ضمانات حقوق المرأة الزوجية

محمد يعقوب الدهلوي

مقدمة

ضمانات حقوق المرأة الزوجية تأليف: محمد يعقوب الدهلوي المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 3. وقال تعالى: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} 4.

_ 1 الآية (102) ، من سورة آل عمران. 2 الآية (1) ، من سورة النساء. 3 الآيتان (70، 71) ، من سورة الأحزاب. 4 الآية (21) ، من سورة الروم.

كما يزداد المؤمن بصيرة ويقيناً، ويعلم الجاهل ما شرع الله للمؤمنات من ضمانات لحقوقهن، ويفحم المكابر بذلك، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 1.

_ 1 من الآية 32 من سورة التوبة.

خطة البحث: قسمت بحثي إلى مقدمة، ومدخل، وفصلين، وخاتمة. أما المقدمة: فقد اشتملت على بيان أهمية الموضوع، وخطة البحث، ومنهجه. المدخل: وفيه تعريف الضمانات لغة واصطلاحاً. الفصل الأول: الضمانات العامة لحقوق المرأة الزوجية، وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: (الضمان الأول) أن حقوق المرأة الزوجية ثابتة بأحكام شرعية، توعد الله من اعتدى عليها أو قصّر في أدائها. المبحث الثاني: (الضمان الثاني) أن من الحقوق الزوجية ما لا يمكن التنازل عنه شرعاً. المبحث الثالث: (الضمان الثالث) أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية في حال الإكراه والغرر. المبحث الرابع: (الضمان الرابع) أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية مسبقاً. المبحث الخامس: (الضمان الخامس) أن الشريعة حرّمت الأنكحة التي فيها ضرر مادي أو معنوي للمرأة.

المبحث السادس: (الضمان السادس) أن الشريعة ألغت تصرفات الزوج الضارة بالمرأة مما كان سائداً في الجاهلية، وعاقبت عليها، كالظهار والإيلاء. الفصل الثاني: الضمانات الخاصة لحقوق زوجية معينة. وفيه أحد عشر مبحثاً. المبحث الأول: (الضمان السابع) أن الشريعة منعت الولي من عضل موليته إذا أرادت أن تنكح. المبحث الثاني: (الضمان الثامن) أن الولاية تتحول من الولي الأقرب إلى الولي الأبعد في حالة عضله أو غيابه. المبحث الثالث: (الضمان التاسع) أن الشريعة جعلت للمرأة الحق في أن تشترط من الحقوق المادية والمعنوية ما فيه مصلحتها. المبحث الرابع: (الضمان العاشر) لو زوجت المرأة بغير رضاها كان لها حق الفسخ. المبحث الخامس: (الضمان الحادي عشر) أن الشريعة الإسلامية ضمنت للمرأة مهرها بأوجه عِدَّة. المبحث السادس: (الضمان الثاني عشر) أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيد الرجل. المبحث السابع: (الضمان الثالث عشر) أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيدها بالاشتراط.

لقد كثر الحديث عن حقوق المرأة السياسية والاجتماعية والزوجية، وتشدق المتشدقون بالحديث عن الضمانات القانونية لحقوق المرأة الزوجية، في الأنظمة الوضعية، وتحامل أعداء الإسلام على التشريع الإلهي في صيانة حقوق المرأة، مدعين أن الإسلام هضم المرأة حقوقها المختلفة، بحجزها في بيتها، وحبسها في الحجاب، ومنعها من مواكبة التقدم بالسير مع الرجل جنبا إلى جنب، وجعل أمرها في يد الرجل؛ ليضطهدها، ويظلمها كيف يشاء، وتركت في المقابل العنان للرجل يتزوج من يشاء، ويترك من يشاء، إلى غير ذلك من التهم التي لا تخفى على ذي بصيرة تفاهتها، وزيفها، والمقاصد الدنيئة من ورائها، أو جهل المتشدقين بها، بل إنهم نقضوا شعاراتهم التي كانوا يرفعونها من قبل، والتي زعموا فيها عدم تعرضهم للحرية الفردية، وامتناعهم عن التدخل في الأمور الشخصية، نقضوا شعاراتهم تلك، في سبيل الحملة القذرة على الأخلاق الإسلامية، والأحكام الشرعية، فصاروا يكيلون الانتقادات للباس الإسلامي المحتشم، بل ويمنعون المرأة المحتشمة من دخول المراكز العلمية، لمجرد أنها محجبة محتشمة، وغضوا الطرف عن المترجلة العارية من بنات جنسهم، بحجة عدم المساس بالحريات الشخصية، والشئون الفردية، كما حاولوا بشتى الوسائل، مضايقة المسلمة العفيفة، في سبيل أن تصبح كاسية عارية،

ولأهوائهم ملبية، كما أرادوا ذلك لبنات جلدتهم {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيل} 1. ومن المؤسف أنه نهجَ نهجَهم بعضُ أبناء الإسلام الذين تأثروا بالثقافات الغربية، والتقاليد المتبعة لديهم، والتي جعلت من المرأة سلعة رخيصة تتداولها الأيدي الآثمة، والمقاصد المغرضة، والأهواء الدنيئة، فصاروا يرددون تلك الشعارات البراقة الزائفة، ظنا منهم أنهم بذلك يحسنون صنعا إلى النساء، بإخراجهن إلى جحيم الأهواء والشهوات، ونسوا أو تناسوا أنهن مصونات بأنوثتهن، وحيائهن في ظل أدب الإسلام وحشمته. وغض أولئك القومُ أبصارهم عما آل إليه أمر المرأة المسكينة في المجتمعات الأجنبية، من انحطاط في السلوك والمكانة، وبعد عن دورها الرائد في تربية الأجيال، وتنشئة القادة والعلماء، وتقاعسٍ عن وظيفتها الأساسية، فأساءوا إليها، وامتهنوا كرامتها، أولم يعلموا أن الله عز وجل قد جعل للمرأة حقوقاً، وألزمها واجبات، وجعل للرجل حقوقاً، وألزمه واجبات، لتنتظم بذلك الحياة، وتستقر المجتمعات، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} 2.

_ 1 من الآية 24 من سورة النمل. 2 الآية 14 من سورة الملك.

هذا وقد ضمنت الشريعة الإسلامية للمرأة حقوقها الزوجية – كغيرها من الحقوق – أيما ضمان، وشرعت لذلك من الأحكام التي تكفل للمرأة حصولها على حقوقها الطبيعية، مما يجعلها في مأمن من الضياع، والاضطهاد. كما حفظ لها كرامتها، وشخصيتها المستقلة، ومكانتها الإنسانية الرفيعة، وألزم الرجال - بتشريع تلك الأحكام - أن يؤدوا حقوقها. وحيث أن أعداء الإسلام حاولوا، ويحاولون على الدوام إلصاق التهم بالإسلام، بأنه هضم المرأة حقوقها، وأنهم هم الذين ضمنوا حقوقها بسن القوانين التي تحفظ لها تلك الحقوق، أحببت أن أبرز الأحكام الشرعية التي شرعها الله سبحانه وتعالى ضمانا لحقوق المرأة الزوجية، والتي توضح بجلاء الخطوات التشريعية التي أقرتها الشريعة الإسلامية لصيانة تلك الحقوق الهامة، والمؤثرة في حياة المرأة تأثيرا مباشراً، وحتى تعلم المرأة المسلمة، وغير المسلمة أن ما شرع الله تعالى من أحكام ضمانا لحقوقها، اشتملت على ما يحقق لها خير الدنيا والآخرة، وأنها بتلك الأحكام غنية عما يدعيه أولئك الذين يرفعون شعارات حقوق المرأة، دون أن يكون تحت تلك الشعارات سوى الخراب والدمار لها؛ لأن {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} 1.

_ 1 من الآية 30 من سورة التوبة.

المبحث الثامن: (الضمان الرابع عشر) أن الشريعة جعلت للمرأة الخيار إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي من قبل الزوج. المبحث التاسع: (الضمان الخامس عشر) أن الشريعة أباحت للمرأة طلب الخلع إن لم تطق العيش مع زوجها. المبحث العاشر: (الضمان السادس عشر) أن الشريعة أمرت ببعث الحكمين للإصلاح بين الزوجين. المبحث الحادي عشر: (الضمان السابع عشر) أن الشريعة فرضت للمرأة الميراث ولو طُلقت طلاقاً بائناً إذا اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث. الخاتمة: وتضمنت أهم نتائج البحث. الفهارس: 1 – فهرس الآيات. 2 – فهرس الأحاديث. 3 – فهرس الأعلام المترجم لهم. 4 – فهرس القواعد الفقهية والأصولية.

منهج البحث: سرت بعون الله في بحثي هذا على النهج التالي: 1 – بدأت بالنظر في كل موضوع ومسألة، من غير تصور سابق للحكم، وشرعت في البحث عن الأحكام في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح، ثم أقوال العلماء المعاصرين، فإن كانت المسألة خلافية، اخترت من هذه الأقوال، ما هو أقرب إلى الكتاب والسنة فرجحته؛ لقربه من الصواب في نظري. 2 – بدأت بمدخل لكل موضوع لربطه بما قبله، ليسهل تصوره. 3 – عرفت الموضوع لغة واصطلاحاً، بالرجوع إلى كتب اللغة للتعريف اللغوي، وكتب التعريفات للتعريف الاصطلاحي. 4 – بدأت بذكر ما ورد في ذلك الموضوع من حكم شرعي؛ كالوجوب والندب والكراهة والحرمة، والإباحة، وبيان أهميته في نظر الشريعة، أو التحذير منه - إن كان -، ثم ذكر ما يتعلق منه بضمانات حقوق المرأة. 5 – ركزت على المسائل الفقهية الواردة في الكتاب دون الخوض في النواحي التاريخية، أو الاجتماعية، لاختصاص الكتاب بالفقه. 6 – اعتنيت بتفصيل المواضيع التي تتعلق بضمانات حقوق المرأة. 7 – التزمت بالمذاهب الأربعة في معرفة الخلاف؛ لما لهذه المذاهب من أهمية لدى المسلمين، ولاستنادها على أصول ثابتة تمكن الباحث من

الوقوف على معرفة سبب الخلاف، والوصول إلى القول الراجح، ولسهولة الحصول على الأحكام في كتب هذه المذاهب، وقد أذكر قول الظاهرية وغيرهم. 8 – رتبت الأقوال - في الغالب - ترتيباً زمنياً، بذكر المذهب الحنفي أولاً، ثم المالكي، ثم الشافعي، ثم الحنبلي، إلا إذا كان الأول في الترتيب الزمني، يخالف قول الجمهور، فأؤخره أو أقدمه، حسب ظروف المسألة، دون التقيد بالترتيب الزمني. 9 – رجعت في ذكر الأقوال في المذاهب إلى مصادرها المعتمدة في المذهب، ولم أكتف بنقلها من كتب الخلاف، إلا إذا أتت المسألة ضمنياً – وذكرتها في الهامش – فإنني أكتفي بنقل المسألة من كتب الخلاف، كالمغني، وبداية المجتهد، وغيرهما. 10 – حاولت أن أجد لكل مسألة أو قول دليلاً من الكتاب والسنة والإجماع، إن وجد، وإلا اكتفيت بذكر قاعدة أصولية يستند عليها ذلك القول أو المسألة. 11 – حاولت أن أصل إلى الراجح من الأقوال المختلفة، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، إلا إذا كانت المسألة اجتهادية بحتة، ولا تستند في خلافها على أدلة، فإني أتركها على خلافها، لكون المجال فيها متسع.

12 – ذكرت أرقام الآيات وأسماء السور التي وردت فيها في موضع ورودها في البحث، فإن كان الاستدلال بكامل الآية قلت: الآية كذا، وإن كان بجزء من آية قلت: من الآية كذا. 13 – رجعت في تفسير الآيات التي احتجت إلى تفسيرها إلى أقوال للمفسرين، كالقرطبي وابن كثير والشوكاني وغيرهم، لأنهم أولى بفهم الآية. 14 – وكذلك فعلت بالنسبة لشرح الأحاديث بالرجوع إلى كتب الشروح، كفتح الباري، وشرح النووي على صحيح مسلم، وغيرهما. 15 – خرجت الأحاديث الواردة في البحث، بعزوها إلى مظانها الأصلية، فإن كان الحديث في الصحيحين، أو أحدهما، اكتفيت بتخريجه منهما، أو من أحدهما، بذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث والكتاب والباب، ونقلت أحاديث البخاري من كتاب فتح الباري، دون الرجوع إلى المتن المجرّد. وإن كان في غيرهما، خرجته من مظانه، من كتب السنن والمسانيد والجوامع والمستدرك، وحاولت الوصول إلى الحكم على الحديث من حيث الصحة والحسن والضعف في كتب التخريج التي تعنى بهذا المجال. 16 – عزوت آثار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين إلى مظانها من كتب السنن والخلاف.

17 – شرحت الألفاظ الغريبة في الهامش. 18 – ترجمت لبعض الأعلام الواردة في الكتاب ممن لهم رأي في المسألة أو قول في تفسير آية، أو شرح حديث، دون التقيد بتراجم الرواة واللغويين والكتاب المعاصرين. 19_ ختمت البحث بذكر ملخص له، على هيئة مواد؛ ليسهل على القارئ غير المختص فهم الأحكام الواردة فيه، والاستفادة من مكنوناته، دون الحاجة إلى الغوص في أعماق الخلافات الفقهية. وأخيراً، أشكر الله سبحانه وتعالى الذي وفقني ولإكمال هذا البحث، ولولا فضله لما تمكنت، فما كان فيه من صواب، فهو محض توفيق من الله تعالى، وما كان فيه من خطأ فمني، وأستغفر الله من ذلك. اللهم ألهمني شكرك بالقول والعمل، وأسبغ عليّ عفوك ورضاك، وتجاوز عما وقعت فيه من خطأ وزلات، إنك أنت الغفور الرحيم. كما أشكر كل من أسدى إليّ معروفاً، وأعانني على إتمام هذا البحث، إما ببذل كتاب، أو نصح، أو إعانة على جمع المادة، أو النسخ، أو التعديل، أو الدعاء لي بالتوفيق، أسأله جلت قدرته أن يجزيهم عني خير الجزاء. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن صحابته أجمعين، وعن

التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعن أئمة الإسلام والمسلمين، الذين حملوا هذا العلم إلينا مصوناً محفوظاً، واغفر لنا ولوالدينا، وارحمهما كما ربياني صغيراً، وأدّباني كبيراً، إنك سميع قريب مجيب الدعوات. وكتبه الراجي عفو ربه: محمد يعقوب محمد يوسف الدهلوي المدينة المنورة: 25/12/1418هـ

المدخل

المدخل في تعريف الضمانات في اللغة والاصطلاح أولاً: تعريف الضمانات في اللغة. ثانياً: تعريف الضمانات في الاصطلاح.

أولا: تعريف الضمانات في اللغة: الضمانات:1، جمع ضمان، والضمان: مأخوذ من ضمنت المال، ضمانا، وضمْنا: التزمت به، وأنا ضامن وضمين: كفيل، (وهو الجاعل الشيء في ضمانه) 2، ويتعدى بالتضعيف، فيقال: ضمَّنته المال: ألزمته إياه. ويأتي الضمان لمعان، منها: الالتزام، والاحتواء، والكفالة، والحفظ والرعاية، والصون. وجاء الضمان بمعنى الالتزام والكفالة في الحديث الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لا يُخْرِجُهُ إِلا جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَإِيمَانًا بِي وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ لا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ وَلا يَجِدُونَ سَعَةً

_ 1 انظر: لسان العرب (17/126) ، والمصباح المنير ص 364. 2 انظر: حلية الفقهاء ص 143.

وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ" 1. كما جاء المعنى الآخر للضمان الذي هو: الحفظ والرعاية، والصون، في الحديث الذي رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ" 2. قال ابن الأثير 3 في شرح هذا الحديث: "أراد بالضمان هاهنا الحفظ والرعاية، لا ضمان الغرامة؛ لأنه يحفظ على القوم صلاتهم"4. وأقرب المعاني اللغوية إلى المعنى المراد في هذا البحث، هو: الحفظ، والرعاية، والصون؛ لأن القصد هنا، معرفة الأحكام التي أقرتها الشريعة

_ 1 صحيح مسلم (3/1495-1496) كتاب الإمارة - باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله. 2 سنن الترمذي (1/613-614 - التحفة) . 3 ابن الأثير: هو المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجَزَري، مجد الدين أبو السعادات، المعروف بابن الأثير، ولد سنة (544هـ) بجزيرة ابن عمر - بلدة فوق الموصل - كان فقيهاً محدّثاً لغوياً أديباً عالماً بصنعة الحساب والإنشاء. له من المصنفات: "جامع الأصول من أحاديث الرسول" و" النهاية في غريب الحديث والأثر". توفي سنة (606هـ) . انظر: طبقات الشافعية للسبكي 5/153-154) ، شذرات الذهب (5/22-23) . 4 النهاية في غريب الحديث والأثر (3/102) .

الإسلامية لحفظ وصون حقوق المرأة الزوجية، لا معرفة من يكفل تلك الحقوق. ثانيا: تعريف الضمانات في الاصطلاح: للضمان عند الفقهاء معنيان: المعنى الأول: وهو المشهور لدى الفقهاء، وهو المعنى الأخص للضمان1 بمعنى: الكفالة، وهي: ضم ذمة إلى ذمة في حق المطالبة2. وفي طِلبة الطَلبة، الكفالة: الضمان،، والتكفيل: التضمين. فالكفالة: ضم ذمة في التزام المطالبة بالدين3. هذا والمعنى الذي قصده الزركشي عند الكلام على الضمان، هو: الالتزام، بمعناه العام، فذكر أسباب الضمان الأربعة: عقد، ويد، وإتلاف، وحيلولة4. والمعنى الثاني: وهو الأعم في الدلالة، بمعنى الحفظ، والصون الموجب تركه للغرم، كقولنا: ضمان الرهن، وضمان البيع5.

_ 1 انظر: القاموس الفقهي: ص 225. 2 أنيس الفقهاء ص 223. 3 ص 284. 4 انظر للتفصيل: المنثور في القواعد (2/ 322) . 5 القاموس الفقهي ص 225.

فضمان البيع: أن المبيع يبقى في ضمان البائع، حتى يسلمه للمشتري، أو يخلي بينه وبين المبيع، بحيث لو تلف فهو من ضمانه، أي: خسارته، وتلفه عليه. والضمانة: كل ما يضمن الحق من الضياع1. فضمانات الحقوق: هي الأمور التي تؤدي إلى: حفظ وصون الحقوق، وإيصالها إلى أصحابها على الوجه المطلوب. والمراد من ضمانات الحقوق في بحثنا هذا: الأحكام الشرعية التي شرعت لحفظ وصيانة حقوق المرأة الزوجية، وإيصالها إليها. وهي أحكام بمثابة أوامر شرعية مساندة، لتتمكن بها المرأة من الحصول على حقوقها الزوجية، وينتفي بها وقوع الظلم عليها.

_ 1 معجم لغة الفقهاء، ص 285.

الفصل الأول الضمانات العامة لحقوق المراة الزوجية أقرت الشريعة الإسلامية أحكاما، هي ضمانات لحقوق المرأة الزوجية، وتعد هذه الضمانات أحكاما مُلزمة من قِبل الشارع، وبمثابة حدود، يحرم تجاوزها، وذلك للمحافظة على حقوق المرأة الزوجية، ولدفع الظلم عنها إذا وقع، أو وُجد احتمال وقوعه، أو كان ثمة احتمال للتهاون في أدائها، سواء كان ذلك من أجنبي، أو من قِبل الزوج، أو من ولي أمرها، أو من قِبلها هي. وقد أكدت الشريعة تلك الحدود بقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 1. وسأذكر - بعون الله تعالى - في هذا الفصل الضمانات العامة التي وضعتها الشريعة لحقوق المرأة الزوجية عامة، دون النص على حقوق معينة، كثبوت الحقوق الزوجية للمرأة بأوامر شرعية، وعدم صحة التنازل عن بعضها، وعدم صحة التنازل عن الحقوق مع الإكراه والغرر، أو كونه قبل وجوبها، وإبطال عقود الأنكحة المشتملة على غرر للمرأة أو ضرر عليها، وإلغاء تصرفات الزوج المضرة مما كان سائداً في الجاهلية، وإعطائها

_ 1 من الآية 229 من سورة البقرة.

المجال في أن تشترط من الحقوق المادية والمعنوية فيما فيه مصلحتها، وبعث الحكمين للصلح بين الزوجين عند النزاع. وفيما يلي هذه الضمانات والأوجه الواردة تحت كل ضمان إن وجدت.

المبحث الأول: (الضمان الأول) : أن حقوق المرأة الزوجية ثابتة بأحكام شرعية، توعد الله من اعتدى عليها، أو قصر في أدائها. من أقوى ضمانات المرأة لحقوقها الزوجية، أنها تتصف بالصفة الشرعية، وأن أغلب تلك الحقوق ثبت وجوبها بأحكام شرعية منصوص عليها، وما يجب لها من الحقوق بالاشتراط، متسم كذلك بالصفة الشرعية، لوجوب الوفاء بالشروط المتفق عليها عند عقد النكاح، ما لم تخالف شرعا، أو تناقض مقتضى عقد النكاح، فكان أداؤها واجبا لوجوبها شرعا، في كلا الصنفين من الحقوق، ويثاب من يؤدي ما وجب عليه، كما يعاقب من فرط في أدائها. وتلك ميزة هامة لضمان الحقوق الزوجية للمرأة، لا يضاهيه أي ضمان في الأنظمة والقوانين الوضعية الأخرى، لأن من يجب عليه أداء الحقوق الزوجية للمرأة، إذا علم أن ذلك واجب عليه شرعا، وأن الله سبحانه وتعالى مطلع عليه في السر والعلن، وأنه سوف يجازيه بالحسنى على أدائها، كما يعاقبه على تقاعسه عن أدائها، وأن حقوق العباد، التي هي بمثابة ديون، لا تغفر للشهيد1 فضلا عن غيره، كان ذلك حافزاً قوياً 1 وللفقهاء فيه كلام.

له على أداء الحقوق الزوجية للمرأة، أما الأنظمة الوضعية الأخرى الموجبة للحقوق الزوجية للمرأة، فإنها لا تتسم بتلك القوة الدافعة للأداء، ولذا نجد أن ما توجبه الأنظمة من حقوق للمرأة، يتهرب عن أدائها من تجب عليه، عند حدوث نزاع أو خلاف في أدائها، أو حصول نزاع بين الزوجين، لعدم وجود مخافة الله سبحانه وتعالى في أدائها. هذا وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة توجب أداء الحقوق عامة، كما تأمر بأداء الحقوق الزوجية خاصة، وتعد بالثواب على أدائها، كما تتوعد بالعقاب من أخل بها. وفيما يلي ذكر لبعض الأدلة الواردة في الكتاب والسنة على وجوب أداء الحقوق الزوجية للمرأة: أولاً: أدلة وجوب أداء الحقوق الزوجية: فمن النصوص الدالة على وجوب أداء الحقوق عامة، والحقوق الزوجية خاصة، آيات منها: قول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} 1، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} 2.

_ 1 من الآية 58 من سورة النساء. 2 من الآية 90 من سورة النحل.

وجُل الحقوق الزوجية ثبتت بصيغة الأمر1، كما في قوله تعالى: {وَآتُوا النِّساءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} 2، وقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} 3، وقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} 4، وقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} 5، وقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف} 6، وقوله تعالى: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} 7. فنجد أن حقوق المرأة الزوجية مطالب بها بصيغة الأمر مما يفيد تأكيد أدائها. ومن الأحاديث الدالة على وجوب أداء الأمانات، - والحقوق الزوجية منها - والتحذير من الخيانة فيها:

_ 1 والقاعدة في الأمر: أنه إذا تجرد عن القرائن اقتضى الوجوب، في قول الفقهاء، وإذا ورد بعد الحظر اقتضى الإباحة، عند الشافعي، وعند أكثر الفقهاء، أفاد ما كان يفيد لولا الحظر، انظر: روضة الناظر وجنة المنظر (ص100) وما بعدها. 2 من الآية 4 من سورة النساء. 3 من الآية 6 من سورة الطلاق. 4 من الآية 7 من سورة الطلاق. 5 من الآية 222من سورة البقرة. 6 من الآية 19من سورة النساء. 7 من الآية 6 من سورة الطلاق.

ما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" 1. كما وردت أحاديث كثيرة أوجبت أداء الحقوق الزوجية منها: ما رواه مسلم من حديث جابر، قوله صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله" 2. ومنها ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة، أنه صلى الله عليه وسلم قال: "استوصوا بالنساء خيراً" 3. ثانياً: أدلة تحريم منع الحقوق: وردت آيات تنص على النهي عن ظلم المرأة وهضم حقوقها، منها: قول الحق تبارك وتعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُن} 4، وقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} 5، وقوله

_ 1 صحيح مسلم (1/73) . 2 مسلم بشرح النووي (8/183) . 3 صحيح البخاري مع فتح الباري (9/253) ، ومسلم (2/1091) . 4 من الآية 19من سورة النساء. 5 من الآية20 من سورة النساء.

تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ ألا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} 1، وقوله تعالى: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَة} 2، وقوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} 3. ثالثاً: نصوص توجب ثواب أداء الحقوق وعقاب منعها: قرنت النصوص الشرعية الثواب بأداء الحقوق الزوجية، وتوعدت بالعقاب على هضمها. فأما النصوص الدالة على الثواب على أداء الحقوق الزوجية، فمنها: قول الحق تبارك وتعالى عند منعه العضل {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} 4. وما رواه مسلم، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ قَالَ: "أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ، إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً

_ 1 من الآية 3 من سورة النساء. 2 من الآية 129 من سورة النساء. 3 من الآية 232من سورة البقرة. 4 من الآية 232من سورة البقرة.

وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ". قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا"1. وما رواه البخاري من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ, إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ …" الحديث2. وأما ما يتعلق بالوعيد بالعقاب على ظلم المرأة، فمنها: قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا} إلى قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 3.

_ 1 صحيح مسلم (2/697) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري (5/363) . 3 من الآية 229 من سورة البقرة.

وقال في آية أخرى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً} 1. وفي كل تلك النصوص تخويف وعظة لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، كما قال تعالى: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 2. ومن الأحاديث الدالة على التحذير من ظلم المرأة: ما رواه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا"3. ومن الأصول المؤكدة لوجوب الحقوق الزوجية، أن منها حقوقا مشتملة على حق الله وحق العبد كإيجاب المهر، ومنها ما هي حقوق خالصة للعبد، كحق النفقة.

_ 1 من الآية 231من سورة البقرة. 2 من الآية 232من سورة البقرة. 3 رواه أحمد (2/295، 347، 471) ، والترمذي (4/295) ، وأبو داود (2133) ، والنسائي (7/63) ، وابن ماجه (1/633) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين. انظر: مسند الإمام أحمد (تحقيق الأرناؤوط - 13/320، حاشية 2) .

فما كان من الحقوق مشتملة على حق الله، فواضح أنها تتصف بوجوب أدائها، لاشتمالها على حق الله تعالى، وما كان منها خالصاً للعبد، فهي كذلك مشتملة على حق الله؛"لأن ما هو للعبد إنما ثبت كونه حقا له بإثبات الشرع ذلك له"1، فوجب أداؤها شرعا لذلك.

_ 1 الموافقات للشاطبي (2/377) .

الفصل الأول: الصمانات العامة لحقوق المرأة الزوجية

الفصل الأول: الصمانات العامة لحقوق المرأة الزوجية المبحث الأول: (الضمان الأول) : أن حقوق المرأة الزوجية ثابتة بأحكام شرعية توعد الله من اعتدى عليها، أو قصر في أدائها. ... المبحث الأول: (الضمان الأول) : أن حقوق المرأة الزوجية ثابتة بأحكام شرعية، توعد الله من اعتدى عليها، أو قصر في أدائها. من أقوى ضمانات المرأة لحقوقها الزوجية، أنها تتصف بالصفة الشرعية، وأن أغلب تلك الحقوق ثبت وجوبها بأحكام شرعية منصوص عليها، وما يجب لها من الحقوق بالاشتراط، متسم كذلك بالصفة الشرعية، لوجوب الوفاء بالشروط المتفق عليها عند عقد النكاح، ما لم تخالف شرعا، أو تناقض مقتضى عقد النكاح، فكان أداؤها واجبا لوجوبها شرعا، في كلا الصنفين من الحقوق، ويثاب من يؤدي ما وجب عليه، كما يعاقب من فرط في أدائها. وتلك ميزة هامة لضمان الحقوق الزوجية للمرأة، لا يضاهيه أي ضمان في الأنظمة والقوانين الوضعية الأخرى، لأن من يجب عليه أداء الحقوق الزوجية للمرأة، إذا علم أن ذلك واجب عليه شرعا، وأن الله سبحانه وتعالى مطلع عليه في السر والعلن، وأنه سوف يجازيه بالحسنى على أدائها، كما يعاقبه على تقاعسه عن أدائها، وأن حقوق العباد، التي هي بمثابة ديون، لا تغفر للشهيد1 فضلا عن غيره، كان ذلك حافزاً قوياً

_ 1 وللفقهاء فيه كلام.

المبحث الثاني: (الضمان الثاني) : أن من الحقوق الزوجية، ما لا يمكن التنازل عنه شرعا.

المبحث الثاني: (الضمان الثاني) : أن من الحقوق الزوجية، ما لا يمكن التنازل عنه شرعا الحقوق الزوجية التي أقرتها الشريعة الإسلامية للمرأة، منها ما هي حقوق مشتركة من حيث العقيدة، ومنها ما هي حقوق خالصة للعبد، وهذه الأخيرة منها ما هي للمرأة خالصة، ومنها ما تشترك فيه مع غيرها كالولي أو الولد. وبالنظر في الحقوق الزوجية التي أقرتها الشريعة الإسلامية على التقسيم السابق الذِكْر، نجد أنَّ منها ما يمكن التنازل عنه، ومنها ما لا يمكن التنازل عنه، لكونها تشتمل على أمور لابد من تحققها حفاظا على مصلحة المرأة المادية والمعنوية، خاصة، أو صيانة لحقوق الآخرين، الذين يتضررون بإسقاط تلك الحقوق - في نظر الشريعة الإسلامية - فمنعت لذلك التنازل عنها. هذا ويلاحظ أن من هذه الحقوق، حق المرأة في المهر، حيث لا يجوز إسقاطه أو نفيه ابتداء، لكونه متسما بصفة شرعية، لا يجوز التغاضي عنها، وليمنع بذلك وقوع الظلم عليها من قبل ولي أمرها، الذي ربما يتنازلَ عن مهرها، لمصلحته الشخصية، مما يؤدي إلى لحقوق الضرر بها، وأما إسقاطه بعد وجوبه وثبوته في ذمة الزوج، فللمرأة أن تتنازل عنه إن شاءت، من باب التفضل والإحسان.

كما أن من تلك الحقوق، حق الزوجة في انتساب الولد إلى أبيه، وما يتبع ذلك من مكثها في بيت الزوجية حال العدة، فإنه لا يجوز التنازل عنه، صيانة لنسل الرجل، وحفاظا على نسب الولد، المأمور به شرعاً، وحفاظاً عليها حتى لا تهتم وترمى بكون الولد من غير أبيه؛ إذ إن حفظ النسل من الأمور الخمسة الضرورية التي يجب ضبطها وصونها شرعاً. هذا ولم أذكر هنا الأدلة على أحكام المسائل المذكورة، كما لم أذكر بقية الحقوق الأخرى، التي لا يمكن التنازل عنها، فهناك حقوق أخرى منعت الشريعة الإسلامية التنازل عنها لأسباب متعددة مذكورة في مظانها1، وإنما أردت هنا التمثيل فقط للحقوق التي لا يمكن التنازل عنها لمانع شرعي، دون الدخول في التفاصيل.

_ 1 انظر كتاب: حقوق المرأة الزوجية والتنازل عنها، للباحث.

المبحث الثالث: (الضمان الثالث) : أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية إذا كان مشتملا على الإكراه أو الغرر.

المبحث الثالث: (الضمان الثالث) : أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية إذا كان مشتملا على الإكراه أو الغرر هناك حقوق زوجية للمرأة يمكن أن تتنازل عنها، إن شاءت ذلك، فلها أن تتنازل - مثلا - عن حقها في القسم، أو حقها في النفقة، إذا تحقق فيه شروط التنازل، إلا أن تصرفها ذلك لا يكون معتبرا إلا إذا خلا من الإكراه والغرر،؛ لأن تنازلها حينئذ يكون صادرا من غير رضاها حقيقة، فلا يصح. وسأذكر فيما يلي - بعون الله تعالى - ما ذكره الفقهاء عن أثر الإكراه والغرر في التصرفات القولية والفعلية، ليتضح بذلك أثر الإكراه والغرر في التنازل عموماً، وأثرهما في تنازل المرأة عن حقوقها خصوصاً. أولا: أثر الإكراه1 في التنازل: اتفق الفقهاء2 على أن الإكراه الملجئ والذي تتحقق

_ 1 الإكراه، لغة: من الكره، بالفتح: المشقة، وبالضم: القهر، وأكرهته على الأمر إكراها: حملته عليه قهراً. المصباح المنير (ص 536) . والإكراه في اصطلاح الفقهاء: اسم لفعل بفعل الآمر لغيره، فينتفي به رضاه، أو يفسد به اختياره. انظر: المبسوط (24/38) ، رد المحتار (6/128) ، وما بعدها، وأنيس الفقهاء (ص264) . 2 انظر: رد المحتار (6/128) ، وما بعدها، وشرح الخرشي (3/175) ، وما بعدها، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص 203) ، والمغني (10/353) ، والإنصاف (8/439) .

فيه شروطه1، يبطل التصرف القولي والفعلي الذي يقع عليه الإكراه، من حيث الجملة، وأنه لا يلزم المكرَه ما صدر منه بالإكراه، من إقرار أو إسقاط، وإن كانوا اختلفوا بعد ذلك في الصور التي يكون للإكراه فيها تأثير من غيرها، وذلك بحسب ما يرد عليه الإكراه. ومستند اتفاق العلماء على عدم صحة تصرف المكرَه، ما رواه ابن ماجه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"2. وبناء عليه إذا أكرهت المرأة على التنازل عن حق من حقوقها الزوجية، لم يصح تصرفها، واعتبر تنازلها عن الحق المتنازَل عنه باطلا، ويستمر ثبوت حقها فيما تنازلت عنه، كما لو لم تتنازل. وذلك لأن إقرارها بالتنازل وإسقاط حقها، لم يكن بإرادتها المعتبرة في الإسقاط، لخلوها عن الرضا، فلم ينفذ. يقول ابن القيم رحمه الله:"من أقر أو حلف أو وهب أو صالح لا عن رضا منه، ولكن مُنع حقه إلا بذلك، فهو بالمكرَه أشبه منه بالمختار، ومثل هذا لا يلزمه ما عقده من هذه العقود"3.

_ 1 انظر للتفصيل في شروط الإكراه والمسائل المتعلقة به: رد المحتار (6/128) ، وما بعدها، والإحكام في أصول الأحكام (1/220-221) ، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص 203) ، والمغني (10/353) ، والإنصاف (8/439) ، والموسوعة الفقهية (6/98، وما بعدها) . 2 سنن ابن ماجه (1/659) ، قال الألباني: صحيح، انظر: إرواء الغليل (1/123) . 3 أعلام الموقعين (4/32) .

ثانيا: حكم التغرير1 وأثره في التنازل: حكم التغرير: التغرير في المعاملات والتصرفات والعقود محرم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر. فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ "2. قال النووي رحمه الله: "وأما النهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع…3. ولأن الحصول على تنازل عن الحق بالتغرير من أكل أموال الناس بالباطل المنهي عنه. وقد قال تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل} 4.

_ 1 الغرر في اللغة: من غرَّه يغره غرا وغرورا، فهو مغرور، أي: خدعه، وأطمعه بالباطل. لسان العرب (6/314) ، وما بعدها. والتغرير في اصطلاح الفقهاء: الإغراء بوسيلة قولية أو فعلية كاذبة، لترغيب أحد المتعاقدين في العقد، وحمله عليه. المدخل الفقهي العام للزرقا (1/379) . 2 صحيح مسلم (3/1153) . 3 حاشية صحيح مسلم (3/1153) . 4 من الآية 29 من سورة النساء.

قال القرطبي رحمه الله:"الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، فيدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه، كمهر البغي، وحلوان الكاهن…"1 أثر التغرير في التنازل: يختلف أثر التغرير في تصرف المغرور، بحسب ما غُرر فيه، وحيث إن موضوعنا هو أثر التغرير في التنازل، والتنازل لا يخلو من كونه عقدا بالتبرع، أو تصرفا محضا به، وعلى كل فهو تبرع بالحق، فمن غُرر به حتى تنازل عن حقه، لم يكن لتنازله أثر، لأن الذي غرر صاحبَ الحق حتى تنازل عنه، لم يأخذ بوجه الشرع، وإنما أكله بالباطل، فاندرج تحت النهي الوارد في الآية المذكورة.2

_ 1 الجامع لأحكام القرآن (2/338) . 2 يذكر الفقهاء أحكام التغرير في العقود والتصرفات في أبواب البيوع، فليرجع إليها للتفصيل، وانظر كذلك: المدخل الفقهي العام (1/379) وما بعدها، والموسوعة الفقهية (31/149) وما بعدها.

المبحث الرابع: (الضمان الرابع) : أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية مسبقا

المبحث الرابع: (الضمان الرابع) : أن الشريعة أبطلت التنازل عن الحقوق الزوجية مسبقا قد ترى المرأة أن تتنازل عن بعض حقوقها الزوجية، فتسارع إلى التنازل عنها قبل وجوبها، أو حتى قبل وجود سببها، وحيث أن هذا التصرف منها بإسقاط حق من حقوقها، قد لا يكون مبنيا على تأن وترو وبصيرة، فيؤدي إلى لحوق الضرر بمصالحها مستقبلا، ولذا أبطلت الشريعة ذلك التصرف ضماناً لحقوقها. هذا وتنازل المرأة عن حقوقها مسبقاً له صورتان: الصورة الأولى: أن تتنازل المرأة عن حق من حقوقها قبل وجود سببه، كأن تتنازل عن نفقتها أو حقها في المبيت قبل عقد النكاح، فإن هذه الصورة اتفق العلماء1 على عدم صحتها، وأنه لا اعتبار لإبرائها ذلك، ولها أن ترجع عن تنازلها متى شاءت، لعدم صحة وقوعه إذ لم يصادف تنازلها محله.

_ 1 انظر: رد المحتار (2/653) ، وتحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطاب (مع فتح العلي المالك -1/322) ، والأشباه والنظائر للسيوطي ص490، وحاشية القليوبي (2/211) ، (3/282) ، والمنثور في القواعد (1/86) ، والفروع (4/195) .

وقد نص أحمد في رجل تزوج امرأة وشرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة، ثم رجعت وقالت: لا أرضى إلا ليلة وليلة، فقال: لها أن تتنازل بطيب نفس منها، فإن ذلك جائز، وإن قالت: لا أرضى إلا بالمقاسمة، كان ذلك حقا لها، تطالبه إن شاءت، ونقل عنه الأثرم1 في الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها أن يأتيها في الأيام: يجوز الشرط، فإن شاءت رجعت2؛ وعدم صحة تصرفها يندرج تحت قاعدة"أن ما لم يوجد سبب الاستحقاق فيه، ساقط أصلا بالكلية، فلا معنى لإسقاط ما هو ساقط فعلا".3 الصورة الثانية: أن تتنازل عن حق من حقوقها بعد وجود سببه وقبل وجوبه، كما لو أبرأت الزوجة زوجها -بعد العقد- من نفقة المستقبل، فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

_ 1 الأثرم هو: أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، أو الكلبي، الإسكافي، أبوبكر، صاحب الإمام أحمد، ونقل عنه مسائل كثيرة، وصنفها ورتبها أبواباً، وكان من أهل الحفظ والإتقان، وله عناية بالحديث. انظر: طبقات الحنابلة (1/66) ، تذكرة الحفاظ (2/135) ، الأعلام (1/194) . 2 المغني (9/478) . 3 الالتزامات للحطاب (مع فتح العلي المالك -1/322) ، والمنثور في القواعد (1/86) .

القول الأول: أن الإبراء غير صحيح، ولا اعتبار له، لأن وجوب الحق شرط في الإبراء، فلا يصح بدونه وإن انعقد السبب. وهو قول الجمهور (الحنفية، وقول للمالكية، والشافعية في الأصح، والحنابلة) 1. القول الثاني: إن الإبراء يقع صحيحا، فلو أبرأته عما وجد سببه ولم يجب صح الإبراء، ولزمها ذلك. وهو القول الراجح عند المالكية.2 والراجح: الذي يعضده المنقول والمعقول هو ما ذهب إليه الجمهور من عدم صحة إسقاط الحق قبل وجوبه. لأن الحق الذي لم يجب لم يملك ولم يستحق أصلا، فالتصرف فيه بالإبراء والإسقاط تصرف فيما لا يملك كما هو تصرف في المعدوم، فلم يصح. ولأن من موانع إسقاط الحق أن يتم قبل وجوبه ولو بعد وجود سببه.

_ 1 انظر: رد المحتار (2/653) ، وتحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطاب (مع فتح العلي المالك -1/322) ، والأشباه والنظائر للسيوطي ص490، وحاشية القليوبي (2/211) ، (3/282) ، والمنثور في القواعد (1/86) ، والفروع (4/195) . 2 الالتزامات للحطاب (1/322) .

وقياسا على بيع ما لم يخلق المنهي عنه، فعن عبد الله بن عمر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار، وعن بيع المجر، وعن بيع الغرر، وعن بيع كالئ بكالئ، وعن بيع آجل بعاجل" 1. والمجر ما في الأرحام. وبناء عليه، لو أبرأت الزوجة زوجها من حق يثبت لها في زمن المستقبل لم يقع الإبراء صحيحا، فلو أرادت بعدُ، أن ترجع في المطالبة به كان لها ذلك، وليس للزوج أن يمتنع عن أدائه بحجة إبرائها له، لعدم صحة تصرفها فيما سبق2.

_ 1 أخرجه البزار (كشف الأستار - 2/91-92) ، والبيهقي (5/341) ، وفي إسناده موسى ابن عبيدة، وهو ضعيف. انظر: الهداية في تخريج أحاديث البداية (7/244) . 2 لمزيد من التفصيل انظر كتاب: حقوق المرأة الزوجية والتنازل عنها (ص 111 وما بعدها) .

المبحث الخامس: (الضمان الخامس) : أن الشريعة حرمت الأنكحة التي فيها ضرر مادي أو معنوي للمرأة.

المبحث الخامس: (الضمان الخامس) : أن الشريعة حرمت الأنكحة التي فيها ضرر مادي أو معنوي للمرأة. من الأمور المعلومة بالضرورة أن ميل الذكر والأنثى بعضهما إلى بعض ميل طبيعي وفطري، فيرغب كل من الجنسين في الاتصال بالآخر، وقد لا يتقيد هذا الميل والاتصال برعاية المصالح أو درء المفاسد المترتبة عليه، مما قد يؤدي إلى لحوق الضرر بهما، أو بأحدهما، ويكون للأنثى - في الغالب - النصيب الأكبر من هذا الضرر، وهو ما يعلمه الجميع، ويعتبر به أولو النهى، وحسب المرء ما يسمعه من أخبار وحوادث مؤسفة، ومؤلمة بسبب العلاقات غير الشرعية، والمشبوهة التي تقوم بين الرجال والنساء، في المجتمعات التي تنادي بالاختلاط والاندماج بين الذكور والإناث، {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الأَبْصَارِ} 1. ولمعالجة هذه العلاقة الطبيعية بين الذكر والأنثى، وتنظيمها لتكون صالحة في تحقيق مقاصد الشريعة في حفظ النسل والعرض، وعمارة الكون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، شرع الله سبحانه وتعالى عقد النكاح؛ ليكون رابطة شرعية تنشئ العلاقة السليمة بين الذكر والأنثى،

_ 1 من الآية 2 من سورة الحشر.

على أساس تبادل المصالح الفردية والمشتركة بينهما، وليقضي كل منهما وطره الفطري مع الآخر بالمودة والمحبة، والسكينة والرحمة، والاحتفاظ بالشرف والعزة، على سبيل الدوام والاستقرار. ولتحقيق المصلحة المرجوة من النكاح، حرمت الشريعة بعض صور النكاح التي كانت معروفة في الجاهلية، والتي كانت مشتملة على أمور تضر بالحياة الزوجية، وفيها منافاة لمقصد النكاح الصحيح، كنكاح المتعة، ونكاح الشغار، ونكاح التحليل، ونكاح الاستبضاع، ونحو ذلك من الأنكحة التي ما كانت تفي بالغرض الصحيح المقصود من النكاح، فجاء الإسلام وحرم تلك الأنكحة، ضماناً لحقوق المرأة المشروعة مع الإبقاء على اتصالها بالرجل بالطريقة الصحيحة السليمة عبر عقد النكاح الشرعي المعروف بشروطه المعتبرة. فمن أهم ضمانات حقوق المرأة الزوجية في الشريعة، أنها منعت تلك الأنكحة الفاسدة المشتملة على الضرر للمرأة من الناحية المادية أو المعنوية، بل إننا نجد أن الشريعة الإسلامية تمنع وجود صفات، أو شروط في عقد النكاح، قد تلحق الضرر بحقوق المرأة عامة والزوجية خاصة، فإن اشتمل العقد على شروط باطلة، أو فاسدة تضر بالمرأة، كالتأقيت، أو نفي المهر، ونحو ذلك، كان العقد ممنوعاً. وسأذكر - بعون الله تعالى - ضمن هذا الوجه من الضمان، بعض الأنكحة الباطلة، أو الفاسدة،، كنكاح المتعة، ونكاح الشغار، ونكاح

التحليل، لتكون نماذج للتمثيل، مع بيان تعريفها وحكمها، والإشارة إلى ما فيها من الضرر الذي يلحق بالمرأة، إذ إن في تحريمها ضمان لحقوقها. فمن الأنكحة الممنوعة شرعاً: 1- نكاح المتعة: تعريفه: قال الجرجاني رحمه الله: هو أن يقول الرجل لامرأة: خذي هذه العشرة وأتمتع بك مدة معلومة، فقبلته1، فالحاصل لا بد من لفظ التمتع2. وفي القاموس الفقهي: نكاح المتعة عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية: هو نكاح المرأة إلى أجل معلوم، أو مجهول3. وهو عند الجعفرية، أصحاب هذا النوع من النكاح: هو عقد الرجل الزواج على امرأة مدة معلومة بمهر معلوم. والمدة، هي ما تراضيا عليه طالت هذه المدة أم قصرت كالسنة والشهر واليوم. وينتهي هذا العقد بانتهاء مدته، إذ لا يقع فيه طلاق4.

_ 1 التعريفات ص.246 2 أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء ص 146. 3 القاموس الفقهي ص 261. 4 النهاية للطوسي، ص 489، نقلا عن (المفصل في أحكام المرأة 6/163-188) ، وأنظر فيه تفصيل الكلام على نكاح المتعة، وأحكامه، ومناقشة أدلة المجيزين والمانعين.

حكمه: اتفق الفقهاء من المسلمين من أهل السنة والجماعة على تحريم نكاح المتعة، وأنه نكاح باطل1. قال ابن رشد رحمه الله: وأما نكاح المتعة: فإنه وإن تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريمه، إلا أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم … وأكثر الصحابة وجميع فقهاء الأمصار على تحريمها2. ويدل على تحريم نكاح المتعة في آخر الأمر إلى يوم القيامة، ما رواه مسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَقَالَ أَلا إِنَّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كَانَ أَعْطَى شَيْئًا فَلا يَأْخُذْهُ"3. قال النووي رحمه الله مبيناً ومعقباً على الروايات الواردة في إباحة المتعة وتحريمها، ووقوع التكرار فيهما، قال: والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالاً قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم

_ 1 انظر: الاختيار لتعليل المختار (3/89) ، وحاشية الدسوقي (2/239) ، وروضة الطالبين (7/42) ، والمغني (10/46) . 2 بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/1036) (المحقق) . 3 صحيح مسلم بشرح النووي (9/189) .

أبيحت يوم فتح مكة، … ثم حرمت بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم…اهـ1. حكمة تحريمه: لا يخفى ما في هذا العقد من مضادة لقصد الشريعة من عقد النكاح، وضرر على المرأة، وضياع لحقوقها. فلا يقصد بهذا النكاح الدوام في الحياة الزوجية، ولا العشرة بالمعروف المطلوب شرعا، ولا الولد المراد الأول من الزواج؛ ولا النفقة والسكنى الواجبة ديانة ومعاوضة، ولا التوارث بينهما، والذي يعد من مظاهر ديمومة عقد النكاح. فالذين أباحوا نكاح المتعة، اشترطوا فيه التأقيت، بل أجازوا نكاح المرأة بالاتفاق على تحديد مرات الجماع، ودون الإشهاد، أو إعلان النكاح، أو التأكد من كونها متزوجة أم لا، ودون التقيد كذلك بعدد من النساء اللاتي يمكن نكاحهن نكاح متعة، في وقت واحد، ومن غير إيجاب للنفقة أو الميراث، ولا حاجةٍ إلى الطلاق للتفريق، بل يفترقان بمجرد انتهاء الأجل، كما صُرح بذلك في كتبهم2.

_ 1 شرح النووي لمسلم (9/181) . 2 باختصار نقلا عن كتاب (المفصل في أحكام المرأة 6/175-1777) .

فإذا انتفى كل ذلك وهو من الأمور المعتبرة، والمطلوبة شرعا بعقد النكاح، فما الذي بقي بعد ذلك للتفريق بين هذا النوع من النكاح والسفاح. ومما يجب ملاحظته، أن المتعة التي أبيحت في أول الإسلام، كانت إباحتها لوقت من الزمن، ولظروف مرت بالأمة و"إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير، ثم أحكم الله الدين ونهى عنها"1، وبتحريمه انتهى أمره، ووجب على الأمة اجتنابه. 2- نكاح الشغار: تعريفه: الشغار: مأخوذ من شَغَر البلد، شُغورا من باب قعد: إذا خلا عن حافظ يمنعه. وشغر الكلب شَغْراً: من باب نفع، رفع إحدى رجليه ليبول، وشغرت المرأة: رفعت رجلها للنكاح. وشاغر الرجلُ الرجلَ شغاراً، من باب قاتل: زوَّج كل واحد صاحبه حريمته على أن بضع كل واحدة صداق الأخرى، ولا مهر سوى ذلك2.

_ 1 صحيح مسلم بشرح النووي (9/188) . 2 المصباح المنير ص 316، والمطلع على أبواب المقنع ص 323.

قال ابن الأثير رحمه الله: وهو نكاح معروف في الجاهلية، كان يقول الرجل للرجل: شاغرني: أي: زوجني أختك، أو بنتك أو من تلي أمرها، حتى أزوجك أختي أو بنتي، أو من ألي أمرها، ولا يكون بينهما مهر، ويكون بضع كل واحدة منهما في مقابلة بضع الأخرى، وقيل له الشغار لارتفاع المهر بينهما، ولأن كل واحد منهما يسفر، أي: يرفع الرِجل للوطء، من شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول1. وقد اتفق العلماء على هذا المعنى لنكاح الشغار2. قال ابن قدامة رحمه الله: "إنما سمي شغاراً لقبحه، تشبيها برفع الكلب رجله ليبول، في القبح"3. حكمه: أجمع العلماء على تحريم نكاح الشغار، قال النووي رحمه الله: "وأجمع العلماء على أنه منهي عنه"4.

_ 1 النهاية في الحديث والأثر (2/482) ، وطِلبة الطَلبة ص 102. 2 الفقه الإسلامي وأدلته (7/116) ذكر صاحب الفقه وأدلته اتفاق العلماء على التعريف المذكور، ولم أجد غيره من ذكر ذلك. 3 المغني (10/42) . 4 شرح النووي لمسلم (9/201) ، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/1035) ، (المحقق) .

ولكنهم اختلفوا بعد ذلك في حكم هذا النكاح إذا وقع، هل النهي الوارد يقتضي إبطال النكاح أم لا؟ اختلفوا في ذلك إلى قولين: القول الأول: أن نكاح الشغار لا يصح، ويفسخ قبل الدخول وبعده. وهو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة1. وقد استدل الجمهور على بطلان نكاح الشغار، بأدلة منها: 1 - ما رواه البخاري عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"نَهَى عَنِ الشِّغَارِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ"2. 2 - وما رواه مسلم عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "نَهَى عَنِ الشِّغَارِ "3. 3 - وما رواه مسلم أيضا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا شِغَارَ فِي الإِسْلامِ"4.

_ 1 انظر: الشرح الكبير للدردير (2/239) ، وشرح النووي لصحيح مسلم (9/201) ، وتكملة المجموع (16/245) ، والمغني (10/44) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري (9/162) . 3 صحيح مسلم بشرح النووي (9/200) . 4 صحيح مسلم بشرح النووي (9/200) .

ووجه الاستدلال من الحديث: أن الحديث ورد فيه النهي عن الشغار، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، فكان نكاح الشغار فاسداً1. القول الثاني: يصح نكاح الشغار، ويفرض لكل منهما صداق المثل. وهو قول الحنفية2. وقد علل الحنفية لتصحيح نكاح الشغار مع فرض صداق المثل، بما ذكره ابن عابدين رحمه الله: بأن"متعلق النهي مسمى الشغار المأخوذ في مفهومه خلوّه عن المهر، وكون البضع صداقاً، ونحن قائلون بنفي هذه الماهية وما يصدق عليها شرعاً، فلا نثبت النكاح كذلك بل نبطله، فيبقى نكاحا مسمى فيه ما لا يصلح مهرا فينعقد موجبا لمهر المثل كالمسمى فيه خمر أو خنزير، لأن ما هو متعلق النهي به لم نثبته، وما أثبتناه لم يتعلق به، بل اقتضت العمومات صحته…" اهـ3. وقد رد ابن قدامة رحمه الله على هذا التعليل بأن المفسد في نكاح الشغار ليس عدم التسوية، بدليل نكاح المفوضة، فدل على أن المفسد هو الشرط، وقد وُجد، ولأنه سلف في عقد، فلم يصح4.

_ 1 شرح النووي لمسلم (9/201) . 2 انظر: رد المحتار على الدر المختار (3/106) . 3 رد المحتار على الدر المختار (3/106) . 4 المغني (10/44) .

وقريب من قول الحنفية ما حاء في تكملة المجموع: "فأما إذا قال: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك صح النكاحان، لأنه لم يحصل التشريك في البضع، وإنما حصل الفساد في الصداق، وهو أنه جعل الصداق أن يزوجه ابنته فبطل الصداق وصح النكاح"1. حكمة تحريمه: ولا يخفى ما في تحريم نكاح الشغار من حكمة؛ لأن المتلبس لنكاح الشغار إنما يقصد بهذا النكاح - في الغالب - التخفيف في المهر بتعويض الآخر ببضع موليته بدل مهر المثل، ويفعل الثاني مثل ذلك معه، فيلحق الضرر بالمرأتين، بهضم حقهما في مهر المثل، فكان في تحريم نكاح الشغار ضمان حق المرأة في مهرها. وكذلك لأن الشغار يؤثر على سير الحياة الزوجية لكل منهما، تأثيرا سلبيا، لكون كل واحدة منهما قوبلت بالآخر في النكاح، فيلحق بإحداها الضرر إذا لحق ذلك الأخرى، وذلك معلوم لدى المطلعين على مثل هذا النكاح، والمفروض في الحياة الزوجية أن تكون مستقلة بنفسها بعيدة عن كل ما من شأنه أن يلحق بها الضرر، فكان هذا النوع من النكاح محرما، وفي ذلك ضمان لحقوق المرأة الزوجية.

_ 1 تكملة المجموع (16/245) .

3- نكاح التحليل تعريفه: المقصود من نكاح التحليل: أن ينكحها على أنه إذا وطئها فلا نكاح بينهما، وأن يتزوجها على أن يحللها للزوج الأول1.حكمه: نكاح المحلل حرام، عند عامة أهل العلم2، في الجملة، وله صور عدة. وقد دل على تحريمه أدلة منها: ما رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ" 3.

_ 1 تكملة المجموع (16/249) ، وتحفة الأحوذي (4/264) . 2 المغني (10/49) ، تكملة المجموع (16/349) . 3 سنن الترمذي (4/262-263، التحفة) ، وسنن النسائي (6/49) ، وسنن الدارمي (2/211) ، قَالَ الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ". وقال ابن حجر في التلخيص (3/170) : " صححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري". وقال الألباني في الإرواء (6/307) : " صحيح".

قال الصنعاني رحمه الله مبينا حكم نكاح التحليل، وصوره: "والحديث دليل على تحريم التحليل؛ لأنه لا يكون اللعن إلا على فاعل المحرم، وكل محرم منهي عنه، والنهي يقتضي فساد العقد،، واللعن وإن كان ذلك للفاعل لكنه عُلق بوصف يصح أن يكون علة الحكم. وذكروا للتحليل صوراً منها: - أن يقول له في العقد إذا أحللتها فلا نكاح وهذا مثل نكاح المتعة لأجل التوقيت. - ومنها: أن يقول في العقد إذا أحللتها طلقتها. - ومنها أن يكون مضمراً عند العقد، بأن يتواطئا على التحليل، ولا يكون الدائم هو المقصود، وظاهر شمول اللعن فساد العقد لجميع الصور، وفي بعضها خلاف بلا دليل ناهض فلا يُشتغل بها"1. وقد اختلف العلماء في فسخه إذا تم، على قولين: القول الأول: أنه يفسخ وهو قول مالك2، وأحمد3 رحمهما الله. وتعليلهم لذلك أن النهي يقتضي الفساد، فهو نكاح فاسد للعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له. القول الثاني: هو نكاح صحيح، ولا يفسخ.

_ 1 سبل السلام (3/269-270) . 2 بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/1038) ، (المحقق) 3 المغني (10/54) .

وهو قول أبو حنيفة1 والشافعي2 رحمهما الله. وتعليلهم لذلك، أن النكاح وُجد مكتملا لأركانه وشروطه، فصح، وأما النية فغير مؤثرة في النكاح. وأما اللعن فالمقصود به التأثيم فقط. الراجح: والراجح ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أنه يفسخ، وأنه نكاح باطل أصلاً؛ لكثرة الروايات الواردة عن الصحابة من التصريح بأن ذلك كان يعدّ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سفاحاً. فقد روى الطبراني في الأوسط، عن نافع، عن ابن عمر: أن رجلاً قال له: تزوجتها أحلُّها لزوجها، لم يأمرني ولم يعلم، قال: لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكتها، وإن كرهتها، فارقتها، قال: وإن كنّا نعدّه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحاً، وقال: لا يزالا زانيين وإن مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلّها3.

_ 1 بدائع الصنائع (3/187) . 2 الأم (5/80) . 3 قال الألباني: صحيح. إرواء الغليل (6/311) ، وذكر روايات أخرى صحيحة عن ابن عمر دلت على البطلان، وأنه سفاح.

حكمة تحريمه: إن حكمة تحريم نكاح المحلل لها وجهان، وكلا الوجهين فيه ضمان لحقوق المرأة: فأما الوجه الأول: فهو أن تحريم نكاح المحلل يؤدي إلى التقليل من حالات وقوع الطلاق. وذلك لأن الزوج إذا علم أنه لن يتمكن من إعادة زوجته إذا طلقها الطلقة الثالثة؛ لأنها لن تحل له بعد ذلك، حتى تنكح زوجا غيره، ويبني بها، ويذوق عسيلتها، وتذوق عسيلته، ومع ذلك لن تعود إليه، إذا قصد ذلك المحلل، لكون نكاح التحليل حرام، وأن المحلل لن يحل له المرأة، لو قصد التحليل، أقول: لو علم ذلك كان أشد زجرا له، وأدعى لعدم تهوره في إيقاع الطلاق، وتريثه في الأمر قبل الإقدام على ما فيه ضرر لحياتهما الزوجية، وانفصام عراها، ولا يخفى ما في ذلك من ضمان للمرأة لحياتها الزوجية. وقد دل على أن المرأة لن ترجع إلى الأول إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره على الصفة المذكورة، قول الحق تبارك تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ

مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} 1. وما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّهُ لا َيأْتِيهَا وَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلا مِثْلُ هُدْبَةٍ2 فَقَالَ: "لا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ"3. وأما الوجه الثاني: فإن الشريعة بتحريم نكاح المحلل، حرصت على ضمان وصيانة شرف المرأة، والحفاظ على كرامتها؛ إذ لا يخفى ما في نكاح التحليل من تعريض المرأة للابتذال، وتشهير بسمعتها، وجعلها متقلبة بين الرجال، وينتفي كل ذلك إذا كان القصد من الزواج صحيحا سليما ولو طلقت بعد ذلك وعادت إلى الزوج الأول، لأنه لا حياء في الدين، ولا غضاضة في الامتثال لأوامر الشرع الحكيم.

_ 1 الآية 230 من سورة البقرة. 2 هُدبة: وهو طرف الثوب الذي لم ينسج، وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار (الفتح 9/465) . 3 صحيح البخاري مع فتح الباري (9/464) .

قال الإمام ولي الله الدهلوي رحمه الله، مبينا حكمة تحريم نكاح التحليل: "أقول: لما كان من الناس من ينكح لمجرد التحليل من غير أن يقصد منها تعاونا في المعيشة، ولا يتم بذلك المصلحة المقصودة، وأيضا ففيه وقاحة وإهمال غيرة، وتسويغ ازدحام على الموطوءة، من غير أن يدخل في تضاعيف المعاونة، نهي عنه" اهـ1.

_ 1 حجة الله البالغة (2/139) .

المبحث السادس: (الضمان السادس) : أن الشريعة ألغت تصرفات الزوج الضارة بالمرأة مما كان سائدا في الجاهلية، وعاقبت عليها، كالظهار، والإيلاء.

المبحث السادس: الضمان السادس) : أن الشريعة ألغت تصرفات الزوج الضارة بالمرأة مما كان سائداً في الجاهلية، وعاقبت عليها، كالظهار، والإيلاء. تمهيد: من ضمانات حقوق المرأة الزوجية أن الشريعة أبطلت التصرفات القولية للزوج والتي كانت معروفة في الجاهلية، لما اشتملت عليه من ضرر بمصالح المرأة، بجعلها معلقة، أو ممنوعة من حقوقها. ومن تلك التصرفات الضارة، الظهار، والإيلاء، إذ كان الرجل في الجاهلية إذا غضب على زوجته ظاهر منها، أو حلف على ترك وطئها، فتبقى محرومة من أهم حق من حقوقها الزوجية، وكانوا يعتبرون ذلك طلاقا، فتحرم عليه تحريما مؤبدا، ومع ذلك لا يحق لها أن تتزوج بغيره،1 فعالجت الشريعة ذلك التصرف السيئ من الزوج بإلغائه، وفرض العقوبة المناسبة على المظاهر والمولي، مع الإبقاء على النكاح، فكان في ذلك ضمان لحقوق المرأة.

_ 1 انظر: شرح الخرشي (4/101) .

وسأذكر - بعون الله تعالى - فيما يلي ما يتعلق بضمان حقوق المرأة بمعالجة الشريعة لحالتي الظهار والإيلاء، وفرض الكفارة على المظاهر، والمولي خروجا له من تصرفه السيئ، وذلك في فرعين:

الفرع الأول: تعريف الظهار وحكمه: أولا: الظهار لغة واصطلاحا: الظهار لغة: الظهر من كل شيء خلاف البطن، والظهر من الإنسان، من لدن مؤخر الكاهل إلى أدنى العجز عند آخره، و (ظهر) الشيء (يظهر) (ظهورا) : برز بعد الخفاء. و (ظاهر) من امرأته (ظهارا) ، مثل قاتل قتالا، و (تظهر) : إذا قال لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمي.، وكان في الجاهلية طلاقا، قيل: إنما خص ذلك بذكر الظهر دون البطن والفرج؛ لأن الظهر من الدابة موضع الركوب، والمرأة مركوبة وقت الغشيان، فأقام الركوب مقام النكاح؛ لأن الناكح راكب، فركوب الزوجة مستعار من ركوب الدابة، ثم شبه ركوب الزوجة بركوب الأم الذي هو ممتنع، وهو استعارة لطيفة، فكأنه قال: ركوبك للنكاح حرام عليَّ، وقيل: إنهم أرادوا: أنت عليَّ كبطن أمي، أي: كجماعها، فكنوا بالظهر عن البطن للمجاورة. 1 واصطلاحا: هو: "تشبيه الزوجة، أو جزء منها شائع، أو معبر به عن الكل بما لا يحل النظر إليه، من المحرمة على التأبيد، ولو برضاع، أو

_ 1 لسان العرب (6/192) والمصباح المنير (ص 388) والنهاية في غريب الحديث والأثر (3/164) والمفردات في غريب القرآن (ص318) ، والمطلع على أبواب المقنع (ص 345) ، وحلية الفقهاء (ص 177) .

صهرية.1 وأن صريحه بالإجماع: "أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي"2. ثانيا: حكم الظهار وما يجب فيه على المظاهر 1- حكم الظهار الظهار محرم؛ لأنه منكر من القول وزور، وقد ثبت تحريمه بالكتاب والسنة: فأما الكتاب: فقول الله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} 3. وأما السنة فأحاديث منها: ما رواه الترمذي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الأنْصَارِيِّ قَالَ: "كُنْتُ رَجُلا قَدْ أُوتِيتُ مِنْ جِمَاعِ النِّسَاءِ مَا لَمْ يُؤْتَ غَيْرِي فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ تَظَاهَرْتُ مِنِ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ فَرَقًا مِنْ أَنْ أُصِيبَ مِنْهَا فِي

_ 1 شرح فتح القدير (4/85) ، وللعلماء أقوال في الألفاظ التي تندرج تحت حكم الظهار من غيرها انظر للتفصيل: شرح الخرشي (4/101) وما بعدها، ونهاية المحتاج (7/76) وما بعدها، والمغني (11/54) وما بعدها. 2 الإجماع لابن المنذر (ص 47) . 3 الآية 2من سورة المجادلة.

لَيْلَتِي فَأَتَتَابَعَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُدْرِكَنِي النَّهَارُ وَأَنَا لا أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِعَ فَبَيْنَمَا هِيَ تَخْدُمُنِي ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي فَقُلْتُ: انْطَلِقُوا مَعِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُخْبِرَهُ بِأَمْرِي، فَقَالُوا: لا وَاللَّهِ لا نَفْعَلُ، نَتَخَوَّفُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ، أَوْ يَقُولَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَةً يَبْقَى عَلَيْنَا عَارُهَا، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ: أَنْتَ بِذَاكَ؟ قُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ، قَالَ: أَنْتَ بِذَاكَ؟ قُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ، قَالَ: أَنْتَ بِذَاكَ؟ قُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ وَهَا أَنَا ذَا فَأَمْضِ فِيَّ حُكْمَ اللَّهِ فَإِنِّي صَابِرٌ لِذَلِكَ، قَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً، قَالَ: فَضَرَبْتُ صَفْحَةَ عُنُقِي بِيَدِي فَقُلْتُ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أَمْلِكُ غَيْرَهَا، قَالَ: صُمْ شَهْرَيْنِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلا فِي الصِّيَامِ، قَالَ: فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ وَحْشَى مَا لَنَا عَشَاءٌ، قَالَ اذْهَبْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَقُلْ لَهُ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ، فَأَطْعِمْ عَنْكَ مِنْهَا وَسْقًا سِتِّينَ مِسْكِينًا، ثُمَّ اسْتَعِنْ بِسَائِرِهِ عَلَيْكَ وَعَلَى عِيَالِكَ"، قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي فَقُلْتُ: وَجَدْتُ عِنْدَكُمُ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأْيِ، وَوَجَدْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّعَةَ وَالْبَرَكَةَ، أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ فَادْفَعُوهَا إِلَيَّ فَدَفَعُوهَا إِلَيَّ"1.

_ 1 سنن الترمذي (9/188-191، التحفة) . قَالَ أبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وصححه الألباني في الإرواء (7/176) .

وقد نزلت سورة المجادلة في خولة بنت حكيم؛ ففي مسند أحمد عن خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ وَاللَّهِ فِيَّ وَفِي أَوْسِ بْنِ صَامِتٍ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَدْرَ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ …" الحديث1. وهو قول الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} 2. 2- ما يجب فيه على المظاهر: أ - من ظاهر من امرأته حرم عليه وطؤها إجماعا،3 ووجب عليه إن أراد أن يرجع إليها، أن يكفر كفارة ظهار المذكورة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 4.

_ 1 المسند (6/410) ، وقال الألباني: صحيح. إرواء الغليل (7/173) . 2 الآية 1 من سورة المجادلة. 3 قوانين الأحكام الشرعية (ص 267) . 4 الآيتان 3،4 من سورة المجادلة.

وهي كفارة على الترتيب المذكور في الآية، كما ثبت في الصحيحين في قصة الذي جامع امرأته في رمضان1. قال القرطبي رحمه الله: "ذكر الله عز وجل الكفارة هنا مرتبة، فلا سبيل إلى الصيام إلا عند العجز عن الرقبة، وكذلك لا سبيل إلى الطعام إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام، فمن لم يطق الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم.2 فإن وطئ قبل أن يكفر كان عاصيا، وعليه الكفارة، في قول أكثر أهل العلم، كما ذكر ذلك ابن قدامة رحمه الله.3 ب - إن امتنع المظاهر عن الكفارة كان للزوجة مطالبته بها، والعود إلى الوطء، فإن امتنع عن التكفير كان لها أن ترفع الأمر إلى القاضي ليأمره بأداء الكفارة، فإن امتنع أجبره على أدائها، أو أن يطلق4. وفي ذلك رفع للضرر الواقع على المرأة بسبب الظهار ومعاقبة للمظاهر.

_ 1 تفسير القرآن العظيم (4/322) ، وانظر كذلك: شرح منتهى الإرادات (3/200) . 2 الجامع لأحكام القرآن (17/285) . 3 المغني (11/110) ، وانظر كذلك: شرح فتح القدير، وشرح العناية إلى الهداية، والهداية، مع الشرح (4/86) وما بعدها، وحاشية الدسوقي (2/445) ، وما بعدها، وروضة الطالبين (8/268) وما بعدها. 4 انظر: بدائع الصنائع (3/234) ، والاختيار لتعليل المختار (3/162) ، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (2/433)

الفرع الثاني: تعريف الإيلاء وحكمه: هذا هو النوع الثاني من أنواع التصرفات التي كانت تصدر من الزوج في الجاهلية، ويقصد به إيقاع الضرر بزوجته وإيذائها عند المساءة إظهارا لغضبه، فكان الرجل إذا غضب على زوجته حلف أن لا يطأها السنة والسنتين، أو أن لا يطأها أبدا، فتمضي زوجته تلك المدة دون أن يقربها زوجها، أو يطلقها حتى تتزوج من آخر، فتبقى معلقة، لا هي مستمتعة بحقوقها الزوجية، ولا هي مطلقة، فتتزوج بغيره، فرفع الإسلام الظلم الواقع عليها بفرض أحكام الإيلاء. وسأذكر فيما يلي بعض تلك الأحكام المتعلقة برفع معاناة الزوجة في حالة الإيلاء، وذلك بعد تعريف الإيلاء لغة واصطلاحا. أولا: الإيلاء لغة واصطلاحا: لغة: الإيلاء من (آلى) (إيلاء) ، مثل آتى إيتاء: إذا حلف، وهو رباعي، فالإيلاء: مطلق الحلف.1 واصطلاحا: اختلف الفقهاء في تعريف الإيلاء، وذلك بناء على اختلافهم في مدة الإيلاء. فالإيلاء عند الحنفية: هو الحلف على ترك قربانها أربعة أشهر أو أكثر.2

_ 1 المصباح المنير (ص20) ، وكتاب شرح غريب ألفاظ المدونة (ص 89) . 2 البحر الرائق (4/65) .

والإيلاء عند الجمهور: هو الحلف على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر، أو بإطلاق.1 ثانيا: حكم الإيلاء وما يجب فيه على المولي: حكم الإيلاء: الإيلاء يمين على ترك واجب، ولذا كان حراما.2 والأصل في الإيلاء هو قول الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 3. وما رواه البخاري، عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: " آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا وَكَانَتِ انْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَجَلَسَ فِي عُلِّيَّةٍ لَهُ، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: لا، وَلَكِنِّي آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا، فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَزَلَ فَدَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ".4

_ 1 انظر: حاشية الدسوقي (2/426) ، وروضة الطالبين (8/229) ، والمغني (11/5) . 2 انظر: شرح منتهى الإرادات (3/189) ، وفتح الباري (5/427) . 3 الآيتان 226،227 من سورة البقرة. 4 صحيح البخاري مع فتح الباري (5/116) .

هذا ويلاحظ أن العلماء يذكرون أن ما آلى به النبي صلى الله عليه وسلم غير الإيلاء المعروف لدى الفقهاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما حلف أن لا يدخل بيت أزواجه، لا أنه لا يجامعهن1. ما يجب فيه على المولي: إذا حلف الرجل بالله عز وجل، أو بصفة من صفاته أن لن يطأ زوجته، فإن حاله لا يخلو من أن يكون قد حلف أن لا يطأها أقل من أربعة أشهر، أو يكون قد حلف أن لا يطأها أكثر من أربعة أشهر، أو حلف أن لا يطأ زوجته أربعة أشهر2 فها هنا ثلاث حالات:

_ 1 انظر للتفصيل في المسألة فتح الباري (9/427) . 2 اتفق العلماء على أن من حلف أن لا يطأ زوجته أقل من أربعة أشهر، أنه لا يكون موليا، كما أن من حلف أن لا يطأها أكثر من أربعة أشهر، أنه يكون موليا. واختلفوا بعد ذلك في مدة الأربعة أشهر، هل يكون الحالف بها على عدم الوطء موليا، أم لا؟ فيرى جمهور العلماء من (المالكية والشافعية والحنابلة) أن من حلف أن لا يطأ زوجته أربعة أشهر، أنه لا يكون موليا، وأن مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر (انظر: حاشية الدسوقي 2/428، وروضة الطالبين 8/246، وشرح منتهى الإرادات 3/192) . ويرى الحنفية أن مدة الإيلاء أربعة أشهر فأكثر انظر: البحر الرائق 4/67، وهي رواية عن الإمام أحمد. (=) وسبب الخلاف بين الجمهور والحنفية، هو اختلافهم في (الفاء) في قوله تعالى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، هل هو للترتيب الزمني، أو هو للترتيب الذكري؟ والجمهور على أنه للترتيب الزمني، والفرق بين القولين، أنه على رأي الحنفية تطلق المرأة بمضي أربعة أشهر من دون تطليقة، وعلى قول الجمهور إذا مضت أربعة أشهر أوقف، وأمر بالفيء فإن فاء، وإلا طلق عليه، ويرجح ما ذهب إليه الجمهور ما رواه البخاري عن مالك عن نافع عن ابن عمر" إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق"، وقال البخاري رحمه الله: ويذكر ذلك عن عثمان وعلي، وأبي الدرداء، وعائشة واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. صحيح البخاري مع فتح الباري (9/426) ، وروى الدارقطني عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال: سألت اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يولي من امرأته، قالوا: " ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف، فإن فاء وإلا طلق" سنن الدارقطني (4/61) ، وذكر الحافظ ابن حجر طرق هذه الرواية، وقال عن بعضها أن سنده صحيح. فتح الباري (9/429) .

فأما الأولى: وهي أن يكون قد حلف أن لا يطأ زوجته أقل من أربعة أشهر، فإنه لن يكون موليا اتفاقا، وله أن يفي بيمينه، فلا يقرب زوجته تلك المدة، ولا شيء عليه في ذلك، أو أن يرجع في حلفه، فتجب عليه حينئذ كفارة يمين. وذلك لما رُوي من حديث ابن عباس: "لا إيلاء فيما دون أربعة أشهر"، ولابن أبي شيبة من طريق عطاء، عن ابن عباس رضي الله

عنهما: "إذا آلى من امرأته شهراً أو شهرين أو ثلاثة - ما لم يبلغ الحد - فليس بإيلاء"1. وأما الثانية: وهي أن يكون قد حلف أن لا يطأ امرأته أبدا، أو أن لا يطأها أكثر من أربعة أشهر، بقصد الإضرار بها، فإن الشريعة الإسلامية تتدخل في مثل ذلك برفع الضرر عنها، وذلك بإمهاله أربعة أشهر ليرجع عن حلفه، فإن رجع عن حلفه، ووطئ، كان حانثا في يمينه، إذ لم يف بما حلف عليه، وعليه في ذلك أن يكفر كفارة يمين. وأما إن أصر على إيلائه، فإنه يؤمر بإزالة الضرر عن زوجته بالفيء، أي: بالرجوع عن الحلف، ووطء زوجته، فإن فاء، تحقق الحنث، ووجبت عليه كفارة يمين. وإن لم يفيء فإنه يؤمر بطلاقها، فإن طلق، وإلا طلق القاضي عليه. وأما الثالثة: وهي أن يكون قد حلف أن لا يطأ زوجته أربعة أشهر، فقد اختلف الفقهاء في حكمه2. فيرى جمهور العلماء من (المالكية والشافعية والحنابلة) أن من حلف أن لا يطأ زوجته أربعة أشهر، أنه لا يكون موليا، وأن مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر. 3

_ 1 قال الحافظ ابن حجر: "إسناده صحيح". انظر: الدراية في تخريج أحاديث البداية (2/74) . 2 انظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/1115) . 3 انظر: حاشية الدسوقي (2/432) ، روضة الطالبين (8/246) ، الإنصاف (9/174-175) .

ويرى الحنفية أن مدة الإيلاء أربعة أشهر فأكثر، وهي رواية عن الإمام أحمد.1 وسبب الخلاف بين الجمهور والحنفية، هو اختلافهم في (الفاء) في قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2، هل هو للترتيب الزمني، أو هو للترتيب الذكري؟ والجمهور على أنه للترتيب الزمني، والفرق بين القولين، أنه على رأي الحنفية تطلق المرأة بمضي أربعة أشهر من دون تطليقة، وعلى قول الجمهور إذا مضت أربعة أشهر أوقف، وأمر بالفيء فإن فاء، وإلا طلق عليه. ويرجح ما ذهب إليه الجمهور ما رواه البخاري عن مالك عن نافع عن ابن عمر"إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق"، وقال البخاري رحمه الله: ويذكر ذلك عن عثمان وعلي، وأبي الدرداء، وعائشة واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.3 وروى الدارقطني عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال: سألت اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يولي من امرأته، قالوا: "ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف، فإن فاء وإلا طلق"4.

_ 1 انظر: البحر الرائق (4/69) ، والإنصاف (9/174-175) . 2 من الآية 226 من سورة البقرة. 3 صحيح البخاري مع فتح الباري (9/426) ، 4 سنن الدارقطني (4/61) ، وذكر الحافظ ابن حجر طرق هذه الرواية، وقال عن بعضها أن سنده صحيح. فتح الباري (9/429) .

الفصل الثاني: الضمانات الخاصة لحقوق زوجية معينة

الفصل الثاني: الضمانات الخاصة لحقوق زوجية معينة المبحث الأول: (الضمان السابع) : أن الشريعة منعت الولي من عضل موليته إن أرادت أن تنكح ... الفصل الثاني: الضمانات الخاصة لحقوق زوجتة خاصة تمهيد: ذكرت بحمد الله في الفصل السابق، الضمانات الشرعية المتعلقة بحقوق المرأة الزوجية العامة، ويتضمن هذا الفصل الأحكام التي هي بمثابة ضمانات تقدمها الشريعة الإسلامية للمرأة، والتي تتعلق بحقوق بعينها، كالضمانات المتعلقة بحق المرأة في الزواج، والرضا بمن تتزوجه، والضمانات المتعلقة بحقها في المهر، والميراث، وكذلك ضمانات أخرى متعلقة ببعض الحقوق المشتملة على مصالح ومنافع للمرأة، وحقوق أخرى فيها دفع للضرر عنها، فإن وجدت حصلت للمرأة منافعها، وإن انتفت لحق بالمرأة ضرر وأذى، والعكس بالعكس فيما فيه ضرر عليها، فأوجبت الشريعة الإسلامية ضمانات للمرأة صيانة لحقوقها تلك، ودفعا لما قد يشوب تحقيقها من شوائب. والضمانات الشرعية في هذا الفصل كالضمانات في الفصل السابق، هي عبارة عن أحكام شرعية وضعت للتأكيد على حقوق المرأة الزوجية، وصيانة لها من الاعتداء، أو التهاون في أدائها. والفرق بين الضمانات التي تذكر في هذا الفصل، والمذكورة في الفصل الأول، أن المذكورة في الفصل السابق ضمانات عامة تتعلق بمجمل الحقوق الزوجية، وأما المذكورة في هذا الفصل، فهي ضمانات خاصة بحقوق معينة، كالضمانات المتعلقة بحق المرأة في النكاح، والضمانات المتعلقة بإزالة الضرر عن المرأة وجعل الخيار لها، والضمانات المتعلقة

بالإصلاح بين الزوجين إبقاء للحياة الزوجة، وما يتعلق بضمان حقوقها المالية لميراثها من زوجها. وقد ناسب ذكر هذه الضمانات الخاصة لحقوق بعينها، بعد ذكر الضمانات العامة في الفصل السابق. وسأذكر ذلك - بعون الله تعالى - في المباحث الآتية، متابعا في ذلك تسلسلها الرقمي للضمان من الفصل السابق:

المبحث الأول: (الضمان السابع) : أن الشريعة منعت الولي من عضل موليته إن أرادت أن تنكح. من حقوق المرأة الأساسية حقها في الزواج، وبما أن الولي هو الذي يقوم بإجراء عقد النكاح، فإنه يخشى منه أن يعتدي على حقها في ذلك بمنعها من الزواج، لأسباب شخصية، كطمعه في ميراثها، أو قصده تزويجها ممن ينال منه مصلحة شخصية، أو عنادا وضرارا، فضمنت الشريعة الإسلامية هذا الحق الأساسي للمرأة بمنع الولي من عضلها. وسأذكر - بعون الله تعالى - فيما يلي تعريف العضل، وحكمه موضحا ضمان الشريعة لحق المرأة في الزواج. تعريف العضل وحكمه أولا: تعريف العضل: والعضل: من عضَل الرجل حرمته، عضلا، من بابي قتل وضرب: منعها التزويج1، وقال القرطبي رحمه الله: {تعضلوهن} ، معناه: تحبسوهن…، وعضل فلان أيِّمه، أي: منعها2.

_ 1 المصباح المنير ص 415. 2 الجامع لأحكام القرآن (3/159) .

قال ابن قدامة رحمه الله: ومعنى العضل: منع المرأةِ من الزواج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه1. ثانيا: حكم العضل: عضل الولي موليته، حرام، وظلم للمرأة، لما يشتمل عليه العضل من إضرار بها، بمنعها من حقها في الزواج بمن ترضاه من الرجال الأكفاء؛ لأن العاضل بعضله بمثابة من كان عليه دين فامتنع من قضائه، ويفسق به2. وقد ثبت تحريم العضل، بقوله تبارك وتعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 3. وسبب نزول الآية، أن معقل بن يسار منع أخته من الزواج من مطلقها أبي البداح، فنزلت الآية بمنعه من العضل.

_ 1 المغني (9/ 383) . 2 انظر: المغني (9/383) . 3 الآية 232 من سورة البقرة.

روى البخاري، عَنِ الْحَسَنِ في قوله: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ قَالَ زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطِبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا ثُمَّ جِئْتَ تَخْطِبُهَا، لا وَاللَّهِ لا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلا لا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} فَقُلْتُ: الآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ"1. ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله نقلا عن ابن جرير رحمه الله وغيره، قال: اتفق أهل التفسير على أن المخاطب بذلك الأولياء. وروى ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هي في الرجل يطلق امرأته فتنقضي عدتها، فيبدو له أن يراجعها وتريد المرأة ذلك، فيمنعها وليها2. أقول: والآية وإن كانت قد نزلت في واقعة اشتملت على منع الولي من العضل في حالة رغبة المرأة في الرجوع إلى زوجها السابق بنكاح جديد، إلا أن عموم اللفظ دليل على منع العضل في الجملة.

_ 1 صحيح البخاري مع فتح الباري (9/183) ، و (8/192) . 2 فتح الباري (8/192) وانظر: الجامع لأحكام القرآن (3/158) .

وذكر ابن رشد1 رحمه الله، اتفاق العلماء على منع الولي من العضل، فقال: "واتفقوا على أنه ليس للولي أن يعضل وليته إذا دعت إلى كفء"2. ففي منع الولي من عضل موليته ضمان لحق المرأة في الحصول على أهم حق من حقوقها المتعلقة بالنكاح.

_ 1 ابن رشد: هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، الشهير بالحفيد، أبوالوليد، من أهل قرطبة ولد سنة (520هـ) ، كان فقيهاً متكلماً، له من المصنفات: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" في الفقه، و"الكليات" في الطب، و"مختصر المستصفى" في الأصول. توفي سنة (595هـ) . - انظر: الديباج المذهب 2/257-259) . 2 بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/960) ، المحقق.

المبحث الثاني: (الضمان الثامن) : أن الولاية تتحول من الولي الأقرب إلى الولي الأبعد

المبحث الثاني: (الضمان الثامن) : أن الولاية تتحول من الولي الأقرب إلى الولي الأبعد في حالة عضله أو غيابه هذا الوجه من الضمان بمثابة تكملة للوجه السابق، أقرته الشريعة إمعانا في حفظ حق المرأة في الزواج، وتحاشيا لتخلفها عنه، لِما للوقت والسن من أهمية بالغة في نيلها حظَّها من النكاح؛ لأن تأخرها عن الوقت المناسب للزواج، وعدم تزويجها بالكفء المتقدم لها، قد يفوتها فرصة لا تعوض. فمن أجل ذلك أقرت الشريعة، أن الولي إذا منع موليته من النكاح من كفء، أو غاب غيبة طويلة، سقطت ولايته، وانتقلت إلى من بعده من الأولياء، أو السلطان، على خلاف بين الفقهاء، كما سيأتي. وسأذكر ذلك في فرعين: الفرع الأول: انتقال ولاية التزويج بسبب العضل. الفرع الثاني: انتقال ولاية التزويج بسبب الغيبة.

الفرع الأول: انتقال ولاية التزويج بسبب العضل إذا عضل الولي الأقرب، فهل تنتقل ولاية التزويج إلى الولي الأبعد أو إلى السلطان؟ اختلف الفقهاء في ذلك إلى قولين: القول الأول: أن ولاية التزويج في حالة عضل الولي الأقرب تنتقل إلى الولي الأبعد غير العاضل، فلو امتنع الولي الأقرب من تزويج موليَّته بالكفء، زوجها الولي الأبعد، لا السلطان، ولا يزوجها السلطان إلا إذا عدم الأولياء جميعا، أو عضل الكل. وهو قول الحنفية، والراجح عند المالكية، ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله1. واستدلوا لذلك بما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل

_ 1 انظر: الفتاوى الهندية (1/285) ، وحاشية العدوى على شرح الخرشي على مختصر خليل (3/189) ، والمغني (9/382) .

باطل باطل، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا1 فالسلطان ولي من لا ولي له"2. ووجه الاستدلال من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، جعل الولاية للسلطان في حالة عدم وجود الولي، وهذه لها ولي، ولا ينتقل إلى السلطان إلا إذا عضل الكل؛ لأن قوله: "فإن اشتجروا" ضمير جمع يتناول الكل. وعللوا لذلك3: 1- بأنه تعذر التزويج من جهة الولي الأقرب، فملكه الأبعد، كما لو جُنَّ الولي الأقرب. 2- ولأنه يفسق بالعضل فتنتقل الولاية عنه، كما لو شرب الخمر. القول الثاني: أن ولاية التزويج في حالة عضل الأقرب تنتقل إلى السلطان، لا إلى الولي الأبعد، فلو امتنع الولي الأقرب من تزويج موليَّته بالكفء، قام السلطان أو القاضي بتزويجها.

_ 1 اشتجروا، أي: تنازعوا. (المصباح المنير ص 305) 2 أخرجه أبو داود (2083) ، والترمذي (4/227-228،تحفة الأحوذي) ، وابن ماجه (1/605) ، وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن، وصححه الألباني (الإرواء 6/243) . 3 المغني (9/383) .

وهو قول المالكية ومذهب الشافعية ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله1. وقد استدلوا لذلك: 1- بالحديث، "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له"2. ووجه الاستدلال من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، جعل الولاية في حالة اشتجار الأولياء للعضل وامتناعهم عن التزويج للسلطان، لأن الولي إذا امتنع من التزويج، فكأنه لا ولي لها، فيكون السلطان وليها3، فدل على انتقال الولاية إليه. 2- ولأن ذلك حق عليه امتنع من أدائه، فقام الحاكم مقامه، كما لو كان عليه دين فامتنع من قضائه4. الراجح: بالنظر في أدلة الفريقين يبدو رجحان ما ذهب إليه الفريق الأول القائل بانتقال الولاية إلى الولي الأبعد عند عضل الولي الأقرب، وذلك: - لقوة ما استدلوا به.

_ 1 قوانين الأحكام الشرعية ص224، وتكملة المجموع (16/163) ، والمغني (9/382-383) . 2 سبق تخريجه (ص 89) . 3 انظر: تحفة الأحوذي (4/228) . 4 المغني (9/383) ، وتكملة المجموع (16/163) .

- ولأن المعتبر في النكاح وجود الولي، لأداء واجب ثبت عليه لموليته، فإذا تقاعس عن أداء ذلك الواجب، ووجد من يتصف بصفة الولاية، وغيرُ ممتنع عن أداء واجبه، فهو أولى بالأداء من السلطان؛ لأنه الأصل في الأداء، والسلطان بدل منه. - وقد رد ابن قدامة رحمه الله على قياس الولاية على الدَّيْن؛ بأنه قياس مع الفارق من وجوه ثلاثة: أحدها: أنها حق للولي، والدَّيْن حق عليه. الثاني: أن الدَّيْن لا ينتقل عنه، والولاية تنتقل لعارض، من جنون الولي، أو فسقه، أو موته. الثالث: أن الدَّيْن لا يعتبر في بقائه، العدالة، والولاية يعتبر لها ذلك، وقد زالت العدالة بما ذكرنا1. الفرع الثاني: انتقال ولاية التزويج بسبب الغيبة. إذا غاب الولي الأقرب، فهل تنتقل ولاية التزويج إلى الولي الأبعد أو إلى السلطان؟ اختلف الفقهاء في ذلك إلى قولين:

_ 1 المغني (9/383) .

القول الأول: أن ولاية التزويج في حالة غيبة الولي الأقرب تنتقل إلى الولي الأبعد، فلو غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة1، زوجها الولي الأبعد، لا السلطان، ولا يزوجها السلطان إلا إذا عدم الأولياء جميعا. وهو قول الحنفية والحنابلة2. واستدلوا لذلك:

_ 1 اختلفت أقوال الفقهاء في مقدار غيبة الولي المؤثرة في انتقال الولاية عنه، إلى أقوال: فللحنفية آراء مختلفة في ذلك، فمنهم من يرى، أن غيبته مسافة قصر توجب نقل الولاية عنه، ومنهم من يرى أن الولي لو غاب غيبة لا يمكن للخاطب انتظاره فيها، كانت غيبته مؤثرة في انتقال الولاية عنه. أنظر: بدائع الصنائع (2/251) ، والفتاوى الهندية (1/285) . ويرى المالكية أن المؤثر في ذلك هو الغيبة البعيدة كإفريقية، التي كان بينها وبين مصر ثلاثة أشهر، (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/229) ، وفي الشرح الكبير (نفس المرجع) : حددت المسافة بثلاثة أيام. وأخف المذاهب في ذلك مذهب الشافعية، حيث يرون أن الولي لو غاب غيبة منقطعة، أو مسافة تقصر فيها الصلاة انتقلت الولاية عنه، (تكملة المجموع 16/163) . واختلفت أقوال الحنابلة في الغيبة المؤثرة، فمنهم من يرى أنها الغيبة المنقطة بحيث لا تصل إليه فيها الرسائل، أو تصله ولا يجيب، ومنهم من يرى أنها مسافة لا تتردد إليها القوافل إلا مرة في السنة، ومنهم من يرى أنها مسافة قصر، (المغني 9/386) . ولا يخفى أن المسألة اجتهادية بحتة، فللقاضي أو الحاكم أن ينظر فيها بحسب حال الواقعة المعروضة عليه، ليحكم فيها بما يؤدي إليه اجتهاده فيها، والله أعلم. 2 الفتاوى الهندية (1/285) ، والمغني (9/385) .

1- بحديث "فالسلطان ولي من لا ولي له "1، ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الولاية للسلطان لمن لا ولي لها، وهذه لها ولي، فلا يكون السلطان ولياً لها. 2- ولأن الأقرب تعذر حصول التزويج منه، فتثبت الولاية لمن يليه من العصبات، كما لو جُنَّ أو مات. 3- ولأنها حالة يجوز فيها التزويج لغير الأقرب فكان ذلك للأبعد، كالأصل2. القول الثاني: أن ولاية التزويج في حالة غيبة الولي الأقرب تنتقل إلى السلطان. فلو غاب الولي الأقرب غيبة منقطعة، زوجها السلطان لا الولي الأبعد. وهو قول المالكية والشافعية3. وقد عللوا لذلك: 1_ بأن الولي الغائب، ولايته باقية لم تنته، فلا تنتقل إلى الولي الأبعد، وإنما يزوجها الحاكم؛ لأنه وكيل الغائب فله أن يزوجها، لا الولي الأبعد4.

_ 1 سبق تخريجه (ص89) . 2 المغني (9/385) . 3 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/229) ، وتكملة المجموع (16/163) . 4 انظر: تكملة المجموع (16/163) .

2- ولأن الأبعد محجوب بولاية الأقرب، فلا يجوز له التزويج، كما لو كان حاضرا، ودليل بقاء ولايته أنه لو زوج من حيث هو، أو وكل، صح1. الراجح: ويبدو رجحان ما ذهب إليه الفريق الأول القائل بانتقال الولاية إلى الولي الأبعد عند غيبة الولي الأقرب، وذلك: لقوة تعليلهم واستدلالهم. ولأن الحديث نص على أن"السلطان ولي من لا ولي له"، فلو جعلنا الولاية للسلطان، مع وجود من يطلق عليه اسم الولي، كان في ذلك مخالفة للحديث، مع ما في ذلك من هضم لحق الولي الأبعد. والله أعلم.

_ 1 المغني (9/385) .

المبحث الثالث: (الضمان التاسع) : أن الشريعة جعلت لها الحق في أن تشترط من الحقوق المادية والمعنوية ما فيه مصلحتها

المبحث الثالث: (الضمان التاسع) : أن الشريعة جعلت لها الحق في أن تشترط من الحقوق المادية والمعنوية ما فيه مصلحتها سبق وأن ذَكرتُ أنَّ الشريعة الإسلامية أقرت من الأحكام، ما تضمن به للمرأة الحقوق الزوجية الواجبة لها من لدن الشارع، وذلك بالتأكيد على أداء حقوقها ومنع التنازل عن بعضها شرعا. وهناك ضمان آخر، للحقوق التي لم توجبها الشريعة، وهو أنها أجازت للمرأة أن تشترط ما ترى فيه مصلحتها، من الفوائد المادية والمعنوية، فيصبح ما اشترطته حقا واجباً لها بالاشتراط في نظر الشرع، وعلى الزوج أن يلتزم بها، إذا قبلها، ما دامت لا تخالف الشرع في أحكامه. فللمرأة أن تشترط مثلاً، أن لا يخرجها من بلدها، أو يبقيها مع أهلها، أو أن تسكن في دار معينة، ونحو ذلك من الأمور التي تشترط فيها المرأة مصلحة زائدة على ما يقتضيه العقد، بشرط أن لا تكون منافية لمقتضاه، ولا مخالفة فيها لأوامر الشرع الحكيم. وقد دل على صحة اشتراط المرأة ما فيه ضمان لحقوقها، أدلة منها: 1- ما رواه البخاري عن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحق ما وفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"1.

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح: (9/217) ، ومسلم (2/1035-1306) .

2- وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم "1. 3- وأخرج ابن أبي شيبة: أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها، فخاصموه إلى عمر، فقال: لها شرطها، فقال الرجل: إذًا يطلقننا، فقال عمر: "مقاطع الحقوق عند الشروط"2. 4- وعلل ابن قدامة رحمه الله تأييده لثبوت الحقوق بالاشتراط قائلا: أ - "ولأنه قول كثير من الصحابة، ولم يُعلم لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعاً". ب -" ولأنه شرط، لها فيه منفعة، ومقصودٌ لا يمنع المقصودَ من النكاح، فكان لازما، كما لو شرطت عليه زيادة في المهر أو غير نقد البلد"3.

_ 1 أخرجه أبوداود (4/19-20) ، والترمذي (5/584) ، وابن الجارود (ص637، 638) ، وابن ماجه (2/788) بالإسناد نفسه، إلا أنه ليس في لفظه"المسلمون على شروطهم" وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في الإرواء (5/142) . 2 قال الألباني: صحيح، الإرواء (6/302) . 3 انظر: المغني (9/484-485) . هذا وقد فصلت في الشروط التي يقتضيها عقد النكاح، والشروط التي لا يقتضيها العقد، والشروط التي لا يقتضيها العقد ولا ينافيها، في المبحث الثاني من الفصل الثاني من الباب الأول عند الكلام على مصدر الحقوق الزوجية، فليراجع للتفصيل كتاب: (حقوق المرأة الزوجية والتنازل عنها) للمؤلف.

المبحث الرابع: (الضمان العاشر) : أن المرأة لو زوجت من غير رضاها كان لها حق الفسخ

المبحث الرابع: (الضمان العاشر) : أن المرأة لو زوِّجت من غير رضاها كان لها حق الفسخ رضا المرأة بمن تتزوجه، من الحقوق الشرعية التي أوجبها الشرع الحكيم لها، إذا كانت ممن يعتبر رضاها، وقد منحتها الشريعة حق فسخ عقد النكاح الذي لم ترض به، ضمانا لثبوت حقها في الرضا بالنكاح، ونفيا لإجبارها على الزواج بمن تكرهه. وقد ثبت بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل للمرأة خيار فسخ النكاح إذا أكرهت على الزواج بمن لا ترضاه. فقد روى النسائي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ1 وَأَنَا كَارِهَةٌ قَالَت: اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا فَدَعَاهُ فَجَعَلَ الأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ ألِلنِّسَاءِ مِنَ الأمر شَيْءٌ2

_ 1 خسيسته: قال ابن الأثير: "الخسيس: الدَّنيء، والخسيسة والخساسة: الحالة التي يكون عليها الخسيس". النهاية في غريب الحديث (2/31) ، وانظر: لسان العرب (6/64) . 2 أخرجه أحمد (6/136) ، والنسائي (6/87 - بشرح السيوطي) ، وابن ماجه (1/602-603) .

وروى أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما" أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم"1. ووجه الاستدلال من الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها الخيار في فسخ النكاح الذي لم ترض به، وذلك دليل على ثبوت ضمان ذلك الحق. وروى ابن ماجه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"2. قال الزنجاني3 -رحمه الله- عند كلامه على هذا الحديث كأصل يتفرع عليه مسائل، قال: "منها أن طلاق المكره، وعتاقه، وبيعه، وإجارته، ونكاحه، ورجعته، وغيرها من التصرفات لا يصح عندنا - أي:

_ 1 أخرجه أحمد (1/273) ، وأبو داود (2/576) ، والنسائي في الكبرى (3/284) ، وابن ماجه (1/603) ، وأبو يعلى (3/73) ، والطحاوي (4/365) ، وغيرهم، وله شاهد في صحيح البخاري (9/194 - الفتح) . 2 سنن ابن ماجه (1/609) . وسنده منقطع، إلا أن متنه صحيح. انظر: الإرواء (1/123) . 3 الزنجاني: هو محمود بن أحمد بن محمود بن بختيار، أبو المناقب شهاب الدين، لغوي من فقهاء الشافعية. ولد سنة (573هـ) ، من مصنفاته: "ترويح الأرواح في تهذيب الصحاح"، و "تنقيح الصحاح"، وتخريج الفروع على الأصول". مات في بغداد أيام نكبتها بالمغول سنة (656هـ) . انظر: كشف الظنون (ص1073) ، الأعلام للزركلي (7/162) .

الشافعية –؛ لأن رفع حكم الإكراه إنما يكون بانعدام الحكم المتعلق به، كوقوع الطلاق والعتاق، وصحة البيع والنكاح1. وإمعانا في ضمان حق الرضا في نظر الشرع، يسقط أثر التصرف بالإكراه، رخصة من الله تعالى، كما ذكر ذلك الزركشي2 -رحمه الله- في المنثور في القواعد3. وقد اختلف الفقهاء فيمن يعتبر رضاها ممن لا يعتبر، نظرا لكونها ثيبا أم بكرا، صغيرة أم كبيرة.4

_ 1 تخريج الفروع على الأصول ص 287 2 الزركشي: هو محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي، أبوعبد الله بدر الدين، ولد بمصر سنة (745هـ) ، كان فقيهاً أصولياً أديباً، من تصانيفه: "البحر المحيط" و "والمنثور في القواعد" وغيرها. توفي سنة (794هـ) بمصر. انظر: شذرات الذهب (6/335) ، الأعلام للزركلي (6/60-61) . (1/188) . 4 وقد فصلت ذلك عند الكلام على أنواع الزوجة فليرجع إليه للتفصيل، انظر كتاب: حقوق المرأة الزوجية والتنازل عنها: ص 96 وما بعدها.

المبحث الخامس: (الضمان الحادي عشر) : أن الشريعة الإسلامية ضمنت للمرأة مهرها، بأوجه عدة

المبحث الخامس: (الضمان الحادي عشر) : أن الشريعة الإسلامية ضمنت للمرأة مهرها، بأوجه عدة بما أن المهر من أهم الحقوق الزوجية المالية للمرأة، فإن الشريعة الإسلامية ضمنت هذا الحق لها بأوجه عدة، وفيما يلي تلك الأوجه: الوجه الأول: أن الشريعة منعت نفي المهر في النكاح.1 من ضمانات حقوق المرأة المالية المتعلقة بالمهر، أن الشريعة منعت نفي المهر عند عقد النكاح، فلا يجوز التنازل عن المهر وإسقاطه ابتداء، وإذا تم العقد من غير ذكر للمهر - وهو ما يسمى بنكاح التفويض - صحَّ النكاح، وفُرض لها مهر المثل، وذلك: - لأن فرض المهر في عقد النكاح، حق مشترك بين الله والعبد، وحق الله فيه غالب، فما كان حق الله فيه هو الغالب، لا يقبل الإسقاط والتنازل، لوجوبه شرعا.

_ 1 قد فصلت الكلام في وجوب المهر، وأنواعه، وكيفية التنازل عنه، وجواز ذلك، عند الكلام على حقوق الزوجة مفصلا، انظر كتاب: حقوق المرأة الزوجية والتنازل عنها.

- ولأن الإسقاط فيه منافاة لما هو مشروع، فلا يصح النكاح من غيره، ولو اتفق الطرفان على نفيه وجب مهر المثل. وقد ثبت وجوب المهر في النكاح بالكتاب والسنة والإجماع؛ فأما الكتاب: فقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} 1. قال القرطبي رحمه الله: هذه الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة، وهو مجمع عليه ولا خلاف فيه.2 وأما السنة فأحاديث منها: ما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه " أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: "كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا"؟ قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ" 3. وأما الإجماع: فقد نقل الإجماع على وجوب المهر في النكاح القرطبي وابن قدامة وغيرهم رحمهم الله4.

_ 1 من الآية 4 من سورة النساء. 2 الجامع لأحكام القرآن (5/17) . 3 صحيح البخاري مع فتح الباري (9/221) . 4 الجامع لأحكام القرآن (5/17) ، والمغني (10/97) .

الوجه الثاني: أن للمرأة الامتناع من تسليم نفسها لزوجها، حتى تقبض مهرها المعجل. إن المهر كما هو معلوم جُعل إكراما للمرأة، وتعويضا لها على بذلها منفعة نفسها وبُضعها للرجل، لأنه مستحَق للمرأة بالنكاح، وهو عقد معاوضة، والعوض فيها المهر، فكان مشروعا أن تطالب به عند استحقاقها. ووقت وجوب المهر واستحقاقه، هو عند عقد النكاح، فلها حينئذ أن تطالب به. ووقت أداء المهر يقرر بحسب ما يتفق عليه أطراف عقد النكاح، ولا يخلو حينئذ من أن يكون كله معجلا، أو مؤجلا، أو بعضه معجلا والبعض الآخر مؤجلا، أو كان مطلقا دون ذكر تعجيله أو تأجيله. وقد ضمنت الشريعة حق المرأة في مهرها، بأن أباح لها أن تمتنع عن تسليم نفسها لزوجها، أو الانتقال إلى بيت الزوجية، والسفر معه، حتى تقبض مهرها الكامل، إن كان المهر كله معجلا، أو تقبض الجزء الذي تم الاتفاق على تعجيله، فإن لم يكن قد اتفق على التعجيل أو التأجيل حُكِّم فيه العُرف، فيحين أجله بحسبه1.

_ 1 قد فصلت الكلام في تأجيل المهر، وتعجيله، ووقت وجوب تسليمه، عند الكلام على حقوق الزوجة مفصلا في الباب الثالث من كتاب: حقوق المرأة الزوجية والتنازل عنها.

وقد نص الفقهاء رحمهم الله1 على: أن للمرأة أن تمتنع عن تسليم نفسها لزوجها، أو الانتقال إلى بيت الزوجية، أو السفر معه، حتى يدفع لها المعجل من مهرها2. الوجه الثالث: أن المهر لو هلك في يد الزوج، أو استهلكه، أو تبين أنه لغيره، كان ضمانه عليه. من الأحكام الشرعية لضمان المهر، أن المهر إذا تلف، وكان لازال في يد الزوج، فإنه يضمن المهر للزوجة بمثله إن كان مثلياً3، أو بالقيمة إن كان قيمياً4. وكذلك الحكم لو استهلك الزوج المهر، أو تبين أن المهر المعين كان لغير الزوج، ضمنه بمثله، أو بقيمته.

_ 1 انظر: بدائع الصنائع (2/288-289) ، والفتاوى الهندية (1/317) ، والقوانين الفقهية ص434، ومغني المحتاج (3/222) ، وكشاف القناع (5/140) ، وما بعدها. 2 يلاحظ أن للمرأة منع نفسها ابتداء، لكن لو سلمت نفسها ابتداء قبل قبض الصداق، فهل تملك الامتناع بعد ذلك حتى تقبضه؟ على وجهين. (القواعد في الفقه الإسلامي، لابن رجب ق: 34) . 3 المثلي: ما لا تتفاوت آحاده تفاوتاً تختلف به القيمة، كالمكيل والموزون. انظر: القاموس الفقهي (ص344) . 4 القيمي: هو ما لا يوجد له مثل في السوق، أو يوجد لكن مع التفاوت المعتد به في القيمة. مجلة الأحكام العدلية (م146) . وانظر: القاموس الفقهي (ص311) .

وسبب ضمان الزوج للمهر راجع لوضع اليد عليه، والحيلولة بين المهر وبين استلام المرأة له، بعد استحقاقها إياه، أو اتلاف ذلك فيما إذا استهلكه بنفسه، أو منحه لغيره، وضمان الأموال، كما قال إمام الحرمين1: "مبني على جبر الفائت"2. ولأن المهر يصبح دينا في ذمة الزوج، بالتلف أو الاستهلاك، فلا يبرأ منه إلا بالسداد، أو الإبراء. وذكر الزركشي رحمه الله من أسباب الضمان: "ما وجب ضمانه قبل التسليم…، ما هو ضمان عقد (قطعا) ، وهو: ضمان العوض المعين في عقد المعاوضة المحضة"3.

_ 1 إمام الحرمين: هو عبد الملك بن يوسف بن محمد بن عبد الله بن حيُّويه الجويني، النيسابوري، أبوالمعالي، أصولي متكلم، شافعي المذهب، ولد سنة (419هـ) في جوين من نواحي نيسابور، له من المصنفات: "نهاية المطلب في دراية المذهب" في الفقه، و"البرهان" في أصول الفقه وغيرهما. توفي سنة (478هـ) بنيسابور. - انظر: طبقات الشافعية لابن السبكي (5/165) وما بعدها، الأعلام (4/160) . 2 المنثور في القواعد للزركشي (2/324) ، وانظر: نفس المرجع للتفصيل في معرفة أسباب الضمان الأربعة. 3 المنثور في القواعد للزركشي (2/332) ، وأنظر كذلك للتفصيل فيما يُضمن من الأعيان بالعقد أو باليد القابض لمال غيره: القواعد لابن رجب ص 55، القاعدة الثالثة والأربعون.

وتضمين الزوج المهر المتلف، من هذا النوع من الضمان1. وقد اتفق الفقهاء، على تضمين الزوج للمهر في حالة تلفه في يده في الجملة، إن كان ذلك بفعل الزوج، واشترط بعد ذلك المالكية لضمان الزوج للمهر، أن يكون مما يغاب عليه - أي: يمكن إخفاؤه2، وكذلك ضمَّن الشافعيةُ، الزوجَ، إن كان المهر عينا، وتلفت في يده3، وكذلك يرى الحنابلة أن المهر المعين إن ظهر مغصوبا، أو تلف، ضمن الزوج مثل المهر، إن كان مثليا، أو قيمته، إن كان قيمياً4. الوجه الرابع: أن لها المهر المسمى كاملا، ولو مات الزوج دون المسيس. - وذلك لأنها تستحق المهر بالعقد نفسه، ويجب أداؤه بالدخول، وحيث أن الرجل لم يتمكن من الدخول بسبب الموت، فلم يكن عدم الدخول والبناء بها، بسبب من جهتها، فاستحقت المهر كاملا.

_ 1 اختلف العلماء في ضمان الصداق المعين في يد الزوج قبل القبض، هل هو ضمان عقد، أو ضمان يد؟ على قولين. (أنظر للتفصيل: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 173) . 2 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/295) . 3 مغني المحتاج (3/221) . 4 شرح منتهى الإرادات (3/68) .

- ولأن عقد النكاح لم ينفسخ بالموت، وإنما انتهى به، لانتهاء أمده، وهو الموت، وحيث أن المهر ثبت لها بالعقد، وهو سابق، فاستحقت المهر كاملا. - ولأن المهر كله ثبت دينا في ذمة الزوج بالعقد، فوجب أداؤه للزوجة، ولم يسقط بالموت، إذ لم يكن الموت مسقطا للدَّين في الشريعة، كسائر الديون. هذا وقد اتفق الفقهاء رحمهم الله على ثبوت كامل المهر المسمى بموت الزوج، أو مهر المثل في حالة عدم التسمية، على اعتبار أن الموت مؤكد للمهر1. فقد جاء في مغني المحتاج: "ويستقر المهر أيضا بموت أحدهما، قبل الوطء، في النكاح الصحيح، لإجماع الصحابة رضي الله عنهم، ولأنه لا يبطل به النكاح، بدليل التوارث، وإنما هو نهاية له، ونهاية العقد كاستيفاء المعقود عليه، بدليل الإجارة"2. الأدلة: وقد دل على ثبوت المهر بالموت ما رواه الترمذي عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ

_ 1 بدائع الصنائع (2/294) ، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/300-301) ، ومغني المحتاج (3/225) ، وكشاف القناع (5/150) . 2 مغني المحتاج (3/225) .

يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الأشْجَعِيُّ فَقَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ، امْرَأَةٍ مِنَّا، مِثْلَ الَّذِي قَضَيْتَ فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ1.

_ 1 قَالَ أبو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي ِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِم سنن الترمذي (4/299 - التحفة) .

المبحث السادس: (الضمان الثاني عشر) : أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيد الرجل.

المبحث السادس: (الضمان الثاني عشر) : أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيد الرجل. من ضمانات حقوق المرأة الزوجية، أن تدوم الحياة الزوجية، فتستمر في الحصول على مصالحها، إلا أن تلك الحياة قد يعتريها ما يوجب إنهاءها من نزاع وشقاق بين الزوجين، وأمور لا يمكن معالجتها إلا بذاك، فشرع الله سبحانه وتعالى لذلك الطلاق. وبما أن الأصل لتحقيق مصالح المرأة - وكذلك الزوج - أن تستمر العلاقة الزوجية بينهما، فإن مما يضمن استمرارها، أن جعل الله سبحانه وتعالى أمر إنهائها في يد الرجل لحِكَم علمها العليم الحكيم، ولم تخف على العاقل البصير. وسأذكر فيما يلي - بعون الله تعالى - مشروعية الطلاق وكونه في يد الزوج، وحكمة ذلك. أولا: مشروعية الطلاق: الطلاق مشروع وثابت بالكتاب والسنة والإجماع. فأما الكتاب فآيات منها:

قول الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} 1. وأما السنة، فأحاديث منها: - ما رواه أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَبْغَضُ الْحَلالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلاقُ "2. - وما رواه ابن ماجه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ"3. وأجمع المسلمون على جواز إيقاع الطلاق في الجملة4.

_ 1 من الآية 231 من سورة النساء. 2 سنن أبي داود (2/ 631-632) وابن ماجه (1/650) . قال الألباني في الإرواء (7/106) : "ضعيف". 3 سنن ابن ماجه، (1/672) ، قال في الزوائد: في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف. وحسّن إسناده الألباني في الإرواء (7/108) بمجموع طرقه. 4 انظر: الإجماع لابن المنذر ص43، ومراتب الإجماع لابن حزم، ص 71.

كما اتفقوا أن طلاق المسلم العاقل البالغ الذي ليس سكراناً ولا مكرها ولا غضباناً ولا محجورا ولا مريضا، لزوجته التي قد تزوجها زواجا صحيحا جائز…الخ1. ثانيا: حكمة كون الطلاق في يد الرجل، وأنه ضمان للمرأة. جعل الشارع الطلاق علاجا نهائيا، لمشاكل الحياة الزوجية، "فالطلاق محظور نظرا إلى الأصل، ومباح نظرا إلى الحاجة"2. ولسنا بصدد ذكر حكمة تشريع الطلاق، إذ ليس هذا مجاله، وإنما القصد بيان ما في الطلاق من ضياع للمرأة وحقوقها، وأن مصلحتها في استمرار الحياة الزوجية، ما بقيت قابلة للاستمرار، وأن الشارع جعل من أسباب ضمان استمرار الحياة الزوجية، ومن ثمَّ ضمان الحقوق الزوجية، أن جعل أمر الطلاق بيد الزوج، لا بيد الزوجة. وبيان ذلك أن من مقاصد الشريعة أن تستمر الحياة الزوجية بين الزوج وزوجته مدى الحياة، ولا تنقطع هذه العلاقة الشرعية إلا بموت أحدهما، وفي ذلك مصلحة الزوجين، وضمان لحقوق المرأة الزوجية بصفة خاصة.

_ 1 مراتب الإجماع لابن حزم، ص 71. 2 الفتاوى الهندية (1/348) .

إلا أن الحياة الزوجية لا يتوقع منها أن تدوم على نمط واحد، فيعتريها الدفء والبرودة في العلاقات، والحماس والفتور كذلك، كما يتخللها خلافات بين الزوجين، غيُر خافية. وهذه الخلافات قد لا تكون عميقة، لدرجة يضطر فيها الزوجان إلى إنهاء حياتهما الزوجية، إلا أن طبيعة المرأة العاطفية، وقصر نظرها في إدراك الأمور، وأحاسيسها المرهفة _ والتي لا تكون في الغالب طويلة الأمد _ قد تعرض حياتها الزوجية للخطر والانتهاء، لو كان أمر إنهائها بيدها، فكان من حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل أمر الطلاق بيد الرجل الذي يتثبت من كل الأمور والعواقب، ويحسب كل حساباته، قبل الإقدام على الطلاق. ذلكم أن الرجل قد تكلف من أمواله ومساعيه في دفع المهر، وتكاليف الزواج، وتأسيس بيت الزوجية الشيء الكثير، فهو يفكر مليًّا قبل تدمير ذلك البيت الذي كلفه كل ذاك، ويعلم أن الأمر لن يتوقف عند ذلك الحد، بل عليه بعد ذلك أن ينفق على زوجته أيام العدة، وأن يدفع لها ما تبقى من مهرها المؤجل، وأنه هو الذي يقع عليه العبء الأكبر لمعاناة الأطفال بسبب الفراق، مع يجب عليه من نفقتهم كاملة، فلا يقدم على الطلاق إلا إذا انسدت أمامه السبل الأخرى لحل مشاكله الزوجية. وفي ذلك ضمان لحقوق المرأة ومصلحتها، وزوجها، بالمحافظة على بيت الزوجية.

المبحث السابع: (الضمان الثالث عشر) : أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيدها بالاشتراط.

المبحث السابع: (الضمان الثالث عشر) : أن الشريعة جعلت أمر الطلاق بيدها بالاشتراط. إذا كان الأصل: أن ضمان حقوق المرأة في كون أمر الطلاق بيد الزوج، حفاظا على الحياة الزوجية، إلا أن المرأة قد تحذر أن يظلمها الرجل أو يتقاعس عن أداء حقوقها الزوجية، أو لا يمكنه ذلك لسبب من الأسباب، أو يضارَّها بالزواج عليها من امرأة أخرى، أو يتصف بصفات لا ترغبها، أو أن لا يتصف بصفات ترغب الزوجة وجودها في زوجها، أو غير ذلك من الأمور التي تُعتبر معقولة المعنى، ولا يكون في اشتراطها محظور شرعي، وتخشى المرأة أن لا يلبي لها الرجل ذلك، أو لا توجد فيه الصفات التي ترغبها، فيلحقها الضرر به، فحين ذلك ضمنت الشريعة حقوقها، بإزالة الظلم المحتمل وقوعه عليها، أو نفي ما ترى ضرره عليها، بجعل إنهاء العلاقة الزوجية بيدها، وذلك بأن أباحت لها أن تشترط في عقد النكاح، أن يكون أمرها بيدها لو فعل كذا وكذا، أو لم يفعل كذا. مثاله: لو اشترطت المرأة قبل العقد، أو في صلبه، على أن لا يتزوج عليها، فإن تزوج عليها كان أمرها بيدها، ونحو ذلك، وقبل الزوج هذا

الشرط، كان اشتراطها جعلَ أمرِ الطلاق بيدها معتبرا، وكذلك لو جعل أمر الطلاق بيدها دون تعليقها على شرط، على ما سيأتي بيانه. ويسمى هذا التصرف بتفويض الطلاق بالاشتراط، كما يسمى هذا النوع من الاشتراط لدى الفقهاء بتعليق الطلاق، واليمين في الطلاق، وتمليك الطلاق مشروطا، وجعل الأمر بيد الزوجة مشروطا. يقول ابن القيم رحمه الله: "إذا تزوجت المرأة وخافت أن يسافر عنها الزوج ويدعها، أو يسفر بها ولا تريد الخروج من دارها، أو أن يتزوج عليها، أو أن يتسرى، أو يشرب المسكر، أو يضربها من غير جُرم، أو يتبين فقيرا وقد ظنته غنيا، أو معيبا وقد ظنته سليما، أو أميا وقد ظنته قارئا، أو جاهلا وقد ظنته عالما، أو نحو ذلك، فلا يمكنها التخلص، فالحيلة لها في ذلك كله أن تشترط عليه أنه متى وُجد شيء من ذلك فأمرها بيدها، إن شاءت أقامت معه، وإن شاءت فارقته، وتُشهد عليه بذلك… فمتى كان الأمر كذلك ملكت تطليق نفسها، ولا بأس بهذه الحيلة، فإن المرأة تتخلص بها من نكاح مَن لم ترض بنكاحه، وتستغني عن رفع أمرها إلى الحاكم ليفسخ نكاحها بالغيبة والإعسار ونحوهما"1.

_ 1 أعلام الموقعين (3/396) .

وقد اتفق الفقهاء على صحة هذا العقد، ولزوم الوفاء بالشرط المذكور، وأن الزوج لو خالف ما اتفقا عليه، كما لو تزوج بأخرى، كان أمرها بيدها، حسبما اتفقا عليه1. وقال ابن جُزي2 رحمه الله، وهو يذكر أقسام هذا التصرف: "منها أن يجعل أمرها بيدها إن تزوج، فيجب أن يذكر هل ملَّكها طلقة رجعية، أو بائنة، أو ثلاثا، أو أي الطلاق شاءت؟، فيعمل على حسبه"3. وقد نص الحنفية على صحة عقد النكاح على أن أمرها بيدها، من غير تقييد أو شرط.

_ 1 أنظر للتفصيل في شروط، وأقسام هذا النوع من تصرف الزوج، والقيود الواردة عليه، وإضافته إلى زمن معين، أو حالة معينة، أو وجود شيء معين يعلق عليه الطلاق، وحكم رجوع الزوج فيه، ورد الزوجة لهذا الحق، ونوع الطلاق الذي يقع به، المراجع الآتية: بدائع الصنائع (3/113-125) ، وقوانين الأحكام الشرعية ص 242-244، ومغني المحتاج (3/285) ، وما بعدها، وكشاف القناع (5/254) ،ووما بعدها. 2 ابن جُزي هو: محمد بن أحمد بن محمد أحمد بن جزي الكلبي، أبوالقاسم، من أهل غرناطة، ولد سنة (693هـ) ، من علماء المالكية في الفقه والأصول، له كتاب"القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية"، و"تقريب الوصول إلى علم الأصول" وغيرهما. توفي سنة (741هـ) . انظر: الديباج المذهب لابن فرحون (2/274-276) ، الدرر الكامنة (3/356) . 3 قوانين الأحكام الشرعية ص 243.

جاء في رد المحتار: "نكحها على أن أمرها بيدها صح"، وفي حاشية رد المحتار: "قوله: (صح) مقيد بما إذا ابتدأت المرأة فقالت: زوَّجت نفسي منك على أن أمري بيدي، أطلق نفسي كلما أريد، أو على أني طالق، فقال الزوج: قبلت، أما لو بدأ الزوج لا تطلق ولا يصير الأمر بيدها"1. هذا ومستند جعل الخيار للمرأة، وجعل الطلاق بيدها، ما رواه البخاري في بَاب مَنْ خَيَّرَ نِسَاءه وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لأزوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} 2. عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: "خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شَيْئًا"3. والحديث رواه مسلم أيضا، بطوله، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: "لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَال: "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ". قَالَت: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ قَالَتْ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ

_ 1 الدر مع الحاشية (3/329) . 2 من الآية 28 من سورة الأحزاب. 3 صحيح البخاري مع فتح الباري (9/367) .

أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} قَالَتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ"1. فالحديث فيه دلالة على صحة جعل أمر طلاق المرأة بيدها، فتكون بالخيار بين إمضاء النكاح، أو تطليق نفسها2.

_ 1 صحيح البخاري (9/ 369) ، وصحيح مسلم (2/1103) . 2 للعلماء تفصيل في تخيير الرجل زوجته وأمد ذلك التخيير، وماذا تملك من طلاق به، انظر للتفصيل: المراجع الفقهية، أبواب الطلاق.

المبحث الثامن: (الضمان الرابع عشر) : أن الشريعة جعلت لها الخيار، إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي من قبل الزوج

المبحث الثامن: (الضمان الرابع عشر) : أن الشريعة جعلت لها الخيار، إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي من قبل الزوج من الضمانات لحقوق المرأة في الإسلام، أنها حرمت الإضرار بالمرأة، سواء كان الإضرار بها ماديا، أو معنويا. يقول الحق تبارك وتعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} 1، وقال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنّ} 2. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجه عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "قَضَى أَنْ لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ".3

_ 1 من الآية 231 من سورة البقرة. 2 من الآية 6 من سورة الطلاق. 3 سنن ابن ماجه (2/784) ، ومسند الإمام أحمد (5/372) . قال الألباني: "حديث صحيح ورد مرسلا وروي موصولا، عن أبي سعيد الخدري" وذكر غيره، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/443) .

وروى الإمام مالك أيضا عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ" 1. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَار" قاعدة شرعية في نفي الضرر ابتداء ونفيه كذلك جزاء، وإزالته إذا وقع، كما فسره العلماء، بأنه: "لا يضر الرجل أخاه ابتداء ولا جزاء"2. والمقصود بعقد النكاح كما هو معلوم، حصول المنفعة المادية والمعنوية المطلوبة شرعا لكل من الزوجين، ونظرا لشدة قرب العلاقة بين الزوجين، في الجسد والأحاسيس، والمصالح، فإن كلا منهما يتأثر بالآخر بما لا يتأثر به غيره، ويقع التأثير النافع بوجود الصفات المرجوة، والحالة المطلوبة في كل منهما، كما يقع التأثير الضار بوجود الصفات المرفوضة، والحالة الملفوظة في كل منهما. وبما أن موضوعنا يختص بضمانات حقوق المرأة، فإنني أقتصر هنا على ذِكر الأضرار التي تلحق المرأة باتصاف الزوج بصفات غير مرضية في بدنه، أو ماله، أو حاله، مما يؤثر في حياة المرأة تأثيراً سلبيا. وقد ضمنت الشريعة الإسلامية حق المرأة في عدم الإضرار بها، بأن جعل لها الخيار في إمضاء عقد النكاح، أو فسخه، إذا لحقها الضرر من

_ 1 موطأ مالك (ح1461) . 2 الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 85.

قِبل الزوج بسبب وجود عيب فيه، أو التغرير بصفة ترغب الزوجة وجودها فيه، أو إعساره، أو فقده1. وقد اتفق جمهور العلماء على أن تنفيذ خيار المرأة في فسخ النكاح، وإنهائه، إنما يكون بعد الرجوع إلى القاضي، أو الحاكم الذي له الحق في الإبقاء على النكاح، أو فسخه بالنظر إلى الحالة الراهنة، وبحسب ما يوصله إليه اجتهاده2. وسأتكلم - بعون الله تعالى - عن كل واحد من هذه الأسباب بذكر أوجه الضمان فيها، على ما يأتي: الوجه الأول: أن الشريعة جعلت لها الخيار، في حالة وجود عيب جسدي في الزوج. لا يخفى أن العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة تستدعي أن يكون كل منهما على قدر كاف من الصحة والعافية، ليتمكن من أداء حقوقه

_ 1 انظر: كتاب القواعد لتقي الدين الحصني (1/325) . 2 انظر للتفصيل: الفتاوى الهندية (2/224) ، وما بعدها. والشرح الصغير للدردير (1/426) ، وما بعدها. ومغني المحتاج (3/205) ، وما بعدها. والمغني (10/82) ، وما بعدها. وانظر كذلك للتفصيل في إجراءات التفريق: المفصل في أحكام المرأة (9/41) ، وما بعدها.

الزوجية تجاه الآخر، على الوجه المطلوب، فإن لم يكن الأمر كذلك، لحق الضرر بالعلاقة الزوجية، وتعثر الاستمرار فيها. وهذه العيوب التي تعرقل سير الحياة الزوجية، منها ما تكون بالمرأة، ومنها ما تكون بالرجل، وحيث أن موضوعنا يختص بحقوق المرأة، فإنني أذكر منها ما يتعلق بعيوب الرجل وحده. فقد يكون بالرجل عيب يستوجب الخيار للزوجة، لعدم إمكانية العيش معه، مع وجوده، أو كونه خطرا عليها، كجنون الزوج، أو كونه مصابا بمرض معد كالجذام، أو بمرض تنفر منه الطباع، كالبرص، أو مرض يمنع المتعة الجنسية، ككون الزوج مجبوبا، أو مخصيا، أو عنينا. وسأذكر فيما يلي أقوال العلماء في خيار الزوجة بسبب عيب في الزوج، والعيوب التي توجب للمرأة خيار التفريق: أولا: أقوال العلماء في خيار الزوجة بسبب عيب في الزوج. القول الأول: يرى جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة تخيير الزوجة بسبب العيوب الخَلقية في الزوج، وأن هذا الخيار خاص بالزوجة،

دون غيرها من الأولياء، وإن كانوا قد اختلفوا بعد ذلك في العيوب التي توجب الخيار من التي لا توجبه1. القول الثاني: ويرى ابن حزم وعمر بن عبد العزيز وغيرهما رحمهم الله جميعا، عدم ثبوت الخيار، وعدم فسخ النكاح بعد وقوعه صحيحا، بالعيوب الخَلقية، والأمراض، كالجذام، والبرص، والجنون، والعنانة، وداء الفرج، سواء كانت تلك العيوب قديمة، أو حدثت بعد النكاح2. الأدلة: وقد استدل الجمهور على ما ذهبوا إليه، بما قضى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالخيار في العنين أن يؤجل سنة. فعن سعيد بن المسيب قال: طقضى عمر في العنين أن يؤجل سنة". وعن عمر قال: أتته امرأة - فذكر القصة-، فلما مضى الحول خيرها، فاختارت نفسها، ففرق بينهما.3

_ 1 انظر: الاختيار لتعليل المختار (3/115) ، وما بعدها. وقوانين الأحكام الشرعية لابن جزي ص 237، وما بعدها. وبداية المجتهد (3/1020) ، (المحقق) ، وروضة الطالبين (7/176) ، وما بعدها، والمغني (10/ 55) ، وما بعدها. 2 انظر: المحلى (10/109) ، بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/1020) (المحقق) ، ونيل الأوطار (6/157) . 3 الدراية في تخريج أحاديث البداية (2/77) .

ويلاحظ أنه لم يرد نص صريح من كتاب أو سنة، على جعل الخيار بالعيب، إلا أن الفقهاء، يستدلون لذلك بقضاء عمر - كما سبق- وأقوال الصحابة، وبعموم النصوص الواردة في وجوب حقوق كل منهما على الآخر، والأمر بالإمساك بالمعروف، الوارد في قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 1، يوجب أداء تلك الحقوق على الوجه المطلوب، وإلا لم يكن قد أمسك بالمعروف، فوجود تلك العيوب المانعة من الجماع أو المسببة للعدوى أو النفرة، حائلة دون تحقيق الإمساك بالمعروف. قال الكاساني2 رحمه الله وهو يتكلم عن ثبوت حق الفسخ للمرأة بسبب العُنَّة: "لأن الله تعالى أوجب على الزوج الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان بقوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 3، ومعلوم أن استيفاء النكاح عليها مع كونها محرومة الحظ من الزوج ليس

_ 1 من الآية 229 من سورة البقرة. 2 الكاساني: هو أبوبكر بن مسعود بن أحمد الكاساني – بالسين أو بالشين المعجمة، علاء الدين الشاشي الحنفي، له من المصنفات: "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" و"السلطان المبين في أصول الدين". توفي في حلب سنة (587هـ) . هدية العارفين (ص235) ، الأعلام للزركلي (2/70) . 3 من الآية 229 من سورة البقرة.

من الإمساك بالمعروف في شيء، فتعين عليه التسريح بالإحسان، فإن سرح بنفسه، وإلا ناب القاضي منابه في التسريح"1. وأما ابن حزم، ومن نحا نحوه في منع الخيار بسب العيوب، فقد استدلوا بحديث رفاعة القرظي، الذي رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا "أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّهُ لا يَأْتِيهَا وَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلا مِثْلُ هُدْبَةٍ، فَقَالَ: "لا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ"2. قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله: فهذه تذكر أن زوجها لم يطأها، وأن إحليله كالهدبة لا ينتشر إليها، وتشكو ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتريد مفارقته، فلم يشكها، ولا أجل لها شيء، ولا فرق بينهما3. كما احتج ابن حزم رحمه الله على صحة ما ذهب إليه4"بأن كل نكاح صح بكلمة الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد حرم الله تعالى بشرتها وفرجها على كل من سواه فمن فرق بينهما بغير قرآن أو سنة ثابتة فقد

_ 1 بدائع الصنائع (3/323) . 2 سبق تخريجه (ص55) . 3 المحلى (10/62) . 4 المحلى (10/61) .

دخل في صفة الذين ذمهم الله تعالى بقوله: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} 1. الرد على القول الثاني: ويُرد على استدلال ابن حزم بالحديث، بأن في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ"، إشعار بإمكان ذلك، كما قال ذلك ابن حجر رحمه الله،"لأنه علقه على الإمكان وهو جائز الوقوع"2، وإن كان ذلك ممكنا فلا داعي للتفريق، ولذا لم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بهذا العيب. ويمكن أن يرد على ابن حزم رحمه الله، بأنه قال: "فإن اشترطا السلامة في عقد النكاح فوجد عيبا، أي عيب كان، فهو نكاح مفسوخ مردود، لا خيار له في إجازته…الخ"3. أقول: يمكن أن يرد عليه بأن السلامة من العيوب تكون مشروطة ضمنا وعُرفا في العقود، ومنه عقد النكاح بالأولى، و (المعروف عرفا كالمشروط شرطا) كما تقول القاعدة الفقهية4، فوجب اعتبار السلامة من العيوب، والرد بعدمه.

_ 1 من الآية 102 من سورة البقرة. 2 فتح الباري (9/467) . 3 المحلى (10/115) . 4 شرح القواعد الفقهية ص 183.

ثانيا: العيوب الموجبة للخيار: هذا وقد اختلف الفقهاء في العيوب التي تجيز الفسخ، والرد، وهل هي محصورة في المذكورة، أو يُقاس عليها عيوب أخرى، إذا كانت على تلك الصفات. وجملة العيوب التي نصوا عليها، في الرجل، أو التي تكون مشتركة بين الرجل والمرأة هي: العنة، والجبّ، والخصاء، والجنون، والبرص، والجذام وبخر الفم، واستطلاق غائط، وباسور وناسور، وقرع رأس - مع الريح -، وكونه خنثى غير مشكل. هذا ونجد أن العيوب المذكورة - على ما فيها من خلاف في اعتبار بعضها دون البعض في الخيار - معلولة، بكونها1: - توجب نفرة تمنع قربانه بالكلية، ومسه. - أو يُخاف منه التعدي إلى النفس والنسل. - أو يُخاف منه الجناية. - أو تمنع الوطء، أو الاستمتاع، أو اللذة. فالذي ينبغي القول به، أن كل عيب وجدت فيه صفة من الصفات المذكورة، أو وجدت فيه مضرة أشد منها، كان موجبا للخيار، لاسيما وأن الفقهاء قد أثبتوا الخيار فيما ذكر من عيوب، مستنبطين حكمها من

_ 1 انظر: المغني (10 /55) ، وما بعدها.

عموم الأدلة النافية للضرر، لا بالنص على كل واحدة بعينها، فإن وجد ما يشترك معها في الضرر، صح أن يقاس على ما ذكر، بجامع وجود الضرر في كل، بنفس الدرجة أو أشد. هذا ومن المعروف أن الأمراض في هذا الزمان قد تنوعت، ووجد منها ما هو أشد ضررا من تلك الأمراض والعيوب التي كانت معروفة في الأزمنة السابقة، واحتمال تعدِّيها إلى الزوجة، أو إليها وإلى ولدها، ولحوق الضرر بها أكثر من تلك، وقد تكون منها، الفتاكة والمميتة، مثل الأمراض الجنسية المعروفة في هذا الزمان، كالزهري والسيلان، ونقص المناعة المكتسبة - والمسمى بالإيدز - وغيرها من الأمراض التي ابتلي بها المنحرفون جنسيا، عقوبة ونكالا من الله، فينبغي إلحاقها بالمذكورة، من باب أولى، لوجود العلة الموجبة للخيار فيها، بصفة أولى وأشد وأوضح.

الوجه الثاني: أن الشريعة جعلت لها الخيار، في حالة فقدان1 الزوج. الوجه الثاني من أوجه الخيار التي جُعلت للمرأة ضمانا لحقوقها الزوجية، بسبب ما يلحقها من ضرر من قِبل حالة الزوج، أن الشريعة جعلت لها الخيار في فسخ العقد في حالة فقدان الزوج، أو غيبته غيبة طويلة، أو وقوعه في الحبس، وذلك لأنه حينئذ لن يكون قادرا على أداء حقوقه الزوجية تجاه زوجته، ويفوِّت عليها الغرض من النكاح، وفي ذلك مضارَّة لها غير خافية، فكان لها الخيار عند ذلك، على ما ذكره العلماء، ولهم تفصيل وآراء في جعل الخيار لها بذلك، وفي الوقت الذي يكون لها فيه الخيار على ما يأتي.

_ 1 الفقدان: من فقد فقدا وفقدانا، وفقدته، إذا عدمته، فهو مفقود، وفقيد. (المصباح المنير ص 478) . والمفقود: هو الذي غاب عن أهله أو بلده أو أسره العدو ولا يدرى أحي هو أو ميت، ولا يُعلم له مكان، ومضى على ذلك زمان فهو معدوم بهذا الاعتبار. (الفتاوى الهندية 2/299) . وفي متن الإقناع وشرحه كشاف القناع (5/421) : "الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد بين أهله ليلا أو نهارا أو يخرج إلى الصلاة، فلا يرجع، أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجته ويرجع، فلا يظهر له خبر، أو يفقد في مفازة مهلكة كدرب الحجاز، أو يفقد بين الصفين إذا قتل قوم، أو من غرق مركبة ونحو ذلك".

مسألة: متى يجعل لزوجة المفقود الخيار؟ الأصل في المفقود أن يكون حيا، ومن ثم تبقى زوجته في عصمته، إلا أن بقاء المرأة في عصمة رجل غائب غيبة طويلة، ولا يُعلم حاله، فيه ضرر وتعطيل لمصالحها، ولذا رأى العلماء أن يرفعوا عنها الضرر، بإزالة عصمة النكاح عنها، بعد أن يُضرب للمفقود الأجل، ويُبحث عنه فيُعجز، فإن عاد وإلا حكموا بموته، ثم تتربص المرأة عدة الوفاة، على اعتبار موت زوجها حكما، وتحل بعدها للآخرين. وقد اختلف العلماء في الأجل الذي يضرب لانتظار المفقود، ليحكم بعد ذلك بموته، ومن ثم يجعل الخيار لزوجته، على أقوال: القول الأول للحنفية: أن المفقود يعتبر حيا، ولا يعتبر ميتا، إلا بمضي تسعين سنة، وفي ظاهر الرواية، إذا مات أقرانه في أهل بلده اعتبر ميتا، لكن المختار عندهم، أنه يفوض إلى رأي الإمام1. وقد استدلوا لظاهر الرواية، بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة المفقود: "أنها امرأته حتى يأتيها البيان"2

_ 1 الفتاوى الهندية (2/300) . 2 أخرجه الدارقطني، وهو حديث ضعيف، بمحمد بن شرحبيل؛ لروايته المناكير والأباطيل عن المغيرة انظر للتفصيل: شرح فتح القدير (5/372) .، وانظر نصب الراية (3/473) ، حيث يقول الزيلعي رحمه الله: "وهو حديث ضعيف، ونقل عن ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: هذا حديث منكر.

القول الثاني للمالكية: يفرق المالكية في الحكم على المفقود بين أن يكون فقده في دار الإسلام أو في دار الكفر، وبين أن يكون فقده في زمن الوباء، أو زمن السلامة، وهل الفقد وقع في قتال بين المسلمين والكفار، أو في قتال بين المسلمين أنفسهم. ولكل حالة حكم عندهم1، وقد ذكر ذلك الدسوقي رحمه الله ملخِصا أحكام الحالات الأربع، فقال2: "المفقود في بلاد الإسلام وحكمه، أنه يؤجل أربع سنين بعد البحث عنه، والعجز عن خبره، ثم تعتد زوجته. والمفقود بأرض الشرك كالأسير، وحكمهما، أن تبقى زوجتاهما لانتهاء مدة التعمير ثم تعتد زوجته. والمفقود في الفتن بين المسلمين، وحكمه، أن يؤجل سنة بعد النظر والكشف عنه، ثم تعتد زوجته، هذا حاصل ما تقدم وظاهره أنه لا يحتاج للحكم بموته في الأقسام كلها، ولا لإذن القاضي للزوجة في العدة" اهـ. القول الثالث للشافعية: "بأن المفقود يبقى حيا، ولا يعتبر ميتا، حتى تمضي مدة يُعلم أو يُغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها، وإذا مضت المدة المذكورة فيجتهد

_ 1 الفواكه الدواني (2/70) . 2 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/483) .

القاضي حينئذ ويحكم بموته؛ لأن الأصل بقاء الحياة". وهو مروي عن علي رضي الله عنه1. وقد اختلفت أقوال الشافعية في المدة التي يحتمل أن لا يعيش فيها المفقود، فقيل: هي غير مقدرة، وقيل: هي مقدرة بسبعين سنة، وقيل: بثمانين، وقيل: بتسعين، وقيل بمائة، وقيل بمائة وعشرين سنة؛ لأنها العمر الطبيعي عند الأطباء، وأنه لابد من اعتبار حكم الحاكم فلا يكفي مضي المدة من غير حكم بموته2. القول الرابع للحنابلة3: فقالوا: بالتفريق بين فقد الزوج في حال غالبه السلامة، وحال يغلب عليه الهلاك. فأما الأول: أن يكون ظاهر غيبته السلامة، كسفر التجارة في غير مهلكة، وطلب العلم، والسياحة. فالحكم حينئذ أن لا تزول الزوجية ما لم يثبت موته، وروي عن الإمام أحمد رحمه الله بتحديد المدة في هذه الحالة بتسعين سنة من حين ولادته؛ لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر من هذا العمر، والمذهب الأول.

_ 1 رواه البيهقي، السنن الكبرى (7/446-447) ، وانظر: تلخيص الحبير (3/273) . 2 مغني المحتاج (3/26-27) ، وتكملة المجموع (16/67) . 3 المغني (11/247-251) .

وأما الثاني: أن تكون غيبته ظاهرها الهلاك، كالذي يفقد من بين أهله ليلا أو نهارا، أو يُفقد من بين الصفين، أو يُفقد في مهلكة. فمذهب الإمام أحمد رحمه الله الظاهر عنه، أن زوجته تتربص أربع سنين، أكثر مدة الحمل، ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرا، وتحل للأزواج. وقد استدلوا لذلك بقضاء عمر رضي الله عنه في امرأة فُقد زوجها، فذكرت ذلك له، فقال: انطلقي فتربصي أربع سنين، ففعلت، ثم أتته، فقال: انطلقي: فاعتدي أربعة أشهر وعشرا، ففعلت، ثم أتته، فقال: أين ولي هذا الرجل؟ فجاء وليه، فقال: طلقها، ففعل، فقال لها عمر: انطلقي فتزوجي من شئت…الخ1. وروي نحوه عن علي وعثمان وابن عباس رضي الله عنهم2. وقال ابن قدامة رحمه الله: وهذه قضايا انتشرت في الصحابة فلم تُنكر، فكانت إجماعا3. الخلاصة والترجيح: بالنظر في أقوال العلماء في تخيير الزوجة في حال فقده، أو عدم تخييرها، وجعلها تتربص حتى موتها، أو حتى يغلب على الظن موت

_ 1 رواه البيهقي، السنن الكبرى (7/445-446) ، وغيره. 2 رواه البيهقي، المرجع السابق، وانظر للروايات المتعددة: تلخيص الحبير (3/273) . 3 المغني (11/247-251) .

زوجها المفقود بمضي مدة لا يعيش فوقها غالباً، أو تحديد المدة بغير ذلك، والأحكام التي ذكروها لحالة فقدان الزوج، فإننا نخلص لما يأتي: 1- لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم حكم على ما يجب فعله في حالة فقدان الزوج، وما روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت. 2- روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في امرأة المفقود أن تتربص أربع سنين، بروايات متعددة، وروي نحوه عن غيره من الصحابة - كما سبق-، وحيث لم يرد نص من كتاب أو سنة، فالمعول ما قضى به أحد الخلفاء الراشدين، إن وُجد.1 3- أن المرأة تتضرر حتما بفقد زوجها، بحرمانها من تلبية رغباتها الجسدية، والنفسية، والمالية أحيانا، فتكون كالمعلقة. 4- إن إزالة الضرر عنها واجب شرعا، لقاعدة "الضرر يزال"، ولقاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، وعملا بقوله تعالى: {وَلا تُضَارُّوهُنّ} . 5- وبناء عليه فإنه ينبغي القول بتخيير المرأة في طلب فسخ النكاح، إذا فقد زوجها، وأن القول بأن تبقى زوجة حتى 1 قول الصحابي إذا لم يظهر له مخالف حجة عند مالك والشافعي في القديم، وبعض الحنفية، وعند أحمد في رواية، انظر للتفصيل: روضة الناظر وجنة المناظر (ص 84) .

يرجع زوجها، أو يتبين موته، أو تموت، قول مرجوح، لأنه ينافي إزالة الضرر عنها. 6- وأن الحاكم هو الذي يقضي لها بالتخيير، كما فعل عمر رضي الله عنه، وذلك تحاشيا لوقوع الخلاف بين الطرفين. 7- وأن الحاكم يبذل جهده في تبيين حال الزوج المفقود. 8- وأنها تتربص أربع سنوات انتظارا لرجوع زوجها المفقود، كما قضى بذلك عمر رضي الله عنه، حيث لا يوجد دليل آخر يمكن الاستناد عليه في تحديد مدة التربص، وإنما يُصار إلى التحديد بالتوقيف. 9- وأنها تتربص أربعة أشهر وعشرا بعد انتهاء مدة التربص، كما قضى بذلك عمر رضي الله عنه. 10- وأنه لا فرق بين أن يكون الفقد في حالة يغلب عليها الهلاك، أو يغلب عليها السلامة، وحملُ الحنابلة قضاءَ عمر رضي الله عنه على ما غالبه الهلاك، فيه نظر، لأن أغلب الروايات التي أوردت قضاء عمر رضي الله عنه، لم تذكر الحالة التي غاب فيها المفقود، كما لم يقيد قضاء عمر بذلك، والرواية التي ذكرت الرجل الذي قضى فيه عمر رضي الله عنه، ذكرت أنه خرج للصلاة، وتلك حالة، تحتمل السلامة أكثر من الهلاك، لاحتمال أن يكون الرجل غاب في طلب الرزق، ولم يُرد إخبارَ أحد بذلك، بخلاف ما لو فقد بين الصفين في القتال، أو في طريقة مخوفة، أو في ركوب البحر،

ونحو ذلك، فحملُ قضاءِ عمر رضي الله عنه على ما يغلب فيه الهلاك، ضعيف. 11- وأنها تستحق النفقة والسكنى خلال مدة التربص، لحجز منافعها لمصلحة زوجها، لأن الأصل أن كل من يستحق النفقة في ماله في حال حضرته بغير قضاء القاضي يُنفق عليه من ماله عند غيبته.1 12- وأنه لو رجع خلال مدة التربص، فإنها زوجته، وكذلك لو رجع، بعد التربص وهي في العدة، أو خرجت من العدة، أو تزوجت بآخر، ولم يدخل بها.2 وأما لو تزوجت بعد التربص، وانتهاء العدة وبنى بها الثاني ثم ظهر الأول حياً، فإن الحنفية يرون: أن لا سبيل للأول عليها، وهو رواية عند الحنابلة.3 وفي رواية أخرى عند الحنابلة، وهي الراجحة عندهم: أن الأول يخير بين الصداق وبين امرأته4. ويبدو رجحان القول الثاني، لقضاء عمررضي الله عنه.5

_ 1 شرح فتح القدير (5/369) . 2 انظر: شرح فتح القدير (5/372) ، والفتاوى الهندية (2/300) ، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/480) ، والمغني (11/252) . 3 انظر: شرح فتح القدير (5/372) ، والمغني (11/252) . 4 انظر: المغني (11/252) . 5 السنن الكبرى للبيهقي (7/445-446) .

الوجه الثالث: أن الشريعة جعلت لها الخيار، في حالة غيبة الزوج غيبة منقطعة، أو أسره. غيبة الزوج عن زوجته لا تخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن تكون الغيبة غير منقطعة بحيث يكون على اتصال بزوجته، ففي هذه الحالة لا يجوز للمرأة أن تطلب الفراق إذا لم يتعذر الإنفاق عليها من مال زوجها، وذلك لعدم حصول ضرر بها يوجب التفريق، وحكم هذه الحالة متفق عليها بين الفقهاء.1 وأما إذا تعذر الإنفاق، فإن الحكم يندرج تحت حالة الخيار بسبب عدم الإنفاق، كما سيأتي. الحالة الثانية: أن تكون الغيبة طويلة منقطعة، فإن العلماء اختلفوا في جعل الخيار لزوجته بسبب تلك الغيبة - التي لا يخفى لحوق الضرر بالزوجة بسببها - على أقوال:

_ 1 المغني (11/247)

القول الأول: أنه ليس لها الخيار في طلب الطلاق بسبب غيبة زوجها، أو أسره. وهو قول الحنفية والشافعية، والحنابلة، إلا أن الحنابلة أجازوا الفسخ إذا تعذرت النفقة من مال زوجها.1 القول الثاني: أن الزوج لو غاب وقد ترك نفقة وعُلم مكانه، فإن الزوجة ترفع أمرها إلى الحاكم، فإن عاد، وإلا حكم عليه بالطلاق. وأما إذا لم يعلم مكانه، فحكمه حكم المفقود. وهو قول المالكية، ويلاحظ أنهم يجعلون الخيار للزوجة بطلب التفريق بسبب الغيبة، لو اشترطت المرأة ذلك في عقد النكاح. كما أن قولهم في الأسير مثل قول الجمهور بأن تبقى زوجته مدة التعمير، ثم تعتد.2 الترجيح: لا يخفى أن النكاح شرع لمصلحة الزوجين وقضاء حاجة كل منهما من الآخر، وأن العلاقة بين الزوجين هي علاقة مبادلة المصالح بالمصالح

_ 1 الفتاوى الهندية (2/300) ومغني المحتاج (3/26-27) وكشاف القناع (5/423) . 2 حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير (2/483) .

بالدرجة الأولى، فإذا انقلبت تلك المصالح إلى مفاسد، أو حرمان من الحقوق، فالأولى قطع تلك العلاقة، حفاظاً على حقوق الطرفين. وإذا كانت الشريعة قد راعت مصلحة النفقة الزوجية للمرأة وجعلت لها الخيار في طلب الفسخ لعدمها، وراعت كذلك حاجة المرأة الجنسية، وأوجبت الفراق بالإصرار على الإيلاء، فإن الذي ينبغي القول به، أن كل تصرف من الزوج إذا اشتمل على مضرة، أو نفي مصلحة معتبرة شرعا للمرأة موجب لإعادة النظر في استمرار العلاقة الزوجية بينهما، وذلك ضمانا لحقوق المرأة الزوجية. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتض للفسخ بكل حال، سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد، ولو مع قدرته وعجزه كالنفقة أولى، للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعا. وعلى هذا: فالقول في امرأة الأسير والمحبوس ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به إذا طلبت فرقته، كالقول في امرأة المفقود بالإجماع، كما قاله أبو محمد المقدسي" اهـ1.

_ 1 الاختيارات الفقهية (ص 247) .

الوجه الرابع: أن الشريعة جعلت لها الخيار، في حالة امتناع الزوج عن النفقة، أو إعساره بها. إن نفقة الزوجة كما هو معلوم واجبة على زوجها إجماعا.1 وحقها في النفقة مقابل حبس منافعها لمصلحة الزوج، فكان واجبا عليه أن يقوم ببذل العوض. وقد ضمنت الشريعة حقها في النفقة بجعل الخيار لها في طلب التفريق؛ إذا لم تتمكن من أخذ حقها من النفقة، إلا أن الجدير بالتنبيه أن للعلماء تفصيل وآراء في ثبوت خيار التفريق للزوجة بسبب عدم التمكن من حصولها على النفقة، وتفصيل ذلك على ما يأتي: إن عدم حصول المرأة على نفقتها قد يكون بسبب إعسار الزوج بها، وقد يكون بسبب امتناعه عن النفقة عليها مع كونه موسرا، فها هنا حالتان لعدم الإنفاق، ولكل حالة حكمها. الحالة الأولى: إعسار الزوج بالنفقة: إذا أعسر الزوج بالنفقة ولم يكن لديه ما ينفقه على زوجته، فهل يثبت لها الخيار بطلب التفريق؟

_ 1 انظر: الإجماع لابن المنذر ص84، مراتب الإجماع لابن حزم ص79) ، المغني (11/348) .

اختلف العلماء في ذلك إلى قولين: القول الأول: أن لها الخيار في طلب التفريق بسبب إعسار الزوج بالنفقة. وهو قول الجمهور (المالكية، والراجح عند الشافعية، وقول الحنابلة) 1. الأدلة: استدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بأدلة، منها: - قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} 2. وواضح أن إمساك المرأة من غير الإنفاق عليها إضرار بها، والإضرار منهي عنه "لا ضرر ولا ضرار "، فإمساكها من غير الإنفاق عليها مندرج كذلك تحت النهي. - ومثل ذلك قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 3. - كما استدلوا بما رواه البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِي رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى

_ 1 انظر: بلغة السالك (1/523) ، ومغني المحتاج (2/442) ، والفروع (5/587) . 2 من الآية 231 من سورة البقرة. 3 من الآية 229 من سورة البقرة.

وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُول"، تَقُولُ الْمَرْأَةُ إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَيَقُولُ الابنُ أَطْعِمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعُنِي" فَقَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لا هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ1. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: واستدل بقوله"إما أن تطعمني وإما أن تطلقني" من قال يُفَرَّق بين الرجل وامرأته إذا أعسر بالنفقة واختارت فراقه.2 القول الثاني: أنه ليس لها الخيار في طلب التفريق بسبب إعسار الزوج بالنفقة. وهو قول الحنفية والظاهرية.3 الأدلة: وقد استدل هذا الفريق لما ذهبوا إليه بأدلة منها: - قول الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} 4.

_ 1 صحيح البخاري مع فتح الباري (9/500) . 2 فتح الباري (9/500) . 3 انظر: المبسوط (5/187-188) ، وشرح فتح القدير (4/201) ، ومجمع الأنهر (1/491) ، والاختيار (4/8) ، والمحلى (10/91-92) . 4 من الآية 7 من سورة الطلاق.

قال الجصاص رحمه الله: "وقد تضمن معنى آخر من جهة الحكم وهو الإخبار بأنه إذا لم يقدر على النفقة لم يكلفه الله الإنفاق في هذه الحال، وإذا لم يكلف الإنفاق في هذه الحال لم يجز التفريق بينه وبين امرأته لعجزه عن نفقتها"1. - ومن السنة ما رواه مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَا لَ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ قَالَ فَأُذِنَ لأبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَوَجَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا قَالَ فَقَالَ لأقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ" فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَقُلْنَ: وَاللَّهِ لا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} حَتَّى بَلَغَ، {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} 2 قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى

_ 1 أحكام القرآن (3/464) . 2 من الآيتان 28،29 من سورة الأحزاب.

تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ" قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَتلا عَلَيْهَا الآيَةَ، قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ، بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ وَأَسْأَلُكَ أَنْ لا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ، قَالَ: "لا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلا أَخْبَرْتُهَا إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا ولا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا "1 ووجه الاستدلال كما قال ابن القيم رحمه الله نقلا: "فهذا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يضربان ابنتيهما بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سألاه نفقة لا يجدها، ومن المحال أن يضربا طالبتين للحق، ويقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، فدل على أنه لا حق لهما فيما طلبتاه من النفقة في حال الإعسار، وإذا كان طلبهما لها باطلا فكيف تمكَّن المرأة من فسخ النكاح بعدم ما ليس لها طلبه، ولا يحل لها، وقد أمر الله سبحانه صاحب الدين أن يُنظر المعسر إلى الميسرة". وقال: "والذي تقتضيه أصول الشريعة وقواعدها في هذه المسألة أن الرجل إذا غرَّ المرأة بأنه ذو مال، فتزوجته على ذلك فظهر معدما لا شيء له، أو كان ذا مال، وترك الإنفاق على امرأته، ولم تقدر على أخذ كفايتها من ماله بنفسها، ولا بالحاكم أن لها الفسخ،، وإن تزوجته عالمة بعسرته، أو كان موسرا ثم أصابته جائحة اجتاحت ماله، فلا فسخ لها في

_ 1 صحيح مسلم (2/1104-1105) .

ذلك، ولم تزل الناس تصيبهم الفاقة بعد اليسار، ولم ترفعهم أزواجهم إلى الحكام ليفرقوا بينهم وبينهن، وبالله التوفيق" اهـ1 الراجح: بالنظر في أدلة الفريقين، يبدو - كما هو واضح - أن الأدلة جميعها محتملة، فليس ثمة تصريح بالحكم على إعطاء المرأة الحق في اختيار الفراق، وقطع الصلة الزوجية للعسر بالنفقة. وأما حديث أبي هريرة فقد صرح فيه أنه من كيسه، فلا يعول عليه. إلا أن حديث تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه فيه دلالة على ثبوت حق الزوجة في التخير بسبب العسر بالنفقة - على خلاف بين العلماء فيما خير فيه النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه - لأنهن كن قد طالبن بالنفقة مما لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم، فخيرهن بين أن يخترنه والآخرة، أو يخترن الدنيا، فاخترنه والآخرة2. أما استدلال ابن القيم رحمه الله بضرب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ابنتيهما بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سألاه نفقة لا يجدها، على عدم التخيير، ففيه نظر، وذلك لأن فعلهما ذلك لا يدل على سقوط الحق في التخيير مع تخيير النبي صلى الله عليه وسلم.

_ 1 زاد المعاد (5/519،521) . 2 انظر: الجامع لأحكام القرآن (14/170) .

ومما ينبغي ملاحظته أن إعسار الزوج لو بلغ به الأمر بحيث لا يمكن للمرأة أن تتحمله، أو تجد منه مخرجا، ورفعت أمرها إلى الحاكم متظلمة، فإن على الحاكم أن يرى في ذلك رأيه برفع الضرر الواقع على المرأة عملا بقاعدة: "الضرر يزال" وقاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات"، وقاعدة: "درء المفاسد أولى من جلب المصالح" إذ قد يكون حينئذ في الإبقاء على النكاح مفسدة أشد من جلب المصلحة، فينبغي الأخذ بأهون الشرين. ولعل من هذا الباب خروج بعض الحنفية - القائلين بعدم التفريق بسبب الإعسار - عن قولهم ذلك، حيث جاء في حاشية ابن عابدين: "ثم اعلم أن مشايخنا استحسنوا أن ينصب القاضي الحنفي نائبا ممن مذهبه التفريق بينهما، إذا كان الزوج حاضرا، وأبى عن الطلاق؛ لأن دفع الحاجة الدائمة لا يتيسر بالاستدانة، إذ الظاهر أنها لا تجد من يقرضها، وغنى الزوج مآلا أمر متوهم، فالتفريق ضروري إذا طلبته"1. الحالة الثانية: امتناع الزوج عن النفقة مع اليسار: إذا كان الزوج موسرا ومع ذلك امتنع عن الإنفاق على زوجته، بخلاً، أو إضرارا بها، فهل يجعل للمرأة الخيار في طلب التفريق؟ اتفق الفقهاء على أن للمرأة التي امتنع زوجها من الإنفاق عليها وهي مستحقة للنفقة، أن لها أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف.

_ (3/590) .

وذلك استناداً إلى ما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، أن هنداً بنت عتبة، قالت يارسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني، وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"1. فإن لم تتمكن من أخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف رفعت أمرها إلى الحاكم، فأجبره على الإنفاق عليها، وله حسبه لذلك2. فإن أصر على عدم الإنفاق فهل للحاكم أن يفرق بينه وبين زوجته لذلك؟ اختلف العلماء في ذلك إلى أقوال: القول الأول: أن القاضي يطلق عليه حالا إذا لم يدع العجز، فإن ادعى العجز طولب إثباته، فإن أثبت عجزه كان حكمه حكم المعسر، وإن لم يثبت عسره، أُمِر بالإنفاق أو الطلاق. وهو قول المالكية3. القول الثاني: أنه لو امتنع عن الإنفاق، أجبره الحاكم على الإنفاق، فإن أبى حبسه، فإن صبر على الحبس أخذ الحاكم النفقة من ماله، فإن غيب ماله

_ 1 صحيح البخاري (9/507- الفتح) ، وصحيح مسلم (4/129) . 2 انظر: بدائع الصنائع (4/38) . 3 حاشية الدسوقي (2/518) .

ولم يقدر الحاكم له على مال يأخذه، فلها الخيار في الفسخ. وهو قول الحنابلة1. وقد استدلوا على جواز التفريق للامتناع بما رواه البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما،"أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم، فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا"2. القول الثالث: أن ليس لها الخيار في الفسخ لو امتنع عن الإنفاق ولو كان موسرا؛ لأن الخيار إنما يكون بسبب الإعسار، وهذا غير معسر. وهو قول الشافعية في الراجح3. الراجح: بالنظر في الأقوال الثلاثة في المسألة نجد أنه لا يوجد نص على حكم هذه الحالة، ولذلك ينبغي الاستناد إلى حكم عمر رضي الله عنه في إلزام الممتنعين عن الإنفاق به، أو إلزامهم بالطلاق، كما قضى بذلك رضي الله عنه.

_ 1 المغني (11/264) ، وكشاف القناع (5/476) . 2 السنن الكبرى (7/469) ، ورواه عبد الرزاق في المصنف (7/93-94) ، وابن أبي شيبة، المصنف (5/214) . 3 نهاية المحتاج (7/202) .

وكذلك لأن الممتنع عن الإنفاق مع اليسار قاصدٌ الإضرار بزوجته دون وجه شرعي، فكان رفع الضرر عنها بالتفريق لذلك راجحا. إلا أنه ينبغي عدم التسرع بالتفريق بل يتخذ الحاكم ما يراه مناسبا لإجبار الزوج على النفقة، فإن لم يجد ذلك قضى بالتفريق. ولذا فإن ما ذهب إليه الحنابلة من القول بإجبار الزوج على الإنفاق، وما يلزم الحاكم من اتخاذه لذلك، والتفريق عند عدم إمكان أخذ النفقة من ماله، ضمانا لحق المرأة في النفقة، هو الراجح.

المبحث التاسع: (الضمان الخامس عشر) : أن الشريعة أباحت للمرأة طلب الخلع إن لم تطق العيش مع زوجها

المبحث التاسع: (الضمان الخامس عشر) : أن الشريعة أباحت للمرأة طلب الخلع إن لم تطق العيش مع زوجها سبق وأن ذكرت في الضمانات السابقة الحالات التي يكون للمرأة فيها الخيار في طلب التفريق بينها وبين زوجها، بفسخ نكاح، أو إيقاع طلاق، ويجب على الحاكم فيها أن يجيب طلبها، ولو لم يرض به الزوج. هذا إذا كان التفريق له مبرر شرعي واضح، كما سبق، إلا أن العلاقة الزوجية التي تَفرض بقاء الزوجين قرب بعضهما البعض، تستدعي وجود صفات فيهما تجعل كلا منهما منجذبا إلى الآخر وراغبا فيه، فإذا فقدت تلك الصفات من أحدهما، فإن ذلك يؤدي إلى نفرة الطرف الآخر منه. ولذا نجد أن المرأة قد تكون كارهة لزوجها راغبة عنه، رغم أدائه حقوقها، وتخشى حينئذ أن لا تقوم بأداء حقوقه الزوجية، فتقع في المحظور، فلا ترغب في البقاء معه. ففي هذه الحالة ضمنت لها الشريعة الإسلامية أن تفتدي نفسها من زوجها ببذلها له ما أخذته منه، لكيلا تضطر إلى البقاء معه رغم كراهيتها له، وذلك ما يسمى في المصطلح الفقهي بالخلع.

يقول الحصني في النوع الثالث من التخفيفات في المناكحات: "ومنها تيسير مشروعية الطلاق لمشقة بقاء الزوجية، وكذا الخلع، وكذا كل موضع شرع فيه خيار الفسخ لها لما في صبرها على تلك الحالة من المشقة، حيث لم يجعل الشرع الطلاق بيدها"1. يقول ابن قدامة رحمه الله مبينا حكمة مشروعية الخلع: "والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه"2.ويقول ابن القيم رحمه الله: "أن الله تعالى شرع الخلع رفعا لمفسدة المشاقة الواقعة بين الزوجين، وتخلص كل منهما من صاحبه"3.وحيث أن الخلع من الأحكام التي وضعت ضمانا لحقوق المرأة، فإنني أذكر - بعون الله تعالى – فيما يلي تعريف الخلع، لتتضح صورته، وحكمه، وما يجوز الخلع عليه. أولا: تعريف الخلع لغة واصطلاحا: الخلع لغة: من خلع يخلع من باب قطع، وخلعت النعل وغيره خلعا، نزعته، وخالعت المرأة زوجها مخالعة: إذا افتدت منه وطلقها على الفدية فخلعها

_ 1 كتاب القواعد (1/325) . 2 المغني (10/269) . 3 أعلام الموقعين (4/110) .

هو خلعا، والاسم الخلع، بالضم، وهو استعارة من خلع اللباس لأن كل واحد منهما لباس للآخر، فإذا فعلا ذلك فكأن كل واحد نزع لباسه عنه.1 الخلع اصطلاحا: عرف الفقهاء الخلع بتعريفات مختلفة في الألفاظ متقاربة في المعنى، وكلها ترجع إلى طلب الزوجة إزالة النكاح بعوض تبذله لزوجها. ففي البحر الرائق:" إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبولها بلفظ الخلع أو ما في معناه"2. وفي كشاف القناع:" وهو: فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها بألفاظ مخصوصة" 3. ثانيا: مشروعية الخلع: الخلع ثابت بالكتاب والسنة والإجماع: فأما الكتاب: فقول الله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ

_ 1 مختار الصحاح (ص 185) ، والمصباح المنير (ص 178) . (4/77) . (5/212) .

{وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1) قال ابن العربي وهو يذكر سبب الخلع في معرض تفسي قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} :" وفي ذلك تاويلات كلها أباطيل، وإنما المراد به أن يظن كل واحد منهما بنسه ألا يقيم حق النكاح لصاحبه مسبما يجب عليه فيه لكراهية يعتقدها، فلا حرج على المرأة أن تفتدي ولا على الزوج أن يأخذ. (2) ومن السنة: ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاءت امرأة ثايت بن قيس بن شماس إلة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا في خلق إلا أني أخاف الكفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:فتردين عليه حديقته فقالت نعم فردت عليه وأمره ففارقها" (3) وما راه أيضا عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال:"جاءت امرأة ثابت إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله إني لا أعتب على

_ (1) الآية229 من سورة البقرة. (2) أحكام القرآن 1/194. (3) صحيح البخاري مع فتح الباري9/395.

ثَابِتٍ فِي دِينٍ ولا خُلُقٍ وَلَكِنِّي لا أُطِيقُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ" قَالَتْ: نَعَمْ"1. وأما الإجماع: فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وأجمع العلماء على مشروعيته إلا بكر بن عبد الله المزني"2 وقال ابن قدامة رحمه الله: "وبهذا قال جميع الفقهاء بالحجاز والشام، قال ابن عبد البر: ولا نعلم أحدا خالفه، إلا بكر بن عبد الله المزني3، فإنه لم يجزه…"4. ثالثا: ما تخالع عليه الزوجة: إذا كان الخلع بنشوز من الزوج، وحصول الإضرار من قبله، فقد كره جمهور العلماء للرجل أن يأخذ شيئا على الخلع في هذه الحالة،5

_ 1 صحيح البخاري مع فتح الباري (9/395) . 2 فتح الباري (9/395) . 3 قال الذهبي: "بكر بن عبد الله بن عمرو الإمام القدوة الواعظ الحجة أبو عبد الله المزني البصري، أحد الأعلام يذكر مع الحسن وابن سيرين، ونقل عن محمد بن سعد الكاتب: كان بكر ثقة ثبتا كثير الحديث حجة فقيها"، مات سنة ثمان ومئة. سير أعلام النبلاء (4/532) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (7/209) . 4 المغني (10/268) . 5 الاختيار (3/156) ، وكفاية الطالب الرباني، مع حاشية العدوي (2/102) ، وحاشية القليوبي وعميرة (3/309) .

فإن أخذ شيئا كان آثما عاصيا، بل نص ابن قدامة رحمه الله على بطلان الخلع إذا كان بعضل من الزوج، فقال:" فأما إن عضل زوجته، وضارها بالضرب والتضييق عليها، أو منَعَها حقوقها، من النفقة والقسم ونحو ذلك لتفتدي نفسها منه، ففعلت فالخلع باطل، والعوض مردود".1 ولا يخفى ما في ذلك من ضمان لحقها، لأن القصد هو رفع الضرر الواقع عليها، بسبب كراهيتها لزوجها، فإن كان ذلك من قِبله، فلا ينبغي له أن يأخذ شيئا، ويجب رفع الضرر عنها من غير عوض، وأما إن كان ذلك من قِبلها، فلا يضار الزوج بما لم يرتكبه، إذ القاعدة "لا يزال الضرر بالضرر"، فله حينئذ أن يأخذ عوضا على الخلع. هذا ولا خلاف بين العلماء في أن الخلع إذا كان بسبب من قِبل الزوجة، أن للزوج أن يأخذ على الخلع ما كان قد أعطى زوجته، أو أقل من ذلك، لكنهم اختلفوا بعد ذلك في مطالبة الزوج أكثر مما أعطاها لتخالعه إلى قولين: القول الأول: يجوز الخلع على ما تراضا عليه الزوجان، ولو كان أكثر مما أعطاها، ولكن يكره أخذه الزيادة

_ 1 المغني (10/272) .

وهو قول الجمهور (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) .1 وقد استدلوا لذلك بقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} 2. قال القرطبي رحمه الله عند ذكره لأحكام الآية:" دل على جواز الخلع بأكثر مما أعطاها"3. القول الثاني: أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ أكثر مما أعطاها، فإن أخذ رد الزيادة. وهي رواية عن الإمام أحمد4، وقول طاووس5،

_ 1 الاختيار (3/156) ، وكفاية الطالب الرباني، مع حاشية العدوي (2/102) ، وحاشية القليوبي وعميرة (3/309) ، والمغني (10/270) . 2 الآية 229 من سورة البقرة. 3 الجامع لأحكام القرآن (3/140) . 4 الإنصاف (8/398) . 5 طاووس: هو ابن كيسان، الفقيه القدوة، عالم اليمن، أبو عبد الرحمن الفارسي ثم اليمني، الحافظ، كان من أبناء الفرس الذين جهزهم كسرى لأخذ اليمن، مات في مكة قبل يوم التروية بيوم سنة ست مئة، وعمره بضع وتسعون سنة. سير أعلام النبلاء (5/38) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (5/537) .

وعطاء1، والأوزاعي2. وقد استدل الفريق الثاني بما رواه ابن ماجه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُولَ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلا خُلُقٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلامِ لا أُطِيقُهُ بُغْضًا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ وَلا يَزْدَادَ" 3. ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن أخذ الزيادة. الراجح: بما أن لفظ القرآن الكريم قد نص على أن لا جناح عليهما فيما افتدت به، فإن الذي يتأكد ترجيحه، هو جواز المخالعة على ما اتفق عليه الزوجان، ويحمل نهيه صلى الله عليه وسلم عن الزيادة على الكراهة جمعا بين الآية الحديث، كما ذكر ذلك ابن قدامة رحمه الله4، وقد قال الإمام مالك رحمه الله عن أخذ الزيادة: أنه ليس من مكارم الأخلاق.5

_ 1 عطاء: هو عطاء بن يسار مولى ميمونة بنت الحارث زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي سنة أربع وتسعين. سير أعلام النبلاء (4/448) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (5/173) . 2 الجامع لأحكام القرآن (3/141) . 3 سنن ابن ماجه (1/663) . وصححه الألباني في الإرواء (7/103) . 4 المغني (10/270) . 5 الجامع لأحكام القرآن (3/141) .

المبحث العاشر: (الضمان السادس عشر) : أن الشريعة أمرت ببعث الحكمين للإصلاح بين الزوجين

المبحث العاشر: (الضمان السادس عشر) : أن الشريعة أمرت ببعث الحكمين للإصلاح بين الزوجين إن الأصل في العلاقات الزوجية أن يتم حل الخلافات الناشئة بين الزوجين فيما بينهما، وأن يحصر نزاعهما داخل بيت الزوجية، لأن إظهار المشاكل العائلية خارج نطاق الزوجين من شأنه تفاقم الأزمة بينهما، ولذا نجد أن القرآن الكريم خاطب الزوج أولا، لإصلاح ما بينه وبين زوجته، فقال تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} 1. كما خاطب الزوجة بذلك قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} 2. إلا أن المشكلة بين الزوجين قد تتعاظم، حتى يخشى منها حصول الشقاق بينهما، ولم يمكن إصلاحها فيما بينهما، فحينئذ يأمر الله سبحانه

_ 1 من الآية 34 من سورة النساء. 2 من الآية 128من سورة النساء.

وتعالى ببعث حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة للإصلاح بينهما. ولا يخفى ما في هذا الحكم من ضمان لحقوق المرأة المتعلقة بحياتها الزوجية، بل وفيه ضمان لحق الزوجين بمحاولة الإبقاء على بيت الزوجية؛ لأن الإبقاء على العلاقة مقصد هام من مقاصد الشريعة. وتوضيح ذلك أن الزوجين في حالة الشقاق يدعي كل منهما الحق لنفسه، وقد يؤدي ذلك إلى هضم صاحب الحق حقه، وتُظلم المرأةُ حينئذ أو تَظلم، وفي كلتا الحالتين ليس الخير في جانبها، فبعث الحكمين ضمان لها من الوقوع في الظلم أو التظلم. وقد خاطب الله الأمراء والحكام1 ببعث الحكمين لإصلاح الشقاق بين الزوجين في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} 2. وقد اشترط العلماء في الحكمين: - أن يكون أحدهما من أهل الزوج، والآخر من أهلها. - وأن يكونا عدلين مسلمين. - وممن عرفوا بالاستقامة والصلاح والإصابة في الرأي.

_ 1 تفسير فتح القدير للشوكاني (1/463) . 2 من الآية (34) من سورة النساء.

- وأن يتفقا على حكم واحد ليكون نافذا، وأما إذا اختلفا فلا اعتبار لحكمهما. وعلى الحكمين أن يبذلا وسعهما لمعرفة سبب الشقاق، وإزالته، وإصلاح ما بين الزوجين، 1 فإن رَأَيا أن النشوز من قبل الزوجة ذكراها الله ونصحاها لترجع إلى رشدها، وإن رَأَيا أن النشوز من قبل الزوج فَعَلا معه مثل ذلك، فإن وفقهما الله للإصلاح فهو المبتغى، وأما إن لم يقدرا على الصلح بينهما، فهل لهما أن يفرقا بين الزوجين إن رأيا المصلحة في ذلك؟ 1 اختلف الفقهاء في ذلك إلى قولين: القول الأول: إن رأيا التفريق بين الزوجين، كان حكمهما نافذا، دون حاجة إلى إذن الزوجين بالتفريق، أو إذن من الحاكم. وهو قول الجمهور (المالكية والشافعية والراجح عند الحنابلة) القول الثاني: أنه ليس للحكمين أن يفرقا بينهما، وإنما لهما أن يصلحا بينهما.

_ 1 انظر: المغني (10/264) . 2 انظر: شرح الخرشي (4/8) ، وحاشية قليوبي وعميرة (3/306) ، والمغني (10/264) .

وهو قول الحنفية ورواية عند الحنابلة1 ومناط الخلاف بين القولين هو خلافهما في اعتبار الحكمين، هل الحكمان بمثابة وكيلين عن الزوجين، فلا يكون لهما التفريق إلا بتوكيل بذلك، أم أنهما قائمان مقام الحاكم، فلهما حينئذ سلطة التفريق؟ الراجح: يبدو رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن لهما السلطة في اتخاذ ما يرونه مناسبا لحالهما من جمع أو تفريق، بشرط أن يتفقا على رأي واحد، وكانا أهلا للحكم. وذلك لأن لفظ القرآن يدل على ذلك، حيث سماهما الله سبحانه وتعالى بالحكم لا الوكيل، والوكيل لا يسمى حكما، وجعل تعيينهما إلى الأمراء والحكام لا الزوجين2 ويؤيد ذلك ما رواه الدارقطني عن عبيدة قال:" جاء رجل وامرأته إلى علي رضي الله عنه، مع كل واحد منهما فئام من الناس، فلما بعث الحكمين قال: رويدكما حتى أعلمكما ماذا عليكما، هل تدريان ما عليكما إنكما

_ 1 انظر: أحكام القرآن للجصاص (2/191) والمغني (10/264) .لم أذكر أدلة القولين المذكورين في حكم التفريق من قبل المحكمين لأن أصحاب القولين لم يستدلوا لهما وقد حللت ما رجحته بالدليل. 2 انظر لترجيح المسألة ما ذكره ابن القيم رحمه الله من كلام قيم: زاد المعاد (5/189) وما بعدها.

إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، ثم أقبل على المرأة وقال: أرضيت بما حكما؟ قالت: نعم قد رضيت بكتاب الله علي ولي، ثم أقبل على الرجل فقال: قد رضيت بما حكما قال: لا، ولكني أرضى أن يجمعا، ولا أرضى أن يفرقا، فقال له: كذبت، والله لا تبرح حتى ترضى بمثل الذي رضيت به".

المبحث الحادي عشر: (الضمان السابع عشر) : أن الشريعة فرضت لها الميراث ولو طلقت طلاقا بائنا، إذا اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث.

المبحث الحادي عشر: (الضمان السابع عشر) : أن الشريعة فرضت لها الميراث ولو طلقت طلاقا بائنا، إذا اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث. هذا أحد الأحكام التي ضمنت بها الشريعة الإسلامية حقوق المرأة الزوجية، ورفعت عنها الظلم الواقع عليها من قبل زوجها، وهو ضمان يتعلق بحق معين، وهو حقها في ميراث زوجها، فالأصل أن المرأة ترث زوجها إذا مات عنها، لكن الرجل قد تسوِّل له نفسه، فيقصد حرمان زوجته من ميراثه، فيطلقها طلاقا بائنا1 وهو في مرض موته، ليظلمها، ويمنعها من حقها في ميراثه، فحينذاك تضمن الشريعة للزوجة حقها بإيجاب الميراث لها ولو طلقها زوجها طلاقاً بائنا ما دام أنه متهم بقصد حرمانها من التركة بالطلاق، صيانة لحقها في الميراث، ومعاملة لنقيض قصد الزوج السيئ بالاعتداء على حق الزوجة.

_ 1 من المعلوم أن المرأة لا تستحق شيئاً من ميراث مطلقها لو طلقها طلاقا بائنا، لانقطاع صلة الزوجية بينهما، كما لا يرثها زوجها لو ماتت وهي في عدة من طلاق بائن.

مسألة: متى ترث المطلقة طلاقا بائنا من ميراث مطلقها. للعلماء تفصيل في المطلقة طلاقا بائنا وقد اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث، هل ترثه أبدا، أو أنها لا ترثه إلا إذا مات وهي في عدتها، أو أنها ترثه كذلك، لو مات وقد خرجت من عدتها ما لم تتزوج؟. فقد اختلف العلماء في ذلك إلى أربعة أقوال: فيرى الإمام مالك رحمه الله: أنها ترث منه أبدا، بقيت في عدتها، أو خرجت منها، ولو تزوجت بغيره، معاملة له بنقيض قصده على الإطلاق. ويرى الإمام أحمد رحمه الله: أنها ترثه ما لم تتزوج، ولو خرجت من عدتها، وذلك حتى لا يجمع لها ميراث من رجلين في وقت واحد. ويرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله: أنها ترثه ما دامت في العدة، وذلك اعتبارا لوجود بعض أحكام النكاح، وهو العدة، فإذا انقضت أحكام النكاح جميعها، فلا ميراث. وأما الإمام الشافعي رحمه الله: فإنه يرى عدم توريثها على الإطلاق، حكما بظاهر الحال، وهو البينونة، التي ينقطع بها النكاح، وأما الاتهام فموكول أمره إلى الله.1 ومستند من ورَّث البائن إذا اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث، ما رواه البيهقي بسنده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: إن

_ 1 انظر: العذب الفائض (1/21) ، والمغني (9/194) وما بعدها.

عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه طلق امرأته البتة وهو مريض، فورثها عثمان رضي الله عنه منه بعد انقضاء عدتها. وفي رواية له عن عبد الله بن الزبير طلق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تماضر بنت أصبغ الكلبية فبتها، ثم مات وهي في عدتها فورثها عثمان رضي الله عنه، قال ابن الزبير أما أنا فلا أرى أن ترث المبتوتة1. وقال ابن قدامة رحمه الله: " واشتهر ذلك في الصحابة فلم يُنكَر فكان إجماعا، … وما روي عن ابن الزبير إن صح، فهو مسبوق بالإجماع"2. الراجح: بالنظر في أقوال العلماء في هذه المسألة وما استندوا إليه في الحكم، نجد أنه لا يوجد نص من الكتاب أو السنة على حكم المسألة، وإنما الذي عُوِّل عليه في الحكم هو قضاء عثمان رضي الله عنه، وقضاء عثمان رضي الله عنه روي بروايات متعددة، ومنها ما ذكرت أنه ورث تماضر وهي في عدتها، وفي رواية أخرى، أنه ورثها وقد انتهت عدتها، وبالنظر في هذه الروايات المختلفة - التي لا يمكن الجمع بينها لتحديد الوقت الذي ورث فيه عثمان رضي الله عنه تماضر- نجد أن الرواية الأقرب إلى الصحة هي الرواية التي

_ 1 السنن الكبرى (7/362) . 2 المغني (9/195) .

تذكر أن عثمان رضي الله عنه ورثها وقد خرجت من عدتها كما ذكر ذلك الألباني1. وبناء عليه فإن الراجح من الأقوال في هذه المسألة، أن المطلقة إذا طلقها زوجها ألبتة بقصد حرمانها من الميراث، ترث زوجها إذا مات عنها، وتستحق ميراثه، سواء مات وهي في عدتها، أو مات وقد خرجت من عدتها، عملا بقضاء عثمان رضي الله عنه. أما القول بأنها ترثه، ولو تزوجت بآخر، ففيه نظر، لعدم وجود دليل أو قول لصحابي على ذلك، ومما رد به ابن قدامة رحمه الله هذا القول، قوله: " ولأن التوريث من حكم النكاح، فلا يجوز اجتماعه مع نكاح آخر كالعدة، ولأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول لها، فأشبه ما لو كان فسخ النكاح من قِبَلها.2 جدول ببيان مذاهب العلماء في ميراث المطلقة طلاقا بائنا إذا اتهم زوجها بقصد حرمانها من الميراث: المذهب / حالة المعتدة ... لازالت في العدة ... خرجت من العدة ... تزوجت بآخر المالكية ... ترث ... ترث ... ترث الحنابلة ... ترث ... ترث ... لا ترث الحنفية ... ترث ... لا ترث ... لا ترث الشافعية ... لا ترث ... لا ترث ... لا ترث

_ 1 انظر للروايات المتعددة، وتصحيح الألباني: إرواء الغليل (6/159-160) . 2 المغني (9/196) .

وبهذا نأتي - بحمد الله - إلى ختام ذكر الضمانات التي قدمتها الشريعة للمرأة حفاظا وصيانة لحقوقها الزوجية. وسأذكر في الخاتمة ملخصا لتلك الضمانات ليسهل استيعابها اختصارا. وبالله التوفيق والسداد.

الخاتمة 1- إن الشريعة الإسلامية ضمنت للمرأة كامل حقوقها، ومنها حقوقها الزوجية، وذلك بالأمر بصيانتها، وإيصالها إليها، ومنع الاعتداء عليها. 2- إن من ضمانات حقوق المرأة الزوجية، ما تبت وجوبه لها بنصوص وأوامر شرعية، وقد وعد الله بالثواب لمن أداها، وتوعد بالعقاب من هضمها، أو اعتدى عليها. 3- مما ضمنت به الشريعة الإسلامية للمرأة حقوقها، أنها منعت التنازل عن الحقوق التي يكون في التنازل عنها ضرر مادي أو معنوي عليها، أو مخالفة شرعية في التنازل عنها. 4- من الضمانات لحقوق المرأة أن تنازلها عن الحقوق لابد وأن يكون برضاها، وقد أبطلت الشريعة كل تصرف لها بالتنازل عن حقوقها إذا اشتمل على إكراه، أو غرر. 5- لا اعتبار لتنازل المرأة عن حقوقها إذا كان ذلك قبل وجود سببه، ولا اعتبار له كذلك قبل وجوبه، لأن تنازلها حينئذ لا يكون عن بصيرة بعواقب الأمور، فإن تنازلت عنه قبلُ، جاز لها أن ترجع عن تنازلها، وتطالب بحقها إن شاءت، وفي ذلك ضمان لحقوقها. 6- إن الشريعة الإسلامية ضمانا لحقوق المرأة وصيانة لكرامتها، حرَّمت من الأنكحة التي اشتملت على ضرر مادي أو معنوي عليها، والتي كانت معروفة في الجاهلية.

7- إن نكاح المتعة، والنكاح المؤقت حرام وباطل باتفاق المسلمين من أهل السنة، لما يشتمل عليه هذا النوع من النكاح من هضم لحقوق المرأة وابتذال لها، ومنافاة لمقاصد الشريعة من النكاح، من ديمومته، ووجود الذرية، واستحقاق المرأة للميراث، ونحو ذلك من الأمور التي جعل الله النكاح من أجلها. 8- إن نكاح الشغار محرم في الشريعة الإسلامية لما يشتمل عليه من ظلم حق المرأة في المهر، وما قد ينشأ عنه من خلاف قد يؤدي إلى إنهاء العلاقة الزوجية. 9- إن المحلل والمحلل له ملعونان، ولا تحل المرأة لزوجها الأول بالتحليل، وإن نكاح التحليل يشتمل على أبشع صورة من صور امتهان كرامة المرأة، وجعلها مبتذلة.، فكان حراما. 10- حرمت الشريعة الإسلامية – ضمانا لحقوق المرأة - تصرفات الزوج الضارة بالمرأة، والتي كانت سائدة في الجاهلية، بقصد الإضرار بالزوجة، وإظهارا لبغض الزوج لها، كالظهار والإيلاء. 11- إن المظاهر مخالف لأوامر الشرع، مرتكب للكبيرة، وعليه أن يعود عن ظهاره، ويكفر. 12- من حلف أن لا يطأ زوجته أربعة أشهر فأقل، فلا شيء عليه، إن لم يطأ، إلا أنه لو أراد أن يحنث في حلفه، ويطأ، فعليه كفارة يمين، وأما إن آلى أن لا يطأ زوجته أكثر من أربعة أشهر، فإن عليه أن يفيء، ويكفر، فإن أبى طلق عليه الحاكم.

13- من ضمانات حقوق المرأة الخاصة، أن الشريعة الإسلامية منعت ولي المرأة أن يعضلها، فيمنعها من الزواج مطلقا، أو مِمَّن تريده، لو كانت من أهل الاختيار، إن أرادت أن تتزوج من كفء؛ لأن عضلها ظلم لها وهضم لحق أساسي من حقوقها. 14- أن الولي لو عضلها، أو غاب عنها، فإن الشريعة ضمنت حقها في الزواج بإسقاط ولايته بسبب العضل أو الغيبة، وتنتقل ولايتها إلى الولي الأبعد. 15- إن الشريعة ضمنت للمرأة حقوقا زائدة على ما أوجبتها الشريعة لها، وذلك بإعطائها الحق في أن تشترط من الحقوق المادية والمعنوية التي ترى فيها مصلحتها، ولا تكون منافية للشرع، ولا مناقضة لمقتضى العقد، فتجب لها تلك الحقوق بالاشتراط، ويجب على الزوج الوفاء بها. 16- لا يجوز إكراه المرأة على الزواج بمن لا ترغب فيه، وضمانا لهذا الحق جعلت الشريعة الإسلامية للمرأة أن تطلب فسخ ذلك النكاح. 17- ضمنت الشريعة الإسلامية حق المرأة في المهر، فمنعت لذلك نفي المهر في عقد النكاح، وفرضت مهر المثل عند التفويض، كما جعلت لها الحق في منع تسليم نفسها حتى تقبض مهرها المعجل، وضمنت الزوج المهر لو هلك في يده ما لم يسلمه للمرأة، أو يخلي بينه وبينها.

18- من مقاصد الشريعة الإسلامية استمرار الحياة الزوجية، وفي ذلك مصلحة الزوجين، وقد ضمنت الشريعة هذه المصلحة بجعل أمر الطلاق بيد الرجل، لكونه أحكم في التمسك بعصمة النكاح. 19- قد تخشى المرأة عدم تمكنها من الحصول على مقاصدها المشروعة كاملة من الزواج، أو تخشى ظلم زوجها لها، أو تقصيره في أدائه حقوقها، فلها أن تشترط أن يكون أمر الطلاق بيدها، فإن رأت أن مصلحتها في الفراق، كان فراقها بيدها، فأوقعت الفرقة، وفي ذلك ضمان لها من احتمال وقوع الظلم عليها. 20- إن من حقوق المرأة أن لا يصيبها ضرر من قبل الزوج بعقد النكاح، وقد ضمنت الشريعة الإسلامية هذا الحق بتخييرها طلب التفريق، لو أصابها ضرر مادي أو معنوي من قبل الزوج. 21- ضمانا لحق المرأة في نفي الضرر، جعلت الشريعة لها طلب التفريق لإصابة زوجها بأمراض معدية كالجذام، أو مخلة بأداء واجب الزوجية كالعنة، أو منفرة كالبرص ونحوه. 22- إذا تضررت المرأة بفراق زوجها لفقده، أو غيبته غيبة منقطعة، أو حبسه، أو وقوعه في الأسر، فإن الشريعة الإسلامية أباحت لها طلب التفريق، إذا تحققت الشروط المعتبرة في مثل تلك الحالات ضمانا لرفع الضرر المادي والنفسي عنها.

23- إذا أعسر الزوج بنفقة زوجته، أو امتنع عن الإنفاق عليها، مع كونه موسرا، فإن الشريعة ضمنت للمرأة حقها في النفقة بإجباره على النفقة، أو جعل الخيار لها بطلب فسخ النكاح، إذا تحققت القيود المعتبرة في ذلك. 24- قد يمنع المرأة مانع نفسي من الاستمرار في الحياة الزوجية، دون أن يكون ثمة مبرر مادي يوجب ذلك من قِبل الزوج، ففي هذه الحالة أجازت الشريعة لها طلب الخلع مراعاة لحالتها النفسية، وذلك مقابل ردها ما أخذته من زوجها، وفي ذلك ضمان لها بعدم الاستمرار في الاضطهاد النفسي. 25- إن من أهم مصالح المرأة الزوجية، أن تستمر الحياة الزوجية، ولا تنقطع، وضمانا لهذه المصلحة، أمرت الشريعة ببعث حكم من أهله وحكم من أهلها، في حالة نشوب خلاف بينها وبين زوجها للإصلاح بينهما. 26- إن للحكمين أن يقررا ما يريانه من جمع أو تفريق بين الزوجين؛ لأن مصلحة الزوجين قد تكون في جمعهما، وقد تكون في التفريق بينهما، وحُكمُ الحكمين يكون نافذا إذا اتفقا على رأي واحد، واتصفا بالشروط المعتبرة فيهما.

27- ضمنت الشريعة الإسلامية حق المرأة في ميراث زوجها، إذا أراد أن يحرمها حقها في الميراث ظلما، فطلقها البتة في مرض موته، وذلك بإعطائها ميراث مطلقها، لو مات وهي في عدتها، أو مات وقد خرجت من عدتها، ما لم تتزوج. والحمد الله أولا وآخرا وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... المصادر والمراجع 1- القرآن الكريم. (أ) 2- الإجماع، ابن المنذر، دار الكتب العلمية - بيروت. (إجماع) 3- الإحكام في أصول الأحكام، علي بن أبي علي محمد الآمدي، دار الكتب العلمية - بيروت، 1400هـ. (أصول فقه) 4- أحكام القرآن، أحمد بن علي الرازي الجصاص، مطبعة الأوقاف الإسلامية - استنبول، ط1 - 1335هـ. (علوم قرآن) 5- أحكام القرآن، محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي، دار الفكر. 6- الاختيار لتعليل المختار، عبد الله بن محمود الموصلي، دار المعرفة للطباعة - بيروت، ط3 - 1395هـ. (فقه حنفي) 7- الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، علي بن محمد البعلي، دار المعرفة للطباعة - بيروت. (فقه حنبلي) 8- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي - بيروت، ط2 - 1405هـ. (السنة وعلومها)

9- الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة، زين العابدين بن إبراهيم (ابن نجيم) ، دار الكتب العلمية - بيروت، 1400هـ. (أصول فقه) 10- الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية، جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية - بيروت. (أصول فقه) 11- الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين - بيروت، ط6- 1984م. (تراجم) 12- أعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية، دار الفكر - بيروت، ط2 - 1397هـ. (أصول فقه) 13- الالتزام (مع فتح العلي المالك) ، محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب، مطبعة التقدم - مصر. (فقه مالكي) 14- الأم، محمد بن إدريس الشافعي، دار المعرفة - بيروت، ط2 - 1395هـ. (فقه شافعي)

15- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد، علي بن سليمان المرداوي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط2 - 1400هـ. (فقه حنبلي) 16- أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، قاسم القونوي، دار الوفاء للنشر - جده، ط1 - 1406هـ. (تعريفات) (ب) 17- البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين العابدين بن نجيم، دار الباز للنشر والتوزيع، ط2. (فقه حنفي) 18- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، أبوبكر بن مسعود الكاساني، دار الكتاب العربي - بيروت، ط2 - 1394هـ. (فقه حنفي) 19- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (محقق) ، دار ابن حزم، ط1 - 1416هـ. (فقه مقارن) 20- بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك على الشرح الصغير للدردير، أحمد بن محمد الصاوي، دار المعرفة للطباعة - بيروت، 1398هـ. (فقه مالكي)

21- بلوغ المرام من أدلة الأحكام، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية - بيروت. (ت) 22- تحرير الكلام في مسائل الالتزام (مع فتح العلي المالك) ، محمد بن محمد الحطاب، مطبعة التقدم - مصر. (فقه مالكي) 23- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، دار الفكر - بيروت، ط3 - 1399هـ. (السنة وعلومها) 24- تخريج الفروع على الأصول، محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي، دار العلم للملايين، 1979م. (فقه مالكي) 25- تذكرة الحفاظ، محمد بن أحمد الذهبي، مطبعة دائرة المعارف العثمانية - حيدرآباد دكن، ط3 - 1375هـ. (تراجم) 26- التعريفات، علي بن محمد الجرجاني، دار الكتب العلمية - بيروت، ط1 - 1403هـ. (تعريفات) 27- تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن كثير الدمشقي، دار المعرفة - بيروت، - 1403هـ. (علوم القرآن)

28- تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المدينة المنورة - 1384هـ. (السنة وعلومها) (ج، ح) 29- الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي، دار الكتب المصرية، ط3 - 1387هـ. (علوم القرآن) 30- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، محمد بن عرفة الدسوقي، دار الفكر للطباعة - مصر. (فقه مالكي) 31- حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني، علي الصعيدي العدوي، دار المعرفة - بيروت. (فقه مالكي) 32- حاشية قليوبي وعميرة على منهاج الطالبين، لشهاب الدين القَلْيُوبي، والشيخ عميرة، دار إحياء الكتب العربية - مصر. (فقه شافعي) 33- حجة الله البالغة، أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي المعروف بشاه ولي الله، دار المعرفة للطباعة. (أصول الدين) 34- حقوق المرأة الزوجية والتنازل عنها، د/ محمد يعقوب الدهلوي، دار البخاري للنشر والتوزيع - المدينة النبوية / بريدة، ط1 - 1418هـ. (مرجع حديث)

35- حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء، محمد بن أحمد الشاشي القفال، مكتبة الرسالة الحديثة، ط1 - 1988م.. (فقه شافعي) (د) 36- الدراية في تخريج أحاديث البداية، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار المعرفة - بيروت. (السنة وعلومها) 37- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، حيدر آباد، 1945م. (تراجم) 38- الديباج المذهب في معرفة علماء المذهب، إبراهيم بن علي بن محمد بن فروحون اليعمري، دار الكتب العلمية - بيروت. (تراجم) (ر، ز) 39- رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين) ، محمد أمين الشهير بابن عابدين، مطبعة الحلبي – مصر، ط2 – 1386هـ. (فقه حنفي) 40- روضة الطالبين وعمدة المفتين، يحيى بن شرف النووي، المكتب الإسلامي - بيروت، ط2 - 1405هـ. (فقه شافعي)

41- روضة الناظر، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، مكتبة الكليات الأزهرية. (أصول فقه) . 42- زاد المعاد في هدي خير العباد، محمد بن أبي بكر الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية، مؤسسة الرسالة، ط7 – 1405هـ. (مراجع عامة) (س) 43- سبل السلام شرح بلوغ المرام، محمد بن إسماعيل الصنعاني، دار الكتاب العربي، ط3 - 1407هـ. (فقه سنة) 44- سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي - بيروت، ط4 - 1405هـ. (السنة وعلومها) 45- سنن الترمذي، عيسى بن سورة الترمذي، دار الفكر - بيروت، ط3 - 1399هـ. (مع تحفة الأحوذي) . (السنة وعلومها) 46- سنن الدارقطني، علي بن عمر الدارقطني، دار المحاسن للطباعة - القاهرة، 1386هـ. (السنة وعلومها)

47- سنن الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام، دار الكتب العلمية - بيروت / دار إحياء السنة النبوية. (السنة وعلومها) 48- سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، دار الحديث - حمص، ط1 - 1388هـ. (مع معالم السنن) . (السنة وعلومها) 49- السنن الكبرى، أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، دار المعرفة - بيروت. (السنة وعلومها) . 50- سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، دار إحياء التراث العربي - 1395هـ. (السنة وعلومها) . 51- سنن النسائي، أحمد بن شعيب النسائي، دار الريان للتراث – مصر. (السنة وعلومها) 52- سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد الذهبي، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط2 – 1402هـ. (تراجم) (ش) 53- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبد الحي بن العماد الحنبلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. (تراجم)

54- شرح الخرشي على مختصر سيدي خليل، محمد بن عبد الله الخرشي المالكي، دار الفكر. (فقه مالكي) 55- الشرح الصغير (مع بلغة السالك) ، أحمد بن محمد الدردير، دار المعرفة – بيروت، 1398هـ. (فقه مالكي) 56- شرح غريب ألفاظ المدونة، تعريف: الجبي، دار الغرب الإسلامي – بيروت. (تعريفات) 57- شرح فتح القدير، محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي، دار إحياء التراث العربي – بيروت. (فقه حنفي) . 58- شرح القواعد الفقهية، أحمد الزرقا، دار الغرب الإسلامي، ط1 – 1403هـ. (أصول فقه) 59- الشرح الكبير (مع حاشية الدسوقي) ، أحمد الدردير، دار الفكر للطباعة والنشر. (فقه مالكي) 60- شرح منتهى الإرادات (دقائق أولي النهى) ، منصور بن علي البهوتي، دار الفكر. (فقه حنبلي)

(ص) 61- صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، دار الفكر. (مع فتح الباري) . (السنة وعلومها) 62- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري، ترتيب وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة دار إحياء الكتب العربية. (السنة وعلومها) 63- صحيح مسلم بشرح النووي، يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي – بيروت. (السنة وعلومها) (ط) 64- طبقات الحنابلة، محمد بن أبي يعلى، دار المعرفة – بيروت. (تراجم) 65- طبقات الشافعية الكبرى، عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، مطبعة عيسى البابي وشركاه. (تراجم) 66- الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، دار صادر - بيروت. (تراجم) 67- طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، نجم الدين بن حفص النسفي، دار القلم – بيروت، ط1 – 1406هـ. (تعريفات)

(ع) 68- العذب الفائض شرح عمدة الفارض، إبراهيم بن عبد الله الفرضي، دار الفكر – بيروت، ط2 – 1394هـ. (فرائض) 69- العناية على الهداية (مع شرح فتح القدير) ، محمد بن محمود البابرتي، دار إحياء التراث العربي. (فقه حنفي) (ف) 70- الفتاوى الهندية في مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط3 - 1400هـ. (فقه حنفي) 71- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. (السنة وعلومها) 72- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي الشوكاني، الناشر: محفوظ العلمي – بيروت. (علوم القرآن) 73- الفروع، محمد بن مفلح، مكتبة ابن تيمية – القاهرة. (فقه حنبلي)

74- الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي، دار الفكر، ط2 – 1405هـ. (مرجع حديث) 75- الفواكه الدواني، أحمد بن غنيم النفراوي المالكي، دار المعرفة للطباعة. (فقه مالكي) . (ق) 76- القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، سعدي أبوجيب، دار الفكر – دمشق، ط2 – 1408هـ. (تعريفات) 77- القواعد، عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، دار المعرفة – بيروت. (أصول فقه) 78- قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية، محمد بن أحمد بن جزي، دار العلم للملايين – بيروت، 1979م. (أصول فقه) (ك، ل) 79- كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن إدريس البهوتي، عالم الكتب – بيروت، 1403هـ. (فقه حنبلي) 80- كشف الأستار عن زوائد البزار، علي بن أبي بكر الهيثمي، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط2 – 1404هـ. (السنة وعلومها)

81- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة، دار إحياء التراث العربي – بيروت. (تراجم) 82- كفاية الطالب الرباني (مع حاشية العدوي) ، لأبي الحسن المالكي، دار المعرفة – بيروت. (فقه مالكي) 83- لسان العرب، محمد بن مكرم الأنصاري، المؤسسة المصرية العامة. (لغة) (م) 84- المبسوط، محمد بن أحمد السرخسي، دار المعرفة - بيروت. (فقه حنفي) 85- مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد شيخ زاده، دار الطباعة – 1319هـ. (فقه حنفي) 86- المجموع شرح المهذب، يحيى بن شرف النووي، المكتبة السلفية – المدينة المنورة. (فقه شافعي) 87- المحلى، علي بن أحمد بن حزم، دار الفكر. (فقه ظاهري) 88- مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي، دار الكتاب العربي – بيروت، ط1 – 1967م. (لغة)

89- المدخل الفقهي العام، مصطفى أحمد الزرقا، دمشق، ط8 - 1383هـ. (مرجع حديث) 90- مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، علي بن أحمد بن حزم، دار الكتب العلمية - بيروت. (إجماع) 91- مسند الإمام أحمد، أحمد بن حنبل الشيباني، دار صادر – بيروت، وطبعة مؤسسة الرسالة – بيروت، تحقيق: شعيب الأرناؤوط. (السنة وعلومها) 92- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، أحمد بن محمد الفيومي، المكتبة العلمية – بيروت. (لغة) 93- المصنف، عبد الرزاق بن همام الصنعاني، المكتب الإسلامي – بيروت، ط2 – 1403هـ. (السنة وعلومها) 94- المصنف، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، إدار القرآن والعلوم الإسلامية – كراتشي، 1406هـ. (السنة وعلومها) 95- المطلع على أبواب المقنع، محمد بن أبي الفتح البعلي، المكتب الإسلامي، 1401هـ. (تعريفات)

96- معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي، وحامد صادق قنيبي، دار النفائس – بيروت، ط2 – 1418هـ. (تعريفات) 97- المغني، عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، دار هجر للطباعة والنشر – القاهرة، ط1 – 1409هـ. (فقه حنبلي) 98- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الشربيني، دار إحياء التراث العربي – بيروت. (فقه شافعي) 99- المفردات في غريب القرآن، الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، دار المعرفة – بيروت. (علوم القرآن) 100- المفصل في أحكام المرأة، د/ عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، ط1 – 1413هـ. (مرجع حديث) 101- المنثور في القواعد، بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، شركة دار الكويت للصحافة، ط2 – 1402هـ. (أصول فقه) 102- الموافقات في أصول الشريعة، إبراهيم بن موسى الشاطبي، المكتبة التجارية الكبرى – مصر. (أصول فقه) 103- الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، ط2 – 1404هـ. (مرجع حديث)

104- الموطأ، مالك بن أنس الأصبحي، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط1 – 1412هـ. (السنة وعلومها) (ن) 105- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، محمد بن أحمد الرملي، دار إحياء التراث العربي – بيروت. (فقه شافعي) 106- النهاية في غريب الحديث والأثر، المبارك بن محمد الجزري، المكتبة الإسلامية. (السنة وعلومها) 107- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، محمد بن علي الشوكاني، دار الجيل – بيروت، 1973م. (فقه سنة) (هـ) 108- الهداية شرح بداية المبتدي (مع شرح فتح القدير) ، علي بن عبد الجليل الميرغناني، دار إحياء التراث العربي – بيروت. (فقه حنفي) 109- الهداية في تخريج أحاديث البداية، أحمد بن محمد بن صديق الغماري، عالم الكتب، ط1 - 1407هـ. (السنة وعلومها) .

§1/1