولم يكمله، فكمله ولده محمود بن أحمد هذا. مات بدمشق سنة إحدى وسبعين وسبعمائة. 622 - محمود بن أبي الحسن بن الحسين النّيسابوريّ الغزنويّ (¬3). ¬

_ (¬1) من تاج التراجم والجواهر المضيئة وقضاة دمشق وهدية العارفين. (¬2) من الجواهر المضيئة للقرشي. (¬3) له ترجمة في: معجم الأدباء لياقوت 7/ 145.

يلقب ببيان الحق. قال ياقوت: كان عالما بارعا مفسّرا لغويا، فقيها، متقنا فصيحا. له تصانيف ادّعى فيها الإعجاز، منها «خلق الإنسان»، و «جمل الغرائب في تفسير الحديث»، و «إيجاز البيان في معاني القرآن»، وغير ذلك. ومن شعره: فلا تحقرن خلقا من الناس علّه ... وليّ إله العالمين وما تدري (¬1) فذو القدر عند الله خاف عن الورى ... كما خفيت عن علمهم ليلة القدر (¬2) 623 - محمود بن حمزة بن نصر أبو القاسم الكرماني (¬3). النحوي المعروف بتاج القراء. قال ياقوت: هو تاج القراء، وأحد العلماء الفهماء النبلاء، صاحب التصانيف والفضل. كان عجبا في دقة الفهم وحسن الاستنباط؛ لم يفارق وطنه ولا رحل، وكان في [حدود (¬4)] الخمسمائة. صنّف «لباب التفسير»، وكتاب «البرهان في متشابه القرآن»، وكتاب «خط المصاحف». وكتاب «الهداية في شرح غاية ابن مهران»، ¬

_ (¬1) معجم الأدباء لياقوت. (¬2) بعد هذين البيتين بياض في الأصل قدر كلمة، ولعل البياض لعبارة ذكره شيخنا في طبقات النحاة، التي يذكرها المصنف عقب كل ترجمة ينقلها بالنص عن شيخه، وقد وقفت الترجمة عند هذا الحد في بغية الوعاة كما وقفت عند ذلك أيضا في معجم الأدباء. (¬3) له ترجمة في طبقات القراء لابن الجزري 2/ 291، معجم الأدباء لياقوت 7/ 146. (¬4) من معجم الأدباء.

و «الإيجاز في النحو» اختصره من الإيضاح، «النظاميّ في النحو» اختصره من الملمع، «الإفادة في النحو»، و «العنوان» وغير ذلك. كان في حدود المائة الخامسة ومات بعدها. ومن شعره: فمعرفة وتأنيث ونعت ... ونون قبلها ألف وجمع وعجمة ثم تركيب وعدل ... ووزن الفعل فالأسباب تسع (¬1) 624 - محمود عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن علي العلامة شمس الدين أبو الثناء الأصبهاني الشافعيّ (¬2) ولد بها في شعبان سنة أربع وتسعين وستمائة. واشتغل بتبريز، وقرأ على والده، وعلي جلال الدين بن أبي المرجيّ، والقطب الشيرازي. وتصدر للإقراء ومهر وتميّز، وتقدم في الفنون، وقدم دمشق في سنة خمس وعشرين فبهرت فضائله، وسمع كلامه الإمام تقي الدين بن تيمية، فبالغ في تعظيمه ولازم الجامع الأموي ليلا ونهارا، مكبّا على التلاوة، وشغل الطلبة ودرس بعد ابن الزملكاني بالرواحية (¬3) ويوم الاجلاس. ¬

_ (¬1) بعد هذين البيتين بياض في الأصل، وقد وقفت الترجمة عند هذين البيتين في بغية الوعاة ومعجم الأدباء، لعل مكان البياض عبارة ذكره شيخنا في طبقات النحاة، التي يذكرها المصنف عقب كل ترجمة ينقلها بالنص عن شيخه. (¬2) له ترجمة في: ايضاح المكنون لاسماعيل باشا البغدادي 1/ 143، والبدر الطالع للشوكاني 2/ 298، تاريخ علماء بغداد للخطيب البغدادي 218، الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 95، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 247 (ط. الحسينية)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 87 ب، كشف الظنون لحاجي خليفة 235، 346، 442، 443، 1116، 1136، 1148، 1371، 1717، 1855، 1879، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 178، هدية العارفين للبغدادي 2/ 409. (¬3) في الأصل: «الرواجية»، والصواب في مصادر الترجمة.

بالغ الفضلاء في الثناء عليه، ثم قدم مصر سنة اثنتين وثلاثين، وتولى تدريس المعزية بها، وبنى له قوصون الخانقاه بالقرافة، ورتبه شيخا بها أول ما فتحت في صفر سنة ست وثلاثين. قال الإسنوي: كان بارعا في العقليات، عارفا بالأصلين. فقيها صحيح الاعتقاد محبا لأهل الخير والصلاح، منقادا لهم، مطرحا للتكلف، مجموعا على العلم ونشره. وكان يمتنع كثيرا من الأكل لئلا يحتاج إلى الشرب، فيحتاج إلى دخول الخلاء فيضيع عليه الزمان. صنّف «تفسيرا» كبيرا، لم يتم، و «شرح مختصر ابن الحاجب»، و «منهاج البيضاوي»، و «الطوالع» له، و «المطالع»، و «ناظر العين»، و «شرح البديع» لابن الساعاتي، و «فصول النسفي»، و «الحاجبية»، و «تجريد» النصير الطوسي، و «كافية ابن الحاجب»، و «الساوية في العروض»، وغير ذلك. قال الصفدي: رأيته يكتب في تفسيره من خاطره من غير مراجعة قد جمع فيه بين «الكشاف» و «مفاتيح الغيب» للإمام [الرازي] جمعا حسنا بعبارة وجيزة مع زيادات واعتراضات في مواضع كثيرة. توفي شهيدا بالطاعون في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ودفن بحوش قوصون بالقرافة. ذكره ابن قاضي شهبة، ثم شيخنا في «طبقات النحاة». 625 - محمد بن عمر بن محمد بن أحمد العلامة أبو القاسم الزمخشري

الخوارزمي (¬1). النحوي اللغوي المعتزلي، المفسّر، يلقب جار الله، لأنه جاور بمكة زمانا. ولد في رجب سنة سبع وستين وأربعمائة بزمخشر قرية من قرى خوارزم. وقدم بغداد فسمع من أبي الخطاب بن البطر، وأبي سعد الشقاني، وشيخ الإسلام أبي منصور الحارثي وجماعة. وحدّث، وأجاز للسلفي، وزينب الشعرية، وأخذ الأدب عن أبي الحسن علي بن المظفر النيسابوري، وأبي منصور الأصبهاني. كان واسع العلم، كثير الفضل، غاية [في] الذكاء وجودة القريحة، متفنّنا في كل علم، معتزليا قويا في مذهبه، مجاهرا به، داعية إليه، حنفيا، علامة في الأدب والنحو. لقي الكبار. وصنّف التصانيف المفيدة ودخل خراسان عدة نوب، ما دخل بلدا إلا واجتمعوا عليه وتلمذوا له، وكان إمام الأدب، ونسّابة العرب، تضرب إليه أكباد الإبل. له التصانيف البديعة، منها: «الكشاف» في التفسير، «الفائق» في غريب الحديث، «أساس البلاغة»، «المفصّل» في النحو، «المقامات»، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 265، الأنساب للسمعاني 277 أ، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 219، تاج التراجم لابن قطلوبغا 71، تاريخ الاسلام للذهبي (وفيات 538)، تذكرة الحفاظ 4/ 1238، الجواهر المضيئة 2/ 160، طبقات المفسرين للسيوطي 41، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 141، العبر للذهبي 4/ 106، الكامل لابن الأثير 11/ 97، اللباب 1/ 506، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 6/ 4، مرآة الجنان لليافعي 2/ 269، معجم الأدباء لياقوت 7/ 147، معجم البلدان 2/ 940، مفتاح السعادة 2/ 97، المنتظم لابن الجوزي 10/ 112، ميزان الاعتدال للذهبي 4/ 78، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 274، نزهة الألباء للأنباري 391، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 254.

«المستقصى في الأمثال»، «ربيع الأبرار»، «فصوص الأخبار» في الحكايات، و «متشابه أسماء الرواة»، و «أطواق الذهب»، «صميم العربية»، «شرح أبيات الكتاب»، «الأنموذج في النحو»، «شرح بعض مشكلات المفصّل»، «الأحاجي النحوية» «الرائض في الفرائض»، «المنهاج في الأصول»، «القسطاس في العروض» و «النصائح الكبار»، و «النصائح الصغار»، و «ضالة الناشد»، و «المفرد في النحو»، و «رءوس المسائل في الفقه»، و «معجم الحدود»، «مقدمة الآداب»، و «سوائر الأمثال»، و «ديوان التمثل»، و «شقائق النعمان»، و «شافي العي من كلام الشافعي» (¬1)، و «ديوان الرسائل»، و «ديوان الشعر»، «الرسالة الناصحة»، و «الأمالي في كل فن» وغير ذلك. مات ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. وله شعر: إن التفاسير في الدنيا بلا عدد ... وليس فيها لعمري مثل كشّافي (¬2) إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته ... فالجهل كالداء والكشّاف كالشافي وله وأوصى أن يكتب على لوح قبره: إلهي قد أصبحت ضيفك في الثرى ... وللضيف حق عند كل كريم (¬3) فهب لي ذنوبي في قراي فإنها ... عظيم ولا يقرى بغير عظيم ................ ............ (¬4). ¬

_ (¬1) بعد هذا في الأصل: «معجم الحدود». وقد سبق. (¬2) البيتان في معجم الأدباء لياقوت 7/ 148. (¬3) البيتان في وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 259. (¬4) بياض في الأصل، وقد ذكر ابن خلكان للزمخشري أبياتا أخرى غير هذه.

626 - محمود بن محمد بن داود (¬1). الإمام أبو المحامد الأفشنجي الفقيه البخاري الحنفي. قال أبو العلاء: ولد ببخارى سنة سبع وعشرين وستمائة. وسمع من محمد بن أبي جعفر الترمذي، وتفقه علي الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد المجيد القرشي. وكان إماما مفننا، مدرسا، واعظا، مفسّرا. مات شهيدا في واقعة بخارى من التتار سنة إحدى وسبعين وستمائة. 627 - محمود الحافظ الطوسي. كذا بخطه من غير زيادة، له تفسير سماه «بحر الحقائق وكنز الدقائق» قال في آخره إنه فرغ منه في يوم الاثنين من سلخ الشهر المبارك رمضان، سنة اثنتين وستين وسبعمائة، ببلدة هراة. 628 - مرة بن شراحيل الهمداني (¬2). بسكون الميم، ويقال له الطيب، ويقال له: مرة الخير، الكوفي المفسّر العابد. روى عن أبي بكر، وعمر، وأبي ذر، وابن مسعود، وأبي موسى. وعنه أسلم الكوفي، وإسماعيل السدي، وزبيد اليامي، وعطاء بن السائب، وإسماعيل بن أبي خالد، وحصين بن عبد الرحمن، وآخرون. وثقة يحيى بن معين. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 72، الجواهر المضيئة لعبد القادر محمد القرشي 2/ 161، طبقات المفسرين للسيوطي 41، الفوائد البهية للكنوي 210. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 67، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 318.

يقال: إنه سجد حتى أكل التراب جبهته، وكان بصيرا بالتفسير. مات سنة ست وسبعين، وقيل بعد ذلك، وهو مخضرم، روى له الجماعة. 629 - مسعود بن علي بن أحمد بن العباس الصوانيّ البيهقيّ أبو المحاسن (¬1). يلقب بفخر الزمان. قال ياقوت، نقلا عن «الوشاح»: فخر الزمان، وأوحد الأقران، ومن لا ينظر الأدب إلا بعينه، ولا يسمع الشعر إلا بإذنه. صنّف «التفسير»، «شرح الحماسة»، «صيقل الألباب في الأصول»، «التوابع واللوامع في الأصول»، «التذكرة» أربع مجلدات، «إعلاق الملوين وأخلاق الأخوين» مجلدان، «التنقيح» في أصول الفقه؛ «نفثة المصدور» (¬2) «أشعاره» مجلد. مات في الثالث والعشرين من المحرم سنة أربع وأربعين وخمسمائة. وله: تكلّف المجد أقوام وقد سئموا ... منه وإنك مشغول به كلف (¬3) كأنك الدرة البيضاء في صدف ... والناس حولك طرّا ذلك الصّدف أورده شيخنا في «طبقات النحاة». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: معجم الأدباء لياقوت 7/ 159، هدية العارفين لاسماعيل باشا البغدادي 2/ 428. (¬2) كذا في معجم الأدباء، وفي الأصل: «بغية المصدر». (¬3) البيتان في: معجم الأدباء.

630 - مسعود بن عمر بن عبد الله الشيخ سعد الدين التفتازاني (¬1). الإمام العلامة، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرها، شافعي. قال الحافظ ابن حجر: ولد ثنتي عشرة وسبعمائة، وأخذ عن القطب، والعضد، وتقدّم في الفنون، واشتهر ذكره، وطار صيته، وانتفع الناس بتصانيفه. وله «شرح العضد»، و «شرح التلخيص» مطول، وآخر مختصر، و «شرح القسم الثالث من المفتاح»، و «التلويح على التنقيح» في أصول الفقه، و «شرح العقائد» و «المقاصد في الكلام» وشرحه، و «شرح الشمسية» في المنطق، و «شرح تصريف العزّي»، و «الإرشاد» في النحو، و «حاشية على الكشاف» ولم تتم، وغير ذلك. وكان في لسانه لكنة، وانتهت إليه معرفة العلوم بالمشرق. ومات رحمه الله تعالى بسمرقند سنة إحدى وتسعين وسبعمائة. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 631 - مسعود بن محمد بن مسعود الطريثيثيّ (¬2). الشيخ الإمام، أبو المعالي قطب الدين النّيسابوريّ. ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في: ابناء الغمر لابن حجر 1/ 389، البدر الطالع للشوكاني 2/ 303، الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 119، روضات الجنات للخوانساري 309، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 205. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 312، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1341، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 297، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 38 أ، العبر 4/ 235، مرآة الجنان لليافعي 3/ 413، النجوم الزاهرة 6/ 94، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 283.

صاحب كتاب «الهادي» المختصر المشهور في الفقه. كان إماما في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ، أديبا مناظرا. مولده في رجب سنة خمس وخمسمائة. وتفقه على والده، وعلى محمد بن يحيى، وعمر السلطان، وإبراهيم المروروذيّ ورأى الأستاذ أبا نصر بن الأستاذ أبي القاسم القشيريّ، وسمع الحديث من هبة الله السّيديّ، وعبد الجبار البيهقي، وغيرهما. حدث عنه أبو المواهب بن صصرى، وأبو القاسم بن صصرى، وتاج الدين عبد الله بن حمويه، وآخرون، وتخرجت به الأصحاب وعظم شأنه. وقال ابن النجار: وكان يقال: إنه بلغ حدّ الإمامة على صغر سنه، ودرّس بنظامية نيسابور، ثم ورد بغداد وحصل له بها القبول التام، ثم جاء إلى دمشق وسكنها مدة، ودرّس بالمدرسة المجاهدية مدة، ثم بالزاوية الغزّاليّة بعد موت أبي الفتح نصر الله المصّيصيّ، ثم خرج إلى حلب، وولي بها تدريس المدرستين اللتين بناهما نور الدين الشهيد وأسد الدين. ثم سافر إلى بغداد، ومنها إلى همذان، وولي التدريس بهمذان، وأقام بها مدة. ثم عاد إلى دمشق واستوطنها، ودرّس بالغزّالية والجاروخيّة (¬1)، وتفرد برياسة الشافعية، وسافر إلى بغداد رسولا إلى ديوان الخلافة، ثم عاد. وكان معروفا بالفصاحة والبلاغة وتعليم المناظرة. توفي بدمشق في رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، ودفن بتربة أنشأها غربي مقابر الصوفية، وبني مسجدا على الصّخرات التي بمقبرة طاحون الميدان، ووقف كتبها، ومقرها بخزانة كتب المدرسة العادلية الكبرى بدمشق. ¬

_ (¬1) في الأصل: «الخاروجية»، تحريف، صوابه في العبر 5/ 80، وطبقات الشافعية للسبكي 7/ 298 وانظر الدارس في أخبار المدارس.

أورده ابن السبكي في «الطبقات الكبرى». 632 - مسعود بن محمود بن أحمد بن عبد المنعم بن ماشاذة الإمام أبو عبد الله الأصبهاني (¬1). المفسر الفقيه. قال ابن النجار: كان إماما حافظا قيّما بالفقه، والخلاف والتفسير والوعظ. سمع من غانم بن محمد البرجي، وأبي علي الحداد، ومحمد الصيرفي. وكان واعظا، حسن الكلام، حدّث ببغداد، ووعظ، ولقي القبول التام. توفي بأصبهان بعد عودته من الحج بقليل في سنة ست وسبعين وخمسمائة. ذكره ابن الدبيثي في «الذيل». 633 - مسعود بن محمود صفيّ الدين الفالي المفسّر (¬2). من مدينة فال، ويقال بال- بين الفاء والباء- لها قلعة. وهي كثيرة الفواكه الطيبة بين شيراز وهرمز. مات في شعبان سنة ثمان وسبعين وستمائة. 634 - مسلم بن سفيان البصري (¬3). المفسّر الضرير. روى القراءة عن يعقوب نفسه، هذا هو الصواب كما قطع به الحافظ الهمذاني وغيره، وذكر أبو علي الأهوازي أنه قرأ على أحمد بن عبد الخالق، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 42. المدارس 1/ 225. (¬2) له ترجمة في: تبصير المنتبه لابن حجر 3/ 1149. (¬3) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 298.

وروح بن عبد المؤمن، وكعب بن إبراهيم، وحميد بن وزير، وعمر بن سراج، أصحاب يعقوب عن يعقوب والله أعلم. روى القراءة عنه ابنه الحسن. ذكره ابن الجزري في «طبقات القراء» ولم يؤرخ وفاته. ذكره ابن الجزري في «طبقات القراء» ولم يؤرخ وفاته. 635 - مسلّم بالتشديد على وزن- محمد- بن سلامة بن شبيب النفيعيّ السنجاريّ الحنفي (¬1). قال ابن العديم: قدم هو وأخوه مسلم- بالتخفيف- إلى حلب، وكان صاحب الترجمة فاضلا فقيها، له معرفة تامة بالتفسير، ولم يؤرخ وفاته. والنفيعيّ: بضم النون وفتح الفاء وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها عين مهملة، نسبة إلى قرية على باب سنجار، يقال لها النفيعيّة. 636 - المعافى- بميم مضمومة ثم عين مهملة وفاء- بن إسماعيل بن الحسين بن أبي سنان أبو محمد الموصلي (¬2). ولد بها في سنة إحدى [وخمسين (¬3)] وخمسمائة. وتفقه على ابن مهاجر، والعماد بن يونس، وغيرهما. وسمع وحدّث وأفتى، وصنّف وناظر. قال الذهبي: وكان إماما فاضلا ديّنا عارفا بالمذهب، وكان مليح الشكل والبزة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 77، الجواهر المضيئة للقرشي 2/ 173، معجم البلدان لياقوت 4/ 801. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1456، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 374، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 48 ب، هدية العارفين لاسماعيل باشا البغدادي 2/ 465. (¬3) من طبقات الشافعية للسبكي.

ومن تصانيفه كتاب «الكامل» في الفقه، كتاب مطول جمع فيه بين كتب الطريقين، قال السبكي: رأيته بخطه في الشامية البرانية في مجلدات عديدة، أظنها عشرة. وقال في «المهمات»: إنه قريب من حجم «الروضة»، وكتاب «أنس المنقطعين» وهو مشهور، وكتاب «الموجز» في الذّكر، و «تفسير» كبير، يسمى «البيان». وتوفي بالموصل في شعبان أو رمضان سنة ثلاثين وستمائة. وقد ذكره قاضي الحنفية المحب بن الشّحنة، بهامش نسخته، التي كتبها بخطه من «طبقات الحنفية» للقرشي، متعقبا عليه- أي القرشي- قال: وقرئ عليه تفسيره بالصّالحية، سنة ثلاث وستمائة. قال: وترجم بأنه كان يدرس للحنفية والشافعية. 637 - المعافى بن زكريا بن يحيى بن حميد بن حماد بن داود المعروف بابن طرارا (¬1). بفتح الطاء المهملة والراء وبعد الألف راء ثانية مفتوحة ثم ألف مقصورة، وبعضهم يكتبها بالهاء بدلا من الألف فيقول: طرارة. الحافظ العلامة القاضي ذو الفنون أبو الفرج النهروانيّ الجريري- بجيم مفتوحة- لأنه كان على مذهب الإمام أبي جعفر بن جرير. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 296، الأنساب للسمعاني 129 أ، البداية والنهاية لابن كثير 11/ 328، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/ 230، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1010، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 302، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 249، العبر للذهبي 3/ 47، الفهرست لابن النديم 236، الكامل لابن الأثير 9/ 163، اللباب 3/ 249، مرآة الجنان 2/ 443، معجم الأدباء 7/ 162، المنتظم 7/ 213، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 201، نزهة الألباء للأنباري 329، هدية العارفين للبغدادي 2/ 464، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 309.

مولده يوم الخميس لسبع خلون من رجب سنة ثلاث وقيل خمس وثلاثمائة. سمع البغوي، وابن أبي داود، وابن صاعد. وتلا على ابن شنبوذ، وأبي مزاحم الخاقاني، وأبي عيسى بكار، وغيرهم. قرأ عليه عبد الوهاب بن علي الملحمي، وأحمد بن مسرور (¬1)، ومحمد ابن عمر النهاوندي، وغيرهم. وحدّث عنه أبو القاسم الأزهري، والقاضي أبو الطيب، وكان [أبو محمد البافي يقول: إذا حضر القاضي أبو الفرج فقد حضرت العلوم كلها، وقال: لو أوصى رجل بثلث ماله أن يدفع إلى أعلم الناس لوجب أن يدفع إلى المعافى بن زكريا] (¬2). قال الخطيب: سألت البرقاني عنه فقال: كان أعلم الناس، وكان ثقة. صنّف «التفسير الكبير» في ست مجلدات، «النحرير والمنقر (¬3)» في أصول الفقه، «الحدود والعقود» في أصول الفقه، «المرشد» في الفقه، «شرح كتاب المرشد»، «المحاضر والسجلات»، «شرح كتاب الخفيف» للطبري، «الشافي في مسح الرجلين»، «أجوبة الجامع الكبير» لمحمد بن ¬

_ (¬1) في الأصل: «ابن مسروق». وما أثبتنا عن تذكرة الحفاظ وطبقات القراء لابن الجزري. وهو: أحمد بن مسرور بن عبد الوهاب أبو نصر الخباز البغدادي، شيخ جليل مشهور، قرأ على المعافى بن زكريا، له كتاب المفيد في القراءات. توفي سنة 442 هـ (طبقات القراء لابن الجزري 1/ 137). (¬2) ما بين المعقوفتين من تاريخ بغداد، وقد وردت العبارة هكذا أيضا في وفيات الأعيان والمنتظم وتذكرة الحفاظ والبداية والنهاية. ولكنها جاءت مضطربة في الأصل هكذا «وكان من أعلم الناس لوجب أن يدفع اليه». (¬3) في الأصل: «التحرير والمقر». وأثبتنا ما في الفهرست لابن النديم وهدية العارفين للبغدادي.

الحسن، «أجوبة المزني» على مذهب الطبري، «الشروط»، «الرد على الكرخي في مسائل»، «الرد على البلخي في اقتراض الإماء»، «الرد على داود بن علي»، «رسالته إلى العنبري القاضي في مسألة في الوصايا»، كتاب في تأويل القرآن»، «كتاب المحاورة في العربية»، الرسالة في واو عمرو»، «شرح كتاب الجرمي (¬1)» و «كتاب الجليس والأنيس» وغير ذلك، ونقل النديم في الفهرست» عنه أنه قال: [لي] نيف وخمسون رسالة في الفقه والكلام والنحو وغير ذلك، ونصر مذهب ابن جرير وحامى عليه. قال التوحيديّ: رأيته وقد نام مستدبر الشمس في جامع الرّصافة في يوم شات، وبه من أثر الفقر والبؤس والضّر أمر عظيم، مع غزارة علمه واتساع أدبه وفضله المشهور، ومعرفته بصنوف العلم، خاصة علم الآثار والأخبار وسير العرب وأيامها، فقلت له: مهلا أيها الشيخ وصبرا! فإنك بعين الله ومرأى منه ومسمع، وما جمع الله لأحد شرف العلم وعزّ المال، فقال: ما لا بد منه من الدنيا فليس منه بدّ، ثم أنشد لنفسه: يا محنة الله كفي ... إن لم تكفي فخفي (¬2) قد آن أن ترحمينا ... من طول هذا التّشفي طلبت جدّا لنفسي ... فقيل لي قد توفي فلا علومي تجدي ... ولا صناعة كفي ثور ينال الثريّا ... وعالم متخفي ¬

_ (¬1) في الفهرست لابن النديم: «شرح كتاب الحزمي» تحريف. والجرمي: هو صالح بن اسحاق أبو عمر الجرمي البصري، كان فقيها عالما بالنحو واللغة، أخذ النحو عن الأخفش، واللغة عن الأصمعي، وحدث عنه المبرد، وناظر الفراء. وانتهى اليه علم النحو في زمانه. وله من التصانيف: كتاب الأبنية، كتاب العروض، ومختصر في النحو، وغريب سيبويه. ومات سنة 225 هـ. (¬2) الأبيات في معجم الأدباء لياقوت 7/ 163.

مات يوم الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة سنة تسعين وثلاثمائة بالنهروان، عن خمس وثمانين سنة. ذكره شيخنا في «طبقات الحفاظ» وفي «طبقات النحاة». 638 - معمر بن المثنّى اللغويّ البصريّ مولاهم أبو عبيدة (¬1). مولى بني تيم؛ تيم قريش، رهط أبي [بكر] الصديق رضي الله عنه. أخذ عن يونس، وأبي عمرو. هو أول من صنف «غريب الحديث». أخذ عنه أبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو حاتم، والمازني، والأثرم، وعمر بن شبّة. وكان أعلم من الأصمعيّ وأبي زيد بالأنساب والأيام، وكان أبو نواس يتعلم منه ويصفه ويذمّ الأصمعيّ، سئل عن الأصمعي، فقال: بلبل في قفص، وعن أبي عبيدة فقال: أديم طوي على علم. وقال بعضهم: كان الطلبة إذا أتوا مجلس الأصمعيّ اشتروا البعر في سوق الدّرّ، وإذا أتوا مجلس أبي عبيدة اشتروا الدّرّ في سوق البعر، لأن الأصمعي كان حسن الإنشاد والزخرفة قليل الفائدة، وأبا عبيدة بضدّ ذلك. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: أنباه الرواة للقفطي 3/ 276، تاريخ الاسلام للذهبي (وفيات 210)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/ 252، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 371، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 260، تهذيب التهذيب لابن حجر 10/ 246، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 250، العبر 1/ 359، الفهرست لابن النديم 53، مرآة الجنان 2/ 44، مراتب النحويين 44، المعارف 543، معجم الأدباء 7/ 164، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 105، ميزان الاعتدال 4/ 155، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 184، نزهة الألباء 104، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 323.

وقال يزيد بن مرّة: ما كان أبو عبيدة يفتّش على علم من العلوم إلا كان من يفتّشه عنه يظنّ أنه لا يحسن غيره، ولا يقوم بشيء أجود من قيامه به. أقدمه الرشيد من البصرة إلى بغداد وقرأ عليه. وكان شعوبيا، وقيل: كان يرى رأى الخوارج الإباضيّة. وقال الجاحظ في حقه: لم يكن في الأرض خارجيّ أعلم بجميع العلوم منه. وقال ابن قتيبة: كان الغريب أغلب عليه وأيام العرب وأخبارها. وقال له رجل: يا أبا عبيدة، قد ذكرت الناس وطعنت في أنسابهم، فبالله إلا عرفتني من أبوك، وما أصله؟ فقال: حدثني أبي أنّ أباه كان يهوديا بباجروان. قال أبو حاتم: وكان مع علمه إذا قرأ البيت لم يقم إعرابه، وينشده مختلف العروض. وتصانيفه تقارب مائتي تصنيف، فمنها: «غريب القرآن»، «مجاز القرآن»، «الأمثال في غريب الحديث»، «المثالب»، «أيام العرب»، «معاني القرآن»، «طبقات الفرسان»، «نقائض جرير والفرزدق»، «الخيل»، «الإبل»، «السيف»، «اللغات»، «المصادر»، «خلق الإنسان»، «فعل وأفعل»، «ما تلحن فيه العامة»، وغير ذلك. وكان يقول شعرا ضعيفا، وأصلح ما روي له قوله: يكلّمني ويخلج حاجبيه ... لأحسب عنده علما دفينا (¬1) وما يدري قبيلا من دبير ... إذا قسم الذي يدري الظّنونا ¬

_ (¬1) انباه الرواة للقفطي 3/ 280.

وروى له البخاري تعليقا، وأبو داود: وهو صدوق. ولد سنة اثنتي عشرة ومائة، ومات سنة تسع، وقيل ثمان، وقيل إحدى عشرة ومائتين، وقد قارب المائة. ذكره شيخنا في «طبقات اللغويين والنحاة». 639 - المفضل بن سلمة بن عاصم أبو طالب النحوي اللغوي الفاضل الكوفيّ (¬1). أخذ عن أبيه، وعن ابن السكيت (¬2)، وثعلب، وخالف طريقة أبيه. قال أبو الطيب: وردّ أشياء من «كتاب العين» أكثرها غير مردود، واختار في اللغة والنحو اختيارات غيرها المختار. وكان [مليح] الخط، منقطعا إلى الفتح بن خاقان. وله من الكتب كتاب «ضياء القلوب» في معاني القرآن، نيف وعشرون جزءا، كتاب «الفاخر في لحن للعامة»، كتاب «البارع» في اللغة، «الاشتقاق»، «آلة الكتابة»، «المدخل إلى علم النحو»، «المقصور والممدود»، «الاستدراك على العين»، «العود والملاهي»، كتاب «الزرع والنبات والنخل وأنواع الشجر»، «خلق الإنسان»، «ما يحتاج إليه الكتاب»، «الأنواء والبوارح»، «الخط والقلم»، «جماهير القبائل» لطيف، «الرد على الخليل وإصلاح ما في كتاب العين من الغلط والمحال والتصحيف» وغير ذلك. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 305، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/ 124، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 1/ 254، الفهرست لابن النديم 73، مراتب النحويين 157، معجم الأدباء لياقوت 7/ 170، الألباء لأبي بركات بن الأنباري 202. (¬2) في الأصل: «أبي السكيت» تحريف، صوابه في بغية الوعاة.

ذكره شيخنا في «طبقات النحاة» وغيره لم يؤرخوا وفاته (¬1). 640 - المفضل بن محمد الأصبهانيّ أبو القاسم الراغب. صاحب المصنفات، كان في أوائل المائة الخامسة. له: «مفردات القرآن»، و «أفانين البلاغة»، و «المحاضرات»، و «الذريعة إلى مكارم الشريعة» وغير ذلك. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة» وقال: كان في ظني أنه معتزلي، حتى رأيت بخط الشيخ نور الدين الزركشي على ظهر نسخة من «القواعد الصغرى» لابن عبد السلام ما نصه: ذكر الإمام فخر الدين [الرازي (¬2)] في «تأسيس التقديس في الأصول» أن أبا القاسم الراغب كان من أئمة السنة، وقرنه بالغزّاليّ، قال: وهي فائدة حسنة، فإن كثيرا من الناس يظنون أنه معتزلي ................ ..... (¬3). 641 - مقاتل بن حيّان (¬4). بفتح المهملة والتحتانية النّبطي (¬5) بفتح النون والموحدة مولى لبكر بن وائل بن ربيعة، ويقال مولى بني تيم الله، كان يسكن ببلخ، يكنى أبا ¬

_ (¬1) ذكر ابن قاضي شهبة أنه مات سنة 300 هـ، وذكر صاحب كشف الظنون أن وفاته كانت سنة 290 هـ. (¬2) له ترجمة في: مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 226. (¬3) بياض في الأصل، والترجمة بنصها في بغية الوعاة، وقد وقفت الترجمة هناك عند هذا الحد. (¬4) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 174، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 330، ميزان الاعتدال 4/ 171. (¬5) نسبة الى النبط، وهم قوم من العجم ينسب اليهم مقاتل بن حلين (اللباب لابن الأثير 3/ 212).

بسطام الخزاز بمعجمة وزاءين (¬1) منقوطتين. يروى عن مجاهد، وعروة، والضحاك. وعنه علقمة بن مرثد وهو أكبر منه، وإبراهيم بن أدهم، وابن المبارك. وهو صدوق فاضل، أخطأ الأزدي في زعمه أن وكيعا كذبه، وإنما كذّب مقاتل بن سليمان. وهو من الطبقة السادسة، مات قبيل الخمسين ومائة بأرض الهند، خرّج له الجماعة إلا البخاري، وله «تفسير». 642 - مقاتل بن سليمان بن كثير الأزدي الخراساني أبو الحسن البلخي المفسّر (¬2). نزيل مرو. ويقال له: ابن دوال دوز. كذبوه وهجروه، ورمي بالتجسيم، من الطبقة السابعة، مات سنة خمسين ومائة. روى عن مجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وأبي إسحاق السبيعي، والضحاك بن مزاحم، ومحمد بن مسلم الزهري وغيرهم. وعنه بقية بن الوليد الحمصي، وعبد الرازق بن همام الصنعاني، وحرميّ ابن عمارة وغيرهم، وكان من العلماء الأجلاء. ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وفي تبصير المنتبه لابن حجر 1/ 330: «مقاتل بن حيان الخراز، نسبة الى خرز الجلود. وفي خلاصة تذهيب الكمال 320: «مقاتل بن حيان الخراز، أوله معجمة ثم مهملة». (¬2) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/ 160، تهذيب التهذيب لابن حجر 10/ 279، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 331، الفهرست لابن النديم 179، ميزان الاعتدال 4/ 173، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 341.

حكى عن الشافعي- رضي الله عنه- أنه قال: الناس كلهم عيال على ثلاثة: مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الكلام. قال الذهبي في «طبقات الحفاظ» عقب ترجمة مقاتل بن حيّان: فأما مقاتل بن سليمان المفسر فكان في هذا الوقت، وهو متروك الحديث، وقد لطخ بالتجسيم مع أنه كان من أوعية العلم بحرا في التفسير. وله أيضا كتاب «نظائر القرآن»، وكتاب «التفسير الكبير»، وكتاب «الناسخ والمنسوخ»، وكتاب «تفسير الخمسمائة آية»، وكتاب «القراءات»، وكتاب «متشابه القرآن»، وكتاب «نوادر التفسير»، وكتاب «الوجوه والنظائر»، وكتاب «الجوابات في القرآن»، وكتاب «الرد على القدرية»، وكتاب «الأقسام واللغات»، وكتاب «التقديم والتأخير»، وكتاب «الآيات المتشابهات». ذكر هذه الكتب النديم في «الفهرست». 643 - مكيّ بن أبي طالب حمّوش- بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم المضمومة وسكون الواو بعدها شين معجمة- بن محمد بن مختار أبو محمد القيسي (¬1). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 313، بغية الملتمس للضبي 455، جذوة المقتبس للحميدي 329، الديباج المذهب لابن فرحون 346، الصلة لابن بشكوال 2/ 597، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 309، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 256، العبر 3/ 187، مرآة الجنان لليافعي 3/ 57، معجم الأدباء 7/ 173، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 84، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 41، نزهة الألباء 347، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 361. وهو مكرر 648.

كان فقيها مقرئا أديبا. وله رواية، وغلب عليه علم القرآن، وكان من الراسخين فيه. أخذ بالقيروان عن أبي محمد بن أبي زيد، وأبي الحسن القابسي. وحج ولقي بالمشرق جلة من الشيوخ وأخذ عنهم، منهم: أبو القاسم المالكي، وابن فارس، وإبراهيم المروزي، وأبو العباس وجماعة. وروى عنه جلة كابن عتاب، وحامد بن محمد، وأبو الأصبغ بن سهل. ودخل قرطبة أيام المظفر بن أبي عامر سنة ثلاث وتسعين ولا يؤبه لمكانه، إلى أن نوه بمكانه ابن ذكوان القاضي، وأجلسه في الجامع، فنشر علمه، وعلا ذكره ورحل الناس إليه من كل قطر، وولي الشورى والخطبة والصلاة، إلى أن أقعد عنها في زمن الفتنة. وصنّف تصانيف كثيرة في علوم القرآن منها: «إعراب القرآن»، وسماه «الإيجاز»، و «اللمع»، و «الموجز في القراءات»، و «التبصرة» فيها، و «الهداية في التفسير»، و «الوقف على كلا»، وكتاب «المأثور عن مالك في أحكام القرآن وتفسيره» في عشرة أجزاء، وغير ذلك. وتوفي في صدر محرم سنة سبع وأربعمائة. 644 - منبه بن محمد بن أحمد بن علي بن ينال بن أبي سهل أبو وهب ابن أبي جعفر المخلصيّ. من الإخلاص بسكون الخاء المعجمة وكسر اللام الفقيه الحنفي، فقيها شاعرا واعظا، مليح الوعظ، حسن المعرفة بالتفسير. قدم بغداد حاجا سنة ست وتسعين وأربعمائة، وحدّث بها عن أبي حامد أحمد بن محمد الشجاعي، وأبي نصر أحمد بن محمد بن حمدان الحداد.

وروى عنه من أهلها أبو عبد الله البيضاوي. ولد سنة تسع وثلاثين وأربعمائة. وإنما سمي المخلصي، لأن والده كان صادقا مخلصا فيما يقول للملوك والسلاطين وكان ينفق من ماله على من يقرأ عليه. قاله الصفديّ. 645 - المنتخب بن أبي العز رشيد منتجب الدين أبو يوسف الهمذاني (¬1). إمام كامل علامة. قال الذهبي: كان رأسا في القراءات، والعربية، صالحا متواضعا، صوفيا. قرأ على أبي الجود بمصر سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وسمع بدمشق أبا اليمن الكندي، وقرأ عليه، و «شرح الشاطبية» شرحا لا بأس به، و «أعرب القرآن العظيم» إعرابا متوسطا، و «شرح المفصل للزمخشري» وأجاد فيه. وذكره في «تاريخ الإسلام» [فقال: كان سوقه كاسدا مع وجود السخاوي، وذكره أبو شامة في «الذيل» (¬2)] فقال: كان مقرئا مجودا، وانتفع بشيخنا السخاوي في معرفة قصيد الشاطبي، ثم تعانى القصيد فخاض بحرا عجز فيه عن سباحته وجحد حق تعظيم شيخنا له وإفادته. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 310، طبقات القراء للذهبي 2/ 508، مرآة الجنان لليافعي 4/ 111. (¬2) من طبقات القراء لابن الجزري.

قال الذهبي: سمعت النظام التبريزي يقول: قرأت القرآن بأربع روايات على المنتجب [وكنت (¬1)] أقرأ خفية من شيخنا السّخاوي، لأن من كان يقرأ على السخاوي لا يجسر أن يقرأ على المنتخب، فتكلم فيّ بعض الطلبة عند السخاوي، فقال الشيخ: هذا ما هو مثل غيره، هذا يقرأ ويروح وما يكثر فضولا، وسامحني الشيخ علم الدين دون غيري (¬2). قال ابن الجزري: وفي شرحه القصيد مواضع بعيدة عن التحقيق، وذلك أنه لم يقرأ بها على الناظم ولا على من قرأ عليه. وكان شيخ الإقراء بالتربة الزنجيلية جوار دار الطعم بدمشق. قرأ عليه الصائن محمد بن الزين الضرير، والنظام محمد بن عبد الكريم التبريزي، وعبد الولي بن عبد الرحمن بن محمد المقدسي. توفي في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وستمائة بدمشق. ذكره ابن الجزري في «طبقات القراء». 646 - المنجي بن عثمان بن أسعد بن المنجي بن بركات بن المؤمل بن عز الدين بن المؤمل التنوخي (¬3). المعري الأصل الدمشقي الفقيه الحنبلي الأصولي المفسّر النحوي زين الدين أبو البركات بن عز الدين أبي عمرو بن القاضي وجيه الدين أبي المعالي. ولد في عاشر ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وستمائة. وحضر إلى أبي الحسن بن المقير، وجعفر الهمداني. وسالم بن صصرى، وسمع من السخاوي، وابن المسلمة، وجماعة. ¬

_ (¬1) من طبقات القراء لابن الجزري. (¬2) في الأصل: «دون غيره». والمثبت في طبقات القراء لابن الجزري. (¬3) له ترجمة في: ذيل الحنابلة لابن رجب 2/ 332.

وتفقه على أصحاب جده، وأصحاب الشيخ موفق الدين، وقرأ الأصول على كمال الدين التفليسي، وغيره. وقرأ النحو على ابن مالك، وبرع في ذلك كله، ودرّس وأفتى وناظر وصنّف وانتهت إليه رئاسة المذهب بالشام في وقته. ومن تصانيفه «شرح المقنع» في أربع مجلدات، و «تفسير القرآن الكريم» وهو كبير، لم يبيضه، وألقاه جميعه دروسا، وشرع في «شرح المحصول» ولم يكمله واختصر نصفه، وله تعاليق كثيرة، ومسودات في الفقه والأصول وغير ذلك لم تبيض. وكان له في الجامع حلقة للإشغال والفتوى نحو ثلاثين سنة، متبرعا لا يتناول على ذلك معلوما. وكانت له أوراد صالحة من صلاة وذكر. وله إيثار كثير وبر، يفطر عنده الفقراء في بعض الليالي وفي شهر رمضان كله. وكان حسن الأخلاق، معروفا بالذكاء وصحة الذهن، وجودة المناظرة، وطول النفس في البحث، ذكر ذلك الذهبي. وقال البرزالي: كان عالما بفنون شتى، من الفقه، والأصلين (¬1)، وله تعاليق في التفسير، واجتمع له العلم والدين، والمال والجاه وحسن الهيئة. وكان صحيح الذهن، جيد المناظرة، صبورا فيها، وله برّ وصدقة. وكان ملازما للإقراء بجامع دمشق من غير معلوم. وسئل الشيخ جمال الدين بن مالك أن يشرح «ألفيته في النحو» فقال: ابن المنجى يشرحها لكم. ¬

_ (¬1) بعد هذا في الأصل: «وشرح المقنع». وقد سبق ذكره.

أخذ عنه الفقه الشيخ تقي الدين بن تيمية، والشيخ شمس الدين بن الفخر البعلي، والشيخ تقي الدين الزريراني. وحدّث، فسمع منه ابن العطار، والمزي، والبرزالي، وغيرهم. وتوفي يوم الخميس رابع شعبان سنة خمس وتسعين وستمائة بدمشق، ودفن بسفح قاسيون. ذكره ابن رجب. وزريران: قرية تحت بغداد بنحو سبعة فراسخ. 647 - منذر بن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن قاسم بن عبد الله ابن نجيح النفزيّ الكزنيّ (¬1). من فحص البلوط بالأندلس. كان متفننا في ضروب العلم، ورحل فروى «كتاب الإشراف» لابن المنذر عنه، وجلبه، وروى «كتاب العين» للخليل عن ابن ولاد. وتفقه بفقه أبي سليمان داود بن علي الأصبهانيّ القياسيّ الظاهريّ، وكان يحتج لمقالته، وقضى بمذهب مالك رضي الله عنه. وكان حافظا للقرآن، كثير التلاوة، عالما بتفسيره وأحكامه، ووجوه حلاله وحرامه، حاضرا لشواهده. وله كتاب «الأحكام»، وكتاب «الناسخ والمنسوخ»، و «تفسير القرآن». وصنّف في الفقه، والرد على المذاهب، وكان أخطب اهل زمانه ¬

_ (¬1) أنظر له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 450، تاريخ علماء الأندلس 2/ 144، جذوة المقتبس 326، مرآة الجنان لليافعي 2/ 358، معجم الأدباء لياقوت 7/ 178.

وأعلمهم بالجدل، وكان على متانة دينه وجزالته في أحكامه، حسن الخلق سهل الجانب كثير الدعابة، ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة خمس وخمسين وثلاثمائة. 648 - مكي بن أبي طالب حمّوش بن محمد بن مختار أبو محمد القيسي (¬1). النحويّ المقرئ القيرواني صاحب «الإعراب» ولد في شعبان سنة خمس وخمسين وثلاثمائة. وأصله من القيروان، وسكن قرطبة، وسمع بمكة ومصر من أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون، وقرأ عليه القرآن، وكان من أهل التبحر الراسخين في علوم القرآن والعربية، حسن الفهم والخلق، جيد الدين والعقل، كثير التآليف، مجودا للقرآن. أخذ بالقيروان عن أبي محمد بن أبي زيد، وأبي الحسن القابسي، وحج ولقي بالمشرق جلة من الشيوخ، منهم: أبو القاسم المالكي، وابن فارس، وإبراهيم المروزي وأبو العباس، وجماعة. ودخل قرطبة أيام المظفر بن أبي عامر سنة ثلاث وتسعين ولا يؤبه لمكانه، إلى أن نوه بمكانه ابن ذكوان القاضي، وأجلسه في الجامع، فنشر ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 313، بغية الملتمس للضبي 455، جذوة المقتبس 329، الديباج المذهب لابن فرحون 346، الصلة لابن بشكوال 2/ 597 طبقات القراء لابن الجزري 2/ 309، طبقات القراء للذهبي 1/ 316، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 256، العبر 3/ 187، مرآة الجنان لليافعي 3/ 57، معجم الأدباء لياقوت 7/ 173، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 84، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 41، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 361. وهو مكرر 643.

علمه، وعلا ذكره وولي الخطابة والصلاة، إلى أن قعد عنها زمن الفتنة، وانتفع به الناس ورحلوا إليه من كل قطر، وعظم اسمه، واشتهر بالصلاح وإجابة الدعوة، وكان رجل يتسلط عليه إذا خطب ويحصي سقطاته- وكان مكي يتوقف كثيرا في الخطبة- فقال: اللهم اكفنيه، اللهم اكفنيه، فأقعد الرجل، وما دخل الجامع بعد. قال ابن بشكوال: وله ثمانون تأليفا، منها: «إعراب القرآن» و «الموجز في القراءات»، «والتبصرة» و «التذكرة» و «الهداية» و «الرعاية» فيها و «التفسير الكبير»، و «الوقف على كلا»، و «الوقف والابتداء»، و «مشكل القرآن»، و «غريب القرآن» وأشياء كثيرة في القراءات. روى عنه الجلة كابن عتاب، وحاتم بن أحمد، وأبو الأصبغ بن سهل. توفي صدر محرم سنة سبع وثلاثين وأربعمائة. ذكره القاضي عياض في «المدارك»، ثم شيخنا في «طبقات النحاة». 649 - منصور بن الحسين بن محمد بن أحمد بن القاسم النيسابوري المفسّر. رجل معروف مشهور، من بيت الفضل والعلم والحديث والورع. روى عن أبي العباس الأصم، وعنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري، وعبد الواحد القشيري. مولده سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، ومات في ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وأرخها عبد الغافر في «السياق» سنة أربع وعشرين. 650 - منصور بن سرّار- بالتشديد- بن عيسى بن سليم- بفتح أوله أبو علي الأنصاري الإسكندرية المالكي المعروف بالمسدي المؤدب (¬1). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 401، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 312، طبقات المفسرين للسيوطي 42.

كان من حذاق المقرئين، «نظم أرجوزة في القراءات»، وصنف «تفسيرا». سمع من عبد الرحمن بن موقا، ومنصور بن خميس، وغيره. روى عنه الدمياطي، وغيره. ولد سنة سبعين وخمسمائة، وتوفي في رجب سنة إحدى وخمسين وستمائة، وله ثمانون سنة، وله شهرة بتلك البلاد. 651 - منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن عبد الجبار بن الفضل بن الربيع بن مسلم بن عبد الله أبو المظفّر السّمعانيّ التميميّ المروزيّ (¬1). الحنفي، ثم الشافعي، تفقه على والده حتى برع في فقه أبي حنيفة، وصار من فحول النظر، ومكث كذلك ثلاثين سنة، ثم صار إلى مذهب الشافعي، وأظهر ذلك في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، فاضطرب أهل مرو لذلك، وتشوش العوام، فخرج منها وخرج معه طائفة من الفقهاء، وقصد نيسابور، واستقبله الأصحاب استقبالا عظيما، فأكرموا مورده، وعقد له التذكير في مدرسة الشافعية، وظهر له القبول عند الخاص والعام، واستحكم أمره في مذهب الشافعي، ثم عاد إلى مرو ودرس بها في مدرسة أصحاب الشافعي، وعلا أمره وظهر له الأصحاب. وقد دخل بغداد في سنة إحدى وستين، وسمع الكثير بها، واجتمع بالشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وناظر ابن الصباغ في مسألة. ¬

_ (¬1) راجع ترجمته في: الأنساب للسمعاني 307 ب، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 153، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 335، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 28 ب، العبر 3/ 326، اللباب 1/ 563، مرآة الجنان لليافعي 3/ 151، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 332، المنتظم لابن تغري بردي 9/ 102، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 160.

قال حفيده أبو سعد السمعاني: صنف في الفقه، والتفسير، والحديث، والأصول: «فالتفسير» في ثلاث مجلدات، وكتاب «البرهان والاصطلام» الذي شاع في الأقطار، وكتاب «القواطع في أصول الفقه» وكتاب «الانتصار في الرد على المخالفين»، وكتاب «المنهاج لأهل السنة»، وكتاب «القدر» وأملى قريبا من تسعين مجلسا، وعنه أنه قال: ما حفظت شيئا قط فنسيته. ولد في ذي الحجة سنة ست وعشرين وأربعمائة، ومات في ليلة الجمعة ثالث عشري ربيع الاول سنة تسع وثمانين وأربعمائة بمرو. ذكره ابن قاضي شهبة. ومن شعره: خليلي إن وافيتما دارمية ... بذات الغضا فالجزع فالجنبات أنيخا على عهد قلوصيكما بها ... ولا تنيا في نهزة الفرصات وقولا لها إن أنتما تلقيانها ... تركنا الذي تدرين في زفرات من البين في نار من الوجد في جوى ... فقيد قرار دائم الحسرات 652 - مؤرج بن عمرو بن منيع بن حصين السدوسي النحوي أبو فيد البصري (¬1). [قال] الزبيدي: كان عالما بالعربية، إماما في النحو. وقال الحاكم: أحد الأئمة من أهل الأدب، سمع من قرة بن خالد، وأبي عمرو بن العلاء، ومنه النضر بن شميل. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 327، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/ 258، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 261، الفهرست لابن النديم 48، مراتب النحويين 67، المعارف 543، معجم الأدباء لياقوت 7/ 193، نزهة الألباء 130، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 389.

وكان يقول: قدمت من البادية ولا معرفة لي بالقياس في العربية، وإنما كانت معرفتي قريحتي، وأول ما تعلمت القياس في حلقة أبي زيد الأنصاري. وقال ياقوت: هو من أعيان أصحاب الخليل. عالم بالعربية والحديث والأنساب والأخبار. صنف «معاني القرآن»، «غريب القرآن»، «الأنوار»، «جماهير القبائل». مات سنة خمس وتسعين- وقيل أربع وتسعين- ومائة، وقيل: عاش إلى بعد المائتين. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 653 - موسى بن أزهر بن موسى بن حريث بن قيس بن جبير أبو عمر (¬1). مولى معاوية بن هشام. سمع من أبي زيان، وبقي، والحسني، وابن وضاح، ونظرائهم. وكان حفظا للتفسير والمشاهد، فصيحا متصرفا في اللغة، والإعراب، والخير، والشعر. مات بعد منصرفه من الغزو بقلعة رباح (¬2)، سنة ست وثلاثمائة، ودفن ببلده وهو ابن تسع وسبعين سنة. ذكره القاضي عياض في «المدارك». 654 - موسى بن عبد الرحمن بن حبيب أبو الأسود المعروف بالقطّان (¬3) ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي 2/ 148. (¬2) في الأصل: «باج». والمثبت في تاريخ علماء الأندلس، وانظر الروض المعطار ص 163. (¬3) له ترجمة في: البيان المغرب 1/ 181، الديباج المذهب لابن فرحون 342.

مولى بني أمية. سمع من محمد بن سحنون، ومحمد بن عامر الأندلسي، وعلي بن عبد العزيز، وغيرهم. روى عنه تميم بن أبي العرب، وأبو القاسم الريدي (¬1)، وغيرهما، وما أعجب أهل مصر بمن قدم عليهم من القيروان إعجابهم به وأبي العباس بن طالب. كان ثقة فقيها حافظا، من الفقهاء المعدودين، والأئمة المشهورين، وله أوضاع كثيرة في العلم. كان يحسن الكلام في الفقه على مذهب مالك وأصحابه. ولي قضاء طرابلس فنفذ الحقوق وأخذها للضعيف من القوي، فبغي عليه وأوذي، فعزل وحبس في الكنيسة شهورا ثم أطلق، وكان سبب إطلاقه في رجل اشترى حوتا فوجد في بطنه آخر، فاختلفوا، هل هو للبائع أو للمشتري، فأفتى موسى: إن كان الشراء على الوزن فهو للمشتري، وإن كان على الجزاف فهو للبائع، فقال الوالي: مثل هذا لا يحبس، وأطلقه، وألفت الناس في فضائله. وألف أبو الأسود «أحكام القرآن» اثني عشر جزءا. وتوفي في ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة، وهو ابن إحدى وسبعين سنة، ومولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. وقال ربيع القطان: لما غسلناه وكفناه أغلقنا عليه البيت، وخرجنا إلى ¬

_ (¬1) في الأصل: «السدري». والمثبت في نفح الطيب للمقري. وانظر تبصير المنتبه لابن حجر 2/ 667.

المسجد وبقي عنده النساء في الدار، فلما جئنا أخبرنا النساء أنهن سمعن جلبة عظيمة، فظنن أن الرجال في البيت، فعجبنا من ذلك، وتأولنا أنهم الملائكة تزاحمت عليه. وقال بعضهم: رأيت صاحبا لنا في النوم فسألته عن أستاذنا موسى، فقال: ذلك رجل يدخل على الله متى شاء. ذكره القاضي عياض. 655 - موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك (¬1). العلامة كمال الدّين أبو الفتح بن الشيخ رضي الدّين الموصلي. [أحد (¬2)] المتبحرين في العلوم الشرعية والعقلية، قيل: إنه كان يتقن أربعة عشر علما. تفقه بالنّظاميّة على معيدها السّديد السّلماسيّ، وأخذ العربية عن يحيى ابن سعدون، وكمال الدين الأنباريّ. وتميز وبرع في العلوم، ورحل إلى الموصل، وأقبل على الدرس والاشتغال حتى اشتهر اسمه، وبعد صيته، ورحل إليه الطلبة، وتزاحموا عليه. قال ابن خلكان: كان يقرأ عليه الحنفية كتبهم (¬3)، وكان يحل «الجامع الكبير» حلا حسنا. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 158، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 378، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 49 أ، العبر للذهبي 5/ 162، عيون الأنباء 1/ 306، المختصر لأبي الفداء 3/ 177، مرآة الجنان لليافعي 4/ 101، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 356، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 342، وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 396. (¬2) من طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة. (¬3) في الأصل: «كلهم». والمثبت في طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة. والنقل فيه عن ابن خلكان بالمعنى.

وكان يقرأ عليه أهل الكتاب التوراة والإنجيل، فيقررون أنهم لم يسمعوا بمثل تفسيره لهما، قال: كان إذا خاض معه ذو فن توهم أنه لا يحسن غير ذلك الفن، وبالغ في ترجمته، والثناء على تحصيله، وجودة فهمه، واتساع ذهنه، وحكى عن بعضهم أنه كان يفضله على الغزالي في نفسه. وكان الصلاح يبالغ في الثناء عليه ويعظمه، فقيل له يوما: من شيخه؟ فقال: هذا الرجل خلقه الله عاما، لا يقال: على من اشتغل، فإنه أكثر من هذا. توفي بالموصل في شعبان سنة تسع وثلاثين وستمائة، ومولده في صفر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. وله كتاب «تفسير القرآن»، و «مفردات القانون»، و «كتاب في الأصول» وكتاب «عيون المنطق» وغير ذلك. ذكره ابن قاضي شهبة.

حرف النون

حرف النون 656 - ناصر بن منصور بن أبي القاسم. له «تفسير» في ثماني مجلدات كبار عظام، يحتج لأبي حنيفة وأصحابه، ويذكر الأحكام ومسائلها مفضلا. قال الفقيه محمد بن أبي بكر بن حيكاس: وجدت هذا الكتاب بمكة المشرفة، وطالعته واستفدت منه، وهو كتاب جليل، هذا لفظ نفيس الدين ومن خطه نقل. 657 - نصر بن علي بن محمد أبو عبد الله الشيرازي الفارسي الفسويّ النحوي (¬1). يعرف بابن ابي مريم. قال ياقوت: خطيب شيراز وعالمها وأديبها، والمرجوع إليه في الأمور الشرعية والمشكلات الأدبية، أخذ عن محمود بن حمزة الكرمانيّ. وصنّف «التفسير» و «شرح الإيضاح» للفارسيّ، قرئ عليه سنة خمس وستين وخمسمائة. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 344، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 337، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة 2/ 269، معجم الأدباء لياقوت 7/ 210.

658 - نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (¬1). الفقيه أبو الليث المعروف بإمام الهدى. تفقه على أبي جعفر الهندواني، وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة. والتصانيف المشهورة. توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث [وتسعين وثلاثمائة (¬2)]. وقال الصفدي: خمس وسبعين وثلاثمائة. له «تفسير القرآن العظيم» أربع مجلدات، و «النوازل في الفقه»، و «خزانة الفقه» في مجلد، و «تنبيه الغافلين»، و «كتاب البستاني» ذكر الثلاثة الأول الصفدي، والأخيرين القرشي. 659 - النصر العباسي. من الشيعة ................ ...... (¬3). له كتاب «فضائل القرآن» ............... (¬4). 660 - النعمان بن محمد بن منصور أبو حنيفة (¬5). كان مالكيا تم تحول إماميا، وولي القضاء للمعز العبيدي صاحب مصر، فصنف له التصانيف على مذهبهم، وفي تصانيفه ما يدل على انحلاله. مات ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 79، الجواهر المضيئة لعبد القادر بن محمد القرشي 1/ 196، الفوائد البهية للكنوي 220، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 277. (¬2) من تاج التراجم لابن قطلوبغا. (¬3) بياض في الأصل، وذكر ابن النديم صاحب الترجمة تحت عنوان الكتب المؤلفة في فضائل القرآن، ولم يزد على ذلك، فقال: كتاب أبي النصر العباسي من الشيعة. (الفهرست لابن النديم 37). (¬4) بياض في الأصل، وذكر ابن النديم صاحب الترجمة تحت عنوان الكتب المؤلفة في فضائل القرآن، ولم يزد على ذلك، فقال: كتاب أبي النصر العباسي من الشيعة. (الفهرست لابن النديم 37). (¬5) له ترجمة في: لسان الميزان 6/ 167، مرآة الجنان لليافعي 2/ 379، وفيات الأعيان لابن خلكان 5/ 48.

بمصر في رجب سنة ثلاث وستين وثلاثمائة. ومن تصانيفه؛ كتاب «تأويل القرآن» فيه تحريف كثير، وكتاب «الخلاف» يرد فيه على أئمة الاجتهاد وينصر الإسماعيلية، وقصيدة في الفقه تسمى «المنتخبة». ذكره شيخ مشايخنا الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان». 661 - نهشل بن سعيد بن وردان الوردانيّ (¬1). بصري الأصل، سكن خراسان. روى عن الضحاك، والربيع بن أنس، وعنه داود بن الجراح، وابن نمير. متروك في الطبقة السابعة، أخرج له ابن ماجة. له «تفسير» رواه عن الضحاك بن مزاحم رحمه الله. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الفهرست لابن النديم 33، ميزان الاعتدال للذهبي 4/ 357.

حرف الهاء

حرف الهاء 662 - هارون بن موسى بن شريك القارئ النحويّ أبو عبد الله التغلبيّ (¬1) يعرف بالأخفش، وهو خاتمة الأخفشين من أهل دمشق، ولد سنة إحدى ومائتين، وقرأ بقراءات كثيرة وروايات غريبة، وكان قيّما بالقراءات السبع، عارفا بالتفسير والنّحو والمعاني والغريب والشعر، طيّب الصوت، وعنه اشتهرت قراءة أهل الشام، ولولا ضبطه ارتفعت. قرأ على عبد الله بن ذكوان وغيره، وعنه أخذ أبو الحسن بن الأثرم، وحدّث عن أبي مسهر الغسّانيّ، وعنه أبو القاسم الطبراني، وأبو بكر بن فطيس، وكان من أهل الأدب والفضل. صنّف كتبا كثيرة في القراءات والعربية ومات سنة اثنتين وتسعين ومائتين. ذكره ابن الجزري في «طبقات القراء»، ثم شيخنا في «طبقات النحاة». 663 - هبة الله بن سلامة بن نصر بن عليّ أبو القاسم الضّرير المقرئ النحويّ المفسر البغداديّ (¬2). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 347، معجم الأدباء لياقوت 7/ 235. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 1051، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 351، طبقات المفسرين للسيوطي 42، معجم الأدباء لياقوت 7/ 243.

قال ياقوت: كان من أحفظ الناس لتفسير القرآن والنّحو، وكان له حلقة في جامع المنصور. اخذ القراءة عرضا عن زيد بن أبي بلال، وأخذها عنه عرضا الحسن بن علي العطار، وسمع من أبي بكر القطيعيّ، وعنه ابن بنته رزق الله التميمي، وقرأ عليه أبو الحسن علي بن القاسم الطابثيّ. صنّف: «التفسير»، و «الناسخ والمنسوخ»، و «المسائل المنثورة في النحو». مات ببغداد في رجب سنة عشر وأربعمائة. 664 - هبة الله بن عبد الله بن سيّد الكلّ القاضي بهاء الدين أبو القاسم القفطي الشافعيّ (¬1). مولده في سنة ستمائة، وقيل: سنة إحدى، في أواخر سنة تسع وتسعين. تفقه على الشيخ مجد الدين القشيريّ، وقرأ على الشيخ شمس الدين الأصبهانيّ الأصول بقوص، ودخل القاهرة واجتمع بالشيخين الإمامين عز الدين بن عبد السلام، وزكي الدين المنذري، واستفاد منهما، ورجع إلى بلده، وانتفع به الناس وتخرجت به الطلبة. وولي قضاء إسنا، وتدريس المدرسة العزية (¬2) بها، وكانت إسنا مشحونة بالروافض فإن كثيرا منهم لم ينتقل عن اعتقاد المصريين، فقام في نصر السنة، وأصلح الله به خلقا، وهمت الروافض بقتله فحماه الله منهم، وترك القضاء أخيرا، واستمر على العلم والعبادة. قال السبكي: وكان فقيها فاضلا متعبدا مشهور الاسم، وانتهت إليه رئاسة العلم في إقليمه، وكان زاهدا. ¬

_ (¬1) أنظر ترجمته في: حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 420، الطالع السعيد للأدفوي 691، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 390، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 65 أ. (¬2) في الأصل: «المعزية»، والمثبت في الطالع السعيد، وطبقات الشافعية للسبكي.

وقال الإسنوي: برع في علوم كثيرة، وأخذ عنه الطلبة وقصدوه من كلّ مكان، وممن انتفع به الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، والجلال الدّشناويّ. وصنف كتبا كثيرة في علوم متعددة. وكانت أوقاته موزعة ما بين إقراء وتصنيف ومواعيد رقائق وغيرها. توفي بإسنا سنة سبع وتسعين وستمائة، ودفن بالمدرسة المجديّة. وقفط: بقاف مفتوحة ثم فاء ساكنة ثم طاء مهملة، إحدى بلاد الصعيد. ومن تصانيفه «تفسير القرآن الكريم» وصل فيه إلى مريم، وشرح كتاب «الهادي» في الفقه، خمس مجلدات، وشرح «عمدة الطبري»، وشرح «مختصر أبي شجاع» وكتاب في الرد على الروافض، سماه «النصائح المفترضة في فضائل الرّفضة» وكتاب «الأنباء المستطابة في فضائل الصّحابة على القرابة» ومقدمة في النحو»، وشرح «مقدمة المطرّزي (¬1)» في النحو، «ومصنف في الفرائض والجبر والمقابلة». أورده ابن قاضي شهبة. 665 - هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم بن هبة الله بن حسّان بن محمد بن منصور بن الجهني الحموي (¬2). ¬

_ (¬1) في الأصل: «المطرز». والمثبت في طبقات الشافعية للسبكي، الموضع السابق، وأيضا 2/ 311، في ترجمة المطرزي، وهو: ناصر بن عبد السيد بن علي بن المطرز أبو الفتح النحوي، المشهور بالمطرزي، صنف «الاقناع في اللغة»، و «مختصر المصباح» في النحو، و «مقدمة فيه» مشهور بالمطرزية. مات سنة 610 هـ. (¬2) له ترجمة في: البدر الطالع للشوكاني 2/ 324، الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 174، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 248 (ط. الحسينية)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 77 ب، مرآة الجنان لليافعي 4/ 297، مفتاح السعادة 2/ 367، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 9/ 315.

الشيخ الإمام قاضي القضاة شرف الدين أبو القاسم بن قاضي القضاة نجم الدين ابن القاضي شمس الدين المعروف بابن البارزي الشافعي. قاضي حماة، وصاحب التصانيف الكثيرة. ولد في رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة. وسمع من والده، وجده (¬1) وعز الدين الفاروثي. وجمال بن مالك، وغيرهم، وأجاز له جماعة. وتلا بالسبع، وتفقه على والده، وأخذ النحو عن ابن مالك، وتفنن في العلوم وأفتى ودرّس وصنّف، وولي قضاء حماة، وعمي في آخر عمره. وحدث بدمشق وحماة. سمع منه البرزالي، والذهبي، وخلق. وقد خرج له ابن طغربك «مشيخة» كبيرة، وخرج له البرازلي جزءا. ذكره الذهبي في «معجمه» وقال: شيخ العلماء بقية الأعلام، سمع، وقرأ النحو، والأصول، وشارك في الفضائل، وصنف التصانيف مع العبادة والدين والتواضع ولطف الأخلاق، ما في طباعه من الكبر ذرّة، وله ترام على الصالحين وحسن الظن بهم. وقال الإسنوي: كان إماما راسخا في العلم، صالحا خيرا محبا للعلم ونشره، محسنا إلى الطلبة، له المصنفات المفيدة المشهورة وصارت إليه الرحلة. قال ابن السبكي: انتهت إليه مشيخة المذهب ببلاد الشام، وقصد من الأطراف، وكان إماما عارفا بالمذهب وفنون كثيرة، له التصانيف. توفي في ذي القعدة، سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. ومن كلامه مما يقرأ معكوسا: سور حماة بربها محروس. ¬

_ (¬1) في الأصل: «وجده عز الدين» تحريف، صوابه في الدرر الكامنة، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة.

ومن تصانيفه «روضات الجنان في تفسير القرآن» عشر مجلدات، وكتاب «الفريدة البارزية في حل الشاطبية»، وكتاب «المجتبى» بعد الجيم والتاء المثناة فوق باء موحدة، مختصره «جامع الأصول» أيضا، وكتاب «الوفا في أحاديث المصطفى» مجلدان، وكتاب «المجرد من مسند الإمام الشافعي» و «شرحه» في أربع مجلدات، وكتاب «ضبط غريب الحديث» مجلدان، و «تيسير الفتاوي في تحرير الحاوي» وكتاب «شرح البهجة» مجلدان، وكتاب «تمييز التعجيز»، «الزبد» لطيف، وكتاب «الدرة في صفة الحج والعمرة» وكتاب «المبتكر في الجمع بين مسائل المحصول والمختصر» وله مصنفات أخر عدها العثماني في «طبقاته» بضعا وتسعين تصنيفا. ذكره ابن قاضي شهبة. 666 - هبة الله بن عبد الخالق المفسّر ........... (¬1) 667 - هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد السّلمي، ويقال الظّفري (¬2). المقرئ الحافظ، خطيب دمشق. سمع مالكا، ويحيى بن حمزة، وصدقة بن خالد. وعنه البخاري وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، ومحمّد بن خريم، والباغندي. ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة ومات بدمشق آخر المحرم سنة خمس وأربعين ومائتين. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 451، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 354، طبقات القراء للذهبي 1/ 160، العبر للذهبي 1/ 445، ميزان الاعتدال للذهبي 4/ 302، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 321.

له كتاب «فضائل القرآن». 668 - هشام بن علي بن هشام .............. (¬1) له «ناسخ القرآن ومنسوخه» ................ (¬2) 669 - هشيم بن بشير- مكبر- بن القاسم بن دينار (¬3). الحافظ الكبير أبو معاوية بن أبي خازم- بمعجمتين- السّلميّ الواسطيّ. نزيل بغداد، صاحب «التفسير» الذي يرويه عنه أبو هاشم زياد بن أيوب بن زياد البغدادي. سمع الزهري، وعمرو بن دينار، ومنصور بن زاذان، وحصين بن عبد الرحمن، وأبا بشر، وأيوب السختياني، وخلقا كثيرا، وعنى بهذا الشأن وفاق الأقران. حدّث عنه: شعبة، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل، وقتيبة، وزياد بن أيوب، ويعقوب الدّورقي، والحسن بن عرفة، وعدد كثير. مولده سنة أربع ومائة. قال عمرو بن عون: كان هشيم سمع من الزهري، وأبي الزبير، وعمرو، بمكة أيام الموسم. وقال يعقوب الدّورقي: كان عند هشيم عشرون ألف حديث. ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، وقد ذكر ابن النديم صاحب الترجمة تحت عنوان الكتب المصنفة في ناسخ القرآن ومنسوخه ولم يزد على ذلك، فقال: «هشام بن علي بن هشام، له ناسخ القرآن ومنسوخه». (¬2) بياض في الأصل، وقد ذكر ابن النديم صاحب الترجمة تحت عنوان الكتب المصنفة في ناسخ القرآن ومنسوخه ولم يزد على ذلك، فقال: «هشام بن علي بن هشام، له ناسخ القرآن ومنسوخه». (¬3) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 41/ 85، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 248، العبر 1/ 286، الفهرست لابن النديم 228، ميزان الاعتدال للذهبي 4/ 306.

وقال وهب بن جرير: قلنا لشعبة نكتب عن هشيم؟ قال: نعم، ولو حدثكم عن ابن عمر فصدقوه. قال أحمد بن حنبل: لزمت هشيما أربع سنين ما سألته عن شيء إلا مرتين هيبة له، وكان كثير التسبيح بين الحديث، يقول: لا إله إلا الله يمد بها صوته. وعن ابن مهدي قال: كان هشيم أحفظ للحديث من الثوري. وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أحدا أحفظ من هشيم إلا سفيان إن شاء الله. وعن حماد بن زيد قال: ما رأيت في المحدّثين أنبل من هشيم، وسئل أبو حاتم عنه فقال: لا يسأل عنه في صدقه وأمانته وصلاحه. وقال عبد الله بن المبارك: من غيّر الدهر حفظه فلم يغيّر حفظ هشيم. مات هشيم في شعبان سنة ثلاث وثمانين ومائة. له غير التفسير «السنن» في الفقه «المغازي» أخرج له الجماعة رحمهم الله تعالى. 670 - همّام بن أحمد الخوارزميّ همام الدين الشافعيّ العلامة. قال الحافظ ابن حجر: اشتغل في بلاده ثم قدم حلب والقاهرة، وولي مشيخة مدرسة جمال الدين الأستادار أول ما بنيت، وأقرأ «الحاوي» و «الكشاف»، وكان ماهرا في أقرانه إلا أنه بطيء العبارة جدّا، وكثرت عليه الطلبة، وكان مشاركا في العلوم العقلية مع اطراح التكلف وسلامة الباطن. يقال: إنه درس من أول الكشاف إلى قوله تعالى في أول سبأ: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ (¬1) فمات بعد أيام مطعونا في العشر الأخير من ربيع الأول، سنة تسع عشرة وثمانمائة، وقد جاوز السبعين. ¬

_ (¬1) سورة 14.

671 - الهيثم بن عديّ الطائي أبو عبد الرحمن المنبجيّ (¬1) ثم الكوفي (¬2) متروك الحديث كان أخباريّا علامة. روى عن هشام بن عروة، وعبد الله بن عياش المنتوف، ومجالد. قال ابن عدي: ما أقل ما له من المسند، إنما هو صاحب أخبار. وقال [ابن (¬3)] المديني: هو أوثق من الواقدي، ولا أرضاه في شيء: وقال أبو حاتم: متروك الحديث، محله محل الواقدي. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال يعقوب بن شيبة: كانت له معرفة بأمور الناس وأخبارهم ولم يكن في الحديث بقوي، ولا كانت له به معرفة، وبعض الناس تحمل عليه في صدقه. وقال الإمام أحمد: كان صاحب أخبار ويدلس، وذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء، وكذلك ردّ الحديث لكون الهيثم فيه جماعة منهم: الطحاوي في «مشكل الحديث» والبيهقي في «السنن» والنقاش والجوزقاني فيما صنفاه في الموضوعات. وذكر المسعودي في «مروج الذهب» أنه مات سنة ست ومائتين. ¬

_ (¬1) بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء الموحدة وبعدها جيم، نسبة الى منبج، وهي احدى مدن الشام، وبناها كسرى لما غلب على الشام وسماها: منبه، فعربت وقيل: منبج (اللباب 3/ 180). (¬2) له ترجمة في: انباه الرواة للقفطي 3/ 365، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 14/ 50، الفهرست لابن النديم 99، لسان الميزان 6/ 209، مرآة الجنان لليافعي 2/ 32، معجم الأدباء لياقوت 7/ 261، ميزان الاعتدال للذهبي 4/ 324، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 184، وفيات الأعيان 5/ 157. (¬3) لسان الميزان.

له كتاب «لغات القرآن». 672 - الهيصم بن محمد بن عبد العزيز بن الإمام أبي الحسن. من أحفاد الإمام محمد بن الهيصم، أبوه أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز من قدماء أصحابه حتى زوجه ابنته أم كلثوم، وكانت عالمة زمانها، وهذا من أفاضل زمانه، زاد فيه على أقرانه، وتصدر للتدريس وللتعليم، وكان عالما بالتفسير، ذا معرفة بالأحاديث والأسانيد، وكان فارس ميدان البلاغة نظما ونثرا، كثير الحفظ لأصول العربية، قلّما يحفظ شيئا فيتطرق إليه النسيان لقوة حفظه، واشتغل بالعبادة والعلوم، وأملى بنيسابور، وكان ورعا. توفي سنة سبع وستين وأربعمائة. ذكره عبد الغافر في «السياق».

حرف الواو

حرف الواو 673 - واصل بن عطاء البصري الغزّال (¬1). المتكلم البليغ المتشدق، الذي كان يلثغ بالراء؛ فلبلاغته هجر الراء وتجنبها في خطابه. سمع من الحسن البصري، وغيره. قال أبو الفتح الأزدي: رجل سوء كافر، وكان من أجلاد المعتزلة، ولد سنة ثمانين بالمدينة. ومما قيل فيه: ويجعل البرّ قمحا في تصرّفه ... وخالف الراء حتى احتال للشّعر (¬2) ولم يطق مطرا في القول يجعله ... فعاذ بالغيث إشفاقا من المطر وله من التصانيف: كتاب «أصناف المرجئة»، و «كتاب التوبة»، وكتاب «معاني القرآن»، وكتاب «العدل والتوحيد»، وكتاب «الرد على القدرية». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البيان والتبيين للجاحظ 1/ 31، فوات الوفيات لابن شاكر 2/ 624، لسان الميزان 6/ 214، مرآة الجنان لليافعي 1/ 274، معجم الأدباء لياقوت 7/ 223، ميزان الاعتدال للذهبي 4/ 329، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 1/ 313، وفيات الأعيان لابن خلكان 5/ 60. (¬2) البيتان في معجم الأدباء لياقوت 7/ 224، وميزان الاعتدال للذهبي 4/ 329، ومرآة الجنان لليافعي 1/ 274، ولسان الميزان 6/ 214، ووفيات الأعيان لابن خلكان 5/ 60.

وكان يتوقف في عدالة أهل الجمل، ويقول: إحدى الطائفتين فسقت لا بعينها فلو شهد عندي عليّ وعائشة وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهم. مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. قال المسعودي: كان قديم المعتزلة وشيخها، وهو أول من أظهر القول بالمنزلة بين المنزلتين وكنيته أبو حذيفة. وقال الجاحظ: كان بشار الشاعر صديق أبي حذيفة واصل، وكان قد مدح خطبته التي نزع منها الراء، ثم رجع عنه لما دان بالرجعة، وكفر جميع الأمة لأنهم لم يتابعوا عليا، وسئل عن علي رضي الله عنه فقال: وما شرّ الثلاثة أم عمرو (¬1). قلت: وما أظن هذا إلا وهما في حق واصل. من «لسان الميزان». 674 - وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي (¬2). بضم الراء وهمزة ثم مهملة، ورؤاس بطن من قيس عيلان. الإمام الحافظ الثبت محدث العراق أبو سفيان الكوفي. صاحب «التفسير» الذي رواه عنه محمد بن إسماعيل الحساني. ولد وكيع سنة تسع وعشرين ومائة. ¬

_ (¬1) صدر بيت من الشعر، والبيت كما ورد في البيان والتبيين للجاحظ 1/ 33 وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا (¬2) انظر ترجمته في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/ 466، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 306، الجواهر المضيئة 2/ 208، حلية الأولياء للأصفهاني 8/ 368، طبقات الحنابلة 1/ 391، العبر للذهبي 1/ 324، الفهرست لابن النديم 226، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 253، ميزان الاعتدال للذهبي 4/ 335.

وسمع هشام بن عروة، والأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وابن عون، وابن جريج، وسفيان، والأوزاعي، وخلائق. وعنه ابن المبارك مع تقدّمه، وأحمد، وابن المديني، ويحيى، وإسحاق، وزهير ابن حرب، وابنا أبي شيبة، وأبو كريب، وعبد الله بن هشام، وعلي ابن حرب، وإبراهيم بن عبد الله القصار، وأمم سواهم. وكان أبوه على بيت المال، وأراد الرشيد أن يولي وكيعا قضاء الكوفة فامتنع. قال يحيى بن يمان: لما مات سفيان جلس وكيع موضعه. وقال القعنبي: كنا عند حماد بن زيد، فلما خرج وكيع قالوا: هذا راوية سفيان، فقال: هذا إن شئتم أرجح من سفيان. وعن يحيى بن أيوب المقابري قال: ورث وكيع من أمه مائة ألف درهم. وقال الفضل بن محمد الشعراني: سمعت يحيى بن أكثم يقول: صحبت وكيعا في السفر والحضر، فكان يصوم الدهر، ويختم القرآن كل ليلة. قال يحيى بن معين: وكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه. وقال أحمد: ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع. وقال يحيى: ما رأيت أفضل منه، يقوم الليل، ويسرد الصوم، ويفتي بقول أبي حنيفة، وكان يحيى القطان يفتي بقول أبي حنيفة أيضا. وقال ابن المبارك: رجل المصرين اليوم ابن الجراح. قال سلم بن جنادة: جالست وكيعا سبع سنين، فما رأيته بزق، ولامس حصاة، ولا جلس مجلسه فتحرك، ولا رأيته إلا مستقبل القبلة، وما رأيته يحلف بالله.

قال إبراهيم بن شماس: لو تمنيت، كنت أتمنى عقل ابن المبارك وورعه، وزهد فضيل ورقته، وعبادة وكيع وحفظه، وخشوع عيسى بن يونس، وصبر حسين الجعفي، ثم قال: كان وكيع أفقه الناس. وقال مروان بن محمد الطاطري: ما رأيت أخشع من وكيع، وما وصف لي أحد إلا ورأيته دون الصفة، إلا وكيع فإني رأيته وفق ما وصف لي. قال سعيد بن منصور: قدم وكيع مكة وكان سمينا، فقال له الفضيل ابن عياض: ما هذا السمن وأنت راهب العراق؟ قال: هذا من فرحي بالإسلام فأفحمه. قال ابن عمار: ما كان بالكوفة في زمان وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث منه. قال أبو داود: ما روي لوكيع كتاب قط. وقال أحمد بن حنبل: ما رأت عيني مثل وكيع قط، يحفظ الحديث، ويذاكر بالفقه فيحسن، مع ورع واجتهاد، ولا يتكلم في أحد. قال حماد بن مسعدة: قد رأيت الثوري، ما كان مثل وكيع. وقال أحمد بن زهير (¬1) سمعت يحيى بن معين يقول: من فضّل عبد الرحمن على وكيع فعليه كذا وكذا- ولعن. قال أبو حاتم: وكيع أحفظ من ابن المبارك. وقال أحمد بن حنبل: عليكم بمصنّفات وكيع. ¬

_ (¬1) في الأصل: «قال أحمد وزهير سمعنا» تحريف، صوابه في تذكرة الحفاظ للذهبي. وهو أحمد ابن أبي خيثمة زهير بن حرب الامام أبو بكر الحافظ الحجة، صاحب التاريخ الكبير، ثقة بصير بأيام الناس، راوية للأدب. أخذ علم الحديث عن ابن معين. مات سنة 279 (تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 596).

وروى أبو هاشم وغيره عن وكيع قال: من زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر. توفي وكيع بفيد (¬1) راجعا من الحج سنة سبع وتسعين ومائة، يوم عاشوراء قال وكيع: الجهر بالبسملة بدعة. سمعه منه أبو سعيد الأشح. وقيل: إنه ورث من أمه مائة ألف، وقد وصل إنسانا مرة بصرة دنانير لكونه كتب من محبرته، وقال: اعذرني فإني لا أملك غيرها. 675 - الوليد بن أبان بن بونة (¬2) الحافظ أبو العباس الأصبهاني (¬3). صاحب «التفسير»، و «المسند الكبير» وغير ذلك. سمع أحمد بن عبد الجبار العطاردي، وعباس بن محمد الدوري. وأحمد ابن الفرات، وأسيد بن عاصم، ويحيى بن عبدك القزويني، وطبقتهم. حدث عنه أبو الشيخ، والطبراني (¬4). وأحمد بن محمود (¬5)، ومحمد بن عبد الرحمن بن مخلد، وأهل أصبهان، مات سنة عشر وثلاثمائة. ¬

_ (¬1) بفتح فسكون. بليدة كانت في نصف طريق مكة من الكوفة (معجم البلدان لياقوت الحموي). (¬2) في الأصل وتذكرة الحفاظ التي نقل عنها المصنف: «توبة» وكلاهما تحريف، صوابه في: تبصير المنتبه لابن حجر 1/ 111، واللباب لابن الأثير 1/ 153. (¬3) له ترجمة في: تاريخ أصبهان 2/ 334، تبصير المنتبه لابن حجر 1/ 111، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 784، اللباب لابن الأثير 1/ 153، مرآة الجنان لليافعي 2/ 250. (¬4) في الأصل: «الطبري» تحريف، صوابه في تذكرة الحفاظ. (¬5) في الأصل: «أحمد بن عبد الله بن محمود بن محمد بن عبد الرحمن بن مخلد» تحريف، صوابه في تذكرة الحفاظ.

حرف الياء

حرف الياء 676 - يحيى بن آدم بن سليمان (¬1). مولى خالد بن عقبة بن أبي معيط، القرشي المخزومي الكوفي، ثقة حافظ، يكنى أبا زكريا. سمع زهير بن معاوية، وجرير بن حازم، وإسرائيل بن يونس، وعبد الرحمن بن حميد، ومفضل بن مهلهل، وفضيل بن مرزوق، وعمار بن رزيق، وسفيان الثوري، وحسن بن عياش، ووهيب، وإبراهيم بن سعد، والحسن بن صالح، ويزيد بن عبد العزيز، ومسعر، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وقطبة بن عبد العزيز. روى عنه إسحاق الحنظلي، وعبد الله المسندي، وإسحاق بن نصر، وعباس بن الحسين، وأحمد بن أبي رجاء، وابن أبي شيبة، ومحمد بن رافع، وأبو كريب، وعبد بن حميد، والحسن الحلواني، وعبيد بن يعيش. مات سنة [ثلاث ومائتين] (¬2). له كتاب «أحكام القرآن». 677 - يحيى بن إسحاق بن يحيى بن يحيى الليثي (¬3). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 359، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 361، الفهرست لابن النديم 227، مرآة الجنان لليافعي 2/ 10. (¬2) بياض في الأصل، أكملته عن تذكرة الحفاظ للذهبي. (¬3) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 353.

ابن عم أحمد بن يحيى، قرطبي يعرف بابن الرقيعة، يكنى أبا إسماعيل. سمع من أبيه، ورحل فسمع بإفريقية من يحيى بن عمرو بن طالب، وبمصر من محمد بن أصبغ بن الفرج، وبالعراق من إسماعيل القاضي، وأحمد ابن زهير وغيرهما. وشوور في الأحكام، وكان متصرفا في العربية، واللغة، والتفسير، نبيها، وألف الكتب المبسوطة في اختلاف أصحاب مالك وأقواله، وهي التي اختصرها محمد وعبد الله ابنا أبان بن عيسى، ثم اختصر ذلك الاختصار أبو الوليد بن رشد. ذكره القاضي عياض في «المدارك». 678 - يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن التميمي المروزي (¬1) أبو محمد القاضي المشهور. فقيه صدوق، إلا أنه رمي بسرقة الحديث. ولم يقع ذلك له، وإنما كان يرى الرواية بالإجازة والوجادة، وكان من بحور العلم لولا دعابة فيه. روى عن عبد العزيز [بن] أبي حازم وابن المبارك. وعنه الترمذي، والسراج: مات في آخر سنة اثنتين- أو ثلاث- وأربعين ومائتين، وله ثلاث وثمانون سنة. له كتاب «إيجاد التمسّك بأحكام القرآن». 679 - يحيى بن خلف بن نفيس أبو بكر المعروف بابن الخلوف ¬

_ (¬1) له ترجمة في: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 14/ 191، الجواهر المضيئة لعبد القادر القرشي 2/ 210، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 361، طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/ 410، ميزان الاعتدال 4/ 361، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 316، وفيات الأعيان لابن خلكان 5/ 197.

الغرناطي المقرئ (¬1). أحد الحذاق. ولد في أول سنة ست وستين وأربعمائة. وعني بالقراءات حتى برع فيها، لقي من القراء أبا الحسن العبسي، وإبراهيم بن علي نزيل الإسكندرية صاحب الداني، وخازم (¬2) بن محمد صاحب مكي، وأبا بكر محمد بن المفرج البطليوسي، وأبا القاسم بن النحاس، وعياش بن خلف. ولقي ببغداد أبا طاهر بن سوار، وسمع من الفقيه نصر المقدسي، ومحمد ابن الطلاع، وأبي علي الغساني، وأبي مروان بن سراج. وسمع «صحيح مسلم» بمكة من أبي عبد الله الطبري، وقد ذكر ابن عيسى في إجازة الزواوي أن يحيى بن الخلوف قرأ بكتاب «سوق العروس» على مؤلفه أبي معشر، وهذا لا يصح، ولا لقي أبا معشر. وتصدر للاقراء بجامع غرناطة، وطال عمره وشاع ذكره، وكان رأسا في القراءات، عارفا بالتفسير، كثير التفنن، ذا جلالة ووقار. وذكره الأبار في «تاريخه» وبالغ في وصفه. روى عنه أبو عبد الله النميري، وابنه عبد المنعم بن يحيى شيخ ابن عيسى، وأبو بكر بن رزق، وأبو الحسن بن الضحاك، وعبد المنعم بن محمد ابن عبد الرحيم بن الفرس، ووالده أبو عبد الله، وأبو محمد بن عبيد الله الحجري، وعبد الصمد بن يعيش الغساني، وأبو عبد الله بن عروس. توفي في عام أحد وأربعين وخمسمائة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في طبقات القراء لابن الجزري 2/ 369، طبقات القراء للذهبي 2/ 407. (¬2) في الأصل: «حازم» تحريف صوابه في تبصير المنتبه لابن حجر، وطبقات القراء لابن الجزري.

ذكره الذهبي في «طبقات القراء». 680 - يحيى بن الربيع بن سليمان بن حراز بن سليمان أبو علي بن أبي الفضل الفقيه الشافعي (¬1). من أهل واسط، وأحد العدول بها، هو وأبوه من أبناء الشيوخ الصالحين، يقال: إنهم عدويون من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ويحيى هذا أحد الفقهاء العلماء بمذهب الشافعي رضي الله عنه، وبالخلاف، والأصول، والتفسير، جماعة لفنون من العلم لم تكن عند غيره. ولد بواسط في شهر رمضان من سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، ونشأ بها، وقرأ القرآن الكريم على جده سليمان، ثم على الرئيس أبي يعلى محمد بن سعد ابن تركان بالقراءات العشر، وتفقه على أبيه، وكان من أصحاب القاضي أبي علي بن برهون الفارقي، ثم على أبي جعفر هبة الله بن يحيى بن البوقي، وعلق الخلاف عن القاضي أبي يعلى بن الفراء بواسط لما كان قاضيها، وتكلم في مسائل الخلاف. ثم قدم بغداد، وأول قدومه إليها في سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وأقام بالمدرسة النظامية، والمدرس بها يومئذ أبو النجيب السّهرورديّ، واشتغل بدرسه. ثم خرج إلى خراسان قاصدا محمد بن يحيى صاحب الغزّاليّ، فلقيه بنيسابور، وكان مدرسها وشيخ أصحاب الشافعي بها، فأقام عنده يسمع دروسه وينتفع عليه سنتين ونصف، حتى حصل ما رامه، وورد الغزالي ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 53، ذيل الروضتين لأبي شامة 69، طبقات الشافعية للسبكي، 8/ 393، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 44 ب، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 370، طبقات المفسرين للسيوطي 43، العبر للذهبي 5/ 20، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 199.

بنيسابور، وتفرق الفقهاء، فتوجه عائدا إلى العراق، ولما وصل إلى بغداد أعاد للشيخ أبي القاسم بن فضلان درسه بمسجد كان يدرس به، ثم بمدرسة فخر الدولة بن المطلب التي أنشأها بالجانب الشرقي عند عقد المصطنع. ولم يزل على اشتغاله بالعلم وإعادته للدرس منظورا إليه بعين العلم والدين، حتى ولي قضاء القضاة أبو الحسن محمد بن جعفر العباسي في شهر رمضان سنة أربع وثمانين وخمسمائة، فاستنابه في الحكم والقضاء بمدينة السلام، وقبل شهادته، وأذن له في الإسجال عنه، فكان على ذلك إلى أن عزل العباسي، فتوفر على الاشتغال بالفقه، وتولى قاضي القضاة أبو طالب علي بن علي بن البخاري، فاستنابه في الحكم والقضاء على عادته المتقدمة، فكان على ذلك إلى أن درس بالمدرسة النظامية نيابة في محرم سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، فاشتغل بالتدريس وترك القضاء. وفي هذه السنة نفذ رسولا من الديوان العزيز إلى ملكي هراة وغزنة غياث الدين وشهاب الدين محمد ومحمد ابني سام، فوصل إليهما، وقضى ما ندب إليه من الاشتغال معهما، وعاد إلى مدينة السلام. وفي يوم الخميس ثالث محرم سنة ثمان وتسعين وخمسمائة رتب مدرسا بالمدرسة النظامية، وخلع عليه، وحضر عنده الولاة والمدرسون والفقهاء، وولي أيضا النظر بأوقافها. وفي محرم سنة إحدى وستمائة نفذ ثانيا من الديوان العزيز إلى شهاب الدين محمد بن سام المذكور ملك غزنة رسولا، فوصل إليه وأدى رسالته، وعاد إلى مدينة السلام، فكان بها إلى أن توفي يوم الأحد السابع والعشرين من ذي القعدة من سنة ست وستمائة. وقد سمع الحديث الكثير من جماعة بواسط، منهم: أبو الكرم نصر الله بن محمد مخلد الأزدي، وأبو الجوائز سعد بن عبد الكريم الغندجاني، وأبو عبد الله

محمد بن علي بن المغازلي، وأبو محمد بن أحمد بن عبيد الله بن الآمدي، والقاضي أبو العباس أحمد بن بختيار بن المندائي، وغيرهم. وببغداد من أبي الفرج عبد الخالق بن يوسف، وأبي الفضل محمد بن ناصر، وأبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي، وأبي شجاع محمد بن علي الخيمي، وجماعة. وبنيسابور من الشيخ محمد بن يحيى، وعمر بن أحمد الصفار، وأبي البركات الفراوي، وعبد الخالق بن زاهر الشحامي، وجماعة. وحدّث بواسط وبغداد ونيسابور وهراة وغيرها. سمع منه ابن الدبيثي، وابن خليل، والضياء، وأجاز للفخر بن البخاري، وذكره في «تاريخه»، وكان ثقة صدوقا، رحمه الله وإيانا. 681 - يحيى بن زياد بن عبد الله بن مروان الديلميّ (¬1). إمام العربية أبو زكريا المعروف بالفرّاء. كان أعلم الكوفيّين بالنحو بعد الكسائي، أخذ عنه، وعليه اعتمد، وأخذ عن يونس، وأهل الكوفة يدّعون أنه استكثر عنه، وأهل البصرة يدفعون ذلك. وكان يجب الكلام ويميل إلى الاعتزال، وكان دينا متورعا على تيه وعجب وتعظّم، وكان زائد العصبية على سيبويه، وكتابه تحت رأسه، وكان يتفلسف في تصانيفه، ويسلك ألفاظ الفلاسفة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في الأنساب للسمعاني الورقة 420، البداية والنهاية لابن كثير 10/ 261، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 41/ 149، تذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 372، تهذيب التهذيب 11/ 212، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 371، العبر 1/ 354، الفهرست لابن النديم 66، اللباب 2/ 198، مرآة الجنان لليافعي 2/ 38، مراتب النحويين 86، المعارف 545، معجم الأدباء لياقوت 7/ 276، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 178، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 185، نزهة الألباء 98، وفيات الأعيان لابن خلكان 5/ 225.

وكان أكثر مقامه ببغداد، فإذا كان آخر السنة أتى الكوفة فأقام بها أربعين يوما يفرّق في أهله ما جمعه، وكان شديد المعاش لا يأكل حتى يمسه الجوع، وجمع مالا خلّفه لابن له شاطر، صاحب سكاكين. وأبوه زياد هو الأقطع، قطعت يده في الحرب مع الحسين بن علي رضي الله عنهما. وكان مولى لأبي ثروان، وأبو ثروان مولى [بني] عبس. صنف الفراء: «معاني القرآن»، «البهي فيما تلحن فيه العامة»، «اللغات»، «المصادر في القرآن»، «غريب الحديث»، «الجمع والتثنية في القرآن»، «آلة الكتاب»، «النوادر»، «المقصور والممدود»، «فعل وأفعل»، «المذكر والمؤنث»، «الحدود» يشتمل على ستة وأربعين حدّا في الإعراب، «الكافي في النحو» وله غير ذلك. مات بطريق مكة سنة سبع ومائتين، عن سبع وستين سنة. قال سلمة بن عاصم: دخلت عليه في مرضه، وقد زال عقله، وهو يقول: إن نصبا فنصبا، وإن رفعا فرفعا. روى له هذا الشعر- قيل ولم يقل غيره: لن تراني لك العيون بباب ... ليس مثلي يطيق ذلّ الحجاب يا أميرا على جريب من الأر ... ض له تسعة من الحجاب جالسا في الخراب يحجب فيه ... ما رأينا إمارة في خراب 682 - يحيى بن زكريا بن إبراهيم بن مزين (¬1). مولى رملة بنت عثمان بن عفان. أصله من طليطلة، وانتقل إلى قرطبة، فأقطعه الأمير عبد الرحمن قطائع شريفة، وابتنى له دارا، ووصله بصلة جزيلة. روى ابن مزين عن عيسى بن دينار، ومحمد بن عيسى الأعشى، يحيى ابن يحيى، وغازي بن قيس، ونظرائهم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الديباج المذهب لابن فرحون 354.

ورحل إلى المشرق فلقي مطرف بن عبد الله، وروى عنه «الموطأ» ورواه أيضا عن حبيب كاتب مالك، ودخل العراق وسمع من القعنبي، وسمع بمصر من أصبغ بن الفرج. وكان حافظا «للموطأ»، فقيها فيه، وله حظ من العربية، وكان مشاورا مع العتبي، وابن خالد، وطبقتهم، شيخا وسيما، ذا وقار وسمت حسن، موصوفا بالفضل والنزاهة والدين والحفظ، ومعرفة مذاهب أهل المدينة. وقال ابن لبابة: ابن مزين أفقه من رأيت في علم مالك وأصحابه، وولي قضاء طليطلة. وله تواليف حسان، منها «تفسير الموطأ»، وكتاب «تسمية رجال الموطأ»، وكتاب «علل حديث الموطأ» وهي كتاب المستقصية، وكتاب «فضائل العلم»، وكتاب «فضائل القرآن». ولم يكن له على ذلك علم بالحديث، توفي في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين ومائتين، وقيل سنة ستين. ذكره ابن فرحون. 683 - يحيى بن سعدون بن تمام بن محمد الأزديّ القرطبيّ الملقب سابق الدين (¬1). أحد الأئمة المتأخرين في القراءات، وعلوم القرآن الكريم، والحديث والنحو واللغة، وغير ذلك. خرج من الأندلس [في] (¬2) عنفوان شبابه، وقدم ديار مصر، فسمع ¬

_ (¬1) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 372، طبقات القراء للذهبي 2/ 429، العبر 4/ 200، مرآة الجنان لليافعي 3/ 380، معجم الأدباء 7/ 278، النجوم الزاهرة 6/ 66، نفح الطيب 2/ 116، وفيات الأعيان لابن خلكان 5/ 219. (¬2) من وفيات الأعيان لابن خلكان.

بالإسكندرية أبا عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي، وبمصر أبا صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المدنيّ المصريّ، وأبا طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني المعروف بالسّلفي وغيرهم، ودخل بغداد سنة سبع عشرة وخمسمائة، وقرأ بها القرآن الكريم على الشيخ أبي محمد عبد الله بن علي المقرئ المعروف بابن بنت الشيخ أبي منصور الخياط، وسمع عليه كتبا كثيرة منها «كتاب سيبويه»، وقرأ الحديث على أبي بكر محمد بن عبد الباقي البزّاز المعروف بقاضي المارستان، وأبي القاسم بن الحصين، وأبي العزّ ابن كادش، وغيرهم. وكان ديّنا ورعا، عليه وقار وهيبة وسكينة، وكان صدوقا ثبتا نبيلا قليل الكلام كثير الخير مفيدا، أقام بدمشق مدّة واستوطن الموصل، ورحل منها إلى أصبهان، ثم عاد إلى الموصل، وأخذ عنه شيوخ ذلك العصر. وذكره الحافظ ابن السمعاني في كتاب «الذيل» وقال: إنه اجتمع به في دمشق وسمع منه مشيخة أبي عبد الله الرازي، وانتخب عليه أجزاء، وسأله عن مولده، فقال: ولدت في سنة ست وثمانين وأربعمائة بمدينة قرطبة. وكان شيخنا القاضي بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم المعروف بابن شدّاد قاضي حلب يفتخر برؤيته وقراءته عليه، وقال: كنا نقرأ عليه بالموصل وكنا نرى رجلا يأتي إليه فيسلم عليه وهو قائم، ثم يمد يده إلى الشيخ بشيء ملفوف فيأخذه الشيخ من يده، ولا نعلم ما هو، ويتركه ذلك الرجل ويذهب، ثم تقفينا ذلك، فعلمنا أنها دجاجة مسموطة، كانت برسم الشيخ، كل يوم يبتاعها له ذلك الرجل ويسمطها ويحضرها، وإذا دخل الشيخ إلى منزله تولى طبخها بيده. وكان صاحب الترجمة كثيرا ما ينشد مسندا إلى أبي الخير الكاتب الواسطي، رواهما بالإسناد المتصل إليه أنهما له:

جرى قلم القضاء بما يكون ... فسيّان التحرك والسكون (¬1) جنون منك أن تسعى لرزق ... ويرزق في غشاوته الجنين وقال: أنشدنا أبو الوفا عبد الباقي بن وهب بن حسان، قال: أنشدنا أبو عبد الله بن منيع بمصر لنفسه: لي حيلة فيمن ينم ... وليس في الكذاب حيلة (¬2) من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليله توفي بالموصل في يوم عيد الفطر من سنة سبع وستين وخمسمائة رحمه الله تعالى. ذكر هذه الترجمة ابن خلكان. 684 - يحيى بن سلطان اليغرفيّ أبو زكريا. الاستاذ المقرئ النحويّ الإمام في النّحو، الفقيه المتقن، كذا ذكره ابن رشيد في رحلته، وقال: أحد المحققين للعربية، مع مشاركة في تفسير، وأدب، ومنطق، وأصول. تخرج به نجباء تونس، وكان في إقرائه للعربية ذلق اللسان، حسن البيان، فإذا أقرأ غيرها من العلوم قصّر عن تلك الرتبة. وكان له بتونس جاه وصيت. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 685 - يحيى بن سلام بن ثعلب أبو زكريا البصري (¬3). صاحب «التفسير». روى الحروف عن أصحاب الحسن البصري عن الحسن بن دينار وغيره. وله اختيار في القراءة من طريق الآثار. روى عن حماد بن سلمة، وهمام بن يحيى، وسعيد بن أبي عروبة. ¬

_ (¬1) البيتان في: نفح الطيب للمقري 2/ 118، ووفيات الأعيان لابن خلكان 5/ 221. (¬2) وفيات الأعيان. (¬3) له ترجمة في: طبقات القراء لابن الجزري 2/ 373، لسان الميزان 6/ 259.

قال الداني: ويقال إنه أدرك نحوا من عشرين رجلا وسمع منهم، وروى عنهم. نزل المغرب، وسكن إفريقية دهرا وسمع الناس [بها] (¬1) كتابه في «تفسير القرآن»، وليس لأحد من المتقدمين مثله، وكتابه «الجامع». وكان ثقة ثبتا، ذا علم بالكتاب والسنة، ومعرفة اللغة والعربية، صاحب سنة. وسمع منه بمصر عبد الله بن وهب، ومثله من الأئمة. توفي في صفر سنة مائتين. ذكره ابن الجزري في «طبقات القراء». 686 - يحيى بن علي بن محمد بن موسى بن بسطام الشيبانيّ أبو زكريا، ابن الخطيب التّبريزي (¬2). قال ياقوت: وربما يقال له: الخطيب، وهو وهم. وكان أحد الأئمة في النحو، واللغة، والأدب، حجة صدوقا ثبتا. هاجر إلى أبي العلاء المعرّيّ، وأخذ عنه وعن عبيد الله الرّقيّ، والحسن ابن رجاء بن الدهّان، وابن برهان، والمفضّل القصباني، وعبد القاهر الجرجانيّ وغيرهم من الأئمة. وسمع الحديث وكتب الأدب على خلق. منهم القاضي أبو الطيب الطبريّ. وأبو القاسم التّنوخي، والخطيب البغدادي. ¬

_ (¬1) من طبقات القراء لابن الجزري. (¬2) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 172، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة الورقة 271، العبر 4/ 5، مرآة الجنان لليافعي 3/ 172، معجم الأدباء لياقوت 7/ 286، المنتظم لابن الجوزي 9/ 161، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/ 197، نزهة الألباء للأنباري 372.

وأخذ عنه العلم موهوب الجواليقيّ وغيره، وروى عنه السّلفيّ، وأبو الفضل بن ناصر. وولي تدريس الأدب بالنظاميّة وخزانة الكتب بها، وانتهت إليه الرئاسة في فنّه، وشاع ذكره في الأقطار، وكان يدمن شرب الخمر ويلبس الحرير والعمائم المذهّبة، وكان الناس يقرءون عليه تصانيفه وهو سكران، وكان أكولا نهما. صنّف «تفسير القرآن» و «الإعراب» و «شرح القصائد العشر» و «شرح اللّمع» و «الكافي في العروض والقوافي» و «ثلاثة شروح على الحماسة» و «شرح شعر المتنبي» و «شرح شعر أبي تمام» و «شرح الدّريدية» و «شرح سقط الزّند» و «شرح المفضّليات» و «تهذيب الإصلاح» لابن السكيت. وغير ذلك. ولد سنة إحدى وعشرين وأربعمائة ومات فجأة ليلة الثلاثاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسمائة، ودفن في مقبرة باب أبرز. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 687 - يحيى بن عمار أبو بكر السجزي الحنبلي المفسر. من شيوخ شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي بن علي الهروي الأنصاري. تراجع ترجمته من «طبقات الحنابلة». 688 - يحيى بن القاسم بن مفرج بن درع بن الخضر بن الحسن بن حامد الثعلبي أبو زكريا التكريتي الشافعي (¬1). ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 86، ذيل الروضتين لأبي شامة 120، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 356، مرآة الزمان 8/ 608، معجم الأدباء لياقوت 7/ 288.

قال ياقوت: إمام من أئمة المسلمين وحبر من أحبارهم، فاضل كامل، فقيه قارئ مفسر، نحوي لغوي عروضي شاعر. تفقه على والده، وصحب ببغداد أبا النجيب السهروردي وغيره، وقرأ الأدب على ابن الخشّاب، وبرع في الفقه والأدب. وقال ابن النجار: كان آخر من بقي من المشايخ المشار إليهم في مذهب الشافعي، وله الكلام الحسن في المناظرة، والعبارة الفصيحة، والمعرفة بالأصلين، واليد الطولى في الأدب، والباع الممتد في حفظ لغات العرب، وكان أحفظ أهل زمانه لتفسير القرآن ومعرفة علومه. وكان من المجودين لتلاوته، ومعرفة القراءات ووجهها. سمع من أبي زرعة المقدسي، وأبي الفتح بن البطي. وصنف في المذهب والخلاف والأدب، وولي تدريس النظامية ونظرها وقضاء بلده مدة. مولده في المحرم سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، ومات في رمضان سنة ست عشرة وستمائة ببغداد. ومن نظمه: لألف الأمر ضروب تنحصر ... في الفتح والضم وأخرى تنكسر (¬1) فالفتح فيما كان من رباعي ... نحو أجب يا زيد صوت الدّاعي والضّم فيما ضمّ بعد الثاني ... من فعله المستقبل الزمان والكسر فيما منهما تخلّى ... إن زاد عن أربعة أو قلا وله: ¬

_ (¬1) الأبيات في معجم الأدباء لياقوت.

لا بدّ المرء من ضيق ومن سعة ... ومن سرور يوافيه ومن حزن (¬1) والله يطلب من شكر نعمته ... ما دام فيها ويبغي الصّبر في المحن فكن مع الله في الحالين معتنقا ... فرضيك هذين في سر وفي علن فما على شدة يبقى الزمان فكن ... جلدا ولا نعمة تبقى على الزمن ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 689 - يحيى بن مجاهد بن عوانة أبو بكر الفزاريّ الأندلسي الإلبيري (¬2). قال ابن الفرضي: عني بعلم القراءات والتفسير، وأخذ نصيبا من الفقه، وحج فسمع بمصر من الأسيوطي، وأبي محمد بن الورد، ولا أعلمه حدث. وكان منقطع القرين في العبادة والزهد. مات في جمادى الأولى سنة ست وستين وثلاثمائة. 690 - يحيى بن محمد بن عبد الله بن العنبر بن عطاء بن صالح بن محمد ابن عبد الله بن شعبان العنبري أبو زكريا (¬3). مولى بني حرب (¬4) السلمي النيسابوري الشافعي المفسّر. قال ابن السمعاني: كان أديبا فاضلا عارفا بالتفسير واللغة. وكان أبو علي الحافظ يقول: الناس يتعجبون من حفظنا لعدة الأسانيد، وأبو زكريا يحفظ من العلوم ما لو كلفنا حفظ شيء منه لعجزنا عنه، وما أعلم أني رأيت مثله. ¬

_ (¬1) الأبيات في البداية والنهاية لابن كثير، وطبقات الشافعية للسبكي. (¬2) أنظر ترجمته في: تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي 2/ 190. (¬3) له ترجمة في: طبقات الشافعية للسبكي 3/ 485، طبقات المفسرين للسيوطي 42، العبر 2/ 265، اللباب 2/ 155، معجم الأدباء لياقوت 7/ 291، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3/ 314. (¬4) في الأصل: «مولى أبي خرق». والمثبت في طبقات الشافعية للسبكي، ومعجم الأدباء.

قال ياقوت: وقال القاضي عبد الحميد بن عبد الرحمن: ذهبت الفوائد من مجلسنا بعد أبي زكريا، وذلك أن أبا زكريا اعتزل الناس، وقعد عن حضور المحافل بضع عشرة سنة. سمع أبا علي الحرشي، وأحمد بن سلمة وغيرهما. روى عنه أبو بكر بن عبدوس المفسر، وأبو علي الحسين بن علي الحافظ، والمشايخ. وقد أطال الحاكم في ترجمته، قال: سمعته يقول: الشفق: الحمرة، لأن اشتقاقه من الخجل والخوف، قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (¬1) أي خائفون. مات في الثاني والعشرين من شهر شوال، سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وهو ابن ست وسبعين سنة، رحمه الله تعالى. 691 - يحيى بن محمد بن موسى أبو زكريا التّجيبي التلمساني (¬2). قال الذهبي: حج وجاور، وسمع بمكة من أبي الحسن بن البناء، وسكن الإسكندرية، ووعظ، وصنف في «التفسير» والرقائق. مات في تاسع شوال سنة اثنتين وخمسين وستمائة. 692 - يحيى بن المهلب أبو كدينة- بنون مصغر- البجلي الكوفي (¬3) سمع حصين بن عبد الرحمن، روى عنه أبو أسامة حديثا موقوفا في ذكر أيام الجاهلية. صدوق من الطبقة السابعة، روى له البخاري، والترمذي، والنسائي، له «تفسير». ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون 57. (¬2) له ترجمة في: طبقات المفسرين للسيوطي 42. (¬3) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 368.

693 - يزيد بن أيوب (¬1). كان إماما عالما بالتفسير، والنحو، أستاذ كمال الدين بن أحمد بن الحسين قاضي القضاة، وبه انتفع وعليه تخرج. 694 - يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح أبو يوسف الدورقي البغدادي الحافظ (¬2). أخو أحمد القيسي، مولى لعبد القيس، وإنما سموا دوارقة لأنهم كانوا يلبسون القلانس الطوال، وليسوا من بلد دورق. سكن بغداد، وسمع هيثما (¬3)، وابن علية، ويزيد بن هارون، وروح ابن عبادة، وعبد العزيز بن أبي حازم، ويحيى بن بكير، ومروان بن معاوية، ويحيى القطان، وأبا عاصم. وعنه الجماعة، والمحاملي. قال أبو عباس السراج: ولد يعقوب سنة ست وستين ومائة، ومات سنة اثنتين وخمسين ومائتين، له «تفسير». 695 - يعقوب خطيب حماة ينعت بالشرف الشافعي (¬4). مقرئ مفسر. تلا بالسبع على إسماعيل بن محمد الفقاعي، وتصدر للإفادة والتذكير وانتفع به جماعة. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الجواهر المضيئة لعبد القادر محمد القرشي 2/ 219. (¬2) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 505، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 375. (¬3) من خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي. (¬4) له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 5/ 209، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 391.

قرأ عليه الشهاب أحمد بن أبي الرضا الحموي (¬1) قاضي حلب. مات بعيد سنة سبعين وسبعمائة. هكذا ذكره ابن الجزري في «طبقات القراء». 696 - يوسف بن إبراهيم بن عثمان الإمام أبو الحجاج العبدري الغرناطي (¬2). المقرئ، الحافظ، المعروف بالثغريّ. قال الذهبي في «طبقات القراء» ذكره الأبار فقال: أخذ القراءات عن عبد الرحيم بن الفرس الغرناطي، وأبي الحسن شريح، ويحيى بن الخلوف، وأبي الحسن بن الباذش، وسمع منهم ومن أبي الحسن بن مغيث، وأبي بكر بن العربي، وأبي مروان الباجي وخلق. وأجاز له أبو علي الصدفي، وأبو بكر الطرطوشي، وأحكم العربية على أبي بكر بن مسعود. قال: وكان حافظا محدثا، فقيها، مقرئا، راوية، ضابطا، مفسرا، أديبا، نزل في الفتنة «قليوشة» وولي خطابتها وأقرأ بها، أكثر عنه أبو عبد الله التجيبي، وقال: لم أر أفضل ولا أزهد منه، ولا أحفظ لحديث وتفسير منه. روى عنه أبو عمر بن عياد، وأبو سليمان بن حوط الله، وأبو العباس ابن عميرة. مات في شوال سنة تسع وسبعين وخمسمائة. 697 - يوسف بن الحسن بن محمود السّرائي التبريزي العلامة عز الدين الحلوائي (¬3). ¬

_ (¬1) في الأصل: «المحمودي» تحريف، صوابه في طبقات القراء لابن الجزري، وهو: شهاب الدين أبو الخير أحمد بن محمد بن أبي الرضا، قاضي القضاة الحموي الشافعي، نزيل حلب اشتغل في الفقه وغيره، وأخذ عن العلامة شرف الدين يعقوب، خطيب قلعة حماة. مات سنة 791 هـ. (¬2) له ترجمة في: بغية الملتمس للضبي 473، صلة الصلة لابن الزبير 213 هـ، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 392. (¬3) له ترجمة في: انباء الغمر لابن حجر 2/ 130، الضوء اللامع للسحاوي 10/ 309.

قال الحافظ ابن حجر: ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن العضد وغيره، ورحل إلى بغداد فقرأ على الكرماني ثم أقام بتبريز ينشر العلم، ثم تحول إلى ماردين، فأكرمه صاحبها، وعقد له مجلسا حضر فيه علماؤها، فأقروا له بالفضل، ثم قطن الجزيرة إلى أن مات. وكان لا يرى إلا مشغولا بالعلم والتصنيف، ومن سيرته أنه لم تقع منه كبيرة، ولا لمس دينارا ولا درهما. صنف «شرحا على الكشاف» و «شرح منهاج البيضاوي» و «شرح الأسماء الحسنى». مات سنة ثنتين- وقبل أربع- وثمانمائة. 698 - يوسف بن خالد بن أيوب جمال الدين بن زين الدين بن الحسناوي الحلبي (¬1). قاضي حلب، وطرابلس. أخذ عن شهاب الدين بن أبي الرضا، وله معرفة بالفقه، والتفسير، والنحو، والشعر، وولي قضاء حلب مرتين أو ثلاثا، وقضاء طرابلس مرتين فلنا، وكان على قضاء حلب أيام سلطنة جكم، ونقم عليه دخوله في أمر سلطنته، ولذلك طلب إلى مصر، فلما وصل إليها أطلق، ثم ولي كتابه سرصفد في سنة خمس وعشرين، ثم ولي القضاء بها في سنة ثمان وعشرين، وفي آخرها نقل إلى قضاء طرابلس، فوصل إليها؛ وأقام بها نحو خمسة عشر يوما. توفي في المحرم سنة تسع وعشرين وثمانمائة، ولم تحمد سيرته وهو في عشر الستين. وحسنايا: قرية من قرى حلب. ذكره التقي الفاسي في كتاب «تعريف ذوي العلا بمن لم يذكره الذهبي في سير النبلا». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: الضوء اللامع للسحاوي 10/ 312، نيل الابتهاج للسبتي 353.

699 - يوسف بن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن الجوزي (¬1). القرشي التيمي، البكري، البغدادي، الحنبلي، الفقيه الأصولي، الواعظ الصاحب الشهيد، محيي الدين، أبو محمد؛ وأبو المحاسن بن الإمام الحافظ جمال الدين أبي الفرج الماضي ذكره أستاذ دار الخلافة المستعصمية. ولد في ليلة سابع عشر ذي القعدة سنة ثمانين وخمسمائة ببغداد. وسمع بها من أبيه، ويحيى بن بوش، وذاكر بن كامل، وابن كليب، وأبي منصور عبد الله بن محمد بن عبد السلام، وابن المعطوش، وأبي الحسن علي بن محمد بن يعيش. وقرأ القرآن بالروايات العشر على الباقلاني بواسط، وقد جاوز العشر سنين من عمره، ولبس الخرقة من الشيخ ضياء الدين عبد الوهاب بن سكينة. واشتغل بالفقه والخلاف والأصول، وبرع في ذلك. وكان أمهر في ذلك من أبيه، ووعظ في صغره على قاعدة أبيه، وعلا أمره وعظم شأنه، وولي الولايات الجليلة. قال ابن الساعي: شهد عند ابن الدامغاني سنة أربع وستمائة. ثم ولي الحسبة بجانبي بغداد، والنظر في الوقوف العامة، ووقوف جامع السلطان، ثم عزل عن الحسبة، ثم عن الوقوف سنة تسع، فانقطع في داره يعظ، ويفتي ويدرس، ثم أعيد إلى الحسبة سنة خمس عشرة، واستمر مدة ولاية الناصر، ثم أقره ابنه الظاهر. قال: وهو من العلماء الأفاضل والكبراء الأماثل، أحد أعلام العلم، ¬

_ (¬1) له ترجمة في: ذيل الحنابلة لابن رجب 2/ 258.

ومشاهير الفضل. ظهرت عليه آثار العناية الإلهية مذ كان طفلا. فعنى به والده، وأسمعه الحديث ودر به من صغره في الوعظ، وبورك له في ذلك، وصار له قبول تام وبانت عليه آثار السعادة. وتوفي [والده وعمره إذ ذاك سبع عشرة سنة، فكفلته الجهة (¬1)] والدة الإمام الناصر، وتقدمت له بالجلوس للوعظ على عادة والده عند تربتها، بعد أن خلعت عليه. فكلم بما بهر به الحاضرين، ولم يزل في ترقّ [من حاله، وعلو من شأنه، يذكر الدرس فقها (¬2)] ويواصل الجلوس وعظا عند التربة المذكورة وبباب بدر. وكان يورد من نظمه كل أسبوع قصيدة في مدح الخليفة [فحظي عنده (¬3)] وولاه ما تقدم، وأذن له في الدخول إلى وليّ عهده. ثم أوصى الناصر عند موته أن يغسله. وقال أيضا: كان كامل الفضائل، معدوم الرذائل، أمر الناصر بقبول شهادته وقلده الحسبة بجانبي بغداد، وله ثلاث وعشرون سنة، وكتب له الناصر على رأس توقيعه بالحسبة: حسن السمت، ولزوم الصمت؛ أكسباك يا يوسف- مع حداثة سنك- ما لم يترق إليه همم أمثالك. فدم على ما أنت عليه بصدده. ومن بورك له في شيء فليلزمه والسلام. ثم روسل به إلى ملوك الأطراف فاكتسب مالا كثيرا، وأنشأ مدرسة بدمشق ووقف عليها وقوفا متوفرة الحاصل، وأنشأ ببغداد بمحلة الحلبة مدرسة لم تتم، وبمحلة الحربية دار قرآن ومدفنا. ثم ولي التدريس بالمستنصرية. ¬

_ (¬1) من ذيل الحنابلة لابن رجب. (¬2) نفس المرجع السابق. (¬3) نفس المرجع السابق أيضا.

ثم ولي أستاذ دارية الدار، فلم يزل كذلك إلى أن قتل صبرا شهيدا بسيف الكفار عند دخول هولاكو ملك التتار إلى بغداد. فقتل الخليفة المعتصم وأكثر أولاده، وقتل معه أعيان الدولة والأمراء وأكابر العلماء، وقتل أستاذ الدار محيي الدين رحمه الله وأولاده الثلاثة. وذلك في صفر سنة ست وخمسين وستمائة بظاهر سوركلوذا، رحمة الله عليهم. كان المستنصر له شباك [على] (¬1) ايوان الحنابلة يسمع الدرس منهم دون غيرهم وأثره باق. وقال الحافظ الذهبي: كان إماما كبيرا وصدرا عظيما، عارفا بالمذهب، كثير المحفوظ، ذا سمت ووقار، درس، وأفتى وصنّف، وأما رئاسته وعقله: فينقل بالتواتر، حتى إن الملك الكامل- مع عظم سلطانه- قال: كل أحد يعوزه زيادة عقل إلا محيي الدين بن الجوزي. فإنه يعوزه نقص عقل. وله تصانيف منها: «معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز» و «المذهب الأحمد في مذهب أحمد» و «الإيضاح في الجدل». وسمع منه خلق ببغداد، ودمشق، ومصر. وروى عنه عبد الصمد بن أبي الجيش، وأبو عبد الله بن الكسار، والدمياطي، وابن الظاهري، الحفاظ، وأبو الفضل عبد الرازق بن الفوطي، وبالإجازة خلق، آخرهم زينب بنت الكمال المقدسي. ومن نظمه ما أنشده عنه ابن الساعي: صبّ له من حيا آماقه غرق ... وفي حشاشته من وجده حرق (¬2) ¬

_ (¬1) من ذيل الحنابلة لابن رجب. (¬2) الأبيات في ذيل الحنابلة.

فاعجب لضدين في حال قد اجتمعا ... غريق دمع بنار الوجد يحترق لم أنس عيشا على سلع ولعلها ... والبان مفترق وجدا ومعتنق ونفحة الشيخ تأتينا معنبرة ... وعرفها بمعاني المنحني عبق والقلب طير، له الأشواق أجنحة ... إلى الحبيب، رياح الحبّ تخترق قل للحمى بالرّبى واعن الحلول بها ... ما ضرّهم بجريح القلب لو رفقوا وقد بقي رمق منه، فإن هجروا ... مضى كما مرّ أمس ذلك الرمق 700 - يوسف بن قزغلي الواعظ المؤرخ شمس الدين أبو المظفر سبط الحافظ أبي الفرج بن الجوزي (¬1). روى عن جده وطائفة. وألف كتاب «مرآة الزمان» وله «تفسير على القرآن العظيم» في سبعة وعشرين مجلدا، و «شرح الجامع الكبير». وكان في شبيبته حنبليا، ثم صار حنفيا، وكان بارعا في الوعظ، وله القبول التام عند الخاص والعام من أبناء الدنيا وأبناء الآخرة. مات بدمشق سنة أربع وخمسين وستمائة. 701 - يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان أبو يعقوب الكوفي (¬2). نزيل الري ثم بغداد. سمع وكيعا، وجريرا، وأبا خالد، وأبا أسامة، وعاصم بن يوسف، وأحمد بن يونس، ويزيد بن هارون. صدوق من الطبقة العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 194، تاج التراجم لابن قطلوبغا 83، تاريخ علماء بغداد 236، الجواهر المضيئة 2/ 231، السلوك 1/ 401، العبر 5/ 220، الفوائد البهية 230، لسان الميزان 6/ 338، المختصر لأبي الفداء 3/ 206، مرآة الجنان لليافعي 4/ 136، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 1/ 255، ميزان الاعتدال 4/ 471، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 7/ 39. (¬2) له ترجمة في: خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي 378.

روى عنه البخاري، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة. له «تفسير». 702 - يونس بن بدران بن فيروز بن صاعد بن غالي بن علي (¬1). قاضي قضاة الشام جمال الدين أبو محمد، وأبو الفضائل، وأبو الوليد، وأبو الفرج القرشي الشيبي الحجازي الأصل المصري، المليحي المولد، الدمشقي الوفاة، الشافعي الحاكم. ولد في سنة خمسين وخمسمائة تخمينا. وسمع بالإسكندرية من السلفي، وبالقاهرة من أبي يحيى بن هبة الله بن عبد الصمد العاملي، وبالموصل من أبي الفرج يحيى بن محمود الثقفي. وحدّث وولي تدريس العادلية الكبيرة، وهو أول من درس بها، وكان يقول أولا درسا في التفسير فلما أكمل تفسير القرآن توفي عقب ذلك في العشر الأواخر من ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وستمائة بدمشق، ودفن بداره، وكان رحمه الله يشارك في علوم كثيرة، واختصر «الأم» للإمام الشافعي، وألف في الفرائض. قال فيه أبو شامة: كان حسن الطريقة. ذكره المقريزي في «المقفى» ثم شيخنا في «طبقات الشافعية» وفي «حسن المحاضرة». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 13/ 114، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 411، ذيل الروضتين 148، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 366، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 49 ب، العبر للذهبي 5/ 97، قضاة دمشق لابن طولون 64، مرآة الزمان 8/ 643، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 266.

703 - يونس بن حبيب الضبيّ الولاء البصريّ أبو عبد الرحمن (¬1). بارع في النحو، من أصحاب أبي عمرو بن العلاء. سمع من العرب. وروى عن سيبويه فأكثر، وله قياس في النّحو، ومذاهب يتفرّد بها. سمع منه الكسائيّ والفرّاء، وكانت له حلقة بالبصرة ينتابها أهل العلم وطلاب الأدب وفصحاء الأعراب والبادية. وعنه أنه قال: قال لي رؤية ابن العجّاج: حتام تسألني عن هذه البواطيل وأزخرفها لك! أما ترى الشيب قد بلغ في لحيتك! وقال غيره: قارب يونس تسعين سنة ولم يتزوّج ولم يتسر. مولده سنة تسعين، ومات سنة اثنتين وثمانين ومائة (¬2). له «معاني القرآن» صغير، وكبير، وكتاب «اللغات»، وكتاب «النوادر» الكبير، وكتاب «النوادر» الصّغير. ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». 704 - يونس بن محمد بن إبراهيم الوفراونديّ (¬3) قال ياقوت: نحويّ صنف «الشافي في علم القرآن»، و «الوافي [في] (¬4) العروض». ¬

_ (¬1) له ترجمة في: البداية والنهاية لابن كثير 10/ 184، طبقات القراء لابن الجزري 2/ 406، طبقات النحاة لابن قاضي شهبة الورقة 282، الفهرست لابن النديم 42، مرآة الجنان لليافعي 1/ 388، مراتب النحويين 21، المعارف لابن قتيبة 541، معجم الأدباء لياقوت 7/ 310، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2/ 113، نزهة الألباء للأنباري 49. (¬2) في الأصل: «مولده سنة تسعين ومائة ومات سنة اثنتين ومائتين» والمثبت في مصادر الترجمة. (¬3) له ترجمة في: الفهرست لابن النديم 86، معجم الأدباء لياقوت 7/ 313. (¬4) من مصادر الترجمة.

ذكره شيخنا في «طبقات النحاة». هذا ما تيسر جمعه من طبقات من فسر القرآن العظيم، ومن وصف بمعرفة تفسيره. وكان الفراغ من تبييضه في العشر الأول من جمادى الثانية من شهور سنة إحدى وأربعين وتسعمائة جعله الله خالصا لوجهه الكريم. وكتبه جامعه محمد بن علي بن أحمد الداودي المالكي غفر الله لهم. وقد طالعت على هذا الكتاب «الطبقات الكبرى» لابن السبكي، و «طبقات» ابن قاضي شهبة، و «طبقات المالكية» لابن فرحون، و «طبقات الحنفية»، للقرشي، و «طبقات الحنابلة» لأبي يعلى، ولابن رجب، و «السياق» لعبد الغافر الفارسي، و «ترتيب طبقات ابن فرحون وما زاد عليها من طبقات القاضي عياض» للحافظ شمس الدين السخاوي، و «طبقات القراء» للذهبي، ولابن الجزري، وشيوخ القاضي عياض المسمى «بالغنية» ومن، «المقفى للمقريزي» بخطه ثلاثة عشر مجلدا كبارا، ومجلد من «التكملة لوفيات النقلة» للحافظ الكبير زكي الدين المنذري، والمجلد الثالث والرابع وهو آخر الكتاب من «ذيل تاريخ بغداد» لابن الدبيثي، و «الصلة» لابن بشكوال مجلد، و «طبقات الحفاظ» للذهبي في مجلدين و «طبقات الحفاظ» أيضا لشيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي، و «طبقات اللغويين والنحاة» له، و «حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة» له، و «معجم الشيخ برهان الدين البقاعي» ثلاث مجلدات بخطه، و «تاريخ ابن خلكان».

§1/1