صلاة الكسوف
سعيد بن وهف القحطاني
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد. فهذه رسالة مختصرة في: ((صلاة الكسوف)) وما يتعلق بها من أحكام، بيَّنت فيها بتوفيق الله تعالى: مفهوم الكسوف والخسوف، وأن ذلك من آيات الله التي يُخوِّف بهما عباده، وبيَّنت أسباب الكسوف الحسّيَّة والشرعيَّة، وفوائد الكسوف وحِكمه، وحُكم صلاة الكسوف، وآداب صلاة الكسوف: الواجبة والمستحبة، وصفة صلاة الكسوف، ووقتها، وأنها لا تُدرَك الركعة إلا
بإدراك الركوع الأول، وذكرت خلاف العلماء في الصلاة للآيات، وقد قرنت كل مسألة بدليلها أو تعليلها على قدر الإمكان، وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى. والله أسأل أن يجعل هذا العمل مباركًا، نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أبو عبد الرحمن سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر بعد عصر يوم الإثنين الموافق 18/ 1/1423هـ
أولا: مفهوم الكسوف، والخسوف
أولاً: مفهوم الكسوف، والخسوف: الكسوف لغة: التغير إلى سواد، يقال: كسفت حاله إذا تغيرت، وكسف وجهه إذا تغير، وكسفت الشمس: اسودَّت، وذهب شعاعها (¬1). والخسوف لغة: النقصان، يقال: خسف المكان يخسف خسوفًا، إذا ذهب في الأرض، ويقال: عينٌ خاسفة: إذا غابت حدقتها، منقول من خسف القمر، وبئر مخسوفة: إذا غاب ماؤها ونزف، منقول من خسف الله القمر، وتُصوِّرَ من خسف القمر مهانة تلحقه فاستعير الخسف للذل، فقيل: تحمل فلان خسفًا (¬2). فكسوف الشمس والقمر وخسوفهما: تغيرهما ونقصان ضوئهما فهما بمعنى واحد وكلاهما صحت به الأحاديث، وجاء القرآن بلفظ الخسوف للقمر (¬3). ¬
الكسوف أو الخسوف في الاصطلاح
الكسوف أو الخسوف في الاصطلاح: احتجاب ضوء الشمس أو القمر أو بعضه بسبب معتاد يخوف الله به عباده، فعلى هذا يكون الكسوف والخسوف مترادفين أي بمعنى واحد، فَيُقال: كسفت الشمس وخسفت، وكسف القمر وخسف (¬1)، وقيل: الكسوف للشمس، والخسوف للقمر (¬2). ¬
ولعل هذا إذا اجتمعت الكلمتان فقيل: كسوف وخسوف، أما إذا انفردت كل واحدة عن الأخرى فهما بمعنى واحد؛ ولهذا نظائر في اللغة العربية، والله تعالى أعلم (¬1). ¬
ثانيا: الكسوف أو الخسوف: آيتان من آيات الله
ثانيًا: الكسوف أو الخسوف: آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إنَّ الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا)) (¬1)؛ ولحديث أبي مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ من الناس، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فقوموا فصلُّوا)) (¬2). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: ((آيتان)): أي علامتان، ((من آيات الله)) أي الدالة على وحدانية الله، وعظيم قدرته، أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته، ويؤيده قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ ¬
مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} (¬1) (¬2)؛ ولحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يُخوِّف بهما عباده)) (¬3). وعن عائشة رضي الله عنها ترفعه: ((إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم كسوفًا فاذكروا الله حتى ينجليا)) (¬4). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((وكأن بعض الناس ظن أن كسوفها [أي الشمس] كان؛ لأن إبراهيم مات فخطبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة)) (¬5). وفي رواية في الصحيح: ¬
((ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده)) (¬1). وهذا بيان منه - صلى الله عليه وسلم - أنهما سبب لنزول عذاب بالناس؛ فإن الله تعالى إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه، وعصوا رسله، وإنما يخاف الناس مما يضرهم فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف ما كان ذلك تخويفًا، قال تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} (¬2)، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يزيل الخوف: أمر بالصلاة، والدعاء، والاستغفار، والصدقة، والعتق، حتى يُكشف ما بالناس، وصلى بالمسلمين صلاة الكسوف صلاة طويلة)) (¬3). وهذا يؤكد الاستعداد بالمراقبة لله تعالى والالتجاء إليه سبحانه، وخاصة عند اختلاف الأحوال وحدوث ما ¬
ثالثا: أسباب الكسوف الحسية والشرعية
يخاف بسببه (¬1). ثالثًا: أسباب الكسوف الحسّيَّة والشرعية: السبب الحسي (¬2)، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) (¬3)، قولان: أحدهما: أن موت الميت وحياته لا يكون سببًا انكسافهما، كما كان يقوله كثير من جهال العرب وغيرهم عند الانكساف، أن ذلك لموت عظيم، أو ولادة عظيم، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وأخبر أن موت الميت وحياته لا يؤثر في كسوفهما البتة. والثاني: أنه لا يحصل عن انكسافهما موت ولا حياة، فلا يكون انكسافهما سببًا لموت ميت ولا لحياة حي، وإنما ذلك تخويف من الله لعباده أجرى العادة بحصوله في أوقات معلومة، بالحساب: طلوع الهلال، وإبداره، وسراره. ¬
سبب كسوف الشمس
فأما سبب كسوف الشمس: فهو توسط القمر بين جرم الشمس وبين أبصارنا. وأما سبب خسوف القمر: ((فهو توسط الأرض بينه وبين الشمس حتى يصير القمر ممنوعًا من اكتساب النور من الشمس، ويبقى ظلام ظل الأرض في ممره؛ لأن القمر لا ضوء له أبدًا، وأنه يكتسب الضوء من الشمس ... )) (¬1). والعلم بوقت الكسوف ليس من علم الغيب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((الكسوف والخسوف لهما أوقات مقدرة، كما لطلوع الهلال وقت مقدر، وذلك ما أجرى الله عادته بالليل والنهار، والشتاء والصيف، وسائر ما يتبع جريان الشمس والقمر، وذلك من آيات الله ... وكما أن العادة التي أجراها الله تعالى أن الهلال لا يستهل إلا ليلة ثلاثين من الشهر، أو ليلة إحدى وثلاثين، وأن الشهر لا يكون إلا ثلاثين أو تسعة ¬
وعشرين، فمن ظن أن الشهر يكون أكثر من ذلك أو أقل، فهو غالط، فكذلك أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار، وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار، ووقت إبداره: الليالي البيض التي يستحب صيام أيامها: ليلة الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فالقمر لا يخسف إلا في هذه الليالي، والهلال يستسر آخر الشهر إما ليلة وإما ليلتين، كما يستسر ليلة تسع وعشرين، وثلاثين، والشمس لا تكسف إلا وقت استسراره، وللشمس والقمر ليالي معتادة من عرفها عرف الكسوف والخسوف ... وليس خبر الحاسب بذلك من علم الغيب، ومن قال من الفقهاء إن الشمس تكسف في وقت الاستسرار فقد غلط، وقال ما ليس له به علم ... (¬1)) (¬2). ¬
لا يكذب المخبر بالكسوف ولا يصدق
ولا يُكذَّب المخبر بالكسوف ولا يُصدَّق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأما تصديق المخبر بذلك وتكذيبه، فلا يجوز أن يصدق إلا أن يعلم صدقه، ولا يكذب إلا أن يعلم كذبه (¬1)، ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك فلا يكادون يخطئون، ومع هذا فلا يترتب على خبرهم علم شرعي، فإن صلاة الكسوف ¬
السبب الشرعي: هو تخويف الله تعالى لعباده
والخسوف لا تُصلَّى إلا إذا شاهدنا ذلك، وإذا جوَّز الإنسان صدق المخبر بذلك أو غلب على ظنه فنوى أن يُصلي الكسوف والخسوف عند ذلك، واستعد ذلك الوقت لرؤية ذلك كان هذا حثًّا من باب المسارعة إلى طاعة الله تعالى وعبادته؛ فإن الصلاة عند الكسوف متفق عليها بين المسلمين، وقد تواترت بها السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواها أهل الصحيح، والسنن، والمسانيد من وجوه كثيرة)) (¬1). السبب الشرعي: هو تخويف الله تعالى لعباده؛ لحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يخوِّف بهما عباده)) (¬2). وهذا السبب هو الذي يفيد؛ ليرجعوا إلى الله تعالى، أما السبب الحسي فليس ذا فائدة كبيرة؛ ولهذا لم يبينه النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬
قال شيخ الإسلام رحمه الله عن الحديث السابق: ((فذكر أن حِكْمَةَ ذلك تخويف العباد كما يكون تخويفهم في سائر الآيات: كالرياح الشديدة، والزلازل، والجدب، والأمطار المتواترة، ونحو ذلك من الأسباب التي قد تكون عذابًا؛ كما عذب الله أُممًا بالريح، والصيحة، والطوفان، وقال تعالى: {فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (¬1)، وقد قال: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} (¬2)، وإخباره بأنه يخوف عباده بذلك يبين أنه قد يكون سببًا لعذاب ينزل: كالريح العاصفة الشديدة، وإنما يكون ذلك إذا كان الله قد جعل ذلك سببًا لِمَا ينزل ¬
في الأرض)) (¬1). وقد سبق أن شيخ الإسلام ذكر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيّن أن كسوف الشمس والقمر سبب لنزول عذاب بالناس (¬2). وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ((نعم لا ننكر أنه سبحانه يحدث عند الكسوفين من أقضيته وأقداره ما يكون بلاء لقوم ومصيبة لهم، ويجعل الكسوف سببًا لذلك؛ ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الكسوف بالفزع إلى ذكر الله، والصلاة، والعتاقة، والصدقة، والصيام؛ لأن هذه الأشياء تدفع موجب الكسف الذي جعله الله سببًا لِمَا جعله، فلولا انعقاد سبب التخويف لَمَا أمر بدفع موجبه بهذه العبادات، ولله تعالى في أيام دهره أوقات يحدث فيها ما يشاء من البلاء، والنعماء، ويقضي من الأسباب ما يدفع موجب تلك الأسباب لمن قام به، أو يقلله، أو يخففه، فمن فزع إلى تلك الأسباب أو بعضها اندفع عنه ¬
العلم بوقت الكسوف لا ينافي الخوف
الشر الذي جعل الله الكسوف سببًا له أو بعضه؛ ولهذا قلّ ما تسلم أطراف الأرض حيث يخفى الإيمان وما جاءت به الرسل من شر عظيم يحصل بسبب الكسوف، وتسلم منه الأماكن التي يظهر فيها نور النبوة والقيام بما جاءت به الرسل، أو يقل فيها جدًا، ولمَّا كسفت الشمس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قام فزعًا مسرعًا يجرُّ رداءه، ونادى في الناس: الصلاة جامعة، وخطبهم بتلك الخطبة البليغة، وأخبر أنه لم يرَ كيومه ذلك في الخير والشر، وأمرهم عند حصول مثل تلك الحالة: بالعتاقة، والصدقة، والصلاة، والتوبة، فصلوات الله وسلامه على أعلم الخلق بالله، وبأمره، وشأنه، وتعريفه أمور مخلوقاته، وتدبيره، وأنصحهم للأمة، ومن دعاهم إلى ما فيه سعادتهم: في معاشهم، ومعادهم، ونهاهم عما فيه: هلاكهم: في معاشهم ومعادهم)) (¬1). والعلم بوقت الكسوف لا ينافي الخوف؛ ولهذا قال ¬
لا تنافي بين اجتماع السبب الحسي والشرعي
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأما كون الكسوف أو غيره قد يكون سببًا لحادث في الأرض من عذاب يقتضي موتًا أو غيره: فهذا قد أثبته الحديث نفسه)) (¬1). وقال رحمه الله: ((فإذا كان الكسوف له أجل مسمى لم ينافي ذلك أن يكون عند أجله يجعله الله سببًا لِمَا يقتضيه من عذاب وغيره لمن يعذب الله في ذلك الوقت، أو لغيره ممن ينزل الله به ذلك، كما أن تعذيب الله لمن عذبه بالريح الشديدة الباردة: كقوم عاد كانت في الوقت المناسب وهو آخر الشتاء كما ذكر ذلك أهل التفسير، وقصص الأنبياء، وكذلك الأوقات التي يُنزل الله فيها الرحمة: كالعشر الآخرة من رمضان، والأُول من ذي الحجة، وكجوف الليل، وغير ذلك: هي أوقات محدودة لا تتقدم ولا تتأخر، وينزل فيها من الرحمة ما لا ينزل في غيرها)) (¬2). ولا تنافي بين اجتماع السبب الحسي والشرعي، ويكون ¬
رابعا: فوائد الكسوف وحكمه
الحسي معلومًا معروفًا للناس قبل أن يقع، والشرعي معلومًا بطريق الوحي؛ ((لأنه حتى الأمور العظيمة: كالخسف بالأرض، والزلازل، والصواعق، وشبهها التي يحس الناس بضررها وأنها عقوبة لها أسباب طبيعية، يُقدِّر الله هذه الأسباب الطبيعية حتى تكون المسببات، وتكون الحكمة من ذلك: هو تخويف العباد، فالزلازل لها أسباب، والصواعق لها أسباب، والبراكين لها أسباب، والعواصف لها أسباب، لكن يُقَدِّر الله هذه الأسباب من أجل استقامة الناس على دين الله ... )) (¬1). رابعًا: فوائد الكسوف وحِكَمَهُ: للكسوف حِكَمٌ عظيمةٌ منها، سبع فوائد: قال ابن الملقن رحمه الله تعالى: ((ونقل المحب الطبري في أحكامه عن بعضهم أن في الكسوف سبع فوائد: الأولى: ظهور التصرف في الشمس والقمر، وهما خلقان عظيمان. ¬
الثانية: أن يتبين بتغيُّرهما تَغيُّر شأن ما بعدهما (¬1). الثالثة: إزعاج القلوب الساكنة بالغفلة وإيقاظها. الرابعة: ليرى الناس نموذج ما سيجري في القيامة، قال تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (¬2). الخامسة: أنهما موجودان في حال الكمال، ويكسفان ثم يلطف بهما، ويعادان إلى ما كانا عليه، تنبيهًا على خوف المكر ورجاء العفو. السادسة: إعلام بأنه قد يؤخذ من لا ذنب له؛ ليحذر من له ذنب. السابعة: أن الناس قد أَنسوا بالصلوات المفروضات، فيأتونها من غير انزعاج ولا خوف، فأتى بهذه الآية سببًا لهذه الصلاة؛ ليفعلها بانزعاج، وخوف، ولعل تركه يصير عادة لهم في المفروضات)) (¬3). ¬
خامسا: حكم صلاة الكسوف
خامسًا: حُكم صلاة الكسوف: صلاة الكسوف: قيل: سنة مؤكدة، قال الإمام النووي رحمه الله: ((وأجمع العلماء على أنها سنة)) (¬1). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وصلاة الكسوف سنة مؤكدة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها وأمر بها)) (¬2). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((فالجمهور على أنها سنة مؤكدة، وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، ولم أره لغيره، إلا ما حُكي عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها، وكذا نقل عن بعض مصنفي الحنفية أنها واجبة)) (¬3)، وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((وقال بعض العلماء بوجوب صلاة الكسوف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها وأمر بها)) (¬4). وقال ¬
العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((وقال بعض أهل العلم: إنها واجبة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رأيتم ذلك فصلوا)) قال ابن القيم في كتاب الصلاة وهو قول قوي (¬1)، أي القول بالوجوب، وصدق رحمه الله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بها، وخرج فزعًا، وقال: إنها تخويف، وخطب خطبة عظيمة، وعُرِضت عليه الجنة والنار، وكل هذه القرائن العظيمة تشعر بوجوبها؛ لأنها قرائن عظيمة، ولو قلنا: إنها ليست بواجبة، وأن الناس مع وجود الكسوف إذا تركوها مع هذا الأمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - والتأكيد فلا إثم عليهم لكان في هذا شيء من النظر، كيف يكون تخويفًا ثم لا نبالي وكأنه أمر عادي، أين الخوف؟ وهذا القول قوي جدًّا، ولا أرى أن الناس يرون الكسوف في الشمس أو القمر ثم لا يبالون به، كل في تجارته، كل في لهوه، كل في مزرعته، فهذا شيء يخشى أن تنزل بسببه العقوبة التي أنذرنا الله إياها بهذا الكسوف، فالقول بالوجوب أقوى من القول ¬
سادسا: آداب صلاة الكسوف
بالاستحباب)) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((وهي سنة مؤكدة، وقيل بالوجوب وهو قول قوي)) (¬2). سادسًا: آداب صلاة الكسوف، لصلاة الكسوف آداب عظيمة ينبغي العناية بها، ومنها: 1 - الخوف من الله تعالى عند كسوف الشمس أو القمر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله يخوِّف بهما عباده)) (¬3)؛ ولحديث أبي بردة عن أبي موسى قال: خسفت الشمس فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فَزِعًا يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلى بأطول قيام، وركوع، وسجود رأيته قط ¬
يفعله، وقال: ((هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوِّف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه، واستغفاره)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((فلعله [- صلى الله عليه وسلم -] خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط: كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الطلوع والطلوع المذكور أشياء مما ذكر، وتقع متتالية بعضها إثر بعض، مع استحضار قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ (¬2)} (¬3). فينبغي للمؤمن أن يخاف من نزول عقوبة عند كسوف الشمس أو القمر، وقد خاف النبي - صلى الله عليه وسلم - عند كسوف الشمس، فخرج فزعًا يجرُّ رداءه، وقد كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - أنه يعتني بما يحدث من الظواهر الكونية التي يجريها الله تعالى ويحثّ ¬
الناس على الدعاء والحذر من نزول العقوبات، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم الريح والغيم عُرِفَ ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سُرّ بِهِ وذهب عنه ذلك، فسألته فقال: ((إني خشيت أن يكون عذابًا سُلِّط على أمتي)) ويقول إذا رأى المطر: ((رحمة)) (¬1). وفي رواية: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عصفت الريح قال: ((اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أُرسلت به))، وإذا تخيلت السماء (¬2) تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سُرِّي عنه (¬3) فعرفتُ ذلك في وجهه، فسألته فقال: ((لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ ¬
مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬1)). وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها أيضًا أنها قالت: ((ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستجمعًا ضاحكًا حتى أرى من لهواته، إنما كان يَتَبَسَّمُ، قالت: وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرِف ذلك في وجهه، فقالت: يا رسول الله أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيتَهُ عرفتُ في وجهك الكراهية؟ قالت: فقال: ((يا عائشة ما يُؤمِّنني أن يكون فيه عذاب، قد عُذِّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} (¬2)) (¬3). قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في ذكره لفوائد روايات هذا الحديث: ((فيه الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه، وكان خوفه - صلى الله عليه وسلم - أن يعاقبوا بعصيان العصاة، ¬
وسروره؛ لزوال سبب الخوف)) (¬1)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((نُصِرتُ بالصَّبا وأهلكت عاد بالدَّبور (¬2)) (¬3). فهذا من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وشدة خوفه من عذاب الله تعالى، وشفقته على أمته، فإذا كانت هذه حاله عليه الصلاة والسلام حينما يحدث الكسوف، أو الغيم والريح؛ لأن هذه من آيات الله التي قد تكون دالة على حدوث بلية أو نازلة، أو عذاب، فكيف بحالنا في هذه الأزمان التي كَثُرت فيها المعاصي، والغفلة، والإعراض، واللهو، وغير ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فيجب علينا أن نلجأ إلى الله - عز وجل - ونلوذ به ونعتصم بحبله في جميع أحوالنا: في الرخاء والشدة، والسراء والضراء، وقد قال الله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى الله إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (¬4)، قال العلامة السعدي رحمه ¬
الله: ((فلما دعا العباد إلى النظر لآياته الموجبة لخشيته، والإنابة إليه أمر بما هو المقصود من ذلك: وهو الفرار إليه: أي الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا: فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى ذكر الله، فمن استكمل هذه الأمور فقد استكمل الدين كله، وقد زال عنه المرهوب، وحصل له نهاية المراد والمطلوب، وسمى الله الرجوع إليه فرارًا؛ لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه أنواع المحاب، والأمن والسرور، والسعادة، والفوز، فيفرُّ العبد من قضائه، وقدره، إلى قضائه وقدره، وكل من خفت منه فررت منه إلا الله تعالى، فإنه بحسب الخوف منه يكون الفرار إليه)) (¬1). ولشدة خوف النبي - صلى الله عليه وسلم - من الله - عز وجل - بكى في سجود صلاة الكسوف فينبغي الاقتداء به عليه الصلاة والسلام (¬2). ¬
2 - استحضار ما رآه النبي من الأمور العظيمة في صلاة الكسوف
2 - استحضار ما رآه النبي من الأمور العظيمة في صلاة الكسوف؛ فإن ذلك يثمر الخوف من الله - عز وجل -، فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف: الجنة والنار، وهمَّ أن يأخذ عنقودًا من الجنة فيريهم إياه، ورأى بعض عذاب أهل النار، فرأى: امرأة تعذب في هِرَّة، ورأى عمرو بن مالك بن لُحي يجرّ أمعاءه في النار وكان أول من غيّر دين إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، ورأى فيها سارق الحاج يعذب، ورأى أكثر أهل النار النساء بكفرهن لإحسان العشير، وأُوحي إليه أن الناس يفتنون في قبورهم، ورأى فيها سارق بدنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغير ذلك. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حين خطب الناس بعد صلاة الكسوف: ((يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا)). وفي رواية: ((ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر)). وفي رواية: ((لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وُعِدْتُهُ
حتى لقد رأيت أُريد أن آخذ قطفًا من الجنة حين رأيتموني جعلتُ أتقدم، ولقد رأيت جهنم يَحْطِمُ بعضُها بعضًا، حينما رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها عمرو بن لُحيّ، وهو الذي سيَّب السوائب)) (¬1). وفي رواية: ((ورأيت عمرًا يجر قُصْبَهُ (¬2) وهو أول من سيَّب السوائب)) (¬3). وفي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعد أن صلى صلاة الكسوف: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله))، قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئًا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت؟ (¬4) قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إني ¬
رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أرَ منظرًا كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء)) قالوا: بِمَ يا رسول الله؟ قال: ((بكفرهن)) قيل: يكفرن بالله؟ قال: ((يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كلَّه، ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط)) (¬1). وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته بعد أن صلى صلاة الكسوف: ((ما من شيء لم أكن أُريته إلا [وقد] رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، وإنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبًا من فتنة المسيح الدجال، يُؤتى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما ((المؤمن)) أو قال ((الموقن)) فيقال: ما علمك بهذا؟ فيقول: هو رسول الله، هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، جاءنا بالبينات والهدى، فآمنا وأجبنا، واتبعنا، وصدقنا، فيقال له: نَمْ ¬
صالحًا قد كنا نعلم أنك كنت لمؤمنًا به، وأما المنافق أو قال المرتاب شك هشام فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلتُهُ)) (¬1)، وفي لفظ لمسلم عن عائشة رضي الله عنها ترفعه: ((إني قد رأيتكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال ... )) قالت عائشة: ((فكنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يتعوَّذ من عذاب النار وعذاب القبر)) (¬2)، قال الإمام النووي رحمه الله: ((فيه إثبات عذاب القبر، وفتنته، وهو مذهب أهل الحق، ومعنى: تفتنون: تمتحنون، فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فيقول المؤمن هو رسول الله، ويقول المنافق: سمعت الناس يقولون شيئًا فقلت، هكذا جاء مفسرًا في الصحيح، وقوله: ((كفتنة الدجال)) أي فتنة شديدة جدًا، وامتحانًا هائلاً، ولكن يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)) (¬3). ¬
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يرفعه: (( ... وعرضت عليّ النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)) (¬1)، وفي رواية: (( ... وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجرُّ قُصْبَهُ في النار، كان يسرق الحاج بمحجنه، فإن فُطِنَ له قال: إنما تعلق بمحجني، وإن غُفِل عنه ذهب به ... )) (¬2). وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (( ... وعرضت عليّ النار فجعلت أنفخ خشية أن يغشاكم حرها، ورأيت فيها سارق بدنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬3) وغير ذلك من الآيات العظيمة. ¬
3 - النداء بالصلاة جامعة
3 - النداء بالصلاة جامعة؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((لَمّا كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نودي: ((إن الصلاة جامعة)) (¬1)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مناديًا ينادي أن الصلاة جامعة، فاجتمعوا واصطفوا فصلى بهم أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات)) (¬2). ومعنى ((الصلاة جامعة)) أي احضروا الصلاة في حال كونها جامعة (¬3). 4 - لا أذان لصلاة الكسوف ولا إقامة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬
5 - الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف سنة
صلاها بغير أذان ولا إقامة؛ ولأنها من غير الصلوات الخمس، فأشبهت سائر النوافل (¬1)، ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله عن ابن دقيق العيد قوله: ((وقد اتفقوا على أنه لا يُؤَذَّنُ لها ولا يُقام)) (¬2). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويُسَنُّ أن ينادى لها: الصلاة جامعة .. ولا يسن لها أذان ولا إقامة)) (¬3). 5 - الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف سنة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف بقراءته، فإذا فرغ من قراءته كبَّر فركع، وإذا رفع من الركعة قال: ((سمع الله لمن حمدهُ ربنا ولك الحمد)) ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات)) (¬4)، ويجهر بالقراءة ليلاً كان أو ¬
6 - صلاة الكسوف جماعة في المسجد
نهارًا؛ لحديث عائشة رضي الله عنها؛ ولأنها نافلة شرعت لها الجماعة فكان من سنتها الجهر، كصلاة الاستسقاء، والعيد، والتراويح (¬1) (¬2). 6 - صلاة الكسوف جماعة في المسجد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((ثم ركب رسول الله ذات غداة مركبًا (¬3) فكسفت الشمس فرجع ضُحَىً فمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين ظهراني الحُجر (¬4) ثم قام فصلى وقام الناس وراءه ... )) وفي لفظ لمسلم: ((فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد فقام وكبر وصفَّ الناس وراءه ... )) (¬5). ¬
7 - صلاة النساء خلف الرجال في صلاة الكسوف
وذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله أن السنة في صلاة الكسوف أن تُصلى جماعة في المسجد؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز أن تُصلى فرادى، ولكن فعلها في الجماعة أفضل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة جماعة، والسنة أن يصلوا في المسجد (¬1). 7 - صلاة النساء خلف الرجال في صلاة الكسوف؛ لأن عائشة وأسماء رضي الله عنهما صلَّتا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الكسوف، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: ((أتيت عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - – حين خسفت الشمس – فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها إلى السماء، وقالت: سبحان الله، فقلتُ: آية؟ فأشارت أي نعم، قالت: فقمت حتى تجلاني الغَشْيُ (¬2) فجعلت أصب فوق رأسي ¬
الماء ... ))، وفي لفظ مسلم: ((خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخلت على عائشة وهي تصلي، فقلت ما شأن الناس يصلون؟ فأشارت برأسها إلى السماء، فقلت: آية؟ فأطال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القيام جدًا حتى تجلاّني الغشيُّ فأخذت قربة من ماء إلى جنبي فجعلت أصبُّ على رأسي أو على وجهي من الماء، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تجلّت الشمس ... )) (¬1). وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله: ((باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف)) (¬2)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك، وقال: يصلين فرادى)) (¬3). ¬
8 - تصلى صلاة الكسوف في السفر
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وتشرع في حق النساء؛ لأن عائشة وأسماء صلتا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1)، وقال الإمام النووي رحمه الله: ((وفيه استحباب صلاة الكسوف للنساء، وفيه حضورهن وراء الرجال)) (¬2). 8 - تُصلَّى صلاة الكسوف في السفر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا)) (¬3)، قال ¬
9 - الإطالة في صلاة الكسوف على حسب تحمل المصلين
الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وتشرع في الحضر والسفر، بإذن الإمام وغير إذنه)) (¬1). 9 - الإطالة في صلاة الكسوف على حسب تَحَمُّلِ المصلين؛ لحديث أسماء رضي الله عنها، وفيه: ((فأطال رسول الله القيام جدًّا حتى تجلاني الغَشْيُ فأخذت قربة من ماء إلى جنبي فجعلت أصب على رأسي أو على وجهي من الماء ... )) (¬2). وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى فقام قيامًا طويلاً [في القيام الأول]: ((نحوًا من قراءة سورة البقرة ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع فقام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول ... )) (¬3). فالسنة تطويل صلاة الكسوف تطويلاً لا يشقُّ على الناس (¬4)، وفي حديث جابر - رضي الله عنه -: ((فصلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
10 - الخطبة في صلاة الكسوف سنة
بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرّون ... )) (¬1). 10 - الخطبة في صلاة الكسوف سُنَّة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج مخرجًا فخُسف بالشمس فخرجنا إلى الحجرة فاجتمع إلينا نساءٌ وأقبل إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك ضحوةً، فقام قيامًا طويلاً، ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع رأسه فقام دون القيام الأول، ثم ركع دون ركوعه، ثم سجد ثم قام الثانية، فصنع مثل ذلك إلا أن قيامه وركوعه دون الركعة الأولى، ثم سجد وتجلت الشمس، فلما انصرف قعد على المنبر فقال فيما يقول: ((إن الناس يفتنون في قبورهم كفتنة الدجال)) وفي رواية: قالت عائشة رضي الله عنها: ((كنا نسمعه بعد ذلك يتعوَّذ من عذاب القبر)) (¬2). وخلاصة ما جاء في الأحاديث الصحيحة في خطبة ¬
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بعد أن سلَّم من صلاة الكسوف قعد على المنبر (¬1)، فخطب، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد (¬2) ثم قال: ((يا أيها الناس إنّما الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك: فاذكروا الله، وكبِّروا))، وأمر بالصدقة، والعتق، والاستغفار، والدعاء (¬3) وقال: ((فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة فصلوا حتى ينكشف ما بكم)) (¬4). وقال: ((يا أمة محمد ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا)) (¬5). وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى الجنة وأراد أن يأخذ منها عنقودًا ولو أخذه لأكلوا منه ما بقيت الدنيا، ورأى النار يحطم بعضها بعضًا، ¬
ورأى أكثر أهلها النساء (¬1)، وأخبر عن فتنة القبر وعذاب القبر (¬2)، ورأى امرأة تعذَّب في النار في هرة حبستها، ورأى فيها سارق الحاج صاحب المحجن (¬3)، ورأى عمرو بن لحي الذي غيَّر دين إبراهيم يجر أمعاءه في النار (¬4)، ورأى فيها سارق بدنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5)، وقال: ((إنه عرض عليّ كل شيء تولجونه)) (¬6)، أي تدخلونه: من جنة، ونار، وقبر، ومحشر (¬7). فهذه خطبة عظيمة وعظ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه موعظة بليغة (¬8). ¬
11 - الفزع إلى ذكر الله، والدعاء، والاستغفار
11 - الفزع إلى ذكر الله، والدعاء، والاستغفار، والتكبير، والعتق، والصدقة، والصلاة، والتعوذ من عذاب النار وعذاب القبر؛ للأحاديث الكثيرة في ذلك، ومنها: حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -، وفيه: (( ... فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا الله)) (¬1). وحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: ((فإذا رأيتم ذلك، فاذكروا الله، وكبِّروا، وصلوا، وتصدقوا)). وفي لفظ: ((فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)) (¬2). ¬
سابعا: صفة صلاة الكسوف
وحديث أبي موسى - رضي الله عنه -، وفيه: ((فإذا رأيتم شيئًا من ذلك، فافزعوا إلى ذكر الله، ودعائه واستغفاره)) (¬1). وحديث أسماء رضي الله عنها قالت: ((لقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعتاقة في كسوف الشمس)) (¬2). وحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: ((ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر)) (¬3). ويتعوذوا من فتنة القبر (¬4). سابعًا: صفة صلاة الكسوف على النحو الآتي: 1 - يكبِّر تكبيرة الإحرام. 2 - يقرأ دعاء الاستفتاح. 3 - يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويقول بسم الله الرحمن الرحيم. ¬
4 - يقرأ الفاتحة وسورة طويلة جهرًا (¬1). 5 - يكبر ويركع ركوعًا طويلاً يكرر فيه دعاء الركوع. 6 - يرفع ويقول سمع الله لمن حمده، ويقول بعد أن يعتدل: ربنا ولك الحمد. 7 - يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون السورة الأولى (¬2) بحيث يتميَّز القيام الأول عن القيام الثاني (¬3). 8 - يكبر ويركع ركوعًا طويلاً دون الركوع الأول بحيث يتميز الركوع الأول عن الركوع الثاني. 9 - يرفع ويقول: سمع الله لمن حمده، ويقول بعد أن يعتدل: ربنا ولك الحمد، والصواب إطالة هذا الاعتدال بقدر الركوع (¬4). ¬
10 - يكبر ويسجد سجودًا طويلاً بقدر الركوع (¬1). 11 - يكبر ويرفع فيجلس بين السجدتين والصواب إطالة هذا الجلوس بقدر السجود (¬2). 12 - يكبر ويسجد سجودًا طويلاً وهو دون السجود الأول (¬3). 13 - يكبر ويقوم للركعة الثانية فيصليها مثل الركعة الأولى: بقراءتين، وركوعين، وسجودين إلا أن كل قراءة وقيام وسجود أول أطول من الذي بعده (¬4). 14 - يجلس للتشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. 15 - ينصرف بالتسليمتين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم خسفت الشمس، فقام فكبر، فقرأ قراءة طويلة. ثم ركع ركوعًا طويلاً. ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده. وقام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول. ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول. ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، [ثم سجد] سجودًا طويلاً. ثم قام فقام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول. ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول. ثم قام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول. ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول. ثم سجد وهو دون السجود الأول، ثم انصرف (¬1). ¬
وهذه الصفة لصلاة الكسوف هي المعتمدة (¬1)، وهي ¬
الصواب؛ لأن الأحاديث الصحيحة دلّت عليها (¬1) (¬2). ¬
والله - عز وجل - الموفق للصواب (¬1) وهو الذي يهدي إلى سواء السبيل (¬2). ¬
ثامنا: وقت صلاة الكسوف
ثامنًا: وقت صلاة الكسوف من وقت ابتداء الكسوف إلى ذهابه وانجلائه؛ لحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فانكسفت الشمس، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجرُّ رداءه حتى دخل المسجد، فدخلنا فصلى بنا ركعتين حتى انجلت الشمس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)) وفي رواية: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان لموت أحد، وإذا كان ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)) (¬1)؛ ولحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - وفيه: (( ... إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجليَ)) (¬2). وفي حديث عائشة رضي الله عنها: ((فإذا رأيتم كسوفًا فاذكروا الله حتى ينجليا)) (¬3). وهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن ¬
صلاة كسوف الشمس تفوت بأمرين:
وقت صلاة الكسوف من حين الكسوف إلى التجليِّ، فإن فات لم تُقْضَ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الانجلاء غاية للصلاة؛ ولأن الصلاة إنما شرعت رغبة إلى الله في ردها، فإذا حصل ذلك حصل مقصود الصلاة، وإن انجلت وهو في الصلاة أتمها خفيفة، وإن استترت الشمس والقمر بالسحاب وهما مكسوفان صلى؛ لأن الأصل بقاء الكسوف، وإن غابت الشمس كاسفة أو طلعت على القمر وهو خاسف لم يصل؛ لأنه قد ذهب وقت الانتفاع بنورهما، وإن فرغ من الصلاة والكسوف قائم لم يزد صلاة أخرى، وإنما يشتغل بالذكر، والدعاء، والاستغفار؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزد على ركعتين، وإن غاب القمر ليلاً وهو كاسف لم يصل كالشمس إذا غابت؛ لأن ما يُصلَّى من أجل كسوفه قد غاب، وقيل يصلِّي؛ لأن وقت سلطانه باقٍ (¬1)، فظهر أن صلاة كسوف الشمس تفوت بأمرين: ¬
وأما صلاة خسوف القمر فتفوت بأمرين أيضا
الأمر الأول: الانجلاء، فإذا انجلت كلها لم يصلِّ. الأمر الثاني: إذا غابت كاسفة فلا يصلي بعد الغروب، وأما صلاة خسوف القمر فتفوت بأمرين أيضًا: الأمر الأول: الانجلاء. الأمر الثاني: طلوع الشمس. أما إذا طلع الفجر والقمر خاسف، فإنه يصلي صلاة الكسوف إذا لم يمنع ضوء القمر إلا الكسوف؛ لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي)) (¬1)؛ ولأن سلطان القمر لم يذهب بالكلية فيشرع لكونه صلاة الكسوف (¬2)،وهو الذي اختاره شيخنا عبد العزيز ابن باز رحمه الله؛ لظاهر الأدلة (¬3)، وقال: ((والأفضل البدار بذلك ¬
قبل صلاة الفجر، وهكذا لو كسفت في آخر الليل ولم يعلم إلا بعد طلوع الفجر فإنه يشرع البدء بصلاة الكسوف ثم يصلي صلاة الفجر بعد ذلك، مع مراعاة تخفيف صلاة الكسوف حتى يصلي الفجر في وقتها)) (¬1)، واختاره أيضًا العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - إذا لم يمنع من ضوء القمر إلا الكسوف، أما إن كان النهار قد انتشر، ولم يبق إلا القليل على طلوع الشمس فهنا قد ذهب سلطانه والناس لا ينتفعون به (¬2). وإذا كسفت الشمس بعد صلاة العصر، أو القمر بعد طلوع الفجر، فالصواب أنه يشرع للمصلين أن يبادروا للصلاة؛ لأن صلاة الكسوف من الصلوات ذوات الأسباب التي يجوز أن تُصلَّى في وقت النهي على الصحيح من قولي أهل العلم (¬3). ¬
تاسعا: تدرك الركعة من صلاة الكسوف بإدراك الركوع الأول
وإذا اجتمع كسوف وجمعة، أو كسوف وصلاة فريضة، أو كسوف ووتر، بدأ بأخوفهما فوتًا، فإن خيف فوتهما بدأ بالواجبة (¬1). تاسعًا: تدرك الركعة من صلاة الكسوف بإدراك الركوع الأول، فمن أدرك الركوع الأول فقد أدرك الركعة، ومن لم يدرك إلا الركوع الثاني فلا يعتد بهذه الركعة وعليه أن يقضي كل ركعة فاتته بركوعين؛ لأن العبادات توقيفية؛ ولأن الركوع الأول هو الركن، وهذا هو الصواب من أقوال أهل العلم (¬2). عاشرًا: الصلاة للآيات: كالزلزلة، والرجفة الشديدة، والريح الشديدة، وبياض الليل، وسواد النهار، والصواعق ¬
المخيفة الشديدة، وكثرة المطر، وغير ذلك من الآيات المخيفة، اختلف العلماء رحمهم الله تعالى على ثلاثة أقوال: القول الأول: لا يصلّى لأي آية إلا للزلزلة الدائمة وهو مذهب الحنابلة، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((قال أصحابنا: يُصلَّى للزلزلة كصلاة الكسوف، نص عليه، وهو مذهب إسحاق، وأبي ثور، قال القاضي: ولا يصلي للرجفة، والريح الشديدة، والظلمة ونحوها، وقال الآمدي: يصلي لذلك، ورمي الكواكب، والصواعق، وكثرة المطر، وحكاه عن ابن أبي موسى (¬1). وقال المرداوي رحمه الله: قوله: لا يصلي لشيء من الآيات إلا الزلزلة الدائمة: ((هذا المذهب إلا ما استثني، وعليه أكثر الأصحاب بل جماهيرهم، لِمَا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى للزلزلة (¬2)،وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (¬3)، وعنه يصلي لكل ¬
آية، وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا قول محققي أصحابنا وغيرهم، كما دلت عليه السنن والآثار، ولولا أن ذلك قد يكون سببًا لشر وعذاب لم يصح التخويف به ... )) (¬1). القول الثاني: لا يُصلِّي لشيء من الآيات إلا الكسوف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصلِّ لغيره، ولا خلفاؤه، وقد كان في عصره بعض هذه الآيات، ولم يصلِّ لها إلا للكسوف، وهذا قول الإمام مالك والشافعي (¬2). القول الثالث: يصلِّي لكل آية تخويف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علل الكسوف بأنه آية من آيات الله يخوِّف بها عباده؛ ولأن ابن عباس صلى للزلزلة بالبصرة (¬3)؛ ولِمَا روي عن علي - رضي الله عنه - (¬4)؛ ولِمَا ورد عن حذيفة - رضي الله عنه - أنه صلى بأصحابه بالمدائن مثل صلاة ابن عباس في الآيات (¬5)، وهو مذهب ¬
الإمام أبي حنيفة، وابن حزم، ورواية عن أحمد (¬1)، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (¬2)، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((وهو كما ترون له قوة عظيمة)) (¬3)، واختار شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله أنه لا يصلي لأي آية إلا الكسوف، لا الزلزلة ولا غيرها؛ لأنه قد عُلِم من السنة أن العبادات توقيفية لا يشرع منها إلا ما دلّ عليه الكتاب والسنة الصحيحة (¬4)، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. ¬