صلاة التوبة والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلامي

عبد الله بن عبد العزيز الجبرين

مقدمة

مُقَدّمَة ... صَلَاة التَّوْبَة وَالْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بهَا فِي الْفِقْه الإسلامي تأليف الدكتور عبد الله بن عبد الْعَزِيز الجبرين الْأُسْتَاذ المشارك بكلية المعلمين بالرياض

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تمهيد إِن الْحَمد لله نحمده، ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونستهديه، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا اله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 3. أما بعد: فإنّ من رَحْمَة الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْأمة أَن فتح لَهَا بَاب التَّوْبَة، فَلَا تَنْقَطِع حَتَّى تبلغ الرّوح الْحُلْقُوم أَو ينزل الْعَذَاب أَو تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا4، وَلم يُوجب عَلَيْهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لقبُول هَذِه التَّوْبَة مَا أوجبه على بعض من سبقها من الْأُمَم، فقد كَانَ من الآصار الَّتِي حملت على من قبلنَا اشْتِرَاط قتل النَّفس فِي

_ 1 سُورَة آل عمرَان: 102. 2سُورَة النِّسَاء: 1. 3 سُورَة الْأَحْزَاب: (70، 71) . 4 سَيَأْتِي الْكَلَام على هَذِه الْمسَائِل بِشَيْء من التَّفْصِيل فِي المبحث الثَّانِي، وَسَيَأْتِي الْكَلَام على شُرُوط التَّوْبَة الْعَامَّة فِي المبحث الثَّالِث.

قبُول التَّوْبَة قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 1. وَمن رَحمته تَعَالَى بِهَذِهِ الْأمة كَذَلِك أَن شرع لَهُم عبَادَة من أفضل الْعِبَادَات، يتوسل بهَا العَبْد المذنب إِلَى ربه 2، رَجَاء قبُول تَوْبَته، وَهِي "صَلَاة التَّوْبَة "3 4. ونظراً إِلَى أَن هَذِه الْعِبَادَة الْعَظِيمَة وَالسّنة الثَّابِتَة قد هجرها أَكثر الْمُسلمين، حَتَّى كَادَت تندثر بَينهم، وَرُبمَا استعاضوا عَنْهَا بِأُمُور لم ترد فِي الشَّرْع، ونظراً إِلَى أَن مسَائِل هَذِه الْمَوْضُوع لم تنتظم فِي رِسَالَة مُسْتَقلَّة، أَحْبَبْت أَن أجمع هَذِه الْمسَائِل فِي بحث مُسْتَقل. وَقد اشْتَمَل هَذَا الْبَحْث على أَرْبَعَة مبَاحث، وخاتمة: المبحث الأول: مَشْرُوعِيَّة صَلَاة التَّوْبَة وسببها: وَفِيه مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَة الأولى: مشروعيتها. الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: سَببهَا. المبحث الثَّانِي: وَقت صَلَاة التَّوْبَة. المبحث الثَّالِث: مَحل صَلَاة التَّوْبَة. المبحث الرَّابِع: صفة صَلَاة التَّوْبَة. أما الخاتمة فتشتمل على خُلَاصَة مَا انْتهى إِلَيْهِ هَذَا الْبَحْث. وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ.

_ 1 سُورَة الْبَقَرَة: 54. وَينظر تَفْسِير ابْن كثير 1/130-132، وأضواء الْبَيَان 1/327. 2 ينظر شرح الطَّيِّبِيّ لمشكاة المصابيح 3/180. 3 قَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن قَاسم فِي الإحكام 1/321 عِنْد شَرحه لحَدِيث أبي بكر الصّديق فِي صَلَاة التَّوْبَة، قَالَ: "وَفِيه اسْتِيفَاء وُجُوه الطَّاعَة فِي التَّوْبَة، لِأَنَّهُ نَدم، فَتطهر، ثمَّ صلى، تمّ اسْتغْفر، وَإِذا أَتَى بذلك على أكمل الْوُجُوه غفر الله لَهُ بوعده الصَّادِق". وَسَيَأْتِي تَخْرِيج حَدِيث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَرِيبا.

المبحث الأول: مشروعية صلاة التوبة وسببها

المبحث الأول: مَشْرُوعِيَّة صَلَاة التَّوْبَة وسببها الْمَسْأَلَة الأولى: مَشْرُوعِيَّة صَلَاة التَّوْبَة ... المبحث الأول مَشْرُوعِيَّة صَلَاة التَّوْبَة وسببها وَفِيه مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَة الأولى: مَشْرُوعِيَّة صَلَاة التَّوْبَة: أجمع أهل الْعلم على مَشْرُوعِيَّة صَلَاة التَّوْبَة1، لما ثَبت عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ ابْن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ- قَالَ: "كنت إِذا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا نَفَعَنِي الله مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَن يَنْفَعنِي، وَإِذا حَدثنِي أحد من الصَّحَابَة اسْتَحْلَفته فَإِذا حلف لي صدقته، قَالَ: وحَدثني أَبُو بكر وَصدق أَبُو بكر- رَضِي الله عَنهُ- أَنه قَالَ: "سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " مَا من عبد يُذنب ذَنبا فيُحسِنُ الطّهُور ثمَّ يقوم فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يسْتَغْفر الله إِلَّا غفر الله لَهُ " ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة

_ 1 لم أَقف على من حكى إِجْمَاع الْعلمَاء على هَذِه الْمَسْأَلَة، لَكِن بعد الْبَحْث ومراجعة كتب أهل الْعلم لم أَقف على من قَالَ بِعَدَمِ مشروعيتها وَهَذِه بعض المصادر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة: 1- عارضة الأحوذي (2/196، 197) . 2- الْمُغنِي (2/553) . 3- مَجْمُوع فتاوىَ ابْن تَيْمِية (23/215) . 4- التَّرْغِيب والترهيب (1/214) . 5- الْفُرُوع (1/567) . 6- الْمُبْدع (2/25، 26) . 7- إحْيَاء عُلُوم الدّين (5/49) . 8- نِهَايَة الْمُحْتَاج (2/142) . 9- فتح الْبَارِي (11/98) . 10- تَفْسِير ابْن كثير (2/104، 105) . 11- مُغنِي الْمُحْتَاج (1/225) . 12- كشاف القناع (1/443) . 13- مُخْتَصر منهاج القاصدين (ص 327) . 14- شرح الطَّيِّبِيّ لمشكاة المصابيح (3/180) . 15- تحفة الْمُحْتَاج (2/26) . 16- دَلَائِل الْأَحْكَام (2/360) . 17- الرَّوْض الندي (ص 95) . 18- غَايَة الْمُنْتَهى (1/171) . 19- الإحكام شرح أصُول الْأَحْكَام (1/321) . 20- الْإِقْنَاع للشربيني (1/101) . 21- مرقاة المفاتيح (2/187) . 22- رد الْمُحْتَار على الدّرّ الْمُخْتَار (1/462) . 23- شرح السندي لسنن ابْن مَاجَه (1/424) . 24- بُلُوغ الْأَمَانِي (19/239،240) . 25 - حَاشِيَة قليوبي (1/6 21) . 26- شرح مُنْتَهى الإرادات (1/236) . 27- بذل المجهود (7/378) . 28- عون المعبود (5/573، 574) . 29- حَاشِيَة الرَّوْض المربع للشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن قَاسم (2/231) . 30- حَاشِيَة الشرواني (2/238) . 31- الدُّرَر السّنيَّة فِي الْأَجْوِبَة النجدية 4/242. وَينظر أيضاًَ كتب السّنة وَغَيرهَا الَّتِي رُوِيَ فِيهَا حَدِيث أبي بكر- رَضِي الله عه- فِي صَلَاة التَّوْبَة، وَسَيَأْتِي تَخْرِيج هَذَا الحَدِيث قَرِيبا.

{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} (آل عمرَان: من الْآيَة135) إِلَى آخر الْآيَة1. وَلِهَذَا الحَدِيث شَوَاهِد مِنْهَا: 1- مَا رَوَاهُ يُوسُف بن عبد الله بن سَلام- رَضِي الله عَنْهُمَا- قَالَ: "أتيت أَبَا الدَّرْدَاء- رَضِي الله عَنهُ- فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: يَا ابْن أخي، مَا عناك إِلَى هَذَا الْبَلَد، وَمَا أعملك إِلَيْهِ؟ قلت: مَا عناني وَمَا أعملني إِلَّا مَا كَانَ بَيْنك وَبَين أبي. فَقَالَ: أقعدوني. فَأخذت بِيَدِهِ فأقعدته، وَقَعَدت خلف ظَهره، وتساند إليّ، ثمَّ قَالَ: بئس سَاعَة الْكَذِب هَذِه. ثمَّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم يَقُول: "من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء، ثمَّ قَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ، أَو أَرْبعا يحسن فِيهَا

_ 1 رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده 1/153، 154، 174، 175، 178، رقم (2، 48، 56) وفِي فَضَائِل الصَّحَابَة 9/159، 413، رقم (142, 642) ، وَابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه فِي الصَّلَاة فِيمَا يكفر بِهِ الذُّنُوب 2 /387، 388، والْحميدِي فِي مُسْنده 1/2،4 رقم (1، 4) ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده ص (2، 3) ، وَأَبُو دَاوُد السجسْتانِي فِي سنَنه فِي كتاب الصَّلَاة بَاب فِي الاسْتِغْفَار 2/86، رقم (1521) ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي سنَنه فِي الصَّلَاة بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاة عِنْد التَّوْبَة 7/257، رقم (406) ، وَفِي تَفْسِير الْقُرْآن 5/228، رقم (3006) ، وَالنَّسَائِيّ فِي تَفْسِيره 1/330، رقم (98) ، وَفِي سنَنه الْكُبْرَى، وَفِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة (كَمَا فِي تحفة الْأَشْرَاف 5/300، حَدِيث6610) ، وَابْن مَاجَه فِي إِقَامَة الصَّلَاة وَالسّنة فِيهَا بَاب مَا جَاءَ فِي أَن الصَّلَاة كَفَّارَة 1/446، حَدِيث (1295) ، والمروزي فِي مُسْند أبي بكر ص (42 - 44) ، رقم (9 - 11) ، وَابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره 2/553، حَدِيث (1455) ، والطبري فِي تَفْسِيره 7/220، 222، حَدِيث (7853 - 855) ، وَأَبُو يعلي فِي مُسْنده 1/11، 23، 24، رقم (1، 12، 13) ، وَالْبَزَّار فِي مُسْنده 1/61- 64، رقم (9- 11) ، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه (موارد الظمآن كتاب التَّوْبَة بَاب فِيمَن أذْنب ثمَّ صلى واستغفر ص 608، رقم 2454) ، (والإِحسان بَاب التَّوْبَة: ذكر مغْفرَة الله جلّ وَعلا للتائب المستغفر لذنبه إِذا عَقِب استغفاره صَلَاة 2/10، رقم 622) ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي كتاب الدُّعَاء بَاب فضل الاسْتِغْفَار فِي أدبار الصَّلَوَات 3/1623 –1626، رقم (1841 – 1844) ، وَابْن السّني فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة بَاب مَا يَقُول إِذا أذْنب ذَنبا ص 109، رقم (361) ، وَابْن عدي فِي الْكَامِل 1/420، 421، والعقيلي فِي الضُّعَفَاء 1/106، وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّعْوَات الْكَبِير رقم 149، وَالْبَغوِيّ فِي تَفْسِيره 1/353، وَفِي شرح السّنة بَاب الصَّلَاة عِنْد التَّوْبَة (4/151، 152) ، رقم (1105) ، وَأَبُو نعيم فِي أَخْبَار أَصْبَهَان 1/142

من طرق عَن عُثْمَان ابْن الْمُغيرَة الثَّقَفِيّ عَن عَليّ بن ربيعَة الْوَالِي عَن أَسمَاء ابْن الحكم الْفَزارِيّ عَن عَليّ- رَضِي الله عَنهُ - فَذكره. وَإِسْنَاده حسن، رِجَاله ثِقَات رجال البُخَارِيّ، عدا أَسمَاء ابْن الحكم فقد وَثَّقَهُ الْعجلِيّ فِي تَارِيخ الثِّقَات ص 63، وَابْن حبَان فِي ثقاته 4/59 وَقَالَ: "يُخطئ"، وَقَالَ الْحَافِظ فِي التَّقْرِيب: "صَدُوق"، وَقد أَطَالَ الْحَافِظ الْكَلَام حول هَذَا الحَدِيث فِي تَهْذِيب التَّهْذِيب1/267 فِي تَرْجَمَة أَسمَاء هَذَا، وَقَالَ: "وَهَذَا الحَدِيث جيد الْإِسْنَاد". وَحسنه فِي الْفَتْح 11/98، وَقَالَ ابْن عدي فِي تَرْجَمَة أَسمَاء أَيْضا بعده رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث: "وَهَذَا الحَدِيث طَرِيقه حسن وَأَرْجُو أَن يكون صَحِيحا" وينظر التَّارِيخ الْكَبِير للْبُخَارِيّ 2/554. والعلل للدارقطني 1/176 – 180، وتهذيب الْكَمَال لوحة (93) . وَقد صحّح هدا الحَدِيث غير من ذكر النَّسَائِيّ كَمَا فِي فتح الْقَدِير للشوكانيِ 1/382، والحافظ ابْن كثير فِي تَفْسِيره 1/104، وَابْن مُفْلِح فِي الْفُرُوع 1/567، وَأحمد شَاكر فِي عُمْدَة التَّفْسِير 1/42، والشيح مُحَمَّد نَاصِر الدّين فِي تَعْلِيقه على مشكاة المصابيح 1/416، وَشُعَيْب الأرنؤوط فِي تَعْلِيقه على مُسْند أبي بكر، وحسين سليم أَسد فِي تَعْلِيقه على مُسْند أبي يعلي، والدكتور مُحَمَّد سعيد البُخَارِيّ فِي تَعْلِيقه على كتاب الدُّعَاء للطبراني، والدكتور حكمت ياسين فِي تَعْلِيقه على تَفْسِير ابْن أبي حَاتِم. وَقد روى هَذَا الحَدِيث الطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء 3/1645، 1626، رقم (1844) وابْن عدي فِي الْكَامِل 1/421، والخطيب الْبَغْدَادِيّ فِي موضح أَوْهَام الْجمع والتفريق 2/434 من طَرِيق مُعَاوِيَة بن أبي الْعَبَّاس عَن عَليّ بن ربيعَة بِهِ، وَإِسْنَاده ضَعِيف جدا، مُعَاوِيَة بن أبي الْعَبَّاس مُتَّهم بِسَرِقَة الحَدِيث. ينظر الموضح 2/423 – 426. وَرَوَاهُ أَيْضا الْحميدِي فِي مُسْنده 1/4 ,5 رقم (5) ، والطبري فِي تَفْسِيره 7/222، رقم (7855) ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء 3/1626، رقم (1846) ، وَابْن عدي فِي الْكَامِل 3/1190 من طَرِيق عبد الله بن سعيد المَقْبُري عَن جده أبي سعيد عَن عَليّ بِهِ. وَإِسْنَاده ضَعِيف جدا، عبد الله بن سعيد المَقْبُري مَتْرُوك كَمَا فِي التَّقْرِيب. وَقد ذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل 1/176 –180 طرقاً أُخْرَى كَثِيرَة لهَذَا الحَدِيث، وَبَعضهَا عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء 3/1625، 1626، رقم (1843، 1845، 1847) ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ بعد ذكره لما فِيهِ من الِاخْتِلَاف وَمَا فِي بَعْضهَا من الضعْف الشَّديد، قَالَ: "وأحسنها إِسْنَادًا وأصحها مَا رَوَاهُ الثَّوْريّ ومسعر وَمن تابعها عَن عُثْمَان بن الْمُغيرَة". وَهِي الرِّوَايَة الأولى. وَذكر الْمزي فِي تحفة الْأَشْرَاف 5/300، وَفِي تَهْذِيب الْكَمَال لوحة (93) متابعات كَثِيرَة لرِوَايَة أَسمَاء بن الحكم، وَتعقبه الْحَافِظ فِي التَّهْذِيب 1/268 بقوله: "والمتابعات الَّتِي ذكرهَا لَا تشد هَذَا الحَدِيث شَيْئا، لِأَنَّهَا ضَعِيفَة جدا ".

الرُّكُوع وَالسُّجُود، ثمَّ يسْتَغْفر الله، إِلَّا غفر الله لَهُ " 1. 2- مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن الْحسن- رَحمَه الله - مُرْسلا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم: "مَا أذْنب عبد ذَنبا ثمَّ تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء، ثمَّ خرج إِلَى برَاز من الأَرْض فصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، واستغفر الله من ذَلِك الذَّنب إِلَّا غفر الله لَهُ " 2. 3- مَا رَوَاهُ عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه- رَضِي الله عَنهُ- قَالَ: أصبح رَسُول الله يَوْمًا فَدَعَا بِلَالًا، فَقَالَ: "يابلال بِمَ سبقتني إِلَى الْجنَّة؟ إِنِّي دخلت البارحة الْجنَّة فَسمِعت خشخشتك أَمَامِي" فَقَالَ بِلَال: "يَا رَسُول الله مَا أذنبت قطّ إِلَّا صليت رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أصابني حدث قطّ إِلَّا تَوَضَّأت عِنْدهَا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "بِهَذَا" 3.

_ 1 رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده 6/450 وَاللَّفْظ لَهُ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط (كَمَا فِي مجمع الْبَحْرين 1/419،420، حَيْثُ 546) ، وَفِي كتاب الدُّعَاء بَاب فضل الاسْتِغْفَار فِي أدبار الصَّلَوَات 3/2626، 1627، رقم (1848) من طرق عَن صدقه بن أبي سهل ثَنَا كثير أَبُو الْفضل الطوفاوي حَدثنِي يُوسُف ابْن عبد الله بن سَلام فَذكره. وَذكر الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَته أَن لَفْظَة " أَو أَرْبعا ً" شكّ من أحد الروَاة، وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ: "فصلى رَكْعَتَيْنِ أَو أَربع رَكْعَات مَكْتُوبَة أَو غير مَكْتُوبَة"، وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط- كَمَا فِي مجمع الْبَحْرين-: "لَا يرْوى عَن أبي الدَّرْدَاء إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، تفرد بِهِ صَدَقَة". وَقد اخْتلف فِي صدقه هَذَا، فَقيل: هُوَ صَدَقَة أَبُو سهل الْهنائِي، وَقيل: هُوَ صدقه بن أبي سهل، وَقد وثق ابْن معِين صدقه أَبَا سهل الْهنائِي، وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات، أما صَدَقَة بِهِ أبي سهل فَلم يوثقه سوى ابْن حبَان، وروى عَنهُ جمَاعَة من الثِّقَات، فالإسناد حسن إِن كَانَ صدقه هُوَ أَبَا سهل الْهنائِي، وَإِن كَانَ ابْن أبي لسهل فَهُوَ الشواهد. ينظر التَّارِيخ الْكَبِير 4/297، الْجرْح وَالتَّعْدِيل 4/434، الثِّقَات 4/468، الْإِكْمَال للحسيني ص 183، 184، تَعْجِيل الْمَنْفَعَة ص 185، 186،. 305، وَقد حسن هَذَا الْإِسْنَاد الشَّيْخ عبد القدوس نَذِير فِي تَعْلِيقه على مجمع الْبَحْرين، والدكتور مُحَمَّد سعيد البُخَارِيّ فِي تَعْلِيقه على كتاب الدُّعَاء. 2 ينظر التَّرْغِيب والترهيب لِلْمُنْذِرِيِّ 1/241، والدر المنثور 2/327، وَفتح الْقَدِير للشوكاني 1/382. 3 رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه فِي بَاب اسْتِحْبَاب الصَّلَاة عِنْد الذَّنب يحدثه الْمَرْء لتَكون تِلْكَ الصَّلَاة كَفَّارَة لما أحدث من الذَّنب 2/213، 214، حَدِيث (1209) عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي ثَنَا عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق أخبرنَا الْحُسَيْن بن وَاقد عَن عبد الله بن بُرَيْدَة بِهِ. وَرِجَاله ثِقَات، لَكِن فِي رِوَايَة عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه ضعف، وَقيل: لم يسمع مِنْهُ. ينظر تَهْذِيب التَّهْذِيب 5/158. ومَعَ ذَلِك فقد صحّح هَذِه الرِّوَايَة الدكتور مُحَمَّد مصطفى الأعظمي فِي تَعْلِيقه على صَحِيح ابْن خُزَيْمَة. وَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد نَاصِر الدّين فِي تَعْلِيقه على هَذَا الحَدِيث فِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة عِنْد قَوْله: "مَا أذنبت" قَالَ: " كَذَا وَقع للْمُصَنف- رَحمَه الله - وَترْجم لَهُ بِمَا سبق، وَوَقع فِي الْمسند وَغَيره: "أَذِنت". من التأذين، وَهُوَ الصَّوَاب ". وَالرِّوَايَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا هِيَ فِي الْمسند 5/460، وَسنَن التِّرْمِذِيّ 5/620، والمستدرك 3/385 من طَرِيق الْحُسَيْن بن وَاقد بِهِ كَمَا فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة غير هَذِه اللَّفْظَة الَّتِي هِيَ مَوضِع الشَّاهِد من الحَدِيث.

وَقَالَ الْحَافِظ ابْن كثير- رَحمَه الله تَعَالَى-: " ويتأكد الْوضُوء وَصَلَاة رَكْعَتَيْنِ عِنْد التَّوْبَة، لما رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل ... " ثمَّ ذكر حَدِيث أبي بكر السَّابِق، ثمَّ قَالَ: "وَقد ذكرنَا طرقه وَالْكَلَام عَلَيْهِ مستقصى فِي مُسْند أبي بكر الصّديق، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ حَدِيث حسن، وَهُوَ من رِوَايَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب عَن خَليفَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبي بكر الصّديق- رَضِي الله عَنْهُمَا-، وَمِمَّا يشْهد لصِحَّة هَذَا الحَدِيث مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه1 عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب- رَضِي الله عَنهُ- عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "مَا مِنْكُم من أحد يتَوَضَّأ فَيبلغ- أَو فيسبغ- الْوضُوء، ثمَّ يَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أنّ مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية، يدْخل من أَيهَا شَاءَ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ 2 عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان- رَضِي الله عَنهُ- أَنه تَوَضَّأ لَهُم وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: " من تَوَضَّأ نَحْو وضوئي هَذَا ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ لَا يحدث فيهمَا نَفسه غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه ". فقد ثَبت هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين عَن سيد الْأَوَّلين والآخرين وَرَسُول رب الْعَالمين كَمَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب الْمُبين من أَن الاسْتِغْفَار من الذَّنب ينفع العاصيين ". انْتهى كَلَام الْحَافِظ ابْن كثير رَحمَه الله تَعَالَى 3.

_ 1 صَحِيح مُسلم كتاب الطَّهَارَة بَاب الذّكر الْمُسْتَحبّ عقب الْوضُوء 1/209، 210، حَدِيث (234) . 2 صَحِيح البُخَارِيّ كتاب الْوَضع بَاب الْمَضْمَضَة فِي الْوضُوء (فتح الْبَارِي 1/266، حَدِيث 164، وصحيح مُسلم كتاب الطَّهَارَة بَاب صفة الْوضُوء وكماله 1/204، 205، حَدِيث (226) . 3 ينظر تَفْسِيره 2 /104، 105.

المسألة الثانية: سبب صلاة التوبة

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: سَبَب صَلَاة التَّوْبَة: سَبَب صَلَاة التَّوْبَة هُوَ وُقُوع المسلمِ فِي مَعْصِيّة سَوَاء كَانَت كَبِيرَة أَو صَغِيرَة 1، فَيجب عَلَيْهِ أَن يَتُوب مِنْهَا فَوْرًا 2، وَينْدب لَهُ أَن يُصَلِّي هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ، فَيعْمل عِنْد تَوْبَته عملا صَالحا من أجل القربات وأفضلها، وَهُوَ هَذِه الصَّلَاة، فيتوسل بهَا إِلَى الله تَعَالَى رَجَاء أَن تقبل تَوْبَته، وَأَن يغْفر ذَنبه3. قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ عِنْد كَلَامه على حَدِيث أبي بكر فِي صَلَاة التَّوْبَة، قَالَ:"وَفِيه اسْتِيفَاء وُجُوه الطَّاعَة فِي التَّوْبَة، لِأَنَّهُ نَدم فطهر بَاطِنه، ثمَّ تَوَضَّأ، ثمَّ صلى، ثمَّ اسْتغْفر"4. وَقَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن قَاسم رَحمَه الله عِنْد شَرحه لحَدِيث أبي بكر أَيْضا، قَالَ:"وَفِيه اسْتِيفَاء، وُجُوه الطَّاعَة فِي التَّوْبَة، لِأَنَّهُ نَدم، فَتطهر، ثمَّ صلى، ثمَّ اسْتغْفر، وَإِذا أَتَى بذلك على أكمل الْوُجُوه غفر الله لَهُ بوعده الصَّادِق"5.

_ 1 نِهَايَة الْمُحْتَاج 2/122، حَاشِيَة قليوبي 1/216، حَاشِيَة الشرواني 2/238، بذل المجهود 7/378، مرقاة المفاتيح 2/187. 2 مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِية 23/215، مدارج السالكين 1/297، شرح صَحِيح مُسلم 17/59. 3 شرح الطَّيِّبِيّ على الْمشكاة 3/180. 4 عارضة الأحوذي 2/197. 5 الإحكام شرح أصُول الْأَحْكَام 1/221.

المبحث الثاني: وقت صلاة التوبة

المبحث الثَّانِي وَقت صَلَاة التَّوْبَة يسْتَحبّ أَدَاء هَذِه الصَّلَاة عِنْد عزم الْمُسلم على التَّوْبَة من الذَّنب الَّذِي اقترفه، سَوَاء كَانَت هَذِه التَّوْبَة بعد فعله للمعصية مُبَاشرَة، أَو مُتَأَخِّرَة عَنهُ، فَالْوَاجِب على المذنب الْمُبَادرَة إِلَى التَّوْبَة - كَمَا سبق بَيَانه قَرِيبا- لَكِن إِن سوّف وأخّرها قبلت، لِأَن التَّوْبَة تقبل مَا لم يحدث أحد الْمَوَانِع الْآتِيَة: 1- إِذا وَقع الإِياس من الْحَيَاة، وَحضر الْمَوْت، وَبَلغت الرّوح الْحُلْقُوم. قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} 1. وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله يقبل تَوْبَة العَبْد مَا لم يُغَرْغر" 2.

_ 1 سُورَة النِّسَاء. (18) . 2 رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده (9/17، 18، حَدِيث 6160 , و9/161 ط حَدِيث 6408 تَحْقِيق شَاكر) ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات بَاب فِي فضل التَّوْبَة والاسْتِغْفَار 5/546، حَدِيث (3537) ، وَابْن مَاجَه فِي الزّهْد بَاب ذكر التَّوْبَة 2/1420، حَدِيث (4253) ، وَابْن حبَان (موارد الظمآن ص 607، حَدِيث 2449) ، وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي كتاب التَّوْبَة والإنابة 4/257، وَصَححهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ، وَأَبُو يعلي فِي مُسْنده 9/462، حَدِيث (5609) ، وَالْبَغوِيّ فِي شرح السّنة فِي بَاب التَّوْبَة 5/90، 91، حَدِيث (1306) من طرق عَن ابْن ثَوْبَان عَن أَبِيه عَن مَكْحُول عَن جُبَير بن نفير عَن ابْن عمر بِهِ. وَرِجَاله ثِقَات، عدا ابْن ثَوْبَان - واسْمه عبد الرَّحْمَن - فَهُوَ صَدُوق يُخطئ، وَتغَير بِأخرَة كَمَا فِي التَّقْرِيب. وَوَقع فِي سنَن ابْن مَاجَه " عبد الله بن عَمْرو" وَهُوَ وهم كَمَا قَالَ ابْن كثير فِي تَفْسِيره 2/206. وَقد صحّح هَذِه الرِّوَايَة أَو حسنها أَحْمد شَاكر فِي تَعْلِيقه على الْمسند، وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين فِي صَحِيح الْجَامِع 1/386، وَشُعَيْب الأرنؤوط فِي تَعْلِيقه على شرح السّنة، وحسين أَسد فِي تَعْلِيقه على مُسْند أبي يعلى. وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد 3/425، و5/362 (طبع الْمكتب الإسلامي) وَسَعِيد بن مَنْصُور فِي سنَنه 3/1201، 1202، حَدِيث (597) . وَالْحَاكِم فِي الْموضع السَّابِق من طرق عَن زيد بن أسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَإِسْنَاده ضَعِيف، ابْن الْبَيْلَمَانِي ضعفه غير وَاحِد، وَلم يوثقه سوى ابْن حبَان فِي الثِّقَات. ينظر الثِّقَات 5/91، تَهْذِيب التَّهْذِيب 6/150. وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه - كَمَا فِي تَفْسِير ابْن كثير 2/207- من طَرِيق عُثْمَان عَن الْهَيْثَم حَدثنَا عَوْف عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ وَإِسْنَاده ضَعِيف، عُثْمَان بن الْهَيْثَم تغير بِأخرَة، فَكَانَ يَتَلَقَّن. ينظر الْجرْح وَالتَّعْدِيل 3/172. وَرَوَاهُ ابْن جرير فِي تَفْسِيره 8/96، رقم (8859) عَن الْحسن الْبَصْرِيّ مُرْسلا. وَقَالَ ابْن كثير فِي تَفْسِيره: 2 /207: "مُرْسل حسن ". وَرَوَاهُ ابْن جرير فِي الْموضع السَّابِق، رقم (8857) من طَرِيق الْعَلَاء بِهِ زِيَاد عَن بشير بن كَعْب مُرْسلا. وَرَوَاهُ أَيْضا ابْن جرير فِي الْموضع السَّابِق، رقم (8858) من طَرِيق قَتَادَة عَن عبَادَة بن الصَّامِت. وَإِسْنَاده مُنْقَطع، قَتَادَة لم يدْرك عبَادَة بن الصَّامِت. وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده (تَحْقِيق شَاكر 11/133، 134، حَدِيث 6920) ، وَالطَّيَالِسِي فِي مُسْنده ص 301، حَدِيث (2284) ، وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير 1/427، والطبري فِي تَفْسِيره 8/99، 100، حَدِيث (8863) من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن مَيْمُون قَالَ: سَمِعت رجلا من بني الْحَارِث قَالَ: سَمِعت رجلا منا يُقَال لَهُ أَيُّوب قَالَ: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو فَذكره. وَإِسْنَاده ضَعِيف. لَا يهام شيخ إِبْرَاهِيم بن مَيْمُون. وَقد سقط بعض السَّنَد من مُسْند الطَّيَالِسِيّ المطبوع. وَقد أوردهُ ابْن كثير فِي تَفْسِيره 2/206 نقلا عَن الطَّيَالِسِيّ، فَذكر السَّنَد كَامِلا، غير أَنه قَالَ: "عبد الله بن عمر" بدل "عبد الله بن عَمْرو". وَفِي الْجُمْلَة فَإِن هَذَا الحَدِيث صَحِيح بِمَجْمُوع هَذِه الطّرق، الطَّرِيق الأولى ضعفها لَيْسَ قَوِيا، فتتقوى بالطرق الْأُخْرَى.

2- إِذا نزل الْعَذَاب، قَالَ الله تَعَالَى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} 1.

_ 1- سُورَة غَافِر (85) . وَلِهَذَا لم تقبل تَوْبَة فِرْعَوْن لما أدْركهُ الْغَرق، حِين قَالَ: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قَالَ الله تَعَالَى: {الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} سُورَة يُونُس (90، 91) ، وَينظر تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ 15/336.

3- إِذا طلعت الشَّمْس من مغْرِبهَا، قَالَ الله تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} 1. وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "من تَابَ من قبل أَن تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا تَابَ الله عَلَيْهِ " رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة 2. وَهَذِه صَلَاة تشرع فِي جَمِيع الْأَوْقَات بِمَا فِي ذَلِك أَوْقَات النَّهْي، لِأَنَّهَا من ذَوَات الْأَسْبَاب الَّتِي تشرع عِنْد وجود سَببهَا 3. قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية: "ذَوَات الْأَسْبَاب كلهَا تفوت إِذا أخرت عَن وَقت النَّهْي، مثل سُجُود التِّلَاوَة، وتحية الْمَسْجِد، وَصَلَاة الْكُسُوف، وَمثل الصَّلَاة عقب الطَّهَارَة، كَمَا فِي حَدِيث بِلَال، وَكَذَلِكَ صَلَاة الاستخارة، إِذا كَانَ الَّذِي يستخير لَهُ يفوت إِذا أخرت الصَّلَاة، وَكَذَلِكَ صَلَاة التَّوْبَة، فَإِذا أذْنب فالتوبة وَاجِبَة على الْفَوْر، وَهُوَ مَنْدُوب إِلَى أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ يَتُوب، كَمَا فِي حَدِيث أبي بكر الصّديق"4.

_ 1 سُورَة الْأَنْعَام: (158) . وروى البُخَارِيّ فِي كتاب الرقَاق (فتح الْبَارِي 11/352) ، حَدِيث (5606) ، وَمُسلم فِي الإِيمان بَاب بَيَان الزَّمن الَّذِي لَا يقبل فِيهِ الْإِيمَان 1/137، حَدِيث (157) عَن أبي هُرَيْرَة- رَضِي الله عَنهُ- قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا، فَإِذا طلعت من مغْرِبهَا آمن النَّاس كلهم أَجْمَعُونَ، فَيَوْمئِذٍ لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل، أَو كسبت فِي إيمَانهَا خيرا ". 2 صَحِيح مُسلم كتاب الذّكر وَالدُّعَاء وَالتَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار بَاب اسْتِحْبَاب الاسْتِغْفَار والاستكثار مِنْهُ 4/2076، حَدِيث 2073. 3 وَقد ذكرت أَقْوَال أهل الْعلم فِي حكم أَدَاء الصَّلَاة ذَات السَّبَب فِي وَقت النَّهْي فِي بحث مُسْتَقل بعنوان "حكم أَدَاء الصَّلَوَات فَوَات الْأَسْبَاب فِي أَوْقَات النَّهْي" وَقد ظهر لي بعد استعراض أَدِلَّة الْأَقْوَال فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَا ورد على بَعْضهَا من مناقشة أَن الصَّحِيح جَوَاز أَدَاء الصَّلَاة ذَات السَّبَب فِي وَقت النَّهْي إِذا وجد سَببهَا فِيهِ. 4 مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِية 23/215.

المبحث الثالث: محل صلاة التوبة

المبحث الثَّالِث مَحل صَلَاة التَّوْبَة اخْتلف أهل الْعلم فِي صَلَاة التَّوْبَة هَل تُؤَدّى قبل التَّوْبَة أَو بعْدهَا، على ثَلَاثَة أَقْوَال: القَوْل الأول: أَن الْمَشْرُوع أَن يُصَلِّي قبل التَّوْبَة، لَا بعْدهَا، لحَدِيث أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ- 1. القَوْل الثَّانِي: أَنَّهَا تصلى بعد التَّوْبَة 2. القَوْل الثَّالِث: أَنَّهَا تصلى قبل التَّوْبَة أَو بعْدهَا 3، فَإِن شَاءَ صلاهَا قبل التَّوْبَة وَإِن شَاءَ صلاهَا بعْدهَا 4.

_ 1عارضة الأحوذي 2/197، كشاف القناع 1/443، الرَّوْض الندي ص 59، غَايَة الْمُنْتَهى 1/171، الإحكام شرح أصُول الْأَحْكَام 1/321. وَينظر كَلَام شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية الَّذِي سبق نَقله قَرِيبا. وَقد سبق تَخْرِيج حَدِيث أبي بكر ص (5،6) . 2 الْإِحْسَان بترتيب صَحِيح ابْن حبَان 2/10. 3 نِهَايَة الْمُحْتَاج 2/122، حَاشِيَة قليوبي 1/216، حَاشِيَة الشرواني 2/238. 4 ينظر هوامش الْإِقْنَاع للشربيني 1/101.

التَّرْجِيح: وَالرَّاجِح من هَذِه الْأَقْوَال هُوَ القَوْل الأول، لقُوَّة دَلِيله، وَلِأَن الْقَوْلَيْنِ الآخرين لَا يعضدهما دَلِيل من كتاب وَلَا سنة، فَحَدِيث أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ- صَرِيح فِي أَن هَذِه الصَّلَاة تُؤَدّى قبل التَّوْبَة، لَا بعْدهَا، حَيْثُ ذكرت فِيهِ الصَّلَاة ثمَّ عطف عَلَيْهَا الاسْتِغْفَار، الَّذِي هُوَ تَوْبَة1، أَو جُزْء من التَّوْبَة2 بِحرف "ثمَّ " الَّذِي يدل على التَّرْتِيب 3.

_ 1مدارج السالكين 1/334،335، وَقَالَ الملا عَليّ الْقَارِي فِي الرقاة 2/187 عِنْد شَرحه لحَدِيث أبي بكر "وَالْمرَاد بالاستغفار التَّوْبَة بالندامة والإقلاع والعزم على أَن لَا يعود إِلَيْهِ أبدا، وأَن يتدارك الْحُقُوق، إِن كَانَت هُنَاكَ" 2 ذكر الشَّوْكَانِيّ فِي فتح الْقَدِير 1/381 أَنه يمْتَنع لُغَة إِطْلَاق التَّوْبَة على الاسْتِغْفَار. وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية: " الاسْتِغْفَار هُوَ طلب الْمَغْفِرَة، وَهُوَ من جنس الدُّعَاء وَالسُّؤَال، وَهُوَ مقرون بِالتَّوْبَةِ فِي الْغَالِب، ومأمور بِهِ، لَكِن قد يَتُوب الْإِنْسَان وَلَا يَدْعُو، وَقد يَدْعُو وَلَا يَتُوب". ينظر كتاب " ذُو النورين" لشيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية ص 76 جمع وَتَعْلِيق مُحَمَّد مَال الله. فَيمكن أَن يُقَال: إِن التَّوْبَة تطلق على الاسْتِغْفَار وَمَا يَصْحَبهُ من النَّدَم على فعل الْمعْصِيَة والعزم على عدم الرُّجُوع إِلَى فعلهَا، لما روى الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده 6/264: ثَنَا مُحَمَّد بن يزِيد – يَعْنِي الوَاسِطِيّ – عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة – رَضِي الله عَنْهَا – قَالَت: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "يَا عَائِشَة إِن كنت أَلممْت بذنب فاستغفري الله، فَإِن التَّوْبَة من الذَّنب النَّدَم وَالِاسْتِغْفَار". وَإِسْنَاده صَحِيح، وَرِجَاله رجال الصَّحِيحَيْنِ، عدا مُحَمَّد بن يزِيد، وَهُوَ ثِقَة ثَبت كَمَا فِي التَّقْرِيب. وَصَححهُ الأرنؤوط فِي تَعْلِيقه على الْإِحْسَان 2/378. 3 قَالَ الملا عَليّ قاري فِي مرقاة المفاتيح 2/187 عِنْد شَرحه لحَدِيث أبي بكر: " ثمَّ" فِي الْمَوْضِعَيْنِ لمُجَرّد الْعَطف التعقيبي. أ. هـ. وَقَالَ ابْن مَالك فِي ألفيته: وَالْفَاء للتَّرْتِيب باتصال وَثمّ للتَّرْتِيب بانفصال تنظر الألفية مَعَ شرحها لِابْنِ النَّاظِم ص 205، وَشرح شذور الذَّهَب ص 576، وأوضح المسالك ص 318.

هَذَا كُله فِيمَا يتَعَلَّق بِالتَّوْبَةِ بِاللِّسَانِ، وَهِي المرادة هُنَا عِنْد الْإِطْلَاق، وَالَّتِي هِيَ مُنَاجَاة العَبْد ربه بإعلان النَّدَم على فعل الْمعْصِيَة، والعزم على عدم العودة إِلَيْهَا، وَطلب مغْفرَة الذَّنب الَّذِي ارْتَكَبهُ. أما النَّدَم بِالْقَلْبِ وَالَّذِي هُوَ فِي حد ذَاته تَوْبَة1، أَو ركنها الْأَعْظَم 2، لحَدِيث: "النَّدَم تَوْبَة" 3، فَإِنَّهُ يكون قبل

_ 1 مدارج السالكين 1/311، طرح التثريب 8/238. 2 فتح الْبَارِي 11/103، 104. 3 رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده 5/194، 195، رقم (3568) ، و6/46، رقم (4014، 4016) ، و6/83، رقم (4124) ، وَابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد ص 368، حَدِيث (1044) ، والْحميدِي فِي مُسْنده 1/58، 59، حَدِيث (105) ، وَابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه فِي كتاب الدِّيات: من قَالَ: الْقَاتِل تَوْبَة 9/361، 362، وَابْن مَاجَه فِي سنَنه فِي كتاب الزّهْد بَاب ذكر التَّوْبَة 2/1420، حَدِيث (4252) ، والشاشي فِي مُسْنده 1/309، رقم (269) ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير 1/33، وَأَبُو يعلي فِي مُسْند 85/380، حَدِيث (4969) ، وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي كتاب التَّوْبَة والإنابة 4/243 وَصَححهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ، والقضاعي فِي مُسْند الشهَاب 1/42، 43، رقم (13، 14) ، وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية 8/312، وَابْن عدي فِي الْكَامِل 4/1464، وَالْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه: الْآدَاب بَاب من عَاجل كل ذَنْب بِالتَّوْبَةِ مِنْهُ وَسَأَلَ الله الْمَغْفِرَة ص 443. رقم (1190) من طرق عَن عبد الْكَرِيم بن مَالك الْجَزرِي عَن زِيَاد بن أبي مَرْيَم عَن عبد الله بن معقل عَن عبد الله بن مَسْعُود مَرْفُوعا، وَإِسْنَاده جيد، وَقد اخْتلف فِي زِيَاد بن أبي مَرْيَم فَقيل: هُوَ زِيَاد بن الْجراح، وَقيل: هما اثْنَان، وَكِلَاهُمَا ثِقَة. ينظر التَّارِيخ الْكَبِير للْبُخَارِيّ 1/347، الْعِلَل للدارقطني 3 /190 -193، تَهْذِيب التَّهْذِيب 3/384، 385. وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده 6/45، حَدِيث (4012 تَحْقِيق شَاكر) ، والشاشي فِي مُسْنده 1/311، 312، حَدِيث (272) وَابْن حَاتِم فِي الْعِلَل 2/101، 102، حَدِيث (1797) ، وَالْبَغوِيّ فِي شرح السّنة كتاب الدَّعْوَات بَاب التَّوْبَة 5/91، حَدِيث (1307) وَأَبُو يعلي فِي مُسْنده 9/13، حَدِيث (5080) ، 9/64، حَدِيث (5129) من طرق عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن زِيَاد بن الْجراح عَن عبد الله بن معقل بِهِ. وَرَوَاهُ ابْن حبَان (كَمَا فِي الْإِحْسَان كتاب الرَّقَائِق بَاب التَّوْبَة 2/379، حَدِيث 614) ، وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية 8/251 عَن الْمسيب بن وَاضح حَدثنَا يُوسُف بِهِ أَسْبَاط عَن مَالك بن مغول عَن مَنْصُور عَن خَيْثَمَة عَن ابْن مَسْعُود بِهِ. وَقَالَ أَبُو نعيم: "رَوَاهُ عَن مَالك جمَاعَة". وَإِسْنَاده ضَعِيف، الْمسيب بن وَاضح صَدُوق يُخطئ كثيرا كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِم، ويوسف بن أَسْبَاط ضَعِيف، وخيثمة لم يسمع من ابْن مَسْعُود. ينظر لِسَان الْمِيزَان 6/40، 317، تَهْذِيب التَّهْذِيب 3/179. وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي تَارِيخ بَغْدَاد 9/405 من طَرِيق حسام بن مصك عَن مَنْصُور بِهِ، وحسام ضَعِيف يكَاد أَن يتْرك كَمَا فِي التَّقْرِيب. وَرَوَاهُ أَبُو يعلي فِي مُسْنده 9/171 من طَرِيق خَالِد بن الْحَارِث حَدثنَا مَالك بن مغول عَن مَنْصُور عَن خَيْثَمَة عَن رجل عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَإِسْنَاده ضَعِيف لجَهَالَة الرَّاوِي عَن ابْن مَسْعُود. وَرَوَاهُ ابْن حبَان كَمَا فِي الْإِحْسَان الْموضع السَّابِق، حَدِيث (613) ، وَالْحَاكِم فِي الْموضع السَّابِق من طَرِيق يحي بن أَيُّوب عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك مَرْفُوعا. وَصَححهُ الْحَاكِم، وَتعقبه الذَّهَبِيّ فِي التخليص بقوله: "هَذَا من مَنَاكِير يحي". وَقَالَ ابْن حجر فِي التَّقْرِيب فِي تَرْجَمَة يحي بن أَيُّوب - وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس الغافقي-: "صَدُوق رُبمَا أَخطَأ ". وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير 22/306، حَدِيث (775) ، وَأَبُو نعيمِ فِي الْحِلْية 10/398 من طَرِيق يحيى ابْن أبي خَالِد عَن ابْن أبي سعيد الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه مَرْفُوعا. ويحي بن أبي خَالِد وَشَيْخه مَجْهُولَانِ. ينظر اللِّسَان 6/252، وَقَالَ السخاوي فِي الْمَقَاصِد الْحَسَنَة ص 152. "سَنَده ضَعِيف " وَينظر السلسلة الضعيفة 2/83. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير 1/69، والعقيلي فِي الضُّعَفَاء 4/259 عَن طَرِيق مُورق بن سخيت حَدثنَا أَبُو هِلَال عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا, وَقَالَ الْعقيلِيّ: "مُورق بن سخيت عَن أبي هِلَال الرَّاسِبِي وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ بِهَذَا الْإِسْنَاد"، و"مُورق " لم يوثقه سوى ابْن حبَان، وَقَالَ الذَّهَبِيّ: "فِيهِ جَهَالَة" شَيْخه أَبُو هِلَال صَدُوق فِيهِ لين كَمَا فِي التَّقْرِيب. ينظر الثِّقَات 9/198، وَالْمِيزَان 4/198، والتقريب ص481، وَاللِّسَان 1/111. وَفِي الْجُمْلَة فَإِن هَذَا الحَدِيث صَحِيح، لاشك فِي صِحَّته، وَقد صَححهُ الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء 4/259، والبوصيري فِي مِصْبَاح الزجاجة 4/248، 2/464، وَالشَّيْخ أَحْمد شَاكر فِي تَعْلِيقه على الْمسند، وَالشَّيْخ مُحَمَّد نَاصِر الدّين فِي صَحِيح سنَن ابْن مَاجَه 2/418، والأرنؤوط فِي تَعْلِيقه على شرح السّنة، وحسين أَسد فِي تَعْلِيقه على مُسْند أبي يعلي.

الصَّلَاة وَبعدهَا، لِأَن الْمُسلم لن يعزم على صَلَاة التَّوْبَة إِلَّا وَقد نَدم قلبه على فعل الْمعْصِيَة، وعزم على الإقلاع عَنْهَا، وَلَا يعْتَبر استغفاره بعد هَذِه الصَّلَاة تَوْبَة إِلَّا إِذا صَحبه نَدم الْقلب، وَإِلَّا كَانَت تَوْبَته غير صَادِقَة 1.

_ 1وَذَلِكَ أَن للتَّوْبَة ثَلَاثَة شُرُوط عَامَّة هِيَ: 1 – الإقلاع عَن الذَّنب. 2 – النَّدَم على مَا فَاتَ. 3 – الْعَزْم على أَلا يعود إِلَى الذَّنب الَّذِي تَابَ مِنْهُ، فَمن لم ينْدَم على فعل الْمعْصِيَة فَذَلِك دَلِيل على رِضَاهُ بِهِ، وإصراره عَلَيْهِ. ينظر تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ 4/40، 210، 211، و5/90، 280، شرح صَحِيح مُسلم 17/59، مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِية 7/488، و10/318، 319، و11/319، الْآدَاب الشَّرْعِيَّة 1/84، طرح التثريب 8/238، مدارج السالكين 1/202. وَينظر فتح الْبَارِي 11/103، 104 فَفِيهِ تَفْصِيل فِي شُرُوط التَّوْبَة.

المبحث الرابع: صفة صلاة التوبة

المبحث الرَّابِع صفة صَلَاة التَّوْبَة صَلَاة التَّوْبَة صَلَاة نَافِلَة1 يتَعَيَّن لَهَا جَمِيع الشُّرُوط اللَّازِمَة لصَلَاة النَّافِلَة، وَيجب فِيهَا من الْأَركان والواجبات مَا يجب فِي صَلَاة النَّافِلَة. وَهِي رَكْعَتَانِ، كَمَا فِي حَدِيث أبي بكر الصّديق- رَضِي الله عَنهُ- 2. ويشرع للتائب أَن يُصليهَا مُنْفَردا، لِأَنَّهَا من النَّوَافِل الَّتِي لَا تشرع لَهَا صَلَاة الْجَمَاعَة3، وَينْدب لَهَا بعْدهَا أَن يسْتَغْفر الله تَعَالَى، لحَدِيث أبي بكر- رَضِي الله عَنهُ-4. وَقَالَ الْغَزالِيّ عِنْد كَلَامه على الْأُمُور الَّتِي إِذا أتبع بهَا الذَّنب كَانَ الْعَفو عَنهُ مرجوا، قَالَ: " أَن تصلي عقيب الذَّنب رَكْعَتَيْنِ ثمَّ تستغفر الله تَعَالَى بعدهمَا سبعين مرّة، وَتقول: سُبْحَانَ الله الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ مائَة مرّة، ثمَّ تَتَصَدَّق بِصَدقَة، ثمَّ تَصُوم يَوْمًا"5.

_ 1 ينظر مَجْمُوع فتاواي ابْن تَيْمِية 23/215، نِهَايَة الْمُحْتَاج 2/122، مُغنِي الْمُحْتَاج 1/225، رد الْمُحْتَار 1/462، الْإِقْنَاع للشربيني 1/101، حَاشِيَة قليوبي 1/216. 2 سبق تَخْرِيجه ص (5،6) . 3 الْمُغنِي 2/529، 553، تحفة الْمُحْتَاج (مطبوع مَعَ حاشيتيه للشربيني وَابْن قَاسم 2/238) ، نِهَايَة الْمُحْتَاج 2/122، الْإِقْنَاع للشربيني 1/101، حَاشِيَة قليوبي 1/216، الدُّرَر السّنيَّة 4/242. 4 وَقد سبق الْكَلَام على مَحل الاسْتِغْفَار بِشَيْء من التَّفْصِيل فِي المبحث الثَّالِث. 5 الْإِحْيَاء:4/49. وَقَالَ الملا عَليّ الْقَارِي فِي مرقاة المفاتيح 2/188: " وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمِنْهَاج: إِذا أردْت التَّوْبَة تغسل، واغسل ثِيَابك، وصل مَا كتب الله لَك، ثمَّ ضع وَجهك على الأَرْض فِي مَكَان خَال لَا يراك إِلَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثمَّ اجْعَل التُّرَاب على رَأسك، ومرغ وَجهك الَّذِي هُوَ أعز أعضائك فِي التُّرَاب، بدمع حَار، وقلب حَزِين، وَصَوت عَال، وَاذْكُر ذنوبك وَاحِدًا وَاحِدًا مَا أمكنك، وَلم نَفسك العاصية عَلَيْهَا، ووبخها، وَقل: أما تستحين يَا نفس، أما أَن لَك أَن تتوبي وترجعي، أَلَك طَاقَة بِعَذَاب الله، أَلَك حاجز عَن سخط الله ... " إِلَخ. وغالب مَا ذكره هُنَا لَا دَلِيل عَلَيْهِ، بل هُوَ من الْبدع الْمُحرمَة.

وَهَذَا القَوْل فِيهِ نظر، فَأصل مَشْرُوعِيَّة الاسْتِغْفَار، وَذكر الله تَعَالَى وَالَّذِي يَشْمَل التَّسْبِيح والتحميد ثَابت فِي هَذَا الْموضع بقوله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} 1، وَإِن كَانَ قد اخْتلف فِي المُرَاد بقوله تَعَالَى فِي هَذِه الْآيَة {ذَكَرُوا اللَّهَ} ، فَقيل: المُرَاد ذكرُوا وَعِيد الله على مَا فعلوا من معصيتهم إِيَّاه، وتذكروا عِقَابه، وَقيل: المُرَاد ذكرُوا الله بِاللِّسَانِ2، وَقيل: المُرَاد: الصَّلَاة3. وَقد يُقَال: إِن لفظ الْآيَة يعم هَذِه الْأُمُور كلهَا 4. وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة يدل على مشروعيتها فِي هَذَا الْموضع عُمُوم قَول الله

_ 1 سُورَة آل عمرَان: 135. 2 تَفْسِير ابْن أبىِ حَاتِم 2/552، 553، تَفْسِير الطَّبَرِيّ 7/217، 222، 223، زَاد الْمسير /463، 464، تَفْسِير الْبَغَوِيّ 1/353، تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ 4/210، فتح الْقَدِير للشوكاني1/381. 3 قَالَ الطَّيِّبِيّ فِي شرح الْمشكاة 3/180: أَقُول: {وذَكَرُوا اللَّهَ} يجب أَن يحمل على الصَّلَاة.كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه} ليطابق لفظ الحَدِيث، وَهُوَ قَوْله: " ثمَّ يُصَلِّي ثمَّ يسْتَغْفر الله".أ. هـ. 4 ذكر بعض الْعلمَاء أَن المُرَاد أَن النَّص القرآني إِذا جَاءَ بِلَفْظ عَام يحمل على جَمِيع مَا يَشْمَلهُ هَذَا اللَّفْظ من الْمعَانِي، وَقد سَمِعت شَيخنَا مُحَمَّد بن صَالح بن عثيمين يُقرر هَذِه الْقَاعِدَة فِي مَجْلِسه أَو أَكثر من مجالسه العلمية الْمُبَارَكَة. وَينظر مُقَدّمَة التَّفْسِير لِابْنِ تيميه ص 49، 50، أضواء الْبَيَان 3/124، التَّحْرِير والتنوير 1/93 – 100، الإكسير فِي قَوَاعِد علم التَّفْسِير للطوفي ص 13، مُقَدّمَة جَامع التفاسير للراغب ص 98، وَقَالَ الملا عَليّ الْقَارِي فِي الْمرقاة 2/187، 188: " أَي ذكرُوا عِقَابه. قَالَ الطَّيِّبِيّ: أَو وعيده. وَظَاهر الحَدِيث أَن مَعْنَاهُ: صلوا. لَكِن الْعبْرَة بِعُمُوم اللَّفْظ، لَا بِخُصُوص السَّبَب، فَالْمَعْنى ذكر الله بِنَوْع من أَنْوَاع الذّكر، من ذكر الْعقَاب ... أَو تَعْظِيم رب الأرباب، أَو بالتسبيح، والتهليل أَو قِرَاءَة الْقُرْآن أَو بِالصَّلَاةِ الَّتِي تجمعها ".

تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} 1. وَثَبت عَن كَعْب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لما تَابَ الله عَلَيْهِ: "يَا رَسُول الله إنّ من تَوْبَتِي أَن أَنْخَلِع من مَالِي صَدَقَة إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله، قَالَ رَسُول الله: " أمسك عَلَيْك بعض مَالك فَهُوَ خير لَك "، قَالَ: فَإِنِّي أمسك سهمي الَّذِي بِخَيْبَر". مُتَّفق عَلَيْهِ2. وَثَبت عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "من حلف، فَقَالَ فِي حلفه: "وَاللات والعزّى" فَلْيقل: "لَا إِلَه إِلَّا الله "، وَمن قَالَ لصَاحبه: "تعال أقامرك"3 فليتصدق " مُتَّفق عَلَيْهِ4. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: "فليتصدق بِشَيْء" 5.

_ 1 سُورَة الْبَقَرَة: 271. 2 صَحِيح البُخَارِيّ مَعَ الْفَتْح كتاب الْوَصَايَا بَاب إِذا تصدق أَو وقف بعض رَقِيقه أَو دوابه فَهُوَ جَائِز 5/386، حَدِيث (2757) ، وَكتاب الْمَغَازِي بَاب حَدِيث كَعْب ابْن مَالك 8/11-116، حَدِيث (4418) ، وَكتاب التَّفْسِير بَاب {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} 8/341، 342، حَدِيث (4676) ، وصحيح مُسلم مَعَ شَرحه للنووي كتاب التَّوْبَة:17/96، 97. 3 قَالَ شمس الدّين البعلي فِي المطلع على أَبْوَاب الْمقنع ص 256، 257 "الْقمَار مصدر قامر إِذا لعب مَعَه على مَال يَأْخُذهُ الْغَالِب من المغلوب، كَائِنا مَا كَانَ، إِلَّا مَا اسْتثْنِي فِي بَاب السَّبق، يُقَال: قمره يقمره ويقمره، بِضَم الْمِيم وَكسرهَا، عَن صَاحب الْمُحِيط وأقمره، عَن ابْن القطاع وَغَيره". 4 فتح الْبَارِي كتاب التَّفْسِير بَاب: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزَّى} 8/611، حَدِيث (4860) وَكتاب الاسْتِئْذَان بَاب كل لَهو بَاطِل إِذا شغل عَن طَاعَة الله 11/91، حَدِيث (6301) ، وَكتاب الْأَدَب بَاب من لم ير إكفار من قَالَ ذَلِك متأولاً أَو جَاهِلا 10/516، وَكتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور بَاب لَا يحلف بِاللات والعزى وَلَا بالطواغييت 11/536، حَدِيث (6650) . وصحيح مُسلم كتاب الْأَيْمَان بَاب من حلف بِاللات والعزى فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله 2/1267، حَدِيث (1647) . 5 صَحِيح مُسلم الْموضع السَّابِق 2/1268. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم 11/107: "قَالَ الْعلمَاء: "أَمر بِالصَّدَقَةِ تكفيراً لخطيئته فِي كَلَامه بِهَذِهِ الْمعْصِيَة". قَالَ الْخطابِيّ: "مَعْنَاهُ فليتصدق بِقدر مَا أَمر أَن يقامر بِهِ". وَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث أَنه لَا يخْتَص بذلك الْمِقْدَار، بل يتَصَدَّق بِمَا تيَسّر، مِمَّا ينطبق عَلَيْهِ اسْم الصَّدَقَة، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة معمر الَّتِي ذكرهَا مُسلم: "فليتصدق بِشَيْء" أ. هـ.

وَثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " الصَّدَقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة، كَمَا يُطْفِئ المَاء النَّار" 1. وَكَذَلِكَ عدد الاسْتِغْفَار ورد فِيهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ

_ 1روى عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه بَاب الْأُمَرَاء 11/345، رقم (20719) ، وَأحمد فِي مُسْنده 3/321، 399، (طبع الْمكتب الإسلامي) ، وَالْبَزَّار (كثف الأستار كتاب الْإِمَارَة بَاب الدُّخُول على أهل الظُّلم 2/241، رقم 1609) ، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه (تَرْتِيب ابْن بلبان كتاب الصَّلَاة بَاب فضل الصَّلَوَات الْخمس 5/9، رقم 1723) ، وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي معرفَة الصَّحَابَة 3/379، 380، وَفِي الْفِتَن والملاحم 4/422 من طَرِيق عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لكعب بن عجْرَة: " أَعَاذَك الله يَا كَعْب بن عجْرَة من إِمَارَة السُّفَهَاء"، قَالَ: وَمَا إِمَارَة السُّفَهَاء؟ قَالَ: " أُمَرَاء يكونُونَ بعدِي لَا يهْدُونَ بِهَدي، وَلَا يستثنون بِسنتي، فَمن صدقهم بكذبهم، أَو أعانهم على ظلمهم، فَأُولَئِك لَيْسُوا مني وَلست مِنْهُم، وَلَا يردون عليّ حَوْضِي، وَمن لم يُصدقهُمْ على كذبهمْ، وَلم يُعِنْهُمْ على ظلمهم، فَأُولَئِك مني وَأَنا مِنْهُم، وسيردون عَليّ حَوْضِي، يَا كَعْب بن عجْرَة الصَّوْم جنَّة، وَالصَّدَََقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة، وَالصَّلَاة قرْبَان- أَو قَالَ: برهَان- يَا كَعْب بن عجْرَة إِنَّه لَا يدْخل الْجنَّة لحم نبت من سحت أبدا، النَّار أولى بِهِ، يَا كَعْب بن عجْرَة النَّاس غاديان، فمبتاع نَفسه فمعتقها، أَو بَائِعهَا فموبقها ". وَإِسْنَاده حسن، عبد الله بن عُثْمَان صَدُوق، من رجال مُسلم، وَعبد الرَّحْمَن بن سابط ثِقَة من رجال مُسلم أَيْضا، وَصَححهُ الْحَاكِم، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ، وَصَححهُ أَحْمد شَاكر فِي تَعْلِيقه على سنَن التِّرْمِذِيّ 2/514، 515، وَقَالَ الأرنؤوط فِي تَعْلِيقه على صَحِيح ابْن حبَان: "صَحِيح على شَرط مُسلم ". وَله شَاهد بِنَحْوِهِ من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة بَاب مَا ذكر فِي فضل الصَّلَاة 2/512، 513، حَدِيث (614) ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير 19/105، 106، حَدِيث (212) من طَرِيقين عَن عبيد الله بن مُوسَى حَدثنَا غَالب أَبُو بشر عَن أَيُّوب بن عَائِذ الطَّائِي عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب عَن كَعْب بِهِ. وَإِسْنَاده ضَعِيف. رِجَاله ثِقَات رجال الصَّحِيحَيْنِ، عدا أبي بشر فَهُوَ مَقْبُول، كَمَا فِي التَّقْرِيب، وَقد صَححهُ أَحْمد شَاكر فِي تَعْلِيقه على سنَن التِّرْمِذِيّ وَذكره الشَّيْخ مُحَمَّد نَاصِر الدّين فِي صَحِيح سنَن التِّرْمِذِيّ 1/189. وروى عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه فِي بَاب الْمَفْرُوض من الْأَعْمَال والنوافل 11/194، رقم (20303) ، والإِمام أَحْمد 5/231 (طبع الْمكتب الإسلامي) ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْإِيمَان بَاب مَا جَاءَ فِي حُرْمَة الصَّلَاة 5/11، 12، حَدِيث (2616) ، وَابْن مَاجَه فِي الْفِتَن بَاب كف اللِّسَان فِي الْفِتْنَة 2/1314، 1315، حَدِيث (3973) ، وَالنَّسَائِيّ فِي الْكُبْرَى كَمَا فِي تحفة الْأَشْرَاف 8/399، حَدِيث (11311) وَعبد بن حميد فِي الْمُنْتَخب من الْمسند ص 68، 69، رقم (112) من طَرِيق عَاصِم بن أبي النجُود عَن أبي وَائِل عَن معَاذ قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر- ذكر الحَدِيث بِطُولِهِ – وَفِيه: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا أدلك على أَبْوَاب الْخَيْر؟ الصَّوْم جنَّة وَالصَّدَََقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة كَمَا يُطْفِئ المَاء النَّار ... ". وَقد أعل الْحَافِظ ابْن رَجَب هَذَا الْإِسْنَاد بالانقطاع بَين أبي وَائِل ومعاذ، وَأعله بعلة أُخْرَى. ينظر جَامع الْعُلُوم وَالْحكم 2/135. وَلِهَذَا الحَدِيث – حَدِيث معَاذ رَضِي الله عَنهُ – طرق أُخْرَى يطول الْكَلَام بذكرها. وَقد صَححهُ بِمَجْمُوع طرقه الشَّيْخ مُحَمَّد نَاصِر الدّين فِي السلسلة الصَّحِيحَة 3/114، 115، حَدِيث (1122) ، وَشُعَيْب الأرنؤوط فِي تَعْلِيقه على جَامع الْعُلُوم وَالْحكم 2/134، وَينظر الزّهْد لوكيع، رقم (30، 286، 109) ، وصحيح سنَن ابْن مَاجَه 2/359.

رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم: "وَالله إِنِّي لأستغفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم أَكثر من سبعين مرّة" 1. وَثَبت عَن الْأَغَر الْمُزنِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله:"إِنَّه ليغان 2 على قلبِي، وَإِنِّي لأستغفر الله فِي الْيَوْم مائَة مرّة" رَوَاهُ مُسلم 3. وَأَيْضًا فعموم قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ

_ 1 صَحِيح البُخَارِيّ مَعَ الْفَتْح كتاب الدَّعْوَات بَاب اسْتِغْفَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَاللَّيْلَة11/101،حَدِيث (6307) . وروى أَبُو نعيم فِي حلية الْأَوْلِيَاء فِي تَرْجَمَة الْحجَّاج بن فرافصه 3/109: حَدثنَا أَبُو عَمْرو بن حمدَان، قَالَ: ثَنَا الْحسن بن سُفْيَان، قَالَ: ثَنَا سعيد بن أَشْعَث السمان، قَالَ: ثَنَا الْحَارِث بن عبيد، قَالَ: ثَنَا الْحجَّاج بن فرافصه، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "اسْتَغْفرُوا" قَالَ: "فاستغفرنا". قَالَ: " أكملوا سبعين مرّة " قَالَ: "فأكملنا". قَالَ: "إِنَّه من اسْتغْفر سبعين مرّة غفر لَهُ سَبْعمِائة ذَنْب، وَقد خَابَ وخسر من عمل فِي يَوْم وَلَيْلَة أَكثر من سَبْعمِائة ذَنْب" وَإِسْنَاده ضَعِيف، الْحَارِث بن عبيد مَجْهُول كَمَا فِي التَّقْرِيب، وَالْحجاج صَدُوق يهم كَمَا فِي التَّقْرِيب أَيْضا، وَسَعِيد السمان قَالَ الإِمَام أَحْمد كَمَا فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل 4/5: " مَا أرَاهُ إِلَّا صَدُوقًا "، وَبَاقِي رِجَاله ثِقَات. وَذكر هَذَا الحَدِيث السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِع الصَّغِير ص 151 ورمز لضَعْفه، وَتَبعهُ فِي ذَلِك الْمَنَاوِيّ فِي التَّيْسِير 2/364، وَذكره الشَّيْخ مُحَمَّد نَاصِر الدّين فِي ضَعِيف الْجَامِع 5/121. 2 قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح 11/101: "قَالَ عِيَاض المُرَاد بـ (الْغَيْن) فترات عَن الذّكر الَّذِي شَأْنه أَن يداوم عَلَيْهِ، فَإِذا فتر عَنهُ لأمر مَا عدّ ذَلِك ذَنبا، فَاسْتَغْفر عَنهُ. وَقيل هُوَ شَيْء يعتري الْقلب مِمَّا يَقع من حَدِيث النَّفس، وَقيل: هُوَ السكينَة الَّتِي تغشى قلبه، وَالِاسْتِغْفَار لإِظْهَار الْعُبُودِيَّة لله وَالشُّكْر لما أولاه. وَقيل: هِيَ حَالَة خشيَة وإعظام، وَالِاسْتِغْفَار شكرها " أ. هـ. 3 صَحِيح مُسلم كتاب الذّكر والدُّعَاء وَالتَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار بَاب اسْتِحْبَاب الاسْتِغْفَار والاستكثار مِنْهُ 4/2075، 2076، حَدِيث (2702) .

الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} 1 يدل على أَن فعل الْأَعْمَال الصَّالِحَة بعد السَّيئَة يكفرهَا 2. لَكِن تَقْيِيد التَّسْبِيح والتحميد وَالصِّيَام بِهَذِهِ الْأَعْدَاد لَا دَلِيل عَلَيْهِ، وَهُوَ من الْبدع الْمُحرمَة، لما ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "من أحدث فِي أمرنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رد" 3. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: "من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد " 4، وَلما ثَبت فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خطب احْمَرَّتْ عَيناهُ وَعلا صَوته وَاشْتَدَّ غَضَبه حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذر جَيش يَقُول: صبّحكم ومسّاكم، وَيَقُول: "بعثت أَنا والساعة كهاتين" ويقرن بَين إصبعيه السبابَة وَالْوُسْطَى، وَيَقُول:" أما بعد فَإِن خير الحَدِيث كتاب الله، وَخير الْهَدْي

_ 1 سُورَة هود 114. 2 وَيدل على ذَلِك أَيْضا مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه 1/209، حَدِيث (233) عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: "الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة ورمضان إِلَى رَمَضَان مكفّرات مَا بَينهُنَّ إِذا اجْتنبت الْكَبَائِر". وَفِي الْبَاب أَحَادِيث أُخْرَى يطول الْكَلَام بذكرها، تنظر فِي تَفْسِير الطَّبَرِيّ 15/511 – 526، جَامع الْأُصُول 9/388 – 395، تَفْسِير ابْن كثير 4/285، 289، تَخْرِيج الْأَحَادِيث الْوَاقِعَة فِي تَفْسِير الْكَشَّاف 2/152 – 154، الْكَافِي الشافي ص 87، 88. وَقَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح 12/134 بعد ذكره القَوْل بِأَن الَّذِي تكفره الصَّلَاة من الذُّنُوب الصَّغَائِر لَا الْكَبَائِر، قَالَ: " هَذَا هُوَ الْأَكْثَر الْأَغْلَب، وَقد تكفر الصَّلَاة بعض الْكَبَائِر، كمن كثر تطوعه مثلا، بِحَيْثُ صلح لِأَن يكفر عددا كثيرا من الصَّغَائِر، وَلم يكن عَلَيْهِ من الصَّغَائِر شَيْء أصلا أَو شَيْء يسير، وَعَلِيهِ كَبِيرَة وَاحِدَة، فَإِنَّهَا تكفر عَنهُ، لِأَن الله لَا يضيع أجر من أحسن عملا ". 3 صَحِيح البُخَارِيّ مَعَ الْفَتْح كتاب الصُّلْح بَاب إِذا اصْطَلحُوا على صلح جور فَالصُّلْح مَرْدُود 5/301، حَدِيث (2697) . وصحيح مُسلم مَعَ شَرحه للنووي كتاب الْأَقْضِيَة بَاب نقض الْأَحْكَام الْبَاطِلَة 12/16. 4 صَحِيح مُسلم الْموضع السَّابِق.

هدي مُحَمَّد، وَشر الْأُمُور محدثاتها، وكل بِدعَة ضَلَالَة " 1. وَذكر الملا عَليّ الْقَارِي2 رَحمَه الله أَنه يقْرَأ فِي هَذِه الصَّلَاة سورتي الْإِخْلَاص، {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، أَو يقْرَأ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 3، وَقَوله تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} 4. وَالصَّحِيح أَنه لَا يشرع تَخْصِيص هَذِه الصَّلَاة بسور أَو آيَات بِعَينهَا، لِأَنَّهُ لم يرد فِي ذَلِك شَيْء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

_ 1 صَحِيح مُسلم كتاب الْجُمُعَة بَاب تَخْفيف الصَّلَاة وَالْخطْبَة 2/592، حَدِيث (867) . 2 مرقاة المفاتيح 2/187. 3 سُورَة آل عمرَان: 135. 4 سُورَة النِّسَاء: 110.

الخاتمة

الخاتمة الْحَمد لله وَحده، وَبعد: فَمن خلال بحث الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بِصَلَاة التَّوْبَة ظهر لي الْأُمُور الْآتِيَة: الْأَمر الأول: ثُبُوت هَذِه الصَّلَاة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الْأَمر الثَّانِي: أَنَّهَا تشرع عِنْد تَوْبَة الْمُسلم من أَي ذَنْب، سَوَاء كَانَ من الْكَبَائِر أم من الصَّغَائِر، وَسَوَاء كَانَت هَذِه التَّوْبَة بعد اقتراف الْمعْصِيَة مُبَاشرَة، أم بعد مُضِيّ زمن. الْأَمر الثَّالِث: أَن هَذِه الصَّلَاة تُؤَدّى فِي جَمِيع الْأَوْقَات، بِمَا فِي ذَلِك أَوْقَات النَّهْي. الْأَمر الرَّابِع: أَن الصَّحِيح من أَقْوَال أهل الْعلم أَن هَذِه الصَّلَاة قبل التَّوْبَة لَا بعْدهَا. الْأَمر الْخَامِس. أَن هَذِه الصَّلَاة فِي أَرْكَانهَا وواجباتها وَمَا يشْتَرط لَهَا كَصَلَاة النَّافِلَة، وَهِي رَكْعَتَانِ. الْأَمر السَّادِس: أَنه يسْتَحبّ مَعَ هَذِه الصَّلَاة فعل بعض القربات، كالصدقة وَالذكر وَالصِّيَام وَغَيرهَا. وَفِي الختام أسأَل الله أَن ينفع بِهَذَا الْعَمَل كَاتبه وَجَمِيع الْمُسلمين. وَصلى الله وَسلم على نَبينَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ.

§1/1