صلاة الاستخارة مسائل فقهية وفوائد تربوية

عقيل بن سالم الشهري

المقدمة

المقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .. وبعد: فقد امتن الله علينا بإنزاله القرآن العظيم، فيه شفاء للقلوب من أسقامها، وتزكية للنفوس عن أدرانها، وأنزل مع السنة النبوية تبيانًا له، فلا يشقى من تمسك بهما، ولا يخاف من اهتدى بهما، ولما كان عمود ذلك يقوم على التدبر والتأمل، وإعمال الفكر، وإعادة النظر، حتى يجول القلب في ملكوت الحكمة، فيقتنص من أوابدها، ويغوص لتحصيل دررها وجواهرها، فقد أنكر الله على من أهمل ذلك قائلًا له: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]. واستجابة لأمر الله في التدبر والتأمل في وحيه، والسنة النبوية من وحيه تعالى، فقد عقدت العزم على التأمل والتدبر والاستنباط في بعض الأحاديث النبوية، وقد جمعت من ذلك ما يكون بداية طريق ارتسمته لنفسي، ومن ذلك قراءة حديث الاستخارة والغوص في معانيه، وحداني لذلك أمران: الأول: تطبيق عملي لمشروعي في استنباطات من السنة النبوية. الثاني: اختصاص حديث الاستخارة بتعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة، حتى كأنه يعلمهم السورة من القرآن، وهذا يقتضي الإعادة والتكرار والمدارسة حتى يحفظوه. ولا شك أن هذا يسترعي الاستغراب، ويستدعي الانتباه إلى وجوده أسرار إيمانية اختص بها دعاء الاستخارة من غيره من الأدعية.

ومع صغر البحث إلا أني أحببت تقسيمه إلى قسمين، هما: القسم الأول: المسائل الفقهية المتعلقة بصلاة الاستخارة، وفيه إحدى وعشرون مسألة: المسألة الأولى: الأحاديث الواردة في الاستخارة. المسألة الثانية: أصل مشروعيتها. المسألة الثالثة: حكم صلاة الاستخارة. المسألة الرابعة: ما هي الأمور التي تشرع لها صلاة الاستخارة؟ المسألة الخامسة: هل تؤدى صلاة الاستخارة في وقت النهي؟ المسألة السادسة: متى تبدأ نية صلاة الاستخارة؟ المسألة السابعة: عدد ركعات صلاة الاستخارة. المسألة الثامنة: ماذا يقرأ في صلاة الاستخارة؟ المسألة التاسعة: متى يقال دعاء الاستخارة؟ المسألة العاشرة: ما يفعله من لم يحفظ دعاء الاستخارة: المسألة الحادية عشرة: هل يستحب البدء في الدعاء بالحمد لله، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ المسألة الثانية عشرة: هل يشرع تكرار صلاة الاستخارة؟ المسألة الثالثة عشرة: ماذا يفعل المسلم بعد صلاة الاستخارة؟ المسألة الرابعة عشرة: هل صلاة الاستخارة صلاة مستقلة أو يصح تداخلها مع غيرها من الصلوات؟ المسألة الخامسة عشرة: هل تصح النيابة في صلاة الاستخارة؟ المسألة السادسة عشرة: أنواع صلاة الاستخارة. المسألة السابعة عشرة: هل يصح الاستخارة في أمرين أو أكثر في صلاة واحدة؟

المسألة الثامنة عشرة: ما يختاره الداعي من الألفاظ التي اختلفت الرواية فيها؟ المسألة التاسعة عشرة: هل يسمي حاجته أو يكتفي بالنية؟ المسألة العشرون: أيهما يقدم الاستخارة أو الاستشارة؟ المسألة الحادية والعشرون: مما قيل في الاستخارة. القسم الثاني: الفوائد التربوية من دعاء صلاة الاستخارة، وفيه: ثمانون فائدة. ولقد ترسخ لدي قناعةٌ بحاجة السنة النبوية إلى زيادة نظر وتدقيق واستنباط أحكام وفوائد، أو ما يصح تسميته (تثوير السنة) (¬1). ولئن خدمها سلفنا الصالح بالتمحيص والتدقيق والتخريج، وبيان الشاذ من الألفاظ من غيرها، فقد كان لهم جهد واضح في الاستنباط، وكتاب فتح الباري للحافظ ابن حجر نموذج فريد في ذلك، كان بالإمكان أن يُحتذى حذوه في بقية كتب السنة النبوية. وأسال الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، والإخلاص في القول والعمل، وأن يتقبله مني، وأن يجعله في ميزان حسناتي ووالدي يرحمه الله، وألا يحرمه أجري وأجر جميع أعمالي، وأشكر الأخ الفاضل/ خليف بن هيشان العنزي على جهده في إخراج هذا الكتاب، وعنائه في ترتيبه وقراءته وفهرسته، سائلًا الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته وأن ينفع به، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. عقيل بن سالم الشمري عضو الدعوة والإرشاد بحفر الباطن [email protected] ¬

(¬1) هذا المصطلح مأخوذ من قول ابن مسعود - رضي الله عنه - موقوفًا: (من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن). أخرجه البيهقي في الشعب 2/ 331، والطبراني في الكبير 9/ 135.

القسم الأول المسائل الفقهية المتعلقة بصلاة الاستخارة

القسم الأول المسائل الفقهية المتعلقة بصلاة الاستخارة

المسألة الأولى: الأحاديث الواردة في الاستخارة

القسم الأول المسائل الفقهية المتعلقة بصلاة الاستخارة صلاة الاستخارة لا تختلف عن أنواع الصلاة الأخرى من حيث الشروط والأركان والواجبات والمستحبات، إلا أن هناك أحكامًا تخصها، ومن ذلك ما يلي: المسألة الأولى: الأحاديث الواردة في الاستخارة. ورد في الاستخارة عدة أحاديث، وهي كالتالي: 1 - حديث جابر - رضي الله عنه -: عن جابر - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة؛ ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم؛ وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني، ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به قال: ويسمي حاجته». أخرجه: البخاري في عدة مواضع (1109) (2345) (2690)، وأبو داود (1538) والترمذي (480) والنسائي (3253) وابن ماجه (1383) وأحمد (344) وغيرهم من طريق عبد الرحمن بن أبي الموال عن ابن المنكدر عن جابر به. وأنكر الإمام أحمد رواية ابن أبي الموال فقال: وروي عن محمد بن المنكدر حديث الاستخارة وليس أحد يرويه غيره، وهو منكر (¬1). ¬

(¬1) الكامل في الضعفاء 4/ 307.

ورده ابن عدي بقوله: وقد روى حديث الاستخارة غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه بن أبي الموال (¬1)، أي أن للحديث شواهد، كما أن عبد الرحمن بن الموال وثقه جماعة من أهله العلم (¬2)، والحديث هو العمدة في الباب. 2 - حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: عن عبد الله قال: علمنا رسول الله الاستخارة قال: «إذا أراد أحدكم أمرًا فليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك فذكره، ولم يقل: العظيم، وقدم قوله: وتعلم على قوله: وتقدر، وقال: فإن كان هذا الذي أريد خيرًا في ديني وعاقبة أمري فيسره لي، وإن كان غير ذلك خيرًا لي فاقدر لي الخير حيث كان، يقول: ثم يعزم». أخرجه الطبراني في الكبير (10012) من رواية صالح بن موسى الطلحي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة، ورواه أيضًا من طريق أخرى (1301) من طريق ابن أبي ليلى عن فضيل بن عمرو عن إبراهيم عن علقمة. 3 - حديث أبي أيوب - رضي الله عنه -: عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أكتم الخطبة ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم صل ما كتب الله لك ثم أحمد ربك ومجده، ثم قل: اللهم إنك تقدر ولا أقدر الحديث إلى قوله الغيوب، وبعده فإن رأيت لي في فلانة تسميها باسمها خيرًا في دنياي وآخرتي فاقض لي بها أو قال فاقدرها لي». وفي لفظ: «خيرًا لي في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي وإن كان غيرها خيرًا لي منها في ديني ودنياي وآخرتي فاقض لي ذلك». ¬

(¬1) الكامل 4/ 307. (¬2) انظر: الفتح 11/ 183 وما بعدها.

أخرجه الطبراني في الكبير (1307) من رواية الوليد بن أبي الوليد أن أيوب بن خالد بن أبي أيوب حدثه عن أبيه. وأيوب وخالد ذكرهما ابن حبان في الثقات. 4 - حديث أبي بكر - رضي الله عنه -: عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أن النبي كان إذا أراد أمرًا قال: «اللهم خر لي واختر لي». أخرجه: الترمذي (3516) وأبو يعلى (44) والبزار في مسنده (59). وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث زنفل وهو ضعيف عند أهل الحديث. وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وزنفل قد حدث عنه غير إنسان؛ إلا أنه لم يتابع على هذا الحديث، ولكن لما لم نحفظ هذا الكلام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا برواية زنفل لم نجد بدًا من كتابته؛ ونبين العلة فيه (¬1). 5 - حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا أراد أحدهم أمرًا فليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك» الحديث - على نحو حديث جابر - وقال في آخره: «ثم قدر لي الخير أينما كان لا حول ولا قوة إلا بالله». وأخرجه أبو يعلى في مسنده (1342)، والطبراني في الدعاء (1304)، وابن حبان في صحيحه (885) من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد بنحو حديث جابر. ¬

(¬1) مسند البزار (1/ 185).

6 - حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: عن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سعادة ابن آدم استخارته الله، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله، ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله عز وجل». أخرجه الترمذي (2151) وأحمد (1444) والحاكم (1990) من طريق إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبي حميد ويقال له أيضًا حماد بن أبي حميد، وهو إبراهيم المدني وليس هو بالقوي عند أهل الحديث. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 184). 7 - حديث ابن عباس - رضي الله عنه -. 8 - حديث ابن عمر - رضي الله عنه -. عن عبد الله بن عمر وابن عباس - رضي الله عنه - قالا: كان رسول الله يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن اللهم إني أستخيرك الحديث إلى آخر قوله علام الغيوب، وزاد بعده: «اللهم ما قضيت علي من قضاء فاجعل عاقبته إلى خير». أخرجهما الطبراني في الكبير (1305) وقال العيني: وإسناده ضعيف وفيه عبد الله بن هانئ متهم بالكذب (¬1). 9 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أراد أحدكم أمرًا فليقل: اللهم إني أستخيرك فذكره ولم يقل العظيم، وفي آخره: ورضني بقدرك». ¬

(¬1) عمدة القارئ 11/ 380.

أخرجه الطبراني في الكبير (1306)، وابن حبان في صحيحه (886) من طريق أبي الفضل بن العلاء بن عبد الرحمن؛ عن أبيه عن جده. وقال ابن حبان: أبو الفضل اسمه شبل بن العلاء بن عبد الرحمن، مستقيم الأمر في الحديث. وقد ضعفه ابن عدي فقال: حدث بأحاديث له غير محفوظة مناكير وأورد له هذا الحديث، وقال: إنه منكر لا يحدث به غير شبل. 10 - حديث أنس - رضي الله عنه -. عن أنس - رضي الله عنه - مرفوعًا: «إذا أهممت بأمر فاستخر ربك سبعًا، ثم انظر إلى الذي يسبق في قلبك فإن الخير فيه». أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (551)، ولكنه لا يصح، قال الحافظ في الفتح (18/ 171): ولو صح لكان المعتمد لكن إسناده واه جدًا (¬1). فنلاحظ أن صلاة الركعتين لم ترد إلا في حديث جابر - رضي الله عنه -، وهو أصحها إسنادًا، وأتمها سياقًا. **** ¬

(¬1) الفتح 18/ 171.

المسألة الثانية أصل مشروعيتها

المسألة الثانية أصل مشروعيتها من رحمة الله أن أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، فبعثه يجدد لهم ملة أبيهم إبراهيم، وينشر توحيد الله وعبادته في الأرض، وكان أهل الجاهلية تبعًا لما هم عليه من الشرك؛ يقدمون على أمورهم ومصالحهم الدنيوية ويحجمون عنها بالاستقسام بالأزلام، وبتحريك الطيور والنظر إلى جهاتها. فعوض الله المسلمين بركعتي الاستخارة، لما فيهما من التوكل على الله؛ وتفويض الأمر إليه؛ والرضا بقدر الله وقضائه. فإذا هممت بأمر وأردت أن تعزم عليه بعد استشارة الناس فإنك تستخير. وبعض العلماء يستقبح الاستخارة قبل الاستشارة؛ لأنك إذا استخرت فلا تستشر أحدًا بعد الله عز وجل، ولذلك قالوا: تكون الاستخارة هي آخر الأمر. ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا هم أحدكم بالأمر» أي: أن يكون عنده الاهتمام، ومعنى ذلك أنه قد وجد من مشورة الناس ومن حديث النفس ما يجعله يتردد. وهذا أمر مستحسن؛ إلا أنه لا يعني عدم صحة الاستخارة لو تقدمت على استشارة غيره من المسلمين. ****

المسألة الثالثة حكم صلاة الاستخارة

المسألة الثالثة حكم صلاة الاستخارة أجمع العلماء على أن صلاة الاستخارة سنة (¬1)، وأومأ الشوكاني في نيل الأوطار إلى الوجوب ولم يجزم به، والقول بالوجوب متجه على مذهب الظاهرية، لصراحة الأمر في قوله: «فليركع ركعتين»، ولكن يرد عليه أنه أمر معلق بقوله: «إذا هم أحدكم بالأمر» فليس هو أمرًا مطلقًا. **** المسألة الرابعة ما هي الأمور التي تشرع لها صلاة الاستخارة؟ اختلف العلماء في الأمور التي تشرع لها الاستخارة على أقوال كما يلي: القول الأول: يستخير المسلم في كل أمر، سواء كان أمرًا دنيويًا أو دينيًا: أما أمور الدنيا: فبالاتفاق. وأما أمور الدين: فلا يستخير في ذات الأمر الشرعي، وإنما فيما يحتف به من أحوال، كأن يستخير في وقت العمرة، أو مقدار الوقف، أو غير ذلك. وذلك لأن ذات الأمر الديني مما نهى الله عنه، أو أمر به، أو ندب إليه، أو كرهه؛ أو أباحه لا خيار فيه للعبد المؤمن، لأن العبادة مبناها على التسليم لشرع الله. القول الثاني: يستخير المسلم في المباحات والمندوبات، أما الواجبات والمحرمات فلا يستخير فيها (¬2). ¬

(¬1) الموسوعة الكويتية 3/ 242. (¬2) حاشية الروض 3/ 220.

القول الثالث: يستخير فيما يتعلق بالمباحات والمشروعات، وليس في ذات المشروع أنه واجب أو مستحب، وإنما فيما يتعلق بالمباحات مثل الزواج، ومثل شراء المركوب، أو شراء البيت أو غير ذلك. كذلك أيضًا ما يتعلق بالمشروعات كزمان السفر؛ وآلة السفر وغيرها (¬1). والذي يظهر - والله أعلم -: أن هناك أمورًا متفق عليها، وهي كما يلي: 1 - اتفق العلماء على أنه لا يشرع الاستخارة في كل شيء من أمور الإنسان، كأموره العبادية والحياتية ودقائق تصرفاته، لأنه لم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستخير في كل شيء. 2 - اتفق العلماء على أنه لا يشرع للمسلم الاستخارة في ذات أمور العبادة، سواء الواجبات أو المحرمات، فلا يجوز أن يستخير في أداء أمر واجب، أو ترك فعل محرم. 3 - اتفق العلماء على أنه يشرع للمسلم الاستخارة فيما يحتف بالأمور المباحة من أحوال كزواج من فلانة، أو وقت سفر، أو تعيين وظيفة، أو تحديد منزل للشراء أو غير ذلك. واختلفوا في عدة أمور: 1 - هل تشرع الاستخارة فيما ظهرت مصلحته للإنسان؟ 2 - هل تشرع الاستخارة في المندوبات؟ والراجح - والله أعلم وأحكم -: أن الاستخارة تشرع في كل شيء مما يستخار له، سواء كان مندوبًا أو مباحًا، ويدل لذلك عموم قوله: (قوله يعملنا الاستخارة في كل الأمور) التي تعترينا وتحتاج للاستخارة. ¬

(¬1) شرح الشيخ المشيقح على عمدة الطالب (2/ 235).

المسألة الخامسة هل تؤدي صلاة الاستخارة في وقت النهي؟

ومما ينبغي التنبيه عليه أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع» تدل على الاستعجال بالاستخارة وعدم التباطؤ فيها. **** المسألة الخامسة هل تؤدي صلاة الاستخارة في وقت النهي؟ هذه المسألة تعرف بذوات الأسباب، ومؤداها: هل يجوز أداء ذوات الأسباب في وقت النهي؟ وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين (¬1): القول الأول: جواز فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي عند وجود أسبابها، وهذا قول الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها بعض الحنابلة، كأبي الخطاب، وابن عقيل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، واستدلوا بما يلي: 1 - أن أحاديث النهي عن الصلاة من العام غير المحفوظ؛ لأنه قد دخله التخصيص بأحاديث أخرى، مثل: - قضاء الفائتة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» (¬2). - وبمثل إعادة الجماعة فيمن دخل مسجدًا فوجد الناس يصلون وهو قد صلى، فإنه يصلي معهم، ولو كان الوقت نهيًا، لحديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين؛ وفيه: عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة» (¬3)، وغير ذلك مما دلت عليه السنة. ¬

(¬1) منحة العلام 1/ 159 وما بعدها مختصرًا. (¬2) رواه مسلم (314). (¬3) أخرجه مسلم (1497).

ومثل حديث صلاة الاستخارة وتحية المسجد فإنه عام في جميع الأوقات، محفوظ لم يدخله التخصيص، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فليركع ركعتين من غير الفريضة» لهذا لفظ عام، والقاعدة أن العام الذي لم يدخله التخصيص مقدم على العام الذي دخله التخصيص. 2 - أن ذوات الأسباب كصلاة الاستخارة وتحية المسجد مثلًا مقرونة بسبب، فلا تدخل في أحاديث النهي، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها» (¬1)، والذي يصلي لسبب لا يقال: إنه تحرى الصلاة، بخلاف التطوع المطلق الذي لا سبب له. القول الثاني: أنه لا يجوز فعل ذوات الأسباب من النوافل في أوقات النهي مطلقًا، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، وأحمد في المشهور عنه، واستدلوا: 1 - بعموم أحاديث النهي عن الصلاة في هذه الأوقات؛ لأن أحاديث النهي أقوى، فإنها قد بلغت حد التواتر، كما جزم بذلك الطحاوي، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما. والراجح: هو القول الأول؛ لقوة دليله، يضاف إلى ذلك أن ذوات الأسباب تفوت بفوات أسبابها ومن ذلك صلاة الاستخارة في وقت النهي، وتكون مخصوصة من عموم النهي. **** ¬

(¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري (585)، ومسلم (1961).

المسألة السادسة متى تبدأ نية صلاة الاستخارة؟

المسألة السادسة متى تبدأ نية صلاة الاستخارة؟ وصورة المسألة: شخص صلى ركعتين نافلة مطلقة، ثم بدا له أثناء الصلاة أمرٌ من الأمور يستدعي صلاة الاستخارة، فهل يحق له أن ينوي أم لا؟ الذي يظهر لي - والله أعلم وأحكم - أن نية صلاة الاستخارة تكون قبل البدء فيها، ويدل لذلك ما يلي: 1 - قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة» فلفظ الحديث مشعر باستقلال الاستخارة بنية خاصة لها تكون من بداية الصلاة. 2 - أن النية شرط، والشروط تكون قبل الأفعال. وعلى هذا لا يصح لمن كان في صلاة أن ينوي الاستخارة داخل صلاته. **** المسألة السابعة عدد ركعات صلاة الاستخارة اتفق العلماء على ثلاثة أمور هي: الأول: اتفقوا على أنها لا تصح بركعة واحدة، وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فليركع ركعتين». الثاني: اتفقوا على أن الأفضل أن تكون ركعتان، وذلك لأن لفظ الحديث نص عليهما. الثالث: اتفقوا على أنها لا تكون وترًا، لأن الحديث نص على الشفع بقوله: «فليركع ركعتين».

واختلفوا فيما زاد على الركعتين ولم يكن وترًا - كأن يصلي أربعًا - على قولين: القول الأول: لا تجوز الزيادة على الركعتين، وهو قول الجمهور، واستدلوا بما يلي: 1 - أن الحديث نص على الركعتين فلا تجوز الزيادة على الحديث. 2 - أن العبادات مبناها على التوقيف، وقد ورد الدليل بأنها ركعتان فقط. القول الثاني: جواز الزيادة على ركعتين، وهو قول الشافعية (¬1)، واستدلوا بما يلي: 1 - أن القول بالاقتصار على الركعتين غايته أنه احتجاج بمفهوم العدد، ومفهوم العدد ضعيف كما في علم أصول الفقه. 2 - ذكر الركعتين في الحديث لا يعني عدم الزيادة، وإنما المراد منه بيان أقل عدد من صلاة الاستخارة؛ بحيث أنه لا يجوز النقصان عن ذلك، وليس المراد منه الزيادة. والراجح - والله أعلم -: هو الاقتصار على الركعتين وعدم الزيادة عليهما، وذلك وقوفًا مع السنة النبوية، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في مقام تعليم، خاصة أن صلاة الاستخارة كان يعلمها أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن؛ فيبعد مع ذلك جوازها بأكثر من ذلك ولم يبينها لهم. وليس ذكر الركعتين في حديث جابر - رضي الله عنه - من باب مفهوم العدد، لأن مفهوم العدد أن يعلق الحكم على عدد معين (¬2)، وإنما حديث جابر - رضي الله عنه - من بيان الصفة فيلزم التقيد به. **** ¬

(¬1) الدين الخالص 1/ 255، والموسوعة الكويتية 3/ 243. (¬2) إرشاد الفحول 2/ 44.

المسألة الثامنة ماذا يقرأ في صلاة الاستخارة؟

المسألة الثامنة ماذا يقرأ في صلاة الاستخارة؟ للعلماء في ذلك تفصيل كما يلي: 1 - اتفق العلماء على أن صلاة الاستخارة كغيرها من الصلوات في ركنية الفاتحة، وسنية ما بعدها من السور. 2 - اتفق العلماء على أن أي سورة أو آية بعد الفاتحة فهو مجزئ. واختلفوا في الأفضل في صلاة الاستخارة على أقوال هي (¬1): القول الأول: وقال به أكثر أهل العلم وهو أن الأفضل أن يقرأ بعد الفاتحة: - في الركعة الأولى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}. - في الركعة الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. وعللوا ذلك: بأنه من الأنسب أن يقرأ سورتي الإخلاص؛ لما فيهما من الرغبة لله، وإعلان توحيده، وبراءته من الشرك. القول الثاني: وقال به بعض السلف وهو أن الأفضل أن يقرأ بعد الفاتحة: - في الركعة الأولى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} [القصص: 68، 69]. - في الركعة الثانية: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]. ¬

(¬1) الدين الخالص 1/ 254، والموسوعة الكويتية 3/ 245.

المسألة التاسعة متى يقال دعاء الاستخارة؟

وعللوا ذلك: لمناسبة الحال لهما. والقول الثالث: وقال به الحنابلة وغيرهم وهو أنه لم يرد في القراءة دليل، فتبقى على إطلاقها، ويكون الأفضل بحسب ما يختار المصلي. والذي يظهر - والله أعلم -: أن الأمر في ذلك واسع. **** المسألة التاسعة متى يقال دعاء الاستخارة؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن الدعاء يقال قبل السلام، واستدلوا بما يلي: 1 - سياق الحديث، فإنه ذكر صلاة الركعتين ثم قال: «ثم ليقل» وهذه الصيغة في الأحاديث تدل على اتصال بين الدعاء والصلاة. 2 - أن ما قبل السلام موطن من مواطن الدعاء، كما دل عليه حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وفيه: «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو» (¬1). القول الثاني: أن الدعاء يقال بعد السلام، واستدل بما يلي: - قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل» فهذا الصيغة تفيد التراخي، فدل على أن الدعاء بعد السلام، بدلالة حرف التراخي (ثم). القول الثالث: أن الأمر في ذلك واسع، ورجحه ابن تيمية (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه: أخرجه البخاري (835)، ومسلم (927). (¬2) الفتاوى (2/ 265).

المسألة العاشرة ما يفعله من لم يحفظ دعاء الاستخارة

والراجح - والله أعلم -: أن الأمر في ذلك واسع لاحتمال الدليل، فالأمران متجهان، وإن كان الأولى أن يكون قبل السلام؛ لعموم الأحاديث الدالة على أن ما قبل السلام موطن من مواطن الدعاء. **** المسألة العاشرة ما يفعله من لم يحفظ دعاء الاستخارة لا يخلو ذلك من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون ممن يعرف القراءة: وفي هذه الحالة لا بأس له بقراءة الدعاء من ورقة أو كتاب، وتكون الحركة التي سيفعلها مغتفرة؛ لأنها لأجل مصلحة الصلاة، ومعلوم أن الحركة إن كانت لأجل الصلاة فلا حرج فيها، وعلى ذلك أدلة كثيرة. الحالة الثانية: أن يكون ممن لا يعرف القراءة: فلا بأس بأي دعاء يؤدي معنى الاستخارة، كأن يقول: اللهم خر لي، وغير ذلك. **** المسألة الحادية عشرة هل يستحب البدء في الدعاء بالحمد لله، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ استحب ذلك النووي (¬1)، ولعله يستند إلى عمومات الأحاديث الأخرى التي فيها الأمر بالحمد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا شك أن الأفضل أن يقتصر على ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يزد على ذلك، وعمومات أدلة الدعاء يقدم عليها ما ورد في صلاة الاستخارة على وجه الخصوص. **** ¬

(¬1) الأذكار 179.

المسألة الثانية عشرة هل يشرع تكرار صلاة الاستخارة؟

المسألة الثانية عشرة هل يشرع تكرار صلاة الاستخارة؟ اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين: القول الأول: أنه لا يشرع تكرار صلاة الاستخارة، واستدلوا بما يلي: 1 - أن الذي ورد في السنة هو تحديدها بركعتين، كما هو نص الحديث، وعليه فلا يجوز تكرارها. 2 - أن المؤمن مطلوب منه أن يؤدي صلاة الاستخارة ولا ينتظر شيئًا آخر، وإنما يمضي لفعله، وما يقدره الله بعد ذلك فهو خيرته لعبده، فلا حاجة لتكراره الاستخارة. القول الثاني: لا بأس بتكرار الاستخارة، واستدلوا بما يلي: 1 - بما رواه مسلم عن ابن الزبير قوله في قصة هدم الكعبة: «إني مستخير ربي ثلاثًا» (¬1) وهو فعل صحابي وفي محفل من الصحابة ولم يعارض. 2 - ما رواه عبد الرزاق في مصنفه: أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن؛ فاستشار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك؛ فأشاروا عليه أن يكتبها؛ فطفق يستخير الله فيها شهرًا، ثم أصبح يومًا وقد عزم الله له فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن وإني ذكرت قومًا كانوا قبلكم كتبوا كتبًا فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدًا (¬2). 3 - روى ابن السني عن أنس مرفوعًا: «إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه» (¬3). ¬

(¬1) رواه مسلم (1333). (¬2) المصنف 11/ 257. (¬3) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (551)، ولكنه لا يصح، قال الحافظ في الفتح (18/ 171): ولو صح لكان المعتمد لكن إسناده واه جدًا.

المسألة الثالثة عشرة ماذا يفعل المسلم بعد صلاة الاستخارة

4 - أن صلاة الاستخارة دعاء لله، وقد وردت الأحاديث بمشروعية تكرار الدعاء ثلاثًا. والراجح - والله أعلم -: أن المسلم لا يخلوا من حالتين: الأولى: أن يتبين له شيء فيما يستخير ربه فيه، فهنا لا يشرع تكرارها. الثانية: ألا يتبين له شيء، ولم ترتفع حيرته؛ فهنا يشرع له تكرارها لعموم الأدلة، ولفعل الصحابة - رضي الله عنه -، أما ما رواه ابن السني فلا يحتج به. **** المسألة الثالثة عشرة ماذا يفعل المسلم بعد صلاة الاستخارة (¬1)؟ اختلف أقوال العلماء فيما يفعله المسلم بعد صلاة الاستخارة، ولا تخلو أقوالهم من تداخل فيما بينها، ولعل السبب فيما يظهر لي هو خلو أحاديث صلاة الاستخارة من بيان للعلامات التي تعقب صلاة الاستخارة، وفيما يلي بعض الأقوال: القول الأول: أن المسلم بعد الاستخارة عليه ألا ينتظر شيئًا، وإنما يقدم على ما يريد، فإن يسره الله له أو صده عنه فهذا اختيار الله له. القول الثاني: لا يخلو حال المسلم إذا أدى صلاة الاستخارة من أحد أمور ثلاثة، هي: ¬

(¬1) ينظر: فتح الباري 18/ 171، والموسوعة الكويتية 3/ 246، وشرح الصقعبي لمنار السبيل 1/ 94 وغير ذلك.

1 - أن يجد في نفسه نشاطًا وارتياحًا للعمل الذي تردد فيه، ويذهب عنه التردد، وفي هذه الحالة يشرع له أن يمضي في العمل. 2 - أن يجد في نفسه انصرافًا عن العمل، وعدم رغبة فيه، فيشرع له أن لا يمضي في العمل. 3 - أن لا يحصل له شعور جديد، بل يبقى مترددًا، وفي هذه الحالة عليه أن يمضي في العمل؛ إذا ترجح له عقلًا فائدة ذلك العمل، فإن الظن بالله أنه سيختار له ما هو خير. القول الثالث: إذا استخار الإنسان ربه فلا يخلو من أمرين: 1 - أن ينشرح صدره له: فهذا دليل على أن هذا الأمر هو الذي اختاره الله تعالى. 2 - أن يبقي مترددًا: فإنه يعيد الاستخارة مرة ثانية وثالثة، فإنه تبين له، وإلا استشار غيره بما هو عليه، ويكون ما قدره الله هو الخير إن شاء الله تعالى. القول الرابع: يفعل ما اتفق، ويستدل له بقوله في بعض طرق حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعًا - وفي آخره -: «ثم يعزم». القول الخامس: ينظر إلى ما تهواه نفسه، وهو لا يخلو من حالتين: 1 - إن كان يهواه قبل الاستخارة: فلا يفعله، لأن موافقة الهوى مذمومة غالبًا. 2 - إن كان لا يهواه قبل الاستخارة: فيفعله، لأن مخالفة الهوى محمودة شرعًا والذي يظهر - والله أعلم -: أن ما يعقب صلاة الاستخارة لم يرد فيه دليل يبينه، وعلى هذا فليس هناك علامة محددة ينتظرها الإنسان، إلا أن انشراح الصدر علامة قبول باتفاق من ذكر العلامات،

المسألة الرابعة عشرة هل صلاة الاستخارة صلاة مستقلة أو يصح تداخلها مع غيرها من الصلوات؟

ولكنها ليست العلامة الوحيدة، فلا يتشدد الإنسان مع نفسه ليبحث عن علامة وينتظر حصولها، فقد لا تحصل فيزداد حيرة بعد صلاة الاستخارة، وإنما على المؤمن أن يكون مطمئنًا بمجرد أدائه صلاة الاستخارة، ولا يخفى أن الأثر النفسي له دور كبير على حصول انشراح الصدر من عدمه، والله أعلم. **** المسألة الرابعة عشرة هل صلاة الاستخارة صلاة مستقلة أو يصح تداخلها مع غيرها من الصلوات؟ هذه المسألة فيها تفصيل كالتالي: 1 - اتفق العلماء على أن صلاة الاستخارة لا يصح أداؤها مع الصلاة المكتوبة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فليركع ركعتين من غير الفريضة». 2 - اتفق العلماء على أن الأفضل أن يصلي المسلم الاستخارة مستقلةً؛ لا ينو معها غيرها. واختلفوا في أداء صلاة الاستخارة ضمن السنن الراتبة، أو ذوات الأسباب كتحية المسجد، وصلاة الضحى وغير ذلك، على قولين: القول الأول: يصح أداء صلاة الاستخارة مع كل صلاة غير الفريضة (¬1)، واستدلوا: - بقوله في الحديث: «من غير الفريضة» فكل ما كان غير الفريضة، فيصح أداء الاستخارة فيه. ¬

(¬1) شرح أبي داود للعيني 5/ 450، ودروس عمدة الفقه للشنقيطي 2/ 261.

المسألة الخامسة عشرة هل تصح النيابة في صلاة الاستخارة؟

القول الثاني: التفريق بين النوافل، حيث قسموا النوافل إلى نوعين: أ- النوافل المطلقة: فيصح أداء صلاة الاستخارة معها، كنافلة ركعتين تطوعًا لله. ب- النوافل المعينة: فلا يصح أداء صلاة الاستخارة معها كالسنن الرواتب، أو النوافل المعينة وذوات الأسباب، وهناك من يفصل في هذا النوع من النوافل، والله أعلم. والراجح - والله أعلم -: أن الاستخارة صلاة مخصوصة لا تتداخل مع غيرها، ويدل لذلك لفظ الحديث: «فليركع ركعتين من غير الفريضة» أي: ركعتين خاصة لهذه الصلاة يصليهما للاستخارة على وجه الخصوص. **** المسألة الخامسة عشرة هل تصح النيابة في صلاة الاستخارة؟ انعقد الإجماع على أن الصلاة لا تدخلها النيابة، قال ابن عبد البر: «أما الصلاة فإجماع من العلماء أنه لا يُصلي أحدٌ عن أحدٍ فرضًا عليه من الصلاة، ولا سُنة، ولا تطوعًا لا عن حي ولا عن ميت، وكذلك الصيام عن الحي لا يجزئ صوم أحدٌ في حياته عن أحد، وهذا كُله إجماع لا خلاف فيه» (¬1). أ. هـ. وعلى هذا فلا يصح أن يستخير شخص عن آخر؛ لانعقاد الإجماع على المنع. **** ¬

(¬1) الاستذكار 3/ 340.

المسألة السادسة عشرة أنواع صلاة الاستخارة

المسألة السادسة عشرة أنواع صلاة الاستخارة ذكر أهل العلم نوعان للاستخارة، وهما (¬1): النوع الأول: وهو المتفق عليه، وهي الصفة المعروفة ركعتان من غير الفريضة؛ ثم يقول بعدهما الدعاء المأثور. النوع الثاني: وقال به كثير من أهل العلم؛ وهو الاقتصار على الدعاء فقط، وعلى هذا فتجوز بعد أي صلاة. والذي يظهر - والله أعلم -: أن دعاء الاستخارة مما يدعو به المسلم في شأنه كله، لأنه دعاء من الأدعية التي وردت في السنة؛ إلا أنه لا يسمى استخارة بالمعنى الاصطلاحي المعروف الذي ورد في حديث جابر، وإنما هو مجرد دعاء أن ييسر الله له الخيرة أينما كانت، أما صلاة الاستخارة التي وردت فهي صلاة مخصوصة بينتها السنة. **** المسألة السابعة عشرة هل تصح الاستخارة في أمرين أو أكثر في صلاة واحدة؟ الأظهر - والله أعلم - أن الأمور تختلف، ويمكن تقسيمها إلى نوعين: النوع الأول: أمور مرتبطة بعضها ببعض، كأمور الدراسة في الجامعة، وتنوع الكليات، فيصح أن يجمع أكثر من أمر في صلاة واحدة. ¬

(¬1) انظر: شرح مختصر خليل 1/ 156، وأسنى المطالب 1/ 250، والموسوعة الكويتية 3/ 243.

المسألة الثامنة عشرة ما يختاره الداعي من الألفاظ التي اختلفت الرواية فيها؟

النوع الثاني: أمور غير مرتبطة ببعضها: فهناك من أهل العلم من يجيز الجمع بين أكثر من أمر، قال فضية الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله: «ويجوز أن يستخير في موضع واحد لأمرين أو لثلاثة، ولا يلزم أن يصلي لكل أمر صلاة ويدعو لها دعاء». إلا أن الظاهر من حديث الباب أن لكل أمر استخارة تخصه؛ ولا يجمع بين أمرين في صلاة واحدة، والله أعلم. **** المسألة الثامنة عشرة ما يختاره الداعي من الألفاظ التي اختلفت الرواية فيها؟ اختلفت الرواية في حديث جابر - رضي الله عنه - في بعض الألفاظ، وبيان ذلك: ورد في حديث جابر قوله: «وإن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال عاجل أمري وآجله». وهذا شك من الراوي، قال الحافظ: هو شك من الراوي ولم تختلف الطرق في ذلك (¬1). وبناء على هذا فشك الراوي له ثلاثة احتمالات، هي ما يلي: الاحتمال الأول (¬2): أنه بدل من الألفاظ الثلاثة في الرواية الأولى - ديني ومعاشي وعاقبة أمري - وعلى هذا يكون لفظ الحديث «إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في عاجل أمري وآجله». ¬

(¬1) الفتح 18/ 171. (¬2) فتح الباري 18/ 171، وعون المعبود 4/ 279.

الاحتمال الثاني: أنه بدل من اللفظين الأخيرين في الرواية الأولى، وعلى هذا يكون لفظ الحديث: «إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني وعاجل أمري وآجله». الاحتمال الثالث: أنه بدل من اللفظ الأخير في الرواية الأولى، وعلى هذا يكون لفظ الحديث: «إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاجل أمري وآجله» (¬1). وعلى هذا: فماذا يفعل المصلي للاستخارة تجاه هذا الشك؟ الذي وقفت عليه من التصرفات على ثلاثة أنواع: النوع الأول: أن المصلي عليه أن يصلي ثلاث مرات، وفي كل مرة يأتي بذكر وارد ليصيب جميع ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). النوع الثاني: أن المصلي عليه أن يأتي بجميع الألفاظ الواردة في الحديث، فيقول في دعاء الاستخارة: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجل أمري وآجله ونحو ذلك. وهذان النوعان باطلان، ومما يرد به عليهما ما يلي (¬3): 1 - أن هذه طريقة محدثة لم يسبق إليها أحد من الأئمة المعروفين. 2 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجمع بين هذه الألفاظ التي وردت، وإنما غاية ذلك أنه شك من الراوي. ¬

(¬1) جلاء الأفهام 4/ 148. (¬2) انظر: الفتح 18/ 171. (¬3) انظر: جلاء الأفهام 4/ 148 مختصرًا.

المسألة التاسعة عشرة هل يسمي حاجته أو يكتفي بالنية؟

النوع الثالث: أنه يرجح بين هذه الألفاظ، واختار ذلك ابن القيم - رضي الله عنه -، وعليه المحققون من أهل العلم. وقد رجح ابن القيم بقوله: «ومثال ما يترجح فيه أحد الألفاظ حديث الاستخارة فإن الراوي شك هل قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري»، أو قال: «وعاجل أمري وآجله» بدل «وعاقبة أمري»، والصحيح اللفظ الأول، وهو قوله: وعاقبة أمري؛ لأن عاجل الأمر وآجله هو مضمون قوله: ديني ومعاشي، وعاقبة أمري فيكون الجمع بين المعاش وعاجل الأمر وآجله تكرارًا، بخلاف ذكر المعاش والعاقبة، فإنه لا تكرار فيه، فإن المعاش هو عاجل الأمر والعاقبة آجله» (¬1). وعلى العموم لو اقتصر على أحد اللفظين أجزأه ذلك، ولو اقتصر على قول: «وعاقبة أمري» - لأنه لم يرد فيها شك كما في حديث أبي سعيد وابن مسعود - رضي الله عنه - لكان أفضل. **** المسألة التاسعة عشرة هل يسمي حاجته أو يكتفي بالنية؟ قال الحافظ: «قوله في الحديث «ثم يسميه بعينه»: ظاهر سياقه أن ينطق به، ويحتمل أن يكتفي باستحضارة بقلبه عند الدعاء، وعلى الأول تكون التسمية بعد الدعاء، وعلى الثاني تكون الجملة حالية؛ والتقدير فليدع مسميًا حاجته» (¬2) أ. هـ. ¬

(¬1) جلاء الأفهام 4/ 148 مختصرًا. (¬2) الفتح 1/ 171.

المسألة العشرون أيهما يقدم الاستخارة أم الاستشارة

ولعل مستند الحافظ في هذا الاحتمال هو الروايات التي لم يذكر فيها «ويسمى حاجته» لكن الروايات الأخرى توضح الأمر وتجليه فقد قال: «ثم يسميه بعينه» وفي رواية: «ويسمي حاجته». **** المسألة العشرون أيهما يقدم الاستخارة أم الاستشارة (¬1)؟ فيها ثلاثة أقوال: قيل: يقدم الاستخارة؛ للأمر بها. وقيل: يقدم الاستشارة؛ لئلاء يستشير بعد استخارته لربه. وقيل: في الأمر سعة. وكلها أقوال مبنية على الأفضلية؛ وهي اجتهادات ليس فيها دليل فاصل، ولهذا فالراجح أن الأمر واسع. ومن قال لا يستشير بعد استخارته لربه، يقال له وكذلك: لا يستشير قبل الله أحدًا، والله أعلم. **** ¬

(¬1) مقال للدكتور مهران ماهر عثمان على الشبكة بعنوان «الاستخارة».

المسألة الحادية والعشرون مما قيل في الاستخارة

المسألة الحادية والعشرون مما قيل في الاستخارة قيل: الأحمق من قطعة العجب عن الاستشارة، والاستبداد عن الاستخارة (¬1). وبيان ذلك: أن الأحمق يجمع بين سيئتين، هما: 1 - إعجابٌ بما لديه من رأي وتفكير، وكثير ما يفسد العجب على صاحبه الرأي؛ لأنه يجمع بين تحسين ما ليس بحسنٍ من الرأي، وإهمال القبيح منه، فإن الرأي لا يعتبر ناضجًا حتى تُعرف مواطن خلله فتصلح، ومواطن حسنه فتعزز. 2 - استغناء عن الاستخارة، فقد يرى لحمقه أنه ليس بحاجة لها، فهي تسن لمن تردد في الأمر، أو لم يعرف مصلحته!. فكان من تمام العقل من جمع بين الاستشارة والاستخارة. ويقال: تعوذ من سكرات الاستبداد بصحوات الاستشارة، ومن عثرات البغي باستقالة الاستخارة (¬2). وبيان ذلك: أن الاستبداد بالرأي له سكرة؛ تجعل صاحبه يغفل عن الرأي الصواب، وصواب الرأي، ومواطن الخلل في رأيه، وقد يكون الخير قريبًا منه؛ لكن لاستبداده لم يره، ولسكرته لم يشعر به، وعلاج ذلك يكون بالاستشارة. ¬

(¬1) نهاية الأرب 6/ 64. (¬2) نهاية الأرب 6/ 64.

فإن الاستشارة تولد صواب الرأي، وتوقظ من الغفلة في الأمر، ومن عجائب الاستشارة أنها تجعل غيرك يفكر لك، ويسعى جاهدًا لإخراجك من مأزقك، ويبذل وسعه في نفعك، بل قد يجتهد أكثر من اجتهاد صاحب الرأي لنفسه؛ خاصة إن كان أمينًا مؤمنًا.

القسم الثاني ثمانون فائدة تربوية من دعاء صلاة الاستخارة

القسم الثاني ثمانون فائدة تربوية من دعاء صلاة الاستخارة

الفائدة الأولى

القسم الثاني ثمانون فائدة تربوية من دعاء الاستخارة حديث جابر - رضي الله عنه - في الاستخارة مليء بالفوائد التربوية والإيمانية، ندرك ذلك من خلال تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه هذا الحديث كما يعلمهم السورة من القرآن، وسأستعين الله بذكر بعض الفوائد التي وقفت عليها، وحاولت إعمال فكري وجهدي في استنباط البعض الآخر، وسأذكر نص الحديث ثم أتبعه بالفوائد: نص الحديث: عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلّمنا السورة من القرآن، يقول: (إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال- عاجل أمري وآجله، فاقدره لي، ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال- في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، وأقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به). وفيه الفوائد التالية: الفائدة الأولى في الحديث دلالة على أن الاستخارة تشرع عندما يَهُمُّ الإنسان بالأمر من الأمور، لقوله في الحديث (إذا همّ).

الفائدة الثانية

الفائدة الثانية دل الحديث بمفهومه على أن الاستخارة لا تشرع عند الخواطر؛ والأفكار التي تسبق للذهن، والتي لا يكاد يسلم منها أحد غالبًا، لقوله في إحدى روايات الحديث: (إذا أراد أحدكم الأمر). فالهمّ المطلق في الرواية الأولى بينته الإرادة في الرواية الثانية، ويخرج عن ذلك الخواطر، ولهذا لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستخير في كل ما خطر له، وإنما تشرع الاستخارة فيما يستدعي ذلك. الفائدة الثالثة الاستخارة في الحديث تشمل حالتين، هما: الحالة الأولى: طلب الخير في الأمر، وهذا مأخوذ من معناها اللغوي، فإن: الاستخارة لغة: طلب الخير في الشيء (1). فعلى هذا كل من تردد وأراد طلب الخير في أمر من الأمور؛ فعليه بصلاة الاستخارة؛ لأن هذا مقتضي معناها اللغوي، ويؤيده أيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا هم) والهم يشعر بالتردد. الحالة الثانية: تشمل أيضًا إذا أراد الإنسان فعل أمر ما، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: (إذا أراد أحدكم). وعلى هذا فعلى من أراد فعل أمر من الأمور فعليه أيضًا أن يستخير الله قبل فعله، والفرق بين الحالتين يظهر في حال التردد وعدمه. فالحالة الأولى: يكون مترددًا في فعل أمر؛ لأنه لا يعلم هل يكون فيه الخير أم لا؟ والحالة الثانية: ليس مترددًا في الفعل، لكنه يريد الاستخارة أيضًا.

_ (1) لسان العرب 5/ 351.

الفائدة الرابعة

فالحديث يدل على الاستخارة في الحالتين كليهما، والله أعلم. الفائدة الرابعة ظاهر الحديث يدل على أن الاستخارة تشمل الأمور الواجبة والمستحبة والمباحة، وليس المراد الاستخارة في أصل فعلها، وإنما في أمور أخرى تتعلق بالأمر الواجب كوقت فعله وطريقة أدائه، أو عند تزاحم الواجبات والمستحبات، وهكذا، فليس من الضرورة أن تكون الاستخارة في أصل أداء الفعل الواجب حتى تُمنع، وعموم الحديث (إذا أراد أحدكم الأمر) يؤيد ذلك حيث أطلق الأمر، وقد سبق بيانها في المسائل الفقهية. الفائدة الخامسة علق الحديث الاستخارة بالهم، وبينه في الرواية الأخرى أنه الهم الذي يقارن الإرادة ويسبقها، وهذا يدل على طرح ما عدا ذلك من الخواطر. وهذا يربي المسلم على عدم الانسياق وراء الخواطر؛ والأفكار التي ترد على الذهن، ولهذا لم يشرع لها الاستخارة، وكم تسببت هذه الخواطر من وسوسة، وضياع للأوقات وإشغال للذهن، فلو أهملها الإنسان كما أهملتها الشريعة لسلم له دينه ودنياه. الفائدة السادسة يدل الحديث بمنطوقه على تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة سور القرآن؛ حتى صار غيرها يقاس عليها من حيث الأهمية وعدمها، ولهذا قال الراوي: "كما يعلمنا السورة من القرآن" فدل على فشو ذلك بينهم وانتشاره، وهي سمة المجتمع المسلم في تعلمه القرآن وتعليمه للناس، وفيها تنبيه إلى نشر مدارس تعليم القرآن على وجه الخصوص.

الفائدة السابعة

الفائدة السابعة يدل الحديث على نشر العلم، وتعليم الناس الأذكار والأوراد، وإعادتها حتى يتم حفظها، وهذا واجب الدعاة اقتداءً بنبيهم - صلى الله عليه وسلم -، وتعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم هذا الذكر دليل صريح على ذلك. الفائدة الثامنة من البداهة أن الاستخارة لا تشمل حالة الهمّ بالمحرمات والمكروهات؛ وأي خير يطلبه الإنسان من فعل أمر منهي عنه في الشريعة؟!. الفائدة التاسعة يدل قوله: (إذا همّ) إلى أن ما يرد إلى الذهن يمكن تقسيمه إلى: أ- خواطر لا يهتم بها. ب- وإلى: همّ. والفرق بينها أن الهمّ يرافقه إرادة وعزيمة على الفعل أو الترك، ولهذا جاء في الرواية الثانية: (إذا أراد أحدكم الأمر). كما يمكن تقسيمها بناء على الحديث إلى: أ- همّ معه إرادة: وهو المراد في الحديث في الروايتين. ب- همّ لا إرادة معه: وهذا لاغٍ لا حكم له.

الفائدة العاشرة

الفائدة العاشرة دل الحديث بصريح منطوقه على أن صلاة الاستخارة ركعتان، لقوله: (فليركع ركعتين) ولا عبرة بالرواية التي أطلقت الصلاة في رواية الحاكم: (فليصل ما شاء) فسندها ضعيف، ويقوي ضعفها أيضًا مخالفتها رواية الصحيحين، وقد مضى بيان المسألة. الفائدة الحادية عشرة دل الحديث على أن صلاة الاستخارة تكون من غير صلاة الفريضة، لقوله: (من غير الفريضة) وقد مضى بيان المسألة وتفصيلها. الفائدة الثانية عشرة يدل الحديث على أن نية الفريضة لا يدخل معها نية أخرى، فإن التداخل في النية يضعفها وقد يبطلها أحيانًا؛ لأن نية الفريضة شرط لصحة الصلاة، ولهذا قال في الحديث: (من غير الفريضة). الفائدة الثالثة عشرة يدل قوله: (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع) على أن صلاة الاستخارة لها نية خاصة بها؛ تكون قبل البدء بالصلاة حتى ينتهي منها. وعلى هذا لو شرع إنسان بصلاة ركعتين للسنة الراتبة، أو سنة مطلقة ثم طرأت عليه نية الاستخارة؛ فإن مفهوم الحديث يدل على أن هذه النية لا تصح؛ ولا بد من نية تخص الاستخارة قبل البدء بالركعتين، وقد مضى بيانها ودليلها.

الفائدة الرابعة عشرة

الفائدة الرابعة عشرة لم يرد في هذا الحديث وغيره السور التي تستحب القراءة بهما في ركعتي الاستخارة، وعلى هذا تبقى القراءة فيهما مطلقة؛ من غير تقييد بسورة معينة؛ أو آيات معينة. الفائدة الخامسة عشرة قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: (ثم ليقل) يدل في ظاهره على أن هذا الدعاء بعد صلاة الركعتين، وقد اختلف أهل العلم في موطن ذلك على أقوال: أ- يقال الدعاء قبل السلام. ب- يقال الدعاء بعد السلام. ج- أن الأمر واسع. وقد مضى بيان المسألة بتفاصيلها. الفائدة السادسة عشرة دعاء الاستخارة يدل على ضعف العبد، وقلة علمه، فهو يستخير ربه في أمره، مما يدل على أنه لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ومن تأمل ألفاظ الدعاء تبين هذا الأمر بوضوح، فقوله: (فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر) وغيرها يدل على غاية الضعف والذل. الفائدة السابعة عشرة وكذلك يدل دعاء الاستخارة على أن الإنسان قد يُقدم على فعل أمر ويعود هذا الأمر بالضرر عليه؛ من حيث كان يرجو خيره، فليس بالضرورة أن ما كان خيرًا في نظر

الفائدة الثامنة عشرة

الإنسان؛ يكون خيرًا له في دينه وحياته، وقديمًا قيل: (من مأمنه يؤتى الحذر) فلا يركن الإنسان إلى ظواهر الأمور، ويعتمد عليها، لأن الظواهر قد تخدع الإنسان. الفائدة الثامنة عشرة يربي هذا الدعاء في قلب المؤمن التوكل على الله، فإن دعاء الاستخارة فيه تفويض الأمر إلى الله مع بذل سبب الدعاء، وهذا هو المعنى الحقيقي للتوكل فقوله: (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر) فبهذا فوّض العبد أمره لربه. ولقد ضلت فئات في باب التوكل على الله، فمنهم (1): - من عطل الأسباب، واعتمد على تفويض الأمر إلى الله، فخالف شرع الله. - من عطل التفويض على الله، واعتمد على الأسباب، فأشرك مع الله. فجاء هذا الدعاء ليعطينا المثال التطبيقي للتوكل الشرعي؛ بحيث يجمع بين تفويض الأمر إلى الله وحده، وفعل ما أمر باتخاذه من أسباب. الفائدة التاسعة عشرة يربي هذا الدعاء قلب المؤمن كذلك على تعظيم الله سبحانه وتعالى، وهو أهل للتعظيم، فقول العبد: (وأستقدرك بقدرتك فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم): فيه من التعظيم لله ما يعود نفعه على قلب المؤمن، فقد أسند القدرة كلها لله، وجمع معها العلم، والقدرة والعلم ركنا التعظيم. ولهذا إن استشعر العبد ذلك حال دعائه أدرك أن الله منجز له حاجته بإذن الله.

_ (1) انظر تفصيل ذلك في: الروح (255)، وطريق الهجرتين (398)، ومدارج السالكين 2/ 218،وكلها لابن القيم رحمه الله.

الفائدة العشرون

الفائدة العشرون كما يربي هذا الدعاء قلب المؤمن على عظمة منزلة علم الله المحيط بكل شيء، فقول العبد: (وأنت علّام الغيوب) تشعر العبد المؤمن بمعية الله وعلمه المحيط، فهو يستخير إلهًا عليمًا لا تخفى عليه خافية، وهذا الشعور له أيضًا أثر واضح على اعتقاد العبد حال الدعاء. ومنزلة الإحسان وهي أعلى مراتب الدين؛ تقوم على التعبد لله باسمه العليم والعلام وغيرها، وصيغة المبالغة في قوله (علام الغيوب) تعطينا الدلالة على اعتقاد المؤمن العلم الكامل لربه، بحيث لا تخفى عليه خافية، فمن قام بقلبه هذا الشعور حال الدعاء؛ لم تكد تخطئه الاستجابة. الفائدة الحادية والعشرون في الحديث إثبات صفات الله سبحانه وتعالى على ما يليق به، ومن ذلك صفتي العلم والقدرة، وهذا دليل لأهل السنة والجماعة في إثبات الصفات، فهم أسعد بالدليل، وأجدر بتعظيم الله، فإن تعظيم من أثبت الصفات لربه؛ أعلى ممن عطّل ربه عن تلك الصفات. الفائدة الثانية والعشرون يدل دعاء الاستخارة على تعبد العبد المؤمن بآثار الأسماء الحسنى والصفات العلى، فمن صفات الله العلم والقدرة، ومن آثارها التي تتعلق بالاستخارة: أن العبد يسأل ربه بعلمه وقدرته أن يكتب له الخير، وأن يتوكل في أمره عليه، وأن يحسن الظن بربه، وغير ذلك من الآثار، وهكذا التعبد لله ببقية الأسماء الحسنى.

الفائدة الثالثة والعشرون

فالتعبد لله باسمه الرزّاق يعني: ألا يسأل العبد في رزقه إلا ربه، وألا يتوكل إلا عليه، وليعلم أن ما كتب له من رزق فسيلاقيه، فيورث له ذلك الرضا بالقضاء. والتعبد لله باسمه الجبار يعني: أن يستنصر العبد بربه؛ في جبره قلبه الذي انكسرت بالذنوب، ويجبر ضعفه في مقاومة العدة، ويجبر عافيته التي كسرها المرض، وغير ذلك. الفائدة الثالثة والعشرون يدل الحديث على أن العبد لا غنى له عن الله طرفة عين، فالعبد يستخير الله في أخص أموره وحاجاته، فلا يعلم العبد مصلحة نفسه، فالله له الغنى المطلق، وبالمقابل العبد له الفقر المطلق، فالحديث يربي المؤمن على الارتباط بربه حتى في أخص شؤونه، واحتياجاته الدنيوية والدينية، ومن هنا كان بعض السلف يسأل الله الإعانة على (ملح) طعامه، وشسع نعله إذا انقطع، ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة) (1). الفائدة الرابعة والعشرون دعاء الاستخارة له أثر بيّن على قلب المؤمن فإنه يورثه الطمأنينة، فإنه العبد إذا استخار الله، وقال هذا الدعاء؛ أورثه ذلك طمأنينة في قلبه تنقطع معها كل الاضطرابات والأوهام، وألفاظ الدعاء تؤيد ذلك، فقوله (إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي) وقوله (فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به)، وأصل مشروعية الدعاء هو لإزالة ما يوجد في قلب الإنسان من تردد واضطراب وقلق.

_ (1) أخرجه الترمذي (2516) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

الفائدة الخامسة والعشرون

وهذا أحد الآثار التي تترتب على الطاعات، فإن الله جعل الخير والتوفيق مرتبط بالطاعات، وقدر سبحانه ترتب آثارها في الدنيا والآخرة، فلو تفكر العبد في بعض آثارها فإنه لن يُقدِّم على الطاعات شيئًا، فكيف لو عرف بآثار الذنوب على الضد منها لزاده ذلك هروبًا منها وبعدًا عنها. الفائدة الخامسة والعشرون ومن آثار الاستخارة على القلب أنها تزيد محبته لربه، ولهذا يطلب العبد استخارة ربه، لما في قلبه من محبته، ويرضى بما يكتبه له، ويزيد على الرضا درجة الطمأنينة، والمحبة من أجلِّ أعمال القلوب، فالعبد في استخارته يصلي وقلبه مملوء بمحبة الله، ويقوم في قلبه ما يجعله لا يرضى إلا باستخارة ربه، لعلمه ويقينه أنه لن يختار له إلا ما فيه مصلحة له. وحتى يتضح الأمر فإن الإنسان يستشير أقرب الناس إلى قلبه، وأحبهم إليه، لعلمه بأنه لن يشير عليه إلا بما فيه مصلحة له، ولن يتعمد ضرره، والاستخارة أرفع وأعلى من الاستشارة؛ لأنها تزيد عليها أن المستخار لا يخفى عليه خافية؛ ويعلم حقيقة الأمور سبحانه. الفائدة السادسة والعشرون في الحديث بيان أهمية صلاة الاستخارة في حياة المسلم، ولهذا حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على بيانها وتعليمها لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن وذلك لشدة الحاجة لها، فلا يحسن بالمسلم الجهل بها أو هجرها والتكاسل عنها، أو الاستغناء بغيرها.

الفائدة السابعة والعشرون

الفائدة السابعة والعشرون الحديث يدل على أن صفة الاستخارة: ركعتان تؤدى على صفة الصلاة المعروفة، ولهذا أحال النبي - صلى الله عليه وسلم - صفتها إلى ما هو معروف عندهم ومتقرر؛ فقال: (فليركع ركعتين من غير الفريضة) وقد مضى بيانها في المسائل الفقهية. الفائدة الثامنة والعشرون صلاة الاستخارة تدل على أهمية الصلاة في حياة المسلم، فلم يقتصر المستخير على الدعاء مع أهميته المعروفة، وإنما أضاف إليها صلاة ركعتين بين يدي دعائه، ومن هذا الباب ندرك السر في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يفزع إلى الصلاة كلما حزبه أمر، يؤيده أن الصلاة صلة بين العبد وبين ربه، والأوقات التي تشرع فيها الصلاة أكثر من الأوقات التي تمنع فيها الصلاة، وتجمع الصلاة أنواعًا كثيرة من العبادة فيدخل فيها: الدعاء، والقرآن، والركوع، والسجود، والذكر بأنواعه من التهليل، والتسبيح، والتكبير وغير ذلك، وفيها الخضوع، والخشوع، والإخلاص وكثير من أعمال القلوب. الفائدة التاسعة والعشرون صلاة الاستخارة تجمع بين الصلاة ثم الدعاء، والصلاة بين يدي الدعاء كالتحية بين يدي الملوك قبل تقديم الطلب، والله سبحانه وتعالى ملك الملوك، والصلاة صلة بين العبد وبين ربه، وهي المناجاة، ولهذا كان دعاء الاستخارة بعد الصلاة لا قبلها، فناسبها موضعًا، ولم يختلف العلماء في كونه بعد الصلاة، وإنما اختلفوا في موضعه، أقبل السلام؛ أم بعده؟ وقد مضى بيانها في المسائل الفقهية.

الفائدة الثلاثون

الفائدة الثلاثون بدأ المستخير دعاءه بقوله: (اللهم): فسأل ربه بالألوهية، وهي تتضمن العبادة، فكأنه يقول: (أنت إلهي وأنا عبدك)، ولا يوجد أقرب من الإله الحق لعبده الصادق المتعبد المتذلل له سبحانه، وبدأ بها لأهمية التأله والتعبد لله؛ فكان مفتاح دعائه. وهذا يعود بالأثر على حياة المسلم الأخرى؛ فعليه أن يقدم أمور العبادة على غيرها، كما عليه أن يتأله لله في كل أحواله بلسان مقاله أو حاله. الفائدة الحادية والثلاثون لفظ "اللهم" يشتمل على الأسماء الحسنى، فكلها إما متضمنة أو مستلزمة لاسم "الله" فناسب أن يقدمه به المستخير بين يدي دعائه، وبيان ذلك كما يلي: وذلك لأن لفظ "اللهم" فيها حرف الميم المشد، وهو "حرف شفهي يجمع الناطق به شفتيه فوضعته العرب علما على الجمع فقالوا للواحد: أنت، فإذا جاوزوه إلى الجمع قالوا: أنتم، وقالوا للواحد الغائب: هو، فإذا جاوزوه إلى الجمع قالوا: هم". وتأمل الألفاظ التي فيها الميم كيف تجد الجمع معقودا بها، مثل لمّ الشيء يلمُّه إذا جمعه، ومنه لمَّ الله شعثه أي: جمع ما تفرق من أموره. وإذا علم هذا من شأن الميم، فهم ألحقوها في آخر هذا الاسم؛ الذي يسأل الله سبحانه به في كل حاجة؛ وكل حال؛ إيذانًا بجميع أسمائه وصفاته فالسائل إذا قال: "اللهم إني أسألك" كأنه قال: أدعو الله الذي له الأسماء الحسنى؛ والصفات العلى بأسمائه وصفاته، فأتى بالميم المؤذنة بالجمع في آخر هذا الاسم إيذانًا بسؤاله تعالى بأسمائه كلها (1)، وهذا مأخوذ من علم فقه اللغة، وهو من العلوم التي قل الاهتمام فيها.

_ (1) التفسير القيم 1/ 336.

الفائدة الثانية والثلاثون

الفائدة الثانية والثلاثون قوله: (اللهم إنِّي) فيها تخصيص وتأكيد، وهذا هو الأنسب لحال المستخير؛ أن يتجه بقوله وفعله لبيان فقره بين يدي ربه، فخصص نفسه اقتضاءً لتخصيص حاله، وقد جمع في هذا التخصيص بقوله: (إني) بين سؤال الله بلسان مقاله، ولسان حاله يصدق ذلك، فجلسته وتوجهه وعرضه حاجته على الله؛ كلها من لسان الحال والمقال، وهذا أحد آثار التخصيص في الأدعية عمومًا. الفائدة الثالثة والثلاثون بدأ المستخير بنفسه فقال: (اللهم إني) لأن العبد هو صاحب الحاجة والطلب، والبداءة بالنفس قد تذم في مواضع، وقد تحمد في مواضع أُخر، فقد ورد النهي عن تخصيص الإمام نفسه بالدعاء دون المأمومين (1)، إلا أنها تمدح في الاستخارة؛ لأنه لا يناسبها إلا أن يبدأ بنفسه؛ ويخصصها بالذكر لأن المقام مقام تخصيص؛ واستخارة في أمر خاص. الفائدة الرابعة والثلاثون قوله: (أستخيرك) الألف والسين والتاء لزيادة الطلب (2)، فالمستخير لما يقول هذا الدعاء فهو يطلب من ربه؛ ويلح عليه أن يختار له الخير، ويصرف عنه الشر، هذا الإلحاح تبين حتى بألفاظ دعائه إضافة لحاله فتوافق اللسان مع الحال؛ وهذا أقوى الدواعي للتأثير. والإلحاح بالألفاظ، وتكرار الدعاء، من فقه الدعاء الذي لا ينبغي أن يجهل.

_ (1) أخرجه الترمذي (357) وقال: حديث حسن، وضعفه الألباني. (2) انظر: المصباح المنير (275).

الفائدة الخامسة والثلاثون

الفائدة الخامسة والثلاثون الكاف في قول العبد: (أستخيرك) إضافة إلى كونها كاف الخطاب بين العبد وبين ربه، فهي تفيد التخصيص، فكأن العبد بهذه الكاف يقول: لا أستخير غيرك. والمؤمن لا يسأل إلا الله، وقد جاء في الحديث تأصيل هذا المعنى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا سألت فاسأل الله) (1) ومن سأل غير الله وكله الله إليه، فيأتيه الخذلان من حيث يريد التوفيق، وهذا من صميم علم التوحيد؛ وهو أجل العلوم وأشرفها. الفائدة السادسة والثلاثون الباء في قوله: (بعلمك)، وقوله: (بقدرتك) هي: للاستعانة: أي أطلب خير الأمرين مستعينًا بعلمك وقدرتك، وعلى هذا فهي تربي المؤمن على الاستعانة بربه. وفي الحديث السابق: (إذا استعنت فاستعن بالله) (2) والباء هنا أيضًا باء الاستعانة؛ وهي تفيد الحصر، فلا يستعين المؤمن إلا بالله وحده، ولا يطلب العون إلا منه سبحانه. الفائدة السابعة والثلاثون ويحتمل أن تكون الباء للتوسل، وعلى هذا يكون المستخير توسل إلى الله بعلمه وقدرته، وهما أمران يتعلقان بمراد العبد من الاستخارة، والتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته من الأعمال المشروعة (3)، فعلى المسلم أن يتوسل إلى الله في دعائه بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى.

_ (1) أخرجه الترمذي (2516) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2) المصدر السابق. (3) التوحيد وقرة عيون الموحدين (88).

الفائدة الثامنة والثلاثون

الفائدة الثامنة والثلاثون قوله في الدعاء: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك) قرن بين صفة العلم وصفة القدرة: المناسبة ظاهرة بين العلم والقدرة؛ وبين طلب الاستخارة، فإن المستخير لا يعلم الخير أين يكون؟ وكذلك لا يقدر عليه لو علمه، فأتى بصفتين مناسبتين لمسألته، هما العلم والقدرة. وهذا من فقه الدعاء؛ أن يأتي الإنسان في دعائه بما يناسب مراده من الأسماء الحسنى والصفات العلى، ولذلك أيضًا فائدة أخرى؛ وهي أن الإنسان يكون باختياره هذا الاسم وهذه الصفة دون غيرها مراعيًا حالته التي هو عليها؛ فيعود ذلك عليه بالإخبات والخضوع، والافتقار إلى الله، فمن سأل الله الرزق، واختار اسم الغني؛ واستشعر ما هو عليه من فقر؛ وقلة ذات يد كان ذلك أنفع لقلبه وأجدر بالإجابة. الفائدة التاسعة والثلاثون قَدّم في هذا الدعاء صفة العلم على صفة القدرة في قوله" اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك" ومن الأسرار في هذا التقديم: أن المستخير يسأل ربه أولًا بعلمه الخير، فإنه لا يعلم الخير على وجه التفصيل إلا الله سبحانه وتعالى. ثم تأتي بعد ذلك قدرة الله على تيسير الخير للعبد، فرتبهما في الدعاء حسب ترتيبهما في الوجود المراد تحققه. ولعل هذا أيضًا من فقه الدعاء؛ أن يرتب الإنسان ألفاظ دعائه؛ مراعيًا حاجته ومراده، وهذا لا يكون إلا مع فقه معاني الأسماء الحسنى.

الفائدة الأربعون

الفائدة الأربعون قوله: (أستقدرك) يحتمل أمرين هما (1): أ- أن العبد يطلب من ربه أن يجعل له قدرة على هذا الأمر، وعلى هذا يكون المعنى: أسألك أن تقدرني على الخير. فكم من خير يفوت على الإنسان لا لجهله به، وإنما لعدم قدرته عليه، إما لقلة صبره وضعف تحمله؛ أو انعدام إمكانياته على تحصيله وغير ذلك. ب- أن العبد يطلب من ربه أن يُقدِّر له الخير، أي من باب القضاء والقدر، فإن الإنسان يسعى جاهدًا لتحصيل الخير؛ لكنه في أحيان كثيرة لا يوفق له، فالمستخير يطلب من ربه أن يوفقه له؛ قضاءً وقدرًا. والأمران محتملان وبينهما تلازم من وجه، فما قَدَر عليه الإنسان فهو من قدر الله الذي قدّره على عبده، وكلا الأمرين بيد الله سبحانه وتعالى، فرجع الأمر له أولًا وآخرًا. الفائدة الحادية والأربعون قوله: (وأسألك من فضلك العظيم): يدل على أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فالمستخير يسأل ربه أن يهبه من هذا الفضل العظيم، وأن يجعله بمشيئته النافذة ممن يدرك عظيم فضله سبحانه. الفائدة الثانية والأربعون كما يدل قوله: (وأسألك من فضلك العظيم) على أن فضل الله لا نهاية له، فالله عظيم وفضله عظيم، وهذا يعود على سلوك المؤمن بالتربية على الثقة بما عند الله، وأن الله يملك

_ (1) انظر: فتح الباري 18/ 171.

الفائدة الثالثة والأربعون

خزائن السموات والأرض؛ كما قال تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 7]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار؛ أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم ينقص ما في يمينه) (1). الفائدة الثالثة والأربعون كما يدل قوله: (من فضلك): على أن ما يعطيه الله لعبده من خير فهو محض فضلٍ من الله؛ وليس بحقٍّ يستحقه العبد، وإنما لكمال فضله سبحانه، وهذا يؤيد مذهب أهل السنة في أن الله ليس عليه حق واجب؛ إلا ما أوجبه هو على نفسه سبحانه وتعالى (2)؛ والأمر راجع لحكمته سبحانه وتعالى. وهذا يعود على سلوك المؤمن بالتربية على كمال الافتقار إلى الله، افتقارَ من يسأل شيئًا وهو يعلم أنه ليس له فيه حق، وإنما يرجع الأمر كله إلى كرم وفضل المسئول، فلا تسأل عن مسكنته، وضعفه، واستكانته رجاء حصوله على مطلوبه. الفائدة الرابعة والأربعون قوله: (فإنك تقدر ولا أقدر) فيها تبرئ من الحول والقوة، فكأن العبد يقول: لا حول لي ولا قوة إلا بالله، واتبرأ من قدرتي وقوتي.

_ (1) متفق عليه أخرجه البخاري (7411) ومسلم (2355). (2) الفتاوى 14/ 91.

الفائدة الخامسة والأربعون

فهو يحصر القوة والقدرة لربه، ويتبرأ من حوله وقوته إلا فيما أقدره عليه ربه، وهذا هو المعنى العملي لقولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله، والأذكار الشرعية يفسر بعضها بعضًا. وفي رواية أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - -في دعاء الاستخارة في آخره- يقول في دعائه: (ولا حول ولا قوة إلا بالله). والعبد إذا استحضر هذا المعنى أثناء دعائه؛ عاد عليه أثر ذلك؛ فيدعو ربه دعاء من علم أنه ليس له قوة؛ ولا قدرة؛ ولااستطاعة على شيء، وأرجع كل ذلك إلى ربه، فقد حقق معاني التوحيد لله؛ والتعظيم له؛ والافتقار إليه. الفائدة الخامسة والأربعون الملاحظ أنه في بداية الدعاء قدّم العلم على القدرة فقال: (أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك) لكنه في وسط الدعاء عكس الأمر؛ فقدم القدرة على العلم فقال: (إنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم) وذلك: لأنه قال: (أسألك من فضلك العظيم) وفضل الله لا يقدر عليه إلا الله؛ فلهذا قال بعدها: (فإنك تقدر ولا أقدر) فقدم القدرة لتعلقها بتحصيل الفضل. أما في بداية الدعاء فقد قدم العلم على القدرة لأنه أسبق في الوجود، فطلب من ربه العليم أن يقدره على الأمر الذي يستخير فيه. الفائدة السادسة والأربعون في حديث الاستخارة حسن الاستهلال في الدعاء، فيقدم الداعي لربه بين يدي دعائه مقدمة يثني فيها على الله؛ ويعترف بتقصيره وجهله، ويُرجعُ الأمر كله لله، أو يذكر حاله

وما هو عليه من نقص وعجز ثم يأتي بطلبه، ولهذا يقول الداعي في دعاء الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك)، ثم بعد تلك المقدمة: (اللهم إن كنت تعلم ...). وهذا أيضًا من فقه الدعاء، فكلما قدم الداعي بين يدي دعائه؛ مقدمة فيها الثناء على الله بما هو أهله، وافتقر فيها إلى مولاه، وأظهر فقره وحاجته، وبين ضعفه؛ وقدم قدرته كان هذا هو اللائق بالعبد بين يدي ربه. ومن تأمل أدعية الكتاب والسنة تبين ظهور ذلك فيها، ومن ذلك: 1 - قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16]. فقدموا بين يدي دعائهم اسم الربوبية المقتضي لكمال القيومية، وخصصوا أنفسهم وأكدوا حالهم وفقرهم بقولهم: إننا، ثم ذكروا إيمانهم بالله المقتضي للعبودية له، ثم طلبوا مغفرة ذنوبهم. 2 - قوله تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53]. وكذلك الحال بالنسبة لهذه الآية الكريمة فقدموا لفظ الربوبية، وذكروا حالهم وإيمانهم بما أنزل الله، وبينوا اتباعهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم طلبوا أن يكتبهم الله من الشاهدين، فهل يُردُّ مثل هذا الدعاء؟!. ومن السنة ما يلي: 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) (1).

_ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري (761) ومسلم (484).

الفائدة السابعة والأربعون

فقدم تنزيه الله عن النقائص والعيوب، وأتى بكاف التخصيص نيابة عن الاسم الظاهر، ثم جمع بين الألوهية والربوبية؛ ثم حمد الله، ثم ذكر طلبه مغفرة الذنوب. 2 - عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمني الدعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) (1). وهو من أجلِّ الأحاديث وأنفع الأدعية، فقد قدم بيان حقيقة حال العبد، وظلمه لنفسه التي بين جنبيه، وأن ظلمه لها كثيرًا، وفي رواية: كبيرًا، وهذا غاية المسكنة بين يدي الله، ونهاية إظهار الفقر أمام الله، ثم أثنى على الله وأنه لا يغفر هذه الذنوب إلا الله، ولا يقدر على ذلك إلا الله، ثم طلب المغفرة. الفائدة السابعة والأربعون قوله: (إن كنت تعلم) ليس على سبيل الشك، والشك بعلم الله كفر، لكن الشك هنا متجه إلى كونه في الخير والشر، وليس إلى أصل العلم، وكلام العرب سائغ على هذا الأسلوب. الفائدة الثامنة والأربعون قوله: (إن كنت تعلم أن هذا الأمر) المراد بالأمر هنا: حاجة المستخير، وهذا ما بينته الرواية الأخرى: (فيسمي حاجته) وفي رواية (ثم يسميه بعينه). وقد ذكر بعض العلماء الاكتفاء بالنية دون ذكر الحاجة (2)، وقد مضى بيانها.

_ (1) متفق عليه، أخرجه البخاري (799) ومسلم (2705). (2) انظر: الفتح 18/ 171.

الفائدة التاسعة والأربعون

الفائدة التاسعة والأربعون قوله: (إن كنت تعلم هذا الأمر) دليل على أن الاستخارة لا تكون في أمرين معًا؛ بل لا بد من أمرٍ واحد، وقد مضي بيانها في المسائل الفقهية. الفائدة الخمسون في أكثر الروايات تقديم الدين على الدنيا في قوله: (في ديني ومعاشي) وفي رواية (ديني ودنياي)، وهذا من باب تقديم الأهم. وفيه تربية للمؤمن؛ على أن أمر الدين أهم من أمر الدنيا؛ وهو كذلك، فإن من صَلُح دينه صلحت دنياه ولا بد، ومن فَسَدَ دينه فسدت دنياه وإن تزينت له بزينتها، وتزخرفت عليه زخارفها، فأي صلاح فيها مع فقد لذة الإيمان التي بها سعادة قلبه؛ وانشراح صدره ومادة حياته، وهذا يدركه أولوا الألباب. الفائدة الحادية والخمسون قوله: (ومعاشي) يراد به الدنيا حسب الروايات الأخرى التي فيها التصريح بذكر الدنيا، فالمستخير يسأل ربه أن يعود عليه هذا الأمر بالخير في دينه ودنياه. الفائدة الثانية والخمسون الجمع بين لفظتي: (ديني ومعاشي) في الخير والشر، يدل على أن ما كان خيرًا في دين المرء كان خيرًا في معاشه، وما كان شرًّا على دين المرء كان شرًّا على معاشه.

الفائدة الثالثة والخمسون

وهذا الضابط الشرعي اختل في هذه الأزمان التي طغت فيها مظاهر الحياة الدنيا على واقع الناس، فأصبح كثير منهم يعلق الخير والشر على صلاح الدنيا، ويهمل صلاح الدين. الفائدة الثالثة والخمسون قوله: (وعاقبة أمري) المراد بذلك الآخرة، فيكون المستخير سأل ربه الخير في ثلاثة أمور: أ- في دينه، لقوله: (في ديني). ب- في معاشه وهي دنياه، لقوله: (ومعاشي). ج- في عاقبة أمره وهي آخرته، لقوله: (وعاقبة أمري). ومن رزق الخير في هذه الثلاثة فقد اكتملت سعادته، وهنأ عيشه. ويحتمل أن المراد بعاقبة أمري: أي دنياي، فيكون ذكر الدنيا مرتين، مرة في قوله: (دنياي)، ومرة في قوله: (عاقبة أمري) وسبب ذلك أن الأمر من أمور الدنيا قد يبدو خيرًا في ظاهره وبدايته؛ إلا أن عاقبته لا تكون كذلك، فخص العاقبة بالذكر لكي يبقى له الخير في أول الأمر وفي نهايته، وفضل الله واسع. الفائدة الرابعة والخمسون قوله: (أو قال عاجل أمره وآجله) اختلف أهل العلم في موضعها على أقوال (1):

_ (1) فتح الباري 18/ 171، وعون المعبود 4/ 279.

الفائدة الخامسة والخمسون

أ- قيل: بدل من الألفاظ الثلاثة في الرواية الأولى -ديني ومعاشي وعاقبة أمري- وعلى هذا يكون لفظ الحديث (إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في عاجل أمري وآجله). ب- وقيل: بدل من اللفظين الأخيرين في الرواية الأولى، وعلى هذا يكون لفظ الحديث: (إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني وعاجل أمري وآجله). ج- وقيل: بدل من اللفظ الأخير في الرواية الأولى، وعلى هذا يكون لفظ الحديث: "إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاجل أمري وآجله" (1). وقد مضى ما يعمله المستخير تجاه هذه الألفاظ في المسائل الفقهية. الفائدة الخامسة والخمسون وجود هذه الروايات المتعددة في (عاجل أمري) و (عاقبة أمري) و (دنياي وآخرتي) تدل على صحة رواية الحديث بالمعنى عند السلف وهو الصحيح من أقوالهم (2)، ولئن جاز نقل الإسلام وتفسير القرآن والأحكام الشرعية إلى اللغات الأخرى فمن الأولى جواز رواية الحديث بالمعنى في اللغة العربية ذاتها، وذلك مشروط بأن لا يحيل المعنى. الفائدة السادسة والخمسون قوله: (ومعاشي) وفي رواية: (ودنياي) يدل على اهتمام الإسلام بأمر المعاش والدنيا، وسؤال الله الخير فيها، ولا يتعارض هذا مع الأمر بالزهد في الدنيا، وفي ذلك رد على الصوفية؛ الذين حاولوا إصلاح الدين من خلال إفساد الدنيا، والتعبد لله بذلك، فاشتهر

_ (1) جلاء الأفهام 4/ 148. (2) نزهة النظر شرح نخبة الفكر (25).

الفائدة السابعة والخمسون

بينهم تعذيب النفس، والامتناع عن المباحات وتحريمها على النفس، وهذا لم يُنزل الله به من سلطان، وهو أقرب إلى رهبانية النصارى التي ابتدعوها كما قال تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 27]. والرهبانية هي: غلوهم في العبادة؛ وحمل المشاق على أنفسهم؛ في الامتناع عن المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبد في الجبال (1). فجعلت الشريعة المؤمن مُطالبٌ بإصلاح دينه؛ وإصلاح دنياه معًا، وذلك لا تعارض بينه؛ كما لا تعارض بين التقوى والزهد؛ وكلاهما من أجلِّ أعمال القلوب. الفائدة السابعة والخمسون حديث الاستخارة يدل على منهج أهل السنة والجماعة في باب القدر، وأن الله كتب كل شيء وقدره. فقوله: (وأستقدرك بقدرتك) تشمل قدرة الله على كل شيء، وهذا لا يكون إلا مع إيمان كامل بأن كل شيء بقدر. الفائدة الثامنة والخمسون كما يدل دعاء الاستخارة على أنه لا يكون شيء إلا بقدر الله، وهذا أيضًا من منهج أهل السنة والجماعة. وهذا يعود على سلوك المؤمن بالطمأنينة والثبات، والرضا بما يقدره الله، فكل شيء هو بقضاء الله وقدره، ولا يكون شيء إلا بقضاء الله وقدره.

_ (1) زاد المسير 8/ 176.

الفائدة التاسعة والخمسون

الفائدة التاسعة والخمسون ويدل كذلك حديث الاستخارة على أن الله يمحو ما يشاء ويثبت، بدليل قوله: (واصرفه عني واصرفني عنه) فإن الصرف لا يكون إلا بعد الكتابة القدرية. وقد دل الكتاب على ذلك، فقال تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39]. وهذا يعود أثره على سلوك المؤمن بطلب الازدياد من الطاعات، وطلب السعادة الدنيوية والأخروية، وعدم اليأس من رحمة الله؛ رغم الظروف التي تمر على الإنسان، ويفتح له باب الرجاء بالله. الفائدة الستون دعاء الاستخارة يدل على أن الله ربط الأسباب بمسبباتها؛ لأن دعاء الله سبحانه وتعالى من الأسباب، ولو لم تكن للدعاء فائدة؛ لكان قوله لغوًا لا فائدة فيه. وهذا من وسطية أهل السنة والجماعة في باب التوكل؛ لأن (هذا موضع انقسم فيه الناس طرفين ووسطا: فأحد الطرفين: عطَّل الأسباب محافظة على التوكل. والثاني: عطَّل التوكل محافظة على السبب. والوسط: علم أن حقيقة التوكل لا يتم إلا بالقيام بالسبب فتوكل على الله في نفس السبب، وأما من عطَّل السبب وزعم أنه متوكل فهو مغرور مخدوع؛ متمنٍ كمن عطَّل النكاح والتسري؛ وتوكل في حصول الولد، وعطل الحرث والبذر وتوكل في حصول الزرع، فالتوكل نظير الرجاء والعجز نظير التمني.

الفائدة الحادية والستون

فحقيقة التوكل: أن يتخذ العبد ربه وكيلا له؛ قد فوض إليه كما يفوض الموكل إلى وكيله العالم بكفايته، نهضته ونصحه وأمانته، وخبرته وحسن اختياره، والرب سبحانه قد أمر عبده بالاحتيال، وتوكل له أن يستخرج له من حيلته ما يصلحه، فأمره أن يحرث ويبذر ويسعى ويطلب رزقه في ضمان ذلك) (1) أ. هـ. الفائدة الحادية والستون صيغة المبالغة في الحديث (علّام الغيوب) تدل على إرجاع العبد العلم كله لله سبحانه وتعالى، وأن العبد لا يعلم من علم الغيب شيئًا، فمن أدعى ذلك فقد كذب وكفر. وبهذا ينكشف زيف الدجالين والسحرة والمشعوذين، وقد راج أمرهم في الأزمنة المتأخرة، وسبب ذلك يعود إلى نقص التوحيد واختلال أمره عند البعض. ومعرفة أولئك يكون من خلال ادعائهم شيئًا من علم الغيب، فمن ادعى علم الغيب فهو كاذب كافر، ولو كان ممن يعالج بالقرآن؛ ويقرأ بعض التعاويذ الشرعية، أو تراه متلبسًا لباس أهل الصلاح والتقى، فكل ذلك لا ينفعه عند الله. الفائدة الثانية والستون قدّم الخير على الشر في هذا الحديث في قوله: (إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي) من باب التفاؤل، وهو الأليق مع الله، والأنسب لحال العبد، ففيه فقه الدعاء من حيث الألفاظ وانتقائها؛ وحسن اختيار مواضعها.

_ (1) الروح 255.

الفائدة الثالثة والستون

الفائدة الثالثة والستون دل الحديث على أن العبد في طلبه الخير يحتاج لثلاثة أمور: أولًا: أن يُقَدِّرَ الله له الخير، أو يُقْدِرَهُ الله عليه، أي يجعل فيه القدرة، ولهذا قال: (فاقدره لي). ثانيًا: أن ييسره الله له، لأن الخير إن كان عسيرًا استهلك وقتًا وجهدًا في تحصيله، وقد يستصعبُهُ فيتركَ طلبَهُ، ولهذا كان من المناسب قوله: (ويسره لي). ثالثًا: أن يبارك له فيه، فإن لم تحصل البركة؛ فإن العبد لا يستفيد من الخير كثيرًا، فكان من المناسب قوله: (وبارك لي فيه). وبهذه الثلاثة يكمل الخير كلُّهُ على الإنسان، نسأل الله الكريم من فضله، ولهذا كان حديث الاستخارة شاملًا لتحصيل الخير كله. الفائدة الرابعة والستون ودل الحديث على أن العبد يحتاج في الشر الذي يقدره الله عليه إلى ثلاثة أمور: أولًا: أن يصرف الله الشرَّ عن العبد، ولهذا قال العبد في دعائه: (فاصرفه عني). ثانيًا: أن يصرف الله العبدَ عن الشر، فإن العبد جهول ظلوم، ولهذا حَسُن قوله في دعائه: (واصرفني عنه) فقد يأتي الإنسان الشر بنفسه نتيجة لجهله. ثالثًا: أن يقدر الله للعبد خيرًا مما صرفه عنه من الشر، ولهذا قال: (واقدر لي الخير).

الفائدة الخامسة والستون

رابعًا: أن يُرضِي الله عبدَه بالخير الذي قدره له، فإن العبد من جهله -أحيانًا- أنه إذا لم يرض بما قدّره الله له؛ فإن نفسه تبقى متعلقة بمرادها الأول الذي صرفها الله عنه، فلا تزال متعلقة به، فتفسد عليها حياتها لفقدانها الرضا بالخير الجديد الذي كُتب لها، ولهذا قال العبد: (ثم رضني به). ومن تحقق له الرضا بما كتبه الله اطمأنت نفسه، وهدأ باله، وسلم له همه أن يتفرق، وجمع الله تفكيره، وهنأ له عيشه، فأصبح سعيدًا مرتين: حينما صرف الله الشر، وحينما كتب الله له الخير مكانه. ولكي يتحقق لك اليقين بأهمية هذه اللفظة في الحديث (ثم رضني به) انظر إلى أولئك الذين رزقهم الله خيرًا، فلم يطمئنوا به، وما زالت أنفسهم متعلقة بما فاتهم أكثر من تعلقها بما أبدلهم الله من خير، فلم يهنأ لهم عيشهم الحاضر، ولم يستطيعوا إرجاع ما فات. الفائدة الخامسة والستون في هذا الحديث جمع الله لعبده المؤمن التوفيق من ثلاث جهات: الجهة الأولى: أن يقدر له الخير ويعينه وييسره له. الجهة الثانية: أن يصرف عنه الشر، ويصرفه عنه. الجهة الثالثة: أن يعوضه عن الشر خيرًا، ثم يرضيه به. فالحمد لله على رحمته الواسعة، وفضله العظيم، ونسأله ألا يحرمنا ذلك بذنوبنا. الفائدة السادسة والستون يدل قوله: (واصرفه عني، واصرفني عنه) على أن العبد يسأل ربه تمام المباعدة بينه وبين الشر، ولا يكون هذا إلا بأن يصرف الله الشر عن العبد، ثم يصرف العبد عن الشر، فكلاهما مصروف عن الآخر، وبهذا تحصل تمام المباعدة.

الفائدة السابعة والستون

الفائدة السابعة والستون كما يفيد قوله: (واصرفني عنه) على أن العبد يسأل ربه ألا يبقى في قلبه بعد ذلك تعلق بهذا الأمر؟ الذي يريد فعله، لأن إرادة القلب تتحول إلى عمل، فاحتاج العبد أن يسأل ربه تمام الصرف لئلا يتعلق به. الفائدة الثامنة والستون قوله: (واصرفني عنه) تتضمن الإشارة إلى جهل الإنسان، فقد يصرف الله الشر عن العبد، لكن العبد لجهله بما تؤول إليه الأمور يحرص على هذا الأمر؛ ويتتبعه ويتحسر لفوته، وقد يسأله ربه ويلح على الله في دعائه! فاحتاج العبد أن يجمع في دعائه بين (واصرفه عني) و (واصرفني عنه). الفائدة التاسعة والستون قوله في هذا الدعاء: (ثم أرضني به) وفي رواية: (ثم رضني به) تدل على الرضا بالنعم. وذلك يعود على سلوك المؤمن بالخير الكثير، فمن رضي بما أنعم الله به عليه؛ زال من قلبه حسد غيره، والالتفات إلى ما عند الناس، وهنأ بعيشه وارتاحت نفسه. ومن تسخط بما لديه من نِعَم الله ولم يرضَ بها، أورثه ذلك حسرة، وانشغلت نفسه بما عند الناس، فتكدر عيشه وضاقت حياته، نعوذ بالله من الخذلان. الفائدة السبعون في الحديث دليل على أن من استخار ربه بشيء فلم يُكتبْ له؛ فعليه أن يزيل تعلق ذلك الشيء من قلبه، ليكون أهنأ لعيشه، وأكثر طمأنينة لقلبه، وهذا حلٌ عملي لكثير من مسائل الناس اليوم، حيث تذهب أنفسهم حسرات على فوات خير يظنونه، لكن الله لم يكتبه لهم لحكمة يعلمها سبحانه.

الفائدة الحادية والسبعون

الفائدة الحادية والسبعون في سؤال الإنسان لربه الخير بدأ بالتقدير فقال: (فاقدره لي) وفي سؤاله صرف الشر أخر التقدير؛ وهو الأنسب لأنه يريد صرف الشر عنه أولًا؛ ثم بعد ذلك يقدر مكانه خيرًا. الفائدة الثانية والسبعون في دعاء الاستخارة تمام الخضوع والذل لله، ومن تأمل ألفاظ الاستخارة وجدها في غاية التذلل لله: فقد نسب العلم كله لله، والقدرة له، ونفى العلم عن نفسه، ونفى قدرته على فعل شيء، والتذلل لله أحد ركني العبادة، والمحبة ركنها الثاني؛ وقد مضى التنبيه عليه، ودعاء الاستخارة يشملهما، وهذا من فضائله. الفائدة الثالثة والسبعون من فوائد دعاء الاستخارة أنه يورث الطمأنينة، ويزيل الاضطراب الذي يحصل عند البعض حين الإقدام على فعل شيء أو ترك شيء، وهذه الاضطرابات والتردد كثيرًا ما تعكر على الإنسان صفو حياته، فجاءت الاستخارة مزيلة لكل هذه الأمور، مورثة العبد المؤمن الطمأنينة. الفائدة الرابعة والسبعون صلاة الاستخارة باب من أبواب تحصيل الحسنات؛ لما فيها من الصلاة والدعاء؛ ولو لم يحصل المستخير إلا على أجر صلاته ودعائه لكفى؛ فكيف وفضائل الله عليه تترى.

الفائدة الخامسة والسبعون

الفائدة الخامسة والسبعون الاستخارة دليل على أن المؤمن لا يثق بشيء ثقته بربه سبحانه وتعالى، ولهذا يترك ما أعطاه الله من دقة تفكيرٍ وملاحظة، ويلجأ لاستخارة ربه في صلاته، وهذا نابع من الثقة بالله وحسن الظن به، ومعرفته بحقيقة نفسه. الفائدة السادسة والسبعون من صلى صلاة الاستخارة وفعل ما ظهر له بعد ذلك فعليه ألا يندم؛ ولو لم يوافق ذلك هواه، كان يستخير الإنسان في زواج ثم يحدث طلاق بينهما، فالمؤمن الحق راضٍ بما اختاره الله له؛ ولو لم يوافق هواه ورغبته. الفائدة السابعة والسبعون قوله: (فاقدره لي) ليس فيه نفي القدر الأزلي، فإما يقال: - أن المعنى: يسره لي، وعلى هذا يكون التقدير هنا مجازًا (1). -أو المعنى: طلب أن يمحو الله ما كتبه مما يخالف ذلك. الفائدة الثامنة والسبعون في قوله: (فليركع ركعتين) دلالة على إطلاق الجزء وإرادة الكل، فالمراد: فليصل ركعتين، كما أن فيه تسمية الصلاة ركوعا كما تسمى سجودًا.

_ (1) حاشية السندي على ابن ماجة 3/ 173.

الفائدة التاسعة والسبعون

الفائدة التاسعة والسبعون قوله: (واصرفه عني واصرفني عنه) فيه دليل لأهل السنة أن الشر من تقدير الله على العبد؛ لأنه لو كان يقدر على اختراعه لقدر على صرفه؛ ولم يحتج إلى طلب صرفه عنه (1). الفائدة الثمانون وفي الحديث شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته، وتعليمهم جميع ما ينفعهم في دينهم ودنياهم (2). الفائدة الحادية والثمانون استدل به على أن الأمر بالشيء ليس نهيًا عن ضده؛ لأنه لو كان كذلك لاكتفى بقوله (إن كنت تعلم أنه خير لي) عن قوله (وإن كنت تعلم أنه شر لي). لأنه إذا لم يكن خيرًا فهو شر، وفيه نظر لاحتمال وجود الواسطة (3). وبهذا انتهى ما أردت، أسأل الله أن يفتح على قلبي من بركات علمه، وأن يجعل عملي في رضاه، وأن يتقبله مني، وأن يجعله في ميزان حسنات والدي يرحمه الله، وألا يحرمه أجري وأجر جميع أعمالي، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

_ (1) الفتح 18/ 171. (2) الفتح 18/ 171. (3) المصدر السابق.

الخاتمة

الخاتمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد،،، فقد وفقني الله لجولة في رياض السنة، قطفت من ثمارها، واستنبطت من أحكامها، واخترت حديث صلاة الاستخارة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمه الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين كما يعلمهم السورة من القرآن. وقد ذكرت أشهر المسائل الفقهية المتعلقة بصلاة الاستخارة، ومنها: المسألة الأولى: حكم صلاة الاستخارة: أجمع العلماء على أن صلاة الاستخارة سنة. المسألة الثانية: هل تؤدى صلاة الاستخارة في وقت النهي؟ واختلف العلماء في أداء صلاة الاستخارة في وقت النهي، وتبين أن الراجح أداؤها خاصة إن كانت الاستخارة تفوت. المسألة الثالثة: متى يقال دعاء الاستخارة؟ وتبين أن الراجح هو سعة الأمر في ذلك، وإن كان الأفضل أن يكون قبل السلام؛ لأن هذا الموضع هو مكان للدعاء عمومًا. المسألة الرابعة: هل يشرع تكرار صلاة الاستخارة؟ وتبين أن في الأمر تفصيلًا لا يخلو من حالتين: الأولى: أن يتبين له شيء فيما يستخير ربه فيه، فهنا لا يشرع تكرارها. الثانية: ألا يتبين له شيء، ولم ترتفع حيرته فهنا يشرع له تكرارها لعموم الأدلة، ولفعل الصحابة - رضي الله عنهم -.

وغير ذلك من المسائل التي يكثر السؤال عنها، والنقاش فيها. ثم وقفت مع الفوائد التربوية التي ظهرت لي؛ سواء منقولة من كلام الشراح منسوبة لأصحابها، مستعينا بالله في استنباط غيرها مما فتحه الله، أسأل الله الكريم من فضله. وقد تبين لي بما لا يدع مجالًا للشك أن السنة ما زالت تحتاج إلى استنباط؛ أو ما يسمى (تثوير السنة) أي إثارتها بحيث تكون منهجًا في الأحكام الشرعية، والفوائد السلوكية التربوية، والسنة جديرة بهذه المكانة، فهي في المرتبة الثانية من أدلة التشريع. وإني أدعو حفاظ السنة وطلبة العلم والمتخصصين في دراسة السنة؛ أن يكون للمتن نصيب من الدراسة والتمحيص والاستنباط، معتمدين على منهج الحافظ ابن حجر في كتابه العظيم فتح الباري؛ لأنه خدم النص خدمة عظيمة؛ فهو يجمع بين الروايات المتعارضة، ويحرر لفظ الحديث، ويستنبط من كل كلمة في الحديث فائدة فقهية، أو تربوية، أو عقدية وغير ذلك من أبواب الشريعة. أسأل الله أن يفتح علي من بركات علمه، وأن يتقبله مني، وأن يجعله في ميزان حسنات والدي يرحمه الله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المراجع

المراجع 1 - الاستذكار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1421 - 2000، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض. 2 - الأذكار النَّووية، الإِمام يحيى بن شرف الدين النَّوَوي. 3 - أسنى المطالب في شرح روض الطالب، زكريا الأنصاري، دار الكتب العلمية - بيروت - 1422 هـ / 2000، الطبعة: الأولى، تحقيق: د. محمد محمد تامر. 4 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، تحقيق: الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا، قدم له: الشيخ خليل الميس والدكتور ولي الدين صالح فرفور، الناشر: دار الكتاب العربي، الطبعة: الأولى 1419 هـ / 1999 م. 5 - البحر الزخار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، مؤسسة علوم القرآن، مكتبة العلوم والحكم، 1409، بيروت، تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله. 6 - التفسير القيم لابن القيم، جمع وترتيب: محمد أويس الندوي. 7 - التوحيد وقرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين، عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: بشير محمد عيون، مكتبة المؤيد، الطائف، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1411 هـ / 1990 م. 8 - الجامع الصحيح، سنن الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون. 9 - الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى 1422 هـ.

10 - الجامع الصحيح، صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، دار الجيل بيروت، ودار الأفاق الجديدة، بيروت. 11 - جلاء الأفهام، محمد بن أبي بكر بن القيم الدمشقي الحنبلي، دار ابن كثير، الطبعة: الأولى، 1408 هـ / 1988 م. 12 - حاشية الروض المربع لابن قاسم، جمع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي - 1312 - 1392 هـ. 13 - حاشية السندي على سنن ابن ماجة، العلامة السندي. 14 - دروس عمدة الفقه للشنقيطي، وهي مذكرة وتوجد على الشبكة. 15 - الدين الخالص، أو: إرشاد الخلق إلى دين الحق، عنى بنتقيحه وتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه وضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان حالها وغريبها ومراجعها خليفة الشيخ: أمين محمود خطاب، الطبعة الثالثة سنة 1401 هـ / 1980 م. 16 - الروح، محمد بن أبي بكر أيوب بن القيم، دار الكتب العلمية - بيروت، 1395/ 1975. 17 - زاد المسير في علم التفسير، عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الثالثة، 1404. 18 - شرح سنن أبي داود، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابي الحنفي بدر الدين العيني، تحقيق: أبي المنذر خالد بن إبراهيم المصري، مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة: الأولى، 1420 هـ / 1999 م. 19 - شرح كتاب الطهارة والصلاة من كتاب عمدة الطالب، للشيخ خالد بن علي المشيقح.

20 - شرح مختصر خليل للخرشي. 21 - طريق الهجرتين وباب السعادتين، محمد بن أبي بكر أيوب بن القيم الزرعي أبو عبد الله، دار ابن القيم - الدمام، الطبعة الثانية، 1414/ 1994، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر. 22 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني الحنفي. 23 - عمل اليوم والليلة، أحمد بن محمد الدينوري الشافعي المعروف: بـ: ابن السني، تحقيق: كوثر البرني، دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علوم القرآن، جدة - بيروت. 24 - عون المعبود شرح سنن أبي داود، محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية، 1415. 25 - فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار المعرفة - بيروت، 1379. 26 - القول الراجح مع الدليل من شرح منار السبيل، الشيخ: خالد بن ابراهيم الصقعبي. 27 - الكامل في ضعفاء الرجال، عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد أبو أحمد الجرجاني، دار الفكر - بيروت، الطبعة الثالثة، 1409/ 1988، تحقيق: يحيى مختار غزاوي. 28 - لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر - بيروت، الطبعة الأولى. 29 - مجموع فتاوى ابن تيمية، دراسة وتحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية - 1416 هـ / 1995 م.

30 - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، محمد بن أبي بكر أيوب بن القيم الزرعي أبو عبد الله، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الثانية، 1393/ 1973، تحقيق: محمد حامد الفقي. 31 - المصباح المنير، أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري، تحقيق: يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، بيروت. 32 - المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1459، تحقيق: كمال يوسف الحوت. 33 - منحة العلام في شرح بلوغ المرام، عبد الله بن صالح الفوزان. 34 - الموسوعة الفقهية الكويتية، صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت، (من 1404 - 1427 هـ). 35 - نزهة النَّظَر في توضيح نخبة الفِكَر في مصطلح أَهل الأثر، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مكتبة مشكاة. 36 - نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان - 1424 هـ / 2004 م، الطبعة: الأولى. 37 - مقال على الشبكة: http://www.saaid.net/Doat/mehran/55.htm الدكتور مهران ماهر عثمان بعنوان "الاستخارة".

§1/1