صلاة العيدين

سعيد بن وهف القحطاني

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في: ((صلاة العيدين)) وما يتعلق بهما من أحكام، بينت فيها بتوفيق الله - عز وجل -: مفهوم صلاة العيدين، وحكمهما، وآدابهما، وشروط وجوبهما، ووقتهما، وأن خطبة صلاة العيدين بعد الصلاة، وذكرت التكبير أيام العيدين، وأنواعه، وحكم اجتماع العيد والجمعة، وبينت أحكام زكاة الفطر، وأحكام الأضحية، وذكرت بعض المنكرات التي تحصل أيام العيدين، كل

ذلك مقروناً بالأدلة من الكتاب والسنة. وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى، ورفع درجاته في جنات النعيم. والله أسألُ أن يجعل هذا العمل القليل: مباركاً، نافعاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، نبيناً، وإمامنا، وقدوتنا، محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف ليلة السبت الموافق 5/ 7/1422هـ

أولا: مفهوم العيدين

أولاً: مفهوم العيدين: العيدُ: كل يوم فيه جمع، والعيد: ما عاد عليك، ويقال: عيَّدوا: شهدوا العيد. واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع: أعياد، ويقال: عيَّد المسلمون: شهدوا عيدهم، قال الأزهري: ((العيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن)). وقال ابن الأعرابي: ((سمي العيد عيداً؛ لأنه يعود كل سنة بفرح مجدَّد)) (¬1). قال الإمام النووي رحمه الله: ((قالوا: وسمي عيداً، لعوده، وتكرره، وقيل: لعود السرور فيه، وقيل: تفاؤلاً بعوده على من أدركه، كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤلاً لقفولها سالمة، وهو رجوعها وحقيقتها الراجعة)) (¬2). وقيل: سمي عيداً؛ لكثرة عوائد الله تعالى على عباده في ذلك اليوم؛ لأن له عوائد الإحسان على عباده في ذلك اليوم كل عام (¬3). ¬

_ (¬1) لسان العرب لابن منظور، باب الدال، فصل العين، 13/ 317 - 319، وانظر: القاموس المحيط للفيروزآبادي، ص386. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 421. (¬3) انظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن،، 4/ 192، وحاشية الروض المربع، لابن قاسم، 2/ 492.

ثانيا: الأصل في صلاة العيدين: الكتاب، والسنة، والإجماع

واصطلاحاً: العيد: جمع أعياد: يوم الاحتفال بذكرى سارَّة، أو إعادة الاحتفال بذكرى سارة وأحد العيدين: يوم الفطر، والآخر يوم الأضحى (¬1)، والمسلمون لهم ثلاثة أعياد لا رابع لها: عيد الفطر، وعيد الأضحى، ويوم الجمعة (¬2). ثانياً: الأصل في صلاة العيدين: الكتاب، والسنة، والإجماع: 1 - أما الكتاب فقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (¬3). والمشهور في التفسير أن المراد بذلك صلاة العيد (¬4). 2 - وأما السنة، فثبت بالتواتر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُصلِّي صلاة العيدين (¬5)، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((شهدت العيد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، ¬

_ (¬1) معجم لغة الفقهاء، للدكتور محمد روَّاس، ص294. (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 8/ 317. (¬3) سورة الكوثر، الآية: 2. (¬4) المغني لابن قدامة، 3/ 253. (¬5) المرجع السابق، 3/ 253.

3 - وأما الإجماع

وعثمان - رضي الله عنهم -، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة)) (¬1). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمر رضي الله عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة)) (¬2). 3 - وأما الإجماع، فأجمع المسلمون على صلاة العيدين (¬3). ثالثاً: حكم صلاة العيدين: قيل: صلاة العيد فرض كفاية، والصواب أن صلاة العيد فرض عين (¬4)؛ لقول ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد، برقم 962. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد، برقم963. (¬3) المغني لابن قدامة، 2/ 253. (¬4) اختلف العلماء رحمهم الله في حكم صلاة العيد على ثلاثة أقوال: أ - ظاهر مذهب الإمام أحمد أن صلاة العيد فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين. ب- مذهب الإمام أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد أن صلاة العيد فرض عين. ج- وقال ابن أبي موسى: قيل: إنها سنة مؤكدة غير واجبة، وبه قال الإمام مالك، وأكثر أصحاب الإمام الشافعي؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي حين ذكر خمس صلوات، قال: هل عليّ غيرهن؟ قال: (لا، إلا أن تطوع) [البخاري، برقم 2678، ومسلم، برقم 11]. انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 253 - 254، والشرح الكبير، 5/ 316، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، 2/ 493، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، 4/ 194، وشرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 428.

الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر ْ} (¬1)؛ ولحديث أم عطية قالت: أمرنا - تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نُخرج في العيدين: العواتق (¬2)، وذوات الخدور (¬3)، وأمر الحيَّض أن يعتزلن مصلى المسلمين (¬4)، ومما يؤكد فرضيتها، وأنها واجبة على الأعيان: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واظب عليها، وقد اشتهر في السِّير أن أول صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عيد الفطر في السنة الثانية للهجرة، ولم يزل يواظب عليها حتى فارق الدنيا، صلوات الله وسلامه عليه، وواظب عليها الخلفاء بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي من أعلام الدين وشعائره الظاهرة، ¬

_ (¬1) سورة الكوثر، الآية: 2. (¬2) العواتق: جمع عاتق، وهي الجارية البالغة، وقيل: التي قاربت البلوغ، وقيل: هي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس ما لم تتزوج، والتعنيس طول المقام في بيت أبيها بلا زوج حتى تطعن في السن، وقالوا: سميت عاتقاً؛ لأنها عتقت من امتهانها في الخدمة والخروج في الحوائج. شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 428. (¬3) ذوات الخدور: وهن الأبكار، والخدور: البيوت، وقيل: الخدر: ستر يكون في ناحية البيت. شرح النووي على صحيح مسلم،6/ 428،وانظر: الإعلام لابن الملقن،4/ 250. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد، برقم980، ومسلم،، كتاب صلاة العيدين، باب إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال، برقم890.

وهذا كله يؤيد الوجوب (¬1). قال العلامة السعدي رحمه الله: ((والصحيح أن صلاة العيد فرض عين، والدليل الذي استدلوا به على فرض الكفاية هو دليل على أنها فرض عين؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُحرِّض عليها حتى يأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور، وأمر الحيَّض أن يعتزلن المصلى، ولولا رجحان مصلحتها على كثير من الواجبات لم يحضَّ أمته هذا الحضّ عليها، فدل على أنها من آكد فروض الأعيان)) (¬2). وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((صلاة العيد فرض كفاية عند كثير من أهل العلم ويجوز التخلف من بعض الأفراد عنها، لكن حضوره لها ومشاركته لإخوانه المسلمين سنة مؤكدة لا ينبغي تركها إلا لعذر شرعي. وذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة العيد فرض عين: كصلاة الجمعة، فلا يجوز ¬

_ (¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 254، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، 2/ 493، والشرح الممتع لابن عثيمين، 5/ 151 - 152. (¬2) المختارات الجلية من المسائل الفقهية، ص72.

رابعا: آداب صلاة العيد على النحو الآتي:

لأي مكلف من الرجال الأحرار المستوطنين أن يتخلف عنها، وهذا القول أظهر في الأدلة وأقرب إلى الصواب، ويسن للنساء حضورها مع العناية بالحجاب والستر، وعدم التطيُّب)) (¬1)، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في القول: إن صلاة العيد فرض عين: ((وهذا عندي أقرب الأقوال)) (¬2)، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى القول بأن صلاة العيد فرض عين (¬3)، وقال رحمه الله: (( ... ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان كقول أبي حنيفة وغيره، وهو أحد أقوال الشافعي وأحد القولين في مذهب أحمد)) (¬4)، واختاره تلميذه الإمام ابن القيم رحمه الله (¬5). رابعاً: آداب صلاة العيد على النحو الآتي: ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى، 13/ 7،وقرره رحمه الله أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 513. (¬2) الشرح الممتع، 5/ 151 - 152. (¬3) الاختيارات العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص123. (¬4) مجموع الفتاوى لابن تيمية، 23/ 161. (¬5) كتاب الصلاة للإمام ابن القيم، ص11، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 8/ 284.

1 - الغسل يوم العيد

1 - الغسل يوم العيد، ثبت من فعل الصحابة - رضي الله عنهم -، فعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى (¬1). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -))، وقال العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله: ((وأحسن ما يستدل به على استحباب الاغتسال للعيدين، ما روى البيهقي من طريق الشافعي عن زاذان، قال: سأل رجل عليَّاً عن الغسل؟ قال: ((اغتسل كل يوم إن شئت)) فقال: لا، الغسل الذي هو الغسل؟ قال: ((يوم الجمعة، ويوم عرفة (¬2)، ويوم النحر، ويوم الفطر)) (¬3). وعن سعيد بن المسيب أنه قال: ((سنة الفطر ثلاث: المشي ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في الموطأ، كتاب العيدين، باب العمل في غسل العيدين، والنداء فيهما والإقامة، برقم 2، وانظر: آثاراً نقلت في وقفات للصائمين، للشيخ سليمان بن فهد العودة، ص97. (¬2) أي يوم عرفة للحاج. (¬3) قال في إرواء الغليل، 1/ 177: ((وسنده صحيح)) أي موقوف على علي - رضي الله عنه -.

إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال)) (¬1). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((يستحب أن يتطهر بالغسل للعيد، وكان ابن عمر يغتسل يوم الفطر، وروي ذلك عن علي - رضي الله عنه -، وبه قال: علقمة، وعروة، وعطاء، والنخعي، والشعبي، وقتادة، وأبو الزناد، ومالك، والشافعي، وابن المنذر ... )) (¬2)، وقال ابن قدامة أيضاً: ((وروي أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في جمعة من الجمع: ((إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان طيبٌ فليمسَّ منه، وعليكم بالسواك)) (¬3)، فلعل هذه الأشياء بكون الجمعة عيداً؛ ولأنه يوم يجتمع الناس فيه للصلاة فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة، وإن اقتصر على الوضوء أجزأه؛ لأنه إذا لم ¬

_ (¬1) قال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 104: ((رواه الفريابي وإسناده صحيح)). (¬2) المغني لابن قدامة، 3/ 256. (¬3) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، برقم 1098، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه،1/ 326.

2 - يستحب أن يتنظف، ويتطيب، ويتسوك

يجب الغسل للجمعة مع الأمر به فيها فغيرها أولى)) (¬1). 2 - يستحب أن يتنظف، ويتطيب، ويتسوك، كما ذكر في الجمعة؛ لحديث ابن عباس المذكور آنفاً، وفيه: ((وإن كان طيب فليمسَّ منه وعليكم بالسواك)) (¬2). 3 - يلبس أحسن ما يجد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة (¬3) من إستبرق (¬4) تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ابتع هذه فتجمَّل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما هذه لباس من لا خَلاقَ (¬5) له)) (¬6)، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وهذا يدل على أن التجمُّل عندهم في ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة، 3/ 257، وانظر: زاد المعاد لابن القيم، 1/ 442. (¬2) الحديث تقدم تخريجه في الذي قبله، وانظر: المغني لابن قدامة، 3/ 257. (¬3) جبة: ثوب جمعه: جبَبٌ وجباب. القاموس المحيط، ص83. (¬4) إستبرق: هو ما غلظ من الديباج، والديباج: هي الثياب المتخذة من إبريسم. هدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر، ص78، وص114. (¬5) من لا خلاق له، الخلاق: النصيب. تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص42. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، بابٌ: في العيدين والتجمل فيه، برقم 948، ومسلم، كتاب اللباس، باب تحريم لبس الحرير وغير ذلك للرجال، برقم 2068.

4 - يستحب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى

هذه المواضع كان مشهوراً ... وقال مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد، والإمام بذلك أحق؛ لأنه المنظور إليه من بينهم)) (¬1). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين)) (¬2)، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، ومرة كان يلبس بُردين أخضرين (¬3)، ومرة بُرداً أحمر، وليس هو أحمر مُصمتاً (¬4) كما يظنه بعض الناس، فإنه لو كان كذلك لم يكن برداً، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك ... )) (¬5). 4 - يستحب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى في عيد ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة، 3/ 257 - 258. (¬2) فتح الباري، 2/ 439. (¬3) البُردُ: ثوب مخطط، القاموس المحيط، ص341. (¬4) مصمتاً: الثوب المصمت: هو الذي لا يخالط لونه لون. القاموس المحيط، ص199. (¬5) زاد المعاد، 1/ 441.

أما عيد الأضحى فالأفضل أن لا يأكل حتى يرجع من المصلى

الفطر تمرات، والأفضل أن تكون وتراً، أما عيد الأضحى فالأفضل أن لا يأكل حتى يرجع من المصلى، فيأكل من أضحيته (¬1)، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً)) (¬2). وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي)) (¬3)، وقد قيل: الحكمة في الأكل قبل صلاة الفطر: أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد، فكأنه أراد سد هذه الذريعة، وقيل: لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى، ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك، ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع، وقيل: لأن الشيطان ¬

_ (¬1) زاد المعاد، 1/ 441. (¬2) البخاري، كتاب العيدين، باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج، برقم 953. (¬3) الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في الأكل يوم الفطر قبل الخروج، برقم542، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب في الأكل يوم الفطر قبل أن يخرج، برقم1756، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 302.

5 - يخرج إلى العيد ماشيا وعليه السكينة والوقار

الذي يُحبس في رمضان لا يطلق إلا بعد صلاة العيد، فاستحب تعجيل الفطر بِداراً إلى السلامة من وسوسته، وقيل: وقع أكله - صلى الله عليه وسلم - في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما، فإخراج صدقة الفطر قبل الغدوِّ إلى المصلى، وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها، فاجتمعا من جهة وافترقا من جهة أخرى (¬1)، وذكر ابن قدامة رحمه الله أن الحكمة من الإفطار يوم الفطر؛ لأن يوم الفطر حرم فيه الصيام عقب وجوبه فاستحب تعجيل الفطر؛ لإظهار المبادرة إلى طاعة الله تعالى، وامتثال أمره في الفطر على خلاف العادة، والأضحى بخلافه؛ ولأن في الأضحى شرع الأضحية، والأكل منها، فاستحب أن يكون فطره على شيء منها (¬2). 5 - يخرج إلى العيد ماشياً وعليه السكينة والوقار، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وممن استحب المشي: عمر بن ¬

_ (¬1) انظر جميع هذه الحكم: فتح الباري لابن حجر، 2/ 447، 448. (¬2) انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 259.

عبد العزيز، والنخعي، والثوري، والشافعي وغيرهم)) (¬1)، وقد جاء في ذلك أخبار: فعن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يخرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً)) (¬2)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً)) (¬3). وعن علي - رضي الله عنه - قال: ((من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً ... )) (¬4)، قال الإمام الترمذي رحمه الله: ((والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم: يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً، وأن يأكل شيئاً قبل أن يخرج لصلاة الفطر، ¬

_ (¬1) المغني، 3/ 262. (¬2) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشياً، برقم1294، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 388. (¬3) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشياً، برقم 1295، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 388. (¬4) الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في المشي يوم العيد، برقم 530، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشياً، برقم1296، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 296، وفي صحيح ابن ماجه، 1/ 388، وقد حسنه الترمذي، وذكر الألباني في الإرواء، 3/ 103: أن له شواهد كثيرة أخرجها ابن ماجه من حديث سعد القرظي، وابن عمر، وأبي رافع، وقد ذكرتها في المتن.

6 - السنة أن تصلى صلاة العيدين في المصلى

ويستحب أن لا يركب إلا من عذر)) (¬1)، وعن أبي رافع - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي العيد ماشياً)) (¬2)، وعن سعيد بن المسيب أنه قال: ((سنة الفطر ثلاث: المشي إلى الصلاة، والأكل قبل الخروج، والاغتسال)) (¬3). 6 - السنة أن تُصلَّى صلاة العيدين في المصلى، ولا يُصلى في المسجد إلا لحاجة؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة)) (¬4)، والمصلى بالمدينة قال عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((هو موضع بالمدينة معروف بينه وبين باب المسجد ألف ذراع، قاله عمر بن شبة في ¬

_ (¬1) الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في المشي يوم العيد، بعد الحديث رقم530. (¬2) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الخروج إلى العيد ماشياً، برقم1297، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 389. (¬3) ذكره الألباني في إرواء الغليل، 3/ 104، وعزاه إلى الفريابي، وقال: ((وإسناده صحيح))، وذكر الألباني أيضاً في الإرواء 3/ 103 عن الزهري مرسلاً: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يركب في جنازة قط، ولا في خروج أضحى ولا فطر))،ثم قال الألباني رحمه الله: ((وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات ولكنه مرسل)) إرواء الغليل،3/ 104. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، برقم 956، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب كتاب صلاة العيدين، برقم 889.

أخبار المدينة، عن أبي غسان الكناني صاحب مالك)) (¬1). وقال الإمام النووي رحمه الله عن حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: ((هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى وأنه أفضل من فعلها في المسجد، وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار، وأما أهل مكة فلا يصلونها إلا في المسجد من الزمن الأول)) (¬2). قال العلامة ابن الحاج المالكي: ((والسنة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)) (¬3)، ثم هو مع هذه الفضيلة العظيمة خرج - صلى الله عليه وسلم - وتركه (¬4)، وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((السنة أن يُصلَّى العيد في المصلى، ¬

_ (¬1) فتح الباري، 2/ 449. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 427. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم 1190، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، برقم 1394. (¬4) المدخل، 2/ 283 نقلاً عن أحكام العيدين في السنة المطهرة، للشيخ علي بن حسن عبد الحميد الحلبي الأثري.

أمر بذلك علي - رضي الله عنه -، واستحسنه الأوزاعي، وأصحاب الرأي، وهو قول ابن المنذر)) (¬1)، وقال رحمه الله بعد أن ذكر بعض الأقوال المخالفة: ((ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى المصلى ويدع مسجده، وكذلك الخلفاء بعده ولا يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الأفضل مع قربه، ويتكلف الناقص مع بعده، ولا يشرع لأمته ترك الفضائل؛ ولأننا قد أُمرنا باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء به، ولا يجوز أن يكون المأمور به هو الناقص والمنهي عنه هو الكامل، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلّى العيد بمسجده إلا من عذر؛ ولأن هذا إجماع المسلمين)) (¬2). وإن حصل عذر يمنع الخروج إلى المصلى: من مطر، أو خوف، أو ضعف، أو مرض، أو غير ذلك صلى في المسجد ولا حرج عليه إن شاء الله تعالى (¬3).وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((فإذا أصاب الأرض دحض صلوا في المسجد، أما مكة فيصلى العيد في المسجد ¬

_ (¬1) المغني، 3/ 260. (¬2) المرجع السابق، 3/ 260. (¬3) انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 261.

7 - السنة أن يذهب إلى المصلى من طريق ويرجع من طريق آخر

مطلقاً، ومن صلى في المسجد صلى تحية المسجد)) (¬1). 7 - السنة أن يذهب إلى المصلى من طريق ويرجع من طريق آخر؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد خالف الطريق)) (¬2). وأعظم الحكم التي يعتمدها المسلم: متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الحكمة أعلى حكمة يقنع بها المؤمن: أن يقال: هذا أمر الله ورسوله، ودليل ذلك قول الله تعالى (¬3): {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} (¬4)، وقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا} (¬5)، وقول عائشة رضي الله عنها وقد سُئلت: لماذا ¬

_ (¬1) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 1660. (¬2) البخاري، كتاب العيدين، باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد، برقم 986. (¬3) انظر: الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، 5/ 171. (¬4) سورة الأحزاب، الآية: 21. (¬5) سورة الأحزاب، الآية: 36.

تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: ((كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)) (¬1)، ولم تذكر سوى ذلك من الحكم؛ لأن المؤمن لسانه وحاله: سمعنا وأطعنا (¬2). ولا مانع من وجود الحكم الأخرى؛ فإن الله تعالى لا يشرع شيئاً إلا لحكمة: علمناها أو لم نعلمها. ومما قيل في حكمة مخالفة الطريق يوم العيد، ما يأتي: 1 - قيل: يفعل ذلك؛ ليشهد له الطريقان. 2 - وقيل: ليشهد له سكانهما من الجن والإنس. 3 - وقيل: لإظهار شعار الإسلام في الطريقين. 4 - وقيل: لإظهار ذكر الله تعالى. 5 - وقيل: ليغيظ أعداء الإسلام. 6 - وقيل: ليدخل السرور على أهل الطريقين، أو لينتفع به أهل الطريقين في الاستفتاء أو التعلم ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 321، ومسلم، برقم 335، وتقدم تخريجه في الطهارة: أحكام الحيض. (¬2) انظر: الشرح الممتع، للعلامة ابن عثيمين، 5/ 171.

8 - يستحب للمأموم التبكير إلى مصلى العيد بعد صلاة الصبح

والاقتداء والاسترشاد، أو الصدقة والسلام عليهم. 7 - وقيل: لزيارة الأقرباء وصلة الأرحام. 8 - وقيل: ليتفاءل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضا. 9 - وقيل: لتخفيف الزحام. 10 - وقيل: لأن الملائكة تقف في الطرقات، فأراد أن يشهد له فريقان منهم (¬1)، قال الإمام ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر كثيراً من هذه الحكم: ((وقيل وهو الأصح: إنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله [- صلى الله عليه وسلم -] عنها (¬2). 8 - يستحب للمأموم التبكير إلى مصلى العيد بعد صلاة الصبح، أما الإمام فيستحب له أن يتأخر إلى وقت الصلاة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة ... )) (¬3)، ¬

_ (¬1) انظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 473، فقد ذكر هذه الحكم وغيرها وقال: ((وقد اختلف في ذلك على أقوال كثيرة اجتمع لي منها أكثر من عشرين ... )) ثم ذكرها. (¬2) زاد المعاد في هدي خير العباد،1/ 449، وانظر: المغني لابن قدامة، 3/ 283. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 956، ومسلم، برقم 889، وتقدم تخريجه في سنة الخروج إلى المصلى.

الدليل على سنية الخروج بعد صلاة الصبح ما يلي:

ولأن الإمام يُنتظر ولا يَنتظر، ولو جاء إلى المصلى وقعد في مكان مستتر عن الناس فلا بأس. قال الإمام مالك: مضت السنّة أن يخرج الإمام من منزله قدر ما يبلغ مصلاّه، وقد حلّت الصلاة، فأما غيره فيستحب له التبكير، والدنوُّ من الإمام، ليحصل له: أجر التبكير، وانتظار الصلاة، والدنوِّ من الإمام من غير تخطي رقاب الناس، ولا أذى لأحد، قال عطاء بن السائب: كان عبدالرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن معقل، يصليان الفجر يوم العيد وعليهما ثيابهما ثم يندفعان إلى الجبَّانة أحدهما يُكبّر والآخر يُهلّل)) (¬1). قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ((والدليل على سنية الخروج بعد صلاة الصبح ما يلي: أ - عمل الصحابة - رضي الله عنهم -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى المصلى إذا طلعت الشمس ويجد الناس قد حضروا، وهذا يستلزم أن يكونوا قد تقدموا. ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة، 3/ 261، وشرح السنة للبغوي، 4/ 302 - 303.

ب - ولأن ذلك أسبق إلى الخير

ب - ولأن ذلك أسبق إلى الخير. ج - ولأنه إذا وصل المسجد وانتظر الصلاة؛ فإنه لا يزال في صلاة. د - ولأنه إذا تقدم يحصل له الدنوّ من الإمام، كل هذه العلل مقصودة في الشرع)) (¬1). 9 - يُكبّر في طريقه إلى مُصلّى العيد ويرفع صوته بالتكبير؛ لقول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬2)،وقد جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج يوم الفطر فيكبّر حتى يأتي المصلى، وحتى يقضي صلاته فإذا قضى الصلاة قطع التكبير)) (¬3).وقد صحّ عن ابن عمر موقوفاً أنه ((كان يجهر بالتكبير يوم الفطر [ويوم ¬

_ (¬1) الشرح الممتع، 5/ 163 - 164. (¬2) سورة البقرة، الآية: 185. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، 2/ 1/2، والمحاملي في كتاب صلاة العيدين، 2/ 142/2 عن الزهري مرسلاً بإسناد صحيح، وقد ذكر له العلامة الألباني شواهد يتقوّى بها ثم قال بعد ذكرها: ((وبذلك يصير الحديث صحيحاً كما تقتضيه قواعد هذا العلم الشريف)) سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 170، 1/ 120.

الأضحى] إذا غدا إلى المصلى حتى يخرج الإمام فيكبر بتكبيره)) (¬1)، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويكبر في طريق العيد ويرفع صوته بالتكبير، وهو معنى قول الخرقي: ((مظهرين للتكبير)) قال أحمد: يكبر جهراً إذا خرج من بيته حتى يأتي المصلى، روي ذلك عن علي، وابن عمر، وأبي أمامة، وأبي رهم [كلثوم بن الحصين الصحابي] وناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وهو قول عمر بن عبد العزيز، وأبان بن عثمان، وأبي بكر بن محمد، وفعله النخعي، وسعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وبه قال الحكم، وحماد، ومالك، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر وإذا ثبت هذا فإنه يكبر حتى يأتي المصلى ... وقال القاضي [في رواية عن الإمام أحمد] حتى يخرج الإمام)).وقال ابن أبي موسى: ¬

_ (¬1) قال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت الحديث رقم 170، 1/ 120: ((أخرجه الفريابي في كتاب أحكام العيدين، ق 120/ 1 ((بسند صحيح، ورواه الدارقطني (180) وغيره بزيادة: ((ويوم الأضحى)) وسنده جيد)). ثم قال الألباني عن حديث الزهري المرفوع، وحديث ابن عمر الموقوف: ((فالحديث صحيح عندي مرفوعاً وموقوفاً)).

((يكبر الناس في خروجهم من منازلهم لصلاتي العيدين جهراً، حتى يأتي الإمام المصلى، ويكبر الناس بتكبير الإمام في خطبته، وينصتون فيما سوى ذلك)) (¬1). وقال العلامة الألباني عن حديث الزهري وابن عمر: ((وفي الحديث دليل على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهراً في الطريق إلى المصلى، وإن كان كثير منهم بدأوا يتساهلون بهذه السنة حتى كادت أن تصبح في خبر كان، وذلك لضعف الوازع الديني منهم، وخجلهم من الصدع بالسنة والجهر بها، ومن المؤسف أن فيهم من يتولى إرشاد الناس وتعليمهم، فكان الإرشاد عندهم محصور بتعليم الناس ما يعلمون، وأما ما هم بأمسّ الحاجة إلى معرفته فذلك مما لا يلتفتون إليه ... ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة أن الجهر بالتكبير هنا لا يشرع فيه الاجتماع بصوت واحد، كما يفعله البعض، وكذلك كل ذكر يشرع فيه رفع الصوت أو لا يشرع، فلا يشرع فيه الاجتماع المذكور ... ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة، 3/ 262 - 263، 3/ 255، 256، وانظر الإنصاف، 5/ 367، والشرح الممتع لابن عثيمين، 5/ 210.

10 - السنة أن لا يصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها

فلتكن على حذر من ذلك، ولتذكر دائماً قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1). 10 - السنة أن لا يُصلَّى قبل صلاة العيد ولا بعدها؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلها ولا بعدها، ومعه بلال)) (¬2)، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((ولم يكن هو [- صلى الله عليه وسلم -] ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها)) (¬3)، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ((والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافاً لمن قاسها على الجمعة)) (¬4). وأما حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ¬

_ (¬1) سلسلة الأحاديث الصحيحة بتصرف يسير، 1/ 121، تحت الحديث رقم 170، وللشيخ حمود التويجري رحمه الله رسالة مفردة في إنكار هذا التكبير الجماعي، وهي مطبوعة. [قاله الشيخ علي بن حسن بن عبد الحميد في أحكام العيدين، ص28]. (¬2) متفق عليه، البخاري، كتاب العيدين، باب الصلاة قبل العيد وبعدها، برقم 989، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب ترك الصلاة قبل العيد وبعدها في المصلى، برقم 884. (¬3) زاد المعاد، 1/ 443. (¬4) فتح الباري، 2/ 476.

11 - السنة: أنه لا أذان ولا إقامة لصلاة العيدين

يصلي قبل العيد شيئاً فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين)) (¬1)،فقال عنه العلامة الألباني رحمه الله: ((والتوفيق بين هذا الحديث والأحاديث المتقدمة النافية للصلاة بعد العيد بأن النفي إنما وقع على الصلاة في المصلى، كما أفاد الحافظ في التلخيص)) (¬2). ولكن إذا احتاج الناس إلى الصلاة في المسجد؛ لخوف، أو مطر، أو برد شديد، أو ريح شديدة، أو غير ذلك من الأعذار فلا يجلس المسلم حتى يصلي ركعتين، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) (¬3). 11 - السنة: أنه لا أذان ولا إقامة لصلاة العيدين؛ لحديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه -، قال: ((صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة)) (¬4)، ¬

_ (¬1) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها، برقم 1293، وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، والبوصيري في الزوائد، والألباني في إرواء الغليل، 3/ 100، وفي صحيح ابن ماجه، 1/ 388. (¬2) إرواء الغليل، 3/ 100. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 44،ومسلم، برقم 714،وتقدم تخريجه في صلاة التطوع. (¬4) مسلم، كتاب صلاة العيدين، باب كتاب صلاة العيدين، برقم 887.

ولحديث ابن عباس وجابر بن عبد الله - رضي الله عنهم -، قالا: ((لم يكن يؤذن يوم الفطر، ولا يوم الأضحى)) (¬1)، ولمسلم عن عطاء قال: أخبرني جابر بن عبد الله الأنصاري، أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعدما يخرج، ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء، لا نداء يومئذٍ ولا إقامة)) (¬2). قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة، من غير أذان، ولا إقامة، ولا قول: الصلاة جامعة، والسنة أن لا يُفعل شيء من ذلك)) (¬3). وقال الإمام الصنعاني رحمه الله في تعليقه على أحاديث نفي الأذان والإقامة لصلاة العيد: ((وهو دليل على عدم شرعيتهما في صلاة العيد فإنهما بدعة)) (¬4). ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة، وبغير أذان وإقامة، برقم 960، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب كتاب صلاة العيدين، برقم 886. (¬2) مسلم، كتاب صلاة العيدين، باب كتاب صلاة العيدين، برقم 886. (¬3) زاد المعاد، 1/ 442. (¬4) سبل السلام، 3/ 229.

12 - لا يحمل السلاح يوم العيد إلا لحاجة لابد منها

12 - لا يحمل السلاح يوم العيد إلا لحاجة لابد منها؛ لحديث سعيد بن جبير - رضي الله عنه - قال: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه فلزقت قدمه بالركاب فنزلتُ فنزعتها - وذلك بمنى - فبلغ الحجاج فجعل يعوده، فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك؟ فقال ابن عمر: أنت أصبتني، قال: وكيف؟ قال: حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه، وأدخلت السلاح الحرم، ولم يكن السلاح يدخل الحرم)) (¬1). وفي رواية إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه قال: ((دخل الحجاج على ابن عمر وأنا عنده فقال: كيف هو؟ فقال: صالح، فقال: من أصابك؟ قال: أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله)) يعني الحجاج (¬2). وقال الحسن: ((نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدواً)) (¬3). ¬

_ (¬1) البخاري، كتاب العيدين، باب ما يكره من حمل السلام في العيد والحرم، برقم966. (¬2) البخاري، كتاب العيدين، باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم، برقم 967. (¬3) البخاري معلقاً، كتاب العيدين، باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم، رقم الباب 9.

وقد جمع الحافظ ابن حجر بين هذا النهي وبين لعب الحبشة في المسجد بالحراب: بأن قصة الحبشة دائرة بين الإباحة والندب على ما دل عليه حديثها وهذا دائر بين الكراهة والتحريم؛ لقول ابن عمر: ((في يوم لا يحل فيه حمل السلاح))، ويجمع بينهما بحمل الأولى على وقوعها ممن حملها بالدربة وعهدت منه السلامة من إيذاء أحد من الناس بها، وحمل الحالة الثانية على وقوعها ممن حملها: بطراً، وأشراً، أو لم يتحفظ حال حملها وتجريدها من إصابتها أحداً من الناس، ولا سيما عند المزاحمة وفي المسالك الضيقة (¬1)، وقد سبق أن ذكرت في مبحث المساجد الأمر بإمساك نصال السلاح في المساجد والأسواق، وتحريم حمل السلاح على المسلمين، والمزح به. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول عن حمل السلاح في يوم العيد: ((لا ينبغي ¬

_ (¬1) فتح الباري، 2/ 455، وقد ذكر في هذا الموضع آثاراً كثيرة عند عبد الرزاق، 3/ 289، وابن ماجه، برقم 1314، وغير ذلك تدل على النهي عن حمل السلاح يوم العيد، وفي بعضها إلا بحضرة العدو.

13 - لا بأس باللعب بالدف للجواري، واللعب المباح

أن يحمل السلاح فيه إلا أن يكون هناك خوف، وهكذا في الحرمين لا يحمل السلاح إلا إذا دعت الحاجة كما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1) يعني يوم الفتح. 13 - لا بأس باللعب بالدف للجواري، واللعب المباح في يوم العيد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان (¬2) تغنيان بغناء (¬3) بُعاث (¬4) فاضطجع على الفراش، وحوَّل وجهه، وجاء ¬

_ (¬1) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية، الحديث رقم 1647. (¬2) جاريتان: الجارية في النساء كالغلام في الرجال، وهما يقالان عن من دون البلوغ منهما. [المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي،2/ 533]. (¬3) تغنيان: ترفعان أصواتهما بإنشاد شعر العرب، وهو إنشاد بصوت رقيق فيه تمطيط وهو يجري مجرى الحداء. المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/ 533. (¬4) ومعنى يوم بعاث: أما بعاث، فقيل: هو موضع من المدينة على ليلتين، وقيل: هو اسم حصن للأوس، وقيل: هو موضع في دار بني قريظة فيه أموال لهم، وكان موضع الوقعة في مزرعة لهم هناك، ولا تنافي بين القولين. ويوم بعاث هو آخر وقعة وقعت بين الأوس والخزرج، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وهو المعتمد وهو أصح من قول ابن عبد البر ... [إن] يوم بعاث كان قبل الهجرة بخمس سنين)) [فتح الباري، 2/ 441] وقد كانت الحرب قائمة بين الأوس والخزرج دامت مائة وعشرين سنة إلى الإسلام، وقع فيها وقائع كثيرة من أشهرها: يوم السرارة، ويوم قارع، ويوم الفجار الأول والثاني، وحرب حصين بن الأسلت، وحرب حاطب بن قيس، إلى أن كان آخر ذلك يوم بعاث. [فتح الباري لابن حجر، 2/ 441، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 433، وشرح السنة للبغوي، 4/ 322 والمفهم للقرطبي، 2/ 533 - 537].

أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان (¬1) عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((دعهما)) فلما غفل غمزتهما فخرجتا)). وفي رواية قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان مما تقاولت الأنصار (¬2) يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنيتين (¬3)، فقال ¬

_ (¬1) مِزمارة الشيطان: يعني الغناء أو الدف؛ لأن المزمارة أو المزمار مشتق من الزمير، وهو الصوت الذي له صفير، ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء، وسميت به الآلة المعروفة التي يزمر بها، وإضافتها إلى الشيطان من جهة أنها تلهي، فقد تشغل القلب عن الذكر، وقيل: المزمور: الصوت، ونسبته إلى الشيطان ذم على ما ظهر لأبي بكر، وهذا إنكار منه لما سمع مستصحباً لما كان مقرراً عنده من تحريم اللهو والغناء جملة، حتى ظن أن هذا من قبيل ما ينكر فبادر إلى ذلك، قياماً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما ظهر له، وكأنه ما كان تبين له أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قررهن على ذلك بعد، وعند ذلك قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((دعهما)) ثم علل الإباحة بأنه يوم عيد، يعني أنه يوم سرور وفرح شرعي فلا ينكر فيه مثل هذا، كما لا ينكر في الأعراس، ويؤخذ من إنكار أبي بكر: أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تتنزه عن الهوى واللغو ونحوه وإن لم يكن فيه إثم. [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 2/ 535، وفتح الباري لابن حجر، 2/ 442، وشرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 424]. (¬2) مما تقاولت به الأنصار: أي قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء، وهذا الغناء: كان في الشجاعة، والقتل، والحذق في القتال، ونحو ذلك مما لا مفسدة فيه، بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشر، ويحملها على البطالة والقبح، قال القاضي عياض: إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة، والظهور، والغلبة، وهذا لا يهيج الجواري على شر، ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه وإنما هو رفع الصوت بالإنشاد [شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 433، وفتح الباري لابن حجر، 2/ 441]. (¬3) ((وليستا بمغنيتين)) أي ليستا ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز من الغناء المعتاد عند المشهورين به، الذي يحرك النفوس، ويبعثها على الهوى، والغزل، والمجون، الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر فيه محاسن النساء، وذكر الخمور والمحرمات لا يختلف في تحريمه؛ لأنه اللهو واللعب المذموم بالاتفاق. [المفهم للقرطبي، 2/ 534، وشرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 433 - 434، وفتح الباري لابن حجر، 2/ 442].

أبو بكر: أبمزامير الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا)). وفي لفظ: أن ذلك في منى وأنهما تدقان وتضربان فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهه وقال: ((دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد)) وتلك الأيام أيام منى، وفي رواية لمسلم: ((جاريتان تلعبان بدف)) (¬1)، ولفظ النسائي: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها ¬

_ (¬1) تلعبان بدف: الدف هو الذي يضرب به في الأعراس، وهو الذي لا حلق فيه ولا صنوج، وهو بضم الدال على الأشهر وقد تفتح، ويقال له أيضاً: الكِربال، وهو الذي لا جلاجل فيه، والدقدقة: استعجال ضرب الدف. والدَّف: الجنب من كل شيء أو صفحته. والدُّف: آلة من آلات الموسيقى مستديرة كالغربال، ليس لها جلاجل، يشد الجلد من أحد طرفيها. ويقال: آلة طرب ينقر عليها. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هو مفتوح من جهة والجهة الأخرى مغطاة بجلد)). انظر: المفهم للقرطبي، 2/ 536، وفتح الباري، 2/ 240، وهدي الساري (مقدمة فتح الباري، ص117، ولسان العرب، 9/ 106، والقاموس المحيط، ص1047، والمعجم الوسيط، 1/ 289، ومعجم لغة الفقهاء، لمحمد روّاس، ص186.

وعندها جاريتان تضربان بدفين، فانتهرهما أبو بكر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((دعهن فإن لكل قوم عيداً)) (¬1). قال الإمام البغوي رحمه الله: ((وكان الشعر الذي تغنيان في وصف الحرب، والشجاعة، وفي ذكره معونة في أمر الدين، فأما الغناء بذكر الفواحش، والابتهار بالحرام (¬2) والمجاهرة بالمنكر من القول فهو المحظور من الغناء، وحاشاه [- صلى الله عليه وسلم -] أن يجري شيء من ذلك بحضرته ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب الحراب والدرق يوم العيد، برقم 949، وباب سنة العيدين لأهل الإسلام، برقم 952، وباب إذا فاته العيد صلى ركعتين، برقم 987، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، برقم 892، والنسائي، كتاب صلاة العيدين، باب ضرب الدف يوم العيد، برقم 1592، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 516. (¬2) الابتهار: الاشتهار. من قولك ابتهر بفلانة: أي شهر بها.

عليه الصلاة والسلام، فيغفل النكير له، وكل من رفع صوته بشيء جاهراً به، ومصرحاً باسمه لا يستره ولا يكني عنه فقد غنَّى، بدليل قولها: ((وليستا بمغنيتين)) (¬1)، وقال الإمام القرطبي رحمه الله: ((وقولها: وليستا بمغنيتين)) أي ليستا ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرّز من الغناء المعتاد عند المشهورين به الذي يحرك النفوس، ويبعثها على الهوى والغزل، والمجون، الذي يحرك الساكن، ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر يُشَبَّب فيه بذكر النساء، ووصف محاسنهن، وذكر الخمور، والمحرمات لا يُختلف في تحريمه؛ لأنه اللهو واللعب المذموم بالاتفاق، أما ما يسلم من تلك المحرمات فيجوز القليل منه، وفي أوقات الفرح: كالعرس، والعيد، وعند التنشيط على الأعمال الشاقة، ويدل على جواز هذا النوع هذا الحديث وما في معناه على ما يأتي في أبوابه، مثل: ما جاء في الوليمة، وفي ¬

_ (¬1) شرح السنة للإمام البغوي، 4/ 322 - 323.

حفر الخندق، وفي حَدْو الحبشة، وسلمة بن الأكوع، فأما ما أبدعه الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية، والأغراض الشيطانية قد غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير، وشهر بذكره حتى عموا عن تحريم ذلك، وعن فحشه، حتى قد ظهرت من كثير منهم عورات المُجَّان والمخانيث، والصبيان، فيرقصون، ويَزْفِنون بحركات مطابقة وتقطيعات متلاحقة، كما يفعل أهل السَّفَه والمجون، وقد انتهى التوقح بأقوام منهم إلى أن يقولوا: إن تلك الأمور من أبواب القرب وصالحات الأعمال، وأن ذلك يثمر صفاء الأوقات، وسيئات الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل البطالة، والمخرقة، نعوذ بالله من البدع، والفتن، ونسأله التوبة والمشي على السنن)) (¬1). ¬

_ (¬1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 2/ 534. وانظر: فتح الباري، لابن حجر، 2/ 442، وشرح النووي، 6/ 433.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يُحصِّل لهم بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى، وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين)) (¬1). ومما يؤيد ذلك حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر)) ولفظ النسائي: ((كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة قال: ((كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الضحى)) (¬2). ¬

_ (¬1) فتح الباري لابن حجر،2/ 433،وقد كتب الشيخ علي بن حسن عبد الحميد الأثري رسالة نشرت بعنوان: ((الجواب السديد على من سأل عن حكم الدفوف والأناشيد)). (¬2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب صلاة العيدين، برقم 1134، والنسائي، كتاب صلاة العيدين، باب 1، برقم 1555، وصححه الألباني في صحيح أبو داود، 1/ 311، وصحيح النسائي، 1/ 505.

وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا يدل على أن الله جعل يوم العيد يوم سرور، ويجوز فيه اللعب فيما لا محذور فيه للنساء والجواري، وفيه التعلم على الآلات كما فعل الحبشة)) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان تغنيان بغنا بُعاث، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((دعهما)) فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدَّرق (¬2) والحراب، فإما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإما قال: ((تشتهين تنظرين))؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: ((دونكم يا بني أرفدة)) (¬3)، حتى إذا مللت قال: ((حسبك))؟ قلت: نعم، ¬

_ (¬1) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 523. (¬2) الدرق: جمع درقة وهي الترس. فتح الباري لابن حجر، 2/ 440. (¬3) يا بني أرفدة بفتح الفاء وكسرها والكسر أشهر: وهو لقب الحبشة، ولفظة ((دونكم)) من ألفاظ الإغراء، وحذف المغرى به تقديره عليكم بهذا اللعب الذي أنتم فيه. شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 436.

قال: ((اذهبي)). وفي لفظ لمسلم: ((جاء الحبشة يزفنون (¬1) في يوم عيد في المسجد)) (¬2). قال الإمام القرطبي رحمه الله: ((وأما لعب الحبشة في المسجد فكان لعباً بالحراب والدرق تواثباً، ورقصاً بهما، وهو من باب التدريب على الحرب والتمرين والتنشيط عليه، وهو من قبيل المندوب، ولذلك أباحه النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((بينما الحبشة يلعبون بحرابهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ دخل عمر بن الخطاب فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دعهم يا عمر)) (¬4). ¬

_ (¬1) يزفنون: معناه يرقصون، وحمله العلماء على التوثب بسلاحهم ولعبهم بحرابهم على قريب من هيئة الرقص؛ لأن معظم الروايات إنما فيه لعبهم بحرابهم فيؤول هذه اللفظة على موافقة سائر الروايات. شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 436. (¬2) متفق عليه، واللفظ لمسلم هنا: البخاري، برقم 949، 950، ومسلم، برقم 19 - (892)، وتقدم تخريجه في أول هذا المبحث. (¬3) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 2/ 536. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 2901،ومسلم، برقم 893، وتقدم تخريجه في المساجد.

قال القرطبي رحمه الله: ((وإنكار عمر عليهم تمسكٌ منه بالصورة الظاهرة، كما قلنا في حق أبي بكر رضي الله عنهما)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((واللعب بالحراب ليس لعباً مجرداً، بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو)) (¬2). وقال رحمه الله في موضع آخر: ((واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه)) (¬3). ويشرع لعب النساء بالدف في العرس دون الرجال؛ لحديث الربيع بنت معوذ، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد عندها غداة بُنِيَ عليها جويريات يضربن بالدف، قالت أم الربيع: ((يندُبن (¬4) من قتل من آبائي يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي الله يعلم ما في غد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ¬

_ (¬1) المفهم، 2/ 536. (¬2) فتح الباري، 1/ 549. (¬3) المرجع السابق، 2/ 445. (¬4) يندُبن: الندب أن يذكر الميت بأحسن أوصافه وأفعاله. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 5/ 34.

تقولي هذا وقولي ما كنت تقولين)) (¬5). وعن محمد بن حاطب الجمحي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح)) (¬6). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا يدل على مشروعية الدف والصوت للنساء: الغناء العادي، أما المزامير والغناء المحرم فلا، والدف هو ذو الوجه الواحد، ويقال له الطار)) (¬7). وعن عائشة رضي الله عنها أنها زفَّت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عائشة ما كان معكم لهو، ¬

_ (¬5) البخاري، كتاب المغازي، بابٌ: حدثني خليفة، برقم 4001، وكتاب النكاح باب ضرب الدف في النكاح والوليمة، برقم 5147. (¬6) الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في إعلان النكاح، برقم 1088، وابن ماجه، كتاب النكاح، باب إعلان النكاح، برقم 1896،والنسائي، كتاب النكاح، باب إعلان النكاح، برقم 3369،وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي،1/ 553 وغيره. (¬7) سمعته أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 3369.

فظهر مما تقدم من الأحاديث في اللعب ما يأتي:

فإن الأنصار يعجبهم اللهو))؟ (¬1)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وفي رواية شريك، فقال: ((بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني))؟ قلت تقول: ماذا؟ قال تقول: أتيناكم أتيناكم ... فحيَّانا وحيَّاكم ولولا الذهب الأحمر ... ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمراء ... ما سمنت عذاريكم (¬2) فظهر مما تقدم من الأحاديث في اللعب ما يأتي: 1 - جواز اللعب للنساء والجواري والضرب بالدف أيام العيد بشرط أن لا يكون شعراً محرماً أو شعراً بآلات الطرب المحرمة. 2 - مشروعية الضرب بالدف في النكاح ويكون ذلك للنساء خاصة بشرط أن لا يقلن الألفاظ المحرمة كما تقدم. 3 - جواز اللعب للرجال الذي فيه تدريب على الحرب ¬

_ (¬1) البخاري، كتاب النكاح، باب النسوة التي يهدين المرأة إلى زوجها ودعائهن بالبركة، برقم 5162. (¬2) فتح الباري، 9/ 226.

4 - لا يجوز لعب الرجال بالدف ولا بغيره

والقتال، وتعلم الكرّ والفرّ في الجهاد في سبيل الله تعالى. 4 - لا يجوز لعب الرجال بالدف ولا بغيره، أما اللعب الذي فيه تدريب على الجهاد بدون دف فلا بأس به كما تقدم. قال المباركفوري رحمه الله: ((الإذن في ذلك للنساء فلا يلحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن، وكذلك الغناء المباح في العرس مختص بالنساء، فلا يجوز للرجال)) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((أما ضرب الدف فهو من باب إعلان النكاح للنساء خاصة)) (¬2) والله الموفق (¬3). 14 - خروج النساء إلى مصلى العيد متحجبات غير متطيّبات؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، 4/ 210. (¬2) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحدث رقم 5147. (¬3) انظر: في اللعب وأنواعه: جامع الأصول لابن الأثير، 11/ 439، وتحفة الأحوذي، 4/ 210 - 213،وفتح الباري، 2/ 440 و9/ 202،وشرح السنة للبغوي،9/ 46 - 49، ونيل الأوطار للشوكاني،4/ 289 - 292،ونيل المآرب شرح دليل الطالب، 2/ 211.

15 - خروج الصبيان إلى المصلى

سمعته يقول: ((تخرج العواتق وذوات الخدور، أو العواتق ذوات الخدور، والحيّض، وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيّض المصلى)). وفي لفظ: ((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق، والحيض، وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: ((لتلبسْها أختُها من جلبابها)) (¬1). وصلاة العيد ليست واجبة على المرأة ولكنها سنة في حقها وتصليها في المصلى مع المسلمين؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك (¬2)، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((وخروج النساء في صلاة العيد سنة وليس بواجب)) (¬3). 15 - خروج الصبيان إلى المصلى؛ ليشهدوا دعوة ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحيض، باب شهود الحائض العيدين، ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى، برقم 324، ومسلم، كتاب العيدين، باب خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال، برقم 12 - (890). (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 8/ 284. (¬3) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار للمجد، الحديث رقم 1649.

المسلمين، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((باب خروج الصبيان إلى المصلى)) ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر أو أضحى فصلى العيد ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن، وذكرهن، وأمرهن بالصدقة)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((قوله باب خروج الصبيان إلى المصلى)) أي في الأعياد، وإن لم يصلوا. قال الزين بن المنير: آثر المصنف في الترجمة قوله: إلى المصلى على قوله: صلاة العيد؛ ليعم من يتأتى منه الصلاة ومن لا يتأتى)) (¬2). وفي لفظ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما حينما سئل: أشهدت العيد مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته ... )) (¬3). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال ابن بطال: خروج الصبيان إلى المصلى إنما هو إذا كان الصبي ممن يضبط نفسه عن اللعب ويعقل ¬

_ (¬1) البخاري، كتاب العيدين، باب خروج الصبيان إلى المصلى، برقم 975. (¬2) فتح الباري، لابن حجر، 2/ 464. (¬3) البخاري، كتاب العيدين، باب العلم الذي بالمصلى، برقم 977.

16 - التهنئة بالعيد من فعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -

الصلاة ويتحفظ مما يفسدها، ألا ترى إلى ضبط ابن عباس القصة. اهـ[قال الحافظ]: وفيه نظر؛ لأن مشروعية إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك وإظهار شعار الإسلام بكثرة من يحضر منهم، ولذلك شرع للحيَّض كما سيأتي، فهو شامل لمن تقع منهم الصلاة أو لا، وعلى هذا إنما يحتاج أن يكون مع الصبيان من يضبطهم عما ذكر من اللعب ونحوه سواء صلوا أم لا، وأما ضبط ابن عباس القصة فلعله كان لفرط ذكائه، والله أعلم)) (¬1). 16 - التهنئة بالعيد من فعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ورُوِّينا في ((المحامليات)) بإسناد حسن عن جبير بن نُفير قال: ((كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منَّا ومنك)) (¬2). ¬

_ (¬1) فتح الباري، 2/ 466. (¬2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 2/ 446.

ونقل ابن قدامة رحمه الله عن ابن عقيل في تهنئة العيد أن محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: ((تقبل الله منا ومنك)). وقال أحمد: إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد، وقال علي بن ثابت: ((سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين سنة وقال: لم نزل نعرف هذا بالمدينة)) (¬1). ((وقال أحمد رحمه الله: ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبل الله منا ومنك، وقال حرب: سئل أحمد عن قول الناس في العيدين: تقبَّل الله منا ومنكم، قال: لا بأس به يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، قيل: وواثلة بن الأسقع؟ قال: نعم، قيل فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد؟ قال: لا)) (¬2)، ((وروي عن أحمد أنه قال: لا أبتدي به أحداً، وإن قاله أحد رددت عليه)) (¬3)، وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة، 3/ 294. (¬2) فتح الباري لابن حجر، 3/ 294. (¬3) المرجع السابق، 3/ 295.

17 - يقضي صلاة العيد من فاتته مع الإمام

التهنئة في العيد، فأجاب: ((أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: تقبل الله منا ومنكم، وأحاله الله عليك، ونحو ذلك فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره، لكن قال أحمد: أنا لا أبتدئ أحداً، فإن ابتدأني أحد أجبته، وذلك لأن جواب التحية واجب، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأموراً بها، ولا هو أيضاً مما نهي عنه، فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة، والله أعلم)) (¬1). 17 - يقضي صلاة العيد من فاتته مع الإمام، قال الإمام البخاري رحمه الله: ((بابٌ إذا فاتته العيد يصلي ركعتين. وكذلك النساء ومن كان في البيوت، والقرى، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هذا عيدنا أهل الإسلام))، وأمر أنس بن مالك مولاهم ابن أبي عتبة بالزاوية (¬2) فجمع أهله وبنيه ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى، 24/ 253. (¬2) الزاوية: موضع على فرسخين من البصرة كان به لأنس قصر وأرض، وكان يقيم هناك كثيراً، فتح الباري لابن حجر، 2/ 475.

وصلى صلاة أهل المصر وتكبيرهم، وقال عكرمة: أهل السواد (¬1) يجتمعون في العيد يصلون ركعتين كما يصنع الإمام، وقال عطاء: إذا فاته العيد صلى ركعتين)) (¬2)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((في هذه الترجمة حكمان: مشروعية استدراك صلاة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كانت بالاضطرار أو بالاختيار، وكونها تقضى ركعتين كأصلها)) (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) أهل السواد: ما حول كل مدينة من القرى: أي كأنها الأشخاص والمواضع العامرة بالناس والنبات بخلاف ما لا عمارة فيه. مشارق الأنوار للقاضي عياض،2/ 229. (¬2) البخاري، كتاب العيدين، باب إذا فاتته العيد يصلي ركعتين، قبل الحديث 987. (¬3) فتح الباري، 2/ 474. (¬4) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى هل يسن أن تقضى صلاة العيد إذا فاتت مع الإمام أم لا؟ فقال جماعة: لا تقضى، منهم المزني، وقال أبو حنيفة يتخير بين القضاء والترك [فتح الباري لابن حجر، 2/ 475]، واختار هذا القول العلامة ابن عثيمين ونسبه لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأن من فاتته صلاة العيد لا يسن له أن يقضيها؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولأنها صلاة ذات اجتماع معين فلا تشرع إلا على هذا الوجه [الشرح الممتع، 5/ 208، وأسئلة وأجوبة صلاة العيدين، ص4، الجواب رقم 4]. وقال جماعة أخرى: يسن أن تقضى فمن فاتته العيد مع الإمام، فإنه يقضي، ثم اختلفوا كم يقضي: ركعتين أم أربعاً. 1 - فذهب الإمام البخاري إلى أن من فاتته صلاة العيد قضاها ركعتين كأصلها: أي يصلي ركعتين بتكبيرها: فيكبر في الركعة الأولى ستّاً بعد تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً غير تكبيرة الانتقال، وهذه رواية عن الإمام أحمد. نقل ذلك عن أحمد إسماعيل بن سعيد واختاره الجوزجاني وهذا قول النخعي، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وابن المنذر؛ لما روي عن أنس أنه إذا لم يشهد العيد مع الإمام بالبصرة جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين يكبر فيهما؛ ولأنه قضاء صلاة فكان على صفتها، كسائر الصلوات، وهو مخير إن شاء صلاها وحده، وإن شاء في جماعة، قيل لأبي عبد الله: أين يصلي؟ قال: إن شاء مضى إلى المصلى وإن شاء حيث شاء. 2 - وذهب الإمام أحمد في رواية إلى أن من فاتته صلاة العيد صلاها أربعاً، وهو قول الثوري، قال الحافظ ابن حجر: ((ولهما في ذلك سلف قال ابن مسعود [- رضي الله عنه -]: من فاته العيد مع الإمام فليصلِّ أربعاً. أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح)). [فتح الباري، 2/ 475] وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: إن أمرت رجلاً أن يصلي بضعفة الناس أمرته أن يصلي أربعاً، رواه سعيد [مصنف ابن أبي شيبة، 2/ 284]، ويقوي ذلك حديث علي أنه أمر رجلاً يصلي بضعفة الناس أربعاً [المغني لابن قدامة، 3/ 260 و3/ 284، والشرح الكبير، 5/ 337، و5/ 365] لأنه قضاء صلاة عيد فكانت أربعاً قضاء الجمعة [المغني، 3/ 384، والشرح الكبير، 5/ 365 - 366]. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويستحب للإمام إذا خرج أن يخلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد كما فعل علي - رضي الله عنه -، فروى هزيل بن شرحبيل قال: قيل لعلي - رضي الله عنه -: لو أمرت رجلاً يصلي بضعفة الناس هوناً في المسجد الأكبر قال: إن أمرت رجلاً يصلي أمرته أن يصلي بهم أربعاً، وروي أنه استخلف أبا مسعود البدري فصلى بهم في المسجد [المغني، 3/ 260، 284، والشرح الكبير، والإنصاف، 5/ 337، 365، وانظر: سنن البيهقي،3/ 310، ومصنف ابن أبي شيبة، 2/ 284]. 3 - وفي رواية عن أحمد أنه مخير بين ركعتين وأربع، وهذا قول الأوزاعي؛ لأنها صلاة تطوع أشبهت صلاة الضحى [الشرح الكبير، 5/ 366، والمغني، 3/ 285]، وقال أبو حنيفة بهذا القول: أي مخير بين الثنتين والأربع [فتح الباري، لابن حجر، 2/ 475]، وانظر: الكافي لابن قدامة، 1/ 515، وحاشية الروض المربع لابن قاسم، 2/ 514.

قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملة القول أن من فاتته صلاة العيد فلا قضاء عليه)) (¬1)، ثم يبين رحمه الله أنه إن أحب قضاءها استحب له أن يقضيها، ثم ذكر الأقوال التي أشير إليها آنفاً (¬2). ثم قال رحمه الله: ((وإن أدرك الإمام في التشهد جلس معه فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين يأتي فيهما بالتكبير؛ لأنه أدرك بعض الصلاة التي ليست مبدلة من أربع فقضاها على صفتها كسائر الصلوات. وإن أدركه في الخطبة: فإن كان في المسجد صلى تحية المسجد؛ لأنها إذا صليت في خطبة الجمعة التي يجب الإنصات لها ففي خطبة العيد أولى ... فأما إن لم يكن في المسجد؛ فإنه يجلس ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة، 3/ 284، وانظر: الشرح الكبير، 5/ 364 - 366، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف المطبوع مع الشرح الكبير، 5/ 364 - 366. (¬2) المغني، 3/ 284.

خامسا: يشترط الاستيطان لوجوب صلاة العيد

فيستمع ثم إن أحب قضى صلاة العيد على ما ذكرناه)) (¬1). خامساً: يشترط الاستيطان لوجوب صلاة العيد، والعدد المشترط لصلاة الجمعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصلها في سفره ولا خلفاؤه، وكذلك العدد المشترط للجمعة وهو على الصحيح ثلاثة: إمام ورجلان معه؛ لأنها صلاة عيد فأشبهت الجمعة، ولا يشترط إذن الإمام لإقامة صلاة العيد على الصحيح، وليس من شرط صحتها الاستيطان ولا عدد الجمعة، وإنما هما شرط للوجوب؛ لأن صلاة العيد تصح من الواحد (¬2). ¬

_ (¬1) المغني، 3/ 285. (¬2) المغني لابن قدامة، 3/ 287، ونص كلامه رحمه الله: ((ويشترط الاستيطان لوجوبها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصلها في سفره، ولا خلفاؤه، وكذلك العدد المشترط للجمعة؛ لأنها صلاة عيد فأشبهت الجمعة، وفي إذن الإمام روايتان أصحهما ليس بشرط، ولا يشترط شيء من ذلك لصحتها؛ لأنها تصح من الواحد في الفضاء، وقال أبو الخطاب في ذلك كله روايتان، وقال الخطابي: كلام أحمد يقتضي روايتين إحداهما لا يقام العيد إلا حيث تقام الجمعة وهذا مذهب أبي حنيفة إلا أنه لا يرى ذلك إلا في مصر؛ لقوله: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع، والثانية يصليها المنفرد، والمسافر، والعبد، والنساء على كل حال، وهذا قول الحسن والشافعي؛ لأنه ليس من شرطها الاستيطان، فلم يكن من شرطها الجماعة كالنوافل إلا أن الإمام إذا خطب مرة ثم أرادوا أن يصلوا لم يخطبوا وصلوا بغير خطبة، كيلا يؤدي إلى تفريق الكلمة، والتفصيل الذي ذكرناه أولى ما قيل به إن شاء الله تعالى))، المغني، 3/ 287، وانظر: الشرح الكبير مع الإنصاف، 5/ 333.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن ((من شرطها الاستيطان، وعدد الجمعة، فيفعلها المسافر، والعبد، والمرأة تبعاً ولا يستحب قضاؤها لمن فاتته منهم، وهو قول أبي حنيفة)) (¬1)، والله سبحانه أعلم (¬2). وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى: ((صلاة العيد إنما تقام في المدن والقرى، ولا تشرع إقامتها في البوادي والسفر، هكذا جاءت السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم - أنهم صلوا صلاة العيد في السفر ولا في ¬

_ (¬1) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص123، والمستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام لمحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، 3/ 129. (¬2) واختار العلامة ابن عثيمين اشتراط الاستيطان والعدد الذي تنعقد به الجمعة، أما إذن الإمام فاختار أن ذلك لا يشترط، إلا أنه اختار أنه ينبغي اشتراط إذن الإمام لتعدد مصلى العيد في البلد الواحد حتى لا يحصل فوضى بين الناس، ويصير كل واحد فيهم يقيم مصلى عيد. الشرح الممتع، 5/ 170 - 171، واختار في تعدد الجمعة كذلك، 5/ 33.

البادية، وقد حج حجة الوداع عليه الصلاة والسلام فلم يصلِّ الجمعة في عرفة، وكان ذلك اليوم هو يوم الجمعة، ولم يصلِّ صلاة العيد في منى، وفي اتباعه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - كل الخير والسعادة، والله ولي التوفيق)) (¬1) (¬2). وقال شيخنا أيضاً عن العدد المشترط لصلاة الجمعة والعيد: ((واختلف العلماء في العدد المشترط لهما، وأصح الأقوال أن أقل عدد تقام به الجمعة والعيد ثلاثة فأكثر، أما شرط الأربعين فليس له دليل صحيح يعتمد عليه، ومن شرطهما الاستيطان، أما أهل البادية والمسافرون ¬

_ (¬1) فتاوى ابن باز، 13/ 9. (¬2) ورجح العلامة ابن عثيمين أن من شرط صلاة العيد الاستيطان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقم صلاة العيد إلا في المدينة، وسافر إلى مكة عام غزوة الفتح وبقي فيها إلى أول شوال وأتاه العيد ولم ينقل أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة العيد، وفي حجة الوداع صادفه العيد وهو في منى ولم يقم صلاة العيد؛ لأنه مسافر، كما أنه لم يقم صلاة الجمعة في عرفة؛ لأنه مسافر، قال رحمه الله: ومن شرطها أيضاً عدد الجمعة، وقد سبق لنا أن القول الراجح في عدد الجمعة ثلاثة فهذا مبني على ذاك، فإن لم يوجد في القرية إلا رجل واحد مسلم فإنه لا يقيم صلاة العيد، أو رجلان فلا يقيمان صلاة العيد. الشرح الممتع، 5/ 169 - 170.

سادسا: وقت صلاة العيد أوله بعد ارتفاع الشمس قيد رمح

فليس عليهم جمعة ولا صلاة عيد)) (¬1). سادساً: وقت صلاة العيد أوله بعد ارتفاع الشمس قيد رمح؛ لحديث يزيد بن حُمير الرحبي قال: خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام فقال: ((إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح)) (¬2). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((قوله: وذلك حين التسبيح أي وقت السبحة وهي النافلة، وذلك إذا مضى وقت الكراهة))، وفي رواية صحيحة للطبراني: ((وذلك حين تسبيح الضحى))، قال ابن بطال: ((أجمع الفقهاء على أن العيد لا تصلى قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها، ¬

_ (¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 12. (¬2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب وقت الخروج إلى العيد، برقم 1135، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب في وقت صلاة العيد، برقم 1317، وعلقه البخاري في كتاب العيدين، باب التبكير للعيد، قبل الحديث رقم 968. والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 311، وصحيح ابن ماجه، 1/ 392.

وإنما جوزوا عند جواز النافلة)) (¬1)، وآخر وقت صلاة العيد زوال الشمس، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ووقتها من حين ترتفع الشمس ويزول وقت النهي إلى الزوال، فإن لم يعلم بها إلا بعد الزوال خرج من الغد فصلى بهم)) (¬2)؛ لحديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا: أغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد)) (¬3).وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس)) (¬4).وعن أبي ¬

_ (¬1) فتح الباري لابن حجر، 2/ 457. (¬2) الكافي، 1/ 514. (¬3) أبو داود، كتاب الصلاة، باب إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد، برقم 1157، والنسائي، كتاب صلاة العيدين، باب الخروج إلى العيدين من الغد، برقم 1556، وابن ماجه بلفظه، كتاب الصيام، باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال، برقم 1653، وأحمد في المسند، 5/ 57 - 58، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 317، وصحيح النسائي، 1/ 505. (¬4) الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في الفطر والأضحى متى يكون، برقم 802، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 420.

هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)) (¬1). والأفضل تعجيل صلاة عيد الأضحى إذا ارتفعت الشمس قيد رمح، وتأخير صلاة الفطر، فتصلى إذا ارتفعت الشمس قيد رمحين (¬2). ¬

_ (¬1) الترمذي، برقم 697، وقد فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا أن الصوم والفطر مع الجماعة، وعظم الناس، ورواه أبو داود، برقم 2324، وابن ماجه، برقم 1160، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 375 وغيره. (¬2) جاء في ذلك حديث في الأضاحي للحسن بن أحمد البنا من طريق وكيع عن المعلى بن هلال عن الأسود بن قيس عن جندب قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين، والأضحى على قيد رمح)) كما في التلخيص، 1/ 83، قال العلامة الألباني: لكن المعلى هذا اتفق النقاد على تكذيبه كما قال الحافظ في التقريب. ثم بيّن الألباني في الإرواء، 3/ 101 أن هذا أقرب إلى عمل المسلمين، وروى الشافعي في مسنده، ص74، وفي الأم، 1/ 205، مرسلاً: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجّل الأضحى وأخّر الفطر، وذكّر الناس)) قال الحافظ في التلخيص، 1/ 83: ((وهو مرسل وضعيف أيضاً)). وقال الألباني في الإرواء 3/ 102، برقم 633: ((ضعيف جداً))، وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية، الحديث رقم 1662: ((ضعيف لكن قد ذكر جمع من أهل العلم تعجيل صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر)).

قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((ويسن تقديم صلاة الأضحى؛ ليتسع وقت التضحية، وتأخير الفطر؛ ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر، وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافاً ... )) (¬1)؛ولأن لكل عيد وظيفة: فوظيفة الفطر إخراج الفطرة ووقتها قبل الصلاة، ووظيفة الأضحى التضحية، ووقتها بعد الصلاة، وفي تأخير الفطر وتقديم الأضحى توسيع لوظيفة كل منهما)) (¬2). وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكان [- صلى الله عليه وسلم -] يؤخر صلاة عيد الفطر ويعجل الأضحى، وكان ابن عمر مع شدة اتّباعه لا يخرج حتى تطلع الشمس، ويُكبِّر من بيته إلى المصلى)) (¬3)، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الحكمة من تعجيل الأضحى وتأخير الفطر: ((أما النظر؛ فلأن الناس في صلاة عيد الفطر محتاجون إلى امتداد الوقت، ليتسع وقت إخراج زكاة الفطر؛ لأن أفضل وقت تخرج فيه زكاة الفطر صباح ¬

_ (¬1) ثم ذكر مرسل الشافعي المذكور آنفاً. (¬2) المغني لابن قدامة، 3/ 267. (¬3) زاد المعاد في هدي خير العباد، 1/ 442.

سابعا: صفة صلاة العيد:

يوم العيد قبل الصلاة؛ لحديث ابن عمر: ((أمر أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة)) (¬1)، ومعلوم أنه إذا امتدت الصلاة وتأخرت صار هذا أوسع للناس. وأما عيد الأضحى فإن المشروع المبادرة بالتضحية؛ لأن التضحية من شعائر الإسلام وقد قرنها الله - عز وجل - في كتابه بالصلاة فقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (¬2)، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬3)، ففعلها مبادراً بها في هذا اليوم أفضل، وهذا إنما يحصل إذا قدمت الصلاة،؛ لأنه لا يمكن أن يذبح الأضحية قبل الصلاة)) (¬4). سابعاً: صفة صلاة العيد: السنة أن يصلي الإمام إلى سترة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل العيد، برقم 1509، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الأمر بإخراج زكاة الفطر، برقم 986. (¬2) سورة الكوثر، الآية: 2. (¬3) سورة الأنعام، الآية: 162. (¬4) الشرح الممتع، 5/ 158 - 159.

اتخذها الأمراء)). وفي رواية: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان تُركز له الحربة قُدَّامه يوم الفطر، والنحر، ثم يصلي)). وفي رواية: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغدو إلى المصلى، والعنزة بين يديه تُحمل، وتُنصب بالمُصَلَّى بين يديه، فيصلي إليها)) (¬1). ولا خلاف بين أهل العلم في أن صلاة العيد مع الإمام ركعتان، وفيما تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى العيد ركعتين وفعله الأئمة بعده إلى عصرنا، ولم يُعلم أن أحداً فعل غير ذلك، ولا خلاف فيه (¬2)،وقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ((صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم -)) (¬3)، ويصلي الصلاة قبل ¬

_ (¬1) البخاري، كتاب الصلاة، باب سترة الإمام ستر من خلفه برقم 494، وكتاب العيدين، باب الصلاة إلى حربة يوم العيد، برقم 972، وباب حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام يوم العيد، برقم 973. (¬2) المغني لابن قدامة، 3/ 265،وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 5/ 339. (¬3) النسائي، برقم 1419، وابن ماجه، برقم 1063، وأحمد 1/ 37، وصححه الألباني، وتقدم تخريجه في صفة صلاة الجمعة.

الخطبة (¬1)، يكبر في الركعة الأولى تكبيرة الإحرام ثم يقرأ دعاء الاستفتاح، ثم يكبر ست تكبيرات: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر؛، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((التكبيرة في الفطر: سبع في الأولى، وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما)) (¬2)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمساً سوى تكبيرتي الركوع)) (¬3). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((هذه السبع التكبيرات مع تكبيرة الإحرام، وفي الركعة ¬

_ (¬1) البخاري، برقم 956،ومسلم، برقم 889،وتقدم تخريجه في أن السنة صلاة العيد في المصلى. (¬2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب التكبير في العيدين، برقم 1151، والترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في التكبير في العيدين، برقم 536، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في تكبير الإمام في صلاة العيدين، برقم 1279، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 315، وغيره، وقال الترمذي في العلل: سألت البخاري عنه فقال: ((هو صحيح)). (¬3) أبو داود، كتاب الصلاة، باب التكبير في العيدين، برقم 1149، 1150، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في كم يكبر الإمام في صلاة العيدين؟ برقم 1280،وأحمد، 6/ 70،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/ 315 وغيره.

الثانية يأتي بخمس غير تكبيرة النقل)) (¬1). ثم يستعيذ ويقرأ الفاتحة وسورة ((ق)) أو سورة ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى))، ثم يكمل الركعة ثم يقوم من الركعة الأولى مكبراً، ثم يكبر خمساً بعد أن يستتم قائماً، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه كان يكبر في العيد في الأولى سبع تكبيرات بتكبيرة الافتتاح وفي الآخرة ستاً بتكبيرة الركعة كلهن قبل القراءة)) (¬2). ثم يقرأ الفاتحة وسورة اقتربت أو سورة الغاشية (¬3)؛ لحديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - ¬

_ (¬1) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 519. (¬2) ابن أبي شيبة، 2/ 5/1، والفريابي، 1/ 136، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل، 3/ 111. (¬3) قال الإمام ابن قدامة في المغني: ((يدعو بدعاء الاستفتاح عقيب التكبيرة الأولى [الإحرام] ثم يكبر تكبيرات العيد، ثم يتعوذ ويقرأ، وهذا [المشهور من مذهب أحمد و] مذهب الشافعي، وعن أحمد رواية أخرى، أن الاستفتاح بعد التكبيرات، اختارها الخلال وصاحبه، وهو قول الأوزاعي؛ لأن الاستفتاح تليه الاستعاذة، وهي قبل القراءة، وقال أبو يوسف: يتعوذ قبل التكبير؛ لئلا يفصل بين الاستفتاح والاستعاذة، ولنا أن الاستفتاح شرع يستفتح به الصلاة، فكان في أولها كسائر الصلوات، والاستعاذة شرعت للقراءة، فهي تابعة لها، فتكون عند الابتداء بها؛ لقول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [سورة النحل: 98]. وقد روى أبو سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ قبل القراءة [أبو داود، برقم 775]، وإنما جمع بينهما في سائر الصلوات؛ لأن القراءة تلي الاستفتاح من غير فاصل، فلزم أن يليه ما يكون في أولها، بخلاف مسألتنا، وأيا ما فعل كان جائزاً)) المغني، 3/ 273 - 274، وانظر الشرح الكبير لابن قدامة المطبوع مع المقنع والإنصاف، 5/ 341 - 342.

أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأله: ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر، فقال: ((يقرأ فيهما بـ {ق~ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} (¬1)؛ ولحديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما في الصلاتين)) (¬2). ويرفع يديه مع كل تكبيرة لعموم الأحاديث (¬3)؛ ولفعل عمر - رضي الله عنه - (¬4)، ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب العيدين، باب ما يقرأ في صلاة العيدين، برقم 891. (¬2) مسلم، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الجمعة، برقم 878. (¬3) قال الإمام ابن قدامة: ((وجملته أنه يستحب أن يرفع يديه في حال تكبيره حسب رفعهما مع تكبيرة الإحرام، وبه قال عطاء، والأوزاعي، وأبو حنيفة، والشافعي، وقال مالك، والثوري: لا يرفعهما فيما عدا تكبيرة الإحرام؛ لأنها تكبيرات في أثناء الصلاة فأشبهت تكبيرات السجود))، [ولكن قد روى الفريابي،2/ 136 عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالك بن أنس عن ذلك - يعني الرفع في التكبيرات الزوائد - فقال: نعم ارفع يديك مع كل تكبيرة، ولم أسمع فيه شيئاً] قال ابن قدامة: ((ولنا ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه مع التكبير [يعني حديث يرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع، حتى تنقضي صلاته، أبو داود، برقم 722، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 209، وهو في استفتاح الصلاة] قال أحمد: أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله، وروي عن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة: في الجنازة، وفي العيد. رواه الأثرم، ولا يعرف له مخالف في الصحابة، ولا يشبه هذا تكبير السجود؛ لأن هذه يقع طرفاها في حال القيام، فهي بمنزلة تكبيرة الافتتاح)). [المغني، 3/ 272 - 273]؛ لكن ضعّف الألباني حديث عمر في إرواء الغليل، 3/ 112، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية، الحديث رقم 1673. ((ولا بأس أن يكبر بين التكبيرات: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، والسنة رفع اليدين في جميع التكبيرات كما فعل عمر - رضي الله عنه -، وغيره)). (¬4) البيهقي، 3/ 293 وضعفه الألباني في الإرواء، برقم 640، ولكن قال: ((وفي التلخيص (145)، ((واحتج ابن المنذر والبيهقي بحديث روياه من طريق بقية عن الزبيدي، عن الزهري عن سالم عن أبيه في الرفع عند الإحرام والركوع والرفع منه، وفي آخره: ((ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع)) وصححه الألباني كما تقدم. إرواء الغليل، 3/ 112، واستدلوا بعموم حديث وائل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه مع التكبير. أحمد، 4/ 316، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 113.

ويقول بين التكبيرات ما ثبت عن ابن مسعود - رضي الله عنه - بحضرة حذيفة وأبي موسى، أن الوليد بن عقبة قال: إن العيد قد حضر فكيف أصنع؟ فقال ابن مسعود: تقول: الله أكبر، وتحمد الله، وتثني عليه، وتصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتدعو الله، ثم تكبر، وتحمد الله وتثني عليه، وتصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم تكبر، وتحمد الله، وتثني عليه وتصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -،

وتدعو الله، ثم تكبر، وتحمد الله، وتثني عليه، وتصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وتدعو الله ثم تكبر، فقال حذيفة وأبو موسى: أصاب)) (¬1). وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ((وكان [- صلى الله عليه وسلم -] يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، فيصلي ركعتين، يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح (¬2) يسكت بين كل ¬

_ (¬1) الطبراني في الكبير، 9/ 303، برقم 9515، ورقم 9523، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 115. (¬2) قال الإمام ابن قدامة ((قال أبو عبد الله: يكبر في الأولى سبعاً مع تكبيرة الإحرام، ولا يعتد بتكبيرة الركوع؛ لأن بينهما قراءة، ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات، ولا يعتد بتكبيرة النهوض، ثم يقرأ في الثانية، ثم يكبر ويركع، وروي ذلك عن فقهاء المدينة السبعة، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك، والمزني، وروي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، وابن عباس، وابن عمر، ويحيى الأنصاري، قالوا: يكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً، وبه قال الأوزاعي، والشافعي، إلا أنهم قالوا: يكبر سبعاً في الأولى سوى تكبيرة الافتتاح، وروي عن ابن عباس، وأنس، والمغيرة بن شعبة، وسعيد بن المسيب، والنخعي، يكبر سبعاً سبعاً، وقال أبو حنيفة والثوري في الأولى والثانية: ثلاثاً ثلاثاً، ولنا أحاديث كثيرة، وعبد الله بن عمر، وعائشة التي قدمناها، قال ابن عبد البر: قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق كثيرة حسان أنه كبَّر في العيد سبعاً في الأولى، وخمساً في الثانية، من حديث عبد الله بن عمرو، وابن عمر، وجابر، وعائشة، وأبي واقد، وعمرو بن عوف المزني، ولم يرو عنه من وجه قوي ولا ضعيف خلاف هذا، وهو أولى ما عمل به ... )) المغني، 3/ 271 - 272، وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 5/ 342.

ثامنا: خطبة صلاة العيد بعد الصلاة

تكبيرتين سكتة يسيرة، ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات، ولكن ذُكر عن ابن مسعود أنه قال: يحمد الله، ويثني عليه ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -،ذكره الخلال، وكان ابن عمر مع تحريه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة ... )) (¬1). ثامناً: خطبة صلاة العيد بعد الصلاة: فإذا سلم الإمام قام فاستقبل الناس وخطبهم (¬2) بما يناسب الحال، فإن ¬

_ (¬1) زاد المعاد، 1/ 443. (¬2) الأحاديث الصحيحة لم تصرح بخطبتي العيد والذي اعتمد عليه الفقهاء رحمهم الله هو ما جاء عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أحد الفقهاء السبعة زمن التابعين أنه قال: ((السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس)) [أخرجه الشافعي في مسنده، 1/ 158، والأم، 1/ 211، وهو بهامش الأم، ص110]، قال الشوكاني في هذا الحديث: ((يرجحه القياس على الجمعة، وعبيد الله بن عبد الله تابعي كما عرفت فلا يكون قوله: ((من السنة)) دليلاً على أنها سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقرر في الأصول)). نيل الأوطار، 2/ 606، وقد ورد في حديث جابر - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر أو أضحى فخطب قائماً، ثم قعد قعدة ثم قام)) [ابن ماجه، برقم 1289، قال الشوكاني: ((في إسناده إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف)) [نيل الأوطار، 2/ 606، وقال العلامة الألباني: ((منكر سنداً ومتناً: والمحفوظ أن ذلك في خطبة الجمعة ومن حديث جابر بن سمرة كما في (م). ضعيف ابن ماجه، ص95، والتعليق على ابن خزيمة، 2/ 349]، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز أثناء تقريره على حديث عبيد الله بن عبد الله في منتقى الأخبار، برقم 1685، يقول: ((هذا الحديث مرسل ولكن تقاس خطبة العيد على الجمعة مع هذا الحديث المرسل، وعلى هذا العلماء والأخيار، ومن خطب خطبة واحدة للعيد، فيذكر باتباع العلماء والأخيار، وأنهم لم يخطبوا خطبة واحدة وإنما خطبوا خطبتين)). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع على زاد المستقنع، 5/ 191 - 192: قوله: ((فإذا سلم خطب خطبتين)) ((هذا ما مشى عليه الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان؛ لأنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر ... ومن نظر في السنة المتفق عليها، تبين له بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخطب إلا خطبة واحدة؛ لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهن فإن جعلنا هذا أصلاً في مشروعية الخطبتين فمحتمل مع أنه لا يصح؛ لأنه إنما نزل إلى النساء وخطبهن لعدم وصول الخطبة إليهن، وهذا احتمال، ويحتمل أن يكون الكلام وصلهن، ولكن أراد أن يخصهن بخصيصة؛ ولهذا ذكرهن، ووعظهن، بأشياء خاصة بهن)).

كان في عيد الفطر: أمرهم بصدقة الفطر، وبيَّن لهم وجوبها، وثوابها، وقدر المخرج، وجنسه، وعلى من تجب، وإلى من تدفع، وأن من أخرجها قبل الصلاة فهي زكاة مُتقبّلة، ومن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. ويأمر بالتقوى، ويعظ، ويوصي بطاعة الله. وإن كان في عيد الأضحى ذكر الأضحية، وفضلها، وأنها سنة مؤكدة جداً، وبين ما يجزئ فيها، ووقتها، وذبحها، والعيوب التي تمنع منها، وكيفية تفرقتها، وما يقول

المسلم عند ذبحها، ويأمر بالتقوى، ويوصي بطاعة الله تعالى ويذكر الناس، ويأمر بالصدقة لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). فقد ثبت في الحديث الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف)). وفي لفظ مسلم: وكان يقول: ((تصدقوا، تصدقوا، تصدقوا)). وكان أكثر من يتصدق النساء، ثم ينصرف (¬2). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، ¬

_ (¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 278، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن، 4/ 222،وزاد المعاد،1/ 445،والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف،5/ 351 - 353. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، برقم 956، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب كتاب صلاة العيدين، برقم 889.

وحث على طاعته، ووعظ الناس، وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن، وذكرهن، فقال: ((تصدقن فإن أكثركنّ حطب جهنم)) فقامت امرأة من سِطة (¬1) النساء سفعاء الخدين (¬2) فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ قال: ((لأنكن تُكثِرن الشّكاة (¬3) وتكفرْن العشير)) (¬4) قال: فجعلهن يتصدقن من حليهن، ويلقين في ثوب بلال من أقرطهن (¬5) وخواتيمهن)) (¬6). ولفظ البخاري: ((قام النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) سطة النساء: من خيار النساء، وفي بعض نسخ مسلم: وسطة النساء: والوسط العدل والخيار. شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 425، ورجح أن المعنى: امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن. شرح النووي، 6/ 426. (¬2) سفعاء الخدين: فيها تغير وسواد. شرح النووي، 6/ 426. (¬3) الشكاة: الشكوى. شرح النووي، 6/ 426. (¬4) العشير: المخالط، وحمله الأكثرون على الزوج، والمعنى أنهن يجحدن الإحسان لضعف عقولهن، وقلة معرفتهن، فيستدل به على ذم من يجحد إحسان ذي الإحسان. شرح النووي، 6/ 426. (¬5) من أقرطهن: جمع قرط، وهو كل ما علق من شحمة الأذن فهو قرط سواء كان من ذهب أو خرز، وأما الخرص فهو الحلقة الصغيرة من الحلي. شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 426. (¬6) خواتيمهن: جمع خاتم وفيه ست لغات، والفتخ: الخواتيم العظام، وقيل: هي خواتيم لا فصوص لها، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن، 4/ 342.

يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة، ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء، فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء الصدقة)) (¬1). وعن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة: مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة؟ فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) (¬2). والخطبة بعد الصلاة؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((شهدت (¬3) العيد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، وعثمان - رضي الله عنهم -، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة)) (¬4). ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب موعظة الإمام النساء يوم العيد، برقم 978، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب صلاة العيدين، برقم 4 - (885). (¬2) مسلم، كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، برقم 49. (¬3) شهدت: حضرت. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد، برقم 962، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب كتاب صلاة العيدين، برقم 884.

خطبة العيد تبدأ بالحمد

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة)) (¬1). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملته أن خطبتي العيدين بعد الصلاة، لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين، إلا عن بني أمية ... ولا يعتد بخلاف بني أمية؛ لأنه مسبوق بالإجماع الذي كان قبلهم، ومخالف لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة، وقد أُنكِرَ عليهم فعلهم، وعُدَّ بدعة، ومخالفاً للسنة)) (¬2). وخطبة العيد تبدأ بالحمد (¬3) قال الإمام ابن القيم رحمه ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد، برقم 963، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب كتاب صلاة العيدين، برقم 888. (¬2) المغني، 3/ 276. (¬3) وقيل يبدأ بالتكبير؛ لحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: ((السنة التكبير على المنبر يوم العيد، يبتدئ خطبته الأولى بتسع تكبيرات قبل أن يخطب، ويبدأ الآخرة بسبع)) [أخرجه عبد الرزاق، برقم5672 - 5674،وابن أبي شيبة،2/ 190، والبيهقي، 3/ 299، وعبيد الله من التابعين. وعن عمار بن سعد مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكبِّر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبة العيدين)) [ابن ماجه، برقم 1287، والحاكم، 3/ 607، والبيهقي، 3/ 299، وضعفه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 120، لضعف عبد الرحمن بن سعد، وأبوه وجده لا يعرف حالهم. وانظر: ضعيف ابن ماجه، ص95.

دلت السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب يوم العيد على مكان مرتفع

الله: ((وكان - صلى الله عليه وسلم - يفتتح خطبه كلها بالحمد لله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير ... )) (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((لم ينقل أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه افتتح خطبة بغير الحمد (¬2): لا خطبة عيد، ولا خطبة استسقاء، ولا غير ذلك)) (¬3). ودلت السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب يوم العيد على مكان مرتفع؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - وفيه: ((قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفطر، فصلى، فبدأ بالصلاة، ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن ... )) (¬4). قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((ولا ريب أن المنبر لم يكن يخرج من المسجد، وأول من أخرجه مروان بن الحكم، فأُنكر عليه، وأما منبر اللبن ¬

_ (¬1) زاد المعاد، 1/ 447. (¬2) قال ابن القيم: ((وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين، والاستسقاء، فقيل: يفتتحان بالتكبير، وقيل: تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وقيل: يفتتحان بالحمد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصواب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم)). [أحمد، برقم 8697،وأبو داود، برقم 4840،وابن ماجه، برقم 1894، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، ص394،برقم 4840]،وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد)). زاد المعاد، 1/ 448. (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية، 22/ 393. (¬4) متفق عليه: البخاري برقم 978، ومسلم، برقم 885، وتقدم تخريجه.

رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة

والطين فأول من بناه كثير بن الصلت في إمارة مروان على المدينة، فلعله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في المصلى إلى مكان مرتفع، أو دكان، وهي التي تسمى مصطبة، ثم ينحدر منه إلى النساء فيقف عليهن، فيخطبهن، فيعظهن، ويذكرهن، والله أعلم (¬1). وعن أبي كامل الأحمسي - رضي الله عنه - قال: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب على ناقة، وحبشيٌّ آخذ بخطام الناقة)) (¬2). ورخّص النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة، وأن يذهب (¬3)؛ لحديث عبد الله بن السائب - رضي الله عنه - قال: ((شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العيد فلما قضى الصلاة قال: ((إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب)) (¬4). قال الإمام ابن قدامة رحمه ¬

_ (¬1) زاد المعاد، 1/ 447. (¬2) النسائي، كتاب صلاة العيدين، باب الخطبة على البعير، برقم 1572، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء في الخطبة في العيدين، برقم 1284، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، برقم 1572. (¬3) زاد المعاد، 1/ 448. (¬4) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الجلوس للخطبة، برقم 1155،والنسائي، كتاب صلاة العيدين، باب التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين، برقم 1570، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء في انتظار الخطبة بعد الصلاة، برقم 1290، وصححه الألباني في صحيح النسائي،1/ 510،وفي المواضع السابقة كلها وغيرها.

الله: ((والخطبة سنة لا يجب حضورها، ولا استماعها، وإنما أُخِّرت عن الصلاة والله أعلم؛ لأنها لما كانت غير واجبة جعلت في وقت يتمكن من أراد تركها مِنْ تَرْكِهَا، بخلاف خطبة الجمعة، والاستماع لها أفضل)) (¬1)، وثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب يوم الأضحى بمنى في حجة الوداع على ناقته العضباء (¬2)، وخطب - صلى الله عليه وسلم - بين أوسط أيام التشريق بمنى (¬3)، وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى يوم النحر (¬4). وعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول ¬

_ (¬1) المغني، 3/ 279، وانظر: المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 5/ 351 - 358. (¬2) أبو داود، كتاب المناسك، باب من قال خطب يوم النحر، برقم 1954، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود،1/ 549، وأخرجه أحمد أيضاً،3/ 485. (¬3) أبو داود، كتاب المناسك، باب أي يوم خطب بمنى، برقم 952، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/ 548. (¬4) سنن أبي داود، كتاب المناسك، باب من قال خطب يوم النحر، برقم 1955، وصححه الألباني في صحيح أبي داود،1/ 549.

الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن بمنى ففُتحت أسماعنا، حتى كُنَّا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم ... )) (¬1). فظهر في هذه الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب في منى في حجة الوداع: يوم النحر، ثم خطب أوسط أيام التشريق، ومن أعظم خطبه ما ثبت من حديث أبي بكر - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر [قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه، أو بزمامه، ثم قال] ((أتدرون أي يوم هذا))؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ((أليس يومَ النحر))؟ قلنا: بلى، قال: ((أيّ شهر هذا))؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ((أليس بذي الحجة))؟ قلنا: بلى، قال: ((أيّ بلد هذا))؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: ((أليست بالبلدة الحرام))؟ قلنا: بلى، قال: ((فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، وأبشاركم، ¬

_ (¬1) أبو داود، كتاب المناسك، باب ما يذكر الإمام بخطبته في منى، برقم 1957، وصححه الألباني في صحيح أبي داود،1/ 549.

تاسعا: التكبير أيام العيد نوعان على النحو الآتي:

عليكم حرام: كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلّغت))؟ قالوا: نعم، قال: ((اللهم اشهد، فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)).وفي لفظ: ((وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم)) (¬1). تاسعاً: التكبير أيام العيد نوعان على النحو الآتي: النوع الأول: التكبير المطلق، وهو الذي لا يتقيد بأدبار الصلوات، بل يشرع في كل وقت: وهو في عيد الفطر، وعيد الأضحى، والذي ينبغي معرفته عن التكبير المطلق في العيدين: وقته، وصفته، وذلك على النحو الآتي: 1 - وقت التكبير المطلق في عيد الفطر، وعيد الأضحى على النحو الآتي: أ - يبتدئ التكبير المطلق في عيد الفطر من غروب ¬

_ (¬1) البخاري، كتاب العلم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رب مبلغ أوعى من سامع))، برقم 67، وكتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، برقم 1741،وكتاب الفتن، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))،برقم 7078،وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}،برقم 7447.

الشمس آخر يوم من رمضان: إما بإكمال ثلاثين يوماً، وإما برؤية هلال شوال، فإذا غربت شمس آخر يوم من رمضان شرع التكبير المطلق، لقول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬1) ويستمر في التكبير من غروب الشمس إلى أن يفرغ الإمام من الخطبة (¬2). ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 185. (¬2) فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي صلاته، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير، [ابن أبي شيبة في المصنف، والمحامي في كتاب صلاة العيدين، وتقدم تخريجه في التكبير في الطريق إلى مصلى العيد]. قال المرداوي في الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف، 5/ 366 - 367: ((ويستحب التكبير في ليلتي العيدين، أما ليلة عيد الفطر فيسن التكبير فيها بلا نزاع أعلمه، ونص عليه، ويستحب أيضاً أن يكبر من الخروج إليها إلى فراغ الخطبة على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب، منهم القاضي وأصحابه، وهو من المفردات، وعنه إلى خروج الإمام إلى صلاة العيد، وقيل إلى سلامه، وعنه إلى وصول المصلِّي إلى المصلَّى، وإن لم يخرج الإمام)). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((ويسن التكبير المطلق في عشر ذي الحجة، وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر اليوم التاسع، وسميت عشراً وهي تسع من باب التغليب، فالمطلق في ليلتي العيدين من غروب الشمس إلى أن ينتهي الإمام من خطبته على مذهب الحنابلة، أو إلى خروج الإمام من البلد، فإذا رأوه سكتوا، أو إلى أن تبتدئ الصلاة أو إلى أن تنتهي الصلاة، والخلاف في هذا أمره سهل، ومعلوم أن الإمام إذا حضر سيشرع في الصلاة وينقطع كل شيء، وإذا انتهى من الصلاة سيشرع في الخطبة))، الشرح الممتع، 5/ 215.

ب - يبتدئ التكبير المطلق في عيد الأضحى

ب - يبتدئ التكبير المطلق في عيد الأضحى من أول عشر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق: في جميع الأوقات، في الليل، والنهار، والطريق، والأسواق، والمساجد، والمنازل، وفي كل موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى؛ لقول الله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (¬1)،وقول الله - عز وجل -: {وَاذْكُرُواْ الله فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} (¬2)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}: أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق)) (¬3). وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية، ويوم التروية، ويوم ¬

_ (¬1) سورة الحج، الآية: 28. (¬2) سورة البقرة، الآية: 203. (¬3) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، قبل الحديث رقم 969 بصيغة الجزم، وقال النووي في شرح المذهب،8/ 382: ((رواه البيهقي بإسناد صحيح)).

عرفة، والمعدودات أيام التشريق)) (¬1)؛ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن، من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن: من التهليل، والتكبير، والتحميد)) (¬2)؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) (¬3). وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((وكان ابن عمر، وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، ويكبر محمد بن علي خلف ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 2/ 458، وعزاه إلى ابن مردويه، وقال: ((إسناده صحيح)). (¬2) أخرجه أحمد، برقم 5446، ورقم 6154، وقال أحمد شاكر في شرحه للمسند، 7/ 224: ((إسناده صحيح)). (¬3) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، برقم 969، واللفظ للترمذي، برقم 757.

النافلة)) (¬1)،وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((وكان عمر - رضي الله عنه - يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتجّ منى تكبيراً، وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فُسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعاً، وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكنَّ النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد)) (¬2).وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: كنا نؤمر أن نَخرج يوم العيد حتى نُخرج البكر من خدرها، حتى نُخرج الحيّض، فيكنّ خلف الناس فيُكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته)) (¬3)؛ ولحديث نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيام التشريق أيام أكل ¬

_ (¬1) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، قبل الحديث رقم 969. وقال الحافظ في الفتح، 2/ 458 في أثر محمد بن علي: ((وقد وصله الدارقطني ... قال حدثنا أبو هنة رزيق المدني، قال: رأيت أبا جعفر محمد بن علي يكبر بمنى في أيام التشريق خلف النوافل)). (¬2) البخاري، كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة، قبل الحديث رقم 970. (¬3) البخاري، كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة، الحديث رقم 971.

2 - صفة التكبير جاء في آثار عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنواع:

وشرب [وذكر لله])) (¬1). قال الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله: ((أما التكبير في الأضحى فمشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث من شهر ذي الحجة)) ثم ذكر آية البقرة والحج والأحاديث والآثار السابقة (¬2). 2 - صفة التكبير جاء في آثارٍ عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنواع متعددة منها ما يلي: أ - كان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: ((الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)) (¬3). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وهذا قول: عمر، وعلي، وابن مسعود، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وابن المبارك إلا أنه زاد: على ما هدانا، لقوله: ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب الصوم، باب تحريم صوم أيام التشريق، وبيان أنها أيام أكل وشرب وذكر لله - عز وجل -، برقم 1141. (¬2) مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 18. (¬3) ابن أبي شيبة، 2/ 168، قال العلامة الألباني في إرواء الغليل، 3/ 125: ((وإسناده صحيح)). وقال: ((ولكنه ذكره في مكان آخر بالسند نفسه بتثليث التكبير)).

ب - وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول

{وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (¬1). ب - وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا)) (¬2). ج - وكان سلمان - رضي الله عنه - يقول: ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً)) (¬3). د - وكان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد)) (¬4). قال الإمام الصنعاني رحمه الله: ((وفي الشرح صفات ¬

_ (¬1) المغني، 3/ 290، قال: وقال مالك، والشافعي، يقول: ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر؛ لأن جابراً صلى في أيام التشريق، فلما فرغ من صلاته قال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ... ولنا خبر جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو نص في كيفية التكبير، وأنه قول الخليفتين الراشدين، وقول ابن مسعود)) المغني لابن قدامة، 3/ 290. (¬2) البيهقي في السنن الكبرى،3/ 315، قال العلامة الألباني في إرواء الغليل، 3/ 125: ((وسنده صحيح أيضاً)). (¬3) ذكره ابن حجر في فتح الباري، 2/ 462 فقال: ((وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه: ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان، قال: كبروا الله: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً))، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 3/ 316، ولكنه بلفظ: ((كبروا: الله أكبر، الله أكبر كبيراً)). (¬4) مصنف ابن أبي شيبة، 2/ 165.

النوع الثاني التكبير المقيد

كثيرة عن عدة من الأئمة وهو يدل على التوسعة في الأمر؛ وإطلاق الآية يقتضي ذلك)) (¬1) والله - عز وجل - أعلم (¬2). النوع الثاني التكبير المقيَّد: وهو الذي يُقيَّد بأدبار الصلوات في عيد الأضحى خاصة، ووقته، وصفته على النحو الآتي: ¬

_ (¬1) سبل السلام، 3/ 247. (¬2) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال: ((كبروا الله: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً)) ونقل عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه جعفر الفريابي في كتاب العيدين، من طريق يزيد بن أبي زياد عنهم، وهو قول الشافعي، وزاد ((ولله الحمد)). وقيل يكبر ثلاثاً، ويزيد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلخ)) وقيل: يكبر ثنتين بعدهما: لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، جاء ذلك عن عمر، وعن ابن مسعود نحوه، وبه قال أحمد، وإسحاق، وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها)) [فتح الباري، 2/ 462]، وذكر العلامة ابن عثيمين رحمه الله أن صفة التكبير فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم: الأول: أنه شفع: ((الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد)). الثاني: أنه وتر: ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد)). الثالث: أنه وتر في الأولى شفع في الثانية: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)). الشرح الممتع، 5/ 225، وانظر: المغني لابن قدامة، 3/ 290، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، 4/ 262.

1 - يبتدئ التكبير المقيد من عقب صلاة الفجر يوم عرفة

1 - يبتدئ التكبير المقيَّد من عقب صلاة الفجر يوم عرفة، وينتهي بعد صلاة العصر في اليوم الثالث من أيام التشريق؛ لما ورد عن علي بن أبي طالب الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم -: ((أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، ويكبر بعد العصر)) (¬1)، ولما ورد عن عمر الخليفة الراشد - رضي الله عنه -: ((أنه كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق)) (¬2)، ولما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب)) (¬3). ولما ورد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان: ((يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من ¬

_ (¬1) مصنف ابن أبي شيبة،2/ 165،والحاكم وصححه،299،والبيهقي،3/ 314،وصححه النووي في المجموع 5/ 35،وقال الألباني في إرواء الغليل،3/ 125: ((وقد صح عن علي - رضي الله عنه -)). (¬2) ابن أبي شيبة، 2/ 166، والبيهقي في السنن الكبرى، 3/ 314، وفيه الحجاج بن أرطأة، وقد صححه الحاكم، 1/ 299، وصححه النووي في المجموع، 3/ 35، وقال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 125: ((وسنده صحيح)). (¬3) ابن أبي شيبة، 2/ 167، والبيهقي، 3/ 314، والحاكم وصححه، 1/ 299، وصححه النووي في المجموع، 3/ 35، وقال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 125: ((وسنده صحيح)).

آخر أيام التشريق)) (¬1). وفي الباب آثار كثيرة عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) والله أعلم (¬3). قال الحاكم رحمه الله: ¬

_ (¬1) الحاكم وصححه،1/ 299 - 300،واللفظ له، وصححه النووي في المجموع،5/ 35، وابن أبي شيبة، 2/ 166، ولكن بلفظ: (( ... إلى صلاة العصر من يوم النحر)). (¬2) فقد جاء عن جابر مرفوعاً: في الدارقطني، 2/ 49، والبيهقي، 3/ 315، ولكن فيه كلام، انظر: إرواء الغليل للألباني 3/ 124، وجاء عن زيد بن ثابت، عند ابن أبي شيبة، 2/ 166، وعن عمار عند الحاكم، 1/ 299، وصححه، وضعفه النووي في المجموع، 3/ 35. (¬3) قال الإمام النووي رحمه الله: ((أما التكبير بعد الصلاة في عيد الأضحى فاختلف علماء السلف ومن بعدهم فيه على نحو عشرة مذاهب، هل ابتداؤه: من صبح يوم عرفة، أو ظهره، أو صبح يوم النحر، أو ظهره، وهل انتهاؤه: في ظهر يوم النحر [وقيل إلى عصره] أو ظهر أول أيام النفر، أو في صبح آخر أيام التشريق، أو ظهره، أو عصره، واختار مالك والشافعي وجماعة: ابتداؤه من يوم النحر، وانتهاؤه صبح آخر أيام التشريق، وللشافعي قول إلى العصر من آخر أيام التشريق، وقول إنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الراجح عند جماعة من أصحابنا وعليه العمل في الأمصار)). شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 430، وما بين المعقوفين من فتح الباري لابن حجر، 2/ 462، نقلاً عن غير النووي. وقال الإمام ابن الملقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 4/ 259: ((وأما التكبير بعد الصلوات وغيرها: ففي عيد الفطر لا يسن عقب صلوات ليلته على الأصح، وفي عيد الأضحى اختلف علماء السلف)). ثم ساق كلام النووي. ثم قال: ((فرع: مذهب مالك، والشافعي، وجماعة من أهل العلم استحباب هذا التكبير: للمنفرد، والجماعة، والرجال، والنساء، والمقيم، والمسافر، وقال أبو حنيفة والثوري، وأحمد: إنما يلزم جماعات الرجال، ثم قال: ((فرع: اختلفوا في التكبير عقب النوافل: فالأصح عند الشافعي أنه يكبر، وقال مالك في المشهور عنه: لا يكبر، وهو قول الثوري، وأحمد وإسحاق)) ا. هـ. وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكره للآثار عن الصحابة وغيرهم في التكبير المقيد بأدبار الصلوات: ((وقد اشتملت هذه الآثار على وجود التكبير في تلك الأيام عقب الصلوات، ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل، ومنهم من خصه بالرجال دون النساء، وبالجماعة دون المنفرد، وبالمؤداة دون المقضية، وبالمقيم دون المسافر، وبساكن المصر دون القرية، وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع، والآثار التي ذكرها تساعده)) فتح الباري شرح صحيح البخاري، 2/ 462، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين: ((وإذا رأيت اختلاف العلماء بدون أن يذكروا نصّاً فاصلاً فإن الأمر في هذه المسألة واسع، فإن كبّر بعد صلاته منفرداً فلا حرج عليه، وإن ترك التكبير ولو في الجماعة فلا حرج عليه؛ لأن الأمر واسع)). الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/ 218. وانظر: المغني لابن قدامة، 3/ 291، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 5/ 366 - 380، وشرح السنة للإمام البغوي، 4/ 300، وزاد المعاد لابن القيم، 1/ 449، والكافي لابن قدامة، 1/ 524.

((فأما من فِعْلِ عمر، وعلي، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، فصحَّ عنهم التكبير، من غداة عرفة، إلى آخر أيام التشريق)) (¬1). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وأصح ما ورد فيه عن الصحابة: قول علي، وابن مسعود، إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى. أخرجه ابن المنذر وغيره، والله أعلم)) (¬2). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ¬

_ (¬1) مستدرك الحاكم، 1/ 299. (¬2) فتح الباري، 2/ 462.

((أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة. ويشرع لكل أحد أن يكبر عند الخروج إلى العيد وهذا باتفاق الأئمة الأربعة)) (¬1). وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -: التكبير في أدبار الصلوات الخمس من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهذا في حق غير الحاج، أما الحاج فيشتغل في حال إحرامه بالتلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، وبعد ذلك يشتغل بالتكبير عند أول حصاة من الجمرة المذكورة، وإن كبر مع التلبية فلا بأس، لقول أنس - رضي الله عنه -: ((كان يلبي الملبي فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه)) (¬2)، ولكن الأفضل في حق المحرم هو التلبية وفي حق الحلال هو التكبير في الأيام المذكورة، وبهذا تعلم أن ¬

_ (¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية، 24/ 220. (¬2) البخاري، كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة، برقم 970.

2 - صفة التكبير المقيد: هو مثل التكبير المطلق كما تقدم

التكبير المطلق والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام، وهي: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة، وأما اليوم الثامن وما قبله إلى أول الشهر فالتكبير فيه مطلق لا مقيد، لما تقدم من الآية والآثار)) (¬1). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وأما المحرمون فإنهم يكبرون من صلاة الظهر يوم النحر ... لأنهم كانوا مشغولين قبل ذلك بالتلبية وغيرهم يبتدئ من يوم عرفة لعدم المانع)) (¬2). 2 - صفة التكبير المقيد: هو مثل التكبير المطلق كما تقدم (¬3): ((الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد)) (¬4)،وهو قول الخليفتين الراشدين: عمر بن ¬

_ (¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 18 - 19. (¬2) المغني لابن قدامة، 3/ 289. (¬3) تقدم في صفة التكبير المطلق أنه جاء عن الصحابة - رضي الله عنهم - أنواع من التكبير. فانظرها قبل صفحات. (¬4) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وصفة التكبير المنقول عن أكثر الصحابة: قد روي مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)) وإن قال الله أكبر ثلاثاً جاز، ومن الفقهاء من يكبر ثلاثاً فقط، ومنهم من يكبر ثلاثاً ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))، مجموع فتاوى ابن تيمية، 24/ 220.

عاشرا: اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد

الخطاب، وعلي، وقول ابن مسعود - رضي الله عنهم -، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق رحمهم الله تعالى (¬1). عاشراً: اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد: إذا وافق يوم عيد يوم الجمعة حضر الإمام ومن شاء من الناس، وصلى بهم؛ لحديث إياس بن أبي رملة الشامي، قال: شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم، قال: أشهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: ((من شاء أن يصلي فليصلِّ)) (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((قد ¬

_ (¬1) انظر: المغني لابن قدامة،3/ 290،والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 5/ 380، وتقدمت أقوال الأئمة في أنواع التكبير في التكبير المطلق. (¬2) أبو داود، كتاب الصلاة، باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، برقم 170، النسائي، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد، برقم 1590، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم، برقم 1310،وأحمد،4/ 372، والحاكم، 1/ 288، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة في صحيحه، 2/ 359، برقم 1464، وصححه ابن المديني كما في تلخيص الحبير، 2/ 88، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 295، وصحيح النسائي، 1/ 516، وصحيح ابن ماجه، 1/ 392.

اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمّعون)) (¬1)؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((اجتمع عيدان في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمّعون (¬2) إن شاء الله)) (¬3)؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((اجتمع عيدان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلى بالناس ثم قال: ((من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلّف فليتخلّف)) (¬4). وهذه الأحاديث تدل على أن صلاة الجمعة بعد صلاة العيد تصير رخصة: يجوز فعلها وتركها، وهو خاص بمن صلى العيد دون من لم يصلها، ومن لم يحضر صلاة الجمعة، فإنه يصلي ظهراً؛ لأن الظهر هي الفرض الأصلي ¬

_ (¬1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، برقم 1073، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 296. (¬2) وإنا مجمعون: أي مصلون الجمعة. (¬3) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم برقم 1311، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 392. (¬4) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم، برقم 1313، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 392.

الحادي عشر: زكاة الفطر لها أحكام وآداب على النحو الآتي:

المفروض ليلة الإسراء، والجمعة متأخر فرضها، ثم إن الجمعة إذا فاتت في غير يوم العيد وجبت صلاة الظهر إجماعاً فهي البدل عنها (¬1). أما الإمام فلا تسقط عنه على الصحيح؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وإنا مجمّعون))؛ ولأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه، ومن يريدها، بخلاف غيره من الناس)) (¬2). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول عن حديث زيد بن أرقم: إنه ((يدل على أنه لا بأس أن يترك الجمعة من حضر صلاة العيد، لكن يصلي ظهراً، ومن قال: لا يصلي ظهراً، فقد غلط، وهو كالإجماع من أهل العلم)) (¬3). الحادي عشر: زكاة الفطر لها أحكام وآداب على النحو الآتي: 1 - زكاة الفطر فرض على كل مسلم فضل عنده يوم ¬

_ (¬1) انظر: سبل السلام للصنعاني، 3/ 179 - 180 بتصرف يسير. (¬2) المغني لابن قدامة، 3/ 243. (¬3) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 483.وانظر: المغني لابن قدامة،3/ 243.

العيد وليلته صاع من طعام عن قوته وقوت أهل بيته الذين تجب نفقتهم عليه؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على كل نفسٍ من المسلمين: حُرٍّ أو عبد، أو رجل، أو امرأة، صغيرٍ، أو كبيرٍ، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير)) وهذا لفظ مسلم في رواية، ولفظ البخاري: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد، والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة)). وفي لفظ للبخاري عن نافع عن ابن عمر: ((فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر - أو قال: رمضان - على الذكر والأنثى والحر والمملوك: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، فعدل الناس به نصف صاع من برٍّ، فكان ابن عمر يعطي التمر فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيراً، فكان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير، حتى إن كان يعطي بنيَّ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها للذين

2 - وقت إخراج زكاة الفطر

يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين)) (¬1). ويستحب إخراج زكاة الفطر عن الحمل؛ لفعل عثمان - رضي الله عنه -)) (¬2). 2 - وقت إخراج زكاة الفطر، وقَّت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت إخراج زكاة الفطر في حديث ابن عمر السابق بقول ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)) (¬3). أي صلاة العيد. وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين)) (¬4)؛ ولكن الأفضل أن تخرج يوم العيد قبل الصلاة؛ لسدِّ حاجة الفقراء يوم العيد، وإغنائهم يوم العيد عن المسألة. ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب فرض صدقة الفطر، برقم 1503، وباب صدقة الفطر على الحر والمملوك، برقم 1511، ومسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين، برقم 16 - (984). (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 219، وأخرجه عبد الله بن أحمد في مسألة 644، عن حميد وقتادة: ((أن عثمان كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل)). وأخرج ابن أبي شيبة 3/ 419،وعبد الرزاق 788 عن أبي قلابة قال: ((كانوا يعطون صدقة الفطر، حتى يعطوا عن الحبل))،وفي رواية لأحمد أن زكاة الفطر عن الحمل تجب. الشرح الكبير، 7/ 96،وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء،9/ 366. (¬3) متفق عليه، وتقدم تخريجه في الذي قبله. (¬4) البخاري، برقم 1511، وتقدم تخريجه في الهامش الذي قبل السابق.

ولا يجوز تأخيرها بعد الصلاة

ولا يجوز تأخيرها بعد الصلاة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) (¬1). ولكن زكاة الفطر لا تجب إلا بغروب شمس آخر يوم من رمضان: فمن أسلم بعد الغروب، أو تزوج، أو ولد له ولد، أو مات قبل الغروب لم تلزم فطرتهم (¬2). 3 - مقدار زكاة الفطر وأنواعها: هو صاع من قوت البلد ¬

_ (¬1) أبو داود، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر، برقم 1609، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر، برقم 1827، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1609، وصحيح ابن ماجه، برقم 1854، وإرواء الغليل، برقم 843. (¬2) انظر: الكافي لابن قدامة، 1/ 170، والروض المربع، وقال الإمام النووي: ((قوله: من رمضان)) إشارة إلى وقت وجوبها وفيه خلاف للعلماء: فالصحيح من قول الشافعي أنها تجب بغروب الشمس ودخول أول جزء من ليلة عيد الفطر. والثاني تجب لطلوع الفجر ليلة العيد، وقال أصحابنا: تجب بالغروب والطلوع معاً، فإن ولد بعد الغروب أو مات قبل الطلوع لم تجب، وعن مالك روايتان: كالقولين، وعند أبي حنيفة تجب بطلوع الفجر)) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 63، وانظر: المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 7/ 113.

الذي يأكله الناس، وقد ثبت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي ذكرته آنفاً أنه قال: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير ... )). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه كان يقول: ((كنا نُخرج زكاة الفطر: صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب)). وفي لفظ للبخاري: ((كنا نُعطيها في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ... )). وفي لفظ لمسلم: ((كنا نُخرج إذ كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر عن كل صغير، وكبير، حرٍّ أو مملوك: صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجّاً أو معتمراً فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبداً ما عشت)) (¬1). ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر صاع من طعام، برقم 1506، وباب صاع من زبيب، برقم 1508، ومسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين، برقم 985.

وفي لفظ ابن ماجه قال أبو سعيد: ((لا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبداً ما عشت)) (¬1). وفي حديث أبي سعيد زيادات لم أذكرها؛ لأن فيها نظراً (¬2)، أما رأي معاوية - رضي الله عنه - في أن البر يعدل المدّ منه المدَّين من غيره فيجزئ نصف صاع، فقال عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك، وكذلك ابن عمر، فلا إجماع في المسألة خلافاً للطحاوي، وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما ¬

_ (¬1) ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر، برقم 1829. (¬2) من ذلك الحنطة، قال الحافظ بعد ذكره لزيادة الحنطة عند الحاكم وابن خزيمة: ((قال ابن خزيمة: ((ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم ... )) ثم نقل الحافظ أن أبا داود أشار إلى أن ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ، وذكر أن معاوية بن هشام روى في هذا الحديث: نصف صاع من بر، وهو وهم وأن ابن عيينة حدث به عن ابن عجلان عن عياض فزاد فيه: ((أو صاعاً من دقيق)) وأنهم أنكروا عليه فتركه، قال أبو داود [القائل ابن حجر] وذكر الدقيق وهم من ابن عيينة)) فتح الباري، 3/ 373.

يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنسٍ كان ولا فرق بين الحنطة وغيرها، وهذه حجة الشافعي ومن تبعه. وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد)) (¬1). وقد قال الإمام النووي رحمه الله: ((قوله: عن معاوية أنه كلم الناس على المنبر فقال: إني أرى أن مدين من سمراء الشام يعدل صاعاً من تمر فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجها كما كنت أخرجها أبداً ما عشت، فقوله سمراء الشام: هي الحنطة وهذا الحديث هو الذي يعتمده أبو حنيفة وموافقوه في جواز نصف صاع حنطة، والجمهور يجيبون عنه بأنه قول صحابي وقد خالفه أبو سعيد وغيره ممن هو أطول صحبة، وأعلم بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم بأولى من بعض، فنرجع إلى دليل آخر. وجدنا ظاهر الأحاديث، والقياس متفقاً على اشتراط ¬

_ (¬1) فتح الباري، شرح صحيح البخاري، 3/ 374.

الصاع من الحنطة كغيرها، فوجب اعتماده، وقد صرح معاوية بأنه رأيٌ رآه لا أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان عند أحد من حاضري مجلسه مع كثرتهم في تلك اللحظة علم في موافقة معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لذكره)) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول فيمن جعل مُدَّين من الحنطة تقوم مقام الصاع من غيرها: ((اجتهد معاوية فجعل عدله مدين، والصواب أنه لابد من صاع أخذاً بالنص؛ ولهذا قال أبو سعيد: أما أنا فلا أخرج إلا صاعاً وهو الصواب كما تقدم (¬2)، والله تعالى أعلم (¬3). ¬

_ (¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 67. (¬2) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1507، 1508. (¬3) وفي سنن أبي داود، برقم 1620 عن ثعلبة بن صعير قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيباً، فأمر بصدقة الفطر صاع تمر، أو صاع شعير، عن كل رأس. وفي زيادة: ((أو صاع بر أو قمح بين اثنين، عن الكبير والصغير، والحر والعبد)).وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/ 449،وذكر الشوكاني الروايات في نيل الأوطار،3/ 102، التي جاءت في أن نصف الصاع يجزئ، ثم قال: ((وهذه تنهض بمجموعها للتخصيص))، ولكن سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله يرى أن جميع الكفارات الإطعام فيها يكون نصف صاع، أما زكاة الفطر فقد حددها النبي - صلى الله عليه وسلم - بصاع.

4 - أهل زكاة الفطر الذين تدفع لهم

ومقدار الصاع الذي تؤدى به زكاة الفطر هو صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -،وهو خمسة أرطال وثلث بالعراقي (¬1)،وهو أربعة أمداد، والمد ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومدَّ يديه بهما، وبه سمي مدّاً، قال الفيروزآبادي: ((وقد جربت ذلك فوجدته صحيحاً)) (¬2)،والصاع أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما، إذ ليس كل مكان يوجد فيه صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -،قاله الداوودي (¬3). قال الفيروزآبادي: ((وجربت ذلك فوجدته صحيحاً)) (¬4). 4 - أهل زكاة الفطر الذين تدفع لهم: قيل: تعطى صدقة الفطر لمن يجوز أن يُعطَى صدقة الأموال؛ لأن صدقة الفطر زكاة فكان مصرفها مصرف سائر الزكوات؛ ولأنها صدقة فتدخل في عموم قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ¬

_ (¬1) الدارقطني، 2/ 151، والبيهقي، 10/ 278، قال الشوكاني في رواية البيهقي: ((بإنساد جيد)). نيل الأوطار، 3/ 104. (¬2) القاموس المحيط، ص407. (¬3) المرجع السابق، ص955. (¬4) القاموس المحيط، ص955، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 11/ 597، وفتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 365.

وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬1) (¬2). وقيل: لا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة، فتجري مجرى كفارة اليمين، والظهار، والقتل، والجماع في نهار رمضان، ومجرى كفارة الحج، فتدفع لهؤلاء الآخذين لحاجة أنفسهم، وهم الفقراء والمساكين، ولا يعطى المؤلفة قلوبهم، ولا الرقاب ولا غير ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وهذا القول أقوى في الدليل)) (¬3). وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - تخصيص المساكين بهذه الصدقة ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم، بل أحد القولين ¬

_ (¬1) سورة التوبة، الآية: 60. (¬2) انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 314، قال: ((وبهذا قال مالك، والليث، والشافعي، وأبو ثور)) وقال أبو حنيفة: يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة المال إليه، وإلى الذمي)). (¬3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 73.

5 - حكم زكاة الفطر وفوائدها عظيمة من أهمها ما يلي:

عندنا: أنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية)) (¬1). وقال الشوكاني رحمه الله عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: ((وطعمة المساكين ... )) (¬2). ((وفيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة)) (¬3). وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ذكر القولين: ((هناك قولان لأهل العلم: الأول أنها تصرف مصرف بقية الزكوات، حتى المؤلفة قلوبهم والغارمين ... والثاني أن زكاة الفطر مصرفها للفقراء فقط، وهو الصحيح)) (¬4). 5 - حِكَمُ زكاة الفطر وفوائدها عظيمة من أهمها ما يلي: أ - طهرة للصائم من اللغو والرفث، فترفع خلل الصوم، فيكون بذلك تمام السرور. ¬

_ (¬1) زاد المعاد في هدي خير العباد، 2/ 22. (¬2) أبو داود، برقم 1609، وابن ماجه، 1827، وتقدم تخريجه. (¬3) نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 103. (¬4) الشرح الممتع، 6/ 184، وانظر: الإنصاف مع الشرح الكبير، 7/ 137.

ب - طعمة للمساكين

ب - طعمة للمساكين. ج - زكاة للبدن حيث أبقاه الله عاماً من الأعوام وأنعم عليه - سبحانه وتعالى - بالبقاء؛ ولأجله استوى فيه الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والغني والفقير، والكامل والناقص في مقدار الواجب وهو الصاع. د - مواساة للمسلمين أغنيائهم وفقرائهم ذلك اليوم فيتفرغ الجميع لعبادة الله تعالى، والسرور بنعمه. هـ - شكر نعم الله تعالى على الصائمين بالصيام ولله حكم وأسرار لا تصل إليها عقول العالمين (¬1). الثاني عشر: الأضحية مشروعة ولها أحكام على النحو الآتي: 1 - مفهومها: هي اسم لما يذبح أو ينحر بسبب العيد: من الإبل، والبقر، والغنم: يوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة، تقرباً إلى الله تعالى، وسميت بذلك والله أعلم؛ ¬

_ (¬1) إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، للشيخ العلامة السعدي، ص134.

2 - حكمها: الأضحية مشروعة بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة

لأن أفضل زمن لذبحها ضحى يوم العيد (¬1). 2 - حكمها: الأضحية مشروعة بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة. فأما الكتاب؛ فلقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (¬2). وأما السنة؛ فلحديث أنس - رضي الله عنه - قال: ((ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين، أملحين (¬3) أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما)). وفي لفظ لمسلم: ويقول: ((باسم الله والله أكبر)). وفي لفظ للبخاري: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحي بكبشين، وأنا أضحي بكبشين)) (¬4). وأما الإجماع: فأجمع المسلمون على مشروعية ¬

_ (¬1) انظر: أحكام الأضاحي، للعلامة محمد بن صالح بن عثيمين، ص5، ومجالس عشر ذي الحجة، للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان، ص69. (¬2) سورة الكوثر، الآية: 2. (¬3) الأملح: يقال: كبش أملح: إذا كان بياضه أكثر من سواده، وقيل: هو النقي البياض. جامع الأصول لابن الأثير،3/ 325،وانظر: المغني لابن قدامة،13/ 360. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الأضاحي، باب أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أقرنين، ويذكر سمينين، برقم 5553، ومسلم، كتاب الأضاحي باب استحباب استحسان الأضحية وذبحها مباشرة بلا توكيل، والتسمية والتكبير، برقم 1966.

الأضحية (¬1)، والأضحية سنة مؤكدة جداً لا ينبغي تركها لمن يقدر عليها، وعلى هذا أكثر أهل العلم (¬2). وسمعت ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة، 13/ 360. (¬2) اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الأضحية، فقال قوم: بأنها سنة، وقال آخرون: بالوجوب. قال الإمام ابن قدامة: ((أكثر أهل العلم يرون الأضحية سنة مؤكدة غير واجبة، روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وأبي مسعود البدري - رضي الله عنهم -، وبه قال سويد بن عقبة، وسعيد بن المسيب، وعلقمة، والأسود، وعطاء، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر. وقال ربيعة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والليث، وأبو حنيفة: هي واجبة؛ لما روى أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا)) [أحمد، 2/ 321،وابن ماجه، برقم 3123،وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه،3/ 82]،وعن مخنف بن سليم قال: كنا وقوفاً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة فقال: ((يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية ... )) [أحمد، 4/ 215، وأبو داود برقم 2788،والنسائي، برقم 4235،وابن ماجه، برقم 3125، والترمذي، وحسنه برقم 1518،وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 82]، المغني لابن قدامة، 13/ 360 - 361، ومن قال: بأن الأضحية سنة احتجوا بحديث ابن عباس يرفعه: ((ثلاث هن عليّ فرائض وهن لكم تطوع: الوتر، والنحر، وصلاة الضحى)) وفي لفظ الدارقطني: ((وركعتا الفجر)) بدل ((وصلاة الضحى)) رواه أحمد، برقم 2050، والدارقطني، 2/ 21، ونقل أحمد شاكر تضعيف هذا الحديث باللفظين]. واستدل الجمهور أيضاً بحديث أم سلمة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً))، وفي لفظ: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره))، وفي لفظ: (( ... فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي)) [مسلم، برقم 1977] فقالوا: علقه على الإرادة، والواجب لا يعلق على الإرادة؛ ولأنها ذبيحة لم يجب تفريق لحمها فلم تكن واجبة كالعقيقة، وردوا على أهل الوجوب بأن حديثهم قد ضُعِّف، وقالوا: ((ثم نحمله على تأكيد الاستحباب كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) [تقدم تخريجه] المغني لابن قدامة، 13/ 261. ولكن من قال بالوجوب استدلوا أيضاً بحديث في الصحيحين عن جندب بن سفيان البجلي قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر قال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح [على اسم الله])) [البخاري، برقم 5562، ومسلم، برقم 1960، وما بين المعقوفين له]، وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على هذا الحديث: ((من ذبح قبل الصلاة فالسنة أن يضحي بأخرى، وإذا صلى الإنسان دخل وقت ضحيته)).

شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول: ((والضحية سنة، وقال بعض أهل العلم بوجوبها، والذي عليه جمهور أهل العلم أنها سنة مؤكدة لمن قدر لمن كان له سعة، والحجة في ذلك فعله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه كان يضحي كل سنة، فهي سنة من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام)) (¬1). والأحوط للمسلم أن لا يترك الضحية إذا كان موسراً له قدرة عليها؛ اتباعاً لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -: القولية، والفعلية، ¬

_ (¬1) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام لابن حجر، الحديث رقم 1372، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 11/ 394، وروي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان عن أهلهما مخافة أن يُرى ذلك واجباً)). أخرجه البيهقي، 9/ 295، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم 1139.

3 - ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها لما يلي:

والتقريرية، وبراءة للذمة، وخروجاً من الخلاف عند من قال بالوجوب (¬1). 3 - ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها لما يلي: أ - لأن الذبح وإراقة الدم تقرباً لله تعالى عبادة مشتملة على تعظيم الله تعالى، وإظهار شعائر دينه، وإخراج القيمة تعطيل لذلك {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ ¬

_ (¬1) رجح وجوبها على القادر شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: ((وأما الأضحية فالأظهر وجوبها فإنها من أعظم شعائر الإسلام، وهي النسك العام في جميع الأمصار، وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته)). [فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية،23/ 162، وقال: ((تجوز الأضحية عن الميت كما يجوز الحج عنه، أو الصدقة عنه، ويُضحَّى عنه في البيت ولا يُذبح عند القبر أضحية ولا غيرها)) مجموع الفتاوى، 26/ 306]، وذكر العلامة ابن عثيمين أن الأضحية عن الأموات ثلاثة أٌقسام: القسم الأول: أن تكون تبعاً للأحياء كأن يضحي عن نفسه وأهله وفيهم أموات كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. القسم الثاني: أن يضحي عن الميت استقلالاً، فقد نص عليه فقهاء الحنابلة، وبعض العلماء لا يرى ذلك إلا أن يوصي الميت بذلك. القسم الثالث: أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه فتنفذ الوصية: أحكام الأضاحي، ص17، واختار شيخ الإسلام أن الأضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها. الاختيارات، ص118.

ب - ذبح الأضحية وعدم التصدق بثمنها هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -

أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (¬1). ب - ذبح الأضحية وعدم التصدق بثمنها هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمل المسلمين، ولم ينقل أحد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصدق بثمنها، ولا أحد من أصحابه - رضي الله عنهم -. ج - ومما يؤكد أن ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها ولو زاد الثمن أن العلماء اختلفوا في وجوبها، وأن القائلين بأنها سنة صَرَّح جمعٌ منهم بأنه يكره تركها للقادر (¬2)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((والأضحية، والعقيقة، والهدي (¬3)، أفضل من الصدقة بثمن ذلك)) (¬4). 4 - إذا دخل شهر ذي الحجة فلا يأخذ من أراد أن يضحي من شعره ولا بشرته شيئاً؛ لحديث أم سلمة رضي الله ¬

_ (¬1) سورة الأنعام، الآيتان: 162 - 163. (¬2) انظر: أحكام الأضحية، للعلامة ابن عثيمين، ص14 - 16. (¬3) الهدي: أي هدي التطوع. (¬4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 6/ 304.

5 - يبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى

عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)) وفي لفظ: ((فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي)) (¬1). 5 - يبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى؛ لحديث البراء - رضي الله عنه -،قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبلُ فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء)) فقام أبو بردة بن دينار - وقد ذبح - فقال: إن عندي جذعة، فقال: ((اذبحها ولن تجزي عن أحد بعدك)) وفي لفظ لمسلم: يا رسول الله إن عندي جذعة من المعز، فقال: ((ضحِّ بها ولا تصلح لغيرك)). قال مطرِّف عن عامر، عن البراء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من ذبح بعد الصلاة تمَّ نسكُه وأصاب سنة المسلمين)) (¬2).ولحديث ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب الأضاحي، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو يريد التضحية أن يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً، مسلم، برقم 1977. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأضاحي، باب سنة الأضحية، وقال ابن عمر: هي سنة ومعروف، برقم 5545، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، برقم 1961.

جندب بن سفيان البجلي - رضي الله عنه - قال: ((شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، قال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليُعِد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح [على اسم الله])) (¬1)؛ ولحديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تمَّ نسكُه، وأصاب سنة المسلمين)) (¬2). وآخر وقت ذبح الأضاحي هو غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق على القول الراجح من أقوال أهل العلم، فيكون ذبح الأضاحي أربعة أيام: يوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة)) (¬3). ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأضاحي، باب من ذبح قبل الصلاة، برقم 5562، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، برقم 1960. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأضاحي، باب سنة الأضحية، برقم 5546، ومسلم، كتاب الأضاحي باب وقتها، برقم 1962. (¬3) اختلف العلماء في آخر وقت ذبح الأضاحي: فقيل: آخر الوقت: آخر اليوم الثاني من أيام التشريق، فتكون أيام النحر ثلاثة: يوم النحر، ويومان بعده، وهذا قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، قال أحمد: أيام النحر ثلاثة عن غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،وهو قول مالك، والثوري، وأبي حنيفة. وقيل: آخره آخر أيام التشريق، وهو مذهب الشافعي، وقول عطاء، والحسن، لما روي ((كل أيام التشريق ذبح)) [أحمد، 4/ 82، والبيهقي، 9/ 295، وذكر الإمام ابن القيم أن الأقوال أربعة: 1 - الذبح أربعة أيام: يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة، وأنه قول علي - رضي الله عنه -، قال: وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وإمام أهل الشام الأوزاعي، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي، واختاره ابن المنذر. 2 - الذبح يوم النحر ويومان بعده، وهذا مذهب أحمد، ومالك، وأبي حنيفة رحمهم الله، قال أحمد: وهو قول غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكره الأثرم عن ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم -. 3 - وقت النحر يوم واحد وهو قول ابن سيرين. 4 - يوم واحد في الأمصار، وثلاثة أيام في منى. زاد المعاد،2/ 319 - 320، وسمعت سماحة شيخنا الإمام ابن باز يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 320: ((أصح هذه الأقوال الأربعة أن الذبح أربعة أيام: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده)). وانظر المغني لابن قدامة، 13/ 386، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، 8/ 406.

6 - شروط الأضحية

6 - شروط الأضحية: الأضحية عبادة لله تعالى لا تقبل إلا إذا كانت خالصة لله تعالى، وأن تكون على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا لم تكن خالصة وعلى هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام فهي غير مقبولة بل مردودة، ولا تكون الأضحية على هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا باجتماع شروطها، وانتفاء موانعها.

الشرط الأول: أن تكون الضحية ملكا للمضحي

وشروطها أنواع: منها ما يعود للوقت، وتقدم، ومنها ما يعود لعدد المضحين بها، وسيأتي إن شاء الله تعالى، ومنها ما يعود للمُضحَّى به وهي أربعة شروط: الشرط الأول: أن تكون الضحية ملكاً للمضحي ملكها بطريق شرعي، فلا تصح الأضحية بمغصوب، أو مسروق، أو مملوك بعقد فاسد، أو ما كان ثمنه خبيثاً محرماً: كالربا وغيره؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) (¬1). وينبغي للمسلم أن يختار الأضحية التي تجتمع فيها الصفات المستحبة؛ لأن ذلك من تعظيم شعائر الله؛ لقول الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (¬2)، وتعظيم البدن من تعظيم شعائر الله، وعن مجاهد في قوله: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله} قال استعظام البدن: استحسانها، واستسمانها)) (¬3). ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم 1015. (¬2) سورة الحج، الآية: 32. (¬3) فتح الباري، لابن حجر، 3/ 536، والمغني لابن قدامة، 13/ 367.

الشرط الثاني: أن تكون الأضحية من الجنس الذي عينه الشارع

قال يحيى بن سعيد سمعتُ أبا أمامة بن سهل قال: ((كنَّا نُسمِّن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يُسمِّنون)) (¬1). الشرط الثاني: أن تكون الأضحية من الجنس الذي عينه الشارع وهو: الإبل، والبقر، والغنم: ضأنها ومعزها، وهي بهيمة الأنعام فقط، قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} (¬2)، وذكر الإمام النووي الإجماع على أنه لا يجزئ في الأضحية إلا: الإبل، والبقر، والغنم (¬3). الشرط الثالث: أن تبلغ الأضحية السنّ المعتبرة شرعاً، فلا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني من غيره: والجذع من الضأن: ما له ستة أشهر ودخل في السابع، ويُعرف إذا مالت الصوفة على ظهره عُلِمَ أنه قد أجذع. وثني المعز إذا تمت له سنة ودخل في الثانية، والبقر إذا صار لها ¬

_ (¬1) البخاري، كتاب الأضاحي، باب أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أقرنين، ويذكر سمينين، رقم الباب 7، قبل الحديث رقم 5553. (¬2) سورة الحج، الآية: 34. (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 13/ 125.

سنتان ودخلت في الثالثة، والإبل إذا صار لها خمس سنين ودخلت في السادسة، قال الأصمعي وغيره: ((إذا مضت السنة الخامسة على البعير ودخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني، ونرى أنه إنما سمي ثنياً؛ لأنه ألقى ثنيته، وأما البقرة فهي التي لها سنتان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تذبحوا إلا مُسِنَّة)) (¬1)، ومسنة البقرة التي لها سنتان. وقال وكيع: ((الجذع من الضأن يكون ابن سبعة أو ستة أشهر)) (¬2)، فالضحية عبادة لا يشرع فيها إلا ما حدده النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تذبحوا إلا مُسِنّة، إلا أن تعسّر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن)) (¬3). قال الإمام النووي رحمه الله: ((قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء: من الإبل والبقر، والغنم، فما فوقها، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال، وهذا مُجْمَع عليه على ما ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة، 13/ 369. (¬2) المغني لابن قدامة، 13/ 369، وانظر: أحكام الأضحية لابن عثيمين، ص24. (¬3) مسلم، كتاب الأضاحي، باب سن الضحية، برقم 1963.

الشرط الرابع: أن تكون سالمة من العيوب المانعة من الإجزاء

نقله القاضي عياض. وأما الجذع من الضأن فمذهبنا ومذهب العلماء كافة يجزئ سواء وجد غيره أم لا، قال الجمهور: هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل، وتقديره: يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتم فجذعة ضأن، وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزئ بحال، وقد أجمعت الأمة أنه ليس على ظاهره؛ لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه)) (¬1). الشرط الرابع: أن تكون سالمة من العيوب المانعة من الإجزاء، ومن هذه العيوب ما ثبت في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أنه قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأصابعي أقصر من أصابعه وأناملي أقصر من أنامله، فقال: ((أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراءُ البيِّن عورُها (¬2)، والمريضة ¬

_ (¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 13/ 125. (¬2) العوراء البيّن عورها: وهي التي انخسفت عينها أو برزت، فإن كانت عوراء لا تبصر بعينها ولكن عورها غير بين أجزأت والسليمة من ذلك أولى.

البيِّن مرُضها (¬1)، والعرجاء البيِّن ظلعُها (¬2)، والكسيرة التي لا تنقى)) (¬3). قال [الراوي عن البراء] قلت: فإني أكره أن يكون في السن نقص؟ فقال: ((ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد)). وهذا لفظ أبي داود، أما لفظ الترمذي: ((لا يُضَحَّى بالعرجاء بيِّن ظلعها، ولا بالعوراء بيِّن عورها، ولا بالمريضة بيِّن مرضها، ولا بالعجفاء التي لا تنقى)). ولفظ النسائي: ((أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيِّن عورها، والمريضة البيِّن مرضها، والعرجاء البيِّن ظلعها، والكسيرة التي لا تنقى)). [قال الراوي عن البراء] قلت: إني أكره أن يكون في القرن نقص، وأن ¬

_ (¬1) المريضة البيّن مرضها: وهي التي ظهر عليها آثار المرض، مثل: الحمى التي تقعدها عن الرعي، ومثل: الجرب الظاهر المفسد للحمها، أو المؤثر في صحتها، ونحو ذلك مما يعده الناس مرضاً بيناً، فإن كان فيها كسل أو فتور يمنعها من المرعى، والأكل، أجزأت لكن السلامة منه أولى. (¬2) العرجاء: هي التي لا تستطيع مرافقة السليمة في المشي، فإن كان فيها عرج يسير لا يتبين أجزأت والسلامة منه أولى، والظلع: العرج، والظالع: الغامز في مشيته. انظر: جامع الأصول لابن الأثير، 3/ 334، وأحكام الأضاحي لابن عثيمين، ص34. (¬3) الكسيرة: الهزيلة، والتي لا تنقى: أي التي ليس فيها مخ، أي مخ العظم، انظر: جامع الأصول لابن الأثير، 3/ 334، وأحكام الأضاحي، لابن عثيمين، ص34.

يكون في السن نقص، قال: ((ما كرهته فدعه، ولا تحرمه على أحد)). ولفظ ابن ماجه مثل لفظ النسائي إلا أنه قال: إني أكره أن يكون نقص في الأذن، قال: ((فما كرهت منه فدعه، ولا تحرمه على أحد)). وفي رواية الموطأ نحو رواية أبي داود، والنسائي، إلى قوله: ((لا تنقى)) وجعل بدل الكسيرة ((العجفاء)) (¬1) (¬2). قال الإمام الترمذي رحمه الله: ((والعمل على هذا عند أهل العلم)) (¬3). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله عن هذه الأربع المذكورة: ((لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أنها تمنع ¬

_ (¬1) العجفاء: هي الكسيرة التي لا تنقى أي الهزيلة الضعيفة، انظر جامع الأصول لابن الأثير، 3/ 335. (¬2) أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا، برقم 280، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما لا يجزئ من الأضاحي، برقم 1497، والنسائي، كتاب الضحايا، باب ما نهي عنه من الأضاحي، برقم 4369، وابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحي به، برقم 4144، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 676. (¬3) سنن الترمذي، ص364.

الإجزاء)) (¬1). ويُلحق بهذه الأربع ما كان به عيب أعظم من هذه العيوب؛ فإن عدم إجزائها أولى، كالعمياء التي لا تبصر بعينها؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العوراء البين عورها، ومقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البيِّن ظلعها، وما أصابه سبب الموت: كالمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع؛ لأن هذه أولى بعدم الإجزاء من المريضة البين مرضها، والعاجزة عن المشي لعاهة- وتسمى: الزمنى - أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البيِّن ظلعها، وغير ذلك من العيوب التي هي أشد من العيوب الأربع المذكورة (¬2)،وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبدالله ابن باز يقول: ((العمياء أشد من العوراء، فما كان أشد من هذه الأربع في العيب، كان عدم إجزائه أولى)) (¬3). ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة، 13/ 369. (¬2) انظر: أحكام الأضاحي لابن عثيمين، ص35 - 36. (¬3) سمعته أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 4369،وذلك بتاريخ 29/ 6/1417هـ.

7 - العيوب المكروهة في الأضحية على النحو الآتي

7 - العيوب المكروهة في الأضحية على النحو الآتي: الأولى: العضباء: وهي مقطوعة الأذن: النصف فما فوقه. الثانية: المقابلة: وهي التي شُقّت أذنها من الأمام عرضاً. وقال ابن الأثير: ((شاة مقابلة إذا قطع من مقدم أذنها وتركت معلقة فيها كأنها زنمة)) (¬1). الثالثة: المدابرة: وهي التي شُقّت أذنها من الخلف عرضاً، وقال ابن الأثير: ((المدابرة التي فعل بها ذلك من مؤخرة أذنها، واسم الجلدة فيها: الإقبالة والإدبارة)) (¬2). الرابعة: الشرقاء: وهي التي شُقّت أذنها طولاً، وقال ابن الأثير: ((الشرقاء التي شُقّت أذنها، وقد شرقت الشاة - بالكسر - فهي شاة شرقاء (¬3). الخامسة: الخرقاء: وهي التي خُرقت أذنها، قال ابن الأثير: ((الخرقاء من الغنم التي في أذنها خرق، وهو ثقب ¬

_ (¬1) جامع الأصول، 3/ 336، وانظر: أحكام الأضاحي، لابن عثيمين، ص37. (¬2) جامع الأصول، 3/ 336، وانظر: أحكام الأضاحي، لابن عثيمين، ص37. (¬3) جامع الأصول، 3/ 336، وانظر: أحكام الأضاحي، لابن عثيمين، ص37.

السادسة: المصفرة

مستدير)) (¬1). السادسة: المصفرة: وهي التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها (¬2). السابعة: المستأصلة: وهي التي ذهب قرنها من أصله، قال ابن الأثير: ((والمستأصلة: التي استُؤْصل قرنها من أصله)) (¬3). الثامنة: البخقاء: وهي التي بخقت عينها، قال ابن الأثير: ((والبخقاء: التي تبخق عينها)) (¬4). وقال في النهاية: ((والبخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة)). وقال في القاموس: ((البخق أقبح العور وأكثره غمصاً)). وعلى هذا فإذا كان البخق عوراً بيِّناً لم تجز كما يدل عليه حديث ¬

_ (¬1) جامع الأصول، 3/ 336، وانظر: أحكام الأضاحي، لابن عثيمين، ص37. (¬2) جامع الأصول لابن الأثير، 3/ 337، وقال في التلخيص إنها المهزولة، وذكرها في النهاية بقيل: كذا وقيل: كذا. أحكام الأضاحي، ص38. (¬3) جامع الأصول، 3/ 337. (¬4) جامع الأصول، 3/ 337.

التاسعة: المشيعة

البراء السابق (¬1). التاسعة: المشيعة: وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً، وضعفاً، تكون وراء الغنم: كالمشيع للمسافر، وقيل بفتح الياء؛ لحاجتها إلى من يشيعها؛ لتلحق بالغنم، فإن لم يكن فيها مخ فلا تجزئ، وإن كان فيها مخ ولا تستطيع معانقة الغنم لم تجز أيضاً؛ لأنها كالعرجاء البين ظلعها، وإن كانت تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة (¬2) (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: أحكام الأضاحي لابن عثيمين، ص38. (¬2) انظر: جامع الأصول لابن الأثير،3/ 337،وأحكام الأضاحي لابن عثيمين، ص38. (¬3) وجاء في هذه العيوب التسعة حديث علي - رضي الله عنه - قال: ((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء، ولا خرقاء)) وفي رواية: ((المقابلة ما قطع طرف أذنها، والمدابرة: ما قطع من جانب الأذن، والشرقاء: المشقوقة، والخرقاء: المثقوبة)) هذا لفظ الترمذي في كتاب الأضاحي، باب ما يكره من الأضاحي، برقم 1498، وقال: ((حديث حسن صحيح))، ولفظ النسائي: ((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين، والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة، ولا مدابرة، ولا بتراء، ولا خرقاء))، وفي لفظ: ((وأن لا نضحي بعوراء)) وفي لفظ: (( ... أو جدعاء))، وهذا لفظ النسائي في كتاب الأضاحي، باب المقابلة، برقم 4372، وباب المدابرة، برقم 4373، وباب الخرقاء، برقم 4374، وباب الشرقاء، برقم 4375. ولفظ أبي داود: ((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن، ولا نضحي بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء))، قال زهير: قلت لأبي إسحاق: أذكر عضباء؟ قال: لا، قلت: فما المقابلة؟ قال: يقطع طرف الأذن، قلت: فما المدابرة، قال: يقطع من مؤخر الأذن، قلت: فما الشرقاء؟ قال: تشق الأذن، قلت: فما الخرقاء؟ قال: تخرق أذنها للسمة)) أبو داود، كتاب الأضاحي، باب ما يكره من الأضاحي، برقم 2804. ولفظ ابن ماجه: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نضحي بمقابلة، أو مدابرة، أو شرقاء، أو خرقاء، أو جدعاء)). ابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحي به، برقم 3142، ولفظ الإمام أحمد: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضحى بالمقابلة، أو بمدابرة، أو شرقاء، أو خرقاء، أو جدعاء))، وفي لفظ عن حُجّيّة بن عدي رجل من كندة قال: سمعت رجلاً سأل عليّاً قال: إني اشتريت هذه البقرة للأضحى، قال عن سبعة، قال: القرن؟ قال: لا يضرك، قال العرج؟ قال: إذا بلغت المنسك فانحر، ثم قال: ((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن)) أحمد برقم 832، ورقم 734، ورقم 826، وصحح إسناده أحمد شاكر في هذه المواضع كلها، ورواه بهذا اللفظ الترمذي عن حجية بن عدي عن علي قال: ((البقرة عن سبعة، قلت: فإن ولدت؟ قال: اذبح ولدها معها، قلت: فالعرجاء؟ قال: إذا بلغت المنسك، قلت فمكسورة القرن؟ قال: لا بأس، أُمرنا - أو أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العينين، والأذنين)). الترمذي، كتاب الضحايا، باب في الضحية بعضباء القرن والأذن، برقم 1503، ولفظ ابن ماجه في كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحى به، برقم 3143، عن حجية بن عدي عن علي قال: ((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن))، وصحح إسناد حديث حجية أحمد شاكر كما تقدم آنفاً، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 362، وفي صحيح سنن ابن ماجه، 3/ 86، وقبل ذلك صحح إسناده الحاكم ووافقه الذهبي، 4/ 225، وروى أحمد لفظ أبي داود في المقابلة والمدابرة والشرقاء، والخرقاء، برقم 851، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. وقال الشوكاني بعد أن ذكر حديث علي هذا الذي رواه الخمسة: ((وحديث علي - رضي الله عنه - أخرجه أيضاً البزار [كشف الأستار، برقم 1203]، وابن حبان [برقم 5920]، والحاكم [1/ 468]، والبيهقي [9/ 275]، وأعله الدارقطني [نيل الأوطار، 3/ 482] وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي، ص144 في ضعيف أبي داود ص217، وضعيف سنن النسائي، ص144، وضعيف ابن ماجه، ص253، والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصحح إسناده أحمد شاكر كما تقدم، وقد ذكر الألباني طرقه في إرواء الغليل، 4/ 364، ثم قال: ((وجملة القول: إن الحديث بمجموع طرقه هذه صحيح وذكر القرن فيه منكر عندي تفرد جري به)). وأما ما جاء في المستأصلة، والبخقاء، والمشيعة، والكسراء، والمصفرة؛ لما روي عن يزيد ذي مصر قال: أتيت عتبة بن عبد السلمي، فقلت: يا أبا الوليد إني خرجت ألتمس الضحايا، فلم أجد شيئاً يعجبني، غير ثرماء، فكرهتها، فما تقول؟ قال: أفلا جئتني بها؟ قلت: سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني؟ قال: نعم. إنك تشك ولا أشك، إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المصفرة، والمستأصلة، والبخقاء، والمشيعة، والكسراء، فالمصفرة: التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها، والمستأصلة التي استوصل قرنها من أصله، والبخقاء: التي تبخق عينها، والمشيعة: التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفاً، والكسراء: الكسيرة)). أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا، برقم 2803، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، ص217، وقال الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 3/ 337: ((وفي إسناده أبو حميد الرعيني، وهو مجهول، ويزيد ذو مصر لم يوثقه غير ابن حبان)). وأما عضباء الأذن والقرن، فعن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُضحَّى بعضباء الأذن والقرن. قال قتادة لسعيد بن المسيب: ما الأعضب؟ قال: النصف فما فوقه. هذا لفظ أبي داود، برقم 2805،في كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا. ولفظ النسائي في كتاب الضحايا، باب العضباء، برقم 4389: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُضحى بأعضب القرن)) فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب؟ قال: ((نعم الأعضب النصف وأكثر من ذلك)).ولفظ الترمذي في كتاب الأضاحي، باب في الضحية بعضباء القرن والأذن برقم 1504 عن قتادة عن جري بن كليب الهندي عن علي قال: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نضحي بأعضب القرن والأذن))،قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: العضب ما بلغ النصف فما فوق ذلك. ولفظ ابن ماجه في كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يُضحَّى به، برقم 3145، عن علي قال: ((إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يضحى بأعضب القرن والأذن)). ولفظ الإمام أحمد في المسند 1/ 129: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُضحَّى بعضباء القرن والأذن))، وحديث علي - رضي الله عنه - في النهي عن التضحية بعضباء القرن والأذن قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)). وقال الشوكاني في نيل الأوطار، 3/ 479: ((حديث علي - رضي الله عنه - صححه الترمذي ... وسكت عنه أبو داود))، وتكلم على إسناده أحمد شاكر في المسند، برقم 633، وقال: ((إسناده صحيح))، ولكن الألباني ضعفه في ضعيف ابن ماجه، وضعيف النسائي، وضعيف أبي داود، وضعيف الترمذي، وفي إرواء الغليل، برقم 1149 قال: ((منكر)). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار لابن تيمية، الحديث رقم 2721: ((حديث علي صحيح))، والله - عز وجل - أعلم. قال الشوكاني: ((فيه دليل على أنها لا تجزئ التضحية بأعضب القرن والأذن وهو ما ذهب نصف قرنه أو أذنه، وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أنها تجزئ التضحية بمكسور القرن مطلقاً ... فالظاهر أن مكسورة القرن لا تجوز التضحية بها إلا أن يكون الذاهب من القرن مقداراً يسيراً، بحيث لا يقال لها عضباء؛ لأجله، أو يكون دون النصف ... وكذلك لا تجزئ التضحية بأعضب الأذن وهو ما صدق عليه اسم العضب ... )) [نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 479]. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 4372 بتاريخ 2/ 7/1417هـ: ((النقص كالشرق أو الخرق مكروه وكذلك المقابلة والمدابرة إلا إذا كان ذلك أكثر من نصف الأذن أو القرن فهذا لا يجزئ، فيكون غير المجزئ خمس: العوراء البين عورها، والعرجاء البين ظلعها، والهزيلة التي لا تنقى، والمريضة البين مرضها، والعضباء: وهي ما ذهب نصف قرنها أو أذنها))، وسمعته يصحح حديث علي في عضباء الأذن والقرن أثناء تقريره على منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية، الحديث رقم 2721. واختار الإمام الخرقي في مختصره أن عضباء الأذن والقرن لا تجزئ، وقال ابن قدامة في المغني شارحاً ذلك: ((أما العيوب الأربعة الأولى فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً بأنها تمنع الإجزاء ... وأما العضب وهو ذهاب نصف الأذن والقرن، وذلك يمنع الإجزاء أيضاً، وبه قال النخعي، وأبو يوسف، ومحمد. وقال أبو حنيفة والشافعي تجزئ مكسورة القرن ... )) ثم رجح أن عضباء الأذن والقرن لا تجزئ. المغني لابن قدامة، 13/ 369 - 370.

يلحق بالعيوب المكروهة العيوب الآتية:

وذكر بعض أهل العلم أنه يلحق بالعيوب المكروهة العيوب الآتية: الأولى: البتراء، وهي التي قطع ذنبها: من الإبل، والبقر، والمعز، فتكره التضحية بها؛ لما جاء في رواية النسائي من حديث علي - رضي الله عنه - (¬1) وبالقياس على العضباء، قال ابن الأثير رحمه الله في معنى البتراء: ((هي التي قطع ذنبها)) (¬2)؛ لأن في الذنب مصلحة للحيوان، ودفاعاً لما يؤذيه، وجمالاً لمؤخره، وفي قطعه فوات هذه الأمور. وأما البتراء بأصل الخلقة فلا تكره ولكن غيرها أولى. ¬

_ (¬1) ولفظه عند النسائي: ((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نُضحِّي بمقابلة، ولا مدابرة، ولا بتراء، ولا خرقاء ... )) الحديث أخرجه الخمسة وهذا لفظ النسائي، برقم 4372، وتقدم الكلام عليه. (¬2) النهاية في غريب الحديث، 1/ 93.

الثانية: ما قطع أنفها أو شفتها

وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فلا تجزئ، لأن ذلك نقص بيِّن في جزء مقصود منها، أما إذا كانت من نوع لا ألية له بأصل الخلقة أجزأت بدون كراهة (¬1). الثانية: ما قطع أنفها أو شفتها؛ لما جاء في رواية النسائي من حديث علي - رضي الله عنه - (¬2)، قال ابن الأثير رحمه الله في الجدعاء: ((الجدع قطع الأنف، والأذن، والشفة، وهو بالأنف أخص، فإذا أطلق غلب عليه)) (¬3). الثالثة: ما قطع ذكره فتكره التضحية به، قياساً على العضباء، فأما ما قطعت خصيتاه فلا تكره التضحية به؛ لأن الخصاء يزيد سمنه، وطيب لحمه (¬4). وغير ذلك من ¬

_ (¬1) انظر: أحكام الأضحية لابن عثيمين، ص40. (¬2) ولفظه عند النسائي: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن نضحي بمقابلة، أو مدابرة، أو شرقاء، أو خرقاء، أو جدعاء))، برقم 4374، وتقدم تخريجه والكلام عليه. (¬3) النهاية في غريب الحديث، 1/ 246. (¬4) أحكام الأضاحي للعلامة ابن عثيمين، ص41.

8 - تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته

العيوب التي ذكرها أهل العلم التي تكره التضحية بها (¬1)، والله تعالى أعلم. 8 - تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، والبدنة، والبقرة عن سبعة؛ لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، حينما سئل: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون، ويطعمون، حتى تباهى الناس فصارت كما ترى)) (¬2). قال الإمام الترمذي رحمه الله: ((والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد، وإسحاق)) (¬3). وأما البدنة فتجزئ عن سبعة، والبقرة عن سبعة؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: ((نحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة)). ¬

_ (¬1) ذكر من ذلك الهتماء التي سقطت بعض أسنانها، وكذلك ما قطع شيء من حلمات ضرعها، قياساً على العضباء، والله - عز وجل - أعلم. انظر: أحكام الأضحية لابن عثيمين، ص41. (¬2) الترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت، برقم 1505، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب من ضحى بشاة عن أهله، برقم 3147، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم 1142. (¬3) سنن الترمذي، الحديث رقم 1505.

وفي لفظ: ((خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة)). وفي لفظ: ((حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنحرنا البعير عن سبعة، والبقرة عن سبعة)) (¬1). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وهذا قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة - رضي الله عنهم -، وبه قال: عطاء، وطاوس، وسالم، والحسن، وعمرو بن دينار، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي)) (¬2). ولكن هل يجزئ سُبع البدنة أو سُبع البقرة عن الرجل وأهل بيته أم لا يجزئ السبع إلا عن واحد: قولان لأهل العلم، والذي مالت إليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن سُبع البدنة وسبع البقرة لا يجزئ إلا عن واحد والله - عز وجل - ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب الحج، باب جواز الاشتراك في الهدي، وإجزاء البدنة والبقرة كل واحدة منهما عن سبعة، برقم 1318. (¬2) المغني لابن قدامة، 13/ 363.

9 - تتعين الأضحية بقول المسلم هذه أضحية

أعلم، أما الشاة فتجزئ عن الرجل وأهل بيته (¬1). 9 - تتعين الأضحية بقول المسلم هذه أضحية، فتصير واجبة، أو بذبحها يوم العيد بنية الأضحية، فإذا تعينت الأضحية تعلقت بها الأحكام الآتية: الحكم الأول: زوال ملكه عنها، فلا يجوز له بيعها، ولا هبتها، ولا إبدالها إلا بخير منها؛ لأنه جعلها لله تعالى. الحكم الثاني: لا يتصرف فيها تصرفاً مطلقاً فلا يستعملها في حرث، ولا يحلب من لبنها ما فيه نقص عليها، أو يحتاجه ولدها المتعين معها، ولا يجزّ شيئاً من صوفها ونحوه إلا أن يكون أنفع لها، وإذا جزَّه فليتصدق به أو ينتفع به والصدقة به أفضل، وإن ولدت ذبح ولدها معها. ¬

_ (¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 11/ 396، وانظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 4/ 220، فقد قال: ((وأما التشريك في سبع منها فمفهوم هذا الحديث وحديث تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته أنه لا يجزئ شرك في سبع من بدنة أو بقرة وجزم به شيخنا وغيره)). وقال شيخنا عبد العزيز ابن باز: ((في إجزاء السبع من البدنة والبقرة عن الرجل وأهل بيته توقف من بعض أهل العلم، والراجح أنه يجزئ عن الرجل وأهل بيته؛ لأنهم في معنى الشخص الواحد)) مجموع فتاوى ابن باز، 18/ 44 - 45.

الحكم الثالث: إذا حصل لها عيب يمنع الإجزاء

الحكم الثالث: إذا حصل لها عيب يمنع الإجزاء: كالعرج البيِّن، فإن كان هذا العيب بتفريط منه لزمه إبدالها بسليمة، وإن كان بدون فعل منه ولا تفريط فإنه يذبحها وتجزئه ما لم تكن واجبة في ذمته قبل التعيين، كما لو نذر أن يُضحِّي ثم عيَّن نذره فتعيبت بدون فعل منه ولا تفريط لزمه إبدالها بسليمة؛ لأن ذمته مشغولة بأضحية سليمة قبل أن يعينها فلا يخرج من عهدة الواجب إلا بأضحية سليمة. الحكم الرابع: إذا ضاعت أو سرقت بغير تفريط منه فلا ضمان عليه إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين؛ لأنها أمانة عنده والأمين لا ضمان عليه إذا لم يفرط، لكن متى وجدها أو استنقذها من السارق لزمه ذبحها، ولو فات وقت الذبح، أما إذا كان ضياعها أو سرقتها بتفريط منه لزمه إبدالها بمثلها أو أفضل. والله أعلم (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 13/ 373 - 378، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 9/ 372 - 406، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، 4/ 232 - 238، وأحكام الأضحية للعثيمين، ص42 - 48.

الحكم الخامس: لا يجوز بيع شيء من الأضحية

الحكم الخامس: لا يجوز بيع شيء من الأضحية، لا جلدها، ولا لحمها، ولا يعطي الجزار أجرته منها؛ لحديث علي - رضي الله عنه - قال: ((أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحمها، وجلودها، وأجلَّتها، وأن لا أعطي الجزار منها، وقال: نحن نعطيه من عندنا))، وفي لفظ لمسلم: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يقوم على بدنه، وأمره أن يقسم بدنه كلها: لحومها، وجلودها، وجلالها، في المساكين، ولا يعطي في جزارتها منها شيئاً)) (¬1). لكن إذا دفع إلى جازرها شيئاً، لفقره، أو على سبيل الهدية فلا بأس، والأفضل أن يعطيه أجرته كاملة أولاً، ثم يعطيه منها؛ لئلا تقع مسامحة في الأجرة؛ لأجل ما يأخذه، فيكون من باب المعاوضة (¬2). 10 - يأكل من أضحيته ويتصدق؛ لقول الله - عز وجل -: {فَكُلُوا ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب يتصدق بجلود الهدي، برقم 1717، ومسلم، كتاب الحج، باب الصدقة بلحوم الهدايا وجلودها، وجلالها، وأن لا يعطى الجزار منها شيئاً، برقم 1317. (¬2) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 3/ 556.

مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (¬1)، وعن عبد الله بن واقد - رضي الله عنه - في بيان الأكل من الأضاحي وفيه: ((فكلوا، وادَّخِروا، وتصدَّقوا)). وفي لفظ: ((كلوا وتزوَّدوا)) (¬2)، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة)). وقال غير مرة: ((لحوم الهدي)) (¬3)، وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - في حديثه عن الأكل من لحوم الأضاحي، وفيه: ((كلوا وأطعموا، وادخروا)) (¬4). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه: ((كلوا، وأطعموا، واحبسوا، أو ادَّخروا)) (¬5). ¬

_ (¬1) سورة الحج، الآية: 28. (¬2) مسلم، كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام وبيان نسخه وإباحته، برقم 1971. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الأضاحي، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، برقم5567، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام وبيان نسخه وإباحته، برقم 1972. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الأضاحي، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، وما يتزود منها، برقم 5569،ومسلم، كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام وبيان نسخه وإباحته برقم 1974. (¬5) مسلم، كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي، برقم 1973.

11 - صفة ذبح الأضاحي وغيرها مما يذكى على النحو الآتي:

واستحب كثير من العلماء للمُضحِّي أن يقسم أضحيته أثلاثاً: ثلثاً للادِّخار، وثلثاً للصدقة، وثلثاً للأكل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فكلوا وادَّخروا وتصدقوا)) (¬1) (¬2). واستحب بعضهم أن يقسمها أثلاثاً: يأكل ثلثاً، ويُهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث؛ للآثار في ذلك (¬3). 11 - صفة ذبح الأضاحي وغيرها مما يُذكَّى على النحو الآتي: أ- لا يذبح إلا المسلم المميز العاقل، أو الكتابي، ويقصد المذكي التذكية، ولا يذبح لغير الله، ولا يهل لغير الله، ويسمي عند الذبح أو النحر، ويذكي بآلة حادة غير سنٍّ ولا ظُفرٍ، وينهر الدم في موضعه، ولا بد أن يكون ¬

_ (¬1) مسلم، برقم1971، وتقدم تخريجه في الصفحات السابقة. (¬2) سبل السلام للصنعاني، 7/ 270. (¬3) انظر: المغني، لابن قدامة، 13/ 379، قال ابن قدامة: (ولنا ما روي عن ابن عباس في صفة ضحية النبي - صلى الله عليه وسلم -،قال: ((ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السوَّال بالثلث))،رواه الحافظ أبو موسى الأصبهاني في الوظائف، وقال: ((حديث حسن))؛ ولأنه قول ابن مسعود، وابن عمر، ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة، فكان إجماعاً. ا. هـ. المغني، 13/ 380، وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 9/ 414 - 418.

ب- يراعي المضحي الأمور الآتية

المذكي مأذوناً في ذكاته شرعاً (¬1). ب- يراعي المضحي الأمور الآتية: الأمر الأول: يختار الأضحية، فيحرص على أكمل الأضاحي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد (¬2)، وينظر في سواد، فأُتي به، ليضحي به، قال لعائشة: ((هلُمِّي (¬3) المدية)) (¬4)، ثم قال: ((اشحذيها بحجر)) (¬5).ففعلت، ثم أخذها، وأخذ الكبش، ثم ذبحه، ثم قال: ((بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد ثم ضحى به)) (¬6).وعن أنس قال: ((ضحَّى رسول ¬

_ (¬1) أحكام الأضحية للعلامة محمد بن عثيمين، ص56 - 87، وذكر هذه الشروط التسعة بالأدلة، فراجعها. (¬2) يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد: أي قوائمه سود، وبطنه أسود، وما حول عينيه أسود. (¬3) هلمي: أي هاتيها. شرح النووي على مسلم، 13/ 120. (¬4) المدية: السكين. المرجع السابق، 13/ 120. (¬5) اشحذيها: حدديها، شرح النووي على مسلم، 13/ 120. (¬6) مسلم، كتاب الأضاحي، باب استحباب استحسان الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل، والتسمية والتكبير، برقم1967.

الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين، أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى، وكبر، ووضع رجله على صفاحهما)). وفي لفظ لمسلم: ((ويقول باسم الله والله أكبر)).وفي لفظ للبخاري: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُضحِّي بكبشين، وأنا أضحي بكبشين)) (¬1). ويختار السمين العظيم؛ لقول أبي أمامة بن سهل، قال: ((كنَّا نُسمِّن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يُسمِّنون)) (¬2). وهذا من تعظيم شعائر الله (¬3)، وغير ذلك من الصفات الحسنة، التي تزيد الأضحية كمالاً، وجمالاً؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً (¬4)، وإن ضحى بكبشين فلا بأس، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحي بكبشين، ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 5553،ومسلم، برقم 1966،وتقدم تخريجه في أول الأضحية. (¬2) البخاري، الأضاحي، باب أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أقرنين، ويذكر سمينين، رقم الباب7، قبل الحديث رقم5553. (¬3) انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 536. (¬4) ومن الصفات التي ثبتت في الأحاديث في أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - الصفات الآتية: 1 - الكبش. 2 - الأقرن. 3 - الأملح. 4 - قوائمه سوداء. 5 - بطنه أسود. 6 - ما حول عينيه أسود. 7 - يأكل في سواد. 8 - عظيم. 9 - موجوء. 10 - سمين. 11 - فحيل، وجاء في صحيح أبي عوانة كما قال ابن حجر في البلوغ. 12 - ثمين. انظر: فتح الباري لابن حجر، 10/ 10.

وأنا أضحي بكبشين)) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((إذا ضحى بكبشين تأسياً به - صلى الله عليه وسلم - فلا حرج)) (¬2). وعن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين، عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين، موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته، لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد - صلى الله عليه وسلم -)) (¬3). وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحي بكبش أقرن، فحيل، ينظر في سواد، ويأكل في سواد، ويمشي في سواد)) (¬4). ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 5553،ومسلم، برقم 966،وتقدم تخريجه في أول الأضحية. (¬2) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم5553. (¬3) ابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب أضاحي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم3122، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 81. (¬4) أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يستحسن من الضحايا، برقم2796، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 184، ورواه الترمذي، كتاب الأضاحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء ما يستحب من الأضاحي، برقم 1496، والنسائي، كتاب الضحايا، باب الكبش، برقم 4402.

الأمر الثاني: الإحسان إلى الذبيحة

الأمر الثاني: الإحسان إلى الذبيحة، فيعمل كل ما يريحها عند الذَّكاة، ومن ذلك: أن يكون الذبح بآلة حادَّة، وأن يمرها على محل الذبح بقوة وسرعة؛ لأن المطلوب الإسراع في إزهاق النفس على أكمل الوجوه من غير تعذيب؛ لحديث شداد بن أوس - رضي الله عنه - قال: ((ثنتان حفظتهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليُحِدَّ أحدُكم شفرته، فليُرِحْ ذبيحته)) (¬1). ويكره أن يحدَّ السكين والبهيمة تنظر إليه؛ لما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحد الشفار، وأن تُوارَى عن البهائم، وقال: ((إذا ذبح أحدكم فليُجْهِزْ)) (¬2). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب العيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة، برقم1955. (¬2) أحمد في المسند، 2/ 108، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، برقم 3172، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 631، وضعفه في ضعيف ابن ماجه، ص255، وذكر أنه صححه من طريق أحمد، وقال وانظر: ((الصحيحة3130)).

الأمر الثالث: إذا كانت الضحية من الإبل نحرها قائمة

- صلى الله عليه وسلم - على رجل واضع رجله على صفحة شاة، وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، قال: ((أفلا قبل هذا؟ أو تريد أن تميتها موتات))؟ ولفظ الحاكم: ((أتريد أن تميتها موتان؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها)) (¬1). قال الإمام النووي رحمه الله: ((ويستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة، وأن لا يذبح واحدة بحضرة الأخرى، ولا يجرها إلى مذبحها)) (¬2). الأمر الثالث: إذا كانت الضحية من الإبل نحرها قائمة معقولة يدها اليسرى، لقول الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ ¬

_ (¬1) الطبراني في الكبير، 11/ 332، برقم 11916، والأوسط، برقم161، [مجمع البحرين]، والحاكم، قال المنذري في الترغيب: ((ورجاله رجال الصحيح))، وقال الحاكم: ((صحيح على شرط البخاري))، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 630، وقال في مجمع الزوائد،4/ 33: ((رجاله رجال الصحيح)). (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم،13/ 113،وانظر: أحكام الأضاحي لابن عثيمين، ص94 - 95.

الأمر الرابع: إذا كانت الضحية من غير الإبل ذبحها مضجعة

وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬1). قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((قياماً على ثلاث معقولة يدها اليسرى)) (¬2).وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها)) (¬3).وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها فقال: ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد - صلى الله عليه وسلم -)) (¬4). فإن لم يتيسر له نحرها قائمة جاز له نحرها باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة؛ لحصول المقصود بذلك. الأمر الرابع: إذا كانت الضحية من غير الإبل ذبحها مضجعة على جنبها الأيسر، ويضع رجله على صفحة عنقها، ليتمكن منها؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: ((ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين، أملحين، أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى، ¬

_ (¬1) سورة الحج، الآية: 36. (¬2) تفسير ابن كثير، 13/ 222. (¬3) أبو داود، كتاب المناسك، باب كيف تنحر البدن؟ برقم1767، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 494. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب نحر الإبل مقيدة، برقم1713، ومسلم، كتاب الحج، باب نحر الإبل قياماً مقيدة، برقم1320.

الأمر الخامس: أن يستقبل القبلة عند الذبح

وكبر، ووضع رجله على صفاحهما)) (¬1)، فإن كان الذابح لا يستطيع أن يذبح بيمينه ويعمل بيده اليسرى عمل اليمنى وكان الأيسر له أن يضجعها على الجنب الأيمن فلا بأس أن يضجعها عليه؛ لأن المهم راحة الذبيحة (¬2). الأمر الخامس: أن يستقبل القبلة عند الذبح؛ لما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث جابر قال: ((ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عيد بكبشين فقال حين وجههما: ((إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض)) (¬3). الأمر السادس: التسمية عند الذبح والنحر، وهي واجبة، لقول الله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} (¬4)، وقوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 5553،ومسلم، برقم 1966.وتقدم تخريجه في أول الأضحية. (¬2) انظر: أحكام الأضاحي، لابن عثيمين، ص88 - 89. (¬3) ابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب أضاحي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم 3121، وأبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يستحب من الضحايا، برقم 2795، والبيهقي، 9/ 285، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه، ص250، وانظر: إرواء الغليل، 4/ 350. (¬4) سورة الأنعام، الآية: 118.

الأمر السابع: من الآداب المستحبة أن يسمي عند ذبح الأضحية من هي له

أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (¬1)؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ما لم يكن سن ولا ظفر)) (¬2). وذكر اسم الله تعالى على الذبح أو النحر شرط من شروط ذكاة الحيوان (¬3)، ويستحب التكبير: ((الله أكبر)) مع التسمية (¬4). الأمر السابع: من الآداب المستحبة أن يسمي عند ذبح الأضحية من هي له؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأضحى في المصلى، فلما قضى خطبته نزل من منبره وأُتي بكبش فذبحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، وقال: ((بسم الله والله أكبر، هذا عني وعن من لم يضحِّ من ¬

_ (¬1) سورة الأنعام، الآية: 121. (¬2) متفق عليه من حديث رافع بن خديج: البخاري، كتاب الذبائح والعيد، باب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنماً أو إبلاً بغير أمر أصحابه، لم تؤكل، برقم5543،ومسلم، كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، برقم1968. (¬3) انظر: أحكام الأضاحي لابن عثيمين، ص56 - 87. (¬4) المرجع السابق، ص91.

أمتي)) (¬1)؛ ولحديث أبي رافع - رضي الله عنه - قال: ((ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين، أملحين، موجبين (¬2)، خصيين، فقال: أحدهما لمن شهد بالتوحيد، وله بالبلاغ، والآخر عنه وعن أهل بيته، قال: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كفانا)). وفي رواية لأحمد: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ضحى اشترى كبشين، سمينين، أقرنين، أملحين، فإذا صلى وخطب الناس أُتيَ بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: ((اللهم إن هذا عن أمتي جميعاً ممن شهد لك بالوحدانية، وشهد لي بالبلاغ)). ثم يُؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول: ((هذا عن محمد وآل محمد)) فيطعمهما جميعاً المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤنة برسول الله ¬

_ (¬1) أبو داود، كتاب الضحايا، باب في الشاة يضحى بها عن جماعة، برقم 2810، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما يقول إذا ذبح، برقم1521، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 188، وصحيح الترمذي. (¬2) موجبين: وفي مجمع الزوائد4/ 22: ((موجوءين)).

الأمر الثامن: قطع: الحلقوم، والمريء، والودجين، وإنهار الدم: أي إجراؤه من شروط صحة الذكاة

- صلى الله عليه وسلم - والغُرْمَ)) (¬1). الأمر الثامن: قطع: الحلقوم، والمريء، والودجين، وإنهار الدم: أي إجراؤه من شروط صحة الذكاة، ولكن استكمال هذه الأربعة يكون نهاية الكمال، وهي: أ- الحلقوم: وهو مجرى النفس [القصبة الهوائية]. ب- المريء: وهو مجرى الطعام والشراب. ج - د - الودجان: وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء فمتى قطعت هذه الأشياء الأربعة حلَّت المذكاة بإجماع أهل العلم (¬2). ولا يتجاوز ذلك إلى النخاع فإنه لا يشرع (¬3). وذكر شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله: أن التذكية الشرعية للإبل والبقر والغنم: على ثلاث حالات: ¬

_ (¬1) أحمد في المسند، 6/ 8، و6/ 391، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم1147. (¬2) انظر: بداية المجتهد، لابن رشد، 1/ 325 - 332، أحكام الأضاحي للعلامة ابن عثيمين، ص72 - 81، ومجموع فتاوى الإمام ابن باز، 18/ 26. (¬3) بداية المجتهد1،/327، وذكر أن الإمام مالك كرهه إذا تمادى في القطع ولم ينوِ قطع النخاع من أول الأمر؛ لأنه إن نوى ذلك فكأنه نوى التذكية على غير الصفة الجائزة، وقال مطرف والماجشون: لا تؤكل إن قطعها متعمداً دون جهل، وتؤكل إن قطعها ساهياً أو جاهلاً، 1/ 327.

الأمر التاسع: يدعو عند ذبح الأضحية بالقبول

الحالة الأولى: أن يقطع الذابح: الحلقوم، والمريء، والودجين، وهو أكمل الذبح وأحسنه، فإذا قطعت هذه الأربعة فالذبح حلال عند جميع العلماء. الحالة الثانية: أن يقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين وهذا حلال صحيح وطيب وإن كان دون الأول. والحالة الثالثة: أن يقطع الحلقوم والمريء فقط دون الودجين وهو أيضاً صحيح، وقال به جمع من أهل العلم، ودليلهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ليس السن والظفر)) (¬1)، وهذا هو المختار في هذه المسألة (¬2). الأمر التاسع: يدعو عند ذبح الأضحية بالقبول؛ لحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: ((اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد)) (¬3). وفي حديث جابر: ((اللهم منك ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، برقم2543، ومسلم، برقم1968، وتقدم تخريجه في التسمية عند الذبح. (¬2) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 18/ 26. (¬3) مسلم، برقم1967، وتقدم تخريجه في صفة ذبح الأضحية.

الثالث عشر: المنكرات في العيد التي يفعلها كثير من الناس

ولك)) (¬1). الثالث عشر: المنكرات في العيد التي يفعلها كثير من الناس كثيرة لا يمكن حصرها، ولكن منها ما يأتي: 1 - الشرك بالله تعالى بالتقرب لأصحاب القبور ودعائهم من دون الله في بعض الأمصار والبلدان، وقد قال الله - عز وجل -: {وَلا تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ * وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (¬2). وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (¬3). وحد الشرك الأكبر الذي يجمع أنواعه ¬

_ (¬1) أبو داود، برقم2795، وابن ماجه، برقم3121، وتقدم تخريجه في التوجيه إلى القبلة، وقد قال العلامة الألباني: هذه الجملة لها شاهد من حديث أبي سعيد عند أبي يعلى، فانظر: مجمع الزوائد،4/ 22،وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم1152. (¬2) سورة يونس، الآيتان: 106 - 107. (¬3) سورة الأنعام، الآيتان: 162 - 163.

2 - إسبال الثياب، والمشالح، والسراويل

وأفراده: أن يصرف العبد نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله، فكل اعتقاد أو قول، أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع فصرفه لله وحده: توحيد، وإيمان، وإخلاص، وصرفه لغير الله: شرك وكفر، وهذا ضابط للشرك الأكبر لا يشذ عنه شيء، وأما حد الشرك الأصغر فهو: كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر: من الإرادات، والأقوال، والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة (¬1). 2 - إسبال الثياب، والمشالح، والسراويل، وغير ذلك من أنواع ألبسة الرجال التي تنزل تحت الكعبين، فكثير من الناس يوم العيد يلبس الملابس وقد خطت على الأرض تكنس الشوارع والأرصفة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم)). فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات - قال أبو ذر: ((خابوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله؟ قال: ((المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف ¬

_ (¬1) القول السديد في مقاصد التوحيد، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص31، 32، 54.

الكاذب)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار)) (¬2). وعن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا ينظر الله يوم القيامة إلى مَن جرَّ إزاره بطراً)) (¬4). وعن سالم بن عبد الله أن أباه حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بينما رجل يجرّ إزاره خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة)) (¬5). ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب المن بالعطية، وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله تعالى يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، برقم106. (¬2) البخاري، كتاب اللباس، باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار، برقم 5787. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب اللباس، باب من جر إزاره من غير خيلاء، برقم 5784،ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم جر الثوب خيلاء، برقم 2085. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب اللباس، باب من جر ثوبه من الخيلاء، برقم 5788، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم جر الثوب خيلاء، برقم 2087. (¬5) البخاري، كتاب اللباس، باب من جر ثوبه من الخيلاء، برقم5790.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((مررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي إزاري استرخاء، فقال: ((يا عبد الله، ارفع إزارك)) فرفعته، ثم قال: ((زد)) فزدت، فما زلت أتحراها بعد، فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: ((إلى أنصاف الساقين)) (¬1). وعن أبي جريٍّ جابر بن سُليم يرفعه وفيه: ((وارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة)) (¬2). وعن عبد الرحمن بن الحلاج، قال: سألت أبا سعيد الخدري عن الإزار؟ فقال: على الخبير سقطت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج - أو لا جُناح - فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، من جرَّ إزاره لم ينظر الله إليه)) (¬3). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم الثوب خيلاء، برقم2086. (¬2) أبو داود، كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار، برقم4084، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 4084. (¬3) أبو داود، كتاب اللباس، باب في قدر موضع الإزار، برقم4093.

((الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة، من جرَّ منها شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) (¬1). وعن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر الإزار: فالمرأة يا رسول الله؟ قال: ((ترخي شبراً)) قالت أم سلمة: إذاً ينكشف عنها‍! قال: ((فذراعاً لا تزيد عليه)) (¬2). وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: رخَّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمهات المؤمنين في الذيل شبراً ثم استأذننه فزادهن شبراً، فكن يرسلن إلينا فنذرع لهنَّ ذراعاً (¬3). وهذه الأحاديث تدل على أن إسبال الثياب والعمائم، والمشالح، والسراويل من كبائر الذنوب. وأن المسبل من ¬

_ (¬1) أبو داود، كتاب اللباس، باب موضع الإزار، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 4093، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم1194. (¬2) أبو داود، كتاب اللباس، باب في قدر الذيل، برقم4117، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 4117. (¬3) أبو داود، كتاب اللباس، باب في قدر الذيل، برقم 4119، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 4119.

3 - الكبر

الرجال إن كان متكبراً فقد ارتكب كبيرتين: الكبر، والإسبال، وإن لم يكن متكبراً فقد ارتكب كبيرة الإسبال. وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - آخذاً بحجزة سفيان بن أبي سهل وهو يقول: ((يا سفيان بن أبي سهل لا تسبل إزارك فإن الله لا يحب المسبلين)) (¬1). 3 - الكبر: بعض الناس أيام العيد يحتقر الناس ويتكبر عليهم، ويعجب بنفسه، ويختال في مشيته، وهذا محرم في جميع الأوقات، قال الله - عز وجل -: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} (¬2). وقال تعالى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ الله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (¬3).وقال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (¬4). وقال سبحانه: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله لَهُ فِي ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد،4/ 246، 4/ 250،وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((إسناده جيد)). (¬2) سورة الإسراء، الآية: 37. (¬3) سورة لقمان، الآية: 18. (¬4) سورة الأعراف، الآية: 146.

الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} (¬1). وقال - عز وجل -: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} (¬2). وقال - عز وجل -: {إنهُ لا يُحبُّ الْمُستكبرينَ} (¬3). وقال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (¬4). وقال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (¬5). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((بينما رجل يمشي في حُلَّةٍ تعجبه نفسه، مرجِّلٌ جُمَّته، إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة)) (¬6). ¬

_ (¬1) سورة الحج، الآية: 9. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 40. (¬3) سورة النحل، الآية: 23. (¬4) سورة النساء، الآية: 26. (¬5) سورة القصص، الآية: 83. (¬6) متفق عليه: البخاري، في كتاب اللباس، باب من جر ثوبه من الخيلاء، برقم 5789، ومسلم، كتاب اللباس، باب تحريم التبختر في المشي، مع إعجابه بثيابه، برقم2088.

وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: ((إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس)) (¬1). وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - ((أن رجلاً أكل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشماله، فقال: ((كل بيمينك))،قال: لا أستطيع، قال: ((لا استطعت ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله - عز وجل -: ((الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار)) (¬3). ولفظ مسلم: ((العزّ إزاره، ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، برقم91. (¬2) مسلم، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما، برقم 2021. (¬3) أبو داود، كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر، برقم 4090، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته)) (¬1). وعن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تعالى أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله تعالى)) (¬3). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كانت ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - تسمى العضباء، وكانت لا تُسْبَق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سُبقت العضباء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن حقّاً على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه)) (¬4). ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الكبر، برقم2620. (¬2) مسلم، كتاب الجنة ونعيمها، باب الصفات التي يُعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، برقم 64 - (2865). (¬3) مسلم، كتاب البر الصلة، باب استحباب العفو والتواضع، برقم2588. (¬4) البخاري كتاب الرقائق، باب التواضع، برقم 6501.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، وثلاث كفارات، وثلاث درجات: فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية، وأما الكفارات: فانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في السبرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام)) (¬1). وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من تَعظَّم في نفسه، أو اختال في مشيته لقي الله - عز وجل - وهو عليه غضبان)) (¬2). ¬

_ (¬1) المعجم الأوسط للطبراني، [مجمع البحرين في زوائد المعجمين، 1/ 156، برقم142]، وله شاهد من حديث أنس في المرجع نفسه، برقم 141، 1/ 155. وذكر الألباني أنه روي عن أنس بن مالك، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله بن أبي أوفى، وعبد الله بن عمر، وذكرها ثم قال: ((وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن على أقل الدرجات إنشاء الله تعالى)). الأحاديث الصحيحة، برقم 1802، 4/ 416، وحسنه في صحيح الجامع، 3/ 67. (¬2) البخاري في الأدب المفرد، برقم 549،وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم 543،وفي صحيح الأدب المفرد، ص207،ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 60 بلفظ: ((من تعاظم في نفسه واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان)).

4 - الغناء، والمزامير، والمعازف

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بُولَس، تعلوهم نار الأنيار، ويسقون من عصارة أهل النار، طينة الخبال)) (¬1). 4 - الغناء، والمزامير، والمعازف: بعض الناس يُضيِّعون أوقات العيد المبارك في الاجتماع على مزامير الشيطان، وآلات اللهو المحرمة، قال الله - عز وجل - للشيطان: {اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} (¬2).قال مجاهد في ¬

_ (¬1) أحمد، 2/ 118، والترمذي، كتاب صفة القيامة، باب حدثنا هناد، برقم 2492، وقال: ((هذا حديث حسن صحيح))، والبخاري في الأدب المفرد، برقم 557، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 602،وفي صحيح الأدب المفرد، ص210. (¬2) سورة الإسراء، الآيات: 62 - 64.

تفسير الصوت هنا: باللهو، والغناء: أي استشغفهم بذلك (¬1). وقال - عز وجل -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (¬2).قال ابن مسعود - رضي الله عنه - في تفسير ذلك: ((الغناء والله الذي لا إله إلا هو)) يرددها ثلاث مرات، وتبع ابن مسعود عبد الله بن عباس، وجابر، ومجاهد - رضي الله عنهم - ورحمهم. وقال الله - عز وجل -: {أَفَمِنْ هَذَا الحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ} (¬3). قال ابن عباس في السمود: هو الغناء، ويقال: اسمدي لنا: أي غني لنا، والسمد أيضاً: الغفلة واللهو عن الشيء. وقال - عز وجل -: {الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير، 3/ 50. (¬2) سورة لقمان، الآيتان: 6 - 7. (¬3) سورة النجم، الآيتان: 56 - 61.

الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (¬1). واللهو كل ما ألهى عن طاعة الله، واللعب كل ما لا فائدة فيه. وقال - عز وجل -: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (¬2). والمكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق. وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - يرفعه: ((ليشربن أناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير)) (¬3). وعنه - رضي الله عنه - يرفعه: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير، والخمر، والمعازف)) (¬4). وعن أنس مرفوعاً: ((صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: ¬

_ (¬1) سورة الأعراف، الآية: 51. (¬2) سورة الأنفال، الآية: 35. (¬3) ابن ماجه، كتاب الفتن، باب العقوبات، برقم4020، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 317. (¬4) البخاري، كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر، ويسميه بغير اسمه، برقم 5590، قال شيخنا ابن باز أثناء تقريره على صحيح البخاري على هذا الحديث: ((وكلام ابن حزم فاسد حيث يرى أن هذا الحديث ليس متصلاً)).

مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة)) (¬1). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله حرَّم عليكم: الخمر، والميسر، والكوبة (¬2)، وقال: كل مسكر حرام)) (¬3). وجاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: ((الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل)). وفي رواية: ((الزرع)). وقال الإمام مالك رحمه الله: ((إنما يفعله عندنا الفساق)). وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ((بدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن)). وقال الضحاك رحمه الله: ((الغناء مفسدة للقلب ¬

_ (¬1) ذكره السيوطي في الجامع الصغير، وعزاه إلى البزار، والضياء المقدسي في المختارة، وعزاه الألباني إلى أبي بكر الشافعي في الرباعيات، وذكر له شاهداً عند الحاكم، 4/ 40، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم 3695، وانظر: الأحاديث الصحيحة، رقم428. (¬2) الكوبة: الطبل كما في رواية أبي داود، برقم 3696. (¬3) أحمد بلفظه، 1/ 350، و274، 278، 289، وأبو داود، كتاب الأشربة، باب في الأوعية، برقم3696، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 705، وفي الأحاديث الصحيحة 1806.

5 - حلق اللحى يكثر عند أمة من البشر يوم العيد

مسخطة للرب)). وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: ((الغناء رائد الفجور)). وقال الوليد بن عبد الملك رحمه الله: ((الغناء داعية الزنا)) (¬1). 5 - حلق اللحى يكثر عند أمة من البشر يوم العيد، وهو محرم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خالفوا المشركين وفِّروا اللحى وأحفّوا الشوارب)). وفي لفظ: ((أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((جزُّوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس)) (¬3). وفي حديث زيد بن أرقم: ((من لم يأخذ من شاربه فليس منا)) (¬4). فلا يجوز لمسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً ¬

_ (¬1) انظر هذه الأقوال: إغاثة اللهفان لابن القيم، 1/ 347 - 399. (¬2) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، البخاري برقم 5892، ورقم 5893، ومسلم، برقم 259، وتقدم تخريجه في الطهارة: سنن الفطرة. (¬3) مسلم، برقم 260، وتقدم تخريجه في الطهارة، سنن الفطرة. (¬4) الترمذي، برقم 2761، والنسائي، برقم 13، وصححه الألباني، وتقدم تخريجه في الطهارة، سنن الفطرة.

6 - مصافحة النساء من غير المحارم محرمة في كل وقت

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقاً بعد سماعه لهذه الأحاديث أن يأخذ من لحيته شيئاً، والله المستعان. 6 - مصافحة النساء من غير المحارم محرمة في كل وقت، وقد وقع بعض ضعفاء الإيمان في هذا المُحرَّم، وخاصة أيام الأعياد والأفراح، ومما يؤكد تحريم مصافحة النساء الأجنبيات حديث معقل بن يسار - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لَأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحلُّ له)) (¬1). وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها كيفية بيعة النبي - صلى الله عليه وسلم - للنساء، ثم قالت: ((وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((انطلقن فقد بايعتكن)) ولا والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام)) (¬2). ¬

_ (¬1) الطبراني في الكبير،20/ 211 - 212،برقم 486، 487،وقال المنذري في الترغيب والترهيب،2/ 657: ((رواه الطبراني والبيهقي، ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح))، حسنه الألباني في غاية المرام، برقم 196،والأحاديث الصحيحة، برقم 226. (¬2) مسلم، كتاب الإمارة، باب كيف بيعة النساء، برقم 1866.

7 - التشبه بالكفار والمشركين

7 - التشبه بالكفار والمشركين، في الملابس وغيرها، سواء كان التشبه من الرجال أو النساء، فلا يجوز لمسلم أن يتشبه بأعداء الله ورسوله؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذلّ والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)) (¬1). 8 - تشبه الرجال بالنساء في الملابس أو الحركات، أو الزينة أو مما هو من خصائص النساء، وتشبه النساء بالرجال كذلك، وهذا يحصل في الأعياد وفي غيرها، وهو محرم لا يجوز؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)) وفي لفظ: ((لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المخنثين (¬2) ¬

_ (¬1) أحمد، 2/ 50، 92، وابن أبي شيبة في المصنف، 5/ 313، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 5/ 109. (¬2) المخنثين: المتشبهين بالنساء، والمترجلات: المتشبهات بالرجال، انظر فتح الباري لابن حجر، 1/ 332.

9 - الخلوة بالنساء أيام الأعياد

من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم)) فأخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلاناً، وأخرج عمر فلاناً)) (¬1). 9 - الخلوة بالنساء أيام الأعياد، أو الأفراح أو غير ذلك محرمة، ومن خلا بامرأة فالشيطان ثالثهما؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إياكم والدخول على النساء)) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحموَ؟ قال: ((الحموُ الموت)) (¬2) (¬3). ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)) (¬4). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان)) (¬5). قال الترمذي رحمه الله: ((وإنما معنى كراهية الدخول على النساء: على نحو ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) البخاري، كتاب اللباس، باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال، وباب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت، برقم 5885، ورقم 5886. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، والدخول على المغيبة، برقم5232،ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية، برقم 2172. (¬3) الحمو: قريب الزوج، والمعنى: فليمت ولا يفعلن ذلك. الترغيب والترهيب للمنذري، 2/ 657. (¬4) البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة، برقم 5233. (¬5) مسلم، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية، برقم 2173.

10 - تبرج النساء وخروجهن من البيوت إلى الأسواق

قال: ((لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)). ومعنى قوله: ((الحمو)) يقال: هو أخو الزوج، كأنه كره له أن يخلو بها)) (¬1). 10 - تبرج النساء وخروجهن من البيوت إلى الأسواق، يكثر أيام العيد خروج النساء متبرجات إلا من عصم الله - عز وجل -، وهذا حرام؛ لقول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات (¬3) مميلات (¬4) مائلات، ¬

_ (¬1) الترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات، برقم1171 من كلام الترمذي. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 33. (¬3) كاسيات عاريات: قيل: كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها، وقيل: تستر بعض بدنها وتكشف بعضه، وقيل: تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها. شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 356. ويدخل في ذلك والله أعلم: من تلبس ثوباً ضيقاً يبين صورة عورتها. (¬4) مميلات مائلات: قيل: مائلات عن طاعة الله مميلات: يعلمن غيرهن فعلهن المذموم، وقيل: مائلات: يتثنين متبخترات مميلات لأكتافهن، وقيل: مائلات: يمشطن المشطة المائلة مشطة البغايا، مميلات بمشطهن غيرهن تلك المشطة. شرح النووي،14/ 357.

11 - التبذير والإسراف

رؤوسهن كأسنمة البخت (¬1) المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا)). وفي لفظ: ((وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) (¬2). 11 - التبذير والإسراف، يقول الله - عز وجل -: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (¬3). وقال الله تعالى: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (¬4). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلوا واشربوا والبسوا، وتصدقوا، في غير إسراف ولا مخلية)) (¬5).وعن ابن ¬

_ (¬1) رؤوسهن كأسنمة البخت: يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها. شرح النووي، 14/ 357. (¬2) مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات، برقم 2128، وكتاب الجنة والنار، باب النار يدخلها الجبارون، برقم 2128. (¬3) سورة الأنعام، الآية: 141. (¬4) سورة الإسراء، الآيتان: 26 - 27. (¬5) البخاري، معلقاً، مجزوماً به، كتاب اللباس، باب قول الله تعالى: {قُل مَن حرَّمَ زينةَ الله التي أخرجَ لعبادِهِ}، قبل الحديث رقم 5784.

12 - عدم العناية بالفقراء والمساكين

مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم)) (¬1). وعن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه)) (¬2). 12 - عدم العناية بالفقراء والمساكين، وكثيراً ما يُظهر أبناء الأغنياء السرور والفرح، ويأكلون المأكولات المتنوعة، يفعلون ذلك أمام الفقراء وأبنائهم، دون رحمة أو شفقة، ولا تعاون، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن ¬

_ (¬1) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب في القيامة، برقم 2416، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 572، والأحاديث الصحيحة، برقم 946. (¬2) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب في القيامة، برقم 2417، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 572.

13 - عدم صلة الأرحام بما يحتاجونه

أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (¬1). 13 - عدم صلة الأرحام بما يحتاجونه من مساعدات، أو زيارات، أو إحسان، أو إدخال سرور، أو غير ذلك من أنواع الإحسان؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقول: ((من سره أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه)). وفي لفظ: ((من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه)) (¬2)؛ ولحديث جبير بن مطعم أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يدخل الجنة قاطع)) (¬3)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، برقم 13، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، برقم 45. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب أن يبسط له في الرزق، برقم 2067،وكتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق، لصلة الرحم، برقم 5985، ورقم 5986،ومسلم، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، برقم 2557. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الأدب، باب إثم القاطع، برقم 5984، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم، برقم 2556.

الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة؟ قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك)). قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فاقرأوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا})) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: ((لئن كنت كما قلت فكأنما تسفّهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)) (¬2). والله - سبحانه وتعالى - ولي التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأدب، باب من وصل وصله الله، برقم 5987، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم، برقم 2554، والآيات من سورة محمد 22 - 24. (¬2) مسلم، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، برقم 2558.

إلى يوم الدين.

§1/1