صلاة المريض

سعيد بن وهف القحطاني

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد. فهذه رسالة مختصرة في ((صلاة المريض)) بيّنت فيها: مفهوم المرض، ووجوب الصبر، وفضله، والآداب التي ينبغي للمريض أن يلتزمها، وأوضحت يسر الشريعة الإسلامية وسماحتها، وكيفية طهارة المريض بالتفصيل، وكيفية صلاته بإيجاز وتفصيل، وحكم الصلاة: في السفينة، والباخرة، والقطار، والطائرة، والسيارة، بإيجاز وبيان مفصَّل، كما أوضحت حكم صلاة النافلة في السفر

على جميع وسائل النقل، وقرنت كل مسألة بدليلها ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله ورفع درجاته في الفردوس الأعلى. والله أسأل أن يجعل هذا العمل مقبولاً، مباركًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. حرر بين المغرب والعشاء يوم السبت الموافق 15/ 12/1421هـ.

أولا: مفهوم المرض

أولاً: مفهوم المرض: المرض: السُّقم، نقيض الصحة، ويقال: المرض والسُّقم في البدن والدين جميعًا، كما يقال الصحة في البدن والدين جميعًا، والمرض في القلب يطلق على كل ما خرج به الإنسان عن الصحة في الدين، وأصل المرض: النقصان، يقال: بدن مريض: ناقص القوة، ويقال: قلب مريض: ناقص الدين، والمرض في القلب: فتورٌ عن الحق، وفي الأبدان، فتورُ الأعضاء (¬1)، والمرض: جمع أمراض؛ فساد المزاج وسوء الصحة بعد اعتدالها، ومرض الموت: العلة التي يقرر الأطباء أنها علة مميتة (¬2). وعلى هذا فالمريض: هو الذي اعتلت صحته، سواء كانت في جزء من بدنه أو في جميع بدنه (¬3). ثانيًا: صبر المريض واحتسابه. المريض يجب عليه ¬

(¬1) انظر: لسان العرب لابن منظور، باب الضاد، فصل الميم، 7/ 231 - 232، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، باب الضاد، فصل الميم، ص843، والمعجم الوسيط، 2/ 863، ومختار الصحاح، مادة ((مرض))، ص259. (¬2) انظر: معجم لغة الفقهاء، للأستاذ الدكتور محمد روّاس، ص391. (¬3) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 4/ 459.

أن يصبر ويحتسب على الله - عز وجل - الثواب الذي وعده سبحانه الصابرين، قال الله - عز وجل -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (¬1). وقال - عز وجل -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (¬2). وقال - سبحانه وتعالى -: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (¬3). وقال - عز وجل -: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَالله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (¬4). وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ الله وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬5). وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (¬6). وقال تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (¬7). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ} (¬8). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ... والصبر ضياء)) (¬9). وعن صهيب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضّراء صبر فكان خيرًا له)) (¬10). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله ¬

(¬1) سورة الزمر، الآية: 10. (¬2) سورة محمد، الآية: 31. (¬3) سورة الأنبياء، الآية: 35. (¬4) سورة الحديد، الآيتان: 22 - 23. (¬5) سورة التغابن، الآية: 11. (¬6) سورة البقرة، الآيات: 155 - 157. (¬7) سورة الشورى، الآية: 43. (¬8) سورة البقرة، الآية: 153. (¬9) مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم 223، من حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -. (¬10) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، برقم 2999.

- عز وجل - قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوَّضته منهما الجنة)) يريد عينيه (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطاعون فأخبرها ((أنه كان عذابًا يبعثه الله على من شاء فجعله رحمة للمؤمنين (¬2)، فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد)) (¬3). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) البخاري، كتاب المرض، باب فضل من ذهب بصره، برقم 5653. (¬2) الطاعون: قيل هو الموت العام، وقيل: المرض العام الذي يفسد له الهواء، وتفسد به الأمزجة والأبدان، وقيل: هو الوباء، وقيل: هو المرض الذي يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات، وقيل: أصل الطاعون: القروح الخارجة في الجسد، والوباء عموم الأمراض، فسميت طاعونًا لشبهها بها في الهلاك، وإلا فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونًا، انظر: فتح الباري لابن حجر، 10/ 180، وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات، 3/ 186: ((مرض معروف هو بثر وورم مؤلم جدًا يخرج مع لهب ويسودّ ما حواليه، أو يخضرّ أو يحمرّ حمرة بنفسجية كدرة يحصل معه خفقان القلب والقيء، ويخرج في المراق والآباط غالبًا والأيدي والأصابع وسائر الجسد)) ورجح ابن حجر في فتح الباري، 10/ 181 ((أن الطاعون يكون من طعن الجن وقرعه))، واستشهد لذلك بأدلة وصحح بعضها. (¬3) البخاري، كتاب الطب، باب أجر الصابر على الطاعون، برقم 5734.

(( ... إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) (¬1). وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما يصيب المسلم من نصب (¬2)، ولا وصب (¬3)، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمّ، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)) (¬4). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلم يُصيبه أذى من مرض فما سواه إلاّ حطَّ الله سيئاته كما تحطّ الشجرة ورقها)) (¬5). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الجائز، باب زيارة القبور، برقم 1283، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى، برقم 926. (¬2) النصب: التعب. (¬3) الوصب: المرض. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم 5641، 5642، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 2573. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب شدة المرض، برقم 5647، 5648، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 2571.

مسلم يشاك شوكة فما فوقها، إلا كُتب له بها درجة ومُحيت عنه بها خطيئة)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من يُرد الله به خيرًا يُصبْ (¬2) منه)) (¬3). وعن أنس - رضي الله عنه - يرفعه: ((إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السُّخط)) (¬4). وعن مصعب بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول ¬

(¬1) مسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 2572. (¬2) يصب منه: معناه يبتليه بالمصائب، ليثيبه عليها، وقيل: يوجه إليه البلاء فيصيبه. فتح الباري لابن حجر، 10/ 108، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5645: ((أي يصيبه بالمصائب بأنواعها، وحتى يتذكر فيتوب، ويرجع إلى ربه)). (¬3) البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم 5645. (¬4) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم 2396، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم 4031، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 564، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 320، وفي الصحيحة، برقم 146.

ثالثا: المسلم يسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة

الله، أي الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: ((الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صُلبًا، اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقةٌ ابتلي على حسب دينه، فما يبرحُ البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة)) (¬1). ثالثًا: المسلم يسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ولا يسأل البلاء؛ لحديث العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله علمني شيئًا أسأله الله؟ قال: ((سل الله العافية))، فمكثت أيامًا ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئًا أسأله الله، فقال لي: ((يا عباسُ يا عمَّ رسول الله: ((سل الله العافية في الدنيا والآخرة)) (¬2)؛ ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم 2398، وابن ماجه في كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم 4023، وقال الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 565، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 318، وفي الصحيحة، برقم 143، 2280: ((حسن صحيح)). (¬2) الترمذي، كتاب الدعوات، بابٌ: حدثنا يوسف بن عيسى، برقم 3514، وقال: هذا حديث صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 446، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1523.

رابعا: الاجتهاد في حال الصحة في الأعمال الصالحة

ولحديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال على المنبر: ((سلوا الله العفو والعافية؛ فإن أحدًا لم يُعْطَ بعد اليقين خيرًا من العافية)) (¬1)؛ ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك)) (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يتعوذ من سوء القضاء، ومن درك الشقاء، ومن شماتة الأعداء، ومن جهد البلاء)) (¬3). رابعًا: الاجتهاد في حال الصحة في الأعمال الصالحة؛ لتكتب له كاملة في حال عجزه عن العمل؛ لحديث أبي ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الدعوات، بابٌ: حدثنا محمد بن بشار، برقم 3558، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية، برقم 3849، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 464: ((حسن صحيح))،وفي صحيح ابن ماجه،3/ 259: ((صحيح)). (¬2) مسلم، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، برقم 2739. (¬3) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، بابٌ: في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء، وغيره، برقم 2707.

خامسا: يسر الشريعة الإسلامية وسهولتها؛ وكمالها

موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا)) (¬1) خامسًا: يُسْر الشريعة الإسلامية وسهولتها؛ وكمالها، قال الله - عز وجل -: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬2). وقال سبحانه: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬3). وقال تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬4). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) (¬5). ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجهاد والسير، بابٌ: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، برقم 2996. (¬2) سورة الحج، الآية: 78. (¬3) سورة البقرة، الآية: 185. (¬4) سورة التغابن، الآية: 16. (¬5) متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم 7288، ومسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم 1337.

سادسا: كيفية طهارة المريض

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الدين يسر)) (¬1). سادسًا: كيفية طهارة المريض على النحو الآتي: 1 - يجب على المريض أن يتوضأ من الحدث الأصغر: (نواقض الوضوء)، ويغتسل من الحدث الأكبر: (موجبات الغسل). 2 - يجب أن يزيل ما على السبيلين من النجاسة بالماء قبل الوضوء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستنجي بالماء (¬2). والاستجمار بالحجارة، أو ما يقوم مقامها يقوم مقام الاستنجاء بالماء، ويقوم مقام الحجارة ما في معناها من كل جامد طاهر ليس له حرمة: كالخشب، والخرق، والمناديل، وكل ما أنقى به فهو كالحجارة على الصحيح (¬3)؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه ¬

(¬1) البخاري، كتاب الإيمان، بابٌ: الدين يسر، برقم 39 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) متفق عليه من حديث أنس - رضي الله عنه -، البخاري، كتاب الوضوء، باب الاستنجاء بالماء، برقم 150، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالماء من التبرز، برقم 271. (¬3) انظر: المغني لابن قدامة، 1/ 213.

بثلاثة أحجار يستطيب بهن؛ فإنها تجزئ عنه)) (¬1). ولابد في الاستجمار من ثلاثة أحجار أو ما يقوم مقامها فأكثر؛ لحديث سلمان - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيع (¬2) أو بعظم)) (¬3). فإن لم تكفِ ثلاثة أحجار زاد رابعًا، وخامسًا حتى ينقي المحل، والأفضل أن يقطع الاستجمار على وتر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: ((ومن استجمر فليوتر)) (¬4). والأفضل أن يستجمر الإنسان بالحجارة ثم يتبعها بالماء؛ لأن الحجارة تزيل عين النجاسة والماء يطهر ¬

(¬1) أبو داود، من حديث عائشة رضي الله عنها برقم 40، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 10، وتقدم تخريجه في الطهارة في آداب قضاء الحاجة. (¬2) الرجيع: الروث والعذرة. (¬3) مسلم، برقم 262، وتقدم تخريجه في الطهارة، في آداب قضاء الحاجة. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 162، ومسلم، برقم 237، وتقدم تخريجه في الطهارة، آداب قضاء الحاجة.

3 - إذا كان المريض لا يستطيع الحركة، فإنه يوضئه شخص آخر

المحل، فيكون أبلغ في الطهارة، وهو مخير بين الاستجمار بالحجارة، أو الاستنجاء بالماء أو الجمع بينهما وهو الأفضل، وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل؛ لأنه يطهر المحل ويزيل العين والأثر. والاستنجاء يكون من الخارج الرطب من السبيلين: كالبول والغائط، أما النوم، والريح، وأكل لحم الإبل، ومس الفرج فلا يُستنجى منها؛ لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة من السبيلين (¬1). 3 - إذا كان المريض لا يستطيع الحركة؛ فإنه يوضئه شخص آخر، وإذا كان عليه حدث أكبر ساعده في الغسل، ولا ينظر إلى عورته. 4 - فإن كان المريض لا يستطيع أن يتطهر بالماء؛ لخوفه تلف النفس، أو تلف عضو، أو حدوث مرض، أو لعجزه، أو خوف زيادة المرض أو تأخر برئه؛ فإنه يتيمم؛ ¬

(¬1) انظر: فتاوى سماحة الشيخ ابن باز، 12/ 236.

لقول الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (¬1). وكيفية التيمم: أن ينوي رفع الحدث، ثم يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة فيمسح جميع وجهه، بباطن أصابعه، ثم يمسح كفيه براحتيه؛ لقول الله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ الله كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} (¬2)؛ ولقوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬3). ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 29. (¬2) سورة النساء، الآية: 43. (¬3) سورة المائدة، الآية 6.

5 - فإن لم يستطع أن يتيمم بنفسه؛ فإنه ييممه من عنده

5 - فإن لم يستطع أن يتيمم بنفسه؛ فإنه ييممه من عنده من المرافقين أو الحاضرين، يحضر التراب الطاهر ثم ييممه به. 6 - من به جروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء؛ فإنه يتيمم سواء كان محدثًا حدثًا أصغر أو أكبر، لكن لو أمكنه أن يغسل الصحيح من جسده أو أعضائه وجب عليه ذلك وتيمم للباقي؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬1)؛ ولقوله - سبحانه وتعالى -: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬2). 7 - إذا كان في بعض أعضاء الطهارة جرح يستطيع أن يغسله بالماء غسله، فإن كان الغسل بالماء يؤثر عليه مسحه بالماء مسحًا، فإن كان المسح يؤثر عليه أيضًا فإنه يشد عليه جبيرة أو لزقة ويمسح عليها، فإن عجز فحينئذ يتيمم عنه بعد الطهارة. ¬

(¬1) سورة التغابن، الآية: 16. (¬2) سورة البقرة، الآية: 286.

8 - إذا تيمم لصلاة وبقي على طهارته إلى وقت الصلاة الأخرى

أما إذا كان الجرح مستورًا بجبس أو لزقة أو جبيرة، أو ما أشبه ذلك ففي هذا الحال يمسح على الساتر ويغنيه عن الغسل، ولا يشترط لبس الجبيرة على طهارة على القول الراجح، وليس للمسح على الجبيرة توقيت؛ لأن مسحها لضرورة فيقدر بقدرها، ويمسح عليها في الحدث الأكبر والأصغر (¬1). والصواب أنه إذا مسح على العضو يكفيه عن التيمم، فلا يجمع بين المسح والتيمم إلا إذا كان هناك عضو آخر لم يستطع المسح عليه (¬2). 8 - إذا تيمم لصلاة وبقي على طهارته إلى وقت الصلاة الأخرى؛ فإنه يصليها بالتيمم الأول؛ ولا يعيد التيمم للصلاة الثانية؛ لأنه لم يزل على طهارته ولم يحصل ما يبطلها من نواقض الطهارة؛ لأن التيمم لا يبطل إلا بما يبطل الوضوء. ¬

(¬1) انظر: ما تقدم في الطهارة: المسح على الجبائر. (¬2) انظر: فتاوى العلامة ابن باز،12/ 240،وفتاوى العلامة ابن عثيمين،11/ 155، 172.

9 - يجب على المريض أن يطهر بدنه وثيابه، وموضع صلاته

9 - يجب على المريض أن يطهر بدنه وثيابه، وموضع صلاته من النجاسات، فإن عجز عن شيء من ذلك ولم يجد من يقوم بتطهير النجاسة صلى على حسب حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، ولكن لو استطاع أن يبدل ثيابه النجسة بثياب أخرى طاهرة أو يفرش على الفراش النجس فراشًا طاهرًا وجب عليه ذلك. 10 - لا يجوز للمريض أن يؤخر الصلاة عن وقتها من أجل العجز عن الطهارة، بل يتطهر بقدر ما يستطيع، ويطهر بدنه وثوبه والبقعة التي يصلي عليها؛ فإن عجز عن استعمال الماء تيمم، فإن عجز عن استعمال التيمم سقطت عنه الطهارة وصلى على حسب حاله (¬1). 11 - المريض المصاب بسلس البول، أو استمرار خروج الدم، أو الريح، ولم يبرأ بمعالجته، عليه أن يتوضأ لكل ¬

(¬1) انظر: ما تقدم في الطهارة: التيمم، ومن يجوز له التيمم، ونواقض التيمم ومبطلاته، وفاقد الطهورين: الماء والتراب. وانظر: فتاوى العلامة ابن باز، 12/ 239، وفتاوى العلامة ابن عثيمين، 11/ 156.

سابعا: كيفية صلاة المريض

صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوبًا طاهرًا إن تيسر له ذلك، ويحتاط لنفسه احتياطًا يمنع انتشار البول أو الدم في ثوبه أو جسمه، أو مكان صلاته، وله أن يفعل في وقت الصلاة ما تيسر من صلاة، وقراءة في المصحف حتى يخرج الوقت فإذا خرج الوقت فعليه أن يعيد الوضوء أو التيمم إن عجز عن الوضوء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة (¬1)؛ولقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬2)، وهذا فيه الدلالة على يسر الشريعة وسماحتها (¬3). سابعًا: كيفية صلاة المريض على النحو الآتي: 1 - يجب على المريض الذي لا يخاف زيادة مرضه أن ¬

(¬1) تقدمت الأدلة في الطهارة في أحكام السلس والاستحاضة، وانظر فتاوى العلامة ابن باز، 12/ 240. (¬2) سورة التغابن، الآية: 16. (¬3) انظر: مجموع فتاوى العلامة ابن باز، 12/ 235 - 241، ومجموع فتاوى ورسائل العلامة ابن عثيمين، 11/ 154 - 156.

2 - إن قدر المريض على القيام بأن يتكئ على عصا

يصلي الفريضة قائمًا؛ لقول الله تعالى: {وَقُومُواْ لله قَانِتِينَ} (¬1). 2 - إن قدر المريض على القيام بأن يتكئ على عصا أو يستند إلى حائط أو يعتمد على أحد جانبيه لزمه القيام؛ لحديث وابصة - رضي الله عنه - عن أم قيس رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسنَّ وحمل اللحم اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه (¬2)؛ ولأنه قادر على القيام من غير ضرر؛ لحديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((صلّ قائمًا ... )) (¬3). 3 - إن قدر المريض على القيام إلا أنه يكون منحنيًا على هيئة الراكع؛ كالأحدب، أو الكبير الذي انحنى ظهره وهو يستطيع القيام لزمه القيام؛ لحديث عمران - رضي الله عنه - المتقدم. 4 - المريض الذي يقدر على القيام لكنه يعجز عن ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 238. (¬2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الرجل يعتمد في الصلاة على عصا، برقم 948، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 264، وفي الأحاديث الصحيحة، برقم 319. (¬3) البخاري، برقم 1117، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.

5 - المريض الذي يزيد القيام في مرضه، أو يشق عليه مشقة

الركوع أو السجود لا يسقط عنه القيام، وعليه أن يصلي قائمًا ويومئ بالركوع قائمًا إن عجز عنه، وإن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته، وإن تقوّس ظهره فصار كأنه راكع زاد في انحنائه قليلاً، ثم يجلس فيومئ بالسجود جالسًا إن عجز عنه ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر ما يمكنه؛ لقول الله تعالى: {وَقُومُواْ لله قَانِتِينَ} (¬1)؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين رضي الله عنهما: ((صلّ قائمًا)) (¬2)؛ ولأن القيام ركن قدر عليه فلزمه الإتيان به (¬3). 5 - المريض الذي يزيد القيام في مرضه، أو يشق عليه مشقة شديدة، أو يضره، أو يخاف زيادة مرضه يصلي قاعدًا؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬4)؛ ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 238. (¬2) البخاري، برقم 1117، وتقدم تخريجه. (¬3) انظر: المغني لابن قدامة، 2/ 572، 575، 576، والشرح الكبير، لعبد الرحمن بن قدامة، 5/ 13، والإنصاف للمرداوي مع الشرح الكبير، 5/ 5. (¬4) سورة التغابن، الآية: 16.

6 - الأفضل للمريض إذا صلى جالسا أن يكون متربعا

ولقوله - عز وجل -: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬1)؛ ولقوله - سبحانه وتعالى -: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬2)، ولقوله سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬3)؛ ولحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما وفيه: ((صلّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا ... )) (¬4)؛ ولحديث أنس - رضي الله عنه - قال: سقط النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فرس فجُحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدًا (¬5). وقد أجمع العلماء على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالسًا (¬6). 6 - الأفضل للمريض إذا صلى جالسًا أن يكون متربعًا في موضع القيام، والصحيح أنه إذا ركع يركع وهو ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 286. (¬2) سورة البقرة، الآية: 185. (¬3) سورة الحج، الآية: 78. (¬4) البخاري، برقم 1117، وتقدم تخريجه. (¬5) متفق عليه: البخاري، برقم 689،ومسلم، برقم 411،وتقدم تخريجه في الإمامة في الاقتداء. (¬6) المغني لابن قدامة، 2/ 570، والشرح الكبير، 5/ 6، والإنصاف، 5/ 6.

متربع؛ لأن الراكع قائم؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربعًا)) (¬1)، والسنة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع، أما في حال السجود فالواجب أن يسجد على الأرض، فإن لم يستطع وجب عليه أن يجعل يديه على الأرض وأومأ بالسجود؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين)) (¬2)؛ فإن لم يستطع جعل يديه على ركبتيه وأومأ بالسجود وجعله أخفض من الركوع؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬3)؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( ... وإذا أمرتكم بشيء فأتوا ¬

(¬1) النسائي، كتاب قيام الليل، باب كيف صلاة القاعد، برقم 1662، وابن خزيمة، برقم 1238، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 258، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 538. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب السجود على الأنف في الطين، برقم 812، ومسلم، في كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود برقم 490. (¬3) سورة التغابن، الآية: 16.

7 - إن عجز المريض عن الصلاة قاعدا صلى على جنبه

منه ما استطعتم (¬1)) (¬2). 7 - إن عجز المريض عن الصلاة قاعدًا صلى على جنبه مستقبل القبلة بوجهه، والأفضل أن يصلي على جنبه الأيمن؛ لحديث عمران - رضي الله عنه - وفيه: ((صلّ قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب)) (¬3)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيمن في تنعُّله، وترجُّله، وطهوره، وفي شأنه كله)) (¬4). 8 - فإن عجز المريض عن الصلاة على جنبه صلى مستلقيًا رجلاه إلى القبلة؛ لحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال له: ((صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 7288،ومسلم، برقم 1337،وتقدم تخريجه في أول المبحث. (¬2) انظر: المغني لابن قدامة، 2/ 572، ومجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، 12/ 242 - 247، ومجموع فتاوى العلامة محمد بن صالح العثيمين، 11/ 329. (¬3) البخاري، برقم 1117، وتقدم تخريجه. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل، برقم 168، ومسلم، كتاب الطهارة، باب التيمن في الطهور وغيره، برقم 168.

9 - فإن عجز المريض عن الصلاة إلى القبلة ولم يوجد من يوجهه إليها صلى على حسب حاله

فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب)) (¬1)، زاد النسائي: ((فإن لم تستطع فمستلقياً لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها)) (¬2). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((وزاد النسائي: ((فإن لم تستطع فمستلقيًا))، ثم قال: فكانت الصفات: ((قائمًا، جالسًا، على جنب، مستلقيًا)) (¬3). 9 - فإن عجز المريض عن الصلاة إلى القبلة ولم يوجد من يوجهه إليها صلى على حسب حاله؛ لقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬4). ¬

(¬1) البخاري، برقم 1117. (¬2) عزاه إليه ابن حجر في التلخيص الحبير، 1/ 225 برقم 334، وعزاه إليه أيضًا المجد ابن تيمية في منتقى الأخبار، برقم 1507، وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز: ((وزاد النسائي)) ثم ذكر الزيادة، انظر: مجموع الفتاوى، 12/ 242، وقال في الفتاوى أيضًا بعد أن ساق اللفظ كاملاً: ((وهذا لفظ النسائي))، 12/ 247، ولم يعزه المزي في تحفة الأشراف إلى النسائي، 8/ 185، برقم 10833. (¬3) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 347. (¬4) سورة البقرة، الآية: 286.

10 - فإن عجز المريض عن الصلاة مستلقيا صلى على حسب حاله

10 - فإن عجز المريض عن الصلاة مستلقيًا صلى على حسب حاله على أي حال كان؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬1). 11 - فإن عجز المريض عن جميع الأحوال السابقة صلى بقلبه: فيكبِّر، ويقرأ، وينوي الركوع والسجود، والقيام والقعود بقلبه، فإن الصلاة لا تسقط عنه مادام عقله ثابتًا بأي حال من الأحوال؛ للأدلة السابقة (¬2). 12 - إذا قدر المريض في أثناء صلاته على ما كان عاجزًا عنه: من قيام أو قعود، أو ركوع، أو سجود، أو إيماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته، وهكذا لو كان قادرًا فعجز أثناء الصلاة أتم صلاته على حسب حاله؛ لأن ما مضى من الصلاة كان صحيحًا فبنى عليه كما لو لم ¬

(¬1) سورة التغابن، الآية: 16. (¬2) انظر: المغني لابن قدامة، 2/ 576، ومجموع فتاوى ابن باز، 12/ 243، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 11/ 232.

13 - إن عجز المريض عن السجود على الأرض؛ فإنه يومئ

يتغير حاله (¬1). 13 - إن عجز المريض عن السجود على الأرض؛ فإنه يومئ بالسجود في الهواء ولا يتخذ شيئًا يسجد عليه؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - يرفعه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد مريضًا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، فأخذ عودًا ليصلي عليه فأخذه فرمى به، قال: ((صلِّ على الأرض إن استطعت وإلا فأومِ إيماءً واجعل سجودك أخفض من ركوعك)) (¬2). ¬

(¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 2/ 577، والشرح الكبير، 5/ 15، والإنصاف، 5/ 15، ومجموع فتاوى ابن باز، 12/ 243. (¬2) البيهقي في السنن الكبرى، 2/ 306، قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: ((رواه البيهقي بسند قوي، ولكن صحح أبو حاتم وقفه))، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز يقول أثناء تقريره على الحديث رقم 348 من بلوغ المرام: ((إسناده قوي))، ومال إلى رفعه؛ لأنه يقدم قول من رفع على من وقف إذا كان من رفع ثقة؛ للقاعدة، وانظر: التلخيص الحبير لابن حجر، 1/ 226 - 227، والحديث رواه الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما في المعجم الكبير، 12/ 269، برقم 13082، وذكره الألباني في الأحاديث الصحيحة، وذكر طرقه ثم قال في الحديث رقم 323 في المجلد الأول: ((والذي لا شك فيه أن الحديث بمجموع طرقه صحيح والله تعالى هو الموفق))، ثم ذكر رواية أخرى عن ابن عمر موقوفًا، ثم قال: ((وسنده صحيح على شرط الشيخين)). وانظر: صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - للألباني، ص68.

14 - يجب على المريض أن يصلي كل صلاة في وقتها

14 - يجب على المريض أن يصلي كل صلاة في وقتها، ويفعل كل ما يقدر عليه مما يجب فيها؛ فإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إما جمع تقديم بحيث يقدم العصر مع الظهر، والعشاء مع المغرب، وإما جمع تأخير بحيث يؤخر الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، حسبما يكون أيسر له، أما صلاة الفجر فلا تجمع مع ما قبلها ولا مع ما بعدها؛ لأن وقتها منفصل عما قبلها وعما بعدها (¬1)، ومما يدل على جواز الجمع للمريض الذي يشق عليه فعل الصلاة في وقتها ويضعف عن ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا في غير خوف ولا سفر)). وفي لفظ: ((جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر والمغرب ¬

(¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 135، وفتاوى العلامة ابن باز، 12/ 244، ومجموع فتاوى العلامة ابن عثيمين، 11/ 230.

15 - لا يجوز للمريض ترك الصلاة بأي حال من الأحوال

والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر)) فسئل ابن عباس لم فعل ذلك؟ فقال: ((أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته))، وفي لفظ: ((أراد أن لا يحرج أمته)) (¬1). والصواب في تأويل هذا الحديث قول من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار (¬2). وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر حمنة بنت جحش رضي الله عنها لما كانت مستحاضة بتأخير الظهر وتعجيل العصر، وتأخير المغرب وتعجيل العشاء (¬3)، وهذا هو الجمع الصوري. 15 - لا يجوز للمريض ترك الصلاة بأي حال من الأحوال مادام عقله ثابتًا، بل يجب على المكلف أن ¬

(¬1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، برقم 49 - (705)، 50 - (705)، 54 - (705). (¬2) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 226، والمغني لابن قدامة، 3/ 135، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول بهذا القول. (¬3) أبو داود، برقم 287، والترمذي، برقم 128، وابن ماجه، برقم 627، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، برقم 188، وتقدم تخريجه في الطهارة في أحكام المستحاضة.

يحرص على الصلاة أيام مرضه أكثر من حرصه عليها أيام صحته ويصليها في وقتها المشروع حسب استطاعته، فإذا تركها متعمدًا وهو عاقل عالم بالحكم الشرعي مكلف يقوى على أدائها ولو إيماءً فهو آثم، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى كفره بذلك (¬1)؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)) (¬2)؛ ولحديث جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) (¬3)؛ ولحديث معاذ - رضي الله عنه - وفيه: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)) (¬4). ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى الإمام ابن باز، 12/ 244. (¬2) الترمذي عن بريدة - رضي الله عنه -، برقم 2621، والنسائي، برقم 463، وابن ماجه، برقم 1079، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 156، وتقدم تخريجه في منزلة الصلاة، حكم تارك الصلاة. (¬3) مسلم، برقم 76، وتقدم تخريجه في منزلة الصلاة، حكم تارك الصلاة. (¬4) الترمذي، برقم 2616، وابن ماجه، برقم 3973، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 2/ 138.

16 - إذا نام المريض عن صلاته، أو نسيها وجب عليه أن يصليها

16 - إذا نام المريض عن صلاته، أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال استيقاظه، أو ذكره لها، ولا يجوز له تركها إلى دخول وقت مثلها ليصليها فيه؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من نسي صلاته فليصلِّها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك))، وفي لفظ لمسلم: ((من نسي صلاته أو نام عنها ... )) الحديث (¬1). ويقضي الصلاة المغمى عليه ثلاثة أيام فأقل؛ لأنه يلحق بالنائم، أما إذا كانت المدة أكثر من ذلك فلا قضاء عليه؛ لأنه يلحق بالمجنون لجامع زوال العقل (¬2). 17 - إذا كان المريض مسافرًا يعالج في غير بلده، فإنه يقصر الصلاة الرباعية، فيصلي الظهر، والعصر، والعشاء، ركعتين ركعتين مادام مسافرًا لم يُجمِعْ على إقامة ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 597، ومسلم، برقم 684، وتقدم تخريجه في منزلة الصلاة. (¬2) انظر: المغني لابن قدامة، 2/ 50 - 52، والشرح الكبير، 3/ 8، ومجموع فتاوى ابن باز، 2/ 457.

أكثر من أربعة أيام (¬1)، أما صلاة المغرب فيصليها ثلاثًا سفرًا وحضرًا، وهكذا صلاة الفجر يصليها اثنتين سفرًا وحضرًا، ويصلي سنة الفجر قبلها: ركعتين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصليهما حضرًا وسفرًا، قالت عائشة رضي الله عنها: ((لم يكن يدعهما أبدًا)) (¬2)، ويصلي الوتر كذلك؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماءً صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته)). وفي لفظ: ((كان يوتر على راحلته)) (¬3). أما السنن الرواتب فالسنة أن لا يصليها في السفر؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله)) (¬4). ¬

(¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 104 - 134، والشرح الكبير، 5/ 26 - 84، والإنصاف في المطبوع مع الشرح الكبير، 5/ 26 - 84 وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، 8/ 90 - 93، 95، 98، وفتاوى ابن باز، 12/ 264 - 280. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1159، ومسلم، برقم 724، وتقدم تخريجه في التطوع. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 999، ومسلم، برقم 700، وتقدم تخريجه في التطوع. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 1011، ومسلم، برقم 689، وتقدم تخريجه في التطوع.

أما التطوع المطلق فمشروع في الحضر والسفر مطلقًا، مثل: صلاة الضحى، وصلاة الليل، وسنة الوضوء وغيرها من النوافل، قال النووي رحمه الله: ((وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر ... )) (¬1). وهذا لمن لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام، أو لا يدري متى يرتحل؛ فإنَّ له أحكام السفر حتى يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام أو يرجع إلى وطنه. والأحوط للمسلم أن لا يقصر في أقل من مسافة يوم وليلة للإبل والمشاة بالسير العادي، وذلك يقارب ثمانين كيلو تقريبًا؛ لأن هذه المسافة تعتبر سفرًا عُرفًا عند الجمهور، فإن عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام، أو كانت المسافة أقل من مسيرة يوم وليلة فالأحوط للمؤمن أن لا يأخذ بأحكام السفر، بل يتم الصلاة أربعًا كالمقيمين: الظهر، والعصر، والعشاء (¬2) والله الموفق (¬3). ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 205. (¬2) انظر: مجموع فتاوى الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله، 12/ 264 - 280، وانظر: المغني لابن قدامة، 3/ 104 - 134. (¬3) انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 104 - 134، والشرح الكبير، 5/ 26 - 84، والإنصاف للمرداوي المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 5/ 26 - 84، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 8/ 90، 92، 95، 98، 99، 100، 107، 110، 113، 8/ 90 - 118، وفتاوى الإمام ابن باز رحمه الله، 12/ 264 - 280، وانظر للفائدة: فتاوى ابن تيمية، 24/ 7 - 162، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 15/ 252 - 448، والشرح الممتع له، 4/ 490 - 547.

ثامنا: الصلاة في السفينة، والطائرة، والقطار، والسيارة

ثامنًا: الصلاة في السفينة والطائرة، والقطار، والسيارة، أو على الراحلة على النحو الآتي: 1 - تصح صلاة الفرض في السفينة والباخرة والقطار، قائمًا عند القدرة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في السفينة، فقال: كيف أصلي في السفينة؟ قال: ((صلِّ فيها قائمًا إلا أن تخاف الغرق)) (¬1). وعن عبد الله بن أبي عتبة قال: ((صحبت جابر بن عبد ¬

(¬1) الحاكم، 1/ 275، وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، 1/ 275، والدارقطني في السنن، 1/ 395، وذكره الألباني في صفة الصلاة، ص68، ونقل تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي، وقال الشيخ محمد شمس الحق في التعليق المغني على الدارقطني: ((فيه بشر بن فأفأ ضعفه الدارقطني، كذا في الميزان، لكن ما بين وجه الضعف فهو جرح مبهم))، 1/ 395.

الله، وأبا سعيد الخدري، وأبا هريرة في سفينة فصلوا قيامًا في جماعة، أمّهم بعضهم، وهم يقدرون على الجُدَّ (¬1)) (¬2)، قال الإمام الشوكاني رحمه الله: ((والمراد أنهم يقدرون على الصلاة في البر، وقد صحت صلاتهم في السفينة مع اضطرابها، وفيه جواز الصلاة في السفينة وإن كان الخروج إلى البر ممكنًا)) (¬3). ولا تصح صلاة الفرض في السفينة قاعدًا لقادر على القيام، فإن عجز عن القيام صلى جالسًا؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬4)، فيصلي على حسب حاله ويأتي بما يقدر عليه من القيام وغيره على حسب ما تقدم في صفة صلاة المريض (¬5)، ¬

(¬1) الجدَّ: شاطئ البحر. انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 449. (¬2) الحديث أخرجه سعيد بن منصور في سننه كما عزاه إليه المجد بن تيمية في منتقى الأخبار، برقم 1510. (¬3) نيل الأوطار، 2/ 449. (¬4) سورة التغابن، الآية: 16. (¬5) انظر: الشرح الكبير، لعبد الرحمن بن قدامة المقدسي، 5/ 20، والإنصاف للمرداوي المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 5/ 20.

2 - الصلاة المفروضة في الطائرة صحيحة

ويصلون فيها جماعة على حسب استطاعتهم، ويستقبلون القبلة في الفرض، وكلما انحرفت السفينة عن القبلة اتجهوا إليها (¬1). 2 - الصلاة المفروضة في الطائرة صحيحة؛ لأن الطائرة في الجو على متن الهواء كالباخرة في البحر على متن الماء، ولكن يجب على المسلم أن يفعل ما يجب عليه في الصلاة: من القيام بالأركان، والواجبات، والشروط مثل: الطهارة، واستقبال القبلة، والقيام، والقعود، والركوع، والسجود، وغير ذلك مما يجب، وإذا كان لا يستطيع القيام بذلك فلا يصلي في الطائرة بل ينتظر حتى تهبط إلا إذا علم أن الهبوط بعد خروج الوقت، وكانت الصلاة التي أدركته في الجو لا يمكن جمعها مع ما بعدها، مثل: العصر والفجر ويعلم بأن هبوط الطائرة بعد خروج وقتها لزمه أن يصليها في الطائرة ولا يؤخرها عن ¬

(¬1) الإنصاف مع الشرح الكبير، 5/ 20، والروض المربع حاشية ابن قاسم، 2/ 373.

وقتها، فيصليها كالصلاة في السفينة كما تقدم، فإن استطاع أن يصلي قائمًا صلى قائمًا، فإن لم يستطع صلى قاعدًا ويكون مستقبل القبلة ويدور مع القبلة حيث دارت، ويومئ بالركوع والسجود ويكون أخفض من الركوع، ويقوم بما يستطيع؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬1)، أما إذا كانت الصلاة مما يجمع جمع تقديم أو تأخير، فإن الأفضل للمسلم أن يصليها إذا أدركه وقت الأولى قبل الإقلاع، فيصلي التي أدركه وقتها كالظهر مثلاً ثم يصلي العصر، وهكذا المغرب والعشاء إذا كان مسافرًا قد خرج من بلده، أما إذا لم يدخل وقت الأولى وأقلعت الطائرة أو القطار أو السفينة قبل دخول الوقت فإنه يؤخرها إلى وقت الثانية فيصلي جمع تأخير مع قصر الرباعية إذا كان مسافرًا. أما إذا دخل الوقت أثناء السير وهو يعلم أن وقت ¬

(¬1) سورة التغابن، الآية: 16.

3 - الصلاة في السيارة أو على الراحلة

الصلاة الثانية يخرج قبل الهبوط وجب عليه أن يصليها قبل خروج وقت الثانية على حسب استطاعته. 3 - الصلاة في السيارة أو على الراحلة على النحو الآتي: أ- إذا كانت السيارة كبيرة وفيها مكان واسع للصلاة يستطيع الإنسان أن يصلي الفرض قائمًا راكعًا ساجدًا، مستقبل القبلة، وقد تطهر، فلا حرج عليه أن يصلي فيها، كما يصلي في السفينة والطائرة والقطار كما تقدم. ب- إذا كان لا يستطيع أن يقوم بما يجب عليه في صلاة الفريضة فإنه لا يصلي في السيارة إلا إذا لم يستطع النزول منها وخشي خروج وقت الصلاة، فإنه حينئذ يصلي على حسب حاله كما تقدم. جـ- أما الصلاة على الرواحل: كالإبل، والخيل، والبغال، وغيرها فلا تصح إلا عند خشية التأذي بمطر، أو وحل إذا نزل على الأرض ولا يستقر في صلاته فإنه حينئذ يصلي ولكن يستقبل القبلة، ويعمل ما يستطيع في صلاته، وكذا يصح الفرض على الراحلة إذا خاف

د- صلاة النافلة في السفر تصح على جميع وسائل النقل

انقطاعًا عن رفقته بنزوله، أو خاف على نفسه من عدو أو عجز عن ركوب إن نزل، وعليه أن يستقبل القبلة إن قدر على ذلك، وعليه أن يركع ويسجد ويجعل سجوده أخفض من ركوعه؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬1)، ولقوله سبحانه: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬2). د - صلاة النافلة في السفر تصح على جميع وسائل النقل، سواء كانت: من السفن، أو البواخر، أو الطائرات، أو السيارات، أو الراحلة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي النافلة وهو على راحلته حيث توجهت به، وقد رآه ابن عمر رضي الله عنهما يصلي الوتر كذلك على الراحلة (¬3)؛ لكن الأفضل أن يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام ثم يصلي ¬

(¬1) سورة التغابن، الآية: 16. (¬2) سورة البقرة، الآية 286. (¬3) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، البخاري، برقم 999، ورقم 1000، 1095، و1096، 1098، و1105، ومسلم، برقم 700، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع.

كيفما توجهت به (¬1) السفينة، أو الطائرة، أو الراحلة أو غير ذلك (¬2)، ولو لم يستقبل القبلة في النافلة عند تكبيرة الإحرام فلا حرج في ذلك، ولكن هذا من باب الاستحباب. والله - عز وجل - أعلم وأحكم، وهو الموفق سبحانه وتعالى. وصلى الله وسلم على رسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ¬

(¬1) أبو داود، برقم 1225،وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، الحديث رقم 228، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع. (¬2) انظر: الصلاة في السفينة والطائرة، والقطار، والسيارة، وعلى الراحلة ما في المغني لابن قدامة، 2/ 323، 326، 2/ 97 - 98، والشرح الكبير، 5/ 20، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 5/ 20، والروض المربع، مع شرح ابن قاسم، 2/ 373، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/ 484 - 489، والفتاوى له، 15/ 244 - 255، وفتاوى الإمام ابن باز جمع عبد الله الطيار، 4/ 461 - 464، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 8/ 119 - 127.

§1/1