صلاة التراويح

محمد ضياء الرحمن الأعظمي

التراويح لغة

فقه السنة صَلاةُ التَّراويحِ للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف 1- التراويح لغة: جمع ترويحة: أي ترويحة النفس وهي استراحتها. وفي القاموس: (منها ترويحة شهر رمضان سميت بها لاستراحة بعد كل أربع ركعات- يقال: استروح أي وجد الراحة) انتهى. ثم غلب اسم التراويح على الصلوات التي تصلى في ليالي رمضان. ويجلس الإمام بعد كل أربع ركعات، ولذا يقال: ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة. وقد روي الإمام البيهقي في سننه بسنده عن المغيرة بن زياد الموصلي عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربع ركعات في الليل ثم يتروح فأطال حتى رحمته فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبداً شكوراً ". قال البيهقي: تفرد به المغيرة بن زياد وليس بالقوي. انتهى1. ووثقه ابن معين، وصحح الحاكم بعض أحاديثه 2. إلا أن الذهبي لم يوافقه على ذلك فقال: المغيرة: صالح الحديث. وتركه ابن حبان. وقال في الكاشف: وثقه ابن معين وجماعة، وقال أحمد: منكر الحديث 3. ويرى بعض العلماء أن الاستراحة تكون بعد خمس تسليمات، والأمر فيه وسع، فقد سئل الإمام أحمد عن قوم صلوا في رمضان خمس تراويح لم يتروحوا بينها فقال: لا بأس4.

_ 1البيهقي: 2/497. 2 انظر المستدرك: 2/41. 3 الكاشف: 3/.167. 4المغني: 2/.141

الترغيب في قيام رمضان

2- الترغيب في قيام رمضان: الحديث الأول: حديث أبي هريرة. قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، فيقول: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفِر له ما تقدم من ذنبه". رواه الجماعة. شرح الحديث: قول أبي هريرة: "من غير أن يأمر فيه بعزيمة" فيه التصريح بعدم وجوب القيام. قال الإمام النووي: معناه لا يأمرهم أمر إيجاب وتحتم بل أمر ندب وترغيب، ثم قال: اجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب بل هو مندوب. ومعنى قوله: "من قام رمضان" أي مصلياً، ويحصل هذا بمطلق ما يصدق عليه القيام وليس من شرطه استغراق جميع أوقات الليل، قال النووي: "إن قيام رمضان يحصل بصلاة التراويح ". الحديث الثاني: حديث عبد الرحمن بن عوف قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل فرض صيام رمضان، وسننت قيامه فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" 1. إلا أن في إسناده النضر بن شيبان الحداني- بضم المهملة وتشديد الدال- قال الحافظ:" لين الحديث "2.

حكم صلاة التراويح بالجماعة

3- حكم صلاة التراويح بالجماعة: القول الأول: صلاة التراويح بالجماعة في المسجد أفضل. وبه قال أحمد والشافعي وأبو حنيفة وبعض المالكية، وبالغ الطحاوي من الحنفية فقال:" إن صلاة التراويح بالجماعة واجبة على الكفاية ". هكذا نقل الشوكاني عن الطحاوي 3 وسبقه الحافظ 4، وهو مخالف تماماًَ لما قاله الطحاوي في شرح معاني الآثار، وما نقل عنه الشيخ ابن الهمام في شرح فتح القدير، يقول الطحاوي: "فهؤلاء الذين روينا عنهم ما روينا من هذه الآثار كلهم يفضل صلاته وحده في شهر رمضان على صلاته مع الإمام، وذلك هو الصواب".انتهى 5.

_ 1 رواه أحمد (1/191-195) . والنسائي (4/158) . وابن ماجة (1/421) . 2 التقريب (2/ 311. ( 3انظر: نيل الأوطار: 2/6. . 4انظر: فتح الباري: 4/252. 5انظر: شرح معاني الآثار: 1/351.

وقد قارن قبل هذا بين أدلة الفريقين فقال: " ذهب قوم إلى أن القيام مع الإمام في شهر رمضان أفضل منه في المنازل، واحتجوا في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قنوت بقية ليلته". وقال: خالفهم في ذلك آخرون فقالوا: بل صلاته في بيته أفضل من صلاته مع الإمام، وحجتهم في ذلك حديث زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة" وذلك لمّا قام لهم ليلة في رمضان فأرادوا أن يقوم بعد ذلك فقال لهم هذا القول. ثم وفق بين الروايتين فقال: "يوجب الحديث الأول- (حديث أبي ذر) - إن من قام مع الإمام يكتب له قنوت بقية ليلته، ويوجب حديث زيد بن ثابت أن ما فعل في بيته هو أفضل من ذلك، حتى لا يتضاد هذان الأثران ". انتهى1 وقال الشيخ ابن الهمام: "إن الطحاوي روى عن ابن عمر، وعروة، تخلف بعض الصحابة ونقل عن القاسم، وإبراهيم، ونافع، وسالم، وأبي يوسف، إن أمكنه أداؤها في بيته مع مراعاة سنة القراءة وأشباهها فيصليها في بيته إلا أن يكون فقيها كبيراً يقتدى به لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" انتهى 2. القول الثاني: الأفضل أن يصلي الرجل صلاة التراويح في البيت. وبه قال مالك، وأبو يوسف، وبعض الشافعية، فقد سئل مالك عن قيام الرجل في رمضان فقال:" إن كان يقوى في بيته فهو أحب أليّ وليس كل الناس يقوى على ذلك، فقد كان ابن هرمز ينصرف فيقوم بأهله وكان ربيعة ينصرف، وعدد غير واحد من علمائهم كانوا ينصرفون ولا يقومون مع الناس وأنا أفضل ذلك "3. واستدل هؤلاء بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة، صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" 4 - من حديث زيد بن ثابت، قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول لما اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى فيها حتى اجتمع عليه ناس ثم فقدوا صوته ليلة وظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح إليهم فقال: "ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن

_ 1انظر: شرح معاني الآثار: 1/349. 2انظر: شرح فتح القدير: 1/334. 3 انظر المدونة: 1/222. 4 متفق عليه.

أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا في بيوتكم. فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة". والعجب من الألباني أنه لم يذكر هذا الحديث في كتابه (صلاة التراويح) وهو أقوى دليل للقول الثاني. فلم يستثن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات إلا الفرائض، وصلاة التراويح ليست منها. وورد هذا الحديث في صلاة رمضان في مسجده صلى الله عليه وسلم فإذا كانت صلاة التراويح في البيت أفضل حتى من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم! فكيف في مسجد غيره؟ ! ولكن بعد عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صارت صلاة التراويح من شعائر الإسلام، وواظب المسلمون على ذلك، لذا أجمع العلماء على أفضليتها في أدائها في المساجد وذكروا في ذلك الأدلة التالية:

حديث عائشة

(1) حديث عائشة: قالت:" إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى الثانية فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسوله الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: "رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان" متفق عليه. شرح الحديث: في الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة التراويح بالجماعة ولم يمنعه من الاستمرار بالجماعة إلا تخوفه أن تكتب على الأمة. فإن قيل: كيف كان يفرض عليهم وقد أكمل الله الفرائض ورد الخمسين إلى الخمس؟ أجاب البغوي على هذا السؤال قائلاً:" كانت صلاة الليل واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله الشرعية كان الإقتداء به فيها واجباًَ، فكان لا يأمن إن هو واظب على الصلاة بهم أن يلزمهم الإقتداء به فيه، فالزيادة من جهة وجوب الإقتداء به. لا من جهة إنشاء فرض مستأنف على أن الإنسان قد يكلف نفسه ما لم يوجبه الشرع ثم تلحقه اللائمة بتركه كما لو نذر صلاة تلزمه وكما أخبر الله سبحانه وتعالى عن فريق من النصارى أنهم ابتدعوا رهبانية لم يكتبها عليهم، ثم قصروا فيها، فلحقتهم اللائمة، فقال سبحانه وتعالى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فترك العمل" انتهى 1.

_ .شرح السنة: 4/118 14

ونقل الحافظ عدة أقوال عن العلماء في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم "خشيت أن يفرض عليكم" ونسب هذا القول الذي مر آنفاً إلى الخطابي، وذكر احتمالا آخر عن الخطابي، وهو: أن الله فرض الصلاة خمسين، ثم حط معظمها بشفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا عادت الأمة فيما استوهب لها والتزمت مما استعفى لهم نبيُهم صلى الله عليه وسلم منه لم يستنكر أن يثبت ذلك فرضا عليهم، ثم قال الحافظ: وتلقي هذين الجوابين من الخطابي جماعة من الشراح، كابن الجَوزي، وهو مبني على أن قيام الليل كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وعلى وجوب الإقتداء بأفعاله وفي كل من الأمرين نزاع، ثم نقل الحافظ أقوال العلماء الآخرين فقال: 1- قال المحب الطبري: " يحتمل أن يكون الله عز وجل أوحى إليه أنك إن واظبت على هذه الصلاة معهم افترضتها عليهم: فأحب التخفيف عنهم فترك المواظبة". وقال:"ويحتمل أن يكون ذلك وقع في نفسه كما اتفق في بعض القرب التي داوم عليها فافترضت". وقيل: خشي أن يظن أحد من الأمة من مداومته عليها الوجوب. والى هذا نحا القرطبي فقال: قوله (فتفرض عليكم) أي تظنونه فرضا فيجب على من ظن ذلك؛ كما إذا ظن المجتهد حل شئ أو تحريمه فإنه يجب عليه العمل به. قال:"وقيل: كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم إنه إذا واظب على شيء من أعمال البر واقتدى الناس به فيه أنه يفرض عليهم ". وعلق على هذا الحافظ فقال:" ولا يخفي بعد هذا الأخير، فقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم على رواتب الفرائض وتابعه أصحابه ولم تفرض ". 2- قال ابن بطال: " يحتمل أن يكون هذا القول صدر منه صلى الله عليه وسلم لما كان قيام الليل فرضا عليه دون أمته، فخشي إن خرج إليهم والتزموا معه قيام الليل أن يسوي الله بينه وبينهم في حكمه، لأن الأصل في الشرع المساواة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته في العبادة ". قال:" ويحتمل أن يكون خشي من مواظبتهم عليها أن يضعفوا عنها فيعصى من تركها بترك اتباعه صلى الله عليه وسلم ". 3 – وقال الكرماني:" إن حديث الإسراء يدل على أن المراد بقوله تعالى {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَي} الأمن من نقص شيء من الخمس ولم يتعرض للزيادة ". 4- وقال البعض: " إن اتلزمان كان قابلا للنسخ فلا مانع من خشية الافتراض وعلق

عليه الحافظ بقوله: (وفيه نظر، لأن قوله تعالى {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَي} خبر، والنسخ لا يدخله على الراجح ". 5- قال الحافظ: وقد فتح الباري بثلاثة أجوبة أخرى: أحدها: أن يكون المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطاً في صحة التنفل بالليل، ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت "حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم" فمنعهم من التجمع في المسجد إشفاقاً عليهم من اشتراطه، وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم. ثانيها: أن يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان، فلا يكون ذلك زائداً على الخمس،بل هو نظير ما ذهب إليه قوم في العيد ونحوها. ثالثها: يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة. فقد وقع في حديث الباب أن ذلك كان في رمضان. وفي رواية سفيان بن حسين: "خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر" فعلى هذا يرتفع الأشكال، لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم في السنة فلا يكون ذلك قدراً زائداً على الخمس. قال الحافظ: وأقوى هذه الأجوبة الثلاثة في نظري: الأول. انتهى. الحديث الثاني: حديث أبي ذر، قال:" شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهر رمضان فلم يقم في شيء من الشهر حتى كانت ليلة سابعة بقيت فقام بنا إلى نحو من ثلث الليل، ثم لم يقم بنا ليلة سادسة بقيت، فلما كانت ليلة خامسة بقيت قام بنا إلى نحو من شطر الليل، فقلنا يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة؟ فقال: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"، ثم لم يقم بنا ليلة رابعة بقيت، فلما كان ليلة ثالثة بقيت قام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قلت: وما الفلاح قال: السحور. قال: فكان يوقظ في تلك الليلة أهله وبناته ونساءه"1.

_ 1 رواه أصحاب السنن: الترمذي (2/16.) ، وأبو داود (2/1.5) ، والنسائي (3/83) ، وابن ماجة (1/42.) ، كلهم بطرق عن داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر. قال الترمذي: حسن صحيح. ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره.

شرح الحديث: قوله "لو نفلتنا " أي لو جعلت بقية الليل زيادة لنا على قيام الشطر، وهو من التنفيل، وفي النهاية: لو زدتنا من الصلاة النافلة، سميت بها النوافل لأنها زائدة على الفرائض، وتقديره: لو زدت قيام الليل على نصفه لكان خيرا لنا، ولو " للتمني " 1. وقال الشوكاني: المراد هنا لو قمت بنا طول ليلتنا ونفلتنا من الأجر الذي يحصل من ثواب الصلاة، انتهى. وفي الحديث دليل على مشروعية الجماعة لصلاة التراويح. الحديث الثالث: حديث أبي هريرة قال:" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد، فقال: " ما هؤلاء؟ " فقيل: هؤلاء ناس ليس معهم قرآن، وأبي بن كعب يصلي، وهم يصلون بصلاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصابوا، ونعم ما صنعوا " 2. وروى هذا الحديث أيضاً محمد بن نصر المروزي3. والمحفوظ في هذا أن عمر بن الخطاب جمع الناس وراء أبي بن كعب كما جزم الحافظ وغيره4. هذه بعض الأحاديث التي رويت في مشروعية الجماعة في صلاة التراويح. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" فحمل العلماء على صلاة التهجد كما خصصوا من هذا العموم بعض الصلوات التي شرع فيها الجماعة كالعيدين والكسوف والاستسقاء وكذلك صلاة التراويح، ولذلك لما أمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من افتراض صلاة التراويح أمر بإقامتها في المسجد جماعة، واستمر هذا العمل منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا فصارت صلاة التراويح في شهر رمضان من شعائر الإسلام، إلا أن من ترك التراويح جماعة في المسجد، وأقامها في البيت لا يذم ولا يلام.

_ 1 انظر: تحفة الأحوذي: 2/521. 2 رواه أبو داود (2/ 1.6) ،وقال: ليس هذا الحديث بالقوي، مسلم بن خالد ضعيف. انتهى. قال الذهبي في الكاشف (3/14.) وثّق، وضعفه أبو داود لكثرة غلطه. وقال الحافظ في التقريب: فقيه صدوق كثير الأوهام. 3 انظر: قيام الليل: (ص 155) ، بطريق خالد بن مسلم ولم يقل فيه شيئا. . 4 انظر: فتح الباري: 4/252.

عدد ركعات صلاة التراويح

3- عدد ركعات صلاة التراويح: ففيه ثلاثة أقوال للعلماء: القول الأول: ركعات التراويح ثمانية - وهو قول المحدثين والمحققين. القول الثاني: ركعات التراويح عشرون ركعة - وبه قال الأئمة الثلاثة: الشافعي وأبو حنيفة وأحمد. القول الثالث: ركعات التراويح ست وثلاثون - وبه قال الإمام مالك. وإليكم بعض الأدلة للقول الأول: 1- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً لا تسأل عن طولهن وحسنهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن طولهن وحسنهن. ثم يصلي ثلاثاً "1. وقد بوب ابن خزيمة في صحيحه2 باب ذكر عدد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان فذكر هذا الحديث، كما ذكره إلبيهقي في سننه3 في باب ما روي في عدد ركعات القيام في شهر رمضان. ويبدو أن الجميع استمسكوا به لمعرفة عدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره، كما ذكره الإمام البخاري في صحيحه عقب صلاة التراويح وسوف يأتي ذلك قريبا إن شاء الله. 2- حديث جابر بن عبد الله قال: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثماني ركعات وأوتر ... " رواه أبو يعلى، والطبراني في الصغير، كما قال الهيثمي وفيه: عيسى بن جارية وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه ابن معين4. وقال الحافظ في الفتح:5 رواه ابن خزيمة وابن حبان، وعزاه في التلخيص6 لابن حبان فقط ولم يتكلم على إسناد الحديث مع وجود عيسى بن جارية في إسناد ابن حبان كما في موارد الظمآن.

_ 1 متفق عليه: ففي البخاري مع الفتح (3/33) ، وفي مسلم (1/5.9) من طبعة فؤاد عبد الباقي. 2 صحيح ابن خزيمة: (3/ 341) 3 السنن الكبرى للبيهقي: (3/495) 4 انظر: مجمع الزوائد: 3/172. 5 فتح الباري: 3/12. 6 التلخيص: 3/21.

وقد ذكر الشيخ الألباني هذا الحديث ونسبه لابن نصر والطبراني وقال:" سنده حسن "1. ولم يتكلم على عيسى بن جارية. والطبراني ذكر هذا الحديث في المعجم الصغير2 بإسناده عن يعقوب بن عبد الله القمي عن عيسى بن جارية،عن جابر بن عبد الله قال:" صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر، فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج، فلم نزل حتى أصبحنا ثم دخلنا، فقلنا: يا رسول الله اجتمعنا البارحة في المسجد ورجونا أن تصلي بنا؟ فقال: إني خشيت أن يكتب عليكم ". قال الطبراني:" لا يروى عن جابر بن عبد الله إلا بهذا الإسناد، تفرد به يعقوب وهو ثقة، ولم يتكلم عن عيسى بن جارية ". وذكر الذهبي هذا الحديث وقال: إسناده وسط3. أقول: عيسى بن جارية: هو الأنصاري المدني، قال الحافظ:" فيه لين ". وقال الذهبي:" روى عن جرير وجابر، وعنه أبو صخر حميد بن زياد، ويعقوب القمي مختلف فيه " قال ابن معين:" عنده مناكير "4. وفي الميزان: قال النسائي:" منكر الحديث " وجاء عنه:" متروك "، وقال أبو زرعة:" لا بأس به "، وأما يعقوب بن عبد الله القمي فهو – بضم القاف – أبو الحسن الأشعري، سبق أن وثقه الطبراني وقال النسائي:" ليس به بأس "، وقال الدارقطني:" ليس بالقوي "5. وحكم عليه الذهبي بأنه صدوق6. ويبدو من هذا أن الحديث لا يقل عن درجة الحسن، ولذا سكت عليه الحافظ، وحسنه الألباني، وقال الذهبي:" إسناده وسط ". والمعروف أن الذهبي من أهل الإستقراء. ثم أخرج الإمامان الجليلان وهما ابن جبان وابن خزيمة في صحيحيهما إضافة إلى ذلك أنه موافق لحديث عائشة. وبهذين الحديثين أخذ المحققون من علماء أهل الحديث والفقه. فإن أحداً منهم لم يقل بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى أكثر من ثماني ركعات في رمضان أو في غير رمضان، وإنما الخلاف في الطول، والقراءة، والوقت، والجماعة، وغير ذلك.

_ 1 انظر: صلاة التراويح ص 21. 2 المعجم الصغير: 1/19. . 3 انظر: ميزان الاعتدال: 3/311. 4 انظر: الكاشف: 2/366. 5 انظر الخلاصة للخزرجي: 3/182. 6 انظر الكاشف 3/292.

وأما التراويح، وقيام رمضان، وصلاة الليل، وصلاة التهجد في رمضان: فهي عبارة عن شيء واحد، قال الشيخ عبيد الله المباركفوري: " اعلم أن التراويح وقيام رمضان وصلاة الليل وصلاة التهجد في رمضان عبارة عن شيء واحد، واسم لصلاة واحدة، وليس التهجد في رمضان غير التراويح لأنه لم يثبت من رواية صحيحة ولا ضعيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ليالي رمضان صلاتين إحداهما التراويح، والأخرى التهجد، فالتهجد في غير رمضان هو التراويح في رمضان كما يدل عليه حديث أبي ذر وغيره، وإليه ذهب صاحب فيض الباري1. (الشيخ أنور شاه الكشميري) من الحنفية حيث قال: " المختار عندي أن التراويح، وصلاة الليل واحد، وإن اختلفت صفتاهما كعدم المواظبة على التراويح وأدائها بالجماعة، وأدائها في أول الليل تارة، وإيصالها إلى السحر أخرى بخلاف التهجد فإنه كان في آخر الليل، ولم تكن فيه الجماعة. وجعل اختلاف الصفات دليلاً على اختلاف نوعيها ليس بجيد عندي بل كانت تلك صلاة واحدة، إذا تقدمت سميت باسم التراويح، وإذا تأخرت سميت باسم التهجد. ولا بدع في تسميتها باسمين عند تغاير الوصفين فإنه لا حجر في التغاير الاسمي إذا اجتمعت عليه الأمة، وإنما يثبت تغاير النوعين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التهجد مع إقامته بالتراويح2. انتهى. وقد جزم أيضاً الشيخ بدر الدين العيني وهو من كبار العلماء الحنفية أن قول عائشة إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في العشر الأواخر في رمضان يجتهد ما لا يجتهد في غيره، المقصود منه التطويل في الركعات والسجود والقيام والقعود بدون الزيادة في العدد 3. وقد ذكر الشيخ العيني عشرات الروايات عن الصحابة الآخرين لإثبات عدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم وخرج منها بأنه ما كان يزيد عن ثمان ركعات، ويزيد وينقص من ركعات الوتر ما شاء، وذهب الشيخ ابن الهُمام- من محققي الحنفية- إلى أن الثماني ركعات سنة، والبقية مستحبة، وأنكر عليه المشايخ الحنفية القائلون بسنية العشرين 4. القول الثاني: ركعات التراويح عشرون ركعة: استند أصحاب هذا القول بالأثر المروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه جمع الناس وراء أبي بن كعب على عشرين ركعة كما استندوا أيضاً بحديث مرفوع إلا أنه ضعيف

_ 1 انظر: 2/42. من فيض الباري. 2 انظر: مرقاة المفاتيح 2/224-225. 3 انظر عمدة القاريء 7/2.4. 4 انظر شرح فتح القدير 1/334.

بالاتفاق، فلذا نرى أن المحققين من أصحاب المذاهب لم يذكروا هذا الحديث المرفوع في الاستدلال لما ذهبوا إليه كالشيخ ابن قدامة وغيره. ولو كان هذا الحديث صحيحاً لكان حجة قاطعة على أصحاب القول الأول، ولتبادر المحققون إلى ذكره، ومع ذلك فنحن نذكر هذا الحديث ثم نتبعه الآثار المروية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهذا الخصوص. الحديث المرفوع: قال الإمام الزيلعي:" روى ابن أبي شيبة في مصنفه1، والطبراني في معجمه 2، وعنه البيهقي 3، من حديث إبراهيم بن عثمان أبي شيبة عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر ". قال الحافظ الزيلعي:" وهو معلول بأبي شيبة إبراهيم بن عثمان جد الإمام أبي بكر بن أبي شيبة، وهو متفق على ضعفه ولينه ابن عدى في الكامل ثم أنه مخالف للحديث الصحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة...... فذكر حديثها "4. انتهىَ كلام الزيلعي. وقال الهيثمى:" رواه الطبراني5 في الكبير والأوسط وفيه: أبو شيبة وهو ضعيف6. وقال الحافظ في التقريب:" أبو شيبة إبراهيم بن عثمان متروك "، وقال الشيخ ابن الهمام:" أبو شيبة إبراهيم بن عثمان ضعيف "7. وقال البيهقي:" تفرد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي وهو ضعيفة "8. فسند هذا الحديث يدور على أبي شيبة لأن كل من خرجه فطريقه ينتهي إليه فلا يغرنك إذا قال أحد إن لهذا الحديث سنداً آخر، فإن الطبراني والبيهقي صرحا بأن أبا شيبة تفرد بهذا الحديث، وذكر الحافظ الذهبي في الميزان وقال:" إنه من مناكير أبي شيبة "، وكذا الحافظ مع علمه الغزير لم يجد لهذا الحديث سنداً آخر، فقد جزم وقال: " وأما ما رواه أبو شيبة من حديث ابن عباس فإسناده ضعيف، وقد عارضه حديث عائشة هذا الذي في الصحيحين مع كونها أعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً من غيرها "9

_ 1 صنف ابن أبي شيبة 2/394. 2 الكبير 11/393. 3 البيهقي 2/496. 4 انظر: نصب الراية 2/153. 5 انظر المعجم الكبير 11/393. 6 انظر مجمع الزوائد: 3/172. 7 انظر شرح فتح القدير: 1/333. 8 انظر سنن البيهقي 2/496. 9 انظر فتح الباري 4/254.

ومع وجود هذه التصريحات من الأئمة والمحققين؟ ومنهم علماء الحنفية جاء الشيخ يوسف البنوري رحمه الله تعالى الحنفي غاضباً وثائراً على من يقول: إن عدد ركعات التراويح ثمان ورماهم بالسفسطة والعجرفة في القول والبيان والزيغ في المعتقد والبغض مع صلحاء الأمة ثم قال: " ويدفع القول الأول بأنه وإن كان ضعيفاً _أي إبراهيم بن عثمان أبو شيبة _ ولكن يؤيد روايته تعامل الأمة في عهد الفاروق ومن بعده، ويدفع الثاني بالحمل على اختلاف الأحوال كما أشار إليه الحافظ في سياق آخر، وقد يعمل بالضعيف لتقويته بالتعامل وغيره1. وقال بعد ذلك _ ويبدو أنه متعب جداً لعدم نجاحه في محاولاته الكلامية -: " العشرون لا بد أن يكون لها أصل في المرفوع وإن لم يبلغ إلينا بالإسناد القوي " 2. وهي قاعدة مخترعة تنم عن العجز من الإتيان بالأدلة المعقولة.

دراسة الآثار المروية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بخصوص عدد ركعات صلاة التراويح

دراسة الآثار المروية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بخصوص عدد ركعات صلاة التراويح: روى الإمام البخاري في صحيحه3 عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال:" خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله ". انتهى. هذا الحديث الذي ذكره الإمام البخاري معلقاً وقال: عن ابن شهاب وهو في الحقيقة عطف على ما سبق من الإسناد ورواه مالك في موطئه بإسناده نحوه. شرح بعض الكلمات: (أوزاع) بسكون الواو، بعدها زاي معجمة، أي جماعة متفرقون، وقوله في الحديث: متفرقون: تأكيد لفظي. (أمثل) أي أفضل كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استنبط من تقرير

_ 1 انظر معارف السنن 5/547. 2 المصدر السابق 5/55. . 3 انظر فتح الباري 4/25. .

النبي صلى الله عليه وسلم من صلى معه في تلك الليالي، وإن كان كره ذلك لهم، فإنما كرهه خشية أن يفرض عليهم فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم حصل الأمن من ذلك. (فجمعهم على أبي بن كعب) أي جعله إماماً. قال الحافظ:" كأنه اختاره عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم "يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله "، وقد قال عمر:" أقرؤنا أبي ". (ثم خرجت معه ليلة أخرى) فيه إشارة إلى أن عمر ما كان يصلي مع الجماعة وراء أبي، لأنه يرى أن الصلاة في آخر الليل في البيت أفضل، فإنه قال في آخر الحديث:" والتي تنامون عنها أفضل ". وقد روى محمد بن نصر من طريق طاوس، عن ابن عباس قال:" كنت عند عمر في المسجد فسمع هيعة الناس فقال: ما هذا؟ قيل: خرجوا من المسجد، وذلك في رمضان فقال: ما بقي من الليل أحب إلي مما مضى ". انتهى. (الهيعة) قال في النهاية: الصياح والضجة. (قول عمر: نعم البدعة) وجاء في بعض الروايات: نعمت البدعة. والبدعة أصلها ما أحدث على غبر مثال سابق. وتطلق في الشرع: في مقابل السنة، وتكون ممنوعة. قال الحافظ:" والتحقيق في ذلك أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح " 1. وقال الحافظ ابن الأثير: البدعة بدعتان، بدعة هوى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان تحت عموم ما ندب الله إليه، وحض عليه الله ورسوله فهو في حيز المدح وما لم يكن له مثال موجود كنوع من السجود والسخاء وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له ثواباً فقال:" من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها " وقال في ضده:" ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها " وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن هذا النوع قول عمر بن الخطاب:" نعمت البدعة هذه "2.

_ 1 انظر فتح الباري 4/253. 2 انظر النهاية في غريب الحديث: 1 / 1.6.

ونرجع إلى الحديث أصل الموضوع فنقول: إن الإمام البخاري لم يذكر عدد الركعات التي جمع عليها عمر بن الخطاب وفي هذا إشارة إلى أن الآثار التي وردت في ذكر عدد الركعات لم تصح عنده. أو أنه يرى أن عمر لم تتجاوز على ثماني ركعات فذكر عقب قصة عمر حديث عائشة رضي الله عنها التي تقول:" ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد على إحدى عشرة ركعة في رمضان ولا في غيره، يصلي أربعاً فلا تسال عن حسنهن، وطولهن، ثم يصلى أربعاً فلا تسال عن حسنهن، وطولهن، ثم يصلى ثلاثاً ". لذا وقع الخلاف بين الرواة في ذكر عدد الركعات، وإليكم بعض هذه الآثار: 1-في موطأ مالك1: عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال:" أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة " قال:" وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصيّ من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر ". وبطريق مالك رواه البيهقي2 وصرح فيه بأن محمد بن يوسف هو ابن أخت السائب بن يزيد. ورواه سعيد بن منصور في سننه بوجه آخر عن عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد. وإسناده صحيح. فإنما محمد بن يوسف الكندي المدني الأعرج ثقة ثبت مات في حدود الأربعين ومائة وهو شيخ مالك واحتج به الشيخان. والسائب بن يزيد صحابي معروف حج مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو صبي ثم إن هذا الحديث موافق لحديث عائشة رضي الله عنها وحديث جابر بن عبد الله إلا أن الحافظ ابن عبد البر يقول:" روى غير مالك في هذا الحديث (إحدى وعشرون) وهو الصحيح ولا أعلم أحداً قال فيه إحدى عشرة إلا مالكاً، ويحتمل أن يكون ذلك أولاً ثم خفف عنهم طول القيام ونقلهم إلى إحدى وعشرين إلا أن الأغلب عندي أن قوله: إحدى عشرة وهْمٌ ". انتهى. ورد الزرقاني بقوله: ولا وهم مع أن الجمع بالإحتمال الذي ذكره قريب، وبه جمع

_ 1الموطأ مع شرحه التنوير 1/1.5 2السنن الكبرى 2/496

البيهقي أيضاً، وقوله إن مالكاً انفرد به ليس كما قال، فقد رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن محمد بن يوسف مثل قول مالك 1 انتهى. وقال النيموني في آثار السنن:" ما قاله ابن عبد البر من وهم مالك فغلط جداً لأن مالكاً تابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عند سعيد بن منصور، ويحيى بن سعيد القطان عند أبي بكر بن أبي شيبة في مصنفه، وكلاهما عن محمد بن يوسف وقالا:" إحدى عشرة ". وهذه الروايات التي رويت عن عمر بن الخطاب في غاية من الصحة، وفيها ذكر لإحدى عشرة ركعة، لأن عبد العزيز بن محمد الدراوردي من الثقات أيضاً أخرج له أصحاب الستة، ويحيى بن سعيد القطان إمام في الحفظ والضبط والإتقان. وزاد الألباني في رسالة التراويح2 فقال:" وأيضاً تابع مالكاً إسماعيل بن أمية وأسامة بن زيد ومحمد بن إسحاق عند النيسابوري وإسماعيل بن جعفر المدني عند ابن خزيمة في حديث ابن حجر كلهم قالوا عن محمد بن يوسف به. انتهى. 2-أخرج عبد الرزاق في مصنفه3 عن داود بن قيس وغيره، عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب، وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة يقرأون بالمئين وينصرفون عند بزوغ الفجر. قال الشيخ المباركفوري:" إن عبد الرزاق انفرد برواية إحدى وعشرين ركعة ولم يخرجه أحد غيره فيما أعلم، وعبد الرزاق وإن كان ثقة حافظاً فقد عمي في آخر عمره فتغير كما صرح به الحافظ في التقريب، وأما الإمام مالك فبقي إماماً لدار الهجرة "4. والمعروف أن الحكم في المختلطين أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الإختلاط ولا يؤخذ حديث من أخذ عنهم بعد الإختلاط أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنهم قبل الإختلاط أو بعده، فمسألة عبد الرزاق هي من القسم الثالث وخاصة إذا خالف الثقات. ثم هذه الرواية مخالفة للحنفية فإنه يستلزم أن يقولوا بأن التراويح ثماني عشرة ركعة، أو أن الوتر ركعة واحدة. وأما داود بن قيس فهو الصنعاني ذكره ابن حبان في الثقات وقال عنه الحافظ:" مقبول ".

_ 1شرح الموطأ للزرقاني 1/354 2صلاة التراويح: ص 53. 3المصنف: 4/26. . 4انظر تحفة الأحوذي: 3/527.

3- وأخرج محمد بن نصر المروزي1، عن السائب بن يزيد بدون الإسناد وفيه ذكر لعشرين ركعة ومثله عند البيهقي 2 بطريق أبي عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه الدنيوري، ثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني، أنبأنا عبد الله محمد بن عبد العزيز البغوي، ثنا علي بن الجعد، أنبأنا ابن أبى ذئب، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد.. قال صاحب مرقاة المفاتيح:" أما رواية يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد فهي عند البيهقي بوجهين في أحدهما أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري، وفي الآخر أبو عبد الله الحسين بن فنجويه، ولم أقف على ترجمتهما ولم يعرف حالهما ". انتهى 3. أقول: أما وجه أبى عثمان عمرو بن عبد الله البصري فلم أجده في السنن الكبرى وأما قوله في أبى عبد الله الحسين بأنه لم يقف على ترجمته فهو صحيح، فإني بعد البحث لم أقف على أكثر ما ذكره الحافظ الذهبي في ترجمة (تمام بن أبى الحسين) اسمه فقط بدون أن يقول عنه شيئاً 4. وقال الحافظ 5:" روى مالك من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عشرين ركعة، وتبعه الشوكاني 6 فقال: رواه مالك في الموطأ والظاهر أنهما قد سهوا في ذلك فإن مالكاً لم يرو رواية يزيد بن خصيفة هذه في الموطأ ". وقد ذكر النووي حديث يزيد بن خصيفة وعزاه إلى البيهقي وغيره ولم يعزه إلى مالك 7 وهذا لا يمنع أن يروى مالك هذه الرواية في غير الموطأ، بالإضافة إلى ذلك فقد قال الإمام أحمد عن يزيد بن خصيفة: منكر الحديث مع توثيقه له في رواية الأثرم عنه 8. ومعنى هذا أن يزيد بن خصيفة انفرد برواية هذا الأثر وهو مخالف لما رواه زملاؤه الآخرون فيكون الضعف في روايته من أجل مخالفته فقد قال الحافظ في مقدمة الفتح 9 في ترجمته: هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب من أقرانه بالحديث، عرف ذلك بالاستقراء من حاله، وقد احتج بابن خصيفة مالك والأئمة كلهم. انتهى.

_ 1انظر: قيام الليل: ص 157. 2السن الكبرى: 3/496. 3 2 / 333. 4انظر: تذكرة الحفاظ: 3 / 1.57. 5 انظر. فتح الباري: 4/253. 6انظر، نيل الأوطار:3 / 63. 7انظر: شرح المهذب: 3 / 527. 8انظر: ميزان الاعتدال: 4/43.. 9ص 453.

فرواية يزيد بن خصيفة غريبة وشاذة مع صحته كما زعم به النووي1. لأنها تخالف روايات الثقات لأن ابن خصيفة ومحمد بن يوسف كلاهما ثقتان يرويان عن السائب بن يزيد، فالأول يقول في روايته (إحدى وعشرون) والثاني (إحدى عشرة ركعة) ، فيرجح القول الثاني لأنه أوثق من صاحبه، لذا اقتصر الحافظ في وصف يزيد بن خصيفة في التقريب بقوله: " ثقة " بينما قال في وصف محمد بن يوسف "ثقة ثبت " وأيضاً محمد بن يوسف هو ابن أخت السائب بن يزيد فلأجل قرابته للسائب يكون أعرف الناس في حديث السائب من غيره. هذه هي خلاصة الخلاف بين يزيد بن خصيفة ومحمد بن يوسف، وقد حمل بعض علماء الحنفية على علماء أهل الحديث فنسبوا إليهم القول بتضعيف يزيد بن خصيفة معتمدين على قول أحمد فرموهم بالجهل والتعصب، والحق أن علماء أهل الحديث لم يضعفوا يزيد بن خصيفة بل رجحوا رواية محمد بن يوسف على روايته للأسباب التي مر ذكرها. فلم ينجح في محاولة من أراد تقديم حديث يزيد بن خصيفة أو تصحيحه كما يظهر هذا جلياً من قول الشيخ اللكنوي في (الرفع والتكميل) ومنه الدكتور نور الدين عتر في (منهج النقد في علم الحديث) في باب (منكر الحديث) والله الهادي إلى سواء السبيل. 4-روى مالك في الموطأ2 عن يزيد بن رومان أنه قال:" كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب بثلاث وعشرين ركعة " إلا أن فيه انقطاعا، فإن يزيد بن رومان لم يدرك عمر بن الخطاب فإنه توفي سنة ثلاثين ومائة فلم يلق إلا صغار الصحابة كابن الزبير وأنس وعبيد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر، ولم يذكر الحافظ في (التهذيب) ، ولا السيوطي في (إسعاف المبطأ برجال الموطأ) أنه التقى بعمر بن الخطاب. وقد نص الزيلعي3 بأنه لم يدرك عمر بن الخطاب وقال العيني4:" سنده منقطع ". 5 - روى ابن أبي شيبة عن وكيع، عن مالك، عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أمر رجلاً يصلي بهم عشرين ركعة 5، ويحيى بن سعيد لم يدرك عمر بن الخطاب فقد قال ابن المديني:" لا أعلمه سمع من صحابي غير أنس "6.

_ 1شرح المهذب 3/527. 2الموطأ: 1/1.5 مع التنوير 3نصب الراية: 2/154 4انظر عمدة القارئ: 11/126 5المصنف: 2/393 6تهذيب التهذيب: 11/223

6- وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن عبد العزيز بن رفيع قال:" كان أبي بن كعب يصلي بالناس في رمضان بالمدينة عشرين ركعة ويوتر بثلاث "1. وعبد العزيز بن رفيع لم يدرك أبي بن كعب، فإنه توفي سنة (19 هـ) ، أو سنة (33 هـ) ، وعبد العزيز توفي سنة مائة وثلاثين على أنه لم يذكر أي واحد في ترجمته أنه روى عن أبي بن كعب، إنما يروى عن صغار الصحابة وكبار التابعين 2. 7- وروى محمد بن نصر المروزي في قيام الليل قال: " قال الأعمش: كان ابن مسعود يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث، إلا أن الأعمش لم يدرك ابن مسعود ". 8- وروى البيهقي3 عن أبو الحسناء أن علي بن أبى طالب أمر رجلاً أن يصلى بالناس خمس ترويحات، عشرين ركعة. قال البيهقى:" وفي هذا الإسناد ضعف ". انتهى. أقول: لأن فيه أبا الحسناء وهو مجهول كما قال الحافظ في التقريب 4. 9- وروى البيهقي من وجه آخر من طريق حماد بن شعيب، عن عطاء بن السائب، عن أبى عبد الرحمن السلمي، عن علي قال:" دعا القراء في رمضان فأمر منهم رجلاً يصلي بالناس عشرين ركعة وكان يوتر بهم "، وفيه حماد بن شعيب ضعيف، ضعفه ابن معين وغيره5، وقال البخاري:"فيه نظر"6. وقد ذكرت آثار غير هذه ولكن يظهر من دراستها أنها لا تخلو من ضعف، فإن الآثار الصحيحة عن عمر بن الخطاب تدل على أنه أمر أبي بن كعب أن يصلي بالناس ثمان ركعات وهي موافقة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما زاد على هذه فهي كلها ضعيفة، أو مقطوعة غير صحيحة. 1.- وروى أبو داود في سننه عن الحسن أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب، فكان يصلى لهم عشرين ليلة، ولا يقنت بهم إلا في النصف الباقي، فإذا كانت العشر الأواخر تخلف فصلى في بيته، فكانوا يقولون: ابق أبى7، وبطريقه رواه البيهقي8، وكذا ذكره الزيلعي9 عن أبي داود، بأن أبياً صلى بهم عشرين ليلة.

_ 1المصنف: 2/393. 2راجع ترجمتهما في تهذيب التهذيب. وتهذيب الكمال. 3السنن الكبرى: 2/497. 4 التقريب: 2/412 5انظر الجرح والتعديل: 1/2/142. 6التاريخ الكبير: 2/1/25. 7أبو داود: 2/136باب القنوت في الوتر. 8 السنن الكبرى: 2/498. 9أنظر نصب الراية: 2/126.

ثم تعمد بعض من لا أمانة له ولا ديانة، فأثبت في حاشية بعض نسخ أبي داود المطبوعة في الديار الهندية بأنه توجد في نسخ أخرى: عشرين ركعة بدلاً من عشرين ليلة، وظهر ذلك أول مرة في حاشية الشيخ محمود الحسن على سنن أبي داود وهو إمام الحنفيين في جامعة دار العلوم بديوبند، ثم جاءت خطوة أخرى فأثبتوا في المتن (عشرين ركعة) وقالوا في الحاشية "وفي نسخة عشرين ليلة" وذلك في شرح فخر الحسن على سنن أبي داود. وأمامي الآن نسخة بذل المجهود المطبوعة في لبنان على طبع الهندية، وفي هامشها " في نسخة بدله ركعة "، كذا في نسخة مقروءة على الشيخ مولانا محمد إسحاق رحمه الله تعالى 1. ثم هذا السند الذي ساقه أبو داود فيه انقطاع لأن الحسن البصري لم يدرك عمر بن الخطاب فإنه ولد في سنة إحدى وعشرين، ومات عمر في أواخر سنة ثلاث وعشرين أو في أوائل المحرم سنة أربع وعشرين. 11- وعند مالك رواية أخرى عن داود بن الحصين أنه سمع لأعرج يقول:" ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان قال: وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف ". قال ابن عبد البر:" أدرك الأعرج جماعة من الصحابة وكبار التابعين ". وأما داود بن الحصين فهو أبو سليمان المدني الأموي مولاهم، وثقه ابن معين، وضعفه أبو حاتم وقال:" لولا أن مالكاً روى عنه لترك حديثه "2. قال الحافظ بعد ذكر هذه الروايات وغيرها:" قال ابن إسحاق: وهذا أثبت ما سمعت في ذلك (يعني به رواية محمد بن يوسف، عن جده السائب بن يزيد قال: كنا نصلي زمن عمر في رمضان ثلاث عشرة) وهو موافق لحديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل "3. وهذا الذي نرجحه لأنه يوافق فعل النبي صلى الله عليه وسلم. والمسألة فيها خيار، كما قال الإمام الشافعي:" رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين، وبمكة بثلاث وعشرين وليس في شيء من ذلك ضيق "، وعنه قال: إن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن، وإن أكثروا السجود وأخفوا القراءة فحسن، والأول أحب إليّ ".

_ 1انظر بذل المجهود في حل أبي داود: 7/252. 2انظر الجرح والتعديل: 1/2/4.9. 3انظر فتح الباري: 4/254.

القول الثالث: وهو قول الإمام مالك بأن صلاة التراويح ست وثلاثون ركعة. وجد أهل المدينة على ذلك: وقيل: ثمان وثلاثون، فقد روى محمد بن نصر المروزي، عن ابن أيمن، عن مالك هكذا، وقال مالك:" وعلى هذا العمل منذ بضع ومائة سنة "، ثم يقول مالك:" وليس في شيء من ذلك ضيق ". فكان يرى أن الأمر موكول إلى المصلي فهو يختار العدد المناسب حسب نشاطه، وقد قال الترمذي في سننه:" أكثر ما قيل أنها تصلى إحدى وأربعين ركعة "- يعني بالوتر-. ولكن نقل ابن عبد البر: عن الأسود بن يزيد:" تصلى أربعين ويوتر بسبع ". وسبب اختيار أهل المدينة ستاً وثلاثين ركعة أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين طوافاً ويصلون ركعتين، ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأراد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات فزادوا ست عشرة ركعة فصار المجموع ستاً وثلاثين ركعة. ذكره النووي 1 وغيره. والحمد لله رب العالمين. المنتقل من معصية إلى معصية أكبر منها كالمستجير من الرمضاء بالنار. والمنتقل من معصية إلى معصية، كالمنتقل من دين باطل إلى دين باطل. (ابن تيمية) المعاصي سبب المصائب، والطاعة سبب النعمة، وإحسان العمل سبب لإِحسان الله. (ابن تيمية)

_ 1 انظر: شرح المهذب: 3/527.

§1/1