صلاة التراويح - الألباني

ناصر الدين الألباني

صلاة التراويح

صلاة التراويح صلوا كما رأيتموني أصلي (البخاري) للعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني C تعالى مكتبة المعارف للنشر والتوزيع - الرياض ط 1، 1421 هـ

- 1 - تمهيد في استحباب الجماعة في التراويح لا يشك عام اليوم بالسنة في مشروعية صلاة الليل جماعة في رمضان هذه الصلاة التي تعرف بصلاة التراويح لأمور ثلاثة: أ - إقراره A بالجماعة فيها ب - إقامته إياها ج - بيانه لفضلها - أما الإقرار فلحديث ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال: - 1 (حسن) خرج رسول الله A ذات ليلة في رمضان فرأى ناسا في ناحية المسجد يصلون فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قال قائل: يا رسول الله هؤلاء ناس ليس معهم قرآن وأبي بن كعب يقرأ وهم معه يصلون بصلاته فقال: " قد أحسنوا " أو " قد أصابوا " ولم يكره ذلك منهم رواه البيهقي (2 / 495) وقال هذا مرسل حسن قلت: وقد روي موصولا من طريق آخر عن أبي هريرة بسند لابأس به في المتابعات والشواهد أخرجه ابن نصر في قيام الليل (ص 20) وأبو داود (1 / 217) والبيهقي] [10]

ب - وأما إقامته A إياها ففيه أحاديث: الأول - 2 (صحيح) عن النعمان بن بشير قال: قمنا مع رسول الله A ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان إلى ثلث الليل الأول ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل ثم قام بنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح قال وكنا ندعو السحور الفلاح رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2 / 90 / 2) وابن نصر (89) والنسائي (1 / 238) وأحمد (4 / 272) والفرياني واسناده صحيح وصححه الحاكم 1 / 440) وقال: وفيه الدليل الواضح أن صلاة التراويح في مساجد المسلمين سنة مسنونة وقد كان علي بن أبي طالب يحث عمر Bهما على إقامة هذه السنة إلى أن أقامها الثاني: - 3 (صحيح) عن أنس قال: كان رسول الله A يصلي في رمضان فجئت فقمت إلى جنبه ثم جاء آخر ثم جاء آخر حتى كنا رهطا (1) فلما أحس رسول الله A أنا خلفه تجوز (2) في الصلاة ثم دخل منزله فلما دخل منزله صلى صلاة لم يصلها عندنا فلما أصبحنا قلنا: يا رسول الله أو فطنت لنا البارحة؟ فقال: نعم وذاك الذي حملني على ما صنعت رواه أحمد وابن نصر بسندين صحيحين والطبراني في الأوسط بنحوه]

(1) الرهط ما دون العشرة (2) أي: خفف [11]

الثالث: - 4 (صحيح) عن عائشة قالت: كان الناس يصلون في مسجد رسول الله A رمضان بالليل أوزاعا (1) يكون مع الرجل شيء من القرآن فيكون معه النفر الخمسة والستة أو أقل من ذلك أو أكثر فيصلون بصلاته فأمرني رسول الله A ليلة من ذلك أن أنصب (2) له حصيرا على باب حجرتي ففعلت فخرج إليه رسول الله A بعد أن صلى العشاء الآخرة قالت: فاجتمع إليه من في المسجد فصلى بهم رسول الله A ليلا طويلا ثم انصرف رسول الله A فدخل وترك الحصير على حاله فلما أصبح الناس تحدثوا بصلاة رسول الله A بمن كان معه في المسجد تلك الليلة (فاجتمع أكثر) منهم وأمسى المسجد راجا بالناس (3) (فخرج رسول الله A في الليلة الثانية فصلوا بصلاته فاصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد (حتى اغتص بأهله) من الليلة الثالثة فخرج فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله) فصلى بهم رسول الله A العشاء الآخرة ثم دخل بيته وثبت الناس قالت: فقال لي رسول الله A ما شأن الناس يا عائشة قالت: فقلت له: يا رسول الله سمع الناس بصلاتك البارحة بمن كان في المسجد فحشدوا لذلك لتصلي بهم قالت فقال: إطو عنا حصيرك يا عائشة قالت: ففعلت وبات رسول الله A غير غافل وثبت الناس مكانهم (فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة) حتى خرج رسول الله A إلى الصبح (فلما قضى الفجر أقبل على الناس ثم تشهد (4) فقال أما بعد) أيها الناس أما والله ما بت والحمد لله ليلتي هذه غافلا وما خفي علي مكانكم ولكني تخوفت أن يفترض عليكم (وفي رواية ولكن خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها) فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا زاد في رواية أخرى قال الزهري فتوفي رسول الله A والناس على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر (5)

(1) أي: متفرقين (2) أي أضع في " اللسان ": " والنصب وضع الشيء ورفعه " ولعل الأول هو المناسب هنا والمراد أنه A أمرها أن تضع حصيرا أمام الباب ويؤيده حديث زيد بن ثابت " اتخذ النبي A حجرة في المسجد من حصير فصلى رسول الله A فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس. . . ". الحديث رواه مسلم (2 / 188) وغيره (3) أراد أن له رجة من كثرة الناس. نهاية (4) تعني أنه نطق بالشهادة ويحتمل عندي أنها أرادت خطبة الحاجة التي يذكر فيها الشهادة وقد ذكرنا نصها في خطبة الرسالة الأولى ثم طبعناها مفردة (5) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والفرياني في الصيام وابن نصر وأحمد والسياق لهما [12]

قلت وهذه الأحاديث ظاهرة الدلالة على مشروعية صلاة التراويح جماعة لاستمراره A في تلك الليالي ولا ينافيه تركه A لها في الليلة الرابعة في هذا الحديث لأنه A علله بقوله خشيت أن تفرض عليكم ولا شك أن هذه الخشية قد زالت بوفاته A بعد أن أكمل الله الشريعة وبذلك يزول المعلول وهو ترك الجماعة ويعود الحكم السابق وهو مشروعية الجماعة ولهذا أحياها أحياها عمر بن الخطاب Bهـ كما سبق ويأتي وعليه جمهور العلماء الرابع: - 5 (صحيح) عن حذيفة بن اليمان قال: قام رسول الله A ذات ليلة في رمضان في حجرة من جريد النخل ثم صب عليه دلوا من ماء ثم قال (الله أكبر) الله أكبر (ثلاثا) ذا الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة (ثم قرأ البقرة قال: ثم ركع فكان ركوعه مثل قيامه فجعل يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم (مثلما كان قائما) ثم رفع رأسه من الركوع فقام مثل ركوعه فقال: لربي الحمد ثم سجد وكان في سجوده مثل قيامه (1) وكان يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ثم رفع رأسه من السجود (ثم جلس) وكان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي (رب اغفرلي) وجلس بقدر سجوده (ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى مثلما كان قائما) فصلى أربع ركعات يقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة (2)

(1) يعني: القيام بعد الركوع (3) " يعني صلاة الفجر " والحديث رواه ابن أبي شيبة وابن نصر والنسائي وأحمد ومسلم وغيرهم مع ملاحظة الزيادات في الروايات الأخرى التي بين القوسين] والحاكم القول بين السجدتين وصححه ووافقه الذهبي ورجاله ثقات [15]

ج - وأما بيانه A لفضلها فهو ما رواه - 6 (صحيح) أبو ذر Bهـ قال: صمنا فلم يصل A بنا حتى بقي سبع من الشهر فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ثم لم يقم بنا في السادسة وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل فقلنا: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر فصلى بنا الثالثة ودعى أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح قلت: وما الفلاح قال السحور رواه ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والطحاوي في شرح معاني الآثار وابن نصر والفريابي والبيهقي وسندهم صحيح] والشاهد من الحديث قوله: " من قام مع الإمام. . . " فإنه ظاهر الدلالة على فضيلة صلاة قيام رمضان مع الإمام يؤيد هذا ما ذكره أبو داود في المسائل (ص 62) قال: سمعت أحمد قيل له: يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده؟ قال يصلي مع الناس وسمعته أيضا يقول: يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه قال النبي A: " إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته " ومثله ذكر ابن نصر (ص 91) عن أحمد ثم قال أبو داود: " قيل لأحمد وأنا أسمع: يؤخر القيام - يعني التراويح - إلى آخر الليل؟ قال: لا سنة المسلمين أحب إلي (1)

2 - لم يصل A التراويح أكثر من (11) ركعة وبعد أن أثبتنا مشروعية الجماعة في صلاة التراويح بإقراره A وفعله وحضه فلنبين كم كانت عدد ركعاته A في تلك الليالي التي أحياها مع الناس فاعلم أن لدينا في هذ المسألة حديثين: الأول: - 7 (صحيح) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة Bها كيف كانت صلاة رسول الله A في رمضان فقالت: ما كان رسول الله A يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة (2) يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك وعنه البيهقي وأحمد وفي رواية لابن أبي شيبة ومسلم وغيرهما: كانت صلاته في شهر رمضان وغيره ثلاث عشر ركعة بالليل منها ركعتا الفجر لكن جاء في رواية أخرى عند مالك وعنه البخاري وغيره عنها قالت كان يصلي بالليل ثلاث عشر ركعة ثم يصلي اذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين (قال الحافظ يحتمل أن تكون إضافة إلى صلاة الليل سنة العشاء لكونه كان يصليها في بيته أو ما كان يفتتح به صلاة الليل فقد ثبت عند مسلم عنها أنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين]

(1) يعني الاجتماع في صلاة التروايح مع التبكير بها أفضل عنده من الانفراد بها مع التأخير إلى آخر الليل وإن كان للتأخير فضيلة خاصة فالجماعة أفضل لإقامة النبي A لها في تلك الليالي التي أحياها مع الناس في المسجد كما سبق في حديث عائشة وغيره ولذلك جرى عليه المسلمون من عهد عمر إلى الآن [18]

- 8 (صحيح) عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله A الليلة فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة رواه مالك وعنه مسلم وأبو عوانة وأبو داود وابن نصر] [19]

الثاني: - 9 (حسن) عن جابر بن عبد الله Bهـ قال: صلى بنا رسول الله A في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج فلم نزل فيه حتى أصبحنا ثم دخلنا فقلنا يا رسول الله اجتمعنا البارحة في المسجد ورجونا أن تصلي بنا فقال: إني خشيت أن يكتب عليكم رواه ابن نصر والطبراني وسنده حسن بما قبله واشار الحافظ في الفتح وفي التلخيص إلى تقويته وعزاه لابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما] [21]

حديث العشرين ضعيف جدا لا يجوز العمل به ثم قال في الفتح (4 / 205 - 206) تحت شرح الحديث الأول: - 10 (ضعيف جدا) وأما ما رواه ابن شيبة من حديث ابن عباس: كان رسول الله A يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر فإسناده ضعيف وقد عارضه حديث عائشة هذا الذي في الصحيحين مع كونها أعلم بحال النبي A ليلا من غيرها وسبقه إلى هذا المعنى الحافظ الزيلعي في نصب الراية قلت: وحديث ابن عباس هذا ضعيف جدا كما قال السيوطي في " الحاوي للفتاوي " 2 / 73 وعلته أن فيه أبا شيبة إبراهيم بن عثمان قال الحافظ في التقريب: " متروك الحديث " [22]

وأنه يروي الموضوعات كحديث (ما هلكت أمة إلا في آذار) ولا تقوم الساعة الا في آذار وأن حديثه هذا الذي في التراويح من جملة مناكيره وقد صرح السبكي بأن شرط العمل بالحديث الضعيف أن لا يشتد ضعفه قال الذهبي ومن يكذبه مثل شعبة فلا يلتفت إلى حديثه] قلت: وفيما نقله عن السبكي إشارة لطيفة من الهيتمي إلى أنه لا يرى العمل بالعشرين فتأمل ثم قال السيوطي بعد أن ذكر حديث جابر من رواية ابن حبان: فالحاصل أن العشرين ركعة لم تثبت من فعله A وما في صحيح ابن حبان غاية فيما ذهبنا إليه من تمسكنا بما في البخاري عن عائشة إنه كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ومما يدل لذلك أيضا أنه A كان إذا عمل عملا واظب عليه كما واظب على الركعتين اللتين قضاهما بعد العصر مع كون الصلاة في ذلك الوقت منهيا عنها ولو فعل العشرين ولو مرة لم يتركها أبدا ولو وقع لم يخف على عائشة حيث قالت ما تقدم [23] قلت: وفي كلامه إشارة قوية إلى اختياره الإحدى عشرة ركعة ورفضه العشرين الواردة في حديث ابن عباس لضعفها الشديد فتدبر [24] 3 - اقتصاره A على الإحدى عشرة ركعة دليل على عدم جواز الزيادة عليها تبين لنا مما سق أن عدد ركعات قيام اليل إنما هو إحدى عشرة ركعة بالنص الصحيح من فعل رسول الله A وإذا تأملنا فيه يظهر لنا بوضوح أنه A استمر على هذا العدد طيلة حياته لا يزيد عليه سواء ذلك في رمضان أو في غيره فإذا استحضرنا في أذهاننا أن السنن الرواتب وغيرها كصلاة الاستسقاء والكسوف التزم النبي A أيضا فيها جميعا عددا معينا من الركعات وكان هذا الالتزام دليلا مسلما عند العلماء على انه لا يجوز الزيادة عليها فكذلك صلاة التراويح لا يجوز الزيادة فيها على العدد المسنون لاشتراكها مع الصلوات المذكورات في التزامه A عددا معينا فيها [26] لا يزيد عليه فمن ادعى الفرق فعليه الدليل ودون ذلك خرط القتاد وليست صلاة التراويح من النوافل المطلقة حتى يكون لمصلي الخيار في أن يصليها بأي عدد شاء بل هي سنة مؤكدة تشبه الفرائض من حيث أنها تشرع مع الجماعة كما قالت الشافعية فهي من هذه الحيثية أولى بأن لا يزاد عليها من السنن الرواتب ولهذا منعوا من جمع أربع ركعات من التراويح في تسليمة واحدة ظنا منهم أنهم لم ترد واحتجوا (بأن التراويح أشبهت الفرض بطلب الجماعة فلا تغير عما ورد فيها) فتأمل كيف منعوا من وصل ركعتين بركعتين كل منهما وارد لأن في الوصل - عندهم - تغييرا لما ورد فيها من الفصل [27] أفلا يحق لنا حينئذ أن نمنع بهذه الحجة ذاتها من زيادة عشر ركعات لا أصل لها في السنة الصحيحة البتة؟ اللهم بلى بل هذا بالمعنع أولى وأحرى فهل من مدكر؟ على أنه لو اعتبرنا صلاة التراويح نفلا مطلقا لم يحدده الشارع بعدد معين لم يجز لنا أن نلتزم نحن فيها عددا لا نجاوزه لما ثبت في الأصول: أنه لا يسوغ التزام صفة لم ترد عنه A في عبادة من العبادات قال الشيخ ملا أحمد رومي الحنفي صاحب (مجالس الأبرار) ما ملخصه: (لأن عدم وقوع الفعل في الصدر الأول إما لعدم الحاجة إليه أو لوجود مانع أو لعدم تنبه أو لتكاسل أو لكراهة أو لعدم مشروعيته والأولان منفيان في العبادات البدنية المحضة لأن الحاجة في التقرب إلى الله تعالى لا تنقطع وبعد ظهور الإسلام لم يكن منها مانع ولا يظن بالنبي A عدم التنبه والتكاسل فذاك أسوأ الن المؤدي إلى الكفر فلم يبق إلا كونها سيئة غير مشروعة وكذلك يقال لمن أتى في العبادات البدنية المحضة بصفة لم تكن في زمن الصحابة إذ لو كان وصف العبادة في الفعل المبتدع يقتضي كونها [28] بدعة حسنة لما وجد في العبادات بدعة مكروهة ولما جعل الفقهاء صلاة الرغائب والجماعة فيها وأنواع النغمات في الخطب وفي الأذان وقراءة القرآن في الركوع والجهر بالذكر أمام الجنازة ونحو ذلك من البدع المنكرة فمن قال بحسنها قيل له: ما ثبت حسنه بالأدلة الشرعية فهو إما غير بدعة فيبقى عموم العام في حديث كل بدعة ضلالة " وحديث " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " على حاله ويكون مخصوصا من هذا العام والعام المخصوص حجة فيما عدا ما خص منه فمن ادعى الخصوص فيما أحدث أيضا احتاج إلى دليل يصلح للتخصيص من كتاب أو سنة أو إجماع مختص بأهل الاجتهاد ولا نظر للعوام ولعادة أكثر البلاد فيه فمن أحدث شيئا يتقرب به إلى الله تعالى من قول أو فعل فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله فعلم أن كل بدعة في العبادات البدنية المحضة لا تكون إلا سيئة " شبهات وجوابها: إذا عرفنا إفادة هذا النص أنه لا يجوز الزيادة عليه فإن من تمام الفائدة أن نسوق بضع الشبهات التي قد يوردها البعض حول [29]

هذه المسألة مع الجواب عليها حتى يكون القارئ على بينة من أمره فأقول: اشبهة الأوى: (اختلاف العلماء دليل على عدم ثيوت النص المعين للعدد) من المعلوم أن العلماء اختلفوا في عدد ركعات التراويح على أقوال كثيرة كما سيأتي بيانها فقد يقول قائل: إن هذا الاختلاف يدل على عدم وجود نص في العدد إذ لو ثبت لم يقع الاختلاف في عددها ولو ثبت ذلك من فعل النبي A لم يختلف فيه كعدد الوتر والرواتب) الجواب: نحن نسلم بأن من الاختلافات ما يكون سببه عدم وجود النص ولكن من العجيب أن يقرر السيوطي هذا القول فإنه [30]

يفهم منه أن الاختلاف ليس له إلا سبب واحد وهو عدم ثبوت النص مع أنه من المعلوم أن هناك اختلالفات كثيرةلم يكن سببها عدم وجود النص بل كان عدم وصوه إلى الإمام الذي قال بخلافه أو أنه بلغه ولكن من طريق لا تقوم الحجة به أو بلغه صحيحا ولكن فهمه على وجه غير الوجه الذي فهمه الإمام الآخر وغير ذلك من أسباب الاختلاف التي ذكرها العلماء فالاختلاف ليس له سبب واحد. بل له - كما ترى - أسباب كثيرة ألا ترى أن هناك مسأئل كثيرة اختلفوا فيها مع أن فيها نصوصا ثابتا عنه A كما هو معلوم عند العلماء بالفقه والأخبار ولنضرب على ذلك مثالا واضحا إلا وهو (رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه) فقد اتفق العلماء كلهم من مختلف المذاهب على مشروعيته ما عدا الحنفية مع أنه ورد فيه نحو عشرين حديثاص صحيحا وفي بعضها أن أبا حميد الساعدي Bهـ وصف صلاة النبي A بحضور [31]

عشرة من الصحابة وذكر فيه الرفع فلما فرغ من وصفها قالوا له: " صدقت هكذا كانت صلاة رسول الله A ". رواه البخاري وقد أجاب أبو حنيفة Bهـ حين سئل عن عدم أخذه بالرفع بقوله: " لأنه لم يصح فيه حديث عن رسول الله A " في حكاية معروفة جرت بينه وبين أحدالمحدثين ذكرها الحنفية في كتبهم فهذا القول من قبل الإمام أبي حنيفة C لا يمكن أن يقوله لو أنه وقف على هذه الطرق التي أشرنا إليها فهذا أكبردليل على أن الخلاف في هذه المسألة ليس سببه عدم وجود أو ثبوت النص بل السبب هو عدم وصوله إلى الإمام من طريق صحيح كما عبر عن ذلك الإمام أبو حنيفة نفسه C تعالى [32]

وهذا مثال واحد من أمثلة كثيرة معروفة عند المشتغلين بالسنة أقول: فكما أن الختلاف في هذه المسألة وحوها لا يدل على عدم ورود نص ثابت فيها فكذلك الاخلف في عدد ركعات التراويح لا يدل على عدم ورود نص ثابت فيه لأن الواقع أن النص وارد ثابت فيه فلا يجوز أن يرد النص بسبب الخلاف بل الواجب أن يزال الخلاف بالرجوع إلى النص عملا بقول الله تبارك تعالى: ؟ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما؟ [33]

وقوله:؟ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا؟ الشبهةالثانية: (لا مانع من الزيادة على النص ما لم ينه عنها) . وقد يقول قائل آخر: سلمنا أنه ثبت النص أن النبي A صلى التراويح إحدى عشرة ركعة فقط وأنه ثبت ضعف الخبر الذي فيه أن صلاها عشرين ولكن لا نرى مانعا من الزيادة عليه لأن رسول الله A لم ينه عنها قلت: الاصل في العبادات أنها لا تثبت إلا بتوقيف من رسول الله A وهذا الأصل متفق عليه بين العلماء ولا نتصور مسلما عالما يخالفه فيه ولولا هذا الأصل لجاز لأي مسلم أن يزيد في عدد ركعات السنن بل والفرائض الثابت عددها بفعله A واستمراره عليه بزعم أنه A لم ينه عن الزيادة عليها وهذا بين ظاهر البطلان فلا ضرورة لأ نطيل فيه الكلام خاصة وقد سبق أن بينا مفصلا (ص 22 - 24) أن الزيادة على صلاة التراويح أخرى بالمنع من الزيادة على السنن والرواتب فتذكره [34]

الشبهة الثالثة (التمسك بالنصوص المطلقة والعامة) تمسك بعضهم بالنصوص المطلقة والعامة في الحض على الإكثار من الصلاة بدون تحديد عدد معين كقوله A لربيعة بن كعب وقد سأله مرافقته في الجنة - 11 (صحيح) فأعني على نفسك بكثرة السجود] رواه مسلم في صحيحه وأبوعوانة] وكحديث أبي هريرة Bهـ " كان يرغب في قيام رمضان. . " ونحو ذلك من الأحاديث التي تفيد بإطلاقها وعمومها مشروعية الصلاة بأي عدد شاء المصلي [36]

والجواب: أن هذا ممسك واه جدا بل هي شبهة لا تساوي حكايتها كالتي قبلها؟ فإن العمل بالمطلقات على إطلاقها إنما يسوغ فيما لم يقيده الشارع من المطلقات أما إذا قيد الشارع حكما مطلقا بقيد فإنما يجب التقيد به وعدم الاكتفاء بالمطلق ولما كانت مسألتنا (صلاة التراويح ليست من النوافل المطلقة لأنها صلاة مقيدة بنص عن رسول الله A كما سبق بيانه في أول هذا الفصل فلا يجوز تعطيل هذا القيد تمسكا بالمطلقات وما مثل من يفعل ذلك إلا كمن يصلي صلاة يخالف بها صلاة النبي A المنقولة عنه بالأسانيد الصحيحة يخالفها كما وكيفا متناسيا قوله A: (صلوا كما رأيتموني أصلي) محتجا بمثل تلك المطلقات كمن يصلي مثلا الظهر خمسا وسنة الفجر أربعا وكمن يصلي بركوعين أو سجدات وفساد هذا لا يخفى على عاقل ولهذا قال العلامة الشيخ علي محفوظ في " الإبداع " (ص 25) بعد أن نقل من نصوص علماء المذاهب الأربعة أن ما تركه النبي A مع قيام المقتضي على فعله فتركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة قال: [37]

" وعلمت أن التمسك بالعمومات مع الغفلة عم بيان الرسول وتركه هو اتباع المتشابه الذي نهى الله عنه ولو عولنا على العمومات وصرفنا النظر عن البيان لا نفتح باب كبير من أبواب البدعة لا يمكن سده ولا يقف الاختراع في الدين عند حد وإليك أمثلة في ذلك على ما تقدم: الأول جاء في حديث الطبراني الصة خير موضوع لوتمسكنا بعموم هذا كيف تكون صلاة الرغائب بدعة مذمومة؟ وكيف تكون صلاة شعبان بدعة مذمومة مع دخولهما في عموم الحديث؟ وقد نص العلماء على أنهما بدعتان قبيحتان مذمومتان كما يأتي الثاني: قال تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا} وقال D: {اذكروا الله ذكرا كثيرا} إذا استحب لنا إنسان الأذان للعيدين والكسوفين والتراويح وقلنا كيف والنبي A لم يفعلها ولم يأمر بها وتركها طول حياته فقال لنا: إن المؤذن داع إلى الله وإن المؤذن ذاكر لله كيف تقوم عليه الحجة وكيف تبطل بدعته؟ الثالث: قال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية لو صح الأخذ بالعمومات لصح أن يتقرب إلى الله تعالى بالصلاة والسلام [عليه A] في قيام الليل وركوعها واعتدالها وسجودها إلى غير ذلك من الأمكنة التي لم يضع الرسول A فيها ومن الذي يجيز التقرب إلى الله تعالى بمثل ذلك وتكون الصلاة بهذه الصفة عبادة معتبرة؟ وكيف هذا مع حديث " صلوا كما رأيتموني أصلي " رواه البخاري؟ الرابع: ورد في صحيح الحديث " فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر " لو أخذ بعموم هذا لوجبت الزكاة فيها ولا مستند لهم في عدم وجوب الزكاة سوى هذا الأصل وهو أن ما تركه مع قيام المقتضي على فعله فتركه هو السنة وفعله هو البدعة [39]

السبب الحقيقي في اختلاف العلماء في عدد ركعات التراويح فإن قيل: سلمنا بفساد هذه الشبهات كلها وسلامة النص من أي معارض فما هو السبب الذي جعل العلماء يختلفون في عدد ركعات التراويح؟ فنقول: الذي يبدو لنا في ذلك أمران لا ثالث لهما: الأول: وهو الأقوى والأكثر: عدم الاطلاع على هذا النص الواد في العدد فمن لم يبلغه ذلك فهو معذور في عدم العمل به لقوله تعالى عن لسان رسول الله A في حق القرآن:؟ لأنذركم به ومن بلغ؟ بل هو مأجور لقوله A: - 12 (صحيح) إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد رواه البخاري وغيره] الثاني: أنهم فهموا النص فهما لا يلزمهم الوقوف عنده وعدم الزيادة عليه لوجه من وجوه التأويل التي قد تعرض لبعض العلماء بغض النظر عن كونه خطأ أو صوابا كقول الشافعية: " وأما قول عائشة: ما كان A يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة فمحمول على الوتر ". ونحو ذلك من الوجوه التي لا تلزم غيرهم الأخذ بها لثبوت ضعفها لديهم فانظر مثلا إلى [40]

هذا الوجه الذي نقلته عن الشافعية فإنه ظاهر العف إذا تذكرت أن قول عاشة هذا إنما كان جوابا لمن سألها: " كيف كانت صلاة رسول الله A في رمضان "؟ كما سبق فالصلاة المسول عنها شاملة لكل صلاة الليل فكيف يصح أن يحمل على الوتر فقط دون صلاة الليل كلها مع أن هذا الحمل يفيد أنه A كان له صلاتان: إحداهما صلاة الليل - وما أدري كم تكون ركعاتها - والأخرى صلاة الوتر بأكثر ركعاته: إحدى عشرة ركعة وهذا مما لا يقوله عالم بالسنة فالأحاديث متضافرة على أن صلاته A في الليل لم تزد على الإحدى عشرة ركعة على التفصيل المتقدم فهذا من نتائج تأويل النصوص لتأييد المذهب موقفنا من المخالفين لنا في هذه المسألة وغيرها إذا عرفت ذلك فلا يتوهمن أحد أننا حين اخترنا الاقتصار على السنة في عدد ركعات التراويح وعدم جواز الزيادة عليها أننا نضلل أو نبدع من لا يرى ذلك من العلماء السابقين واللاحقين كما قد ظن ذلك بعض الناس واتخذوه حجة للطعن علينا توهما منهم أنه يلزم من قولنا: بأن الأمر الفلاني لا يجوز أو أنه بدعة أن [41]

كل من قال بجوازه واستحبابه فهو ضال مبتدع كلا فإنه وهم باطل وجهل بالغ لأن البدعة التي يذم صاحبها وتحمل عليه الأحاديث الزاجرة عن البدعة إنما هي " طريقة في الدين مخترعة تضاه الشيعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه " فمن ابتدع بدعة يقصد بها المبالغة في التعبد وهو يعلم أنها ليست من الشرع فهو الذي تنصب عليه تلك لأحاديث وأما من وقع فيها دون أن يعلم بها ولم يقصد بها المبالغة في التعبد فلا تشمله تلك الأحاديث مطلقا ولا تعنيه البتة وإنما تعني أولئك المبتدعة الذي يقفون في طريق انتشار السنة ويستحسنون كل بدعة بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير بل ولا تقليدا لأهل العلم والذكر بل اتباعا للهوى وإرضاء للعوام وحاشا أن يكون من هؤلاء أحد من العلماء المعروفين بعلمهم وصدقهم وصلاحهم وإخلاصهم ولا سيما الأئمة الأربعة المجتهدين Bهم أجمعين فغننا نقطع بتنزههم أن يستحسنوا بدعة مبالغة منهم في التعبد كيف وهم قد نهوا عن ذلك كما سنذكر نصوصهم في ذلك في الرسالة الخاصة بالبدعة إن شاء الله تعالى نعم قد يقع أحدهم فيما هو خطأ شرعا ولكنه لا يؤاخذ على ذلك بل هو مغفور له ومأجور عليه كما سبق مرارا وقد [42]

يتبين للباحث أن هذا الخطأ من نوع البدعة فلا يختلف الحكم في كونه مغفورا له ومأجورا عليه لأنه وقع عن اجتهاد منه ولا يشك عالم أنه لا فرق من حيث كونه خطأ بين وقوع العالم في البدعة ظنا منه أنها سهنة وبين وقوعه في المحرم وهو يظن أنه حلال فهذا كل خطأ ومغفور كما علمت ولهذا نرى العلماء مع اختلافهم الشديد في بعض المسأئل لا يضلل بعضهم بعضا ولا يبدع بعضهم بعضا ولنضرب على ذلك مثالا واحدا لقد اختلفوا منذ عهد الصحابة في إتمام الفريضة في السفر فمنهم من أجازه ومنهم من منعه ورآه بدعة مخالفة للسنة ومع ذلك فلم يبدعوا مخالفيهم فهذا ابن عمر Bهـ يقول: - 13 (أثر صحيح) صلاة المسافر ركعتان من خالف السنة كفر رواه السراج في مسنده باسنادين صحيحين عنه] ومع هذا فلم يكفر ولم يضلل من خالف هذه السنة اجتهادا بل لما صلى وراء ن يرى الإتمام أتم معه - 14 (صحيح) فروى السراج بسند صحيح عنه أن النبي A صلى بمنى ركعتين وأبو بكر وعمر وعثمان صدرا من أمارته ركعتين ثم أن عثمان صلى بمنى أربعا فكان ابن عمر اذا صلى معهم صلى أربعا واذا صلى وحده صلى ركعتين وروى البخاري نحوه عن ابن مسعود وفيه أنه لما بلغه إتمام عثمان استرجع] [43]

فتأمل كيف أن ابن عمر لم يحمله اعتقاده بخطأ من يخالف السنة الثابتة بالإتمام في السفر على أن يضلله أو يبدعه بل إنه صلى وراءه لأنه يعلم أن عثمان Bهـ لم يتم اتباعا للهوى - معاذ الله بل ذلك يجب عن اجتهاد منه وهذا هو السبيل الوسط الذي نرى من الواجب على المسلمين أن يتخذوه لهم طريقا لحل الخلافات القائمة بينهم أن يجهر كل منهم بما يراه هو الصواب الموافق للكتاب والسنة شريطة أن لا يضلل ولا يبدع من لم ير ذلك لشبهة عرضت له لأنه هو الطريق الوحيد الذي بحه تتحقق وحدة المسلمين وتتوحد لكمتهم ويبقى الحق فيه ظاهرا جليا غير منطمس المعالم ولهذا نرى أيضا أن تفرق المسلمين في صلاتهم وراء أئمة متعددين: هذا حنفي وهذا شافعي. . . . مما يخالف ما كان عليه سلفنا الصالح من الاجتماع في الصلاة وراء إمام واحد وعدم التفرق وراء أئمة متعددين هذا هو موقفنا في المسائل الخلافية بين المسلمين الجهر بالحق بالتي هي أحسن وعدم تضليل من يخالفنا لشبهة لا لهوى [44]

وهذا هو الذي جرينا عليه منذ أن هدانا الله لاتباع السنة ولك من نحو عشرين سنة ونتمنى مثل هذا الموقف لأولئك المتسرعين في تضليل المسلمين الذين من مذهبهم قولهم: " إذا سئل عن مذهبنا؟ قلنا: صواب يحتمل الخطأ وإذا سئلنا عن مذهب غيرنا؟ قلنا خطأ يحتمل الصواب " ومن مذهب القول بكراهة الصلاة وراء المخالف في المذهب أو بطلانها ولذلك تفرقوا في المسجد الواحد كما سبق وخاصة في جماعة الوتر في رمضان لظن بعضهم أن الوتر لا يصح إذا فصل الإمام بين شفعه ووتره مع أنه هو الأفضل الثابت عن رسول الله A كما سيأتي في الفصل السابع وذلك هو موقفنا وما أظن عاقلا ينازعنا فيه فمن نسب إلينا غير ذلك فقد بغى وتعدى وظلم والله حسيبه وغرضنا من نشر السنة في هذه المسألة وغيرها بين ظاهر وهو تبليغها للناس لقوله A: " بلغوا عني ولو آية. . . " الحديث رواه البخاري ومسلم لعلها إذا بلغتهم اقتنعوا بصحتها فالتزموها وفي ذلك فلاحهم وسعادتهم في الدارين وفيه تضعيف الأجر لنا إن شاء الله تعالى لقوله A: " من سن سنة في الإسلام حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ". فمن لم يقتنع بها لشبهة [45]

لا لهوى ولا اتباعا للآباء والأجداد فليس لأحد عليه من سبيل لا سيما إذا كان لم يلتزمها بعض كبار العلماء كما في هذه المسألة. والتوفيق من الله سبحانه الأحوط اتباع السنة: على أنه مهما قيل في جواز الزيادة أو عدمها فما أظن أن مسلما يتوقف - بعد ما سلف بيانه - عن القول بأن العدد الذي ورد عنه A أفضل من الزيادة عليه لصريح قوله A: (صحيح) وخير الهدي هدي محمد A رواه مسلم فما الذي يمنع المسلمين اليوم أن يأخذوا بهذا الهدي المحمدي ويدعوا ما زاد عليه فما الذي يمنع المسلمين اليوم أن يأخذوا بهذا الهدي المحمدي ويدعوا ما زاد عليه ولو من باب " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " لا سيما وأن كثيرا منهم يسيؤون أداة صلاة التراويح بعشرين ركعة للسرعة الزائدة التي يؤدونها بها حتى ليمكن القول إنها لا تصح مطلقا لإخلالهم بالاطمئنان الذي هو ركن من أركان الصلاة التي لا تصح صلاة إلا بها لما سيأتي بيانه في الفصل الثامن [46]

فلو أنهم صلوها بالعدد الوارد في السنة في مثل المدة التي يصلون فيها العشرين لكانت صلاتهم صحيحة مقبولة باتفاق العلماء ويؤيد ذلك حديث جابر قال: سئل A أي الصلاة أفضل؟ قال: " طول القيام ". فعليكم أيها المسلمون بسنته A تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ فإن " خير الهدى هدي محمد " A [47]

4 - إحياء عمر لسنة الجماعة في التراويح وأمره بال (11) ركعة سبق أن ذكرنا أن الناس بقعد وفاته A استمروا على أداء التراويح في المسجد أوزاعا وراء أئمة متعددين وذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلفة عمر Bهما ثم إن عمر Bهـ جمعهم وراء إمام واحد فقال عبد الرحمن بن عبد القاري: - 15 (أثر صحيح) خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط (عدد يجمع من ثلا ثة إلى عشرة) فقال: [والله] إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب [قال] : ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم [ف] قال عمر: نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله " رواه مالك في الموطأ وعنه البخاري والفرياني ورواه ابن أبي شيبة نحوه دون قوله نعمت البدعة هذه وله عند ابن سعد والفريابي طريق آخر بلفظ: " ان كانت هذه لنعمت البدعة " ورجاله ثقات غير نوفل بن إياس فقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول " عند المتابعة والا فلين الحديث] [49]

واعلم أنه قد شاع بين المتأخرين الاستدلال بقول عمر " نعمت البدعة هذه " على أمرين اثنين: الأول: إن الاجتماع في صلاة التراويح بدعة لم تكن في عهد النبي A وهذا خطأ فاحش لا نطيل الكلام عليه لظهوره وحسبنا دليلا على إبطاله الأحاديث المتقدمة في جمعه A الناس في ثلاث ليال من رمضان وإن ترك الجماعة لم يكن إلا خشية الافتراض الثاني: أن في البدعة ما يمدح وخصصوا به عموم قوله A " كل بدعة ضلالة " ونحوه من الأحاديث الأخرى وهذا باطل أيضا فالحديث على عمومه كما سيأتي بيانه في الرسالة الخاصة بالبدعة إن شاء الله تعالى وقول عمر: " نعمت البدعة هذه " لم يقصد به البدعة بمعناها الشرعي الذي هو إحداث شيء في الدين على غير مثال سابق لما علمت إنه Bهـ لم يحدث شيئا بل أحيا أكثر من سنة نبوية كريمة وإنما قصد البدعة بمعنى من معانيها اللغوية وهو الأمر الحديث الجديد الذي لم يكن معروفا قبيل إيجاده ومما لا شك فيه أن صلاة التراويح جماعة وراء إمام واحد لم يكن معهودا ولا معمولا زمن خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر - كما تقدم - فهي بهذا الاعتبار حاديثة ولكن بالنظر إلى أنها موافقة لما فعله A فهي سنة وليست بدعة وما وصفها بالحسن إلا لذلك [50]

وعلى هذا المعنى جرى العلماء المحققون في تفسير قول عمر هذا فقال السبكي - عبد الوهاب - في " إشراق المصابيح في صلاة التراويح " (1 / 168) من " الفتاوى ": قال ابن عبد البر: لم يسن عمر من ذلك إلا ما سنه رسول الله A ويحبه ويرضاه ولم يمنع ن المواظبة إلا خشية أن تفرض على امته وكان بالمؤمنين رؤوفا ريما A فلما علم عمر ذلك من رسول الله A وعلم أن الفرائض لا يزاد فيها ولا ينقص منها بعد موته A أقامها لناس وأحياها وأمر بها وذلك سنة أربعة عشرة من الهجرة وذلك شيء ذخره الله له وفضله به ولم يلهمه أبا بكر وإن كان أفضل وأشد سبقا إلى كل خير بالجملة ولكل واحد منهما فضائل خص بها ليس لصاحبه قال السبكي: ولو لم تكن مطلوبة لكانت بدعة مذمومة كما في الرغائب " ليلة نصف شعبان وأول جمعة من رجب فكان يجب إنكارها وبطلانه (يعني بطلان إنكار جماعة التراويح) معلوم من الدين بالضرورة " وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في فتواه ما نصه: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وقتال الترك لما كان مفعولا بأره A لم يكن بدعة وإن لم يفعل في عهده [51] وقول عمر Bهـ في صلاة التراويح: نعمت البدعة هي " أراد البدعة اللغوية وهو ما فعل على غير مثال كما قال تعالى:؟ ما كنت بدعا من الرسل؟ وليست بدعة شرعية فإن البدعة الشرعية ضلالة كما قال A ومن قسمها من العلماء إلى حسن وغير حسن فإنما قسم البدعة اللغوية ومن قال كل بدعة ضلالة فمعناه البدعة الشرعية ألا ترى أن الصحابة Bهم والتابعين لهم بإحسان أنكروا الأذان لغير الصلوات الخمس كالعيدين وإن لم يكن فيه نهي وكرهوا استلام الركنين الشاميين والصلاة عقب السعي بين الصفا والمروة قياسا على الطواف وكذا ما تركه A مع قيام المقتضي يكون تركه سنة وفعله بدعة مذمومة وخرج بقولنا مع قيام المقتضي في حياته إخراج اليهود وجمع لمصحف وما تركه لوجود المانع كالاجتماع للتراويح فإن المقتضي التام يدخل فيه عدم المانع " [52]

أمر عمر بال (11) ركعة: وأما أمر عمر Bهـ بالإحدى عشرة ركعة فهو ما رواه مالك في " الموطأ " (1 / 137) (ورقم 248) عن محمد بن يوسف عن السائب بن ييد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب Bهـ أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشر ركعة قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر ". سنده صحيح جدا] وابن إسحاق [53]

قال: " ثلاث عشرة ركعة " وهكذا رواه ابن نصر في " قيام الليل " (91) وزاد: قال ابن إسحاق وما سمعت في ذلك (يعني عدد القيام في رمضان) هو أثبت عندي ولا أحرى من حديث السائب وذلك أن رسول الله A كانت له من الليل ثلاث عشرة ركعة قلت: وهذا العدد: " لاث عشة " ترد به ابن إسحاق وهو موافق للرواية الأخرى من حديث عائشة في قيامه A في رمضان وقد بينت في رواية أن منها ركعتي الفجر فيمكن حمل رواية ابن إسحاق هذه على ذلك حتى توافق رواية الجماعة ومما سبق تعلم أن قول ابن عبد البر: ولا أعلم أحدا قال فيه إحدى عشرة " إلا مالكا " خطأ بين وقال المباركفوري في " تحفة الأحوذي ": " وهم باطل " ولهذه رده الزرقاني في " شرح الموطأ " بقوله: ليس كما قال فقد رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن محمد بن يوسف فقل: إحدى عشرة ركعة كما قال مالك [54]

قلت: وسنده في غاية الصحة كما قال السيوطي في " المصابيح " وهذا وحده يكفي في رد قول ابن عبد البر فكيف وقد انضم إلى ذلك تلك المتابعات الأخرى التي لم أر من سبقني إلى جمعها والحمد لله على توفيقه لم يثبت أن عمر صلاها عشرين تحقيق الأخبار الواردة في ذلك وبيان ضعفها ولا يجوز أن تعارض هذه الرواية الصحيحة بما رواه عبد الرزاق من وجه آخر عن محمد بن يوسف بلفظ " إحدى وعشين " لظهور خطأ هذا اللفظ من وجهين: الأول: مخالفته لرواية الثقة المتقدمة بلفظ " إحدى عشرة " الثاني: أن عبد الرزاق قد تفر بروايته على هذا اللفظ فإن سلم ممن بينه وبين محمد بن يوسف فالعلة منه أعني عبد الرزاق لأنه وإن كان ثقة حافظا ومصنفاص مشهورا فقد كان عي في آخر عمره فتغير كما قال الحافظ في " التقريب " ولهذا أورده الحافظ أبو عمر ابن الصلاح في " من خلط في آخر عمره " فقال في " مقدمة علوم الحديث ": ذكر أحمد بن حنبل أنه عمي في آخر عمه فكان يلقن فيتلقن فسماع من سمع منه بعد ما عمي لا شي قال النسائي: فيه نظر لمن كتب عنه بآخره وقال في مقدمة الفصل المذكور (ص 391) : والحكم فيها (يعني المختلطين) أنه يقبل حديث من أخ عنهم قبل الاختلاط ولا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد [56] الاختلاط أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده قلت: وهذا الأثر من القسم الثالث أي لا يدرى حدث به قبل الاختلاط أو بعده فلا يقبل وهذا لوسلم من الشذوذ والمخالفة فكيف يقبل معها؟ فإن قيل: فقد روى الفريابي في " الصيام " (76 / 1) والبيهقي في " السنن (2 / 496) من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال: " كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب Bهـ في شهر رمضان بعشرين ركعة قال: وكانوا يقرؤون بالمئين وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان Bهـ من شدة القيام " قلت: هذه الطريق بلفظ العشرين هي عمدة من ذهب إلى مشروعية العشرين في صلاة التراويحن وظاهر إسناده الصحة ولهذا صححه بعضهم ولكن له علة بل علل تنع القول بصحته وتجعله ضعيفا منكرا وبيان ذلك من وجوه: الأول: أن ابن خصيفة هذا وإن كان ثقة فقد قال فيه الإمام أحمد في رواية عنه " منكر الحديث " ولهذا أورده الذهبي في " الميزان " ففي قول أحمد هذا إشارة إلى أن ابن خصيفة قد ينفرد بما [57]

لم يروه الثقات فمثله يرد حديثه إذا خاف من هو أحفظ منه يكون شاذا كما تقرر في " مصطلح الحديث " وهذا الأثر من هذا القبيل فإن مداره على السائب بن يزيد كما رأيت وقد رواه عنه محمد بن يوسف وابن خصيفة واختلفا عليه في العدد فالأول قال عنه: (11) والآخر قال: (20) والراجح قول الأول لأنه أوثق منه فقد وصفه الحافظ ابن حجر بأنه " قة ثبت " واتصر في الثاني على قوله: " ثقة " فهذا التفاوت من المرجحات عند التعارض كما لا يخفى على الخبير بهذا العلم الشريف الثاني: أن ابن خصيفة اضطرب في روايته العدد فقال إسماعيل بن أية أن محمد بن يوسف ابن أخت السائب بن يزيد أخبره (قلت: فذكر مثل رواية مالك عن ابن يوسف ثم قال ابن أمية) : قلت: أو واحد وعشرين؟ قال: (يعني محمد بن يوسف) : لقد سمع ذلك ن السائب بن يزيد - ابن خصيفة؟ فسألت (السائل هو إسماعيل بن أمية) يزيد بن خصيفة؟ فقال: حسبت أن السائب قال: أحد وعشرين. قلت: وسنده صحيح [58]

فقوله في هذه الرواية " أحد وعشرين " على خلاف الرواية السابقة: " عشرين وقوله في هذه " حسبت " أي ظننت دليل على اضطراب ابن خصيفة في رواية هذا العدد وإنه كان يريوه على الظن لا على القطع لأنه لم يكن قد حفظه جيدا فهذا وحده كاف لإسقاط الاحتجاج بهذا العدد فكيف إذا اقترن به مخالفته لمن هو أحفظ منه كما في الوجه الأول؟ ويؤيده الوجه الآتي: الثالث: أن محمد بن يوسف هو ابن أخت السائب بن يزيد - كما سبق آنفا - فهو لقرابته للسائب أعرف بروايته من غيره وأحفظ فما رواه من العدد أولى مما رواه مخالفه ابن خصيفة ويؤيده أنه موافق لما روته عائشة في حديثها المتقدم أن النبي A كان لا ييد على إحدى عشرة ركعة وحمل فعل عمر Bهـ على موافقة سنته A خير وأولى من حمله على مخالفتها وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى [59]

ومثل هذه الراية في الضعف ما ذكره ابن عبد البر قال: ورى الحارث بن عبد الرحمن ابن أبي ذباب عن السائب بن يزيد قال: كان القيام على عهد عمر بثلاث وعشرين ركعة قلت: وهذا سند ضعيف لأن ابن أبي ذباب هذا فيه ضعف من قبل حفظه قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 80) : " قال أبي: يروي عنه الدراوردي أحاديث منكرة وليس بذلك القوي يكتب حديث. وقال أبو زرعة: لا بأس به " قلت: ولذلك كان مالك لا يعتمد عليه كما في " التهذيب " للحافظ ابن حجر وقال في " التقريب ": " صدوق يهم " قلت: فمثله لا يحتج بروايته لما يخشى من وهمه لا سيما عند مخالفته للثقة الثبت ألا وهو محمد بن يوسف ابن أخت السائب فإنه قال: " إحدى عشرة ركعة " كما سبق على أننا لا ندري إذا كان السند بذلك إليه صحيحا فليس كتاب ابن عبد البر في متناول يدنا لنرجع إليه فننظر في سائر سنده إن كان ساقه [60]

ومثل هذه الرواية في الضعف راية يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة رواه مالك وعنه افريابي وكذا البيهقي في السنن. وفيه ضعفه بقوله: يزيد بن رومان لم يدرك عمر [61]

وكذا ضعفه النووي في " المجموع " فقال: (4 / 33) : رواه البيهقي ولكنه مرسل فإنيزيد بن رومان لم يدرك عمر وكذلك ضعفه العيني بقوله: في " عمدة القاريء شرح صحيح البخاري " (5 / 357) : " سنده منقطع " فهذه الرواية ضعيفة لانقطاعها بين ابن رومان وعمر فلا جة فيها لا سيما وهي مخالفة للرواية الصحيحة عن عمر في أمره بالإحدى عشرة ركعة وهذا منقطع أيضا قال العلامة المباركفوري في " التحفة " (2 / 85) : قال النيموي في " آثار السنن ": " رجاله ثقات لكن يحيى ابن سعيد الأنصاري لم يدرك عمر " انتهى. قلت: الأمر كما قالك النيموي فهذا الأثر منقطع لا يصلح للاحتجاج ومع هذا فهو مخالف لما ثبت بسند صحيح عن عمر Bهـ أنه أمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. أخرجه مالك في " الموطأ " وقد تقدم وأيضا هو مخالف لما ثبت عن رسول الله A بالحديث الصحيح " [63]

تضعيف الإمام الشافعي والترمذي لعدد العشرين عن عمر هذا: وقد أشار الترمذي في سننه (2 / 74) إلى عدم ثبةت عدد العشرين عن عمر ويره من الصحابة فقال: روي عن علي وعمر وغيرهما من أصحاب النبي A وكذلك قال الشافعي: في العشرين عن عر كما نقله صاحبه المزني عنه في مختصره (1 / 107) فقولهما: " روي " تضعيف منهما للمروي كما هو معروف عند المحدثين فإن من المروض أن الإمام الشافعي والترمذي من أولئك العلماء المحقيين الذين عناهم النووي C بقوله في " المجموع " (1 / 63) : قال العلماء المحققون من أهل الحديث وغيرهم إذا كان الحديث ضعيفا لا يقال فيه: قال رسول الله A أو فعل أو أمر أو نهى أو حكم وما أشبه ذلك من صيغ الجزم. وكذا لا يقال فيه: روى أبو هريرة أو قال أو ذكر أو أخبر أو حدث أو نقل أو أفتى وما أشبهه وكذا لا يقال ذلك في التابعين ومن بعدهم فيما كان ضعيفا فلا يقال في شيء من ذلك بصيغة الجزم وإنما يقال في هذا [64] كله: روي عنه أو نقل عنه أو حكي عنه أو بلغنا عنه أو يقال أو يذكر أو يحكى أو يروى أو يرفع أو يعزى وما أشبه ذلك من صيغ التمريذ وليست من صيغ الجزم قالو: فصيغ الجزم موضوعة للصحيح أو الحسن وصيغ التمريض لما سواهما وذلك أن صيغة الجزم تتضي صحته عن المضاف إليه فلا ينبغي أن يطلق إلا فيما صح وإلا فيكون الإنسان في معنى الكاذب عليه. وهذا الأدب أخل به المصنف وجماهير الفقهاء من أصحابنا وغيرهم بل جماهير أصحاب العلوم مطلقا ما عدا حذاق المحدثين وذلك تساهل قبيح فإنهم يقولون كثيرا في الصحيح: روي عنه " وفي الضعيف " قال " و " روى فلان " وهذا حيد عن الصواب " هذه الروايات لا يقوي بعضها بعضا: قد يقول البعض: سمنا بضعف مفردات هذه الروايات ولكن ألا يقوي بعضها بعضا لكثرتها؟ فأقول: كلا وذلك لوجهين: الأول: أن هذه الكثرة يحتمل أن تكون شكلية غير حقيقية فإنه ليس لدينا إلا رواية السائب بن يزيد المتلة وروياة يزيد بن رومان ويحيى بن سعيد الانصاري المنقطعة ومن الجائز أن يكون مدار هذه الرواية لى بعض من روى الرواية الأولى وجائز غير ذلك كما يأتي ومع الاحتمال يسقط الاستدلال [65]

الثاني: أننا أثبتنا فيما تقدم أن روايةمالك عن محمد بن يوسف الثقة البت عن السائب بالإحدى عشرة ركعة هي الصحيحة وأن من خالف مالكا فقد أخطأ وكذلك من خالف محمد بن يوسف وهما ابن خصيفة وابن أبي ذباب فروايتهما شاذة ومن المقرر في علم المصطلح أن الشاذ منكر مردود لأنه خطأ والخطأ لا يتقوى به قال ابن الصلاح في " المقدمة " (ص 86) : إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره. . . فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولا شك أن هذه الرواية من النوع الأول لأن راويها مخالف لما رواه من هو ألى منه بالحفظ لذلك وأضبط فهي مردودة ومن الواضح أن سبب رد العلماء للشاذ إنما هو ظهور خطأها بسبب المخالفة المذكورة وما ثبت خطأه فلا يعقل أن يقوى به رواية أخرى في معناها فثبت أن الشاذ والمنكر مما لا يعتد به ولا يستشهد به بل إن وجوده وعدمه سواء [66]

ثم إن رواية يزيد بن رومان ويحيى بن سعيد الأنصاري المنقطعتين لا يجوز أن يقال: عن إحداها تقوي الأخرى لأن الشرط في ذلك أن يكون شيوخ كل من الذين أرسلاها غير شيوخالآخر وهذ لم يثبت هنا لأ كلا من الراويين يزيد وابن سعيد مدني فالذي يغلب على الظن في هذه الحالة أنهما اشتركا في الرواية عن بعض الشيوخ وعليه فمن الجائز أن أن يكون شيخهما الذي تلقيا عنه هذه الرواية إنما هو شيخ واحد وهذا قد يكون مجهولا أو ضعيفا لا يحتج به ومن لجائز أنهما تلقياها عن شيخين متغايرين ولكنهما ضعيفان لا يعتبر بهما وجائز أيضا أن يكون هذان الشيخان هما ابن خصيفة وابن أبي ذباب فإنهما مدنيان أيضا وقد أخطأ في هذه ارواية كما تقدم وعليه تكون رواية يزيد وابن سعيد خطأ أضا كل هذا جائز محتمل ومع الاحتمال يسقط الاستدلال قال شيخ الإسلام ابن تيمية C: [67]

" والمراسيل قد تنازع الناس في قبولها وردها وأصح الأقوال أن منها القبول ومنها المردود ومنها الموقوف. . . وما كان من المراسيل مخالفا لما رواه الثقات كان مردودا وإن جاء المرسل من وجهين كل من الراويين أخذ العلم من غير شيوخ الآخر فهذا مما يدل على صدقه فإن مثل ذلك لا يتصور في العادة تماثل الخطأ فيه. . . " والغفلة عن هذا الشرط أوقع بعض كبار العلماء في تصحيح بعض القصص الظاهرة البطلان مثل قصة الغرانيق المشهورة كما بينته في كتابي السابق " نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق " فليتنبه لهذا فإنه مهم جدا وما ذكرته هنا في هذه الروايات عن عمر يقال مثله أو نحوه في الروايات الآتية عن علي وغيره في الفصل الخامس يزاد عليه بعضها ضعيف جدا كالطريق الثاني عن علي فلا يصلح أن يقوى به الطريق الأول فتذكر هذا فإنه ينفعك إن شاء الله تعالى [68]

الجمع الصحيح بين الوايتين عن عمر: وإذا تبين للقاريء شعف هذه الرواية عن عمر فلا ضرورة حينئذ إلى الجمع بينها وبين الرواية الصحيحة عنه كما فعل بعضهم - فقال: " إنهم كانوا يقومون أول الأمر بإحدى عشرة ركعة ثم كانوا يقومون بعشرين ويوترين بثلاث " لأننا نقول أن الجمع فرع التصحيح وهذه الروايات غير صحيحة فلا داعي للجمع المذكور على انه يمكن معارضة هذا الجمع فقال المباركفوري C (2 / 76) عقب الجمع المذكور قلت: فيه أنه لقائل أن يقول: بأنهم كانوا يقومونأولا بعشرين ركعة ثم كانوا يقومون بإحدى عشرة ركعة وهذا هو الظاهر لأ هذا كان موافقا لما هو الثابت عن رسول الله A وذاك كان مخالفا له فتفكر العشرون - لو صح - إنما كان لعلة وقد زالت على أنه لو فرضنا أن أحدا لم يقتنع من البيان السابق بضعف عدد العشرين عن عمر - فإنا نقول إنه لا يلزم من ذلك التزام العمل بهذا العدد بحيث يهجر العمل بما ثبت في السنة عنه A [69]

من الإحدى عشرة ركعة فضلا عن أن يعتبر العامل بهذه السنة خارجا عن الجماعة ذلك لأن الالتزام شيء زائد على الفعل في مثل ما نحن فيه إذ أن فعل عمر للعشرين إنما يدل على مشروعيته فقط ولا يفيد أكثر من ذلك لأنه مقابل بفعل النبي A المخالف له من حيث العدد فلا يجوز والحالة هذه إهدار فعله A والإعراض عنه بالتزام ما فعله عمر Bهـ فقط بل غاية ما يستفاد منه جواز الاقتداء به في ذلك مع الجزم والقطع بأن الاقتداء بفعله A أفضل. وهذا مما ينبغي أن لا يرتاب فيه عاقل وهذا كله يقال لو فرضنا أن عمر زاد على العدد المسنون بحجة أن الزيادة لا مانع منها مطلقا - كما يزعم البعض وسبق الرد عليه - أما وعمر لم يأت بها من هذا الباب بل بعلة التخفي على الناس من طول القيام الذي كان A يقوم بالناس في صلاة التراويح كما قف عليه القارئ الكريم في الأحاديث التي أوردناها في الفصل الأول - فقد ضكر غير واحد من العلماء أن مضاعفة العدد كانت عوضا عن طول القيام أقوك فهذه المضاعفة مع تخفيف القراءة في القيام - لو فعلها عمر Bهـ - لكان له ما [70]

قد يبرره في ذلك العصر لأنه مع ذلك كانوا لا يفرغون من صلاة التراويح في عهد عمر إلامع الفجر كما سبق وكانوا مع هذا التخفيف المزعوم يقرأ إمامهم في الركعة الواحدة ما بين العشرين والثلاثين آية يضاف إلى ذلك أنهم كانوا يسوون بين الأركان من القيام والركوع والسجود وما بين ذلك فيطيلونها حتى تكون بعضها قريبا من بعض ويكثرون فيها من التسبيح والتحميد والدعاء والذكر كما هو السنة في كل ذل وأما اليوم فليس هناك شيء من هذه القراءة الطويلة حتى تخفف ويعوض عنها بزيادة الركعات فإن أكثر أئمة المساجد ليخففون القراءة في هذه الصلاة - كما هو مشاهد - إلى درجة أن لو قيل لهم خففوا القراءة لما وجدوا سبيلا إلى ذلك إلا أن يتركوا القراءة مطلقا بعد الفاتحة أو لاقتصروا - في أحسن الأحوال - على مثل آية؟ مدهامتان؟ وقد بلغني أن بعضهم فعل ذلك وهذه افاتحة التي يقرؤونها فإنهم قد ذهبوا بطلاوتها ولاوتها لشدة السرعة التي يقروؤونها بها حتى أن الكثيرين منهم ليأتون عليها [71]

بنفس واحد خلافا للسنة التي تنص أنه A كان يقرؤوها آية آية ولئن وجد في أولئك الأئمة من يطيل القراءة بعض الإطالة فإنهم قد اتفقوا جميعا على الإعراض عن تسوية الأركان والمقاربة بينها مع أن سنية ذلك ثابتة في أحاديث كثيرة منها حديث حذيفة بن اليمان المتقدم أقولك فهذا الواقع الي عليه غالب المسلين اليوم - فيما أعلم - يجعل العلة التي من أجلها زيدت ركعات التراويح زائلة ويبزوالها يزول المعلول وهو عدد العشرين فوجب إذن - من هذه الجهة أيضا - الرجوع إلى العدد الوارد في السنة الصحيحة والتزامه وعدم الزيادة عليه مع حض الناس على إطالة القراءة وأذكار الأركان فيها قدر الطاقة اقتداء بالنبي A والسلف الصالح Bهم وأعتقد أن هذا الواقع سيحمل من شاء الله من الفكرين المصلحين على أن يتبنوا رأية بضرورة الرجوع في صلاة التراويح إلى [72]

سننه A كما وكيفا فقد فعلوا مثله في مسألة أخرى هي أهم من هذه من حيث نتائجها وأثرها في المجتمع وفي ظهور مخالفتها لعمر Bهـ ألا وهي اعتبار الطلاق الواقع من الرجل بلفظ ثلاث طلاقا واحدا وقد كانوا إلى زمن قريب يعتبرونه ثلاثا (لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) وعمدتهم في ذلك إطباق كتب المذاهب الأربعة عليه تبعا لرأي عمر Bهـ فيه مع علمه بأن النبي A كان يجعله طلقة واحدة فإذا بهم اليوم يدعون رأي عمر هذا مع ثبوته عنه لما رأوا أن هذا الرأي قد عاد على الناس في هذا العصر بخلاف ما رمى إليه عمر Bهـ من الإصلاح فرجعوا إلىالنة لأنه تبين لهم - بعد لأي - أن الإصلاح المنشود لا يتحقق إلا بها ومن العجائب أن الكثيرين منهم كانوا إلى عهد قريب يعادون ابن تيمية C أشد العداء ويطعنون فيه أشد الطعن لإفتائه بهذه السنة وتركه لرأي عمر واجتهاده المخالف لها وينسبونه [73]

بسبب ذلك إلى الخروج عن الجماعة فإذا بهم اليوم يقضون بما كانوا بالأمس به يكفرون ذلك لأنه لا يعرفون الرجوع إلى السنة والعمل بها لأنه هو الواجب شرعا بل إنما يرجعون إليها تحت تأثير الحوادث والتجارب ومراعاة للمصالح فعسى أن يتبنوا الرجع إلى السنة والعمل بها لأنه هو الواجب شرعا بل إنما يرجعون إليها تحت تأثير الحوادث والتجارب ومراعاة للمصالح فعسى أن يتبنوا الرجوع إلى سنته A في صلاة التراويح للنص القرآني فإن الله تبارك وتعالى يقول في نبيه A وسننه:؟ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما؟ ويقول:؟ قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم؟ [74]

5 - لم يثبت أن أحدا من الصحابة صلاها عشرين تحقيق الآثار الواردة عنهم في ذلك وبيان ضعفها وهناك روايات أخرى عن غير عمر من الصحابة Bهـ فيها أنهم كانوا يصلون العشرين ولما كانت جميعها مما لا يثبت أمام النقد العلمي الصحيح وقد اغتر بها كثيرون كان لا بد من بيان ضعفها حتى يكون المؤمن على بينة من أمرها فأقول: - 1 - عن علي Bهـ وله عنه طريقان: الأول: عن أبي الحسنا أن عليا أمر رجلا يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة. رواه ابن أبي شيبة والبيهقيوقال: " وفي هذا الإسناد ضعف " قلت: وعلته أبو الحسناء هذا قال الذهبي: " لا يعرف " وقال الحافظ: " مجهول " قلت: وأنا أخشى أن يكون فيه علة أخرى وهي الإعضال بين أبي الحسناء وعلي فقد قال الحافظ في ترجمته من " التهذيب ": روى عن الحكم بن عتيبة عن حنش عن علي في الأضحية قلت: فبينه وبين علي شخصان والله أعلم [76]

الثاني: عن حماد بن شعيب عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي Bهـ قالك دعا (أي علي Bهـ) القراء في رمضان فأمر منهم رجلا يصلي بالناس عشرين ركعة قالك وكان علي Bهـ يوتر بهم رواه البيهقي (2 / 496) وإسناده ضعيف فيه علتان: الأولى: عطاء بن السائب فإنه كان قد اختلط الثانية: حماد بن شعيب فإنه ضعيف جدا كما أشار إليه البخاري بقوله: " فيه نظر " وقال مرة: " منكر الحديث " فإنه إنما يقول هذا فيمنلا تحل الرواية عنه كما نبه إليه العلماء فلا يستشهد به ولا يصلح للاعتبار قلت: وقد خالفه محمد بن فضيل فرواه ابن أبي شيبة عنه عن عطاء بن السائب به مختصرا بفلظ " عن علي أنه قام بهم في رمضان [77]

ليس فيه العد مطلقا فهذا مما يدل على ضعف ابن شعيب هذا لأ محمد بن فضيل ثقة ولم يرو ما روى ابن شعيب فروايته منكرة على مقتضى قواعد علم الحديث - 2 - عن أبي بن كعب وله عنه طريقان أيضا: الاول: [كان أبي بن كعب يصلي بالناس في رمضان بالمدينة عشرين ركعة ويوتر بثلاث رواه ابن أبي شيبة في المصنف بسند صحيح إلى عبد العزيز بن رفيع ولكنه منقطع بين عبد العزيز هذا وأبي فان بين وفاتهما نحو مائة سنة أو أكثر ولهذا قال العلامة النيموي الهندي: عبد العزيز بن رفيع لم يدرك أبي بن كعب نقله المباركفوري ثم عقب عليه بقوله (2 / 75) : الأمر كما قال النيموي فأثر أبي بن كعب هذا منقطع ومع هذا فهو مخالف لما ثبت عن عمر Bهـ أنه أمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة وأيضا هو مخالف لما ثبت عن أبي بن كعب أنه صلى في رمضان بنسوة في داره ثمان ركعات وأوتر وقد تقدم ذكره بتمامه [78]

قلت: يشير غلىما ذكره قبل صفحة وهو قوله: ويدل على هذا اقل الأخير الذي اختاره مالك أعني إحدى عشرة ركعة ما رواه أبو يعلى من حديث جابر بن عبد الله قال: اء أبي بن كعب إلى رسول الله A فقال يا رسول الله إنه كان مني الليلة شيء يعني في رمضان قال: وما ذاك يا أبي؟ قال: نسوة في داري قلن: إنا لا نقرأ القرآن فنصلي بصلاتك؟ قال: فصليت بهن ثمان ركعات وأوترت فكانت سنة الرضى فلميقل شيئا قال الهيثمي في مجمع الزوائد ": " إسناده حسن " الطريق الثاني: أخرجه الضياء المقدسي في " المختارة " (1 / 384) عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن عمر أمر أبيا أن يصلي بالناس في رمضان فقال: إن الناس يصومون النهار ولا يحسنون أن يقرؤوا فلو قرأت القرآن عليهم بالليل فقال: يا أمير المؤمنين هذا شيء لم يكن فقال: قد علمت ولكنه أحسن فصلى بهم عشرين ركعة قلت: وهذا إسناد ضعيف أبو جعفر هذا واسمه عيسى بن أبي عيسى بن ماهان أورده الذهي في " الضعفاء " وقال: [79]

" قال أبو زرعة: يهم كثيرا وقال أحمد: ليس بقوي وقال مرة: صالح الحديث وقال الفلاس: سيء الحفظ وقال آخر ثقة " ثم أعاده الذهبي في " الكنى " وقال: جرحوه كلهم وجزم الحافظ في " التقريب " بأنه سيء الحفظ " وقال ابن القيم في " زاد المعاد " (1 / 99) : " يا صاحب مناكير لا يحتج بما تفرد به أحد من أهل الحديث البتة " قلت: وهذا لا يشك فيه الباحث المتتبع لأحاديثه فإنه كثير المخالفة لروايات الثقات ومن ذلك هذا الحديث فقدتقدم بالإسناد الصحيح عن عمر أنه أمر أبيا أن يقوم للناس بإحدى عشرة ركعة ولا يعقل أن يخالف أبي أمر أمير المؤمنين لا سيما وهو موافق لسنة سيد المرسلين A فعلا وتقريرا لأبي كما تقدم بيانه [80]

وفيه مخالفة أخرى وهو قوله: " هذا شيء لم يكن " ويبعد أن يقوله أبي ويوافقه عمر Bهما وقد كان هذا الاجتماع في عهده A كما سبق بيانه بالأحاديث الصحيحة في الفصل الأول والمفروض أنهما شهدا أو على الأقل علما ذلك وهما من هما في العلم وبالجملة فهذه الرواية عن أبي منكرة لا تقومبها حجة - 3 - عن عبد الله بن مسعود: روى ابن نصر في قيام الليل عن زيد بن وهب: كان عبد الله بن مسعود Bهـ يصلي بنا في شهر رمضان فينصرف وعليه لي. قال الاعمش: كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث قال المباركفوري في " التحفة ": وهذا أيضا منقطع فإن الأعمش لم يدرك بن مسعود [81]

قلت: وهو كما قال بل لعله معضل فإن الأعمش إنما يروي عن ابن مسعود بواسطة رجلين غالبا كما لا يخفى على المتتبع لمسند ابن مسعود ثم إننا لا ندري إذا كان السند بذلك صحيحا إلى الغمش لأ هـ قد حذف السند مختصر الكتاب وهو الشيخ المقريزي وليته لم يفعل فقد أضاع علينا بذلك معرفة درجة كثير من أحادث الكتاب والظن أنه لا يصح إلى الأعمش فقد روى الطبراني هذا الأثر من طريق زيد بن وهب المذكور كما في " المجمع " (3 / 172) ولم يذكر قول الأعمش هذا فلعل في الطريق إليه راويا ضعيفا لسوء حفظ أو غيره والله أعلم هذا كل ما وقفنا عليه ن الآثار المروية عن الصحابة Bهم في اليزادة على ما ثبت في السنة في عدد ركعات التراويح وكلها ضعيفة لا يثبت منها شيء وقد أشارالترمذي إلى تضعيفها كما سبق وظني أن القارئ الكريم لا يراها مجموعة في كتاب بهذا التتبع للطرق والتحقيق العلمي الدقيق فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات [82]

لا إجماع على العشرين: لقد تبين لنا من التحقيق السابق أن كل ما روي عن الصحابة في أنهم صلوا التراويح عشرين ركعة لا يثبت منه شيء فما ادعاه البعض: " إن الصحابة أجمعوا على أن التراويح عشرون ركعة " مما لا يعول عليه لأنه بني على ضعيف وما بني على ضعيف فهو ضعيف ولذلك جزم العلامة المباركفوري في " التحفة " ب " أنها دعوى باطلة ". ويؤيده أنها لو كانت صحيحة لم يجز لمن بعدهم أن يخالفوهم وقد اختلفوا على أقل من هذا العدد وأكثر منه كما يأتي قريبا وادعاء مثل هذا الإجماع مما يحمل المحققين على أن لا يتسرعوا في قبول كل إجماع يرد ذكره في بعض الكتب فقد ثبت بالتتبع أنه لا يصح كثير مما يذكر فيها ومن الأمثلة أيضا على ذلك الإجماع الذي نقله بعضهم في أن الوتر ثلاث ركعات مع أنه ثبت عن غير واحد من الصحابة الإيثار بركعة واحدة فقط كما سيأتي قبيل الفصل السابع ولهذا قال المحقق صديق حسن خان في مقدمة كتابه " السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج " (1 / 3) : [84]

" وقد حصل التساهل البالغ في نقل الإجماعات وصار من لا يجب (كذا الأصل ولعل الصواب: نصيب) له من مذاهب أهل العلم ين أن ما اتفق عليه أهل مذهبه أو أهل قطره هو إجماع وهذه مفسدة عظيمة فيأتي هذا الناقل بمجرد الدعوى بما تعم به البلوى ذاهلا عن لزوم الخطر العظيم على عباد الله تعالى من هذا النقل الذي لم يكن على طريق التثبتوالورع وأما أهل المذاهب الأربعة فقد صاروا يعدون ما اتفق عليهم بينهم مجمعاص عليه ولا سيما المتأخر عصره منهم كالنووي في شرحه مسلم من فعل كفعله وليس هذا هو الإجماع الذي تكلم العلماء بحجيته فإن خير القرون [القرن الأول] ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم هم كانوا قبل ظهور المذاهب ثم كان في عصر كل واحد من الائمة الأربعة نم أكابر أهل العلم الناهضين بالاجتهاد من لا يأتي عليه الحصر وهكذا جاء بعد عصرهم إلى هذه الغاية وهذا يعرفه كل عارف منصف ولكن الإنصاف عقبة كؤود لا يجوزها إلا من فتح الله تعالى به أبواب الحق وسهل عليه الدخول منها قال العلامة الشوكاني في " وبل الغمام حاشية شفاء الأوام ": إن الإجماعات التي يحكونها في المصنفات ليست إلا باعتبار أن الحاكي لم يعلم بوقوع خلاف في المسألة وعدم علمه بالوقوع لا يستلزم العدم غاية ما هناك أن حصل له ظن بالإجماع ومجرد ظن فرد من الإفراد لا يصلح أن يكون مستندا [84]

للإجماع لا طريقا من طرقه ومن قال بحجية الإجماع لا يقول بحجية فهو مجرد ظن لفرد من أفراد الأمة ولم يتعبد الله أحد من خلقه بمثل ذلك فإنه لو قال المطلع: لا أعلم في هذه المسألة دليلا ن السنة أو دليلا من القرآن لم يقل عاقل فضلا عن عالم أن هذه المقالة حجة. إذا تقرر هذا هان عليك الخطب عند سماع حكاية الإجماع لأ هـ ليس بالإجماع الذي اختلفت الأمة في كونه حجة أم لا مع أنه قد ذهب الجمهور من أهل الأصول إلى أن الإجماع لا تقبل فيه أخبار الآخاد كما صرح بذلك القاضي في " التقريب " والغزالي في كتبه إلى آخر ما قال وقد أوردت حجج هذه المسألة في كتابي " حصول المأمول من علم الأصول " وأوردها الولدان الصالحان في " الاقليد " و " الطريقة المثلى " فمن رام انثلاج خاطره فيرجع إليها وإلى " دليل الطالب " وغيره من مؤلفاتنا [85]

قلت: وكذلك حقق القول في هذه المسألة الإمام أبو محمد ابن حزم في كتابه القيم " إحكام الأحكام في أصول الأحكام " وهو مطبوع في مصر في ثمانية أجزاء فليرجع إليه من شاء التحقق من الإجماعات التي يلهج بها بعض الناس فإنه من أحسن كتب الأصول المدعمة بالأدلة من الكتاب والسنة بخلاف غيرها التي بنيتعلى مجرد الدعوى - 6 - وجوب التزام الإحدى عشرة ركعة والدليل على ذلك لقد تبين لكل عاقل نص أن لا يصح عن أحد من الصحابة صلاة التراويح بعشرين ركعة وأنه ثبت عن عمر Bهـ الأمر بصلاتها إحدى عشرة ركعة كما تبين أنه A لم يصلها إلا إحدى عشرى ركعة فهذا كله مما يمهد لنا السبيل لنقول بوجوب التزاه هذا العدد وعدم الزيادة عليه اتباعا لقوله A: ". . . فإنه من يعش منكم من بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " زاد في حديث آخر: " وكل ضلالة في النار " [86]

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في كثير من المسائل الفقهية ومنها ما نحن فيه من عدد ركعات التراويح فقد بلغ اختلافهم فيه إلى ثمانية أقوال: الأول (41) . الثاني (36) . الثالث (34) . الرابع (28) . الخامس (24) . السادس (20) . السابع (16) . الثامن (11) [87]

ولما كان الحديث المذكور قد بين لنا المخرج من كل اختلاف قد تقع الأمة فيه وكانت هذه المسألة مما اختلفوا فيه وجب علينا الرجوع إلى المخرج وهو التمسك بسنته A وليست هي هنا إلا الإحدى عشرة ركعة فوجب الأخذ بها وترك مايخالفها ولا سيما أن سنة الخلفاء الراشدين قد وافقتها ونحن نرى أن الزيادة عليها مخالفة لها لأن الأمر في العبادات على التوقيف والاتباع لا على التحسين العقلي والابتداع كما سبق بيانه في الرسالة الأولى ويأتي بسط ذلك في الرسالة الخاصة بالبدعة إن شاء الله تعالى ومن العجيب أن العامة قد تنبهوا لهذا فكثيرا ما تسمعهم يقولون بهذه المناسبة وغيرها: " الزايد أخو الناقص " فما بال الخاصة؟ ويعجبني بهذه المناسبة ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني وصاحب لي كنا في سفر فكنت أتم وكان صاحبي يقصر فقال له ابن عباس: " بل أنت الذي كنت تقصر وصاحبك الذي كان يتم " [88]

وهذا من فقه ابن عباس Bهـ حيث جعل التمام والكمال في اتباع سنته A وجعل النقص والخل فيما خالفها وإن كان أكثر عددا كف لا وهو الذي دعا له رسول الله A بقوله: " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل "؟ والحققة أن من كان فقيها حقا لا يسعهن أن يتعدى قول ابن عباس هذا بل يجعله أصلا في كل ما جاءت به الشريعة الكاملة لأن عكسه يؤدي إلى نسبة النقص أو النسيان إلى الشارع الحكيم؟ وما كان ربك نسيا؟ ولتفصيل هذا موضع آخر إن شاء الهل تعالى ويعجبني أيضا قول شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على ابن المطهر الشيعي: وزعم أن عليا كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ولم يصح ذلك ونبينا A كان لا يزيد في الليل على ثلاث عشرة ركعة ولا يستحب قيام كل الليل بل يكره قال النبي A لعبد الله بن عمر [بن العاص] : إن لجسدك عليك حقا " وقد كان عليه السلام يصلي في اليوم والليلة نحو أربعين ركعة وعلي كان أعلم بسنته واتبع لهديه من أن يخالفه هذه المخالفة لو كان ذلك ممكنا فكيف وصلاة ألف ركعة مع القيام بسائر الواجبات غير ممكن إذ عليه حقوق نفسها من مصالحها ونومها وأكلها وشربها وحاجتها ووضوئها ومباشرته أهله وسراريه والنظر لأولاده وأهله ورعيته مما [89]

يستوعب نصف الزمان تقريبا فالساعة الواحدة لا تتسع لثمانين ركعة إلا أن تكون بالفاتحة فقط وبلا طمأنينة وعلي كرم الله وجهه أجل من أن يصلي صلاة المنافقين التي هي نقر ولا يذكر الله إلا قليلا كما في الصحيحن ". من " المنتقى من منهاج الاعتدال " (ص 169 - 170) فتأمل كيف نزه عليا Bهـ عن الزيادة على سننه A بقوله: " وعلي كان أعلم بسنته وأتبع لهديه من أن يخالفه هذه المخالفة " ذكر من أنكر الزيادة من العلماء: ولذلك نقول: لو ثبتت الزيادة على الإحدى عشرة ركعة في صلاة القيام عن أحد من الخلفاء الراشدين أو غيرهم من فقهاء الصحابة لما وسعنا إلا القول بجوازها لعلمنا بفضلهم وفقههم وبعدهم عن الابتداع في الدين وحرصهم على نهي الناس عنه ولكن لما لم يثبت ذلك عنهم على ما سلف ببيانه لم نستجز القول بالزيادة وسلفنا في ذلك أئمة فحول في مقدمتهم الإمام مالك في أحد القولين عنه فقال السيوطي في " المصابيح في صلاة التراويح " (2 / 77 من الفتاوى له) : [90]

" وقال الجوري - من أصحابنا - عن مالك أنه قال: الذي جمع عليه الناس عمر بن الخطاب أحب إلي وهو إحدى عشرة ركعة وهي صلاة رسول الله A قيل له إحدى عشرة ركعة بالوتر؟ قال: نعم وثلاث عشرة قريب قال: ولا أدري من أين أحدث هذا الركوع الكثير؟ " [91]

وقال الإمام ابن العربي في " شرح الترمذي " بعد أن أشار إلى الروايات المتعارضة عن عمر وإلى القول أنه ليس في قدر ركعات التراويح حد محدود: والصحيح: أن يصلي إحدى عشرة ركعة: صلاة النبي عليه السلام وقيامه فأما غير ذلك ن الأعدد فلا أصل له ولا حد فيه. فإذا لم يكن بد من الحد فما كان النبي عليه السلام يصلي. ما زاد النبي عليه السلام في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة. وهذه الصلاة هي قيام الليل فوجب أن يقتدى فيها بالنبي عليه السلام ولهذا صرح الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني في " سبل السلام " أن عدد العشرين في التراويح بدعة قال: وليس في البدعة ما يمدح بل كل بدعة ضلالة [92]

قلت: وسيأتي بيان هذه الفقرة في هذه الرسالة الخاصة بالبدعة إن شاء الله تعالى وحسبنا الآن أن نذكر القراء بقول الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب Bهما: " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " ليكونوا على بينة ن أمر من يزعم أنه ينصر الصحابة وهو في الحقيقة في مقدمة من يخالفهم إلى ما ينهون عنه ثم لا يكتفي بذلك حتى يتهم الدعاة إلى العمل بالسنة بمخالفتهم وهم في الحقيقة من أتبع الناس لهم حين يصح السند عنهم كما تبين ذلك للقارئ الكريم من الرسالة الأولى ومن هذه الرسالة دفع شبهات ومطاعن: ثم إننا حين نصر بقوة على إثاء هذا العدد الوارد في السنة والإعراض عما زاد عليه لا يلزمنا شيء مطلقا مما نسبه إلينا من أشنا إليه ف التعليق من الطعن ي الذين أخذوا بالزيادة لأننا نعتقد أنهم لم يأخذوا بها ولا بغيرها ن اأقوال اتباعا للهوى كما سبق بيانه في [93]

الصفحة (9 - 11 - 12) من الرسالة الأولى ولهذا فإننا سنستغر أن يخطر في بال مسلم أن أحدا من السملمين يرميهم بالابتداع في الدين حاشاهم ن ذلك بل هم مأجورون على كل حال كماا بيناه مرارا كيف وهم الذين لهم الفضل في إرشادنا إلى ما دل عليه الكتاب والسنة من إيثارهما على كل قول يخالفها فهذا هو الإمام الشافعي Bهـ يقول: " أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله A لم تحل له أن يدعها لقول أحد " وكذلك لا يلزمنا ما قد يتوهمه البعض من أن مخالفة بعض الأئمة معناه أن المخالف يزعم لنفسه الأفضية عليهم علما وفهما كلا بل هذاوهم باطل فإننا نعلم بالضرورة أن الأئمة الأربعة أعلم من تلامذتهم فمن دونهم ومع ذلك فقد خالفوهم في كثير من آرائهم ولا يزال الأمر كذلك يخالف المتأخر المتقدم ما بقي في المسلمين علماء مخققون ومع هذا فلم توهم مخالفتهم إياهم أنهم ادعوا الافضلية عليهم فكيف يتوهم ذلك من مجرد مخالفة من هم دون هؤلاء بمراحل؟ والحقيقة أنشأننا مع الأئمة كما روي عن [94]

عاصم بن يوسف أنه قيل له: أنك تكثر الخلاف لأبي حنيفة فقال: إن أبا حنيفة قد أوتي ما لم نؤت فأدرك فهمه ما لم ندرك ونحن لم نؤت نم الفهم إلا ما أوتينا ولا يسعنا أن نفتي بقوله ما لم نفهم من أين قال؟ " أقول هذا مع اعترافي بأن رحمة الله أوسعن أن تحصر الفضل والعلم في الأئمة الأربعة فقط وإن اللله قادر على أن يخلق بعدهم من هو أعلم منهم مع التذكر أيضا بأنه قد يود في المفضول ما لا يوجد في الفاضل وهذا أمر معروف مسلم عند العلماء وقد قال A: أمتي كالمطر لايدرى الخير في أوله أم في آخره رواه الترمذي وحسنه والعقيلي وغيرهما [95]

جواز القيام بأقل من ال (11) : فإن قال قائل: إذا منعتم الزيادة على عدد الركعات الواردة عن رسول الله A في قيام الليل ومنه صلاة التراويح فامنعوا إذن أداءها بأقل من ذلك لأ هـ لا فرق بين الزيدة والنقص في أن كلا منهما يغير النص والجواب: لا شك أن الأمر كذلك لولا أنه جاء عنه A جواز أقل من هذا العدد من فعله A وقوله أما الفعل فقال عبد الله بن أبي قيس: قلت لعائشة Bها: بكم كان رسول الله A يوتر؟ قلات: كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث وعشر وثلاث ولم يكن يؤثر بأنقص ن سبع ولا بأكثر [96]

من ثلاث عشرة " رواه أبو داود والطحاوي وأحمد بسند جيد وأما قوله A فهو: " الوتر حق فمن شاء فليوتر بخس ومن شاء فليوتر بثلاث ومن شاء فليوتر بواحدة " رواه الطحاوي ولدارقطني والحاك والبيهقي وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهي والنووي في المجموع فهذا نص صريح في جواز الاقتصار [97]

على ركعة واحدة في صلاة الوتر وعليه جرى عمل السلف Bهم فقال الحافظ في " شرح البخاري ": وصح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة من غير تقدم نفل قبلها ففي كتاب محمد بن نصر وغيره بإسناده صحيح عن السائب بن يزيد أن عثمان قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصل غير هذا وسيأتي في المغازي " حديث عبد الله بن ثعلبة أن سعدا أوتر بركعة وسيأتي في " المناقب " عن معاوية أنه أوتر بركعة وأن ابن عباس استصوبه " [98]

7 - الكيفيات التي صلى A بها صلاة الليل والوتر واعلم أيها المسلم أن قيام النبي A في الليل ووتره كان على أنواع وكيفيات كثيرة ولما كان ذلك غير مدون في أكثر كتب الفقه سواء منها المختصرة أو المطولة وكان من الواجب بيان سنته A للناس لكي نمهد السبيل لمن كان مهم محبا لاتباعها أن يعمل بها فيكتب لنا أجره إن شاء الله تعالى وحتى يتورع عن إنكار شيء منها من كان بها جاهلا وفقنا الله تبارك وتعالى لاتباعه A حق الابتاع واجتناب ما حذرنا من الابتداع فقد وجب بيان ذلك فاقول: - 1 - يصلي 13 ركعة يفتتحها بركعتين خفيفتين وفيه أحاديث: الأول: حديث زيد بن خالد الجهني أنه قال: [98]

28 - (صحيح) الوتر حق فمن شاء فليوتر بخمس ومن شاء فليوتر بثلاث ومن شاء فليوتر بواحدة رواه الطحاوي والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي أيوب الأنصاري مرفوعا وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي والنووي وصححه ابن حبان وهو كما قالوا] [99]

29 - (منكر) لاتوتروا بثلاث تشبها بالمغرب ولكن اوتروا بخمس او بسبع او بتسع او باحدى عشرة او أكثر من ذلك عن أبي هريرة مرفوعا وهو بهذه الزيادة أو أكثر من ذلك منكر ولم يصححه الحاكم على تساهله فأصاب] - 7 الكيفيات التي صلى A بها صلاة الليل والوتر: زاعلم أيها المسلم أن قيام النبي A في الليل ووتره كان على أنواع وكيفيات كثيرة ولما كان ذلك غير مدون في أكثر كتب الفقه سواء منها المختصرة أو أو المطولة وكان الواجب بيان سنته A للناس لكي نمهد السبيل لمن كان منهم محبا لاتباعها أن يعمل بها فيكتب لنا أجره إن شاء الله تعالى وحتى يتورع عن إنكار شيء منها من كان بها جاهلا وفقنا الله تبارك وتعالى لاتباعه A حق الاتباع واجتناب ما حذرنا من الابتداع فقد وجب بيان ذلك فأقول: - 1 - يصلي 13 ركعة يفتتحها بركعتين خفيفتين وفيه أحاديث: الأول: حديث زيد بن خالد الجهني أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله A الليلة فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة " رواه مسلم وأبو عوانة في صحيحيهما وغيرهما [99]

الثاني: حديث ابن عباس قال: بت عند رسول الله A ليلة وهو عند ميمونة فقام حتى ذهب ثلث الليل أو نصفه استيقظ فقام إلى شن (أي قربة) فيه ماء فتوضأ وتوضأت معه ثم قام فقمت إلى جنبه على يساره فجعلني على يمينه ثم وضع يده على رأسي كأنه يمس أذني كأنه يوقظني فصلى ركعتين خفيفتين قد قرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعة ثم سلم ثم صلى حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر ثم نام فأتاه بلال فقال: الصلاة يا رسول الله فقام فركع ركعتين ثم صلى بالناس رواه أبو داود وعنه أبو عوانة في صحيحه وأصله في " الصحيحين " الثالث: حديث عائشة قالت كان رسول الله اذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين ثم صلى ثمان ركعات ثم أوتر وفي لفظ: كان يصلي العشاء ثم يتجوز بركعتين وقد أعد سواكه وطهوره فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه فيتسوك ويتوضأ ثم يصلي ركعتين ثم يقوم فيصلي ثمان ركعات يسوي بينهن في القراءة ثم [100] يوتر بالتاسعة فلما أسن رسول الله A وأخذه اللحم جعل تلك الثماني ستا ثم يوتر بالسابعة ثم يصلي ركعتين وهو جالس يقرأ فيهما بقل يا أيها الكافرون وإذا زلزلت أخرجه الطحاوي باللفظين وإسنادهم صحيح والشطر الأول من اللفظ الأول أخرجه مسلم وأبو عوانة. . . . الخ] ويلاحظ في اللفظ الثاني أن عائشة Bهـ ذكرت الركعتين الخفيفتين بعد صلاته A للعشاء فهذا يؤيد ما كنت رجحته في أول الرسالة أن هاتين الركعتين الخفيفتين هما سنة العشاء والله أعلم [101] 2 - يصلي 13 ركعة منها ثمانية يسلم بين كل ركعتين ثم يوتر بخمس لا يجلس ولا يسلم إلا في الخامسة وفيه حديث عائشة Bها قالت: كان A يرقد فاذا استيقظ تسوك ثم توضأ ثم صلى ثمان ركعات يجلس في كل ركعتين فيسلم ثم يوتر بخمس ركعات لا يجلس الا في الخامسة ولا يسلم الا في الخامسة [فاذا أذن المؤذن قام فصلى ركعتين خفيفتين] " رواه أحمد وسنده صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة وأبو داود والترمذي وصححه والدارمي وابن نصر والبيهقي وابن حزم رووه كلهم مختصرا ليس فيه التسليم من كل ركعتين وروى منه الشافعي والطيالسي والحاكم الايتار بالخمس فقط وللحديث شاهد من حديث ابن عباس أخرجه أبو داود (1 / 214) والبيهقي (3 / 29) وسنده صحيح ورواية أحمد هذه صريحة بأن مجموع الركعات ثلاث عشرة ركعة ما عدا ركعتي الفجر فهو بظاهره مخالف لحديث عائشة [102]

المتقدم (ص 16 - 17) بلفظ: " ما كان رسول الله A يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة " وقد تقدم الجع بينهما هناك بما خلاصته أنها أرادت بهذا اللفظ ما عدا الركعتين الخفيفتين اللتين كان A يفتتح بها صلاة الليل وقد وجدت ما هو كالنص في هذا الجمع وهو حديثها الآخر الذي ذكرتفيه هاتين الركعتين ثم ثمان ركعات ثم الوتر ود مضى في النوع الذي قبله - 3 - يصلي 11 ركعة ثم يسلم بين كل ركعتين ثم يوتر بواحدة لحديث عائة Bها قالت: كان A يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء - وهي التي يدعو الناس العتمة - إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة [ويمكث في سجوده قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه] فإذا سكت المؤذن في صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاء المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الايمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة [103]

رواه مسلم وابو عوانة وأبو داود والطحاوي وأحمد وأخرجه الأولان من حديث ابن عمر أيضا وأبو عوانة من حديث ابن عباس ويشهد لهذا النوع حديث ابن عمر أيضا أن رجلا سأل رسول الله A عن صلاة الليل؟ فقال: " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح ركعة واحدة توتر له ما قد صلى " رواه مالك والبخاري ومسلم وابو عوانة وزادا: فقيل لابن عمر: ما مثنى مثنى؟ قال: أن يسلم في كل ركعتين وفي رواية مالك والبخاري: أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتبر حتى يأمر ببعض حاجته وتفسير ابن عمر المذكور رواه أحمد مرفوعا مدرجا في صلب الحديث لكن في سنده عبد العزيز بن أبي رواد وهو صدوق ربما وهم كما في " التقريب " فأخشى أن يكون قد وهم في رفعه والله أعلم [104]

11 - ركعة أربعا بتسليمة واحدا ثم أربعا مثلها ثم ثلاثا رواه الشيخان وغيهما من حديث عائشة وقد مضى لفظه وظاهر الحديث أنه كان يقعد بين كل ركعتين من الأربع والثلاث ولكنه لا يسلم وبه فسره النووي كما تقدم هناك وقد روي ذلك صريحا في بعض الأحاديث عن عائشة أنه A كان لا يسلم بين الركعتين والوتر ولكنها معلولة كلها كما ذكر الحافظ ابن نصر ثم البيهقي والنووي وبينته في (التعليقات الجياد على زاد المعد) فاللعمدة في مشروعية الفصل بالقعود بدون تسليم ظاهر هذا الحديث ولكن سيأتي ما ينافي هذا الظاهر في آخر الفصل والله أعلم - 5 - يصلي 11 ركعة منها ثمان ركعات لا يقعد فيها إلا في الثامنة يتشهد ويصلي على النبي A ثم يقوم ولا يسلم ثم يوتر بركعة ثم يسلم ثم يصلي ركعتين وهو جالس لحيث عائشة Bها رواه سعد بن هشام بن عامر أنه أتى ابنعباس فسأله عن وتر رسول الله A فقال ابن عباس: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله A؟ قال: من؟ قال: عائشة فأتها فاسألها فانطلقت إليها قال: قلت: يا أم المؤمنين أنبيئيني عن وتر [105]

رسول الله A؟ فقالت: " كنا نعد له سواكه وظهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمد [ويصلي على نبيه A] ويدعو ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده [ويصلي على نبيه A] ويدعو ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة يا بني فلما أسن نبي الله A وأخذ اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول فتلك تسع يا بني " [106]

رواه مسلم وأبو عوانة وأبو داود والنسائي وابن نصر والبيهقي وأحمد - 6 - يصلي 9 ركعات منها ست ركعات لا يقعد إلا في السادسة منها يتشهد ويصلي على النبي A ثم يقوم ولا يسلم ثم يوتر بركعة ثم يسلم ثم يصلي ركعتين وهو جالس. لحديث عائشة الذي ذكرته آنفا هذه هي الكيفيات التي كان رسول الله A يصلي بها صلاة الليل والوتر ويمكن أن يزاد عليها أنوا أخرى وذلك بأن ينقص من كل نوع من الكيفيات المذكورة ما شاء من الركعات وحتى يجوز له أن يقتصر على ركعة واحدة فقط لقوله A: فمن شاء فليوتر بخمس ون شاء فليوتر بثلاث ومن شاء فليوتر بواحدة وقد تقدم فهذا الحديث نص في جواز الإيتار بهذه الأواع الثلاثة المذكورة فيه وإن كان لم يصح النقل بها عن رسول الله A بل صح من حديث عائشة أنه A لم يكن يوتر بأقل من سبع كما سبق هناك [107]

فهذه الخمس والثلاث إن شا صلاها بقعود واحد وتسليمة واحدة كما في النوع الثاني وإن شاء صلاها بقعود بين كل ركعتين بدون سلام كما في النوع الرابع وإن شاء سلم بين كل ركعتين وهو الأفضل كما في النوع الثالث وغيره قال الحافظ محمد ابن نصر المروزي رحمه لله في " قيام الليل ": فالذي نختاره لمن صلى بالليل في رمضان وغيره أيسلم بين كل ركعتين حتى إذا أراد أن يصلي ثلاث ركعات يقرأ في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون ويتشهد في الثانية ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والمعوذتين (ثم ذكر بعض الأنواع المتقدمة) ثم قال: وكل ذلك جائز أن يعمل به اقتداء به A غير أن الاختيار ما ذكرنا لأن النبي A لما سئل عن صلاة الليل أجاب: أن صلاة الليل مثنى مثنى " فاخترنا ما اخار هو لأمته وأجزنا فعل من اقتدى به ففعل مثل فعله إذا لم يرو عنه نهى عن ذلك ". ثم قال: فالعمل عندنا بهذه الأخبار كلها جائزة وإنما اختلفت لأن الصلاة بالليل تتطوع: الوتر وغير الوتر فكان ننن تختلف صلاته بالليل ووتره على ما ذكرنا: يصلي أحيانا هكذا وأحيانا هكذا كل ذلك جائز حسن فأما الوتر بثلاث ركعات فإنا لم نجد [108] عن النبي A خبرا ثابتا مفسرا أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن كما وجدنا في الخمس والسبع والتسع غير أننا وجدنا عنه أخبارا أنه أوتر بثلاث لا ذكر للتسليم فيها ثم ساق بسنده الصحيح عن ابن عباس " أن رسول الله A كان يوتر بثلاث يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد " ثم قال: وفي الباب عن عمران بن حصين وعائشة وعبد الرحمن بن أبزى وأنس بن مالك قال: فهذه أخبار مبهمة يحتمل أن يكون النبي A قد سلم في الركعتين من هذه الثلاث التي روي أنه أوترها لأنه جائز أن يقال لمن صلى عشر ركعات يسلم بين كل ركعتين: فلان صلى عشر ركعات والأخبار المفسرة التي لا تحتمل إلا معنى [109] واحدا أول أن تتبع ويحتج بها غير أنا روينا عن النبي A أنه خير الموتر بينأن يوتر بخمس أو بثلاث أو بواحدة وروينا عن بعض أصحاب النبي A أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن فالعمل بذلك جائز والاختيار ما بينا ثم قال: فالأمر عندنا أن الوتر بواحدة وبثلاث وخمس وسبع وتسع كل ذلك ائز حسن على ما روينا من الأخبار عن النبي A وأصحابه من بعده والذي نختار من وصفنا من قبل فإن صلى رجل العشاء الآخرة ثم أراد أن يوتر بعدها بركعة واحدة لا يصلي قبلها شيئا فالذي نختاره له ونستحبه أن يقدم قبلها ركعتين أو أكثر ثم يوتر بواحدة فإن هو لم يفعل وأوتر بواحدة جازذلك وقد روينا عن غير واحد من علية أصحاب محمد A أنهم فعلوا ذلك وقد كره ذلك مالك وغيره وأصحاب النبي A أولى بالاتباع ثم قال: [110]

" وقد روي في كراهة الوتر بثلاث أخبار بعضها عن النبي A وبعضها عن أصحاب النبي A والتاعين منها " ثم ذكر قوله A: " لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب ولكن أوتروا بخمس. . . ". وسمنده ضعيف لكن رواه الطحاوي وغيره من طريق آخر بسند صحيح وهو بظاهره يعارض حديث أبي أيوب المخرج هناك بلظ ". . . ومن شا فليوتر بثلاث " والجمع بينهما بأن يحمل النهي عن صلاة الثلاث بتشهين لأنه في هذه الصورة يبه صلاة المغرب وأما إذا لم يقعد إلا في آخها فلا مشابهة ذكر هذا المعنى الحافظ ابن حجر في " الفتح " واستحسنه الصنعاي في " سبل السام " وابعد عن التشبه في الوتر بصلاة المغرب الفصل بالسلام بين الشفع والوتر كما لا يخفى ولهذا قال ابن القيم في " الزاد بعد أن ذكر حديث: " كان لا يسلم في ركعتي الوتر ": وهذه لصفة فيها نظر فقد روى أبو حاتم ابن حبان في حيحه عن أبي هريرة عن النبي A: لا توتروا بثلاث أوتروا بخمس أو بسبع ولا تشبهو بصلاة المغرب قال الدارقطني: رواته كلهم ثقات. قال مهما سألت أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد) إلى أي شيء تذهب في الووتر تسلم في الركعتين؟ قال: نعم قلت: لأي شيء؟ قال: لأن الأحاديث فيه أقوى وأكثر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقال حارث: سئل أحمد عن الوتر؟ قال: يسلم في الركعتين وإن لم يسلم رجوت أن لا يضره إلا أن التسليم أثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتلخص فمن كل ما سبق أن الإيثار بأي نوع من هذه الأنواع المتقدمة جائز حسن وأن الإيثار بثلاث بتشهدين كصلاة المغرب لم يأت فيه حديث صحيح صريح بل هو لا يخلو من كراهة ولذلك نختار أن لا يقعد بين الشفع والوتر وإذا قعد سلم وهذا هو الأفضل لما تقدم. والله الموفق لا رب سواه [112]

8 - الترغيب في إحسان الصلاة والترهيب من إساءتها أيها القارئ الكريم أنت الآن في شهر اليام والقيام شهر رمضان المبارك فعليك أن تكون في مثال المؤمن الصالح - المطيع لربه والمتبع لسنة نبيه في كل ما جاء به عن ربه وخاصة فيما يتعلق بإقامة هذه العبادة العظيمة (صلاة التراويح) فقد قال فيها A: " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه الشيخان وغيرهما وقد علمت مما سبق في هذه الرسالة شيئا طيبا به من صفة صلاته A في قيام رمضان من حيث إحسان الصلاة فيه وإطالتها مثل قول عائشة Bها ". . . يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن " وقولها:: يمكث في سجوده قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية " وقول حذيفة:. . . ثم قرأ البقرة (يعني في الركعة الأولى) ثم ركع فكان يكوعه مثل قيامه " ثم ذكر القيام بعد الركوع والسجود نحو ذلك وعلمت أيضا أن السلف في عهد عمر Bهـ كانوا يطيلون القراءة في صلاة التراويح فيقرؤون فيها نحو الثلاثمائة آية حتى [113]

كانوا يعتمدون علىالعصي من طول القيام وما كانوا ينصرفون من الصلاة إلا مع الفجر فهذا يجب أن يكون حافزا لنا جميعا على أن نقترب في صلاتنا للتراويح من صلاتهم لها قدر الطاقة فلنل القراءة فيها ونكثر من التبيح والذكر في اركوع والسجود وما بين ذلك حتى نشعر ولو بشيء من الخشوع الذي هو روح الصلاة ولبها هذا الخشوع الذي أضاعه كثير من المصلين لهلذه الصلاة لحرصهم على أدائها بعدد العشرين المزعوم معن عر دون عناية بالاطمئنان يها بل ينقرونها نقر الديكة وكأنهم دواليب وآلات صاعدة هابطة بصورة آلية لا يمكنهم ذلك من التدبر فيما يسمعونه من كلا الله تبارك وتعالى بل يصعب على الإنسان متابعتهم إلا بشق الأنفس [114]

أقول هذا مع العلم بأن هناك غير قليل من أئمة المساجد قد تنبهوا في الآونة الآخيرة إلى ما وصلت إليه صلاة التراويح من سوء الأداء فعادوا يصلونها إحدى عشرة ركعة بشيء من الطمأنينة والخشوع زادهم الله توفيقا إلى العمل بالسنة وإحياءها وكثر من أمثالهم في دمشق وغيرها [115]

الأحاديث في الترغيب في إحسان أداء الصلاة والترهيب من إساءتها: وتشجيعا لهؤلاء على الاستمرار في إحسان الصلاة والاستزادة منه وتحذيرا للمسيئين في أداء صلاة التراويح وغيرها أسوق بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في الترغيب في إحسانها والترهيب من إساءتها فأقول: (صحيح) - 1 - عن أبي هريرة Bهـ أن رجلا دخل المسجد يصلي ورسول الله A في ناحية المسجد فجاء فسلم عليه فقال له " [وعليك السلام] ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم سلم فقال: وعليك [السلام] ارجع فصل فإنك لم تصل قال قي الثالثة فأعلمني قال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر واقرأ ماتيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي وتطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ". أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما [116]

(صحيح) - 2 - عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله A: لاتجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة والدارمي والطحاوي والطيالسي وأحمد والدارقطني وقال: " إسناده ثابت صحيح " وهو كما قال وقد صرح الأعمش بالتحديث في رواية الطيالسي (صحيح) - 3 - عن أبي هريرة أن رسول الله A قال: إن أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته قالوا: يا رسول الله وكيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها وسجودها أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وله شاهد عنده من حديث أبي قتادة وآخر عند مالك عن النعمان بن مرة وسنده صحيح مرسل وثالث عن الطيالسي عن أبي سعيد وصححه السيوطي في " تنوير الحوالك " [117]

(حسن) - 4 - عن أمراء الاجناد: عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان قالوا: رآى رسول الله A رجلا لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي فقال: لو مات هذا على حاله هذه مات على غير ملة محمد [ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم] مثل الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده مثل الجائع الذي يأكل التمرة والتمرتين ل ايغنيان عنه شيئا رواه الآجري في الأربعين والبيهقي بسند حسن وقال المنذري رواه الطبراني في الكبير وأبو يعلى باسناد حسن وابن خزيمة في صحيحه (صحيح) - 5 - عن طلق بن علي Bهـ قال: قال رسول الله A: لا ينظر الله إلى صلاة عبد لا يقم صلبه بين ركوعها وسجودها رواه أحمد والطبراني في " الكبير " والضياء المقدسي في " المختارة " وسنده صحيح وله شاهد في المسند ورجاله موثقون وصححه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " وقال المنذري: " إسناده جيد " [118]

(صحيح) - 6 - عن عمار بن ياسر Bهـ قال: سمعت رسول الله A يقول: إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها رواه أبو داود والبيهقي وأحمد من طريقين عنه صحح أحدهما الحافظ العراقي وأخرجه ابن حبان في صحيحه كما في " الترغيب " (1 / 184) (صحيح) - 7 - عن عبد الله بن الشخير قال: أتيت النبي A وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل يعني يبكي رواه أبو داود والنسائي والبيهقي وأحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما كما في " صحيح الترغيب والترهيب " (رقم 545) [119]

فهذه الأحاديث الشريفة تشمل بعمومها وإطلاقها الصلوات كلها سواء كانت فريضة أو نافلة ليلية أو نهارية وقد نبه العلماء على هذا فيما يتعلق بصلاة التراويح فقال النووي في الأذكار: 4 (/ 297 بشرح ابن علان) في باب أذكار صلاة التراويح: وصفة نفس الصلاة كصفة باقي الصلوات على ما تقدم بيانه ويجيء فيها جميع الأذكار المتقدمة كدعاء الافتتاح واستكمال الأذكار الباقية واستيفاء التشهد والدعاء بعده وغير ذلك مما تقدم وهذا وإن كان ظاهرا معروفا فإنما نبهت عليه لتساهل أكثر الناس فيه وحذفهم أكثر الأذكار والصواب ما سبق وقال العامري في " بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص السير والمعجزات والشمائل " في أواخر الكتاب: ومما يتعين الاعتناء به والتنبيه عليه ما اعتاده كثيرون من أئمة المصلين بالتراويح من الإدراج في قراءتها والتخفيف في أركانها وحذف أذكارها وقد قال العلماء: صفتها كصفة باقي الصلوات في الشروط وباقي الآداب وجميع الذكار كدعاء الافتتاح وأذكار الأركان والدعاء بعد التشهد وغير ذلك ومن ذلك طلبهم لآيات الرحمة حتى لا يركعوا إلا عليها وربما أداهم طلب ذلك إلى [120] تفويت أمرين مهمين من آداب الصلاة والقراءة وهما تطويل الركعة الثانية على الأولى والوقوف على الكلام المرتبط بعضه ببعض وسبب جميع ذلك إهمال السنن واندراسها لقلة الاستعمال حتى صار المستعمل لها مجهلا عند كثير من الناس لمخالفته ما عليه السواد الأعظم وذلك لفساد الزمان وقد قال A: طلا تقوم الساعة حتى يكون المعروف منكرا والمنر معروفا فعليك بلزوم السنة طالب بها نفسك وأمر بها من أطاعك تنج وتسلم تنعم قال السيد الجليل أبو علي الفضل بن عياض C ورضي عنه ونفع به: لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها ولا تغتر بكثرة الهالكين " [121]

ملخص الرسالة لقد طالت بحوث هذه الرسالة فوق ما كنا نظن ولكنه أمر لا مناص لنا منه لأنه الذي يقتضيه النهج العلمي في التحقيق فراينا أخيرا أن نقدم إلى القراء الكرام ملخصا عنها لكي تكون ماثلة في ذهنه فيسهل عليه استيعابها والعمل بها إن شاء الله تعالى فأقول: يتلخص منها: أن الجماعة في صلاة التراويح سنة وليست بدعةن لأن النبي A صلاها ليالي عديدة وإن تركه لها بعد ذلك إنما خشية أن يظنها فريضة أحد من أمته إذا داوم عليها وإن هذه الخشية زالت بتمام الشريعة بوفاته A وأنه A صلاها إحدى عشرة ركعة وأن الحديث الذي يقول أنه صلاها عشرين ضعيف جدا وأنه لا يجوز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة لأن الزيادة عليه يلزم منه إلغاء فعله A له وتعطيل لقوله A: " صلوا كما رأيتموني أصلي " ولذلك لا يجوز الزيادة على سنة الفجر وغيرها [122]

وأننا لا تبدع ولا نضلل من يصليها بأكثر من هذا العدد إذا لم تتبين له السنة ولم يتبع الهوى وأنه لو قيل بجواز الزيادة عليه فلا شك أن الأفضل الوقوف عنده لقوله A: " خير الهدي هدي محمد " وأن عمر Bهـ لم يبتدع شيئا في صلاة التراويح وإنما أحيا سنة الاجتماع فيها وحافظ على العدد المسنون فيها وأن ما روي عنه أنه زاد عليه حتى جعلها عشرين ركعة لا يصح شيء من طرقه وأن هذه الطرق من التي لا يقوي بعضها بعضا وأشار الشافعي والترمذي إلى تضعيفها وضعف بعضها النووي والزيلعي وغيرهم وأن الزيادة المذكورة لو ثبتت فلا يجب العمل بها اليوم لأنها كانت لعلة وقد زالت والإصرار عليها أدى بأصحابها في الغالب إلى الاستعجال بالصلاة والذهاب بخشوعها بل وبصحتها أحيانا أن عدم أخذنا بالزيادة مثل عدم أخذ قضاة المحاكم الشرعية برأي عمر في إيقاع الطلاق الثلاث ثلاثا ولا فرق بل أخذنا أولى من أخذهم حتى في نظر المقلدين [123]

وأنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه صلاها عشرين ركعة بل أشار الترمذي إلى تضعيف ذلك عن علي وأنه لا إجماع على هذا العدد وأنه يجب التزام العدد المسنون لأنه الثابت عنه A وعن عمر وقد أمرنا باتباع سنته A وسنة الخلفاء الراشدين وأن الزيادة عليه أنكره مالك وابن العربي وغيرهما من العلماء وأنه لا يلزم من إنكار هذه الزيادة الإنكار على الذين أخذوا بها من الأئمة المجتهدين كما لايلزم من مخالفتهم الطعن في علمهم أو تفضيل المخالف عليهم في العلم والفهم وأنه وإن لم تجز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة فالأقل منه جائز حتى الاقتصار على ركعة واحدة منها لثبوت ذلك في السنة وقد فعله السلف وأن الكيفيات التي صلى بها رسول الله A الوتر كلها جائزة وأفضلها أكثرها والتسليم بين كل ركعتين [124]

هذا آخر ما يسر الله تبارك وتعالى لي جمعه في صلاة التراويح فإذا وفقت فيها للصواب فالفضل لله تبارك وتعالى وله الفضل والمنة وإن كانت الأخرى فأنا أرجو كل من يقف فيها على ما هو خطأ أن يرشدنا إليه والله تبارك وتعالى يتولى جزاءه وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين [125]

نهاية الكتاب

§1/1