صلاة الغائب

حسام الدين عفانة

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}. وبعد: فقد اعتاد المصلون في بلادنا فلسطين أن يصلوا صلاة الغائب في مناسبات كثيرة عند وفاة شخص أو أشخاص في بلاد أخرى. وقد رأيتهم يصلون صلاة الغائب على الشهداء الذين يستشهدون في أماكن أخرى فرغبت أن أدرس صلاة الغائب دراسة علمية متأنية فرجعت إلى كتب السنة المشرفة فجمعت الأحاديث التي ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغائب وأوردت كلام أهل الحديث عليها. وتبين لي بعد البحث والتنقيب أنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الغائب الا صلاته عليه

الصلاة والسلام على النجاشي وما عدا ذلك فغير ثابت عند المحدثين أهل هذا الشأن، وأتبعت ذلك بدراسة صلاة الغائب عند الفقهاء فذكرت أقوال الفقهاء فيها وأدلتهم وردودهم ورجحت ما أيده الدليل فيما ظهر لي. ثم ذكرت بعض المسائل الفقهية المتعلقة بصلاة الغائب مثل صلاة الغائب على الشهداء وقدمت لهذه الدراسة بتمهيد موجز ذكرت فيه ما ينبغي على المسلم من الاستعداد للموت وكراهة تمني الموت والصبر عند الموت وذكرت أنه يندب للمسلم حضور الجنازة وتشييعها. ثم عرفت صلاة الجنازة وبينت أن صلاة الغائب هي صلاة الجنازة مع كون الميت غير حاضر أمام المصلين. وأخيراً فإني أشكر أهل الخير الذين طبعوا هذا الكتاب على نفقتهم وأسأل الله العلي العظيم أن يجزيهم خير الجزاء وأن يتقبل منا ومنهم صالح الأعمال. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه الدكتور حسام الدين موسى عفانة أبوديس - القدس. فجر يوم الأربعاء الخامس عشر من شعبان 1417هـ. وفق الخامس والعشرين من كانون الأول 1996.

تمهيد

تمهيد الموت حق:- الموت حق وصدق قدره الله سبحانه وتعالى على كل نفس، وهو سيف مسلط على رقاب العباد لا ينجو منه أحد، قال الله تعالى {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلى متاع الغرور} سورة آل عمران الآية 185. وقال جل جلاله {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} سورة الأنبياء الآية 35. وقال أيضاً {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون} ... سورة العنكبوت الآية 57. وهذه الحقيقة القاطعة مسلمة لا شك ولا ريب فيها ويتساوى فيها الناس جميعاً الأنبياء وغيرهم، الصالحون والفاسدون، المؤمنون والكافرون قال تعالى مخاطباً نبينا محمد صلى الله عليه وسلم {إنك ميت وإنهم ميتون} ... سورة الزمر الآية 30. وسيقبض ملك الموت روح كل إنسان عند انتهاء أجله بغض النظر عن مكانه قال تعالى {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بم ثم إلى ربكم ترجعون} سورة السجدة الآية 11. وقال تعالى {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} سورة النساء الآية 78.

الاستعداد للموت

الاستعداد للموت:- إن الإنسان في هذه الدنيا كالشخص المسافر الذي يستعد لسفره بإعداد أمتعته وأطعمته وحاجياته والمسلم يستعد للسفر من هذه الدنيا التي هي معبر وممر الآخرة دار المقام والمقر فلا بد له من الاستعداد الدائم للموت ومما يعين على ذلك الاستعداد تذكر الموت فقد ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الشيخ الألباني حسن صحيح (¬1). وجاء في الحديث عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه: استحيوا من الله حق الحياء. قالوا: إنا نستحي من الله يا نبي الله، والحمد لله. قال: ليس ذلك ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء) رواه أحمد والترمذي وقال هذا حديث غريب ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني: حسن (¬2). ¬

_ (¬1) صحيح سنن الترمذي 2/ 266، صحيح سنن النسائي 2/ 393، صحيح سنن ابن ماجة 2/ 419 شرح السنة 5/ 261 مشكاة المصابيح 1/ 504. (¬2) انظر الفتح الرباني 19/ 90 مشكاة المصابيح 1/ 504 صحيح سنن الترمذي 2/ 266.

وورد في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كفى بالموت واعظاً وكفى باليقين غنى وكفى بالعبادة شغلاً (¬1). وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: من أكثر ذكر الموت قلَ حسده وقلَّ فرحه. (¬2). ومن الأمور التي تذكر بالموت زيارة القبور فإن الزائر للقبور يتعظ بذلك ويتذكر أن حاله سيصير كحال أصحاب القبور فقد ورد في الحديث عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ولتزدكم زيارتها خيراً فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجراً) رواه مسلم وأبو داود وأحمد وغيرهم (¬3). وقوله ولا تقولوا هجراً أي كلاماً باطلاً (¬4). وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجرا) رواه أحمد والحاكم وسنده حسن كما قال الشيخ الألباني) (¬5). ¬

_ (¬1) شرح السنة 5/ 266. (¬2) المصدر السابق. (¬3) صحيح مسلم بشرح النووي 7/ 40 عون المعبود 9/ 41 الفتح الرباني 8/ 158. (¬4) أحكام الجنائز ص 178. (¬5) المصدر السابق ص180 وانظر الفتح الرباني 8/ 158.

كراهية تمني الموت

كراهية تمني الموت:- ومع أن المسلم مطالب بالاستعداد للموت إلا انه يكره في حقه تمني الموت تخلصاً من مصاعب الحياة وهمومها فقد ورد في الحديث عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا يتمنين أحدكم الموت من ضرٍ أصابه فإن كان لا بد فاعلاً فليقل اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً" رواه البخاري ومسلم (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "لا يتمنى أحدكم الموت إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب" رواه البخاري (¬2). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن، الرسول صلى الله عليه وسلم قال "لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به قبل أن يأتيه إنه إذا مات أنقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً" رواه مسلم (¬3). قال الإمام النووي بعد أن ساق حديث أنس "فيه التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من مرض أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق فأما إذا خاف ضرراً في دينه أو فتنة فيه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث وغيره. وقد فعل هذا الثاني خلائق من السلف عند خوف الفتنة في أديانهم" (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري مع الفتح 12/ 232 صحيح مسلم مع شرح النووي 17/ 179. (¬2) صحيح البخاري مع الفتح 12/ 234 - 235. (¬3) صحيح مسلم مع شرح النووي 17/ 180. (¬4) شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 179.

الصبر عند الموت

ويطلب من المسلم إذا نزل به الموت أن يتلقاه بالرضا والسرور حباً للقاء الله عز وجل كما قال المنذري (¬1) لما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "من أحب لقاء الله أحب الله لقائه ومن كره لقاء الله كره الله لقائه. فقلت يا نبي الله أكراهية الموت فكلنا يكره الموت؟ قال ليس ذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه " ... رواه البخاري ومسلم (¬2). الصبر عند الموت: لا ريب أن فقد الأحباب من الأهل والأولاد والآباء والأمهات والأقارب والأصدقاء من المصائب الشديدة الوقع على النفس الإنسانية والمطلوب من المسلم عند حلول المصيبة الصبر الجميل فإنه إن صبر واحتسب ذلك عند الله فله جزيل الأجر والثواب. يقول الله تعالى {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} سورة البقرة الآيات 155 - 157. وقال تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} ... سورة الزمر الآية 10. ¬

_ (¬1) الترغيب والترهيب 4/ 232. (¬2) صحيح البخاري مع الفتح 14/ 145 وصحيح مع شرح النووي 17/ 180.

شهود الجنازة والصلاة عليها وتشييعها

وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه الا الجنة) رواه البخاري (¬1). وعن أنس رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتقي الله واصبري فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه. قال: فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم. قال فأخذها مثل الموت قال: فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى" رواه البخاري ومسلم (¬2). شهود الجنازة والصلاة عليها وتشييعها:- يستحب للمسلم أن يشهد جنازة أخيه المسلم حتى يصلى عليها ويدفن بل إن ذلك من حق المسلم على أخيه المسلم. وقد ورد في ذلك أحاديث منها:- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإبراء المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام" رواه البخاري ومسلم (¬3). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله ¬

_ (¬1) صحيح البخاري مع الفتح 14/ 17. (¬2) صحيح البخاري مع الفتح 3/ 391، صحيح مسلم مع شرح النووي 6/ 525. (¬3) صحيح البخاري مع الفتح 11/ 151 صحيح مسلم مع شرح النووي 13/ 216.

صلاة الجنازة وحكمها وفضلها

قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل وما القيراطان؟ قال مثل الجبلين العظيمين) رواه البخاري ومسلم (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: {من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط} ... رواه البخاري (¬2). صلاة الجنازة وحكمها وفضلها:- ذهب جماهير الفقهاء إلى أن صلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين وقد نقل الإمام النووي الإجماع على ذلك. (¬3). وقال بعض المالكية صلاة الجنازة سنة (¬4). وقول الجمهور هو الصحيح. وقد ورد في الحث على صلاة الجنازة أحاديث منها: 1 - عن مالك بن هبيرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {ما من مؤمن يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له} رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه والحاكم وصححه. وقال الإمام النووي حديث حسن (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري مع الفتح 3/ 440 صحيح مسلم مع شرح النووي 7/ 14. (¬2) صحيح البخاري مع الفتح 1/ 116. (¬3) المجموع 5/ 212، مغني المحتاج 2/ 26 حاشية ابن عابدين 2/ 207 الموسوعة الفقهية 16/ 17. (¬4) الذخيرة 2/ 456. (¬5) الفتح الرباني 7/ 201، عون المعبود 8/ 311، سنن ... البيهقي 4/ 30، فتح الباري 3/ 430، المجموع 5/ 212.

تعريف الصلاة على الغائب

2 - وعن عائشة رضي الله عنها إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه" رواه مسلم (¬1). 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه" رواه مسلم (¬2). وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أنه كان يصلي على الجنازة (¬3). تعريف الصلاة على الغائب: الأصل في صلاة الجنازة أن تكون على ميت حاضر موجود بين يدي الإمام والمصلين ويكون الميت موضوعاً على الأرض تجاه القبلة. وقد اختلف الفقهاء في شرط حضور جثة الميت بين يدي المصلين فاشترط ذلك الحنفية والمالكية وبناء على ذلك لا تشرع عندهم الصلاة على الميت الغائب. جاء في الدر المختار (وشرطها - أي صلاة الجنازة- أيضاً حضوره ووضعه- أمام المصلي وكونه للقبلة فلا تصح على غائب). (¬4). وقال القرافي (ويصلى على كل ميت مسلم حاضر) (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم مع شرح النووي 7/ 17. (¬2) المصدر السابق. (¬3) انظر صحيح البخاري مع الفتح 3/ 430، 433، 435، 442، 444، 448، 451 وغير ذلك. (¬4) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 2/ 208. (¬5) الذخيرة 2/ 468.

وأجاز الشافعية والحنابلة الصلاة على الميت الغائب كما سيأتي تفصيل ذلك لاحقاً. وبهذا يظهر لنا أن صلاة الغائب هي صلاة الجنازة مع كون الميت غير حاضر أي غائب ومن هنا سميت صلاة الغائب. وبما أن صلاة الغائب هي صلاة الجنازة بالقيد المذكور فهي عبارة عن أربع تكبيرات عند جمهور الفقهاء وقد ثبتت فيها أحاديث كثيرة (¬1). وكيفيتها: أن يرفع المصلي يديه في التكبيرة الأولى فقط وهو القول المعتمد في مذهب الحنفية ومذهب المالكية ولا يرفع في سائر التكبيرات وهذا اختيار ابن حزم والشوكاني (¬2). واختاره أيضا الشيخ الألباني فقال (ولم نجد في السنة ما يدل على مشروعية الرفع في غير التكبيرة الأولى فلا نرى مشروعية ذلك) (¬3). ثم يضع يمينه على يساره على صدره ويقرأ الفاتحة ثم يكبر التكبيرة الثانية دون أن يرفع يديه كما سبق ثم يأتي بالصلاة الإبراهيمية ثم يكبر التكبيرة الثالثة وبعدها يخلص الدعاء للميت والسنة أن يدعو بالأدعية المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم (¬4) ثم يكبر التكبيرة الرابعة ثم يسلم تسليمتين (¬5). ¬

_ (¬1) انظرها في أحكام الجنائز للألباني ص 111 - 112. (¬2) حاشية ابن عابدين 2/ 212 الذخيرة 2/ 463، نيل الأوطار 4/ 71، المحلى 3/ 408. (¬3) أحكام الجنائز ص116. (¬4) انظر هذه الأدعية المأثورة في المصدر السابق ص 123 - 126. (¬5) انظر تفصيل صلاة الجنازة في الفقه الإسلامي وأدلته 6/ 486 فما بعدها فقد ذكر كيفيتها عند المذاهب الأربعة. وانظر أحكام الجنائز للألباني فقد ذكر كيفيتها كما ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ص 111 فما بعدها.

المبحث الأول الأحاديث الواردة في صلاة الغائب

المبحث الأول الأحاديث الواردة في صلاة الغائب وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة أنه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الغائب على عدد من الصحابة الذين ماتوا في أماكن بعيدة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولم يحضر موتهم ولا دفنهم وهؤلاء الصحابة الذين وقفت على الروايات الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام وتفيد أنه صلى عليهم صلاة الغائب أربعة وهم: 1 - النجاشي ملك الحبشة. 2 - معاوية بن معاوية الليثي أو المزني. 3 - زيد بن حارثة. 4 - جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم. وهذه الروايات بعضها ثابت بطريق صحيح أو حسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضها ضعيف لا يثبت ولا يصلح للاستدلال به وهذا عرض لتلك الروايات: أولاً: الروايات الواردة في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي. وردت روايات كثيرة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي عن جماعة من الصحابة وهم جابر بن عبد الله وأبو هريرة وعمران بن حصين وحذيفة بن أسيد وعبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمر وجرير بن عبد الله وأبي سعيد ومجمع بن جارية وهي:

1 - روى الإمام البخاري بسنده عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكنت في الصف الثاني أو الثالث" (¬1). 2 - وروى الإمام البخاري بسنده عن عطاء أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه قال فصففنا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه ونحن صفوف" (¬2). 3 - وروى الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي ثم تقدم فصفوا خلفه فكبر أربعاً" (¬3). 4 - وفي رواية أخرى عند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي صاحب الحبشة اليوم الذي مات فيه فقال استغفروا لأخيكم" (¬4). 5 - وفي رواية أخرى عند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صف بهم بالمصلى فكبر عليه أربعاً" (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري مع الفتح 3/ 429. (¬2) المصدر السابق 3/ 430. (¬3) المصدر السابق 3/ 430. (¬4) المصدر السابق 3/ 442. (¬5) المصدر السابق 3/ 442.

6 - وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي الزبير عن جابر ابن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أخا لكم قد مات فقوموا فصلوا عليه. قال فقمنا فصفنا صفين" (¬1). 7 - وروى الامام مسلم بسنده عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما حدثاه عن أبي هريرة أنه قال: نعى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه فقال: إستغفروا لأخيكم" (¬2). 8 - وفي رواية أخرى عند مسلم عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه حدثه ان الرسول عليه الصلاة والسلام صف بهم بالمصلى فصلى فكبر عليه أربع تكبيرات" (¬3) 9 - وروى الامام مسلم بسنده عن سعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي فكبر عليه أربعاً" (¬4). 10 - وروى الامام مسلم بسنده عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مات اليوم عبد لله صالح أصحمة فأمنا وصلى عليه" (¬5). 11 - وروى الامام مسلم بسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن اخا لكم قد مات فقوموا فصلوا عليه. يعني النجاشي، وفي رواية زهير ... "إن أخاكم" (¬6). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم مع شرح النووي 7/ 22. (¬2) المصدر السابق 7/ 22 - 23. (¬3) المصدر السابق 7/ 22 - 23. (¬4) المصدر السابق 7/ 23. (¬5) المصدر السابق 7/ 23. (¬6) المصدر السابق 7/ 22.

12 - وعن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم فقال: صلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم قالوا من هو يا رسول الله؟ قال: أصحمة النجاشي، فقاموا فصلوا عليه" رواه أحمد واللفظ له وابن ماجة والطيالسي بسند صحيح كما قال الشيخ الألباني وقال في موضع آخر صحيح (¬1). 13 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن اخاكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه قال: فنهض ونهضنا حتى انتهى إلى البقيع فتقدم وصففنا خلفه فكبر عليه أربعا" رواه أحمد وابن ماجة والطيالسي وأصله في الصحيحين. (¬2). 14 - وعن مجمع بن جارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان أخا لكم قد مات فقوموا فصلوا عليه فصففنا صفين" رواه أحمد وابن ماجة وابن أبي شيبة بسند صحيح كما قال الشيخ الألباني وقال في الزوائد: اسناده صحيح ورجاله ثقات (¬3). 15 - وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخاكم النجاشي توفي فقوموا فصلوا عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوا خلفه ¬

_ (¬1) سنن اين ماجة 1/ 491، الفتح الباري 7/ 220، إرواء الغليل 3/ 177، صحيح سنن ابن ماجة 1/ 256. (¬2) إرواء الغليل 3/ 177، الفتح الرباني 7/ 218 - 219، سنن ابن ماجة 1/ 490. (¬3) إرواء الغليل 3/ 176، سنن ابن ماجة 1/ 491 زوائد سنن ابن ماجة مع السنن 1/ 491.

وكبر أربعاً وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه" رواه ابن حبان وإسناده صحيح كما قال الشيخ الأرناؤوط ورواه أحمد بنحوه (¬1). 16 - وفي رواية لأحمد "وما نحسب الجنازة إلا موضوعة بين يديه" قال الشيخ الألباني وإسناده صحيح متصل (¬2). 17 - وفي رواية للترمذي "فقما فصففنا كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلىعلى الميت" قال الشيخ الألباني صحيح (¬3). 18 - وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اخاكم النجاشي قد مات فإستغفروا له" رواه أحمد وسنده جيد (¬4) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات (¬5). 19 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي" رواه أحمد (¬6). وقال الهيثمي وفيه رجل لم يسم (¬7). 20 - وعن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على النجاشي فكبر عليه أربعاً" رواه ابن ماجة والبزار والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني رجال الصحيح كما قال الهيثمي (¬8) وقال في الزوائد: اسناده صحيح ورجاله ثقات (¬9). ¬

_ (¬1) صحيح ابن حبان 7/ 369، الفتح الرباني 7/ 220. (¬2) إرواء الغليل 3/ 176. (¬3) صحيح سنن الترمذي 1/ 304. (¬4) الفتح الرباني 7/ 220 - 221. (¬5) مجمع الزوائد 3/ 39. (¬6) الفتح الرباني 7/ 221. (¬7) مجمع الزوائد 3/ 37. (¬8) مجمع الزوائد 3/ 38. (¬9) زوائد سنن ابن ماجة مع السنن 1/ 491.

21 - وعن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على النجاشي حين نعي. فقيل يا رسول الله تصلي على عبد حبشي فأنزل الله عز وجل {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} الآية. رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني ثقات كما قال الهيثمي (¬1). 22 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفاة النجاشي قال اخرجوا فصلوا على أخ لكم لم تروه قط فخرجنا وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وصفنا خلفه فصلى وصلينا فلما إنصرفنا قال المنافقون إنظروا إلى هذا خرج فصلى على علج نصراني لم يره قط فأنزل الله تعالى {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ... الخ الآية} قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف. وقال الساعاتي: وله شاهد يقويه (¬2). يشير إلى حديث أنس السابق. ويضاف إلى ما سبق أحاديث أخرى وردت في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي ساقها الهيثمي وتكلم عليها (¬3). ¬

_ (¬1) مجمع الزوائد 3/ 38. (¬2) المصدر السابق 3/ 38 والفتح الرباني 7/ 221. (¬3) مجمع الزوائد 3/ 38 - 39.

ثانيا: الروايات الواردة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على معاوية بن معاوية الليثي أو المزني

ثانياً: الروايات الواردة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على معاوية بن معاوية الليثي أو المزني:- 1 - قال البيهقي (أخبرنا أبو محمد بن عبد الله بن يوسف من أصل كتابه أنبأ أبو سعيد الاعرابي أنبأ الحسن بن محمد الزعفراني نبأنا يزيد بن هارون أنبأ العلاء أبو محمد، قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فطلعت الشمس بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى فأتى جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا جبرئيل مالي أرى الشمس طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى فقال ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم فبعث الله عز وجل إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه قال: وفيم ذلك؟ قال: كان يكثر قراءة قل هو الله أحد بالليل والنهار وفي ممشاه وقيامه وقعوده فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه قال نعم فصلى عليه ثم رجع). قال البيهقي (العلاء هذا - أحد رجال السند - هو ابن زيد ويقال ابن زيدل يحدث عن أنس بن مالك بمناكير. أخبرنا أبو سعد الماليني أنبأ أبو أحمد بن عدي ثنا الجنيدي ثنا البخاري قال: العلاء بن زيد أبو محمد الثقفي عن أنس روى عنه يزيد بن هارون منكر الحديث) (¬1). ¬

_ (¬1) سنن البيهقي 4/ 50 - 51 وانظر دلائل النبوة 5/ 245.

2 - وقال البيهقي أيضا (أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنبأ أبو سهل بن زياد القطان ثنا إسماعيل بن اسحق القاضي ثنا عثمان بن الهيثم ثنا محبوب بن هلال عن ابن أبي ميمونة يعني عطاء عن انس بن مالك قال نزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد: مات معاوية بن معاوية المزني أفتحب أن تصلي عليه قال نعم قال فضرب جبريل عليه السلام بجناحه فلم تبق شجرة ولا أكمة الا تضعضعت ورفع له سريره حتى نظر إليه وصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة كل صف سبعون الف ملك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام يا جبريل: بما نال هذه المنزلة فقال بحبه قل هو الله أحد وقراءته إياها جائياً وذاهباً وقائماً وقاعداً). أخبرنا أبو سعد الماليني أنبا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال محبوب بن هلال مزني عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس نزل جبريل عليه السلام لا يتابع عليه سمعت ابن حماد يذكره عن البخاري) (¬1). 3 - وذكر الهيثمي رواية أخرى لحديث أنس المتقدم وقال (رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير وفي إسناد أبي يعلى محمد بن إبراهيم بن العلاء وهو ضعيف جدا. وفي إسناد الطبراني محبوب بن هلال قال الذهبيي لا يعرف وحديثه منكر) (¬2). ¬

_ (¬1) سنن البيهقي 4/ 51 انظر دلائل النبوة 5/ 246، أسد الغابة 4/ 438 - 439. (¬2) مجمع الزوائد 3/ 38.

4 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل وهو بتبوك فقال يا محمد إشهد جنازة معاوية بن معاوية المزني فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل جبريل في سبعين ألفاً من الملائكة فوضع جناحه الأيمن على الجبال فتواضعت ووضع جناحه الأيسر على الأرضين فتواضعن حتى نظر إلى مكة والمدينة فصلى عليه رسول الله وجبريل والملائكة فلما فرغ قال يا جبريل بما بلغ معاوية بن معاوية المزني هذه المنزلة. قال بقراءة قل هو الله أحد قائما وقاعدا وراكبا وماشيا) رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه نوح بن عمر. قال ابن حبان: يقال إنه سرق هذا الحديث. قلت: ليس هذا بضعف في الحديث وفيه بقية وهو مدلس وليس فيه علة غير هذا قاله الهيثمي (¬1). 5 - وعن معاوية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غازيا بتبوك فأتاه جبريل فقال يا محمد: هل لك في جنازة معاوية بن معاوية؟ فقال: نعم، فقال جبريل بيده هكذا ففرج له عن الجبال والاكام فجاء رسول الله يمشي ومعه جبريل ومع جبريل سبعون الف ملك فصلى على معاوية بن معاوية فقال رسول الله لجبريل بم بلغ معاوية هذا؟ قال: بكثرة قراءة قل هو الله احد كان يقرؤها قائما وقاعدا وراقدا فبهذا بلغ ما بلغ) رواه الطبراني في الكبير وفيه صدقة بن أبي سهل ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات قاله الهيثمي (¬2). ¬

_ (¬1) مجمع الزوائد 3/ 38. (¬2) المصدر السابق 3/ 38.

هذه الروايات التي وقفت عليها في قصة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام على معاوية بن معاوية وقد تكلم علماء الحديث عليها كلاما طويلا في نقدها وبينوا ضعفها وأنها لا تصلح للاستدلال في باب الأحكام الشرعية ومن أهم ما قاله المحدثون في نقد هذه الروايات ما قاله الحافظ ابن حجر في ترجمة معاوية بن معاوية المزني أنقله لأهميته حيث قال الحافظ (معاوية بن معاوية المزني ذكره البغوي وجماعة وقالوا مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وردت قصته من حديث أبي أمامة وأنس مسندة ومن طريق سعيد بن المسيب والحسن البصري مرسلة. فأخرج الطبراني ومحمد بن أيوب بن الضريس في فضائل القرآن وسمويه في فوائده وابن منده والبيهقي في الدلائل كلهم من طريق محبوب بن هلال عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك قال نزل جبريل - ثم ساق حديث أنس المتقدم ..... وأول حديث ابن الضريس كان النبي صلى الله عليه وسلم بالشام ومحبوب قال أبو حاتم ليس بالمشهور, وذكره ابن حبان في الثقات. وأخرجه إبن سنجر في مسنده وابن الأعرابي وابن عبد البر. ورويناه بعلو في فوائد حاجب الطوسي كلهم من طريق يزيد بن هارون أنبأنا العلاء أبو محمد الثقفي سمعت أنس بن مالك يقول ... فذكر نحوه .. والعلاء أبو محمد هو ابن زيد الثقفي واهٍ وأخطأ في قوله الليثي. وله طريق ثالثة عن أنس ذكرها ابن منده من رواية أبي عتاب في الدلائل عن يحيى بن أبي محمد

عنه قال ورواه نوح بن عمرو عن بقية عن محمد بن زياد عن أبي أمامة نحوه. قلت: وأخرجه أبو أحمد الحاكم في فوائده والطبراني في مسند الشاميين والخلال في فضائل قل هو الله أحد وابن عبد البر جميعا من طريق نوح فذكر نحوه .. وقال ابن حبان في ترجمة العلاء الثقفي من الضعفاء بعد أن أنكر له هذا الحديث سرقه شيخ من اهل الشام فرواه عن بقية فذكره. قلت: فما أدري عنى نوحاً أو غيره فإنه لم يذكر نوحاً في الضعفاء. وأما طريق سعيد المرسلة فرويناها في فضائل القرآن لابن الضريس من طريق علي بن يزيد بن جدعان عنه. وأما طريق الحسن البصري فأخرجها البغوي وابن منده من طريق صدقة بن أبي سهل عن يونس بن عبيد عن الحسن عن معاوية بن معاوية المزني .. فذكر الحديث وهذا مرسل ... قال ابن عبد البر: أسانيد هذا الحديث ليست بالقوية ولو أنها في الأحكام لم يكن في شيء منها حجة ومعاوية بن مقرن المزني معروف هو وأخويه وأما معاوية بن معاوية فلا أعرفه) (¬1). وقال الإمام الذهبي في الميزان العلاء بن زيد الثقفي بصري روى عن أنس، قال ابن المديني، يضع الحديث وقال أبو حاتم والدارقطني: متروك الحديث. ¬

_ (¬1) الإصابة 6/ 116 وانظر أسد الغابة 4/ 438 - 439.

وقال البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال إبن حبان: روى عن أنس نسخة موضوعة منها الصلاة بتبوك صلاة الغائب على معاوية بن معاوية الليثي. قال ابن حبان وهذا منكر ولا احفظ في أصحاب رسول الله هذا. والحديث سرقه شيخ شامي فرواه عن بقية عن محمد بن زياد عن أبي أمامة (¬1). وقال الامام النووي (وأما حديث العلاء بن زيدل ويقال ابن زيد عن انس أنهم كانوا في تبوك فأخبر جبريل النبي بموت معاوية بن معاوية في ذلك اليوم وأنه قد نزل عليه سبعون ألف ملك يصلون عليه فطويت الأرض حتى ذهب فصلى عليه ورجع. فهو حديث ضعيف ضعفه الحفاظ منهم البخاري في تاريخه والبيهقي واتفقوا على ضعف العلاء هذا وأنه منكر الحديث) (¬2). وقال العلامة ابن القيم (وقد روي عنه أنه صلى على معاوية بن معاوية الليثي وهو غائب ولكن لا يصح فإن في إسناده العلاء بن زيد ويقال ابن زيدل. قال علي بن المديني. كان يضع الحديث ورواه محبوب بن هلال عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس قال البخاري لا يتابع عليه) (¬3). وذكر إبن كثير حديث العلاء عن أنس كما رواه أبو يعلى أيضاً ثم قال (وكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة من طريق يزيد بن هارون عن العلاء بن محمد وهو ¬

_ (¬1) عون المعبود 9/ 12 - 13. (¬2) المجموع 5/ 253. (¬3) زاد المعاد 1/ 520.

متهم بالوضع والله أعلم) (¬1). ثم ذكر طريقا آخر له عن أبي يعلى ثم قال (ورواه البيهقي من رواية عثمان إبن الهيثم المؤذن عن محبوب بن هلال عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس فذكره وهو الصواب ومحبوب بن هلال قال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور. وقد روي هذا من طرق أخرى تركناها إختصاراً وكلها ضعيفة) (¬2). وذكر الشوكاني أن الذهبي قال: لا نعلم في الصحابة معاوية بن معاوية (¬3). وخلاصة كلام المحدثين أن قصة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام على معاوية بن معاوية ليست ثابتة بل هي ضعيفة جداً هذا إن لم تكن مكذوبة والله أعلم. ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير 4/ 569. (¬2) المصدر السابق 4/ 569. (¬3) نيل الأوطار 4/ 57.

ثالثا: الروايات الواردة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما

ثالثاً: الروايات الواردة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما: 1 - قال الزيلعي (وغائبان آخران هما زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب ورد أنه أيضاً كشف له عنهما أخرجه الواقدي في كتاب المغازي فقال حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة حدثني عبد الجبار بن عمارة عن عبد الله بن أبي بكر قال: لما إلتقى الناس بمؤتة جلس رسول الله على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى معركتهم فقال عليه السلام: أخذ الراية زيد بن حارثة فمضى حتى إستشهد وصلى عليه ودعا له وقال: استغفروا له وقد دخل الجنة وهو يسعى. ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فمضى حتى استشهد فصلى عليه رسول الله ودعا له وقال استغفروا له وقد دخل الجنة فهو يطير فيها بجناحين حيث شاء" ... وهو مرسل من الطريقين المذكورين (¬1). وقال في عون المعبود تعليقا على الرواية السابقة (والحديث مرسل والواقدي ضعيف جدا) (¬2). وهذه الرواية التي ساقها الواقدي لا تثبت صلاة الغائب على زيد وجعفر رضي الله عنهما لما يلي: اولاً: إن هذه الرواية ضعيفة والواقدي ضعيف جدا فلا تصلح للاستدلال. ¬

_ (¬1) نصب الراية 2/ 284. (¬2) عون المعبود 9/ 15.

ثانيا: إن المراد بقوله (وصلى عليه) في الموضعين اللذين وردت فيه هو الدعاء له وليست الصلاة المعروفة ويؤكد ذلك أن الروايات الصحيحة في هذه الحادثة لا ذكر فيها للصلاة المعروفة وإنما فيها أن الرسول عليه الصلاة والسلام طلب من المسلمين الاستغفار والدعاء لهما. فقد روى الامام أحمد بإسناده عن أبي قتادة رضي الله عنه بعث رسول الله جيش الأمراء وقال عليكم زيد بن حارثة فإن اصيب زيد فجعفر فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة الأنصاري فوثب جعفر فقال: بأبي أنت يا نبي الله ما كنت أرهب أن تستعمل علي زيداً. قال إمضوا فإن لا تدري أي ذلك خير. قال فإنطلق الجيش فلبثوا ما شاء الله ثم إن رسول الله صعد المنبر وأمر أن ينادى الصلاة جامعة فقال رسول الله ناب خبر أو ثاب خبر الا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي إنهم إنطلقوا حتى لقوا العدو فأصيب زيداً شهيداً فاستغفروا له فاستغفرله الناس ثم اخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فشد على القوم حتى قتل شهيداً إشهدوا له بالشهادة فإستغفروا له ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فأثبت قدميه حتى أصيب شهيداً فإستغفروا له ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد .. ) ورواه النسائي والبيهقي وهو حديث صحيح رجاله ثقات) (¬1). ¬

_ (¬1) صحيح السيرة النبوية ص 392 الفتح الرباني 21/ 136 - 137.

وروى الامام البخاري بسنده عن أنس أن النبي نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم) (¬1). وليس في هذه الرواية ذكر لصلاة الغائب. وورد في رواية أخرى عند الواقدي وعند ابن سعد في الطبقات قوله (فصلى عليه رسول الله أي دعا له وقال إستغفروا لأخيكم قد دخل الجنة وهو يسعى) (¬2). وبعد هذا العرض المفصل للروايات الواردة في صلاة الغائب يظهر لنا جلياً أن الروايات الصحيحة والمعتمدة في هذا الباب هي الروايات الواردة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي فقط وأما الروايات الأخرى فلا تثبت ولا تصح كما قرر ذلك أهل الحديث. قال الذهبي في سياق ترجمة النجاشي (وقد توفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه بالناس صلاة الغائب. ولم يثبت انه صلى عليه الصلاة والسلام على غائب سواه) (¬3). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري مع الفتح 9/ 54. (¬2) سير أعلام النبلاء 1/ 299 وانظر البداية والنهاية 4/ 246، السيرة النبوية لابن هشام 1/ 381. (¬3) سير أعلام النبلاء 1/ 428 - 429.

المبحث الثاني اختلاف الفقهاء في مشروعية صلاة الغائب

المبحث الثاني اختلاف الفقهاء في مشروعية صلاة الغائب اختلف الفقهاء في صلاة الغائب هل هي مشروعة أم لا؟ وهذه أقوالهم وأدلة كل قول: القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة في القول المعتمد عندهم إلى أن صلاة الغائب مشروعة وجائزة في حق المسلم الذي يموت في بلد آخر فتستقبل القبلة ويصلى عليه كما يصلى على الميت الحاضر (¬1). وهذا قول إبن حزم الظاهري وجمهور السلف (¬2). وبه قال ابن حبيب من المالكية (¬3). القول الثاني: وذهب الحنفية والمالكية إلى أن صلاة الغائب غير مشروعة (¬4). وهو رواية عن أحمد (¬5). وهو قول العترة (¬6). واختلف المالكية هل هي مكروهة أو محرمة على قولين في مذهبهم (¬7). ¬

_ (¬1) الأم 1/ 308، المغني 2/ 382، كشاف القناع 2/ 121، المجموع 5/ 252، كفاية الأخيار 1/ 163، تحفة المحتاج 1/ 323، مغني المحتاج 2/ 27، الاقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 1/ 175، الحاوي 3/ 51. (¬2) المحلى 3/ 399، نيل الأوطار 4/ 56. (¬3) الذخيرة 2/ 458. (¬4) حاشية ابن عابدين 2/ 209، ملتقى الأبحر 1/ 161، حاشية الطحطاوي ص319، شرح الخرشي 2/ 142، الذخيرة 2/ 456،468. بلغة السالك 1/ 189، بدائع االصنائع 1/ 312. (¬5) المغني 2/ 382. (¬6) نيل الأوطار 4/ 56. (¬7) شرح الخرشي 2/ 142، حاشية العدوي على شرح الخرشي 2/ 142 - 143.

القول الثالث

القول الثالث: صلاة الغائب مشروعة في حق المسلم إذا مات في بلد لم يصل عليه فيه وإن صلي عليه حيث مات فلا يصلى عليه صلاة الغائب. واختار هذا القول أبو داود صاحب السنن والإمام الخطابي وشيخ الإسلام إبن تيمية وتلميذه إبن القيم والروياني من الشافعية والمحقق الشيخ صالح المقبلي ومن المحدثين الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين وهو قول في مذهب أحمد (¬1). القول الرابع: تجوز صلاة الغائب في اليوم الذي مات فيه المسلم أو ما قرب منه ولا تجوز إذا طالت المدة. حكاه إبن عبد البر عن بعض أهل العلم (¬2). القول الخامس: تجوز صلاة الغائب على الميت الذي يكون بلده في جهة القبلة فقط. فلو كان بلد الميت في غير جهة القبلة لا تصلى عليه صلاة الغائب وقد انفرد بهذا القول ابن حبان (¬3). قال المحب الطبري "ولم أر ذلك لغيره" (¬4). هذه أقوال الفقهاء التي وقفت عليها في صلاة الغائب ولكل قول أدلته: ¬

_ (¬1) عون المعبود 9/ 5، معالم السنن 1/ 270، زاد المعاد 1/ 520 الاختيارات العلمية ص51، نيل الاوطار 4/ 57، احكام الجنائز ص89، 91. فتاوى اسلامية 2/ 18. (¬2) فتح الباري 3/ 431 - 432، سبل السلام 2/ 209، نيل الاوطار 4/ 56. (¬3) صحيح ابن حبان 7/ 366. (¬4) فتح الباري 3/ 432، نيل الأوطار 4/ 56، سبل السلام 2/ 209.

الأدلة

الأدلة: إحتج الفريق الأول بما يلي: أولا: ما ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي صلاة الغائب حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي توفي فيه وقال: قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه فصف الصحابة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصلوا على النجاشي صلاة الغائب. وقد سبق ذكر الأحاديث الواردة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي. ثانيا: احتجوا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على قبر الميت إذا فاتته الصلاة عليه والميت في القبر غائب فكذلك الحال إذا كان الميت غائباً في الأصل (¬1). وقد استدلوا على إثبات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على القبر بأدلة كثيرة منها: أ- عن إبن عباس رضي الله عنهما قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعا) رواه البخاري (¬2). ب- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن إمرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شاباً ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه أو عنها فقالوا: مات. قال أفلا آذنتموني؟ قال فكأنهم صغروا أمرها أو أمره. فقال دلوني على قبره فدلوه فصلى عليها ¬

_ (¬1) المجموع 5/ 247 - 249. (¬2) صحيح البخاري مع الفتح 3/ 448.

ثم قال: إن هذه القبور مملؤة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم) رواه البخاري (¬1). ج- وعن إبن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر بعد شهر) رواه الدارقطني والبيهقي (¬2). وروى الترمذي بسنده عن الشعبي قال أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ورأى قبرا منتبذا فصف أصحابه فصلى عليه فقيل له من اخبرك؟ فقال إبن عباس. قال الترمذي: حديث ابن عباس حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قول الشافعي وإسحاق ورأى ابن المبارك الصلاة على القبر وقال أحمد واسحق يصلى على القبر إلى شهر. وقالا: أكثر ما سمعنا عن إبن المسيب أن النبي صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر (¬3). د- وعنه أيضا ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ميت بعد موته بثلاث. رواه الدارقطني والبيهقي (¬4). هـ- وعن سعيد بن المسيب: ان أم سعد بن عبادة ماتت والنبي - صلى الله عليه وسلم - غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر) رواه الترمذي والبيهقي وقال وهو مرسل صحيح (¬5). قال إبن القيم (وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر فصلى على قبر مرة بعد ليلة ومرة بعد ثلاث ومرة بعد شهر ولم يوقت في ذلك وقتاً. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري مع الفتح 3/ 448. (¬2) سنن البيهقي 4/ 46 (¬3) صحيح سنن الترمذي 1/ 304. (¬4) سنن البيهقي 4/ 46. (¬5) سنن البيهقي 4/ 48.

قال أحمد رحمه الله: من يشك في الصلاة على القبر؟ ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته صلى على القبر من ستة أوجه حسان. فحدَّ الإمام أحمد الصلاة على القبر بشهر إذ هو أكثر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعده وحدَّه الشافعي رحمه الله بما إذا لم يبل الميت. ومنع منها مالك وأبو حنيفة رحمهما الله إلا للولي إذا كان غائباً) (¬1). وذكر صاحب عون المعبود ما قاله الإمام أحمد عن الأوجه التي وردت في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على القبر. ثم قال (قال إبن عبد البر: بل من تسعة وجوه كلها حسان وساقها كلها بأسانيدها في تمهيده .. فالصلاة على قبر ذلك الميت لمن لم يصل عليه ثابت بالسنة المطهرة سواء صلى على ذلك الميت قبله أم لا. وهذا مذهب جماعة من الصحابة والتابعين) (¬2). وذكر الشيخ الألباني كلام الامام أحمد ثم قال (صحيح متواتر ورد من حديث إبن عباس وأبي هريرة وأنس بن مالك ويزيد بن ثابت أخي زيد بن ثابت وعامر بن ربيعة وجابر بن عبد الله وبريدة بن الحصيب وأبي سعيد الخدري وأبي أمامة بن سهل) (¬3). ¬

_ (¬1) زاد المعاد 1/ 512. (¬2) عون المعبود 9/ 2، انظر الأحاديث التسعة المشار اليها في الفتح الرباني 7/ 223 - 229. (¬3) إرواء الغليل 3/ 183.

أدلة الفريق الثاني

وبعد عرض أدلة العلماء في إثبات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على القبر أذكر ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله (ورويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى قبر والميت في القبر غائب وإنما الصلاة د عاء للميت وهو إذا كان بيننا ملففا يصلى عليه فإنما ندعو له بالصلاة بوجه علمناه فكيف لا ندعوا له غائبا وفي القبر بذلك الوجه) (¬1). واحتج الفريق الثاني (وهم الحنفية والمالكية) بما يلي: اولا: قالوا إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي من خصوصياته صلى الله عليه وسلم (¬2) وسيأتي تفصيل هذه القضية عند مناقشة الآدلة. ثانيا: قالوا إنه توفي خلق كثير من أصحابه صلى الله عليه وسلم من أعزهم القراء ولم ينقل عنه أنه صلى عليهم مع حرصه على ذلك حتى قال: لا يموتن أحد منكم الا آذنتموني فإن صلاتي عليه رحمة" (¬3). ثالثا: قالوا: إنه لم يصل صلاة الغائب بعد الرسول عليه الصلاة والسلام أحد وكذلك لم يصل المسلمون على رسول الله عليه الصلاة والسلام صلاة الغائب (¬4). رابعا: قالوا إن من شرط الصلاة على الجنازة حضورها بدليل ما لو كان الميت في البلد لم تجز الصلاة عليها مع غيبتها عنه (¬5). ¬

_ (¬1) معرفة السنن والآثار 5/ 315. (¬2) حاشية ابن عابدين 2/ 209، شرح الخرشي 2/ 142 - 143، تفسير القرطبي 2/ 81 - 82. (¬3) حاشية ابن عابدين2/ 209 والحديث رواه النسائي وابن ماجة وابن حبان وهو صحيح على شرط مسلم قاله الشيخ الألباني. أحكام الجنائز ص89 وانظر سنن النسائي 4/ 85. (¬4) شرح الخرمشي 2/ 143. (¬5) المغني 2/ 382.

أدلة الفريق الثالث

واحتج الفريق الثالث بما يلي: 1 - احتجوا بما قاله أبو داود صاحب السنن في سننه (باب الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك) ثم ساق بإسناده عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي لليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات) (¬1). قال الإمام الخطابي معلقاً على الحديث السابق (قلت النجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه على نبوته الا انه كان يكتم إيمانه والمسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه إلا أنه كان بين ظهراني أهل الكفر ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه فلزم رسول الله ان يفعل ذلك إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به فهذا والله أعلم هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظهر الغيب فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان وقد قضى حقه في الصلاة عليه فإنه لا يصلي عليه من كان ببلد آخر غائباً فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق ومانع عذر كانت السنة أن يصلي عليه ولا يترك ذلك لبعد المسافة. فإن صلوا عليه استقبلوا القبلة ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير جهة القبلة) (¬2). ونقل إبن القيم عن شيخه شيخ الإسلام إبن تيمية قوله: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه صلى عليه صلاة الغائب كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي ¬

_ (¬1) عون المعبود 9/ 5 - 6. (¬2) معالم السنن 1/ 270.

لأنه مات بين الكفار ولم يصل عليه وإن صلي عليه حيث مات ولم يصل عليه صلاة الغائب لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب وتركه وفعله وتركه سنة وهذا له موضع وهذا له موضع والله أعلم (¬1). وقال ابن القيم (ولم يكن من هدية وسنته صلى الله عليه وسلم الصلاة على كل ميت غائب فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غُيَّبْ فلم يصل عليهم) (¬2). 2 - واحتجوا بما ورد في إحدى روايات حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وهي (إن أخاكم قد مات بغير أرضكم فقوموا فصلوا عليه) وسندها على شرط الشيخين كما قال الشيخ الألباني (¬3). فهذه الرواية تدل على ان صلاة الغائب تكون مشروعة إذا كان الميت بأرض لم يصل عليه فيها. 3 - وقالوا إن مما يؤيد عدم مشروعية الصلاة على كل غائب انه لما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم لم يصل أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب ولو فعلوا ذلك لتواتر النقل بذلك عنهم (¬4). ¬

_ (¬1) زاد المعاد 1/ 520 - 521. (¬2) المصدر السابق 1/ 519. (¬3) احكام الجنائز ص93. (¬4) المصر السابق ص93.

أدلة الفريق الرابع

واحتج الفريق الرابع: بما ورد في حادثة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي حيث ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه). وورد في رواية أخرى (نعى لنا النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي صاحب الحبش في اليوم الذي مات فيه (¬1). فأخذوا من ذلك أن صلاة الغائب تصح في اليوم الذي مات فيه الميت أو ما قرب منه. وأما ابن حبان صاحب القول الخامس فعبر عن حجته بقوله (العلة في صلاة المصطفى على النجاشي وهو بأرضه ان النجاشي أرضه بحذاء القبلة وذاك أن بلد الحبشة إذا قام الإنسان بالمدينة كان وراء الكعبة والكعبة بينه وبين بلاد الحبشة فإذا مات الميت ودفن ثم علم المرء في بلد آخر بموته وكان بلد المدفون بين بلده والكعبة وراء الكعبة جاز له الصلاة عليه. فأما من مات ودفن في بلد المصلي عليه الصلاة في بلده وكان بلد الميت وراءه فمستحيل حينئذ الصلاة عليه) (¬2). هذه هي أهم الأدلة التي استدل بها أهل العلم في هذه المسألة مما وقفت عليه. ¬

_ (¬1) تقدم تخريجهما. (¬2) صحيح إبن حبان 7/ 366 - 367.

مناقشة الأدلة

مناقشة الأدلة: إعترض الحنفية والمالكية على أدلة الشافعية والحنابلة بإعتراضات كثيرة وردود عديدة أذكر أهمها ثم أتبع ذلك بالإجابة عليها: أولاً: قالوا إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي من خصوصياته صلى الله عليه وسلم وذلك لعدة أوجه: الأول: إن الأرض دحيت (¬1) له صلى الله عليه وسلم جنوباً وشمالاً حتى رأى نعش النجاشي كما دحيت له جنوباً وشمالاً حين رأى المسجد الأقصى صباح ليلة الإسراء والمعراج حين وصفه لكفار قريش (¬2). قال ابن عابدين (لأنه رفع سريره - أي النجاشي- حتى رآه عليه الصلاة والسلام بحضرته فتكون صلاة من خلفه على ميت يراه الإمام وبحضرته دون المأمومين وغير مانع من الإقتداء) (¬3). وأيدوا قولهم بما ورد من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أخاكم النجاشي توفي فقوموا فصلوا عليه فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفوا خلفه فكبر أربعاً وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه) (¬4). ¬

_ (¬1) دحيت له أي بسطت جاء في لسان العرب: الدحو: البسط. دحا الأرض يدحوها دحواً بسطها انظر لسان العرب مادة دحا 4/ 303، الصحاح مادة دحا 6/ 2334. (¬2) شرح الخرشي 2/ 142 - 143 - بلغة السالك 1/ 189 - 190، بدائع الصنائع 1/ 312، نصب الراية 2/ 283 تفسير القرطبي 2/ 81 - 82. (¬3) حاشية إبن عابدين 2/ 209 وانظر البحر الرائق 2/ 179. (¬4) نصب الراية 2/ 283 والحديث سبق تخرجه.

إجابة الشافعية والحنابلة على الاعتراض السابق

الثاني: إن النجاشي لم يكن في بلاده ولي من المؤمنين يقوم بالصلاة عليه (¬1). الثالث: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بالصلاة على النجاشي إدخال الرحمة عليه وإستئلاف بقية الملوك بعده إذا رأوا الإهتمام به حياً وميتاً (¬2). وقد أجاب الشافعية والحنابلة ومن وافقهم عن هذه الإعتراضات بما يلي: 1 - إن إدعائهم أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي من خصوصياته عليه الصلاة والسلام غير مسلم لأن الأصل عدم الخصوصية (¬3). قال الإمام الخطابي (وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصاً بهذا الفعل إذ كان في حكم المشاهدين للنجاشي لما روي في بعض الأخبار أنه قد سويت له أعلام الأرض حتى كان يبصر مكانه. وهذا تأويل فاسد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئاً من افعاله الشريفة كان علينا متابعته والإيتساء به والتخصيص لا يعلم الا بدليل. ومما يبين ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج بالناس إلى المصلى فصف بهم فصلوا معه فعلمت ان هذا التأويل فاسد) (¬4). ¬

_ (¬1) تفسير القرطبي 2/ 81 - 82، نصب الراية 2/ 283. (¬2) تفسير القرطبي 2/ 82. (¬3) سبل السلام 2/ 209. (¬4) معالم السنن 1/ 270 - 271.

وقال الإمام البغوي (وزعموا ان النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصاً به. وهذا ضعيف لأن الإقتداء به في أفعاله واجب على الكافة ما لم يقم دليل التخصيص ولا تجوز دعوى التخصيص هاهنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه وحده إنما صلى مع الناس) (¬1). وقال صاحب عون المعبود: (قلت دعوى الخصوصية ليس عليها د ليل ولا برهان بل قوله صلى الله عليه وسلم "فهلموا فصلوا عليه" وقوله "فقوموا فصلوا عليه" وقول جابر "فصففنا خلفه فصلى عليه ونحن صفوف" وقول أبي هريرة "ثم قال إستغفروا له ثم خرج بأصحابه فصلى بهم كما يصلى على الجنازة" وقول عمران "فقمنا فصففنا عليه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت" وتقدم هذه الروايات يبطل دعوى الخصوصية لأن صلاة الغائب إن كان خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فلا معنى لأمره صلى الله عليه وسلم بتلك الصلاة بل نهى عنها لأن ما كان خاصاً به صلى الله عليه وسلم لا يجوز فعله لأمته. ألا ترى صوم الوصال لم يرخص لهم به مع شدة حرصهم لأدائه والأصل في كل أمر من الأمور الشرعية عدم الخصوصية حتى يقوم الدليل عليها وليس هنا دليل على الخصوصية بل قام الدليل على عدمها) (¬2). ¬

_ (¬1) شرح السنة 5/ 341 - 342. (¬2) عون المعبود 9/ 9.

وقال إبن العربي المالكي (قال المالكية وغيرهم ليس ذلك إلا لمحمد قلنا: وما عمل به محمد تعمل به أمته) (¬1). 2 - وأما قولهم إن الأرض دحيت للنبي صلى الله عليه وسلم فرأى نعش النجاشي أو أحضر النعش بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فكلام ينقصه الدليل وقد ردّ ذلك كثير من أهل العلم: قال الإمام النووي (إنه لو فتح هذا الباب لم يبق وثوق بشيء من ظواهر الشرع لإحتمال انحراف العادة في تلك القضية مع أنه لو كان شيء من ذلك لتوفرت الدواعي بنقله) (¬2). وقال الإمام إبن العربي المالكي جواباً على زعمهم بأن الأرض طويت وأحضرت الجنازة بين يديه صلى الله عليه وسلم (قلنا إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا لأهل لذلك ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم ولا تخترعوا من عند أنفسكم ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف فإنها سبيل تلاف إلى ما ليس له تلاف (¬3). وقال شمس الحق العظيم آبادي (وأما قولهم رفع له سريره أو أحضر روحه بين يديه فجوابه: أن الله تبارك وتعالى لقادر عليه وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لأهل لذلك لكن لم يثبت ذلك في حديث النجاشي بسند صحيح أو حسن وإنما ذكره الواحدي عن إبن عباس بلا سند فلا يحتج به. ولهذا قال ابن العربي: ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف. ¬

_ (¬1) عارضة الأهوذي 4/ 259. (¬2) المجموع 5/ 253 وانظر المغني 2/ 382. (¬3) عارضة الأهوذي 4/ 260وانظر فتح الباري 3/ 432.

وأما ما رواه أبو عوانه وإبن حبان من حديث عمران بن حصين، فلا يدل على ذلك فإن لفظه "وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه" وفي لفظ "ونحن لا نرى إلا الجنازة قدامنا" ومعنى هذا القول أنا صلينا عليه خلف النبي صلى الله عليه وسلم كما يصلي على الميت والحال أنا لم نر الميت لكن صففنا عليه كما يصف على الميت كأن الميت قدامنا ونظن أن جنازته بين يديه صلى الله عليه وسلم لصلاته صلى الله عليه وسلم كعلى الحاضر المشاهد فحينئذ يؤول معنى لفظ هذا الحديث إلى معنى لفظ أحمد ويؤيد هذا المعنى حديث مجمع عند الطبراني "فصففنا خلفه صفين وما نرى شيئا". ومن ها هنا إندفع قول العلامة الزرقاني حيث شنع على ابن العربي وقال قد جاء ما يؤيد رفع الحجاب بإسنادين صحيحين من حديث عمران فما حدثنا إلا بالثابتات إنتهى، فإن هذا الحديث لا يدل على رفع الحجاب. ولئن سلمنا فكان الميت غائباً عن أصحابه صلى الله عليه وسلم الذين صلوا عليه مع النبي صلى الله عليه وسلم (¬1). 3 - وأما قولهم بأن النجاشي مات بأرض لم يكن فيها أحد من المؤمنين يقوم بالصلاة عليه. فجوابه: إن هذا بعيد لأن النجاشي ملك الحبشة وقد أسلم وأظهر إسلامه فيبعد أن يكون لم يوافقه أحمد يصلي عليه فالعادة ¬

_ (¬1) عون المعبود 9/ 9 - 10.

تحيل ذلك أي أن يكون ملك على دين ولا يكون له أتباع ثم إنه لم يأت في شيء من الأخبار أنه لم يصل عليه في بلده آحد (¬1). فإن قيل: إنه لم يرد في شيء من الأخبار أنه صلى عليه أحد في بلده. فالجواب: (نعم ما ورد فيه شيء نفياً ولا إثباتاً لكن من المعلوم أن النجاشي أسلم وشاع إسلامه ووصل إليه جماعة من المسلمين مرة بعد مرة وكرة بعد كرة فيبعد كل البعد أنه ما صلى عليه أحد من بلده) (¬2). 4 - وأما قولهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم خص بتلك الصلاة النجاشي لإدخال الرحمة عليه وإستئلاف بقية الملوك بعده لما يرونه من الإهتمام به حياً وميتاً. فالجواب: لو فتح باب هذا الخصوص لانسد كثير من ظواهر الشرع. ثم إن بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلى معه من الصحابة على النجاشي تلحق بكل ميت وليس الأمر خاصاً بالنجاشي (¬3). ¬

_ (¬1) فتح الباري 3/ 432، المغني 2/ 383، تفسير القرطبي 2/ 82. (¬2) عون المعبود 9/ 6. (¬3) فتح الباري 3/ 432، تفسير القرطبي 2/ 82.

إعتراض الحنفية والمالكية الثاني على أدلة الشافعية والحنابلة

ثانياً: وإعترض الحنفية والمالكية على الإستدلال بقصة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي بأنها ليست تشريعاً للأمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على غائب سواه بعد تسليمهم بأن تلك الصلاة كانت صلاة غائب. قال الزيلعي (ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على غائب غيره وقد مات من الصحابة خلق كثير وهم غائبون وسمع بهم فلم يصل عليهم إلا غائباً واحداً ورد أنه طويت له الأرض حتى حضره وهو معاوية بن معاوية المزني .. وغائبان آخران هما زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب) (¬1). والجواب على هذا الإعتراض من وجوه: الوجه الأول: أنه لإثبات السنية أو لإستحباب فعل من الأفعال يكفي فيه ورود حديث واحد بالسند الصحيح سواء كان قولياً أو فعلياً أو سكوتياً. ولا يلزم لإثبات السنية كون الحديث مروياً عن جماعة من الصحابة في الواقعات المختلفة وإلا لا يثبت كثير من الأحكام الشرعية التي معمول بها عند جماعة من الآئمة. الوجه الثاني: إن صلاة الجنازة إستغفار للميت ودعاء له وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طريق أدائها بثلاثة أنواع: ¬

_ (¬1) نصب الراية 3/ 283 - 284.

النوع الأول: أن يكون الميت مشهودا حاضراً قدام المصلين فيصلون عليه وهذا النوع هو الأصل في هذا الباب والعمدة فيه، ولا يجوز غير هذا النوع لمن قدر عليه لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قط أنه صلى على الميت الحاضر الشاهد ثم صلى بعده على قبره أو صلى صلاة الغائب عليه. والنوع الثاني: الصلاة على قبر الميت لمن كان حاضراً في تلك البلدة أو القرية لكن ما أمكن من الصلاة على ذلك الميت حتى دفن أو كان غائباً عن ذلك الموضع فلما دخل أخبر بموته فصلى على قبره كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته على المسكينة وأم سعد وأم أبي أمامة وطلحة بن البراء رضي الله عنهم. النوع الثالث: أن يكون الميت في بلد آخر وجاء نعيه في بلد آخر فيصلون صلاة الغائب على ذلك الميت من المسافة البعيدة أو القصيرة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنجاشي ومعاوية بن معاوية المزني. ولا شك ان العمدة في هذا هو النوع الأول والفرض قد يسقط لصلاة المسلمين عليه. وأما النوع الثاني والثالث فدعاء محض واستغفار للميت على سبيل الأستحباب لا الفرضية. الوجه الثالث: أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الميت الغائب فقد روي أنه صلى على أربعة من الصحابة:

الاعتراض الثالث للحنفية والاعتراض عنه

الأول: النجاشي رضي الله عنه وقصته في الكتب الستة وغيرها من حديث جماعة من الصحابة بأسانيد صحيحة .. والأعتماد في هذا الباب على حديث النجاشي ويضم إليه غيره من الروايات. والغائب الثاني معاوية بن معاوية المزني. والثالث والرابع زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب .. ) (¬1). ثالثا: زعم بعض الحنفية أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي ليست الصلاة المخصوصة والمعروفة وإنما المقصود بها الدعاء فقط أي الصلاة بمعناها اللغوي (¬2). وهذا الزعم بعيد وباطل وترده الروايات الصحيحة الواردة في الصلاة المخصوصة حيث ورد فيها "فصفوا خلفه فكبر أربعا وفي رواية أخرى "فتقدم وصففنا خلفه فكبر عليه أربعاً" وفي أخرى "وصلينا عليه كما يصلى على الميت". مناقشة أدلة القولين الرابع والخامس القائلين بأن صلاة الجنازة تكون مشروعة في اليوم الذي يموت فيه الميت أو ما قرب منه أو إذا كانت بلد الميت في جهة القبلة دون سواه والجواب أن قولهم هذا ما هو الا جمود على قصة النجاشي (¬3). ¬

_ (¬1) عون المعبود 9/ 10 - 11 وقد سبق في المبحث الأول أن الروايات الواردة في صلاة الغائب الصحيحة والثابتة هي المتعلقة بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي فقط وما عدا ذلك لا يثبت. (¬2) الدر المختار 2/ 209 حاشية الطحطاوي ص319، بدائع الصنائع 1/ 312، البحر الرائق 2/ 179. (¬3) فتح الباري 3/ 432. سبل السلام 2/ 209.

القول الراجح

القول الراجح: بعد عرض أقوال العلماء في هذه المسألة وأدلتهم ومناقشتها يظهر لي أن القول الراجح هو: أولاً: قول جمهور العلماء المثبتين لمشروعية صلاة الغائب لقوة أدلتهم ولضعف أدلة النافين لمشروعيتها وما جاء به المانعون من ردود على أدلة المثبتبن ظهر لنا ضعفه. قال الشوكاني (والحاصل أنه لم يأت المانعون من الصلاة على الغائب بشيء يعتد به سوى الإعتذار بأن ذلك مختص بمن كان في أرض لا يصلى عليه فيها وهو جمود (¬1)، قصة النجاشي يدفعه الأثر والنظر) (¬2). وقال الشيخ الساعاتي (وقصارى القول أن القائلين بمشروعية صلاة الجنازة على الغائب حجتهم أقوى لأنها تتمشى مع الدليل بدون تكلف ولا تأويل ... ) (¬3). ثانيا: تكون صلاة الغائب مشروعة إذا لم يصل على الميت صلاة الجنازة فتشرع صلاة الغائب في حق المسلم الذي مات في بلاد الكفار ولم يصل عليه احد وكذلك تكون مشروعة في حق من مات غريقاً أو مات في حريق أو مات في الأسر ونحوهم ممن لم يصل عليهم صلاة الجنازة. ¬

_ (¬1) لعل صحة العبارة (جمود على). (¬2) نيل الأوطار 4/ 58. (¬3) الفتح الرباني 7/ 223.

والذي يظهر من إستعراض الأدلة في هذه المسألة أن صلاة الغائب ليست مشروعة على كل ميت لأنه غائب لم يكن من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم الصلاة على كل ميت غائب فقد مات عدد كبير من الصحابة وهم غيب على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه صلى عليهم صلاة الغائب ولو فعل ذلك لنقلوه كما نقلوا غيره ولما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم من كبار الصحابة لم يصل أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب ولو حصل لنقل. قال الشيخ إبن عثيمين (والراجح أنه لا يصلى على أحد الا من لم يصل عليه. ففي عهد الخلفاء الراشدين مات كثير ممن كانت لهم أياد على المسلمين ولم يصل صلاة الغائب على أحد منهم والأصل في العبادات التوقيف حق يقوم الدليل على مشروعيتها. (¬1). ¬

_ (¬1) فتاوي اسلامية 2/ 18.

المبحث الثالث مسائل تتعلق بصلاة الغائب

المبحث الثالث مسائل تتعلق بصلاة الغائب المسألة الأولى: حد المدة التي تصلى فيها صلاة الغائب. قال الفقهاء الذين أجازوا صلاة الغائب يصلى على الغائب حتى ينقضي شهر على وفاته قال ابن قدامة (وتتوقف الصلاة على الغائب بشهر كالصلاة على القبر لأنه لا يعلم بقاؤه من غير تلاش) (¬1). ودليلهم على ذلك ما أشار إليه ابن قدامة وهو قياس ذلك على الصلاة على القبر لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسم أنه صلى على القبر بعد شهر من دفن الميت. ومدة الشهر هي أكثر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعده فقد ورد ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد شهر (¬2). وورد في حديث سعيد بن المسيب (أن أم سعد بن عبادة ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر) (¬3). ¬

_ (¬1) المغني 2/ 383 وانظر الشرح الكبير 2/ 355. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) سبق تخريجه.

المسألة الثانية: من هو الغائب الذي تصلى عليه صلاة الغائب؟

المسألة الثانية: من هو الغائب الذي تصلى عليه صلاة الغائب؟ إختلف الفقهاء القائلين بجواز صلاة الغائب في تحديد من هو الغائب الذي تصلى عليه صلاة الغائب على قولين: القول الأول: تصلى صلاة الغائب على من كان غائبا عن البلد الذي تقام فيه الصلاة بأن يكون في محل بعيد عن البلد بحيث لا ينسب اليها عرفا (¬1). وقالوا لا تجوز صلاة الغائب إذا كان الميت في البلد وهذا هو المعتمد عند الشافعية والحنابلة (¬2) ودليلهم على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على حاضر في البلد إلا بحضرته كما قال الامام النووي (¬3) بالإضافة إلى أنه لا مشقة في الحضور إلى محل الصلاة على الميت بخلاف الغائب عن البلد. القول الثاني: تجوز صلاة الغائب على من كان حاضراً في البلد كما لو كان في بلد آخر وهو قول الشافعية وبعض الحنابلة وخص بعض الشافعية الجواز للمعذور لمرض أو زمانة أو حبس (¬4) وجزم به إبن أبي الدم الحموي في المحبوس (¬5). ¬

_ (¬1) تحفة المحتاج 1/ 323. (¬2) المجموع 5/ 253، نهاية المحتاج 2/ 182، تحفة المحتاج 1/ 323. الفتاوى الكبرى الفقهية2/ 4. (¬3) المجموع 5/ 253، مغني المحتاج 2/ 27. (¬4) المجموع 5/ 253، نهاية المحتاج 2/ 182، الشرح الكبير2/ 354. (¬5) مغني المحتاج 2/ 28.

وقال بعض الشافعية يجوز ذلك إذا كان البلد واسعاً ما بين طرفيه مسافة قصر (¬1). وقد روي عن ابن حامد من الحنابلة أنه صلى على ميت مات في أحد جانبي بغداد وهو بالجانب الآخر (¬2). والراجح عدم جواز صلاة الغائب على من كان حاضراً بالبلد لأنه لا يعتبر غائبا. ¬

_ (¬1) الفتاوى الكبرى الفقهية 2/ 4. (¬2) الشرح الكبير 2/ 354.

المسألة الثالثة: إسقاط الفرض بصلاة الغائب

المسألة الثالثة: إسقاط الفرض بصلاة الغائب. صورة المسألة: إذا مات شخص ودفن دون أن يصلى عليه وقت الدفن ثم صلي عليه في بلد آخر صلاة الغائب فهل يسقط الفرض بصلاة الغائب عليه. أكثر الفقهاء الذين أجازوا صلاة الغائب يرون أن فرض الكفاية يسقط بصلاة الغائب الا ابن القطان من الشافعية فلا يسقط الفرض عنده بصلاة الغائب. قال الحافظ ابن حجر (أجمع كل من أجاز الصلاة على الغائب أن ذلك يسقط فرض الكفاية الا ما حكي عن ابن القطان احد اصحاب الوجوه من الشافعية انه قال يجوز ذلك ولا يسقط الفرض) (¬1). وورد في فتاوى إبن حجر الهيتمي (وسئل رضي الله عنه: مات من تجب عليه الصلاة بقرية فدفن بغير صلاة ثم خرج رجل ممن وجبت عليهم منها إلى أخرى فصلى فيها على الميت ثم رجع إلى قريته فهل يسقط الفرض عنه وعن أهل قريته أم لا؟ .. فأجاب بقوله: في فروع إبن القطان ان الصلاة على الغائب جائزة غير أنه لا تسقط الفرض وإنما نتكلم على انه يجوز. هذا لفظه وهو كالصريح في أن الصلاة على الغائب لا تسقط الفرض عن أهل بلده مطلقاً. ¬

_ (¬1) فتح الباري 3/ 432 وانظر نهاية المحتاج 2/ 182، مغني المحتاج 2/ 27.

لكن تعقبه بعض المتأخرين فقال: ولك أن تقول: المخاطب بفروض الكفاية جميع الأمة عند الجمهور فينبغي ان يسقط الفرض بذلك. وجرى على هذا الزركشي أيضا فقال: والأقرب يسقط الفرض عنهم أي عن أهل بلده لحصول الفرض وكذلك جرى عليه شيخنا شيخ الإسلام زكريا سقى الله عهده فقال: والأوجه حمل ما ذكره ابن القطان على ما إذا لم يعلم اهل موضعه بصلاة الغيبة. فإن علموا سقط الفرض عنهم لأن فرض الكفاية إذا قام به بعض سقط الفرض عن الباقي. وبذلك علم أن المعتمد سقوط الصلاة عن أهل البلد بصلاة الغائب سواء أكان منهم أم من غيرهم لكن إثمهم بتأخير الصلاة عليه إلى ان صلى عنه لا مسقط له كما هو ظاهر لأن الفرض يتوجه إليهم اولاً فإذا تباطؤا عنه أثموا بهذا التباطوء وإن قام بالفرض غيرهم) (¬1). ¬

_ (¬1) الفتاوى الكبرى الفقهية 2/ 4.

المسألة الرابعة: صلاة الغائب على الشهداء

المسألة الرابعة: صلاة الغائب على الشهداء: الشهيد هو من مات من المسلمين في قتال الكفار وبسببه (¬1). إن صلاة الغائب على الشهيد مبنية على مسألة صلاة الجنازة على الشهيد لذا سأبين أقوال العلماء وأدلتهم في صلاة الجنازة على الشهيد ثم نعرف هل يصلى على الشهيد الغائب صلاة الغائب أم لا؟ اختلف الفقهاء في صلاة الجنازة على الشهيد كما يلي: أولا: قال الحنفية يصلى على الشهيد صلاة الجنازة وهو رواية عن أحمد وبه قال الثوري والخلال (¬2). ثانيا: قال جمهور الفقهاء لا يصلى على الشهيد وبه قال المالكية والشافعية والحنابلة في أصح الروايتين لديهم ونقل عن عطاء والنخعي وحماد والليث وإبن المنذر وغيرهم (¬3). واحتج الحنفية على ما ذهبوا إليه بما يلي: 1 - عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على شهداء أحد صلاته على الميت) رواه البخاري ومسلم (¬4). ¬

_ (¬1) الموسوعة الفقهية 26/ 272. (¬2) تحفة الفقهاء 1/ 260، الاختيار 1/ 97، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 1/ 360، المغني 3/ 394، الموسوعة الفقهية 26/ 274. (¬3) شرح الخرشي 2/ 140، المجموع 5/ 264، المغني 3/ 394، بداية المجتهد 4/ 361، الموسوعة الفقهية 26/ 275 - 276. (¬4) انظر صحيح البخاري مع الفتح 3/ 454، صحيح مسلم بشرح النووي 15/ 455.

2 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين قام الناس من القتال فقال رجل: رأيته عند تلك الشجرات فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه: فلما رآه ورأى ما مثل به شهق وبكى فقام رجل من الأنصار فرمى عليه بثوب ثم جيء بحمزة فصلى عليه ثم جيء بالشهداء فيوضعون إلى جانب حمزة فصلى عليهم ثم يرجعون ويترك حمزة حتى صلى على الشهداء كلهم ... ). رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي فقال فيه متروك (¬1). 3 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان النساء يوم احد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين إلى ان قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم حمزة وجيء برجل من الأنصال فوضع إلى جنبه فصلى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة ثم جيء بآخر فوضع إلى جنب حمزة فصلى عليه ثم رفع وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة) رواه أحمد ورواه عبد الرزاق في المصنف مرسلا عن الشعبي (¬2). ¬

_ (¬1) نصب الراية 2/ 309. (¬2) المصدر السابق 2/ 309.

وأما الجمهور فإحتجوا على مذهبهم بما يلي: 1 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد ثم يقول أيهم أكثر أخذاً للقران؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة. وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم) رواه البخاري (¬1). 2 - وعن أنس رضي الله عنه أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم) رواه أحمد وأبو داوود والترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال النووي إسناده حسن أو صحيح وقال الألباني صحيح (¬2) وغير ذلك من الأدلة. وقد رجح بعض العلماء أن الصلاة على الشهداء مستحبة لا واجبة وأن الصلاة عليهم على التخيير بين فعلها وتركها وهذا قول ابن حزم وإبن القيم وهو رواية عن الامام أحمد وبه قال الشيخ الألباني (¬3). قال ابن القيم (والصواب في المسألة أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين وهذه إحدى الروايات عن أحمد وهي الأليق بأصول مذهبه) (¬4). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري مع الفتح 3/ 453. (¬2) انظر الفتح الرباني 7/ 205، عون المعبود 8/ 283، صحيح سنن الترمذي 1/ 297 - 298، المجموع 4/ 265. (¬3) المحلى 3/ 336، أحكام الجنائز ص83. (¬4) تهذيب السنن مع عون المعبود 8/ 284.

هذا إيجاز لأقوال العلماء وأدلتهم في الصلاة على الشهداء ولا شك ان صلاة الغائب على الشهداء مبنية على مسألة الصلاة على الشهداء الحاضرين كما قلت وقد تبين لنا أن الحنفية يرون الصلاة على الشهداء الحاضرين والجمهور على خلافهم. وبناء على ما تقدم أقول إن الذي يظهر لي في هذه المسألة أن إقامة صلاة الغائب على الشهداء لم يقل به أحد من الفقهاء فيما أعلم. وذلك لأن الحنفية الذين يقولون بإقامة صلاة الجنازة على الشهداء لايقولون بمشروعية صلاة الغائب أصلا. والجمهور الذين يقولون بمشروعية صلاة الغائب لا يرون الصلاة على الشهداء لذلك كله لا ارى أن صلاة الغائب على الشهداء مشروعة. ومما يؤكد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك الصلاة على الشهداء حال إستشهادهم كما في غزوة بدر وأحد وبقية المشاهد حيث إنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى عليهم فمن باب أولى ترك صلاة الغائب على الشهداء. قال الشيخ الألباني (لقد إستشهد كثير من الصحابة في غزوة بدر وغيرها ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليهم ولو فعل لنقلوه عنه (¬1). ¬

_ (¬1) أحكام الجنائز ص 83.

المسألة الخامسة: صلاة الغائب على أكثر من ميت غائب

المسألة الخامسة: صلاة الغائب على أكثر من ميت غائب. إتفق الفقهاء على جواز صلاة الجنازة على أموات متعددين مهما كان عددهم ذكوراً وإناثاً فإنه تجزيء صلاة واحدة عليهم جميعاً. وفي هذه الحالة تصف الجنائز أمام الامام صفا عريضا ويقوم الامام عند افضلهم أو صفا طويلاً، واحدا خلف واحد، ويقوم الامام عند اولهم (¬1). هذا إذا كان الأموات حاضرين وأما إذا كان الاموات غائبين فهل يصلى عليهم صلاة غائب واحدة؟ والذي يغلب على ظني ان الفقهاء الذي أجازوا صلاة الغائب يجيزون صلاة الغائب على مجموعة أموات غائبين كما هو الحال عند اجتماع جنائز كما ذكرت سابقاً ولم أقف على ذكر لهذه المسألة في المصادر التي أطلعت عليها. وقد رأيت الناس في بلادنا يفعلون ذلك فيصلون صلاة الغائب على مجموعة من الأموات قلت أو كثرت مع العلم بأن فعل الناس ليس حجة. ولا باس بذلك إن كان الأموات الغائبين لم يصل عليهم عند دفنهم كما قلنا في صلاة الغائب على الميت الواحد إذا كان غائبا ولم يصل عليه عند دفنه. اقول إن هذا الكلام ما هو إلا رأي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأاً فمن نفسي ومن الشيطان والعياذ بالله. ¬

_ (¬1) انظر حاشية ابن عابدين 2/ 218 - 219، المغني 2/ 386، الذخيرة 2/ 474، القوانين الفقهية ص 65، مغني المحتاج 2/ 31.

الخاتمة

الخاتمة 1 - صلاة الغائب هي صلاة الجنازة مع كون الميت غير موجود أمام المصلين. 2 - ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى على النجاشي صلاة الغائب وقد وردت روايات عديدة في ذلك. 3 - لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغائب على معاوية بن معاوية الليثي أو المزني والروايات الواردة ضعيفة جداً، إن لم تكن مكذوبة. 4 - لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغائب على زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما والروايات الواردة في ذلك غير ثابتة. 5 - صلاة الغائب مشروعة وجائزة في حق المسلم الذي يموت في بلد آخر إذا لم يصل عليه على الراجح من أقوال أهل العلم فيما ظهر لي. 6 - لم يكن من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يصلي على كل ميت غائب فقد مات كثير من المسلمين وهم غُيَّبْ فلم يصل عليهم وهذا يرجح ما رجحته. 7 - لم يقل أحد من أهل العلم فيما أعلم بمشروعية صلاة الغائب على الشهداء ولا يوجد دليل لمن يصلي صلاة الغائب على الشهداء وقد استشهد كثير من الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل عليهم صلاة الغائب.

8 - إن الأصل في باب العبادات هو الحظر فلا ينبغي للمسلم أن يتعبد الله سبحانه وتعالى الا بما شرع فعلى المسلم الوقوف عند موارد النصوص ولا يجوز تحكيم العقل في مثل هذه القضايا ولا ينبغي الاعتماد على أقوال الناس بدون دليل شرعي صحيح فإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الابتداع. وأختم كلامي بعبارة طيبة للإمام الجليل الفضيل بن عياض يرحمه الله حيث قال: (إتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين). والله الهادي إلى سواء السبيل.

قائمة المراجع

قائمة المراجع 1 - أحكام الجنائز وبدعها ... لناصر الدين الألباني 2 - الاحسان في تقريب صحيح إبن حبان. ... لعلاء الدين الفارسي 3 - الإختيارات العلمية ... لشيخ الإسلام إبن تيمية. 4 - الإختيار لتعليل المختار ... لعبد الله بن محمود الموصلي الحنفي. 5 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ... لناصر الدين الألباني. 6 - أسد الغابة في معرفة الصحابة ... لعز الدين بن الأثير. 7 - الإصابة في تمييز الصحابة ... للحافظ إبن حجر العسقلاني. 8 - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ... للخطيب الشربيني. 9 - الأم ... للإمام محمد بن أدريس الشافعي. 10 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ... لإبن نجيم الحنفي. 11 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ... لعلاء الدين الكاساني. 12 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد ... لإبن رشد الحفيد. 13 - البداية والنهاية ... للحافظ إبن كثير الدمشقي. 14 - بلغة السالك لأقرب المسالك ... لأحمد الصاوي. 15 - تحفة الفقهاء ... لعلاء الدين السمرقندي. 16 - تحفة المحتاج لشرح المنهاج ... لإبن حجر الهيتمي. 17 - الترغيب والترهيب ... للحافظ المنذري.

18 - تفسير إبن كثير ... للحافظ إبن كثير الدمشقي. 19 - تفسير القرطبي ... لمحمد بن أحمد القرطبي. 20 - تهذيب سنن أبي داود ... للعلامة شمس الدين ابن القيم. 21 - حاشية إبن عابدين ... لمحمد أمين الشهير بإبن عابدين. 22 - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ... لأحمد الطحطاوي. 23 - حاشية العدوي على شرح الخرشي ... لعلي بن أحمد العدوي المالكي. 24 - الحاوي الكبير ... للإمام المارودي الشافعي. 25 - الدر المختار شرح تنوير الإبصار ... لعلاء الدين محمد الحصكفي. 26 - دلائل النبوة ... لأحمد بن الحسين البيهقي. 27 - الذخيرة ... لشهاب الدين القرافي. 28 - زاد المعاد في هدي خير العباد ... لشمس الدين إبن القيم. 29 - زوائد سنن إبن ماجة ... لأحمد بن أبي بكر البوصيري. 30 - سبل السلام شرح بلوغ المرام ... للأمير الصنعاني. 31 - سنن إبن ماجة ... لابن ماجة القزويني. 32 - سنن أبي داود ... لأبي داود السجستاني. 33 - سنن البيهقي ... لأحمد بن الحسين البيهقي. 34 - سنن الترمذي ... لأبي عيسى الترمذي. 35 - سنن الدارقطني ... لعلي بن عمر الدارقطني. 36 - سنن النسائي ... لأحمد بن شعيب النسائي. 37 - سير أعلام النبلاء ... لشمس الدين الذهبي. 38 - السيرة النبوية ... لإبن هشام.

39 - شرح الخرشي على سيدي خليل ... لمحمد بن عبد الله الخرشي المالكي. 40 - الشرح الكبير على متن المقنع ... لعبد الرحمن بن أبي عمر بن قدامة. 41 - شرح السنة ... للإمام البغوي. 42 - الصحاح ... للجوهري. 43 - صحيح البخاري ... للإمام محمد بن إسماعيل البخاري. 44 - صحيح سنن إبن ماجة ... لناصر الدين الألباني. 45 - صحيح سنن أبي داود ... لناصر الدين الألباني. 46 - صحيح سنن الترمذي ... لناصر الدين الألباني. 47 - صحيح سنن النسائي ... لناصر الدين الألباني. 48 - صحيح السيرة النبوية ... لإبراهيم العلي. 49 - صحيح مسلم ... للإمام مسلم بن الحجاج. 50 - عارضة الاحوذي بشرح صحيح الترمذي ... لإبن العربي المالكي. 51 - عون المعبود شرح السنن لأبي داود ... لشمس الحق العظيم آبادي. 52 - الفتاوى الكبرى الفقهية ... لإبن حجر الهيتمي. 53 - فتح الباري شرح صحيح البخاري ... للحافظ إبن حجر العسقلاني. 54 - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ... لأحمد عبد الرحمن البنا

55 - الفقه الإسلامي وأدلته ... لوهبة الزحيلي. 56 - كشاف القناع عن متن الاقناع ... لمنصور البهوتي الحنبلي. 57 - كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار ... لتقي الدين الحسيني الحصني الدمشقي. 58 - اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ... لعلي بن زكريا المنبجي الحنفي. 59 - لسان العرب ... للعلامة إبن منظور. 60 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ... للحافظ الهيثمي. 61 - المجموع شرح المهذب ... للإمام النووي. 62 - المحلى ... لإبن حزم الظاهري. 63 - مشكاة المصابيح ... للخطيب التبريزي. 64 - معالم السنن ... للإمام الخطابي. 65 - معرفة السنن والآثار ... لأحمد بن الحسين البيهقي. 66 - المغني شرح مختصر الخرقي ... لإبن قدامة المقدسي. 67 - مغني المحتاج ... للخطيب الشربيني. 68 - ملتقى الأبحر ... لإبراهيم الحلبي الحنفي 69 - الموسوعة الفقهية الكويتية 70 - نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية ... للإمام الزيلعي. 71 - نهاية المحتاج لشرح المنهاج ... للرملي الشافعي 72 - نيل الأوطار شرح منتقى الاخبار ... لمحمد بن علي الشوكاني.

§1/1