صفحات في علوم القراءات

عبد القيوم عبد الغفور السندي

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة: الحمد لله وحمده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن نحا نحوه، وبعد: فإن علم القراءات من أَجَلِّ العلم قدرًا، وأشرفها منزلة، وأرفعها مكانة؛ لتعلقه بكتاب الله عز وجل، وكلامه المبين. وقد سخر الله عز وجل أفذاذًا من علماء الأمة الإسلامية منذ فجر الإسلام لخدمة كتابه العزيز؛ فقاموا -بإذن الله تعالى وتوفيق منه- خير قيام بدراسة كل ما يتعلق بالفرقان الحميد. فتخصص رجال من العباقرة في علوم القراءات، وأفنوا أعمارهم في خدمتها: تعليمًا وتأليفًا، وتهذيبًا وتلخيصًا. والمكتبات الإسلامية والعالمية مليئة بآثارهم العلمية، وخير شاهد على خدماتهم القرآنية الجليلة. ولما كان لا بُدَّ لطالب علوم الدين من أن يتثقف بثقافة إسلامية، وأن تكون لديه خلفية كافية واطلاع شامل على كل ما يتعلق بالقرآن المجيد من علوم ودراسات، قررت جامعة أم

القرى بمكة المشرفة تدريس مادة "المدخل لعلم القراءات" على طلاب وطالبات كلية "الدعوة وأصول الدين" بجميع أقسامها، وبعض أقسام كلية "اللغة العربية"، وأسندت وتدريسها إلى "قسم القراءات" بكلية الدعوة وأصول الدين. وقد تشرفتُ بتدريس تلك المادة منذ الفصل الثاني لعام 1408هـ، ولما كان القسم المذكور قد وُضع من قبله منهج خاص لتلك المادة، ولم أجد مؤلَّفًا يحيط بنقاط المنهج المذكور ويشمل جميع مباحثه، قمت -بفضل الله تعالى وتوفيق منه- بجمع معلومات من شتى الكتب في القراءات، فنقبت في كتب المتقدمين، وورقت مؤلَّفات المعاصرين، وحاولت -بقدر استطاعتي- تهذيب ما جمعته من المادة العلمية وتلخيصه، وسعيت في ترتيبه ترتيبًا علميًّا للتناسق في المعلومات والترابط بينها؛ ليسهل على طلاب العلم الاستفادة منها، وإن كنت قد راعيت نقاط منهج القسم غير أنني لم ألتزم بترتيبه، كما أنني زدت عليها معلومات هامة ومفيدة لا بُدَّ لدارس هذه المادة من الاطلاع عليها، وأقول كما قال الإمام الشاطبي -رحمه الله- في منظومته: وألفافها زادت بنشر فوائد ... فلفت حياءً وجهها أن تفضلا ولما أصبحت تلك المعلومات مادة علمية، وقد قمت

بتدريسها، وقدمت بعض مباحثها لطلبة العلم -على إلحاح منهم- للاستفادة منها، اقترح عليَّ غالبية الشباب طبعها ليعم النفع بها؛ إلا أنني كنت أحجم عن ذلك وأعتذر؛ ولكن زاد الإلحاح من أغلب النجباء في كل فصل من الفصول الدراسية، فاستخرت الله -عز وجل- في ذلك حتى شرح الله صدري، فهأنذا أُقْدم على نشرها وأقدمها لطبعها، وسميتها: "صفحات في علوم القراءات". وليس لي فيها غير الجمع والتهذيب، والتبويب والترتيب، وحاولت الاختصار في كل الموضوعات؛ ليسهل على طلاب العلم الاستفادة منها. فإن كنت قد وفقت فيما رُمت فهو بتوفيق من البارئ تبارك وتعالى وفضل منه، وإن كان غير ذلك فهو من نفسي ومن الشيطان الرجيم. وأقول هنا كذلك كما قال الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى- في قصيدته: أقول لحر والمروءة مرؤها ... لإخوته المرآة ذو النور مكحلا أخي أيها المجتاز نظمي ببابه ... ينادى عليه كاسد السوق أجملا

وظن به خيرًا وسامح نسيجه ... بالإغضاء والحسنى وإن كان هلهلا وسلم لإحدى الحسنيين إصابة ... والأخرى اجتهاد رام صوبًا فأمحلا وإن كان خرق فادركه بفضله ... من الحلم وليصلحه من جاد مقولا وقل صادقًا لولا الوئام وروحه ... لطاح الأنام الكل في الخلف والقلا وعش سالمًا صدرًا وعن غيبة فغب ... تحضر حظار القدس أنقى مغسلا1 هذا، وأسأل الله -عز وجل- أن يجعلها في ميزان حسناتي، وأن يزرقني الإخلاص في القول والعمل. وناديت اللهم يا خير سامع ... أعذني من التسميع قولًا ومفعلًا2 وأقول كما قال إمام القراء سبط الخياط رحمه الله تعالى "ت541هـ":

_ 1 حرز الأماني للشاطبي من البيت رقم: 74-80. 2 حرز الأماني، البيت رقم: 71.

كتبت علومًا ثم أيقنت أنني ... سأبلى ويبقى ما كتبت من العلم فإن كنت عند الله فيها مخلصًا ... فذاك لعمر الله قصدي في الحكم وإن كانت الأخرى فبالله فاسألوا ... إليه غفرانًا من الذنب والجرم1 هذا، وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أبو طاهر السندي مكة المكرمة مساء الاثنين 18/ 4/ 1414هـ

_ 1 غاية النهاية لابن الجزري 1/ 435.

عرض موجز لموضوعات الكتاب

عرض موجز لموضوعات الكتاب: وفيما يلي عرض موجز للموضوعات التي تعرضت لمعالجتها في الصفحات التالية: وقد قسمتها إلى خمسة فصول رئيسية؛ وهي: الفصل الأول: تعريف القراءات وتأريخها. الفصل الثاني: رسم المصحف العثماني. الفصل الثالث: الترتيل وبيان ركنيه. الفصل الرابع: توجيه القراءات. الفصل الخامس: تراجم القراء. ويشتمل كل فصل منها على مباحث تفصيلية؛ وهي كالآتي: الفصل الأول: المبحث الأول: تعريف القراءات وتأريخها. المبحث الثاني: أركان القراءة الصحيحة. المبحث الثالث: القراءات الشاذة. المبحث الرابع: حول حديث نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة. المبحث الخامس: أوجه اختلاف القراءات. المبحث السادس: الحِكَم والفوائد في اختلاف القراءات. المبحث السابع: معالجة بعض الشبهات حول القراءات.

الفصل الثاني: المبحث الأول: تعريف الرسم وأقسامه وقواعده وفوائده. المبحث الثاني: حُكْم الالتزام بالرسم العثماني. الفصل الثالث: المبحث الأول: مفهوم كلمة "الترتيل" لغة واصطلاحًا. المبحث الثاني: شرح الركن الأول: التجويد. المبحث الثالث: شرح الركن الثاني: الوقف. الفصل الرابع: المبحث الأول: التعريف بعلم الاحتجاج وتأريخه. المبحث الثاني: صور الاحتجاج للقراءات. الفصل الخامس: المبحث الأول: تراجم قراء القراءات المتواترة. المبحث الثاني: تراجم قراء القراءات الشاذة. المبحث الثالث: تراجم لبعض أعلام القراء.

الفصل الأول: تعريف القراءات وتأريخها

الفصل الأول: تعريف القراءات وتأريخها المبحث الأول: تعريف القراءات لغة واصطلاحا مدخل ... الفصل الأول: تعريف القراءات وتأريخها المبحث الأول: تعريف القراءات لغة واصطلاحا تعريف القراءات: القراءات لغة: جمع قراءة، وهي مصدر قرأ قراءة وقرآنًا بمعنى: تلا تلاوة، وهي في الأصل بمعنى الجمع والضم، تقول: قرأتُ الماءَ في الحوض أي: جمعته فيه، وسمي "القرآن" قرآنًا؛ لأنه يجمع الآيات والسور ويضم بعضها إلى بعض1. واصطلاحًا: عرَّفها القراء بتعاريف متعددة ومختلفة، ولعل تعريف الإمام ابن الجزري لها من أحسن التعاريف جمعًا وشمولًا، فقد عرفها -رحمه الله- بقوله: "علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة"2. وعرفها الشيخ عبد الفتاح القاضي -رحمه الله- بقوله: "هو علم يُعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية، وطريق أدائها اتفاقًا واختلافًا مع عزو كل وجه لناقله"3.

_ 1 راجع: مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى 1/ 1-3. 2 منجد المقرئين لابن الجزري ص3. وفي القاموس المحيط: الناقلة: ضد القاطنين. 3 البدور الزاهرة ص5.

موضوع علم القراءات

موضوع علم القراءات: دراسة ما نقل من الخلاف الأصولي والفرشي من أئمة القراءات بأسانيد متصلة ومتواترة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الكلمات القرآنية؛ من حيث أحوال النطق بها وكيفية أدائها. وما دام أن "القراءة سنة متبعة"1 -كما أثر ذلك عن أكثر من صحابي- فيعني ذلك أن القراءات هي ما نقل من ألفاظ القرآن الكريم من الرسول -صلى الله عليه وسلم- تلاوة أو تقريرًا2.

_ 1 السبعة لابن مجاهد ص49 وما بعدها. 2 راجع: القراءات القرآنية ص63-65.

توضيح بعض المصطلحات القرائية

توضيح بعض المصطلحات القرائية ... توضيح بعض المصطلحات القرآنية: من الكلمات التي يكثر دورانها في كتب القراءات كلمة: القراءة، الرواية، الطريق، الوجه، الأصول، الفرش، وهي كلمات اصطلاحية في علم القراءات، وفيما يلي نعرف كل واحدة منها؛ ليتضح مدلولها ويتبين الفرق بينها: 1- القراءة: كل خلاف نُسب إلى إمام من أئمة القراءات مما أجمع عليه الرواة عنه، نحو قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 1 فكلمة "مالك" تقرأ بحذف الألف، وهي قراءة أبي جعفر ونافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر حمزة، وتقرأ بإثبات الألف "مالك" وهي قراءة عاصم والكسائي ويعقوب وخلف العاشر، وما دام رواة هؤلاء الأئمة المذكورين لم يختلفوا مع بعضهم في نقل قراءة هذه الكلمة؛ فلأجل ذلك نسبت القراءة إلى شيخ كل واحد منهم، وعُبر عن الخلاف المذكور بكلمة "قراءة" فقيل: قراءة الإمام نافع، وقراءة الإمام عاصم ... وهكذا. 2- الرواية: كل خلاف نُسب إلى الآخذ عن إمام من أئمة القراءة ولو بواسطة، نحو: رواية الدوري عن أبي عمرو، بواسطة يحيى اليزيدي؛ لأن الدوري تلميذ يحيى،

_ 1 الفاتحة: 3.

ولم يأخذ القراءة عن أبي عمرو مباشرة، ويحيى تلميذ أبي عمرو؛ ولكن الدوري اشتهر برواية أبي عمرو. ونحو: رواية هشام عن ابن عامر، ورواية حفص عن عاصم "بدون واسطة"؛ لأن كل واحد منهما تتلمذ على شيخه، وأخذ القراءة عنه مباشرة. 3- الطريق: كل خلاف نسب إلى الآخذ عن الراوي وإن سفل، نحو: طريق الأصبهاني لرواية الإمام ورش، وطريق عبيد بن الصباح لرواية الإمام حفص ... ، مثلًا: الخلاف الواقع في إثبات البسملة بين سورتين أو حذفها وصلًا؛ فمن القراء من يثبتها، ومنهم من لا يثبتها، ومن الذين أثبتوها: نافع وابن كثير، وبما أن راويَيِّ ابن كثير لم يختلفا في إثباتها بين سورتين عن إمامهما؛ فلذلك يقال: قراءة ابن كثير، أما نافع: فقد اختلف رواياه في إثباتها عنه؛ ولكن الراوي الأول وهو: قالون، لم يتردد في إثباتها عنه أشهر من نقل روايته عنه؛ ولذلك يقال: رواية قالون، أما الراوي الثاني: وهو ورش، فاختلف في إثباتها عنه، وقد أثبتها الأصبهاني عنه؛ ولذلك يقال: طريق الأصبهاني عن ورش. فإثبات البسملة بين سورتين وصلًا: قراءة الإمام ابن كثير، ورواية الإمام قالون عن نافع، وطريق

الأصبهاني عن ورش. ونحو: فتح حرف الضاد من كلمة "ضعف" في سورة الروم1، فهو قراءة حمزة، ورواية شعبة، وطريق عبيد بن الصباح عن حفص. وهذا هو الخلاف الواجب، وهو عين القراءات والروايات والطرق؛ بمعنى أن القارئ مُلزَم بالإتيان بجميعها، فلو أخل بشيء منها عُدَّ ذلك نقصًا في روايته2. وعلم من تعريف هذه المصطلحات الثلاثة أن لكل إمام: روايان، سواء أخذا القراءة عن الإمام مباشرة أو بواسطة، وأن لكل راوٍ: طريقان، سواء أخذا القراءة عن الراوي بواسطة واحدة أو بواسطتين أو أكثر، فإن نسب الخلاف إلى الإمام يقال: قراءة، وإن نسب إلى أحد راوييه يقال: رواية، وإن نسب إلى تلميذ الراوي أو من اشتهر بنقل روايته يقال: طريق. 4- الوجه: هو ما يكون من قبيل الخلاف الجائز والمباح؛ كأوجه قراءة البسملة بين سورتين بالوصل أو الفصل، فمن قرأ بإثبات البسملة بين سورتين، فله أن يقرأ بأحد الأوجه الآتية؛ وهي:

_ 1 الآية رقم: 54. 2 راجع البدور الزاهرة ص8، 9، والنشر 2/ 199، 200.

1- وصل الكل. 2- فصل الكل. 3- وصل الثاني بالثالث، وهذه الأوجه الثلاثة جائزة. 4- وصل الأول بالثاني، وهو ممنوع. وكأوجه الوقف على المد العارض للسكون بالسكون المحض أو بالإشمام أو بالروم، وبالقصر أو بالتوسط أو بالطول، ففي حالة الوقف على الكلمة التي آخرها مفتوح مثل: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} يجوز الوقف بالسكون المحض فقط؛ وعليه: القصر والتوسط والطول في حرف المد، وفي حالة الوقف على الكلمة التي آخرها مكسور أومجرور نحو: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} تكون الأوجه أربعة؛ وهي: الوقف بالسكون، وعليه أوجه المد الثلاثة، والرابع الروم مع القصر. أما في حالة الوقف على الكلمة التي آخرها مضموم أو مرفوع مثل: {نَسْتَعِينُ} تكون الأوجه سبعة؛ وهي: الوقف بالسكون المحض مع ثلاثة المد، أو الوقف بالإشمام وعليه ثلاثة المد، أو الوقف بالروم مع القصر، فبأي وجه وقف عليه أجزأه، ولا يعتبر ذلك نقصًا في روايته ولا تقصيرًا منه. والأوجه الاختيارية لا يقال لها: قراءات، ولا روايات، ولا طرق؛ بل يقال لها: أوجه دراية فقط، والقارئ مخير في الإتيان بأي وجه منها، وغير مُلزَم بالإتيان

بها كلها، فلو أتى بوجه واحد منها أجزأه، كما سبق1. 5- الأصول: جمع أصل، وهو لغة: عبارة عما يفتقر إليه ولا يفتقر هو إلى غيره، أو هو ما ينبني عليه غيره. واصطلاحًا: كل حكم كلي جارٍ في كل ما تحقق فيه شرطه، فهي تطلق على الأحكام الكلية والخلافات المطردة التي تندرج تحتها الجزئيات المتماثلة؛ كصلة هاء الضمير، وصلة ميم الجمع، والمدود، وتسهيل الهمزات أو تغييرها، أو نقل حركة الهمزة إلى الساكن الصحيح قبلها ثم حذفها، والفتح والإمالة ... وما إلى ذلك. والأصول الدائرة على اختلاف القراءات سبعة وثلاثون أصلًا2. 6- الفرش: مصدر فرش بمعنى: نشر وبسط. واصطلاحًا: ما كان من خلاف غير مطرد في حروف القراءات مع عزو كل قراءة إلى صاحبها؛ كالخلاف في قراءة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 3 حيث تقرأ كلمة "مالك" بحذف الألف وبإثباتها، وفي

_ 1 راجع للتفصيل: غيث النفع على هامش سراج القارئ ص34، 53، و"التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن" للجزائري ص116، 117، وإتحاف فضلاء البشر 1/ 102. 2 راجع: الإضاءة في بيان أصول القراءة للشيخ علي محمد الضباع ص12. 3 الفاتحة: 3.

قراءة: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} 1 حيث تقرأ كلمة "يخدعون" بفتح الياء وإسكان الخاء وفتح الدال على وزن يَفْعَلُون، وتقرأ بضم الياء وفتح الخاء وألف بعدها وكسر الدال "يخادعون" مثل الموضع الأول من باب "المفاعلة"، أو في قراءة قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} 2 حيث تقرأ كلمة "فأزل" بحذف الألف بعد الزاء ومع تشديد اللام "فأزَلَّ"، وتقرأ بإثبات الألف بعد الزاء وتخفيف اللام: "فأزَالَ" ... وهكذا. وسمي فرشًا لانتشار تلك الحروف والكلمات المختلَف فيها في سور القرآن الكريم، فكأنها انفرشت في السور أي: انتشرت3. وقد يقال لها: الفروع مقابلة للأصول، وقيل: سمي هذا النوع بالفرش تشبيهًا له بصغار الغنم المنتشرة على أرض فضاء هنا وهناك، أو تشبيهًا لها بصغار الشجر4. فالكلمات الفرشية هي الجزئيات التي يقع الخلاف في قراءتها، ولا يقاس عليها؛ كالخلاف الواقع في قراءة: {وَمَا يَخْدَعُونَ} في سورة البقرة؛ حيث تقرأ "يخدعون" وو"يخادعون" ولكن لا يقاس عليها ما جاء في سورة النساء من قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} 5 لأن الخلاف وقع فيما هي في البقرة لا ما في النساء مع أن رسمهما واحد6.

_ 1 البقرة: 9. 2 البقرة: 36. 3 راجع كتاب "الوافي" للشيخ عبد الفتاح القاضي ص199. 4 المدخل والتمهيد للدكتور عبد الفتاح شلبي ص101. 5 الآية رقم: 141. 6 راجع: مناهل العرفان 1/ 441.

علاقة القراءات بالقرآن الكريم

علاقة القراءات بالقرآن الكريم: للعلماء في ذلك آراء ثلاثة: 1- يرى الإمام بدر الدين الزركشي "ت794هـ" أنهما حقيقتان متغايرتان. ودليله: أن القرآن هو الوحي المنزَّل على محمد -صلى الله عليه وسلم- للبيان والإعجاز. والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما. ولا بُدَّ فيها من التلقي والمشافهة؛ لأن فيها أشياء لا تحكم إلا بالسماع والمشافهة1. وقد تبعه في ذلك الإمام شهاب الدين القسطلاني "ت923هـ" في كتابه "لطائف الإشارات لفنون القراءات"

_ 1 راجع: البرهان 1/ 318.

1/ 171، 172، والإمام شهاب الدين البنا الديماطي "ت1117هـ" في كتابه "إتحاف فضلاء البشر" 1/ 68، 69. 2- ويرى الدكتور محمد سالم محيسن: أنهما حقيقتان بمعنى واحد؛ لأن القرآن مصدر مرادف للقراءة، والقراءات جمع قراءة؛ إذن فهما حقيقتان بمعنى واحد، كما أن أحاديث نزول القرآن على الأحرف السبعة تدل دلالة واضحة على أنه لا فرق بينهما؛ إذ كل منهما وحي منزل1. 3- ويرى الدكتور شعبان محمد إسماعيل: أنهما ليسا متغايرين تغايرًا تامًّا، كما أنهما ليسا متحدين اتحادًا كليًّا؛ بل بينهما ارتباط وثيق كارتباط الجزء بالكل. وذلك لأن: أ- القراءات لا تشتمل كلمات القرآن كله؛ بل توجد في بعض ألفاظه فقط. ب- تعريف القراءات يشمل المتواترة والشاذة، وقد أجمعت الأمة على عدم قرآنية القراءات الشاذة2. ولعل هذا الذي يقصده الإمام الزركشي؛ حيث قال: "ولست في هذا أنكر تداخل القرآن بالقراءات؛ إذ

_ 1 انظر: "في رحاب القرآن" 1/ 209، 210. 2 راجع: "القراءات أحكامها ومصدرها" ص23 وما بعدها، وهامش كتاب إتحاف فضلاء البشر 1/ 69.

لا بُدَّ أن يكون الارتباط بينهما وثيقًا، غير أن الاختلاف على الرغم من هذا يظل موجودًا بينهما؛ بمعنى أن كلًّا منهما شيء يختلف عن الآخر لا يقوى التداخل بينهما على أن يجعلهما شيئًا واحدًا، فما القرآن إلا التركيب واللفظ. وما القراءات إلا اللفظ ونطقه، والفرق بين هذا وذاك واضح بيِّن"1. والذي أراه هنا -والله أعلم- هو أن نفصِّل القول في القراءات: فالقراءات قسمان: المقبولة والمردودة. أ- المقبولة: هي التي تتوفر فيها الشروط الثلاثة: 1- أن تكون متواترة. 2- أن توافق اللغة العربية ولو بوجه. 3- أن توافق رسم أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا. وهذا القسم هو الذي قال فيه العلماء: 1- يجب على كل مسلم اعتقاد قرآنيته. 2- يُقرأ به تعبدًا في الصلوات وخارجها. 3- يكفر جاحد حرف منه. وهذا ما يقال في القرآن كذلك، وهل يقرأ القرآن إلا

_ 1 البرهان 1/ 318.

براوية من روايات القراءات المتواترة؟ وعلى هذا فالقرآن هو عين القراءات المتواترة وبالعكس، فهما حقيقتان بمعنى واحد، وعلى هذا يحمل قول الدكتور/ محمد سالم محيسن. ب- المردودة: وهي التي اختل فيها شرط من الشروط الثلاثة لقبولها، وهي التي يطلق عليها الشاذة، وقد قال العلماء فيها: 1- لا يجوز اعتقاد قرآنيتها. 2- لا تجوز القراءة بها تعبدًا. 3- يجب تعزير من أصر على قراءتها تعبدًا وإقراءً. وعلى هذا فالقراءات هي غير القرآن، وبينهما تغاير كلي، فهما حقيقتان متغايرتان؛ لأن الشاذة حتى لو ثبتت قراءة منها بسند صحيح لا يعتقد قرآنيتها؛ بل تعتبر من الأخبار الآحاد، والخبر الواحد من أقسام الحديث، والحديث غير القرآن. هذا ما يظهر لي، والله أعلم بالصواب.

علاقة القراءات العشر بالأحرف السبعة

عَلاقة القراءات العشر بالأحرف السبعة: للعلماء في ذلك قولان: 1- إن القراءات العشر تعتبر حرفًا واحدًا من الأحرف السبعة المنزلة. ذهب إليه: ابن جرير الطبري "ت310هـ" وبعض أتباعه، ودليلهم: أن عثمان -رضي الله عنه- حمل الأمة على مصاحفه، وقد كتبت على حرف قريش، وأمر بإحراق بقية المصاحف فتُركت القراءة ببقية الأحرف؛ لعدم وجوب القراءة بجميعها؛ حيث إنها نزلت تخييرًا وتيسيرًا. 2- إن القراءات العشر تعتبر بعض الأحرف السبعة المنزلة. ذهب إليه جمهور القراء. ودليلهم: أن الحروف السبع تنقسم إلى قسمين: أ- زيادة كلمة أو نقص أخرى، نحو: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم / في مواسم الحج"1. أو تقديم كلمة على أخرى، نحو:

_ 1 البقرة: 198.

"إذا جاء فتح الله والنصر"1. أو إبدال كلمة بأخرى، نحو: "وتكون الجبال / كالصوف / المنفوش"2. وهذا القسم وما أشبهه متروك ولا تجوز القراءة به إجماعًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "المراء في القرآن كفر" 3. ولإجماع الأمة على اتباع مرسوم المصاحف العثمانية. ب- ما اختلف فيه القراء من: إظهار وإدغام، وروم وإشمام، وقصر ومد، وتخفيف وشد، وإبدال حركة بأخرى، وياء بتاء، وواو بفاء، ونحو ذلك من الاختلافات المتقاربة. وهذا القسم هو المستعمل في زماننا هذا، وهو الموافق للمصاحف العثمانية. فثبت أن القراءات التي نقرؤها هي بعض الحروف السبعة، وهو الذي وافق خط المصاحف، وما خالفها ترك لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} 4.

_ 1 النصر: 1. 2 القارعة: 5. 3 صحيح ابن حبان ص73، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وانظر موارد الظمآن للهيثمي ص440. 4 المزمل: 20، راجع: في رحاب القرآن الكريم 1/ 365 -402.

مكانة علم القراءات

مكانة علم القراءات: علم القراءات من أَجَلِّ العلوم قدرًا، وأعلاها منزلة؛ لتعلقه بأشرف الكتب السماوية على العموم، وأفضلها على الإطلاق، وهو القرآن الكريم والكتاب المبين الذي أنزله الله -عز وجل- هداية للخلق، وتشريعًا واضحًا، ومنهجًا متكاملًا للحياة البشرية جمعاء، وقد فضله الله -عز وجل- على غيره من الكتب، وجعله مهيمنًا عليها. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} 1. وقد جعل الله -عز وجل- قراءته وتلاوته عبادة مفضلة، وأمرًا مرغوبًا فيه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أفضل العبادة قراءة القرآن"2. وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل عبادة أمتي قراءة

_ 1 المائدة: 48. 2 كنز العمال للمتقي، برقم: 2263، 2357.

القرآن"1. وكانت تلاوة القرآن أحب إلى سفيان الثوري من الغزو في سبيل الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" 2. وقد حُكي عن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- أنه قال: "رأيت رب العزة في النوم فقلت: يا رب، ما أفضل ما يتقرب المتقربون به إليك؟ فقال: بكلامي يا أحمد. فقلت: يا رب، بفهم أو بغير فهم؟ فقال: بفهم وبغير فهم"3. ولشرف القرآن الكريم أصبح حملته أشراف هذه الأمة، وقراؤه ومقرئوه أفضل هذه الملة. ومن ثَمَّ حَرَصَ السلف من الصحابة والتابعين على قراءة القرآن الكريم وإقرائه، وكانوا لا يعدلون بإقرائه شيئًا، وقد رُوي أنه قيل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إنك تقل الصوم؟! قال: إني إذا صمت ضعفت عن القرآن، وتلاوة القرآن أحب إليَّ4.

_ 1 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان. 2 البخاري، كتاب فضائل القرآن، برقم: 5027، أبو داود، باب ثواب قراءة القرآن 2/ 70، برقم: 1452، وراجع: تعليق ابن حجر عليه في الفتح 8/ 694. 3 النشر في القراءات العشر 1/ 4. 4 النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/ 3.

وكان أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل "ت74 أو 73هـ" يقول -لما يُروى الحديث: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه": هذا الذي أقعدني مقعدي هذا، يشير إلى كونه جالسًا في المسجد الجامع بالكوفة يعلم القرآن ويقرئه مع جلالة قدره وعلو كعبه في العلم وحاجة الناس إلى علمه، وبقي يقرئ الناس بجامع الكوفة أكثر من أربعين سنة، وعليه قرأ الحسن والحسين رضي الله عنهما1. وقد خص الله تعالى هذه الأمة في كتابهم هذا المنزل على نبيهم -صلى الله عليه وسلم- بما لم يكن لأمة من الأمم في كتبها المنزلة؛ فإنه تعالى تكفل بحفظه دون سائر الكتب، ولم يكل حفظه إلينا، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 2. يقول الإمام ابن الجزري رحمه الله تعالى: "وذلك إعظام لأعظم معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن الله تعالى تحدَّى بسورة منه أفصح العرب لسانًا، وأعظمهم عنادًا وعتوًّا وإنكارًا، فلم يقدروا على أن يأتوا

_ 1 المرجع السابق. 2 الحجر: 9.

بآية مثله1. ويصف القرآن الكريم فيقول: بل هو البحر العظيم الذي لا قرار له ينتهي إليه، ولا غاية لآخره يوقف عليه2. وبالاختصار: فإن علم القراءات أشرف العلوم منزلة، وأرفعها مكانة، وهو مصدر جميع علوم العربية عمومًا، وعلوم الشريعة خصوصًا، يحتاج إليه: المقرئ، والمفسر، والمحدِّث، والفقيه، واللغوي على السواء. وبهذا العلم المبارك تتعلق علوم أخرى مباشرة: كعلم تراجم القراء، وعلم توجيه القراءات، وعلم رسم المصحف، وعلم الضبط، وعلم الفواصل، وعلم التجويد، وغيرها من العلوم، ومن هنا تأتي أهميته وتنشكف جليًّا مكانته. يقول الإمام شهاب الدين القسطلاني "ت923هـ": " ... وبعد: فإن القرآن ينبوع العلوم ومنشؤها، ومعدن المعارف ومبدؤها، ومبنى قواعد الشرع وأساسه، وأصل كل علم ورأسه، والاستشراف على معانيه لا يتحقق إلا بفهم رصفه ومبانيه، ولا يطمع في حقائقها التي لا منتهى لغرائبها ودقائقها إلا بعد العلم بوجوه قراءاته، واختلاف

_ 1 النشر 1/ 4، 5. 2 المرجع السابق.

رواياته؛ ومن ثَمَّ صار علم القراءات من أَجَلِّ العلوم النافعات، وإذا كان كل علم يَشرفُ بشرف متعلقه، فلا جرم خُص أهله، الذين هم أهل الله وخاصته بأنهم المصطفَون من بريته، والمجتبون من خليقته، وناهيك بهذا الشرف الباذخ، والمجد الراسخ، مع ما لهم من الفضائل اللاحقة، والمنازل السابقة، فمناقبهم أبدًا تُتلى، ومحاسنهم على طول الأمد تُجلى ... "1. ومكانة علم القراءات تتجلى واضحًا من خلال قراءتنا لخصائص هذا العلم وفوائده. فبالقراءات ترجح بعض الأوجه التفسيرية، وبعض الأحكام الفقهية، ومنها تتجلى وجوه إعجاز القرآن الكريم، ويبرز سمو بلاغته، واشتمال القرآن الكريم على القراءات المتعددة ميزة لا نظير لها في الكتب السماوية السابقة2.

_ 1 لطائف الإشارات لفنون القراءات 1/ 6. 2 راجع: مقدمة كتاب "التبصرة في القراءات السبع" للدكتور محمد غوث الندوي ص41-47.

نشأة القراءات وتطورها

نشأة القراءات وتطورها: إن الأحاديث الصحيحة الكثيرة تدل دلالة واضحة على أن القرآن الكريم نزل على الأحرف السبعة، وتلك الأحرف تتمثل في القراءات القرآنية التي نُقلت إلينا نقلًا صحيحًا متواترًا. إذن فكما أن القرآن الكريم وَحْيٌ منزل من الله عز وجل، فالقراءات كذلك وحي منزل منه تبارك وتعالى. ولكن أين ومتى كان نزولها؟ هل كان ذلك بمكة قبل الهجرة، أم كان نزولها بالمدينة بعد الهجرة النبوية ودخول القبائل العربية المختلفة في الإسلام؟ للعلماء في ذلك رأيان: 1- أن القراءات نزلت بمكة المكرمة قبل الهجرة النبوية. ودليل هذا القول: أن الأحاديث الورادة في نشأة القراءات تفيد أنها نزلت بمكة منذ بداية نزول القرآن الكريم؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل

أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف"1. كما أن سور القرآن الكريم تنقسم إلى: مكية ومدنية، ومعظمها مكية، وفيها من القراءات ما في السور المدنية، ولا دليل على نزولها بالمدينة مرة ثانية، فهذا يدل على أن القراءات نزلت بمكة المكرمة. كما يدل على ذلك حديث اختلاف عمر مع هشام بن حكيم؛ لأنهما اختلفا في قراءة سورة الفرقان وهي مكية2. 2- أنها نزلت بالمدينة بعد الهجرة النبوية. لأنها نزلت للتيسير على الأمة؛ بسبب اختلاف لهجات القبائل ولغاتها، ولم تكن الحاجة إليها إلا بعد الهجرة لدخول القبائل المتجاورة والمتباعدة في الإسلام، كما أن اختلاف الصحابة في القراءات كان بالمدينة ولم يكن ذلك في مكة، يدل على ذلك حديث أبي بن كعب، وحديث عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم. كما أن ذكر "أضاة بني غفار" -وهو ماء بالقرب من المدينة- يدل على نزول القراءات بالمدينة، وذهب إليه كثير

_ 1 أخرجه البخاري عن ابن عباس 3/ 160، 4/ 137، 6/ 227، ومسلم 6/ 101، وأحمد 1/ 263، 264، 299، 313. 2 ذهب إليه الدكتور/ محمد سالم محيسن في كتابه: في رحاب القرآن الكريم 1/ 233، 234، ورجحه لأنه لا اعتراض عليه، وفيه الأخذ بالأحوط حسب قوله فضيلته.

من الأعلام أمثال: ابن عبد البر، وأبي شامة المقدسي، وغيرهما1. وقد حاول البعض أن يجمع بين القولين: بأن بداية نزول القراءات كان مع بداية نزول القرآن الكريم بمكة المكرمة؛ حيث توجد القراءات في السور المكية؛ ولكن الحاجة لم تدعُ إلى استخدامها لوَحْدَة اللغة واللهجة بمكة وما جاورها، خلافًا لما حدث بعد الهجرة؛ حيث دخلت في الإسلام قبائل مختلفة اللهجات واللغات، فكان ورود حديث أبي بن كعب إشعارًا للإذن فقط2. هكذا نشأت القراءات، وسواء كان نزولها ونشأتها بمكة أم بالمدينة -على خلاف العلماء في ذلك- إلا أنها مرت بمراحل عديدة، يتداخل بعضها في بعض، حتى استقرت علمًا

_ 1 انظر: التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن للشيخ طاهر الجزائري ص69-97، وإليه يميل الدكتور/ عبد العزيز عبد الفتاح القارئ، وقد صرح بأن نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة رخصة جاءت متأخرة عن العزيمة وهي القراءة على وجه واحد. وكان المسلمون ظلوا في مكة ثلاث عشرة سنة يقرءون القرآن على وجه واحد بلهجة قريش ... انظر: مجلة كلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة، العدد الأول، ص94-96، ورجح ذلك الدكتور/ شعبان محمد إسماعيل في كتابه: "القرءات أحكامها ومصدرها" ص85، والدكتور/ محمد الزفزاف في كتابه: التعريف بالقرآن والحديث ص38. 2 لقد ألمح إلى هذا القول الدكتور/ السيد رزق الطويل في كتابه: "في علوم القرآن" ص34.

من العلوم القرآنية، ومجالًا من مجالات الدراسات النحوية واللغوية بشكل عام. وتتمثل تلك الأدوار والمراحل التاريخية في نشوئها تعليمًا للتلاوة ثم للحفظ كله أو بعضه عن ظهر قلب، ثم إلى رواية تسند القراءة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم إلى مجال تخصص تجرد له أساتذة وتلامذة، ومنه إلى علم ذي قواعد وأصول ومؤلفات وأبحاث1.

_ 1 راجع تلك المراحل بالتفصيل في: "القراءات القرآنية" للدكتور/ عبد الهادي الفضلي ص11 وما بعدها.

المراحل التي مرت بها القراءات

المراحل التي مرت بها القراءات مدخل ... المراحل التي مرت بها القراءات: وهنا نوجز بعض تلك المراحل: 1- نشأت القراءة بتعليم جبريل للرسول -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} 1. وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- في بداية نزول الوحي: فقال: اقرأ، فقلت: "ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ... " الحديث2. هكذا علَّمه جبريل القرآن الكريم بأحرفه المختلفة وقراءاته المتعددة. 2- ثم أمره الله تعالى بتعليمه وإقرائه للمسلمين: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... } 3، {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} 4. فكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقرئ صحابته بما أقرأه جبريل عليه السلام. وقد ورد عن عثمان وابن مسعود وأبيّ -رضي الله عنهم-

_ 1 النجم: 5. 2 صحيح البخاري: باب كيف كان بدء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم 1/ 3، برقم: 3. 3 المائدة: 67. 4 الإسراء: 106.

أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرئهم العشر الآيات، فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، فيعلمهم القرآن والعلم والعمل جميعًا1، فربما أقرأ صحابيًّا آخر بحرف آخر، فكان كل واحد منهم يقرأ كما تعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم2. 3- أمر النبي -صلى الله عليه وسلم -الصحابة أن يقرئ بعضهم البعض، ومن الأمثلة لذلك قصة إسلام عمر- رضي الله عنه- فكان الخباب بن الأرت يتردد على فاطمة بنت الخطاب وزوجها يعلمهما القرآن. بل كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرسل بعثات تعليمية إلى خارج مكة؛ فقد ورد في البخاري أن مصعب بن عمير وابن أم مكتوم هما أول من نزل بالمدينة فجعلا يقرآن الناس القرآن الكريم، ثم جاء عمار وبلال. ولما فتحت مكة ترك الرسول -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل فيها للتعليم. وكان الرجل إذا هاجر إلى المدينة دفعه النبي -صلى

_ 1 انظر: الوجيز في فضائل الكتاب العزيز للقرطبي ص137، تحقيق د/ علاء الدين رضا. 2 راجع: الإبانة لمكي بن أبي طالب ص:35-38، بتحقيق: د/ محيي الدين رمضان.

الله عليه وسلم- إلى رجل من الحفظة ليعلمه القرآن1. وهكذا تكونت جماعة من الصحابة، عرفت بـ"القراء"، والتسمية بهذا اللقب تعطينا صورة جلية عن مدى انتشار القراءة في هذه المرحلة، وقد قتل في غزوة بئر معونة سبعون رجلًا من شبان الأنصار يسمون بالقراء، وكانت غزوة بئر معونة على رأس 36 أو 38 شهرًا من الهجرة2. لقد تصدَّى كثير من الصحابة لحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن أشهرهم: الخلفاء الأربعة، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري وغيرهم رضي الله عنهم. وهؤلاء هم الذين دارت أسانيد قراءات الأئمة العشرة عليهم3. وكانت قراءة الصحابة تختلف: فمنهم من أخذ بحرف، ومنهم من أخذ بحرفين أو أكثر، ومن هنا بدأت وجوه القراءة المختلفة تأخذ طريقها في الرواية ومسارها في النقل، وكان

_ 1 راجع: تاريخ القرآن للزنجاني ص85-87. 2 انظر: شذارت الذهب 1/ 11، والبخاري، المغازي، رقم: 3860-3865. 2 راجع: الوجيز في فضائل الكتاب العزيز للقرطبي ص177 وما بعدها، والإتقان للسيوطي 1/ 222-228.

شيوع ظاهرة اختلاف القراءات منذ عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة، كمايدل على ذلك اختلاف عمر وهشام بن حكيم، واختلاف أبي بن كعب مع بعض الصحابة، وكذلك ابن مسعود مع غيره من الصحابة. 4- انتشر الصحابة في الأمصار، وتفرقوا فيها، وبدءوا يُقْرِئون الناس القرآن حسبما تلقوه من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن ثَمَّ اختلف النقل في التابعين وفي تلاميذهم، فكثرت القراءات وظهر الشذوذ فيها، وكثر النزاع بين المسلمين فيها، حتى بلغ ذلك عثمان -رضي الله عنه- فأمر بجمع المصاحف وكتابتها برسم يحتمل أكثر وأغلب الأوجه الصحيحة المتواترة، وأرسلها إلى المدن المشهورة مع إرسال مقرئ مع كل مصحف توافق قراءته أهل ذلك المصر في الأغلب والأكثر، وحمل الناس على تلك المصاحف وأمر بإلغاء بقية الأوجه التي لا يحتملها رسم مصحف ذلك القطر. وقد أقبل الناس على تلك المصاحف وتلقوها من مقرئيها، فكان في كل مصر قراء من التابعين، ومن أشهرهم: في المدينة: معاذ بن الحارث القارئ، سعيد بن المسيب، عروة بن الزبير، عمر بن عبد العزيز، عطاء بن يسار، عبد الرحمن الأعرج، ابن شهاب الزهري، زيد بن أسلم، وغيرهم.

وفي مكة: مجاهد بن جبر، طاوس بن كيسان، عطاء بن أبي رباح، عكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم. وفي الكوفة: عمرو بن شرحبيل، علقمة بن قيس، مسروق بن الأجدع، أبو عبد الرحمن السلمي، الأسود النخعي، زر بن حبيش، إبراهيم النخعي، وغيرهم. في البصرة: الحسن البصري، محمد بن سيرين، قتادة بن دعامة السدوسي، نصر بن عاصم، يحيى بن يعمر، وغيرهم. في الشام: المغيرة بن أبي شهاب المخزومي، خليفة بن سعد صاحب أبي الدرداء، وغيرهم1. وكان ذلك في النصف الثاني من القرن الأول، والنصف الأول من القرن الثاني. 5- وبعدما كثر أهل البدع والأهواء، وبدءوا يقرءون بقراءات لا أصل لها -كما نُقل عن بعض المعتزلة والروافض- تجرد قوم للقراءة والأخذ، واعتنوا بضبط القراءة أتم

_ 1 راجع: النشر في القراءات العشر 1/ 8، ومفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 14-22.

عناية؛ حتى صاروا أئمة يُقتدى بهم في ذلك ويرحل إليهم ويؤخذ عنهم، وأجمع أهل بلدهم على تلقي قراءتهم بالقبول، ولم يختلف عليهم فيها اثنان، ولتصديهم للقراءة نُسبت إليهم1. قال ابن الجزري: ونعتقد أن معنى إضافة كل حرف من حروف الاختلاف إلى من أضيف إليه من الصحابة وغيرهم إنما هو من حيث إنه كان أضبط له وأكثر قراءة وإقراءً به وملازمة له وميلًا إليه لا غير ذلك، وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة ورواتهم المراد بها: أن ذلك القارئ وذلك الإمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة حسبما قرأ به فآثره على غيره، وداوَم عليه ولزمه، حتى اشتهر وعُرف به، وقصد فيه، وأخذ عنه؛ فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء، وهذه الإضافة إضافة اختيار وداوم ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد2. فكان بالمدينة: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، شيبة بن نصاح، نافع بن أبي نعيم، وغيرهم. وبمكة: عبد الله بن كثير، حميد بن قيس الأعرج، محمد بن

_ 1 النشر 1/ 8. 2 النشر 1/ 52، وراجع للمعرفة: الاختيار ومفهومه ص287.

محيصن، وغيرهم. وبالكوفة: يحيى بن وثاب، عاصم بن أبي النجود، سليمان بن مهران الأعمش، حمزة بن حبيب الزيات، علي بن حمزة الكسائي، وغيرهم. وبالبصرة: عبد الله بن أبي إسحاق، أبو عمرو بن العلاء، عاصم الجحدري، يعقوب الحضرمي، وغيرهم. وبالشام: عبد الله بن عامر اليحصبي، عطية بن قيس الكلابي، يحيى الذماري، شريح بن يزيد الحضرمي، وغيرهم1. وتَخصص أمثال هؤلاء القراء في القراءات وفَّر المادة لوضع علم القراءات وتدوينه والتأليف فيه.

_ 1 راجع: النشر 1/ 8، 9، ومفتاح السعادة لطاش كبرى زاده 2/ 22، 23.

مرحلة التدوين في القراءات

مرحلة التدوين في القراءات: لقد بدأ التأليف في علم القراءات منذ عصر مبكر؛ حيث كان القرآن الكريم وتلاوته شغلهم الشاغل عن كل شيء، حتى كان بعضهم يُفضِّل تعلم القرآن وتعليمه على الجهاد في سبيل الله1؛ إلا أن المؤرخين مختلفون في تعيين أول مَن ألَّف في القراءات. فذهب الأكثر إلى أنه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام "ت224هـ"2. وحسب الإمام ابن الجزري في غاية النهاية3 أنه الإمام أبو حاتم السجستاني "ت255هـ". والراجح: أن الإمام يحيى بن يعمر "ت90 أو 89هـ" هو أول مَن ألَّف في القراءات4.

_ 1 انظر: النشر 1/ 4. 2 انظر: النشر 1/ 33، 34. 3 1/ 320. 4 وفيه مبالغة على حد قول الدكتور/ السيد رزق الطويل؛ لأن القرن الأول لم يكن عصر تأليف وتدوين؛ وإنما هو عصر رواية ونقل "انظر: في علوم القراءات ص35" وما أراه بعيدًا ولا مبالغة فيه، فالتأليف والتدوين الشخصي كمذكرة بدأ منذ عصر الصحابة، وكانوا يجمعون الأحاديث، وقد ذكر أن علم الاحتجاج بالقراءات بدأ التدوين فيه منذ القرن الثاني الهجري "انظر: المدخل والتمهيد، للدكتور/ عبد الفتاح شلبي ص109" فإذا كان كذلك، فكيف لا يتصور بداية التأليف في علم القراءات منذ عصر أئمتها المعروفين أو في عصر من قبلهم من أساتذتهم؟ ولذلك نرى فضيلة الدكتور: محمد سالم محيسن يقول: "وإن تدوين القراءات القرآنية كعلم مستقبل بدأ منذ عصر مبكر" "في رحاب القرآن الكريم 1/ 485" وعلى هذا فلا يستبعد أن يكون الإمام يحيى بن يعمر سجل القراءات التي تعلَّمها من أساتذته، وإن كان التسجيل هذا على غير المنهج العلمي المتبَع في التأليف، ومع ذلك فمن الممكن اعتباره تدوينًا لمادة القراءات. راجع التدوين في القراءات في كتاب: القراءات القرآنية للدكتور/ عبد الهادي الفضلي ص28-35.

أما الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام -فكما حقق الدكتور/ عبد الهادي الفضلي1- أنه سبق بتسعة عشر رجلًا ممن ألَّف في القراءات. وسبق أبو حاتم السجستاني باثنين وثلاثين رجلًا من المؤلفين في القراءات2، وعلى هذا نعتبر أن حركة التدوين في القراءات بدأت منذ أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري، ولو بصورة غير علمية أو غير فنية. ثم أخذت تتطور في القرن الثالث. وبلغت ذورة ازدهارها في القرنين الرابع والخامس، ثم أخذت تنحسر -كما يقول الدكتور/ محمد سالم محيسن- ابتداءً من القرن السادس حتى القرن الثامن، وفي القرن التاسع لا نجد سوى بعض مصنفات تكاد تُعد على الأصابع، وبعد القرن التاسع قَلَّ التصنيف في هذه المادة العلمية، وكانت

_ 1 القراءات القرآنية ص31. 2 المرجع السابق ص32.

جهود العلماء تكاد تكون مقصورة على شرح منظومة الإمام الشاطبي "ت590هـ". ولعل السبب في ذلك يرجع إلى قلة المشتغلين بهذه المادة العلمية؛ نظرًا إلى عزوف الناس عن تلقيها لاستصعابهم إياها1. وممن ألَّف في القراءات من أئمتها المشهورين من القراء العشرة أو تلامذتهم ورواتهم: 1- أبو عمرو بن العلاء "ت154هـ". 2- حمزة بن حبيب الزيات "ت156هـ". 3- علي بن حمزة الكسائي "ت189هـ". 4- إسحاق بن يوسف الأزرق "ت195هـ". 5- يحيى بن المبارك اليزيدي "ت202هـ". 6- يحيى بن آدم "ت203هـ". 7- يعقوب بن إسحاق الحضرمي "ت205هـ". 8- خلف بن هشام البزار "ت229هـ". 9- عبد الله بن أحمد الدمشقي المعروف بابن ذكوان "ت242هـ". 10- أبو عمرو حفص الدوري "ت246هـ". 11- أحمد بن محمد البزي المكي "ت250هـ"1. وقد تتابع التأليف في هذا العلم المبارك حتى وصل إلى عصر ابن مجاهد إلى أكثر من أربعين كتابًا.

_ 1 راجع: في رحاب القرآن الكريم 1/ 486، 487.

ظهور فكرة تحديد القراءات

ظهور فكرة تحديد القراءات: ظهرت فكرة تحديد القراءات منذ القرن الثالث الهجري؛ حيث ألف الإمام أحمد بن جبير "ت258هـ" كتابًا في القراءات وسماه "الخمسة"، وكتب غيره كتابًا وسماه "الثمانية"2؛ ولكن لما كثر القراء وكثرت الروايات عنهم، وأوشك أن يدخل الاضطراب في القراءات فكر الإمام ابن مجاهد "ت324هـ" أن يستخلص قراءات القراء المشهورين بها من أشهر الأمصار الإسلامية التي حملت القراءات عنها. والأمر الذي دعاه إلى ذلك هو: الحفاظ على منهج القراءات لئلا تخرج عن طريق النقل الموثوق به إلى النقل المشكوك فيه، أو عن طريق الرواية والنقل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى طريق

_ 1 راجع: القراءات القرآنية ص29-32. 2 راجع: الإبانة عن معاني القراءات ص63، بتحقيق الدكتور/ محيي الدين رمضان.

الاجتهادات الشخصية؛ ولذلك نراه يقسم القراء في كتابه "السبعة" إلى أربعة أقسام، ومخلص كلامه: 1- من حملة القرآن: مَن هو عالم باللغات ومعاني الكلمات، وبوجوه القراءات وعيوبها، وبالإعراب والآثار، فهو الإمام الذي يفزع إليه. 2- ومنهم مَن يعرب ولا يلحن، يقرأ بلغته ولهجته ولا يقدر على تحويل لسانه، فهو مطبوع على كلامه كالأعراب. 3- ومنهم مَن ليس عنده إلا الأداء بعد السماع، لا يعرف الإعراب ولا اللغة، فهو الحافظ، وقد ينسى فيقرأ بلحن، وقد يكون مصدَّقًا عند الناس فيحملون ذلك عنه. 4- ومنهم مَن يعرف الإعراب والمعاني واللغات ولا يعرف القراءات، فقد يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد قبل، فهو مبتدع1.

_ 1 راجع: كتاب "السبعة" ص45، 46.

مرحلة تسبيع السبعة

مرحلة تسبيع السبعة: أي: الاقتصار على القراءات السبع المشهورة، والمروية من الأئمة الثقات في مؤلَّف خاص، بعد تنقيحها والتثبت من تواترها وقبولها لدى الخواص والعوام. وكان ذلك في القرن الرابع الهجري باختيار إمام القراءات في عصره الإمام أبي بكر بن مجاهد البغدادي "ت324هـ" حيث جمع قراءات القراء السبعة في مؤلَّف وسماه "السبعة"1. ولم يكن ذلك بدعًا منه؛ فقد سُبق هو بفكرة تحديد القراءات، وسُبق بمن ألف في القراءات المشهورة ومن ضمنها قراءات هؤلاء السبعة الذين وقع عليهم اختيار ابن مجاهد. فقد ذكر أن الإمام أبا عبيد "ت224هـ" جمع في كتابه قراءات خمسة وعشرين قارئًا، منهم هؤلاء السبعة2. وكذلك الإمام أحمد بن جبير الكوفي الأنطاكي "ت258هـ" ألَّف في قراءات الخمسة، أخذ من كل مصر واحدًا3. وأبو بكر الداجوني "ت324هـ" ألف كتابه "الثمانية" وزاد على

_ 1 النشر 1/ 34. 2 المرجع السابق. والمراد بـ"الخمسة" الأمصار المشهورة بالقراءات؛ وهي: المدينة، مكة، البصرة، الشام، الكوفة.

هؤلاء السبعة قراءة الإمام يعقوب الحضرمي، وهو من القراء العشرة1. كما ألَّف كل من: القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي "ت282هـ"، وأبي جعفر محمد بن جرير الطبري "ت310هـ" -والأخير من معاصري ابن مجاهد وممن روى عنهم في "السبعة"- ألف كل منهما كتابًا في القراءات المشهورة، منها قراءات هؤلاء السبعة2. غير أن اختيار ابن مجاهد لهؤلاء السبعة وتأليفه "السبعة" في قراءاتهم اشتهر في عالم القراء أكثر من غيره؛ لأنه التزم جمع القراءات المتواترة فقط دون الشواذ حتى ولو رويت عن أحد السبعة، كما اشتهر اختياره لشهرة ابن مجاهد نفسه؛ حيث كان حجة في القراءات، ثقة ثبتًا، فاق في عصره سائر نظرائه في العلم والفَهْم والورع وصدق اللهجة، وكان أكثر القراء تلامذه في عصره، كما أنه كان قد أفرد شواذ القراءات بمؤلَّف خاص3. أما القراء الذين وقع اختيار ابن مجاهد على قراءاتهم هم:

_ 1 راجع: غاية النهاية 2/ 77، والداجوني معاصر لابن مجاهد. 2 راجع: النشر 1/ 34. 3 راجع: غاية النهاية 1/ 142، ومقدمة "السبعة" لمحققه الدكتور/ شوقي ضيف ص17، 18.

1- نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم "ت169هـ" من المدينة. 2- عبد الله بن كثير "ت120هـ" من مكة. 3- أبو عمرو بن العلاء "ت154هـ" من البصرة. 4- عبد الله بن عامر اليحصبي "ت118هـ" من الشام. 5- عصام بن أبي النجود "ت127هـ" من الكوفة. 6- حمزة بن حبيب الزيات "ت156هـ" من الكوفة. 7- علي بن حمزة الكسائي "ت189هـ" من الكوفة. كلهم ممن اشتهرت إمامته، وطال عمره في الإقراء، وارتحل الناس إليه من البلدان1. وقيل في سبب اجتماع الناس على قراءتهم: 1- إنهم تجردوا للقراءة والإقراء، واشتدت عنايتهم بذلك مع تبحرهم العلمي. 2- إن قراءاتهم وجدت مسندة لفظًا وسماعًا حرفًا حرفًا من أول القرآن إلى آخره2.

_ 1 راجع: الإبانة ص63، 64، بتحقيق: د/ محيي الدين رمضان. 2 راجع: القراءات القرآنية ص37.

الأسس التي بنى عليها ابن مجاهد اختياره

الأسس التي بنى عليها ابن مجاهد اختياره: لم ينص ابن مجاهد على منهجه في الاختيار ولا على الأسس التي بنى عليها اختياره؛ وإنما أُخذت تلك الأسس من مواقفه في حياته مع بعض القراء المبتدعين والمقرئين بالقراءات الشاذة، ومن منهجه في كتابه السبعة، وهي تتخلص في أسس ثلاثة: أ- أن تكون القراءة صحيحة السند، حملها رواة موثقون حتى زمن القارئ، ويُؤخذ ذلك من موقفه مع معاصر له ومقرئ معروف، وهو محمد بن الحسن المعروف بابن مِقسَم العطار "ت354هـ"، الذي كان يزعم جواز الاجتهاد في القراءات، فكل قراءة صح لها وجه في العربية، ووافقت رسم المصحف العثماني، جاز القراءة بها -عنده- في الصلاة وغيرها، ولو لم يكن لها سند ولم ينقلها أحد. ومن ذلك قراءته في قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} 1 قرأها "نجباء"، وكان يذكر لها وجهًا بعيدًا مع كونها لم يقرأ بها أحد. وقد رفع ابن مجاهد أمره إلى الحكام، وعُقد له مجلس حضره القضاة والقراء؛ فأذعن بالتوبة من بدعته، واستوهبه

_ 1 يوسف: 80.

ابن مجاهد من ولاة الأمر ببغداد، فلم يوقعوا به أذى1. ب- أن تكون القراءة مطابقة لخط المصحف العثماني: ويُؤخذ ذلك من موقفه مع قارئ آخر وهو المعروف بابن شنبود "ت328هـ" الذي كان يتعمد شواذ القراءات، يقرئ بها ويقرأ بها في الصلوات وغيرها رغم مخالفتها لخط المصحف العثماني، فاشتهر أمره فحاول ابن مجاهد أن يرده إلى جادة الصواب؛ لكنه لم يتوقف عن ذلك فرفع أمره إلى أبي علي ابن مقلة الوزير حينئذ، فاستدعاه وأحضر القضاة والفقهاء والقراء -وفي مقدمتهم ابن مجاهد- وذلك في سنة 323هـ، فحكم عليه بالعقوبة، فضُرب وحُبس؛ فأعلن توبته2. ج- أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه العربية: ويُؤخذ ذلك من منهجه في كتابه"السبعة"؛ حيث إنه يرد بعض القراءات ويرفض صحتها وجواز القراءة بها؛ لأنها لا توافق العربية3.

_ 1 انظر: النشر لابن الجزري 1/ 17، ومقدمة السبعة ص19. 2 مقدمة السبعة ص18، واقرأ قصة تأديبه بالتفصيل في غاية النهاية لابن الجزري 2/ 54، 55. 3 راجع: مقدمة السبعة للدكتور/ شوقي ضيف ص18-20.

تقييم عمل ابن مجاهد

تقييم عمل ابن مجاهد: أخذت القراءات تتكاثر وتزداد، حتى وصل بها بعضهم إلى خمسين قراءة، وأوشك ذلك أن يكون بابًا لدخول شيء من الاضطراب والتحريف على ألسنة القراء، وكان منهم المتقن -كما يقول ابن مجاهد- وغير المتقن، وزدات الطامة بما كان من بعض القراء -مثل ابن شنبوذ- يرويه عن مصحفي أبي بن كعب وابن مسعود -رضي الله عنهما- وبما كان آخرون -مثل ابن مقسم العطار- يستنبطونه بعقولهم من احتمالات القراءة لخط المصحف العثماني، مما جعل الحاجة تشتد إلى شيخ من شيوخ القراء النابهين، يضع الأصول والأركان لقبول القراءات من جهة، وليختار طائفة نابهة من القراء يكتفى بهم عمن سواهم حتى تستطيع عقول أوساط القراء أن تستوعبهم. فجاء ابن مجاهد من اجتهد للأمة والدين، والقرآن العظيم، وبالغ في اجتهاده حتى استصفى سبعة من أئمة القراء في أمصار خمسة، هي أهم الأمصار التي حملت عنها القراءات إلى العالم الإسلامي: "المدينة، مكة، الكوفة، البصرة، الشام". وبذلك أصبح القراء المختارون عنده سبعة، وفي قراءاتهم ألف كتابه "السبعة"، وهو عمل أجمع معاصروه ومَن جاء بعده على إجلاله. غير أن البعض توهم أن ابن مجاهد أراد بذلك إهدار القراءات الأخرى الصحيحة غير السبع.

وتوهم الآخرون أنه يزعم أن كل قراءة من القراءات السبع تمثل حرفًا من الأحرف السبعة. فجاء مَن ألَّف في القراءات بالإفراد "كمفدرة يعقوب لعبد البارئ الصعيدي المتوفى بعد 650هـ". ومنهم من كتب في القراءات الست "كالكافية لهبة الله بن أحمد الحريري ت531هـ". ومنهم من كتب في القراءات الثمان "كالتذكرة لابن غلبون الحلبي ت399هـ". ومنهم من كتب في القراءات العشر "كالجامع لنصر بن عبد العزيز الفارسي ت461هـ". ومنهم من كتب في القراءات الإحدى عشرة "كالروضة للحسن بن محمد البغدادي ت438هـ". ومنهم من كتب في القراءات الثلاثة عشر "كالبستان لابن الجندي ت769هـ". وهكذا من ألَّف في القراءات الخمسة عشر، ومنهم من حذف أحد العشرة ووضع مكانه واحدًا من رواة الشواذ، وتوالت المؤلفات تترًا؛ دفعًا لهذه الأوهامات التي تولدت في عقول بعض الجهلة من العوام أو في عقول بعض ضعفاء العلم

والمعرفة1. والحق أن الإمام ابن مجاهد لم يقصد إهدار بقية القراءات؛ ولكن جعلها وراء السبعة في علم السند والرواية، وجمعها في كتابه "الكبير" الذي كان الأساس الأول للإمام ابن جني، وعليه مدار كتابه "المحتسب" في شواذ القراءات وتوجيهها. ومما يدل على عدم إهداره لبقية القراءات استشهاده في كتابه "السبعة" بقراءات غير القراء السبعة؛ كقراءة الإمام أبي جعفر، وقراءة الإمام شيبة بن نصاح، وغيرهما2. وقد اختار ابن مجاهد ما اختاره من القراءات؛ لأنه أراد البلاد الإسلامية الشهيرة بالمقرئين، فاختار منها أضبط القراء -في رأيه- فصادف العدد "السبعة"، ولم يقصد العدد "السبعة" لذاته3، فكان اقتصاره على السبعة محض اتفاق دون قصد منه، كما ظن البعض. أما أن بعض العامة سبق إلى ذهنه أن ابن مجاهد اعتقد أن القراءات السبع هي الحروف السبعة، فهو ليس مسئولًا عن خطأ غيره أو وهمهم، ولو ظن ذلك لأبطل بقية القراءات، والواقع عكس ذلك؛ حيث إنه لم يحكم على بقية

_ 1 راجع كلام الناس في الإمام ابن مجاهد واعتراضاتهم عليه في كتاب "التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن" للشيخ طاهر الجزائري ص112-114. 2 راجع: مقدمة السبعة ص22، 28، 29. 3 انظر: "الأحرف السبعة" لحسن ضياء الدين عتر ص349-352.

القراءات بعدم التواتر أو بالشذوذ؛ وإنما رآها وراء السبع في المرتبة. ونحن نرى أن أحدًا لم يستطع أن يراجع الإمام ابن مجاهد فيمن رأى تقديمه من القراء السبعة على غيرهم، فقد ارتضاهم علماء الأمة جميعًا، وارتضوا اجتهاده في تقديمهم. وإذا أمعنا النظر في السبعة التالين لسبعته وجدنا أولهم الإمام أبا جعفر المدني أستاذ الإمام نافع المدني، وكأن ابن مجاهد اكتفى بالتلميذ عن الأستاذ؛ لأن قراءته وإن كانت مأخوذة من قراءة شيخه؛ لكنها أكثر شيوعًا على ألسنة الناس من القراء وغيرهم في المدينة وما حولها. وكذلك اكتفى بقراءة الإمام أبي عمرو البصري عن قراءة تلميذيه: يعقوب الحضرمي ويحيى اليزيدي؛ لعلو مكانة شيخهما في القراءات واللغة وقبوله لدى الناس. ولعله ترك قراءة الإمام خلف البزار الكوفي؛ لأن قراءته لا تخرج عن قراءات الكوفيين في حرف ما1. وأيضًا لعله ترك قراءة الأعمش -شيخ الإمام حمزة- للسبب نفسه، ولما في قراءته من شذوذ. وقد ذكر ابن مجاهد بنفسه في حديثه عن ابن كثير المكي أن أهل مكة لم يجمعوا على قراءة ابن محيصن -وهو مكي كذلك- كما أجمعوا على قراءة ابن كثير؛ بل إن أصحاب

_ 1 النشر 1/ 191، ومنجد المقرئين ص50.

ابن محيصن لم يتبعوه في اختياره1. ويقول ابن الجزري في قراءته: "ولولا ما فيها من مخالفة المصحف لألحقت بالقراءات المشهورة"2. فالإمام ابن مجاهد لم يختر السبعة ولم يقتصر عليهم إلا بعد اجتهاد طويل ومراجعة متأنية في السندات الطوال غير مدخر جهدًا ولا قوة، وكان موفقًا في استخلاصه لتلك القراءات المتواترة، ثم تبعه في ذلك جمهور العلماء والقراء وحملوا عنه القراءات السبع، وصار كتابه هو المعول عليه والمرجع الأساسي لكل من أتى بعده، فألفوا مصنفاتهم على ضوئه على ما هو معروف عن الإمامين الجليلين: أبي عمرو الداني -مؤلف كتاب التيسير في القراءات السبع- وأبي محمد القاسم بن فيرة الشاطبي -ناظم حرز الأماني- وغيرهما من العلماء، فقد أجمعوا على تواترها، وألحق بها الإمام ابن الجزري قراءات الثلاثة. فالإمام ابن مجاهد بعمله -تسبيع السبع- قدم للأمة عملًا باهرًا؛ لأن كثرة الروايات في القراءات كان قد أدى إلى ضرب من الاضطراب عند طائفة من القراء غير المتقنين، وأخذ كثيرون يحاولون أن يختاروا من القراءات لأنفسهم خاصة لينفردوا بها، كما عرف عن ابن شنبوذ وابن مقسم

_ 1 انظر: السبعة ص65. 2 غاية النهاية 2/ 167.

العطار. وباختياره السبعة درأ عن القراءات مزلات توشك أن تقع فيها، ودرأ عن القراء اضطرابهم وخلطهم. ومما يدل على إخلاص الإمام ابن مجاهد في عمله في القراءات: ما يروى أن بعض تلامذته ممن بهرته سَعَة روايته للقراءات وعلمه بوجوهها وضبطه لحروفها رغم كثرتها قال له: لِمَ لا تختار لنفسك قراءة تحمل عنك؟ فأجابه الإمام بقوله: "نحن إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا"1. وبهذا نرى أن ابن مجاهد وهب نفسه للوقوف على القراءات واستيعابها، ولم يفكر في أن يفرد لنفسه قراءة يشتهر بها وتُعرف به وتُحمل عنه، ولو فكر في ذلك لاستطاع في يسر وسهولة؛ ولكن لم تكن هذه وجهته؛ وإنما كانت وجهته أن يستخلص للأمة أهم القراءات الموثوقة التي شاعت وذاعت في الأمصار الإسلامية2.

_ 1 معرفة القراء الكبار 1/ 271، وغاية النهاية 1/ 142. 2 راجع: مقدمة "السبعة" لمحققه الدكتور/ شوقي ضيف ص20-27.

المبحث الثاني: أركان القراءة الصحيحة

المبحث الثاني: أركان القراءة الصحيحة مدخل ... المبحث الثاني: أركان القراءة الصحيحة "شروط قبول القراءات " أ- يرى المتقدمون الشروط التالية لقبول القراءات: 1-أن يكون لها وجهٌ قويٌّ في العربية. 2- أن تكون موافقة لرسم المصحف العثماني. 3- أن تجتمع العامة عليها. والمقصود من العامة عندهم: أهل الحرمين، أو أهل المدينة والكوفة. وربما جعلوا الاختيار لما اتفق عليها: نافع وعاصم؛ لأن قراءتهما أوثق القراءات وأصحها سندًا، وأفصحها في العربية، ويتلوهما في الفصاحة قراءة أبي عمرو والكسائي1. ب- ثم تطور هذا المقياس الضابط للتفرقة بين القراءة الصحيحة وغيرها إلى ما يلي: 1- صحة السند. 2- موافقة العربية. 3- موافقة رسم المصحف العثماني. وعلى ضوء هذا المقياس قسموا القراءات إلى: 1- صحيحة: وهي ما توافرت فيها الشروط المذكورة. 2- غير صحيحة: وهي ما اختل فيها ركن من الأركان

_ 1 راجع: الإبانة لمكي بن أبي طالب ص65، بتحقيق: الدكتور/ محيي الدين رمضان.

الثلاثة المذكورة. ج- ثم تطور هذا المقياس إلى شيء من التوسع في الشرطين: الثاني والثالث، فجاءت الشروط -كما ذكرها ابن الجزري -هكذا: 1- أن تكون القراءة صحيحة السند1. 2- أن توافق العربية ولو بوجه. 3- أن توافق أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا. قال الإمام ابن الجزري في "الطيبة": فكلما وافق وجه نحو ... وكان للرسم احتمالًا يحوي وصح إسنادًا هو القرآن ... فهذه الثلاثة الأركان وحيثما يختل ركن أثبت ... شذوذه لو أنه في السبعة2 واختلفوا في مستوى صحة السند: فذهب الجمهور إلى اشتراط التواتر؛ لأنها قرآن وهو لا يثبت إلا بالتواتر، واكتفى البعض بالشهرة والاستفاضة؛ لأن الاستفاضة تفيد القطع المطلوب في إثبات قرآنية القراءة، منهم أبو شامة -شارح الشاطبية- والإمام ابن الجزري. د- وأخيرًا، أجمعت الأمة على الأركان التالية لقبول

_ 1 أي: يرويها عدل ضابط عن مثله من أول السند إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة قادحة. 2 طيبة النشر ص3.

القراءات: 1- أن تكون القراءة متواترة. 2- أن تكون موافقة للعربية ولو بوجه. 3- أن تكون موافقة لأحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا. شَرْحُ هذه الأركان الثلاثة الأخيرة: 1- التواتر: هو نقل جماعة عن جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب، من أول السند إلى منتهاه، من غير تعيين في العدد1. والتواتر شرط أساسي عند الجمهور لقبول القراءة2، ولا يرون الاكتفاء بصحة السند؛ ولذلك عرَّفوا القرآن بأنه: ما نُقل إلينا بين دفتي المصحف نقلًا متواترًا جيلًا بعد جيل3. فثبت بذلك أن ما ليس بمتواتر لا يسمى قرآنًا، ولا يقرأ به تعبدًا.

_ 1 انظر: بهجة النظر لأبي الحسن السندي الصغير ص14، 15، بتحقيق: العلامة/ غلام مصطفى القاسمي السندي. 2 بل حُكي الإجماع على ذلك -كما سيأتي- وانظر مقدمة كتاب "حجة القراءات" لابن زنجلة ص12. 3 انظر: روضة الناظر لابن قدامة المقدسي ص34، ط أحمد الباز، مكة المكرمة، عام 1401هـ.

قول مكي بن أبي طالب وابن الجزري في شروط قبول القراءات: قيل: إن مكي بن أبي طالب لا يشترط التواتر؛ حيث قال: "القراءات الصحيحة ما صح سندها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وساغ وجهها في العربية، ووافقت خط المصحف". والحق أنه يشترط التواتر، كما تدل عبارته في الإبانة؛ حيث قسم القراءات إلى ثلاثة أقسام، وقال في القسم الأول: "قسم يقرأ به اليوم، وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال؛ وهي: أن ينقل عن الثقات إلى النبي صلى الله عليه وسلم ... ". وقال في القسم الثاني: "ما صح نقله عن الآحاد ... "1. فكلمة "الثقات" بالجمع تدل دلالة واضحة على اشتراطه التواتر، كما أن تعريفه للقسم الثاني يدل على أن مقصوده من القسم الأول هو المتواتر، ثم عدم جواز أخذ القرآن بأخبار الآحاد لديه يدل على أنه يرى التواتر شرطًا

_ 1 الإبانة ص39، بتحقيق: الدكتور/ محيي الدين رمضان.

لقبول القراءات1. أما الإمام ابن الجزري، فقد صرح بعدم اشتراطه التواتر؛ حيث قال: "ولقد كنت قبل أجنح إلى هذا القول ثم ظهر فساده ... "2. وقوله هذا إشارة إلى ما قاله في كتابه "منجد المقرئين" باشتراط التواتر، ورجح فيه تواتر القراءات الثلاث المتممة للعشر؛ بل بالغ في الرد على الإمام ابن الحاجب الذي قال بتواتر الفرش دون الأصول3. ثم رجع عن هذا القول إلى ما أثبته في كتابه "النشر في القراءات العشر"4. وبهذا نرى أن الإمام ابن الجزري رجع من قوله السابق إلى عدم اشتراط التواتر لقبول القراءات، وهذا

_ 1 انظر: الإبانة ص31، 39، وفي الحقيقة من قرأ كتابه "الإبانة" لا يشك في أنه يشترط التواتر لقبول القراءات. 2 النشر 1/ 13، واقرأ ما قاله قبل ذلك من قوله: وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن، ولم يكتف فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن، وهذا مما لا يخفى ما فيه؛ فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره. 3 منجد المقرئين ص57، ط دار الكتب العلمية، بيروت. 4 واقرأ "في رحاب القرآن الكريم" للدكتور/ محمد سالم محيسن 1/ 417 وما بعدها.

الذي عبر عنه في نظمه بقوله: وصح إسنادًا هو القرآن1، ولا يضر عدم اشتراط ابن الجزري للتواتر، فغيره قد اشترط التواتر؛ بل أجمعت الأمة أو تكاد تجمع على اشتراطه. يقول الإمام أبو القاسم النويري في شرحه على طيبة النشر: وقوله: "وصح إسنادًا" ظاهره أن القرآن يكتفى في ثبوته -مع الشرطين المتقدمين- بصحة السند فقط ولا يحتاج إلى تواتر، وهذا قول حادث مخالف لإجماع الفقهاء والمحدثين وغيرهم، ولقد ضل بسبب هذا القول قوم فصاروا يقرءون أحرفًا ولا يصح لها سند أصلًا، ويقولون: التواتر ليس بشرط2. والقرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة -منهم: الغزالي، وصدر الشريعة، وموفق الدين المقدسي، وغيرهم- هو: "ما نقل بين دفتي المصحف نقلًا متواترًا". فالتواتر جزء من الحد، فلا يتصور ماهية القرآن إلا به؛ وحينئذ فلا بُدَّ من حصول التواتر عند أئمة المذاهب الأربعة

_ 1 الطيبة ص3. 2 شرح طيبة النشر للنويري 1/ 119، وراجع: غيث النفع للصفاقسي على هامش سراج القارئ ص17.

ولم يخالف منهم أحد، وصرح به جماعات لا يحصون: كابن عبد البر، وابن عطية، وابن تيمية، والنووي، والزركشي، وابن الحاجب، وغيرهم. وأما القراء فأجمعوا في أول الزمان على ذلك، وكذلك في آخره، ولم يخالف من المتأخرين إلا أبو محمد مكي، وتبعه بعض المتأخرين. قال الإمام الجعبري في شرح الشاطبية: "ضابط كل قراءة تواتر نقلها، ووافقت العربية مطلقًا، ورسم المصحف ولو تقديرًا؛ فهي من الأحرف السبعة، وما لا تجتمع فيه فشاذ"1. وممن قال باشتراط التواتر من القراء: الإمام أبو القاسم الصفراوي "ت636هـ"، والإمام الداني "ت444هـ"، وأبو القاسم الهذلي "ت465هـ"، وأبو الحسن السخاوي "ت902هـ"، وغيرهم من كبار القراء2. وباشتراط التواتر قال كل من الغزالي في المستصفى، وصاحب مسلم الثبوت في كتابه في الأصول،

_ 1 انظر: المرجع السابق، والقراءات الشاذة للشيخ القاضي ص5، 6. 2 راجع: شرح الطيبة للنويري 1/ 122-129.

والسيوطي في الإتقان1. 2- موافتها لوجه من وجوه اللغة العربية: ويكتفي في ذلك بمجرد موافقتها لوجه من وجوه اللغة العربية؛ أي: سواء كان هذا الوجه أفصح أم فصيحًا، مجمعًا عليه أو مختلَفًا فيه، ما دامت القراءة صحيحة الإسناد، وموافقة لأحد المصاحف العثمانية، فلا يضرها كون الوجه ضعيفًا من حيث اللغة؛ كقراءة الإمام حمزة بجر كلمة "والأرحام" من قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} 2. حيث قرأ الباقون بالنصب عطفًا على لفظ الجلالة. وقرأ الإمام حمزة بالجر في "والأرحام" عطفًا على الضمير المجرور في "به" على مذهب الكوفيين. أو على أن الجار أعيد؛ ولكنه حذف للعلم به. أو على القسم؛ تعظيمًا للأرحام وحثًّا على صلتها -على قول البصريين- وجوابه "الله"3. فقراءة الإمام حمزة صحيحة من حيث اللغة على كلا الوجهين، ولا قدح فيها، لا من حيث تواترها، ولا من حيث

_ 1 راجع أقوالهم ونصوصهم بالتفصيل في "مناهل العرفان" 1/ 431-434. 2 سورة النساء: 1. 3 انظر: إتحاف فضلاء البشر للدمياطي 1/ 501، 502، وكتاب الدفاع عن القرآن للدكتور/ أحمد مكي الأنصاري ص1-31.

موافقتها لوجه من وجوه اللغة. فمتى ما صحت القراءة وثبتت فلا يردها قياس عربية ولا فُشُو لغة؛ لأن القراءة سُنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها1. يقول الدكتور الزرقاني: "فإن علماء النحو إنما استمدوا قواعده من كتاب الله تعالى وكلام رسوله وكلام العرب، فإذا ثبتت قرآنية القرآن بالرواية المقبولة كان القرآن هو الحكم على علماء النحو وما قعَّدوا من قواعد، ووجب أن يرجعوا هم بقواعدهم إليه، لا أن نرجع نحن بالقرآن إلى قواعدهم المخالفة نحكمها فيه، وإلا كان ذلك عكسًا للآية وإهمالًا للأصل في وجوب الرعاية"2. فثبوت القراءة سندًا هو الأصل الأعظم، والركن الأقوم، وهو المختار عند المحققين، وكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم ولم يعتبر إنكارهم؛ بل أجمع الأئمة المقتدَى بهم من السلف على قبولها3. يقول الإمام أبو عمرو الداني: "وأئمة القراء لا تعتمد في شيء من حروف القرآن

_ 1 انظر: النشر 1/ 10. 2 مناهل العرفان 1/ 422. 3 راجع: النشر 1/ 10، واقرأ في إنكار بعض النحاة واللغويين لبعض القراءات المتواترة والرد عليهم بكلام الإمام ابن الجزري في كتابه "منجد المقرئين" ص64 وما بعدها.

على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية؛ بل على الأثبت في الأثر، والأصح في النقل والرواية"1. 3- موافقتها لأحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا: والمراد من موافقتها لأحد المصاحف: ما كان ثابتًا في بعضها دون بعض؛ كقراءة ابن عامر: "قالوا اتخذ الله ولدًا سبحانه"2 بغير واو قبل "قالوا"؛ لعدم وجودها في المصحف الشامي. وكقراءته بزيادة الباء في الاسمين من قوله تعالى: "وبالزبر وبالكتاب المنير"3؛ وذلك لثبوت الباء في ذلك المصحف. وكقراءة ابن كثير بزيادة "مِنْ" في الموضع الأخير من سورة التوبة في قوله تعالى: "جنات تجري من تحتها الأنهار"4؛ وذلك لثبوتها في المصحف المكي. إلى غير ذلك من المواضع الكثيرة في القرآن الكريم التي اختلفت المصاحف فيها، فوردت القراءة عن أئمة تلك الأمصار على موافقة مصحفهم، فلو لم يكن لها وجود في أحد من المصاحف

_ 1 النشر 1/ 10. 2 البقرة: 116. 3 آل عمران: 184. 4 التوبة: 100.

العثمانية لكانت القراءة بها شاذة لمخالفتها للرسم المجمَع عليه. والمراد من جملة "ولو احتمالًا": ما يوافق الرسم ولو تقديرًا؛ لأن موافقة القراءات للرسم قد تكون تحقيقًا وصريحًا، وقد تكون تقديرًا واحتمالًا، مثل قوله تعالى: "ملك يوم الدين"1. فقد كُتبت كلمة "ملك" في الفاتحة بدون ألف في جميع المصاحف، وقُرئت بإثبات الألف بعد الميم على وزن "فاعل"، وبدونها على وزن "فَعِل"، والقراءتان متواترتان. فقراءتها بحذف الألف موافقة للرسم تحقيقًا وصريحًا، كما كتب وقرئ "ملِكِ الناس"2 بدون ألف بعد الميم. وقراءتها بالألف محتملة تقديرًا، كما كتب: "قل اللهم ملك الملك"3 بدون ألف وقرئ بالألف فقط، والألف تحذف في الكتابة اختصارًا؛ كما في أسماء الأفعال "قادر" و"صالح" وما إلى ذلك4. وللعلم أن موافقة اختلافات القراءات للرسم تحقيقًا

_ 1 الفاتحة: 3. 2 الناس: 2. 3 آل عمران: 26. 4 راجع: النشر 1/ 11-13.

كثيرة، نحو: {مِنْ أَنْصَارٍ} 1، و {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ} 2. حيث قرئت كلمتا: "أنصار" و"فنادته" بالفتح والإمالة، والقراءتان موافقتان للرسم تحقيقًا. ونحو قوله تعالى: {نَغْفِرْ لَكُمْ} 3 بالياء "يُغْفَر لكم" وبالنون "نَغْفِرْ لكم" وبالتاء "تُغْفَر لكم"، وكلمة {تَعْلَمُونَ} 4 بالياء وبالتاء. كل ذلك يحتمله الرسم تحقيقًا؛ لخلو المصاحف العثمانية من النقط والشكل. والمخالف لصريح الرسم في حرف مدغم أو مبدل أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك لا يعد مخالفًا إذا ثبتت القراءة به؛ ومن ثَمَّ لم يعدوا إثبات ياءات الزوائد أو حذفها من مخالفة الرسم المردودة؛ لأن الخلاف في ذلك يغتفر؛ إذ هو قريب يرجع إلى معنى واحد، وتمشيه صحة القراءة وشهرتها وتلقيها بالقبول، وذلك بخلاف زيادة كلمة ونقصانها، أو تقديمها وتأخيرها، حتى ولو كانت حرفًا واحدًا من حروف المعاني؛ فإن حكمه في حكم الكلمة، ولا يجوز مخالفة الرسم فيه، وهذا هو الحد الفاصل في حقيقة اتباع الرسم ومخالفته5.

_ 1 المائدة: 72. 2 آل عمران: 39. 3 البقرة: 58. 4 البقرة: 74. 5 راجع النشر: 1/ 12-13.

القراءات التي تتوفر فيها الشروط المتقدمة

القراءات التي تتوفر فيها الشروط المتقدمة: القراءات التي تتوفر فيها الشروط المتقدمة المتفق عليها عند الجمهور: هي القراءات السبع التي تُنسب إلى الأئمة السبعة المشهورين الذين اختارهم الإمام ابن مجاهد، وألف في قراءاتهم كتابه "السبعة". وهذا القسم من القراءات يجب على المسلم اعتقاد قرآنيته، وأنه منزَّل من الله تعالى، ويقرأ به للتعبد في الصلاة وخارجها، وجحود حرف منه يستلزم الكفر والعياذ بالله1. يقول الإمام ابن السبكي في جمع الجوامع: "القراءات السبع متواترة تواترًا تامًّا ... ولا يضر كون أسانيد القراء آحادًا؛ إذ تخصيصها بجماعة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم؛ بل هو الواقع، فقد تلقاها عن أهل كل بلد بقراءة إمامهم الجم الغفير عن مثلهم، وهلم جرًّا، وإنما أسندت إلى الأئمة المذكورين ورواتهم المذكورين في

_ 1 راجع آراء العلماء في القراءات السبع في "منجد المقرئين" ص57-70، ومناهل العرفان 1/ 435 وما بعدها.

أسانيدهم؛ لتصديهم لضبط حروفها وحفظ شيوخهم الكمل فيها1. أما ما ذهب إليه ابن الحاجب من أن "القراءات السبع متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمزة ونحوه ... ". وما ذهب إليه أبو شامة المقدسي من أن "القراءات السبع متواترة فيما اتفقت الطرق على نقله عن القراء، أما ما اختلفت الطرق في نقله عنهم فليس بمتواتر ... " فكل ذلك كلام لا يحالفه الصواب ولا يسلم لهما، وهما في ذلك على خلاف ما ذهب إليه الجمهور2. وهذا القسم من القراءات هو ما كتب فيه كثير من الأئمة القراء، ومن أشهرهم الإمام أبو عمرو الداني "ت444هـ" الذي ألَّف فيه كتابه "التيسير" الذي نظمه الإمام الشاطبي في قصيدته اللامية المعروفة بـ"الشاطبية"، وقد رويت فيهما القراءات السبع بالطرق التالية:

_ 1 مناهل العرفان 1/ 436، 437. 2 راجع: منجد المقرئين ص57-70، ومناهل العرفان 1/ 437-440.

وتلحق بهذا القسم القراءات الثلاث التي أثبت الإمام ابن الجزري تواترها، ورد على مَن أنكر تواترها أو قدح فيها، واستفتى فيها علماء عصره فوافقواه في حكم التواتر عليها، وهي القراءات التي تنسب إلى كل من: 1- الإمام أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني ت128هـ. 2- الإمام يعقوب بن إسحاق الحضرمي ت205هـ. 3- الإمام خلف بن هشام البزار البغدادي ت229هـ. وقد عقد الإمام ابن الجزري فصلًا مستقلًّا في كتابه "منجد المقرئين" لبيان تواتر القراءات العشر1. واتفق الجمهور على أن ما وراء العشر فكلها شاذة. يقول الإمام ابن الجزري: "والذي جمع في زماننا هذه الأركان الثلاثة هو قراءة الأئمة العشرة التي أجمع الناس على تلقيها بالقبول، أخذها الخلف عن السلف إلى أن وصلت إلى زماننا، فقراءة أحدهم كقراءة الباقين في كونها مقطوعًا بها، أما قول من قال: إن القراءات المتواترة لا حد لها، فإن أراد القراءات المعروفة في زماننا، فغير صحيح؛ لأنه لا يوجد اليوم قراءة متواترة وراء القراءات العشر، وإن أراد ما يشمل قراءات الصدر الأول فيحتمل إن شاء الله"2. وقال ابن السبكي في جمع الجوامع: "والصحيح أن ما وراء العشر فهو شاذ"3.

_ 1 راجع: منجد المقرئين لابن الجزري ص57 وما بعدها. 2 المرجع السابق ص15، 16، وراجع: مناهل العرفان 1/ 466 وما بعدها. 3 منجد المقرئين ص16، وغيث النفع للصفاقسي ص18.

أشهر الكتب المؤلفة في القراءات المتواترة

أشهر الكتب المؤلفة في القراءات المتواترة: لقد أُلفت كتب كثيرة في القراءات المتواترة؛ ولكن معظمها مخطوط ولم تُعطَ حقها من الرعاية والتحقيق، وفيما يلي ذكر لبعض أشهر الكتب المؤلفة في القراءات السبع والثلاث أو العشر من حيث المجموع؛ فمنها: 1- "السبعة" لأبي بكر بن مجاهد "ت324هـ" طبع بتحقيق: الدكتور/ شوقي ضيف. 2- "التيسير في القراءات السبع" لأبي عمرو الداني "ت444هـ" طبع بتصحيح المستشرق: أوتوبرتزل. 3- "التبصرة في القراءات السبع" لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيرواني "ت437هـ" طبع بتحقيق: الدكتور/ محمد غوث الندوي. 4- "الإقناع في القراءات السبع" لأبي جعفر ابن الباذش الأنصاري "ت540" طبع في مجلدين بتحقيق: الدكتور/

عبد المجيد قطامش - جامعة أم القرى. 5- "تحبير التيسير" لابن الجزري "ت833هـ" مطبوع. 6- "جامع البيان في القراءات السبع" لأبي عمرو الداني، وقد حقق الدكتور/ عبد المهيمن طحان جزءًا منه، ولم يطبع بعد. 7- "حرز الأماني ووجه التهاني" المعروف بـ"الشاطبية" للإمام القاسم بن فيرة الشاطبي "ت590هـ" مطبوع ومتداول. 8- "فتح الوصيد" للإمام السخاوي "ت643هـ"، وهو أول شرح للشاطبية، ولم يطبع. 9- "كنز المعاني" لمحمد بن أحمد الموصلي المعروف بـ"شعلة" "ت656هـ"، مطبوع. 10- "إبراز المعاني" لأبي شامة المقدسي "ت665هـ" مطبوع. 11- "كنز المعاني" للإمام الجعبري "ت732هـ". 12- "سراج القارئ المبتدئ" لأبي قاسم علي بن عثمان المعروف بابن القاصح البغدادي "ت801هـ" مطبوع. 13- "غيث النفع في القراءات السبع" للصفاقسي، طبع على هامش كتاب: سراج القارئ لابن القاصح. 14- "الوافي في شرح الشاطبية" للشيخ/ عبد الفتاح القاضي، مطبوع.

15- "الإرشادات الجلية في القراءات السبع" للدكتور/ محمد سالم محيسن، مطبوع. 16- "التذكرة في القراءات الثمان" للإمام/ طاهر بن غلبون "ت399هـ"، طبع في مجلدين بتحقيق الشيخ/ أيمن سويد. 17- "المبسوط في القراءات العشر" لأبي بكر بن مهران الأصبهاني النيسابوري "295-381هـ" طبع في مجلد واحد بتحقيق سبيع حمزة حاكمي. 18- "الغاية في القراءات العشر" لابن مهران، طبع بتحقيق: محمد غياث الجنباز. 19- "التخليص في القراءات الثمان" لأبي معشر الطبري "ت478هـ" تحقيق: محمد حسن عقيل موسى. 20- "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري "ت833هـ"، طبع في مجلدين بتصحيح الشيخ/ علي محمد الضباع، وبتحقيق الدكتور/ شعبان محمد إسماعيل. 21- "تقريب النشر في القراءات العشر" لابن الجزري، مطبوع في مجلد واحد. 22- "طيبة النشر في القراءات العشر" لابن الجزري، منظومة في القراءات العشر الكبرى، مطبوع. 23- "البدور الزاهرة في القراءات العشر" "الصغرى" للشيخ/ عبد الفتاح القاضي، مطبوع.

24- "المهذب في القراءات العشر" "الكبرى" للدكتور/ محمد سالم محيسن، مطبوع. 25- "الدرة المضيئة في القراءات الثلاث" لابن الجزري، منظومة. 26- "التذكرة في القراءات الثلاث من طريق الدرة" للدكتور/ محمد سالم محيسن، مطبوع في مجلدين. وهناك رسائل ومنظومات أخرى في بعض الروايات المفردة منها مطبوع ومنها ما لم يطبع بعد.

أمثلة لبعض القراءات المتواترة

أمثلة لبعض القراءات المتواترة: تجري القراءات المتواترة -وهي العشر التي مر ذكرها سابقًا- في القرآن كله؛ ولكن نمثل لها من خلال سورة الفاتحة فقط: 1- قوله تعالى: "ملك يوم الدين"1. قرأ عاصم والكسائي ويعقوب وخلف بالألف "مالك" على وزن "فاعل". والباقون بدون ألف "مَلِك" على صيغة صفة مشبهة. قال الشاطبي: ومالك يوم الدين روايه ناصر2 ... .............................. ويقول ابن الجزري: ومالك حزفز3. 2- كلمة "الصراط" المعرفة بـ"أل" و"صراط" غير المعرفة بـ"أل". قرأ قنبل عن ابن كثير ورويس عن يعقوب بالسين الخالصة؛ حيث وقعتا في القرآن الكريم. وقرأ خلف عن حمزة بإشمام الصاد بالزاء حيث وقعتا، وقرأ خلاد مثل خلف في الموضع الأول فقط وهو {اهْدِنَا

_ 1 الفاتحة: 3. 2 متن الشاطبية البيت رقم: 108. 3 متن الدرة المضيئة البيت رقم: 10.

الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} في الفاتحة. والباقون بالصاد الخالصة في جميع القرآن ومعهم خلاد. وكيفية الإشمام هنا: أن تخلط لفظ الصاد بالزاء وتمزج أحد الحرفين بالآخر بحيث يتولد منهما حرف ليس بصاد خالصة ولا بزاء خالصة؛ ولكن يكون صوت الصاد متغلبًا على صوت الزاء، وهو المراد من الإشمام، ويكون النطق -كما يقول الشيخ عبد الفتاح القاضي رحمه الله- كنطق العوام لحرف الظاء1. قال الشاطبي: .............................. ... وعند سراط والصراط لـ"قنبلا" بحيث أتى والصاد زايا أشمها ... لدى خلف واشمم لخلاد الأولا2 وقال ابن الجزري: ................................... ... ............. والصراط فـ"استجلا" وبالسين طـ"ب"3................ ... .................................. 3- {عَلَيْهِمْ} قرأ ابن كثير وأبو جعفر وقالون بخلف عنه -أي: في أحد وجهيه- بضم ميم الجمع حالة الوصل مع وصلها

_ 1 انظر: البدور الزاهرة ص13، ط مصر عام 1375هـ. 2 متن الشاطبية رقم البيتين: 108، 109. 3 متن الدرة، رقم البيتين: 10، 11.

بواو لفظًا، وهو ما يُسمى في عرف القراء "بالصلة". والباقون بإسكان الميم وصلًا ووقفًا. وقرأ حمزة ويعقوب بضم الهاء وصلًا ووقفًا، والباقون بكسرها مطلقًا. قال الشاطبي: عليهم إليهم حمزة ولديهمو ... جميعًا بضم الهاء وقفًا وموصلا وصل ضم ميم الجمع قبل محرك ... دراكًا وقالون بتخييره جلا1 وقال ابن الجزري: واكسر عليهم إليهم لديهم ... فتى والضم في الهاء حللا عن الياء إن تسكن سوى الفرد ... ...........................2

_ 1 متن الشاطبية، رقم البيتين: 110، 111. 2 متن الدرة، رقم البيتين: 11، 12.

المبحث الثالث: القراءات الشاذة

المبحث الثالث: القراءات الشاذة تعريفها لغة واصطلاحا ... المبحث الثالث: القراءات الشاذة تعريغها لغة واصطلاحا: تعريف الشاذ: لغة من الشذوذ بمعنى: الانفراد، شذ يشذ شذوذًا، يقال شذ الرجل: إذا انفرد عن أصحابه واعتزل منهم، وكل شيء منفرد فهو شاذ1. واصطلاحًا: "كل قراءة فقدت أحد الأركان الثلاثة لقبولها". بحيث إنها: 1- لم تكن متواترة. 2- أو خالفت رسم المصاحف العثمانية كلها. 3- أو لم يكن لها أصل في اللغة العربية، فهي شاذة. وقيل: الشاذ: ما ليس بمتواتر2. فكأنَّ القراءة التي لم تصل إلى درجة التواتر -عند الجمهور- أو إلى الشهرة أو الاستفاضة - عند ابن الجزري ومَن معه- فهي شاذة؛ لأن الأصل في قبول أي قراءة هو

_ 1 انظر: لسان العرب، والقاموس المحيط مادة "ش ذ ذ". 2 راجع: غيث النفع للصفاقسي ص18، ومنجد المقرئين لابن الجزري ص17، 18. وعلى هذا لا يعتبر شاذًّا ما رُوي بالمعنى أو ما نقل من الروافض والمعتزلة وغيرهم من الفِرَق الباطلة من القراءات الموضوعة.

وصولها إلى درجة التواتر، أما الشرطان الأخيران فللاستئناس بهما؛ لأنه لا توجد قراءة متواترة مخالفة للشرطين الأخيرين أو أحدهما، أما القراءة غير المتواترة فقد تكون مخالفة للشرط الثاني أو تكون مخالفة للشرط الثالث، وهذا هو حال جميع القراءات الشاذة. ولا توجد قراءة متواترة لم يقرأ بها أحد القراء العشرة المشهورين، فعلى هذا لنا أن نقول: إن القراءات الشاذة هي ما وراء القراءات العشر المتواترة المتداوَلة والمروية من القراء العشرة المعروفين1. يقول الإمام النويري رحمه الله تعالى: "أجمع الأصوليون والفقهاء على أنه لم يتواتر شيء مما زاد على القراءات العشرة، كذلك أجمع عليه القراء أيضًا إلا من لا يعتد بخلافه"2. وقال ابن الجزري: "والذي جمع في زماننا الأركان الثلاثة هي قراءة

_ 1 انظر: إتحاف فضلاء البشر 1/ 71، والقراءات الشاذة للشيخ القاضي ص6، 7. 2 شرح طيبة النشر للإمام النويري 1/ 131.

الأئمة العشرة التي أجمع الناس على تلقيها بالقبول"1. وقال: "وقول من قال: إن القراءات المتواترة لا حد لها، إن أراد في زماننا فغير صحيح؛ إذ لا يوجد اليوم قراءة متواترة وراء العشرة، وإن أراد في الصدر الأول فيحتمل إن شاء الله"2. وقال -رحمه الله- نقلًا عن ابن السبكي: "والصحيح أن ما وراء العشرة فهو شاذ"3. وعلى هذا، فالقراءات المروية بطريق الآحاد أو المدرجة -وهي التي زيدت في القراءات على وجه التفسير- تندرج تحت الشاذة، أما التي لا سند لها مطلقًا أو ما روي بالمعنى فلا تدخل في تعريفها.

_ 1 منجد المقرئين ص15. 2 المرجع السابق ص16. 3 المرجع السابق نفسه.

زمن شذوذ القراءات

زمن شذوذ القراءات: هنا سؤال يطرح نفسه؛ وهو أنه: متى تميزت القراءات المتواترة عن القراءات الشاذة؟ وبتعبير آخر: متى شذت القراءات؟ وللإجابة على ذلك رأيت قولين لعلماء القراءات من المعاصرين: 1- قول الدكتور/ محمد سالم محيسن: وخلاصة قوله: إن الحد الفاصل بين القراءات الصحيحة والشاذة هو: العرضة الأخيرة التي عرض فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- القرآن الكريم على جبريل -عليه السلام- مرتين في شهر رمضان، وقد نسخت فيها بعض الآيات القرآنية، فكل ما نسخ حتى العرضة الأخيرة يعتبر شاذًّا1. 2- قول الدكتور/ شعبان محمد إسماعيل: وخلاصة قوله: إن الشذوذ بدأ يظهر في عصر الخليفة عثمان -رضي الله عنه- حينما كتبت المصاحف، وأمر بإحراق ما عداها، فيعتبر ذلك حدًّا فاصلًا بين القراءات الصحيحة والشاذة، ويُدرك ذلك بالتأمل في أركان القراءة الصحيحة حيث موافقة القراءة لأحد المصاحف العثمانية شرط لقبولها2.

_ 1 انظر: "في رحاب القرآن الكريم" 1/ 433، 434. 2 راجع "القراءات أحكامها ومصدرها" ص115، وقد أيده الدكتور/ السيد رزق الطويل في كتابه "في علوم القراءات" ص59، 60، وكلاهما رد على الدكتور/ محمد سالم محيسن؛ حيث إنه استبعد أن تكون المصاحف العثمانية حدًّا فاصلًا بين القراءات الصحيحة والشاذة، وأرى أنهما على الحق في ذلك، إلا أننا نستبعد قول الدكتور/ محمد سالم محيسن في اعتباره العرضة الأخيرة حدًّا فاصلًا بين القراءات الصحيحة والشاذة =

ولما أنني لم أعثر على قول لأحد من المتقدمين في ذلك، ولا يوجد أمامنا إلا ما أفادنا به هؤلاء المعاصرون الأفاضل -جزاهم الله خيرًا- فالذي أراه هنا -والله أعلم- هو أن نقول: إن القراءات شذَّت على مرحلتين: أ- في العرضة الأخيرة وما قبلها، فالمنسوخ من القرآن حتى العرضة الأخيرة يعتبر شاذًّا، ويدخل فيه ما نقل عن مصحف أُبي بن كعب أو عن مصحف ابن مسعود -رضي الله عنهما- وهو منسوخ التلاوة. ب- حين أمر عثمان -رضي الله عنه- بجمع المصاحف، وحمل الأمة عليها، فكل ما كان مع الصحابة من القرآن المنسوخ ولم يعلموا بنسخه، أو كان يُقرأ ولم يثبت تواتره فخالف رسم المصاحف العثمانية، كل ذلك يعتبر شاذًّا.

_ = ويعترف بذلك الدكتور/ شعبان محمد إسماعيل كذلك، كما أننا لا نأخذ بما فهمه الدكتور/ الطويل من قول الدكتور/ شعبان، وعبر عنه بأن الحكم بالشذوذ على بعض القراءات بدأ بعدما عرفت الضوابط التي تقاس بها القراءات الصحيحة، ثم حدد ذلك بظهور المصاحف العثمانية، وذلك: 1- لأن ظهور الضوابط متأخر زمنًا عن ظهور المصاحف العثمانية. 2- لم يقصد الدكتور/ شعبان ما فهمه الدكتور/ الطويل؛ وإنما أشار إلى التأمل في في أركان القراءة الصحيحة؛ حيث موافقة القراءة لرسم أحد المصاحف العثمانية شرط في قبولها، فيفهم من ذلك ما ذهب إليه من أن الشذوذ بدأ منذ عصر الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- والله أعلم.

مدى حجبة القراءات الشاذة وحكم العمل بها

مدى حجبة القراءات الشاذة وحكم العمل بها ... مدى حجية القراءات الشاذة وحكم العمل بها: أ- حكم القراءة بالشاذ: 1- أجاز بعض العلماء القراءة بالشاذ؛ لأن الصحابة كانوا يقرءون بها في الصلاة وخارجها، فلو لم تجز القراءة بها لكان أولئك لم يصلوا قط؛ بل ارتكبوا محرمًا، ومرتكب الحرام يسقط الاحتجاج بخبره، وهم نقلة الشريعة فيسقط بذلك أساس الإسلام، والعياذ بالله1. وهذا أحد القولين لأصحاب الشافعي وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وأحمد. 2- الجمهور على عدم جواز القراءة بالشاذ للتعبد بها مطلقًا، لا في الصلاة ولا خارجها؛ بل نقل البعض إجماع المسلمين على ذلك -كابن عبد البر وغيره- بحجة أن الشواذ لم تثبت بالتواتر، فلا يحكم بقرآنيتها؛ لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وإن ثبتت بالنقل فإنها منسوخة بالعرضة الأخيرة أو بإجماع الصحابة على المصحف العثماني. وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة من قرأ بالشواذ، وقصة كل واحد من ابن شنبوذ ابن مقسم العطار معروفة في ذلك.

_ 1 انظر: "منجد المقرئين" ص20.

قال ابن الجزري: "والذي نص عليه أبو عمرو بن الصلاح وغيره: أن ما وراء العشر ممنوع من القراءة به منع تحريم لا منع كراهة. وقال ابن السبكي: لا تجوز القراءة بالشاذ"1. 3- وقد توسط بعض العلماء فقال: إن قرأ بها في القراءة الواجبة في الصلاة -وهي الفاتحة- عند القدرة على غيرها لم تصح صلاته؛ لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة؛ لعدم ثبوت القرآن بذلك، وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل؛ لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل؛ لجواز أن يكون ذلك من الحروف التي أنزل عليها القرآن2. ب- حكم العمل أو الاستشهاد بالقراءات الشاذة: 1- الجمهور على جواز العمل بها تنزيلًا لها منزلة أخبار الآحاد، وأخبار الآحاد مقبولة عند العلماء، يجوز العمل بها واستنباط الأحكام الشرعية منها، وقد احتج

_ 1 منجد المقرئين ص16، وراجع الفصل الخامس من رسالة: "القول الجاذ لمن قرأ بالشاذ" للنويري ص73-78 بتحقيق: عبد الفتاح أبو سنة، و"التبيان في آداب حملة القرآن" للنووي ص138، ومقال الشيخ عبد الفتاح القاضي، بعنوان: حول القراءات الشاذة والأدلة على حرمة القراءة بها، في مجلة كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالمدينة المنورة، العدد الأول، عام 1402هـ، ص15-26. 2 راجع: النشر 1/ 15، ومناهل العرفان 1/ 468 وما بعدها.

العلماء بها في كثير من الأحكام الفقهية، كما في قطع يمين السارق على قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: "والسارق والسارقة فاقطعوا / أيمانهما"1 بدل: "أيديهما". واحتجت الحنفية على وجوب التتابع في صوم كفارة اليمين بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: "فصيام ثلاثة أيام / متتابعات"2 بزيادة كلمة "متتابعات". 2- خالف في ذلك جمهور الشافعية؛ بحجة القراءات الشاذة لم تثبت قرآنيتها، فلا يجوز العمل بها. وأجاب الجمهور عن ذلك بأنه لا يلزم من انتفاء قرآنيتها انتفاء عموم كونها أخبارًا؛ أي: أنها في حكم العمل بخبر الواحد، وخبر الواحد يعمل به3. هذا، ويجوز الاستشهاد بالقراءات الشاذة في القواعد النحوية والصرفية باتفاق العلماء. ويجوز كذلك تعلمها وتعليمها نظريًّا لا عمليًّا، ويجوز تدوينها في الكتب وبيان وجهها من حيث اللغة والإعراب4.

_ 1 المائدة: 38، وهي قراءة شاذة لمخالفتها لرسم المصحف العثماني. 2 المائدة: 88. 3 راجع: حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 232، والإتقان للسيوطي 1/ 256. 4 انظر: "القراءات الشاذة" للشيخ عبد الفتاح القاضي ص8، وكتاب "القول الجاذ لمن قرأ بالشاذ" للإمام النويري.

رواة القراءات الشاذة

رواة القراءات الشاذة: القراءات الشاذة كثيرة لا حصر لها، وكذلك رواتها، حتى رُوي بعض الشواذ عن بعض رواة المتواترة. ورواة القراءات الشاذة قسمان: أ- الرواة الأربعة بعد العشرة؛ وهم: 1- الحسن البصري "ت110هـ". 2- محمد بن عبد الرحمن بن محيصن "ت123هـ". 3- يحيى بن المبارك اليزيدي البغدادي "ت202هـ". 4- سليمان بن مهران الأسدي الأعمش "ت148هـ"1. وقد أجمع العلماء على الحكم بالشذوذ على القراءات التي انفرد بنقلها أحد هؤلاء الأئمة الأربعة أو راوٍ من رواتهم؛ وذلك لعدم تواترها؛ بل لعدم وصولها إلى درجة الشهرة والاستفاضة لاضطراب النقلة في ضبط بعض ألفاظها، ولأن بعضها مخالف لرسم المصاحف العثمانية وبعضها مخالف للغة العرب2.

_ 1 راجع لتراجمهم: المبحث الثاني من الفصل الخامس. 2 راجع للتفصيل مقال الشيخ عبد الفتاح القاضي بعنوان: حول القراءات الشاذة والأدلة على حرمة القراءة بها ص15-26، في العدد الأول من مجلة كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالمدينة المنورة، عام 1402هـ.

ب- رواة الشواذ عمومًا، وهم كثيرون، منهم كبار الصحابة والتابعين: 1- ابن مسعود رضي الله عنه "ت32هـ". 2- ابن الزبير رضي الله عنه "ت73هـ". 3 مسروق بين الأجدع الكوفي "ت63هـ". 4- نصر بن عاصم الليثي البصري "ت99هـ". 5- مجاهد بن جبر المكي "ت103هـ". 6- أبو موسى الأشعري رضي الله عنه "ت52هـ". 7- الضحاك بن مزاحم "ت105هـ". 8- محمد بن سيرين البصري "ت110هـ" وغيرهم كثيرون1.

_ 1 راجع للاطلاع على ما رُوي عنهم من القراءات الشاذة كتاب: في رحاب القرآن الكريم 1/ 444 وما بعدها.

أمثلة لبعض القراءات الشاذة

أمثلة لبعض القراءات الشاذة: 1- {إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} 1: قرأ أُبي بن كعب "تأتينكم" بتاء التأنيث؛ لأن الفاعل "رسل" جمع تكسير يجوز في فعله التذكير والتأنيث، وهي غير متواترة. 2- {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 2: قرأ مسروق بن الأجدع عن ابن مسعود: "فامضوا". وهي مخالفة للرسم العثماني، وتعتبر مدرجة وتفسيرًا للقراءة المتواترة. 3- {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} 3: رُوي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قرأ: "والذكر والأنثى". وهي غير متواترة وغير موافقة للرسم العثماني. ومن القراءات الشاذة التي رُويت عن ابن شنبوذ "ت328هـ" وكتبها ابن مجاهد بيده في المحضر عليه وسألوه عنها فاعترف بها، وكان ذلك في يوم السبت 6/ 4/ 323هـ: 1- "فامضوا إلى ذكر الله" بدل {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] . 2- "وتجعلون شكركم أنكم تكذبون" بدل {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} [الواقعة: 82] . 3- "كل سفينة صالحة غصبا" بدل {كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] . 4- "كالصوف المنقوش" بدل

_ 1 الأعراف: 35. 2 الجمعة: 9. 3 الأعلى: 3.

{كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 5] . 5- "فاليوم ننحيك ببدنك" بدل {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس: 92] . 6- "تبت يدا أبي لهب وقد تب" بدل {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [اللهب: 1] . 7- "فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين" بدل {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14] . 9- "فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزامًا" بدل {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77] . 10- "وينهون عن المنكر ويستغيثون الله على ما أصابهم وأولئك هم المفلحون" بدل {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] . 11- "تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" بدل {وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73] . ويبدو أن الرجل كان مغترًّا بعلمه؛ ولذلك أغلظ للوزير في الخطاب وللقاضي ولابن مجاهد، ونسبهم إلى قلة المعرفة

وأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر1. ومن الملاحظ أن معظم القراءات الشاذة إما غير متواتر أو غير موافق للرسم. ولا يعتبر ورودها عن بعض العلماء طعنًا في شخصيته، ومكانته العلمية، وقد وردت قراءات شاذة عن بعض الأئمة العشرة الذين وصلتنا قراءاتهم بالتواتر، وذلك ما يؤكد أن العبرة ليست بالنظر إلى القارئ ومكانته؛ وإنما العبرة بمدى صحة الضابط والقانون الذي وضعه العلماء لمعرفة القراءة الصحيحة2.

_ 1 انظر نص المحضر في "معرفة القراء الكبار" للذهبي 1/ 278، 279، وراجع لأمثلة القراءات الشاذة المروية عن ابن شنبوذ كتاب "نكت الانتصار" للباقلاني ص101، 102، والفهرست لابن النديم ص48. 2 راجع: "في رحاب القرآن الكريم" 1/ 444.

المبحث الرابع: حول حديث نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة

المبحث الرابع: حول حديث نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة أهمية الحديث المذكور ... المبحث الرابع: حديث "نزول القرآن على الأحرف السبعة" أهمية الحديث المذكور: حديث نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة حديث عظيم من أشهر الأحاديث المتواترة، ولقد نص على تواتره غير واحد من الأعلام؛ منهم: 1- الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام "ت224هـ". 2- الإمام أبو عمرو الداني "ت444هـ". 3- الإمام ابن القاصح "ت801هـ". ويؤكد تواتره اشتمال القرآن الكريم على القراءات المتواترة التي ترجع في أصلها إلى الأحرف السبعة. وقد أخرجه أصحاب الكتب الستة، وابن أبي شيبة في مصنفه، وأحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه وغيرهم، ولا يكاد يخلو منه مصنف في الحديث أو في علوم القرآن والقراءات والتفسير1. ولقد شغل الحديث بال العلماء قديمًا وحديثًا. قال ابن الجزري:

_ 1 راجع لتخريج الحديث مقال الدكتور/ عبد العزيز القارئ في الأحرف السبعة ص27 وما بعدها، ومناهل العرفان 1/ 139، والأحرف السبعة للدكتور/ عتر ص107.

"وما زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيِّف وثلاثين سنة، حتى فتح الله عليَّ بما يمكن أن يكون صوابًا إن شاء الله"1. وقال الدكتور/ محمد عبد العظيم الزرقاني: "هذا مبحث طريف وشائق، غير أنه مخيف وشائك ... "2. وقد أفرد علماء كثيرون هذا الحديث بالتأليف؛ منهم: 1- الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام "ت224هـ". 2- الإمام ابن قتيبة الدينوري "ت276هـ". 3- الإمام أبو الفضل الرازي "ت454هـ". 4- الإمام أبو شامة المقدسي "599-665هـ". 5 - الإمام ابن الجزري "751-833هـ". 6- الشيخ محمد بخيت المطيعي من علماء القرن الرابع عشر الهجري. وقد كتب فيه سعادة الدكتور/ أبو مجاهد عبد العزيز القارئ عميد كلية القرآن الكريم "سابقًا" في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة مقالًا أجاد فيه وأفاد، نشرته مجلة كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالمدينة المنورة في عددها الأول عام 1402-1403هـ، كما صدر حديثًا كتاب في ذلك للدكتور/ حسن ضياء الدين عتر بعنوان: "الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها".

_ 1 النشر 1/ 19. 2 مناهل العرفان 1/ 130.

بعض روايات حديث الأحرف السبعة

بعض روايات حديث الأحرف السبعة: روى هذا الحديث أكثر من عشرين صحابيًّا، وروى عنهم جَمْعٌ كبير من التابعين بطرق وأسانيد كثيرة1، ولسنا في حاجة إلى سردها كلها؛ وإنما نذكر نموذجًا من رواياتها؛ فمنها: 1- حديث المخاصمة بين عمر وهشام بن حكيم -رضي الله عنهما- وفي آخر الحديث: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه" 2. 2- رُوي عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أنه صَعِدَ على المنبر يومًا للخطبة فقال: أذكر الله رجلًا سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف" لما قام فقاموا حتى لم يحصوا، فشهدوا أن رسول الله

_ 1 راجع: مناهل العرفان 1/ 139، والأحرف السبعة للدكتور/ عتر ص108، 109. 2 أخرجه الستة سوى ابن ماجه، ومالك في الموطأ، وابن أبي شيبة في مصنفه، وأحمد في مسنده.

صلى الله عليه وسلم قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف" فقال عثمان: وأنا أشهد معهم1. 3- حديث أُبي بن كعب -رضي الله عنه- وكان قد سمع رجلين يقرأ كل واحد منهما على غير قراءته، وقد حسن النبي -صلى الله عليه وسلم- قراءتهما، فوقع في نفس أُبي ما وقع ثم شرح الله صدره، وفيه: "يا أبي، أرسل إليَّ أن اقرأ على حرف، فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، فردَّ إليَّ الثانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، فرد إليَّ الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف ... " 2. 4- حديث آخر عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عند أضاة3 بني غفار، فأتاه جبريل -عليه السلام- فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك -وفي رواية: أن تقرئ أمتك- القرآن على حرف، فقال

_ 1 مجمع الزوائد للهيثمي 7/ 152، وأخرجه الزرقاني من المسند الكبير لأبي يعلى الموصلي، مناهل العرفان 1/ 139. 2 رواه مسلم، والنسائي، والطبري في مقدمة تفسيره، وأحمد في مسنده، والطيالسي في مسنده، والبيهقي في سننه. 3 الأضاة: بوزن الحصاة، بمعنى: الغدير، وجمعها أضي وإضاء، وأضاة بني غفار: غدير أو مسيل ماء بالقرب من المدينة، وهو الصحيح، وقيل: موضع على عشرة أميال من مكة.

صلى الله عليه وسلم: "أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا1. 5- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، والمراء في القرآن كفر -ثلاثًا- ما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم فردوه إلى عالمه" 2.

_ 1 أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وأحمد وابن جرير الطبري. 2 أخرجه ابن حبان في صحيحه وابن جرير في تفسيره وأحمد في مسنده.

معنى "الحروف "لغة

معنى "الحروف "لغة ... معنى "الحرف" لغة: - "الأحرف" جمع: حرف كفَلْس وأفْلُس. - والحرف في الأصل بمعنى: الطرف والحد أو الجانب والناحية. - وحرف الجبل والرغيف والنهر والصف: جانبه. - وسمي الواحد من حروف الهجاء "حرفًا"؛ لأنه جزء من كملة وطرفها. - ويطلق "الحرف" على الكلمة الواحدة، وعلى الخطبة أو القصيدة بكاملها. - وتسمى الناقة الضامرة حرفًا، تشبيهًا لها بحرف الجبل في شدتها وصلابتها. - ويستعمل في الدلالة على وجه من وجوه القراءة المتعددة. - وتسمى قراءة كل قارئ حرفًا، يقال: حرف أبي بن كعب، وحرف ابن مسعود؛ أي: قراءته1.

_ 1 راجع: القاموس المحيط، ولسان العرب، مادة "ح ر ف"، وراجع: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص35، 36، ونكت الانتصار للباقلاني ص114، 115، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 12/ 100-111، وتفسير الطبري 1/ 52 وما بعدها، والإبانة لمكي بن أبي طالب ص29، 30.

المراد بـ "السبعة"

المراد بـ"السبعة": 1- ذهب بعض العلماء إلى أن "السبعة" ليست على حقيقتها؛ وإنما المراد بها الكثرة في الآحاد، كما يدل "السبعين" على الكثرة في العشرات، و"السبعمائة" على الكثرة في المئات1. 2- وذهب الجمهور إلى أن "السبعة" على حقيقتها، وهو العدد الآحادي بين الستة والثانية، وهو الراجح لورود كلمة "السبعة" في جميع روايات الحديث، فهو من المتواتر اللفظي2.

_ 1 نسب هذا القول إلى القاضي عياض، انظر: مناهل العرفان 1/ 173، وراجع للرد عليه 1/ 149 من مناهل العرفان، وص65-67 من مجلة كلية القرآن الكريم. 2 راجع مقال الدكتور/ عبد العزيز القارئ ص84، 85، وراجع مناهل العرفان 1/ 149، 150.

أقوال العلماء في المراد بـ "الأحرف السبعة"

أقوال العلماء في المراد بـ "الأحرف السبعة" مدخل ... أقوال العلماء في المراد بـ"الأحرف السبعة": اختلف العلماء في ذلك اختلافًا كبيرًا حتى بلغت الأقوال إلى أكثر من أربعين قولًا1. وقد عدَّها السيوطي في الإتقان2؛ ولكن أكثرها غير مختار كما قال المنذري3. قال الشريف المزني المرسي فيما نقل عنه السيوطي: "هذه الوجوه أكثرها متداخلة، ولا أدري مستندها ولا عمن نقلت، ولا أدري لِمَ خَصَّ كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر ... ومنها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة، وأكثرها معارضة حديث عمر وهشام بن حكيم -الذي في الصحيح- فإنهما لم يختلفا في تفسيره ولا أحكامه؛ وإنما اختلفا في قراءة حروفه ... ". وقال ابن حبان: " ... وهي أقاويل يشبه بعضها بعضًا، وكلها محتملة، ويُحتمل غيرها"4. ويمكن تقسيم تلك الأقوال إلى قسمين: 1- قسم لا يعتد به ولا دليل عليه. 2- قسم آخر له دليل في الجملة أو شبهة دليل5. وفيما يلي نقدم نماذج من كل قسم:

_ 1 الإتقان 1/ 45، والمرشد الوجيز لأبي شامة ص91 وما بعدها. 2 1/ 45 وما بعدها. 3 فتح الباري للعسقلاني: 9/ 16. 4 الاتقان: 1/ 49. 5 راجع للاطلاع على الأقوال من هذا القسم بالتفصيل والرد عليها كتاب "الأحرف السبعة" للدكتور: عتر ص: 127- 176.

القسم الأول

القسم الأول: نمثل لهذا القسم ببعض الآراء والأقوال المحكية عن بعض أهل الفقه وأهل اللغة والبلاغة وأهل التصوف: 1- القول الأول: المحكي عن بعض أهل الفقه: قالوا: المراد بالأحرف السبعة: سبعة أشياء؛ وهي: "المطلق والمقيد، الخاص والعام، النص والمؤول، الناسخ والمنسوخ، المجمل والمفسر، الاستثناء وأقسامه"1. 2- القول الثاني: المحكي عن بعض أهل اللغة والبلاغة: قالوا: المراد بالأحرف السبعة: "الحذف والصلة، التقديم والتأخير، القلب والاستعارة، التكرار والكناية، الحقيقة والمجاز، المجمل والمفسر، الظاهر والغريب"2. 3- القول الثالث: المحكي عن بعض أهل التصوف: قالوا: المراد بالأحرف السبعة: سبعة أنواع من المعاملات والمبادلات؛ وهي: "الزهد والقناعة مع اليقين، الحزم والخدمة مع الحياء، الكرم والفتوة مع الفقر، المجاهدة والمراقبة مع

_ 1 مناهل العرفان 1/ 183. 2 المرجع السابق.

الخوف، الرجاء والتضرع والاستغفار مع الرضا، الشكر والصبر مع المحاسبة، المحبة والشوق مع المشاهدة"1. مجمل الرد على هذا القسم من الأقوال: 1- أنها لا تستند إلى دليل شرعي أو حجة واضحة تدل على ما ذهبوا إليه؛ وإنما نزَّل كل طائفة منهم "الأحرف" على ما يوافق اتجاهه العلمي أو الفكري والعملي. 2- أنها لا تتفق مع دلالات الأحاديث الواردة في "الأحرف السبعة" التي تبين بالوضوح أن المراد بها كيفية النطق بالألفاظ واختلاف القراءات. 3- تحديد المفهوم بما ذكروا لا يؤدي إلى اليسر والتوسعة على الأمة والتخفيف عنها، ورفع المشقة عن الأمة في أمر القراءة هو المقصود الأساسي من نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة2.

_ 1 الأحرف السبعة ص122، 123. وراجع الأقوال الأخرى من هذا القسم في مناهل العرفان 1/ 182، 183. 2 راجع: "الأحرف السبعة" ص124، 125، ومناهل العرفان 1/ 183، 184.

القسم الثاني

القسم الثاني: ونمثل لهذا القسم بخمسة أقوال؛ ولكنها ترجع في الحقيقة إلى نوعين من أنواع الخلاف؛ ولذلك نعتبرها قولين فقط، وهما من أحسن الأقوال التي ذكرت في هذا القسم وأقربها إلى الصواب. 1- القول الأول: قالوا: إن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب المشهورة، وقد ذهب إليه جمهور أهل الفقه والحديث؛ منهم: الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام، وسفيان، وابن وهب، وأحمد بن يحيى، وابن جرير الطبري، والطحاوي وغيرهم؛ ولكنهم اختلفوا في أمرين: أولًا: في كون تلك اللغات متفرقة في القرآن الكريم أو مجتمعة في كلمة واحدة وفي حرف واحد. فذهب أبو عبيد وآخرون إلى أنها مفرقة في القرآن الكريم. وذهب ابن جرير والطحاوي وابن عبد البر وغيرهم إلى أنها توجد في الكلمة الواحدة وفي الحرف الواحد، باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني؛ نحو: هلمَّ، وأقبل، وتعالَ، وإليَّ، وقصدي، ونحوي، وقربي، ونحو ذلك. ثانيًا: في بقاء تلك اللغات كلها في القرآن الكريم أو أنها

نسخت ولم يبقَ منها إلا لغة قريش. فذهب إلى الأول: أبو عبيد ومَن تابعه فيه. وذهب إلى الثاني: ابن جرير ومَن تابعه فيه. ثم اختلف القائلون ببقاء تلك اللغات كلها في القرآن الكريم في تحديدها: فمنهم من قال: هي لغة: قريش، وهذيل، وتميم، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر. ومنهم من قال: هي: هذيل، وكنانة، وقيس، وضبة، وتيم الرباب، وأسد بن خزيمة، وقريش. وذهب أبو علي الأهوازي إلى أن اللغات كلها في بطون قريش. وذهب آخرون إلى أنها كلها في بطون مضر1. 2- القول الثاني: ما ذهب إليه كثير من العلماء والقراء؛ ومن أبرزهم: ابن قتيبة "ت276هـ"، والرازي "ت606هـ"، وابن الجزري "ت833هـ" وغيرهم، وملخص أقوالهم: "إن المراد بالأحرف: الأوجه القرائية التي يقع

_ 1 راجع: "مناهل العرفان" 1/ 174-182، وقد ذهب إلى ترجيح هذا القول أغلب المؤلفين من المعاصرين.

بها التغاير والاختلاف في الكلمات القرآنية. وقد اتفقوا على أنها سبعة؛ ولكنهم اختلفوا في تعيينها وحصرها: أ- قال الإمام ابن قتيبة: "وقد تدبرت وجوه الخلاف في القراءات فوجدتها سبعة أوجه"1. وخلاصة القول: 1- الاختلاف في الإعراب أو في حركة البناء دون تغيير في المعنى أو الصورة، نحو: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} 2 بالرفع والنصب. و {بِالْبُخْلِ} 3 بضم الباء أو فتحها. 2- اختلاف الإعراب أو الحركة بتغيير في المعنى دون الصورة، نحو: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} 4 بصيغة الطلب أو الماضي. 3- اختلاف الحروف بتغيير في المعنى دون الصورة، نحو: {كَيْفَ نُنْشِزُهَا} 5 بالزاء أو بالراء.

_ 1 تأويل مشكل القرآن ص36 وما بعدها، والنشر 1/ 27. 2 هود: 78. 3 النساء: 37، والحديد: 24. 4 سبأ: 19. 5 البقرة: 259.

4- اختلاف الحروف بتغيير في الصورة دون المعنى، نحو: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} 1، أو "زقية واحدة". 5- اختلاف الحروف بتغيير في الصورة والمعنى معًا، نحو: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} 2 بالحاء أو بالعين. 6- الاختلاف بالتقديم والتأخير، نحو: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} 3 أو "سكرة الحق بالموت". 7- الاختلاف بالزيادة والنقصان، نحو: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} 4 أو "وما عملت أيديهم". ب- وقال الإمام أبو الفضل الرازي: "الكلام لايخرج عن سبعة أحرف في الاختلاف: 1- اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير. 2- اختلاف تصريف الأفعال وما تستند إليه، من: الماضي، والمستقبل، والأمر، والمتكلم، والمخاطب، والفاعل، والمفعول به. 3- وجوه الإعراب. 4- الزيادة والنقصان. 5- التقديم والتأخير.

_ 1 يس: 53. 2 الواقعة: 29. 3 ق: 19. 4 يس: 35.

6- القلب والإبدال في كلمة بأخرى أو حرف بآخر. 7- اختلاف اللغات من فتح وإمالة وترقيق وتفخيم ... "1. ج- وقال الإمام ابن الجزري: "إني تتبعت القراءات صحيحها وشاذها، وضعيفها ومنكرها، فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها"2. وملخص قوله: 1- اختلاف الحركات بلا تغيير في المعنى والصورة،

_ 1 راجع: النشر 1/ 27، ولم يذكر ابن الجزري الأمثلة للوجوه التي نسبها إلى الرازي، وقد مثل لها الدكتور/ محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه "مناهل العرفان" 1/ 155، 156، وقد تبنى هذا القول ورجحه وبين أسباب اختياره لهذا المذهب، ثم ذكر أن هذا المذهب اختاره بعض أعلام المحققين من المتأخرين كالعلامة المرحوم الشيخ الخضري الدمياطي، والعلامة المرحوم الشيخ محمد بخيت المطيعي، ونضيف إليه أن العلامة الشيخ عبد الفتاح القاضي -رحمه الله- ذهب كذلك إلى مذهب الرازي ورجحه في كتابه "الوافي" في شرح الشاطبية ص5-7. وإلى المراد من الأحرف: الأوجه، ذهب العلامة طاهر الجزائري الدمشقي "ت1338هـ" في كتابه "التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن" ص89، والدكتور/ محمد الزفزاف في كتابه "التعريف بالقرآن والحديث" ص51. 2 النشر 1/ 26.

نحو: "البخل"1 بأربعة أوجه و"يحسب"2 بوجهين. 2- اختلاف الحركات بتغير في المعنى فقط، نحو: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} 3، و {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} 4 وأمه. 3- اختلاف الحروف بتغير في المعنى فقط، نحو: {تَبْلُو} 5 و"تتلو"، و {نُنَجِّيكَ} 6 و"ننحيك". 4- اختلاف الحروف بتغير الصورة فقط، نحو:

_ 1 النساء: 37، والحديد: 24، وفيها أربع قراءات: قراءتان متواتران وهما: بفتح الباء والخاء "البَخَل"، وبضم الباء وسكون الخاء "البُخْل" وقراءتان شاذتان. 2 من مواضعه: الهُمزة: 3، والمقصود بها صيغة المضارع من فعل "حسب" حيثما وقعت، فهي تقرأ بفتح السين وبكسرها. 3 البقرة: 37، وتقرأ برفع "آدم" مع نصب "كلمات" وبنصب "آدم" مع رفع "كلمات". 4 يوسف: 45، وهي قراءة الجماعة، أما الثانية فشاذة؛ لعدم تواترها. 5 يونس: 30، وهي قراءة العشرة ما عدا حمزة والكسائي وخلف، وهم قرءوا بتاءين "تتلو" من التلاوة. 6 يونس: 92، على تلفظها بالجيم قراءتان متواترتان: بفتح النون الثانية مع تشديد الجيم، من باب "التفعيل" وبإسكان النون الثانية مع تخفيف الجيم من باب "الإفعال". أما قراءتها بالحاء المهملة "ننحيك" فهي شاذة؛ لعدم تواترها.

"بصطة"1 و {بَسْطَة} ، و {الصِّرَاطِ} 2 و"السراط". 5- اختلاف الحروف بتغير الصورة والمعنى معًا، نحو: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 3 و"فامضوا". 6- التقديم والتأخير، نحو: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} 4، و"وجاءت سكرة الحق بالموت"5. 7- الزيادة والنقصان، نحو: "وأوصى"6 و {وَوَصَّى} ، و {وَمَا خَلَقَ

_ 1 الأعراف: 69، والقراءتان متواترتان، والأولى منهما موافقة لرسم المصحف تحقيقًا والثانية تقديرًا. 2 الفاتحة: 5، والقراءتان متواترتان، الأولى منهما موافقة لرسم المصحف تحقيقًا والثانية تقديرًا. 3 الجمعة: 9، القراءة الأولى متواترة، والثانية شاذة؛ لعدم تواترها، وعدم موافقتها لرسم المصحف العثماني. 4 التوبة: 111، قرأ الجمهور بتقديم الفعل المبني المعلوم على الفعل المبني للمجهول، وبعكسه قرأ حمزة والكسائي وخلف، فهما قراءتان متواترتان. 5 ق: 19، وهي شاذة، وأما المتواترة فهي بتقديم "الموت" على "بالحق". 6 البقرة: 132، والقرءاتان متواترتان، الأولى موافقة لمصاحف أهل المدينة والشام، والثانية موافقة لبقيتها.

الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} 1 و"الذكر والأنثى"2. مناقشة هذه الأقوال: أولًا: القول بأن المراد بالأحرف السبعة: سبع لغات. وقد ذهب إليه جماهير من الجهابذة قديمًا وحديثًا، وهو قول قوي؛ ولكن تضعفه أمور: 1- اختلاف القائلين به في كون تلك اللغات متناثرة في القرآن أو مجتمعة في حرف واحد. 2- اختلافهم في تعيين وتحديد تلك اللغات، والأحرف محدودة. 3- القراءات تشتمل على أكثر من سبع لغات، واللغويون أنفسهم يذكرون الشيء الكثير منها في القرآن، والإمام أبو عبيدة نفسه ألَّف كتابًا جمع فيه عددًا كبيرًا من مفردات القرآن نسبها إلى مختلف لغات العرب. 4- اختلاف عمر مع هشام بن حكيم كان في أمر القراءة، ورغم كونهما من أهل لغة واحدة. 5- ما ذهب إليه ابن جرير وغيره يرده اشتمال القراءات على أنواع متعددة من التغاير والاختلاف،

_ 1 الليل: 3، وهي قراءة متواترة، أما الثانية فهي شاذة لعدم تواترها ومخالفتها للمصحف العثماني. 2 راجع: النشر 1/ 26.

والترادف -الذي ذكروه- نوع واحد منها. كما أن قولهم يتنافَى مع حكمة نزول الأحرف السبعة من التيسير في القراءة، فاختلاف العرب يقع في اللهجات أكثر مما يقع في استعمال "هلم" مكان "أقبل" أو "تعالَ". أما دعواهم أن عثمان -رضي الله عنه- أجمع المسلمين على حرف واحد، وطرح بقية الأحرف الستة، فهو قول في غاية الضعف؛ لأنه دعوى بنسخ بعض القرآن بإجماع الصحابة؛ لأن كل حرف قرآن، فكيف يحق لعثمان -أو لغيره من الصحابة- أن يلغي شيئًا من القرآن بغير نص صريح من الشارع؟! وكيف يجوز للصحابة إلغاء رخصة القراءة بالأحرف السبعة والحكمة منها لا تزال قائمة؛ بل هي أشد بعد دخول الناس من مختلف الألسن والأجناس في الإسلام؟! كما أن وجود الأوجه المتعددة من القراءات في مصاحف عثمان برسم واحد أو برسمين مختلفين يدل دلالة واضحة على بطلان قول ابن جرير.

والحق أن عثمان لم يهمل شيئًا من الأحرف المنزلة الثابتة في العرضة الأخيرة ولم يطرحه، وهي باقية ضمن مصاحف عثمان، والرخصة بها قائمة إلى يوم القيامة1. ثانيًا: قول ابن قتيبة والرازي وابن الجزري: بأن المراد بالأحرف أنواع التغاير والاختلاف وهي سبعة، وهو من أحسن الأقوال وأقربها إلى الصواب؛ ولكن يُرد عليهم بأمور: 1- أنهم اختلفوا في حصر تلك الأنواع وتعيينها. 2- أن الحكمة من تعدد الأحرف هو رفع الحرج والمشقة عن الأمة التي لم تكن تحسن الكتابة ولا القراءة، والأنواع التي ذكرها أصحاب هذا القول معظمها يتعلق بالخط والكتابة، ولا يدركها إلا المحققون من خواص العلماء، فكيف يكون اليسر فيها للأمة الأمية؟! بل هي زادت الطامة عليها وأكبرت المشقة. 3- أن ابن قتيبة وابن الجزري لم يذكرا اختلاف اللهجات ضمن تلك الأنواع السبعة، مع أن معظم أوجه الاختلاف في أحرف القرآن هو من هذا النوع.

_ 1 راجع: مناهل العرفان 1/ 175-179، ومجلة كلية القرآن ص68-72، و"الأحرف السبعة" ص172-176.

والرازي وحده هو الذي انفرد بذكر هذا النوع من الاختلاف. 4- لقد تكلفوا كثيرًا في محاولتهم لحصر أنواع التغاير والاختلاف في سبعة؛ بحيث يمكننا أن نقول: إن الأحرف في نفسها شيء، وأنواع الاختلاف التي ذكروها شيء آخر مغاير لها. 5- من الممكن أن نرجع تلك الأنواع إلى ثلاثة كما فعل ابن الجزري1: أ- ما اختلف لفظه واتفق معناه، نحو: هلم، وأقبل، وتعالَ. ب- ما اختلف لفظه ومعناه؛ لكنه اختلاف تنوع لا تضاد: مالك وملك، وقل وقال، وباعَدَ وباعِدْ. ج- الاختلاف في اللهجات مع اتفاق اللفظ والمعنى؛ كالإمالة والفتح، والمد والقصر، والإدغام الفك، والتحقيق والتسهيل2.

_ 1 النشر 1/ 49، 50، وتبعه في ذلك القسطلاني في لطائفه 1/ 37، 38. 2 راجع: مجلة كلية القرآن الكريم ص63-76 بتصرف واختصار.

القول الراجح في المراد بـ "الأحرف السبعة"

القول الراجح في المراد بـ"الأحرف السبعة": قبل أن نبين القول المختار ونبرهن عليه لنعلم: أولًا: أن الأحاديث رغم كثرتها وتعدد طرقها لم تصرح ولا رواية واحدة بالمراد بالأحرف السبعة، ولم تكشف عن سر الأحرف، ومن المعلوم أن الشارع -عليه السلام- لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة، والأمة في حاجة إلى معرفة كنه هذه الأحرف لتقرأ بها، فكيف خلت جميع ألفاظ الحديث من عبارة صريحة تفسر الأحرف؟ ولماذا أضرب جميع رواة الخبر من الصحابة عن ذلك؟ لعل ذلك لأحد الأمرين: 1- إما لوضوح المراد من الأحرف عندهم؛ بحيث لم يسأل أحد الصحابة من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يسأل أحد التابعين من أحد الصحابة عن المراد بالأحرف. 2- أو لعدم وضوح المعنى وصعوبة تفسير الحديث. الاحتمال الثاني مردود بالطبع؛ لأنه من السخف بمكان أن ندعي أن الصدر الأول لم يكن يعرف معنى الحديث، وهم أعمق فَهْمًا وأكثر علمًا بما أنزل، ثم يأتي أناس بعدهم بمئات السنين فيكشفون عن المراد بالحديث. فالراجح أنهم سكتوا عن السؤال لوضوح المعنى المراد لديهم من الحديث؛ ولكن وقعت شبهة التناقض عند البعض -في بداية الأمر- فأزالها النبي -صلى الله عليه سلم- بالإخبار بهذه الرخصة؛ ولذلك انتهت المخاصمة بين

بعض الصحابة الذين وقع الخلاف فيما بينهم في أمر القراءة. فهذا يدل -بالوضوح- على أنهم فهموا المراد بالحديث. إذن ما المراد من الحديث؟ بعد البحث الدقيق والدراسة المتأنية فيما سبق من أقوال الأئمة، يترجح لدينا أن نقارب بين بعض الأقوال، ولا نمسك بقول واحد فقط فنتعصب له ونقيم الحجج والبراهين على صحته -ما دام تعددت الأقوال، وأغلبها غير مراد- وبالمقاربة يمكن لنا أن نخرج بنتيجة مشتركة تكون هي الأولى بالأخذ بها، وهي المراد من الحديث بمشيئة الله تعالى. فنقول: إن المراد بـ"الأحرف السبعة": الوجوه السبعة لقراءة القرآن الكريم المتغايرة المنزلة قرآنًا، ويمكن القراءة بأي وجه منها. والعدد "السبعة" على حقيقته؛ بمعنى: أن أقصى حد يمكن أن تبلغه الوجوه القرآنية هو سبعة أوجه، وذلك في الكلمة الواحدة، ضمن نوع واحد من أنواع الاختلاف

والتغاير؛ كالأوجه في كلمة {أَرْجِهْ} 1 وفي كلمة {يَتَّقْهِ} 2. ولا يلزم أن تبلغ الأوجه هذا الحد في كل موضع من الكلمات القرآنية3.

_ 1 الأعراف: 111، والشعراء: 36، وتقرأ بستة أوجه متواترة: "أرجهْ" بإسكان الهاء، و"أرجهِ" بكسر الهاء بدون الصلة، و"أرجهِ ي" بكسر الهاء مع صلتها، وهذه الأوجه الثلاثة بدون زيادة الهمزة بين الجيم والهاء، و"أرجئْهِ" بالهمزة الساكنة بعد الجيم وكسر الهاء مع عدم الصلة، و"أرجئْهُ" بالهمزة الساكنة وضم الهاء بدون صلتها، و"أرجئْه و" بالهمزة الساكنة وضم الهاء مع صلتها. راجع: النشر 1/ 311، 312، ويمكن أن يمثل بكلمتي "جبريل" و"هيت لك" ففي كل منهما خمس قراءات متواترة، وقراءتان شاذتان. راجع: النشر 2/ 219، 2/ 293-295. 2 النور: 52، وتقرأ بأربعة أوجه: "يتقْهِ" بسكون القاف وكسر الهاء بدون صلة، و"يتقِهْ" بكسر القاف وإسكان الهاء، و"يتقِهِ" بكسر القاف والهاء مع عدم الصلة، و"يتقِه ي" بكسر القاف والهاء مع صلتها. راجع: النشر 1/ 306، 307. 3 هذا مؤدَّى ومخلص ما توصل إليه فضلية الدكتور/ عبد العزيز عبد الفتاح القارئ في مقال له في موضوع "الأحرف السبعة" الذي نُشر في مجلة كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالمدينة المنورة، العدد الأول، عام 1402هـ. وقوله في جملته مأخوذ من أقوال العلماء السابقين؛ ومن ثَمَّ قال فضيلته: إننا لم نأتِ بكلام من عند أنفسنا أو فهم ابتكرناه وابتدعناه ولم يسبقنا إليه سلف؛ بل سبقنا إليه المحققون منهم، رحمهم الله وجزاهم عن القرآن وأهله خيرًا؛ إلا أنه قول متفرق في كلامهم لم يجمع في موضع واحد، ولم يرتبه مصنف واحد؛ بل وجدنا عند كل منهم جزءًا، وعثرنا على طرف؛ ولكن أحدًا منهم لم يستوعب المسألة أو يشف الغليل؛ بل يتناولها من بعض الجوانب التي تجلت له بعد أعمال فكره فيه. مجلة كلية القرآن الكريم ص81. وقد علمت سابقًا أن الدكتور/ محمد عبد العظيم الزرقاني ومَن أشار هو إليهم في كتابه "مناهل العرفان" 1/ 158، ذهبوا جميعًا إلى مثل هذا القول؛ إلا أنهم اكتفوا بقول الإمام أبي الفضل الرازي وحده؛ لأنه استقصى جميع الأوجه القرائية الخلافية، وأخبرناك سابقًا أن الشيخ/ عبد الفتاح القاضي ذهب كذلك إلى ما ذهب إليه الرازي.

توضيح ذلك: إن كلمة "الوجوه": ترجيح لأحد معاني "الحرف"؛ لأنه باستقراء ألفاظ الحديث لا يستقيم إلا هذا المعنى، وإليه ذهب أعلام القراء؛ أمثال: أبي حاتم السجستاني، وابن قتيبة، وأبي بكر الباقلاني، وأبي الفضل الرازي، وابن الجزري، وغيرهم. وكلمة "المتغايرة": إشارة إلى وجود الاختلاف بين هذه الأوجه، وفيه ردٌّ على من يحصر الاختلاف في نوع واحد فقط كالترادف، نحو: هلم، وأقبل، وتعالَ ... وكلمة: "المنزلة": رد على مَن زعم أن الرخصة كانت تتضمن إباحة التصرف في ألفاظ القرآن دون التقيد بما أنزل. وكلمة "القراءة": يدل عليها ألفاظ الروايات، مثل: "أقرأني جبريل ... "، و"إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك"، وفي رواية:

"أن تقرئ أمتك"، وفي رواية: "فاقرءوا منها ما تيسر". فمثل هذه الألفاظ تدل على أن الأحرف شيء يتعلق بالقراءة، وحكمة التيسير على الأمة لا تتحقق إلا في أوجه القراءة؛ إذ أصل المشقة إنما هو في القراءة نفسها. وقولنا: "العدد السبعة مراد ... ": يدل عليه جميع الروايات؛ بحيث أصبح الجزء "على سبعة أحرف" من المتواتر اللفظي، والتدرج في إنزال الأحرف المشار إليه إجمالًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أقرأني جبريل على حرف فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف". والمبين تفصيلًا في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه: "إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف...."، وهذا التدرج يدل بالوضوح على أن العدد مراد ومقصود به؛ وإلا فلا يكون للتدرج أي معنى. وقولنا: "أقصى حد يمكن أن تبلغه الوجوه هو سبعة ... ": هو قول أكثر العلماء؛ وذلك لأن القرآن على نوعين من حيث القراءة والرواية: 1- مواضع الاتفاق: وهو معظم القرآن الكريم. 2- مواضع الاختلاف: حيث ورد فيها وجهان أو

أكثر ... إلى سبعة وجوه. ولنعلم أن كل ما رُوي أو أثبت في الكتب -ولو برواية صحيحة- لا يعد قراءة قرآنية؛ لإجماع العلماء على شرط التواتر، وموافقة مرسوم المصاحف العثمانية. فإذا أجريت القراءات كلها على هذين الضابطين تجد أنها تتهاوى ولا يثبت منها إلا أقل من عُشرها. فمثلًا قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 1 ذكر فيه أبو حيان خمس عشرة قراءة2؛ لكن المتواتر منها قراءتان فقط: "مَلِك" بحذف الألف، و"مالك" بإثبات الألف. وقوله تعالى: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} 3 ذكر فيه أبو حيان اثنتين وعشرين قراءة4، بينما المتواتر منها وجهان فقط: "وعبَدَ" على وزن فَعَل بفتح الثلاثة مع نصب "الطاغوت" على المفعولية، و"عَبُد" على وزن فَعُل، بفتح الأول والثالث وضم الثاني مع خفض "الطاغوت". وفي كلمة: {أُفٍّ} 5 ذكر أبو حيان أربعين لغة6،

_ 1 الفاتحة: 3. 2 البحر المحيط 1/ 20. 3 المائدة: 60. 4 البحر المحيط 3/ 519. 5 الإسراء: 23، الأنبياء: 67، الأحقاف: 17. 6 البحر المحيط 6/ 23.

ولا تجد في المتواترة إلا ثلاثة أوجه فقط: "أُفَّ" بفتح الفاء مع تشديدها، و"أفِّ" بكسر الفاء مع تشديدها، و"أفٍّ" بكسر الفاء منونة مع تشديدها. وعلى هذا المنوال ستجد الأوجه المقرءوة المتواترة لا تتجاوز سبعة أوجه أبدًا؛ ولكن لا يلزم أن توجد كلمة في القرآن الكريم مقرءوة على سبعة أوجه؛ لأن الأوجه السبعة المنزلة نسخ من أفرادها الكثير في العرضة الأخيرة، فلعل ما بقي من أفراد تلك الأحرف المنزلة يبلغ ستة أوجه كحد أقصى لمواضع الخلاف1؛ لأنه لم يثبت أكثر من ستة أوجه متواترة في موضع في القرآن الكريم2.

_ 1 انظر هامش ص117. 2 راجع للتفصيل: مجلة كلية القرآن الكريم ص81-93.

هل المصاحف العثمانية تشتمل على الأحرف السبعة أم لا

هل المصاحف العثمانية تشتمل على الأحرف السبعة أم لا؟ للعلماء في ذلك آراء ثلاثة: أ- ذهب الطبري والطحاوي وابن حبان وابن عبد البر وغيرهم إلى أنها لا تشتمل إلا على حرف قريش فقط. واستدلوا على ذلك بقول عثمان -رضي الله عنه- للرهط القرشيين: "إذا اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم"1. قالوا: إن الأحرف نزلت في صدر الإسلام للتيسير على الأمة ورفع الحرج والمشقة عنها في القراءة، ولما ذللت الألسنة ومرنت على لغة قريش، أمرت جميع القبائل بالقراءة بلغة قريش. كما أن القراءة باللغات الكثيرة كانت مثار نزاع وخلاف بين المسلمين؛ لذلك اقتصر عثمان -رضي الله عنه- على لغة واحدة، وهي لغة قريش، أما القراءات الموجودة -على كثرتها وتعددها- فهي كلها تمثل حرفًا واحدًا فقط2. الرد على هذا القول: 1- لا يستقيم الاستدلال بقول عثمان -رضي الله عنه-

_ 1 صحيح البخاري 6/ 99. 2 انظر: "مباحث في علوم القرآن" لمناع القطان ص166، 167، وقال الدكتور/ محمد أبو شهبة: "وهو مذهب المحققين" المدخل لدارسة القرآن الكريم ص216.

على ما ذهبوا إليه؛ لأن المقصود من "إذا اختلفتم" اختلافهم في الرسم والكتابة، لا الاختلاف في جوهر الألفاظ وبنية الكلمات بدليل كلمة: "فاكتبوه". 2- معنى قول عثمان رضي الله عنه: "نزل بلسانهم" أي: في بادئ الأمر، أو أن معظمه نزل بلسان قريش؛ لأنها كانت اللغة النموذجية بالنسبة لسائر اللهجات العربية، ويكون ذلك من قبيل إطلاق الكل وإرادة البعض، مثل قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ} 1 والمراد: أطراف أصابعهم. 3- لا يوجد دليل على أن عثمان أمر بكتابة المصاحف على حرف واحد وترك بقية الأحرف الستة؛ بل وجود القراءات المتعددة المختلفة في القرآن الكريم دليل على بقاء تلك الأحرف المنزلة. ب- ذهب جماعة من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى أن المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة. واحتجوا: 1- بأنه لا يجوز للأمة إهمال شيء من الأحرف؛ لكونها منزلة قرآنًا. 2- نقلت المصاحف العثمانية من الصحف التي جمعها

_ 1 البقرة: 19.

أبو بكر وعمر، وقد كانت مشتملة على الأحرف السبعة. أما عثمان -رضي الله عنه- فأراد استنقاذ القرآن من اللحن فيه، فجمعهم على القراءات الثابتة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمرهم بترك ما سواها1. وقد وضح الدكتور/ الزرقاني المراد من هذا القول بقوله: "إن المصاحف العثمانية قد اشتملت على الأحرف السبعة كلها؛ ولكن على معنى أن كل واحد من هذه المصاحف اشتمل على ما يوافق رسمه من هذه الأحرف كلًّا أو بعضًا؛ بحيث لم تخلُ المصاحف في مجموعها عن حرف منها رأسًا"2. الرد على هذا القول: يُرد على هذا القول بما يلي: 1- أن القراءة بكل حرف من الأحرف السبعة ليست واجبة على الأمة، ونزول القرآن على الأحرف السبعة رخصة للتيسير على الأمة في أمر القراءة. 2- من المعلوم أن الشيء الكثير من أفراد الأحرف السبعة نسخ في العرضة الأخيرة وما قبلها، فما بقي منها أثبت في المصاحف العثمانية، وما نسخ منها تركت القراءة به.

_ 1 راجع: النشر 1/ 31-33. 2 مناهل العرفان 1/ 169.

ج- قول الجمهور: ذهب جمهور السلف والخلف إلى أن المصاحف العثمانية في مجموعها تشتمل على ما ثبت في العرضة الأخيرة من الأحرف السبعة، فليس كل مصحف بمفرده يشتمل على جميع الأحرف السبعة؛ بل الثابت من الأحرف السبعة منتشر في المصاحف العثمانية كلها1. أدلة هذا القول: 1- أن المصاحف العثمانية تم نسخها من الصحف التي جُمعت في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- وقد أجمع الصحابة على ما فيها من الأحرف السبعة. 2- لم يرد خبر صحيح ولا ضعيف عن عثمان أنه أمر بإلغاء بقية الأحرف. 3- الخلافات الموجودة في المصاحف العثمانية دليل قاطع على وجود الأحرف السبعة فيها، فلو كانت المصاحف مكتوبة بلغة واحدة وبحرف واحد فقط لما كان فيها وجود هذا الاختلاف. 4- وجود الكلمات القرآنية على لغات ولهجات أخرى كثيرة -غير لغة قريش- في المصاحف العثمانية دليل على أن المصاحف لم يقتصر في كتابتها على لغة قريش فقط.

_ 1 النشر 1/ 31.

قال ابن الجزري: "وهذا القول هو الذي يظهر صوابه؛ لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه وتشهد له"1.

_ 1 المرجع السابق.

المبحث الخامس: أوجه اختلاف القراءات

المبحث الخامس: أوجه اختلاف القراءات مدخل ... المبحث الخامس: أوجه اختلاف القراءات لا خلاف بين العلماء في وجود وثبوت اختلاف الأوجه القرائية؛ وإنما الخلاف في حصرها وتعيينها، والعلماء الذين رجحوا معنى "الأحرف السبعة" بالوجوه السبعة، حاولوا حصر الأوجه في سبعة، وقد ذُكرت عن كل من: 1- الإمام أبي حاتم السجستاني "ت255هـ". 2- الإمام ابن قتيبة الدينوري "ت276هـ". 3- الإمام القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني "ت403هـ". 4- الإمام أبي الفضل الرازي "ت454هـ". 5- الإمام ابن الجزري "ت833هـ". وهم مشتركون في أكثر تلك الأوجه؛ إلا أن البعض انفرد بذكر بعض الأوجه، وقد ذكرنا منها قول ابن قتيبة والرازي وابن الجزري في المبحث الرابع، فلا نعيدها هنا، وبقي أن نذكر قول السجستاني والباقلاني، ثم نذكر المآخذ على كل الأقوال من حيث العموم.

أولا: قول الإمام أبي حاتم السجستاني

أولًا: قول الإمام أبي حاتم السجستاني قال رحمه الله: ثم إني تدبرت الوجوه التي تتخالف فيها لغات العرب، فوجدتها على سبعة أنحاء، لا تزيد ولا تنقص، وبجميع ذلك نزل القرآن: 1- إبدال لفظ بلفظ آخر بمنزلته: نحو: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 1 و"فامضوا إلى ذكر الله". ونحو: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} 2 و"كالصوف المنفوش". وذلك مثل: الحوت والسمك، والعشب والكلأ، والنوم والرقود، والوعر والخشن، والسكين والمُدى. 2- إبدال حرف بحرف بمنزلته: مثل: {التَّابُوتُ} 3 و"التابوه". ومثاله من اللغة: قهرني وكهرني، الربا والرما. 3- تقديم وتأخير: إما في الكلمة وإما في الحروف فأما في الكلمة فنحو: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} 4. ومثاله من اللغة: سلب زيد ثوبه، وسلب ثوب زيد. وأما في الحروف فنحو: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ} 5 و"أفلم يأيس". ومثاله من اللغة: صعق وصقع وجبذ وجذب.

_ 1 الجمعة: 9. 2 القارعة: 5. 3 البقرة: 248. 4 التوبة: 111، وقد مثل هنا بمثالين آخرين، ولعله لا يستقيم التمثيل بهما. انظر: الأحرف السبعة للدكتور/ حسن عتر ص150. 5 الرعد: 31، ورسمها في المصحف هكذا: "يايئس".

4- زيادة حرف أو نقصانه: نحو: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} 1. ومثاله من اللغة: تعرفينه، وتعطينه. ومنهم من يسقط بعض الحروف ترخيمًا، نحو: "يا مال ليقض علينا ربك"2 بغير كاف من كلمة "مالك". ومنه قوله تعالى: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ} 3. ومثاله من اللغة: يا صاح في "يا صاحب". 5- اختلاف حركات البناء: نحو: {الْبُخْلِ} 4 والبَخَل، و {مَيْسَرَةٍ} 5 وميسُرة، ومنه إشمام بعضهم الضمة في: قيل، وغيض ونحوهما. ومثاله من اللغة: نَعَم ونَعِم. 6- اختلاف الإعراب: نحو: {مَا هَذَا بَشَرًا} 6 و"ما هذا بشرٌ". ونحو: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} 7.

_ 1 الحاقة: 28، 29، فالهاء في كلمة "ماليه" و"سلطانيه" زائدة، وتسمى: هاء السكت. 2 الزخرف: 77. 3 هود: 109. 4 النساء: 37. 5 البقرة: 280. 6 يوسف: 31. 7 طه: 63.

ومثاله من اللغة: ما زائد حاضر "أي: ما زيد حاضر". ومررت برجلان وقبضت منه درهمان، على لغة الحارث بن كعب. 7- إشباع الصوت بالتفخيم والإظهار أو الاقتصاد به بالإضجاع والإدغام والفتح والإمالة، ثم تختلف مذاهب العرب في الإدغام والإظهار في كثير من الحروف1.

_ 1 راجع: الأحرف السبعة ص148-153.

ثانيا: قول القاضي أبي بكر الباقلاني

ثانيًا: قول القاضي أبي بكر الباقلاني قال الباقلاني فيما حكى القرطبي عنه: تدبرت وجوه الاختلافات في القراءة فوجدتها سبعة: 1- منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، نحو: "هن أطهرْ لكم"1 و"أطهرُ" أي: بإسكان الراء وضمها، و"يضيقْ صدري"2 و"يضيقُ صدري" أي: بإسكان القاف وضمها. 2- ومنها ما لا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب، مثل: "ربنا بَاعَد بين أسفارنا"3 و"باعِدْ" أي: بصيغة الماضي والطلب.

_ 1 هود: 78. 2 الشعراء: 13. 3 سبأ: 19.

3- ومنها ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف، مثل: {كَيْفَ نُنْشِزُهَا} 1 و"ننشرها" أي: بالزاء وبالراء. 4- ومنها ما تتغير صورته ويبقى معناه، مثل: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} 2 و"كالصوف المنفوش". 5- ومنها ما تتغير صورته ومعناه، مثل: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} 3 و"طلع منضود" بالحاء والعين. 6- ومنها التقديم والتأخير، مثل: {جَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} 4 و"سكرة الحق بالموت". 7- ومنها الزيادة والنقصان، نحو: {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} 5 و"له تسع وتسعون نعجة أنثى"6.

_ 1 البقرة: 259. 2 القارعة: 5. 3 الواقعة: 29. 4 ق: 19. 5 ص: 23. 6 انظر: نكت الانتصار للباقلاني ص120-123، وقد ذكر فيه هذه الوجوه بغير هذا الترتيب والأمثلة، وقد نقلتها هنا من مناهل العرفان 1/ 160.

مآخذ على الأقوال في الأوجه

مآخذ على الأقوال في الأوجه: أ- لقد اتفق الجميع على أن الأوجه تنحصر في سبعة؛ إلا أنهم اختلفوا في تعيينها. ب- انفرد الرازي بذكر اختلاف اللهجات ضمن الأوجه، وقد أهملها ابن قتيبة وتبعه الباقلاني في ذلك. ولم يذكر السجستاني إلا بعض الخلافات الأصولية في الوجه السابع، أما ابن الجزري فلا يراها من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى، ويقول: ولئن فرض فيكون من الأول1. رغم أن الخلافات الأصولية في أحرف القرآن شيء كثير. ج- استشهدوا للتمثيل ببعض هذه الأوجه بالقراءات الشاذة أو الضعيفة أو المنكرة. د- الحكمة من تعدد الأحرف: رفع الحرج والمشقة من الأمة الأمية، والأنواع التي ذكروها معظمها يتعلق بالخط والكتابة، ولا يدركها إلا المحققون من خواص العلماء، فكيف يكون اليسر فيها للأمة التي لا تعرف الكتابة ولا القراءة؟! هـ- تكلفوا كثيرًا في محاولتهم لحصر الأوجه في سبعة؛ بحيث يمكننا أن نقول: إن الأوجه في نفسها شيء، والأنواع التي ذكروها شيء آخر مغاير لها.

_ 1 النشر 1/ 27.

ز- من الممكن أن نرجع تلك الأنواع السبعة إلى ثلاثة كما فعل ابن الجزري1: 1- اختلاف اللفظ والمعنى واحد: نحو: "الصراط" و"القدس" مما يطلق عليه أنه لغات فقط، فقد تقرأ "الصراط" بالصاد والسين والإشمام، وتقرأ "القدس" بضم الدال وإسكانها. 2- اختلاف اللفظ والمعنى مع جواز اجتماعهما في شيء واحد: نحو: {كَيْفَ نُنْشِزُهَا} 2 بالراء والزاء. والإنشار -كما قال ابن قتيبة- الإحياء، والإنشاز: هو التحريك للنقل، والحياة حركة، فلا فرق بينهما3. 3- اختلاف اللفظ والمعنى وعدم اجتماعهما في شيء واحد؛ إلا أنه اختلاف تنوع وتغاير لا تضاد وتناقض: نحو: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} 4 بالتشديد والتخفيف. و"الظن" على قراءة التشديد بمعنى "اليقين"،

_ 1 النشر 1/ 49، 50، وتبعه القسطلاني في لطائفه 1/ 37، 38. 2 البقرة: 259. 3 تأويل مشكل القرآن ص41. 4 يوسف: 110.

والضمائر الثلاثة للرسل، فيكون المعنى: وتيقن الرسل أن أقوامهم قد كذَّبوهم في رسالاتهم. و"الظن" على قراءة التخفيف بمعنى "الشك"، والضمائر الثلاثة للمرسَل إليهم؛ أي: وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كَذَبوهم فيما أمروهم به. فعلى هذا لا تضاد ولا تناقض وإن امتنع اجتماعهما في شيء واحد1.

_ 1 اقرأ للمآخذ على هذه الأقوال: مقال الدكتور/ عبد العزيز القارئ، حول حديث "الأحرف السبعة" وصلتها بالقراءات ص72-76، وكتاب "الأحرف السبعة" للدكتور/ حسن ضياء الدين عتر، ص166، 167.

المبحث السادس: الحكم والفوائد في اختلاف القراءات

المبحث السادس: الحِكَم والفوائد في اختلاف القراءات ذكر الإمام ابن الجزري وغيره الحكم والفوائد في اختلاف القراءات؛ ومن أبرزها: 1- فيها دليل قاطع على أن القرآن الكريم كلام الله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} 1. وأكبر برهان وأعظم حجة في ذلك هو: عدم وجود أي تناقض أو تضاد في الوجوه المختلفة: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} 2. 2- فيها برهان قاطع على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فبرغم تعددها وتنوع الأداء فيها، أداها كما نزلت عليه "هكذا أنزلت". 3- فيها دلالة على عظمة هذه الأمة؛ حيث تلقت القرآن الكريم بالحروف المختلفة، ووعتها، وأحكمت ضبطها، وهي مَنْقَبَةٌ عظيمة، وميزة لها كبرى، تنفرد بها عن سائر الأمم.

_ 1 حم السجدة: 2، 3. 2 النساء: 82.

4- فيها دلالة على صيانة كتاب الله وحفظه من التبديل والتحريف مع كونه مشتملًا على الحروف والأوجه الكثيرة: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1. 5- أجلّ حكمة وأعظمها هي التيسير على الأمة في أمر القراءة والتخفيف عنها، رُوعي في ذلك اختلاف اللغات واللهجات، كما روعي في ذلك جميع الفئات: من شيخ كبير، وطفل صغير، وامرأة عجوز، ومن لم يقرأ كتابًا قط. 6- فيها سهولة الحفظ وتيسير النقل، فحفظ كلمة ذات وجوه مختلفة أيسر من حفظ جمل من الكلام على وجه واحد. 7- فيها يظهر إعجاز القرآن ويتجلى بإيجاز الكلام، فتقرأ كلمة واحدة بأكثر من وجه وهي برسم واحد، فتدل كل قراءة على حكم شرعي دون تكرار اللفظ وإعادة الخط، نحو: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 2. فقراءة النصب في "وأرجلكم" تدل على فرضية الغَسْل، وقراءة الجر تدل على جواز المسح على الخفين. 8- فيها بيان المجمل وتوضيح المبهم نحو: "فامضوا إلى ذكر الله" فهي وإن كانت قراءة شاذة إلا

_ 1 الحجر: 9. 2 المائدة: 6.

أنها تبين معنى القراءة المتواترة: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 1 فليس المراد من "السعي" المشي السريع. 9- لها تأثير في الأحكام الفقهية: أ- فقد تبين حكمًا مجمعًا عليه، كما في قراءة شاذة: "وله أخ أو أخت / من أم"2 فكون الإخوة من أم أمر مجمع عليه. ب- وقد ترجح حكمًا مختلفًا فيه: "أو تحرير رقبة / مؤمنة"3. وذلك في كفارة اليمين، وهو شرط عند الإمام الشافعي رحمه الله. ج- وقد تجمع بين حكمين مختلفين؛ كقراءة: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 4 بالتخفيف أو بالتشديد، فقراءة التخفيف تدل على أصل الطهارة، وذلك بانقطاع الحيض، وقراءة التشديد تشير إلى التأكد من الطهارة، وذلك بالاغتسال، فينبغي الجمع بينهما. 10- فيها سند لقواعد نحوية وصرفية كما في قراءة:

_ 1 الجمعة: 9. 2 النساء: 12. 3 المائدة: 89، وهي قراءة شاذة. 4 البقرة: 222.

{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} 1. بالنصب في "الأرحام" وبالخفض، فقراءة النصب حجة للكوفيين، وقراءة الخفض حجة للبصريين. 11- فيها حجة لأهل الحق، ودفع لأهل الأهواء والزيغ، كما في قراءة: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} 2. فعلى قراءة شاذة: "مَلِكًا" -بفتح الميم وكسر اللام- أعظم دليل على رؤية الله تعالى في الآخرة. 12- فيها تمثيل للغات واللهجات العربية المختلفة؛ وبذلك حفظت القراءاتُ اللغةَ العربيةَ من الضياع والاندثار، فللقرآن والقراءات مِنَّةٌ على أهل العربية. الخلاصة: إن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات، وذلك ضرب من ضروب البلاغة، يبتدئ من جمال هذا الإيجاز، وينتهي إلى كمال الإعجاز، والقراءات كلها معجزة، والتحدي قائم بكل حرف من تلك الحروف، وبذلك تتعدد المعجزات بتعددها3.

_ 1 النساء: 1. 2 الإنسان: 20. 3 راجع للتفصيل: النشر في القراءات العشر 1/ 28، 29، ومناهل العرفان 1/ 149.

المبحث السابع: معالجة بعض الشبهات حول القراءات

المبحث السابع: معالجة بعض الشبهات حول القراءات مدخل ... المبحث السابع: معالجة بعض الشبهات حول القراءات مما لا شك فيه أن أعداء الإسلام يحاولون -بشتى الوسائل- إيثار الجدل والخلاف بين المسلمين، وإيثار الشكوك والشبهات في مصدر التشريع الأول القرآن الكريم؛ طمعًا منهم في كسب بعض ضعاف الإيمان من المنتسبين إلى الإسلام؛ ليرفعوا بهم خسيستهم، وللأسف أنه يوجد في المسلمين -من هذا النوع- من يتأثر بزخرفة كلام أولئك الأعداء -خاصة بعد نشأة الاستشراق الألماني والأوربي- فيؤذي الإسلام وأهله بأشد مما يؤذيه أعداؤه. ونحن نذكر -هنا- بعض الشبه التي يثيرها الأعداء حول القراءات واختلافها وتعددها، وحول نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة ... ثم نذكر كلام العلماء في الرد عليها.

الشبهة الأولى: حول مصدر القراءات

1- الشبهة الأولى: حول مصدر القراءات ذهب بعض المستشرقين إلى أن مصدر القراءات هو اللهجات واللغات، وتبعهم في ذلك المتتلمذ عليهم د/ طه حسين في كتابه السخيف "الأدب الجاهلي"؛ حيث يقول: " ... والحق أنه ليست هذه القراءات السبع من الوحي في قليل ولا كثير، وليس منكرها كافرًا، ولا فاسقًا، ولا مغتمزًا في دينه؛ وإنما هي قراءات مصدرها اللهجات واختلافها ... "1.

_ 1 ص95، 96، راجع: "القراءات القرآنية" للدكتور/ عبد الهادي الفضلي ص96.

الرد على هذه الشبهة

الرد على هذه الشبهة: أ- يكفي في الرد على مثل هذه الشبهة: إلقاء نظرة خاطفة على مفردات القراءات؛ حيث يتضح جليًّا بمشاهدة فرش الحروف أنه ليس كل القراءات لهجات ولغات، وإن كان أكثر الأصول من قبيل اللهجات؛ كالفتح والإمالة، والهمز، والإبدال، والتسهيل، والصلة أو الإسكان، وما إلى ذلك. أما فرش الحروف فأكثرها لا يتعلق باللهجات، ونمثل لذلك ببعض القراءات الآتية من سورة البقرة: 1- {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} 1 تُقرأ "يَخْدَعُون" و"يُخَادِعون". 2- {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} 2 تقرأ بالتذكير والتأنيث. 3- {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} 3 تقرأ بالإفراد وبالجمع.

_ 1 البقرة: 9. 2 البقرة: 48. 3 البقرة: 81.

4- {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} 1 تقرأ بالنون "نَغْفِرْ" وبالياء "يُغْفَرْ" وبالتاء "تُغْفَرْ". 5- {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} 2 تقرأ بنصب الراء وبرفعها. وما إلى ذلك من القراءات الفرشية الأخرى الكثيرة، ماذا فيها من اللهجات؟ فهل يستقيم قول السقيم بأن مصدرها اللهجات؟ وما من شك أن مثل هذه الأقوال نوع من الإلحاد والزندقة والمروق من الدين -والعياذ بالله- ومحاولات فاشلة لهدم أساس الإسلام، والطعن في مصدر الشريعة: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 3. ب- أما الخلافات الأصولية، فهي وإن كانت من قبيل اختلافات اللهجات؛ ولكنها من النوع الذي أمضاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- تيسيرًا وتوسعة على الأمة، ومع ذلك فمصدره هو الرواية والنقل، وليس الاجتهاد أو القياس، فقد رُوي عدم الإمالة في ذوات الياء من القراء الذين اختاروا

_ 1 البقرة: 58. 2 البقرة: 177. 3 التوبة: 32.

الإمالة فيها؛ وذلك لعدم ثبوت الإمالة فيها لديهم من حيث الرواية. فمثلًا: مذهب الإمام حمزة إمالة الكلمات التي رسمت في المصاحف العثمانية بالياء، سواء كانت ألفها منقلبة عن الياء أو لا، ما عدا بعض الكلمات؛ منها: كلمة {سَجَى} 1 في سورة الضحى. فلا يميلها -وإن كانت مرسومة بالياء- لعدم ورودها وثبوتها رواية. وكثيرًا ما ترد الرواية عن إمام من أئمة القراء في بعض حروف القرآن على وجه واحد، حتى يصير أصلًا من أصوله، ثم تجده يخالف أصله هذا في موضع واحد، أو في مواضع معدودة قليلة، فلا تجد مسوغًا لذلك إلا اتباع الرواية، فمثلًا: تجد الإمام أبا جعفر المدني يقرأ كلمة "يَحزُن" بفتح الياء وضم الزاء في سائر القرآن، ثم تجده يقرأ "يُحزِن" بالأنبياء بضم الياء وكسر الزاء، في موضع واحد فقط. وتجد نافع بن أبي نعيم تلميذ أبي كعفر يعكس، فيقرؤها في سائر القرآن بضم الياء وكسر الزاء، ثم يأتي على موضع الأنبياء فيقرؤه بفتح الياء وضم الزاء.

_ 1 الضحى: 2.

وتجد حفص بن سليمان يقرأ سائر الألفات في القرآن بالفتح ولا يميل منها شيئًا، حتى إذا أتى على قوله تعالى: {مَجْرَاهَا} بهود أمال الألف موضعًا واحدًا فقط. وكذلك تجده لا يسهل شيئًا من الهمزات في القرآن، سواء اجتمعت همزتان في كلمتين أو في كلمة واحدة، إلا في: {أَأَعْجَمِيٌّ} بفصلت، فيسهل ثانيتهما قولًا واحدًا، وكذا في {آلْآنَ} [يونس: 51، 91] و {آللَّهُ} [يونس: 59، والنمل: 59] و {آلذَّكَرَيْنِ} [الأنعام: 143، 144] فيسهل الثانية فيها بخلف عنه. وهكذا لا تجد أصلًا من أصول القراء يطرد في سائر المواضع إلا وتجد مواضع مستثناة يخالفها، وهذا يدل بوضوح على أن الشأن للرواية، وليس للقياس أو الاجتهاد اعتبار1.

_ 1 راجع: مجلة كلية القرآن الكريم ص137.

الأدلة على أن مصدر القراءات الوحي الرباني

الأدلة على أن مصدر القراءات الوحي الرباني: من المعلوم من الدين بالضرورة أن القرآن وحي رباني، أوحاه الله -عز وجل- إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بواسطة جبريل الأمين -عليه السلام- قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} 1. ومهمة جبريل -عليه السلام- تعليمه للرسول -صلى الله عليه وسلم- وإنزاله عليه، ومهمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تبليغه للناس بأمر من الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} 2، {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} 3. وليس للرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يغير حرفًا مكان حرف، أو كلمة مكان كلمة أخرى، وهذا أمر مجمع عليه في الأمة الإسلامية4. أ- الأدلة من القرآن الكريم: هناك العديد من الآيات القرآنية تدل دلالة واضحة على أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس له تبديل الكلمات أو الحروف القرآنية. قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ

_ 1 الشعراء: 192-195. 2 المائدة: 67. 3 الحجر: 94. 4 انظر: "مراتب الإجماع" لابن حزم ص173.

يَوْمٍ عَظِيمٍ، قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} 1. وقال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} 2. وقال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} 3. وإذا كانت القراءات جزءًا من القرآن الكريم، فهي كذلك من عند الله عز وجل، ومنزلة وحيًا منه تبارك وتعالى. وإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يستطيع أن يغير كلمة بكلمة أو حرفًا بحرف، فغيره من باب أولى. ب- الأدلة من السنة: أحاديث نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة تدل دلالة واضحة على أن القراءات منزلة من الله عز وجل، وليس للرسول - صلى الله عليه وسلم- فيها سوى التبليغ، وتدل تلك الأحاديث على أن الصحابة -رضي الله عنهم- تلقوها من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم تلقاها عنهم التابعون

_ 1 يونس: 15، 16. 2 الحاقة: 44-47. 3 النجم: 3-5.

ومن بعدهم حتى وصلت إلينا متواترة جيلًا بعد جيل1. وقد ذكر ابن الجزري في النشر أثر عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت -رضي الله عنهما- وفيه: "القراءة سُنة يأخذها الآخِر عن الأول، فاقرءوا كما علمتموه"2. وذكر ابن مجاهد أحاديث تحذر الابتداع في القراءة؛ منها: 1- عن ابن مسعود: رضي الله عنه- قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم"3. 2- وعن علي -رضي الله عنه- قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمركم أن تقرءوا القرآن كما علمتم"4. ج- أقوال العلماء: قال ابن الجزري: "وكل ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك فقد وجب قبوله ... وأن كله منزل من عند الله؛ إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب الإيمان بها كلها ... "5.

_ 1 راجع أحاديث نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة في المبحث الرابع من الفصل الأول. 2 النشر 1/ 17، وانظر: "السبعة" لابن مجاهد ص49-52، فقد خرج الأثر بطرق متعددة عن: عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعروة بن الزبير، ومحمد بن المنكدر، وعمر بن عبد العزيز، وعامر الشعبي. 3 السبعة ص46. 4 المرجع السابق. 5 النشر 1/ 51.

وقال: "وبهذا افترق اختلاف القراء من اختلاف الفقهاء، فإن اختلاف القراء كله حق وصواب نزل من عند الله، وهو كلام لا شك فيه، واختلاف الفقهاء اختلاف اجتهادي، والحق في نفس الأمر فيه واحد، فكل مذهب بالنسبة إلى الآخر صواب يحتمل الخطأ، وكل قراءة بالنسبة إلى الأخرى حق وصواب في نفس الأمر، ونقطع بذلك ونؤمن به ... "1. وأقوال العلماء في اشتراط التواتر لقبول القراءات برهان قاطع على أن القراءات من الله عز وجل. يقول الإمام أبو عمرو الداني: "وأئمة القراءة لا تعتمد في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة، والأقيس في العربية؛ بل على الأثبت في الأثر، والأصلح في النقل، والرواية إذا ثبتت عندهم لا يردها قياس عربية، ولا فُشُو لغة؛ لأن القرآن سُنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها"2. وعلى ضوء تلك الآيات والأحاديث والآثار وأقوال العلماء منع العلماء القراءة بالقياس المطلق؛ وهو الذي ليس له أصل في

_ 1 المرجع السابق 1/ 52. 2 النشر لابن الجزري 1/ 10، 11، نقلًا عن جامع البيان للداني.

القراءة يرجع إليه، ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه1. ولهذا قال الإمام الشاطبي رحمه الله: وما لقياس في القراءة مدخل ... فدونك ما فيه الرضا متكفلا2 ومن ثَمَّ قال غير واحد من أئمة القراء: لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قُرئ به لقرأت حرف كذا كذا، وحرف كذا كذا3.

_ 1 النشر 1/ 17. 2 متن الشاطبية، البيت رقم: 354. 3 راجع "السبعة" لابن مجاهد ص48، والنشر 1/ 17.

هل يجوز الاجتهاد في القراءات

هل يجوز الاجتهاد في القراءات: يقول بعض الناس: يجوز الاجتهاد في القراءات. ولعل مستدلهم في ذلك فهمهم الخاطئ لأحاديث نزول القرآن الكريم بالأحرف السبعة؛ حيث يعتبرون ذلك إذنًا من الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بقراءة القرآن الكريم، لكل على لغته ولهجته كيفما شاء، ولو لم تكن القراءة مأثورة. ولذلك أجاز البعض القراءة بالقياس المقبول. وهو حمل ما لم يروَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما رُوي عنه، في جواز القراءة به لعلة مشتركة بين

الحرفين تسوغ ذلك، وذلك نحو قراءة "وحللنا" بدل "ووضعنا" في قوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} 1. أو حمل ما له وجه ضعيف على ما له وجه قوي؛ كإظهار الميم المقلوبة من النون الساكنة أو التنوين، وترقيق الراء الساكنة قبل الكسرة والياء2. وما من شك في أن القول بذلك مردود على قائله؛ لأن القرآن لا يُؤخذ بالقياس أو الاجتهاد في ألفاظه، ومما ذكرنا من أقوال العلماء فيما سبق ومن بيت الإمام الشاطبي -رحمه الله- كفاية في الرد على أمثال هؤلاء الجهلة الذين لا يقصدون من وراء مثل هذه الأقوال الساقطة إلا هدم أساس الإسلام عن علم أو عن جهل. قال ابن مجاهد: ولم أرَ أحدًا ممن أدركت من القراء وأهل العلم باللغة وأئمة العربية يرخصون لأحد في أن يقرأ بحرف لم يقرأ به أحد من الأئمة الماضين، وإن كان جائزًا في العربية؛ بل رأيتهم يشددون في ذلك، وينهون عنه، ويروون الكراهة له عمن تقدم من مشايخهم؛ لئلا يجسر على القول في القرآن بالرأي أهلُ الزيغ، وينسبون مَن فعله إلى البدعة والخروج عن

_ 1 الانشراح: 2. 2 راجع: النشر 1/ 18.

الجماعة، ومفارقة أهل القبلة، ومخالفة الأمة1. ويقول الباقلاني: "ولو قرأ قارئ مكان قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} "ووافى ربك" وما أشبه ذلك؛ لكان ممنوعًا بإجماع المسلمين"2. يقول بدر الدين الزركشي: إن القراءات توقيفية وليست اختيارية ... وقد انعقد الإجماع على صحة قراءة هؤلاء الأئمة، وأنها سُنة متبعة، ولا مجال للاجتهاد فيها ... وإنما كان كذلك؛ لأن القراءة سُنة مروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا تكون القراءة بغير ما رُوي عنه3. ومن المعلوم أن القياس حجة شرعية -عند عدم وجود النص من الكتاب أو السنة أو الإجماع- ولكنها ظنية في ثبوتها، ولا يجوز الرجوع إليها باعتباره أصلًا مستقلًّا بنفسه، أو مصدرًا أساسيًّا إلا بدليل خاص من القرآن أو السنة أو العقل السليم، وليس في القرآن أو السنة ما يسوغ الرجوع إليها في القراءات. والعقل هنا يمنع من القياس في القراءات؛ لأن

_ 1 التبيان، للشيخ طاهر الجزائري ص120. 2 نكت الانتصار ص119. 3 التبيان، للشيخ طاهر الجزائري ص118.

قرآنية القرآن لا تثبت إلا بما ينهى ويوصل إلى اليقين، والقياس -هنا- لا يوصل إلى يقين1. ولو كان للقياس اللغوي دور وتأثير في القراءة ما قرأ أبو عمرو -وهو أحد أعلام اللغة- "بارئْكم" بإسكان الهمزة، ولا قرأ مثلها: "يأمركم، يأمرهم، تأمرهم، ينصركم، يشعركم" كل ذلك بإسكان الراء المرفوعة عند غيره؛ إذ لا وجه لذلك عند أهل اللغة؛ ولذلك رد هذه الرواية سيبويه والمبرد وغيرهما. وكذلك ما كان لابن عامر أن يقرأ "وكذلك زين لكثير من المشركين قتلُ أولدَهم شركائِهم"2 بالفصل بالمفعول بين المضاف والمضاف إليه. وما كان لأبي جعفر أن يقرأ: "ليُجزى قومًا بما كانوا يكسبون"3 ببناء "يجزى" للمفعول ونصب "قومًا". ولا لحمزة أن يقرأ: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ"4 بخفض "الأرحام"؛ وذلك لأن كل هذه الأوجه يصعب على أهل اللغة أن يجدوا لأنفسهم فيها مخرجًا أو

_ 1 راجع: "القراءات القرآنية" ص95، 96. 2 الأنعام: 137. 3 الجاثية: 14. 4 النساء: 1.

تأويلًا1؛ ولكن لم يسغ للقراء النحويين أمثال: ابن العلاء والكسائي أن ينكروها لثبوتها سندًا ورواية. الخلاصة: إن القراءات منزَّلة من عند الله -عز وجل- ومصدرها وحي رباني، لا يجوز أخذها بالقياس أو الاجتهاد في ألفاظ القرآن الكريم، وهي وإن كانت تشتمل على اللغات واللهجات ولكن لا يجوز الأخذ ولا القراءة بلهجة أو بلغة إلا بأثر ورواية مسندة.

_ 1 راجع مقال الدكتور/ القارئ في "الأحرف السبعة" في مجلة كلية القرآن الكريم ص138.

الشبهة الثانية: أسباب اختلاف القراءات وتعددها

الشبهة الثانية: أسباب اختلاف القراءات وتعددها نذكر هنا -أولًا- أقوال الناس في أسباب الاختلاف في القراءات، ومن ضمنها قول المستشرقين في ذلك، والرد عليه، ونذكر بعد ذلك السبب الأساسي في اختلاف القراءات. ذكر بعض الناس أسبابًا متعددة في اختلاف القراءات؛ منها: 1- اختلاف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم لم يلتزم عند تعليمه القرآن للمسلمين لفظًا واحدًا، وتدل على ذلك أحاديث نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة؛ حيث صوَّب الرسول -صلى الله عليه وسلم- قراءة كل من اختلف من الصحابة مع زميله، وقال كل واحد منهم أنه أخذها من الرسول صلى الله عليه وسلم. والقراءات المتواترة بكثرتها خير دليل على ذلك؛ حيث إنها رُويت بأسانيدها الصحيحة المتواترة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. 2- اختلاف تقرير النبي -صلى الله عليه وسلم- لقراءة الصحابة:

حيث كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- مأمورًا بأن يقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم، فالهذلي يقرأ: "عتى حين" بالعين بدل الحاء، والأسدي يقرأ: "تعلمون" و"تسود" بكسر التاء، والتميمي يهمز، والقرشي لا يهمز، فجعل الله لهم متسعًا في اللغات كتيسيره عليهم في الدين1. 3- اختلاف النزول: كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعرض القرآن على جبريل في كل رمضان، وتلقى الصحابة حروف كل عرض، فمنهم من قرأ على حرف، ومنهم من قرأ على حرف آخر، وقد اجتمعوا على عرضات أخيرة، فلم يقع الاختلاف إلا في أحرف قليلة، وألفاظ متقاربة، ولعل قصة اختلاف عمر وهشام -رضي الله عنهما- تدل على اختلاف النزول؛ حيث فيها: "كذلك أنزلت"؛ ولهذا اختلفت المصاحف العثمانية في أحرف قليلة، وقد فرقها الصحابة في المصاحف.

_ 1 "القراءات القرآنية" للدكتور/ عبد الهادي الفضلي ص105، 106، نقلًا عن تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص39، والظاهر أن إيراده لكلام ابن قتيبة لا يتناسب مع العنوان، فالعنوان يبين أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقرئهم؛ وإنما أقرَّ قراءاتهم اللغوية، وكلام ابن قتيبة صريح في أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي أقرأ الكل على لغته ولهجته، وهذه هي الحقيقة، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يعطِ أحدًا الحرية في أمر القراءة؛ بحيث يقرأ على لغته ولهجته كيفما شاء.

4- اختلاف الرواية عن الصحابة: ذلك أن الصحابة قد اختلف أخذهم للقرآن من فِيِّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- فمنهم من أخذ بحرف، ومنهم من أخذ بحرفين أو أكثر، كما أن قراء المصاحف العثمانية من الصحابة كانوا على علم بالقراءات المختلفة؛ ولذلك اختلف أخذ التابعين عنهم، وأخذ تابعي التابعين عن أساتذتهم من التابعين، وهلم جرًّا ... إلى أن وصل الأمر إلى الأئمة المشهورين الذين تخصصوا وانقطعوا للقراءات. 5- اختلاف اللغات أو اللهجات: ذهب إليه ابن قتيبة وأبو شامة، ويدل على قولهما ما رواه الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الله تعالى أنزل هذا القرآن بلغة كل حي من أحياء العرب1. وتبناه بعض المعاصرين من تلامذة المستشرقين، والحق أن اختلاف اللغات أو اللهجات ليس هو في جميع القراءات؛ وإنما في بعضها2. يقول الدكتور/ عبد الهادي الفضلي: وهذا النوع من الاختلاف داخل -فيما أرى-

_ 1 عزاه الدكتور/ الفضلي إلى الأدب الجاهلي ص95، انظر: "القراءات القرآنية" ص108. 2 راجع ما ذكرناه في الرد على الشبهة الأولى.

ضمن تقرير النبي -صلى الله عليه وسلم- وإمضائه لقراءات المسلمين ... والملاحظ أن هذه الأسباب المذكورة يُرجع أصحابها القراءات على اختلافها إلى قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو تقريره، وإلى أنها كانت تيسيرًا للأمة ورحمة بها1. 6- عدم النقط والشكل واجتهاد القراء في هيكل الكلمات القرآنية: ذهب إليه المستشرق جولد تسيهر2، وتأثر به بعض المعاصرين من المنتسبين إلى الإسلام. ولقد تصدَّى للرد على هؤلاء كثيرون؛ منهم: 1- محمد طاهر الكردي في: تاريخ القرآن. 2- عبد الوهاب حمودة في: القراءات واللهجات. 3- عبد الفتاح القاضي في: القراءات في نظر المستشرقين والملحدين. وخلاصة تلك الردود: أ- إن وجود القراءات المختلفة كان قبل نقط المصاحف وشكلها؛ بل قبل نسخ المصاحف العثمانية

_ 1 القراءات القرآنية ص109، بتصرف. 2 راجع كلام جولد تسيهر والرد عليه في كتاب "رسم المصحف" للدكتور/ عبد الفتاح شلبي ص17 وما بعدها.

ووجودها؛ حيث كان الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على حفظ المصاحف والسطور، وتدل عليه أحاديث المخاصمة بين بعض الصحابة في بعض القراءات1. ب- اعتماد القراءات على النقل والرواية؛ ولذلك لم تقبل القراءات الموضوعة والمستنبطة من الرسم وهيكل الكلمات القرآنية، وأكبر دليل على ذلك أن القراء كلهم اتفقوا على نقل بعض الكلمات رغم مخالفتها لصريح الرسم؛ منها: كلمة "إيلافهم" في سورة "قريش" حيث أجمعت المصاحف على إثبات الياء في الموضع الأول رسمًا، فأثبتها القراء العشرة -ما عدا ابن عامر- قراءة، وأجمعت المصاحف على حذفها في الموضع الثاني رسمًا؛ ولكن أثبتها القراء العشرة -ما عدا أبا جعفر- قراءة؛ لثبوتها نقلًا ورواية2.

_ 1 راجع المبحث الرابع من الفصل الأول. 2 {لِإِيلافِ} : قرأ ابن عامر بالهمزة بعد اللام بدون ياء على وزن: لعلاف، وقرأ أبو جعفر بياء ساكنة بلا همز "لِيلاف"، والباقون بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة: "لإيلاف". أما كلمة {إِيلافِهِمْ} : فقد قرأها أبو جعفر بهمزة مكسورة بلا ياء على رسمها: "إِلافهم"، والباقون بالهمزة وياء ساكنة بعدها "إيلافهم". راجع توجيه كل قراءة في الكلمتين في كتاب "إتحاف فضلاء البشر" 2/ 631.

يقول الشيخ محمد بن الحاج فيما نقل عنه الصفاقسي في غيث النفع: "لا يلزم موافقة التلاوة للرسم؛ لأن الرسم سُنة متبعة، قد توافقه التلاوة وقد لاتوافقه، انظر كيف كتبوا "وجايء"1 بالألف قبل الياء، و"لأ اذبحنه"2، و"ولأ اوضعوا"3 بألف بعد "لا"، ومثل هذا كثير، والقراءة بخلاف ما رُسِمَ"4. ويقول أبو شامة: "والقراءة نقل، فما وافق منها ظاهر الخط كان أقوى، وليس اتباع الخط بمجرده واجبًا ما لم يعضده نقل"5. ج- تناقض جولد تسيهر فيما ادعاه أولًا، وفيما انتهى إليه آخِرًا، فقد ختم حديثه عن القراءات بما هدم به من نتائج، وما تمسك به من نظريات، بنقله قول علي -رضي الله عنه- أنه قال عندما سئل عن تحويل آية من القرآن إلى معنى قصده: "إن

_ 1 الزمر: 69، والفجر: 23. 2 النمل: 21. 3 التوبة: 47. 4 ص: 218. 5 إبراز المعاني ص406.

القرآن لا يهاج1 اليوم ولا يحول". وبقوله: "لا اعتراف بصح قراءة، ولا تدخل قراءة في دائرة التعبير القرآني المعجز المتحدي لكل محاولات التقليد إلا إذا أمكن أن تستند إلى حجج من الرواية موثوق بها". وبأقواله الأخرى التي تنص على أنه لا رأي للمسلمين في القراءة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عمل إلا بما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- ولا قبول إلا لما قرأ به ... فثبت بذلك كله أن الاختلاف في القراءات لم يكن بسبب الرسم أو عدم نقط المصاحف وشكلها؛ بل يرجع ذلك إلى النقل والرواية. د- إن الاختلافات بين المصاحف العثمانية من حيث الرسم قليلة: فالاختلاف بين مصحفي الكوفة والبصرة كان في خمسة أحرف. وبين مصحفي المدينة والعراق في "12" حرفًا.

_ 1 هاج الشيء: ثار، من الهيجاء بمعنى: الحرب، واقرأ قول علي -رضي الله عنه- في تفسير القرطبي 17/ 208: "وفي القراءات الشاذة لابن خالويه: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} قرأها علي بن أبي طالب بالعين على المنبر، فقيل له: أفلا نغيره في المصحف؟ قال: ما ينبغي للقرآن أن يهاج" أي: لا يغير. انظر هامش كتاب "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ص37، بتحقيق السيد أحمد صقر.

وبين مصحفي الشام والعراق في نحو أربعين حرفًا. أما القراءات فكثيرة لا حصر لها1. هـ- اختلاف مرسوم المصاحف قام على أساس اختلاف القراءات المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعنى هذا: أن القراءات واختلافها لم يتولد على أساس اختلاف مرسوم المصاحف2. الخلاصة: إن أسباب اختلاف القراءات ترجع إلى سببين رئيسين -كما ذهب إليه الدكتور/ عبد الهادي الفضلي3- وهما: 1- تعدد النزول: ويدخل فيه قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعض تقريره، والكثير من المروي عن الصحابة. 2- تعدد اللهجات: ويدخل فيه القليل من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- والكثير من تقريره.

_ 1 راجع: كتاب"نكت الانتصار" للباقلاني، باب ذكر الحروف التي اختلف فيها أهل الشام وأهل المدينة وأهل العراق ص389-395، وكتاب "في رحاب القرآن الكريم" للدكتور/ محمد سالم محيصن 1/ 407-417. 2 من كتاب "القراءات القرآنية" ص104-106، باختصار وتصرف. 3 القراءات القرآنية ص116.

والذي أراه هنا ويظهر لي -والله أعلم- أن سبب اختلاف القراءات واحد لا يتعدد، وهو الذي عُنون بـ"نزول القرآن على الأحرف السبعة"؛ ولكن هذا السبب يتوقف في وجوده على سبب آخر؛ وهو وجود اللغات واللهجات المختلفة، فيندرج في ذلك كل الخلافات القرآنية، سواء كانت لسبب قراءة النبي -صلى الله عليه سلم- أو تقريره أو بسبب تعدد النزول، أما اختلاف الرواية عن الصحابة فهو يتوقف على تلقيهم من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو قراءتهم عليه. ثم قبل ما رُوي بالتواتر، أو الاستفاضة، وحُكم على ما دون ذلك بالشذوذ. وليس معنى تقرير النبي -صلى الله عليه وسلم- لقراءة الصحابة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقرر قراءة كل صحابي يقرأها حسب لغته ولهجته باجتهاد منه دون التلقي؛ وذلك لأن القرآن كله -بأحرفه المختلفة- وحي منزَّل من الله -عز وجل- لا قياس فيه ولا اجتهاد.

الفصل الثاني: رسم المصحف العثماني

الفصل الثاني: رسم المصحف العثماني المبحث الأول: تعريف الرسم لغة واصطلاحا مدخل ... الفصل الثاني: رسم المصحف العثماني المبحث الأول: تعريف "الرسم" لغة واصطلاحا لغة: "الرسم" في اللغة: الأثر، ومنه قول الشاعر جميل بن معمر العذري: رسم دار وقفت في طَلَله ... كدت أقضي الحياة من جَلَله1 فالرسم هنا بمعنى آثار الدار. ويراد بـ"الرسم" أثر الكتابة في اللفظ كذلك. واصطلاحًا: تصوير كلمة بحروف هجائها، بتقدير الابتداء بها والوقوف عليها؛ لتتحول اللغة المنطوقة إلى آثار مرئية. والمراد بالرسم العثماني: الوضع الذي ارتضاه عثمان -رضي الله عنه- في عهده في كتابة كلمات القرآن الكريم وحروفه، حينما أمر بنسخ المصاحف.

_ 1 "الطلل": ما شخص من آثارها، "من جلله" أي: من أجله.

أقسام الرسم

أقسام الرسم: الرسم ينقسم إلى قسمين: أ- القياسي: وهو موافقة الخط اللفظ؛ كرسم كلمة: {نَسْتَعِينُ} . ب- الاصطلاحي: وهو مخالفة الخط اللفظ؛ وذلك ببدل، أو زيادة، أو حذف، أو فصل، أو وصل، أو نحو ذلك، مما سيأتي تفصيله.

المراد بالمصاحف العثمانية

المراد بالمصاحف العثمانية: هي التي أمر عثمان -رضي الله عنه- في عهد خلافته بكتابتها لإجماع الأمة عليها، وإحراق ما سواها، وكان ذلك بعدما شاور المهاجرين والأنصار في ذلك، واتفق الجميع على ما رآه -رضي الله عنه- ووكل مهمة الكتابة إلى: زيد بن ثابت الأنصاري، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام -رضي الله عنهم- وأمرهم أن ينسخوها من صحف أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بعد أن يعرضوا ما فيها على حَمَلَةِ القرآن الكريم من الصحابة، ويتأكدوا من صحة ذلك بطلب نسخة خطية مما كُتب بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فكتبوها، وكان عددها -على أصح الأقوال- ستة مصاحف، فلما أنجزوا المهمة، أرسل بنسخة إلى كل مصر من الأمصار الإسلامية الكبرى، وأبقى مصحفًا في المدينة، ويسمى "المدني العام"، وأمسك لنفسه مصحفًا ويسمى "المدني الخاص" أو "المصحف الإمام"، وأرسل مع كل مصحف مُقرئًا من أهل القرآن ليقرئهم. وقد أثبت كُتَّاب المصاحف العثمانية القراءات

المختلفة برسم واحد كلما أمكن ذلك، وما لم يمكنهم إثباته برسم واحد فرقوه في المصاحف برسمين مختلفين؛ كزيادة بعض الحروف أو الكلمات، أو نقصانها في بعض المواضع. ومما ساعدهم على إثبات القراءات المختلفة برسم واحد في معظم المواضع: تجريد الخط من النقط والشكل، وكتابة الآيات بطريقة إملائية خاصة تجعل الخط محتملًا لوجهين فأكثر1. وأكثر رسم المصاحف قياسي؛ أي: أنه موافق لقواعد العربية، وللخط الإملائي الحديث؛ إلا أنه قد خرجت أشياء عنها يجب علينا فيها اتباع مرسومها، فمنها ما عُرف حكمه، ومنها ما غاب عنا علمه، ولم يكن ذلك من الصحابة كيفما اتفق؛ بل عن أمر عندهم قد تحقق، كما يقول الدمياطي رحمه الله2.

_ 1 راجع مقال شيخنا فضيلة الدكتور/ محمود سيبويه البدوي -رئيس قسم القراءات بكلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- في مجلة الكلية، العدد الأول لعام 1402-1403هـ ص323، 324. 2 راجع: إتحاف فضلاء البشر 1/ 83.

قواعد الرسم المصحفي

قواعد الرسم المصحفي: لقد حاول العلماء حصر قواعد رسم المصحف في ست قواعد؛ وهي: 1- الحذف. 2- الزيادة. 3- الهمز. 4- البدل. 5- الفصل والوصل. 6- ما فيه قراءتان فيكتب على إحداهما.

توضيح القواعد

توضيح القواعد: 1- قاعدة الحذف: الحروف التي تحذف كتابة هي: الألف، الواو، الياء، اللام. أمثلة حذف "الألف": "يأيُّها الناس، هأنتم، الله، مُسْلِمَتٍ، رَجُلَنِ". أمثلة حذف "الواو": "لا يستون، الغاون، داوُد، فَأوُا". أمثلة حذف "الياء": "غير باغ ولا عاد، وأطيعون، فارهبون، يعباد فاتقون". أمثلة حذف "اللام": "الَّيْل، الذي". 2- قاعدة الزيادة: الحروف التي تزاد أحيانًا هي حروف المد الثلاثة. أمثلة زيادة "الألف":

"ملاقواْ، بنواْ إسرائيل، أولواْ الألباب، تفتؤاْ، شفعؤاْ". أمثلة زيادة "الواو": "أولوا، أوْلئك، أوْلاء، أوْلات". أمثلة زيادة "الياء": "نبإيْ، آناءيْ، تقاءيْ، بأييْكم، بأييْد". 3- قاعدة الهمز: الهمزة تكتب أحيانًا ألفًا، نحو: البأساء، لتنوأ، أنزل. وتصور أحيانًا واوًا، نحو: اؤتمن، تقرؤه، لؤلؤ، يبدؤا. وترسم تارة ياءً، نحو: ائذن، سُئل، شاطئ. وأحيانًا تُوضع على السطر، نحو: ملء، الخبء، دفء1. 4- قاعدة البدل: ترسم الألف واوًا، نحو: الصلوة، الزكوة، الحيوة. وتكتب ياءً، نحو: يا حسرتى، يا أسفى، إلَى، حتَّى. وترسم هاء التأنيث تاءً مفتوحة في بعض الكلمات، نحو: "شجرت، ابنت، قرت عين، فطرت، جنت النعيم، امرأت فرعون". 5- قاعدة الوصل والفصل: كوصل "أنْ" بـ"لا" نحو: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ} .

_ 1 ورد كل من الكلمات الثلاث مرة واحدة فقط في القرآن الكريم، "ملء" في قوله تعالى: {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} [آل عمران: 91] و"الخبء" في قوله تعالى: {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ} [النمل: 25] و"دفء" في قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} [النحل: 5] .

أو وصل "أن" بـ"ما"، نحو: {أَمَّا اشْتَمَلَتْ} . أو وصل "إن" بـ"ما"، ونحو: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} . أو وصل "عن" بـ"ما"، نحو: {عَمَّا يُشْرِكُونَ} . أو فصل "إن" عن "ما"، نحو: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ} 1. أو فصل "ما" عن "حيث"، نحو: {حَيْثُ مَا} 2. 6- قاعدة ما فيه قراءتان: الكلمات التي اشتملت على أكثر من قراءة، وخلوها من النقط والشكل يجعلها محتملة لكل قراءة، كتبوها برسم واحد في جميع المصاحف، نحو: "ملك يوم الدين"، "الصراط المستقيم". فيكون أحد الوجهين موافقًا للرسم تحقيقًا والثاني تقديرًا. وإن لم تحتمل إلا وجهًا واحدًا برسم واحد، كتبوها في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة، وفي بعضها برسم آخر يدل على قراءة أخرى، نحو: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ} "وأوصى بها إبراهيم"3، أو "وقالوا اتخذ الله ولدًا" {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} 4.

_ 1 في سورة الرعد فقط: 40. 2 في موضعي البقرة: 144، 150. 3 البقرة: 132. 4 البقرة: 116.

فوائد الرسم العثماني

فوائد الرسم العثماني: هناك فوائد كثيرة في الرسم العثماني، وفي كتابة الكلمات القرآنية بالوضع الخاص كما فعل الصحابة -رضي الله عنهم- حين نسخهم للمصاحف؛ منها: 1- الدلالة على القراءات المختلفة المتنوعة في الكلمة بقدر الإمكان، فإن كان الرسم لا يحتمل أكثر من وجه كُتب بالوجه المخالف للأصل، نحو قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} 1. حيث كتبت كلمة "هذان" دون الألف والياء في جميع المصاحف2. وفي قراءتها ثلاثة أوجه: أ- هَذَان: بالألف بعد الذال وتخفيف النون. ب- هَذانّ: بالألف بعد الذال مع تشديد النون. ج- هَذين: بالياء بعد الذال مع تخفيف النون. وكلمة "إن" قُرئت بالتخفيف "إنْ" وبالتشديد "إنَّ". فبالتركيب تصبح في الكلمتين أربع قراءات على

_ 1 طه: 63. 2 راجع: غيث النفع للصفاقسي على هامش سراج القارئ ص290.

النحو التالي: أ- "إِنَّ هذانِ": قراءة نافع وابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي. ب- "إِنْ هَذانِّ": قراءة ابن كثير. ج- "إِنْ هَذانِ": رواية حفص عن عاصم. د- "إِنَّ هَذيْن": قراءة أبي عمرو. 2- إفادة المعاني المختلفة: وذلك نحو قطع كلمة "أم" عن "مَن" في {أَمْ مَنْ يَكُونُ} للدلالة على أنها "أم" المنقطعة بمعنى "بل". 3- الدلالة على أصل الحركة، في نحو: "إيتاء" بالياء بعد الهمزة، "سأوريكم" بالواو بعد الهمزة. أو الدلالة على أصل الحرف، في نحو: "الصلوة، الزكوة". 4- إفادة بعض اللغات الفصيحة، فكتابة هاء التأنيث بتاء مفتوحة دلالة على لغة طيئ؛ حيث كان الوقف عندهم بالتاء. 5- حمل الناس على تلقي القرآن الكريم مشافهة من أفواه الرجال، وصدور الحفاظ الثقات، فلا يمكن أخذ القرآن من المصاحف وحدها؛ لأن الأحكام التجويدية وطريقة أداء القرآن لا يمكن معرفتها إلا بالمشافهة، وهل يمكن النطق

الصحيح بفواتح السور من المصحف فقط دون التلقي؟ أيًّا كان رسم ذلك المصحف، ومهما كان القارئ بالغًا ذورة سنام الثقافة العصرية. وفي التلقي مشافهة مزية أخرى؛ وهي اتصال السند بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وهي ميزة لهذه الأمة تختص بها دون سائر الأمم1.

_ 1 راجع: مناهل العرفان 1/ 373.

المبحث الثاني: حكم الالتزام برسم المصحف العثماني

المبحث الثاني: حكم الالتزام برسم المصحف العثماني قول الجمهور وأدلته ... المبحث الثاني: حكم الالتزام برسم المصحف العثماني سبق أن ذكرنا أن رسم معظم الكلمات القرآنية موافق للفظه؛ بمعنى أنه قياسي. أما الكلمات التي رُسمت على خلاف التلفظ بها، هل يجوز أن تكتب -في المصاحف- بالرسم الإملائي الحديث، أم يجب في كتابتها اتباع الرسم العثماني؟ المسألة خلافية، وللعلماء فيها آراء ثلاثة: أ- قول الجمهور: ذهب الجمهور العلماء إلى وجوب اتباع الرسم العثماني في كتابة المصاحف. واستدلوا على ذلك بأدلة متعددة؛ منها: 1- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان له كُتَّاب للوحي، وقد كتبوا الوحي المنزل عليه بين يديه بهذا الرسم، وأقرَّهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- على ما كتبوه؛ بل هناك ما يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يرشدهم إلى طريقة الكتابة؛ ومن ذلك قوله لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: "ألقِ الدواة، وحرف القلم، وانصب الباء، وفرِّق السين، ولا تعور الميم، وحسِّن "الله"، ومد "الرحمن"،

وجوِّد "الرحيم"، وضع قلمك على أذنك اليسرى؛ فإنه أذكر لك"1. وهذا يدل على أن الرسم توقيفي، وليس للصحابة فيه اجتهاد، فيجب على الأمة اتباعه وعدم مخالفته. 2- جاء دور أبي بكر -رضي الله عنه- فأمر بجمع القرآن وكتابته بعدما أقنعه عمر -رضي الله عنه- في ذلك، فتم جمعه وكتابته بنفس الرسم الذي كتب به أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يخالف في ذلك أحد الصحابة على كثرتهم. 3- ثم جاء دور عثمان -رضي الله عنه- فشكل لجنة رباعية لجمع وكتابة القرآن الكريم بالأوجه الثابتة المشهورة بين الصحابة، ووضع لهم قانونًا للجمع، فجمع القرآن الكريم كلَّه بجميع ما ثبت لديهم من الأوجه والأحرف، وتكونت مصاحف ستة -على أصح الأقوال- ووزعت على الأمصار المشهورة المركزية؛ وهي: "مكة، والشام، والكوفة، والبصرة" وخصص مصحف للمدينة، وأمسك عثمان -رضي الله عنه- لنفسه مصحفًا، وكانت هذه المصاحف هي

_ 1 الفردوس للديلمي، رقم: 8533، الدر المنثور للسيوطي 1/ 10، كنز العمال للمتقي 10/ 314، وراجع كتاب "حكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق" للزبيدي، وتاريخ الخط لمحمد طاهر الكردي.

التي أطلق عليها "المصاحف العثمانية"، وتقلدت الأمة رسمها، واشتهرت كتابتها بالرسم العثماني، وأجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على ذلك الرسم، ولم ينكر أحد منهم شيئًا منه، وإجماع الصحابة واجب الاتباع. 4- ثم استمر الأمر على ذلك، والعمل عليه في عصور التابعين والأئمة المجتهدين، ولم يرَ أحد منهم مخالفته، وفي ذلك نصوص كثيرة لعلماء الأمة: سُئل الإمام مالك -رحمه الله- عن مخالفة رسم المصحف فقال: "لا أرى ذلك؛ ولكن يكتب على الكتبة الأولى"1. قال السخاوي رحمه الله: والذي ذهب إليه مالك هو الحق ... وقال الداني: لا مخالف له -أي: لمالك- في ذلك من علماء الأمة2. وقال الإمام أحمد رحمه الله: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو، أو ألف، أو

_ 1 المقنع للداني ص9. 2 المقنع للداني ص10.

ياء، أو غير ذلك1. ونقل الإمام الجعبري وغيره إجماع الأئمة الأربعة على وجوب اتباع رسم المصحف العثماني2. وأقوال العلماء في تأييد ذلك كثيرة؛ ومن ثَمَّ جعل العلماء موافقة الرسم أحد الأركان الثلاثة التي عليها مدار قبول القراءات3.

_ 1 البرهان للزركشي 1/ 379، والإتقان للسيوطي 2/ 1163. 2 راجع مقال شيخنا الفاضل الدكتور/ محمود سيبويه البدوي ص345، في مجلة كلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة. 3 راجع: مناهل العرفان 1/ 379، 380.

القول الثاني

القول الثاني: ب- وذهب بعض الناس1 إلى جواز كتابة المصاحف بالرسم الإملائي حسب ما تقتضيه قواعد أهل صناعة الخط. واحتجوا على ذلك: 1- بأن الصحابة -رضي الله عنهم- كتبوا المصاحف حسب ما كان لديهم من صناعة الخط، وكانوا غير مجيدين لها، فوقع منهم ما وقع من الأخطاء في رسم الكلمات القرآنية، فلا يجب علينا أن نتبعهم في ذلك الرسم؛ بل علينا أن نخالفهم فيه؛ لأن رسمهم قد يُوقع الناس في الخلط والالتباس والحيرة، ولا يمكنهم من القراءة الصحيحة. 2- وبأنه لم يرد دليل شرعي يوجب كتابة المصحف برسم معين.

_ 1 ذهب إليه ابن خلدون "ت808هـ" في مقدمة تاريخه ص419، وأيَّده الباقلاني في الانتصار، وانظر للرد على ابن خلدون كتاب "رسم المصحف" لغانم قدوري الحمد ص210 وما بعدها.

القول الثالث

القول الثالث: ج- وذهب بعض المتأخرين1 وبعض المعاصرين إلى وجوب كتابة المصاحف العامة بالقواعد الإملائية؛ ولكن تجب المحافظة -عندهم- على الرسم العثماني القديم كأثر من الآثار الإسلامية النفيسة الموروثة عن السلف الصالح، فمن ثَمَّ تكتب مصاحف لخواص الناس بالرسم العثماني. يقول الدكتور/ عبد العظيم الزرقاني: "وهذا الرأي يقوم على رعاية الاحتياط للقرآن من ناحيتين: 1- ناحية كتابته في كل عصر بالرسم المعروف فيه؛ إبعادًا للناس عن اللبس والخلط في القرآن. 2- وناحية إبقاء رسمه الأول المأثور، يقرؤه العارفون به ومَن لا يخشى عليهم الالتباس"2.

_ 1 جنح إليه الزركشي في البرهان 1/ 279، وشيخ الإسلام العز بن عبد السلام "ت660هـ"، وراجع: مناهل العرفان 1/ 385. 2 مناهل العرفان 1/ 385، 386.

القول الراجح

القول الراجح: الراجح من ذلك قول الجمهور؛ وذلك لوجوه: 1- إن هذا الرسم الذي كتب به الصحابة القرآن الكريم حظي بإقرار الرسول -صلى الله عليه وسلم- واتباعُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- واجبٌ على الأمة. 2- أجمع عليه الصحابة لم يخالفه أحد منهم، وكان هذا الإنجاز الكبير في عصر الخلفاء الراشدين، واتباعُهم واجبٌ على الأمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ... " 1. 3- أجمعت عليه الأمة منذ عصور التابعين، وإجماع الأمة حجة شرعية، وهو واجب الاتباع؛ لأنه سبيل المؤمنين، قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} 2. 4- للرسم العثماني فوائد مهمة، ومزايا كثيرة، خاصة أنه يحوي على القراءات المختلفة، والأحرف المنزلة، ففي مخالفته تضييع لتلك الفوائد وإهمال لها.

_ 1 أخرجه أبو داود 4/ 201، برقم: 4607، وابن ماجه 1/ 15-26، برقم: 42، وأحمد 4/ 126. 2 النساء: 115.

أما ما ذهب إليه أصحاب المذهبين الآخرين، فيمكن الرد عليهم بما يلي: 1- فيهما مخالفة لإجماع الصحابة والتابعين وأهل القرون المفضلة. 2- القواعد الإملائية العصرية عُرْضة للتغيير والتبديل في كل عصر، وفي كل جيل، فلو أخضعنا رسم القرآن الكريم لتلك القواعد لأصبح القرآن عرضة للتحريف فيه. 3- الرسم العثماني لا يُوقع الناس في الحيرة والالتباس؛ لأن المصاحف أصبحت منقوطة مشكلة؛ بحيث وُضعت علامات تدل على الحروف الزائدة، أو الملحقة بدل المحذوفة، فلا مخافة على وقوع الناس في الحيرة والالتباس.

تنبيه

تنبيه: هناك فرق بين كتابة المصاحف الأمهات وبين كتابة الآيات القرآنية في غير المصاحف. فأما بالنسبة لكتابة المصاحف الأمهات: فيجب على المسلم اتباع الرسم العثماني فيها، ولا يجوز لأحد العدول عنه؛ للأدلة والوجوه التي سقناها في تأييد مذهب الجمهور. أما بالنسبة لكتابة الآيات القرآنية في غير المصاحف: ككتابتها في المؤلفات، وكتب التفسير، والرسائل العلمية، والأجزاء المفرقة من القرآن الكريم التي تعد للتعليم سواء كانت للناشئة أو الكبار، فينبغي فيها الالتزام بالرسم العثماني، وهو الأحوط خروجًا عن الخلاف؛ ولكن لا يجب الالتزام بالرسم العثماني فيها؛ بل يجوز أن تكتب بالرسم الإملائي العصري ولا يحرم ذلك1.

_ 1 راجع للتفصيل مقالنا في الموضوع بعنوان "مسألة كتابة الآيات القرآنية بالرسم العثماني في غير المصاحف".

الفصل الثالث: الترتيل وركناه

الفصل الثالث: الترتيل وركناه المبحث الأول: مفهوم كلمة "الترتيل" مدخل ... الفصل الثالث: الترتيل وركناه المبحث الأول: مفهوم "الترتيل" بين "القراءات" و"الترتيل" صلة قوية؛ لأن القراءات هي: أوجه مختلفة لقراءة كلمات القرآن الكريم، والقرآن نزل بالترتيل، قال تعالى: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} 1، ولا يقرأ إلا بـ"الترتيل"؛ لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} 2. فما هو "الترتيل" من حيث المعنى والمفهوم؟ وما حكمه؟ - "الترتيل" لغة: هو مصدر "رتل" من باب التفعيل، تقول: رتل فلان كلامه أي: أتبع بعضه بعضًا على مكث وتفهم من غير عجلة، ويقال: كلام رَتِل أي: مرتَّل، وثغر رَتَل أي: مستوي الثنيات، ورجل رَتِل أي: بيَّن الرتل، بمعنى: مفلَّج الأسنان3. - اصطلاحًا: قراءة القرآن الكريم بتمهل واطمئنان مع تدبر المعاني، ومراعاة أحكام التجويد والوقف. فالترتيل: هي كيفية تلاوة كتاب الله تعالى المنزَّلة منه

_ 1 الفرقان: 33. 2 المزمل: 4. 3 راجع: النشر 1/ 207، 208، والصحاح للجوهري، مادة: رتل.

سبحانه وتعالى. وقد وردت في مفهوم قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} وتفسيره أقوال متعددة عن السلف؛ منها: قال ابن عباس رضي الله عنهما: بيِّنه. وقال مجاهد: تأنَّ فيه. وقال الضحاك: انبذه حرفًا حرفًا؛ أي: تلبث في قراءته وتمهل فيها، وافصل الحرف من الحرف الذي بعده1. وقال الحسن وقتادة: اقرأه قراءة بينة. زاد قتادة: وترسَّل به2. وقال علي رضي الله عنه: "الترتيل: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف"3.

_ 1 النشر 1/ 208. 2 راجع: جمال القراء للسخاوي 2/ 525. 3 النشر 1/ 209.

أهمية الترتيل

أهمية "الترتيل": تتجلى أهمية الترتيل من قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} 1 حيث أضافه الله تعالى إلى نفسه تبارك اسمه. كما تتأكد أهميته من قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} حيث أمر الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالعمل به. وهنا تزداد أهميته؛ حيث إن الله تعالى لم يقتصر على الأمر بالفعل؛ بل أكده بالمصدر "ترتيلا"؛ وذلك اهتمامًا به وتعظيمًا له؛ ليكون ذلك عونًا على تدبر القرآن وتفهمه.

_ 1 الفرقان: 32.

وقد وضح مفهوم هذه الآية في قوله تعالى: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} 1. ومعنى كلمة "مكث": الترسل والتمهل في التلاوة والترتيل؛ بحيث يعطِي القارئُ القراءةَ حقَّها من ترتيلها وتبيين حروفها، ومستحقها من تحسين الحروف وتطييب التلاوة بالصوت الحسن ما أمكن. ويشير إلى ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} 2. فحق التلاوة: ترتيل الكلمات وتجويد الحروف وفهم المعاني والعمل بمقتضاها. ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} 3. ففيه نهي عن العجلة والسرعة في القراءة؛ مخافة أن يؤديَ ذلك إلى اللحن في التلاوة، وعدم إعطاء الحروف حقوقها ومستحقاتها، فيكون فيه مخالفة الأمر بـ"الترتيل". كما وضح ذلك بتوضيح أكثر في قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ، فَإِذَا

_ 1 الإسراء: 106. 2 البقرة: 121. 3 طه: 114.

قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ} 1. ففيه تنبيه على عدم العجلة في القراءة، وإشارة إلى كيفية تعلم القرآن من جبريل وتلقيه منه. وهذا ما أكَّد عليه جمهور العلماء من أن القرآن لا يؤخذ إلا بالتلقي والمشافهة. وقد حثَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- على تلاوة القرآن بالكيفية المنزلة بقوله: "إن الله يحب أن يُقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل" 2. وبقوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد" 3. ومعلوم -باليقين- أن تلاوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت مرتلة، وهذا وإن كان لا يحتاج في إثباته إلى نص ما دام ثبت أمر الله تعالى لنبيه بـ"الترتيل"؛ حيث لا يتصور من رسول الله ألا يمتثل أمر الله، ومع ذلك فهناك آثار صحيحة تثبت ذلك؛ منها:

_ 1 القيامة: 16-18. 2 رواه ابن خزيمة في صحيحه من رواية زيد بن ثابت. انظر: كنز العمال للمتقي، رقم: 3069، وجمع الجوامع للسيوطي، رقم: 5225. 3 رواه أحمد 1/ 7، 26، 38، 445، 454، وابن ماجه في المقدمة 1/ 49 برقم 138، وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث أبي معاوية، وصححه الدارقطني، والطيالسي في مسنده، انظر: منحة المعبود 2/ 4، برقم: 1893، وصحيح ابن خزيمة 2/ 187، برقم: 1156.

1- ما رُوي عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها نعتت قراءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مفسرة حرفًا حرفًا1. 2- وعنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقطِّع قراءته، يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم يقف، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثم يقف ... 2. 3- وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ السورة حتى تكون أطول من أطول منها"3. 4- وعن أنس -رضي الله عنه- وقد سُئل عن قراءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: "كانت مدًّا، ثم قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يمد بباسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم"4.

_ 1 رواه أبو داود 2/ 74، برقم: 1466، والترمذي 8/ 123، برقم: 2924، والنسائي 2/ 181، برقم: 1022، وأحمد 2/ 294، 300، والحاكم في المستدرك 1/ 310، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي. 2 أخرجه أحمد 6/ 302، والترمذي 8/ 126، برقم: 2928، وأبو داود 4/ 37، برقم: 4001، وصححه الدارقطني 1/ 118. قال ابن الجزري: وهو حديث حسن، وسنده صحيح، النشر 1/ 226. 3 راجع: النشر 1/ 208، والسنن الكبرى للبيهقي 2/ 40، 312. 4 رواه البخاري في فضائل القرآن، باب مد القراءة 8/ 709، برقم: 5046، وأبو داود 2/ 73، برقم: 1465، والنسائي 2/ 179، برقم: 1014، والحاكم في المستدرك 1/ 233.

5- وعن حفصة -رضي الله عنها- قالت: ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي في سبحته جالسًا، حتى إذا كان قبل موته بعام فكان يصلي في سبحته جالسًا، فيقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها1. فهذه الآثار وأمثالها تثبت ترتيل الرسول -صلى الله عليه وسلم- لكتاب الله على الكيفية المتلقاة من جبريل -عليه السلام- الذي تلقاها من الله تبارك وتعالى. ولذلك نرى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يُسمي الإسراع بالتلاوة هذًّا كهذِّ الشعر ونثرًا كنثر الدقل2. ومن فضائل الترتيل أنه: "يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارتقِ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها" 3.

_ 1 مسلم 1/ 507، برقم: 733، صحيح ابن خزيمة، باب الترتيل في القراءة 2/ 238، برقم: 1242. 2 مسلم، باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ 1/ 563، برقم: 822، وأبو داود، باب تحزيب القرآن 2/ 56، برقم: 1396، والنسائي 2/ 175، برقم: 1005، والطيالسي في مسنده، انظر: منحة المعبود 1/ 93، برقم: 406. 3 أبو داود 2/ 73، برقم: 1464، والترمذي 8/ 116، برقم: 2915، وابن ماجه 2/ 1242، برقم: 3780، وأحمد 2/ 192، 471، 3/ 40.

حكم الترتيل

حكم الترتيل 1: على ضوء ما ذكرنا من الآيات والأحاديث والآثار، نرى جمهور العلماء -عمومًا- والقراء -خصوصًا- يذهبون إلى وجوب ترتيل القرآن الكريم. يقول الإمام ابن الباذش "ت540هـ": "اعلم أن القراء مجمعون على إلزام التجويد؛ وهو إقامة مخارج الحروف وصفاتها"2. وقد ذكر ابن الجزري أثرًا عن ابن مسعود -رضي الله عنه- يتضح منه وجوب التجويد، قال: "جوِّدوا القرآن، وزيِّنوه بأحسن الأصوات"3. وقال ابن الجزري: "ولا شك أن الأمة كما هم متعبدون بفَهْم معاني القرآن وإقامة حدوده، متعبدون بتصحيح

_ 1 إنما قلت: "حكم الترتيل" ليشمل ركنيه: التجويد والوقف، فَهُمَا في الحكم سواء. 2 الإقناع 1/ 552. 3 النشر 1/ 210، وانظره في "الوجيز" للقرطبي ص88، ويؤيده ما رُوي عن البراء بن عازب من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم" وهو صحيح الإسناد. أخرجه أحمد 4/ 285، 296، 304، وأبو داود 2/ 74، برقم: 1468، والنسائي 2/ 179، 180، برقم: 1015، 1016، وابن ماجه 1/ 426، برقم: 1342، والدارمي 2/ 565، برقم: 3500، والحاكم في المستدرك 1/ 571-575، والطيالسي في مسنده، انظر: منحة المعبود 2/ 3، برقم: 1886.

ألفاظه، وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا تجوز مخالفتها، ولا العدول عنها إلى غيرها"1. وهنا ذكر ابن الجزري قول أبي عبد الله الشيرازي في كتابه "الموضح" -يؤكد به على لزوم التجويد- قال: "فإن حُسْنَ الأداء فرض في القراءة، ويجب على القارئ أن يتلو القرآن حق تلاوته؛ صيانة للقرآن عن أن يجد اللحن والتغيير إليه سبيلًا"2. وقد ذكر السخاوي قول ابن ذكوان -راوي ابن عامر الدمشقي- أنه قال: يجب على قارئ القرآن أن يقرأ بترتيل وترسل وتدبر ... وأن يُزِّين قراءته بلسانه ويحسِّنها بصوته، ويعرف مخارج الحروف في مواضعها3....

_ 1 النشر 1/ 210. 2 المرجع السابق 1/ 211. 3 جمال القراء 2/ 526.

مراتب الترتيل

مراتب الترتيل: القرآن الكريم يقرأ بالترتيل، والإنسان قد ينشط فيقرأ بالسرعة؛ ليستكثر الحسنات بكثرة القراءة فيقرأ بالحدر، وقد يريد رياضة اللسان، وتقويم الألفاظ، وإتقان القراءة فيقرأ بالتحقيق، وقد يقرأ بين بين أو ما يسمى بالتدوير. والقراءة قد تكون بالجهر وقد تكون بالسر. فالترتيل -جهرًا- ثلاث مراتب: 1- التحقيق: وهو القراءة بتؤدة وطمأنينة وتمهل -بقصد التعليم- مع تدبر المعاني ومراعاة الأحكام1. 2- الحدر: وهو القراءة بسرعة مع مراعاة الأحكام2. 3- التدوير: وهو القراءة بحالة متوسطة -بين التحقيق والحدر- مع مراعاة الأحكام3. أما القراءة السرية -سواء في الصلاة أو

_ 1 قال ابن الجزري: وهو الذي يُستحسن، ويتسحب الأخذ به على المتعلمين من غير تجاوز فيه إلى حد الإفراط. النشر 1/ 205. 2 قال ابن الجزري: فالحدر يكون لتكثير الحسنات في القراءة، وحوز فضيلة التلاوة، وذكر فيه المحترزات، وألا يخرج عن حد الترتيل. راجع: النشر 1/ 207. 3 قال ابن الجزري: وهو المختار عند أكثر أهل الأداء. النشر 1/ 207.

خارجها- فترتل كذلك، وتسمى: الزمزمة1. فكلمة "الترتيل" تشمل هذه الأساليب القرائية الأربعة كلها، ولا يخرج عنها أي نوع منها، وقد درج كثير من المؤلفين في التجويد في جعل "الترتيل" مرتبة مستقلة للتلاوة تغاير المراتب المذكورة، والتحقيق ما ذكرناه، وهو المفهوم من كلام ابن الجزري في النشر، وهو الذي مشى عليه المحققون2.

_ 1 قال أبو معشر الطبري: "وهي -أي: الزمزمة- ضرب من الحدر ... للقراءة في النفس خاصة". التلخيص في القراءات الثمان ص132، وقال محمد مكي نصر: ولا بُدَّ في هذه الأنواع كلها من التجويد. نهاية القول المفيد ص16. 2 راجع: النشر 1/ 205-209، والعميد في التجويد ص11، وحق التلاوة للشيخ/ حسني عثمان ص33.

ركنا الترتيل

ركنا الترتيل: فيما سبق ذكره من الأقوال في مفهوم "الترتيل"، قول علي رضي الله عنه: "الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف"1. ومن ثَمَّ ذكر العلماء أن للترتيل ركنين، وهما: 1- تجويد الحروف. 2- معرفة الوقوف. وللعلم أن كل ركن منهما أصبح علمًا مستقلًّا بنفسه؛ من حيث الدراسة والبحث والتأليف. وفيما يلي نحاول -بمشيئة الله تعالى وتوفيقه- شرح كل ركن منهما، مع مراعاة الاختصار وعدم الإطناب والتطويل.

_ 1 النشر 1/ 209.

المبحث الثاني: شرح الركن الأول: التجويد

المبحث الثاني: شرح الركن الأول "التجويد" تعريف التجويد لغة واصطلاحا: لغة: مصدر "جوَّد" يجوِّد، من باب "التفعيل" بمعنى "التحسين"، يقال: جوَّد الرجلُ الشيءَ، إذا أتى به جيدًا، وأحكم صنعه، وحسَّنه، ويقال: هذا شيء جيد؛ أي: حسن، والاسم منه: الجودة، وهي ضد الرداءة1. اصطلاحًا: عِلْمٌ بكيفية أداء كلمات القرآن الكريم؛ من حيث إخراج كل حرف من مخرجه، وإعطاؤه حقه ومستحقه2. فالتجويد عبارة عن الإتيان بالقراءة مجودة الألفاظ، بريئة من الرداءة في النطق؛ أي: انتهاء الغاية في التصحيح، وبلوغ النهاية في التحسين3.

_ 1 راجع: النشر 1/ 201. 2 حق الحرف: مخرجه وصفاته الذاتية اللازمة، التي لا تنفك عنه: كالجهر، والاستعلاء، والقلقلة، والغنة ... وما إلى ذلك. ومستحقه: صفاته العارضة التي يتصف الحرف بها أحيانًا، وتنفك عنه في بعض الحالات: كالإظهار، والإدغام، والمد والقصر، والتفخيم والترقيق ... راجع: نهاية القول المفيد لمحمد مكي نصر ص11. 3 انظر: النشر 1/ 201، وجمال القراء 2/ 525.

حكم التجويد

حكم التجويد: العلم بأحكامه وجزئياته فرض كفاية -بالنسبة لعامة المسلمين- وفرض عين بالنسبة إلى رجال الدين من العلماء والحفاظ1. والعمل به ومحاولة تطبيقه في التلاوة فرض عين على كل مَن قرأ شيئًا من القرآن الكريم للتعبد به، سواء في الصلاة أو خارجها.

_ 1 راجع: "العميد في علم التجويد" للشيخ محمود علي بسه ص8. وقد سبق ذكر أدلة وجوب التجويد في المبحث الأول من هذا الفصل، فأرجع إليه إن شئت.

واضع التجويد

واضع التجويد: من الناحية العملية: الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن الناحية العلمية: قيل: أبو الأسود الدؤلي "ت99هـ"، وقيل: أبو عبيد القاسم بن سلام "ت224هـ"، وقيل: الخليل بن أحمد "ت170هـ"1.

_ 1 راجع: هداية القارئ ص38.

تدوين علم التجويد

تدوين علم التجويد: لا يعرف بالتحديد أول مدون في التجويد، وإن كانت جهود العلماء قديمة في هذا العلم، ويعتبر كتابا: العين للخليل، وكتاب سيبويه من أقدم الكتب التي تناولت مباحث التجويد. كما أن القراء يتداولون مباحثه ضمن مباحث علم القراءات، وتعتبر المنظومة "الرائية" لأبي مزاحم الخاقاني "ت325هـ" أولى محاولات التدوين والتأليف في هذا الفن1. ومما أُلِّفَ في علم التجويد: - الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة، لمكي بن أبي طالب "ت437هـ". - التحديد في الإتقان والتجويد، لأبي عمرو الداني "ت444هـ". - عمدة المفيد وعدة المجيد المعروفة بـ"النونية" للسخاوي "ت643هـ"2. - التجويد لبغية المريد، لابن الفحام الإسكندري "ت516هـ". - التمهيد في علم التجويد، لابن الجزري "ت833هـ"3. - درة القارئ المجيد في أحكام القراءة والتجويد، لبرهان الدين الكركي "ت853هـ". - نهاية القول المفيد في علم التجويد، لمحمد

_ 1 نشرت بتحقيق الدكتور/ عبد العزيز القارئ، عام 1402هـ. 2 نشرت بتحقيق الدكتور/ عبد العزيز القارئ، عام 1402هـ، مع رائية الخاقاني، بعنوان: قصيدتان في تجويد القرآن، وهي في جمال القراء 2/ 544-546. 3 طبع بتحقيق الدكتور/ علي حسين البواب، عام 1405هـ، وبتحقيق الدكتور/ غانم قدوري الحمد، عام 1407هـ.

مكي نصر1. ومن أشهر المنظومات في التجويد: المقدمة لابن الجزري، وتحفة الأطفال للجمزوري. أما كتب المعاصرين في علم التجويد فما أكثرها، فالمكتبات مليئة بمئات المؤلفات في هذا العلم -ولله الحمد- وقد ألف فيه كل من هب ودب، وجمع وصب، وجزى الله الجميع، فالكل حاول -بقدر ما لديه من المعلومات- وسدد وقارب، وإنما الأعمال بالنيات، نسأل الله تعالى حسن التوفيق، والإخلاص في القول والعمل. ومن أهم مؤلفات المعاصرين: - العميد في علم التجويد، للشيخ محمد علي بسه، وعليه تعليق وجيز للشيخ محمد الصادق قمحاوي باسم "فتح المجيد". - البرهان في تجويد القرآن، للشيخ محمد الصادق قمحاوي، وهو يعتبر ملخص كتاب: العميد. - هداية القارئ إلى تجويد كلام البارئ، لشيخنا الشيخ عبد الفتاح المرصفي رحمه الله تعالى. وكتابه من أنفع الكتب في هذا الفن وأشملها، فلم

_ 1 مطبوع قديمًا ومتداول، وهو من أحسن ما كتب في التجويد، ولم أعثر على تاريخ وفاة مؤلفه، وكان حيًّا في 1305هـ، وهي السنة التي فرغ فيها من تبييض النهاية، راجع لترجمته: هداية القارئ لشيخنا المرصفي -رحمه الله- ص735.

يترك مبحثًا من مباحث التجويد إلا وقطعه بحثًا بأحسن مقال، مع عزو كل قول إلى من قال، وقد أصبح من أهم مراجع كتب التجويد؛ حيث إن الكتب التجويدية التي ظهرت في السنوات الأخيرة أغلبها مستفاد من هذا الكتاب، وللأسف أنه غير متوفر في المكتبات لنفاد الكمية للطبعة الأولى، وكان قد أعدَّه -رحمه الله- للطبع مرة ثانية، مع تصحيح وتنقيح، وزيادات مفيدة، وإضافة تراجم بعض القراء في ملحق التراجم -كما كان أخبرني بذلك- ولكن المنية عاجلته، فحالت دونه ودون تحقيق أمنيته -فرحمه الله رحمة واسعة- ولا أدري ما حال مُسوَّدة الكتاب، لعل الله أن يوفق أحد أبنائه فيخرج الكتاب؛ ليستفيد منه الشيوخ والشباب. - ملخص العقد الفريد في فن التجويد، للشيخ علي أحمد صبره، وهو ملخص مفيد جدًّا. - حق التلاوة، للشيخ حسني شيخ عثمان. - المخلص المفيد في علم التجويد، للشيخ محمد أحمد معبد. - قواعد التجويد، للدكتور/ عبد العزيز القارئ، عميد كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بالمدينة المنورة سابقًا. وغيرها من الكتب والرسائل، والملخصات والمذكرات....

اللحن

اللحن: لقد ذكرنا -فيما سبق- أن القرآن الكريم نزل بـ"الترتيل". وأول ركني الترتيل: هو التجويد، والقراءة بغير التجويد تُسمى -في عرف القراء- لحنًا، ولا بُدَّ من معرفة اللحن للتجنب عنه. اللحن لغة: هو الميل عن الصواب إلى الخطأ، ومنه قوله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} 1. وينقسم اللحن إلى قسمين: 1- الجلي: وهو ما كان بسبب مخالفة القواعد العربية؛ كاستبدال حرف بحرف أو حركة بحركة، سواء أثر في المعنى بتغييره أم لم يؤثر. وبتعبير آخر: هو ما كان بسبب الخطأ في مخارج الحروف أو صفاتها اللازمة بقسميها. سمي جليًّا لظهوره، ولاشتراك علماء التجويد وغيرهم من المثقفين في إدراكه. حكمه: التحريم بالإجماع 2- الخفي: وهو ما كان بسبب مخالفة قواعد التجويد. وبتعبير آخر: ما كان بسبب الخطأ في تطبيق الصفات العارضة.

_ 1 سورة محمد -صلى الله عليه وسلم- 30.

وهو نوعان: أ- ما كان بسبب مخالفة أحكام التجويد المتفق عليها: كإظهار المدغم أو العكس، أو إخفاء المظهر أو العكس، أو قصر الممدود أو العكس ... وما إلى ذلك من الأحكام المعروفة. ب- ما كان بسبب الخطأ في أمور القراءة الفنية الدقيقة التي لا يعرفها إلا مهرة القراء: كتكرير الراءات، وتطنين النونات، وترعيد الصوت بالمدود والغنات، أو عدم ضبط مقاديرها، وكذلك عدم ضبط الإمالة الكبرى أو الصغرى، وعدم ضبط تسهيل الهمزات وقفًا أو وصلًا ... وما إلى ذلك من الأمور التي تخص القراء المتقنين. وسُمي هذا القسم -بنوعيه- خفيًّا؛ لخفائه على كثير من الناس حتى القراء غير المهمرة. حكمه: حكم النوع الأول منه: أنه حرام؛ لما عرف من وجوب تجويد القرآن، ولما قيل: "كل ما اجتمعت عليه القراء حرمت مخالفته"1. وحكم النوع الثاني: أنه مكروه، يعاتب فيه على الخواص دون العوام؛ لأن تعلمه أمر صناعي2.

_ 1 انظر: نهاية القول المفيد ص25، وهداية القارئ ص48، وقد شدد الشيخ المرصفي -رحمه الله- في ذلك، وأطلق الحكم بالتحريم على النوعين من اللحن الخفي. 2 راجع لمعرفة التفاصيل في اللحن وأمثلته كتاب "نهاية القول المفيد" ص22-27.

مباحث التجويد

مباحث التجويد: لقد علمنا -مما مرَّ- أن التجويد: هو إخراج كل حرف من مخرجه، وإعطاؤه حقه ومستحقه. وإذا تأملت في هذا التعريف وجدت أنه يشتمل على شطرين: الشطر الأول: إخراج كل حرف من مخرجه. والشطر الثاني: إعطاء الحرف حقه ومستحقه1. وهذا يعني أن للتجويد ركنين؛ وهما: 1- معرفة المخارج. 2- معرفة الصفات. وهذا هو ملخص ما يوجد من الأحكام في علم التجويد،

_ 1 راجع ص198 من هذا المبحث.

ولا يخرج حكم من أحكامه من هذين الركنين، أما الكلام في كتب التجويد حول معرفة همزة القطع والوصل، أو معرفة المقطوع والموصول من الكلمات القرآنية، فليس من صميم مباحث علم التجويد؛ وإنما هي فوائد لا بُدَّ لقارئ القرآن أن يتعلمها لمعرفة الوقف والبدء. وفيما يلي نذكرملخصًا مجدولًا لما يشتمل عليه ركنا التجويد، ثم نفصل القول في كل جزئية من جزئياتهما.

جدول عام لأحكام التجويد

جدول عام لأحكام التجويد مدخل ... جدول عام لأحكام التجويد:

الركن الأول: مخارج الحروف

الركن الأول: مخارج الحروف قال الشيخ محمد مكي نصر: اعلم أن هذا لباب من أهم أبواب التجويد، فيجب أن يعتني به بإتقانه كُلُّ مَن أراد أن يقرأ القرآن المجيد1. وقال ابن الجزري: إذ واجب عليهم محتم ... قبل الشروع أولًا أن يعلموا مخارج الحروف والصفات ... لينطقوا بأفصح اللغات2 تعريف المخارج: لغة المخارج: جمع مخرج، وهو لغة: محل الخروج. واصطلاحًا: محل خروج الحرف وتمييزه عن غيره، أو هو الحيز المولد للحرف. والحروف جمع حرف، وهو لغة: بمعنى الطرف. واصطلاحًا: صوت يعتمد على مقطع محقق أو مقدر. والحروف الهجائية قسمان: أ- الأصلية: وهي تسعة وعشرون حرفًا -على المشهور- وهي المعروفة بحروف: أبا جاد، والتي سنبين مخارجها بالتفصيل بمشيئة الله تعالى. ب- الفرعية: وهي التي تخرج من مخرجين، وتتردد

_ 1 نهاية القول المفيد ص27. 2 المقدمة، البيت رقم: 5، 6.

بين حرفين؛ منها: - الهمزة المسهلة بين بين، وهي على ثلاثة أقسام: 1- بين الهمزة والألف، نحو: ءأنذرتهم. 2- بين الهمزة والياء، نحو: أئنك. 3- بين الهمزة والواو، نحو: أؤنزل. - الألف الممالة، وتنقسم إلى قسمين: الكبرى والصغرى، نحو: "موسى، عيسى"1. - الصاد المشمة صوت الزاء، نحو: الصراط، على قراءة حمزة. - الياء المشمة صوت الواو، نحو: قيل وغيض، على قراءة الكسائي وهشام2. مخارج الحروف الأصلية: وتنقسم إلى قسمين: أ- العامة: وهي التي يشتمل مخرج منها على مخرج واحد من المخارج الخاصة أو أكثر، وعددها -عند الجمهور- خمسة. 1- الجوف. 2- الحلق. 3-اللسان. 4- الشفتان.

_ 1 سنتكلم عليهما بالتفصيل في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى. 2 راجع: نهاية القول المفيد ص28-31، ولطائف الإشارات ص184، 185.

5- الخيشوم. ب- الخاصة: وهي التي يشتمل مخرج منها على موضع خروج حرف واحد أو أكثر. وهي عند الجمهور سبعة عشر مخرجًا. وتتوزع على المخارج العامة هكذا: 1- الجوف: وفيه مخرج واحد، لثلاثة أحرف. 2- الحلق: وفيه ثلاثة مخارج، لستة أحرف. 3- اللسان: وفيه عشرة مخارج، لثمانية عشر حرفًا. 4- الشفتان: وفيهما مخرجان، لأربعة أحرف. 5- الخيشوم: وفيه مخرج واحد، لصوت الغنة. المخارج الخاصة بالتفصيل: 1- الجوف: لغة: الخلاء، واصطلاحًا: خلاء الحلق والفم. وفيه مخرج واحد لحروف المد الثلاثة؛ وهي: الألف -مطلقًا- نحو: قال. الواو الساكنة المضموم ما قبلها، نحو: يقول. الياء الساكنة المكسور ما قبلها، نحو: قيل. وقد جُمعت في بعض الكلمات القرآنية، نحو: نوحيها، أوتينا، وتسمى: الجوفية أو الهوائية. 2- الحلق: وفيه ثلاثة مخارج لستة أحرف:

أ- أقصاه -مما يلي الصدر- مخرج لحرفين: الهمزة والهاء. ب- وسطه مخرج لحرفين: العين والحاء "المهملتين". ج- أدناه -مما يلي الفم- مخرج لحرفين: الغين والخاء "المعجمتين". وتسمى هذه الحروف: حلقية؛ لخروجها من الحلق. 3- اللسان: وفيه عشرة مخارج لثمانية عشر حرفًا، تتوزع على أجزائه الأربعة: أ- أقصاه، وفيه مخرجان لحرفين. ب- وسطه، وفيه مخرج واحد لثلاثة أحرف. ج- حافتاه، وفيهما مخرجان لحرفين. د- طرفه، وفيه خمسة مخارج لأحد عشر حرفًا. أ- أقصى اللسان: - أقصى اللسان -مما يلي الحلق- مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى، يخرج منه: القاف. - أقصى اللسان -مما يلي الحلق- مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى، من أسفل مخرج القاف، يخرج منه: الكاف. ويسميان لهويين؛ لخروجهما من قرب اللهاة. ب- وسط اللسان: - وسط اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى، يخرج

منه: الجيم، والشين، والياء غير المدية1. وتسمى هذه الحروف: شَجْرية؛ لخروجها من شَجْر الفم؛ أي: مقدمه أو منفتحه. ج- حافتاه: - إحدى حافتي اللسان مع ما يليها من الأضراس العليا، يخرج منه: الضاد. خروجه من الحافة اليسرى أسهل، ومن اليمنى صعب، ومنهما معًا أصعب. - من أدنى حافتي اللسان -أي: بعد مخرج الضاد- مع ما يليها من لثة الأسنان العليا، يخرج منه: اللام. خروجه من الحافة اليمنى أسهل، ومن اليسرى صعب، ومنهما معًا أصعب. د- طرفه: - طرف اللسان -تحت مخرج اللام بقليل- مع ما يليه من لثة الأسنان العليا، يخرج منه: النون "مطلقًا"2. - طرف اللسان مع شيء من ظهره، مع ما يليه من لثة الأسنان العليا، يخرج منه: الراء. وتُسمى اللام والنون والراء: الذلقية؛ لخروجها

_ 1 أي: الياء المتحركة أو اللين. 2 راجع تفصيل ذلك في هداية القارئ ص61.

من ذلق اللسان؛ أي: طرفه. - طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا، يخرج منه: الطاء، والدال، والتاء، وتسمى: النطعية، ونطع الفم: غاره. - طرف اللسان مع ما بين الثنايا العليا والسفلى قريبة إلى السفلى، يخرج منه: الزاء، والسين، والصاد، وتسمى: الأسلية؛ لخروجها من مستدق اللسان. - ظهر طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا، يخرج منه: الظاء والذال والثاء، وتسمى: اللثوية؛ لقرب مخرجها من لثة الأسنان. 4- الشفتان: أ- بطن الشفة السلفى مع أطراف الثنايا العليا، يخرج منه: الفاء. ب- من بين الشفتين، يخرج منهما: الباء والميم والواو غير المدية1. يكون خروج الباء والميم بانطباق الشفتين، وخروج الواو بانفتاح الشفتين قليلًا، أو بانضمامها انضمامًا غير كامل، وتسمى هذه الحروف الأربعة: الشفوية.

_ 1 أي: المتحركة أو اللين.

الخيشوم: وهو خرق الأنف المنجذب إلى الداخل، وهو مخرج صوت الغنة -على المختار- وقيل: مخرج للنون والميم في حالة غنتهما1.

_ 1 راجع للتفصيل: هداية القارئ ص64، 65 و177-188.

الركن الثاني: صفات الحروف

الركن الثاني: صفات الحروف قال ابن الجزري: "كل حرف شارك غيره في مخرج فإنه لا يمتاز عن مشاركه إلا بالصفات ... "1. تعريف الصفات: الصفات جمع: صفة، وهي لغة: ما قامت بالغير. واصطلاحًا: كيفية عارضة للحرف عند حصوله في المخرج. والصفات تنقسم إلى قسمين: 1- اللازمة: وهي التي تلازم الحروف ولا تفارقها في حال من الأحوال. وتسمى "الذاتية" كذلك. 2- العارضة: وهي التي يتصف بها بعض الحروف في بعض الحالات لسبب من الأسباب، وتفارقها في بعض الحالات لسبب من الأسباب. أولًا: الصفات اللازمة وهي تنقسم إلى قسمين: 1- المتضادة: وهي عشر صفات.

_ 1 النشر 1/ 214.

2- غير المتضادة: وهي -عند الجمهور- سبع، وقد أضاف إليها ابن الجزري صفات أخرى؛ من أهمها الغنة. الصفات اللازمة المتضادة: 1- الهمس: لغة: الخفاء. واصطلاحًا: جريان النفَس عند النطق بالحرف لضعف اعتماده على المخرج، وحروفها عشرة، جُمعت في: سكت فحثه شخص. 2- الجهر: وهي ضد الهمس. لغة: الإعلان. واصطلاحًا: انحباس النفَس عند النطق بالحرف لقوة اعتماده على المخرج، وحروفها ما عدا حروف الهمس، وقد جُمعت في: "عظم وزن قارئ ذي غض جد طلب". 3- الشدة: لغة: القوة. واصطلاحًا: انحباس الصوت عند النطق بالحرف لقوة اعتماده على المخرج، وحروفها ثمانية، جُمعت في: أجد قط بكت. - التوسط: لغة: الاعتدال، وهي ضد الشدة والرخاوة. واصطلاحًا: اعتدال الصوت بعدم انحباسه -كما في الشدة- وعدم جريانه -كما في الرخاوة- وحروفها خمسة، جُمعت في: لن عمر.

4- الرخاوة: لغة: اللين والسهولة، ضد الشدة. واصطلاحًا: جريان الصوت عند النطق بالحرف لضعف اعتماده على المخرج، وحروفها ستة عشر، وهي ما عدا حروف الشدة والتوسط. 5- الاستعلاء: لغة: الارتفاع. واصطلاحًا: ارتفاع اللسان عند النطق بالحرف إلى الحنك الأعلى، وحروفها سبعة، جُمعت في: خص ضغط قظ. 6- الاستفال: لغة: الانخفاض. واصطلاحًا: انخفاض اللسان إلى قاع الفم عند النطق بالحرف، وحروفها اثنان وعشرون، وهي ما عدا حروف الاستعلاء. 7- الإطباق: لغة: الالتصاق. واصطلاحًا: التصاق جزء من اللسان بالحنك الأعلى عند النطق بالحرف، وحروفها أربعة؛ وهي: "ص، ض، ط، ظ". 8- الانفتاح: لغة: الافتراق. واصطلاحًا: تباعد اللسان قليلًا عن الحنك الأعلى عند النطق بالحرف، وحروفها خمسة وعشرون، وهي ما عدا حروف الإطباق. 9- الإذلاق: لغة: حدة اللسان، من الذلاقة

بمعنى: الطرف. واصطلاحًا: خفة الحرف بخروجه من ذلق اللسان أو الشفة، وحروفها ستة، جُمعت في: فر من لب. 10- الإصمات: لغة: المنع. واصطلاحًا: ثقل الحرف بخروجه من غير ذلق اللسان والشفة، وحروفها ثلاثة وعشرون، وهي ما عدا حروف الإذلاق. والمقصود من هذه الصفة: منع اجتماع حروفها في أصول الكلمة الرباعية أو الخماسية، فإذا اجتمعت في كلمة مثل: عسجد، عسطوس، حُكم عليها بالشذوذ، أو أنها مستعربة، منها كلمة: {الْقِسْطَاسِ} 1. الصفات اللازمة غير المتضادة: وهي عند الجمهور سبع، وسنضيف إليها "الغنة"؛ لكونها صفة لازمة لا ضد لها2. 1- الصفير: لغة: صوت حاد يشبه صوت الطائر.

_ 1 الإسراء: 35، الشعراء: 182، قال مجاهد: القسطاس: العدل بالرومية، وقال سعيد بن جبير: القسطاس بلغة الروم: الميزان. انظر: المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب للسيوطي ص: 104، 105، بتعليق سمير حسين حلبي. 2 راجع: هداية القارئ ص91، ونهاية القول المفيد ص59.

واصطلاحًا: صوت زائد يخرج من بين الشفتين عند النطق بحروف ثلاثة؛ وهي: الزاء، والسين، والصاد. 2- القلقلة: لغة: التحريك والاضطراب. واصطلاحًا: اضطراب الصوت في المخرج عند النطق بالحرف ساكنًا؛ بحيث تسمع له نبرة قوية، وحروفها خمسة، مجموعة في "قطب جد". والقلقلة تنقسم إلى قسمين: أ- الأصلية: وهي التي توجد في حروفها الخمسة حالة الحركة، وتكون ناقصة، نحو: {بَلْ طَبَعَ} وذلك لأن حروفها تتصف بصفتي: الجهر والشدة، فلاتصافها بالجهر ينحبس النفَس عند النطق بها، ولاتصافها بالشدة ينحبس الصوت عند النطق بها، فيحتاج إلى معاناة عند النطق بها، ومن ثَمَّ يحدث صوت زائد عند النطق بحرف منها فيجعلها شبيهة بالمتحركة. ب- الفرعية: وهي التي توجد في حروفها الخمسة عند النطق بها ساكنة، وتكون كاملة. وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: - القلقلة الصغرى: وهي أن يكون الحرف ساكنًا موصولًا -غير موقوف عليه- سواء كان في وسط الكلمة نحو: {حَبْلِ} ، أو كان في آخرها نحو: {لَمْ يَلِدْ} .

- القلقة الكبرى: وهي أن يكون الحرف ساكنًا موقوفًا عليه مخففًا، نحو: {الْفَلَقِ} . - القلقلة الأقوى: وهي أن يكون الحرف ساكنًا موقوفًا عليه مشددًا، نحو: {وَتَبَّ} . ملاحظة: الراجح في كيفية النطق بالحرف المقلقل أن يكون مائلًا إلى الفتحة1. 3- اللين: لغة: السهولة. واصطلاحًا: إخراج الحرف في لين وعدم كلفة، ولها حرفان؛ وهما: الهواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما، نحو: {الْبَيْتِ} و {خَوْفٍ} . 4- الانحراف: لغة: الميل. واصطلاحًا: ميل الحرف عند خروجه إلى مخرج غيره، ولها حرفان؛ وهما: اللام والراء. 5- التكرير: لغة: إعادة الشيء أكثر من مرة. واصطلاحًا: ارتعاد رأس اللسان عند النطق بالحرف، ولها حرف واحد؛ وهو الراء. والمقصود من هذه الصفة: العلم بها للتجنب عنها، لا

_ 1 انظر: العميد في علم التجويد ص65، ورجح البعض كونه مائلًا إلى حركة الحرف الذي قبله. انظر: هداية القارئ ص87.

للعمل بها1. وكيفية ذلك: أن يلصق اللسان بمخرج الراء إلصاقًا محكمًا -دون ضغط عليه- بحيث لا يرتفع إلا مرة واحدة، خاصة إذا كانت الراء مشددة. 6- التفشي: لغة: الانتشار. واصطلاحًا: انتشار الريح في الفم عند النطق بالحرف، ولها حرف واحد؛ وهو الشين. 7- الاستطالة: لغة: الامتداد. واصطلاحًا: امتداد الصوت في المخرج عند النطق بالحرف، ولها حرف واحد؛ وهو الضاد. 8- الغنة: لغة: الترنم، أو هي صوت أرن يخرج من الخيشوم، لا عمل للسان فيه. واصطلاحًا: صوت لذيذ يخرج من الخيشوم، مركب في جسم حرفي النون -ولو تنوينا- والميم مطلقًا2. وهي تنقسم إلى قسمين: أ- فرعية مظهرة، وتسمى كاملة كذلك. وحالاتها ثلاثة:

_ 1 راجع: النشر 1/ 104، 218، 219. 2 أي: في جميع الحالات، سواء كان الحرف ساكنًا أو متحركًا، وسواء كان مخففًا أو مشددًا، لكون الغنة صفة لازمة للحرفين مثل القلقلة تمامًا. انظر: نهاية القول المفيد ص59.

1- حالة التشديد، نحو: إنا، لما، وتحلقها حالة الإدغام بالغنة الكامل، نحو: {إِنْ نَشَأْ} ، {مِنْ مَالٍ} ، {كَمْ مِنْ فِئَةٍ} . 2- حال الإدغام بالغنة الناقص، نحو: {مَنْ يَقُولُ} ، {مِنْ وَلِيّ} . 3- حالتي الإخفاء والإقلاب، نحو: {كُنْتُمْ} ، {مِنْ بَعْدِ} ، {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} ، {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ} . مقدارها: حركتان. ب- أصلية، وتسمى ناقصة كذلك، ولها حالتان: 1- حالة الإظهار، نحو: {أَنْعَمْتَ} ، {عَلِيمًا حَكِيمًا} ، {يَمْشُونَ} ، {يس، وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ} ، {ن وَالْقَلَمِ} . 2- حالة الحركة، نحو: {نَعْبُدُ} ، {مَالِكِ} . مقدارها: لا تقدر لكونها نسبية ضعيفة بحيث لا تكاد تظهر لخفائها بالحركة؛ ولكن لا بد من وجودها، والدليل على ذلك: تعذر النطق بالنون والميم -في الحالتين- إذا انسد مخرج الغنة، وهو الخيشوم1. ملاحظات: 1- الغنة تتبع ما بعدها تفخيمًا وترقيقًا، فتكون مرققة

_ 1 راجع: العميد ص33، 34، وهداية القارئ ص177.

إن وليها حرف مرقق، نحو: {إِنْ كُنْتُمْ} ، {مِنْ بَعْدِ} ، {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} . وتكون مفخمة إن وليها حرف مفخم، نحو: {مَنْ طَغَى} {مِنْ ضَرِيعٍ} ، {عَلِيمٌ قَدِيرٌ} ، وينبغي فيها مراعاة مراتب التفخيم1. وهذا الذي ذكرته من اتباع الغنة لما بعدها تفخيمًا وترقيقًا، نص عليه بعض المتأخرين2، ولم أرَ فيه نصًّا لأحد من المتقدمين إلا أنه متوارث ومأخوذ به، والله أعلم. 2- قد يُسمع من بعض القراء وحفاظ القرآن الكريم من إظهار الغنة في النون والميم والمخففتين حالة الوقف عليهما، نحو: {الْعَالَمِينَ} ، {الرَّحِيمِ} وهو لحن في الأداء يجب الاحتراز عنه؛ حيث إن حكم النون والميم في الحالة المذكورة هو الإظهار المطلق، وفي هذه الحالة تكون الغنة فيهما أصلية نسبية التي تتأدى مصحوبة بأداء الحرف والنطق به، ولا تكاد تظهر لعدم وجود سبب للغنة الفرعية، فليحترز منه وليتنبه.

_ 1 ستأتي مراتب التفخيم في الكلام على صفتي: التفخيم والترقيق، إن شاء الله تعالى. 2 انظر: هداية القارئ ص181، 182.

ثانيًا: الصفات العارضة وقد تسمى: المحسنة أو المحلية، وهي التي تلحق الحرف أحيانًا وتفارقه أحيانًا، وتنقسم إلى قسمين: 1- المتضادة: وهي أربع: المد، والقصر، والتفخيم، والترقيق. 2- وغير المتضادة: وهي أربع كذلك: الإظهار، والإدغام، والقلب، والإخفاء. الصفات العارضة المتضادة: 1- المد: لغة: مطلق الزيادة أو الإطالة، ومنه: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ} أي: يزدكم. واصطلاحًا: إطالة الصوت بحرف من حروف المد واللين أو اللين فقط، وحروف المد واللين ثلاثة: الألف مطلقًا، الواو الساكنة المضموم ما قبلها، الياء الساكنة المكسور ما قبلها، وقد اجتمعت في كلمة: {نُوحِيهَا} . وللين حرفان: الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما، نحو: سوف، قريش. 2- القصر: لغة: الحبس والمنع، ومنه: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} أي: محبوسات.

اصطلاحًا: إثبات حرف المد من غير زيادة عليه، وهو خاص بالمد الطبيعي، وقد يطلق "القصر" في القراءات ويراد به حذف حرف المد. وإذا ذكر القصر مقابل المد فيكون المراد بالقصر: المد الطبيعي، وبالمد: المد الفرعي1. تقسيم المد: المد ينقسم إلى قسمين: 1- الأصلي. 2- الفرعي. والمد الأصلي ينقسم إلى قسمين: أ- الكلمي. ب- الحرفي. والفرعي ينقسم إلى قسمين: 1- ما يتوقف على سبب الهمزة. 2- ما يتوقف على سبب السكون. الذي يتوقف على سبب الهمزة ثلاثة أنواع: أ- المتصل، وينقسم إلى قسمين: المتوسط والمتطرف. ب- المنفصل، وينقسم إلى قسمين: الحقيقي والحكمي. ج- البدل، وينقسم إلى قسمين: الحقيقي والحكمي.

_ 1 ذكر المد الطبيعي أو القصر الذي هو ضد للمد ضمن الصفات العارضة على غير حقيقته؛ لأن المد الطبيعي صفة لازمة لحروفه، فليتأمل.

والذي يتوقف على سبب السكون نوعان: أ- اللازم: وينقسم إلى قسمين: الكلمي والحرفي، وكل منهما ينقسم إلى قسمين: المثقل والمخفف. ب- العارض للسكون. وإليك جدول أقسام المد.

المدود بالتفصيل: أولًا: المد الأصلي - تعريفه: هو الذي لا تقوم ذات حرف المد إلا به، ولا يتوقف على سبب. وينقسم إلى قسمين: 1- الكلمي: هو ما يقع في الكلمات القرآنية، نحو: قال، يقول، قيل. 2- الحرفي: هو ما يقع في الحروف المقطعات، وقد وقع في خمسة أحرف، جُمعت في "حي طهر"، نحو: طه. - مقدار مده: حركتان. - حكم مده: الوجوب. - شرط مده: وجود حرف المد. - وجه تسميته: سمي أصليًّا؛ لأنه أصل للمدود الفرعية، وسمي طبيعيًّا؛ لأنه من طبيعة الحرف، وإلا فلا يكون لحرف المد وجود، أو لأن صاحب الطبيعة السليمة والنطق الصحيح يعطيه حقه، ويمده بقدره دون زيادة فيه أو نقصان. المدود الملحقة بالمد الطبيعي: 1- مد العوض: هو إبدال التنوين المنصوب ألفًا لدى الوقف "ما لم يكن تاء تأنيث"، نحو: {أَفْوَاجًا} .

2- مد الصلة الصغرى: هو جعل ضمة هاء الضمير واوًا، وكسرته ياءً وصلًا. ولمده شروط ثلاثة: أ- أن تكون الهاء ضميرًا للمفرد المذكر الغائب. ب- وأن تقع بين حرفين متحركين. ج- وألا يكون المتحرك الثاني همزة. نحو: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} ، {بِعِبَادِهِ خَبِيرًا} . باستثناء كلمة {يَرْضَهُ لَكُمْ} 1 حيث تقرأ بضمة فقط دون إشباعها؛ اتباعًا للرواية. 3- مد التمكين: هو أن تجتمع ياءان الأولى منهما مشددة مكسورة، والثانية ساكنة، نحو: {حُيِّيتُمْ} ، {النَّبِيِّينَ} . ثانيًا: المد الفرعي: تعريفه: هو ما زاد على مقدار المد الطبيعي وتوقف على سبب. وللمد الفرعي سببان: 1- الهمزة. 2- السكون.

_ 1 الزمر: 7.

المدود الفرعية بسبب الهمزة: 1- المتصل: هو أن يقع الهمز بعد حرف المد في كلمة واحدة، وينقسم إلى قسمين: أ- المتوسط، نحو: {أُولَئِكَ} ، {سِيئَتْ} ، {السُّوأَى} . مقدار مده: أربع أو خمس حركات وصلًا ووقفًا. ب- المتطرف، نحو: {جَاءَ} ، {جِيء} ، {السُّوءَ} . مقدار مده: أربع أو خمس حركات وصلًا، ويجوز مده بقدر ست حركات وقفًا. حكم مده: الوجوب؛ لوجوب مده أكثر من الطبيعي باتفاق القراء. وسُمي متصلًا؛ لاتصال الهمزة بحرف المد، أو لاتصال السبب بالشرط. 2- المنفصل: هو أن يقع الهمز بعد حرف المد في كلمة ثانية. وينقسم إلى قسمين: أ- الحقيقي: هو أن يكون الهمز فيه منفصلًا عن حرف المد رسمًا، نحو: {وَلا أَنْتُمْ} ، {أُمِرُوا إِلَّا} ، {فِي أَنْفُسِهِمْ} .

ب- الحكمي: هو أن يكون الهمز فيه متصلًا بحرف المد رسمًا، نحو: "يأيها" وأصلها: يا أيها، "هؤلاء" وأصلها: ها أولاء. مقدار مده: أربع أو خمس حركات وصلًا. حكم مده: الجواز؛ لجواز قصره وإشباعه لدى بعض القراء. وسمي "منفصلًا"؛ لانفصال الهمزة عن حرف المد، أو لانفصال السبب عن الشرط. المد الملحق بالمنفصل: يلحق به مد الصلة الكبرى؛ وهو أن يقع هاء الضمير المفرد المذكر الغائب بين متحركين، ويكون المتحرك الثاني همزة القطع، نحو: {عِنْدَهُ إِلَّا} ، {مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا} . 3- البدل: هو أن يقع الهمز قبل حرف المد "عكس المد المتصل". وينقسم إلى قسمين: أ- الحقيقي: هو ما كان حرف المد فيه مبدلًا من همزة، نحو: "ءامنوا "، أصلها أأمنوا، أبدلت الهمزة الثانية من جنس حركة ما قبلها فصارت ألفًا، "إيمانًا" أصلها: إإمانًا، أبدلت الهمزة الثانية من جنس حركة ما قبلها فصارت ياءً، "أوتي" أصلها: أأتي، أبدلت الهمزة

الثانية من جنس حركة ما قبلها فصارت واوًا. ب- الحكمي: وهو ما لم يكن حرف المد فيه مبدلًا من همزة، نحو: {قُرْآَنَ} ، {مُتَّكِئُونَ} ، {خَاسِئِينَ} . مقدار مده: حركتان. حكم مده: الجواز؛ لقصره -بقدر حركتين- عند جميع القراء، وجواز توسطه وإشباعه لدى ورش فقط. وسمي "بدلًا"؛ لأن الأصل فيه إبدال حرف المد عن الهمزة الساكنة الواقعة بعد همزة متحركة، كما وضحنا في القسم الأول منه. المد الملحق بـ"البدل": يلحق به حرف المد المبدل من التنوين، نحو: {دُعَاءً} ، {نِداءً} ، أو ما كان حرف المد فيه مبدلًا من همزة واقعة بعد همزة الوصل المبدوء بها، نحو: "إيت"، "أوتمن". المدود الفرعية بسبب السكون: 1- المد اللازم: تعريفه: هو أن يأتي بعد حرف المد سكون أصلي، نحو: {الطَّامَّةُ} ، {آَلآَنَ} ، {الم} . وينقسم إلى قسمين:

1- الكلمي: وهو ما كان السكون الأصلي فيه بعد حرف المد في كلمة، نحو: {ضَالًّا} . 2- الحرفي: وهو ما كان السكون الأصلي فيه بعد حرف المد في حرف من حروف التهجي، نحو: {ص} . وكل منهما ينقسم إلى قسمين: أ- المثقل: وهو ما كان الحرف الساكن فيه مدغمًا فيما بعده، نحو: {الصَّاخَّةُ} ، {الم} . ب- المخفف: وهو ما كان الحرف الساكن فيه غير مدغم فيما بعده، نحو: {آَلآَنَ} ، {عسق} . وهكذا تصبح أقسام المد اللازم أربعة: 1- المد اللازم الكلمي المثقل، نحو: {الضَّالِّينَ} . 2- المد اللازم الكلمي المخفف، نحو: {آَلآَنَ} 1. 3- المد اللازم الحرفي المثقل، نحو: {الم} ، {طسم} في حرفي اللام والسين فقط. 4- المد اللازم الحرفي المخفف، نحو: {ق} ، {ن} . - مقدار المد اللازم: المد اللازم -بجميع أقسامه-

_ 1 وقعت في موضعين من سورة يونس: 51، 91، ولا نظير لها في القرآن الكريم.

يمد بقدر ست حركات. - حكم مده: اللزوم والوجوب؛ لإجماع القراء على إشباع مده. - وجه تسميته: يسمى باللازم للزوم السكون بالحرف وصلًا ووقفًا. تنبيه: المد اللازم الحرفي لا يوجد إلا في فواتح السور. والحروف التي وقعت في فواتح السور 14 حرفًا -نصف حروف الهجاء- وقد جمعها البعض في: "صله سحيرا من قطعك"، أو في: "صح طريقك مع السنة". 1- قسم لا مد فيه، وهو حرف واحد فقط "ألف". 2- قسم آخر يمد بقدر حركتين، وله خمسة أحرف، جمعت في: "حي طهر". 3- والثالث يمد بقدر ست حركات، وله ثمانية أحرف، جمعت في: "سنقص علمك" أو "نقص عسلكم". وهي على قسمين: 1- قسم يمد بقدر ست حركات قولًا واحدًا، وله جميع الحروف الثمانية ما عدا حرف "العين". 2- والثاني يجوز مده بقدر أربع حركات أو ست حركات، وله حرف واحد فقط؛ وهو "العين" وذلك لأن أوسطه

حرف لين -الياء الساكنة المفتوح ما قبلها- وهو أضعف من حروف المد واللين التي توجد في أواسط بقية حروف المجموعة، وقد وقع "العين" في فاتحة سورتي: مريم والشورى فقط. المد الملحق باللازم: يلحق به مد "الفرق": وهو ما كان حرف المد فيه مبدلًا من همزة الوصل الواقع بعد همزة الاستفهام، وكان بعد حرف المد سكون أصلي. وينقسم إلى قسمين: 1- مد الفرق المثقل: وقد وقع في كلمتين فقط في القرآن؛ وهما: {آَلذَّكَرَيْنِ} في موضعين من سورة الأنعام: 143، 144. {آَللَّهُ} موضع في سورة يونس: 59، وموضع في النمل: 59. 2- مد الفرق المخفف: وقد وقع في كلمة واحدة في القرآن الكريم؛ وهي: {آَلآَنَ} في موضعين من سورة يونس: 51، 91. مقدار مده: ست حركات، مثل اللازم. حكم مده: الوجوب في وجه الإبدال فقط.

وجه تسميته: سُمي بـ"الفرق" لأن حرف المد أبدل من همزة الوصل في الدرج الواقع بعد همزة الاستفهام، والأصل في همزة الوصل سقوطها في الدرج، وقد أُثبتت هنا وأبدلت حرف مد للفرق بين الاستفهام والخبر. تنبيه: يجوز في كلمات مد الفرق الثلاثة وجهان في رواية الإمام حفص من طريق الشاطبية: 1- الإبدال: ويتحتم عليه المد بقدر ست حركات كالمد اللازم. 2- التسهيل: أن تسهل همزة الوصل بينها وبين الألف، وتكون الهمزة الأولى محققة، وعلى هذا الوجه لا يكون فيها المد، وكلاهما وجهان صحيحان مقروء بهما، والوجه الأول مُقدَّم في الأداء. 2- المد العارض للسكون: - تعريفه: هو أن يقع سكون عارض للوقف بعد حرف المد واللين، نحو: {الْعَالَمِينَ} ، {وَالنَّاسِ} ، {تَعْلَمُونَ} ، {بِوَالِدَيْهِ} ، {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ} ، {مَآَبٍ} ، {الزَّكَاةِ} . - مقدار مده: القصر "حركتان"، أو التوسط "أربع

حركات"، أو الطول "ست حركات"1. - حكم مده: الجواز؛ لجواز الأوجه الثلاثة في مده لجميع القراء. - وجه تسميته: سمي بالعارض للسكون لأن الأصل في الحرف الموقوف عليه حركة، وقد سُكن لأجل الوقف، فإن وصلت الكلمة بما بعدها فسيزول السكون ويرجع الحرف إلى حركته الأصلية، ويصبح المد طبيعيًّا، فلكون السكون عارضًا سمي به. المد الملحق بالعارض للسكون: يلحق به مد اللين الوقفي: وهو أن يقع سكون عارض للوقف بعد حرف اللين، نحو: {قُرَيْشٍ} ، {خَوْفٍ} . - حكم مده: كالمد العارض للسكون، وتجوز فيه الأوجه الثلاثة.

_ 1 يمتنع وجه القصر وقفًا إذا اجتمع المد المتصل بالعارض للسكون، نحو: {السَّمَاءِ} لأن المتصل أقوى من العارض للسكون، ولعدم جواز قصر المتصل.

مراتب المدود الفرعية: المدود الفرعية بعضها أقوى من بعض؛ وذلك لقوة السبب أو ضعفه، فأقواها المد اللازم، ثم المتصل، ثم المد العارض للسكون، ثم المد المنفصل، وأضعفها المد البدل. قال صاحب لآلئ البيان: أقوى المدود لازم فما اتصل ... فعارض فذو انفصال فبدل1 وفائدة معرفة مراتب المدود: أنه إذا اجتماع سببان لمدين في كلمة واحدة، وكان أحدهما أقوى من الآخر، فيعمل بالأقوى ويترك العمل بالضعيف، نحو: {آَلآَنَ} وفي هذه الكلمة أربعة مدود: 1- البدل: حيث تقدمت الهمزة على حرف المد في أولهما، ومقدار مده: حركتان. 2- اللازم: حيث وقع سكون أصلي بعد حرف المد، ومقدار مده: ست حركات. 3- البدل: حيث إن الهمزة الثانية واقعة قبل حرف المد، ومقدار مده: حركتان.

_ 1 راجع: هداية القارئ ص352.

4- العارض للسكون: في حالة الوقف؛ حيث يكون الحرف الموقوف عليه ساكنًا سكونًا عارضًا واقعًا بعد حرف المد، ومقدار مده: حركتان، أو أربع حركات، أو ست حركات. وفي هذه الحالة يترك العمل بالبدل الأول ويعمل باللازم لقوته. وكذلك يترك العمل بالبدل الثاني -فيما عدا القصر- ويعمل بالعارض للسكون؛ لأنه أقوى من البدل. ونحو: {السَّمَاءَ} وفيها مدان وقفًا: 1- المتصل: لوقوع الهمزة بعد حرف المد في كلمته، ومقدار مده: أربع أو خمس حركات. 2- العارض للسكون: لكون الهمزة ساكنة للوقف، ومقداره مده: حركتان أو أربع أو ست حركات. والمتصل أقوى من العارض، فيُعمل بالأول، ويترك العمل بالثاني في وجه القصر فقط؛ لعدم جواز قصر المتصل. وفي هذا قال صاحب لآلئ البيان: وسببا مد إذا ما وجدا ... فإن أقوى السببين انفردا1 من الصفات العارضة المتضادة: 3- التفخيم. 4- الترقيق.

_ 1 انظر: هداية القارئ ص354.

تعريف التفخيم: لغة: التسمين. اصطلاحًا: سمن في جسم الحرف عند النطق به؛ بحيث يمتلئ الفم بصداه. تعريف الترقيق: لغة: التنحيف. واصطلاحًا: نحوفة في جسم الحرف عند النطق به؛ بحيث لا يمتلئ الفم بصداه. الحروف الهجائية -من حيث التفخيم والترقيق- تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- الحروف المفخمة قولًا واحدًا: وهي حروف الاستعلاء السبعة المجموعة في: خص ضغط قظ. 2- الحروف المرققة قولًا واحدًا: وهي جميع حروف الاستفال ما عدا: الألف واللام والراء. 3- الحروف المفخمة أحيانًا والمرققة أحيانًا: وهي: الألف واللام والراء. مراتب التفخيم: الحروف المفخمة قولًا واحدًا بعضها أقوى وأفخم

من بعض. فحروف الإطباق الأربعة: "ص، ض، ط، ظ" أخص تفخيمًا من بقية حروف الاستعلاء لاشتراكها معها في الاستعلاء وانفرادها في الإطباق. ولتفخيمها مراتب خمس: 1- ما كان مفتوحًا قبل ألف، نحو: "طال، قال، ضاق، ظالم، صالح، غافر، خافوا". 2- ما كان مفتوحًا وليس بعده ألف، نحو: "طبع، ضرب، صبر، ظهر، قدرنا، غفر، خلق". 3- ما كان مضمومًا، نحو: "طبع، ضربت، صرفت، الظنونا، والقرآن، الخلود، غرورا". 4- ما كان ساكنًا، نحو: "يطبع، يضرب، فاصبروا، أظهره، أقرب، يغلب، أخلده". ويلاحظ هنا: أن الحرف الساكن بعد فتح يأخذ المرتبة الثانية من التفخيم، والساكن بعد ضم يأخذ المرتبة الثالثة، والساكن بعد كسر يأخذ المرتبة الخامسة. 5- ما كان مكسورًا، نحو: "بطرت، ضعافًا، بصير، قيامًا، غشاوة، خلال، فانتظروا".

أحكام الحروف التي قد تفخم وقد ترقق: 1-الألف: تتبع ما قبلها تفخيمًا وترقيقًا، فإن وقعت بعد حرف مفخم، نحو: "قال، طال" فخمت. وإن وقعت بعد حرف مرقق، نحو: "جاء، شاء" رققت. 2- اللام: تفخم في لفظ الجلالة فقط إن سبقت بفتح أو بضم نحو: "الله، شهد الله، عبدُ الله، رسولُ الله، قالوا اللهم". وإن وقعت بعد كسر، نحو: "باسم الله، الحمد لله" ترقق كبقية اللامات الواقعة في غير لفظ الجلالة، نحو: "الحمد، عليهم". 3- الراء: لها حالتان: الحركة، السكون. - الراء المتحركة: ينظر إلى حركتها، سواء كانت في أول الكلمة أو في وسطها أو في آخرها ووصل بها. تفخم إن كانت مفتوحة، نحو: "رَبّ، الرحمن، أبصارهم". أو مضمومة، نحو: "رُزقوا، عشرُون، غيرُ ممنون". وترقق إن كانت مكسورة، نحو: "رزقًا، القارعة، غير المغضوب". - الراء الساكنة: لها حالتان: تكون متوسطة أو متطرفة.

- الراء الساكنة المتوسطة: ترقق بشروط أربعة: 1- أن يكون ما قبلها مكسورًا. 2- أن تكون الكسرة أصلية. 3- أن تكون الكسرة متصلة بها. 4- ألا يقع بعدها حرف استعلاء مفتوحًا نحو: "فرعون، شرذمة، مرية". وتفخم إن اختل شرط من هذه الشروط الأربعة، فتفخم في مثل: - "مَرْيم، قُرْبى" لكون ما قبلها غير مكسور. - "اركعوا، ارْجعي" لاختلال الشرط الثاني؛ حيث إن الكسرة هنا غير أصلية. - "ربِّ ارْحمهما، الذي ارْتضى" لاختلال الشرط الثالث؛ حيث إن الكسرة هنا منفصلة. - "المرصاد1، إِرْصادا، القِرْطاس، فِرْقة" لاختلال الشرط الرابع؛ حيث وقع بعدها حرف استعلاء مفتوح. أما لو وقع بعدها حرف استعلاء غير مفتوح، كما في كلمة "فرق" في الشعراء -ولا نظير لها في القرآن الكريم- ففيها وجهان: التفخيم والترقيق، ويكون وجه الترقيق مقدمًا في الأداء.

_ 1 وردت في النبأ: 21 {كَانَتْ مِرْصَادًا} وفي الفجر: 14 {لَبِالْمِرْصَادِ} .

- الراء الساكنة المتطرفة 1: لها حالتان: أ- تكون بعد متحرك. ب- أو بعد ساكن. أ- الساكنة المتطرفة الواقعة بعد متحرك: ينظر إلى حركة ما قبلها: 1- إن وقعت بعد فتح، نحو: "القمَر، مزدجَر، محتضَر". 2- أو بعد ضم، نحو: "نكُر، فما تغن النذُر، التكاثُر". حكمها في الحالتين: التفخيم. باستثناء كلمة: "ونذر" المسبوقة بـ"الواو" في ستة مواضع من سورة القمر، فيجوز فيها التفخيم؛ نظرًا إلى ضمة ما قبلها، ويجوز فيها الترقيق؛ نظرًا إلى حالتها الوصلية أو الأصلية؛ حيث إنها مكسورة مرققة في الوصل، وأصلها: ونذري، حذفت الياء رسمًا ولفظًا، ووجه الترقيق مُقدَّم في الأداء. 3- وإن وقعت بعد كسر، نحو: "مستمِر، قدِر، مدكِر" يكون حكمها الترقيق. ب- الساكنة المتطرفة الواقعة بعد ساكن: لها حالتان: 1- يكون الساكن قبلها حرف "ياء". 2- أو غيره.

_ 1 سواء كان سكونها أصليًّا نحو: "فاصبر"، أو عارضًا لأجل الوقف نحو: "قُدر".

1- فإن كان الساكن حرف "ياء" مدية أو لينة، نحو: "قدير، خبير، بصير، خير، ضير، غير" حكمها: الترقيق. 2- وإن كان الساكن غير حرف "ياء" فينظر إلى ما قبله: - فإن كان ما قبله مفتوحًا، نحو: "الفَجْر، النهار، العَصر". - أو مضمومًا، نحو: "صُفْر، خُسر" فحكمها: التفخيم. باستثناء الكلمات الآتية: "يسر"1 "فأسر"2 "أن أسر"3. فيجوز فيها: التفخيم والترقيق، ويقدم في الأداء وجه الترقيق. - وإذا كان ما قبله مكسورًا، نحو: "حِجْر، سِحْر" فحكمها: الترقيق. باستثناء كلمتي "مصر"4، والقطر"5 فيجوز فيهما التفخيم والترقيق، ويقدم وجه التفخيم في "مصر" ووجه الترقيق في "القطر"؛ لكون الأول مفخمًا وصلًا، والثاني مرققًا وصلًا. خلاصة أحكام الراء: أحكام الراء -من حيث التفخيم والترقيق- أربعة: أ- تفخم دائمًا.

_ 1 الفجر: 4. 2 هود: 81، الحجر: 65، الدخان: 23. 3 طه: 77، الشعراء: 52. 4 يونس: 87، يوسف: 21، 99، الزخرف: 51. 5 سبأ: 12.

ب- ترقق دائمًا. ج- يجوز فيها التفخيم والترقيق، والتفخيم مُقدَّم. د- يجوز فيها التفخيم والترقيق، والترقيق مُقدَّم. أ- الراء المفخمة دائمًا: 1- المفتوحة: "رَب، صرَاط، أبصارَهم". 2- المضمومة: "رُزقوا، عشرُون، غيرُ ممنون". 3- الساكنة بعد فتح: "القَمَر، محتضَر، مَرْيم". 4- الساكنة بعد ضم: "التكاثُر، نكُر، قُرْبى". 5- الساكنة بعد كسر عارض: "ارْكعوا، ارْجعي". 6- الساكنة بعد كسر أصلي منفصلُ عنها: "الذي ارْتضى، ربِّ ارْحمها". 7- الساكنة قبل حرف استعلاء مفتوح: "المِرْصاد، القِرْطاس، فِرْقة، إرصادًا". 8- الساكنة بعد ساكن وما قبله مفتوح: "النهار، الفَجْر، العَصْر". 9- الساكنة بعد ساكن وما قبله مضموم: "خُسْر، صُفْر". ب- الراء المرققة دائمًا: 1- المكسورة: "رِزقًا، الغارِمين، غيرِ المغضوب". 2- الساكنة بعد كسر أصلي متصل بها ولم يقع بعدها

حرف استعلاء مفتوح: "شرعة، الفردوس". 3- الساكنة بعد ياء ساكنة: "قدير، خير". 4- الساكنة بعد ساكن -غير الياء- وما قبله مكسور: "حجر، سحر". الراء التي يجوز فيها الوجهان ويُقدَّم التفخيم: 1- الساكنة -وقفًا- ما قبلها ساكن -حرف استعلاء- وما قبله مكسور: "مصر" لا ثاني لها. الراء التي يجوز فيها الوجهان ويُقدَّم الترقيق: 1- الساكنة بعد ضم في كلمة سبقت بحرف "الواو"، نحو: "ونذر" في ستة مواضع من سورة القمر، ولا ثاني لها. 2- الساكنة بعد ساكن وما قبله مفتوح، نحو: "يسر، فأسر، أن أسر" لا رابع لها. 3- الساكنة بعد ساكن وما قبله مكسور، نحو: "القطر" لا ثاني لها. ملاحظة: راء كلمة "مجريها" في سورة هود: 41، مرققة للإمالة. وإليك جدول مخطط لأحكام الراء:

_ 1 1- أن يكون ما قبلها مكسورًا. 2- أن يكون الكسر أصليًّا. 3- أن يكون الكسر متصلًا بها. 4- ألا يقع بعدها حرف استعلاء مفتوحًا، نحو: "فرعون، شرذمة". 2 "يسر، فأسر، أن أسر" ففيها التفخيم والترقيق، والترقيق مُقدَّم. 3 "مصر، القطر" ففيها وجهان، والمقدم في "مصر" التفخيم، وفي "القطر" الترقيق.

الصفات العارضة غير المتضادة: وهي أربع: 1- الإظهار. 2- الإدغام. 3- الإخفاء. 4- الإقلاب. وهي تشمل الأحكام المعروفة بالعناوين التالية: أ- أحكام النون الساكنة والتنوين. ب- أحكام الميم الساكنة. ج- أحكام اللام الساكنة. وفيما يلي نُعرِّف كل صفة منها، ثم نردفها بذكر الأحكام الثلاثة. أولًا: تعاريف الصفات الأربع: 1- الإظهار: لغة: البيان. واصطلاحًا: إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة ظاهرة في الحرف المظهر1. 2- الإدغام: لغة: الإدخال أو الإدماج. واصطلاحًا: النطق بالحرفين كالثاني مشددًا.

_ 1 قلنا: من غير غنة ظاهرة؛ لأن أصل الغنة يوجد في النون مطلقًا، حتى في حالة الإظهار؛ لكونها صفة لازمة لها، كما سبق توضيحه في الكلام على صفة الغنة.

3- الإخفاء: لغة: الستر. واصطلاحًا: النطق بحرف ساكن عارٍ عن التشديد بصفة بين الإظهار والإدغام، مع بقاء الغنة في الحرف الأول. 4- الإقلاب: لغة: التحويل. واصطلاحًا: جعل حرف مكان آخر مع مراعاة الغنة والإخفاء في الحرف المقلوب. تنبيه: الغنة في حالة الإدغام بغنة، أو الإخفاء، أو الإقلاب تُؤدَّى بقدر حركتين -كما ذكرنا ذلك في الكلام حول صفة الغنة ضمن الصفات اللازمة غير المتضادة- فليتنبه من ذلك. ثانيًا: ذكر الأحكام الثلاثة أ- أحكام النون الساكنة والتنوين: وهي أربعة: 1- الإظهار: وحروفه ستة، المجموعة في أوائل شطر البيت: "أ"خي "هـ"ـاك "عـ"لما "حـ"ـازه "غـ"ـير "خـ"ـاسر وهي: الهمزة والهاء، والعين والحاء، والغين والخاء. وإظهار النون الساكنة قد يكون في كلمة وقد يكون في

كلمتين، ولا يكون إظهار التنوين إلا بين كلمتين، والأمثلة على ذلك: ويسمى الإظهار حلقيًّا؛ لمخارج حروفه من الحلق. 2- الإدغام: وحروفه ستة، المجموعة في كلمة "يرمُلون". وينقسم إلى قسمين: أ- الإدغام بغنة: وحروفه أربع، جُمعت في "ينمو"، وينقسم إلى قسمين: - إدغام بغنة ناقص، وله حرفان؛ وهما: الواو والياء نحو: {مَنْ يَقُولُ} ، {بَرْقٌ يَجْعَلُونَ} . {مِنْ وَالٍ} ، {مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ} .

ويسمى الإدغام ناقصًا؛ لذَهَاب الحروف وبقاء صفته. - إدغام بغنة كامل، وله حرفان؛ وهما: النون والميم، نحو: {مِنْ نِعْمَةٍ} ، {يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} {مِنْ مَالٍ} ، {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ} . ويلحق به إدغام نون التوكيد الخفيفة، الواقع في موضع واحد في القرآن، ورسم تنوينًا، وهو: {وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} 1 ويسمى الادغام هنا كاملًا؛ لذهاب الحرف وصفته معًا2. ب- الادغام بغير غنة: وله حرفان؛ وهما: اللام والراء، نحو: {مِنْ لَدُنْهُ} ، {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} . {مِنْ رَبِّهِمْ} ، {ثَمَرَةٍ رِزْقًا} . ويسمى كاملًا؛ لذهاب الحرف وصفته معًا. ملاحظة: إدغام النون الساكنة في أحد حروفه مشروط بأن تكون النون الساكنة في كلمة، وحرف الإدغام في كلمة ثانية -كما مثلنا- ويستثنى من ذلك موضعان:

_ 1 يوسف: 32. 2 هذا على قول المحققين؛ لأن الغنة الموجودة في النطق هي للحرف المدغم فيه، وليست للحرف المدغم، والمشهور أنه إدغام بغنة ناقص، باعتبار الغنة الموجودة في النطق أثرًا للحرف المدغم. راجع: هداية القارئ ص166، 167.

1- {يس، وَالْقُرْآنِ} . 2- {نْ وَالْقَلَمِ} . فإنه يجب فيهما الإظهار -رغم تحقق الشرط- اتباعًا للرواية. أما لو وقعت النون الساكنة مع حرف الادغام في كلمة واحدة وجب الإظهار، ويسمى إظهارًا مطلقًا، وقد وقعت مع حرفين من حروف الإدغام في كلمة واحدة؛ وهما: الواو الياء، ووقع كل منهما في كلمتين فقط؛ وهي: اجتماع النون مع الواو: "قنوان، صنوان". اجتماع النون مع الياء: "الدنيا، بنيانا". وسبب الإظهار: 1- اتباع الرواية. 2- مخافة الالتباس المضاعف -الذي يتكرر أحد أصوله- لئلا يلتبس الأمر؛ بينما أصله النون فأدغمت نونه وبينما أصله التضعيف. قال ابن بري في الدرر اللوامع: فتظهر النون لواو أو يا ... في نحو قنوان ونحو الدنيا

خيفة أن يشبه في إدغامه ... ما أصله التضعيف لالتزامه1 3- الإقلاب: وله حرف واحد؛ هو الباء، نحو: {أَنْبِئْهُمْ} ، {أَنْ بُورِكَ} ، {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} . ويلحق به نون التوكيد الخفيفة الواقعة في موضع واحد في القرآن الكريم، وقد رسمت تنوينًا، وهو: {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ} 2. وكيفية الإقلاب: أن تخفى الميم المقلوبة عند الباء، مع إظهار الغنة وعدم الضغط على الشفتين عند النطق بالميم ولا فتحهما كليًّا، فيؤدَّى الإقلاب بضم الشفتين بتلطف أو بجعل فرجة خفيفة بينهما، ولا يضبط ذلك إلا بالتلقي مشافهة من أفواه المتقنين. 4- الإخفاء: وله خمسة عشر حرفًا، وهي بقية حروف التهجي، وقد جمعها صاحب التحفة في أوائل كلم البيت: "صـ"ف "ذ"ا "ث"ـنا "كـ"ـم "جـ"ـاد "شـ"ـخص "قـ"ـد "سـ"ـما "د"م "طـ"ـيبا "ز"د "فـ"ـي "تـ"ـقًى "ضـ"ـع "ظـ"ـالما3

_ 1 راجع: هداية القارئ ص165. 2 العلق: 15. 3 متن تحفة الأطفال للجمزوري، البيت رقم: 16.

الأمثلة حسب ترتيب الحروف المذكورة في البيت: ويسمى الإخفاء: حقيقيًّا. وكيفية أداء الإخفاء: أن يبعد اللسان عن مخرج النون؛ فلا يكون ملصقًا بمخرجه، وتؤدَّى الغنة بقدر حركتين من الخيشوم.

أحكام الميم الساكنة: ثلاثة: 1- الإخفاء: وله حرف واحد؛ وهو الباء، نحو: {يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} . ويسمى الإخفاء: شفويًّا؛ لخروج الحرفين من الشفتين1. وكيفية أداء الإخفاء هنا مثل كيفية أدائه في حالة الإقلاب، فلا ينبغي كز الشفتين ولا المبالغة في فتحهما؛ بل يكون بتلطف. 2- الإدغام: وله حرف واحد؛ وهو الميم، نحو: {لَهُمْ مَا} . ويسمى الإدغام: شفويًّا، أو إدغام متماثلين صغير. 3- الإظهار: وله ستة وعشرون حرفًا؛ أي: جميع حروف الهجاء ما عدا الميم والباء2. ويكون الإظهار عند الواو والفاء أشد وآكد، ويسمى الإظهار: شفويًّا. ومن أمثلة الإظهار: في كلمة، نحو: {الظَّمْآنُ} ، {أَمْتًا} ، {أَمْثَالَكُمْ} ، {يَمْحَقُ} ، {أَمْرًا} .

_ 1 هذا هو المشهور في حكم الميم الساكنة قبل الباء، وهو المقدَّم في الأداء لاتفاق القراء على إخفاء الميم لدى الباء في حالة الإقلاب، وهناك وجه آخر؛ وهو الإظهار الشفوي، وهو وجه صحيح مأخوذ به، نص عليه ابن الجزري إلا أنه غير مشهور. راجع: النشر 1/ 222. 2 لا تقع الألف بعد الميم الساكنة؛ ولذلك لم تذكر ضمن حروف التهجي.

في كلمتين، نحو: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} ، {أَمْ تَأْمُرُهُمْ} ، {أَمْ حَسِبْتَ} ، {أَمْ خُلِقُوا} . تقع الميم الساكنة قبل جميع حروف الإظهار في كلمة وفي كلمتين ما عدا ثمانية أحرف؛ حيث تقع قبلها في كلمتين، ولم تجتمع معها في كلمة، والحروف الثمانية جمعها صاحب "العميد" في أوائل كلم البيت: "صـ"ـل "ذ"ا "غـ"ـرام "فـ"ـيك "قـ"ـبل "جـ"ـنونه "خـ"ـصمي "ظـ"ـلوم / انتهى بصفاء1 ملاحظات: 1- أحكام الميم الساكنة الثلاثة -التي ذكرناها- مشروطة بأن تقع الميم الساكنة قبل حرف متحرك، نحو: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ... } . 2- لو وقعت الميم الساكنة قبل ساكن -ولا يكون إلا همزة الوصل- وجب تحريكها -وصلًا- تخلصًا من التقاء الساكنين بإحدى الحركات الثلاث: - إما بالفتح، نحو: "الم الله" فاتحة آل عمران، فتقرأ هكذا:

_ 1 العميد في علم التجويد للشيخ محمود علي بسة ص39.

المِّيمَ الله، وهو موضع وحيد لا ثاني له في القرآن الكريم1. - أو بالكسر: وذلك في غير ميم الجمع، نحو: "أم ارتابوا، إن يعلم الله، قم الليل ... ". - أو بالضم، وذلك بعد الكاف، نحو: {عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} . أو بعد التاء، نحو: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} . أو بعد الهمزة، نحو: {هَاؤُمُ اقْرَأوا} ولا ثاني لها. أو بعد الهاء، نحو: {مِنْهُمُ الَّذِينَ} . 3- إن اتصل ضمير الميم الساكنة وجب صلتها بواو لفظًا وخطًّا، ووصلًا ووقفًا، نحو: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ} ، {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} ...

_ 1 المد في حرف الميم من "الم" لازم حرفي مخفف، فإذ وصلت الميم بلفظ الجلالة من فاتحة سورة آل عمران، ففي مدها وجهان: 1- مدها بقدر ست حركات مع تحريكها بالفتح. 2- أو مدها بقدر حركتين مع تحريكها بالفتح. ويجوز مدها بقدر أربع حركات مع تحريكها بالفتح، إلا أنه من طريق الطيبة لا من طريق الشاطبية التي كتبنا أحكام التجويد هنا من طريقها.

أحكام اللام الساكنة: تقع اللام في أول الكلمة، أو في وسطها، أو في آخرها. 1- في أول الكلمة: وتختص بالأسماء فقط. وهي لام "ال" للتعريف، سواء صح تجريدها عن الكلمة، نحو: "المحسنين، الشمس، القمر"، أو لم يصح، نحو: "الله، الذي، التي". وتنقسم إلى قسمين: الشمسية والقمرية. أ- الشمسية: وهي التي تُدْغَمُ فيما بعدها وجوبًا، وحروفها أوائل كلمات البيت: طب ثم صل رحمًا تفز ضف ذا نِعَم ... دع سوء ظن زر شريفًا للكرم وتسمى شمسية لإدغامها عند النطق بها في لفظ "الشمس". ب- القمرية: وهي التي تظهر عند حرف من حروف: ابغ حجَّك وخَفْ عقيمه. وتسمى "قمرية" لظهورها عند النطق بها في لفظ "القمر". 2- في وسط الكلمة: يجب إظهارها، سواء وقعت في الاسم، نحو: "سلسبيلا، سلطانا" أو في الفعل، نحو: "قلنا، جعلنا"، ولا تقع في وسط الحروف. 3- في آخر الكلمة: تدغم في "اللام" و "الراء" فقط، سواء وقعت في الفعل، نحو: "قل، اجعل"، أو في

الحرف، نحو: "بل، هل"، ولا تقع في آخر الأسماء. الأمثلة: {قُلْ لَكُمْ} ، {قُلْ رَبِّ} ، {وَاجْعَلْ لِي} ، {بَل لَا تُكْرِمُونَ} ، {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ} ، {فَهَلْ لَنَا} . وتظهر اللام المتطرفة عند بقية الحروف. ملاحظة: لحفص في {بَلْ رَانَ} في المطففين سكتة لطفية، والسكت يمنع الإدغام. لا يوجد مثال لإدغام لام "هل" في "الراء" لعدم وقوع "هل" قبل الراء في القرآن كله.

الإدغام وتقسيماته: التقسيم الأول: الإدغام من حيث السبب: عُرف مما تقدم أن الإدغام صفة من الصفات العارضة ... والصفات العارضة تتوقف على أسباب، إن وجد سبب لصفة ما اتصف الحرف بها، وإن زال السبب انفكت عن الحرف وتخلفت. وأسباب الإدغام ثلاثة: 1- التماثل: وهو اتحاد الحرفين اسمًا ورسمًا، أو أتحادهما مخرجًا وصفة؛ كاللام مع اللام. 2- التجانس: وهو اتحاد الحرفين مخرجًا لا صفة؛ كالدال مع التاء. 3- التقارب: وهو تقارب الحرفين مخرجًا كالدال مع السين، أو صفة كالشين مع السين، أو مخرجًا وصفة كاللام مع الراء. وعلى هذا ينقسم الإدغام إلى ثلاثة أقسام: 1- إدغام متماثلين، نحو: "قد دخلوا، اضرب بعصاك، الذي،

التي، الله، من نعمة، لهم ما، ماليه هلك -في وجه-"1. 2- إدغام متجانسين، نحو: "اركب معنا، قد تبين، يلهث ذلك، قالت طائفة". 3- إدغام متقاربين، نحو: "قل رب، من لدنه، من ولي، من يقول، من ربك، من مال، الرحمن، الشمس". التقسيم الثاني: الإدغام من حيث قلة عمليته وكثرتها: الحرفان المدغمان إما أن يكونا متحركين، أو يكون الأول ساكنًا والثاني متحركًا. وعلى هذا ينقسم الإدغام إلى قسمين: 1- الصغير: وهو أن يكون الحرف الأول ساكنًا والثاني متحركًا، نحو: "منْ يَقول". سمي صغيرًا لقلة عملية الإدغام، وهذا النوع هو المهم في رواية الإمام حفص لكثرته. 2- الكبير: وهو إدغام متحرك في متحرك، نحو: "يعلم ما"2. وسمي كبيرًا لكثرة عملية الإدغام فيه؛ حيث يسكن الحرف

_ 1 هذا وصلًا، وفيه وجه آخر -وصلًا- وهو الإظهار مع السكت، ولا سكت ولا إدغام مع الوقف على "ماليه". 2 على رواية الإمام السوسي.

الأول ثم يدغم في الثاني، ولا يوجد هذا النوع من الإدغام في رواية الإمام حفص إلا في كلمة {لا تَأْمَنَّا} على وجه الإشمام فقط، ولا إدغام فيها على وجه الاختلاس، وكلمة {مَكَّنِّي} 1 وهي تقرأ بنون واحدة مشددة مكسورة. التقسيم الثالث: الإدغام من حيث الكمال والنقصان: الحرف المدغم إما أن يكون مدغمًا في الثاني ذاتًا وصفة، أو ذاتًا لا صفة، أوذاتا لا صفة، وعلى هذا ينقسم الإدغام إلى قسمين: 1- الإدغام الكامل: وهو أن يُدغم الحرف الأول في الثاني ذاتًا وصفة، نحو: "من لدنه، من ربك، فما ربحت تجارتهم، قد تبين، اركب معنا، نخلقكم -على وجه-". ومنه على قول المحققين: "من نعمة، من مال، لهم ما". سمي كاملًا لذَهَاب الحرف ذاتًا وصفة؛ بحيث لم يبقَ أثر للحرف المدغم. 2- الإدغام الناقص: وهو أن يدغم الحرف الأول في الثاني ذاتًا لا صفة، نحو: "من يقول، من ولي، بسطتَّ، أحطتُّ، نخلقكم -على وجه-".

_ 1 الكهف: 95.

التقسيم الرابع: الإدغام من حيث الغنة وعدمها: إذا كان الإدغام من قبيل إدغام النون الساكنة والتنوين، أو الميم الساكنة، فهو ينقسم إلى قسمين: 1- الإدغام بغنة: وهو أن تظهر الغنة في النطق مصحوبًا به. وحروفه -في النون الساكنة والتنوين- أربعة: ينمو، نحو: "من يقول، من نعمة، من مال، من ولي". وفي الميم الساكنة: حرف واحد؛ وهو الميم، نحو: "لهم ما". 2- والإدغام بغير غنة: وهو ألا تظهر الغنة في النطق، وله -في النون الساكنة التنوين- حرفان؛ وهما: اللام والراء، نحو: "من لدنه، من ربك". وبقية أنواع الإدغام مع بقية الحروف كلها بغير غنة؛ حيث لا توجد الغنة إلا في النون والميم فقط.

أنواع الصفات العارضة غير المتضادة: يتلخص مما سبق من الكلام حول الصفات الأربع: الإظهار والإدغام والإخفاء والإقلاب، أن كل واحدة منها -ما عدا الإقلاب- تنقسم إلى أقسام، وفيما يلي نذكر أنواعها بالإيجاز دون إعادة تعاريفها: أولًا: الإظهار: وينقسم إلى خمسة أقسام: 1- الإظهار الحلقي: وهو ما يتعلق بالنون الساكنة والتنوين. 2- الإظهار الشفوي: وهو ما يتعلق بالميم الساكنة. 3- الإظهار المطلق: ويتعلق بالنون والميم الساكنتين. 4- الإظهار القمري: ويتعلق بلام "ال" للتعريف. 5- إظهار اللام الساكنة "متوسطة ومتطرفة". ثانيًا: الإدغام: وينقسم إلى أربعة أقسام: 1- الإدغام من حيث السبب، وتحته ثلاثة أنواع: أ- المتماثلين. ب- المتجانسين. ج- المتقاربين. 2- الإدغام من حيث قلة عمليته أو كثرتها، وينقسم إلى قسمين: أ- الصغير. ب- الكبير.

3- الإدغام من حيث الكمال والنقصان، وينقسم إلى قسمين: أ- الكامل. ب- الناقص. 4- الإدغام من حيث الغنة وعدمها، وينقسم إلى قسمين: أ- الإدغام بغنة. ب- والإدغام بغير غنة. ثالثًا: الإخفاء: وينقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- الإخفاء الحقيقي: وهو ما يتعلق بالنون الساكنة والتنوين. 2- الإخفاء الشفوي: وهو ما يتعلق بالميم الساكنة. 3- الإخفاء المصحوب بالغنة: وهو ما يتعلق بالإقلاب.

المبحث الثالث: شرح الركن الثاني معرفة الوقوف

المبحث الثالث: شرح الركن الثاني معرفة الوقوف تعريف الوقوف لغة واصطلاحا ... المبحث الثالث: الركن الثاني معرفة الوقوف تعريف الوقف: لغة واصطلاحا لغة: الكف والحبس، يقال: أوقفت الدابة؛ أي: حبستها. واصطلاحًا: عبارة عن قَطْعِ الصوت عند آخر كلمة، زمنًا -يقدر بحركتين- يتنفس فيه عادة، بنية استئناف القراءة، لا بنية الإعراض عنها. ويكون الوقف في رءوس الآيات، أو في أوساطها، ولا يجوز في أوساط الكلمات، ولا فيما اتصل رسمًا، نحو: "أينما، إنما، ألا ... ".

نشأة علم الوقف وأهميته

نشأة علم الوقف وأهميته: الأصل في الوقف ما ورد عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية، يقول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثم يقف، ثم يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم يقف، ثم يقول: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثم يقف، ثم يقول: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ثم يقف1. فالوقف والاهتمام به ثابت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يهتمون به عند القراءة، ويتناقلونه مشافهة، ويتعلمونه كما يتعلمون القراءة،

_ 1 سبق تخريجه.

وقد ذكر ابن الجزري أثرًا عن ابن عمر -رضي الله عنه- حيث قال: "لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فيتعلم حلالها وحرامها، وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم، ولقد رأينا اليوم رجالًا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، ما يدري ما أمره ولا زجره وما ينبغي أن يوقف عنده"1. وهذا الأثر دليل على اهتمام الصحابة بالوقف؛ بل هو دليل على اجماعهم عليه. وقد ذكر ابن الجزري أثرًا عن علي -رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} أنه قال: "هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف"2. وقال ابن الجزري: "وصح -بل تواتر- عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح ... وكلامهم في ذلك معروف، ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب"3. وقد حض الأئمة على تعلمه ومعرفته والاعتناء به، واشترط كثير من العلماء على المجيز ألا يجيز أحدًا إلا بعد معرفته الوقف الابتداء؛ لأن به تُعرف معاني القرآن، ولا يمكن استنباط الأدلة الشرعية إلا بمعرفة الفواصل4.

_ 1 النشر 1/ 225، الإتقان 1/ 258، القطع والاستئناف ص87. 2 النشر 1/ 209، 225، الإتقان 1/ 258. 3 النشر 1/ 225. 4 النشر: 1/ 225، الاتقان: 1/ 258، القطع والائتناف، ص: 87.

بداية التأليف فيه

بداية التأليف فيه: لقد استمر السلف الصالح في الصحابة والتابعين يتناقلون مسائل هذا العلم مشافهة إلى أن جاء عصر التدوين، فبدأ العلماء بالتدوين والتأليف فيه. وفيما يلي نذكر بعض الكتب المؤلَّفة فيه: 1- كتاب "الوقف والابتداء" لضرار بن صرد المقرئ الكوفي "ت129هـ"1. 2- كتاب "الوقوف" لشيبة بن نصاح المدني الكوفي "ت130هـ". قال ابن الجزري: "هو أول مَن ألف في الوقوف"2. 3- كتاب "الوقف والابتداء" لأبي عمرو بن العلاء "ت154هـ" من القراء السبعة. 4- "الوقف والابتداء" لحمزة بن حبيب الزيات الكوفي "ت156هـ" من القراء السبعة.

_ 1 الفهرست لابن النديم ص38. 2 غاية النهاية 1/ 330.

5- "وقف التمام" لنافع بن عبد الرحمن المدني "ت169هـ" من القراء السبعة. وهناك كتب أخرى كثيرة عدَّها محقق كتاب: المكتفي في الوقف والابتداء للإمام أبي عمرو الداني "ت444هـ" في مقدمة تحقيقه، وأوصلها إلى 78 مؤلَّفًا في علم الوقف1. ومما يلفت الانتباه أن كل من ألف في الوقف والابتداء كان من كبار القراء والنحويين واللغويين، وقلما نجد إمامًا في القراءة أو اللغة لم يشارك بالتصنيف في هذا العلم؛ فقد شارك فيه من القراء السبعة: نافع المدني، وأبو عمرو البصري، وحمزة الزيات الكوفي، والكسائي، كما شارك فيه من القراء العشرة: يعقوب الحضرمي "ت205هـ"، وخلف بن هشام "ت229هـ". ومن قراء الشواذ: يحيى اليزيدي "ت202هـ". ومن النحويين: أبو جعفر الرؤاسي "ت170هـ" أستاذ الكسائي والفراء. ويحيى بن زياد الفراء "ت208هـ" ومعمر بن المثنى "ت210هـ"، والأخفش سعيد بن مسعدة "ت215هـ" وأبو حاتم السجستاني "ت248هـ" وغيرهم، كما أن لرواة القراء السبعة مشاركة بالتصنيف في هذا العلم كذلك. ولكن أغلب مؤلفاتهم مفقود، وأقدم ما وصلنا من الكتب المؤلفة في هذا العلم كتاب: الإيضاح في الوقف والابتداء لابن الأنباري "ت328هـ"، وكتاب: "القطع والاستئناف" لابن النحاس "ت338هـ"، كلاهما محقق ومطبوع2.

_ 1 راجع مقدمة المحقِّق لكتاب "المتكفي" ص60-71. 2 راجع مقدمة كتاب "المكتفي في الوقف والابتداء" لمحققة الدكتور/ يوسف المرعشلي ص49-51.

أنواع الوقف عموما

أنواع الوقف عمومًا: الوقف ثلاثة أنواع: 1- وقف الفقهاء. 2- وقف النحويين. 3- وقف القراء. 1- وقف الفقهاء: هو حَبْسُ مال أو عِقَار أو أي شيء يمكن الانتفاع به لجهة معينة. ودليل مشروعيته قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ... } 1. 2- وقف النحويين: هو قطع النطق عند آخر الكلمة، والوقف عليها بصورة معينة؛ نحو قولك: "رأيت زيدًا" فتقف وتقول: رأيت زيدًا، أو زيدَ، أو زيدْ.

_ 1 آل عمران: 92.

2- وقف القراء: وهو المقصود هنا، وقد سبق تعريفه لغة واصطلاحًا. وينقسم إلى أربعة أقسام: 1- اضطراري: وهو ما يعرض للقارئ بسبب ضيق نَفَس ونحوه كعجز ونسيان، فله أن يقف على أي كلمة شاء؛ لكن يجب الابتداء بالكلمة الموقوف عليها إن صح الابتداء بها، نحو: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} فإن وقف على "هدى" لا يبتدئ بها، بل يبتدئ بـ"على هدى ... ". 2- انتظاري: وهو أن يقف على مقطعة معينة من الجملة التامة؛ ليعطف عليها وجهًا آخر لقارئ نفسه، أو لراوٍ آخر من راويي قارئ واحد، فيكمل بقية الآية، وذلك عند جمع القراءات والروايات. 3- اختباري: وهو ما يتعلق بالرسم لبيان المقطوع والموصول، والثابت والمحذوف ونحوه، ولا يُوقف عليه إلا لحاجة؛ كسؤال ممتحن، أو تعليم مبتدئ لكيفية الوقف؛ كالوقف على التاء المجرورة أو المربوطة "سنت الله - سنة الله"، فيوقف على المجرورة بإثباتها، وعلى المربوطة بإبدالها هاءً.

4- اختياري: وهو ما يقصده القارئ لذاته من غير عروض سبب من الأسباب المتقدمة، وهو على أربعة أقسام: التام، الكافي، الحسن، القبيح. والأخير يذكر كتتمة للأقسام ليعرفه القارئ فيتحرز منه. 1- التام: هو الوقف على ما تم معناه ولم يتعلق بما بعده، لا لفظًا ولا معنًى، وأكثر ما يوجد هذا النوع في رءوس الآي، وعند انقضاء القصص واختتام السور؛ كالوقف على: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، {هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، {وَلا الضَّالِّينَ} . وقد يكون قبل انقضاء الآية، نحو: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} وقد يكون في وسط الآية، نحو: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} . حكمه: يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده. 2- الكافي: هو الوقف على ما تم معناه وتعلق بما بعده معنًى لا لفظًا. كالوقف على: {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} . وقد يتفاضل هذا النوع من الوقف في الكفاية؛ فالوقف على {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} كافٍ، وعلى {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} أكفي منه، وعلى {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} أكفي منهما.

حكمه: يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده. 3- الحسن: هو الوقف على ما تم معناه وتعلق بما بعده لفظًا ومعنًى؛ كالوقف على {الْحَمْدُ لِلَّهِ} من بداية الفاتحة، أو على {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} . حكمه: إن كان رأس آية، نحو: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} أو نحو: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده؛ بل هو سُنة، كما ذكر في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته آية آية. وإن لم يكن رأس آية، نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فيجوز الوقف عليه، ولا يجوز البدء بما بعده؛ بل عليه أن يعيد من بداية الجملة ويصلها بما بعدها. وكذلك لا يحسن الابتداء بكل تابع دون متبوعه. 4- القبيح: هو الوقف على ما لم يتم معناه، وتعلق بما بعده لفظًا ومعنًى. كالوقف على المضاف دون المضاف إليه، والمبتدأ دون الخبر، أو الفعل دون فاعله؛ كالوقف على "الحمد" من {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، أو على "بسم" من {بِسْمِ اللَّهِ ... } ، أو على "رب" من {رَبِّ الْعَالَمِينَ} . وهكذا كل ما لم يُفهم منه معنى.

حكمه: لا يجوز تعمده إلا لضرورة؛ كانقطاع نَفَس أو عطاس أو نحو ذلك، وكذلك لا يجوز الابتداء ما بعده؛ بل بما قبله حتمًا. -وأقبح القبيح: الوقف والابتداء الموهمان خلاف المعنى المراد؛ كالوقف على "لا يستحيي" من {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ... } أو الوقف على "لا إله" من {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} . فمن وقف على مثل ذلك اختيارًا كان آثمًا، ومن تعمد معناه كان خارجًا عن الإسلام، والعياذ بالله. ملاحظة: الوقف في ذاته لا يوصف بوجوب ولا حرمة، ولا يوجد في القرآن وقف واجب يأثم القارئ بتركه، ولا حرام يأثم بفعله؛ إنما يتصف بالوجوب أو الحرمة حسب ما يعرض له من قصد إيهام خلاف المراد. قال الإمام ابن الجزري: وليس في القرآن من وقف وجب ... ولا حرام غير ما له سبب1 وقف المتكلف: قد يتكلف البعض من القراء والمعربين في الوقف؛ فيخترع أنواعًا من الوقف يأباها سياق كتاب الله العزيز.

_ 1 المقدمة، البيت رقم: 78.

بعض رموز الأوقاف

بعض رموز الأوقاف: م: تعني الوقف اللازم. وهو لزوم الوقف على ما تم معناه، فإن لم يوقف عليه أوهم غير المعنى المراد، وهو على ثلاثة أقسام: 1- التام: نحو الوقف على: "فلا يحزنك قولهم -م- إنا نعلم ما يسرون ... ". 2- الكافي: نحو الوقف على: "وما هم بمؤمنين -م- يخادعون الله". 3- الحسن: نحو الوقف على: "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق -م- إذ قربا قربانا ... "1. ... - ... : أي وقف المعانقة أو المراقبة. وهو الوقف على أحد الموضعين، فإن وقف على موضع لا يقف على ثانيهما، نحو: "ذلك الكتاب لا ريب ... فيه ... هدى للمتقين". صلي: أي يجوز الوقف، والوصل أولى. قلي: أي يجوز الوصل، والوقف أولى. ج: يجوز الوقف. ط: الوقف المطلق.

_ 1 راجع: النشر 1/ 232، 233.

كيفية الوقف

كيفية الوقف: كيفية الوقف على ثلاثة أقسام: 1- بالسكون المحض: ويجوز على السواء على الموقوف عليه: المرفوع، والمنصوب، والمجرور، نحو: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . 2- بالإشمام: هو ضم الشفتين بعيد الوقف بالسكون، ولا يجوز إلا على المرفوع نحو: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . 3- بالروم: وهو الإتيان ببعض الحركة، وقُدِّر بثلثيها؛ بحيث يسمعه القريب ولا يسمعه البعيد، ولا يجوز إلا في المرفوع والمجرور، نحو: {يَوْمِ الدِّينِ} ، {نَسْتَعِينُ} . الوقف بالإشمام وبالروم يتعلقان بالسماع من أفواه المشائخ المتقنين مشافهة. إذا كان الموقوف عليه منونًا بالنصب، نحو: {عَلِيمًا حَكِيمًا} ، {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} وقف عليه بإبدال التنوين ألفًا، ويسمى مد عوض. إذا كان الموقوف عليه "ة" المربوطة وقف عليها بإبدالها هاءً، نحو: {وَبِالْآخِرَةِ} .

بعض الكتب المطبوعة في الوقف والابتداء

بعض الكتب المطبوعة في الوقف والابتداء: 1- الإيضاح في الوقف والابتداء، لابن الأنباري "ت328هـ" طبع بتحقيق د/ محيي الدين رمضان عام 1391هـ. 2- القطع والاستئناف، لابن النحاس "ت338هـ"، طبع بتحقيق د/ أحمد خطاب العمر عام 1398هـ. 3- المتكفي في الوقف والابتداء، لأبي عمرو الداني "ت444هـ". طبع بتحقيق د/ يوسف المرعشلي، عام 1404هـ. 4- المقصد لتلخيص ما في المرشد، لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري "ت926هـ"، طبع عدة مرات. 5- منار الهدى في الوقف والابتداء، للأشموني "من أعيان القرن الحادي عشر الهجري"، طبع عدة مرات.

السكت والقطع

السكت والقطع: أولًا: تعريف السكت لغة: المنع. واصطلاحًا: قطع الصوت زمنًا -دون زمن الوقف- من غير تنفس، بنية العود إلى القراءة في الحال. وله حالتان: 1- يكون في وسط الكلمة، نحو: القرآن. 2- ويكون في آخر الكلمة-وصلا- نحو: "من آمن، بل ران". وأكثره وقوعًا على الساكن قبل الهمز، سواء كان الساكن صحيحًا، نحو: "من آمن، القرآن".

أو شبه صحيح -وهو حرف لين- نحو: "خلوا إلى، كهيئة الطير". أوحرف مد، نحو: "قالوا آمنا، لا يمسهم السوء". وقد ورد السكت -عمومًا- عن الإمام حفص عن عاصم، وابن ذكوان عن ابن عامر، وإدريس عن خلف العاشر على الساكن قبل الهمز -ما لم يكن حرف مد- في أحد الوجهين عنهم، من طريق طيبة النشر. أما السكت من طريق الشاطبية، فقد ورد عن الإمام حمزة بخلف عن خلاد في بعض الصور، وعن حفص عن عاصم في بعض المواضع. مواضع السكت -لحفص عن عاصم- من طريق الشاطبية: ورد السكت عن الإمام حفص -وصلًا- في أربعة مواضع بالاتفاق، وفي موضعين بالخلاف: أ- المواضع الأربعة المتفق عليها: 1- على الألف المبدلة من التنوين في كلمة "عوجا" من قوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، قَيِّمًا} 1. 2- على الألف من كلمة "مرقدنا" في قوله تعالى:

_ 1 الكهف: 1، 2.

{مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} 1. 3- على النون من كلمة "من" في قوله تعالى: {قِيلَ مَنْ رَاقٍ} 2. 4- على اللام من كلمة "بل" في قوله تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} 3. يكون السكت في الموضعين الأولين في حالة الوصل فقط، ولا يكون في حالة الوقف، فالقارئ مخير بين أحد الأمرين: 1- إما أن يقف على الكلمة الأولى ويتنفس، فلا يكون السكت، ويبدأ بالكلمة التي بعدها. 2- أو يصل الكلمة الأولى بما بعدها، ولا يقف، فيتحتم عليه السكت. أما الموضع الثالث والرابع: فيتحتم السكت فيهما؛ لعدم جواز الوقف عليهما. ب- موضعي السكت بالخلاف: 1- بين سورتي الأنفال والتوبة، على حرف الميم من "عليم" في قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ

_ 1 يس: 52. 2 القيامة: 27. 3 المطففين: 14.

وَرَسُولِهِ ... } 1. 2- على الهاء من "ماليه" في قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} 2. والسكت في الموضعين مرتبط بحالة الوصل فقط. فائدة: انفرد حفص في وجه السكت على المواضع الأربعة المتفق عليها، فلم يشاركه فيها أحد من القراء العشرة. أما الموضعان المختلَف فيهما، فقد شاركه فيهما باقي القراء العشرة في أحد الوجهين عنهم، ما عدا حمزة ويعقوب في موضع "الحاقة"؛ حيث يقرآن بحذف الهاء وصلًا وإثباتها ساكنة وقفًا.

_ 1 الأنفال: 75، التوبة: 1، ويجوز بينهما وجهان آخران؛ وهما: 1- الوقف على آخر الأنفال مع التنفس، ثم البدء ببراءة، وهو الأولى والمقدَّم. 2- الوصل بعدم السكت، وهو في المرتبة الثالثة، ويكون وجه السكت في المرتبة الثانية. 2 الحاقة: 28، 29، وهنا وجهان آخران كذلك؛ وهما: 1- الوقف على "ماليه" مع التنفس، وهو المقدَّم في الأداء. 2- الوصل بعدم السكت مع إدغام الهاء من "ماليه" في الهاء من "هلك" وهو في المرتبة الثالثة، فيكون وجه السكت في المرتبة الثانية.

ثانيا: تعريف القطع

ثانيًا: تعريف القطع لغة: الإبانة والإزالة، تقول: قطعت الشجرة إذا أبنتها وأزلتها. واصطلاحًا: قطع القراءة رأسًا؛ أي: الانتهاء منها. ولا يكون إلا في أواخر السور، أو أواخر الآيات، وهو ما يسمى بـ"رءوس الآي". فإذا عاد القارئ إلى التلاوة مرة ثانية يستحب له الإتيان بالاستعاذة.

الفرق بين الوقف والسكت والقطع

الفرق بين الوقف والسكت والقطع: اتضح من تعريف كل من: الوقف، والسكت، والقطع، أن هناك فروقًا بينها؛ وهي: 1- الوقف والسكت يكونان بنية استئناف القراءة، والقطع يكون بنية الإعراض عنها. 2- الوقف والقطع يكونان بالتنفس، ولا تنفس في حالة السكت. 3- مقدار السكوت في الوقف حركتان، وفي السكت أقل من حركتين. 4- تستحب الاستعاذة بعد القطع، ولا استعاذة في الوقف والسكت. قد يطلق "الوقف" ويراد به القطع كذلك.

الفصل الرابع: توجيه القراءات

الفصل الرابع: توجيه القراءات المبحث الأول: التعريف بعلم الاحتجاج وتأريخه مدخل ... الفصل الرابع: توجيه القراءات المبحث الأول: التعريف بعلم الاحتجاج وتأريخه الاحتجاج للقراءات: تعريف "الاحتجاج": "الاحتجاج" لغة: مصدر "احتج" من باب "الافتعال"، وأصله من: الحجة، بمعنى: الدليل والبرهان1. يقال: احتج عليه؛ أي: أقام الحجة عليه. واصطلاحًا: علم يبحث فيه عن ماهية القراءات ببيان عللها وتوجيهها من حيث اللغة والإعراب. وقد يطلق عليه "علم علل القراءات"، وهو علم يتعلق بدراية القراءات؛ ويعني ذلك: أنه لماذا اختار القارئ قراءة معينة من بين القراءات الكثيرة التي صحت لديه وكان يتقنها؟ فقد يكون هذا الوجه تعليلًا نحويًّا أو لغويًّا، وقد يكون معنويًّا أو نقليًّا، يراعي القارئ فيه أخبارًا وأحاديث استأنس بها في اختياره. فـ"الاحتجاج" معناه: تعليل الاختيار وبيان وجهه من حيث اللغة والإعراب. وهذا لا يعني دليل صحة القراءة؛ لأن دليل القراءة صحة إسنادها وتواترها، فهي صحيحة لتواترها أو شهرتها واستفاضتها أو لصحة إسنادها -إن كانت من الآحاد- لا لعلة اختيار قارئ لها2. و"الاحتجاج" يشمل: القراءات المتواترة والشاذة، فقد احتج العلماء لقسميها وألَّفوا فيهما مؤلَّفات.

_ 1 راجع: المصباح المنير، مادة: حج. 2 راجع: مقدمة "الحجة" لابن زنجلة بقلم/ سعيد الأفغاني ص34، 35.

الاختيار ومفهومه

الاختيار ومفهومه: وهنا -يحلو لي- أن أسعفك بمفهوم "الاختيار" لدى القراء بالإيجاز. لقد علمنا -سابقًا- أن القراءات وحي منزَّل من الله عز وجل. وعلمنا أن الصحابة تعلموا القرآن بالأحرف المنزلة من الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان كل واحد منهم يقرأ الحرف الذي أخذه منه -صلى الله عليه وسلم- فالتزمه وداوم عليه؛ ولذلك نسبت بعض الأحرف إلى بعض الصحابة، فيقال: حرف أُبي، وحرف ابن مسعود ... ثم جاء دور التابعين، وأخذوا القرآن ممن لقوا من الصحابة؛ فتعددت الأحرف لديهم. ثم جاء دور تلامذتهم، وقد توسعوا في أخذ الأحرف وتلقيها من أساتذتهم من التابعين، فاختاروا بعض ما تعلموه

وداوموا على تلاوته والتزموه، وكان هذا العصر هو عصر الأئمة القراء، وقد اشتهروا بتعليم كتاب الله تعالى، فأقرءوا بعض تلامذتهم بما التزموه، والبعض الآخرين بما يتلاءم وطبائعهم حسب اللغة واللهجة التي درجوا عليها، ولم يُقرئوهم باجتهادهم؛ بل بما تعلموه من أساتذتهم بالأسانيد المتصلة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويتبين من ذلك أن كلمة: "الاختيار" لا تعني إجراء قياس واجتهاد في القراءات القرآنية؛ بل المقصود منها اختيار بعض ما رووه من الأحرف دون البعض عند التعليم والإقراء.

أسباب الاختيار

أسباب الاختيار: لماذا اختاروا ولم يقرءوا بكل ما تعلموه؟ لذلك سببان: 1- الترجيح بين الروايات، واختيار أشهرها وأكثرها رواة؛ لأنهم كانوا يتتبعون ما عليه الأكثر، ويتجنبون ما انفرد به بعض الرواة، وشذ به واحد، فهذا الإمام نافع طلب السماع والتلقي من أكثر الشيوخ، حتى سمع من سبعين من التابعين؛ لكنه لم يقرئ بكل ما سمعه من شيوخه؛ بل قال: "فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، وما شذ فيه واحد تركته حتى ألفت هذه القراءة

في هذه الحروف"1، وهكذا تجد غيره مثله. 2- التخفيف على تلاميذهم، واختيار ما يناسب بعضهم دون بعض، حسبما يتفرس الشيخ فيهم، أو حسبما هو المشهور من القراءات في بلد التلميذ ومصره، فيؤثر بعض التلاميذ بحروف، والبعض الآخرين بحروف أخرى، وربما قرأ عليه تلميذه بما هو معروف لديه في بلده فيسمعه الشيخ ويقره إذا وافق بعض مروياته2. هذه هي حكاية "الاختيار"، وهكذا كانت بدايته. ثم توجه القراء واللغويون بعد ذلك إلى بيان علل هذه الاختيارات، وبدءوا يقيمون حججًا لغوية ونحوية عليها يؤيدون بها ما ذهبوا إليه من الاختيار، وذلك الذي أطلقوا عليه فيما بعد اسم: "علم الاحتجاج" أو "توجيه القراءات"، وهذا العلم في الحقيقة يعتبر ثمرة من ثمرات علوم اللغة العربية التي اشتغل العلماء بها خدمة للقرآن الكريم. وكان "الاحتجاج" بالقراءات -لدى القدامى- لإثبات قواعد النحو وعلم اللغة؛ ولكن لدى قلة من اللغويين وبقدر محدود.

_ 1 السبعة لابن مجاهد ص62. 2 راجع: مقال الدكتور/ عبد العزيز القارئ في "الأحرف السبعة" في مجلة كلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة، العدد الأول ص136-140.

أما "الاحتجاج" للقراءات بقواعد النحو وشواهد اللغة فكثير، وإن كان ذلك عكسًا للوضع الصحيح -في الحقيقة- فالمفروض أن يحتج للنحو ومذاهبه وقواعده وشواهده بالقراءات -سواء المتواترة أو الآحاد، ما دام ثبتت بالأسانيد الصحيحة- لما توافر لها من الضبط والوثوق والدقة والتحري، وذلك شيء لم يتوافر بعضه لأوثق شواهد النحو1. يقول الإمام الفخر الرازي: "إذا جوَّزنا إثبات اللغة بشعر مجهول، فجواز إثباتها بالقرآن العظيم أَوْلَى، وكثيرًا ما ترى النحويين متحيرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن، فإذا استشهدوا في تقريرها ببيت مجهول فرحوا به، وأنا شديد التعجب منهم؛ فإنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول على وفقها دليلًا على صحتها فلأن يجعلوا القرآن دليلًا على صحتها كان أَوْلَى"2. وليس غرضنا تصحيح القراءة بقواعد العربية؛ بل

_ 1 راجع: مقدمة كتاب "حجة القراءات" لابن زنجلة، بقلم محققه/ سعيد الأفغاني ص34 وما بعدها، وكتابه "في أصول النحو" ص30-45، وراجع: منجد المقرئين لابن الجزري ص64 وما بعدها. 2 راجع: "الإمالة" للدكتور/ عبد الفتاح شلبي ص309.

تصحيح قواعد العربية بالقراءة1. وفي ذلك يقول الدكتور/ السيد الطويل: "القراءة مصدر لتقنين النحو وضبط قواعده، ولا يصح أن تحكم عليها بما قرره النحاة من قواعد على أساس بيت مجهول القائل أو عبارة قالها عربي في البادية"2.

_ 1 مقدمة كتاب "الدفاع عن القرآن" للدكتور/ أحمد مكي الأنصاري، نقلًا عن "الانتصاف" على هامش الكشاف 1/ 472. 2 "في علوم القراءات" ص308.

نشأة الاحتجاج وتطوره

نشأة الاحتجاج وتطوره: يبدو لي -والله أعلم- أن الاحتجاج للقراءات نشأ منذ وقت مبكر، ويرجع ذلك إلى عصر صغار الصحابة الذين تلقوا القرآن الكريم من كبارهم، وتعرفوا على القراءات المختلفة والوجوه المتعددة للقراءة. ومما يدل على ذلك قصة حبر الأمة: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- فقد ذكر أنه قرأ آية بوجه فاستشهد لها بآية أخرى، والآية التي قرأها هي قوله تعالى: "وانظر إلى العظام كيف ننشرها"1. قرأها بالراء "المهملة "ننشرها"، ثم احتج لها بقوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} 2. وكأنه بذلك فسر آية "البقرة" بما في سورة "عبس"، واستشهد للوجه الذي قرأ به آية البقرة بالوجه المتفق على قراءته بالراء في سورة عبس. وهكذا انتقل هذا العلم الجليل -نظير علم القراءات- من صدور الصحابة إلى صدور التابعين من تلاميذهم، وكلما انتشر علم القراءات واشتهر زاد علم الاحتجاج وازدهر.

_ 1 البقرة: 259. 2 عبس: 22، راجع: مقدمة "المحتسب" لمحققيه الثلاثة 1/ 8، وكتاب "أبو علي الفارسي" للدكتور/ عبد الفتاح شلبي ص154.

الاحتجاج في عصر الأئمة القراء

الاحتجاج في عصر الأئمة القراء: مِن القراء المشهورين مَن هو تابعي، ومنهم مَن هو مِن أتباعهم، وكان علم الاحتجاج معروفًا لديهم كما كان علم القراءات واللغة والنحو معروفًا لديهم ومنتشرًا فيهم. ومِن أئمة القراءات مَن هو من أعلام اللغة والنحو؛ أمثال: أبي عمرو بن العلاء، والكسائي، ويعقوب الحضرمي، وغيرهم. وكان كل قارئ من القراء يختار قراءة من بين القراءات المتعددة، ويفاضل بين القراءة التي يلتزمها وبين التي يعرفها ويتعلمها. وكانت وجوه المفاضلة متعددة لدى الناس: من حيث وفرة التواتر وعدمه، ومن حيث جلالة الإمام القارئ وقِدَمه، ومن حيث البلدة التي استفاضت قراءته فيها واشتهرت1. وقد نقل الاحتجاج لبعض القراءات عن أئمتها المشهورين؛ أمثال: عاصم الجحدري "ت128هـ" وعيسى بن عمر "ت149هـ"، وأبي عمرو "ت154هـ" وعلي الكسائي

_ 1 راجع: مقدمة "الحجة لابن زنجلة" لمحققه سعيد الأفغاني ص20.

"ت189هـ" وغيرهم1. ويعتبر ذلك تخريجات واحتجاجات فردية لبعض القراءات، ينهج فيها أصحابها نهجًا لغويًّا وإعرابيًّا في الاحتجاج أو يستعينون بقراءة على تخريج قراءة أخرى، واستمر الأمر على ذلك إلى عصر التدوين والتأليف في الاحتجاج2.

_ 1 مقدمة كتاب "المحتسب" لابن جني 1/ 8، 9، وكتاب "أبو علي الفارسي" للدكتور/ عبد الفتاح شلبي ص154 وما بعدها. 2 راجع: "أبو علي الفارسي" ص154، 155.

بواعث الاحتجاج للقراءات

بواعث الاحتجاج للقراءات: 1- منذ أواخر القرن الثاني الهجري اشتد نشاط أعداء الإسلام والحاقدين عليه، وقد أخذ هذا النشاط ينمو حتى قَوِيَ واستحصد في القرن الثالث الهجري، وما تلاه من قرون، حين ارتفعت راية الإسلام على كثير من الأقطار، ودخلت شعوب كثيرة في دين الإسلام بعضها صادق في إيمانه، وبعضها حاقد يعمد إلى شبهات يثيرها حول الكتاب والسنة؛ رغبة في إشباع نهمه في الإلحاد، وإشاعة البلبلة والعبث والفساد، وقد أصاب القراءات شرر من كيد الكائدين في هذه العصور التي شاعت فيها

الزندقة، وتفشاها الإلحاد؛ حيث يثيرون مثل هذه الأسئلة: ما سند هذه القراءات؟ وما حجتها؟ ولِمَ ذهب ذلك القارئ هذا المذهب؟ وهل له مُعتمَد من اللغة والنحو؟ من هنا تجرد النحاة والقراء -فيما ألَّفوا من كتب في الاحتجاج- للرد على هؤلاء، وآثروا القياس والنظر وأعملوهما فيما هو ثابت بالنقل والأثر؛ حتى يتصدوا للمعاندين ويواجهوهم بأسلحتهم نفسها التي جردوها في وجوه المسلمين وكتابهم المبين. إذن، فكان من المعاندين نظر وتشكيك في كتاب الله، وكان من المسلمين دفاع عنه وفَهْم متشابهه وتوجيه حروفه وقراءته1. 2- تطور الاحتجاج للقراءات بعد تسبيع ابن مجاهد؛ حيث بدأ هو بذكر توجيه القراءات في سورة الفاتحة من كتابه "السبعة"، ووجه كل خلاف بعد عزوه إلى قارئه؛ إلا أنه أمسك عن ذلك بعد انتهائه من الكلام في خلافات سورة الفاتحة مخافة التطويل وثقل الكتاب، يقول في "السبعة": "قال أبو بكر: استطلت ذكر العلل بعد هذه

_ 1 المدخل والتمهيد للدكتور/ عبد الفتاح شلبي ص105-107 باختصار وتصرف.

السورة، وكرهت أن يثقل الكتاب، فأمسكت عن ذلك، وأخبرت بالقراءة مجردة"1. وكأن ابن مجاهد أثار بذلك موضوع الاحتجاج وبيان القراءات؛ ومن ثَمَّ نرى تلامذته ومعاصريه بدءوا بالتأليف في الاحتجاج، وأغلب المؤلفات في علم الاحتجاج أُلفت بعد ابن مجاهد في القرن الرابع الهجري، فنرى أن علم الاحتجاج أصبح ظاهرة من ظواهر التأليف في القراءات، فقد ذكر ابن النديم وغيره أناسًا كثيرين ممن ألفوا في الاحتجاج في هذا القرن2.

_ 1 "السبعة" ص112. 2 راجع: "القراءات القرآنية" ص44، 45.

التدوين في الاحتجاج

التدوين في الاحتجاج: لا يُعرف بالتحديد بداية التأليف في علم الاحتجاج، وإن كان بعض العلماء بدأ يحتج بالقراءات وللقراءات، ويستشهد بها ولها في مؤلفاته، كما فعل ذلك إمام النحو سيبويه "ت180هـ" في كتابه، وسواء كان هذا منهجًا انتهجه لنفسه أو كان استقاه من منهج شيخه الخليل بن أحمد؛ إلا أنه لا يعتبر تأليفًا -بالمعنى الدقيق- في الاحتجاج وتدوينًا لمادته، وإن كان تعرض له ضمنًا.

يرى الدكتور/ محمد سالم محيسن أن أوَّل من ألف في الاحتجاج هو أبو بكر محمد بن السراج "ت316هـ"1. ويرى الدكتور/ عبد الفتاح شلبي أن التدوين في الاحتجاج بدأ في القرن الثاني الهجري، ويعد ممن ألف في هذا القرن: 1- هارون بن موسى الأعور "ت: قبل سنة 200هـ" الذي قال عنه أبو حاتم السجستاني: "إنه أول من سمع بالبصرة وجوه القراءات وألَّفها وتتبع الشاذ منها فبحث عن إسناده". والبحث عن الإسناد ضرب من الاحتجاج. 2- يعقوب بن إسحاق الحضرمي "ت205هـ" أحد القراء العشرة، وقد ألف كتابًا سماه: الجامع، جمع فيه عامة اختلاف وجوه القرآن، ونسب كل حرف إلى من قرأ به، وكان هو أعلم أهل زمانه بالاختلاف في القرآن وتعليله ومذاهبه ... 2. ويرى الدكتور/ شلبي أن علمهما يكون جمعًا بين القراءات المتواترة والشاذة كما كان من قِبَل أبي عبيد القاسم بن سلام حيث جمع خمسا وعشرين قراءة3.

_ 1 في رحاب القرآن الكريم 1/ 846. 2 راجع: المدخل للدكتور/ شلبي ص109، 110. 3 انظر "ابو علي الفارسي" ص: 157.

الكتب المؤلفة في الاحتجاج

الكتب المؤلَّفة في الاحتجاج: لقد أُلفت في علم الاحتجاج كتب كثيرة؛ منها: 1- كتاب "احتجاج القراءة" لمحمد بن زيد المبرد "ت285هـ"1. 2- كتاب "احتجاج القراءة" لتلميذ المبرد أبي بكر محمد بن السري المعروف بابن السراج "ت316هـ" أتم فيه سورة الفاتحة وجزءًا من سورة البقرة ثم أمسك2. 3- كتاب "الاحتجاج للقراء" لأبي محمد بن عبد الله بن جعفر المعروف بابن درستويه "ت347هـ"3. 4- كتاب "الفصل بين أبي عمرو والكسائي" لأبي طاهر عبد الواحد البزار "ت349هـ".

_ 1 الفهرست لابن النديم ص88. 2 انظر: مقدمة "المحتسب" ص10، والفهرست ص92، 93، وابن السري هذا هو ابن السراج، من أحدث غلمان المبرد سنًّا، ومعاصر ابن مجاهد، بينه وبين أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن السري الزجاج "ت310هـ" لقاء، وإليه انتهت الرئاسة بعد موت الزجاج. انظر الفصل الثالث من الباب الثالث من كتاب "أبو علي الفارسي" للدكتور/ عبد الفتاح شلبي ص295 وما بعدها، وشذرات الذهب 2/ 273. 3 الفهرست ص53، 94.

ويسبق إلى الذهن أنه لا بُدَّ أن يستعين في فصله بينهما بالنحو وقواعده. 5- كتاب "الانتصار لحمزة" للمؤلف السابق1، وعنوان الكتاب يُوحي أنه من كتب الاحتجاج. 6- كتاب "السبعة بعللها الكبير" لأبي بكر محمد بن الحسن الانصاري "ت351هـ"2. 7- كتاب "احتجاج القراءات" لأبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم العطار "ت362هـ"، ألَّفه بعد وفاة ابن مجاهد. 8- كتاب "السبعة بعللها الكبير" للمؤلف السابق3. 9- كتاب "الحجة في علل القراءات السبع" للحسين بن أحمد بن خالويه "ت370هـ". وقد طبع باسم "الحجة في القراءات السبع" بتحقيق الدكتور/ عبد العال سالم مكرم. 10- كتاب "الحجة في علل القراءات السبع" لتلميذ ابن مجاهد أبي علي الفارسي "ت377هـ".

_ 1 الفهرست ص48. 2 الفهرست ص50. 3 المصدر السابق ص49، 50، وله كتابان آخران باسم: كتاب السبعة وعللها الأوسط، وكتاب السبعة وعللها الأصغر.

وهو يعتبر شرحًا لكتاب "السبعة" لشيخه ابن مجاهد1. 11- "المحتسب في تبيين وجوه القراءات الشاذة وإيضاحها" لتلميذ الفارسي أبي الفتح عثمان بن جني "ت392هـ"، وقد ذكر فيه علل القراءات التي لم تبلغ درجة التواتر2. 12- كتاب "حجة القراءات" لأبي زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة، وهو من رجال القرن الرابع الهجري3. 13- كتاب "الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها" لمكي بن أبي طالب القيسي "ت437هـ"، ويعتبر كتابه هذا شرحًا لكتابه "التبصرة" في القراءات السبع4. ثم أُلفت بعد ذلك كتب كثيرة في الاحتجاج. أما كتب المتأخرين في الاحتجاج، فمن أشهرها: - "إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر" لأحمد بن محمد البنا الدمياطي "ت1117هـ"، وقد اشتمل كتابه

_ 1 طبع في مجلدين باسم "الحجة للقراء السبعة" بتحقيق بدر الدين قهوجي، وبشير جويجاتي، عام 1404هـ. 2 طبع في عام 1386هـ بالقاهرة في مجلدين بتحقيق لجنة ثلاثية مكونة من كل من: علي النجدي ناصف، ود/ عبد الحليم النجار، ود/ عبد الفتاح شلبي. 3 طبع في مجلد ضخم بتحقيق الأستاذ/ سعيد الأفغاني. 4 طبع في مجلدين.

المذكور على ذكر القراءات العشر المتواترة والقراءات الأربع الشاذة مع بيان توجيهها1. أما كتب المعاصرين في الاحتجاج، فمنها: - "طلائع البشر في توجيه القراءات العشر" للشيخ محمد الصادق قمحاوي، مؤلف كتاب "البرهان في تجويد القرآن". - "قلائد الفكر في توجيه القراءات العشر" للمؤلفين: قاسم أحمد الدجوي، ومحمد الصادق قمحاوي. - "القراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب" للشيخ عبد الفتاح القاضي "ت1403هـ". - "التذكرة في القراءات الثلاث المتواترة وتوجيهها من طريق الدرة" للدكتور/ محمد سالم محيسن. - "المهذب في القراءات العشر وتوجيهها من طريق طيبة النشر" للمؤلف المذكور.

_ 1 طبع في مجلدين بتحقيق د/ شعبان محمد إسماعيل، عام 1407هـ، بعدما كان مطبوعًا في مجلد واحد بدون تحقيق.

خلاصة ما مر به الاحتجاج من مراحل

خلاصة ما مر به الاحتجاج من مراحل: تتمثل تلك المراحل في الخطوات التالية: 1- الخطوة الأولى: التخريحات والاحتجاجات الفردية لبعض القراءات، كما رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وعن بعض الأئمة القراء؛ أمثال: عاصم الجحدري، وعيسى بن عمر، وأبي عمرو، والكسائي، وغيرهم. ويندرج تحت هذه الخطوة احتجاج سيبويه لبعض ما أورد في كتابه من قراءات؛ حيث إننا لا نعتبر كتاب سيبويه تأليفًا في الاحتجاج1. 2- الخطوة الثانية: وتتمثل في الكتب التي ألفت في الاحتجاج، دون تمييز بين القراءات المتواترة والشاذة، من بداية عمل هارون بن موسى الأعور إلى عصر إمام الصنعة ومسبع السبعة ابن مجاهد؛ حيث اتضحت معالم القراءات المتواترة وباتت مميزة من الشاذة. 3- الخطوة الثالثة: وتتمثل في الاحتجاج للقراءات المتواترة، بدءًا بالقراءات السبع التي اختارها الإمام ابن مجاهد -وأغلب المؤلَّفات في الاحتجاج بعد عمله تتمثل لذلك- وانتهاءً إلى القراءات العشر المتواترة. وإن كان هناك مَن خصَّص تأليفًا في الاحتجاج للشواذ -كما فعل ابن جني والقاضي- أو جمع بين العشر المتواترة

_ 1 راجع: "أبو علي الفارسي" ص160، والمدخل للدكتور/ عبد الفتاح شلبي ص109، 110.

وبين الأربع الشواذ، كما فعل الدمياطي1.

_ 1 راجع: المدخل للدكتور/ عبد الفتاح شلبي ص109، 110.

المبحث الثاني: صور الاحتجاج للقراءات

المبحث الثاني: صور الاحتجاج للقراءات 1- الاحتجاج بالإسانيد: لما كان التواتر -عند الجمهور- وصحة الإسناد -عند البعض- من أهم أركان قبول القراءات وشروطه؛ لذا اهتم العلماء وأئمة القراءات بالأسانيد وطرقها المتعددة، وبالتأكيد من صحتها حسب مناهج المحدثين في قبول الأحاديث ومقاييسهم. ويتضح ذلك جليًّا من النظر في كتب القراء المتقدمين ومؤلفاتهم؛ حيث يوردون كل الخلافات القرائية مقرونة بالأسانيد. ومن رام منهم الاختصار في التأليف ذكر أسانيد القراءات التي أوردها في كتابه في مقدمة تأليفه حسبما وصلت إليه من كل قارئ. فيأخذ من الأوجه التي صح سندُها منه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويترك ما عداها -إن تُكلم في رجالها- ويتضح ذلك من منهج ابن مجاهد في كتابه "السبعة"، وابن الباذش "ت450هـ" في "الإقناع"، وغيرهما ممن كتب في القراءات. ولما استقرت القراءات ودرست، وصحت أسانيدها

وهذبت، انتهج القراء بعد ذلك منهج التلخيص والتهذيب في تواليفهم، فبدءوا يذكرون القراءات بعزو لناقليها، ويتضح ذلك من منهج ابن الجزري "ت833هـ" في النشر وتقريبه وتحبير التيسير وغيرها من الكتب، وقبله مشى عليه الصفاقسي في غيث النفع، وقبلهما مشى عليه صاحب "التيسير الداني" "ت444هـ" وصاحب "العنوان" أبو طاهر الأندلسي "ت455هـ" ومؤلف "التلخيص" أبو معشر الطبري "ت478هـ" وغيرهم من المؤلفين. ثم اتجه العلماء إلى عمل طبقات للقراء ووضع تراجم لأعلامهم في مؤلفات خاصة -على نهج تراجم رجال الحديث- ومن أشهر المؤلَّفات في ذلك: 1- "معرفة القراء الكبار" للذهبي "ت748هـ"1، وقد رتبه على الطبقات فجعله في ثماني عشرة طبقة بدءًا من الصحابة وانتهاءً بعصره. 2- "نهاية الدرايات في أسماء رجال القراءات" لشمس الدين محمد ابن الجزري "ت833هـ".

_ 1 طبع في مجلدين بتحقيق: بشار معروف، شعيب الأرناءوط وصالح عباس، عام 1404هـ.

3- "غاية النهاية في طبقات القراء" لابن الجزري كذلك1. وقد اختصره من كتابه السابق "نهاية الدرايات"، وجَمَعَ فيه ما في كتابي الداني والذهبي، وزاد عليهما كثيرًا2، وقد رتب تراجم القراء فيه حسب ترتيب الأسماء بالحروف الأبجدية.

_ 1 طبع في مجلدين عام 1351هـ بعناية المستشرق/ ج. برجستراسر. 2 انظر: "غاية النهاية" 1/ 3.

الاحتجاج النحوي واللغوي

الاحتجاج النحوي واللغوي الاحتجاج للأصول ... 2- الاحتجاج النحوي واللغوي: إذا أطلق "الاحتجاج" فهو ينصرف إلى هذا القسم منه. ويشمل الخلافات: الأصولية، والفرشية. أ- الاحتجاج للأصول: سبق أن ذكرنا: أن الأصول الدائرة على اختلاف القراءات سبعة وثلاثون أصلًا3 حسبما تضمنتها "الشاطبية" و"الدرة". وتفصيلها كالآتي: الإظهار، والإدغام، والإخفاء، والإقلاب، والصلة، والمد، والقصر، والتوسط، والإشباع، والتحقيق، والتسهيل،

_ 1 طبع في مجلدين عام 1351هـ بعناية المستشرق/ ج. برجستراسر. 2 انظر: "غاية النهاية" 1/ 3. 3 راجع ص15 من هذا الكتاب.

والإبدال، والإسقاط، والنقل، والتخفيف، والحذف، والفتح، والتقليل، والإمالة، والترقيق، والتفخيم، والتغليظ، والاختلاس، والإحفاء، والتتميم، والإرسال، والتشديد، والتثقيل، والوقف، والسكت، والقطع، والإسكان، والروم، والإشمام، وياءات الإضافة، وياءات الزوائد1. وأغلب هذه الأصول يرجع الاختلاف فيها إلى وجوده في اللغة العربية وثبوته من حيث القراءة. وفيما يلي نذكر نماذج من التوجيهات لبعض هذه الأصول: 1- الإظهار والإدغام: الإظهار: لغة: الإبانة والإيضاح. واصطلاحًا: فصل الحرف الأول من الحرف الثاني من غير سكت عليه. أو يقال: هو عبارة عن النطق بالحرفين، كل واحد منهما على صورته، موفّى صفته، مخلصًا إلى كمال بنيته. والإدغام: لغة: الإدخال والستر، يقال: أدغمت اللجام في فم الفرس؛ أي: أدخلته فيه. واصطلاحًا: النطق بالحرفين حرفًا كالثاني مشددًا.

_ 1 راجع: "الإضاءة في بيان أصول القراءة" للشيخ علي محمد الضباع ص12.

والإظهار والإدغام لغتان واردتان عن العرب. والإظهار هو الأصل؛ لعدم احتياجه إلى سبب، ولأنه هو الأكثر في الحروف، ولأن فيه إعطاء كل حرف حقه من إعرابه وحركة بنيته التي استحقها، والإدغام متوقف على سبب؛ وهو إرادة التخفيف، ولأن اللسان إذا لفظ بالحرف من مخرجه ثم عاد مرة أخرى للمخرج بعينه ليلفظ بحرف آخر مثله صعب عليه. وشبَّهه النحويون بمشي المقيد؛ لأنه يرفع رجلًا ثم يعيدها إلى موضعها أو قريب منه. وشبهه بعضهم بإعادة الحديث مرتين، وذلك ثقيل على السامع؛ ولذلك ورد الإدغام عن أبي عمرو بن العلاء كثيرًا، وقال: الإدغام كلام العرب الذي يجري على ألسنتها ولا يُحسنون غيره، ومن شواهد الإدغام في كلام العرب قول الشاعر: عشية تمنى أن تكون حمامة ... بمكة يغشاها الشتا والمحرم1

_ 1 كذا في "الإضاءة" ص14، وفي "طلائع البشر" ص8: يؤويك الستار المحرم، وكذا في "قلائد الفكر" ص5.

ولا ينتظم البيت إلا بإدغام التاءين من "عشية تمنى"1. 2- المد والقصر: "المد" لغة: الزيادة، ومنه: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ} 2 أي: يزدكم. واصطلاحًا: إطالة زمن صوت حرف المد أو اللين عند ملاقاة همز أو سكون. "والقصر" لغة: الحبس، ومنه: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} 3 أي: محبوسات فيها. واصطلاحًا: إثبات حرف المد أو اللين من غير زيادة عليه. والقصر هو الأصل لعدم احتياجه إلى سبب، والمد فرع عنه لاحتياجه إلى سبب. - فوجه المد: الاستعانة على النطق بالهمز محققًا، وبيانًا لحرف المد خوفًا من سقوطه عند الإسراع لخفائه وصعوبة الهمزة بعده -لأنه من حروف الشدة- فزيد في حرف المد ليظهر، ولئلا يزداد خفاءً بملاصقته للهمز الذي هو حرف قوي شديد. - ووجه القصر: بقاء الحرف على أصله من غير زيادة عليه؛ لأن الهمز الواقع بعده لما كان بصدد الزوال في حالة الوقف

_ 1 راجع: "الإضاءة" ص12-14، و"طلائع البشر" ص7، 8. 2 آل عمران: 125. 3 الرحمن: 72.

-كما في المد المنفصل- لم يعطَ في حالة الوصل حكمًا1. 3- الفتح والإمالة: الفتح: عبارة عن فتح الفم بلفظ الحرف، وليس المراد منه فتح الحرف؛ لأن الألف لا تقبل الحركة2، وقد يعبر عنه بـ"التفخيم" أو بـ"الفغر". والإمالة: لغة: التعويج، تقول: أملت الرمح؛ أي: عوجته. واصطلاحًا: أن تنحوَ بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء. وتنقسم إلى قسمين: أ- الكبرى: ويقال لها: "الإضجاع" أو "البطح" أو "الإمالة المحضة"، وهي المراد عند الإطلاق؛ كإمالة حمزة والكسائي في نحو: "قلى"، "الأولى"، "فترضى" من رءوس آي سورة الضحى. ومنها: إمالة حفص في "مجريها"3. ب- الصغرى: ويقال لها: "التقليل" أو "بين بين".

_ 1 راجع للتفصيل: "طلائع البشر" لمحمد الصادق قمحاوي ص9، والإضاءة ص17 وما بعدها. 2 راجع: "إتحاف فضلاء البشر" 1/ 247. 3 هود: 41.

أو "بين اللفظين". أي: بين لفظ الفتح ولفظ الإمالة، كما في رواية الإمام ورش، وقراءة الإمام أبي عمرو، ورواية دوري الكسائي. وتوجيه الفتح والإمالة: أنهما لغتان فصيحتان نزل بهما القرآن الكريم، الفتح لغة أهل الحجاز، والإمالة "بنوعيها" لغة عامة أهل نجد من تميم وقيس وأسد. وهل الأصل هو الفتح والإمالة فرع عنه، أو العكس، أو هما أصلان؟ خلاف بين العلماء في ذلك. وللإمالة أسباب كثيرة ذُكرت في مواضعها من كتب القراءات. وفائدته: سهولة اللفظ بالحرف؛ لأن اللسان يرتفع بالفتح وينحدر بالإمالة، والانحدار أخف من الارتفاع1.

_ 1 راجع: الإضاءة ص35-38، وطلائع البشر ص14، 15.

الاحتجاج للفرش

ب- الاحتجاج للفرش: أي: الكلمات القرآنية المنتشرة في السور التي ذكرت فيها أوجه متعددة ونسبت إلى القراء المشهورين. وهو باب طويل، وهو المقصود به، والمعنيُّ من الاحتجاج عند إطلاقه، وقد انصرفت جهود العلماء -قراءً ونحويين- إلى هذا الباب من الاحتجاج. وفيما يلي نذكر نماذج من الاحتجاج في كلمات من القراءات المتواترة: 1- قال تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 1. - كلمة "مالك" قُرئت: بإثبات الألف بعد الميم "مالك"، وهي قراءة عاصم والكسائي ويعقوب وخلف العاشر. وبحذف الألف "ملك"، وهي قراءة الباقين من العشرة؛ وهم: أبو جعفر، ونافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة2. - توجيه القراءة الأولى: كلمة "مالك" بالألف اسم فاعل من ملك ملكًا بكسر الميم؛ أي: مالك مجيء يوم الدين، والمالك: هو المتصرف في الأعيان المملوكة كيف شاء، وقد أجمع القراء على إثبات الألف في: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} 3. و"مالك" أمدح من "مَلِك" وأعم؛ حيث تقول: هو مالك الجن والإنس والطير والدواب، ولا تضيف "مَلِكًا" إلى هذه الأصناف.

_ 1 الفاتحة: 3. 2 انظر: النشر 1/ 271، والإتحاف 1/ 363. 3 آل عمران: 26، وكلمة "مالك" فيها محذوفة الألف رسمًا كما في الفاتحة.

كما أن زيادة المبنى -كما في "مالك"- تدل على زيادة المعنى. - توجيه القراءة الثانية: كلمة "مَلِك" على وزن فَقِه صفة مشبهة؛ أي: قاضي يوم الدين، و"المَلِك" هو المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين من الملك بضم الميم. و"ملك" أبلغ من "مالك"؛ لأن كل مَلِك مالك، وليس العكس، كما أن القراء أجمعوا على حذف الألف منه في مواضع، نحو: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} 1، {الْمَلِكُ الْحَقُّ} 2، {مَلِكِ النَّاسِ} 3. 2- قال تعالى: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} 4. في كلمة "يخدعون" -الثانية- المسبوقة بـ" ما"- قراءتان: - "يَخْدَعون": بفتح الياء وسكون الخاء وفتح الدال. وهي قراءة: أبي جعفر ويعقوب وابن عامر والكوفيين. - "يُخادِعون": بضم الياء وفتح الخاء وألف بعدها وكسر الدال.

_ 1 الحشر: 23. 2 المؤمنون: 116. 3 الناس: 2. 4 البقرة: 9.

وهي قراءة: نافع ابن كثير وأبي عمرو1. - توجيه القراءة الأولى: "يخدعون": مضارع "خَدَعَ" على أن المفاعلة من جانب واحد "من المنافقين" كقول القاضي: عاقبتُ اللصَّ، والمعاقبة من القاضي وحده. قال أهل اللغة: خدع وخادع بمعنى واحد، والخداع: إظهار خلاف ما في النفس، ويؤيدها الرسم المصحفي تحقيقًا. - توجيه القراءة الثانية: "يخادعون": من باب "المفاعلة"، قُرئت هكذا لمناسبة الكلمة الأولى في الآية، والمفاعلة إما على بابها، فتكون من جانبين؛ إذ هم يخادعون أنفسهم بما يمنونها من الأباطيل، وتمنيهم أنفسهم كذلك. وإما أن تكون من جانب واحد -كما في القراءة الأولى- والمفاعلة لا تكون على بابها2.

_ 1 انظر: النشر 2/ 207، والإتحاف 1/ 377. 2 راجع: "طلائع البشر" ص23، 24.

3- قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} 1. كلمة "الأرحام" قُرئت بوجهين: "والأرحامِ" بخفض الميم، وهي قراءة الإمام حمزة. "والأرحامَ" بنصب الميم، وهي قراءة باقي العشرة2. - توجيه القراءة الأولى: "والأرحام" بالخفض: عطف على الضمير المجرور في "به" على مذهب الكوفيين، أو أعيد الجار وحذف للعلم به، وجر على القسم تعظيمًا للأرحام وحثًّا على صلتها. - توجيه القراءة الثانية: "والأرحامَ" بالنصب: عطف على لفظ الجلالة، أو على محل "به"؛ كقولك: مررت به وزيدًا، وهو من عطف الخاص على العام؛ إذ المعنى: اتقوا مخالفته، وقطع الأرحام مندرج فيها، فنبه سبحانه وتعالى بذلك وقرنها باسمه تعالى على أن صلتها بمكان منه3.

_ 1 النساء:1. 2 انظر: النشر 2/ 247، والإتحاف 1/ 501، 502. 3 راجع: طلائع البشر ص64.

الفصل الخامس: في تراجم القراء

الفصل الخامس: في تراجم القراء المبحث الأول: تراجم قراء القراءات المتواترة مدخل ... الفصل الخامس: تراجم القراء المبحث الأول: تراجم قراء القراءات المتواترة عرفنا -مما سبق من الكلام في الفصل الأول- أن القراء الذين اختارهم الإمام ابن مجاهد سبعة؛ وهم: 1- نافع المدني "70-169هـ". 2- ابن كثير المكي "45-120هـ". 3- أبو عمرو البصري "68- 154هـ". 4- ابن عامر الدمشقي "8-118هـ". 5- عاصم الكوفي "ت127هـ". 6- حمزة الزيات الكوفي "80-156هـ". 7- علي الكسائي الكوفي "119-189هـ". وقد رتبهم المؤلفون على هذا الترتيب حسب أهمية المدن الإسلامية المشهورة التي حملت القراءات منها. يقول ابن مجاهد: "فأول مَن أبتدئ بذكره من أئمة الأمصار مَن قام بالقراءة بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما بدأت بذكر أهل المدينة؛ لأنها مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعدن

الأكابر من صحابته، وبها حفظ عنه الآخر من أمره1. ثم جاء دور الإمام ابن الجزري الذي حقق القراءات ونقَّحها وأثبت تواتر قراءات القراء الثلاثة؛ وهم: 1- أبو جعفر المدني "ت130هـ". 2- يعقوب الحضرمي البصري "117- 205هـ". 3- خلف بن هشام البزار الكوفي "150-229هـ". وهؤلاء العشرة هم رواة القراءات العشر المتواترة، ونحن نقتفي أثر ابن مجاهد -مسبع السبع- وابن الجزري -المحقق- فنذكر لهم تراجم موجزة أولًا بأول، ثم نردفهم بذكر تراجم القراء الذين اشتهرت عنهم القراءات الشاذة؛ وهم: 1- الحسن البصري "21-110هـ". 2- ابن محيصن "ت123هـ". 3- سليمان الأعمش "60- 148هـ". 4- يحيى اليزيدي "128- 202هـ". ثم نردفهم بذكر تراجم بعض الأعلام الذين لهم جهود مباركة في تحقيق علم القراءات ورفع مستواه إلى هذا القدر الذي نراه اليوم ونشاهده؛ فقد صار علمًا بارزًا يمتاز بمنجهه القويم، وأسلوبه الرصين، وبمؤلفاته القيمة، وسنختارمن أولئك الأعلام:

_ 1 السبعة 53.

1- ابن مجاهد "245-324هـ". 2- مكي بن أبي طالب "355-437هـ". 3- أبا عمرو الداني "371-444هـ". 4- ابن فيرة الشاطبي "548-590هـ. 5- ابن الجزري "751-833هـ". 6- القسطلاني "851-923هـ". 7- البنا الدمياطي "ت1117هـ". رحمهم الله جميعًا. وإليك التراجم بالتفصيل.

أولا: الإمام نافع المدني

أولًا: الإمام نافع المدني "70-169هـ": - اسمه ونسبه وشهرته: هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني. يُكنى أبا عبد الرحمن، وأبا رويم، وأبا نعيم، وأبا الحسن، وأبا عبد الله1. مولى جَعونة بن شعوب الليثي الشِّجْعي، وأصله من "أصبهان" من مدن "إيران"، وكان أسود حالكًا، صبيح الوجه، حسن الخلق، فيه دعابة. من الطبقة الثالثة بعد الصحابة. - تاريخ ولادته ووفاته: لم أقف على تاريخ ولادته -فيما بين يدي من المراجع- غير ما ذكره الدكتور/ محمد سالم محيسن: أنه ولد سنة 70هـ2. توفي بالمدينة سنة 169هـ، وقيل: سنة 170هـ، وقيل غير ذلك. - شيوخه: أخذ القراءة عن سبعين من التابعين؛ ومن أشهرهم:

_ 1 انظر: السبع 53، وغاية النهاية 2/ 330. 2 في رحاب القرآن الكريم 1/ 301، وكذا أشار إليه د/ السيد الطويل في كتابه "في علوم القراءات" ص88 في بداية ترجمته، ولا أدري ما مرجعهما، والله أعلم.

1- عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني، توفي بالإسكندرية سنة 117هـ. 2- أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المدني، توفي سنة 130هـ1. 3- شيبة بن نصاح -مولى أم سلمة رضي الله عنها- مقرئ المدينة وقاضيها، توفي سنة 130هـ. 4- مسلم بن جندب الهذلي التابعي المشهور، توفي سنة 110هـ، وقيل: 130هـ. 5- يزيد بن رومان، أبو روح المدني، القارئ الفقيه المحدِّث، توفي سنة 120هـ، وقيل: 130هـ. وهؤلاء هم الذين ذكرهم نافع أنه أدركهم بالمدينة من الأئمة في القراءة، قال نافع: قرأت على هؤلاء، فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، وما شذ فيه واحد تركته، حتى ألفت هذه القراءة2. وتلقى هؤلاء الخمسة القراءات عن ثلاثة من الصحابة؛ وهم: 1- أبو هريرة -رضي الله عنه- "ت59هـ". 2- عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- "ت68هـ".

_ 1 أحد القراء العشرة، وستأتي ترجمته. 2 معرفة القراء الكبار 1/ 109.

4- عبد الله بن عياش المخزومي -رضي الله عنه- "ت78هـ". وهم قرءوا على أُبي بن كعب الذي قرأ على الرسول صلى الله عليه وسلم1. - تلامذته: استفاد منه خَلْقٌ كثير؛ حيث أقرأ الناس دهرًا طويلًا نيفًا عن سبعين سنة، ومِن أشهر مَن رَوَى القراءة عنه عرضًا وسماعًا: 1- إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني، توفي ببغداد سنة 180هـ، وقيل: 177هـ. 2- إسحاق بن محمد بن عبد الله المسيبي المدني، توفي سنة 206هـ. 3- سليمان بن مسلم بن جماز الزهري، توفي بعد 170هـ. 4- مالك بن أنس الأصحبي المدني، إمام دار الهجرة، الفقيه المحدث، توفي سنة 179هـ. 5- أبو عمرو بن العلاء، أحد القراء السبعة، توفي سنة 154هـ. 6- الليث بن سعد الفهمي المصري، توفي قبل الإمام مالك بأربع سنين سنة 175هـ. 7- عيسى بن مينا قالون "ت220هـ".

_ 1 النشر 1/ 112.

8- أبو سعيد عثمان المصري "ورش" "ت197هـ". - مناقبه ومآثره: هو إمام أهل المدينة، صاروا إلى قراءته، وتمسكوا باختياره، كان عالمًا بوجوه القراءات، متبعًا لآثار الأئمة المتقدمين، زاهدًا، جوادًا، صلى في المسجد النبوي ستين سنة. قال مالك: قراءة أهل المدينة سُنَّة، قيل له: قراءة نافع؟ قال: نعم. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي: أي القراءة أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة، قلت: فإن لم يكن؟ قال: قراءة عاصم. كان -رحمه الله- إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك، فقيل له: أتتطيب كلما قعدت تقرئ الناس؟ قال: ما أمس طيبًا ولا أقرب طيبًا؛ ولكني رأيت فيما يرى النائم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقرأ في في فيَّ، فمن ذلك الوقت أشم من فيَّ هذه الرائحة. قال قالون: كان نافع من أطهر الناس خلقًا، ومن أحسن الناس قراءة. وكان -رحمه الله- يسهِّل القراءة لمن قرأ عليه إلا أن يقول له إنسان: أريد قراءتك، فيقرئه اختياره.

لما حضرته الوفاة قال له أبناؤه: أوصنا. قال: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين1. - أشهر رواته: لقد اشتهرت قراءته بروايتي: قالون، وورش، وهما من تلامذته. 1- قالون "120-220هـ": هو أبو موسى عيسى بن مينا بن وردان الزرقي، مولى بني زهرة الملقب بـ"قالون" قارئ المدينة ونحويها، يقال: إنه ربيب نافع، وقد اختص به كثيرًا، وهو الذي سماه قالون لجودة قراءته؛ فإن "قالون" باللغة الرومية: جيد، قال قالون: كان نافع إذا قرأت عليه يعقد لي ثلاثين، ويقول لي: قالون؛ يعني: جيدًا جيدًا بالرومية، وأصل قالون من الروم؛ حيث كان جد جده عبد الله سبي من الروم أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قيل لقالون: كم قرأت على نافع؟ قال: ما لا أحصيه كثرة؛ إلا أني جالسته بعد الفراغ عشرين سنة.

_ 1 راجع: غاية النهاية 2/ 330-334، ومعرفة القراء الكبار 1/ 107-111، والنشر 1/ 112، والأعلام 8/ 5، والسبعة ص53-64، والإقناع 1/ 55، 56.

أخذ عن نافع قراءته وقراءة شيخه أبي حعفر عرضًا عليه، وعرض أيضًا على عيسى بن وردان أحد راويي أبي جعفر. وروى القراءة عنه ابناه: إبراهيم وأحمد، وإبراهيم بن الحسين الكسائي -المعروف بسفينة- وغيرهم. كان إمامًا في الإقراء، من المهرة النابهين، وكان أصم شديد الصمم لا يسمع البوق، ولما يقرأ عليه القرآن فكان ينظر إلى شفتي القارئ ويفهم خطأهم ولحنهم بحركة الشفة فيرد عليه اللحن والخطأ. ولد قالون سنة 120هـ، وفي وفاته أقوال، وأصحها -على قول ابن الجزري- 220هـ1. 2- ورش "100-197هـ": هو عثمان بن سعيد بن عدي بن غزوان القبطي المصري القرشي ولاءً، مولى آل الزبير بن العوام، المعروف بـ"ورش"، كان أشقر أزرق أبيض اللون قصيرًا، ذا كدنة، أقرب إلى السمن منه إلى النحافة. لقب بـ"ورش" قيل: لأنه كان قصيرًا أشقر، أبيض اللون، يلبس ثيابًا قصارًا، وكان إذا مشى بدت رجلاه مع اختلاف

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 616، ومعرفة القراء الكبار 1/ 155، 156، والإقناع 1/ 28-59.

ألوانه، فكان نافع يقول له: هات يا ورشان واقرأ يا ورشان وأين الورشان، فشبه نافع بالطائر "الورشان" ثم خفف فقيل: ورش. وقيل: لقب بذلك لشدة بياضه؛ لأن "الورش" شيء يصنع من اللبن، فصار لا يعرف إلا بلقبه، ولا يحب إلا أن ينادى به، وكان يفتخر بذلك؛ لأن أستاذه لقبه به. كان شيخ القراء المحققين، إمامًا في أدائه وترتيله، حسن الصوت، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه. كانت ولادته بمصر، ثم رحل إلى المدينة فعرض القرآن على نافع عدة ختمات في سنة 155هـ، وكان زملاؤه يهبون له أسباقهم حتى كان يقرأ على شيخه سُبْعًا في كل يوم، وله اختيار خالف فيه نافعًا، إذا قرأ يهمز ويمد ويشدد ويبين الإعراب، ولا يمله سامعه، وكان حجة في القراءة. عرض عليه القرآن: أبو الربيع سليمان بن داود المهري المعروف بابن أخي الرشديني، وعامر بن سعيد أبو الأشعث الجرشي، ومحمد بن عبد الله بن يزيد المكي، ويونس بن عبد الأعلى، وأبو يعقوب الأزرق، وغيرهم كثيرون. ولد في مصر سنة 110هـ، وتوفي بها سنة 197هـ1.

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 502، 503، ومعرفة القراء الكبار 1/ 152-155، وقد ذكر فيه حكاية قراءته على نافع وما أكرمه به زملاؤه من أهل المدينة لغرابته وحسن صوته. وراجع: الإقناع 1/ 57، 58.

ثانيا: الإمام ابن كثير المكي

ثانيًا: الإمام ابن كثير المكي "45-120هـ": - اسمه ونسبه وشهرته: هو عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله المكي الداري، أبو معبد، مولى عمر بن علقمة الكناني، فارسي الأصل، من الطبقة الثانية من التابعين. يقال له: الداري؛ لأنه كان عطارًا، والعرب تسمي العطار: داريًّا، نسبة إلى "دارين" موضع بالبحرين يجلب إليه الطيب من الهند، وهذا الذي صححه ابن الجزري1. وقيل: لأنه كان من بني الدار، والدار: بطن من لخم، منهم الصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه. وقيل: "الداري" الذي لا يبرح في داره ولا يطلب معاشًا. كان أبيض اللحية، طويلًا، جسيمًا، أسمر، أشهل العينين، يخضب بالحناء. - تاريخ ولادته ووفاته: ولد -رحمه الله- بمكة سنة 45هـ في أيام معاوية

_ 1 غاية النهاية 1/ 443.

-رضي الله عنه- وتوفي بها سنة 120هـ في أيام هشام بن عبد الملك. - شيوخه: لقي من الصحابة عبد الله بن الزبير، وأبا أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك -رضي الله عنهم- وروى عنهم، ومِن أشهر مَن أخذ القراءة عنهم: 1- عبد الله بن السائب المخزومي "ت68هـ". 2- مجاهد بن جبر المكي "ت104هـ". 3- درباس مولى ابن عباس المكي. - تلامذته: أخذ القراءة عنه كثيرون؛ ومن أشهرهم: 1- ابنه صدقة بن عبد الله. 2- حماد بن زيد "ت179هـ". 3- حماد بن سلمة "ت167هـ". 4- الخليل بن أحمد "ت170هـ". 5- أبو عمرو بن العلاء "ت154هـ". 6- سفيان بن عيينة "ت198هـ". - مناقبه ومآثره: كان -رحمه الله- فصيحًا بليغًا، مفوهًا، عليه سكينة ووقار. قال أبو عمرو: ختمت القرآن على ابن كثير بعدما ختمت

على مجاهد، وكان ابن كثير أعلم بالعربية من مجاهد. وقال ابن مجاهد: لم يزل ابن كثير الإمام المجتمع عليه في القراءة بمكة حتى مات. وقال ابن الجزري: كان ابن كثير إمام الناس في القراءة بمكة المكرمة لم ينازعه فيها منازع1. - أشهرت رواته: لقد اشتهرت قراءته بروايتي: البزي وقنبل، وهما ليسا من تلامذته2. 1- البزي "170-250هـ": هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة، فارسي الأصل من أهل همذان. والبزي نسبة إلى جده الأعلى أبي بزة، واسمه بشار والذي أسلم على يد السائب بن أبي السائب المخزومي. مقرئ مكة، ومؤذن المسجد الحرام، كان أستاذًا محققًا ضابطًا، متقنًا للقراءة، ولد سنة 170هـ بمكة، وتوفي بها

_ 1 راجع: النشر 1/ 120، وغاية النهاية 1/ 443-445، ومعرفة القراء الكبار 1/ 86، 87، والسبعة 64-66، والإقناع 1/ 77-92، والأعلام 4/ 115. 2 وقد عدهما الدكتور/ محمد سالم محيسن -في رحاب القرآن الكريم 1/ 305- ممن تتلمذ على ابن كثير وأخذ عنه القراءة، وهو سهو من فضيلته. انظر: النشر 1/ 115-121.

سنة 250هـ. قرأ على أبيه وعلى عبد الله بن زياد وعكرمة بن سليمان ووهب بن واضح، وقرأ عليه كثيرون؛ منهم: إسحاق بن محمد الخزاعي، والحسن بن الحباب، وأبو ربيعة محمد بن إسحاق، وروى عنه القراءة: قنبل، وحدث عنه كثيرون. وروى البزي حديث التكبير مرفوعًا من آخر الضحى، وقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه. قال ابن الجزري: انتهت إليه مشيخة الإقراء بمكة1. 2- قنبل "195-291هـ": هو محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن محمد بن سعيد، أبو عمر المخزومي مولاهم المكي، الملقب بـ"قنبل" وقيل: إنه اسمه، وقيل: لأنه من بيت بمكة يقال لهم: "القنابلة"، وقيل: لاستعماله دواءً يقال له: قنبيل، معروف عند الصيادلة، لداء كان به، فلما أكثر منه عرف به، وحذفت الياء تخفيفًا. انتهت إليه رئاسة الإقراء بالحجاز، ورحل الناس إليه من الأقطار، وكان على الشرطة بمكة؛ لأنه كان لا يليها إلا رجل من أهل الفضل والخير والصلاح؛ ليكون لما يأتيه من الحدود والأحكام على صواب، وكان ذلك في وسط عمره

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 119، 120، والنشر 1/ 121.

فحمدت سيرته. أخذ القراءة عرضًا عن أحمد بن محمد بن عون النبال، وهو الذي خلفه في القيام بها بمكة، وروى القراءة عن البزي. وروى القراءة عنه كثيرون؛ منهم: أبو ربيعة محمد بن إسحاق، وهو أجَلُّ أصحابه، وابن مجاهد، وابن شنبوذ، وجعفر بن محمد السرنديبي، وعبد الله بن جبير وهو من أقرانه. ولد -رحمه الله- سنة 195هـ. وكان قد طعن في السن وشاخ وقطع الإقراء قبل موته بسبع سنين، وقيل: بعشر سنين، وتوفي بمكة سنة 291هـ عن ست وتسعين سنة1.

_ 1 راجع: غاية النهاية 2/ 165، 166، والنشر 1/ 121.

ثالثا الإمام أبو عمرو البصري

ثالثًا: الإمام أبو عمرو البصري "68-154هـ" - اسمه ونسبه وشهرته: هو أبو عمرو زبَّان بن العلاء بن عمار بن العريان المازني التميمي البصري، واختلف في أصله: هل هو من بني العنبر، أو من بني حنيفة، أو أنه فارسي الأصل من مدينة كارزون؟ والصحيح أنه تميمي. كما اختلف في اسمه على أكثر من عشرين قولًا، بعضها تصحيف من بعض، وأكثر الحفاظ على أنه: زبَّان بالزاء والباء. وصحف ابن الجزري من قال: ربان أو ريان. - تاريخ ولادته ووفاته: اختلف في تاريخ ولادته ووفاته على أقوال، وأصحها أنه ولد في سنة 68هـ بمكة، وتوفي بالكوفة سنة 154هـ. - شيوخه: قرأ على خلق كثير في: مكة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، وهو أكثر القراء شيوخًا؛ ومن أشهرهم: 1- أبو جعفر يزيد بن القعقاع -أحد القراء العشرة- "ت128هـ". 2- شيبة بن نصاح "ت130هـ". 3- نافع بن أبي نعيم -أحد القراء السبعة- "ت169هـ".

4- عبد الله بن كثير - أحد القراء السبعة- "ت120هـ". 5- الحسن البصري -أحد قراء الشواذ- "ت110هـ". 6- عاصم بن أبي النجود -أحد القراء السبعة- "ت127هـ". 7- محمد بن عبد الرحمن بن محيصن -أحد قراء الشواذ- "ت123هـ". - تلامذته: تلقى القراءة عليه خلق لا يحصون كثرة؛ ومن أشهرهم: 1- سلام بن سليمان الطويل "ت171هـ". 2- شجاع بن أبي نصر البلخي "ت190هـ". 3- عبد الله بن المبارك بن واضح "ت181هـ". 4- أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري "ت215هـ". 5- يونس بن حبيب البصري "ت185هـ". 6- أبو عبيدة معمر بن المثنى "ت210هـ". 7- عبد الملك بن قريب الأصمعي "ت216هـ". 8- هارون بن موسى الأعور، توفي قبل 200هـ. 9- يحيى بن المبارك اليزيدي -أحد قراء الشواذ- "ت202هـ". 10- سيبويه عمرو بن عثمان بن قنبر "ت180هـ". - مناقبه ومآثره: كان أعلم الناس بالقرآن والعربية مع الصدق والثقة

والزهد. قال الأصمعي: قال لي أبو عمرو: لو تهيأ لي أن أفرغ ما في صدري في صدرك لفعلت، لقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها، ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ لقرأت كذا وكذا ... وقال أبو عبيدة: كانت دفاتر أبي عمرو ملء بيت إلى السقف ثم تنسك فأحرقها، وتفرد للعبادة وجعل على نفسه أن يختم في كل ثلاث. روى عن الأخنس أنه قال: مر الحسن "البصري" بأبي عمرو وحلقته متوافرة، والناس عكوف، فقال: مَن هذا؟ فقالوا: أبو عمرو، فقال: لا إله إلا الله، كادت العلماء أن تكون أربابًا، كل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل يئول. قال ابن مجاهد: وحدثونا عن وهب بن جرير، قال: قال لي شعبة: تمسك بقراءة أبي عمرو؛ فإنها ستصير للناس إسنادًا. قال ابن الجزري: وقد صح ما قاله شبعة -رحمه الله- فالقراءة التي عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو، فلا تكاد تجد أحدًا يلقن القرآن إلى على حرفه خاصة في الفرش ... وقال ابن الجزري -بعدما ذكر تحول أهل الشام من قراءة ابن عامر إلى قراءة أبي عمرو: وأنا أعد ذلك من

كرامات شعبة. لما توفي أبو عمرو جاء يونس بن حبيب إلى أولاده يعزيهم، فقال: نعزيكم وأنفسنا بمن لا نرى شبهًا له آخر الزمان، والله لو قسم علم أبي عمرو وزهده على مائة إنسان لكانوا كلهم علماء زهادًا، والله لو رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسره ما هو عليه1. - أشهر رواته: اشتهرت قراءته بروايتي: الدوري والسوسي، وهما ليسا من تلامذته2. 1- الدوري "ت246هـ": هو أبو عمرو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان الأزدي، الدوري النحوي، الضرير، نزيل سامراء، و"الدور" محلة بالجانب الشرقي ببغداد، كان إمام القراءة وشيخ الناس في زمانه، ثقة، ثبتًا، ضابطًا، وهو أول من جمع القراءات، وقرأ بسائر الحروف السبعة

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 288-292، والنشر 1-134، ومعرفة القراء الكبار 1/ 100-105، والأعلام 3/ 41، والإقناع 1/ 93، 94، والسبعة ص79-85. 2 وقد عدَّهما الدكتور/ محمد سالم محيسن -في كتابه "في رحاب القرآن الكريم 1/ 307"- ممن تلقى القراءة على أبي عمرو، ولعل ذلك سهو منه. راجع: النشر 1/ 133.

وبالشواذ. قرأ على إسماعيل بن جعفر عن نافع، وقرأ أيضًا عليه وعلى أخيه يعقوب بن جعفر عن ابن جماز عن أبي جعفر، وقرأ على سليم ومحمد بن سعدان عن حمزة، وعلى الكسائي لنفسه، ولأبي بكر عن عاصم، وعلى يحيى بن المبارك اليزيدي، وشجاع بن أبي نصر البلخي، وغيرهم. وقرأ عليه كثيرون؛ منهم: علي بن سليم الدوري، وعلي بن الحسين الفارسي، وعمر بن أحمد الكاغذي، والقاسم بن زكريا المطرز، وابنه محمد بن حفص الدوري، وغيرهم. قال أبو داود: رأيت أحمد بن حنبل يكتب عن أبي عمرو الدوري. وقال أحمد بن فرح المفسر: سألت الدوري: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله غير مخلوق. قال الزركلي: له كتاب "ما اتفقت ألفاظه ومعانيه من القرآن" و"قراءات النبي صلى الله عليه وسلم" مخطوط في الظاهرية، و"أجزاء القرآن"1.

_ 1 الأعلام 2/ 264.

توفي برنبوية من قرى "الري" في شوال سنة 246هـ1. 2- السوسي "173-261هـ": هو أبو شعيب صالح بن زياد بن عبد الله بن إسماعيل، السوسي، نسبة إلى "السوس" كورة بالأهواز. كان -رحمه الله- ضابطًا، محررًا، ثقة. أخذ القراءة عرضًا وسماعًا عن أبي محمد اليزيدي -وهو من أجل أصحابه- وقرأ على حفص عن عاصم. وأخذ القراءة عنه جماعة؛ منهم: ابنه أبو المعصوم محمد، وموسى بن جرير النحوي، وإسماعيل بن يعقوب، وأحمد بن شعيب النسائي الحافظ، وغيره. ولد في سنة 173هـ، وتوفي بالرقة أول سنة 261هـ وقد قارب السبعين2.

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 255، 256، والنشر 1/ 134، ومعرفة القراء الكبار 1/ 87، والأعلام 2/ 264، والإقناع 1/ 94. 2 راجع: غاية النهاية 1/ 332، 333، والنشر 1/ 134، والأعلام 3/ 191، ومعرفة القراء الكبار 1/ 193، والإقناع 1/ 95.

رابعا: الإمام ابن عامر الدمشقي

رابعًا: الإمام ابن عامر الدمشقي "8-118هـ" - اسمه ونسبه وشهرته: هو عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة بن عامر اليحصبي1. والأشهر في كنيته: أبو عمران، وقيل: أبو نعيم، وهو من العرب، ويرجع في نسبه إلى حمير، وحمير من قحطان، كان رجلًا طوالًا، طويل اللحية، خفيف العارضين يخمع بإحدى رجليه2. - تاريخ ولادته ووفاته: ولد قبل فتح دمشق في "البلقاء" في قرية "رحاب" سنة 8 من الهجرة، وقبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وله سنتان. وتوفي بدمشق يوم عاشوراء سنة 118هـ. - شيوخه: 1- أبو الدرداء عويمر بن زيد الأنصاري -رضي الله

_ 1 بتثليث صاد اليحصبي. 2 الإقناع 1/ 104، 105، والخمع: العرج، يقال: خمع في مشيته: إذا عرج، والظاهر أنه لم يكن من خلقته وإنما لشيء أصابه في رجله، قال الفيروزآبادي: عرج عروجًا ومعرجًا: ارتقى، وأصابه شيء في رجله فخمع وليس بخلقة "القاموس المحيط، مادة: عرج". وقال في "خمع": خمع الضبع ... كأن به عرجًا.

عنه- "ت32هـ". 2- المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان بن عفان -رضي الله عنه- "ت91هـ". 3- فضالة بن عبيد الأنصاري -رضي الله عنه- "ت58هـ". 4- واثلة بن الأسقع الليثي من أهل الصفة -رضي الله عنه- "ت85هـ". وقد ثبت سماعه من جماعة من الصحابة؛ منهم: عثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان، والنعمان بن بشير، رضي الله عنهم. - تلامذته: تلقى القراءة منه كثيرون؛ ومن أشهرهم: 1- يحيى بن الحارث الذماري "ت145هـ"1. 2- شقيقه: عبد الرحمن بن عامر. 3- محمد بن الوليد الزبيدي. 4- عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. 5- عبد الله بن العلاء بن زَبْر. 6- إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر. - مناقبه ومآثره: هو إمام أهل الشام في القراءة، وإليه انتهت مشيخة

_ 1 وهو الذي خلفه ابن عامر في القيام بالقراءة بدمشق والإقراء بها.

الإقراء بها، ولا زال أهل الشام قاطبة على قراءته تلاوة وصلاة وتلقينًا إلى قريب الخمسمائة. قال الأهوازي: كان عبد الله بن عامر إمامًا ثقة فيما أتاه، حافظًا لما رواه، متقنًا لما وعاه، عارفًا فهمًا، قيمًا فيما جاء به، صادقًا فيما نقله، من أفاضل المسلمين، وخيار التابعين، وأجلة الراوين، لا يتهم في دينه، ولا يشك في يقينه، ولا يرتاب في أمانته، ولا يطعن عليه في روايته، صحيح نقله، فصيح قوله، عاليًا في قدره، مصيبًا في أمره، مشهورًا في علمه، مرجوعًا إلى فهمه، لم يتعدَّ فيما ذهب إليه الأثر، ولم يقل قولًا يخالف فيه الخبر، ولي القضاء بدمشق بعد أبي إدريس الخولاني، وكان إمام الجامع بدمشق، وهو الذي كان ناظرًا على عمارته حتى فرغ. وقال يحيى بن الحارث: وكان رئيس الجامع، لا يرى فيه بدعة إلا غيَّرها. وقد ائتم به الخليفة عمر بن عبد العزيز1. - أشهر رواته: اشتهرت قراءته بروايتي: هشام وابن ذكوان، وهما ليسا

_ 1 انظر: غاية النهاية 1/ 423-425، والنشر 1/ 144، ومعرفة القراء الكبار 1/ 82-86، والإقناع 1/ 103-115، والأعلام 4/ 95.

من تلامذته1. 1- هشام "153-254هـ": هو هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة، السلمي الدمشقي، أبو الوليد، إمام أهل دمشق وخطيبهم ومقرئهم ومحدثهم ومفتيهم، وكان ثقة، عدلًا، ضابطًا، فصيحًا، عالمًا، عارفًا بالرواية والدراية. ولد سنة 153هـ، وأخذ القراءة عرضًا عن: أيوب بن تميم وعراك بن خالد وسويد بن عبد العزيز، وروى عن: مالك بن أنس2، وسفيان بن عيينة، والدراوردي، ومسلم بن خالد الزنجي، وخلق آخرين.

_ 1 وقد عدهما الدكتور/ محمد سالم محيسن -في كتابه "في رحاب القرآن الكريم 1/ 310"- ممن تلقى القراءات على ابن عامر، وهو خطأ لا يخفى. انظر: النشر 1/ 143، 144. 2 قال الغساني: سمعت هشامًا يقول: باع أبي بيتًا بعشرين دينارًا، وجهزني للحج، فلما صرت إلى المدينة أتيت مجلس مالك ومعي مسائل، فأتيته وهو جالس في هيئة الملوك وغلمان قيام، الناس يسألونه وهو يجيبهم فقلت: ما تقول في كذا؟ فقال: حصلنا على الصبيان، يا غلام احمله، فحملني كما يحمل الصبي، وأنا يومئذ مدرك، فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة، فوقفت أبكي، فقال: ما يبكيك؟ أوجعتك هذه؟ قلت: إن أبي باع منزله، ووجه بي أتشرف بك وبالسماع منك، فضربتني، فقال: اكتب، فحدثني سبعة عشر حديثًا وأجابني عن المسائل. معرفة القراء الكبار 1/ 196، 197، ولدى الذهبي أخبار طويلة لهشام ذكر أكثرها في تاريخه الكبير في السير 11/ 420-435، فارجع إليها إن شئت.

روى القراءة عنه: أبو عبيد القاسم بن سلام قبل وفاته بنحو أربعين سنة، وأحمد بن يزيد الحلواني، ومحمد بن محمد اليامي، وأبو زرعة الدمشقي، وهارون بن موسى الأخفش، وروى عنه: الوليد بن مسلم، ومحمد بن شعيب -وهما من شيوخه- وروى عنه البخاري في صحيحه، وأبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم، وحدث الترمذي عن رجل عنه، وغيرهم كثيرون. كان فصيحًا، علامة، واسع الرواية والدراية. قال الأهوازي: سمعته يقول: ما أعدت خطبة منذ عشرين سنة. وقال الأصبهاني: رزق كبر السن وصحة العقل والرأي فارتحل الناس إليه في القراءات والحديث. توفي -رحمه الله- في سنة 245هـ، وقيل: 244هـ1. 2- ابن ذكوان "173-242هـ": هو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان، أبو عمرو، البهراني، القرشي، الفهري، الدمشقي، ولد يوم عاشوراء سنة 173هـ، وتوفي بدمشق صبيحة الاثنين لسبع خلون من شوال سنة 242هـ. قال ابن الجزري: الإمام الأستاذ الشهير، الراوي

_ 1 انظر: غاية النهاية 2/ 354-356، والنشر 1/ 143، ومعرفة القراء الكبار 1/ 195-198، والإقناع 1/ 106.

الثقة، شيخ الإقراء بالشام، وإمام جامع دمشق، أخذ القراءة عرضًا عن أيوب بن تميم -وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة بدمشق- وقرأ على الكسائي حين قدم الشام، وروى الحروف سماعًا عن إسحاق بن المسيبي عن نافع، وروى القراءة عنه: ابنه أحمد، وأبو زرعة الدمشقي وعبد الله بن عيسى الأصفهاني، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وهارون بن موسى الأخفش. قال ابن الجزري: وألف كتاب "أقسام القرآن وجوابها" و"ما يجب على قارئ القرآن عند حركة لسانه". قال أبو زرعة: لم يكن بالعراق ولا بالحجاز ولا بالشام ولا بمصر ولا بخرسان في زمان ابن ذكوان أقرأ عندي منه1.

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 404، 405، والنشر 1/ 145، والإقناع 1/ 105، ومعرفة القراء الكبار 1/ 198-201.

خامسا: الإمام عاصم الكوفي

خامسًا: الإمام عاصم الكوفي "ت127هـ" - اسمه ونسبه وشهرته: هو عاصم ابن بهدلة أبي النَّجُود الكوفي الحناط الأسدي بالولاء. وكنيته: أبو بكر، ويقال: أبو النجود اسم أبيه، وبهدلة اسم أمه. وقيل: اسم أبي النجود عبد الله. - تاريخ ولادته ووفاته: لم تتعرض كتب التراجم -التي بين يدي- لتارخ ولادته. أما وفاته فقيل: توفي بالكوفة، وقيل: بطريقة الشام في آخر سنة 127هـ، وقيل: سنة 128هـ، وقيل: 129هـ، وقيل غير ذلك، والأول أصح. - شيوخه: قرأ على كثيرين؛ منهم: 1- أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي "ت74هـ". 2- أبو مريم زر بن حبيش الأسدي "ت82هـ". 3- أبو عمرو سعد بن إلياس الشيباني "ت96هـ" أو نحوها. كما روى عن أبي رمثة رفاعة بن يثربي التميمي والحارث بن حسان البكري -وكانت لهما صحبة- وقرأ كذلك على أنس

ابن مالك وغيره. - تلامذته: روى القراءة عنه خَلْقٌ لا يحصون؛ منهم: 1- أبان بن تغلب "ت141هـ". 2- حماد بن سلمة "ت167هـ". 3- سليمان بن مهران الأعمش "ت147هـ". 4- أبو بكر شعبة بن عياش "ت193هـ". 5- أبو عمر حفص بن سليمان بن المغيرة "ت180هـ". كما روى حروف القرآن عنه كل من: أبي عمرو بن العلاء، وحمزة بن حبيب الزيات، وهارون بن موسى الأعور، وغيرهم. - مناقبه ومآثره: كان -رحمه الله- شيخ الإقراء بالكوفة، وقد انتهت إليه رئاسة الإقراء بها، بعد موت أبي عبد الرحمن السلمي في موضعه، جمع بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد، وكان أحسن الناس صوتًا بالقرآن. قال أبو إسحاق السبيعي: ما رأيت أحدًا أقرأ للقرآن من عاصم. وكان -رحمه الله- فصيحًا، إذا تكلم كاد يدخله خيلاء. قال ابن عياش: قال لي عاصم: مرضت سنتين، فلما قمت

قرأت القرآن فما أخطأت حرفًا. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن عاصم ابن بهدلة، فقال: رجل صالح خير ثقة، فسألته: أي القراءة أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة، فإن لم تكن فقراءة عاصم. قال أبو بكر بن عياش: كان الأعمش وعاصم وأبو حسين سواء كلهم لا يبصرون، وجاء رجل يقود عاصمًا فوقع وقعة شديدة، فما كرهه ولا قال له شيئًا. وقال أبو بكر: دخلت على عاصم -وقد احتضر- فجعلت أسمعه يردد هذه الآية يحققها كأنه يصلي: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ... } 1 فعلمت أن القراءة منه سجية2. - أشهر رواته: اشتهرت قراءته بروايتي: شعبة وحفص، وهما من تلامذته. 1- شعبة "94-193هـ": هو أبو بكر شعبة بن عياش بن سالم الحناط الكوفي الأسدي الكاهلي النهشلي، اختلف في اسمه على ثلاثة

_ 1 الأنعام: 62. 2 راجع: غاية النهاية 1/ 346-349، ومعرفة القراء الكبار 1/ 88-94، والإقناع 1/ 115، والنشر 1/ 155، والأعلام 3/ 248، والسبعة ص69-71.

عشر قولًا، أصحها شعبة، وكان مولى. ولد سنة 94هـ، وتوفي بالكوفة في جمادى الأولى سنة 193هـ، وفي هذا الشهر مات هارون الرشيد بطوس، عاش نحو تسع وتسعين سنة، وقطع عن الإقراء قبل موته بسنوات، روى عن عاصم، وعرض عليه القرآن ثلاث مرات وعلى عطاء بن السائب وأسلم المنقري، وعرض عليه أبو يوسف الأعشى، ويحيى بن محمد العليمي، وغيرهم. وروى عنه الحروف سماعًا كثيرون؛ منهم: علي الكسائي، ويحيى بن آدم، وخلاد الصيرفي، وغيرهم، كما روى عنه: ابن المبارك مع تقدمه، وأبو داود الطيالسي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم. كان -رحمه الله- أمامًا كبيرًا عالمًا عاملًا، من أئمة السنة، ثقة. قال رحمه الله: من زعم أن القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق عدو الله، لا نجالسه ولا نكلمه. قال ابن معين والنخعي: لم يفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة. قال الذهبي: كان سيدًا إمامًا حجة، كثير العلم والعمل، منقطع القرين. قال أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر يقول: الخلق أربعة: معذور ومخبور ومجبور ومثبور، فالمعذور:

البهائم، والمخبور: ابن آدم، والمجبور: الملائكة، والمثبور: الجن1. قال ابن الجزري: ولما حضرته الوفاة بكت أخته، فقال لها: ما يبكيكِ؟ انظري تلك الزاوية، فقد ختمت فيها ثمان عشرة ألف ختمة، قال أبو بكر: تعلمت من عاصم القرآن كما يتعلم الصبي من المعلم، وقال: تعلمت من عاصم خمسًا خمسًا، وقال: الدخول في العلم سهل، والخروج منه إلى الله شديد2. 2- حفص "90-180هـ": هو أبو عمرو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي البزاز الغاضري، ويعرف بحفيص. كان أعلم أصحاب عاصم بقراءته، أخذ القراءة عرضًا وسماعًا وتلقينًا عن عاصم، وكان ربيبَه -ابنَ زوجته- وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش، وهو الذي أخذ قراءة عاصم على الناس تلاوةً، نزل بغداد فأقرأ بها، وجاور مكة فأقرأ بها أيضًا. قال ابن معين: الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم هي رواية حفص بن سليمان.

_ 1 معرفة القراء الكبار 1/ 136. 2 راجع: غاية النهاية 1/ 325-327، ومعرفة القراء الكبار 1/ 134-138، والإقناع 1/ 116.

كان ثقة في الإقراء ثبتًا ضابطًا لها، أقرأ الناس دهرًا. قال حفص: قلت لعاصم: أبو بكر يخالفني؟ فقال: أقرأتك بما أقرأني أبو عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأقرأته بما أقرأني زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال ابن مجاهد: بينه -يعني حفص- وبين أبي بكر من الخلف في الحروف خمسمائة وعشرين حرفًا في المشهور عنهما. وذكر حفص أنه لم يخالف عاصمًا في شيء من قراءته إلا في حرف. روى الحديث عن علقمة بن مرثد، وثابت البناني، وأبي إسحاق السبعي، وليث بن أبي سليم، وغيرهم، وروى القراءة عنه عرضًا وسماعًا كثيرون؛ منهم: حسين بن محمد المروزي، وسليمان بن داود الزهراني، وعمرو بن الصباح، وعبيد بن الصباح، وغيرهم كثيرون. ولد سنة 90هـ، وتوفي سنة 180 هـ على الصحيح1.

_ 1 راجع: معرفة القراء الكبار 1/ 140، 141، وغاية النهاية 1/ 254، والإقناع 1/ 117.

سادسا: الإمام حمزة الزيات الكوفي

سادسًا: الإمام حمزة الزيات الكوفي "80-156هـ" - اسمه ونسبه وشهرته: هو أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الزيات الكوفي التيمي ولاءً، وقيل: من صميمهم، ولقب بـ"الزيات" لأنه كان يجلب الزيت من العراق إلى حلوان، كما كان يجلب الجبن والجوز من العراق إلى الكوفة. - ولادته ووفاته: ولد 80هـ، وأدرك الصحابة بالسن فيحتمل أن يكون رأى بعضهم. وتوفي بحلوان العراق بموضع يقال له: باغ يوسف1 في خلافة أبي جعفر المنصور سنة 156هـ، وله ست وسبعون سنة. - شيوخه: أخذ القراءة عرضًا عن كثيرين؛ منهم: 1- أبو حمزة حمران بن أعين "ت129هـ". 2- أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي "ت132هـ". 3- محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى "ت148هـ". 4- أبو محمد طلحة بن مصرف اليامي "ت112هـ". 5- أبو عبد الله جعفر الصادق.

_ 1 "باغ" بالفارسية بمعنى: البستان.

6- سليمان بن مهران الأعمش "ت148هـ". - تلامذته: روى القراءة عنه أعلام مشهورون؛ منهم: 1- إبراهيم بن أدهم. 2- سليم بن عيسى بن سليم "ت188هـ". 3- سفيان الثوري "ت161هـ". 4- علي الكسائي "ت189هـ". 5- يحيى بن زياد الفراء "ت217هـ". 6- يحيى بن المبارك بن المغيرة "ت202هـ". مناقبه ومآثره: كان -رحمه الله- إمام الناس في القراءة بعد عاصم والأعمش، وكان حجة، ثقة، ثبتًا، قيمًا بكتاب الله، بصيرًا بالفرائض، عارفًا بالعربية، حافظًا للحديث، عابدًا خاشعًا، زاهدًا ورعًا، قانتًا لله، عديم النظير، أتقن القراءة وله خمس عشرة سنة، وأم الناس سنة مائة. قال أبوحنيفة وسفيان الثوري ويحيى بن آدم: غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض. وقال الثوري: ما قرأ حمزة حرفًا من كتاب الله إلا بأثر. وقال عبيد الله بن موسى: كان حمزة يقرئ القرآن حتى يتفرق الناس ثم ينهض فيصلي أربع ركعات، ثم يصلي ما

بين الظهر إلى العصر، وما بين المغرب والعشاء، وكان شيخه الأعمش إذا رآه قد أقبل يقول: هذا حَبْرُ القرآن1. - أشهر رواته: اشتهرت قراءته بروايتي: خلف وخلاد، وهما ليسا من تلامذته2. 1- خلف البزار "150- 229هـ": هو أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب بن خلف البزار، الأسدي، البغددي، المقرئ، الصِّلْحي، من أهل فم الصلح. ولد في رجب سنة 150هـ، وتوفي ببغداد وهو مختفٍ من الجهمية يوم السبت لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة 229هـ في خلافة الواثق بالله. كان إمامًا في القراءة، علمًا بارزًا، ثبتًا عند أهل الحديث، حفظ القرآن وهو ابن عشر سنين، وابتدأ في طلب العلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، كان زاهدًا، عابدًا، عالمًا.

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 261-263، ومعرفة القراء الكبار 1/ 111-118، والإقناع 1/ 125-137، والنشر 1/ 166، والأعلام 2/ 277، والسبعة 71-77. 2 وقد عدهما الدكتور/ محمد سالم محيسن -في كتابه "في رحاب القرآن الكريم 1/ 317"- ممن أخذ القراءة عن حمزة، وهو سهو منه. راجع: النشر 1/ 165.

قال ابن الجزري: روينا عنه أنه قال: أشكل عليَّ باب من النحو فأنفقت ثمانين ألف درهم حتى حفظته، أو قال: عرفته. أخذ القراءة عرضًا عن سليم عن حمزة، وعن عبد الرحمن بن أبي حماد عن حمزة، وأبي زيد الأنصاري عن المفضل الضبي، وروى حرف نافع عن إسحاق المسيبي، وقراءة أبي بكر عن يحيى بن آدم، والكسائي، وقرأ على أبي يوسف الأعشى لعاصم، وسمع مالكًا وأبا عوانة وحماد بن زيد وغيرهم. وروى القراءة عنه عرضًا وسماعًا: أحمد بن إبراهيم ورَّاقُه، وأخوه إسحاق بن إبراهيم، وأحمد بن يزيد الحلواني، وإدريس بن عبد الكريم الحداد. وروى الحديث عنه: أحمد بن حنبل، وغيره من الأئمة. وله اختيار في القراءة خالف فيه حمزة في مائة وعشرين حرفًا؛ ومن ثَمَّ عد من القراء العشرة1. 2- خلاد الصيرفي "ت220هـ": هو أبو عيسى خلاد بن خالد الشيباني بالولاء، الصيرفي، الكوفي. وهو غير خلاد بن عيسى الكوفي من كبار أصحاب حمزة ومن

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 273، 274، ومعرفة القراء الكبار 1/ 208-210، والإقناع 1/ 126.

المكثرين عنه1. كما أنه غير خلاد بن خالد الأحول الكوفي من جلة أصحاب حمزة2. والصيرفي لم يعرض على حمزة ولم يأخذ عنه؛ وإنما اشتهر بالرواية عنه؛ حيث أخذ القراءة عرضًا عن سليم -وهو من أضبط أصحابه وأجلهم- وروى القراءة عن حسين بن علي الجعفي عن أبي بكر، وعن أبي بكر نفسه عن عاصم، وروى القراءة عنه عرضًا: أحمد بن يزيد الحلواني، وإبراهيم بن علي القصار، وسليمان بن عبد الرحمن الطلحي، والقاسم بن يزيد الوزان -وهو من أنبل أصحابه- ومحمد بن شاذان الجوهري -وهو من أضبطهم- ومحمد بن عيسى الأصبهاني. كان -رحمه الله- إمامًا في القراءة، ثقة، عارفًا، محققًا، أستاذًا. تُوفي بالكوفة سنة 220هـ3.

_ 1 انظر: غاية النهاية 1/ 274، السبعة ص98، والإقناع 1/ 133، 134. 2 المرجع السابق. 3 راجع: معرفة القراء الكبار 1/ 210، وقد خلط بين الصيرفي والأحول. وراجع: غاية النهاية 1/ 274، 275.

سابعا: الإمام على الكسائي

سابعًا: الإمام علي الكسائي "119-189هـ" - اسمه ونسبه وشهرته: هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي ولاءً، الكوفي، النحوي، فارسي الأصل، من سواد العراق، الملقب بالكسائي. وفي شهرته بـ"الكسائي" ثلاثة أقوال: 1- سأله عنه عبد الرحيم بن موسى، فقال: لأني أحرمت في كسائي. 2- قيل: لأنه كان يتشح بكساء ويجلس في حلقة حمزة، فيقول حمزة: أعرضوا على صاحب الكساء، فسمي الكسائي بذلك. 3- وقيل: لأنه من "باكسايا" قرية من السواد بين بغداد وواسط. قال ابن الجزري: والأول أصحها، والآخر أضعفها1. - تاريخ ولادته ووفاته: قال الذهبي: ولد في حدود سنة 120هـ2. وتوفي بـ"رنبويه" -قرية من قرى الري- في رحلته مع هارون الرشيد إلى "خراسان" سنة 189هـ، وتوفي معه في تلك القرية محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة،

_ 1 غاية النهاية 1/ 539. 2 معرفة القراء الكبار 1/ 120.

فدفنا بها، فقال الرشيد: اليوم دفنت الفقه والنحو برنبويه. - شيوخه: تلقى القراءات عن كثيرين؛ منهم: 1- حمزة بن حبيب الزيات الكوفي "ت156هـ". 2- محمد بن أبي ليلى "ت148هـ". 3- عيسى بن عمر الهمداني. وروى الحروف عن أبي بكر بن عياش، وإسماعيل ويعقوب ابني جعفر، ورحل إلى البصرة فأخذ اللغة عن الخليل بن أحمد الفراهيدي. - تلاميذه: تلقى القرآن والقراءات عنه كثيرون؛ منهم: 1- أبو الحارث الليث بن خالد البغدادي "ت240هـ". 2- حفص بن عمر الدوري "ت246هـ". 3- أبو عبيد القاسم بن سلام "ت224هـ". 4- قتيبة بن مهران الأصبهاني "ت202هـ". 5- ابن ذكوان "ت242هـ". 6- يحيى بن آدم "ت203هـ". 7- خلف بن هشام البزار "ت229هـ". 8- يحيى بن زياد الفراء "ت207هـ". وروى الحروف عنه: يعقوب الحضرمي -أحد القراء

العشرة- وغيره. - مناقبه ومآثره: انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات، وكان -رحمه الله- صادق اللهجة، واسع العلم بالقرآن والعربية والغريب، ومؤسس المدرسة النحوية بالكوفة، وعمدة نحويها ومرجعهم. قال الشافعي: مَن أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي. وقال أبو بكر بن الأنباري: اجتمعت في الكسائي أمور: كان أعلم الناس بالنحو، وأوحدهم في الغريب، وكان أوحد الناس في القرآن. وقال أبو عبيدة: كان الكسائي يتخير القراءات، فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضًا، وكان من أهل القراءة، وهي كانت علمه وصناعته، ولم يجالس أحدًا كان أضبط ولا أقوم بها منه. قال ابن مجاهد: فاختار من قراءة حمزة وقراءة غيره قراءة متوسطة غير خارجة عن آثار من تقدم من الأئمة، وكان إمام الناس في القراءة في عصره، وكان يأخذ الناس عنه ألفاظه بقراءته عليهم. وكان الناس يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره، وهم

يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادئ، وكان يختم ختمتين في شعبان من قراءته على الناس. وقد ألف كتبًا كثيرة في اللغة والنحو والقراءة؛ منها: معاني القرآن، وكتاب القراءات، وكتاب مقطوع القرآن وموصوله، وكتاب الحروف، وكتاب الهاءات، والمتشابه في القرآن، وكان -رحمه الله- مؤدب الرشيد وولده محمد الأمين، وكان بذلك نال ما لم ينله أحد من الجاه والمال والإكرام، وحصل له رياسة العلم والدنيا. وكان فيه دعابة، فقد قيل له: لم لا تهمز "الذيب"؟ قال: أخاف أن يأكلني. وقد رثاه يحيى اليزيدي بأبيات رائعة؛ منها: تصَّرمت الدنيا فليس خلود ... وما قد ترى من بهجة فيبيد لكل امرئ كأس من الموت مُترعٌ ... وما إن لنا إلا عليه ورود ألم ترَ شيبًا شاملًا ينذر البلى ... وإن الشباب الغصَّ ليس يعود

سيأتيك ما أفنى القرون التي مضت ... فكن مستعدًّا فالفناء عتيد1 - أشهر رواته: اشتهرت قراءة الإمام الكسائي بروايتي: أبي الحارث والدوري، وهما من تلاميذه. 1- أبو الحارث "ت240هـ": هو الليث بن خالد البغدادي. ثقة، حاذق، ضابط. أخذ القراءة عرضًا عن الكسائي -وهو من جلة أصحابه- وروى الحروف عن: حمزة بن القاسم الأحول، وعن يحيى اليزيدي، وروى القراءة عنه عرضًا وسماعًا: سلمة بن عاصم -صاحب الفراء- ومحمد بن يحيى "الكسائي الصغير" والفضل بن شاذان، ويعقوب بن أحمد التركماني. توفي سنة 240هـ2.

_ 1 راجع: معرفة القراء الكبار 1/ 120-128، وغاية النهاية 1/ 535-540، والإقناع 1/ 138 وما بعدها، والنشر 1/ 167 وما بعدها، والسبعة 78، 79، والأعلام 4/ 283. 2 غاية النهاية 2/ 34، والنشر 1/ 172، ومعرفة القراء الكبار 1/ 211، والإقناع 1/ 140.

2- الدوري "ت246هـ": هو أبو عمرو حفص بن عمرو الأزدي الدوري. وقد سبقت ترجمته ضمن راويي أبي عمرو البصري، فهو يروي قراءة ابن العلاء وقراءة الكسائي -من القراء السبعة- ويروي قراءة الحسن البصري أحد قراءة الشواذ1.

_ 1 راجع لترجمته ص337 من هذا المبحث.

ثامنا: الإمام أبو جعفر المدني

ثامنًا: الإمام ابو جعفر المدني "ت130هـ" - اسمه وشهرته: هو أبو جعفر يزيد القعقاع المخزومي، المدني، القارئ. ويقال: اسمه: جندب بن فيروز، وقيل: فيروز. - شيوخه: عرض القرآن الكريم على كل من: 1- عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وهو مولاه "ت78هـ". 2- عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- "ت68هـ". 3- أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي "ت57هـ". - تلامذته: عرض عليه القرآن كثيرون؛ منهم: 1- نافع المدني -أحد القراء السبعة- "ت169هـ".

2- سليمان بن مسلم بن جماز، توفي بعد 170هـ. 3- عيسى بن وردان "ت160هـ". 4- أبو عمرو بن العلاء -أحد القراء السبعة- "ت154هـ". - مناقبه ومآثره: هو أحد القراء العشرة، تابعي مشهور، كبير القدر، أُتِيَ به إلى أم سلمة -رضي الله عنها- وهو صغير فمسحت على رأسه، ودعت له بالبركة، وصلى بابن عمر -رضي الله عنهما- وأقرأ الناس بمسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة قبل الحرة، التي وقعت سنة 63هـ. قال ابن معين: كان إمام أهل المدينة في القراءة، فسُمي القارئ بذلك وكان ثقة. وقال ابن مجاهد: لم يكن أحد أقرأ للسنة من أبي جعفر. وكان يقدم في زمانه على عبد الرحمن بن هرمز الأعرج. وقال الإمام مالك: كان أبو جعفر رجلًا صالحًا يقرئ الناس بالمدينة. ورُوي أنه كان يصوم يومًا ويفطر يومًا -صوم داود عليه السلام- واستمر على ذلك مدة من الزمان، وكان يصلي في جوف الليل أربع تسليمات، يقرأ في كل ركعة بالفاتحة وسورة من الطوال المفصل، ويدعو عقيبها لنفسه وللمسلمين ولكل مَن قرأ عليه ومَن قرأ بقراءته بعده وقبله.

قال نافع: لما غسل أبو جعفر بعد وفاته نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف، قال: فما شك أحد ممن حضر أنه نور القرآن. وفاته: في تاريخ وفاته خلاف، وأصح الأقوال فيه: أنه توفي بالمدينة سنة 130هـ1. - أشهر رواته: اشتهرت قراءته بروايتي: ابن وردان وابن جمَّاز، وهما من تلاميذه. 1- ابن وردان: هو عيسى بن وردان الحذاء المدني، وكنيته: أبو الحارث. قال ابن الجزري: إمام مقرئ حاذق، وراوٍ محقق ضابط، عرض القرآن الكريم على أبي جعفر المدني، وشيبة بن نصاح المدني، ثم عرض على نافع المدني، وهو من قدماء أصحابه، وقد شاركه في الإسناد. وعرض عليه: إسماعيل بن جعفر، وقالون -راوي نافع- ومحمد بن عمر الواقدي، وغيرهم.

_ 1 انظر: غاية النهاية 1/ 382-384، ومعرفة القراء الكبار 1/ 72-76، والأعلام 8/ 186.

توفي قبل الإمام نافع في حدود 160هـ1. 2- ابن جَمَّاز: هو أبو الربيع سليمان بن مسلم بن جَمَّاز الزهري -ولاءً- المدني. روى القراءة عرضًا على: أبي جعفر المدني، وشيبة بن نصاح المدني، ثم عرض على نافع المدني، وأقرأ بحرف أبي جعفر ونافع المدنيين. وعرض عليه: إسماعيل بن جعفر، وقتيبة بن مهران، وغيرهم. وهو مقرئ جليل، ضابط نبيل. توفي بعد سنة 170هـ2.

_ 1 راجع: معرفة القراء الكبار 1/ 111، غاية النهاية 1/ 616، والنشر 1/ 179. 2 راجع: غاية النهاية 1/ 315، والنشر 1/ 179.

تاسعا: الإمام يعقوب الحضرمي البصري

تاسعًا: الإمام يعقوب الحضرمي البصري "117-205هـ" - اسمه وشهرته: هو أبو محمد يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي -ولاءً- البصري. - تاريخ ولادته: ولد في سنة 117هـ. - شيوخه: من شيوخه: 1- أبو المنذر سلام بن سليمان المزني "ت171هـ". 2- شهاب بن شرنفة المجاشعي "ت162هـ". 3- أبو يحيى مهدي بن ميمون "ت171هـ". 4- أبو الأشهب جعفر بن حبان العطاردي "ت165هـ". وسمع الحروف من الكسائي ومحمد بن رزيق عن عاصم، وسمع من حمزة حروفًا، وقيل: إنه قرأ على أبي عمرو، وما ذلك ببعيد؛ حيث تُوفي أبو عمرو وليعقوب سبعة وثلاثون سنة. - تلامذته: روى القراءة عنه عرضًا كثيرون؛ منهم: 1- روح بن عبد المؤمن "ت234هـ". 2- محمد بن المتوكل "رويس" "ت238هـ".

3- أبو حاتم السجستاني "ت255هـ". 4- أبو عمرو حفص الدوري "ت246هـ". 5- أبو أيوب سليمان الذهبي. - مناقبه ومآثره: هو أحد القراء العشرة، وإمام أهل البصرة ومقرئها. قال أبو حاتم: هو أعلم مَن رأيت بالحروف والاختلاف في القرآن وعلله ومذاهبه ومذاهب النحو، وأروى الناس لحروف القرآن، ولحديث الفقهاء. قال الداني: وائتم بيعقوب -في اختياره- عامة البصريين بعد أبي عمرو، فهم أو أكثرهم على مذهبه، قال: وقد سمعت طاهر بن غلبون يقول: إمام الجامع بالبصرة لا يقرأ إلا بقراءة يعقوب. قال ابن المنادي: كان يعقوب أقرأ أهل زمانه، وكان لا يلحن في كلامه، وكان السجستاني من أحد غلمانه. قال ابن الجزري: وكان يعقوب من أعلم أهل زمانه بالقرآن والنحو وغيره، وأبوه وجده. قال فيه اللالكائي: أبوه من القراء كان وجده ... ويعقوب في القراء كالكوكب الدري

تفرده محض الصواب ووجهه ... فمن مثله في وقته وإلى الحشر وقال الهذلي: لم يُرَ في زمن يعقوب مثله، كان عالمًا بالعربية ووجوهها، والقرآن واختلافه، فاضلًا، تقيًّا، ورعًا، زاهدًا، بلغ من زهده أنه سُرق رداؤه عن كتفه وهو في الصلاة ولم يشعر، ورُدَّ إليه ولم يشعر لشلغه بالصلاة. - وفاته: توفي في ذي الحجة سنة 205هـ، وله ثمان وثمانون سنة، ومات أبوه وجده وجد أبيه كل منهم عن ثمان وثمانين سنة1. - أشهر رواته: اشتهرت قراءته بروايتي: روح ورويس، وهما من تلاميذه. 1- روح: هو أبو الحسن روح بن عبد المؤمن الهذلي -مولاهم- البصري النحوي. مقرئ جليل ثقة، ضابط مشهور. عرض القراءة على يعقوب الحضرمي، وهو من جلة أصحابه. وروى الحروف عن أحمد بن موسى، ومعاذ بن معاذ، وابنه

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 386-389، ومعرفة القراء الكبار 1/ 157، 158، والنشر 1/ 186، والأعلام 8/ 195.

عبيد الله بن معاذ، ومحبوب، كلهم عن أبي عمرو. وعرض عليه: الطيب بن الحسن القاضي، وأبو بكر الثقفي، ومحمد بن الحسن بن زياد، وأحمد بن يزيد الحلواني، وروى عنه البخاري في صحيحه. توفي سنة 234 أو 235هـ1. 2- رويس: هو محمد بن المتوكل اللؤلؤي البصري، يكنى أبا عبد الله، المعروف برويس. مقرئ حاذق، ضابط مشهور، أخذ القراءة عن يعقوب الحضرمي، وختم عليه مرات، وهو أكثر أصحابه فطنة وأفضلهم وأحذقهم، وهو من زملاء أبي حاتم السجستاني على يعقوب، وكان يعقوب يقول له وقت أخذه عليه: هات يا لاك، وأحسنت يا لاك، وروى القراءة عنه عرضًا: محمد بن هارون التمار، والإمام أبو عبد الله الزبيري الشافعي. وكان ماهرًا في الإقراء؛ بحيث يفرق بين المبتدئين في القراءة ومن مهروا فيها، توفي بالبصرة سنة 238هـ2.

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 285، 286، ومعرفة القراء الكبار 1/ 214، والنشر 1/ 187. 2 راجع: غاية النهاية 2/ 234، 235، ومعرفة القراء الكبار 1/ 216، والنشر 1/ 186.

عاشرا: الإمام خلف البزار

عاشرًا: الإمام خلف البزار "150-229هـ" هو أبو محمد خلف بن هشام البزار البغدادي، ويقال له: خلف العاشر؛ لكونه عاشرًا في ترتيب قراءة القراءات العشر المتواترة. وقد سبقت ترجمته كأحد روايي حمزة -السادس من السبعة- وقد ذكرنا هناك أنه خالف حمزة -في اختياره- في مائة وعشرين حرفًا. وللعلم أن الإمام خلفًا لم يخرج -في اختياره- عن قراءات الكوفيين في حرف ما، فقراءته تعتبر كوفية في مجموعها2. قال ابن الجزري: تتبعت اختياره فلم أرَه يخرج عن قراءة الكوفيين في حرف واحد؛ بل ولا عن حمزة والكسائي وأبي بكر إلا في حرف واحد3. - أشهر رواته: اشتهرت قراءته بروايتي: إسحاق وإدريس، وهما من

_ 1 راجع لترجمته ص354 من هذا المبحث. 2 النشر 1/ 191.

تلامذته. 1- إسحاق: هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عثمان بن عبد الله المروزي البغدادي الوراق. أخذ عن خلف اختياره، وقرأ عليه، وقام به بعده، كما قرأ على الوليد بن مسلم. وقرأ عليه: ابنه محمد بن إسحاق، ومحمد بن عبد الله بن أبي عمر النقاش، والحسن بن عثمان البرصاطي، وعلي بن موسى الثقفي، وابن شنبوذ، وغيرهم. كان قيمًا بالقراءة، ثقة فيها، ضابطًا لها، وكان لا يعرف من القراءات إلا اختيار خلف. توفي سنة 286هـ1. 2- إدريس: هو أبو الحسن إدريس بن عبد الكريم البغدادي، الحداد. قرأ على خلف اختياره، وعلى محمد بن حبيب الشموني، وروى عن أحمد بن حنبل وابن معين وطائفة. وروى عنه القراءة سماعًا: ابن مجاهد، وعرضًا: محمد بن أحمد بن شنبوذ، وابن بويان، وابن مقسم العطار، وأبو بكر النقاش، والمطوعي، وجماعة.

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 155، والنشر 1/ 191.

وهو إمام ضابط، متقن، ثقة، أقرأ الناس ورحلوا إليه من البلاد لإتقانه وعلو إسناده. قال الدارقطني: هو ثقة وفوق الثقة بدرجة. توفي يوم الأضحى سنة 292هـ عن ثلاث وتسعين سنة1.

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 154، والنشر 1/ 166، ومعرفة القراء الكبار 1/ 254، 255.

المبحث الثاني: تراجم قراء القراءات الشاذة

المبحث الثاني: تراجم قراء القراءات الشاذة أولًا: الامام ابن محيصن "ت123هـ": - اسمه ونسبه وشهرته: هو محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي -مولاهم- المكي، وقيل: اسمه عمر، وقيل: عبد الرحمن بن محمد، وقيل: محمد بن عبد الله. - شيوخه: عرض على: مجاهد بن جبر، ودرباس مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير، وغيرهم. - تلامذته: عرض عليه: شبل بن عباد، وأبو عمرو بن العلاء، وسمع منه حروفا إسماعيل بن مسلم المكي، وعيسى بن عمر البصري، وغيرهم. - مناقبه ومآثره: هو مقرئ أهل مكة، معاصر ابن كثير وحميد الأعرج، وكان ثقة، وأعلم قراء مكة -في عصره- بالعربية وأقواهم عليها. قال ابن مجاهد: كان لابن محيصن اختيار في القراءة على مذهب العربية، فخرج به عن إجماع أهل بلده، فرغب الناس

عن قراءته، وأجمعوا على قراءة ابن كثير لاتباعه. ويُرْوَى عن مجاهد أنه كان يقول: ابن محيصن يبني ويرصص في العربية، يمدحه بذلك. وقال ابن الجزري: وقراءته -أي: ابن محيصن- في كتاب المبهج والروضة، وقد قرأت بها القرآن، ولولا ما فيها من مخالفة المصحف لألحقت بالقراءات المشهورة. - وفاته: توفي بمكة سنة 123هـ، وقيل: 122هـ1. - أشهر رواته: اشتهرت قراءته بروايتي: البزي وابن شنبوذ، وهما ليسا من تلامذته. 1- البزي: هو أبو الحسن أحمد بن محمد البزي، الفارسي -أحد راويي ابن كثير- وقد سبقت ترجمته2. 2- ابن شنبوذ: هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ البغدادي.

_ 1 راجع: غاية النهاية 2/ 167، ومعرفة القراء الكبار 1/ 98، 99، والأعلام 6/ 189. 2 راجع ص331 من هذا الكتاب.

أخذ القراءة عرضًا عن: إبراهيم الحربي، وأحمد بن بشار الأنباري، وأحمد بن فرح، وإدريس الحداد، والحسن بن الحباب، وغيرهم. وقرأ عليه: أحمد بن نصر الشذائي، والحسن بن سعيد المطوعي، ومحمد بن أحمد الشنبوذي، وغيرهم. إمام كبير، شيخ الإقراء بالعراق، أحد مَن طاف البلاد؛ لتحصيل علم القراءات مع الصلاح والورع والأمانة. وكان بينه وبين ابن مجاهد تنافس على عادة الأقران، حتى كان لا يقرئ مَن يقرأ على ابن مجاهد. وكان يرى جواز القراءة بما خالف رسم المصحف الإمام، وقد عقد له بسبب ذلك مجلس بحضرة الوزيرة أبي علي بن مقلة، حضره ابن مجاهد وجماعة من العلماء والقضاة، فاعترف وتاب وكتب له محضر بذلك. توفي في صفر سنة 328هـ، وفيها مات ابن مقلة الوزير أيضًا1.

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 52-56، ومعرفة القراء الكبار 1/ 276-279.

ثانيا: الإمام يحيى اليزيدي

ثانيًا: الإمام يحيى اليزيدي "128-202هـ": - اسمه ونسبه وشهرته: هو أبو محمد يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي البصري، المعروف بـ"اليزيدي" لصحبته يزيد بن منصور الحميري خال المهدي؛ حيث كان يؤدب ولده. - شيوخه: أخذ القراءة عرضًا عن أبي عمرو بن العلاء -وهو الذي خلفه بالقيام بها- وأخذ أيضًا عن حمزة، وسمع عبد الملك بن جريج، وأخذ عن الخليل بن أحمد وغيرهم. - تلامذته: روى القراءة عنه أولاده: محمد، وعبد الله، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وحفيده أحمد بن محمد، وأبو عمر الدوري، وأبو شعيب السوسي -راويا أبي عمرو البصري- وأبو الحارث -أحد راويي الكسائي- وروى عنه الحروف: أبو عبيد القاسم بن سلام، وغيرهم. - مناقبه ومآثره: إمام، نحوي، مقرئ، ثقة، كبير، علامة، له اختيار خالف فيه أبا عمرو في حروف عشرة فقط1. قال الذهبي: كان ثقة علامة فصيحًا، مفوهًا بارعًا في اللغات والآداب. قال ابن مجاهد: وإنما عوَّلنا على اليزيدي وإن كان سائر أصحاب أبي عمرو أجلَّ منه؛ لأنه انتصب للرواية عنه،

_ 1 راجع تلك الحروف بالتفصيل في: غاية النهاية 2/ 376.

وتجرد لها، ولم يشتغل بغيرها، وهو أضبطهم، له عدة تصانيف؛ منها: كتاب النوادر، وكتاب المقصور، وكتاب المشكل، وكتاب نوادر اللغة، وكتاب في النحو مختصر، وله نظم حسن. - ولادته ووفاته: ولد سنة 128هـ، وتوفي سنة 202هـ1. - أشهر رواته: اشتهرت قراءته بروايتي: ابن الحكم، وابن فرح. الأول يروي عنه، وهو من تلاميذه، والثاني يروي عن الدوري عنه، فهو ليس من تلاميذه. 1- ابن الحكم: وهو أبو أيوب سليمان بن أيوب بن الحكم الخياط البغدادي المعروف بصاحب البصري. قرأ على اليزيدي، وقيل: على ابنه عبد الله بن يحيى كذلك. وقرأ عليه: أحمد بن حرب المعدل وإسحاق بن مخلد الدقاق وآخرون. مقرئ جليل، ثقة. قال ابن معين: ثقة صدوق حافظ لما يكتب عنه.

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 375-377، ومعرفة القراء الكبار 1/ 151، 152، والأعلام 8/ 163، وفيه تاريخ ولادته 138هـ.

توفي سنة 235هـ1. 2- ابن فرح: وهو أبو جعفر أحمد بن فرح بن جبريل، الضرير، البغدادي. قرأ على الدوري بجميع ما عنده من القراءات، وعلى عبد الرحمن بن واقد، وعلى البزي، وحدث عن: علي بن المديني، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي الربيع الزهراني، وطائفة. وقرأ عليه: أحمد بن مسلم الختلي، وأبو بكر بن مقسم العطار، وابن مجاهد، وابن شنبوذ، والحسن المطوعي، وأبو بكر النقاش. مقرئ، مفسر، ثقة كبير، تصدَّر للإفادة زمانًا، وبعد صيته، واشتهر اسمه لسَعَة علمه وعلو مسنده. قال الذهبي: سكن الكوفة مدة، وحمل أهلها عنه علمًا جمًّا، وكان ثقة مأمونًا، توفي في ذي الحجة سنة 303هـ، وقد قارب التسعين من عمره2.

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 312، ومعرفة القراء الكبار 1/ 194. 2 راجع: غاية النهاية 1/ 95، 96، ومعرفة القراء الكبار 1/ 238، 239.

ثالثا: الإمام الحسن البصري

ثالثًا: الإمام الحسن البصري "21-110هـ" - اسمه ونسبه وشهرته: هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، مولى الأنصار. - شيوخه: قرأ على حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى الأشعري، وعلى أبي العالية عن أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعمر بن الخطاب، وغيرهم. - تلامذته: روى عنه: أبو عمرو بن العلاء، وسلام الطويل، ويونس بن عبيد، وعاصم الجحدري، وسمع منه عيسى بن عمر النحوي، وغيرهم. - مناقبه ومآثره: قال ابن الجزري: السيد الإمام أبو سعيد البصري، إمام زمانه علمًا وعملًا، وهو من خيرة التابعين. وأخبار علمه وزهده معروفة يُضرب بها المثل، وإذا أطلق "الحسن" عند أهل الحديث فهو المراد به، مناقبه جليلة، وأخباره طويلة، كان فصيح العبارة، سليم اللغة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: لو أشاء أقول: إن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت: لفصاحته.

- ولادته ووفاته: ولد سنة 21هـ لستنين بقيتا من خلافة عمر -رضي الله عنه- وتوفي سنة 110هـ1. - أشهر رواته: اشتهرت قراءته بروايتي: البلخي والدوري، وهما ليسا من تلاميذه. 1- البلخي: وهو أبو نعيم شجاع بن أبي نصر البلخي البغدادي، المقرئ، الزاهد. عرض على أبي عمرو بن العلاء -وهو من جلة أصحابه- وسمع من عيسى الثقفي، وحدث عن الأعمش وغيره. روى القراءة عنه: أبو عبيد القاسم بن سلام، ومحمد بن غالب، والقاسم بن علي، وأبو عمر الدوري، وغيرهم. زاهد، ثقة كبير. سُئل عنه الإمام أحمد فقال: بخ بخ، وأين مثله اليوم؟ ولد ببلخ سنة 120هـ، وتوفي ببغداد سنة 190هـ، وله سبعون سنة2. 2- الدوري: وهو أبو عمر حفص بن عمر الدوري -أحد راويي أبي عمرو البصري- وقد سبقت ترجمته في المبحث الأول من هذا الفصل3.

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 235، والأعلام 2/ 226، ومعرفة القراء الكبار 1/ 65، وقد استوعب الذهبي سيرته في "سير أعلام النبلاء". 2 انظر: غاية النهاية 1/ 324، ومعرفة القراء الكبار 1/ 162. 3 راجع ص337 من هذا الكتاب.

رابعا: الإمام سليمان بن مهران الأعمش

رابعًا: الإمام سليمان بن مهران الأعمش "61-148هـ" - اسمه ونسبه وشهرته: هو أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش الأسدي الكاهلي -ولاءً- الكوفي، مولى بني أسد. - شيوخه: أخذ القراءة عرضًا عن: إبراهيم النخعي، وزر بن حبيش، وعاصم بن أبي النجود، ومجاهد بن جبر، ويحيى بن وثاب، وأبي العالية الرياحي، وغيرهم. وروى عن: عبد الله بن أبي أوفَى، وأبي وائل، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وأبي عمرو الشيباني، وخلق آخرين. - تلامذته: روى القراءة عنه عرضًا وسماعًا: حمزة الزيات -أحد

القراء السبعة- وابن أبي ليلى، وزائدة بن قدامة، وعرض عليه: طلحة بن مصرف، وإبراهيم التميمي، ومنصور بن المعتمر، وروى الحروف عنه: محمد بن عبد الله المعروف بزاهر، ومحمد بن ميمون، وغيرهم. - مناقبه ومآثره: كان -رحمه الله- حافظًا متثبتًا، واسع العلم بالقرآن، ورعًا ناسكًا، مجانبًا للسلاطين، وكان يسمى بـ"المصحف"؛ لشدة إتقانه، وضبطه، وتحريه. قال هشام: ما رأيت بالكوفة أحدًا أقرأ لكتاب الله -تعالى- من الأعمش. رُوي عنه أنه قال: إن الله -تعالى- زين بالقرآن أقوامًا، وإنني ممن زينه الله بالقرآن، ولولا ذلك لكان على عنقي "دَنّ"1 أطوف به في سكك الكوفة. له نوادر كثيرة؛ منها: أنه خرج يومًا إلى الطلبة، فقال: لولا أن في منزلي مَن هو أبغض إليَّ منكم ما خرجت إليكم.

_ 1 في القاموس المحيط: "الدن" الراقود العظيم، أو أطول من الحب أو أصغر، له عُسعُس لا يقعد إلا أن يحفر له. وفي المصباح المنير: "الدن" كهيئة الحب إلا أنه أطول منه وأوسع رأسًا، والجمع: دِنَان.

- ولادته ووفاته: ولد سنة 61هـ، وتوفي في ربيع الأول سنة 148هـ1. - أشهر رواته: اشتهرت قراءته بروايتي: الشنبوذي والمطوعي، بسندهما إلى ابن قدامة عنه. 1- الشنبوذي: هو أبو الفرج محمد بن أحمد بن إبراهيم الشنبوذي البغدادي الشطوي. والشنبوذي نسبة إلى "ابن شنبوذ" المقرئ المعروف؛ لكثرة ملازمته له بحيث كان يعتبر غلامًا له. أخذ القراءة عرضًا عن: ابن مجاهد، وأبي بكر النقاش، وأبي الحسن بن الأخرم، وأبي الحسن بن شنبوذ -وإليه نُسب- وأبي بكر بن مقسم العطار، وأبي بكر محمد بن الحسن الأنصاري، وغيرهم. وقرأ عليه: الأهوازي، وأبو العلاء محمد بن علي الواسطي، وعلي بن القاسم الخياط، وغيرهم. وهو أستاذ من أئمة القراءات، رحل ولقي الشيوخ، وأكثر وتبحَّر في القراءات والتفسير، وقد اشتهر اسمه

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 315، 316، ومعرفة القراء الكبار 1/ 94-96، والأعلام 3/ 135.

وطال عمره مع علمه بعلل القراءات، وكان يحفظ خمسين ألف بيت من الشعر شواهد للقرآن الكريم. قال الداني: هو إمام، نبيل، مشهور، حافظ، ماهر، حاذق. ولد سنة 300هـ، وتوفي في صفر سنة 388هـ1. 2- المطوعي: هو أبو العباس الحسن بن سعيد بن جعفر العبَّاداني العمري المطوعي البصري. قرأ على: إدريس بن عبد الكريم، وأحمد بن الحسين الحريري، ويوسف بن يعقوب الواسطي، وابن شنبوذ، وابن مجاهد، ومحمد بن أحمد الصوري -صاحب ابن ذكوان- وأحمد بن فرح المفسر وغيرهم. وقرأ عليه: أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي، وأبو زرعة الخطيب، ومحمد بن الحسين الكارزيني -وهو آخِر مَن تلا عليه- وروى عنه الحروف: الحسين بن محمد الكارزيني، وغيرهم. هو إمام عارف ثقة في القراءة، اعتنى بالفن ورحل فيه إلى الأقطار ولقي الكبار فتبحَّر فيه، وقد جمع وصنف، وهو مؤلف كتاب: معرفة اللامات وتفسيرها، وعمَّر دهرًا طويلًا، وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات في زمانه، وكان

_ 1 راجع: غاية النهاية 2/ 50، 51، ومعرفة القراء الكبار 1/ 333، 334.

أبوه واعظًا محدثًا، وكان هو سبب إعانته على الرحلة، وكان رأسًا في القرآن. وُلد في حدود سنة 270هـ، وتوفي سنة 371هـ، وقد جاوز المائة1.

_ 1 راجع: غاية النهاية 1/ 213-215، ومعرفة القراء الكبار 1/ 317-319.

المبحث الثالث: بعض أعلام القراء

المبحث الثالث: بعض أعلام القراء أولا: الإمام ابن مجاهد ... المبحث الثالث: تراجم بعض أعلام القراء أولًا: الإمام ابن مجاهد البغدادي "245-324هـ" - اسمه ونسبه وشهرته: هو أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي، شيخ الصنعة، ومسبع السبعة. - ولادته: وُلد بسوق العطش من بغداد سنة 245هـ. - شيوخه: قرأ على كثير من الأعلام؛ منهم: 1- عبد الرحمن بن عبدوس أبو الزعراء البغدادي، تُوفي في بضع وثمانين ومائتين، قرأ عليه عشرين ختمة لنافع، وعليه اعتماده في العرض. 2- أبو عمر قنبل المكي -أحد راويي ابن كثير المكي- "ت291هـ". 3- عبد الله بن كثير المؤدب -من أصحاب أبي أيوب الخياط- منه تعلم عامة القرآن، ووصفه بشيخ صدوق1. روى الحروف سماعًا عن: 4- محمد بن يحيى الكسائي الصغير "ت288هـ". 5- أحمد بن فرح البغدادي -أحد راويي اليزيدي- "ت303هـ".

_ 1 انظر: السبعة 99.

6- إدريس بن عبد الكريم الحداد -أحد راويي خلف- "ت292هـ". - تلامذته: قرأ عليه أعلام كثيرون؛ منهم: 1- أحمد بن نصر الشذائي البصري "ت370هـ". 2- الحسن بن سعيد المطوعي العباداني العمري البصري -أحد راويي الأعمش- "ت371هـ". 3- الحسين بن حمدون بن خالويه، النحوي، الحلبي، توفي بعد 360هـ. 4- علي بن إسحاق بن يزيد الحلواني. 5- علي بن سعيد بن الحسن بن ذؤابة، البغدادي، القزاز، توفي قبل 340هـ. 6- محمد بن أحمد الشنبوذي -أحد راويي الأعمش- "ت388هـ". 7- محمد بن الحسن النقاش -أخذ عن ابن مجاهد وروى عنه ابن مجاهد- "ت351هـ". 8- أبو عبد الله محمد بن الحسين الفارسي الكارزيني، كان حيًّا في سنة 440هـ. - مناقبه ومآثره: أقبل على حفظ القرآن، وطلب العلوم منذ نعومة أظفاره،

كما أقبل على أساتذة النحو الكوفيين، وسمع الحديث، وأخذ القراءات من طائفة ذكرهم في صدر كتابه "السبعة". وتصدر للإقراء، فازدحم عليه أهل الأداء، ورُحل إليه من الأقطار، وقرأ عليه خلق لا يحصون، كان حجة في القراءات والحديث، وثقة علامة كبيرًا. قال الداني: فاق ابن مجاهد في عصره سائر نظائره من أهل صناعته، مع اتساع علمه، وبراعة فَهْمِه، وصدق لهجته، وظهور نسكه ... وقال ثعلب: ما بقي في عصرنا هذا أعلم بكتاب الله من أبي بكر بن مجاهد. وقال ابن النديم: آخر من انتهت إليه الرياسة بمدينة السلام ... وكان واحد عصره غير مدافع، وكان مع فضله وعلمه وديانته ومعرفته بالقراءات وعلوم القرآن: حسنَ الأدب، رقيق الخلق، كثير المداعبة، ثاقب الفطنة، جوادًا ... وقال ابن الجزري: وبعد صيته، واشتهر أمره، وفاق نظراءه مع الدين والحفظ والخير، ولا أعلم أحدًا من شيوخ القراءات أكثر تلاميذ منه، ولا بلغنا ازدحام الطلبة على أحد كازدحامهم عليه. حكى ابن الأخرم: أنه وصل إلى بغداد

فرأى في حلقة ابن مجاهد نحوًا من ثلاثمائة مصدر. وقال علي بن عمر المقرئ: كان ابن مجاهد له في حلقته أربعة وثمانون خليفة يأخذون على الناس. من تآليفه: 1- كتابه "السبعة" وهو في غنى عن تعريفه. 2- كتاب "القراءات الكبير". 3- كتاب "قراءة علي بن أبي طالب" رضي الله عنه. 4- "كتاب الياءات". 5- كتاب الهاءات". 6- كتاب "قراءة النبي صلى الله عليه وسلم". - وفاته: توفي يوم الأربعاء، وقت الظهر في 20/ 8/ 324هـ، ودفن في حرم دراه بسوق العطش ثاني يوم وفاته1.

_ 1 راجع لترجمته: غاية النهاية 1/ 139-142، شذارت الذهب 2/ 302، معرفة القراء الكبار 1/ 269، الفهرست لابن النديم 47، مقدمة "كتاب السبعة" 16 وما بعدها، وجمال القراء 2/ 432.

ثانيا: الإمام مكي بن أبي طالب القيسي

ثانيًا: الإمام مكي بن أبي طالب القيسي "355-437هـ": - اسمه ونسبه وشهرته: هو مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار، القيسي، المغربي، القيراوني، ثم الأندلسي، القرطبي. كنيته: أبو محمد، ويرجع في نسبه إلى قبائل قيس عيلان التي جاءت مع الفتح الإسلامي. - ولادته: ولد سنة 355هـ بالقيروان، فهو مغربي المولد وأندلسي المنزل. - شيوخه: أخذ القراءات عن: 1- أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون "ت389هـ". 2- وابنه طاهر بن عبد المنعم بن غلبون "ت399هـ". 3- أبي عدي عبد العزيز بن علي بن أحمد "ت381هـ". وسمع من: 4- أبي بكر محمد بن علي الأُذفَوي "ت388هـ". 5- أحمد بن فراس المكي العبقسي "ت405هـ". 6- أبي القاسم عبيد الله السقطي المكي. 7- أبي محمد بن أبي زيد القيرواني. - تلامذته: قرأ عليه كثيرون؛ منهم: 1- يحيى بن إبراهيم بن البياز "ت496هـ". 2- موسى بن سليمان اللخمي "ت494هـ".

3- أبو بكر محمد بن المفرج البطليوسي الربويله "ت494هـ". 4- محمد بن أحمد بن مُطَرِّف الكناني "ت454هـ". 5- عبد الله بن سهل الأنصاري الأندلسي "ت480هـ". - مناقبه ومآثره: كان -رحمه الله- إمامًا في القراءات، علامة في الفنون، متبحرًا في علوم القرآن والعربية، حسن الفهم والخُلُق، جيد الدين والعقل، كثير التأليف في علوم القرآن، محسنًا مجودًا، عالمًا بمعاني القراءات، لقد أمضى نحو ربع قرن ينتقل هنا وهناك لغرض العلم ولقاء العلماء. سافر إلى مصر -للتحصيل- وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وتردد إلى المؤدبين، وأكمل القرآن، ورجع إلى القيروان، ثم رحل إلى مصر للقراءات سنة 376هـ، وحج في رحلته هذه، ثم حج مرة ثانية في سنة 387هـ، وجاور ثلاثة أعوام، وأخذ العلم عن علماء مكة، ودخل الأندلس سنة 393هـ، وجلس للإقراء بجامع قرطبة، فاشتهر اسمه، قلده أبو الحزم جهور خطابة قرطبة، وكان خيِّرًا متدينًا، مشهورًا بالصلاح وإجابة الدعوة، ذا همة عالية. وتواليفه تزيد عن ثمانين تأليفًا؛ منها: 1- التبصرة في القراءات السبع، مطبوع بتحقيق د/ محمد غوث الندوي، في مجلد.

2- الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، مطبوع في مجلدين. 3- مشكل إعراب القرآن، مطبوع بتحقيق د/ حاتم صالح الضامن، في مجلدين. 4- الرعاية في التجويد، مطبوع. 5- الإبانة عن معاني القراءات، مطبوع بتحقيق د/ محيي الدين رمضان، وبتحقيق د/ عبد الفتاح شلبي. وغيرها من التآليف الكثيرة المشهورة. - وفاته: تُوفي في ثاني المحرم سنة 437هـ1.

_ 1 راجع: غاية النهاية 2/ 309، 310، ومعرفة القراء الكبار 1/ 394-396، والأعلام 7/ 286، ومقدمة كتاب "التبصرة" بقلم د/ محمد غوث الندوي.

ثالثا: الإمام أبو عمرو الداني

ثالثًا: الإمام أبو عمرو الداني "371-444هـ": - اسمه ونسبه وشهرته: هو أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمرو الداني، الأموي -مولاهم- القرطبي، المعروف في زمانه بـ"ابن الصيرفي المالكي"؛ لأن والده كان يشتغل ببيع العملة، وتحويلها في قرطبة، وعرف بـ"الداني" لسكناه بـ"دانية" واستيطانه بها في آخر حياته حتى الوفاة بها. و"دانية": مدينة عظيمة بالأندلس من أعمال بلنسية على ساحل البحر الرومي1. - ولادته: ولد سنة 371هـ بمدينة "قرطبة" عاصمة الخلافة الأموية وحاضرتها في الأندلس، ومدينة العلم والعلماء، وبها نشأ. - شيوخه: بدأ يطلب العلم وهو ابن أربع عشرة سنة، ولازم الشيخ محمد بن عبد الله بن أبي زمنين الإلبيري، وأخذ القراءة عن كثيرين؛ منهم: 1- أبي القاسم خلف بن إبراهيم بن خاقان المصري الخاقاني "ت402هـ" وعليه اعتمد في قراءة ورش في كتابه "التيسير" وغيره من كتبه. 2- أبي القاسم عبد العزيز بن جعفر بن خواستي الفارسي البغدادي "ت412هـ". 3- أبي الفتح فارس بن أحمد بن موسى الحمصي "ت401هـ". 4- أبي الحسن طاهر بن غلبون الحلبي -نزيل مصر- "ت399هـ". 5- عبيد الله بن سلمة بن حزم اليحصبي الأندلسي -وهو الذي

_ 1 معجم البلدان للحموي 2/ 540.

علمه عامة القرآن- "ت450هـ". - تلامذته: قرأ عليه أعلام كثيرون؛ منهم: 1- أبو داود سليمان بن نجاح الأموي -وهو من أجل أصحابه- "ت496هـ". 2- أحمد بن عثمان بن سعيد -ولده- "ت471هـ". 3- محمد بن يحيى بن مزاحم الأنصاري الخزرجي الطليلطي "ت502هـ". 4- أبو الحسين يحيى بن إبراهيم البياز المرسي "ت496هـ". 5- أبو عبد الله محمد بن عيسى بن فرج التجيبي المغامي الطليطلي "ت485هـ". - مناقبه ومآثره: قال ابن الجزري: الإمام، العلامة، الحافظ، أستاذ الأستاذين، وشيخ مشائخ المقرئين. أخذ القراءات، وسمع الحديث من جماعة، وبرز فيه وفي أسماء رجاله، وفي القراءات عِلْمًا وعَمَلًا، وفي الفقه والتفسير وسائر أنواع العلوم. قال ابن بشكوال: كان أحد الأئمة في: علم القرآن، ورواياته، وتفسيره، ومعانيه، وطرقه، وإعرابه، وجمع في ذلك تواليف حسانًا يطول تَعْدَادُهَا ... وكان حسن الخط، جيد

الضبط، من أهل الحفظ والذكاء، والتفنن، دَيِّنًا، فاضلًا، ورعًا، سُنيًّا، وكان مجاب الدعوة. وقال الداني عن نفسه: ابتدأت بطلب العلم في سنة 386هـ، ورحلت إلى المشرق سنة 397هـ، ودخلت مصر في شوال منها، فمكثت بها سنة، وحججت، ودخلت الأندلس في ذي القعدة سنة 399هـ، وخرجت إلى الثغر سنة 403هـ فسكنت سرقسطة سبعة أعوام، ثم رجعت إلى قرطبة. قال: وقدمت "دانية" سنة 417هـ. فاستوطنها حتى مات. وكان يقول رحمه الله: ما رأيت شيئًا إلا كتبته، ولا كتبته إلا حفظته، ولا حفظته فنسيته. وكان يسأل عن المسألة مما يتعلق بالآثار وكلام السلف، فيوردها بجميع ما فيها مسندة من شيوخه إلى قائلها. قال ابن الجزري: ومَن نظر في كتبه علم مقدار الرجل وما وهبه الله تعالى فيه، فسبحان الفتاح العليم. - مؤلفاته: لقد ألف الداني مؤلفات رائعة، تزيد على 120 كتابًا، وأكثرها مفقود، والموجود منها في مكتبات العالم 29 كتابًا؛ منها:

1- "جامع البيان" في القراءات السبعة1. 2- "التيسير" في القراءات السبع، مطبوع. 3- "الاقتصاد" منظومة في القراءات السبع. 4- "إيجاز البيان" في قراءة ورش. 5- "التلخيص" في قراءة ورش. 6- "المقنع" في رسم المصحف، مطبوع. 7- "المحكم" في النقط، مطبوع. 8- "المحتوى" في القراءات الشاذة. 9- "الأرجوزة" في أصول السنة. 10- "طبقات القراء". 11- "المكتفي" في الوقف والابتداء، مطبوع في مجلد. 12- شرح قصيدة الخاقاني. 13- "التحديد في الإتقان والتجويد". 14- الفرق بين الضاد والظاء، مطبوع. وغيرها من المؤلفات النافعة. - وفاته: تُوفي بـ"دانية" يوم الاثنين منتصف شوال سنة 444هـ، ودفن من يومه بعد العصر، ومشى صاحب "دانية" أمام نعشه، وشيعه خلق عظيم، رحمه الله تعالى2.

_ 1 لقد بدأ تحقيق هذا الكتاب في الدراسات العليا بقسم الكتاب والسنة بجامعة أم القرى، وتناوله عدد من إخواننا، ولعل الله أن يوفقهم بإتمامه ونشره عن قريب، فيطفئ به أهل القرآن ظمأهم. 2 راجع لترجمته: غاية النهاية 1/ 503-505، ومعرفة القراء الكبار 1/ 406، والأعلام 4/ 206، ومقدمة كتاب "التيسير" ومقدمة "المكتفي" 27-44.

رابعا: الإمام الشاطبي

رابعًا: الإمام الشاطبي "538-590هـ": - اسمه ونسبه وشهرته: هو أبو القاسم القاسم بن فيره2 بن خلف بن أحمد الشاطبي، الرُّعَيني الأندلسي، الضرير. - ولادته: ولد في آخر سنة 538هـ بشاطبة من قرى الأندلس. - شيوخه: أخذ القراءات، وروى الحديث عن كثير من الأعلام؛ ومن أبرزهم: 1- أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي العاص النفزي، الشاطبي، المعروف بابن اللايه، تُوفي في بضع وخمسين وخمسمائة، أتقن عليه القراءات بشاطبة.

_ 1 راجع لترجمته: غاية النهاية 1/ 503-505، ومعرفة القراء الكبار 1/ 406، والأعلام 4/ 206، ومقدمة كتاب "التيسير" ومقدمة "المكتفي" 27-44. 2 فيره: بكسر الفاء، وتشديد الراء مضمومة، آخرها هاء، ومعناه بلغة عجم الأندلس: الحديد.

2- أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن هذيل البلنسي "ت564هـ". 3- أبو طاهر السلفي الإسكندري "ت576هـ". 4- أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة الإشبيلي التلمساني "ت600هـ". 5- أبو الحسن علي بن عبد الله بن خلف بن النعمة الأنصاري البلنسي "مصنف ري الظمآن في التفسير" "ت567هـ". - تلامذته: قرأ عليه كثيرون بالروايات والقراءات؛ منهم: 1- أبو موسى عيسى بن يوسف المقدسي. 2- أبو القاسم عبد الرحمن بن سعد الشافعي. 3- أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي -وهو من أجل أصحابه- "ت643هـ". 4- أبو عبد الله محمد بن عمر القرطبي "ت631هـ". 5- الكمال علي بن شجاع الضرير -صهره- "ت661هـ". 6- أبو عمرو عثمان بن عمر بن الحاجب "ت646هـ"، وقرأ عليه بعض القراءات وسمع عليه القصيد والتيسير. - مناقبه ومآثره: وهو الإمام العلامة، أحد الأعلام الكبار والمشهورين في الأقطار.

قرأ القراءات بشاطبة، وأتقنها هناك، ثم رحل إلى "بلنسية" بالقرب من شاطبة، فأخذ القراءات وسمع الحديث من ابن هذيل، ثم رحل للحج فسمع من السلفي وغيره بالإسكندرية، ولما دخل مصر أكرمه القاضي الفاضل، وعرف مقداره، وأنزله بمدرسته التي بناها بدرب الملوخية -داخل القاهرة- وجعله شيخها، وبها نظم قصيدته: اللامية "الشاطبية" والرائية "عقيلة"، وهناك جلس للإقراء فقصده الخلائق من الأقطار، ولما فتح صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس توجه إليه فزاره سنة 589هـ، ثم رجع فأقام بالمدرسة الفاضلية يقرئ حتى توفي. قال ابن الجزري: كان إمامًا كبيرًا، أعجوبة في الذكاء، كثير الفنون، آية من آيات الله تعالى، غاية في القراءات، حافظًا للحديث، بصيرًا بالعربية، إمامًا في اللغة، رأسًا في الأدب، مع الزهد والولاية والعبادة والانقطاع، مواظبًا على السنة. وكان ضريرًا -ولد أعمى- ولكن لا يظهر منه ما يظهر من الأعمى من حركات، وكان لا يتكلم إلا بما تدعو إليه الضرورة، وكان يمنع جلساءه من الخوض إلا في العلم والقرآن، وكان يصلي الصبح بغلس بالفاضلية ثم يجلس للإقراء، فكان الناس يتسابقون السرى إليه ليلًا، وكان إذا

قعد لا يزيد على قوله: من جاء أولا فليقرأ، ثم يأخذ على الأسبق فالأسبق ... قال ابن الجزري: ومن وقف على قصيدته "اللامية والرائية" علم مقدار ما آتاه الله في ذلك، خصوصًا "اللامية" التي عجز البلغاء من بعده عن معارضتها؛ فإنه لا يعرف مقدارها إلا من نظم على منوالها، أو قابل بينها وبين ما نظم على طريقها، ولقد رزق هذا الكتاب من الشهرة والقبول ما لا أعلمه لكتاب غيره في هذا الفن؛ بل أكاد أن أقول: ولا في غير هذا الفن؛ فإنني لا أحسب أن بلدًا من بلاد الإسلام يخلو منه؛ بل لا أظن أن بيت طالب علم يخلو من نسخة منه، ولقد تنافس الناس فيها، ورغبوا من اقتناء النسخ الصحاح بها إلى غاية أنه كانت عندي نسخة باللامية والرائية بخط الحجيج صاحب السخاوي مجلدة فأعطيت بوزنها فضة فلم أقبل ... وقد بارك الله له في تصنيفه وأصحابه، فلا تعلم أحدًا أخذ عنه إلا قد أنجب. وقد تسابق العلماء قديمًا وحديثًا في شرح قصديته -خصوصًا اللامية- وأول مَن تصدَّى لشرحها تلميذه الإمام السخاوي، ثم الإمام أبو شامة المقدسي، ثم الإمام الجعبري، وهو أدق الشروح، وأغزرها مادة، وأكثرها فائدة. وشرحها من المتأخرين والمعاصرين: الشيخ علي

محمد الضباع، والشيخ عبد الفتاح القاضي، رحمهم الله جميعًا. وقد نقل الإمام القرطبي: أن الإمام الشاطبي لما فرغ من تصنيف الشاطبية ونظمها، طاف بها حول الكعبة مرارًا عديدة، وكلما جاء في أماكن الدعاء دعا بقوله: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب هذا البيت العظيم، انفع بها كل مَن قرأها. - وفاته: توفي -رحمه الله- في الثامن والعشرين من جُمادى الآخرة سنة 590هـ بالقاهرة، ودفن بالقرافة -بين مصر والقاهرة- بمقبرة القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني1.

_ 1 راجع لترجمته: غاية النهاية 2/ 20-23، ومعرفة القراء الكبار 2/ 573-575، والأعلام 5/ 180.

خامسا: الإمام ابن الجزري

خامسًا: الإمام ابن الجزري "751-833هـ" - اسمه ونسبه وشهرته: هو أبو الخير، شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف العمري، الدمشقي، الشيرازي، المعروف بـ"ابن الجزري"، و"الجزري" نسبة إلى جزيرة ابن عمران، في نهر دجلة، قرب الموصل. - ولادته: ولد في دمشق، ليلة السبت الخامس والعشرين من رمضان سنة 751هـ، داخل خط القصاعين بين السورين بدمشق. - شيوخه: حفظ القرآن الكريم، وأخذ القراءات، وسمع الحديث من عدد من الشيوخ في دمشق ومصر والحجاز؛ منهم: 1- أبو محمد عبد الوهاب بن يوسف بن السلار "698-782هـ" وهو أول شيخ له انتفع به ولازمه في صغر سنه. 2- أحمد بن إبراهيم بن الطحان المنبجي "702-782هـ". 3- أحمد بن رجب بن الحسن السلامي البغدادي "ت775هـ". 4- إبراهيم بن عبد الله الحموي المؤدب "ت773هـ"، تعلم منه التجويد وكان أعلم بدقائقها. 5- أبو المعالي بن اللبان: محمد بن أحمد الدمشقي "715-776هـ". 6- أبو عبد الله محمد بن صالح المدني، الخطيب والإمام بالمسجد النبوي "ت785هـ". 7- أبو بكر عبد الله بن أيدغدى بن عبد الله الشمسي الشهير

بابن الجندي "699-799هـ". 8- أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الصائغ الحنفي "704-776هـ". 9- أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن علي البغدادي، الواسطي المصري "702-781هـ". 10- ضياء الدين سعد الله القزويني. - تلامذته: قرأ عليه القراءات جماعات في مصر والشام وغيرها من البلاد التي طاف بها؛ ومن أبرزهم أبناؤه: 1- أبو بكر أحمد بن محمد بن الجزري. 2- أبو الفتح محمد بن محمد بن الجزري "777-814هـ". 3- أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري "789- ... ". 4- محمود بن الحسين بن سليمان الشيرازي. 5- الخطيب مؤمن بن علي الرومي. 6- عبد القادر بن طلة الرومي. 7- جمال الدين محمد بن محمد الشهير بـ"ابن افتخار" الهروي. - مناقبه ومآثره: هو الإمام العلامة، الحافظ، المقرئ، الحجة، محقق علم القراءات، ورائد نهضة علومها في زمانه، تعلَّم العلوم

منذ صغره، وطاف البلاد للتحصيل والتدريس، تنقل بين دمشق والقاهرة والإسكندرية يطلب العلم والقراءات؛ ففي دمشق: درس الحديث والفقه، وفي القاهرة: درس البلاغة وأصول الفقه، وفي الإسكندرية: حضر على تلاميذ ابن عبد السلام، وفي تلك الفترة أجيز في الإفتاء من عدد من العلماء: منهم الحافظ ابن كثير صاحب التفسير، تصدر للإقراء في دمشق وغيرها مدة من الزمن، وعين قاضيًا بها سنة 793هـ، وفي سنة 798هـ صودرت أملاكه في القاهرة، فذهب إلى الروم، وانتفع به أهلها هناك، وبعد الفتنة التيمورية التي وقعت في سنة 805هـ، انتقل ابن الجزري مع تيمورلنك إلى بلاد العجم، فولي القضاء بشيراز مدة طويلة، واستفاد منه أهلها، ثم أوفده تيمور إلى مدينة "كش" ثم إلى "سمرقند" فألقى دورسًا، ولقي الشريف الجرجاني. وبعد وفاة تيمور في سنة 807هـ تنقل بين عدد من المدن، واستقر أخيرًا في "شيراز" حيث درَّس مدة من الزمن، وأكره على قضائها، وفي سنة 823هـ تنقل بين شيراز والبصرة والمدينة، وكانت شيراز خاتمة مطافه؛ حيث توفي فيها في ربيع الأول سنة 833هـ، ودُفن بمدرسته التي بناها بها.

- مؤلفاته: ألَّف مؤلفات عديدة بلغت نحوًا من ثمانين كتابًا1، أقبل عليها العلماء وتناقلوها بين البلدان، وأكثر كتبه في القراءات نظمًا وشرحًا، واختصارًا وتحقيقًا، ومنها في التراجم، والطبقات، والحديث، والسيرة، والتاريخ، والمواعظ. وأهم مؤلفاته: 1- النشر في القراءات العشر، مطبوع في مجلدين. 2- تقريب النشر، مطبوع في مجلد. 3- تحبير التيسير، مطبوع في مجلد. 4- طيبة النشر في القراءات العشر، منظومة ألفية، مطبوعة ومتداولة. 5- الدرة المضيئة في القراءات الثلاث، منظومة في 241 بيتًا، مطبوعة ومتداولة. 6- منجد المقرئين، رسالة تتعلق بأقسام القراءات وبيان تواترها وطبقات القراء، مهمة للغاية، طبعت بتحقيق د/ عبد الحي الفرماوي، وقد كانت مطبوعة قبل ذلك بدون تحقيق. 7- المقدمة فيما على القارئ أن يعلمه، أشهر منظومة في التجويد، مطبوعة متداولة، وعليها شروح عديدة، من أشهرها: شرح ملا علي القارئ، وشرح شيخ الإسلام

_ 1 انظر: مقدمة كتاب "التمهيد" لمحققه د/ غانم قدوري الحمد ص17.

زكريا الأنصاري. 8- غاية النهاية في طبقات القراء، أوسع كتاب في طبقات القراء، مطبوع في مجلدين. 9- التمهيد في علم التجويد، مطبوع بتحقيق د/ علي البواب، وبتحقيق د/ غانم قدوري الحمد، وهو أول تأليف لابن الجزري. 10- الاهتداء في معرفة الوقف والابتداء. وغيرها من الكتب الكثيرة المفيدة1.

_ 1 راجع: غاية النهاية 2/ 247-251، ومقدمة النشر للشيخ الضباع 1/ د-ح، وشرح طيبة النشر للنويري ص19-25، وشذارت الذهب 7/ 205، 206.

سادسا: الإمام القسطلاني

سادسًا: الإمام القسطلاني "851-923هـ" - اسمه ونسبه وشهرته: هو الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني المصري، و"القسطلاني" نسبة إلى "قسطلية" إقليم بإفريقية على الراجح. - ولادته: ولد في "القاهرة" في 12/ 11/ 851هـ، ونشأ بها، فحفظ

القرآن الكريم والشاطبية، والطيبة في القراءات، وحفظ "الوردية" في النحو، ومتونًا أخرى في العلوم الإسلامية، ولقي شيوخًا كثيرين ممن كانوا يتصدرون في ساحات الجامع الأزهر. - شيوخه: قرأ بالسبع على السراج عمر بن قاسم الأنصاري الشاوي، وبالثلاث على الزين عبد الغني الهيثمي، وبالعشر على الشهاب بن أسد، وأخذ القراءات عن غيرهم كذلك، وقرأ الفنون على جماعة من أساتذته، وحج غير مرة فأخذ بمكة عن جماعة. - مناقبه ومآثره: لقد بدأ حياته بالوعظ والإرشاد، ولم يكن له نظير في الوعظ، وكان محدثًا مسندًا، ومما يدل على سَعَة علمه في الحديث: شرحه لصحيح الإمام البخاري، سماه: "إرشاد الساري" وهو من أجلِّ تصانيفه، واختصره فسماه: "الإسعاد في مختصر الإرشاد"، ولم يكمله، وشرح صحيح مسلم إلى أثناء كتاب "الحج"، ومن أنفع وأجل كتبه في القراءات: "لطائف الإرشاد لفنون القراءات". قال العلائي عنه: "كان فاضلًا محصلًا، دينًا عفيفًا ... ". وقال الشعراني: كان من أحسن الناس وجهًا، طويل

القامة، حسن الشيب، يقرأ بالأربع عشرة رواية، وكان صوته بالقرآن يُبكي الناس، إذا قرأ في المحراب تساقط الناس من الخشوع والبكاء. كان من أزهد الناس في الدنيا، منقادًا إلى الحق، من رد له سهوًا أو غلطًا يزيد في محبته؛ لاعتقاده أن: مَن ظن أنه أصبح عالمًا فقد جهل، ويدل ذلك على تواضعه، وخُلُقه الرفيع. ومما يدل على تواضعه مع أقرانه: أنه لما وقع بينه وبين السيوطي من تنافس علمي أدى إلى التباغض بينهما، قصد إزالة ما في خاطر السيوطي، فمشى من القاهرة إلى الروضة -إلى باب السيوطي- ودق الباب، فقال له: مَن أنت؟ فقال: أنا القسطلاني، جئت إليك حافيًا، مكشوف الرأس؛ ليطيب خاطرك عليَّ، فقال له: قد طاب خاطري عليك، ولم يفتح له الباب ولم يقابله. - مؤلفاته: ألف كتبًا كثيرة في: الحديث وروايته، والقراءات والاحتجاج لها، كما ألف في الأخلاق والسلوك؛ ومن أهمها: 1- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، مطبوع في عشرة مجلدات.

2- منهاج الابتهاج بشرح مسلم بن الحجاج، في ثمانية أجزاء. 3- لطائف الإشارات لفنون القراءات، طبع منه المجلد الأول. 4- المواهب اللدنية في المنح المحمدية، مطبوع في مجلدات. 5- اللآلئ السنية شرح المقدمة الجزرية. 6- فتح الداني في شرح حرز الأماني. - وفاته: أصيب القسطلاني بمرض الفالج في آخر أيامه، وتوفي في القاهرة ليلة الجمعة، ثامن المحرم سنة 923هـ. وقد حمل الناس نعشه، وصلوا عليه بالأزهر عقب صلاة الجمعة، ودفن بقبة قاضي القضاة بدر الدين العيني بقرب جامع الأزهر1.

_ 1 راجع لترجمته: مقدمة كتابه "لطائف الإشارات" لمحققيه: الشيخ عامر عثمان، ود/ عبد الصبور شاهين، والأعلام 1/ 232، والبدر الطالع 1/ 102، وشذارت الذهب 8/ 121.

سابعا: الإمام البنا الدمياطي

سابعًا: الإمام البنا الدمياطي "ت1117هـ" - اسمه ونسبه وشهرته: هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني، الشهير بـ"البنا" الدمياطي، الشافعي. - ولادته: ولد بدمياط، ونشأ بها، فحفظ القرآن الكريم وجوَّده، كما برع في علم القراءات، ومبادئ العلوم على مشائخ دمياط، ولم يذكر تاريخ ولادته. - شيوخه: ارتحل إلى القاهرة لطلب العلم فلازم علماءها، وتلقى عنهم: القراءات، والحديث، والفقه، والأصول، والتاريخ، والسير، وسائر العلوم الشرعية والعربية، ثم ارتحل إلى الحجاز وأخذ عن علمائها، وتوجه إلى اليمن فاستفاد من علمائها كذلك، وهكذا تلقى العلوم المختلفة عن كثير من علماء عصره؛ منهم: 1- الشيخ سلطان بن أحمد بن سلامة المزَّاحي، شيخ الإقراء بالقاهرة "ت1075هـ". 2- الشيخ علي بن علي الشبراملسي "ت1087هـ"، وهو المراد بقوله: "شيخنا" في الإتحاف.

3- الشيخ علي بن محمد بن عبد الرحمن نور الدين الأجهوري "ت1066هـ". 4- الشيخ برهان الدين الكوراني المدني. 5- الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عجيل، أبو الوفاء، اليمني "ت1074هـ". - مناقبه ومآثره: كان -رحمه الله- إمام القراء، عالمًا بمتواتر القراءات وشاذها، وعللها وحججها، وكان عالمًا بالتفسير والحديث، علامة في الفقه وسائر العلوم، وتدل مؤلفاته على سَعَة اطلاعه، وعلو منزلته، وقد اشتغل بالفنون، وبلغ من الدقة والتحقيق غاية قلَّ أن يدركها أحد من أمثاله، حتى كان الشيخ أبو النصر المنزلي يشهد له بأنه أدق من ابن قاسم العبادي. ولما رجع من اليمن أقام مرابطًا بقرية قريبة من البحر المالح تسمى بـ"عزبة البرج"، فاشتغل بها بالدعوة والإرشاد، والوعظ والنصيحة، وكثرت تلامذته إلى أن صاروا أئمة يُقتدَى بهم؛ منهم: الأستاذ الكبير أبو النور الدمياطي.

- مؤلفاته: من مؤلفاته: 1- إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر، وسماه: "منتهى الأماني والمسرات في علوم القراءات" مطبوع. 2- حاشية على شرح الجلال المحلي على الورقات في أصول الفقه، مطبوعة. 3- مختصر السيرة الحلبية. 4- الذخائر والمهمات فيما يجب الإيمان به من المسموعات. - وفاته: ارتحل إلى الحجاز مرة ثالثة، فحج وزار، وتوفي بالمدينة في المحرم سنة 1117هـ، ودفن بالبقيع مساءً1.

_ 1 راجع لترجمته: هداية القارئ للشيخ عبد الفتاح المرصفي 639، ومقدمة "الإتحاف" لمحققه الدكتور/ شعبان محمد إسماعيل 1/ 43-50، والأعلام 1/ 240.

خاتمة

خاتمة: هذا آخِرُ ما يسر الله -عز وجل- من جمع الصفحات وترتيبها، وتنقيحها وتهذيبها، وقد حاولت فيها توخي الاختصار، وعدم التطويل، إلا ما دعت إليه الضرورة، وفي ختمها أقول كما قال الشاطبي رحمه الله: وقد وفق الله الكريم بمنه ... لإكمالها حسناء ميمونة الجلا وتمت بحمد الله في الخَلْق سهلة ... منزهة عن منطق الهجر مقولا وليس لها إلا ذنوب وليّلها ... فيا طيِّبَ الأنفاس أحسن تأولا وقل رحم الله حيًّا وميتًا ... فتًى كان للإنصاف والحلم معقلا عسى الله يدني سعيه بجوازه ... وإن كان زيفًا غير خاف مزللا1 وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها خالصة لوجهه، مفيدة لطالبها، وأن يرزق لها القبول، ويعم بها النفع، ويجعلها في ميزان حسناتي، ويدخر الأجر والمثوبة لي ولوالدي

_ 1 الأبيات رقم: 1160، 1163-1166.

ولمشائخي وأساتذتي ولجميع من استفاد منها، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وصلى الله وسلم على سيدنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وقد وقع الفراغ من تبييضها ليلة الأربعاء 23/ 3/ 1415هـ بمكة المكرمة. كتبه: عبد القيوم بن عبد الغفور السندي خادم القراءات وعلومها بجامعة أم القرى - مكة المكرمة

ثبت المراجع

ثَبْتُ المراجع: 1- القرآن الكريم. 2- الإبانة عن معاني القراءات، مكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق د/ محيي الدين رمضان، ط: 1، عام: 1399هـ، دار المأمون للتراث، دمشق، وتحقيق د/ عبد الفتاح شلبي، ط: 3، عام: 1405هـ، المكتبة الفيصلية، مكة. 3- إبراز المعاني، أبو شامة المقدسي، تحقيق: إبراهيم عطوه عوض، ط: مصطفى البابي، مصر. 4- أبو علي الفارسي: حياته وآثاره، د/ عبد الفتاح شلبي، ط: 3، عام: 1409هـ، دار المطبوعات الحديثة، جُدَّة. 5- إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر، البنا الدمياطي، تحقيق د/ شعبان محمد إسماعيل، ط: 1، عام: 1407هـ، عالم الكتب ومكتبة الكليات الأزهرية. 6- الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، تحقيق د/ مصطفى ديب البغا، ط: 1، عام: 1407هـ، دار ابن كثير، دمشق، بيروت. 7- الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها، د/ حسن ضياء الدين عتر، ط: 1، عام: 1409هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت. 8- الإضاءة في بيان أصول القراءة، الشيخ علي محمد

الضباع، الناشر: عبد الحميد حنفي، القاهرة. 9- الأعلام، خير الدين الزركلي، ط: 6، عام: 1984م، دار العلم للملايين، بيروت. 10- الإقناع في القراءات السبع، أبو جعفر بن الباذش، تحقيق د/ عبد الحميد قطامش، ط: 1، عام: 1403هـ، دار الفكر، دمشق. 11- الإمالة في القراءات واللهجات العربية، د/ عبد الفتاح شلبي، ط: 3، عام: 1403هـ، دار الشروق، جدة. 12- البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، بعناية لجنة التصحيح، ط: مصطفى الباز، مكة المكرمة. 13- البدور الزاهرة، الشيخ عبد الفتاح القاضي، ط: 1، عام: 1375هـ، مصطفى البابي، مصر. 14- البرهان في علوم القرآن، شهاب الدين الزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط: مصطفى البابي، القاهرة. 15- بهجة النظر شرح نخبة الفكر، أبو الحسن السندي الصغير، تحقيق العلامة غلام مصطفى القاسمي السندي أكاديمية الشاه ولي الله، حيدر آباد، السند، باكستان.

16- تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة، شرح وتعليق السيد أحمد صقر، ط: 3، عام: 1401هـ، المكتبة العلمية، بيروت. 17- التبصرة في القراءات السبع، مكي بن أبي طالب، تحقيق د/ محمد غوث الندوي، ط: 2، عام: 1402هـ، الدار السلفية، بومبائي، الهند. 18- التبيان في آداب حملة القرآن، النووي، تحقيق: محمد الحجار، ط: 1، دار الصابوني. 19- التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن، الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط: 3، عام: 1412هـ، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب. 20- تحفة الأطفال في التجويد، سليمان الجمزوري "ضمن مجموعة المتون العشرة" جمع وترتيب: الشيخ علي محمد الضباع، ط عام: 1354هـ، مصطفى البابي، مصر. 21- التعريف بالقرآن والحديث، د/ محمد الزفزاف، ط: 2، عام: 1400هـ، المكتبة العلمية، بيروت. 22- التلخيص في القراءات الثمان، أبو معشر الطبري، تحقيق: محمد حسن موسى، ط: 1، عام: 1412هـ، من منشورات الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، جدة. 23- التمهيد في علم التجويد، ابن الجزري، تحقيق د/ علي حسن البواب، ط: 1، عام: 1405هـ، مكتبة

المعارف، الرياض، وتحقيق د/ غانم قدوري الحمد، ط: 1، عام: 1407هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. 24- التيسير في القراءات السبع، أبو عمرو الداني، تصحيح أوتويرتزل، ط عام: 1930م، إستانبول، ومنه أعيد طبعه بمكتبة المثنى ببغداد. 25- جامع البيان في تفسير القرآن، ابن جرير الطبري، دار المعرفة، بيروت. 26- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ط: دار الكتب المصرية، عام: 1372هـ. 27- جمال القراء وكمال الإقراء، علم الدين السخاوي، تحقيق د/ علي حسين البواب، ط:1، عام: 1408هـ، مكتبة التراث، مكة المكرمة. 28- جمع الجوامع، جلال الدين السيوطي. 29- حجة القراءات، أبو زرعة بن زنجلة، تحقيق: سعيد الأفغاني، ط مؤسسة الرسالة. 30- حرز الأماني "الشاطبية" أبو القاسم الشاطبي، ط عام: 1355هـ، مصطفى البابي، مصر. 31- حق التلاوة، حسني شيخ عثمان، ط: 9، عام: 1410هـ، مكتبة المنار، الأردن. 32- الدر المنثور، السيوطي، دار المعرفة، بيروت.

33- الدرة المضيئة، ابن الجزري، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر. 34- الدفاع عن القرآن، د/ أحمد مكي الأنصاري، ط عام: 1393هـ، دار المعارف، مصر. 35- رسم المصحف العثماني، د/ عبد الفتاح شلبي، ط: 2، عام: 1403هـ، دار الشروق، جدة. 36- رسم المصحف، د/ غانم قدوري الحمد، ط: 1، عام 1402هـ، اللجنة الوطنية، العراق. 37- روضة الناظر، ابن قدامة، ط عام: 1401هـ، مكتبة أحمد الباز، مكة المكرمة. 38- السبعة، ابن مجاهد، تحقيق د/ شوقي ضيف، ط: 2، دار المعارف. 39- سنن أبي داود، السجستاني، تحقيق وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا. 40- سنن ابن ماجه، القزويني، تحقيق وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا. 41- سنن الترمذي، إشراف: عزت عبيد الدعاس، المكتبة الإسلامية، إستابنول، تركيا. 42- سنن القراء ومناهج المجودين، د/ عبد العزيز القارئ،

ط: 1، عام: 1414هـ، مكتبة الدار. 43- السنن الكبرى، البيهقي، ط: 1، عام: 1344هـ، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند. 44- سنن النسائي، بحاشية السيوطي والسندي، بعناية وترقيم: عبد الفتاح أبو غدة، ط: 3، عام: 1409هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت. 45- شذارت الذهب، ابن العماد الحنبلي، ط: 1، عام: 1399هـ، دار الفكر، بيروت. 46- شرح طيبة النشر في القراءات العشر، أبو القاسم النويري، تحقيق: عبد الفتاح أبو سنة، ط عام: 1406هـ، المطابع الأميرية، القاهرة. 47- الصحاح، الجوهري. 48- صحيح ابن خزيمة، تحقيق د/ محمد مصطفى الأعظمي، ط: 1، عام: 1395هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 49- صحيح البخاري، المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا. 50- صحيح مسلم، تحقيق وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا. 51- طلائع البشر في توجيه القراءات العشر، محمد الصادق قمحاوي، ط: 1، مطبعة النصر، القاهرة. 52- طيبة النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، ط: 1،

عام: 1369هـ، القاهرة. 53- العميد في علم التجويد، الشيخ محمود علي بسة، تحقيق وتعليق: محمد الصادق قمحاوي، ط عام: 1412هـ، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة. 54- غاية النهاية في طبقات القراء، ابن الجزري، ط: 3، عام: 1402هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. 55- غيث النفع في القراءات السبع، علي الصفاقسي -على هامش: سراج القارئ لابن القاصح- تصحيح ومراجعة: الشيخ علي الضباع، ط عام: 1401هـ، دار الفكر، بيروت. 56- الفتاوى، شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع: عبد الرحمن بن قاسم، ط عام: 1380هـ، الرياض. 57- فتح الباري، ابن حجر، ط عام: 1380هـ، المكتبة السلفية، مصر. 58- الفهرست، ابن النديم، ط عام: 1398هـ، دار المعرفة، بيروت. 59- في رحاب القرآن الكريم، د/ محمد سالم محيسن، ط عام: 1400هـ، مكتبة الكليات الأزهرية. 60- في علوم القراءات، د/ السيد زرق الطويل، ط: 1، عام: 1405هـ، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة.

61- القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ط: 2، عام: 1407هـ، مؤسسة الرسالة ودار الريان للتراث. 62- القراءات: أحكامها ومصدرها، د/ شعبان محمد إسماعيل، سلسلة دعوة الحق رقم: 19، عام: 1402هـ، من منشورات رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة. 63- القراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب، الشيخ عبد الفتاح القاضي، ط: دار إحياء الكتب العربية. 64- القراءات القرآنية، د/ عبد الهادي الفضلي، ط عام: 1399هـ، دار المجمع العلمي، جدة. 65- القطع والاستئناف، ابن النحاس، تحقيق: أحمد خطاب العمر، ط: 1، عام: 1398هـ، ط: وزارة الأوقاف، بغداد. 66- قلائد الفكر في توجيه القراءات العشر، الدجوي وقمحاوي، ط مصر. 67- القول الجاذ لمن قرأ بالشاذ، النويري، تحقيق: عبد الفتاح أبو سنة. 68- كنز العمال، علي المتقي الهندي، ط: مؤسة الرسالة، بيروت. 69- كيف نتأدب مع المصحف؟ محمد رجب فرجاني، دار الاعتصام، القاهرة. 70- لسان العرب، ابن منظور الإفريقي، ط عام: 1413هـ،

مؤسسة التاريخ العربي، بيروت. 71- لطائف الإشارات لفنون القراءات، شهاب الدين القسطلاني، تحقيق: الشيخ عامر عثمان ود/ عبد الصبور شاهين، ط عام: 1392هـ، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة. 72- موطأ مالك، تصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة. 73- مباحث في علوم القرآن، الشيخ مناع القطان، ط: 14، عام: 1403هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. 74- مجاز القرآن، معمر بن المثنى، تعليق وتحقيق د/ محمد فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي، القاهرة. 75- مجلة كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، المدينة المنورة، العدد الأول، عام: 1402هـ. 76- مجمع الزوائد، نور الدين الهيثمي، مؤسسة المعارف، بيروت. 77- المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات، أبو الفتح بن جني، تحقيق لجنة ثلاثية، من منشورات إحياء التراث الإسلامي، عام: 1386هـ، القاهرة. 78- المدخل لدارسة القرآن الكريم، د/ محمد أبو شهبة، ط: 3، عام: 1407هـ، دار اللواء، الرياض.

79- المدخل والتمهيد في علم القراءات والتجويد، د/ عبد الفتاح شلبي، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة. 80- مراتب الإجماع، ابن حزم، دار الكتب العلمية، بيروت. 81- المرشد الوجيز، أبو شامة المقدسي، ط عام: 1395هـ، دار صادر، بيروت. 82- مسند أبي داود الطيالسي، دار الفكر، بيروت. 83- مسند أحمد، ط عام: 1398هـ، دار صادر، بيروت. 84- مستدرك حاكم النيسابوري، دار الكتب العلمية، بيروت. 85- المصباح المنير، أحمد الفيومي، مكتبة لبنان. 86- مصنف ابن أبي شيبة، تحقيق: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، من منشورات المجلس العلمي، الهند. 87- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ط: 2، عام: 1401هـ، دار الفكر، بيروت. 88- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، دار الدعوة، إستانبول، عام: 1986م. 89- معرفة القراء الكبار، شمس الدين الذهبي، تحقيق لجنة ثلاثية، ط: 1، عام: 1404هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. 90- مفتاح السعادة، طاش كبرى زادة، ط: 1، عام: 1405هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. 91- مقدمة ابن خلدون، دار الفكر، بيروت.

92- المقدمة فيما على قارئه أن يعلمه، ابن الجزري، ضمن مجموعة: إتحاف البررة للشيخ علي محمد الضباع، ط عام: 1354هـ، مصطفى البابي، مصر. 93- المقنع، أبو عمرو الداني، تحقيق: محمد دهمان، دار الفكر، بيروت. 94- المكتفي في الوقف والابتداء، أبو عمرو الداني، تحقيق د/ يوسف المرعشلي، ط: 1، عام: 1404هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. 95- مناهل العرفان في علوم القرآن، د/ محمد عبد العظيم الزرقاني، دار الفكر، بيروت. 96- منجد المقرئين ومرشد الطالبين، ابن الجزري، ط عام: 1400هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. 97- منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود، أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي، ط: 2، عام: 1400هـ، المكتبة الإسلامية، بيروت. 98- المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب، السيوطي، تحقيق: سمير حلبي، ط: 1، عام: 1408هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. 99- موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف، إعداد: محمد زغلول، ط: 1، عام: 1410هـ، عالم التراث، بيروت.

100- النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، تصحيح: الشيخ علي محمد الضباع، ط: دار الفكر، بيروت. 101- نكت الانتصار، الباقلاني. 102- نهاية القول المفيد في علم التجويد، محمد مكي نصر، تصحيح: علي الضباع، ط عام: 1349هـ، مصطفى البابي، مصر. 103- هداية القارئ إلى تجويد كلام البارئ، الشيخ عبد الفتاح المرصفي، ط: 1،عام: 1402هـ. 104- الوافي في شرح الشاطبية، الشيخ عبد الفتاح القاضي، ط: مكتبة عبد الرحمن محمد لنشر القرآن الكريم، مصر. 105- الوجيز في فضائل الكتاب العزيز، أبو عبد الله القرطبي الأندلسي، تحقيق د/ علاء الدين علي رضا، دار الحديث، القاهرة.

فهرس المحتويات

فهرس المحتويات: 1 مقدمة 6 عرض موجز لموضوعات الكتاب 8 الفصل الأول: تعريف القراءات وتأريخها المبحث الأول: 9 تعريف القراءات لغة واصطلاحًا 10 موضوع علم القراءات 11 توضيح بعض المصطلحات القرائية 17 علاقة القراءات بالقرآن الكريم 21 علاقة القراءات بالأحرف السبعة 23 مكانة علم القراءات 28 نشأة القراءات وتطورها 32 المراحل التي مرت بها القراءات 39 مرحلة التدوين في القراءات 42 ظهور فكرة تحديد القراءات 44 مرحلة تسبيع السبع 47 الأسس التي بنى عليها ابن مجاهد اختياره 49 تقييم عمل ابن مجاهد المبحث الثاني: 55 أركان القراءة الصحيحة

68 القراءات التي تتوفر فيها شروط القبول 70 جدول القراء السبعة ورواتهم وطرقهم 72 أشهر الكتب في القراءات المتواترة 76 أمثلة لبعض القراءات المتواترة المبحث الثالث: 79 القراءات الشاذة 80 تعريفها لغة واصطلاحًا 82 زمن شذوذ القراءات 85 مدى حجية القراءات الشاذة وحكم العمل بها 88 رواة القراءات الشاذة 89 أمثلة لبعض القراءات الشاذة المبحث الرابع: 93 حول حديث نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة 94 أهمية الحديث المذكور 96 بعض روايات حديث الأحرف السبعة 98 معنى الحرف لغة 100 المراد بـ"السبعة" 100 أقوال العلماء في المراد بالأحرف السبعة 101 نماذج من الأقوال التي لا يعتد بها ولا دليل عليها 103 مجمل الرد على الأقوال المذكورة

103 نماذج من الأقوال التي لها دليل في الجملة أو شبهة دليل 104 القول الأول: المراد بالأحرف السبعة: سبع لغات 105 القول الثاني: المراد بالأحرف السبعة: سبعة أوجه 111 مناقشة هذه الأقوال 114 القول الراجح في المراد بالأحرف السبعة 122 هل المصاحف العثمانية تشتمل على الأحرف السبعة أم لا؟ المبحث الخامس: 127 أوجه اختلاف القراءات 128 قول أبي حاتم السجستاني 131 قول أبي بكر الباقلاني 133 مآخذ على الأقوال في الأوجه المبحث السادس: 136 الحِكَم والفوائد في اختلاف القراءات المبحث السابع: 141 معالجة بعض الشبهات حول القراءات 142 الشبهة الأولى: حول مصدر القراءات 143 الرد على هذه الشبهة 146 الأدلة على أن مصدر القراءات: الوحي الرباني 151 هل يجوز الاجتهاد في القراءات؟

156 الشبهة الثانية: أسباب اختلاف القراءات وتعددها والرد على المستشرقين الفصل الثاني: 165 رسم المصحف المبحث الأول: 166 تعريف الرسم لغة واصطلاحًا 166 أقسام الرسم 167 المراد بالمصاحف العثمانية 168 قواعد الرسم المصحفي 169 توضيح القواعد وأمثلتها 172 فوائد الرسم العثماني المبحث الثاني: 175 حكم الالتزام برسم المصحف العثماني 176 قول الجمهور وأدلته 179 القول الثاني 180 القول الثالث 180 القول الراجح 182 تنبيه الفصل الثالث: 184 الترتيل وركناه

المبحث الأول: 185 مفهوم كلمة "الترتيل" 187 أهمية الترتيل 192 حكم الترتيل 194 مراتب الترتيل 196 ركنا الترتيل المبحث الثاني: 197 شرح الركن الأول: التجويد 198 تعريف التجويد لغة واصطلاحًا 198 حكم التجويد 199 واضع التجويد 199 التدوين في علم التجويد 203 اللحن: تعريفه، قسماه، حكم كل قسم 205 مباحث التجويد 207 جدول عام لأحكام التجويد 208 الركن الأول: مخارج الحروف 209 المخارج العامة وعددها 210 المخارج الخاصة وعددها 215 الركن الثاني: صفات الحروف 215 الصفات اللازمة

216 الصفات اللازمة المتضادة 218 الصفات اللازمة غير المتضادة 224 الصفات العارضة 224 الصفات العارضة المتضادة 224 1-2: المد والقصر وتعريف كل منهما لغة واصطلاحًا 225 تقسيم المد 226 جدول أقسام المد 227 المدود بالتفصيل 227 المد الأصلي: تعريفه وتقسيمه 227 الممدود الملحقة بالمد الطبيعي 228 المد الفرعي: تعريفه، وأقسامه 229 الممدود الفرعية بسبب الهمزة 231 الممدود الفرعية بسبب السكون 237 مراتب الممدود الفرعية 238 3-4: التفخيم والترقيق 239 تعريف التفخيم لغة واصطلاحًا 239 تعريف الترقيق لغة واصطلاحًا 239 مراتب التفخيم 241 أحكام الحروف التي قد تفخم وقد ترقق 241 الألف

241 اللام 241 الراء وحالاتها 244 خلاصة أحكام الراء 247 جدول أحكام الراء الصفات العارضة غير المتضادة: 248 أسماؤها وتعاريفها لغة واصطلاحًا 249 أحكام النون الساكنة والتنوين 255 أحكام الميم الساكنة 258 أحكام اللام الساكنة 260 الإدغام وتقسيماته 260 التقسم الأول: الإدغام من حيث السبب 261 التقسيم الثاني: الإدغام من حيث قلة عمليته وكثرتها 262 التقسيم الثالث: الإدغام من حيث الكمال والنقصان 263 التقسيم الرابع: الإدغام من حيث الغنة وعدمها 264 أنواع الصفات العارضة غير المتضادة 264 أنواع الإظهار 264 أنواع الإدغام 265 أنواع الإخفاء المبجث الثالث: 266 شرح الركن الثاني: الوقف

276 تعريف الوقف لغة واصطلاحًا 267 نشأة علم الوقف وأهميته 269 بداية التأليف في علم الوقف 271 أنواع الوقف عمومًا 272 وقف القراء وأقسامه وحكم كل قسم 277 بعض رموز الأوقاف 278 كيفية الوقف 278 بعض الكتب المطبوعة في الوقف والابتداء 279 السكت والقطع 279 تعريف السكت لغة واصطلاحًا 280 مواضع السكت لحفص من طريق الشاطبية 282 تعريف القطع لغة واصطلاحًا 283 الفرق بين الوقف والسكت والقطع الفصل الرابع: 284 توجيه القراءات المبحث الأول: 285 التعريف بعلم الاحتجاج تأريخه 287 الاختيار ومفهومه 288 أسباب الاختيار 298 نشأة الاحتجاج وتطوره

293 الاحتجاج في عصر الأئمة القراء 294 بواعث الاحتجاج للقراءات 296 التدوين في الاحتجاج 298 الكتب المؤلفة في الاحتجاج 301 خلاصة ما مر به الاحتجاج من مراحل المبحث الثاني: 304 صور الاحتجاج للقراءات 305 الاحتجاج بالأسانيد 307 الاحتجاج النحوي واللغوي 307 الاحتجاج للأصول 312 الاحتجاج للفرش الفصل الخامس: 317 تراجم القراء المبحث الأول: 318 تراجم قراء القراءات المتواترة 322 الإمام نافع المدني 329 الإمام ابن كثير المكي 334 الإمام أبو عمرو البصري 340 الإمام ابن عامر الدمشقي 346 الإمام عاصم الكوفي

352 الإمام حمزة الكوفي 357 الإمام علي الكسائي 362 الإمام أبوجعفر المدني 366 الإمام يعقوب الحضرمي 370 الإمام خلف البزار المبحث الثاني: 373 تراجم قراء القراءات الشاذة 374 الإمام ابن محيصن 376 الإمام يحيى بن اليزيدي 380 الإمام الحسن البصري 382 الإمام سليمان الأعمش المبحث الثالث: 387 تراجم بعض أعلام القراء 388 الإمام ابن مجاهد 391 الإمام مكي بن أبي طالب 394 الإمام أبو عمرو الداني 399 الإمام الشاطبي 403 الإمام ابن الجزري 408 الإمام القسطلاني 412 الإمام البنا الدمياطي

415 خاتمة 417 ثبت المراجع 429 فهرس المحتويات

§1/1