صفة الصفوة

ابن الجوزي

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم ربّ يسّر وأعن قال الشيخ الإمام، العالم، العلامة، شمس الأعلام، لسان المتكلمين، أوحد العلماء العاملين، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي رحمه الله: الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، حمداً إذا قابل النعم وفَى، وسلاماً إذا بلغ المصطَفين شفَى، وخصّ الله بخاصة ذلك نبينا المصطفى، ومن احتذى حذوه من أصحابه وأتباعه واقتفى، وفقنا لسلوك طريقهم فإِنه إذا وفّق كفى. كتاب "حلية الأولياء" أما بعد: فإِنك الطالب الصادق، والمريد المحقق لمّا نظرتَ في كتاب "حلية الأولياء" لأبي نعيم الأصبهاني أعجبك ذكر الصالحين والأخيار، ورأيته دواء لأدواء النفس، إلا أنك شكوتَ من إطالته بالأحاديث المسندة التي لا تليق به وبكلامٍ عن بعض المذكورين كثير قليل الفائدة، وسألتَني أن أختصره لك وأنتقي محاسنه، فقد أعجبني منك أنك أصبتَ في نظرك، إلا أنه لم يكشف لك كل الأمر، وأنا أكشفه لك فأقول: مساوئه: اعلم أن كتاب الحلية قد حوى من الأحاديث والحكايات جملة حسنة إلا أنه تكدّر بأشياء وفاتته أشياء. فالأشياء التي تكدر بها عشرة: الأول: أن هذا الكتاب إنما وضع لذكر أخبار الأخيار، وإنما يراد من ذكرهم شرْح أحوالهم وأخلاقهم ليقتدي بها السالك، فقد ذكر فيه أسماء جماعة ثم لم ينقل عنهم شيئاً من ذلك، ذكر عنهم ما يروونه عن غيرهم أو ما يسندونه من الحديث، كما ملأ ترجمة هشام بن حسان بما يروى عن الحسن، وتلك الحكايات ينبغي أن تدخل في ترجمة الحسن لا في ترجمة هشام، وكذلك ملأ ترجمة جعفر بن سليمان بما يروى عن مالك بن دينار ونظرائه، ولم يذكر له عنه شيئاً.

والثاني: أنه قصد ما ينقل عن الرجل المذكور، ولم ينظر هل يليق بالكتاب أم لا، مِثْلَ ما ملأ ترجمة مجاهد بقطعة من تفسيره، وترجمة عكرمة بقطعة من تفسيره، وترجمة كعب الأحبار بقطعة من التوراة وليس هذا بموضع هذه الأشياء. والثالث: أنه أعاد أخباراً كثيرة مثل ما ذكر في ترجمة الحسن البصري من كلامه، ثم أعاده في تراجم أصحابه الذين يَروْنَ كلامه، وذكر في ترجمة أبي سليمان الداراني من كلامه، وأعاده في ترجمة أحمد بن أبي الحواري بروايته عن أبي سليمان. والرابع: أنه أطال بذكر الأحاديث المرفوعة التي يرويها الشخص الواحد فينسى ما وُضع له ذِكر الرجل من بيان آدابه وأخلاقه، كما ذكر شُعبة وسفيان ومالك وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم، فإنه ذكر عن كل واحد من هؤلاء من الأحاديث التي يرويها مرفوعة جملة كثيرة، ومعلوم أن مثل كتابه الذي يقصد به مداواة القلوب إنما وُضع لبيان أخلاق القوم لا الأحاديث، ولكل مقام مقال، ثم لو كانت الأحاديث التي ذكرها من أحاديث الزهد اللائقة بالكتاب لَقَرُبَ الأمر، ولكنها من كل فن، وعمومها من أحاديث الأحكام والضعاف. أو لو كان اقتصر على الغريب من روايات المكثرين، أو رخم ما يرويه المقلون كما روي عن الجنيد أنه لم يُسنِد إلا حديثاً واحداً لكان ذِكْرُ مثلِ هذا حسناً لكنه أمعن فيما لا يتعلق ذكره بالكتاب. والخامس: أنه ذكر في كتابه أحاديث كثيرةً باطلة وموضوعة، فقصد بذكرها تكثير حديثه وتنفيقُ رواياته، ولم يبين أنها موضوعة ومعلوم أن جمهور المائلين إلى التبرّر يخفى عليهم الصحيح من غيره، فَسَتْرُ ذلك عنهم غشٌ من الطبيب لا نصح. والسادس: السجع البارد في التراجم، الذي لا يكاد يحتوي على معنى صحيح خصوصاً في ذكر حدود التصوف. والسابع: إضافة التصوف إلى كبار السادات كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن وشُريحْ وسفيان وشعبة ومالك والشافعي وأحمد وليس عند هؤلاء القوم خَبَر من التصوف. فإن قال قائل: إنما عنى به الزهد في الدنيا وهؤلاء زهاد، قلنا: التصوف مذهب معروف عند أصحابه لا يقتصر فيه على الزهد بل له صفات وأخلاق يعرفها أربابه ولولا أنه أمر زِيدَ على الزهد ما نُقل عن بعض هؤلاء المذكورين ذمّه، فانه قد رَوى أبو نُعيم في ترجمة الشافعي رحمة الله عليه أنه قال: "التصوف مبني على

الكسل، ولو تصوف رجل أول النهار لم يأت الظهر إلا وهو أحمق".وقد ذكرتُ الكلام في التصوف ووسّعتُ القول فيه في كتابي المسمى بتلبيس إِبليس. والثامن: أنه حكى في كتابه عن بعض المذكورين كلاماً أطال به لا طائل فيه، تارةً لا يكون في ذلك الكلام معنى صحيح كجمهورِ ما ذَكر عن الحارث المحاسبي وأحمد بن عاصم، وتارة يكون ذلك الكلام غير اللائق بالكتاب، وهذا خلل في صناعة التصنيف، وإنما ينبغي للمصنف أن ينتقي فيتوقّى ولا يكون كحاطب ليل فالنِّطاف العِذاب تروي لا البحر. والتاسع: أنه ذكر أشياء عن الصوفية لا يجوز فعلها، فربما سمعها المبتدئ القليل العِلم فظنها حسنةً فاحتذاها، مثل ما روي عن أبي حمزة الصوفي أنه وقع في بئر فجاء رجلان فَطمّاها، فلم ينطق حملاً لنفسه على التوكل بزعمه، وسكوت هذا الرجل في مثل هذا المقام إِعانة على نفسه وذلك لا يحل، ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه لا ينافي استغاثته في تلك الحال، كما لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوكل بإِخفائه الخروج من مكة واستئجاره دليلاً واستكتامه، واستكفائه ذلك الأمر واستتار في الغار، وقوله لسُراقة: "أخفِ عنا". فالتوكل الممدوح لا يُنال بفعل محذور، وسكوت هذا الواقع في البئر محظور عليه، وبيان ذلك أن الله عز وجل قد خلق للآدمي آلة يدافع بها عن نفسه الضرر وآلة يجتلب بها النفع، فإذا عطلها مدعياً للتوكل كان جهلاً بالتوكل وردّاً لحكمة الواضع لأن التوكل إنما هو اعتماد القلب على الله سبحانه وليس من ضرورته قطع الأسباب، ولو أن إنساناً جاع فلم يأكل، أو احتاج فلم يسأل، أو عري فلم يلبس، فمات دخل النار، لأنه قد دُلّ على طريق السلامة فإذا تقاعد عنها أعان على نفسه. وقد أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا محمد ابن ... قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن العباس بن أيوب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يونس الرّقي قال: حدثنا مُطَرِف بن مازن عن الثوري قال: "من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار". قلت: ولا التفات إلى أبي حمزة في حكايته "فجاء أسد فأخرجني"، فإنه إن صح ذلك فقد يقع مثله اتفاقاً، وقد يكون لطفاً من الله تعالى بالعبد الجاهل، ولا يُنكر أن يكون الله تعالى لطف به، إنما يُنكر فعلُه الذي هو كسبه، وهو إعانته على نفسه التي هي وديعة الله تعالى عنده وقد أُمر بحفظها. وكذلك روى عن الشبلي أنه كان إذا لبس ثوباً خرقه وكان يحرق ... والخبزَ والأطعمةَ

التي ينتفع بها الناسُ بالنار، فلما سئل عن هذا احتج بقوله: {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} وهذا في غاية القبح لأن سليمان عليه السلام نبي معصوم فلم يفعل إلا ما يجوز له، وقد قيل في التفسير أنه مسح على نواصيها وسُوقها وقال: أنت في سبيل الله، وإن قلنا أنه عَقرها فقد أطعمها الناس، وأكْل لحم الخيل جائز، فأما هذا الفعل الذي حكاه عن الشبلي فلا يجوز في شريعتنا فإن رسول الله. صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال وحكى عنه لما مات ولده حلق لحيته وقال: قد جزت أمّه شعرها على مفقود أفلا أحلق أنا لحيتي على موجود؟ إلى غير ذلك من الأشياء السخيفة الممنوعِ منها شرعاً. والعاشر: أنه خلط في ترتيب القوم فقدّم من ينبغي أن يؤخر وآخر من ينبغي أن يقدّم، فعل ذلك في الصحابة وفيمن بعدهم، فلا هو ذكرهم على ترتيب الفضائل، ولا على ترتيب المواليد، ولا جمع أهل كل بلد في مكان، وربما فعل هذا في وقت ثم عاد فخلط، خصوصاً في أواخر الكتاب فلا يكاد طالب الرجل يهتدي إلى موضعه ومن طالع كتاب هذا الرجل ممن له أُنس بالنقل انكشف له ما أشرت إليه. وأما الأشياء التي فاتته فأهمها ثلاثة أشياء: أحدها: أنه لم يذكر سيد الزهاد وأمام الكل وقدوة الخلق وهو نبينا. صلى الله عليه وسلم فانه المتَّبَعُ طريقه المقتدي بحاله. والثاني: أنه ترك ذكر خلق كثير قد نُقل عنهم من التعبد والاجتهاد الكبير، ولا يجوز أن يُحمل ذلك منه على أنه قصد المشتهرين بالذكر دون غيرهم، فإِنه قد ذكر خلقاً لم يُعرفوا بالزهد ولم ينقل عنهم شيء وربما ذكر الرجل فأسند عنه أبيات شعرٍ فحسب، ففعله يدل على أنه أراد الاستقصاء، وتقصيره في ذلك ظاهر. والثالث: أنه لم يذكر من عوابد النساء إلا عدداً قليلاً، ومعلوم أن ذكر العابدات مع قصور الأنوثية، يوثِب المقصّر من الذكور، فقد كان سفيان الثوري ينتفع برابعة ويتأدب بكلامها. وقد حداني جِدّك أيها المريد، في طلب أخبار الصالحين وأحوالهم أن أجمع لك كتاباً يغنيك عنه ويحصّل لك المقصود منه، ويزيد عليه بذكر جماعة لم يذكرهم، وأخبار لم ينقلها، وجماعة وُلدوا بعد وفاته، وينقص عنه بترك جماعة قد ذكرهم لم ينقل عنهم كبير شيء وحكاياتٍ قد ذكرها، فبعضها لا ينبغي التشاغل به، وبعضها لا يليق بالكتاب على ما سبق بيانه.

فصل: في بيان وضع كتابنا والكشف عن قاعدته. وضع كتاب "الصفوة" وطريقته: لما كان المقصود بوضع مثل هذا الكتاب ذكر أخبار العاملين بالعمل، الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، المستعدين للنقلة بتحقيق اليقظة والتزود الصالح، ذكرت من هذه حاله دون مَن اشتهر بمجرد العلم ولم يشتهر بالزهد والتعبد. ولما سَمّيتُ كتابي هذا "صفة الصفوة" رأيت أن افتتحه بذكر نبينا محمد. صلى الله عليه وسلم فإِنه صفوة الخلق وقدوة العالم. فإِن قال قائل: فهلاّ ذكرت الأنبياء قبله فإِنهم صفوة أيضاً؟. فالجواب: إن كتابنا هذا إنما وُضع لمُداواة القلوب وترقيقها وإصلاحها، وإنما نُقل إلينا أخبار آحاد من الأنبياء ثم لم يُنقل في أخبار أولئك الآحاد ما يناسب كتابنا إلا أن يُذكر عن عبّاد بني إسرائيل ما حملوا على أنفسهم من التشديد، أو عن عيسى عليه السلام وأصحابه ما يقتضيه الترهبن، وذلك منقسم إلى ما تبعد صحته، والى ما نهى عنه في شرعنا، وقد ثبت أن نبينا. صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء وان أمته خير الأمم، وأن شريعته حاكمة على جميع الشرائع، فلذلك اقتصرنا على ذكره وذكر أمته. فصل: في بيان ترتيب كتابنا أنا أبتدئ بتوفيق الله سبحانه ومعونته فأذكر باباً في فضل الأولياء الصالحين، ثم أردفه بذكر نبينا محمد. صلى الله عليه وسلم وشرح أحواله وآدابه وما يتعلق به، ثم أذكر المشتهرين من أصحابه بالعلم المقترن بالزهد والتعبد، وآتي بهم على طبقاتهم في الفضل ثم أذكر المصطفيات من الصحابيات على ذلك القانون، ثم اذكر التابعين ومَن بعدهم على طبقاتهم في بلدانهم. وقد طفت الأرض بفكري شرقاً وغرباً، واستخرجت كل من يصلح ذكره في هذا الكتاب من جميع البقاع. ورب بلدة عظيمة لم أَرَ فيها من يصلح لكتابنا. وقد حصرتُ أهل كل بلدة

فيها وترتيبهم على طبقاتهم: أبدأ بمن يُعرف اسمه من الرجال، ثم اذكر بعد ذلك من لم يُعرف اسمه، فإِذا انتهى ذكرت عابدات ذلك البلد على ذلك القانون، وربما كان في أهل البلد من عقلاء المجانين من يصلح ذكره من الرجال والنساء فاذكره. وإنما ضبطت هذا الترتيب تسهيلاً للطلب على الطالب، ولما لم يكن بدّ من مركز يكون كنقطة للدائرة رأيت أن مركزنا وهو بغداد أولى من غيره، إلا أنه لما لم يمكن تقديمها على المدينة ومكة لشرفهما، بدأت بالمدينة لانها دار الهجرة، ثم ثنّيت بمكة ثم ذكرت الطائف لقربها من مكة ثم اليمن وعدت إلى مركزنا بغداد فذكرت المصطَفين منها ثم انحدرت إلى المدائن ونزلتُ إلى واسط، ثم إلى البصرة، ثم إلى الأُبلّة ثم عَبّادان ثم تستْر ثم شيراز ثم كرَمان ثم أرّجان ثم سجستان ثم دَيْبُل ثم البحرين ثم اليمامة ثم الدِينَورَ ثم همذان ثم قَزوين ثم أصبهان ثم الرّي ثم دامغان ثم بِسطام ثم نَيسابور ثم طُوس ثم هراة ثم مَرو ثم بَلْخ ثم تِرمِذ ثم بخاري ثم فرغانة ثم نخشب. ثم ذكرت عبّاد المشرق المجهولين البلاد والأسماء، فلما انتهى ذكر أهل المشرق عدنا إلى مركزنا وارتقينا منه إلى المغرب، وقد ذكرنا أهل عُكْبَرا ثم الموصل ثم البرقةِ ثم طبقات أهل الشام ثم المقْدِسيين، ثم أهل جبلة ثم أهل العواصم والثغور، ثم من لم يعرف بلده من عبّاد أهل الشام، ثم عسقلان ثم مصر ثم الإسكندرية ثم المغرب، ثم عبّاد الجبال، ثم عبّاد الجزائر، ثم عبّاد السواحل، ثم أهل البوادي والفلوات، ثم من لم نعرف له مستقراً من العبّاد وإنما لُقي في طريق: فمنهم من لقي في مكة، ومنهم من لُقي بعرفة، ومنهم من لقي في الطواف، ومنهم من لُقي في غزاة، ومنهم من لقي في طريق سفر أو طريق سياحة. ثم ذكرت من لم يُعرف له اسم ولا مكان من العباد. ثم ذكرت طرفاً من أخبار بنيات صغار تكلمن بكلام العابدات الكبار ثم ذكرت طرفاً من أخبار عبّاد الجن فختمت بذلك الكتاب والله الموفق. وإنما أنقل عن القوم محاسن ما نُقل مما يليق بهذا الكتاب ولا أنقل كل ما نقل، إذ لكل شيء صناعة، وصناعة العقل حسن الاختيار، وكما أني لا أذكر ما لا يصلح أن يقتدى به ممن هو في صورة العلماء والزهاد. وقد تجوزت بذكر جماعة من المتصوفة وردت عنهم كلمات منكرة وكلمات حسان، فانتخبت من محاسن أقوالهم لأن

الحكمة ضالة المؤمن، ومع تنقّينا وتوقينا وحذف من لا يصلح وما لا يصلح، فقد زاد عدد من في كتابنا على ألف شخص: يزيد الرجال على ثمإنمائة زيادة بيّنة، وتزيد النساء على مائتين زيادة كثيرة. ولم يبلغ عدد رجال "الحلية" الذين ذكرت أحوالهم في تراجمهم ستمائة، بل قد ذكر جماعة لم يذكر لهم شيئا ولا أظنه ذكر في جميع الكتاب عشرين امرأة. والى الله سبحانه أرغب في النفع بكلمات المتقين. واللحوق بدرجات أهل اليقين. أنه ولي ذلك والقادر عليه.

باب ذكر فضل الأولياء والصالحين

باب ذكر فضل الأولياء والصالحين. الأولياء والصالحون هم المقصود من الكون، وهم الذين علموا فعملوا بحقيقة العلم. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله. صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته" 1. رواه البخاري. وعن أنس بن مالك عن النبي. صلى الله عليه وسلم عن جبريل، عن ربه عز وجل قال: "من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ما ترددت قبض نفس مؤمن أكره مساءته ولا بد له منه، وأن من عبادي المؤمنين من يريد باباً من العبادة فأكفه عنه لئلا يدخله عُجْب فيفسده ذلك، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتنفل حتى أحبه، ومن أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً، دعاني فأجبته، وسألني فأعطيته، ونصح لي فنصحت له. وإن من عبادي المؤمنين من لا يُصلح إيمانه إلا الفقر، وإن بسطت حاله أفسده ذلك وإن عبادي من لا يُصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يُصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يُصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك. إني أُدبّر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير ورواه عبد الكريم الجزري عن أنس مختصراً وقال فيه: "إني لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي، إني لأغضب لهم أشدّ من غضب الليث الحرب" 2. وعنه قال: قال رسول الله. صلى الله عليه وسلم: "إن من عبادِ الله مَن لو أقسم علي الله لأبرَّه" 3. وعن عطاء بن يسار: قال موسى عليه السلام: يا رب مَن أهلك الذين هم أهلك، الذين تظلّهم في عرشك؟ قال: هم البريئة أيديهم، الطاهرة قلوبهم، الذين يتحابّون بجلالي، الذين

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في ل الرقاق حديث 6502. باب 38. التواضع. 2 قال ابن رجب: وقد خرج البزار بعض الحديث من طريق ابن عبد الكريم الجزري. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الصلح حديث 2703. باب 8. الصلح في الدية ومسلم في كتاب القسامة حديث 1675. باب 5. إثبات القصاص في الأسنان وما في معناها.

إذا ذُكرت ذُكروا وإذا ذُكروا ذُكرت نذكرهم، الذين يسبغون الوضوء في المكاره، ينيبون إلى ذكري كما تنيب النسور إلى وكورها، ويكلفون بحبي كما يكلفَ الصبي بحب الناس ويغضبون لمحارمي إذا استُحِلت كما يغضب النمر إذا حَرِبَ1. وعن وهب بن منَبّه قال: لما بعث الله موسى وأخاه هارون إلى فرعون قال: لا تعجبنَّكما زينته ولا ما مُتِّعَ به، ولا تمدّا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين، ولو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة، ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما، لفعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي. وقديماً خِرِتُ لهم فإني لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة. وإني لأجنّبهم سلوتها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إِبله عن مبارك العُرّة وما ذاك لهوانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالماً موفّراً لم تكلمه الدنيا، ولم يُطغه الهوى. واعلم أنه لم يتزين العباد بزينة أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا، فإنها زينة المتقين، عليهم منها لباس يُعرفون به من السكينة والخشوع، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، أولئك هم أوليائي حقاً حقاً فإذا لقيتهم فأخفض لهم جناحك وذلل لهم قلبك ولسانك واعلم أنه من أهان لي ولياً أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وباراني، وعرض لي نفسه ودعاني إليها وأنا أسرَع شيء إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي؟ أو يظن الذي يعاديني أن يعجزني؟ أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني؟ وكيف، وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة، لا أكل نصرتهم إلى غيري2. وعن كعب قال: "لم يزل في الأرض بعد نوح عليه السلام أربعة عشر يُدفع بهم العذاب3"رواه الإمام أحمد. وعن ابن عيينة قال: "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة "قال محمد بن يونس: "ما رأيت للقلب أنفع من ذكر الصالحين".

_ 1 ضعيف: أخرجه أحمد في الزهد ص 95. وفيه: هشام بن سعيد قال ابن حجر: صدوق له أوهام. 2 هذا الخبر من الإسرائيليات. 3 صحيح: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 7/335. رقم 10750.

باب ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وذكر نسبه

1- باب ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وذكر نسبه1. عن عمر بن حفص السَّدوسي قال: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصّي بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار. وأم رسول الله. صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب بن مُرّة. قلت: وأما نزار فهو ابن معدّ بن أدّ بن أُدَد بن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام. ذكر طهارة آبائه وشرفهم: عن واثلة بن الأسقع أن النبي. صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم: إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل: كنانة واصطفى من بني كنانة: قريشاً، واصطفى من قريش: بني هاشم2، واصطفاني من بني هاشم". ذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب3: كان عبد المطلب قد خطب آمنة لابنه عبد الله، فزوجها إياه فبقي معها مدة وجرت له قصة قبل حملها برسول الله. صلى الله عليه وسلم: عن أبي فياض الخثعمي، قال: مّر عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خَثعم يقال لها "فاطمة بنت مرّ "، وكانت من أجمل الناس وأشبه وأعفه، وكانت قد قرأت الكتب، وكان شباب قريش يتحدثون إليها فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت: يا فتى: من أنت؟ فأخبرها. فقالت: هل لك أن تقع علي وأعطيك مائة من الإبل؟ فنظر إليها وقال: أما الحَرام فالممات دونه ... والحِلّ لا حلٌ فأستبينه فكيف بالأمر الذي تنوينه

_ 1 أنظر سير أعلام النبلاء 1/11. والاستيعاب 1/133. أسد الغابة 1/23. والبداية والنهاية 2/235. وتهذيب الكمال 1/44. وصحيح السيرة النبوية ص25. والطبقات الكبرى 1/23- 24. 2 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الفضائل حديث 2276. باب 1. والترمذي في كتاب المناقب حديث 3605. باب في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. 3 أنظر الطبقات الكبرى 1/45, 46. وأسد الغابة 1/23, 24. وسير أعلام النبلاء 1/18- 22. والاستيعاب 1/134.

ثم مضى إلى امرأته آمنة فكان معها. ثم ذكر الخثعمية وجمالها وما عرضت عليه فأقبل إليها فلم يرَ منها من الإقبال عليه اخراً كما رآه منها أولاً، فقال: هل لك فيما قلت لي؟ فقالت: "قد كان ذلك مرةً فاليوم لا "، فذهبت مثلاً. وقالت: أيّ شيء صنعت بعدي؟ قال: وقعت على زوجتي آمنةبنت وهب قالت: والله إني لست بصاحبه زينة ولكني رأيت نور النبوة في وجهك فأردت أن يكون ذلك في، فأبى الله إلا أن يجعله حيث جعله. وبلغ شباب قريش ما عرضت على عبد الله بن عبد المطلب وتأبّيه لها فذكروا ذلك لها فأنشأت تقول: إني رأيت مَخيلةً عَرضت ... فتلألأتْ بحنَاتِم القَطْر فلمائها نور يضيء له ... ما حوله كإضاءة الفجر فرأيته شرفاً أبوء به ... ما كلّ قادحِ زَنده يُوري لله ما زُهْرية سلبت ... ثوبيك ما سلبت وما تدري وقالت أيضاً: بني هاشم ما غادرت من أخيكم ... أمينةُ إذ للباه يعتلجان كما غادر المصباحُ بعد خبوّه ... فتائلَ قد ميثت له بدهان وما كلّ ما يحوي الفتى من تلاده ... لحزمٍ ولا ما فاته لِتَواني فأجمل إذا طالبت أمراً فانه ... سيكفيكه جَدّان يصطرعان سيكفيكه إما يد مقفعلّة ... وإما يد مبسوطة ببنان ولما قضت منه أمينة ما قضت ... نبا بصري عنه وكَلَّ لساني1 وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أن هذه المرأة من بني أسد بن عبد العزىّ وهي أخت ورقة بن نوفل وكذلك قال ابن إسحاق وقال: هي أم قتال. وقال عروة في اخرين: هي قتيلة بنت نوفل، أخت ورقة2.

_ 1 ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/44. فيه هشام بن محمد بن السائب قال الدارقطني: متروك وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة لسان الميزان 6/237. رقم 8937. 2 أنظر: الكامل في التاريخ 2/8. والطبقات الكبرى 1/44. والبداية والنهاية 2/245.

وروى جرير بن حازم عن أبي يزيد المدائني: أن عبد الله لما مر على الخثعمية رأت بين عينيه نوراً ساطعاً إلى السماء، فقالت: هل لك فيَّ؟ قال: نعم، حتى أرمي الجمرة. فانطلق فرمى الجمرة، ثم أتى امرأته آمنة. ثم ذكر الخثعمية فأتاها فقالت: هل أتيت امرأة بعدي؟ قال: نعم، آمنة. قالت: فلا حاجة لي فيك، إنك مررت وبين عينيك نور ساطع إلى السماء، فلما وقعت عليها ذهب فأخبرها انها حملت بجيد أهل الأرض1. ذكر حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم: روى يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمته قالت: كنا نسمع أن آمنة لما حملت برسول الله. صلى الله عليه وسلم كانت تقول: ما شعرت أني حملت ولا وجدت له ثقلاً كما تجد النساء إلا أني أنكرت رفع حيضي وأتاني آتٍ وأنا بين النوم واليقظة فقال: هل شعرت أنك حملت؟ فكأني أقول: ما أدري. فقال: إنك قد حملت بسيد هذه الامة ونبيها، وذلك يوم الاثنين. قالت: فكان ذلك مما يقّن عندي الحمل. فلما دنت ولادتي أتاني ذلك فقال: قولي أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد. ذكر وفاة عبد الله: قال محمد بن كعب: خرج عبد الله بن عبد المطلب في تجارة إلى الشام مع جماعة من قريش، فلما رجعوا مروا بالمدينة وعبد الله مريض فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار. فقام عندهم شهراً ومضى أصحابه فقدموا مكة، فأخبروا عبد المطلب فبعث إليه ولده الحارث فوجده قد توفي ودُفن في دار النابغة وهو رجل من بني عدي، فرجع إلى أبيه فأخبروه فوجد عليه وجداً شديداً ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حمْل. ولعبد الله يوم توفي خمس وعشرون سنة2. وقد روي عن عوانة بن الحكم أن عبد الله توفي بعد ما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرون شهراً، وقيل سبعة أشهر. والقول الأول أصح وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حملاً يومئذ. وترك عبد الله أم أيمن وخمسة أجمال وقطعة غنم فورث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وكانت أم أيمن تحتضنه.

_ 1 أنظر المراجع السابقة. 2 أنظر الطبقات الكبرى 1/46. وتهذيب الكمال 1/52. وأسد الغابة 1/23. والاستيعاب 1/139.

ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل واختلفوا فيما مضى من ذلك الشهر لولادته على أربعة أقوال أحدها: أنه ولد ليلتين خلتا منه، والثاني: لثمان خلون منه، والثالث: لعشر خلون منه، والرابع: لاثنتي عشرة خلت منه. وروى محمد بن سعد عن جماعة من أهل العلم أن آمنة قالت: لقد علقت به فما وجدت له مشقة، وأنه لما فصل عنها خرج له نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب ووقع إلى الأرض معتمداً على يديه. وقال عكرمة: لما ولدته وضعته برمة فانقلعت عنه، قالت: فنظرت إليه فإذا هو قد شق بصره ينظر إلى السماء1. وقال العباس بن عبد المطلب: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختوناً مسروراً، فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: ليكونّن لابني هذا شأن من شأن، فكان له شأن. وروى يزيد بن عبد الله بن وهب عن عمته: أن آمنة لما وضعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى عبد المطلب، فجاءه البشر وهو جالس في الحجْر، فأخبرته بكل ما رأت وما قيل لها وما أُمرت به فأخذه عبد المطلب فأدخله الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكر ما أعطاه وروي أنه قال يومئذ: الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه بالله ذي الأركان حتى أراه بالغ البنيان ... أعيذه من شر ذي شنآن من حاسد مضطرب العيان2 وفي حديث العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك. قال: "قل لا يفضض الله فاك" 3: فأنشأ يقول: من قبلها طِبْتَ في الظّلال وفي ... مستودعٍ حيث يُخصف الورق

_ 1 ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/47. من عدة طرق وكلها لا تخلو من ضعف 2 ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/48. 3 صحيح: أخرجه الحاكم في المستدرك 3/369. رقم 5417. وقال هذا حديث تفرد به رواته الأعراب عن آبائهم وأمثالهم من الرواة لا يضعون وأبو نعيم في الحلية 1/446. رقم 1268.

ثم هبطتَ البلادَ لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسراً وأهله الغرق تنقَل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق حتى إذا احتوى بيتك المهيمن من ... خندق علياءَ تحتها النطق وأنت لمّا ولدت أشرقتِ ... الأرض وضاءت بنورك الأفق فنحن من ذلك الضياء، وفي ... النور، وسُبْلِ الرشاد نخترق ذكر أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول الله. صلى الله عليه وسلم "لي خمسة أسماء، أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب1" رواه البخاري مسلم. وفي أفراد مسلم من حديث أبي موسى قال: سمّى لنا رسول الله. صلى الله عليه وسلم نفسه فقال: " انا محمد وأحمد والمقفّي والماحي والحاشر ونبي التوبة والمَلْحَمة" 2 وفي لفظ نبي الرحمة. وقد ذكر أبو الحسين بن فارس اللغوي3 أن لنبينا صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر اسماً، محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والمقفي ونبي الرحمة ونبي التوبة والملحمة والشاهد والمبشر والنذير والسراج المنير والضحوك والقتّال والمتوكل والفاتح والأمين والخاتم والمصطفى والنبي والرسول، والأمي، والقُثَم. والماحي: الذي يُمحى به الكفر، والحاشر: الذي يحشر الناس على قدميه أي يقدمهم وهم خلفه، والعاقب: آخر الأنبياء، والمقفي: بمعنى العاقب لأنه تبع الأنبياء، وكل شيء تبع شيئاً فقد قفّاه. والملاحم: الحروب والضحوك: صفته في التوراة. قال ابن فارس: وإنما قيل له الضحوك لأنه كان طيب النفس فكهاً، وقال: إني لأمزح.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3532. باب 17. ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الفضائل حديث 2354, 2355. باب 32. في أسمائه صلى الله عليه وسلم. 2 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الفضائل حديث 2355. باب 34. في أسمائه صلى الله عليه وسلم. 3 هو: أبو الحسين بن فارس بن زكريا كان رأسا في الأدب بصيرا بفقه مالك ومذهبه في النحو على طريقة الكوفيين توفي سنة 395هـ.

والقُثَم من معنيين: أحدهما من القَثْم وهو الإعطاء، يقال قَثَم له من العطاء يقثم إذا أعطاه. وكان عليه السلام أجود بالخير من الريح الهبابة والثاني: من القَثْم هو الجمع يقال للرجل الجَموع للخير قَثوم وقُثَم والله أعلم. ذكر من أرضعه: قالت برّة بنت أبي تجرأة1: أول من أرضع رسول الله. صلى الله عليه وسلم ثُويبة بلبن ابنٍ لها، يقال له مسروح، أياماً قبل أن تُقِدم حليمة. وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده سلمة بن عبد الأسد، ثم أرضعته حليمة بنت عبد الله السعدية2. وعن حليمة ابنة الحارث، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته، السعدية قالت: خرجت في نسوةٍ من بني سعد بن بكر بن هوازن نلتمس الرضعاء بمكة فخرجت على أتانٍ لي قَمْراء قد أدَمَّتْ بالرَّكْب قالت: وخرجنا في سنة شهباء لم تبق لنا شيئاً أنا وزوجي الحارث بن عبد العزّى، وقالت: ومعنا شارف لنا والله إنْ تبض علينا بقطرة من لبن، ومعي صبي لنا والله ما ننام ليلنا من بكائه ما في ثديي لبنٍ يغنيه ولا في شارِفنا من لبنٍ يغذّيه، إلا أنّا نرجو الخصب والفرج. فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله. صلى الله عليه وسلم فتأباه، وإنما كنا نرجو الكرامة في رضاعةِ من نُرضع له، من والد المولود، وكان يتيماً صلى الله عليه وسلم فقلنا ما عسى أن تفعل بنا أمه؟ فكنا نأبى حتى لم تبق من صواحباتي امرأة إلا أخذت رضيعاً، غيري. قالت: فكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئاً وقد أخذ صواحباتي. فقلت لزوجي الحارث: والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنّه. قالت: فأتيته فأخذته ثم رجعت به إلى رحلي. قالت: فقال لي زوجي: قد أخذتِه؟ قلت نعم، وذلك أني لم أجد غيره. قال: قد أصبت عسى أن يجعل الله فيه خيراً. قالت: والله ما هو إلا أن وضعته في حجري فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي، وشرب أخوه حتى روي، وقام زوجي الحارث إلى شارِفنا من الليل فإِذا هي تحلب علينا ما شئنا، فشرب حتى روي، وشربت حتى رويت. قالت فبتنا بخير ليلة شِباعاً

_ 1 هي: برة بنت أبي تجرأة العبدرية مكية ذكر ابن الزبير أن بني تجرأة قوم من كندة قدموا مكة أنظر الاستيعاب لابن عبد البر 4/355. رقم 3285. 2 صحيح: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/50. وأصل حديث ثويبة عند البخاري 5101. ومسلم 1449.

رِواءً. قالت: فقال زوجي: والله يا حليمةُ ما أراك إلا قد أصبت نسمةً مباركةً، قد نام صبياناً وقد رِوينا ورَوِيا. قالت: ثم خرجنا. قالت: فو الله لخرجت أتاني أمام الركب قد قطعتهم حتى ما يتعلق بها منهم أحد، حتى إنهم ليقولون: ويحكِ يا بنت الحارث، كفّي علينا، أليست هذه أتانك التي خرجت عليها؟ فأقول بلى والله. فيقولون: إن لها لشأناً. حتى قدمنا منازلنا من حاضر منازل بني سعد بن بكر. قالت: فقدمنا على أجدب أرض الله. قالت: فوالذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا، وأسرح راعي غنمي وتروح غنمي حفلاً بطاناً وتروح أغنامهم جياعاً هالكة مالها من لبن، فنشرب ما شئنا من اللبن وما من الحاضر من أحد يحلب قطرة ولا يجدها. قالت: فيقولون لرعاتهم: ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي غنم حليمة؟ فيسرحون في الشِّعْب الذي تسرح فيه غنمي وتروح أغنامهم جياعاً مالها من لبن وتروح غنمي حفلاً لبناً. قالت: وكان يشب في اليوم شباب الصبي في شهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة. قالت، فبلغ سنين وهو غلام جفر. قالت: فقدمنا به على أمه فقلت لها أو قال لها زوجي: دعي ابني فلنرجع به فإِنا نخشى عليه وباء مكة قالت: ونحن أضنّ شيء به لِما رأينا من بركته صلى الله عليه وسلم فلم نزل به حتى قالت: ارجعا به. قالت: فمكث عندنا شهرين. قالت: فبينما هو يلعب يوماً من الأيام هو وأخوه خلف البيت إذا جاء أخوه يشتد فقال لي ولأبيه: أدركا أخي القرشي فقد جاءه رجلان فأضجعاه فشقّا بطنه قالت فخرجت وخرج أبوه يشتد نحوه فانتهينا إليه وهو قائم منتقع لونه فاعتنقتُه واعتنقه أبوه وقال: مالك يا بني؟ قال: أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقّا بطني، والله ما أدري ما صنعا. قالت: فاحتملناه فرجعنا به. قالت يقول زوجي: والله يا حليمة ما أرى الصبي إلا قد أصيب. فانطلقي فلنرده إلى أمه قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه. قالت فرجعنا به إلى أمه، فقالت ما ردّكما به فقد كنتما حريصين عليه؟ فقلنا: لا والله إلا أنا كفلناه وادينا الذي علينا من الحق فيه، ثم تخوفنا عليه الأحداث فقلنا: يكون عند أمه قالت: فوالله ما زالت عند أمه فقالت: والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما وخبره. قالت: فوالله مازالت بنا حتى أخبرناها خبره. قالت أتخوفتما عليه؟ لا والله إن لإبني هذا شانا ألا أخبركما عنه: إني حملت به فلم احمل حملا قط هو أخف

منه ولا اعظم بركة منه، لقد وضعته فلم يقع كما يقع الصبيان، لقد وقع واضعاً يده في الأرض رافعا رأسه إلى السماء. دعاه والْحقا بشأنكما1. قال الشيخ: وظاهر هذا الحديث يدل أن آمنة حملت غير رسول الله. (؛ وقد قال الوقدي: لا يعُرف عند أهل العلم أن آمنة وعبد الله وَلَدا غير رسول الله. فأما حليمة: فهي بنت أبي ذؤيب واسمه عبد الله بن الحارث بن شحنة بن جابر السعدية، قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوج خديجة، فشكت إليه جَدب البلاد فكلّم خديجة فأعطتها أربعين شاة وأعطتها بعيراً، ثم قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت وأسلم زوجها الحارث بن عبد العزّى. قال محمد بن المنكدر: استأذنتِ امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد كانت أرضعته، فلما دخلت قال أمي أمي، وعمد الى ردائه فبسطه لها فجلست عليه. قأما ثُويبة فهي مولاة أبي لهب ولا نعلم أحداً ذكر أنها أسلمت غير ما حكى أبو نعيم الأصفهاني أن بعض العلماء قال: قد اختلف في إسلامها. وروى الواقدي عن جماعة من أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرمْ ثويبة ويصلها وهي بمكة، فلما هاجر كان يبعث إليها بكسوةٍ وصلة، فجاءه خبرها سنة سبع مرجعَه من خيبر أنها توفيت. عن عروة قال: كانت ثويبة لأبي لهب وأعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم، قال ماذا لقيت يا أبا لهب؟ فقال ما رأيت بعدكم روحاً غير أني سقيت في هذه مني بعتقي ثويبة. قال وأشار إلى بين الإبهام والسبابة. قال الشيخ: وقد جاء حديث شرح صدره صلى الله عليه وسلم في الصحيح. وعن أنس بن مالك أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه. قال:

_ 1 حسن: أخرجه الطبراني في الكبير 24/212. رقم 545. وابن سعد في الطبقات الكبرى 1/52. وأبو نعيم في دلائل النبوة 94. وانظر موارد الظمآن 6/437. رقم 2094. والمطالب العالية 9/407. رقم 4671.

وجاء الغلمان يسعون إلى أمه، يعني ظئره، فقالوا ان محمدا قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره. صلى الله عليه وسلم1. انفرد بإخراجه مسلم. وقد ذكرنا أن حليمة أعادته إلى أمه بعد سنتين وشهرين وقال ابن قتيبة: لبث فيهم خمس سنين. ذكر وفاة أمه آمنة: لما ردته حليمة أقام رسول الله. صلى الله عليه وسلم عند أمه آمنة إلى أن بلغ ست سنين ثم خرجت به إلى المدينة إلى أخواله بني عدي بن النجار تزورهم به ومعها أم ايمن تحضنه. فأقامت عندهم شهرا ثم رجعت به إلى مكة فتوفيت بالأبواء فقبرها هنالك فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالابواء في عمرة الحديبية زار قبرها وبكى2. واخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: استأذنت ربي أن استغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي3. ذكر ما كان من أمره صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أمه آمنة: روى محمد بن سعد عن جماعة من أهل العلم، منهم مجاهد والزهري، أن آمنة لما توفيت قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جده عبد المطلب وضمه إليه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده وقربه وأدناه، وان قوما من بني مدلج قالوا لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه. فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظه. ومات عبد المطلب فدفن بالحجون وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل ابن مائة وعشر سنين، ويقال وعشرين سنة4. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتذكر موت عبد المطلب قال: " نعم وأنا يومئذ ابن ثمان سنين".

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الإيمان حديث 162. باب 74- 76. باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات. 2 أنظر الطبقات الكبرى لابن سعد 1/55. 3 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الجنائز حديث 976. باب 11- 37. نهى النساء عن اتباع الجنائز وغسل الميت وأبو داود في كتاب الجنائز حديث 3234. باب في زيارة القبور. 4 أنظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 1/55, 56. والمنتظم في تواريخ الملوك والأمم 2/506.

قالت أم أيمن: رأيت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يومئذ يبكي عند قبر عبد المطلب1 وذكر بعض العلماء أنه كان لرسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم موت عبد المطلب ثماني سنين وشهران وعشرة أيام. ذكر كفالة أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم: ذكر جماعة من أهل العلم أنه لما توفي عبد المطلب قبض رسول الله. صلى الله عليه وسلم أبو طالب، وكان يحبه حبا شديدا ويقدمه على أولاده فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام ارتحل به أبو طالب تاجرا نحو الشام فنزل "تيماء "فرآه حبر من اليهود يقال له "بحيرا "الراهب2 فقال: من هذا الغلام معك؟ فقال: هو ابن آخي فقال: أشفيقٌ عليه انت؟ قال: نعم. قال: فوالله لئن قدمت به الشام ليقتلنه اليهود، فرجع به إلى مكة. حديث بحيرا الراهب: عن داود بن الحصين3، قال: لما خرج أبو طالب إلى الشام وبها راهب يقال له، "بحيرا "في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا، فصنع لهم طعاما ثم دعاهم وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامةٌ تظلّ رسول الله. صلى الله عليه وسلم من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة، ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة وأخضلت أغصان الشجرة على النبي صلى الله عليه وسلم حين استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فأتي به. وأرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وأنا أحب أن تحضرونه كلكم ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حرا ولا عبدا، فإن هذا شيء تكرمونني به. فقال رجل: إنّ لك لشأناً يا بحيرا. ما كنت تصنع بنا هذا فما شأنك اليوم؟ قال: فإني أحببت أن أكرمكم فلكم حق. فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله. صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف ويجدها

_ 1 ذكر أن أم أيمن قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبكي خلف سرير عبد المطلب وليس كما ذكر هنا أنه بكى عند القبر أنظر الطبقات الكبرى 1/56. والمنتظم في تواريخ الملوك والأمم 2/507. 2 سيأتي إن شاء الله. 3 هو داود بن الحصين الفقيه ثقة إلا في عكرمة فإن روايته عنه منكرة.

عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ورآها متخلفة على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بحيرا: يا معشر قريش لا يتخلفنَّ أحد منكم عن طعامي. قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو اصغر القوم سناً في رحالهم. فقال: أدعوه فليحضر طعامي فما أقبح أن يتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم. فقال القوم: هو والله أوسطنا نسبا وهو أبن أخي هذا الرجل، يعنون أبا طالب، وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن عبد المطلب: والله إن كان بنا للؤمٌ أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا. ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرا يلحظ لحظا شديداً، وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال: يا غلام أسألك بحق اللات والعزّى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم: "لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئاً بغضهما". قال فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، قال: سلني عما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده، فقبّل موضع الخاتم وقالت قريش: إن لمحمدٍ عند هذا الراهب لقدراً، وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني. قال: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً. قال: فابن أخي. قال فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريباً. قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلده وأحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبغنه بغياً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا واعلم أني قد أديت إليك النصيحة. فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعاً، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله. صلى الله عليه وسلم وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم. قال: فما لكم إليه سبيل. فصدقوه وتركوه. ورجع به أبو طالب فما خرج به سفراً بعد ذلك خوفاً عليه1،

_ 1 حسن: أخرجه الترمذي في كتاب المناقب حديث 3620. باب 3. ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قلت: هو بذلك قد حسن هذا الحديث. والحاكم 2/672. رقم 4229. وقال: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

قال الشيخ رحمه الله: وما زال. صلى الله عليه وسلم في صغره افضل الخلق مروءة وأحسنهم خلقاً وأصدقهم حديثاً وأبعدهم من الفحش والأذى حتى سماه قومه الأمين. ذكر رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم. عن أبي هريرة عن النبي. صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم". فقال أصحابه: وأنت؟ قال: " نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة1". انفرد بإخراجه البخاري وقد رواه سويد بن سعيد عن عمرو بن أبي يحيى عن جده سعيد بن أحيحة، فقال فيه: " كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط". قال سويد بن سعيد يعني كلّ شاة بقيراط. وقال إبراهيم الحربي: القراريط موضع ولم يُرد بذلك القراريطَ من الفضة. ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الشام مرة أخرى: قد ذكرنا أنه خرج مع أبي طالب وهو ابن اثنتي عشرة سنة فلما بلغ خمسا وعشرين سنة قال له أبو طالب: أنا رجل لا مال لي وقد اشتدّ علينا الزمان، وهذه عِير قومك قد حصر خروجها إلى الشام، وخديجة تبعث رجالاً من قومك، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك. وبلغ خديجة ما قال له أبو طالب فقالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلاً من قومك. فقال أبو طالب: هذا رزق قد ساقه الله إليك. فخرج مع غلامها ميسرة: وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدِما "بُصْرى "من الشام فنزلا في ظل شجرة، فقال نسطورا الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي. ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة؟ قال: نعم لا تفارقه. فقال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء. ثم باع سلعته فوقع بينه وبين رجل تلاحٍ فقال له: أحلف باللات والعزى. فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم ما حلفت بهما قط وإني لأمرؤ أعرض عنهما.. فقال الرجل: القول قولك. وكان ميسرة، إذا كانت الهاجرة واشتد الحرّ، يرى ملكين يظلان رسول الله. صلى الله عليه وسلم من الشمس. ودخل رسول الله. صلى الله عليه وسلم مكة في ساعة الظهيرة وخديجة في عُلِيَّةٍ لها، فرأت رسول الله. صلى الله عليه وسلم على بعيره، وملكان يظلاّن عليه، فأرته نساءها فعجبن لذلك، ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرها بما ربحوا في وجههم فسرّت بذلك، فلما دخل

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الإجارة حديث 2262. باب 2. رعى الغنم على قراريط وابن ماجة في كتاب التجارات حديث 2149. باب 5. الصناعات.

ميسرة أخبرته بما رأت، فقال: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام، وأخبرها بما قال الراهب1. ذكر تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة: قالت نفيسة بنت منية2 كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن العزى بن قصي، امرأة حازمة جلدة شريفة، أوسط قريش نسباً وأكثرهم مالاً، وكل قومها كان حريصاً على نكاحها لو قدر على ذلك، وقد طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دسيساً إلى محمد بعد أن رجع من الشام، فقلت يا محمد: ما يمنعك أن تزوج؟ فقال: ما بيدي ما أتزوج به، قلت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قلت: خديجة. قال: وكيف بذلك؟ قلت: علي. قال: وأنا افعل: فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه أن أئت لساعة كذا وكذا وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد3 ليزوجها فحضر، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة. وقد ذكر بعض العلماء أن أبا طالب حضر العقد ومعه بنو مضر، فقال ابو طالب: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئي معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس. ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل إلا رجح به فإن كان في

_ 1 ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/61. وانظر المنتظم 2/528. 2 قال العبد الفقير هي نفيسة بنت أمية أخت يعلى بن أمية التيمي وهي هنا منسوبة إلى أمها أنظر الطبقات الكبرى 1/61. والمنتظم 2/528. والاستيعاب 4/471. رقم 3540. وأسد الغابة 6/286. رقم 7317. 3 قال العبد الفقير: الذي زوجها هو أبوها كما روى ذلك الطبراني في الكبير 12/186. رقم 12838, 12839. قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد والطبراني رجال الصحييح. قال الواقدي: هذا غلط والصحييح عندنا والمحفوظ عند أهل النقل أن أباها مات قبل الفجار. وقال المؤملي كلاما يشبه كلام الواقدي أيضا والواقدي هو محمد بن عمر وهو متروك. والمؤملي هو عمر بن أبي بكر وهو أيضا متروك كسابقه والحديث الذي استدلا به لا تقوم حجة والله أعلم.

المال قل، فإن المال ظل زائل وأمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها الصداق ما آجله وعاجله من مالي، وهو بعد هذا والله له نبأ عظيم وخطر جليل. فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم1. ذكر علامات النبوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه: قال الشيخ: قد ذكرنا أن أمه آمنة رأت عند ولادته نوراً أضاء له المشرق والمغرب وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رأت أمي نوراً أضاءت له قصور الشام" 2 وقد ذكرنا شق بطنه في صغره وحديث ميسرة والراهب وحديث بحيرا والغمامة التي كانت تظله والأحاديث في هذا كثير، إلا أنا نروم الاختصار فلهذا نحذف. عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز ومعي ابن أخي يعني النبي صلى الله عليه وسلم فأدركني العطش فشكوت إليه فقال: يا ابن أخي قد عطشت، وما قلت له ذلك وأنا أرى أن عنده شيئاً؛ إلا الجزع. فثنى وركه ثم نزل فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا بالماء فقال: "اشرب يا عم "فشربت. وعن ابن عباس قال: أول شيء رأى النبي صلى الله عليه وسلم من النبوة أن قيل له استتر، وهو غلام، فما رئيت عورته من يومئذ. وقالت بره بنت أبي تجرأة: لما ابتدأه الله تعالى بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتاً ويفضي إلى الشعاب وبطون الأودية، فلا يمر بحجر ولا شجرة إلا قال: "السلام عليك يا رسول الله" فكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحداً. وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث. إني لأعرفه الآن" 3 روه الإمام أحمد وانفرد بإخراجه مسلم.

_ 1 ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/62. 2 أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/71. من حديث سعد ابن أبي وقاص. 3 صحيح: أخرجه مسلم 8/31. رقم 2276. والترمذي 6/18. رقم 2624.

فصل فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة وتراضت قريش بحكمه فيها، وكانوا قد اختلفوا فيمن يضع الحجر، فاتفقوا على أن يحكم بينهم أول داخل يدخل المسجد فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا الأمين، فقال: هلموا ثوباً، فوضع الحجر فيه وقال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من نواحيه وارفعوه جميعاً، ثم أخذ الحجر بيده فوضعه في مكانه1. فلما أتت له أربعون سنة ويوم بعثه الله عز وجل وذلك في يوم الاثنين. ذكر بدء الوحي: روى مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين، فقال: "فيه ولدت وفيه أنزل علي" 2. وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة يوم سبع وعشرين من رجب، هو أول يوم هبط فيه. وقال ابن إسحق: ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في شهر رمضان. وعن عائشة أنها قالت: أول ما ابتديء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي جبل حراء يتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الحق فيه فقال: اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: "ما أنا بقارئ". قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: "ما أنا بقارئ" فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ

_ 1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي أنظر المطالب العالية 9/435. رقم 4687. 2 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الصيام حديث 1162. باب 36. استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس وأبو داود في كتاب الصوم حديث 2451.

رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} قال: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: "زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: يا خديجة مالي وأخبرها الخبر. قال: قد خشيت علي فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق. ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان أمرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم اسمع من ابن أخيك. قال ورقة: يا ابن أخي ما ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم، يا ليتني فيها جذعاً أكون حياً حين يخرج قومك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أومخرجي هم؟ فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً لكي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه يبدى له جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إنك رسول الله حقاً. فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه صلى الله عليه وسلم فيرجع، فإاذ طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام فقال مثل ذلك1. أخرجاه في الصحيحين. وعن جابر بن عبد الله: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه: فبينا أنا أمشي: سمعت صوتاً من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه رعباً فجئت فقلت زملوني. فدثروني، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 2 أخرجاه في الصحيحين. ومعنى فجئثت فرقت يقال رجل مجؤوث.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي حديث 3. باب 3. ومسلم في كتاب الإيمان حديث 160. باب 73. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي حديث 4. وأطرافه في: 3238, 4922, 4923, 4924, 4925, 4926, 4954, 6214. ومسلم في كتاب الإيمان حديث 161. باب 73. بدء الوحي.

ذكر كيفية إتيان الوحي إليه صلى الله عليه وسلم: عن عائشة: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحياناً يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول"، قالت عائشة: وقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً1 أخرجاه في الصحيحين. واخرجا من حديث يعلى بني أمية أنه كان يقول لعمر: ليتني أرى رسول الله. صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي. فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم في الجِعْرانة جاءه رجل فسأله عن شيء، فجاءه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى أن تعالَ، فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا هو محمّر الوجه يغطّ كذلك ساعةً ثم سُرّي عنه. وعن زيد بن ثابت قال: إني قاعد إلى جنب النبي. صلى الله عليه وسلم يوماً إذا أوحي إليه وغشيته السكينة ووقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة. قال زيد: فلا والله ما وجدت شيئاً قط أثقل من فخذ رسول الله. (ثم سُرّي عنه فقال: "اكتب يا زيد" 2. وفي أفراد البخاري3 من حديث زيد بن ثابت قال: أملى علي رسول الله. صلى الله عليه وسلم {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال: والله يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت. وكان أعمى. فأنزل الله عز وجل على رسوله وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترضّ فخذي، ثم سُرّي عنه فأنزل الله عز وجل: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} . وقال عبادة بن الصامت: كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب له وتربّد وجهه.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي حديث 2. باب 2. ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2333. باب 22, 23. طيب عرقه صلى الله عليه وسلم والتبرك به. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير حديث 2832. باب 31. قول الله عز وجل: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ومسلم في الإمارة حديث 1898. باب 40. سقوط فرض الجهاد عن المعذورين. 3 صحيح: أنظر المتقدم.

وقال أبو أروى الدوسي: رأيت الوحي ينزل على رسول الله. صلى الله عليه وسلم وأنه على راحلته فترغو وتفتل يديها حتى أظن أن ذراعها تنفصم، وربما بركت وربما قامت موئدة يديها حتى يسرى عنه من ثقل الوحي، وأنه ليتحدر منه مثل الجُمان. ذكر رمي الشياطين بالشهب لمبعثه صلى الله عليه وسلم: قال العلماء بالسيّر: رأت قريش النجوم يرمى بها بعد عشرين يوما ًمن مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن ابن عباس قال: انطلق رسول الله. صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حِيلَ بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: مالكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب. قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء. قال: فانطلق الذين توجّهوا نحو تِهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة وهو عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن تسمعوا له فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء. فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} وأنزل الله على نبيه: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} 1 أخرجاه في الصحيحين. وعنه قال: كان الجن يسمعون الوحي فيسمعون الكلمة فيزيدون عليها عشراً فيكون ما سمعوه حقاً وما زادوه باطلاً. وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك، فلما بعث النبي. صلى الله عليه وسلم كان أحدهم لا يقعد مقعده إلا رمي بشهاب يحرق ما أصاب. فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث، فبث جنوده فإذا هم بالنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بين جبلي نخلة فأتوه فأخبروه فقال: هذا الذي حدث في الأرض2.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب التفسير حديث 4921. باب 1. تفسير سورة: قل أوحي إلي. ومسلم في كتاب الصلاة حديث 449. باب 33. الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن والترمذي 3323. 2 صحيح: أخرجه الترمذي في كتاب التفسير حديث 3323. باب 70. ومن سورة الجن وقال هذا حديث حسن صحيح وأحمد في المسند حديث 2482. والطبراني في الكبير حديث 12431.

قال الشيخ: وهذا الحديث يدل على أن النجوم لم يرم بها قبل مبعث نبيناصلى الله عليه وسلم وقد روينا عن الزهري أنه قال: قد كان يرمى بها قبل ذلك ولكنها غلظت حين بُعث النبي صلى الله عليه وسلم. ذكر اعتراف أهل الكتاب بنبوته صلى الله عليه وسلم: قال كعب الأحبار: نجدُ نعت رسول الله في التوراة: محمد بن عبد الله عبدي المختار، مولده مكة، ومهاجره المدينة، لا فظ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق. وعن أبي هريرة قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس فقال: اخرجوا إلي أعلمكم، فقالوا: عبد الله بن صوريا فخلا به رسول الله. صلى الله عليه وسلم فناشده بدينه وبما أنعم الله به عليهم وأطعمهم من المن والسلوى، وظلّلهم به من الغمام: أتعلم أني رسول الله؟ قال: اللهم نعم، وإن القوم ليعرفون ما أعرف، وإن صفتك ونعتك لمبين في التوراة، ولكنهم حسدوك. قال: "فما يمنعك أنت؟ " قال: أكره خلاف قومي، وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم. وعن ابن عباس قال: كان يهود قُريظة والنّضير وفَدك وخيبر يجدون صفة النبي صلى الله عليه وسلم عندهم قبل أن يبعث وأن دار هجرته المدينة فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت احبار يهود: ولد أحمد الليلة فلما نبيء قالوا: قد نبئ أحمد، يعرفون ذلك ويقرّون به ويصفونه، فما منعهم عن إجابته إلا الحسد والبغي. وعن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: كان الزبير بن باطا وكان أعلم اليهود يقول: إني وجدت سِفراً كان أبي يختمه عليّ، فيه ذُكر أن أحمد نبيٌّ صفته كذا وكذا فحدث به الزبير بعد أبيه والنبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث، فما هو إلا أن سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى مكة فعمد إلى ذلك السفر فمحاه وكتم شأن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ليس به. وعن سلمة بن سلامة بن وقش قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يوما من بيته قبل أن يبعث النبي. صلى الله عليه وسلم بيسير، حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل. قال سلمة: وانا يومئذ أحدثُ من فيه سنّاً عليَّ بردة مضطجعاً فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال ذلك لقومٍ أهل شرك، أصحاب أوثان لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت. فقالوا له: ويحك يا فلان ترى هذا كائناً أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دارٍ فيها الجنة والنار يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم والذي يحلف به يود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه، وأن ينجو من تلك النار غداً. قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد،

وأشار بيده نحو مكة واليمن، قالوا: ومتى تراه؟ قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سناً فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه. قال سلمة: فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسول صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا، فآمنا به وكفر به بغياً وحسداً، فقلنا: ويلك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى وليس به. ذكر بدء دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام: روى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو من أول ما أنزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفياً ثم أمر بإظهار الدعاء. وقال يعقوب بن عتبة: كان أبو بكر وعثمان وسعيد بن زيد وأبو عبيدة بن الجراح يدعون إلى الإسلام سراً، وكان عمر وحمزة يدعوان علانية، فغضبت قريش لذلك. ذكر طرف من معجزاته صلى الله عليه وسلم: اعلم أن معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، ونحن نذكر طرفاً منها: وأكبر معجزاته الدالة على صدقة القرآن العزيز الذي لو اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يقدروا وكفى به. عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين حتى نظروا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا" 1. أخرجاه في الصحيحين والروايات في الصحيح بانشقاق القمر عن ابن عمر وعباس وأنس. وعن عمران بن حصين قال: كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا أسرينا حتى إذا كانا في آخر الليل وقعنا تلك الوقعة، ولا وقعة عند المسافر أحلى منها، قال: فما أيقظنا إلا حر الشمس، وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان وكان يسمّيهم أبو رجاء ونسيهم عوف، ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان رسول الله. صلى الله عليه وسلم إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ لانا لا ندري ما يحدث أو ما حدث له في نومه. فلما أستيقظ عمر ورأى ما أصاب وكان رجلا أجوف جليداً قال فكبر ورفع

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3636. باب 27. سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر ومسلم في كتاب صفة القيامة حديث 2800. باب 8. انشقاق القمر.

صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا إليه الذي أصابهم فقال: " لا ضير"، أو " لا يضير، ارتحلوا" فارتحل فسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ، ونودي بالصلاة فصلى بالناس، فلما انتفل من صلاته إذا رجل معتزل لم يصلِّ مع القوم فقال ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء. قال عليك بالصعيد الطيب فانه يكفيك. ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتكى إليه الناس العطش فنزل فدعا فلانا كان يسميه أبو رجب ونسيه عوف، ودعا علياً عليه السلام فقال: "اذهبا فابغيا الماء" فذهبا فلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعيرها فقالا لها: أين الماء؟ عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونَفَرنا خُلوف. قال: فقالا لها فانطلقي إذا. قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: هذا الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين فانطلقي. فجاءا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثاه الحديث، فاستزلوها عن بعيرها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين وأوكى أفواههما وأطلق العزالي ونودي في الناس أن اسقوا واستقوا فسقى من شاء واستقى من شاء، فكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء فقال: " إذهب فافرغه عليك". قال، وهي قائمة تنظر: ما يفعل بمائها؟ قال وأيم الله لقد اقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملئة منها حين ابتديء فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجمعوا لها". فجمع لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاماً كثيراً وجعلوه في ثوب وحملوه على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلمين والله ما رزأناك من مائك شيئاً ولكن الله عز وجل هو الذي سقانا". قالت: فأتت أهلها وقد احتبست عنهم فقالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب، لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابئ ففعل بمائي كذا وكذا، فوالله إنه لأسحر من بين هذه وهذه، وقالت بإصبعها الوسطى والسبابة، فرفعتهما إلى السماء تعني السماء والأرض وإنه لرسول الله حقاً. قال: فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على ما حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه. فقالت يوماً لقومها: ما أدري هؤلاء القوم الذين يدعونكم عمداً فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام1. أخرجاه في الصحيحين. وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالزوراء فإتي بإناء فيه ماء لا يغمر أصابعه أو

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3571. باب 25. علامات النبوة في الإسلام.

قدر ما يواري أصابعه فأمر أصحابه أن يتوضؤا. فوضع كفه في الماء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه، حتى توضأ القوم قال: فقلنا لأنس: كم كنتم؟ قال: كنا ثلاثمائة1. أخرجاه في الصحيحين. وعن جابر قال: عطش الناس يوم الحديبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة، فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لكم؟ " قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب ماء إلا في ركوتك فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون. قال: فشربنا وتوضأنا، فقلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة2. أخرجاه في الصحيحين. وعن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة إذ قام أعرابي فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة فثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحدر على لحيته. قال فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، ومن بعد الغد، والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال، ادع الله لنا. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا" قال: فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة، حتى سال الوادي وادي قناة شهراً فلم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود3، أخرجاه في الصحيحين. وعن جابر بن عبد الله قال: كان جذع يقوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه4 رواه البخاري. وقد روى محمد بن سعد عن أشياخ له أن قريشاً لما تكاتبت على بني هاشم حين أبوا أن يدفعوا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا تكاتبوا أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم في شيء ولا يكلموهم فمكثوا ثلاث سنين في شعبهم محصورين، ثم أطلع الله نبيه على

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3572. باب 25. علامات النبوة في الإسلام. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3576. باب 25. علامات النبوة في الإسلام. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3582. باب 25. علامات النبوة ومسلم أيضا. 4 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3585. باب 25. علامات النبوة في الإسلام.

أمر صحيفتهم، وأن الآكلة قد أكلت ما كان فيها من جور أو ظلم، وبقي فيه ما كان من ذكر الله. فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب فقال أبو طالب أحق ما تخبرني به يا ابن أخي؟ قال: "نعم والله". فذكر ذلك أبو طالب لإخوته وقال: والله ما كذبني قط، قالوا: فما ترى؟ قال: أرى أن تلبسوا أحسن ثيابكم وتخرجوا إلى قريش فنذكر ذلك لهم قبل أن يبلغهم الخبر فخرجوا حتى دخلوا المسجد، فقال أبو طالب: إنا قد جئنا لأمر فأجيبوا فيه. قالوا: مرحباً بكم وأهلاً. قال: إن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قط أن الله قد سلط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم، وبقي فيها كل ما ذكر به الله، فإن كان ابن أخي صادقاً نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذاباً دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه إن شئتم. قالوا أنصفتنا، فأرسلوا إلى الصحيفة فلما فتحوها إذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقط في أيدي القوم ثم نكسوا على رؤوسهم، فقال أبو طالب: هل تبين لكم من أولى بالظلم والقطيعة؟ فلم يراجعه أحد منهم، ثم انصرفوا. ذكر طرف من أخباره بالغائبات صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" 1 أخرجاه في الصحيحين. وعنه قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: " هذا من أهل النار". فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابه جراحة، فقيل: يا رسول الله، الرجل الذي قلت من أهل النار قاتل قتالاً شديداً وقد مات. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النار. وكاد بعض القوم يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكن به جراح شديد، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: " الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله". ثم أمر بلالاً فنادى في الناس: "أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" 2 أخرجاه في الصحيحين. وعن عبد الله بن مسعود قال: انطلق سعد بن معاذ معتمراً فنزل على أمية بن خلف،

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس حديث 3120. باب 8. قول النبي صلى الله عليه وسلم:"أحلت لكم الغنائم"ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة باب اقتراب ظهور الفتن. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير حديث 3062. باب 182. إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر.

وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد، فقال أمية لسعد انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت. فبينا سعد يطوف إذا أبو جهل قال: من يطوف بالكعبة؟ فقال أنا سعد. فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمناً وقد آويتم محمداً وأصحابه؟ قال: نعم. فتلاحيا بينهما، فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي. ثم قال سعد: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعنك متجرك بالشام. قال: فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك. وجعل يمسكه فغضب سعد فقال: دعنا عنك فإني سمعت محمداً صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك. قال: إياي؟ قال: نعم، قال: والله ما نكذب محمداً إذا حدث. فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أن محمداً يزعم أنه قاتلي، قالت فوالله ما يكذب محمد. قال: فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ قالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: فأراد أن لا يخرج. فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي فسر معنا يوماً أو يومين فسار معهم فقتله الله. وعن أنس قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال، وكنت حديد البصر فرأيته، فجعلت أقول لعمر: أما تراه؟ فقال: سأراه وأنا مستلق على فراشي. ثم خذ يحدثنا عن أهل بدر، قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارعهم بالأمس، يقول: "هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله". قال: فجعلوا يصرعون عليها. قال: قلت والذي بعثك بالحق ما أخطأت رؤيتك، كانوا يصرعون عليها، ثم أمر بهم فطرحوا في بئر فانطلق إليهم فقال: " يا فلان، يا فلان، هل وجدتم ما وعدكم الله حقاً فإني وجدت ما وعدني الله حقاً؟ " فقال عمر: يا رسول الله أتكلم قوماً قد جيفوا فقال: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا" انفرد بإخراجه مسلم. ذكر طرف مما لاقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين وهو صابر: كان أبو طالب يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوماً مات عمه أبو طالب للنصف من شوال في السنة العاشرة من المبعث، وهو ابن بضع وثمانين سنة، وتوفيت بعده خديجة بشهر وخمسة أيام، ويقال بثلاثة أيام فحسب، وهي ابنة خمس وستين سنة، وكانت قريش تكف بعض أذاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات أبو طالب، فلما مات بالغوا في أذاه، فلما ماتت خديجة أقام بعدها ثلاثة

أشهر، ثم خرج هو وزيد بن حارثة إلى الطائف فأقام بها شهراً ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي وما زال يلقى الشدائد. وعن عبد الله قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد، فإنه كان يصلي ورهط من قريش جلوس وسلى جزور قريب منه، فقالوا من يأخذ هذا السلى فيلقيه على ظهره؟ قال فقال عقبة بن أبي معيط: أنا. فأخذه فألقاه على ظهره. فلم يزل ساجداً حتى جاءت فاطمة صلوات الله عليها فأخذته عن ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم عليك الملأ من قريش، اللهم عليك بعتبة بن ربيعة، اللهم عليك بشيبة بن ربيعة، اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، اللهم عليك بعقبة ابن أبي معيط، اللهم عليك بأبي بن خلف أو أمية بن خلف" 1. قال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعاً ثم سحبوا إلى القليب غير أبي أو أمية فإنه كان جلاً ضخماً فتقطع أخرجاه في الصحيحين. وعن عروة إن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: " لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً 2" أخرجاه في الصحيحين. وعنه قال3 قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجزية والموادعة حديث 3185. باب 20. الموادعة من غير وقت ومسلم في كتاب الجهاد والسير حديث 1794. باب 39, 40. ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق حديث 3231. باب 7. إذا قال أحدكم آمين ومسلم في كتاب الجهاد والسير حديث 1795. باب 39, 40. ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة حديث 3678. باب 5. قول النبي صلى اله عليه وسلم: " لو كنت متخذا خليلا 00000 "وأطرافه في 3856, 4815. ومسلم في كتاب الجهاد والسير حديث 1794. باب 39- 40. ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين.

برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقاً شديداً فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28] . فصل فلما أتت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمسون سنة وثلاثة أشهر قدم عليه جن نصيبين فأسلموا. فلما أتت له إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر أسري به. ذكر معراجه صلى الله عليه وسلم: عن أنس بن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به، قال: "بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر مضجعاً، إذ أتاني آتٍ فجعل يقول لصاحبه: الأوسط بين الثلاثة. قال: فأتاني وقعد". قال: وسمعت قتادة يقول: " فشق ما بين هذه إلى هذه". قال قتادة: فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته وسمعته يقول من قصة إلى شعرته، قال: "فاستخرج قلبي، قال فأتيت بطست من ذهب مملوءة إيماناً فغسل قلبي ثم حشى ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض"، قال: فقال له الجارود: أهو البراق يا أبا حمزة؟ قال: أنس: نعم يقع خطوه عند أقصى بصره. قال: "فحملت عليه فانطلق بي جبريل صلى الله عليه وسلم حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم صعد حتى أتى بي السماء الثانية فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء قال: ففتح، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خاله قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، قال: فسلمت، فردا السلام ثم قالا مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى إلى السماء الثالثة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم قيل: مرحباً به ونعم المجيء جاء.

قال: ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال جبريل قيل: ومن معك: قال: محمد قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال نعم. قيل: مرحباً به ونعم المجيء جاء، قال: ففتح، فلما خلصت إذا إدريس قال: هذا إدريس فسلم عليه، قال: فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. قال: ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال نعم، قيل: مرحباً به ونعم المجيء جاء، قال ففتح، فلما خلصت قال: فإذا أنا بهارون قال: هذا هارون فسلم عليه قال: فسلمت عيله فرد السلام ثم قال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. قال: ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل: من هذا؟ قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد قيل أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحباً به ونعم المجيء جاء. ففتح فلما خلصت قال فإذا أنا بموسى قال: هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. قال: فلما تجاوزت بكى فقيل: وما يبكيك؟ قال أبكي لأن غلاماً بعث بعدي، يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي. قال ثم صعد حتى السماء السابعة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل فقيل: من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل: أو قد أرسل إليه قال نعم قيل: مرحباً به ونعم المجيء جاء. قال: ففتح، فلما خلصت فإذا إبراهيم قال: هذا إبراهيم فسلم عليه. قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح. قال ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا أوراقها مثل اذان الفيلة. قال: هذه سدرة المنتهي. قال، فإذا أربعة انهار، نهران باطنان ونهران ظاهران. قلت: ما هذا يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات. قال ثم رفع إلى البيت المعمور". قال قتادة وحدثنا عن أبي هريرة عن النبي. صلى الله عليه وسلم أنه أُري البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه. ثم رجع إلى حديث أنس، قال: ثم أتيت باناء من خمر، واناء من لبن، واناء من عسل،

قال: فأخذت اللبن قال: هذه الفطرة أنت عليه وأمتك. قال ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم. قال: فرجعت فمررت على موسى فقال: بمَ أمرت؟ قلت: أمرت بخمسين صلاة كل يوم. قال إن أمّتك لا تستطيع خمسين صلاة، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك عز وجل وسله التخفيف لأمتك. قال فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال بما أمرت؟ قلت: بأربعين صلاة كل يوم، قال إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. قال: فرجعت فوضع عني عشراً آخر، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بثلاثين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني عشراً آخر فرجعت إلى موسى فقال: بمَ أمرت؟ قلت: أمرت بعشرين صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع عشرين صلاة كل يوم فإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك عز وجل فاسأله التخفيف لأمتك. قال: فرجعت فأمرتَ بعشر صلوات كل يوم. فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: بعشر صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع عشر صلوات كل يوم وإني خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك عز وجل فاسأله التخفيف لأمتك. قال: فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل اشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف إلى أمتك قال قلت: قد سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم. فلما نفذت ناداني منادً قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي" 1 أخرجاه في الصحيحين". عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله. صلى الله عليه وسلم: "رأيت ربي تبارك وتعالى" 2 رواه الإمام أحمد.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق حديث 3207. باب 6 ذكر الملائكة وأطرافه في 3393, 3430, 3887. ومسلم في كتاب الإيمان حديث 162. باب 74- 76. الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات. 2 صحيح: أخرجه أحمد في المسند حديث 2580- 2634.

ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة: لما اظهر رسول الله. صلى الله عليه وسلم الإسلام اظهر له المشركون له العداوة فمنعه الله بعمه أبي طالب وأمر أصحابه بالخروج إلى أرض الحبشة وقال لهم إن بها ملكاً لا يظلم الناس ببلاده فتحرزوا عنده حتى يأتيكم الله بفرج منه فهاجر جماعة واستخفى اخرون بإسلامهم وكان جملة من خرج إلى أرض الحبشة ثلاثة وثمانين رجلا وإحدى عشرة امرأة قريشة وسبع غرائب. فلما سمعوا بمهاجر رسول الله. صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلاً وثمان نسوة. فمات منهم رجلان بمكة، وحبس منهم سبعة، وشهد منهم بدراً أربعة وعشرون. فلما كانت سنة سبع من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام فأسلم وكتب إليه أن يزوجه بأم حبيبة وان يبعث إليه من بقي من أصحابه ففعل. فقدموا المدينة فوجدوا رسول الله. صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر. ذكر مقدرا إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة: اختلفوا في ذلك فروى ربيعة عن أنس، وأبو سلمة عن ابن عباس: أنه أقام عشر سنين. وهو قول عائشة وسعيد بن لامسيب. وروي عن ابن عباس أنه أقام خمس عشرة سنة. عن ابن عباس قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة، سبع سنين يرى الضوء ويسمع الصوت، وثماني توحى إليه. والصحيح ما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة. ويحمل قول من قال عشر سنين على مدة إظهار النبوة؛ فإنه لما بعث استخفى ثلاث سنين، ويحمل قول من قال خمس عشرة سنة على مبدأ ما كان يرى قبل النبوة من أعلامها صلى الله عليه وسلم. ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بالموقف على الناس لينصروه: عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه بالموقف ويقول: "ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشاً منعوني أن أبلغ كلام ربي" 1 رواه الترمذي وعنه قال: مكث

_ 1 صحيح: أخرجه أبو داود في كتاب السنة حديث 4734. باب في القرآن والترمذي في كتاب فضائل القرآن حديث 2925. باب 24. وانظر صحيح سنن الترمذي للعلامة الألباني رحمه الله حديث 2335.

رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة الجنة؟ حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مصر كذا قال، فيأتيه قومه فيقولون: إحذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله له من يثرب فآويناه ونصرناه وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام، ثم ائتمروا جميعاً، فقلنا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في المواسم فواعدناه شعب العقبة واجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافقنا فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك، قال: "بايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تتقوا في الله، ولا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني وتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءك ولكم الجنة". قال: فقمنا إليه فبايعناه وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم وقال: رويداً يا أهل يثرب، فأنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وإن تعضكم السيوف، فأما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله، وما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينه فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله. قالوا: أمط عنا يا أسعد فوالله ما ندع هذه البيعة أبداً ولا نسلبها أبداً، قال: فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط. ويعطينا على ذلك الجنة. ذكر العقبة وكيف جرى1: قال ابن اسخحق: لما أراد الله تعالى إظهار دينه وإعزاز نبيه وإنجاز موعده خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه في النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج فذكروا أنه قال لهم: " ممن أنتم؟ " قالوا له: من الخزرج: قال " أفلا تجلسون أكلمكم؟ " قالوا بلى، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله تعالى وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن، وقد كانوا يسمعون من اليهود أن نبياً مبعوثاً قد أظل زمانه، فقال بعضهم لبعض والله يا قوم إن هذا النبي الذي تعدكم به اليهود

_ 1 أنظر سير أعلام النبلاء 1/198.

فلا يسبقنكم إليه. فأجابوه وهم فيما يزعمون ستة: أسعد بن زرارة، وعوف بن مالك وهو ابن عفراء، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابى، وجابر بن عبد الله بن رئاب. فلما انصرفوا إلى بلادهم وقد آمنوا ذكروا لقومهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم اثنا عشر رجلاً من الأنصار فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهي العقبة الأولى، فبايعوه بيعة النساء قبل أن تفترض الحرب، وفيهم عبادة بن الصامت، قال عبادة: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف، وذلك قبل أن نفترض الحرب فإن وفيتم بذلك فلكم الجنة وإن غشيتم شيئاً فأمركم إلى الله، إن شاء غفر وإن شاء عذب. فلما انصرف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معهم مصعب بن عمير إلى المدينة يفقه أهلها ويقرهم القرآن، فنزل على أسعد بن زرارة، فكان يسمى بالمدينة المقريء فلم يزل يدعو الناس إلى الإسلام حتى شاع الإسلام، ثم رجع مصعب إلى مكة قبل بيعة العقبة الثانية. قال كعب بن مالك: خرجنا في الحجة التي بايعنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة مع مشركي قومنا، فواعدنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة أواسط أيام التشريق، ونحن سبعون رجلاً، ومعهم امرتان فلما كانت الليلة التي واعدنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم نمنا أول الليل مع قومنا فلما استثقل الناس من النوم تسللنا من فراشنا تسلل القطا حتى اجتمعنا بالعقبة فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس ليس معه غيره، فقال العباس: يا معشر الخزرج. إن محمداً منا حيث قد علمتم، وهو في منعة من قومه وبلاده وقد أبى غلا الانقطاع إليكم فإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلاناً فاتركوه في قومه فإنه في منعة من عشيرته وقومه. فقلنا: قد سمعنا ما قلت، تكلم يا رسول الله، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الله ورغب إلى الإسلام وتلا القرآن فأجبناه بالإيمان به والتصديق له وقلنا له: يا رسول خذ لربك ولنفسك، قال: إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم منه أبناءكم ونساءمكم، فأجابه البراء بن معرور فقال: نعم والذي بعثك بالحق مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر.

فعرض في الحديث ابو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين أقوام جبالاً وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فقال رسول الله: " بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني، أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم". فقال له البراء بن معرور: ابسط يدك يا رسول الله نبايعك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً فأخرجوهم وهم أسعد بن زرارة وعبد الله بن عمرو بن حزام، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، ورافع بن مالك بن العجلان، وعبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع وعبادة بن الصامت، وأسيد بن حضير، وأبو الهيثم بن التيهان، وسعد بن خيثمة. فأخذ البراء بن معرور بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عليها فكان أول من بايع وتتابع الناس فبايعوا. قال ابن اسحق: فلما أيقنت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بويع وأمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة، توامروا بينهم فقالوا: والله لكأنه قد كر عليكم بالرجال فاثبتوه أو اقتلوه أو اخرجوه، فاجتمعوا على قتله، وأتاه جبريل وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه، فبات في غيره فلما أصبح أذن له في الخروج إلى المدينة. وعن ابن عباس في قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} [الأنفال: 30] قال: تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم بل اخرجوه، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فبات علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم. فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فاقتفوا أثره. ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة: كانت بيعة العقبة في أوسط أيام التشريق وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لاثنتي ليلة خلت من ربيع الأول. قال يزيد بن أبي حبيب: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة في صفر وقدم المدينة في ربيع الأول. قال ابن إسحق: دخلها حين ارتفع الضحى وكادت الشمس تعتدل. عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر

علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة هو سيد القارة فقال: أين تريد يا با بكر؟ فقال ابو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، أنت تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار إرجع واعبد ربك ببلدك فرجع وارتحل معه ابن الدغنة فطاف ابن الدعنة عشية في أشراف قريش فقالهم: إن با بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق. فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فأنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا. فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره. ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه. وكان ابو بكر رجلاً بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن. فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسولا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فانهه فإن أحب أ، يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل. وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك. فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتي ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب إني أخفرت في رجل عقدت له، فقال ابو بكر: فإني أردت إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: "إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين" وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة وتجهز ابو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي". فقال ابو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت.؟ قال: "نعم". فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر1. قال ابن شهاب، قال عروة، قالت عائشة: فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الكفالة حديث 2297. باب 4. جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده وأحمد في المسند حديث 25502.

الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال ابو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أخرج من عندك. فقال ابو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: فإني قد أذن لي في الخروج. فقال ابو بكر: الصحابة بأبي أنت يا رسول الله. قال رسول الله نعم. قال ابو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بالثمن". قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاق قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور فمكثنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش كبائت فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى لأبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل، وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً والخريت: الماهر بالهداية قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل1. قال ابن شهاب وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي، وهو ابن أخي سراقة ابن جعشم، أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول: جاءنا كفار قريش يجعلون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفاً أسودة بالسواحل أراها محمدا وأصحابه قال سراقة: فعرفت انهم هم فقلت نهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب البيوع حديث 2138. باب 57. إذا اشترى متاعا أو دابة ... وأبو داود في كتاب اللباس حديث 4083.باب في التقنع.

فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت معي رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزّجه الأرض وخفضت عاليهُ حتى اتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرّب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرُّهم أم لا فخرج الذي أكره فركبت فرسي، وعصيت الأزلام، تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتنا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها. فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قال: " أخف عنا". فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر في ثياب بياض وسمع المسلمين بالمدينة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحَرّة فينتظرونه حتى يردهم حرّ الظهيرة فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله. صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب هذا جدّكم الذي تنتظرونه فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله. صلى الله عليه وسلم بظهر الحرّة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمر بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتاً، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل. غلامين يتيمين

في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً"فقالا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجداً وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول: "هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر" ويقول: "اللهم إن الأجر أجر الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة" فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي. قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم تمثل ببت شعرٍ تام غير هذه الأبيات1. انفرد باخراجه البخاري. وعن البراء بن عازب قال اشترى أبو بكر من عازب سرجا بثلاثة عشر درهما قال فقال أبو بكر مر البراء فليحمله إلى منزلي فقال لا حتى تحدثنا كيف صنعت حين خرج رسول الله. صلى الله عليه وسلم وأنت معه قال فقال أبو بكر خرجنا فادلجنا فاجتثثنا يومنا وليلنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فضربت ببصري هل نرى ظلا نأوي إليه فإذا أنا بصخرة فأويت إليها فإذا بقية ظلها فسويته لرسول الله. صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة وقلت اضجع يا رسول الله. صلى الله عليه وسلم فاضجع ثم خرجت انظر هل أرى أحداً من الطلب فإذا أنا براعي غنم فقلت لمن أنت يا غلام فقال لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم قال قلت هل أنت حالب لي قال نعم فأمرته فاعتقل شاة منها ثم امرته فنفض ضرعها من الغبار ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار ومعي أدواة على فمها خرقة فحلب لي كثبة من اللبن فصببت على القدح حتى برد أسفله ثم أتيت رسول الله فوافيته وقد استيقظ فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثم قلت هل أنى الرحيل فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} حتى إذا دنا منا وكان بيننا وبينه قيد رمح أو رمحين أو ثلاثة قلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت فقال: لماذا

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار حديث 3906. باب 45. هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وأحمد في المسند حديث 17521.

تبكي؟ قال قلت أما والله ما على نفسي أبكي ولكني أبكي عليك، قال فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم اكفناه بما شئت" فساخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض ووثب عنها وقال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله عز وجل أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا حاجة لي فيها" قال: ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق ورجع إلى أصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة فتلقاه الناس فخرجوا في الطرق وعلى الأناجير واشتد الخدم والصبيان في الطريق: الله أكبر جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء محمد قال: وتنازع القوم أيهم ينزل عليه قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك" فلما أصبح غدا حيث أمر. قال البراء بن عازب: أول من قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا فقلنا: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هو على اثري ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر قال البراء: ولم يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سورا من المفصل. أخرجاه في الصحيحين. وعن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا تحت قدميه. فقال أبا بكر: " ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ " 1 أخرجاه في الصحيحين. حديث أم معبد2. عن أبي معبد الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن أُرَيْقِط الليثي فمروا بخيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة جلدة برزة تحتبي وتقعد بفناء الخيمة تسقي وتطعم فسألوها تمرا ولحما يشترون فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك فإذا القوم مرملون مسنتون فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال:

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة حديث 3653. باب 2. مناقب المهاجرين وفضلهم ومسلم في كتاب فضائل الصحابة حديث 2381. باب 1. من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه. 2 صحيح: أخرجه الحاكم في المستدرك 3/9. والتبريزي في مشكاة المصابيح رقم 5943. وابن سعد في الطبقات الكبرى 1/155. والبيهقي في دلائل النبوة 204.

وما هذه الشاة يا أم معبد قالت: هذه شاة خلّفها الجهد عن الغنم فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك. قال: أتأذنين لي أن أحلبها قالت نعم بأبي وأمي إن رأيت بها حلباً. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسح ضرعها وذكر اسم الله وقال: اللهم بارك لها في شاتها. قال فتفاجت ودرت واجترت فدعا باناء لها يُربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى غلبه الثمال فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب رسول الله. صلى الله عليه وسلم آخرهم وقال: ساقي القوم آخرهم شرباً فشربوا جميعا عللاً بعد نهل حتى اراضوا ثم حلب فيه ثانياً عوداً على بدء فغادره عندها حتى ارتحلوا عنها فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً حيلاً عجافاً هزلى ما تسأوق مخُّهن قليل لا نقى بهن فلما رأى اللبن عجب فقال: من أين لك هذا والشاة عازبة ولا حلوبة في البيت؟ قالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت. قال: والله إني لأراه صاحب قريش الذي يطلب، صفيه لي يا أم معبد؟ قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه، حسن الخلق لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة وسيم، قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، أحور أكحل، أزجّ أقرن، شديد سواد الشعر، في عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، إذا صمت فعليه الوقار وإذا تكلم سما وعلاه البهاء وكأن منطقه خرزات عقد يتحدرن، حلو المنطق فصل، لا نزر ولا هذر أجهر الناس وأجملهم من بعيد وأحلاهم وأحسنهم من قريب ربعه لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً له رفقاء يحفّون به إذا قال استمعوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند. قال هذا والله صاحب قريش الذي ذُكر لنا من أمره ما ذكر ولو كنت وافقته لالتمست أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. وأصبح صوت بمكة عالياً بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرى من يقوله وهو يقول: جزى الله ربُّ الناسِ خيرَ جَزَائِه ... رفيقين حلاً خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر وارتحلا به ... فافلح من أمسى رفيق محمد فيالَ قصي، ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجازى وسودد سلوا اختكم عن شاتها وانائها ... فانكم ان تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت ... له بصريح ضرةُ الشاة مزبد

فغادره رهناً لديها لحالب ... بدرتها من مصدر ثم مورد فأصبح القوم وقد فقدوا نبيهم، وأخذوا على خيمتي أم معبد حتى لحقوا النبي صلى الله عليه وسلم قال فأجابه حسان بن ثابت يقول: لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقُدِّس من يَسرِي إليه ويغتدي تَرَحَّلَ عن قوم فزالت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجَّدد فهل يستوي ضلال قوم تسكعوا ... عمى وهداةٌ يهتدون بمهتد نبي يرى ما لا يرى الناسُ حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مشهد فإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد ليهن أبا بكر سعادةُ جدِِه ... بصحبته، من يسعد الله يسعد ويَهنُ بني كعب مكانُ فتاتهم ... ومقعدها للمسلمين بمرصد قال عبد الملك بن مروان فبلغنا أن أم معبد هاجرت إلى النبي. صلى الله عليه وسلم وأسلمت. تفسير غريب للحديث: البرزة: الكبيرة والمرملون الذين نفد زادهم، ومستون من السنة وهي الجدب، وكسر الخيمة: جانبها، والجهد المشقة، وتفاجت: فتحت ما بين رجليها للحلب ويربض الرهط: يثقلهم فيربضوا والثج: السيلان، والثمال: الرغوة، وقوله عللاً بعد نهل، أي مرة بعد اخرى، حتى أراضوا: أي رووا، والحيل: اللواتي لسن بحوامل والنقى المخ، والشاة عازب: أي بعيدة في المرعى، متبلج الوجه مُشرقُهُ، والثجلة: عظيم البطن واسترخاء أسفله: والصعلة: صغر الرأس، والوسيم الحسن، وكذلك القسيم، والدعج السواد في العين، والوطف: الطول في هدب العين، والصّحل كالبحة والأحور: الشديد سواد أصول أهداب العين خلقة، والأزج من الزجج وهو دقه الحاجبين وحسنهما، والأقرن: المقرون الحواجب والسطع: الطول، وقولها "إذا تكلم سما "تريد علا رأسه أو يده وقولها "لا نزر ولا هذر "تريد أنه ليس بقليل ولا كثير، وقولها لا تقتحمه عين من قصر أي لا تحتقره، والمحفود: المخدوم، والمحشود من قولك احتشدت لفلان في كذا إذا أعددت له وجمعت وقولها: ليس بعابس الوجه ولا فيه أثر هرم، والفند الهرم، والصريح الخالص، والضرّة لحم الضرع.

ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة: قال الزهري: نزل رسول الله. صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بقباء، فأقام فيهم بضع عشرة ليلة وقال عروة: مكث بقباء ثلاث ليال، ثم ركب يوم الجمعة فمر على بني سالم فجمع بهم، وكانت أول جمعة صلاها حين قدم المدينة. ثم ركب في بني سالم قمرت الناقة حتى بركت في بني النجار على دار أبي أيوب الأنصاري فنزل عليه في سفل داره وكان أبو أيوب في العلو حتى ابتنى رسول الله. صلى الله عليه وسلم مسجداً ومساكنه. عن عائشة قالت: قدم النبي. صلى الله عليه وسلم المدينة وهي وبيئة فمرض أبو بكر فكان إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في رحله ... والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أخذته الحمى يقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادٍ وحولي اذخِرٌ وجليل؟ وهل أرِدن يوماً مياه مجنَّة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل؟ اللهم إلعن شيبة بن ربيعة، وأمية بن خلف كما اخرجونا من مكة. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقوا قال: "اللهم حبّب الينا المدينة كحبّنا مكة أو أشد، اللهم صححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها إلى الجحفة". قالت فكان المولود يولد بالجحفة فما يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى1 أخرجاه في الصحيحين. ذكر عمومة رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ابن السائب: هم أحد عشر الحارث والزبير وأبو طالب وحمزة وأبو لهب والغيداق والمقوّم وضرار والعباس وقثم وجحل، واسم جحل المغيرة وقال غيره هم عشرة ولم يذكر قثم، وقال اسم الغيداق جحل. ذكر عماته صلى الله عليه وسلم: وهن ستٌ أم حكيم وهي البيضاء وبرّة وعاتكة وصفية وأروى وأميمة، فأما صفية فأسلمت من غير خلاف، وأما عاتكة وأروى فقال محمد بن سعيد: أسلمتا وهاجرتا إلى المدينة. وقال آخرون: لم تسلم منهن إلا صفية. ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل المدينة حديث 1889. باب 11. كراهية النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة ومسلم وأحمد في المسند 24169- 24241.

سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية، أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان، زينب بنت جحش أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خُزيمة ابن الحارث بن أبي ضرار، صفية بنت حُيي بن أخطبُ، وميمونة بنت الحارث بن حزن. وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من النساء فلم يدخل بهنَّ وخطب جماعة فلم يتم النكاح، ويقال: إن أم شريك وهبت نفسها للنبي. ذكر سراري رسول الله صلى الله عليه وسلم: مارية القبطية بعث بها إليه المقوقس، ريحانة بنت زيد، ويقال أنه تزوجها، وقال الزهري: استسرّها ثم اعتقها فلحقت بأهلها وقال أبو عبيدة كان له أربع مارية وريحانة وأخرى جميلة أصابها في السبي، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش. ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم: أما الذكور فالقاسم: وبه كان يكنى صلى الله عليه وسلم وهو أول من مات من أولاده وعاش سنتين. عبد الله: وهو الطاهر والطيب، ولد له في الإسلام. وقال عروة: ولدت له خديجة: القاسم والطاهر وعبد الله والمطيَّب. وقال سعيد بن عبد العزيز: كان للنبي صلى الله عليه وسلم. أربعة غلمة إبراهيم، والقاسم، والطاهر، والمطهر. قال أبو بكر البرقي: ويقال إن الطاهر هو الطيب وهو عبد الله ويقال إن الطيب والمطيَّب ولدا في بطن، والطاهر والمطهر ولدا في بطن. إبراهيم أمه مارية القبطية، ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وتوفي ابن ستة عشر شهراً، وقيل ثمانية عشر شهراً ودُفِن بالبقيع. الإناث من أولاده صلى الله عليه وسلم: فاطمة عليها السلام ولدت قبل النبوة بخمس سنين زينب تزوجها ابو العاص بن الربيع رقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان تزوج ام كلثوم بعد رقية. وجميع أولاده من خديجة رضي الله عنها سوى إبراهيم

ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلم ويكنى أبا رافع أبو رافع آخر والد البهي احمر أسامة بن زيد افلح أنسه ويكنى أبا مسروح أيمن ابن أم أيمن ثوبان ويكنى أبا عبد الله ذكوان ويقال هو مهران وقيل طهمان رافع رباح الأسود زيد بن حارثة زيد بن بولا سابق سالم سلمان الفارسي سليم ويكنى أبا كبشة وقيل اسمه أوس سعيد أبو كندير شقران واسمه صالح ضميرة بن أبي ضميرة عبيد الله بن عبد الغفار فضالة اليماني كيسان مهران ويكنى أبا عبد الرحمن وهو سفينة في قول إبراهيم الحربي وقال غيره اسم سفينة رومان وقيل عيس ومدعم نافع نفيع ويكنى أبا بكرة الثقفي نبيه واقد وردان هشام يسار أبو اثيلة أبو الحمراء أبو السمح أبو ضميرة أبو عبيد واسمه سعيد وقيل عبيد أبو مويهبة أبو واقد. قال إبراهيم الحربي ليس في موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبيد إنما هو أو عبيد وإنما التيمي غلط في الحديث فقال عبيد وذكر ابن ابي خيثمة انهما اثنان عبيد وأبو عبيد. وفرق الحربي بين رافع وابي رافع فجعلهما اثنين وحكى ابن قتيبة انهما واحد. وقال ابو بكر بن حزم من غلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كركرة وقال مصعب اهدى إليه المقوقس خصيا اسمه مابورا وذكر محمد بن حبيب الهاشمي من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو لبابة وأبو لقيط وأبو هند. ذكر موليات رسول الله صلى الله عليه وسلم: أم أيمن اسمها بركة أميمة خضرة رضوى ريحانة سلمى مارية ميمونة بنت سعد ميمونة بنت ابي عسيب ام ضميرة ام عياش وقيل ام عياش مولاة ابنته رقية. ذكر مراكبه صلى الله عليه وسلم: كان له فرس يقال له السكب وفرس يقال له المرتجز وهو الذي اشتراه من الأعرابي وشهد فيه خزيمة بن ثابت وربما جعل بعضهم الاسمين لواحد. وفرس يقال له اللزاز وفرس يقال له الظرب وفرس يقال له الورد وفرس يقال النحيف وبعضهم يقول اللحيف باللام وبعضهم يسمي بعض خيله اليعسوب. وكان له الناقة القصواء وهي الغضباء وهي الجدعاء وبغلة تسمى الشهباء والدلدل وحمار يقال له اليعفور

ذكر صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك ينعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة من القوم ليس بالقصير ولا بالطويل البائن أزهر ليس بالأدم ولا الأبيض الأمهق رجل الشعر ليس بالسبط ولا الجعد القطط بعث على رأس أربعين أقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا وتوفي على رأس ستين ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء1 أخرجاه في الصحيحين. وعنه قال ما مسست حريراً ولا ديباجاً الين من كف النبي. صلى الله عليه وسلم ولا شممت ريحا قطا وعرفا قط اطيب من ريح أو عرف النبي صلى الله عليه وسلم2 "رواه البخاري". وقال ابو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قلت للربيع بنت معوذ صفي لي رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقتلن لو رأيته ل رأيت الشمس الطالعة3. قال إبراهيم بن محمد من ولد علي بن ابي طالب قال كان علي رضي الله عنه إذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد كان ربعة من القوم لم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا ولم يكن بالمهطم ولا بالمتكلثم وكان في وجهه تدوير ابيض مشربا ادعج العينين اهدب الاشفار جليل المشاش والكتد اجرد ذو مسربة ششن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كإنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت معا بين كتفيه خاتم النبوة وهو خاتم النبيين اجود الناس صدرا واصدق الناس لهجة والينهم عريكة واكرمهم عشرة من راه بديهة هابه ومن خالطه معرفة احبه يقول ناعته لم ار قبله ولا بعده مثله. صلى الله عليه وسلم4 رواه الترمذي. وقال5 سمعت أبا جعفر محمد بن الحسين يقول سمعت الاصمعي يقول الممغط

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3547. باب 23. صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2347. باب 32, 33. قدر عمر النبي صلى الله عليه وسلم وإقامته بمكة والمدينة. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3561. باب 23. صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2330. باب 21. طيب ريحه صلى الله عليه وسلم ولين مسه. 3 ضعيف أخرجه الدارمي في 1/27. حديث 61. 4 ضعيف أخرجه الترمذي في كتاب المناقب حديث 3638. باب 8. ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا حديث ليس إسناده بمتصل ومختصر الشمائل ص: 16. رقم 5. والبخاري في الأدب المفرد 1315. 5 أنظر المتقدم.

الذاهب طولا والمتردد الداخل بعضه في بعض قصرا واما القطط فشديد الجعودة والرجل الذي في شعره حجونة أي تثن قليل والمطهم البادن الكثير اللحم والمتكلثم المدور الوجه والمثرب الذي في بياضه حمرة والادعج الشديد سواد العين والاهدب الطويل الاشفار والكتد مجتمع الكتفين وهو الكاهل والمسربة الشعر الدقيق الذي كانه قضيب من الصدر إلى السرة والششن الغليظ الاصابع من الكفني والقدمين والتقلع المشي بقوة ووالصبب الحدور تقول انحدرنا في صبوب وصبب وقوله جليل المشاش يريد رؤوس المناكب والعشرة الصحبة والعشير الصاحب والبديهة المفاجأة. وعن الحسن بن علي قال سألت خالي هند بن ابي هالة وكان وصافا عن حلية النبي. صلى الله عليه وسلم وانا اشتهي ان يصف لي منها شيئا اتعلق به فقال كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر اطول من المربوع واقصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر ان انفرقت عقيقته وفرق والا فلا يجاوز شعره شحمة اذنته إذا هو وفرة ازهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب اقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتامله اشم كث اللحية سهل الخدين ضليع الفم مفلج الأسنان دقيق المسربة كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخيط عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك اشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة شثن الكفين والقدمين سابل الاطراف أو قال: سائل الأطراف خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما ينبو عنهما الماء أد زال زال قلعا يخطو تكفيا ويمشي هونا ذريع المشية إذا مشى كإنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الأرض اطول من نظره إلى السماء جل نظره للملاحظة يسوق أصحابه ويبدر من لقيه بالسلام قلت: فصِف لي منطقه، قال: كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة، طويل السَّكت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم فصلاً، لا فضول ولا تقصير، ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم منها شيئا غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا

أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها وضرب براحته اليمنى بطن إبهامها اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، جُلَّ ضحكه التبسم. قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته بها فوجدته قد سبقني إليه، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منه شيئاً. قال الحسين: سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءاً لله وجزءاً لنفسه، وجزءاً لأهله، ثم جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم منه شيئاً، وكان من سيرته في جزء الامة إيثار أهل الفصل باذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والامة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثَّبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روّاءاً ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدّلة، يعني على الخير. قال: فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزنُ لسانه إلا فيما يعنيه، ويؤلفهم، ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في ايدي الناس، ويحسن الحسن ويقويه وبقبح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حالٍ عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحةً وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساةً ومؤازرة. قال: فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكرٍ، وكان إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويامر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبهم لا يحسب جليسه أنَّ أحداً اكرم عليه ممن جالسه، ومن سأله حاجة لم يردّه إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات ولا تُؤبن فيه الحرم يتعاطفون فيه بالتقوى متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب. قلت: وكيف كانت سيرته في جلسائه؟ فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل

الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا فخّاش ولا عيّاب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤبس منه، ولا يخيب فيه مؤليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار، وما لايعنيه وترك الناس من ثلاث: لا يذم أحداً ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه ثوابه وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير وإذا سلكت تكلموا تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلّم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجليونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه ولا يقبل الثناء إلا من مكافيء، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام1"رواه الترمذي". وقد روى هذا الحديث أبو بكر بن الأنباري فزاد فيه: قال: فسألته عن سكوت رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال: كان سكوته على أربع، على الحلم والحذر والتقدير، والتفكر، فأما التقدير ففي تسوية النظر والإستماع من الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، ولا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه القبيح ليتناهى عنه واجتهاده الرأي في إصلاح أمته، والقيام لهم فيما جمع لهم من خير الدنيا والاخرة. تفسير غريب هذا الحديث: الفَخم المفخَّم: هو العظيم المعظَّم في الصدور والعيون. والمشذّب: الطويل الذي ليس بكثير اللحم، والرَّجلُ الشعر: الذي في شعره تكسُّر، فإذا كان الشعر منبسطاً قيل: شعر سبط وسبط والعقيقة: الشعر المجتمع في الرأس، الأزهر اللون: النير. وأزجّ الحواجب: أي طويل امتدادهما لوقور الشعر فيهما وحسنه إلى الصدغين. فأما جمع الحواجب فله وجهان: أحدهما على مذهب من يوقع الجمع على التثنية، والثاني: على أن كل قطعة من الحاجب تسمى حاجباً.

_ 1 ضعيف: أخرجه الترمذي في مختصر الشمائل ص: 18. رقم 6. وقال العلامة الألباني: قلت: إسناده ضعيف جدا وله علتان بينتهما في الصحيحة 2053. وقد أخرجت فيه شاهد لطرفه الأول وقد رواه البيهقي في الدلائل من طريق أخرى لكن فيه علي بن جعفر بن محمد سكت عنه في الكشاف وقال في الميزان ما رأيت أحدا لينه نعم ولا من وثقه قلت وساق له حديثا آخر في فضل أهل البيت استنكره جدا ولذلك خرجته في الضعيفة 2122. انتهى.

وقوله: أقنى العرنين: القنا أن يكون في عظم الأنف أحديداب في وسطه، والعرنين: الأنف، والأشم: الذي عظم أنفه طويل إلى طرف الأنف، وضليع الفم: كبيره، والعرب تمدح بذلك وتهجو بصغره، والمسرُبة: قد فسرناها في الحديث قبله، والدمية، الصورة وجمعها دُمى. وقوله بادن متماسك: أي تام خلق الأعضاء ليس بمسترخي اللحم ولا كثيره، وقوله: سواءٌ البطن والصدر، معناه: أن بطنه ضامر وصدره عريض فلهذا ساوى بطنه صدره. والكراديس: رؤوس العظام. وقوله: أنور المتجرد: أي نيّر الجسد إذا تجرد من الثياب: والنيّر: الأبيض المشرق. وقوله: خُمصان: الأخمصين: معناه أن أخمص رجله شديد الارتفاع من الأرض، والأخمص: ما يرتفع من الأرض من وسط باطن الرجل. قوله: مسيح القدمين: أي ليس بكثير اللحم فيهما وعلى ظاهرهما فلذلك ينبو الماء عنهما، والتقلّع والصَّبب: قد فسرناهما في الحديث قبله. وقوله ذريع المشية: واسع المشية من غير أن يظهر منه استعجال. والمهين: الحقير. ويسوق أصحابه: يقدّمهم بين يديه ومن ورائه يفوق: أراد يفضلهم ديناً وحلماً وكرماً. وقوله: لكل حال عنده عتاد: أي عدّة، يعني أنه قد اعد للامور اشكالها وقوله يرد بالخاصة على العامة فيه ثلاثة أوجه. أحدها أنه كان يعتمد على ان الخاصة ترفع علومه وارادته إلى العامة. والثاني ان المعنى يجعل المجلس للعامة بعد الخاصة فتنوب "الباء" عن "من" و"على" عن "إلى". والثالث فيرد ذلك بدلا من الخاصة على العامة فتفيد الباء معنى البدل. والرواد جمع رائد وهو الذي يقدم القوم إلى المنزل يرتاد لهم الكلأ وهو هنا مثل والمعنى انهم ينفعون بما يسمعون من وراءهم والذواق ههنا العلم يذوقون من حلاوته ما يذقون من الطعام وتؤبن فيه الحرم أي تعاب وقوله لا يقبل الثناء الا من مكافيء أي من صح عنده اسلامه حسن موقع ثنائه عليه ومن استشعر منه نفاقا أو ضعفا في دينه الغى ثناءه ولم يحفل به وارفدوه بمعنى أعينوه.

ذكر حسن خلقه صلى الله عليه وسلم: عن أبي عبد الله الجدلي قال قلت لعائشة كيف كان خلق رسول الله. صلى الله عليه وسلم في أهله قالت كان احسن الناس خلقا لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح1 رواه الإمام أحمد. وعن أنس قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت2 رواه البخاري. وعن سماك قال قلت لجابر بن سمرة اكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم كان طويل الصمت قليل الضحك وكان أصحابه يذكرون عنده الشعر واشياء من امورهم فيضحكون وربما تبسم3 انفرد باخراجه مسلم. ذكر تواضعه صلى الله عليه وسلم: عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله. صلى الله عليه وسلم: " لا تطروني كما اطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله" 4 أخرجه البخاري. وعن جابر قال جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ليس براكب بغلا ولا برذونا انفرد بإخراجه البخاري. وعن أنس قال: "كانت الامة من اماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله. صلى الله عليه وسلم فتنطلق به في حاجتها انفرد باخراجه البخاري وفي بعض الفاظ الصحيح: فتنطلق به حيث شاءت". وعن الأسود قال قلت لعائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا دخل بيته؟ قالت كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج فصلى انفرد بإخراجه البخاري. وعن البراء قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التراب وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول:

_ 1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند 13142- 13790- 25868. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الأدب حديث 6038. باب 39. حسن الخلق ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2309. باب 11. شجاعته صلى الله عليه وسلم. 3 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الفضائل حديث 2322. باب 18. رحمته صلى الله عليه وسلم بالنساء والرفق بهن وأبو داود وأحمد في 20689- 20706. 4 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء حديث 3445. باب 48. قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} وأحمد في المسند 164- 391- 331.

والله لولا انت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فانزلن سكينة علينا ... وثبت الاقدام ان لاقينا ان الالى قد بغوا علينا ... إذا ارادوا فتنة ابينا أخرجاه في الصحيحين وفي بعض الالفاظ: والله لولا الله ما اهتدينا1 وعن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المرضى ويشهد الجنازة ويأتي دعوة المملوك ويركب الحمار ولقد رأيته يوما على حمار خطامه ليف. وعن الحسن أنه ذكر رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال لا والله ما كانت تغلق دونه الابواب ولا يقوم دونه الحجاب ولا يغدى عليه بالجفان ولا يراح عليه بها ولكنه كان بارزا من أراد أن يلقى نبي الله لقيه وكان يجلس بالأرض ويوضع طعامه بالأرض يلبس الغليظ ويركب الحمار ويردف عبده ويعلف دابته بيده صلى الله عليه وسلم. ذكر حياته صلى الله عليه وسلم: عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم اشد حياء من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه2 أخرجاه في الصحيحين. وعن أنس بن مالك ان النبي. صلى الله عليه وسلم رأى على رجل صفرة فكرهها وقال لو امرتم هذا ان يغسل هذه الصفرة". قال وكان لا يواجه أحداً في وجهه بشيء يكرهه3 رواه الامام أحمد. ذكر شفقته ومداراته صلى الله عليه وسلم: عن أنس بن مالك ان نبي الله. صلى الله عليه وسلم قال أني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فاسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما اعلم من شدة وجد أمه من بكائه4. أخرجاه في الصحيحين.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المغازي حديث 4106. باب 29. غزوة الخندق وهي الأحزاب ومسلم أيضا. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3562. باب 23. صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومسلم في متاب الفضائل حديث 2320. باب كثرة حياء النبي صلى الله عليه وسلم. 3 صحيح: أخرجه أحمد في المسند 12565- 2308- 12511. 4 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الأذان حديث 709, 710. باب 65. من أخف الصلاة عند بكاء الصبي.

وعنه قال: قال رجل للنبي. صلى الله عليه وسلم: أين أبي؟ قال: "في النار" فلما رأى ما في وجهه قال: "إن أبي وأباك في النار" انفرد بإخراجه مسلم. وعن عبد الله قال لما كان يوم حنين اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم اناسا في القسمة فاعطى "الاقرع بن حابس مائة من الابل واعطى عيينة مثل ذلك واعطى اناسا من اشراف العرب واثرهم يومئذ في القسمة فقال رجل والله ان هذه لقسمة ما عدل فيها وما اريد بها وجه الله قال فقلت والله لأخبرن رسول الله. صلى الله عليه وسلم قال فاتيته فأخبرته بما قال قال فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر أخرجاه في الصحيحين. وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى النبي. صلى الله عليه وسلم فقال ان دوسا قد عصت وابت فادع الله عليهم فاستقبل القبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه فقال: "اللهم اهد دوسا وائت بهم اللهم اهد دوسا وائت بهم اللهم اهد دوسا وائت بهم" 1 أخرجاه في الصحيحين. وعن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن أبي2 لما توفي جاء ابنه إلى النبي. صلى الله عليه وسلم فقال اعطني قميصك اكفنه فيه وصل عليه واستغفر له فاعطاه قميصه وقال اذني اصلي عليه فآذنه فلما اراد ان يصلي جذبه عمر فقال اليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين فقال أنا بين خيرتين قال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] فصلى عليه فنزلت هذه الآية: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} [التوبة: 84] أخرجاه في الصحيحين. وعن عائشة قالت ما ضرب رسول الله. صلى الله عليه وسلم خادما له قط ولا امرأة له قط وما ضرب بيده الا ان يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء فانتقمه من صاحبه الا ان تنتهك محارم الله فينتقم لله عز وجل وما عرض عليه امران أحدهما ايسر من الاخر الا أخذ بايسرهما الا ان يكون ماثما فان كان ماثما كان ابعد الناس منه3 أخرجاه في الصحيحين.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المغازي حديث 4392. باب 75. قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي ومسلم في كتاب فضائل الصحابة حديث 2524. باب 47. من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع وتميم ودوس وطي. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجنائز حديث 1269. باب 22. الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف بغير قميص. 3 صحيح: أخرجه البخاري في المناقب حديث 3560. باب 23. صفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الفضائل حديث 2328. باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختيار هـ من المباح أسهله وانتقامه لله عز وجل عند انتهاك حرماته.

ذكر مزاحه ومداعبته صلى الله عليه وسلم: وعن أنس أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا وكان يهدي للنبي. صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية فيجهزه رسول الله. صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم "أن زاهرا بادينا ونحن حاضروه1". وكان رسول الله. صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلا دميما. فأتاه النبي. صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل فقال ارسلني من هذا فالتفت فعرف النبي. صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما الصق ظهره ببطن النبي. صلى الله عليه وسلم حين عرفه وجعل النبي. صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري العبد فقال يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لكن عند الله عز وجل لست بكاسد" أو قال: "لكن عند الله أنت غال" رواه الامام أحمد قال لنا محمد بن ابي منصور قال لنا ابو زكريا الدميم بالدال المهملة في الخلق وبالذال المعجمة في الخلق. وعن عائشة قالت خرجت مع النبي. صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم احمل اللحم ولم أبدن فقال للناس تقدموا ثم قال لي: "تعالي حتى أسابقك" فسابقته فسبقته فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت نسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس تقدموا ثم قال لي: "تعالي حتى أسابقك" فسابقته فسبقني فجعل يضحك ويقول "هذه بتلك" 2 رواه الامام أحمد. وعن أنس ان النبي. صلى الله عليه وسلم دخل على ام سليم فرأى أبا عمير حزينا فقا يا ام سليم مابال عمير حزينا قالت يا رسول الله مات نغيره فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم: "يا أبا عمير ما فعل النغير" 3 "أخرجاه في الصحيحين. ذكر كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم: عن ابن عباس قال كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم اجود الناس وكان اجود ما يكون في

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في مختصر الشمائل رقم 204. وصححه العلامة الألباني رحمه الله في مختصر الشمائل 204. والطبراني في المعجم الكبير حديث 5310. وابن حبان في صحيحه 2276. 2 صحيح: أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد حديث 2578. باب في السبق على الرجل والتبريزي في مشكاة المصابيح 3251. وانظر موارد الظمآن 1310. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الأدب حديث 6129. باب 18. الانبساط إلى الناس ومسلم في كتاب الأدب حديث 2150. باب 5. جواز تكنية من لم يولد له وتكنية الصغير.

رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله. صلى الله عليه وسلم اجود بالخير من الريح المرسلة1 أخرجاه في الصحيحين. وعن أنس ان رسول الله. صلى الله عليه وسلم لم يكن يسال شيئا على الإسلام الا اعطاه قال فأتاه رجل فساله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة قال فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فان محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة2 انفرد باخراجه مسلم. ذكر شجاعته صلى الله عليه وسلم: عن أنس قال كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم احسن الناس وكان اجود الناس وكان اشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لابي طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول لم تراعوالم تراعوا قال وجدناه بحرا أوانه لبحر3 أخرجاه في الصحيحين. وعن ابي اسحاق قال سألت البراء وساله رجل فقال فررتم عن رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال البراء ولكن رسول الله. صلى الله عليه وسلم لم يفر كانت هوازن ناسا رماة وانا لما حملنا عليهم انكشفوا فاكببناعلى الغنائم فاستقبلونا بالسهام ولقد رأيت رسول الله. صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وان أبا سفيان بن الحارث أخذ بلجامها وهو يقول: "أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب" 4 أخرجاه في الصحيحين. ذكر فضلة على الأنبياء وعلو قدره صلى الله عليه وسلم: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق حديث 3220. باب 6. ذكر الملائكة وفي كتاب المناقب حديث 3554. باب 23. صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2308. باب 11. شجاعته صلى الله عليه وسلم. 2 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الفضائل حديث 2312. باب 14. في سخائه صلى الله عليه وسلم وأحمد في المسند 12051. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير حديث 2908. باب 82. الحمائل وتعليق السيف بالعنق ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2307. باب 11. شجاعته صلى الله عليه وسلم. 4 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير حديث 2864. باب 52. من قاد دابة غيره في الحرب ومسلم في كتاب الجهاد والسير حديث 1776. باب 28. غزوة حنين.

الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قوه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" 1 أخرجاه في الصحيحين. وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب وبينا ان نائم رايتني اتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي" قال ابو هريرة رضي الله عنه فلقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتم تنتثلونها2 أخرجاه في الصحيحين. وعن ابي بن كعب قال كنت في المسجد فدخل رجل فصلى فقرا قراءة انكرتها عليه ثم دخل آخر فقرا قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ان هذا قرا قراءة انكرتها عليه ودخل آخر فقرا سوى قراءة صاحبه فامرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرءا فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شانهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكإنما انظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي: "يا ابي ارسل إلي ان أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه ان هون على امتي فرد إلي الثانية اقراه على حرفين فرددت إليه ان هون على امتي فرد إلي الثالثة اقراه على سبعة احرف فلك بكل ردة رددتها مسالة تسالنيها فقلت اللهم اغفر لامتي اللهم اغفر لامتي واخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم انفرد" باخراجه مسلم. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتي باب الجنة يوم القيامة فاستفتح فيقول الخازن من انت فاقول محمد فيقول بك امرت لا افتح لأحد قبلك" انفرد باخراجه مسلم. وعن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وانا خطيبهم إذا وفدوا وانا مبشرهم إذا يئسوا لواء الحمد بيدي وأنا أكرم ولد ادم على ربي ولا فخر3 رواه الترمذي.

_ 1 أخرجه البخاري في كتاب التيمم حديث 335. باب التيمم ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة حديث 521. باب 1. ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة حديث 7273. باب 1. قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بعثت بجوامع الكلم" ومسلم في المساجد حديث 523. 3 ضعيف: أخرجه الترمذي في كتاب المناقب حديث 3610. باب 1. في فضل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا حديث حسن غريب والدارمي 49. وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف أنظر ضعيف سنن الترمذي 740.

قال ابن الانباري المعنى لا اتبجح بهذه الأوصاف وإنما اقولها شكرا لربي ومنبها امتي على انعامه علي وقال ابن عقيل إنما نفي الفخر الذي هو الكبر الواقع في النفس المنهي عنه الذي قيل فيه {لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18] ولم ينف فخر التجمل بما ذكره من النعم التي بمثلها يفتخر ومثله قول {لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76] يعني الاشرين ولم يرد الفرح بنعمة الله تعالى. قال الخطابي ما زلت اسال عن معنى قوله لواء الحمد بيدي حتى وجدته في حديث يروى عن عقبة بن عامر ان أول من يدخل الجنة الحمادون الله على كل حال يعقد لهم لواء فيدخلون الجنة. وقد روى مسلم في افراده من حديث أنس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أول الناس يشفع يوم القيامة وانا أكثر الانبياء تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة" 1. وفي افراده من حديث ابي هريرة عن النبي. صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا سيد ولد ادم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع ومشفع2. وعن جابر بن عبد الله ان عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقراه على النبي صلى الله عليه وسلم قال فغضب وقال: "امتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسالوهمعن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني" 3 وراه الامام أحمد. ذكر مثله ومثل الأنبياء من قبله صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة قال قال أبو القاسم. صلى الله عليه وسلم "مثلي ومثل الانبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا فاحسنها واجملها واكملها الا موضع لبنة من زاوية من زواياها فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان فيقولون الا وضعت ههنا لبنة فيتم بنيانك فقال محمد صلى الله عليه وسلم فكنت أنا اللبنة" أخرجاه في الصحيحين4.

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الحيض حديث 330. باب 12. حكم ضمائر المغتسلة ورقم 331, 332. 2 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الفضائل حديث 2278. باب 2. تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق. 3 صحيح: أخرجه أحمد في المسند 15094. وانظر كنز العمال 1/200. 4 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير حديث 2977. باب 122. قول النبي صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالرعب مسيرة شهر" ورقم 6998- 7013- 7273. ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة حديث 523. باب 1. ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

ذكر مثله ومثل ما بعثه الله به صلى الله عليه وسلم: عن أبي موسى عن النبي. صلى الله عليه وسلم قال إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال يا قوم اني رأيت الجيش بعيني واني أنا النذير العريان فالنجاء فاطاعه طائفة من قومه فادلجوا فانطلقوا على مهلتهم وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق أخرجاه في الصحيحين1. ذكر مشي الملائكة من ورائه صلى الله عليه وسلم: عن جابر قال كان أصحاب النبي. صلى الله عليه وسلم يمشون أمامه إذا خرج ويدعون ظهره للملائكة رواه الامام أحمد2. ذكر وجوب تقديم محبته على النفس والولد والوالد: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين" أخرجاه في الصحيحين3. وعن عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي. صلى الله عليه وسلم وهو أخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله لانت أحب إلي مكل شيء الا نفسي فقال: " لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب اليك من نفسك" فقال له عمر فانه الان والله لانت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الان ياعمر" رواه البخاري منفردا4. ذكر تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وحبهم إياه: عن أنس، قال: لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وقد أطاف به أصحابه، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل: انفرد بإخراجه مسلم5.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة حديث 7283. باب 2. الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2283. باب شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم. 2 صحيح: أخرجه أحمد في المسند حديث 14170. 3 صحيح: أخرجه البخاري في متاب الإيمان حديث 13. باب 7. من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ومسلم في كتاب الإيمان حديث 44. باب 17. الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير. 4 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الإيمان والنذور حديث 6632. باب 3. كيف كان يمين النبي صلى الله عليه وسلم. 5 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الفضائل حديث 2325. باب 9. قربه صلى الله عليه وسلم من الناس وتبركهم به وتواضعهم له.

وعنه قال، لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوّبٌ عليه بحجفة له، وكان أبو طلحة رجلًا رامياً شديد النزْع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثاً، قال: وكان الرجل، يمر معه الجعبة من النبل، فيقول: " انثرها لأبي طلحة". قال ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تُشْرف يُصِبُك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. رواه البخاري1. وفي الصحيحين من حديث أبي جُحَيفة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فخرج بلال بوضوئه، فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء فمن أصاب منه شيئاً تمسح به ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس فجعلوا يأخذون يده ويمسحون بها وجوههم، فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من ريح المسك2. وعن أنس، قال: لما كان يوم أحد حاص الناس حَيْصة وقالوا: قتل محمد، حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة. قال: فخرَجت امرأة من الأنصار فاستُقبلت بأخيها وأبيها وزوجها وابنها، لا ادري بأيَّهم استقبلت أولاً، فلما مرَّت على آخرهم قالت: من هذا؟ قالوا: هذا أخوك وأبوك وزوجك وابنك. قالت: فما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: أمامك، حتى ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمتَ من عطبَ. ذكر عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهاده: عن علقمة، قال: سألت عائشة أكان: رسول الله. صلى الله عليه وسلم يخص شيئاً من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمةً وأيكم يطيق ماكان رسول لله. صلى الله عليه وسلم يطيق؟ أخرجاه في الصحيحين3. وعن كُريب أن ابن عباس أخبره أنه بات عند خالته ميمونة زوج النبي. صلى الله عليه وسلم قال: فاضطجعت في عرض الوسادة: واضطجع رسول الله. صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله. صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعد بقليل، استيقظ رسول الله. صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير حديث 2902. باب 80. المجن ومن يترس بترس صاحبه. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3553. باب 23. صفة النبي صلى الله عليه وسلم. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الصوم حديث 1987. باب 64. هل يخص شيئا من الأيام؟ والترمذي 2856. وقال: هذا حديث حسن صحييح.

وجهه بيده ثم قرأ العشْر الأياتِ الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شَنّ معلقة فتوضأ منها فأحسن وضُوءه ثم قام يصلي. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله. صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح. أخرجاه في الصحيحين1. وعن عبد الله بن شَقيق، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله. صلى الله عليه وسلم من التطوع. فقالت: كان يصلي قبل الظهر أربعاً في بيتي، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي بهم العشاء ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً جالساً، فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر. انفرد بإخراجه مسلم2. وقد اختلفت الرواية في عدد الركعات اللواتي كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم يصليهن بالليل، فقال الترمذي: أقل ما روي عنه تسع ركعات وأكثره ثلاث عشرة مع الوتر. وقد روي عنه إحدى عشرة ركعة. قلت: وقد روى البخاري من حديث مسروق قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله. صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة، سوى ركعتي الفجر3. وهذا غير ما قال الترمذي.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الدعوات حديث 6316. باب 10. الدعاء إذا انتبه من الليل ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها حديث 763. باب 26. صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل. 2 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها حديث 730. باب 15. فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدها وبيان عددها وأبو داود في كتاب الصلاة حديث 1251. باب تفريغ أبواب التطوع وركعات السنة والترمذي في كتاب الصلاة حديث 436. باب ما جاء في الركعتين بعد العشاء وقال: حديث عبد الله بن شقيق عن عائشة حديث حسن صحيح. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب التهجد حديث 1139. باب 10. كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل؟.

وعن حُميد، قال: سئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن صلاة رسول الله. صلى الله عليه وسلم من الليل، فقال: ما كنا نشاء من الليل أن نراه مصلياً إلا رأيناه، وما كنا نشاء أن نراه نائماً إلا رأيناه وكان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر شيئاً أخرجاه في الصحيحين. وعن عبد الله، قال: صليّت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوءٍ. قلنا: ما هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه أخرجاه في الصحيحين. وعن حذيفة، قال: صليّت مع النبي. صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة. قال: ثُمّ مضى فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوّذ تعوَّذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه. انفرد بإخراجه مسلم1. وسورة النساء في هذا الحديث مقدمة على آل عمران وكذلك هي في مصحف ابن مسعود. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتفطّر رجلاه. قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: يا عائشة، أفلا أكون عبداً شكوراً؟ أخرجاه في الصحيحين2. ذكر عيشه وفقره صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم اجعل رزق آل محمد قُوتاً"أخرجاه في الصحيحين3. وعن أبي حازم، قال: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مراراً: والذي نفس أبي هريرة بيده

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها حديث 772. باب27. استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب التهجد حديث 1130. باب 6. قيام النبي صلى الله عليه وسلم ورقم 4836- 6471. ومسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار حديث 2819. باب 18. إكثار الاعمال والاجتهاد في العبادة. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الرقاق حديث 6460. باب 17. كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا ومسلم في كتاب الزكاة حديث 1055. باب 42- 43. فضل التعفف والصبر والقناعة والحث على كل ذلك.

ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله ثلاثة أيام تباعاً من خبز حنطة حتى فارق الدنيا1. أخرجاه في الصحيحين. وعن عائشة قالت: كان ضجاع النبي صلى الله عليه وسلم ينام عليه بالليل من أَدَمٍ محشوّاً ليفاً. أخرجاه في الصحيحين2. وعن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب، قال: ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا فقال: رأيت رسول الله. صلى الله عليه وسلم ظل اليوم يلتوي ما يجد دَقَلا يملأ بطنه. انفرد بإخراجه مسلم3. وعن قَتَادة قال: كنا نأتي أنساً وخبّازه قائم، قال: فقال يوماً: كلوا فما اعلم رسول الله. صلى الله عليه وسلم رأى رغيفاً مرّققاً ولا شاة سميطاً قط. انفرد بإخراجه البخاري4. وعن أبي هريرة أنه مرَّ بقوم وبين أيديهم شاة مصلية، فدعوه فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. رواه البخاري. وروي عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البُرّ ثلاث ليال تباعاً حتى قُبض5. وعن أبي حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت له: هل أكل رسول الله. صلى الله عليه وسلم النَقِيَّ؟ قال سهل: ما رأى رسول الله النَّقِيَّ من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. قال: فقلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار، فما بقي ثرَّيناه فأكلناه. وعن ابن عباس، قال: كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير. رواه الترمذي. وعن جابر قال: لما حفر النبي. صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخندق أصابهم جهد شديد حتى ربط النبي. صلى الله عليه وسلم على بطنه حجراً من الجوع رواه الإمام أحمد.

_ 1 صحيح: مسلم في كتاب الزهد حديث 8976. باب الزهد. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الرقاق حديث 6406. باب 17. كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم عن الدنيا ومسلم في كتاب اللباس حديث 2082. باب التواضع في اللباس. 3 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الزهد 2977- 2978. باب الزهد والترمذي في كتاب الزهد حديث 2372. باب 39. ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا حديث حسن صحيح. 4 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الرقاق حديث 6457. باب 17. كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم ورقم 5421. وابن ماجة في كتاب الأطعمة حديث 3309. باب 29. الشواء. 5 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الزهد الحديث 2970.

وعن عروة أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول كان يمر بنا هلال وهلال ما توقُد في بيت من بيوت رسول الله. صلى الله عليه وسلم نار قال: قلت: يا خالة فعلى أي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: على الأسودين التّمرِ والماء. رواه الإمام أحمد. وعن ابن عباس قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأن درعه لمرهونة عن رجل من يهود على ثلاثين صاعاً من شعير أخذها رزقاً لعياله1. رواه الإمام أحمد. وعن عائشة، قالت، ما رَفع رسول الله. صلى الله عليه وسلم قطّ غداء لعشاء ولا عشاء قطّ لغداء ولا اتخذ من شيء زوجين، لا قميصين، ولا ردائين، ولا إزارين، ولا من النعال، ولا رئي قطّ فارغا في بيته إما يخصف نعلاً لرجل مسكين أو يخيط ثوباً لأرملة. وعن أنس بن مالك أن فاطمة عليها السلام جاءت بكسرة خبزٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ما هذه الكسرة يا فاطمة؟ " قالت: قرص خبزتُه فلم تَطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة. فقال: "أما أنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام" 2. عدد غزواته وسراياه صلى الله عليه وسلم: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً وعشرين غزاة، وقاتل منها في تسع: بدرٍ وأحد، والمُرَيْسِيع والخندق وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وقيل أنه قاتل في بني النضير، وفي غزاة وادي القرى مُنصَرفهُ من خيبر، وقاتل في الغابة. ذكر فصاحته صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم أفصح العرب، وكان يقول: "إن الله عز وجل أدّبني فأحسن أدبي3، ونشأت في بني سعد". وقال: " بُعثت بجوامع الكلم" 4. وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له: يا رسول الله ما بالك أفصحَنا؟ قال: " لأن كلام إسماعيل عليه السلام كان درس فأتى جبريل به عليه السلام فعلمنيه". وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما سمعت كلمة عربية من العرب إلا وقد سمعتها من

_ 1 صحيح: اخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير حديث 2916. باب 89. ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم والقميص في الحرب وأحمد في المسند رقم 12363. 2 صحيح: أخرجه الطبراني في الكبير 1/232. وابو داود الطيالسي في مسنده. 3 ضعيف: أنظر احاديث القصاص 78. وتذكرة الموضوعات 327. والفوائد المجموعة وسلسلة الأحاديث الضعيفة 72. وضعيف الجامع 249. واللآلئ المنتثورة 148. 4 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير حديث 2977. باب 122. قول النبي صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالرعب مسيرة شهر".

رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعته يقول: "مات حتْفَ أنفه" وما سمعتها من عربي قبله. ومعنى هذا أن الميت على فراشه يتنفس حتى ينقضي رمقه. من كلامه المتقن وأمثاله العجيبة صلى الله عليه وسلم: قوله: "إيّاكم وخَضْرَاءَ الدِمَن "، قيل له: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: " المرأة الحسناء في المنبت السُّوء". وقوله: "إن مما يُنِبت الربيع لَما يقتل حَبَطا أو يُلِمُّ". والمعنى: أن الماشية يروقها نبت الربيع فتأكل فوق حاجتها فتهلك. والحبط: أن تَرِمَ بطونها وتنتفخ، فزجر بهذا الكلام عن فضول الدنيا. وقوله: "لا يَنتطح فيها عنزان"، ولا يلدغ المؤمن من حُجرٍ مرتين". وقوله: "هدنة على دخن، وصلح على أقذاء ". وقوله: "الآن حمي الوطيس". وقوله: "الناس كأسنان المشط". و"المرء كثير بأخيه". و"لا خير في صحبةِ مَن لا يرى لك من الحق مثل ما يرى لنفسه". وقوله في الخيل: "بطُونها كنز وظهورها حِرْز". و"خير المال مُهرة مأمورة أو سكة مأبورة". وقوله للأنصار: "إنكم لَتقُلَّون عند الطمع وتكثرون عند الفزع". وقوله: "خير المال عن ساهرة لعين نائمة". و"من بطّأ به عُمله لم يُسرع به نَسبه". وقوله " حبّك للشيء يُعمي ويُصِمّ وكلّ الصّيد في جوْف الفرا". "جبِلت القلوب على حبّ من احسن إليها". و"البلاء موكَّل بالمنطق". "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة". "ما نحل والد والداً أفضل من أدب حسن". "زر غبّاً تزدَد حباً". "الصَّمت حُكمْ وقليلٌ فاعله".

"الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر". "إنما الأعمال بالنيات". "نية المؤمن أبلغ من عمله". "إنكم لن تسعَوا الناس بأموالكم فسَعوهم بأخلاقهم". "الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل". "المتشبّع بما لم يُعط كلابس ثَوبيْ زور". "ليس الخبرُ كالمعاينة". "لا حليم إلا ذو أناة ولا حكيم إلا ذو تجربة". "الحرب خدعة". "يا خيلَ الله اركبي". "إن هذا الدّين مَتين فأوْغل فيه برفق". "إن المنبت لا أرضاً قطعَ ولا ظهراً أبقى". "من يشادَّ هذا الدّينَ يغلبه". "المؤمن مرآة المؤمن". "الكَيِّس من دان نفسه وعمل لِما بعد الموت والعاجز من أتْبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني". "ما قل وكفى خير مما كثر وألهى". "من حُسن إسلام المرء ترك ما لا يَعنيه". "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيقل خيراً أو ليصمت". "تُنكح المرأة لِمالها ولجمالها ودِينها وحسبها، فعليك بذات الدين تَرِبت يداك". "الشتاء ربيع المؤمن، قَصُر نهاره فصامه وطال ليْلُه فقامه". "ليس الشديدَ الذي يغلب الناس ولكن الشديد الذي يغلب نفسه". "من ضَمِن لي ما بين لحَييْه ورجليه ضمنتُ له الجنة". "اليد العليا خير من اليد السفلى". "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنىً وأبدا بمن تَعول". "افضل الصدقة جهدٌ من مُقِل".

"كلمة الحكمة ضالة كل حكيم". "القناعة مال لا ينفد". "استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك". "الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم". "المؤمن من أمِنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". "شرّ ما في الرجل شُحّ هالع وجبن خالع". "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تَخُن من خانك". "لا إيمان لمن لا، أمانة له ولا دين لمن لا عهد له". "حسن العهد من الإيمان". "جمال الرجل فصاحة لسانه". "منهومان لا يشعبان: طالبُ علم وطالب دنيا". "لا فقر أشدَّ من الجهل، ولا مالٍ أعْوَد من العقل، ولا وحشة أشدّ من العجب". "الذنب لا يُنسى، والبِرّ لا يبلى، والدّيان لا يموت، فكن كما شئت". "كما تدين تدان". "الظلم ظلمات يوم القيامة". "ما جُمع شيء إلى شيء أحسن من حِلْم إلى علم". "التمسوا الرزق في خبايا الأرض". "كن في الدنيا كأنك غريب أو كعابر سبيل وعُدَّ نفسك من أهل القبور". "العفو لا يزيد العبد إلا عزاً، والتواضع لا يزيده إلا رفعة". "ما نقص مال من صدقة". "صنائع المعروف تقي مصارع السوء". "صلة الرحم تزيد في العمر". "اللهم إني أسألك واقيةً كواقية الوليد". "اللهم إني أعوذ بك من شرّ فتنة الغنى وشر فتنة الفقر".

"الدنيا عرض حاضر يأكل منه البَرّ والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر فكونوا من أنباء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن كلّ أم يتبعها ولدها". "أخسر الناس صفقةً من أذهب آخرته بدنيا غيره". "المجالس بالأمانة". "إياكم والطمع فإنه فقر حاضر". "استعينوا على نجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود". "إن من كنوز البرّ كتمان المصائب". "الدّالّ على الخير كفاعله". "نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحّة والفراغ". "الناس كابلٍ مائةٍ لا تجد فيها راحلة". "ليس شيء أفضل من ألف مثله إلا الإنسان". "اليمين حِنْث أو ندم". "لا تُظهر الشماتة لأخيك، فيعافيه الله ويبتليك". "اليوم الرّهانُ وغداً السبّاق، والغاية الجنة، والهالك من دخل النار". قلت: ولو ذهبنا نذكر من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم العجيب الوجيز البليغ لطال، إذ كلُّ كلامه يتضمن حِكَماً، وكذلك لو ذهبنا نستقصي آدابه وأخلاقه وأحواله لجاءت مجلدات، وإنما اقتطفنا من كل فن قطفاً، وأشرنا إلى جملةٍ برمزٍ لأن مثل كتابنا هذا لا يتَّسع للبسط. ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم: أبتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم صداع في بيت عائشة، قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بديء فيه، فقلت: وارأساه. فقال: "بل أنا وارأساه " ثم اشتد أمره في بيت ميمونة، واستأذن نساءه أن يمرَّض في بيت عائشة فأذن له1، وكانت مدة علته اثني عشر يوماً، وقيل أربعة عشر. عن عبيد الله بن عبد الله، قال: دخلتُ على عائشة فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله. صلى الله عليه وسلم قالت: بلى، ثَقُل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " اصلَّي الناس" قلت: لا

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في المرضى حديث 5666. باب 16. ما رخص للمريض ان يقول: إني وجع أو وارأساه أو اشتد بي الوجع.....

وهم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: "ضعوا لي ماءاً في المخضب" ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: " أصلي الناس" فقلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة قالت: فأرسل رسول الله. صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر، وكان أبو بكر رجلا رقيقا، فقال: يا عمر صلِّ بالناس قال: فقال: أنت أحق بذلك قالت فصلّى بهم أبو بكر تلك الأيام. ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين، أحدهما العباس، لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي. صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر. وقال لهما: "أجلساني إلى جنبه" فأجلساه إلى جنب أبي بكر وكان أبو بكر يصلي وهو قائم. فدخلتُ على قال عبيد الله: عبد الله ابن عباس فقلت: له: ألا أعرِض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هات فعرضَت حديثها فما أنكر منه شيئا، غير أنه قال أَسمَّت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا. قال: هو علي أخرجاه في الصحيحين1. قال ابن حبيب الهاشمي: صلى أبو بكر بالناس في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع عشرة صلاة، ويقال: ثلاثة أيام. وعن أنس بن مالك الأنصاري: أن أبا بكر كان يصلي بهم في وجع رسول الله. صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة فنظر ألينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم رسول الله. صلى الله عليه وسلم ضاحكاً فبهتنا ونحن في الصلاة من فرح بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكص أبو بكر على عقيبة ليصل الصف وظن ان رسول الله. صلى الله عليه وسلم خارج للصلاة، فأشار إليهم رسول الله. صلى الله عليه وسلم بيده أن أتموا صلاتكم قال: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرخى الستر قال: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك أخرجاه في الصحيحين2. وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم يعوذ بهؤلاء الكلمات: "أذهب الباس رب الناس، أشفِ وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً". قالت: فلما ثقل رسول الله. صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه أخذت بيده فجعلت أمسح بها وأقولها. قالت: فنزع

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الآذان حديث 687. باب 51. أنما جعل الإمام ليؤتم به ومسلم في كتاب الصلاة حديث 418. باب 21. استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما واحمد في المسند حديث 5141. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الآذان حديث 680. باب 46. أهل العلم والفضل أحق بالإمامة ومسلم أيضا.

يده مني وقال: "رب اغفر لي وألحقني بالرفيق الأعلى" قالت: فكان هذا آخر ما سمعت من كلامه. صلى الله عليه وسلم أخرجاه في الصحيحين1. وعنهما قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، ويومي وبين سُحري ونحري، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رُطْب فنظر إليه فظننت أن له فيه حاجة. قالت: فأخذته فمضغته ونفضته وطيّبته، ثم دفعته إليه فاستنَّ كأحسن ما رأيته مسْتنّاً قطُّ ثم ذهب يرفعه إلي فسقط في يده، فجعلت أدعو الله عز وجل بدعاء كان يدعو له به جبريل عليه السلام، وكان هو يدعو به إذا مرض فلم يدْعُ به في مرضه ذاك، فرفع بصره إلى السماء وقال: "الرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى" يعني وفاضت نفسه، فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا رواه الإمام أحمد2. وعنها، رضي الله عنها، كانت تقول: "إن من نِعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سَحْري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقة عند موته. دخل علي عبد الرحمن وبيده سواك وأنا مسنده رسول الله. صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر إليه فعرفت أنه يحب السواك، فقلت: أخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فناولته فاشتدَّ عليه فقلت: أليّنة لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فليَّنته فأخذه فأمرَّه وبين يديه ركوة أو علبة يشك أبو عمرو فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيسمح بها وجهه ويقول: " لا إله إلا الله، إن للموت لَسكراتٍ" ثم نصب يده فجعل يقول: " في الرفيق الأعلى"، حتى قبض ومالت يده". انفرد بإخراجه البخاري3 والسحْر الرئة وما يتعلق بها. عن أبي بُردة قال: أخرجت إلينا عائشة رضي الله عنها كساء ملبَّداً وإزاراً غليظاً، فقالت: قُبض رسول الله. صلى الله عليه وسلم في هذين أخرجاه في الصحيحين. وعنها رضي الله عنها قالت: ما ترك رسول الله. صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً ولا أوصى بشيء انفرد بإخراجه مسلم4.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الطب حديث 5750. باب 40. مسح الراقي الوجع بيده اليمنى ومسلم في كتاب السلام حديث 2191. باب 19, 20. استحباب رقية المريض واللفظ له. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المغازي حديث 4438. ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2443. باب 13. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المغازي حديث 4449. باب 83. مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته. 4 صحيح: وأخرجه أيضا البخاري في كتاب الوصايا حديث 2739. باب 1. الوصايا من حديث عمرو بن الحارث ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عن أبي هريرة أن جبريل أتى النبي. صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه فقال: "أن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني وجعاً يا أمين الله " ثم جاءه من الغد فقال: يا محمد أن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول: كيف تجدك قال: "أجدني يا أمين الله وجعاً. ثم جاءه في اليوم الثالث ومعه ملك الموت فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السَلام ويقول كيف تجدك؟ قال: "أجدني يا أمين الله وجعاً مَن هذا معك "؟ قال: هذا ملك الموت عليه السلام، وهذا آخر عهدي بالدنيا بعدك وآخر عهدك بها ولن آسى على هالك من ولد آدم بعدك، ولن أهبط إلى الأرض إلى أحد بعدك أبداً فوجد النبي. صلى الله عليه وسلم سكْرة الموت وعنده قدح فيه ماء، فكلما وجد سكْرة أخذ من ذلك الماء، فمسح به وجهه ويقول: "اللهمَّ اعنّي على سكرة الموت" 1. وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: قُبض رسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فمكث ذلك اليومَ وليلة الثلاثاء، ودفن من الليل. ذكر إعلام أبي بكر الناس بموت رسول الله. صلى الله عليه وسلم: عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسُّنْح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله. صلى الله عليه وسلم وهو مغشّى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم أكبَّ عليه فقبله وبكى ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موْتتين، أما الموتة التي كُتبت عليك فقد مُتَّها. قال ابن شهاب: وحدثني أبو سلمة عن عبد الله بن عباس أن أبا بكر خرج وعمر ابن الخطاب رضي الله عنهما يكلم الناس، فقال: إجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، من كان منكم يعبد محمداً. صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إلى قوله: {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] . وقال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم فما اسمع بشرا من الناس إلا يتلوها فأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال:

_ 1 ضعيف: أخرجه ابن ماجة في كتاب الجنائز الحديث 1623. باب 64. ماجاء في ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلموأحمد في المسند حديث 24410. والترمذي في الشمائل رقم 203. وضعفه العلامة الالباني في مختصر الشمائل 324. وقال: إن فيه جهالة ونكارة.

والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها أن النبي. صلى الله عليه وسلم قد مات. انفرد بإخراجه البخاري1. ندب فاطمة عليها السلام عليه صلى الله عليه وسلم: عن أنس رضي الله عنه قال لما ثقل النبي. صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة عليها السلام واكرب أباه فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" فلما مات قالت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام يا أنس أطابت أنفسكم ان تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب انفرد بإخراجه البخاري2. ذكر مبلغ سنه صلى الله عليه وسلم: عن ابن عباس رضي الله عنه قال أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين وأقام بمكة ثلاث عشر سنة وبالمدينة عشرا وتوفي وهو ابن ثلاث وستين أخرجاه في الصحيحين3. وقد ذكرنا في حديث ربيعة عن أنس أنه توفي على رأس ستين قال أبو بكر الخطيب من قال ستين قصد أعشار السنين ومن قال ثلاث وستين قصد جميع السنين والإنسان يقول سني أربعون ولعله قد زاد عليها إلا أن الزيادة لم تبلغ عشرا وقد روى عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين وهذا وهم والصحيح الأول. ذكر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما اجمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في البيت الا أهله عمه العباس وعلي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وصالح مولاه فلما اجمعوا على غسله نادى من وراء الباب أوس بن خولي الأنصاري وكان بدريا علي بن أبي طالب فقال يا علي نشدتك الله حظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجنائز الحديث 1241, 1242. باب 3. الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المغازي حديث 4462. باب 83. ماجاء في مرض النبي صلى الله عليه وسلمووفاته وابن ماجة في كتاب الجنائز حديث 1629. باب 65. ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار حديث 3851. باب 28. مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2347. باب 32, 33. قدر عمره صلى الله عليه وسلم وإقامته بمكة والمدينة.

له علي عليه السلام ادخل فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا قال فاسنده علي إلى صدره وعليه قميصه وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علي وكان أسامة وصالح يصبان الماء وجعل علي يغسله ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء مما يرى من الميت وهو يقول بابي وأمي ما أطيبك حيا وميتا. حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله. صلى الله عليه وسلم وكان يغسل بالماء والسدر جففوه ثم صنع به ما يصنع بالميت ثم ادرج في ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين وبرد حبرة. قال ثم دعا العباس رجلين فقال ليذهب أحدكما إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان أبو عبيدة يضرح لأهل مكة وليذهب الآخر إلى أبي طلحة بن سهل الأنصاري وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة قال ثم قال العباس حين سرحهما اللهم خر لرسولك قال فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام أحمد1. وروى جعفر بن محمد قال كان الماء يستنقع في جفون النبي صلى الله عليه وسلم فكان علي يحسوه. ذكر موضع قبره صلى الله عليه وسلم: عن ابن جريج قال أخبرني أبي أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يدروا اين يقبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو بكر رضي الله عنه سمعت رسول الله يقول لم يقبر نبي إلا حيث يموت فأخروا فراشه وحفروا له تحت فراشه. ذكر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: لما غسل وكفن صلى الله عليه وسلم صلى الناس عليه أفذاذاً لا يؤمهم أحد. فأما فضل الصلاة عليه باللسان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً" انفرد بإخراجه مسلم2. وعن أنس بن مالك، قالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات" رواه الإمام أحمد3.

_ 1 ضعيف: أخرجه أحمد في المسند حديث 2357. 2 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الصلاة حديث 408. باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد. 3 صحيح: أخرجه أحمد في المسند حديث 13689.

وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" رواه الترمذي1. ذكر بلوغ سلام أمته إليه ورد السلام على من يسلم عليه صلى الله عليه وسلم: عن عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله عز وجل في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام" رواه الإمام أحمد2. وروي أيضاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام" 3. آخر المتعلق بأخبار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

_ 1 ضعيف: أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة حديث 484. باب 21. ماجاء في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا حديث حسن غريب. وابن خزيمة في ذكر البيان بأن أقرب الناس في القيامة يكون من النبي صلى الله عليه وسلم من كان أكثر صلاة عليه في الدنيا حديث 908. وانظر ضعيف الترمذي رقم 74. 2 صحيح: أخرجه أحمد في المسند حديث 3666. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/24. رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 3 صحيح: أخرجه أبو داود في كتاب المناسك حديث 2041. باب 96, 97. زيارة القبور وأحمد في المسند رقم 10759.

ذكر المشهورين بالعلم والزهد والتعبد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

ذكر المشهورين بالعلم والزهد والتعبد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ... ذكر المشهورين بالعلم والزهد والتعبد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وذكر جمل من أحوالهم وكلامهم رضي الله عنهم. بدأت بذكر العشر ثم ذكرت من بعدهم على ترتيب طبقاتهم ... أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ذكر اسمه ونسبه: اسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي. واسم أمه: أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر، ماتت مسلمة. وفي تسميته بعتيق ثلاثة أقوال: أحدهما: ما روي عن عائشة انها سئلت: لِمَ سُمي أبو بكر عتيقاً؟ فقالت: نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هذا عتيق الله من النار". والثاني: أنه اسم سمّته به أمه، قاله موسى بن طلحة. والثالث: أنه سمي به لجمال وجهه قاله الليث بن سعد. وقال ابن قتيبة لقبّه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لجمال وجهه سماه النبي صلى الله عليه وسلم صِدّيقاً وقال: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، أبو بكر الصديق لا يلبث إلا قليلا. وكان علي بن أبي طالب يحلف بالله أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء: "الصديق". ذكر صفته: كان أبو بكر رضي الله عنه نحيفاً خفيف العارضين معروق الوجه ناتيء الجبهة أجنى لايستمسك، إزاره يسترخي عن حقويه، عاري الأشاجع يخضب بالحناء والكتم. عن أنس قال: كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم1.

_ 2- هو: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي أبو بكر بن أبي قحافة الصديق الأكبر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة. 1 أنظر سير اعلام النبلاء 2/468.

وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلت مع أبي على أبي بكر وكان رجلاً نحيفاً خفيف اللحم، أبيض. ذكر تقدم إسلامه1: قال حسان بن ثابت وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر وإبراهيم النَّخعي: أول من أسلم أبو بكر. وقال يوسف بن يعقوب الماجشون: أدركت أبي ومشيختنا، محمد بن المنكدر، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وصالح بن كيسان، وسعد بن إبراهيم، وعثمان بن محمد الأخنسي، وهم لا يشكّون أن أول القوم إسلاماً أبو بكر. وعن ابن عباس قال: أول من صلّى: أبو بكر رحمه الله، ثم تمثل بأبيات حسان: إذا تذكَّرتَ شجواً من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأعدلها ... إلا النبيَّ وأوفاها بما حملا الثانيَ التالي المحمودَ مشهده ... وأول الناس حقاً صدّق الرُّسلا رواه عبد الله بن الإمام أحمد. وعن إبراهيم قال: "أول من صلَّى: أبو بكر". ذكر أولاده: وكان له من الولد: عبد الله، وأسماء ذات النطاقين وأمهما قتيلة، وعبد الرحمن، وعائشة أمهما أم رومان ومحمد، وأمه أسماء بنت عُميس، وأم كلثوم. وأمها حبيبة بنت خارجة بن زيد، وكان أبو بكر لما هاجر إلى المدينة نزل على "خارجة "فتزوج ابنته. فأما عبد الله: فانه شهد الطائف. وأما أسماء: فتزوجها الزبير فولدت له عدةً ثم طلقها، فكانت مع ابنها عبد الله إلى أن قتل وعاشت مائة سنة. وأما عبد الرحمن: فشهد يوم بدر مع المشركين ثم أسلم. وأما محمد: فكان من نساك قريش، إلا أنه أعان على عثمان يوم الدار، ثم ولاه علي بن أبي طالب مصر فقتله هناك صاحب معاوية. وأما أم كلثوم: فتزوجها طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.

_ 1 أنظر سير أعلام النبلاء 2/468. والطبقات 3/188. وتهذيب الكمال 1/326.

سياق أفعاله الجميلة: عن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاء الصريخ إلى أبي بكر، فقيل له: أدرِك صاحبك. فخرج من عندنا وإنَّ له غدائر، فدخل المسجد وهو يقول: ويلكم {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28] قال: فلَهوا عن رسول الله وأقبلوا إلى أبي يكر، فرجع إلينا أبو بك، فجعل لا يمس شيئاً من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الحلال والإكرام. وعن أنس، قال: لما كان ليلة الغار قال أبو بكر: يا رسول الله دعني أدخل قبلك فإن كان حية أو شيء كانت لي قبلك قال: ادخل. فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيده كلما رأى جحراً قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الجُحر، حتى فعل ذلك بثوبه أجمع. قال: فبقي جحر فوضع عَقِبة عليه ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم فأين ثوبك يا أبا بكر؟ فأخبره بالذي صنع، فرفع رسول الله. صلى الله عليه وسلم يديه وقال: "اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة". فأوحى الله عز وجل إليه أن الله تعالى قد استجاب لك1. وعن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: هل قلت في أبي بكر شيئاً؟ فقال: نعم: فقال قل وانا أسمع. فقال: وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدوُّ به إذ صعَّد الجبلا وكان حبَّ رسول الله، قد علموا ... من البرية لم يعدِل به رجلا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: " صدقت يا حسان، هو كما قلت" 2. وقال المدائني: وكان ردْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالاً عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقتُه يوماً. قال: فجئت بنصف مالي. قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أبقيت لأهلك؟ " قلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أبقيت لأهلك؟ " فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلتُ: لا أسابقك إلى شيْ أبداً3.

_ 1 ضعيف أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1867. رقم 71. وانظر إتحاف السادة 6/252. 2 مرسل: أخرجه ابن النجار كما في كنز العمال 12/513. رقم 35673. 3 صحيح: أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة حديث 1678. باب في الرخصة في ذلك والترمذي في أبواب المناقب حديث 3675. باب 16. وقال: هذا حديث حسن صحيح والبزار 279.

وعن قيس، قال: اشترى أبو بكر رضي الله عنه بلالاً، وهو مدفون في الحجارة، بخمس أواقٍ ذهباً، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناك. قال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته1. سياق جمل من فضائله ومناقبه رضي الله عنه: ذكر أهل العلم بالتواريخ والسير أن أبا بكر شهد مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم بدراً وجميع المشاهد ولم يفته منها مشهد وثبت مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين انهزم الناس ودفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته العظمى يوم تبوك وانه كان يملك يوم أسلم أربعين ألف درهم فكان يعتق منها ويقوي المسلمين وهو أول من جمع القرآن وتنزه عن شرب المسكر في الجاهلية والإسلام وهو أول من قاء تحرجا من الشبهات. وذكر محمد بن إسحاق أنه أسلم على يده من العشرة خمسة عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم. عن أبي سعيد قال خطب رسول الله. صلى الله عليه وسلم الناس فقال ان الله عز وجل خير عبدا ببين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عنده فبكى أبو بكر رحمة الله عليه فعجبنا من بكائه ان أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ن عبد خير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المخير وكان ابو بكر أعلمنا به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي عز وجل لا تخذت أبا بكر، لكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر، أخرجاه في الصحيحين2. عن أبي الدرداء، قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما صاحبكم فقد غامر"، فسلم وقال: يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه، ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلت إليك. فقال: " يغفر الله لك يا أبا بكر"، ثلاثاً. ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثم أبو بكر فقالوا: لا فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم مرتين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

_ 1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/72. رقم 88. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الصلاة الحديث 466. باب 80. الخوخة والممر في المسجد ومسلم.

"إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال ابو بكر صدق وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ " مرتين، فما أوذي بعدها انفرد بإخراجه البخاري1. وعن أبي قتادة قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين. فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر فقلت: ما بال الناس؟ قال أمر الله عز وجل. ثم رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه" فقلت من يشهد لي ثم جلست، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله فقال فقمت فقلت من يشهد لي، ثم جلست، قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقال رجل: صدق وسلبه عندي فأرضه مني. فقال أبو بكر: لاها الله إذاً لا يعمد إلى أسد من أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق فأعطه" فأعطانيه فابتعت به مخرفاً في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام رواه البخاري2. هكذا روى لنا في هذا الحديث أن أبا بكر قال: لاها الله إذاً وقد ذكر أبو حاتم السجستاني فيما تلحن فيه العامة أنهم يقولون: لاها الله إذاً، والصواب: لاها الله ذا، والمعنى لا والله لا أقسم به فأدخل اسم الله بين ها وذا، فعلى هذا يكون هذا من الرواة، لأنهم كانوا يرون بالمعنى دون اللفظ. وهذا الحديث يتضمن فتوى أبي بكر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وهي من المناقب التي انفرد بها. وعن سهل بن سعد قال: كان قتال في بني عمرو بن عوف فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم، وقال: " يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس". فلما أن حضرت الصلاة أقام بلال العصر ثم أمر أبا بكر فتقدم بهم وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما دخل أبو بكر في الصلاة فلما رأوه صفحوا وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشق الناس حتى قام خلف أبي بكر. قال: وكان أبو بكر إذا دخل في الصلاة لم يلتفت، فلما رأى التصفيح

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الفضائل الحديث 3661. باب 5. قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا". 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس الحديث 3142. باب 18. من لم يخمس الأسلاب ومسلم في الجهاد والسير الحديث 1751. باب 13. استحقاق القاتل سلب القتيل.

لا يمسك عنه التفت فرأى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن امضه فقالم ابو بكر على هيئته فحمد الله على ذلك ثم مشى القهقري. قال: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: " أبا بكر ما منعك إذ أومأت إليك أن لا تكون مضيت؟ " فقال أبو بكر: لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال للناس: إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجل، ولتصفح النساء أخرجاه في الصحيحين1. وعن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس". قالت: فقلت: يا رسول الله إن با بكر رجل أسيف وأنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر. فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس". قالت: فقلت لحفصة: قولي له إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس". قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس وقالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، فلما دخل المسجد، سمع أبو بكر حسه ذهب بتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم مكانك فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر أخرجاه في الصحيحين2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر" فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟ رواه أحمد3. وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال أتت امرأة إلى النبي. صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه قالت أرأيت ان جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال. صلى الله عليه وسلم ان لم تجدني فائتي أبا بكر رواه البخاري4.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الأحكام الحديث 7190. باب 36. الإمام يأتي قوما فيصلح بينهم ومسلم في كتاب الصلاة الحديث 418. باب 21. استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر. 2 صحيح: أنظر التخريج المتقدم. 3 حسن: أخرجه الترمذي في أبواب المناقب الحديث 3661. وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وانظر صحيح الترمذي رقم 2894. وابن ماجه في باب 11. الحديث 94. فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحمد في المسند الحديث 7439- 8776. 4 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة الحديث 7360. باب 24. الأحكام التي تعرف بالدلائل.

وعن ابن عمر قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن عمر قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال فنزل عليه جبريل فقال يا محمد مالي ارى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره فقال يا جبريل انفق ماله علي قبل الفتح قال فان الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك قل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر، إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك قل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابا بكر إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال أبو بكر عليه السلام اسخط على ربي؟ أنا عن ربي راض عن ربي راض، أنا عن ربي راض1. وعن أبي رجاء العطاردي قال: دخلت المدينة ف رأيت الناس مجتمعين ورأيت رجلا يقبل راس رجل ويقول: أنا فداء لك لولا أنت هلكنا فقلت: من المقبل ومن المقبل؟ قالوا ذاك عمر يقبل راس أبي بكر في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين. وعن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قلت ثم من قال ثم عمر وخشيت ان يقول عثمان قلت ثم أنت فقال أنا إلا رجل من المسلمين انفرد بإخراجه البخاري. وعن أبي سريحة قال سمعت عليا عليه السلام يقول على المنبر إلا ان أبا بكر منيب القلب. وعن أبي عمران الجوني قال قال أبو بكر الصديق لوددت اني شعرة في جنب عبد مؤمن رواه أحمد. وعن الحسن قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا ليتني شجرة تعضد ثم تؤكل. وعن زيد بن أرقم قال كان لأبي بكر الصديق مملوك يغل عليه فأتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة فقال له المملوك ما لك كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة قال حملني على ذلك الجوع من أين جئت بهذا قال مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني فلما أن كان اليوم مررت به فإذا عرس لهم فأعطوني فقال أف لك كدت تهلكني فادخل يده في حلقه فجعل يتقيا وجعلت لا تخرج فقيل له إن هذا لا تخرج إلا بالماء فدعا بعس من ماء فجعل يشرب ويتقيا حتى رمى بها فقيل له يرحمك الله كل هذا من اجل هذه اللقمة فقال لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول: "كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به" فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة.

_ 1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 7/115. رقم 9845.

وقد أخرج البخاري في أفراده من حديث عائشة طرفا من هذا الحديث. وعن هشام عن محمد قال كان أغير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر. وعن محمد بن سيرين قال لم يكن أحد أهيب لما يعلم بعد النبي. صلى الله عليه وسلم من أبي بكر. وعن قيس قال رأيت أبا بكر أخذا بطرف لسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد. وعن ابن مليكة قال كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق قال فيضرب بذراع ناقته فينيخها فيأخذه قال فقالوا له أفلا أمرتنا نناولكه؟ قال: إن حبي. صلى الله عليه وسلم امرني أن لا أسال الناس شيئا رواه الإمام أحمد. ذكر خلافة أبي بكر رضي الله عنه: ذكر الواقدي عن أشياخه أن أبا بكر بويع يوم قبض رسول الله. صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثني عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب كان من خبرنا حين توفي رسول الله. صلى الله عليه وسلم ان عليا والزبير تخلفوا في بيت فاطمة وتخلف عنا الأنصار بأجمعهم في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلت نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا وجع فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله وقال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وانتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفَّت دافَّة منكم تريدون أن أن تختزلونا من أصلنا وتحضنونا من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقولها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد وهو كان احلم مني وأوقر فقال أبو بكر على رسلك فكرهت ان أغضبه والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وافضل حتى سكت قال أما بعد فماذا ذكرتم من خير فأنتم أهله ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم.

وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح فلم اكره مما قال غيرها وكان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تغير نفسي عند الموت. فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقا المرجب منا أمير ومنكم أمير فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت ابسط يديك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار رواه الإمام أحمد. وعن إبراهيم التيمي قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عمر أبا عبيدة بن الجراح فقال ابسط يدك فلأبايعك فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيدة بن الجراح لعمر ما رأيت لك فهة مثلها منذ أسلمت أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين. وعن الحسن قال: قال علي عليه السلام لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا في امرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فقدمنا أبا بكر. وعن عطاء بن السائب قال لما استخلف أبو بكر اصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا له أين تريد يا خليفة رسول الله قال السوق قالا تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي قالا له انطلق حتى نفرض لك شيئا فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطن. وعن حميد بن هلال قال لما ولي أبو بكر الخلافة قال أصحاب رسول الله. صلى الله عليه وسلم افرضوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يغنيه فقالوا نعم برداه إذا اخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف فقال أبو بكر رضي الله عنه رضيت. وعن عمير بن إسحاق قال خرج أبو بكر وعلى عاتقه عباءة له فقال له رجل أرني أكفك فقال إليك عني لا تغرني أنت وابن الخطاب عن عيالي. قال علماء السير وكان أبو بكر يحلي للحي أغنامهم فلما بويع قالت جارية من الحي الآن لا يحلب لنا منائح دارنا فسمعها فقال بلى لأحلبنها لكم وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت فيه فكان يحلب لهم وانه لما ولي استعمل عمر على الحج ثم حج أبو بكر من قابل ثم اعتمر في رحب سنة اثنتي عشرة فدخل مكة ضحوة فأتى منزله

وأبو قحافة جالس على باب داره معه فتيان يحدثهم فقيل له هذا ابنك فنهض قائما وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته فنزل عنها وهي قائمة فجعل يقول يا أبهْ لا تقم ثم التزمه وقبّل بين عيني أبي قحافة جعل أبو قحافة يبكي فرحا بقدومه وجاء والي مكة عتاب بن أسيد وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام فسلموا عليه فقالوا السلام عليك يا خليفة رسول الله وصافحوه جميعا فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله. صلى الله عليه وسلم ثم سلموا على أبي قحافة فقال أبو قحافة يا عتيق هؤلاء الملأ فاحسن صحبتهم فقال أبو بكر يا أبه لا حول ولا قوة إلا بالله طوقت عظيما من الأمر لا قوة لي به ولا يدان إلا بالله. وقال هل من أحد يتشكى ظلامة؟ فما أتاه أحد فأثنى الناس على واليهم. سياق طرف من خطبه ومواعظه وكلامه رضي الله عنه: عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما ولى أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم ولكن قد نزل القرآن وسن النبي صلى الله عليه وسلم السنن فعلمنا اعلموا أن أكيس الكيس التقوى وان أحمق الحمق الفجور إن أقواكم عندي الضعيف حتى أخذ له بحقه وان أضعفكم عندي القوي حتى أخذ منه الحق أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع فان أحسنت فأعينوني وان زغت فقوموني"1. وعن الحسن قال لما بويع أبو بكر قام خطيبا فلا والله ما خطب خطبته أحد بعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره والله لوددت أن بعضكم كفانيه ألا وإنكم إن كلفتموني أن اعمل فيكم مثل عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أقم به كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم عبدا أكرمه الله بالوحي وعصمه به إلا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني وإذا رأيتموني زغت فقوموني واعلموا أن لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم. وعن يحيى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول في خطبته أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشأنهم أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان أين الذين

_ 1 أنظر الطبقات الكبرى 3/183. وكنز العمال 5/607. رقم 14073.

كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب قد تضعضع بهم الدهر فاصبحوا في ظلمات القبور الوحا ألواحا النجاء النجاء"1. وعن عبد الله بن عكيم قال خطبنا أبو بكر فقال: أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وان تثنوا عليه بما هو أهله وان تخلطوا الرغبة بالرهبة وتجمعوا الألحاف بالمسالة إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] اعلموا عباد الله ان الله قد ارتهن بحقه أنفسكم وأخذ على ذلك مواثيقكم واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه ولا يطفأ نوره فصدقوا قوله وانتصحوا كتابه واستضيئوا منه ليوم القيامة وإنما خلقكم لعبادته ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في اجل قد غيب عنكم علمه فان استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله فسابقوا في مهل آجالكم قبل ان تنقضي آجالكم فتردكم إلى سوء أعمالكم فإن أقواما جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم فأنهاكم ان تكونوا أمثالهم ألوحا ألوحا النجاء النجاء إن وراءكم طالبا حثيثا مره سريع"2. ذكر مرض أبي بكر ووفاته رضي الله عنه: عن عبد الله بن عمر قال: كان سبب موت أبي بكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كمد فما زال جسمه يحري حتى مات. وعن ابن هشام أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر. فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يا خليفة رسول الله والله ان فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد فرفع يديه فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة. وقيل: كان بدء مرضه أنه اغتسل في يوم بارد فحمّ خمسة عشر يوماً. وعن أبي السفر قال: مرض أبو بكر فعاده الناس، فقالوا: ألا ندعو الطبيب؟ قال قد رآني. قالوا: فأيَّ شيءٍ قال لك؟ قال: اني فعَّال لما أريد.

_ 1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/69. رقم 79. 2 صحيح: أخرجه الحاكم فبي المستدرك 2/415. رقم 3447. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/69. رقم 80. وانظر كنز العمال 16/147. رقم 44180.

وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط قال: لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر فقال له "اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وانه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فريضته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم، حق لميزان يوضع فيه الحقُ غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة بأتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحقَّ لميزانٍ يوضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً، وان الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه، فإذا ذكرتهم قلت: اني لأخاف أن لا الحق بهم وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم ورد عليهم أحسنه فإذا ذكرتهم قالت إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكون العبد راغباً راهباً، لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمة الله. فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك، وإن أنت ضيعّت وصيتي فلا يك غائب أبغض إليك من الموت، ولست تعجزه1. وعن عائشة قالت: لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال: انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي، فنظرنا فإذا عبدٌ نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح كان يسقي بستانا له، فبعثنا بهما إلى عمر. قالت: فأخبرني جدي أن عمر بكى وقال: رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعباً شديداً. وعنها قالت: لما حضر أبا بكر الوفاة جلس فتشهد ثم قال: "أما بعد يا بنية، فان أحب الناس غنىً إلي بعدي أنتِ، وإن أعز الناس علي فقراً بعدي أنت، وإني كنت نحلتُك جدادا عشرين وسقا من مالي فوددت والله انك حزته وإنما هو أخواك وأختاك قالت قلت هذان أخواي فمن أختاي قال ذو بطن ابنة خارجة فإني أظنها جارية وفي رواية قد القي في روعي أنها جارية فولدت أم كلثوم. وعنها قالت لما ثقل أبو بكر قال أي يوم هذا قلنا يوم الاثنين قال فإني أرجو ما بيني وبين الليل قالت وكان عليه ثوب عليه ردع من مشق فقال إذا أنا مت فاغسلوا ثوبي هذا وضموا إليه ثوبين جديدين وكفنوني في ثلاثة أثواب فقلنا أفلا نجعلها جددا كلها قال لا إنما هو للمهلة فمات ليلة الثلاثاء أخرجه البخاري. قال أهل السير توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان ليال بقين من

_ 1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/71. رقم 83. وابن المباترك في الزهد.

جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين وأوصى أن تغسله أسماء زوجته فغسلته وأن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى عليه عمر بين القبر والمنبر ونزل في حفرته ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة بن عبيد الله. رحمه الله ورضي عنه وحشرنا في زمرته أماتنا على سنته ومحبته.

أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه

3- أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ابن نفيل بن عبد العزي بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي. وأمه: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أسلم سنة ست من النبوة وقيل سنة خمس. ذكر سبب إسلامه: عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بابي جهل بن هشام" فكان احبهما إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه1. وعن شريح بن عبيد قال قال عمر بن الخطاب2 خرجت أتعرض لرسول الله. صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن قال فقلت هذا والله شاعر كما قالت قريش قال فقرأ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة:41,40] قال قلت كاهن قال: {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} إلى آخر الآية فوق الإسلام في قلبي.

_ 3- هو: عمر بن الخطاب بن نفيل بنون وفاء مصغر ابن عبد العزى بن رباح بتحتانية ابن عبد الله بن قرط بضم القاف ابن رزاح براء ثم زاي خفيفة ابن عدي بن كعب القرشي العدوي أمير المؤمنين مشهور جم المناقب استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وولي الخلافة عشر سنين ونصفا. 1 صحيح أخرجه الترمذي في أبواب المناقب الحديث 3681. باب 17. في مناقب أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر والحاكم 3/83. وابن حبان 6881. وعبد بن حميد 759. وانظر صحيح الترمذي 2907. 2 ضعيف: أخرجه أحمد في المسند 1/211. رقم 107. قال الشيخ احمد شاكر إسناده ضعيف لانقطاعه. قلت: الانقطاع بين شريح بن عبيد وعمر.

وعن أنس بن مالك قال خرج عمر متقلدا السيف فوجده رجل من بني زهرة فقال أين تعمد يا عمر قال أريد أن اقتل محمدا قال وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمداً فقال له عمر ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي أنت عليه قال أفلا أدلك على العجب يا عمر إن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت فدخل عليهما فقال ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم قال وكانوا يقرأون طه فقالا ما عدا حديثا تحدثناه بيننا قال فلعلكما قد صبوتما فقال له ختنه أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئاً شديداً فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمي وجهها فقالت وهي غضبي أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك أشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله. فلما يئس عمر قال أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فاقرأه وكان عمر يقرأ الكتب فقالت أخته انك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرا طه حتى انتهى إلى قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فقال عمر دلوني على محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال ابشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخجاب أو بعمر وبن هشام" قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا فانطلق عمر حتى أتى الدار قال وعلى الباب حمزة وطلحة وناس من أصحاب رسول الله. صلى الله عليه وسلم فلما رأى حمزة وجل الناس من عمر قال حمزة نعم هذا عمر فان يرد الله بعمر خيرا يسلم ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم وان يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا قال والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال: "ما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله يعني بك من الخزي والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الدين بعمر بن الخطا ب" فقال عمر أشهد انك رسول الله فأسلم وقال أخرج يا رسول الله. وعن ابن عباس قال سألت عمر بن الخطاب لأي شيء سميت الفاروق قال أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت الله لا اله إلا هو له الأسماء الحسنى فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أين رسول الله

فقالت أختي هو في دار الأرقم بن أبي الأرقم عند الصفا فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار ورسول الله. صلى الله عليه وسلم في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة مالكم قالوا عمر بن الخطاب. قال فخرج رسول الله. صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم هزه هزة فما تمالك أن وقع على ركبته فقال ما أنت بمنته يا عمر قال قلت أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد قال فقلت يا رسول الله السنا على الحق أن متنا وان حيينا قال بلى والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وان حييتم فقلت ففيم الاختفاء والذي بعثك بالحق لنخرجن فأخرجناه في صفين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد قال فنظرت إلي قريش والى حمزة فأصابتهم كابة لم يصبهم مثلها فسماني رسول الله. صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق1. قال أهل السير: أسلم عمر وهو ابن ست وعشرين سنة بعد أربعين رجلا وقال سعيد بن المسيب بعد أربعين رجلا وعشر نسوة. وقال عبد الله بن ثعلبة بن صعير بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة. وعن داود بن الحصين والزهري قالا لما أسلم عمر نزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد استبشر أهل السماء بإسلام عمر. وقال ابن مسعود ما زلنا أعزة مند أسلم عمر2. وقال صهيب لما أسلم عمر جلسنا حول البيت حلقا وطفنا وانتصفنا ممن غلظ علينا. ذكر صفة عمر رضي الله عنه: كان ابيض امهق تعلوه حمرة طوالا اصلع اجلح شديد حمرة العين في عارضه خفة وقال وهب صفته في التوارة قرن من حديد أمير شديد. ذكر أولاده: كان له من الولد عبد الله وعبد الرحمن وحفصة أمهم زينب بنت مظعون وزيد الأكبر ورقية أمهما أم كلثوم بنت علي وزيد الأصغر وعبيد الله أمهما أم كلثوم بنت

_ 1 ضعيف جدا: أخرجه أبو نعيم 1/75. رقم 93. والبيهقي في دلائل النبوة 1/80. والتبريزي في مشكاة المصابيح 5624. وفيه إسحاق بن عبد الله الدمشقي – متروك. 2 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة الحديث 3684. باب 6. مناقب عمر بن الخطاب

جرول وعاصم أمه جميلة وعبد الرحمن الأوسط أمه لهية أم ولد وعبد الرحمن الأصغر أمه أم ولد وفاطمة أمها أم حكيم بنت الحارث وعياض أمه عاتكة بنت زيد وزينب أمها فكيهة أم ولد. ذكر نزول القرآن بموافقته: عن أنس قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وافقت ربي عز وجل في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125] وقلت يا رسول الله أن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك حديث متفق عليه1. ذكر جملة من مناقبه وفضائله: قال أهل العلم لما أسلم عمر عز الإسلام وهاجر جهرا وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها وهو أول خليفة دعي بأمير المؤمنين وأول من كتب التاريخ للمسلمين وأول من جمع القرآن في المصحف وأول من جمع الناس على صلاة التراويح وأول من عس في عمله وحمل الدرة وأدب بها وفتح الفتوح ووضع الخراج ومصر الأمصار واستقضى القضاة ودون الديوان وفرض الأعطية وحج بأزواج رسول الله في آخر حجة حجها. عن عائشة عن النبي. صلى الله عليه وسلم قال: "قد كان في الأمم محدثون فان يكن في أمتي فعمر" حديث متفق عليه2. وعن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر: "والذي يفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك" أخرجاه في الصحيحين3. وعن ابن عمر قال استأذن عمر الرسول صلى الله عليه وسلم في العمرة فقال: "يا أخي أشركنا في صالح دعائك ولا تنسنا".

_ 1 صحيح أخرجه البخاري في كتاب التفسير الحديث 4483. باب 9. قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} ومسلم في كتاب فضائل الصحابة الحديث 2399. باب 2. فضائل عمر رضي الله عنه. 2 صحيح: أخرجه البخاري في الأنبياء الحديث 3469. ومسلم في فضائل الصحابة الحديث 3693. وأحمد في المسند الحديث 24166. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق الحديث 3294. ومسلم في الفضائل الحديث 2396. وأحمد في المسند الحديث 1472.

وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة". وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اشد أمتي في أمر الله عمر". وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي بعض نزعه ضعف والله يغفر له ثم أخذها عمر فاستحالت في يده غربا فلم أر عبقريا يفري فرية حتى ضرب الناس بعطن" حديث متفق على صحته. وعنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث فقال: "بينما أنا نائم أتيت بقدح فشربت منه حتى اني أرى الري يخرج من أطرافي ثم أعطيت فضلي عمر فقالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم" وهذا متفق على صحته1. ذكر خلافته: قال حمزة بن عمرو توفي أبو بكر مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة فاستقبل عمر بخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبو بكر. عن جامع بن شداد عن أبيه قال كان أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر إن قال اللهم اني شديد فليني وأني ضعيف فقوني وإني بخيل فسخني. ذكر اهتمامه برعيته: عن زيد بن أسلم عن أبيه قال خرجت مع عمر رضي الله عنه إلى السوق فلحقت عمر امرأة شابة فقالت يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغار والله ما ينضجون كراعا ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تاكلهم الضبع وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال مرحبا بنسب قريب ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار فحمل عليه غرار تين ملأهما طعاما وحمل بينها نفقة وثيابا ثم نأولها بخطامه ثم قال اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير فقال رجل يا أمير المؤمنين أكثرت لها قال عمر ثكلتك أمك والله اني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه انفرد بإخراجه البخاري. وعن الأوزاعي أن عمر بن الخطاب خرج في سواد الليل فرآه طلحة فذهب عمر فدخل بيتا ثم دخل بيتاً آخر فلما اصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة فقال

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الفضائل الحديث 3680. باب 6. مناقب عمر بن الخطاب ومسلم في الفضائل الحديث 2391. باب 2. من فضائل عمر رضي الله عنه.

لها ما بال هذا الرجل يأتيك قالت أنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى قال طلحة ثكلتك أمك طلحة اعثرات عمر تتبع؟ 1. وعن ابن عمر قال قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن هل لك أن تحرسهم الليلة من السرق فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لامه اتقي الله واحسني إلى صبيك ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك ثم عاد إلى مكانه فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه فأتى أمه فقال لها ويحك اني لاراك أم سوء ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة قالت يا عبد الله قد ابر متني منذ الليلة اني اريغه عن الفطام فيأبى قال ولم قالت لان عمر لا يفرض إلا للفطم قال وكم له قالت كذا وكذا شهرا قال ويحك لا تعجيله فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء فلما سلم قال يا بؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين ثم أمر مناديا فنادى إن لا تعجلوا صبيانكم على الفطام فأنا نفرض لكل مولود في الإسلام وكتب بذلك إلى الآفاق أن يفرض لكل مولود في الإسلام. وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال كان عمر يصوم الدهر وكان زمان الرمادة إذا أمسى أتي بخبز قد ثرد في الزيت إلى أن نحروا يوما من الأيام جزورا فأطعمها الناس وغرفوا له طيبها فأتى به فإذا قدر من سنام ومن كبد فقال أنى هذا؟ قالوا يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم قال بخ بخ بئس الوالي أنا ان أكلت أطببها وأطعمت الناس كراديسها ارفع هذه الجفنة هات لنا غير هذا الطعام فأتى بخبز وزيت فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك الخبز ثم قال ويحك يا يرفأ ارفع هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بثمغ فإني لم اتهم منذ ثلاثة أيام واحسبهم مقفرين فضعها بين أيديهم. ذكر زهده رضي الله عنه: عن الحسن قال: خطب عمر الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه ثنتا عشرة رقعة وعن أنس قال كان بين كتفي عمر ثلاث رقاع. وعن مصعب بن سعد قال قالت حفصة لعمر يا أمير المؤمنين اكتسيت ثوبا هو ألين من ثوبك وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك فقد وسع الله من الرزق وأكثر من الخير فقال اني سأخاصمك إلى نفسك أما تذكرين ما كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم يلقى من شدة

_ 1 أنظر حلية الأولياء 1/84. رقم 113.

العيش وكذلك أبو بكر فما زال يذكرها حتى أبكاها فقال لها أما والله لأشاركنهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك عيشهما الرخي رواه أحمد1. ذكر تواضعه: عن عبد الله بن عباس قال: كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة وقد ذُبح للعباس فرخان، فلما وافى الميزاب صُبّ ماء بدم الفرخين فأصاب عمر، فأمر عمر بقلعه، ثم رجع عمر فطرح ثيابه ولبس ثياباً غير ثيابه، ثم جاء فصلى بالناس فأتاه العباس فقال: والله أنه للموضعُ الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر للعباس: وأنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله. صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك العباس. رواه أحمد. ذكر خوفه من الله عز وجل وبكائه: عن عبد الله بن عمر قال: كان عمر بن الخطاب يقول: لو مات جدي بطَفّ الفرات لخشيت أن يحاسب الله به عمر2. وعن عبد الله بن عامر قال: رأيت عمر بن الخطاب أخذ تبنة من الأرض فقال: ليتني كنت هذه النبتة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أكن شيئاً، ليتني كنت نسياً منسياً3. وعن عبد الله بن عيسى قال: كان في وجه عمر خطان أسودان من البكاء4. ذكر تعبده رحمة الله عليه: عن ابن عمر قال: ما مات عمر حتى سردَ الصوم. عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يحب الصلاة في جوف الليل، يعني في وسط الليل. ذكر نبذة من كلامه ومواعظه رضي الله عنه: عن ثابت بن الحجاج، قال: قال عمر حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم

_ 1 أنظر حلية الأولياء 1/84. رقم 116. 2 أنظر المصدر السابق. 3 أنظر تاريخ الخلفاء ص 129. وسير أعلام النبلاء 2/522. وتاريخ دمشق 44/313. 4 أنظر مناقب عمر لابن الجوزي ص 168. وسير أعلام النبلاء 2/522. وحلية الأولياء 1/88. رقم 132.

قيل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، تزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] . وعن الأحنف، قال: قال لي عمر بن الخطاب: يا أحنف، من كثر ضحكه قلَّت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلّ حياؤه، ومن قل حياؤه قلَّ ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه. وعن وديعة الأنصاري قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول وهو يعظ رجلا: لا تكلم فيما لا يعنيك وأعرف عدوك، وأحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تمشِ مع الفاجر فيعلمك من فجوره، ولا تطلعه على سرك، ولا تشاور في أمرك إلا الذين يخشون الله عز وجل. ذكر وفاته رضي الله عنه: عن عمرو بن ميمون، قال: إني لقائم ما بيني وبين عمر إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفّين قال: استووا حتى إذا لم ير فيهن خللاً تقدم فكبر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الْكَلْبُ، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمرّ على أحد يميناً ولا شمالً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرنساَ فلما ظنَّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه. وتناول عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه. فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى وأما نواحي المسجد فانهم لا يدرون غير انهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون سبحان الله سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس انظر من قتلني؟ فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة قال الصَّنَعُ؟ قال: نعم. قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن شئت فعلت أي إن شئت قتلنا قال كذبت بعد ما تكلموا بلسانكم وصلوا إلى قبلتكم وحجوا حجكم. فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه وكان الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ فقائل يقول لا باس وقال يقول أخاف عليه فأتى بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتي لبن فشربه فخرج من جرحه فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه وجاء رجل شاب

فقال ابشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة قال وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي. فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض قال ردوا علي الغلام قال ابن أخي ارفع ثوبك فانه أبقى لثوبك وأتقى لربك. يا عبد الله بن عمر انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه قال إن وفى له مال آل عمر فاده من أموالهم وآلا فسل في بني عدي بن كعب فان لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم فأد عني هذا المال انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أيريده لنفسي ولأوثرنه به اليوم على نفسي. فلما أقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء قال ارفعوني فاسنده رجل إليه فقال ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد لله ما كان منه شيء أهم إلي من ذلك فإذا أنا قضيت فاحملوني ثم سلم فقل يستأذن عمر بن الخطاب فان أذنت لي فأدخلوني وان ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين. وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة واستأذن الرجال فولجت داخلا لهم فسمعنا بكاءها من الداخل فلما قبض خرجنا به فانطلقنا به فسلم عبد الله بن عمر وقال يستأذن عمر قالت ادخلوه فادخل فوضع هنالك مع صاحبيه انفرد بإخراجه البخاري1. وعن عثمان بن عفان قال أنا آخركم عهدا بعمر دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله فقال له ضع خدي بالأرض قال فهل فخذي والأرض إلا سواء؟ قال ضع خدي بالأرض لا أم لك في الثانية أو الثالثة وسمعته يقول ويلي وويل أمي إن لم تغفر لي حتى فاضت نفسه. قال سعد بن أبي وقاص طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ودفن يوم الأحد صبيحة هلال المحرم قال معاوية كان عمر ابن ثلاث وستين.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة الحديث 3700. باب 8. قصة البيعة.

وعن الشعبي أن أبا بكر قبض وهو ابن ثلاث وستين وان عمر قبض وهو ابن ثلاث وستين. وعن سالم بن عبد الله أن عمر قبض وهو ابن خمس وستين وقال ابن عباس كان عمر ابن ست وستين وقال قتادة ابن إحدى وستين وصلى عليه صهيب وقال سليمان بن يسار ناحت الجن على عمر رضي الله عنه. عليك سلام من أمير وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بواثق في أكمامها لم تفتق فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت ألامس يسبق ابعد قتيل بالمدينة بالمدينة أظلمت ... له الأرض تهتز العضاه بأسوق وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره وقف عليه علي عليه السلام فقال والله ما على الأرض رجل أحب إلي إن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى بالثوب. وعن عبد الله بن عبيد الله بن العباس قال كان العباس خليلا لعمر فلما أصيب عمر جعل يدعو الله أن يريه عمر في المنام قال فراه بعد حول وهو يمسح العرق عن وجهه قال ما فعلت قال هذا أوان فرغت أن كاد عرشي ليهد لولا اني لقيت رؤوفا رحيما. قال الشيخ رضي الله عنه أخبار عمر رضي الله عنه من أولى ما استكثر منه وإنما اقتصرت ها هنا على ما ذكرت منها لأني قد وضعت لمناقبه وأخباره كتابا كبيرا يجمعها فمن أراد استيعاب أخباره فلينظر في ذلك والسلام.

أبو عبد الله عثمان بن عفان رضي الله عنه

4- أبو عبد الله عثمان بن عفان رضي الله عنه: ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. أمه: أورى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس أسلمت وكان عثمان يكنى في الجاهلية أبا عمرو فلما ولدت له في الإسلام رقية غلاما سماه عبد الله واكتنى به. أسلم عثمان قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر خلفه على ابنته رقية يمرضها وضرب له

_ 4- هو: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أمير المؤمنين ذو النورين أحد السابقين الأولين والخلفاء الأربعة والعشرة المبشرة استشهد في ذي الحجة بعد عيد الأضحى سنة خمس وثلاثين وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة وعمره ثمانون وقيل أكثر وقيل أقل.

بسهمه واجره فكان كمن شهدها وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بعد رقية وقال لو كان عندي ثالثة لزوجتها عثمان وسمي ذا النورين لجمعه بين بنتي رسول الله. صلى الله عليه وسلم وبايع عنه رسول الله. صلى الله عليه وسلم بيده في بيعة الرضوان. ذكر صفته رضي الله عنه: كان ربعة ابيض وقيل اسمر رقيق البشرة حسن الوجه عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين كثير شعر الرأس عظيم اللحية يصفرها. عن الحسن قال نظرت إلى عثمان فإذا رجل حسن الوجه وإذا بوجنته نكات جدري وإذا شعره قد كسا ذراعه. ذكر أولاده: وكان له من الولد عبد الرحمن بن رقية عبد الله الأصغر أمه فاختة بنت غزوان وعمرو وخالد وإبان وعمر ومريم أمهم أم عمرو بنت جندب من الازد والوليد وسعيد وأم سعيد أمهم فاطمة بنت الوليد وعبد الملك أمه أم البنين بنت عيينة بن حصن وعائشة وأم إبان وأم عمرو امهن رملة بنت شيبة بن ربيعة ومريم أمها نائلة بنت الفرافصة وأم البنين أمها أم ولد. ذكر جملة من فضائله رضي الله عنه: عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم كان جالسا كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله ثم أستأذن عمر وهو على حاله ثم أستأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه فلما قاموا قلت يا رسول الله أستأذن عليك أبو بكر وعمر فأذنت لهما وأنت على حالك فلما أستأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك فقال يا عائشة ألا استحيي من رجل والله أن الملائكة لتستحيي منه انفرد بإخراجه مسلم1. وعن عثمان هو ابن موهب قال جاء رجل من أهل مصر حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال من هؤلاء القوم قال هؤلاء قريش قال فمن الشيخ فيهم قالوا عبد الله بن عمر قال يا ابن عمر اني سائلك عن شيء فحدثني عنه هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد قال نعم

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة الحديث 2401. باب 3. من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه.

قال هل تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد قال نعم قال هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها قال نعم قال الله اكبر. قال ابن عمر تعال أبين لك أما فراره يوم أحد فاشهد أن الله عفا عنه وغفر له وأما تغيبه عن بدر فانه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن لك اجر رجل ممن شهد بدراً" وسهمه وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول الله. صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: "هذه يد عثمان" فضرب بها على يده فقال: "هذه لعثمان". فقال له ابن عمر أذهب بها الآن معك1 رواه البخاري. وعن أبي سعيد الخدري قال رأيت رسول الله. صلى الله عليه وسلم من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعا يديه يدعو لعثمان: "اللهم عثمان رضيت عنه فأرض عنه". ذكر تنبيه الرسول عليه السلام عثمان على ما سيجري عليه: عن عائشة قالت كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عائشة لو كان عندنا من يحدثنا قالت قلت يا رسول الله إلا ابعث إلى أبي بكر فسكت ثم قال لو كان عندنا من يحدثنا فقلت ألا أبعث إلا عمر فسكت قالت ثم دعا وصيفا بين يديه فساره فذهب. قالت فإذا عثمان يستأذن فأذن له فدخل فناجاه النبي صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال: "يا عثمان إن الله عز وجل مقمصك قميصا فإذا أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة" يقولها له مرتين أو ثلاثا رواه أحمد. وعن أبي موسى أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل يستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "افتح له وبشره بالجنة" ففتحت فإذا أبو بكر فبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر فقال: "افتح له وبشره بالجنة" فإذا عمر ففتحت له وبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر وكان متكئا فجلس فقال: " افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه أو تكون" فإذا عثمان ففتحت له وبشرته بالجنة فأخبرته بالذي قال فقال الله المستعان2.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة الحديث 3698. باب 7. مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه. 2 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة حديث 3674. باب 4. فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم والترمذي الحديث 3710. ومسلم في فضائل الصحابة الحديث 2403.

وعن سهل بن سعد قال ارتج أحد وعليه النبي. صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان فقال النبي. صلى الله عليه وسلم اسكن أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان رواه أحمد. ذكر أفعاله الجميلة وطاعاته: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: أشرف عثمان من القصر وهو محصور فقال: أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء إذا أهتز الجبل فركضه بقدمه ثم قال: " اسكن حراء ليس عليه إلا نبي أو صديق أو شهيد وأنا معه". فانتشد له رجال. قال: أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان إذا بعثني إلى المشركين من أهل مكة قال: " هذه يدي وهذه يد عثمان" فبايغ فانتشد له رجال. قال: أنشد بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من يوسع لنا بهذا البيت في المسجد ببيت له في الجنة؟ " فابتعته من مالي فوّسعت به المسجد فانتشد له رجال. قال: وأنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جيش العسرة قال: " من ينفق اليوم نفقة متقبَّلة؟ " فجهزت نصف الجيش من مالي. قال فانتشد له رجال. قال: وأنشد بالله من شهد رومة يباع ماؤها ابن السبيل فابتعتها من مالي فأبحتها ابن السبيل. فانتشد له رجال رواه الإمام أحمد. وعن عبد الرحمن بن خبّاب السلمي قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها ثم حث، فقال عثمان: علي مائة اخرى باحلاسها واقتابها قال: ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث فقال: فقال عثمان علي مائة أخرى بأحلاسها واقتابها. ف رأيت النبي. صلى الله عليه وسلم يقول بيده يحركها: " ما على عثمان ما عمل بعد هذا" رواه عبد الله بن الإمام أحمد1. وعن الزبير بن عبد الله عن جدَّةٍ له يقال لها رهيمة قالت: كان عثمان يصوم الدهر ويقوم الليل إلا هجعةً من أوله رواه الإمام أحمد. وعن ابن سيرين، قال: قالت امرأة عثمان حين قتل عثمان: قتلتموه وانه ليحيي الليل كله بالقرآن؟ وعنه قال، قالت امرأة عثمان بن عفان حين أطافوا يريدون قتله: وإن تقتلوه أو تتركوه فانه كان يحيي الليل كله في ركعة يجمع فيها القرآن.

_ 1 حسن: أخرجه الترمذي في كتاب المناقب حديث 3701. باب 19. مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وأحمد في المسند حديث 20655.

وعن يونس، أن الحسن سئل عن القائلين في المسجد، فقال: رأيت عثمان بن عفان يقيل في المسجد وهو وهو يومئذ خليفة ويقوم وأثر الحصى بجنبه. قال: فنقول هذا أمير المؤمنين هذا أمير المؤمنين رواه أحمد. وعنه قال: رأيت عثمان نائماً في المسجد ورداؤه تحت رأسه فيجيء الرجل فيجلس إليه ثم يجيء الرجل فيجلس إليه كأنه أحدهم. وعن سليمان بن موسى أن عثمان بن غان دعي إلى قوم كانوا على أمر قبيح فخرج إليهم فوجدهم إليهم فوجدوهم قد تفرقوا ورأى أمراً قبيحاً فحمد الله إذ لم يصادفهم واعتق رقبة وعن شرحبيل بن مسلم أن عثمان كان يطعم الناس طعام الإمارة ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت. عن الحسن وذكر عثمان بن عفان وشدة حيائه فقال إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق فما يصنع الثوب ليفيض عليه الماء يمنعه الحياء أن يقيم صلبه. وعن الزبير بن عبد الله قال حدثتني جدتي أن عثمان بن عفان كان لا يوقظ أحداً من أهله من الليل إلا أن يجده يقظانا فيدعوه فيناوله وضوءه وكان يصوم الدهر. ذكر خلافته: بويع يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين واستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين وعاش في الخلافة اثنتي عشرة سنة قال أبو معشر إلا اثنتي عشرة ليلة. ذكر مقتله: حصر في منزله أياما ثم دخلوا عليه فقتلوه يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة ويقال لثماني عشرة خلت من سنة خمس وثلاثين. واختلف في قاتله فقيل الأسود التجيبي من أهل مصر وقيل جبلة بن الايهم وقيل سودان بن رومان المرادي ويقال ضربه التجيبي ومحمد بن أبي حذيفة وهو يقرأ في المصحف وكان صائما يومئذ. ودفن ليلة السبت بالبقيع سنة تسعون وقيل خمس وتسعون وقيل ثمان وثمانون وقيل اثنتان وثمانون. وعن عبد الله بن فروخ قال شهدت عثمان بن عفان دفن في ثيابه بدمائه وقيل صلى عليه الزبير وقيل حكيم بن حزام وقيل جبير بن مطعم. وعن الحسن قال لقد رأيت الذين قتلوا عثمان تحاصبوا في المسجد حتى ما ابصر أديم السماء وان أنسانا رفع مصحفا من حجرات النبي. صلى الله عليه وسلم ثم نادى ألم تعلموا أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد برئ ممن فرق دينه وكان شيعا؟

ذكر ثناء الناس عليه رضي الله عنه وأرضاه: قد صح عن أبي بكر الصديق أنه أملى على عثمان وصيته عند موته فلما بلغ إلى ذكر الخليفة أغمي عليه فكتب عثمان عمر فلما آفاق قال من كتب قال عمر فقال لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا. وقد صح عن عمر أنه جعله في أهل الشورى وشهد له أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم مات وهو عنه راض. وعن مطرف قال لقيت علياً عليه السلام فقال لي يا أبا عبد الله ما بطا بك عنا أحب عثمان أما لئن قلت ذاك لقد كان أوصلنا للرحم واتقانا للرب تعالى. عن ابن عمر قال كنا نخير بين الناس في زمن النبي. صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم انفرد بإخراجه البخاري. وعن عبد الله قال حين استخلف عثمان استخلفنا خير من بقي ولم ناله. وعن ابن عمر: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9] قال هو عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته وأماتنا على سنته ومحبته.

أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

5- أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: واسم أبي طالب: عبد مناف بن عبد المطلب. وأمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أسلمت وهاجرت. ويكنى أبا الحسن وأبا التراب، أسلم وهو ابن سبع سنين، ويقال تسع، ويقال عشر، ويقال خمس عشرة، وشهد المشاهد كلها ولم يتخلف إلا في تبوك فإن رسول الله. صلى الله عليه وسلم خلّفه في أهله وكان غزير العلم. ذكر صفته: كان آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما، أقرب إلى القصر من الطول، ذا بطن كثير

_ -5 هو: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته من السابقين الأولين ورجح جمع أنه أول من أسلم وهو أحد العشرة مات في رمضان سنة أربعين وهو يومئذ أفضل الأحياء من بني آدم بالأرض بإجماع أهل السنة وله ثلاث وستون سنة على الأرجح.

الشعر عظيم اللحية أصلع، أبيض الرأس واللحية لم يصفه أحد بالخضاب إلا سوادة بن حنظلة فانه قال: رأيت علياً أصفر اللحية، ويشبه أن يكون قد خضب مرة ثم ترك. ذكر أولاده رضي الله عنه: كان له من الولد أربعة عشر ذكراً وتسع عشرة أنثى: الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى: أمهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحمد الأكبر وهو ابن الحنيفة وأمه: خولة بنت جعفر وعبيد الله قتله: المختار وأبو بكر قُتل مع الحسين أمهما ليلى بنت مسعود والعباس الأكبر وعثمان وجعفر وعبد الله قتلوا مع الحسين، أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد، ومحمد الأصغر قُتل الحسين، أمه أم ولد، ويحيى وعون: أمهما أسماء بنت عميس عمر الأكبر ورقية، أمهما صهباء سبية ومحمد الأوسط أمه إمامة بنت أبي العاص وأم الحسن ورملة الكبرى أمهما أم سعيد بنت عروة وأم هانئ وميمونة وزينب الصغرى ورملة الصغرى وأم كلثوم الصغرى وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم جعفر، وجُمانة ونفيسة وأم سلمة: وهن الأمهات شتى، وابنة أخرى لم يذكر اسمها ماتت صغيرة. فهؤلاء الذين عرفنا من أولاد علي عليه السلام. ذكر ارتقائه منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أبي مريم، عن علي، قال: انطلقت أنا والنبي عيه السلام حتى أتينا الكعبة. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس وصعد على منكبي فذهبت لأنهض به فرأى مني ضعفاً فنزل وجلس لي نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال لي اصعد على منكبي. قال فنهض بي فانه ليخيل إلي أني لو شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر أو نحاسٍ، فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى استكمنت منه. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقذف به فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله. صلى الله عليه وسلم نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس رواه أحمد1. ذكر محبة الله عز وجل له ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: "لأعطيَّن هذه الراية غداً رجلاً بفتح

_ 1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند الحديث 644.

الله عليه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". قال: فبات الناس يذكرون وأيهم يعطاها. فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها. فقال: " أين علي بن أبي طالب؟ " فقيل: يا رسول الله يشتكي عينه. قال: فأرسلوا إليه. فأتي به فبصق رسول الله. صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبريء حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال علي عليه السلام: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال: " أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم أدعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً وأحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه الأمام أحمد وأخرجاه في الصحيحين عن قتيبة1. ذكر إخاء النبي عليا صلى الله عليه وسلم علياً عليه السلام: عن سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول الله. صلى الله عليه وسلم علي أبي طالب في غزوة تبوك، فقال يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي" 2 أخرجاه في الصحيحين. ذكر جمل من مناقبه رضي الله عنه: عن زربن حبيش قال: قال علي والله إنه لما عهد إلي الرسول صلى الله عليه وسلمأنه قال: "لا يبغضني إلا منافق ولا يحبني إلا مؤمن " انفرد بإخراجه مسلم. وعن زاذان، قال: سمعت علياً بالرُّحْبَة يقول وهو ينشد الناس من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم "غدير خُمّ" وهو يقول ما قال فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا انهم سمعوا رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول " مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه" 3 رواه الأمام أحمد. وعن هبيرة قال: خطبنا الحسن بن علي فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلْمٍ، ولم يدركه الآخرون. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه بالراية، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، لا ينصرف حتى يُفتح له رواه أحمد.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسيرحديث 3009. باب 143. فضل من أسلم على يديه رجل ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2406. باب 4. من فضائل علي ابن أبي طالب رضي الله عنه. وأحمد في المسند حديث 16538. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة حديث 3706. باب 9. مناقب علي ابن أبي طالب ومسلم في الفضائل حديث 2404. باب 4. من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه. 3 حسن: أخرجه الترمذي في كتاب المناقب حديث 3713. باب 20. مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال: هذا حديث حسن صحيح وابن ماجة الحديث 121. وأحمد في المسند 5/220.

وعن سعيد بن المسيّب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلةٍ ليس لها أبو حسن. ذكر زهده: عن علي بن ربيعة عن علي بن أبي طالب قال جاءه ابن التياح فقال يا أمير المؤمنين امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء فقال الله اكبر ثم قام متوكئا على ابن التياح حتى قام على بيت المال فقال: هذا جناي وخياره فيه ... وكل جان يده إلى فيه يا ابن التياح علي بأشياخ الكوفة قال فنودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت المال وهو يقول يا صفراء يا بيضاء غري غيري ها وها حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه وصلى فيه ركعتين واه أحمد1. وعن أبي صالح قال قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضمرة صف لي عليا فقال أو تعفيني؟ قال بل صفه قال أو تعفيني؟ قال لا أعفيك قال أما إذا فانه والله كان بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وينطق بالحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة بقلب كفه ويخاطب بفسه يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا إذا أتيناه ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة ولا نبتديه لعظمه فان تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا يياس الضعيف من عدله واشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه وغارب نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وكأني اسمعه وهو يقول يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت أم لي تشوفت؟ هيهات هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيك فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. قال فذرفت دموع معاوية رضي الله عنه حتى خرت على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء ثم قال معاوية رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك

_ 1 أخرجه أحمد في المسند وأبو نعيم في حلية الاولياء 1/122. رقم 244.

فكيف حزنك عليه يا ضرار قال حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقا عبرتها ولا يسكن حزنها1. وعن هارون بن عنترة عن أبيه قال دخلت على علي بن أبي طالب بالخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفه فقلت يا أمير المؤمنين أن الله تعالى قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبا وأنت تصنع بنفسك ما تصنع فقال وأما ما أرزؤكم من مالكم شيئا وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي أو قال من المدينة. وعن أبي مطرف قال رأيت عليا عليه السلام مؤتزرا بازار مرتديا برداء ومعه الدرة كأنه أعرابي يدور حتى بلغ سوق الكرابيس فقال يا شيخ احسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ثم جاء أبو الغلام فأخبره فأخذ أبوه درهما ثم جاء به فقال هذا الدرهم يا أمير المؤمنين قال ما شان هذا الدرهم قال كان قميصنا ثمن درهمين قال باعني رضاي وأخذ رضاه. وعن عمر وبن قيس أن عليا عليه السلام رئي عليه أزار مرقوع فعوتب في لبوسه فقال يقتدي بي المؤمن ويخشع له القلب. وعن أبي النوار قال رأيت عليا اشترى ثوبين غليظين خير قنبراً أحدهما. وعن فضيل بن مسلم عن أبيه أن عليا اشترى قميصا ثم قال اقطعه لي من ها هنا مع أطراف الأصابع وفي رواية أخرى أنه لبسه فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه فأمر به فقطع ما فضل عن أطراف الأصابع. وعن علي بن الأقمر عن أبيه قال رأيت عليا عليه السلام وهو يبيع سيفا له في السوق ويقول من يشتري مني هذا السيف؟ فوالذي فلق الحبة لطال ما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان عندي ثمن أزار ما بعته. ذكر ورعه: عن رجل من ثقيف أن عليا عليه السلام استعمله على عكبر قال قال لي إذا كان عند الظهر فرح إلي فرحت إليه فلم أجده عنده حاجبا يحبسني دونه فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا بظبية فقلت في نفسي لقد أمنني حين يخرج إلي جوهرا ولا ادري ما فيها فإذا عليها خاتم فكسر الخاتم فإذا فيها سويق فاخرج منها فصب في القدح وصب

_ 1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/126. رقم 261.

عليه ماء فشرب وسقاني فلم اصبر فقلت يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك قال أما والله ما اختم عليه بخلا عليه ولكني ابتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفنى فيصنع من غيره وإنما حفظي لذلك واكره أن ادخل بطني إلا طيبا. وعن عمرو بن يحيى عن أبيه قال اهدي إلى علي بن أبي طالب ازقاق سمن وعسل فراها قد نقصت فسال فقيل بعثت أم كلثوم فأخذت منه فبعث إلى المقومين فقوموه خمسة دراهم فبعث إلى أم كلثوم ابعثي إلي بخمسة دراهم. وعن مجاهد قال قال علي عليه السلام جعت مرة بالمدينة جوعا شديدا فخرجت اطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فظننتها تريد بله فأتيتها فقاطعتها كل ذنوب على تمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يدي ثم أتيت الماء فأصبت منه ثم أتيتها فقلت بكفي هكذا بين يديها وبسط إسماعيل يديه وجمعهما فعدت لي ست عشرة تمرة فأتيت النبي. صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأكل معي منها. كلمات منتخبة من كلامه ومواعظه عليه السلام: عن عبد خير عن علي عليه السلام قال ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يكثر عملك ويعظم حلمك ولا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين رجل أذنب ذنوبا فهو يتدارك ذك بتوبة أو رجل يسارع في الخيرات ولا يقل عمل في تقوى وكيف يقل ما يتقبل1. وعن مهاجر بن عمير قال قال علي بن أبي طالب: "إن أخوف ما أخاف اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة إلا وان الدنيا قد ترحلت مدبرة ألا وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل"2. وعن رجل من بني شيبان إن علي بن أبي طالب عليه السلام خطب فقال الحمد لله أحمده واستعينه واؤمن به واتوكل عليه واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليزيح به علتكم وليوقظ به غفلتكم واعلموا إنكم

_ 1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/117. رقم 233. 2 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/117. رقم 235.

ميتون ومبعوثون من بعد الموت وموقفون على أعمالكم ومجزيون بها فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنها دار بالبلاء محفوفة وبالفناء معروفة وبالغدر موصوفة وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال ولا تدوم أهوالها ولن يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء وسرور آذاهم منها في بلاء وغرور أحوال مختلفة وتارات متصرفة العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسمامها وتقصمهم بحمامها وكل حتفه فيها مقدور وحظه فيها موفور. واعلموا عباد الله إنكم وما انتم فيه من زهرة الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم اعمارا واشد منكم بطشا واعمر ديارا وابعد أثارا فأصبحت أموالهم هامدة من بعد نقلتهم وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية فاستبدلوا بالقصور المشيدة والنمارق الممهدة الصخور والأحجار في القبور التي قد بني على الخراب فناؤها وشيد بالتراب بناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والأخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى وأظلتهم الجنادل والثرى فأصبحوا الحياة أمواتاً وبعد غضارة العيش رفاتاً فجع بهم الأحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم إياب هيهات هيهات: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} المؤمنون: 100] وكان قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الأمور وبعثرت القبور وحصل ما في الصدور ووقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والأستار وظهرت منكم العيوب والأسرار هناك: {تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [غافر:17] أن الله عز وجل يقول: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31] وقال: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49] جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه متبعين لأوليائه حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله {إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} . عن الحسن عن علي عليه السلام قال طوبى لكل عبد نومة عرف الناس ولم يعرفه الناس

عرفه الله برضوان أولئك مصابيح الهدى يكشف الله عنهم كل فتنة مظلمة سيدخلهم الله في رحمة منه ليسوا بالمذابيع البذر ولا الجفاة المرائين. وعن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام إلا إن الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يؤمنهم من عذاب الله ولا يرخص لهم في معاصي الله ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره ولا خير في عبادة لا علم فيها ولا خير في علم لا فهم فيه ولا خير في قراءة لا تدبر فيها". وعن الشعبي أن عليا عليه السلام قال يا أيها الناس خذوا عني هؤلاء الكلمات فلو ركبتم المطي حتى تنضوها ما أصبتم مثلها لا يرجون عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه ولا يستحي إذا لم يعلم أن يتعلم ولا يستحيي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا اعلم واعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا خير في جسد لا رأس له". وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال أوحى الله عز وجل إلى نبي بين الأنبياء أنه ليس من أهل بيت ولا أهل دار ولا أهل قرية يكونون لي على ما أحب فيتحولون عن ذلك إلى ما اكره إلا تحولت لهم مما يحبون إلى ما يكرهون وليس من أهل بيت ولا أهل دار ولا أهل قرية يكونون لي على ما اكره فيتحولون من ذلك إلى ما أحب إلا تحولت لهم مما يكرهون إلى ما يحبون. وعن عبد الله بن عباس أنه قال ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتفاعي بكتاب كتب به إلي علي بن أبي طالب فانه كتب إلي: أما بعد فان المرء يسوءه فوت ما لم يكن ليدركه ويسره درك ما لم يكن ليفوته فليكن سرورك بما نلت من أمر أخرتك وليكن اسفك على ما فاتك منها وما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحا وما فاتك منها فلا تأس عليه حزنا وليكن همك فيما بعد الموت". وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن عليا رضي الله عنه شيع جنازة فلما وضعت في لحدها عج أهلها وبكوها فقال ما تبكون أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم لأذهلتهم معاينتهم عن ميتهم وان له فيهم لعودة ثم عودة حتى لا يبقي منهم أحداً ثم قام فقال: أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال ووقت لكم الآجال وجعل لكم أسماعا تعي ما عناها وأبصارا لتجلو عن غشاها وأفئدة نفهم ما دهاها أن الله لم يخلقكم عبثا ولم يضرب عنكم الذكر صفحا بل أكرمكم بالنعم السوابغ وارصد لكم

الجزاء فاتقوا لله عباد الله وجدوا في الطلب وبادروا بالعمل قبل هادم اللذات فان الدنيا لا يدوم نعميها ولا تؤمن فجائعها غرور حائل وسناد مائل اتعظوا عباد الله بالعبر وازدجروا بالنذر وانتفعوا بالمواعظ فكان قد علقتكم مخالب المنية وضمنتم بيت التراب ودهمتكم مفظعات الأمور بنفخة الصور وبعثرة القبور وسياق المحشر وموقف الحساب بإحاطة قدرة الجبار كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها وشاهد يشهد عليها: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الزمر: 69] فارتجت لذلك اليوم البلاد ونادى المنادي وحشرت الوحوش وبدت الأسرار وارتجت الأفئدة وبرزت الجحيم قد تأجج جحيمها وغلا حميمها عباد الله اتقوا الله تقية من وجل وحذر وحذر وابصر وازدجر فاحتث طلباً ونجا هرباً وقدم للمعاد واستظهر بالزاد وكفى بالله منتقما ونصيرا وكفى بالكتاب خصما وحجيجا وكفى بالجنة ثوابا وكفى بالنار وبالا وعقابا واستغفر الله لي ولكم. وعن كميل بن زياد قال أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما اصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال يا كميل بن زياد القلوب أوعية فخيرها أوعاها للعلم احفظ ما أقول لك الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق. العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال العلم يزكو على العمل وامال تنقصه النفقة العلم حاكم والمال محكوم عليه وصنيعة المال تزول بزواله ومحبة العالم دين يدان بها العلم يكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد مماته مات خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وامثالهم في القلوب موجودة. إن ههنا وأومأ بيده إلى صدره علما لو أصبت له حملة بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بنعم الله على عباده وبحججه على كتابه أو معاندا لأهل الحق لا بصيرة له في أحيائه ينقدح الشك في قلبه عارض من شبهة لا ذا ولا ذاك أو منهوما باللذات سلس القياد للشهوات أو مغري بجمع المال والادخار ليسا من دعاة الدين في شيء اقرب شبها بهم الأنعام السائمة. كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكي

لا تبطل حجج الله وبيناته أولئك هم الأقلون عددا الاعظمون عند الله قدرا بهم يحفظ الله حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعونها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة في المحل الأعلى آه آه شوقا إلى رؤيتهم واستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم". وعن أبي اراكة قال صليت مع علي بن أبي طالب عليه السلام صلاة الفجر فلما سلم انفتل عن يمينه ثم مكث كان عليه كابة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال وقلب يده: لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئا يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثا صفرا غبرا بين أعينهم أمثال وكب المعزى قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم فإذا اصبحوا فذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم والله لكان القوم باتوا غافلين". ثم نهض فما رئي مفترا يضحك حتى ضربه ابن ملجم والسلام. ذكر مقتله رضي الله عنه: عن زيد بن وهب قال قدم علي على قوم من أهل البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له الجعد بن بعجه فقال له اتق الله يا علي فانك ميت فقال له علي عليه السلام بل مقتول ضربة على هذا تخضب هذه يعني لحيته من رأسه عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى". وعاتبه في لباسه فقال ما لكم وللباس؟ هو ابعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم. وعن أبي الطفيل قال دعا علي الناس إلى البيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي فرده مرتين ثم أتاه فقال ما يحبس أشقاها؟ لتخضبن أو لصبغن هذه يعني لحيته من رأسه ثم تمثل بهذين البيتين: اشدد حيازيمك للموت ... فان الموت آتيك ولا تجزع من القتل ... إذا حل بواديك وعن أبي مجلز قال جاء رجل من مراد إلى علي وهو يصلي في المسجد فقال:

احترس فان ناسا من مراد يريدون قتلك فقال أن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر عليه فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وان الآجل جنة حصينة. قال العلماء بالسير ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان وقيل ليلة إحدى وعشرين منه سنة أربعين فبقي الجمعة والسبت ومات ليلة الأحد وغسله ابناه وعبد الله بن جعفر وصلى عليه الحسن ودفن في السحر وفي سنة أربعة أقوال أحدها ثلاث وستون والثاني خمس وستون والثالث سبع وخمسون والرابع ثمان وخمسون. عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قتل علي عليه السلام وهو ابن ثمان وخمسين ومات لها حسن وقتل لها الحسين ومات علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين وسمعت جعفرا يقول سمعت أبي يقول لعمته فاطمة بنت حسين أم عبد الله بن حسن هذه توفي لي ثمانيا وخمسين فمات لها. قال سفيان وسمعت جعفر بن محمد يقول وقد زدت أنا على ثمان وخمسين. وعن أبي جعفر قال هلك علي بن أبي طالب وله خمس وستون سنة قال وكان علي وطلحة والزبير في سن وأحد.

أبو محمد طلحة بن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب

6- أبو محمد طلحة بن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب: ابن سعد بن تيم بن مرة كعب بن لؤي. أمه: الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء أسلمت وأسلم طلحة قديما وبعثة رسول الله مع سعيد بن زيد قبل خروجه إلى بدر يتجسسان خبر العير فمرت بهما فبلغ رسول الله. صلى الله عليه وسلم الخبر فخرج ورجعا يردان المدينة ولم يعلما بخروج النبي صلى الله عليه وسلم فقدما في اليوم الذي لاقى فيه رسول الله. صلى الله عليه وسلم المشركين فخرجا يعترضان رسول الله فلقياه منصرفا من بدر فضرب لهما بسهامهما واجرهما فكانا كمن شهدها. وشهد طلحة أحداً وثبت يومئذ مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم ووقاه بيده فشلت إصبعاه وجرح يومئذ أربعا وعشرين جراحه ويقال كانت فيه خمس وسبعون بين طعنة وضربة ورمية.

_ 6- هو: طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي أبو أحمد المدني أحد العشرة مشهور استشهد يوم الجمل سنة ست وثلاثين وهو ابن ثلاث وستين.

وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد "طلحة الخير" ويوم غزوة ذات العشيرة طلحة الفياض ويوم حنين طلحة الجود1. ذكر صفته: كان آدم كثير الشعر ليس بالجعد القطط ولا بالبسط حسن الوجه دقيق العرنين لا يغير شعره رضي الله عنه. ذكر أولاده: كان له من الولد محمد وهو السجاد قتل معه يوم الجمل وعمران أمهما حمنة بنت جحش وموسى أمه خولة بنت القعقاع ويعقوب قتل يوم الحرة وإسماعيل وإسحاق أمهم أم أبان بنت عتبة بن ربيعة وزكريا ويوسف وعائشة أمهم أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وعيسى ويحيى أمهما سعدى بنت عوم وأم إسحاق تزوجها الحسن بن علي والصعبة أمهما أم ولد ومريم أمها أم ولد وصالح أمه الفريعة. ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه: عن عبد الله بن الزبير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ يعني يوم أحد: "أوجب طلحة حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع" يعني حين برك له طلحة فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره2 رواه الإمام أحمد. وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال ذاك كله يوم طلحة. قال أبو بكر كنت أول من جاء يوم أحد فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبى عبيدة بن الجراح: "عليكما" يريد طلحة وقد نزف فأصلحنا من شان النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفار فأذابه بضع وسبعون أو اقل أو أكثر بين طعنة وضربة ورمية وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شانه.

_ 1 ضعيف أخرجه الحاكم رقم 5605. والطبراني في الكبير 197. وقال الذهبي إسناده لين. وقال الهيثمي فيه من لم أعرفهم وسليمان بن أيوب الطلحي وثق وضعف. 2 صحيح: أخرجه الترمذي في كتاب المناقب حديث 3738. باب 22. مناقب طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب. وأحمد في المسند 1417. والحاكم في المستدرك حديث 5602.

وعن قيس قال رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي. صلى الله عليه وسلم يوم أحد انفرد بإخراجه البخاري. وعن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة بن عبيد الله قال لما رجع رسول الله. صلى الله عليه وسلم من أحد صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قرا هذه الآية: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب: 23] فقام إليه رجل فقال يا رسول الله من هؤلاء فأقبلت وعلي ثويان أخضران فقال أيها السائل هذا منهم1. وعن سعدى بنت عوف قالت دخل علي طلحة ورأيته مغموما فقلت ما شأنك فقال المال الذي عندي قد كثر وقد كربني فقلت وما عليك اقسمه فقسمه حتى ما بقي منه درهم2. قال طلحة بن يحيى فسالت خازن طلحة كم كان المال فقال أربعمائة ألف. وعن الحسن قال باع طلحة أرضا له بسبعمائة ألف فبات ذلك المال عنده ليلة فبات أرقا من مخافة ذلك المال فلما اصبح فرقه كله رواه الإمام أحمد. وعنه أن طلحة بن عبيد الله باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فلما جاء بها قال أن رجلا تبيت هذه عنده في بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله لغرير بالله فبات ورسله تختلف بها في سكك المدينة حتى اسحر وما عنده منها درهم. وعن سعدى بنت عوف امرأة طلحة بن عبيد الله قالت لقد تصدق طلحة يوما بمائة ألف ثم حبسه عن الرواح إلى المسجد أن جمعت له بين طرفي ثوبه. ذكر وفاته رضي الله عنه: قتل يوم الجمل وكان يوم الخميس لعشرة خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين ويقال سهما غربا أتاه فوقع في حلقه فقال بسم الله وكان أمر الله قدرا مقدورا. ويقال أن مروان بن الحكم قتله ودفن بالبصرة وهو ابن ستين ويقال اثنتين وستين ويقال أربع وستين.

_ 1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/129. رقم 270. والبيهقي في دلائل النبوة 3/363. وانظر المطالب العالية حديث 4327. 2 أنظر سير أعلام النبلاء 3/20. والطبراني في الكبير 195. والحلية 1/130. رقم 272.

أبو عبد الله الزبير بن العوام

7- أبو عبد الله الزبير بن العوام: ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب. أمه: صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت وأسلم الزبير قديما وهو ابن ثماني سنين وقيل ابن ست عشرة سنة فعذبه عمه بالدخان لكي يترك الإسلام فلم يفعل وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا ولم يتخلف عن غزاة غزاها رسول اله صلى الله عليه وسلم وهو أول من سل سيفا في سبيل الله وكان عليه يوم بدر ريطة صفراء معتجراً بها وكان على الميمنة فنزلت الملائكة على سيماه وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبايعه على الموت. ذكر صفته رضي الله عنه: كان ابيض طويلا ويقال لم يكن بالطويل ولا بالقصير إلى الخفة ما هو في اللحم ويقال كان اسمر اللون اشعر خفيف العارضين. ذكر أولاده رضي الله عنه: كان له من الولد عبد الله وعروة والمنذر وعاصم والمهاجروخديجة الكبرى وأم الحسن وعائشة أمهم أسماء بنت أبي بكر. وخالد وعمرو وحبيبة وسودة وهند أمهم أم خالد وهي أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص. ومصعب وحمزة ورملة أمهم الرباب بنت انيف بن عبيد. وعبيدة وجعفر أمهما زينت. وزينت أمها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي سعيط. وخديجة الصغرى أمها الحلال بنت قيس. ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه: عن أبي الأسود قال أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثماني سنين وهاجر وهو ابن ثماني عشرة سنة وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار وهو يقول ارجع إلى الكفر فيقول الزبير لا اكفر أبداً.

_ 7- هو: الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو عبد الله القرشي الأسدي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة قتل سنة ست وثلاثين بعد منصرفه من وقعة الجمل.

وعن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل قال كان إسلام الزبير بعد إسلام أبي بكر كان رابعا أو خامسا. وعن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ابويه يوم أحد1. وعن عبيد الله بن الزبير قال لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الاطم الذي فيه نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم اطم حسان وكان يرفعني وارفعه فإذا رفعني عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة وكان يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فقال من يأتي بني قريظة فيقاتلهم فقلت له حين رجع يا ابة إن كنت لاعرفك حين تمر ذاهبا إلى بني قريظة فقال يا بني أما والله إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجمع لي أبويه جميعاً يتفداني بهما ويقول: "فداك أبي وأمي" أخرجاه في الصحيحين2. وعن جابر بن عبد الله قال لما كان يوم الخندق ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي حواري وحواريي الزبير" أخرجاه في الصحيحين3. وعن سعيد بن المسيب قال أول من سل سيفا في سبيل الله الزبير بن العوام بينا هو بمكة إذا سمع نغمة يعني صوتا أن النبي. صلى الله عليه وسلم قد قتل فخرج عريانا ما عليه شيء في يده السيف صلتا فتلقاه النبي. صلى الله عليه وسلم كفة بكفة فقال له: "ما لك يا زبير؟ " قال سمعت انك قد قتلت قال: "فما كنت صانعا؟ " قال أردت والله أن استعرض أهل مكة قال فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم4. وعن عمرو بن مصعب بن الزبير قال قاتل الزبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة فكان يحمل على القوم. وعن نهيك قال كان للزبير ألف مملوك يؤدون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهم

_ 1 صحيح: أخرجه ابن ماجة في المقدمة حديث 123. فضل الزبير رضي الله عنه وأحمد في المسند رقم 1408. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة حديث 3719. باب 13 مناقب الزبير بن العوام ومسلم رقم 2416. وأحمد في المسند حديث 1423. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة حديث 3719. باب 13. مناقب الزبير بن العوام ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2415. باب 6. فضائل طلحة والزبير رضي الله عنه. 4 ضعيف: أخرجه الحاكم حديث 5551. وابن عساكر 9/13. وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/132. رقم 280. وفيه ابن لهيعة.

يقول يتصدق بها وفي رواية أخرى فكان يقسمه كل ليلة ثم يقوم إلى منزله ليس معه منه شيء. وعن جويرية قالت باع الزبير دارا له بستمائة ألف قال فقيل له يا أبا عبد الله غبنت قال كلا والله لتعلمن اني لم اغبن هي في سبيل الله. وعن علي بن زيد قال أخبرني من رأى الزبير وان في صدره مثل العيون من الطعن والرمي. وعن قيس بن أبي حازم عن الزبير بن العوام قال من استطاع منكم أن يكون له جنى من عمل صالح فليفعل. ذكر مقتله رضي الله عنه: قتل الزبير يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين ويقال ستين ويقال بضع وخمسين قتله ابن جرموز. عن زر قال استأذن ابن جرموز على علي وأنا عبده فقال علي بشر قاتل ابن صفية بالنار ثم قال علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لكل نبي حواري وحواريي الزبير" 1. وعن عبد الله بن الزبير قال جعل الزبير يوم الجمل يوصيني دينه ويقول إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي قال فوالله ما دريت ما اراد حتى قلت يا ابة من مولاك قال الله قال ما وقعت في كربه من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض عنه فيقضيه وإنما دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه آباه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فأني أخشى عليه الضيعة. قال فحسب ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين فبعتهما يعني وقضيت دينه فقال بنو الزبير اقسم بيننا ميراثنا فقلت والله اقسم بينكم حتى أنادى بالموسم أربع سنين إلا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه. فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم. وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف انفرد بإخراجه هذا الحديث البخاري2.

_ 1 حسن: أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/105. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس حديث 3129. باب 13. بركة الغازي في ماله حيا وميتا مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر.

أبو محمد عبد الرحمن بن عوف

8- أبو محمد عبد الرحمن بن عوف: ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الحارث وقيل عبد الكعبة فسماه رسول الله. صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن. أمه الشفاء بنت عوف أسلمت وهاجرت. أسلم عبد الرحمن قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين وشهد المشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك ذهب للطهارة فجاء وعبد الرحمن قد صلى بهم ركعة فصلى خلفه واتم الذي فاته وقال: "ما قبض نبي حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته" 1. وعن أبي سلمة عن أبيه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته فادركهم وقت الصلاة فأقاموا الصلاة فتقدمهم عبد الرحمن فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى مع الناس خلفه ركعة فلما سلم قال: "أصبتم" أو "أحسنتم". ذكر صفته: كان طويلا رقيق البشرة فيه جنأ أبيض مشرباً حمرة ضخم الكفين اقنى وقال ابن إسحاق كان ساقط الثنيتين اعرج اصيب يوم أحد فهتم وجرح عشرين جراحة أو أكثر اصابة بعضها في رجله فعرج. ذكر أولاده: كان له من الولد سالم الاكبر مات قبل الإسلام أمه أم كلثوم بنت عبتة بن ربيعة وام القاسم ولدت في الجاهلية وامها بنت شيبة بن ربيعة ومحمد وإبراهيم وحميد واسماعيل وجميدة وامة الرحمن امهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ومعن وعمر وزيد وأمه الصغرى امهم سهلة بنت عاصم بن عدي وعروة الاكبر أمه بحرية بنت هانيء وسالم الاصغر أمه سهلة بنت سهيل بن عمرو وأبو بكر أمه أم حكيم بنت قارظ وعبد الله أمه بنت أبي الخشاش وأبو سلمة وهو عبد الله الاصغر وأمه تماضر بنت الاصبغ

_ 8- هو: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة القرشي الزهري أحد العشرة أسلم قديما ومناقبه شهيرة مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل: غير ذلك. 1 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الطهارة وأبو داود في كتاب الطهارة حديث 152. باب المسح على الخفين وأحمد في المسند حديث 18196.

وعبد الرحمن أمه سماء بنت سلامة ومصعب وامنة ومريم امهم أم حريث من سبي بهرا وسهيل أبو الابيض أمه مجد بنت يزيد وعثمان أمه غزال بنت كسرى أم ولد وعروة ويحيى وبلال لامهات أولاده وام يحيى وامها زينب بنت الصباح وجويرية امها بادية بنت غيلان. وعن ثابت البنايني عن أنس قال بينما عائشة رضي الله عنها في بيتها إذ سمعت صوتا رجت منه المدينة فقالت ما هذا قالوا عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشام وكانت سبعمائة راحلة فقالت عائشة اما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا فبلغ ذلك عبد الرحمن فأتاها فسالها عما بلغه فحدثته قال فاني اشهدك انها باحمالها واقتابها واحلاسها في سبيل الله عز وجل1. وعنه قال بينا عائشة في بيتها سمعت صوتا في المدينة فقالت ما هذا؟ قالوا عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء قال وكانت سبعمائة بعير قال فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال ان استطعت لادخلنها قائما فجعلها باقتابها واحمالها في سبيل الله عز وجل رواه الإمام أحمد2. وعن أم بكرينت المسور بن مخرمة عن ابيها قال باع عبد الرحمن بن عوف أرضا له من عثمان باربعين الف دينار فقسم ذلك المال في بني زهرة وفقراء المسلمين وامهات المؤمنين وبعث إلى عائشة معي بمال من ذلك المال فقالت عائشة اما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لن يحنو عليكن بعدي إلا الصالحون" سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة3. وعن الزهري قال تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله. صلى الله عليه وسلم بشطر ماله اربعة الاف ثم تصدق باربعين الفا ثم تصدق باربعين الف دينار ثم حمل على خمسمائة

_ 1 ضعيف: اخرجه أحمد في المسند حديث 24896. والطبراني في الكبير حديث 264. وأبو نعيم في الحلية 1/142. رقم 311. وانظر كنز العمال 33500- 36676. 2 أنظر التخريج المتقدم. 3 حسن: أخرجه أحمد في المسندحديث 24778. والحاكم في المستدرك حديث 5356. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه لذهبي فقال: ليس بمتصل وأبو نعيم في الحلية 1/142. رقم 312.

فرس في سبيل الله تعالى ثم حمل على الف وخمسمائة راحلة في سبيل الله تعالى وكان عامة ماله من التجارة. وعن جعفر بن برقان قال بلغني ان عبد الرحمن بن عوف اعتق ثلاثين الف بيت. وعن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف اتي بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير مني كفن في بردة ان غطي رأسه بدت رجلاه وان غطي رجلاه بدا رأسه واراه قال وقتل حمزة وهو خير مني يعني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط أو قال اعطينا من الدنيا ما اعطينا وقد خشينا ان تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام انفرد باخراجه البخاري. وعن نوفل بن اياس الهذلي قال كان عبد الرحمن لنا جليسا وكان نعم الجليس وانه انقلب بنا يوما حتى دخلنا بيته ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا واتينا بصحفة فيها خبز ولحم فلما وضعت بكى عبد الرحمن بنعوف فقلنا له يا أبا محمد ما يبكيك فقال هلك رسول الله. صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ولا ارانا اخرنا لها لما هو خير لنا. وعن سعيد بن حسين قال كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده. وعن أيوب عن محمد ان عبد الرحمن بن عوف توفي وكان فيما ترك ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت ايدي الرجال منه وترك اربع نسوة فاخرجت امرأة من ثمنها بثلاثين الفا. ذكر وفاته رضي الله عنه: توفي عبد الرحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع وهو ابن اثنتين وسبعين ويقال خمس وسبعين.

أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

9- أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: واسمه مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة وأمه حمنة. أسلم قديما وهو ابن سبع عشرة سنة وقال كنت ثالثا في الإسلام وانا أول من رمى بسهم في سبيل الله شهد المشاهد كلها مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم وولي الولايات من قبل عمر وعثمان وهو أحد أصحاب الشورى.

_ 9- هو: سعد بن أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري أبو إسحاق أحد العشرة وأول من رمى بسهم في سبيل الله ومناقبه كثيرة مات بالعقيق سنة خمس وخمسين على المشهور وهو: آخر العشرة وفاة.

ذكر صفته: كان قصيرا غليظا ذا هامة شثن الاصابع آدم افطس اشعر الجسد يخضب بالسواد. ذكر أولاده رضي الله عنه: كان له من الولد اسحق الاكبر وبه كان يكنى أم الحكم الكبرى امهما ابنة شهاب بن عبد الله وعمر قتله المختار ومحمد قتله الحجاج يوم دير الجماجم وحفصة وام القاسم وكلثوم امهم معأوية بنت قيس بن معدي كرب وعامر واسحق الاصغر واسماعيل وام عمران امهم أم عامر بنت عمرو وإبراهيم وموسى وام الحكم الصغرى وام عمرو وهند وام الزبير وام موسى امهم زبيدة وعبد الله أمه سلمى ومصعب أمه خولة بنت عمرو وعبد الله الاصغر وبجير واسمه عبد الرحمن وحميدة امهم أم هلال بنت ربيع بن مري. وعمير الاكبر وحمنة امهما أم حكيم بنت قارظ وعمير الاصغر وعمرو وعمران وام عمرو وام أيوب وام إسحاق امهم سلمى بنت حفصة وصالح أمه ظبية بنت عامر وعثمان ورملة امهما أم حجير وعمرة وهي العمياء امها من سبي العرب وعائشة. ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه: عن سعيد بن المسيب قال قال سعد ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه ولقد مكثت سبعة أيام واني لثلث الإسلام. وعن علي قال ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحداً بابويه إلا سعد بن مالك فإني سمعته يقول له في يوم أحد: "ارم سعد فداك أبي وأمي" أخرجاه في الصحيحين1.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة حديث 3725. باب 15. مناقب سعد بن أبي وقاص ومسلم في كتاب الفضائل حديث 2411. باب 5. في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وأحمد في المسند حديث.1147. قال الذهبي: أخرجه البخاري وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من بضعة عشر وجها وساق حديث ابن أبي خالد عن قيس من سبعة عشر طريقا بألفاظها وبمثل هذا كبر تاريخه وساق حديث عبد الله بن شداد عن علي: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد غير سعد من ستة عشر وجها رواه مسعر وشعبة وسفيان عن سعد بن إبراهيم عنه. اهـ. سير أعلام النبلاء 3/63.

عن هاشم بن هاشم الزهري قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت سعد بن أبي وقاص يقول نثل لي رسول الله. صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد وقال: " ارم فداك أبي وأمي" 1. وعن قيس قال سمعت سعد بن مالك يقول اني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله عز وجل ولقد رايتنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبل وهذا السمر حتى أن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ماله خلط ثم أصبحت بنو أسد يعزروني على الدين لقد خبت أذن وضل عملي. وعن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين وان عبد الله بن عمر سال عمر عن ذلك فقال نعم إذ أحدثك سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فلا تسال عنه غيره. وعن جابر بن عبد الله قال أقبل سعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هذا خالي فليرني امرؤ خاله" 2. وعن قيس بن أبي حازم عن سعد قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم سدد رميته واجب دعوته" 3. وعن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن جده قال دعا سعد فقال يا رب أن لي بنين صغارا فاخر عني الموت حتى يبلغوا فاخر عنه الموت عشرين سنة. عن طارق يعني ابن شهاب قال كان بين خالد وسعد كلام فذهب رجل يقع في خالد عند سعد فقال مه أن ما بيننا لم يبلغ ديننا. ذكر وفاته رضي الله عنه: مات سعد في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة فحمل على رقاب الرجال إلى المدينة وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة ثم صلى عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجرهن ودفن بالبقيع وكان أوصى أن يكفن في جبة صوف له كان لقي

_ 1 أنظر التخريج المتقدم. 2 حسن: أخرجه الترمذي في كتاب المناقب حديث 3752. باب 27. مناقب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مجالد والحاكم في المستدرك حديث 6113. 3 صحيح: أخرجه الحاكم3/500. وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/135. رقم 293. وعبد الرزاق في المصنف حديث 20423.

المشركين فيها يوم بدر فكفن فيها وذلك في سنة خمس وخمسين ويقال سنة خمسين وهو ابن بضع وسبعين ويقال اثنتين وثمانين. وعن مالك بن أنس أنه سمع غير واحد يقول أن سعد بن أبي وقاص مات بالعقيق فحمل إلى المدينة ودفن بها. وعن عائشة أنه لما توفي سعد أرسل أزواج النبي. صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد ففعلوا فوقف به على حجرهن فصلين عليه وخرج من باب الجنائز فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا ما كانت الجنائز يدخل بها في المسجد فبلغ ذلك عائشة فقالت ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به عابوا علينا أن نمر بجنازة في المسجد وما صلى رسول الله. صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد"1.

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الجنائز حديث 973. باب 11-37. نهى النساء عن اتباع الجنائز وغسل الميت وأبوداود في كتاب الجنائز حديث 3189, 3190. باب الصلاة على الجنائز في المسجد.

أبو الأعور سعيد بن زيد

10- أبو الأعور سعيد بن زيد: ابن عمرو بن نفيل بن العزى بن رباح بن عبد الله بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي أمه فاطمة بنت بعجة بن أمية أسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خلا بدراً فانه لم يحضرها للسبب الذي ذكرناه في ترجمة طلحة وكان آدم طوالا اشعر. ذكر أولاده: وله من الولد عبد الله الأكبر وعبد الله الأصغر وعبد الرحمن الأكبر وعبد الرحمن الأصغر وإبراهيم الأكبر وإبراهيم الأصغر وعمرو الأكبر وعمرو الأصغر والأسود وطلحة ومحمد وخالد وزيد وأم الحسن الأكبر وأم الحسن الصغرى وأم حبيب الكبرى وأم حبيب الصغرى وأم زيد الكبرى وأم زيد الصغرى وعائشة وعاتكة وحفصة وزينب وأم سلمة وأم موسى وأم سعيد وأم النعمان وأم خالد وأم صالح وأم عبد الحولاء وزجلة. ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه: عن عبد الله بن ظالم قال أخذ بيدي سعيد بن زيد فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثبت

_ 10- هو: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي أبو الأعور أحد العشرة مات سنة خمسين أبو بعدها بسنة أو سنتين.

حراء فانه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" قال قلت من هم فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن ابن عوف وسعد بن مالك ثم سكت قال قلت ومن العاشر قال أنا رواه الإمام أحمد. وعن عبد الرحمن بن الاخنس قال قال سعيد بن زيد أشهد اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رسول الله في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعلي في الجنة وعثمان في الجنة وعبد الرحمن في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وسعد في الجنة 1 ثم قال أن شئتم أخبرتكم بالعاشر ثم ذكر نفسه رواه الإمام أحمد. وعن هشام بن عروة عن أبيه أن أروى بنت أويس استعدت مروان على سعيد وقالت سرق من أرضي فادخله في أرضه فقال سعيد اللهم أن كانت كاذبة فاذهب بصرها واقتلها في أرضها فذهب بصرها ووقعت في حفرة في أرضها فماتت. ذكر وفاته رضي الله عنه: عن نافع أن سعيد بن زيد مات بالعقيق وحمل إلى المدينة فدفن بها وقال ابن سعد وقال عبد الملك بن زيد مات بالعقيق فحميل إلى المدينة ونزل في حفرته سعد وابن عمر وذلك في سنة خمسين أو إحدى وخمسين وكان يوم مات ابن بضع وسبعين سنة والله اعلم.

_ 1 ضعيف: أخرجه أبو داود في كتاب السنة حديث 4649. باب في الخلفاء وأحمد في المسند حديث 1637. فيه عبد الرحمن بن الأخنس مجهول الحال فقد روى عنه اثنان وذكره ابن حبان وحده في الثقات وقال الذهبي: لا يعرف وقال الحافظ ابن حجر: مستور.

أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله عنه

11- أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله عنه: ابن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. وأسلم مع عثمان بن مظعون وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدراً والمشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم احد ونزع يومئذ بفيه الحلقتين اللتين دخلتا في وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلق المغفر فوقعت ثنيتاه فكان من احسن الناس هتما.

_ 11- هو: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي الفهري أبو عبيدة بن الجراح أسلم قديما وشهد بدرا مشهور مات شهيدا بطاعون عمواس سنة ثماني عشرة وله ثمان وخمسون سنة.

ذكر صفته: كان طوالا نحيفا اجنى معروق الوجه اثرم الثنيتين خفيف اللحية. وكان له من الولد يزيد وعمير امهما هند بنت جابر فدرجا ولم يبق له عقب. ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه: عن أبي قلابة قال حدثني أنس بن مالك أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم قال: " أن لكل أمة امينا وان اميننا ايتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح". وعنه أن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه أن يبعث معهم رجلا يعلمهم السنة والإسلام فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال: "هذا امين هذه الأمة" 1. وعن شريح بن عبيد وراشد بن أسعد وغيرهما قالوا لما بلغ عمر بن الخطاب سرغ حدث أن بالشام وباء شديدا فقال بلغني شدة الوباء بالشام فقلت أن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فان سألني الله عز وجل لم استخلفته على هذه الأمة قلت أني سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول: "أن لكل نبي أميناً وأميني أبو عبيدة بن الجراح" فان أدركني اجلي وإذا توفي أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل فان سألني ربي عز وجل لم استخلفته قلت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أن يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نبذة" 2. وعن عمر بن الخطاب أنه قال لأصحابه تمنوا فقال رجل اتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا انفقته في سبيل الله عز وجل ثم قال تمنوا فقال رجل اتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا أو جوهرا أنفقه في سبيل الله عز وجل واتصدق به ثم قال تمنوا فقالوا ما ندري يا امير المؤمنين فقال عمر أتمنى لو أن هذا الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح. وعن هشام بن عروة عن أبيه قال لما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء أهل الأرض فقال عمر أين أخي قالوا من قال أبو عبيدة قالوا الآن يأتيك فلما أتاه نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله فقال له عمر إلا اتخذت ما اتخذ أصحابك فقال يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقيل. رواه الإمام أحمد.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة حديث 3745. وأحمد في المسند حديث 23437. 2 منقطع: أخرجه أحمد في المسند 108. راشد بن أسعد لم يدرك عمر بن الخطاب.

وعن أبي قتادة أن أبا عبيدة بن الجراح قال ما من الناس من احمر ولا اسود حر ولا عبد عجمي ولا فصيح اعلم أنه افضل مني بتقوى إلا أحببت أن أكون في مسلاخه1. وعن نمران بن مخمر عن أبي عبيدة بن الجراح أنه كان يسير في العسكر فيقول إلا رب مبيض لثياب مدنس لدينه إلا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تغمرهن2. ذكر وفاته رضي الله عنه: توفي أبو عبيدة في طاعون عمواس بالاردن وقبر ببيسان وصلى عليه معاذ بن جبل وذلك في سنة ثماني عشرة من خلافة عمر وهو ابن ثمان وخمسين سنة3. قال الشيخ رحمه الله وإذ قد انتهينا ذكر العشرة بحمد الله ومنه فنحن نذكر المشتهرين من الصحابة بالعلم والتعبد والزهد على طبقاتهم والله الموفق.

_ 1 أنظر حلية الأولياء 1/146. رقم 324. والطبقات الكبرى 3/412. وسير أعلام النبلاء 3/11. 2 أنظر حلية الأولياء 1/146. رقم 327. 3 أنظر سير أعلام النبلاء 1/14- 15.

ذكر المشهورين بالعلم والزهد والتعبد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على طبقاتهم

ذكر المشهورين بالعلم والزهد والتعبد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على طبقاتهم الطبقة الأولى على السابقة في الإسلام ممن شهد بدرا من المهاجرين والأنصار وحلفائهم ومواليهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ... فمن الطبقة الأولى على السابقة في الإسلام ممن شهد بدرا ممن شهد بدراً من المهاجرين والأنصار وحلفائهم ومواليهم. 12- حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه: أمه هاله بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة يكنى أبا عمارة. وكان له من الولد: يعلى وعامر وبنت وهي التي اختصم بها زيد وجعفر وعلي واسمها أمامة. انفرد الواقدي فقال: عمارة. قال محمد بن كعب القرظي قال أبو جهل في رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك حمزة فدخل المسجد مغضبا فضرب رأس أبي جهل بالقوس ضربة أوضحته وأسلم حمزة فعز به رسول الله. صلى الله عليه وسلم والمسلمون وذلك في السنة السادسة من النبوة بعد دخول رسول الله دار الأرقم. قال يزيد بن رومان وأول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة لحمزة. وعن علي عليه السلام قال لما كان يوم بدر ودنا الناس منا إذا رجل منهم على جمل له احمر يسير في القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي ناد لي حمزة وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الأحمر وماذا يقول لهم فجاء حمزة فقال هو عتبة بن ربيعة وهو ينهي عن القتال قال فبرز عتبة وشيبة والوليد فقالوا من يبارز فخرج فتية من الأنصار فقال عتبة لا نزيد هؤلاء ولكن يبارزنا من بين عمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا علي قم يا حمزة قم يا عبيدة بن الحارث رواه الإمام أحمد1. ذكر مقتل حمزة رضي الله عنه: عن جعفر بن عمرو الضمري قال خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى الشام

_ 12- هو: حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب الإمام البطل الدرغام أسد الله أبو عمارة وأبو يعلى القرشي الهاشمي المكي ثم المدني البدري الشهيد عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة. 1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند والحاكم في المستدرك حديث 4882. وابن سعد في الطبقات 3/12.

فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة قلت نعم وكان وحشي يسكن حمص فجئنا حتى وقفنا عليه فسلمنا فرد السلام وعبيد الله معتجر بعمامته ما يرى وحشين إلا عينيه ورجليه فقال عبيد الله يا وحشي اتعرفني قال فنظر إليه ثم قال لا والله إلا اني اعلم ان عدي بن الخيار تزوج امرأة فولدت له غلاما فاسترضعه فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فكأني نظرت إلى قدميه. فكشف عبيد الله وجهه ثم قال إلا تخبرنا بقتل حمزة فقال نعم أن حمزة قتل طعيمة بن عدي ببدر فقال لي موالي جبير بن مطعم أن قتلت حمزة بعمي فأنت حر فلما خرج الناس عام عينين قال وعينين جبل أحد بينه وبينه واد خرجت مع الناس إلى القتال فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز فخرج إليه حمزة فقال يا سباع يا ابن أم إنمار يا ابن مقطعة البظور أتحارب الله ورسوله ثم شد عليه فكان كامس الذاهب وكنت لحمزة تحت صخرة حتى مر علي فلما أن دنا مني رميته بحربتني فاضعها في ثنته حتى دخلت بين وركيه وكان ذلك آخر العهد به فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها السلام ثم خرجت إلى الطائف فارسلوا إلى رسول الله. صلى الله عليه وسلم رجلا فقالوا أنه لا يهيج الرسل فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله. صلى الله عليه وسلم فلما راني قال أنت وحشي قلت نعم قال أنت قتلت حمزة قلت قد كان الأمر ما بلغك يا رسول الله قال أما تستطيع أن تغيب وجهك عني قال فرجعت فلما توفي رسول الله. صلى الله عليه وسلم خرج مسيلمة الكذاب قلت لأخرجن إلى مسيلمة لعلي اقتله فاكافيء به حمزة فخرجت مع الناس فكان من امرهم ما كان. قال وإذا رجل قائم من ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر رأسه قال فارميه بحربتي فاضعها بين ثدييه حتى حرجت من بين كتفيه قال ودب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته. قال عبد الله بن الفضل فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول فقالت جارية على ظهر بيت وا أمير المؤمنين قلته العبد الأسود انفرد بإخراجه البخاري1. وعن الزبير أنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كادت تشرف على القتلى قال فكره رسول الله. صلى الله عليه وسلم أن تراهم فقال المرأة المرأة قال الزبير فتوسمت أنها أمي

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المغازي حديث 4072. باب 23. قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.

صفية فخرجت أسعى إليها فأدركت قبل أن تنتهي إلى القتلى. قال فلدمت في صدري وكانت امرأة جلدة قالت إليك لا أرض لك قال فقلت إن رسول الله قد عزم عليك قال فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله فكفنوه بهما. قال فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة قال فوجدنا غضاضة وحياء إن نكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له فقلنا لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب فقدرناهما فكان أحدهما اكبر من الآخر فاقرعنا بينهما فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له رواه الإمام أحمد1. وعن أبي هريرة أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حيث استشهد فنظر إلى شيء لم ينظر إليه شيء قط كان أوجع لقلبه منه ونظر إليه قد مثل به فقال رحمة الله عليك فانك كنت ما علمت فعولا للخيرات وصولا للرحم ولولا حزن من بعد عليك لسرني أن ادعك حتى تحشر من أفواه شتى أما والله مع ذلك لأمثلن بسبعين منهم مكانك فنزل جبريل والنبي. صلى الله عليه وسلم واقف بعد بخواتم النحل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] إلى آخر السورة فصبر النبي. صلى الله عليه وسلم وامسك عما أراد2. وعن أنس قال كان النبي. صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة كبر عليها أربعا وانه كبر على حمزة سبعين تكبيرة. وعن جابر قال لما أرد معاوية أن يجري عينه التي بأحد كتبوا إليه أنا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء فكتب انبشوهم قال فرأيتهم يحملون على أعناق الرجال كأنهم قوم نيام وأصابت المسحاة طرف رجل حمزة فانبعث دما. وعنه قال كتب معاوية إلى عامله بالمدينة أن يجري عينا إلى أحد فكتب إليه عامله أنها لا تجري إلا على قبور الشهداء قال فكتب إليه أن أنفذها قال فسمعت جابر بن عبد الله يقول فرأيتهم يخرجون على رقاب الرجال كأنهم رجال نوم حتى أصابت المسحاة قدم حمزة فانبعث دما.

_ 1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند 1418. والبيهقي 4/401. 2 ضعيف: اخرجه الحاكم حديث 4894. وفيه صالح المري قال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو داود: لا يكتب حديثه. وروى محمد بن أبي شيبة عن ابن معين: ضعيف.

زيد بن حارثة بن شراحيل

13- زيد بن حارثة بن شراحيل. ابن عبد العزى بن امريء القيس ويقال له زيد الحب. وأمه: سعدى بنت ثعلبة ابن عبد عامر زارت قومها وزيد معها فأغارت خيل لبني القين في الجاهلية فمروا على أبيات بني معن فاحتملوا زيدا وهو يومئذ غلام يفعة فوافوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خوليد باربعمائة درهم فلما تزوجها رسول الله. صلى الله عليه وسلم وهبته له وكان أبوه حارثة حين فقده قال: بكيت على زيد ولم ادر ما فعل ... احي فيرجى أم أتى دونه الاجل فوالله ما ادري وانكنتت سائلا ... اغالك سهل الأرض أم غالك الجبل فيا ليت شعري هل لك اليوم رجعة ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل تذكرينه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل وان هبت الأرواح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزني عليه وما وجل سأعمل نص العيس في الأرض جاهدا ... ولا اسام التطواف أو اتسام الابل حياتي أو تأتي علي منيتي ... وكل امريء فان وان غره الامل وأوصي به قيسا وعمرا كليهما ... وأوصي يزيدا ثم من بعده جبل يعني جبلة بن حارثة اخا زيد ويزيد أخو يزيد لامه. فحج ناس من كعب فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه فقال ابلغوا أهلي هذه الابيات فاني اعلم انهم قد جزعوا علي وقال: الكني إلى قومي وان كنت نائيا ... فاني قطين البيت عند المشاعر فكفوا عن الوجد الذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نص إلا باعر فاني بحمد الله في خير اسرة ... كرام معد كابرا بعد كابر فانطلقوا فاعلموا أباه فخرج حارثة وكعب بن شراحيل بفدائه فقدما مكة فسالا عن النبي. صلى الله عليه وسلم فقيل هو في المسجد فدخلا عليه فقالا يا بن هاشم يا بن سيد قومه انتم أهل

_ 13- هو: زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي أبو أسامة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي جليل مشهور من أول الناس إسلاما استشهد يوم مؤتة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين.

حرم الله وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير جئناك في ابننا عندك فامنن علينا واحسن إلينا في فدائه فانا سنرفع لك في الفداء قال ما هو قالوا زيد بن حارثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا غير ذلك قالوا ما هو ادعوه فخيروه فان اختاركم فهو لكما بغير فداء وان اختارني فوالله ما أنا بالذي اختار على من اختارني أحداً قالوا قد زدتنا على النصف واحسنت. فدعاه فقال هل تعرف هؤلاء قال نعم هذا أبي وهذا عمي قال فانا من قد علمت ورأيت محبتي لكل فاخترني أو اخترهما فقال زيد ما أنا بالذي اختار عليك أحداً أنت مني بمنزلة الاب والعم فقالا ويحك يا زيد اتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك قال نعم اني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي اختار عليه أحداً أبداً فلما رأى رسول الله. صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال يا من حضر واشهدوا ان زيدا ابني يرثني وارثه فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت انفسهما وانصرفا. فدعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام فزوجه رسول الله. صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش فلما طلقها تزوجها النبي. صلى الله عليه وسلم فتكلم المنافقون في ذلك وقالوا تزوج امرأة ابنه فنزل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الاحزاب: 40] وقال: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الاحزاب: 5] فدعي يومئذ زيد بن حارثة. وعن محمد بن الحسن بن اسمة بن زيد عن أبيه قال كان بين رسول الله. صلى الله عليه وسلم وبين زيد عشر سنين رسول الله. صلى الله عليه وسلم اكبر منه وكان زيدا رجلا قصيرا آدم شديد الأدمة في انفه فطس وكان يكنى أبا أسامة وقال الزهري أول من أسلم زيد. قال أهل السير وشهد زيد بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخيبر واستخلفه رسول الله. صلى الله عليه وسلم على المدينة حين خرج إلى المر يسيع وخرج أميراً في سبع سرايا ولم يسم أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن باسمه غيره. وكان له من الولد زيد هلك صغيرا ورقية أمهما أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط واسامة أمه أم ايمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقتل زيد في غزوة مؤته في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة. عن خالد بن سمير قال لما أصيب زيد بن حارثة أتاهم النبي. صلى الله عليه وسلم قال فجهشت بنت

زيد في وجهه فبكى رسول الله. صلى الله عليه وسلم حتى انتحب فقال له سعد بن عبادة ما هذا يا رسول الله قال: "هذا شوق الحبيب إلى حبيبه" 1.

_ 1 أنظر الطبقات الكبرى 3/47.

سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه

14- سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه. كان لثبيته بنت يعار الأنصارية تحت أبي حذيفة بن عتبة فاعتقه فتولى أبا حذيفة وتبناه أبو حذيفة كذا ذكره محمد بن سعد2. وقال أبو بكر الخطيب اسم التي اعتقته سلمى بنت تعار وقال ابن عمر كان سالم يؤم المهاجرين من مكة حتى قدم المدينة لانه كان أقراهم وفيهم أبو بكر وعمر3. وعن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم ذكر سالما مولى أبي حذيفة فقال: "ان سالما شديد الحب لله عز وجل" 4. وعن شهر بن حوشب قال قال عمر بن الخطاب لو استخلفت سالما مولى أبي حذيفة فسالني عنه ربي عز وجل ما حملك على ذلك لقلت رب سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم وهو ويقول: "بحب الله عز وجل حقا من قلبه". وعن أحمد بن عبد الله قال استشهد سالم مولى أبي حذيفة باليمامة أخذ اللواء بيمينه فقطعت ثم تناولها بشماله فقطعت ثم اعتنق اللواء وجعل يقرأ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] إلى أن قتل.

_ 14- هو: سالم مولى أبي حذيفة من السابقين الأولين البدريين المقربين العالمين قال موسى بن عقبة: هو سالم بن معقل أصله من اصطخر والي أبا حذيفة وإنما الذي أعتقه هي ثبيته بنت يعار الأنصارية زوجة أبي حذيفة بن عتبة وتبناه أبو حذيفة. 2 أنظر سير أعلام النبلاء 3/106. 3 أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/87. وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/571. رقم 571. 4 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/232. رقم 572. وقال: رواه حبيب بن نجيح عن عبد الرحمن بن غنم وانظر المغني عن حمل الأسفار 4/321.

عبد الله بن جحش

15- عبد الله بن جحش ابن رئاب بن يعمر ويكنى أبا محمد وأمه اميمة بنت عبد المطلب بن هاشم. أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية.

_ 15- هو: المقسم على ربه المشمر لحبه أول من عقدت له الراية في الإسلام عبد الله بن جحش أمه عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمية بنت عبد المطلب كان من مهاجرة الحبشة وممن شهد بدرا صاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخته زينب بنت جحش.

وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية إلى نخلة وفيها تسمى بأمير المؤمنين فهو أول من دعي بذلك. وعن سعيد بن المسيب أن رجلا سمع عبد الله بن جحش يقول قبل يوم أحد بيوم اللهم أنا لاقو هؤلاء غدا واني اقسم عليك لما يقتلونني ويبقروا بطني ويجدعوني فإذا قلت لي لم فعل بك هذا فاقول اللهم فيك فلما التقوا فعل ذلك به فقال الرجل الذي سمعه أما هذا فقد استجيب له واعطاه الله ما سال في جسده في الدنيا وانا أرجو أن يعطى ما سال في الآخرة. وعن اسحق بن سعد بن أبي وقاص قال حدثني أبي أبي عن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد إلا ندعو الله فخلوا في ناحية فدعا عبد الله بن جحش فقال يا رب إذا لقيت العدو غدا فلقني ردلا شديداً بأسه شديداً حرده أقاتله فيك ويقاتلني ثم يأخذني فيجدع انفي واذني فإذا لقيتك غدا قلت يا عبد الله من جدع انفك واذنك فأقول فيك وفي رسولاك فتقول صدقت قال سعد فلقد رأيته آخر النهار وان أذنه وانفه لمعلقتان في خيط. قال الواقدي قتل عبد الله بن جحش يوم أحد قتله أبو الحكم بن الاخنس بن شريق ودفن عبد الله وحمزة بن عبد المطلب وهو خاله في قبر واحد وكان لعبد الله يوم قتل بضع واربعون سنة.

عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب

16- عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب. يكنى أبا عبد الله هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدراً واستعمله عمر على البصرة واليا فهو الذي بصرها واختطها ثم قدم على عمر فرده إلى البصرة واليا فمات في الطريق سنة سبع عشرة وقيل خمس عشرة وهو ابن سبع وخمسين وقيل خمس وخمسين. عن خالد بن عمير قال خطب عتبة بن عزوان فحمد الله واثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الدنيا قد اذنت بصرم وولت حذاء ولم يبق منهاه إلا صبابة كصبابة الاناء يتصابها صاحبها وانكم منقلبون منها إلى دار لا زوال لها فانتقلوا بخير ما بحضرتكم فانه قد ذكر لنا إن الحجر يلقى في شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما ما يدرك لها قعرا والله لتملانه افعجبتم والله

_ 16- هو: عتبة بن غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي ابن جابر المازني حليف بني عبد شمس صحابي جليل مهاجري بدري وهو أول من اختط البصرة مات سنة سبع عشرة ويقال بعدها.

لقد ذكر لنا ان ما بين مصراعي الجنة مسيرة أربعين عاما وليأتين عليه يوم وهو كظيظ الزحام ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحته أشداقنا وإني التقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد فائتزر بنصفها وائتزر بنصفها فما اصبح منا أحد اليوم حيا إلا اصبح أمير مصر من الأمصار واني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا وانها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت حتى تكون عاقبتها ملكا وستبلون وستجربون الأمراء بعدنا1 انفرد بإخراجه مسلم وليس لعتبة في الصحيح غيره.

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الزهد حديث 2967.

مصعب بن عمير ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي

17- مصعب بن عمير ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي. يكنى أبا محمد دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وكتم إسلامه وكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا فلما علموا به حبسوه فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى ثم خرج في الهجرة الثانية وكان من انعم الناس عيشا قبل إسلامه فلما أسلم زهد في الدنيا فتحسف جلده تحسف الحية وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن بايع الأنصار البيعة الأولى يفقههم ويقرئهم القرآن وكان يأتيهم في دورهم فيدعوهم إلى الإسلام فأسلم منهم خلق كثير وفشا الإسلام فيهم وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه أن يجمع بهم فأذن له فجمع بهم في دار خيثمة. ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع السبعين الذين وافوه في العقبة الثانية فأقام بمكة قليلا ثم قدم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فهو أول من قدمها. وعن ابن شهاب قال لما بايع أهل العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعوا إلى قومهم فدعوهم إلى الإسلام سرا وتلوا عليهم القرآن وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء ورافع بن مالك أن ابعث إلينا رجلا من قبلك فليدع الناس بكتاب الله فانه قمن أن يتبع فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير فلم يزل يدعو امنا ويهدي الله تعالى على يده حتى قل دار من دور الأنصار إلا قد أسلم أشرافهم. أسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم وكان المسلمون أعز أهل المدينة. فرجع مصعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدعى المقريء.

_ 17- هو: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب السيد الشهيد السابق البدري القرشي العبدري.

قال ابن شهاب: وكان أول من جمع الجمعة بالمدينة بالمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن البراء قال أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير1. وعن عمر بن الخطاب قال نظر النبي. صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه اهاب كبش قد تنطق به فقال النبي. صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نور الله قلبه لقد رأيته بين أبوين يغدوان بأطيب الطعام والشراب فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون". وعن محمد بن شرحبيل قال حمل مصعب اللواء يوم أحد فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فاقبل ابن قميئة فضرب يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] . وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضربها فقطعها فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فانفذه. وكان مصعب رقيق البشرة ليس بالطويل ولا بالقصير قيل وهو ابن أربعين سنة أو يزيد شيئا. وقال ابن سعد وقال عبد الله بن الفضل قتل مصعب وأخذ اللواء ملك في صورته فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول له في آخر النهار تقدم يا مصعب فالتفت إليه الملك وقال لست بمصعب فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ملك أيد به. وعن عبيد بن عمير قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد مر على مصعب بن عمير مقتولا على طريقه فقرأ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] الآية وعن خباب قال هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله عز وجل فمنا من مضى ولم يأكل من اجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد له شيئا نكفنه فيه إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فامرنا رسول الله أن نغطي بها رأسه ونجعل على رأسه اذخرا ومنا من اينعت له ثمرته فهو يهدبها2 أخرجاه في الصحيحين.

_ 1 أنظر كنز العمال 11/747. رقم 33650. وحلية الأولياء 1/153. رقم 343. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الجنائز حديث 1276. باب 27. إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه أو قدميه غطى رأسه ومسلم في كتاب الجنائز حديث 940.

عمير بن أبي وقاص اخو سعد

18- عمير بن أبي وقاص اخو سعد. عن عامر بن سعد عن أبيه قال رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل ان يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إلى بدر يتوارى فقلت ما لك يا أخي فقال أني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني وان أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة قال فعرض على رسول الله. صلى الله عليه وسلم فاستصغره فقال ارجع فبكى عمير فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سعد: فكنت اعقد له حمائل سيفه من صغره فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة قتله عمرو بن عبد ود والسلام.

عبد الله بن مسعود

19- عبد الله بن مسعود. ويكنى أبا عبد الرحمن أمه أم عبد، أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ويقال كان سادسا في الإسلام وهاجر إلى الحبشة الهجرتين وشهد بدراً والمشاهد كلها وكان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ووساده وسواكه ونعليه وطهوره في السفر وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته وكان خفيف اللحم قصيرا شديد الأدمة وكان من أجود الناس ثوبا ومن أطيب الناس ريحا وولي قضاء الكوفة وبين المال لعمر وصدرا من خلافة عثمان ثم صار إلى المدينة فمات بها سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع وهو ابن بضع وستين. عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد نفرا من المشركين فقالا يا غلام هل عندك من لبن تسقينا فقلت أني مؤتمن ولست ساقيكما فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل قلت نعم فأتيتهما بها فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح الضرع ودعا فحفل الضرع ثم أتاه أبو بكر بصخرة منقعرة فاحتلب فيها فشرب أبو بكر ثم شربت ثم قال للضرع اقلص فقلص قال فأتيته بعد ذلك فقلت علمني من هذا القول قال: "انك غلام معلم" فأخذت من فيه سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد1.

_ 19- هو: عبد الله بن مسعود بن غافل بمعجمة وفاء ابن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن من السابقين الأولين ومن كبار الصحابة مناقبه جمة وأمره عمر على الكوفة مات سنة اثنتين وثلاثين أو في التي بعدها بالمدينة.

وعن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال قال عبد الله بن مسعود لقد رايتني سادس ست وما على وجه الأرض مسلم غيرنا1. ذكر قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال أبو موسى الاشعري لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ارى إلا ابن مسعود من أهله وعن القاسم بن عبد الرحمن قال كان عبد الله يلبس رسول الله. صلى الله عليه وسلم نعليه ثم يمشي امامه بالعصا حتى إذا أتي مجلسه نزع نعليه فادخلهما في ذراعيه واعطاه العصا فإذا أراد رسول الله. صلى الله عليه وسلم أن يقول البسه نعليه ثم مشى بالعصا امامه حتى يدخل الحجرة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي المليح عن عبد الله أنه كان يوقظ رسول الله. صلى الله عليه وسلم إذا نام ويستره إذا اغتسل ويمشي معه في الأرض وحشا. وعن عبد الله بن شداد بن الهاد أن عبد الله كان صاحب الوساد والسواك والنعلين. ذكر شبهه برسول الله صلى الله عليه وسلم: عن علقمة قل كان عبد الله يشبه بالنبي. صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وكان علقمة يشبه بعبد الله. وعن عبد الله بن يزيد قال اتينا حذيفة فقلنا له حدثنا بأقرب الناس برسول الله. صلى الله عليه وسلم هديا وسمتا ودلا نأخذ عنه ونسمع منه قال كان اقرب الناس برسول الله هديا وسمتا ودلا عبد الله بن مسعود حتى يتوارى عنا في بيته ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد ان ابن أم عبد من اقربهم إلى الله زلفى والسلام. ذكر ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن مسعود: عن علقمة قال جاء رجل إلى عمر وهو بعرفة فقال جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه فغضب وانتفخ حتى كاد يملا ما بين شعبتي الرجل فقال من هو ويحك قال عبد الله بن مسعود فما زال يطفا ويسير عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها ثم قال ويحك والله ما اعلم بقي من الناس أحد هو احق بذلك منه وسأحدثك عن ذلك.

_ = دلائل النبوة 2/171. وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/172. رقم 379. وأحمد في المسند 3598. وقال الذهبي: هذا حديث صحيح الإسناد ورواه أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة وبعض هذا الحديث عند البخاري 5000. 1 أخرجه الحاكم في المستدرك رقم 5368. وصححه وأقره الذهبي في التلخيص وقال: صحيح وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/174. رقم 384.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في أمر من أمر المسلمين وانه سمر عنده ذات ليلة وانا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته فلما كدنا نعرفه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره ان يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقراه على قراءة ابن أم عبد" قال ثم جلس الرجل يدعو فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: "سل تعطه سل تعطه". قال عمر قلت والله لاغدون عليه فلا بشرنه قال فغدوت عليه فبشرته فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره ولا والله ما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه رواه الإمام أحمد1. وروي عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه كان يجتني سواكا من الاراك وكان دقيق الساقين فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مم تضحكون" قالوا يا نبي الله من دقة ساقيه فقال: "والذي نفسي بيده لهما اثقل من الميزان من أحد" 2. ذكر ثناء الناس عليه وكثرة علمه: عن زيد بن وهب قال أقبل عبد الله ذات يوم وعمر جالس فقال كنيف مليء علما. وعن الشعبي قال ذكروا ان عمر بن الخطاب لقي ركبا في سفر له فيهم عبد الله بن مسعود فأمر عمر رجلا يناديهم من أين القوم فأجابه عبد الله اقبلنا من الفج العميق فقال عمر أين تريدون فقال عبد الله البيت العتيق فقال عمر البيت العتيق فقال عمر انفيهم علاما وأمر رجلا فناداهم أي القرآن اعظم فأجابه عبد الله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] حتى ختم الآية قال نادهم أي القرآن احكم فقال ابن مسعود: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} [النحل: 90] الاية فقال عمر نادهم أي القرآن اجمع فقال ابن مسعود: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7 , 8] فقال عمر نادهم أي القرآن اخوف فقال ابن مسعود: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء: 133] الآية فقال عمر نادهم أي القرآن أترجى فقال ابن مسعود: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] فقال عمر نادهم افيكم ابن مسعود قالوا اللهم نعم. وعن أبي البختري قال سئل علي عليه السلام عن أصحاب محمد. صلى الله عليه وسلم فقال عن أيهم

_ 1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند حديث 175. والحاكم والطبراني في الكبير 9/61, 62. وابن خزيمة حديث 1156. وابن أبي شيبة 10/520. وانظر موارد الظمآن 2436. 2 صحيح: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1/175. رقم 388.

تسألون قالوا أخبرنا عن عبد الله بن مسعود قال علم القرآن وعلم السنة ثم انتهى وكفى به علما1. وعن أبي الاحوص قال شهدت أبا موسى وأبا مسعود حين مات ابن مسعود وأحدهما يقول لصاحبه أتراه ترك مثله قال أن قلت ذاك أن كان ليؤذن له إذا حجبنا ويشهد إذا غبنا2 رواه أحمد. وعن عامر قال قال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم يعني ابن مسعود. وعن شقيق قال كنت قاعدا مع حذيفة فأقبل عبد الله بن مسعود فقال حذيفة أن اشبه الناس هديا ودلا برسول الله من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع ولا ادري ما يصنع في أهله لعبد الله بن مسعود والله لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد. صلى الله عليه وسلم أنه من اقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة. وعن مسروق قال قال عبد الله والذي لا اله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وانا اعلم أين نزلت وإلا أنا اعلم أين نزلت وإلا أنا اعلم فيما نزلت ولو اعلم أن أحداً اعلم بكتاب الله مني تناله المطي لأتيته. وعن تميم بن حذلم قال جالست أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وما رأيت أحداً ازهد في الدنيا ولا ارغب في الآخرة ولا أحب إلي أن أكون في مسلاخه منك يا عبد الله بن مسعود. وعن مسروق قال شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر منهم عمر وعلي وعبد الله وأبي بن كعب وأبو الدرداء وزيد بن ثابت ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين علي وعبد الله. وعنه قال جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالاخاذ يروي الرجل والاخاذ يروي الرجلين والأخاذ يروي المائة والاخاذ لو نزل به أهل الأرض لاصدرهم فوجدت عبد الله من ذلك الاخاذ. ذكر تعبده: عن زر عن عبد الله أنه كان يصوم الاثنين والخميس.

_ 1 أنظر حلية الأولياء 1/177. رقم 399. 2 ضعيف جدا أخرجه أحمد وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/176. رقم 364. وفيه يحيى بن سلمة بن كهيل متروك.

وعن عبد الرحمن بن يزيد قال ما رأيت فقيها قط اقل صوما من عبد الله فقيل له لم لا تصوم قال إني اختار الصلاة على الصوم فإذا صمت ضعفت عن الصلاة. وعن محارب بن دثار عن عمه محمد قال مررت بابن مسعود بسحر وهو يقول اللهم دعوتني فاجبتك وامرتني فأطعتك وهذا سحر فاغفر لي فلما أصبحت غدوت عليه فقلت له فقال أن يعقوب لما قال لبنيه: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ} [يوسف: 98] آخرهم إلى السحر. ذكر ورعه: عن عمرو بن ميمون قال اختلفت إلى عبد الله بن مسعود سنة ما سمعته يحدث فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقول فيها قال رسول الله إلا أنه حدث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلاه الكرب حتى رأيت العرق يتحدر عن جبهته ثم قال إن شاء الله تعالى إما فوق ذلك وإما قريب من ذلك وإما دون ذلك. ذكر شدة خوفه وبكائه رضي الله عنه: عن مسروق قال قال رجل عن عبد الله ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين أكون من المقربين أحب إلي فقال عبد الله: لكن هاهنا رجل ود أنه إذا مات لا يبعث يعني نفسه. وعن جرير رجل من بجيلة قال قال عبد الله وددت اني إذا مت لم ابعث. وعن الحسن قال قال عبد الله بن مسعود لو وقفت بين الجنة والنار فقيل لي اختر نخيرك من أيهما تكون أحب إليك أو تكون رمادا؟ لأحببت أن أكون رمادا. وعن أبي وائل قال قال عبد الله وددت أن الله غفر لي ذنبا من ذنوبي وانه لا يعرف نسبي. وعن زيد بن وهب أن عبد الله بكى حتى رأيته أخذ بكفه من دموعه فقال به: هكذا. ذكر تواضعه: عن حبيب بن أبي ثابت قال خرج ابن مسعود ذات يوم فاتبعه ناس فقال لهم الكم حاجة قالوا لا ولكن أردنا أن نمشي معك قال ارجعوا فانه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع. وعن الحارث بن سويد قال قال عبد الله لو تعلمون ما اعلم من نفسي حثيتم على رأسي التراب.

ذكر ايثاره ثواب الآخرة على شهوات النفس: عن الاحوص الجشمي قال دخلنا على ابن مسعود وعنده بنون له ثلاثة غلمان كأنهم الدنانير حسنا فجعلنا نتعجب من حسنهم فقال لنا كأنكم تغبطوني بهم قلنا والله أي والله بمثل هؤلاء يغبط المرء المسلم فرفع رأسه إلى سقف بيت له صغير قد عشش فيه خطاف وباض فقال والذي نفسي بيده لان أكون قد نفضت يدي عن تراب قبورهم أحب إلي أن يسقط عش هذا الخطاف وينكسر بيضه. وعن قيس بن جبير قال قال عبد الله حبذا المكروهان الموت والفقر وايم الله ان هو إلا الغنى والفقر وما أبالي بايهما بليت إن حق الله في كل واحد منهما واجب وان كان الغنى فيه للعطف وان كان للفقراء ان فيه للصبر. وعن الحسن قال قال عبد الله بن مسعود ما أبالي إذا رجعت إلى أهلي على أي حال اراهم بخير أو بشر أم بضر وما أصبحت على حالة فتمنيت أني على سواها. ذكر جملة من مناقبه وكلامه رضي الله عنه: عن عبد الله بن مرادس قال كان عبد الله يخطبنا كل خميس فيتكلم بكلمات فيسكت حين يسكت ونحن نشتهي ان يزيدنا. وعن عبد الله بن وليد قال سمعت عبد الرحمن بن حجيرة يحدث عن أبيه عن ابن مسعود أنه كان يقول إذا قعد يذكر انكم في ممر من الليل والنهار في اجال منقوصة واعمال محفوظة والموت يأتي بغتة فمن زرع خيرا فيوشك ان يحصد رغبة ومن زرع شرا فيوشك ان يحصد ندامة ولكل زارع مثل ما زرع لا يسبق بطيء بحظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له فان اعطى خيرا فالله اعطاه ومن وقي شرا فالله وقاه المتقون سادة والفقهاء قادة ومجالسهم زيادة رواه الإمام أحمد. وعن الاحوص عن عبد الله أنه كان يوم الخميس قائماً فيقول إنما هما اثنتان الهدي والكلام وافضل الكلام كلام الله وافضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وان كل محدثة بدعة فلا يطولن عليكم الأمد ولا يلهينكم الأمل فان كل ما هو آت قريب إلا وان بعيدا ما ليس أتيا إلا وان الشقي من شقي في بطن أمه وان السعيد من وعظ بغيره إلا وان قتال المسلم كفر وسبابه فسوق ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام حتى يسلم عليه إذا لقيه ويجيبه إذا دعاه ويعوده إذا مرض إلا وان شر الروايا روايا

الكذب إلا وان الكذب لا يصلح منه هزل ولا جد ولا أن يعد الرجل صبيه شيئا ثم لا ينجزه له إلا وان الكذب يهدي إلى البر وان البر يهدي إلى الجنة إلا وانه يقال للصادق صدق حتى يكتب عند الله عز وجل صديقا ويكذب حتى يكتب عند الله عز وجل كذابا إلا وهل انبئكم ما العضة قيل وما هي قال هي النميمة التي تفسد بين الناس". وعن عبد الرحمن بن عابس قال قال عبد الله بن مسعود ان اصدق الحديث كتاب الله عز وجل وأوثق العرى كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم واحسن السنن سنة محمد صلى الله عليه وسلم وخير الهدى الأنبياء واشرف الحديث ذكر الله وخير القصص القرآن وخير الامور عواقبها وشر الأمور محدثاتها وما قل وكفى خير مما كثر والهى ونفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها وشر المعذرة حين يحضر الموت وشر الندامة يوم القيامة وشر الضلالة الضلالة بعد الهدى وخير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى وخير ما القي في القلب اليقين والريب من الكفر وشر العمى عمى القلب والخمر جماع الاثم والنساء حبالة الشيطان والشباب شعبة من الجنون والنوح من علم الجاهلية ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبرا ولا يذكر الله الاهجرا واعظم الخطايا الكذب وسباب المسلم فسوق وقتله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه ومن يعف يعف الله عنه ومن يكظم الغيظ ياجره الله ومن يغفر الله له ومن يصبر على الزرية يعقبه الله وشر المكاسب كسب الربا وشر المآكل أكل مال اليتيم والسعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن أمه وإنما يكفي أحدهم ما قنعت به نفسه وإنما يصير إلى أربعة اذرع والأمر إلى آخرهم وملاك العمل خواتمه وشر الروايا روايا الكذب واشرف الموت قتل الشهداء ومن يعرف البلاء يصبر عليه ومن لا يعرفه ينكره ومن يستكبر يضعه الله ومن يتول الدنيا تعجز عنه ومن يطع الشطان يعص الله ومن يعص الله بعذبه. وعن المسيب بن رافع عن عبد الله بن مسعود قال ينبغي لحامل القرآن ان يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مفطرون وبحزنه إذا الناس فرحون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس بخلطون وبخشوعه إذا الناس يختالون وينبغي لحامل

القرآن ان يكون باكيا محزونا حليما حكيما سكيتا ولا ينبغي لحامل القرآن ان يكون جافيا ولا غافلا ولا سخابا ولا صياحا ولا حديدا رواه الإمام أحمد. وعن الأعمش قال كان عبد الله يقول لإخوانه أنت جلاء قلبي. وعن أبي اياس البجلي قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول من تطاول تعظما خفضه الله ومن تواضع تخشعا رفعه الله وان للملك لمة وللشيطان لمة فلمة الملك ايعاد بالخير وتصديق بالحق فإذا رأيتم ذلك فأحمدوا الله عز وجل ولمة الشطان ايعاد بالشر وتكذيب بالحق فإذا رأيتم ذلك فتعوذوا بالله". وعن عمران بن أبي الجعد عن عبد الله قال ان الناس قد احسنوا القول فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه ومن لا يوافق قوله فعله فذاك الذي يوبخ نفسه". وعن خيثمة قال قال عبد الله لا الفين أحدكم جيفة ليل قطرب نهار". وعن المسيب بن رافع قال قال عبد الله بن مسعود اني لأبغض الرجل أن أراه فارغاً ليس في شيء من عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة". رواه الإمام أحمد. وروي أيضاً عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال من لم تأمره الصلاة بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد بها من الله إلا بعد". وروي عن عمر بن ميمون عن ابن سعود قال أن الشيطان اطاف بأهل مجلس ذكر ليفتنهم فلم يستطع ان يفرق بينهم فأتى على حلقة يذكون الدنيا فاغرى بينهم حتى اقتتلوا فقام أهل الذكر فحجزوا بينهم فتفرقوا". وعن موسى بن أبي عيسى المزني قال قال عبد الله بن مسعود من اليقين ان لا يرضى الناس بسخط الله ولا تحمدن أحداً على رزق الله ولا تلومن أحداً على ما لم يؤتك الله فان رزق الله لا يسوقه حرص الحريص ولا يرده كره الكاره وان الله بقسطه وحكمه وعدله وعلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا وجعل الهم والحزن في الشك والسخط". وعن مرة عن عبد الله قال ما دمت في صلاة فانت تقرع باب الملك ومن يقرع باب الملك يفتح له". وعن القاسم بن عبد الرحمن والحسن بن سعد قالا قال عبد الله أني لاحسب الرجل ينسى العمل كان يعلمه بالخطيئة يعملها رواه الإمام أحمد. وعن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله بن مسعود قال كونوا ينابيع العلم مصابيح

الهدى احلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب خلقان الثياب تعرفون في أهل السماء وتخفون في أهل الأرض". وعن مسروق قال قال عبد الله إذا اصبحتم صياما فاصبحوا مدهنين "رواه الإمام أحمد. وروي عن أبي وائل قال قال عبد الله انذرتكم بلوغ القول بحسب أحدكم ما ابلغ حاجته". وعن معن قال قال عبد الله بن مسعود أن للقلوب شهوة وإقبالا وان للقلوب فترة وادبارا فاغتنموها عند شهوتها وإقبالا ودعوها عند فترتها وادبارها". وعن عون بن عبد الله قال قال عبد الله ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العمل الخشية". وعن منذر قال جاء ناس من الدهاقين إلى عبد الله بن مسعود فتعجب الناس من غلظ رقابهم وصحتهم فقال عبد الله أنكم ترون الكافر من اصح الناس جسما وامرضه قلبا وتلقون المؤمن من اصح الناس قلبا وامرضه جسما وايم الله لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان". وعن عوف بن عبد الله قال قال عبد الله بن مسعود لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى والتواضع أحب إليه من الشرف وحتى يكون حامده وذامه عنده سواء قال ففسرها أصحاب عبد الله قالوا حتى يكون الفقر في الحلال أحب إليه من الغنى في الحرام والتواضع في طاعة الله أحب إليه من الشرف في معصية الله وحتى يكون حامده وذامه عنده في الحق سواء" رواه الإمام أحمد. وعن طارق بن شهاب عن عبد الله قال أن الرجل يخرج من بيته ومعه دينه فيرجع وما معه شيء يأتي الرجل لا يملك له ولا لنفسه ضرا ولا نفعا فيقسم له بالله انك لذيت وذيت فيرجع وما حبي من حاجته بشيء ويسخط الله عليه". وعن إبراهيم قال قال عبد الله بن مسعود الإثم حوار القلوب وما كان م نظرة فان للشيطان فيها مطمعا". وعنه عن عبد الله قال مع كل فرحة ترحة وما مليء بيت حبرة إلا مليء عبرة رواح أحمد.

وعن الضحاك بن مزاحم قال قال عبد الله ما منكم إلا ضيف وماله عارية فالضيف مرتحل والعارية مؤداة إلى أهلها". وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال أتاه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن علمين كلمات جوامع نوافع فقال له عبد الله لا تشرك به شيئا وزل مع القرآن حيث زال ومن جاءك بالحق فاقبل منه وان كان بعيدا بغيضا ومن جاءك بالباطل فاردده عليه وان كان حبيبا قريبا". وعن مالك بن مغول قال قال عبد الله بن مسعود يكون في آخر الزمان اقوام افضل أعمالها التلاؤم بينهم يسمون الانتان. وعن خيثمة قال قال عبد الله إذا حب الرجل ان ينصف من نفسه فليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه". وروي أيضاً عن خيثمة قال قال عبد الله الحق ثقيل مريء والباطل خفيف وبئ، ورب شهوة تورث حزنا طويلا". وعن عنبس بن عقبة قال قال عبد الله بن مسعود والله الذي لا اله إلا هو ما على وجه الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان". وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال إذا ظهر الزنا والربا في قرية اذن بهلاكها". وعن أبي عبيدة قال قال عبد الله من استطاع منكم ان يجعل كنزه في السماء حيث لا تاكله السوس ولا يناله السراق فليفعل فان قلب الرجل مع كنزه". وعن القاسم قال قال رجل لعبد الله أوصني يا أبا عبد الرحمن قال ليسعك بيتك واكفف لسانك وابك على ذكر خطيئتك". وعن عبد الرحمن بن زيد عن عبد الله قال أنتم اطول صلاة وأكثر اجتهادا م أصحاب رسول الله. صلى الله عليه وسلم وهم كانوا افضل منكم قيل له بأي شيء قال انهم كانوا ازهد في الدنيا أو رغب في الآخرة منكم. وعن زاذان عن عبد الله بن مسعود قال يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له أد امانتك فيقول من اين يا رب قد ذهبت الدنيا فتمثل على هيئتها يوم أخذها في قعر جهنم فينزل فيأخذها فيضعها على عاتقه فيصعد بها حتى إذا ظن أنه خارج بها وهوى في أثرها أبد الآبدين.

وعن أبي الاحوص عن عبد الله قال لا يقلدن أحدكم دينه رجلا فان آمن آمن وإن كفر كفر وان كنتم لا بد مقتدين فافتدوا بالميت فان الحي لا تؤمن عليه الفتنة. وعن عبد الرحمن بن يزيد قال قال عبد الله لا تكونن امعة قالوا وما الامعة؟ قال يقول أنا مع الناس ان اهتدوا اهتديت وان ضلوا ضللت إلا ليوطنن أحدكم نفسه على أنه ان كفر الناس ان لا يكفر. وعن سليمان بن مهران قال بينما ابن مسعود يوما معه نفر من أصحابه إذ مر اعرابي فقال على ما اجتمع هؤلاء فقال ابن مسعود على ميراث محمد. صلى الله عليه وسلم يقتسمونه. وعن خيثم بن عمرو ان ابن مسعود أوصى ان يكفن في حلة بمائتي درهم. وقد سبق ذكر وفاته وموضع دفنه في أول أخباره.

المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك

20- المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك. كان حالف الأسود بن عبد يغوث الزهري في الجاهلية فتبناه. فكان يقال له: المقداد بن الأسود. فلما نزل قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] قيل: المقداد بن عمرو. وشهد بدراً وأُحداً والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان طويلاً آدم، ذا بطنٍ، كثير شعر الرأس، أعين، مقرون الحاجبين، أقنى، يضفر لحيته. وعن القاسم بن عبد الرحمن قال: أول من عدا به فرسه في سبيل الله المقداد بن الأسود. وقال علي عليه السلام: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد. وعن طارق بن شهاب قال: قال عبد الله: لقد شهدت من المقداد بن الأسود مشهداً لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما عدل به. أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال: والله يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ومن خلفك. فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره ذلك. رواه الإمام أحمد. وعن أنس قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم المقداد على سرية. فلما قدم قال له: أبا معبد كيف

_ 20- هو: المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهراني ثم الكندي ثم الزهري حالف أبا كندة وتبناه هو الأسود بن عبد يغوث الزهري فنسب إليه صحابي مشهور من السابقين لم يثبت أنه كان ببدر فارس غيره مات سنة ثلاث وثلاثين وهو ابن سبعين سنة.

وجدت الإمارة؟ قال: كنت أحمل وأُوضع حتى رأيت أن لي على القوم فضلاً. قال: هو ذاك، فخذ أودع قال: والذي بعثك بالحق لا أتأمر على اثنين أبداً. وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: جلسنا إلى المقداد يوماً فمر به رجل فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت وشهدنا ما شهدت. فاستغضب فجعلت أعجب، ما قال إلا خيراً، ثم أقبل إليه فقال: ما يحمل الرجل على أن يتمنى محضراً غيّبه الله عنه، ما يدري لو شهده كيف كان يكون فيه؟ والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام كبّهم الله على مناخرهم في جهنهم لم يجيبوه ولم يصدّقوه، أولا تحمدون الله إذ أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم. ولقد كفيتم البلاء بغيركم؟ والله لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية، ما يرون أن ديناً أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، إن كان الرجل ليرى والده وولده وأخاه كافراً وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان يعلم أنه إن هلك دخل النار فلا تقرّ عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار وأنها للتي قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74] . ذكر وفاته رضي الله عنه: قال أهل السِيَر: شرب المقداد دُهن الخروع فمات، وذلك بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالبقيع، وصلى عليه عثمان وذلك في سنة ثلاث وثلاثين وهو ابن سبعين سنةً أو نحوها.

خباب بن الأرت بن جندلة

21- خباب بن الأرت بن جندلة: يكنى أبا عبد الله، أصابه سباء فبيع بمكة واشترته أم أنمار، وأسلم خباب قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وقيل كان سادس ستة الإسلام، له سدس الإسلام. وعن طارق بن شهاب قال: جاء خباباً نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا: أبشر يا أبا عبد الله، إخوانك تقدم عليهم غداً. فبكى وقال أما إنه ليس بي جزع ولكن ذكّرتموني أقواماً وسميتم لي إخواناً، وإن أولئك مضوا بأجورهم كما هي، وإني أخاف أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك الأعمال ما أوتينا بعدهم1.

_ 21- هو: خباب بموحدتين الأولى مثقلة ابن الأرت التميمي أبو عبد الله من السابقين إلى الإسلام وكان يعذب في الله وشهد بدرا ثم نزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين. 1 أنظر حلية الأولياء 1/197. رقم 479.

وعن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: دخلنا على خباب بن الأرت في مرضه فقال: إن في هذا التابوت ثمانين ألف درهم، والله ما شددت لها من خيط، ولا منعتها من سائل. ثم بكى فقيل: ما يبكيك؟ فقال: أبكي أن أصحابي مضوا ولم تنقصهم الدنيا شيئاً وإنّا بقينا بعدهم حتى ما نجد موضعاً إلا التراب1. وعن قيس بن أبي حازم قال: أتينا خبّاب بن الأرت نعوده وقد اكتوى في بطنه سبعاً، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به، فقد طال مرضي. ثم قال: إن أصحابنا الذين مضوا لم تنقصهم الدنيا شيئاً وأنا أعطينا بعدَهُم ما لا نَجد لَهُ مَوضِعاً إِلا التراب، وشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برداً له في ظل الكعبة فقلنا: يا رسول الله ألا تستنصر الله لنا؟ فجلس محمراً وجهه فقال: "والله لقد كان من قبلكم يؤخذ قجعل المناشير على رأسه فيفرق فرقتين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت لا يخاف آلا الله تبارك وتعالى والذئب على غنمه" 2 أخرجاه في الصحيحين. وعن طارق بن شهاب. قال: كان خبّاب من المهاجرين الأولين وكان ممن يعذب في الله عز وجل3. وعن الشعبي قال: سأل عمر خباباً عما لقي من المشركين. فقال خباب: يا أمير المؤمنين انظر إلى ظهري. فقال عمر: ما رأيت كاليوم، قال: أوقدوا لي ناراً فما أطفأها إلا ودك ظهري4. ذكر وفاته رضي الله عنه: توفي خباب بالكوفة سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وصلى عليه علي بن أبن طالب حين منصرفه من صفين، وهو أول من قبر بظهر الكوفة.

_ 1 أنظر حلية الأولياء 1/196. رقم 478. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب المناقب حديث 3612. باب علامات النبوة في الإسلام وأبو داود في كتاب الجهاد حديث 2649. باب في الأسير يكره على الكفر. 3 أنظر حلية الأولياء 1/194. رقم 471. 4 أنظر حلية الأولياء 1/195. رقم 472.

صهيب بن سنان ابن مالك بن النمر بن قاسط

22- صهيب بن سنان ابن مالك بن النمر بن قاسط. سبي وهو غلام فنشأ بالروم فابتاعته منهم كلب فقدمت به مكة فاشتراه بن جدعان فأعتقه: وأسلم قديماً، وكان من المستضعفين المعذبين في الله تعالى، ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من السابقين الأولين، وهو سابق الروم، وأمره عمر أن يصلي بالناس في زمن الشورى فقدموه فصلى على عمر وكان أحمر شرير الحمرة ليس بالطويل ولا بالقصير، كثير شعر الرأس يخضب بالحناء. وعن سعيد بن المسيب قال1: لما أقبل صهيب مهاجراً نحو النبي صلى الله عليه وسلم وتبعه نفر من قريش، نزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً. وايم الله لا تصلون إليَّ حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء. افعلوا ما شئتم وإن شئتم دللتكم على مالي وثيابي بمكة وخليتم سبيلي. قالوا: نعم. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال: " ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى". ونزلت: {ومِنَ الناسِ مَن يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرضاة الله} [البقرة: 207] الآية. وعن صهيب، قال: لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهداً قط إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة إلا كنت حاضرها ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزاةً قط أول الزمان وآخره إلا كنت فيها عن يمينه أو عن شماله، وما خافوا أمامهم قط إلا كنت أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين العدو قط حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم2. ذكر وفاته رضي الله عنه: توفي صهيب بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثون وهو ابن سبعين سنة3.

_ - 22 هو: صهيب بن سنان أبو يحيى الرومي أصله من النمر يقال: كان اسمه عبد الملك وصهيب لقب صحابي شهير مات بالمدينة سنة ثمان وثلاثين في خلافة علي وقيل قبل ذلك. 1 ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/228. فيه علي بن زيد ضعيف. 2 أنظر حلية الأولياء 1/204. رقم.497. وكنز العمال 13/440. رقم 37151. 3 أنظر سير أعلام النبلاء 3/365, 366.

عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنهما

23- عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنهما: يكنى أبا عمر واشتراه أبو بكر وأعتقه قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، فكان

_ 23- هو: عامر بن فهيرة المشروع رشده والمنزوع حسده والمرفوع جسده سبق إلى الدعوة وخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه في الهجرة.

من المستضعفين يعذَّب بمكة ليرجع عن دينه، وشهد بدراً وأُحداً وقُتل يوم بئر معونة سنة أربع من الهجرة وهو ابن أربعين سنة. قال العلماء بالسير: طعنه جبار بن سلمى فأنفذه، فقال عامر: فزتُ والله جبار. أما قوله: "فزت والله "قالوا: بالجنة. فأسلم جبار، ولم يوجد عامر، قال عروة بن الزبير: يرون أن الملائكة دفته. روى البخاري عن عائشة قالت: لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغارٍ في جبل، فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ويدلج من عندهما بسحر، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحةً من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل، وهو لبن منحتهما، حتى ينعق بها عامر ابن فهيره بغلسٍ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. وعن عائشة قالت: لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر من مكة إلى المدينة إلا أبو بكر، وعامر بن فهيرة، ورجل من بني الديل دليلهم. وعن الزهري قال: أخبرني ابن كعب بن مالك قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني سليم نفراً فيهم عامر بن فهيرة، فاستجاش عليهم عامر بن الطفيل فأدركوهم ببئر معونة فقتلوهم، قال الزهري: فبلغني أنهم التمسوا جسد عامر بن فهيرة فلم يقدروا عليه. قال: فيرون أن الملائكة دفنته. وعن عروة أن عامر بن الطفيل كان يقول من رجل منهم؟ لما قتل رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء دونَهُ قالوا هو عامر بن فهيرة.

بلال بن رباح مولى أبي بكر

24- بلال بن رباح مولى أبي بكر. اسم أمه حمامة أسلم قديماً فعذبه قومه وجعلوا يقولون له: ربَّك اللات والعزى، وهو يقول: أحد أحد. فأتى عليه أبو بكر فاشتراه بسبع أواقٍ وقيل بخمس، فأعتقه فشهد بدر وأُحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو أول من أذَّن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يؤذن له حضراً وسفراً، وكان خازنه على بيت ماله: وكان آدم شديد الأدمة نحيفاً طُوالاً أجنأ، له شعر كثير، خفيف العارضين، به شمط كثير لا يغيره. عن مجاهد قال: إن أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وبلال وصهيب، وخباب، وعمار، وسمية أم عمار، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه عمه، وأما أبو بكر

فمنعه قومه، وأخذ الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم ما بلغ فأعطوهم ما سألوا فجاء إلى كل رجل منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء وألقوهم فيه وحملوا بجوانبه إلا بلالاً فإنه هانت عليه نفسه في الله حتى ملوه وجعلوا في عنقه حبلاً ثم أمروا صبيانهم أن يشتدوا به بين أخشبي مكة فجعل بلال يقول: أحد أحد. وقد روي هذا عن ابن مسعود إلا أنه جعل مكان خباب المقداد. عن زر بن حبيش، عن عبد الله، قال: كان أول من أظهر إسلامه: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سميّة، وصهيب، وبلال، والمقداد. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله عز وجل وهان على قومه فأعطوه الولدان فأخذوا يطوفون به شعاب مكة وهو يقول أحد أحد رواه الإمام أحمد1. وعن عروة بن الزبير، عن أبيه، قال: كان ورقة بن نوفل يمر ببلال وهو يعذب، وهو يقول: أحد أحد، فيقول: أحدٌ أحدٌ الله يا بلال. ثم أقبل ورقة على أمية بن خلف وهو يشنع ذلك ببلال فيقول: أحلف بالله عز وجل إن قتلتموه على هذا لأتخذنه حناناً. حتى مر به أبو بكر الصديق يوماً وهم يصنعون ذلك به فقال لأميه: ألا تتقي الله عز وجل في هذا المسكين؟ حتى متى؟ قال: أنت أفسدته فأنقذه عما ترى، قال أبو بكر: أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به. قال: قد قبلت. قال: هو لك فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك، فأخذ أبو بكر بلالاً فأعتقه ثم أعتق معه على الإسلام، قبل أن يهاجر من مكة، ست رقابٍ بلال سابعهم. قال محمد بن إسحاق: وكان أمية يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى. فيقول وهو في ذلك البلاء: أحد أحد. وعن جابر بن عبد الله قال: قال عمر رضي الله عنه: كان أبو بكر سيدنا. وأعتق بلالاً سيدنا. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بلال سابق الحبشة". عن القاسم بن عبد الرحمن قال: أول من أذن بلال.

_ 1 صحيح: أخرجه الطبراني في الكبير حديث 1024.

وعن أبي عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالاً فقلت: يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان له شيء، كنت أنا الذي ألي له ذلك منذ بعثه الله عز وجل حتى توفي: وكان إذ أتاه الرجل المسلم فرآه عارياً يأمرني فأنطلق فأستقرض وأشتري البردة فأكسوه وأطعمه. وعن عبد الله قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال وعنده صُبرة من تمرٍ قال: " ما هذا يا بلال؟ " قال: يا رسول الله ادّخرته لك ولضيفانك فقال: "أما تخشى أن يكون له بخار في النار؟ أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً" 1. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أُخِفت في الله وما يخافُ أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون ما بين ليلة ويوم مالي ولبلال طعامٌ يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال" 2 رواه الترمذي. وعن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: أصبح النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال: يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قطّ إلا سمعت خشخشتك أمامي، إني دخلت البارحة فسمعت خشخشتك". قال: ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بهذا" 3. قال محمد بن إبراهيم التيمي: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن بلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُقبر، فكان إذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله انتحب الناس في المسجد. فلما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر: أذّن يا بلال. فقال: إن كنت إنما أعتقتني لأكون معك فسبيل ذلك، وإن كنت أعتقتني لله فخلني ومن أعتقتني له. فقال: ما أعتقتك إلا لله. قال: فإني لا أؤذن لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فذاك إليك. قال: فقام حتى خرجت بعوث الشام فخرج معهم حتى انتهى إليها. وعن سعيد بن المسيب قال: لما كانت خلافة أبي بكر تجهز بلال ليخرج إلى الشام فقال له أبو بكر: ما كنت أراك يا بلال تدعنا على هذا الحال، لو أقمت معنا فأعنتنا. قال: إن كنت

_ 1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند. 2 صحيح: أخرجه الترمذي في أبواب صفة القيامة والرقائق والورع حديث 2472. وقال: هذا حديث حسن صحيح. 3 ضعيف: أخرجه أبو نعيم في الحلية رقم 494.

إنما أعتقتني لله عز وجل فدعني أذهب إليه، وإن كنت إنما أعتقتني لنفسك فاحبسني عندك. فأذن له فخرج إلى الشام فمات بها1. (قال الشيخ) رحمه الله: وقد اختلف أهل السير أين مات؟ فقال بعضهم: مات بدمشق، وقال بعضهم: مات بحلب سنة عشرين، وقيل سنة ثمان عشرة وهو ابن بضع وستين سنة. رحمه الله2.

_ 1 صحيح: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 496. وابن سعد في الطبقات الكبرى. 2 أنظر سير أعلام النبلاء 3/223, 224. ط. دار الفكر.

أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال

25- أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال. أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين ومعه امرأته أم سلمة. وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف: أول من قدم علينا المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للهجرة أبو سلمة. وشهد أبو سلمة بدراً وجرح بأُحد فمكث شهراً يداوي جراحه، ثم بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فلما قدم انتقض جرحه، ثم توفي، فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته أو أغمضه بيده. توفي في سنة ثلاث من الهجرة.

الأرقم بن أبي الأرقم بن أسد

26- الأرقم بن أبي الأرقم بن أسد. يكنى أبا عبد الله، أسلم بعد ستة نفر وكانت داره على الصفا بمكة، وفيها استتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا الناس فيها إلى الإسلام، وتصدق بها الأرقم على ولده. فلم يزل المنصور يرغب ولده في المال حتى باعوه إياها ثم أعطاها المهدي الخيزران. وشهد الأَرقم بدراً وأُحداً والمشاهد كلها، وتوفي ابن بضع وثمانين سنة في سنة خمس وخمسين بالمدينة، وصلى عليه سعد بن أبي وقاص.

عمار بن ياسر بن عمار بن مالك

27- عمار بن ياسر بن عمار بن مالك وأمه سُميّة. أسلم قديماً وكان من المستضعفين الذين يعذّبون بمكة ليرجعوا عن دينهم. أحرقه المشركون بالنار وشهد بدراً ولم يشهدها ابن مؤمنين غيره. وشهد أُحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه الطيب المطيَّب3.

_ 3 صحيح: أخرجه الترمذي في المناقب حديث 3798.

عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر به ويمر يده على رأسه ويقول: " يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنتِ على ابراهيم عليه السلام". وعن عثمان بن عفان قال: أقبلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بيدي نتماشى في البطحاء حتى أتينا على أبي عمار وعمارٍ وأمّه وهم يعذبون. فقال ياسر: الدهر هكذا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أصبر، اللهم اغفر لآلِ ياسر". قال: وقد فعلت. عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير. فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما وراءك؟ " قال شرٌ يا رسول الله، ما تُركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فكيف تجد قلبك؟ " قال أجد قلبي مطمئناً بالإيمان. قال: "فإن عادوا فعد" 1. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن عماراً ملئ إيمانأ من قرنه إلى قدمه" 2. وعن علي قال: جاء عمار يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أئذنوا له، مرحباً بالطيب المطيَّب" 3 رواه أحمد. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان"، رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح4. وعن خالد بن سمير قال: كان عمار بن ياسر طويل الصمت، طويل الحزن والكآبة، وكان عامة كلامه عائذاً بالله من فتنة. رواه أحمد. وعن عامر قال: سئل عمار عن مسألة فقال: هل كان هذا بعدُ؟ قالوا: لا قال: فدعونا حتى يكون، فإذا كان تجشمناها لكم5.

_ 1 صحيح: أخرجه الحاكم في التفسير حديث 3362. 2 صحيح: أخرجه الحاكم في معرفة الصحابة حديث 5680. وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/189. 3 صحيح: أخرجه الترمذي في المناقب حديث 3798. 4 ضعيف أخرجه الترمذي في المناقب حديث 3797. وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح وانظر ضعيف سنن الترمذي 793. 5 أنظر سير أعلام النبلاء 3/264.

وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار ابن ياسر أنه قال: وهو يستر إلى صفّين إلى جنب الفرات: اللهم لو أعلم أنه أرضى لك عني أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردّى فأسقط فعلتُ، ولو أعلم أنه أرضى لك عني أن ألقى نفسي في الماء فأغرق نفسي فعلت، وإني لا أقاتل إلا أريد وجهك وأنا أرجو أن لا نحيبني وأنا أريد وجهك. وعن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمار بن ياسر يوم صفين شيخاً آدم في يده الحربة وإنها لترعد، فنظر إلى عمرو بن العاصي معه الراية فقال: إن هذه الراية قد قاتتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتى يبلغونا شعاف هجر لعرفت أن صاحبنا على الحق وأنهم على الضلالة. وعن أبي سنان الدؤلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت عمار بن ياسر دعا بشراب فأتي بقدحٍ من لبن فشرب منه ثم قال: صدق الله ورسوله، اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن آخر شيء يرويه من الدنيا صبحة لبن" ثم قال: والله لو هزمونا حتى يبلغونا شعاف هجر لعلمنا أنا على حق وأنهم على باطل. قال أهل السير: قتل عمار بصفين مع علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، قتله أبو الغادية، ودفن هناك في سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث، وقيل أربع، وتسعين سنة.

زيد بن الخطاب أخو عمر رضي الله عنه

28- زيد بن الخطاب أخو عمر رضي الله عنه يكنى أبا عبد الرحمن. كان أسنَّ من أخيه عمر، وأسلم قبل عمر، وكان طُوالاً أسمر شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن ابن عمر قال: قال عمر بن الخطاب لأخيه زيد يوم أحد: أقسمت عليك إلا لبست درعي. فلبسها ثم نزعها. فقال له عمر: مالك؟ فقال: إني أريد بنفسي ما تريد بنفسك. وعنه قال: قال عمر لأخيه زيد يوم أُحد: خذ درعي. قال: إني أريد الشهادة كما تريد فتركاها جميعاً. وعن الجحاف بن عبد الرحمن، من ولد زيد بن الخطاب، عن أبيه قال: كان زيد بن الخطاب يحمل راية المسلمين يوم اليمامة وقد انكشف المسلمون حتى غلبت بنو حنيفة عن الرحال، فجعل زيد يقول أما الرحال فلا رحال، وأما الفرار فلا فرار. ثم جعل يصيح بأعلى صوته: اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي وأبرأ اليك مما جاء به مسيلمة. وجعل يشتد بالراية ينفذ بها في نحر العدوّ ثم ضارب بسيفه حتى قتل ووقعت الراية، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة فقال المسلمون: يا سالم إنا نخاف أن نؤتى من قبلك فقال: بئس حامل القرآن أنا إن أُتيتم من قبلي.

عامر بن ربيعة بن مالك

29- عامر بن ربيعة بن مالك. أسلم قديماً قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين جميعاً ولم يقدم إلى المدينة للهجرة قبله غير أبي سلمة وشهد بدراً والمشاهد كلها. عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قام عامر بن ربيعة يصلي من الليل، وذلك حين نشب الناس في الطعن على عثمان. فصلى من الليل ثم نام فأتي في المنام فقيل له: قم فسل الله أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها صالح عباده فقام فصلى ثم اشتكى فما خرج إلا على جنازة. قال ابن سعد: قال الواقدي: كان موت عامر بن ربيعة بعد قتل عثمان بأيام، وكان قد لزم بيته فلم يشعر الناس إلا بجنازته قد أخرجت رضي الله عنه.

عثمان بن مظعون

30- عثمان بن مظعون. ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جُمَح. يكنى أبا السائب. أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين وحرَّم الخمر في الجاهلية وقال: لا أشرب شيئاً يُذهب عقلي ويُضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أُنكح كريمتي من لا أريد. وشهد بدراً وكان متعبداً. توفي في شعبان على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة وقبَّل النبي صلى الله عليه وسلم خده وسماه السلف الصالح1. وهو أول من قبر بالبقيع، وكان له من الولد: عبد الله والسائب، أمهما خولة بنت حكيم. عن عثمان قال: لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء، وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة، قال: والله إن غُدوّي ورواحي آمناً بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من الأذى والبلاء مالا يصيبني، لنقصٌ كبير في نفسي. فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس وفَت ذمتك قد رددتُ إليك جوارك. قال: لِم يا بن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي. قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله عز وجل ولا أريد أن أستجير بغيره. قال: فانطلِقْ إِلى المسجد فاردُد عليّ جِواري علانيَةً كما أجرتك علانية.

_ 1 حسن أخرجه الطبراني في الكبير حديث 837. وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

قال: فانطلقنا ثم خرجنا حتى أتينا المسجد فقال لهم الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري. قال: قد صدق وقد وجدته وفياً كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره. ثم انصرف عثمان ولبيدُ بن ربيعة في مجلس من مجالس قريش يُنشدهم، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد وهو ينشدهم: ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطل فقال عثمان: صدقت فقال: وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائل فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. فقال لبيد: يا معشر قريش والله ما كان يؤذى جليسكُم فمتى حدث فيكُم هذا؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا فلا تجِدنّ في نفسك من قوله. فرد عليه عثمان حتى شري أمرهما. فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضّرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ. فقال: أما والله يا بن أخي إن كانت عينك عما أصابَها لغنيّة، لقد كنت في ذمة منيعة. فقال عثمان: بلى والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى ما أصاب أختها في الله، وإني في جوار مَن هو أعزّ منك وأقدر1. وعن عائشة قالت: دخلت عليّ امرأة عثمان بن مظعون وهي باذّة الهيئة، فسألتها عن ذلك فقالت: زوجي يصوم النهار ويقوم الليل. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلك له. فلقي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا عثمان إن الرهبانية لم تُكتب علينا، أفما لك في أسوة؟ فوالله إن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأنا". وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت. قال: فرأيت دموع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسيل على خد عثمان بن مظعون. وعن خارجة بن زيد الأنصاري أن أم العلاء امرأةً من نسائهم قد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته أنه اقتُسم المهاجرون قُرعةً، قالت: فطار لنا عثمان بن مظعون. فاشتكى فمرّضناه، حتى إذا توفي وجعلناه في ثيابه دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "وما يدريكِ أن الله أكرمه؟ " فقلت: لا أدري، بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما عثمان فقد جاءه والله اليقين، إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وإني رسول الله ما يفعل

_ 1 ضعيف: أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/147. في ترجمة عثمان بن مظعون.

بي"، قالت: فوالله لا أزكيّ أحداً بعده أبداً، فأحزنني ذلك. قالت: فنمت فأريت لعثمان عيناً تجري، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: ذلك عمله انفرد باخراجه البخاري1.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الشهادات حديث 2687.

عبد الله بن سهيل بن عمرو

31- عبد الله بن سهيل بن عمرو. هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، فلما قدم مكة أخذه أبوه فأوثقه وفتنه. قال ابن سعد: قال محمد بن عمر بن عطاء: خرج عبد الله ابن سهيل إلى نفير بدر مع المشركين، مع أبيه سهيل: ولا يشك أبوه أنه قد رجع إلى دينه. فلما التقوا انحاز عبد الله إلى المسلمين حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل القتال، فشهد بدراً مسلماً وهو ابن سبع وعشرين فغاظ ذلك أباه غيظاً شديداً. قال عبد الله فجعل الله لي وله في ذلك خيراً كثيراً. قال ابن سعد: وشهد عبد الله أُحداً والخندق والمشاهد كلها وقُتل باليمامة شهيداً وهو ابن ثمانٍ وثلاثين سنة. فلما حج أبو بكر في خلافته أتاه سهيل بن عمرو فعزّاه أبو بكر بعبد الله، فقال سهيل: لقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يشفع الشهيد لسبعين من أهله" 2. فأنا أرجو أن لا يبدأ اِبني بأحد قبلي.

_ 2 حسن أخرجه أبو داود في الجهاد حديث 2522.

سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس

32- سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس. ابن زيد بن عبد الأشهل. يكنى أبا عمرو، وأمه كبشة بنت رافع من المبايعات. أسلم سعد على يد مصعب بن عمير، فأسلم بإسلامه بنو عبد الأشهل، وهي أول دار أسلمت من الأنصار. وشهد بدراً وأُحداً وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، ورمي يوم الخندق. ثم انفجر كلمه بعد ذلك فمات في شوال سنة خمس من الهجرة وهو ابن سبع وثلاثين سنة، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن بالبقيع وله من الولد: عبد الله وعمرو. عن عائشة قالت: خرجت يوم الخندق أقفو أثر الناس فسمعت وئيد الأرض من ورائي فالتفتّ فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مِجنّه قالت: فجلست إلى الأرض. قالت: فمر سعد وهو يرتجز: لبّثْ قليلاً يدركِ الهيجا حَملْ ... ما أحسن الموتَ إذا جاء الأَجلْ

قالت وعليه درع قد خرجت منه أطرافه فأنا أتخوف على أطراف سعد، وكان سعد من أطول الناس وأعظمهم. قالت: فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين وفيهم عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه تسبغة له، تعني المغفَر، قالت: فقال لي عمر: ما جاء بك؟ والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون تحوز أو بلاء؟ قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ فدخلتُ فيها. قالت: فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله قالت: فقال: ويحك يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز والفرار إلا إلى الله1. قالت: ويرمي سعداً رجل من المشركين يقال له ابن العرقة بسهم، فقال: خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله. فدعا الله سعدٌ فقال: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظة وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية. قال: فرقأ كلمه، وبعث الله الريح على المشركين، {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب: 25] . فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيبنة ومن معه بنجد ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأمر بقبة من أدم فضُربت على سعد بن معاذ في المسجد. قال: فجاءه جبريل وعلى ثناياه النقع فقال: أوقد وضعتم السلاح؟ فوالله ما وضعت الملائكة السلاح بعد، أخرج إلى بني قريظة فقاتلهم. قالت: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن في الناس بالرحيل. قالت: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء عليهم قيل لهم: أنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فحمل على حمالو على آكاف من ليف، فحف به قومه فجعلوا يقولون: يا أبا عمرو، حلفاؤك ومواليك ومن قد علمت. ولا يرجع إليهم شيئاً حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد آن لي أن لا أبالي في الله لومة لائم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُحكم فيهم" قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم، وتقسم أموالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد حكمت فيهم بحكم الله وبحكم رسوله".

_ 1 حسن: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/424.

قالت: ثم دعا الله عز وجل سعد فقال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئاً فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك. قالت: فانفجر كلمه وقد كان برأ قالت: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عُمر وأنا في حجرتي، قال: فقلت: فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته1. وعن الحسن قال: لما مات سعد بن معاذ وكان رجلاً جسيماً جزلاً. جعل المنافقون وهم يمشون خلف سريره يقولون: لم نر كاليوم رجلاً أخف. قالوا: أتدرون لِم ذلك؟ لحكمه في بني قريظة فذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم. صلى الله عليه وسلم. صلى الله عليه وسلم فقال: "والذي نفسي بيده لقد كانت الملائكة تحمل سريره" 2. عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ" أخرجاه في الصحيحين3. وعن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بثوب حرير، فجعلوا يتعجبون من حسنه ولينه. فقال: " لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل أو خير من هذا" أخرجاه في الصحيحين4.

_ 1 ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/426. 2 حسن: أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/427- 428. 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار حديث 3803. ومسلم في الفضائل حديث 2466. 4 صحيح: أخرجه البخاري في المناقب حديث 3803. ومسلم في الفضائل حديث 2468.

عاصم بن ثابت بن قيس

33- عاصم بن ثابت بن قيس يكنى أبا سليمان شهد بدراً وأُحداً، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حين ولىّ الناس وبايعه على الموت. وكان من الرماة المذكورين وقتل يوم أحد من أصحاب لواء المشركين مسافعاً والحارث. فنذرت أمهما سُلافة بنت سعد أن تشرب في قحف عاصم الخمر، وجعلت لمن جاءها برأسه مائة ناقة. فقدم ناس من هذيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يوجه معهم من يعلمهم فوجه عاصماً في جماعة، فقال لهم المشركون استأسروا فإنا لا نريد قتلكم وإنما نريد أن نُدخلكم مكة فنصيبَ بكم ثمناً. فقال عاصم: لا أقبل جوار مشرك. وجعل يقاتلهم حتى فنيت نبله.

ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه، فقال: اللهم إني حميت دينك أول النهار فاحمِ لحمي آخره. فجرح رجلين وقتل واحداً، وقتلوه فأرادوا أن يحتزّوا رأسه فبعث الله الدبر فحمته، ثم بعث الله إليه سيلاً في الليل فحمله. وذلك يوم الرجيع. هكذا رواه محمد بن سعد. وعن بُريدة بن سفيان الأسلمي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عاصم بن ثابت وزيد بن الدَثِنة، وخُبيب بن عدي، ومَرثَد بن أبي مَرثد، إلى بني لِحيان بالرجيع فقاتلوهم حتى أخذوا أماناً لأنفسهم إلا عاصماً فإنه أبى. وقال: لا أقبل اليوم عهداً من مشرك ودعا عند ذلك فقال: اللهم إني أحمي لك دينك فاحمِ لي لحمي. فجعل يقاتل وهو يقول: ما علّتي وأنا جَلدٌ نابلُ ... والقوس فيها وتَرٌ عُنابِل إن لم أقاتلهم فأمي هابل ... الموت حقّ والحياة باطل وكُلُّ ما حَمَّ الإِلهُ نازل ... بالمرء والمرء إليه آئل قال: فلما قتلوه قال بعضهم لبعض: هذا الذي آلت فيه المكية وهي سلافة. فأرادوا أن يحتزوا رأسه ليذهبوا به إليها، فبعث الله عز وجل رِجلاً من دَبرٍ فلم يستطيعوا أن يحتزوا رأسه رواه أبو يعلى الأصبهاني.

أبو الهيثم بن التيهان واسمه مالك

34- أبو الهيثم بن التيهان واسمه مالك. كان يكره الأصنام في الجاهلية ويقول بالتوحيد هو وأسعد بن زُرارة وكانا أول من أسلم من الأنصار الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثم شهد العقبة مع السبعين. وهو أحد النقباء الأثني عشر شهد بدراً وأُحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفي في خلافة عمر رضي الله عنهما.

قتادة بن النعمان بن زيد

35- قتادة بن النعمان بن زيد. شهد العقبة مع السبعين وكان من الرماة المذكورين وشهد بدراً وأُحداً فرُميت يومئذ عينه فسالت. عن الهيثم بن عدي عن أبيه قال: أصيبت عين قتادة بن النعمان يوم أُحد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهي في يده فقال: " ما هذا يا قتادة؟ " قال: هذا ما ترى يا رسول الله. قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت رددتُها ودعوتُ الله لك فلم تفتقد منها شيئا". فقال: والله يا رسول الله إن الجنة لجزاء جزيل وعطاء جليل ولكني رجل مبتلىً بحب النساء وأخاف أن يقلن أعور فلا يُرِدنني ولكن تردّها لي وتسأل الله لي الجنة. فقال: " أفعل يا قتادة". ثم أخذها

رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فأعادها إلى موضعها، فكانت أحسن عينيه إلى أن مات، ودعا الله له بالجنة. فدخل ابنه على عمر بن عبد العزيز فقال له عمر: من أنت يا فتى؟ فقال: أنا ابن الذي سالت على الخدّ عينه ... فردت بكف المصطفى أحسن الردِّ فعادت كما كانت لأحسن حالها ... فيا حُسن ما عينٍ ويا طيب ما يدِ فقال عمر: بمثل هذا فليتوسل إلينا المتوسلون. ثم قال: تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ ... شيبا بماءٍ فعادا بعد أبوالا وشهد قتادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، وكانت معه يوم الفتح راية بني ظفر. وتوفي سنة ثلاث وعشرين وهو ابن خمس وستين وصلى عليه عمر.

عبد الله بن طارق بن عمرو بن مالك

36- عبد الله بن طارق بن عمرو بن مالك. شهد بدراً وأُحداً وكان فيمن خرج في غزوة الرجيع فأخذه المشركون ليدخِلوه مكة مع خُبيب. فلما كان بمر الظهران قال: والله لا أصاحبهم، إن لي بهؤلاء أسوة. يعني أصحابه الذين قتلوا. ونزع يده من رباطه وأخذ سيفه وجعل يشتدّ فيهم، فرموه بالحجارة فقتلوه. فقبره بمر الظهران. وكان يوم الرجيع على رأسه ستة وثلاثين شهراً من الهجرة.

معن بن عدي

37- معن بن عدي شهد العقبة وبدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. محمد بن سعد: قال الزهري: قال عروة: بلغنا أن الناس بكوا على النبي صلى الله عليه وسلم حين مات، وقالوا: والله لوددنا أنا متنا قبله نخشى أن نفتتن بعده. فقال معن: لكني والله ما أحب أني متّ قبله حتى أصدّقه ميتاً كما صدقتُهُ حياً1.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الحدود حديث 6830.

أبو عقيل عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة

38- أبو عقيل عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل يوم اليمامة شهيداً. عن جعفر بن عبد الله بن أسلم، قال: لما كان يوم اليمامة واصطف الناس كان أول من جرح أبو عقيل، رمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده في غير مقتل، فأخرج السهم ووهن له شِقَّه الأيسر في أول النهار وجُرّ إلى الرحل. فلما حمي القتال وانهزم المسلمون وجاوزوا رحالهم، وأبو عقيل واهِن من جرحه، سُمع

معن بن عدي يصحيح: يا للأنصار! الله الله والكرّةَ على عدوكم. قال عبد الله بن عمر: فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد: ما فيك قتال. قال: قد نوَّه المنادي باسمي: قال ابن عمر: فقلت له: إنما يقول: يا للأنصار، ولا يعني الجرحى. قال أبو عقيل: أنا من الأنصار وأنا أجيبه ولو حبواً قال ابن عمر: فتحزم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى، ثم جعل ينادي: يا للأنصار! كرّةً كيوم حُنين فاجتمعوا رحمكم الله جميعاً، تقدموا فالمسلمون دريئة دون عدوهم. حتى أقحموا عدوهم الحديقة فاختلطوا واختلفت السيوف بيننا وبينهم. قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قطعت يده المجروحة من المنكب فوقعت إلى الأرض وبه من الجراح أربعة عشر جرحاً كلها قد خلصت إلى مقتل وُقتل عدو الله مسيلمة. قال ابن عمر: فوقفت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق فقلت: يا أبا عقيل! قال: لبيك بلسان ملتاث لمن الدبرة قلت: أبشر قد قتل عدو الله. فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله. ومات يرحمه الله. قال ابن عمر: فأخبرت عمر، بعد أن قدمت، خبره كله. فقال: رحمه الله، ما زال يسعى للشهادة ويطلبها، وإن كان ما علمت من خيار أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم وقديم إسلامهم رضي الله عنه.

سعد بن خيثمة بن الحارث

39- سعد بن خيثمة بن الحارث يكنى أبا عبد الله، أحد نقباء الأنصار الأثني عشر. شهد العقبة الأخيرة مع السبعين. ولما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى غزوة بدر قال له أبوه خيثمة: إنه لا بد لأحدنا أن يقيم، فآثرني بالخروج وأقم مع نسائك. فأبى سعد وقال: لو كان غير الجنة آثرتك به، إن لأرجو الشهادة في وجهي هذا. فاستهما فخرج سهم سعد فخرج فقتل ببدر أخبرنا بذلك أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أخبرنا الجوهري قال: ابنا ابن حيوة قال: إبنا ابن معروف قال: ابنا ابن الفهم قال: ابنا محمد بن سعد، رحمه الله ورضي الله عنه، وحشرنا في زمرته وزمرة أصحابه.

أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب الأنصاري

40- أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب الأنصاري. شهد العقبة مع السبعين، ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رحل من قُباء إلى المدينة، وشهد بدراً وأُحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن أفلح مولى أبي أيوب، عن أبي أيوب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل المدينة نزل على أبي أيوب فنزل النبي صلى الله عليه وسلم أسفل، وأبو أيوب في العلو، فانتبه أبو أيوب ذات ليلة فقال:

نمشي فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم! فتحول فباتوا في جانب. فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أسفل أرفقُ بي". فقال أبو أيوب: لا أعلو سقيفةً أنت تحتها. فتحول أبو أيوب في السفل، والنبي صلى الله عليه وسلم في العلو1. وعن ابن عباس قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج من خيبر قال القوم: الآن نعلم أسريةٌ صفيةُ أم امرأة؟ فإن كانت امرأة فسيحجبها وإلا فهي سرية. فلما خرج أمر بسترٍ فستر دونها فعرف الناس أنها إمرأة فلما أرادت أن تركب أدنى فخذه منها لتركب عليها، فأبت ووضعت ركبتها على فخذه، ثم حملها. فلما كان الليل نزل فدخل الفُسطاط ودخلت معه وجاء أبو أيوب فبات عند الفسطاط، معه السيف، واضع رأسه على الفسطاط. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الحركة فقال: "من هذا؟ " فقال: أنا أبو أيوب. فقال: "ما شأنك؟ " فقال: يا رسول الله جارية شابة حديثة عهدٍ بعرس وقد صنعت بزوجها ما صنعت فلم آمنها، قلت إن تحركت كنت قريباً منك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحمك الله يا أبا أيوب"، مرتين2. قال الواقدي: توفي أبو أيوب عام غزا يزيد بن معاوية القسطنطنيةَ في خلافة أبيه معاوية سنة اثنتين وخمسين، وصلى عليه يزيد وقبره بأصل حصن القسطنطنية بأرض الروم، فلقد بلغنا أن الروم يتعاهدون قبره ويزورونه ويستسقون به إذا قحطوا.

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في الأشربة حديث 2053. 2 ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/126. فيه محمد بن عمر متروك.

حارثة بن النعمان بن نفيع الأنصاري

41- حارثة بن النعمان بن نفيع الأنصاري. يكنى أبا عبد الله، شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن محمد بن سعد قال: قال حارثة: رأيت جبريل مرتين: حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بن قُريظة مرّ بنا في صورة دحية. ويوم موضع الجنائز حين رجعنا من حُنين مررت وهو يكلم النبي صلى الله عليه وسلم. فلم أسلم. فقال جبريل: من هذا؟ قالوا: حارثة. قال لو سلّم لرددنا عليه3. قال ابن سعد: وقال الواقدي: كانت لحارثة منازل قرب منازل النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فكان كلما أحدث النبي صلى الله عليه وسلم أهلاً تحول له حارثة عن منزل بعد منزل. حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد استحييت من حارثة مما يتحول لنا عن منازله" 4.

_ 3 حسن: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/487. 4 ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/487.

وتوفي حارثة في خلافة معاوية. عن محمد بن عثمان، عن أبيه أن حارثة بن النعمان كان قد كف بصره، فجعل خيطاً من مصلاه إلى باب حجرته، ووضع عنده مِكتلا فيه تمر وغير ذلك فكان إذا سلّم المسكينُ أخذ من ذلك التمر ثم أخذ على ذلك الخيط حتى يأخذ إلى باب الحجرة فيناوله المسكين. فكان أهله يقولون: نحن نكفيك. فيقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن مناولة المسكين تقي ميتة السوء" 1. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نمت فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ. فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة ابن النعمان". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كذاك البِرُّ" 2. وكان أَبرّ الناس بأمه.

_ 1 ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/487. 2 حسن: أخرجه أحمد في المسند حديث 24135.

معاذ بن عفراء

42- معاذ بن عفراء. وعفراء: أمه، نسب إليها. وأبوه: الحارث بن رفاعة بن الحارث. شهد العقبتين وبدراً. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان معاذ بن عفراء لا يدع شيئاً إلا تصدق به. فلما ولد له استشفعت إليه امرأته بأخواله فكلموه وقالوا له: إنك قد أعلت، فلو جمعت لولدك. قال: أبت نفسي إلا أن أستتر بكل شيء أجده من النار. فلما مات ترك أرضاً إلى جنب أرضٍ لرجل. قال عبد الرحمن وعليه ملاءة صفراء ما تساوي ثلاثة دراهم: ما يسرني الأرض بملاءتي هذه. فامتنع وليّ الصبيان. فاحتاج إليها جار الأرض فباعها بثلاثمائة ألف. وروي عن عمر بن شَبّة قال: حدثنا وهب بن جرير قال: نا أبي قال: سمعت محمد بن سيرين يحدّث عن أفلح مولى أبي أيوب قال: كان عمر يأمر بحُللٍ تُنسج لأهل بدر يتنوّق فيها. فبعث إلى معاذ بن عفراء حلةً فقال لي معاذ: يا أفلح بع هذه الحلة. فبعتها له بألف وخمسمائة درهم. ثم قال: اذهب فابتع لي بها رقاباً. فاشتريت له خمس رقاب ثم قال: والله إن امرأً اختار قشرين يلبسهما على خمس رقاب يعنقها؛ لغبين الرأي، اذهبوا فأنتم أحرار. فبلغ عمر أنه لا يلبس ما يبعث به إليه فاتخذ له حلةً غليظة أنفق عليها مائة درهم. فلما أتاه بها الرسول قال: ما أراه بعثك بها إلي. قال: بلى والله. فأخذ الحلة فأتى بها عمر فقال:

يا أمير المؤمنين بعثت إلي بهذه الحلة؟ قال: نعم إن كنا لنبعثُ إليك بحلة مما نتخذ لك ولإخوانك فبلغني أنك لا تلبسها. فقال: يا أمير المؤمنين إني وإن كنت لا ألبسها فإني أحب أن يأتيني من صالح ما عندك فأعاد له حلته. توفي معاذ بعد مقتل عثمان رضي الله عنه.

أبي بن كعب بن قيس بن عبيد

43- أبي بن كعب بن قيس بن عبيد يكنى أبا المنذر، شهد العقبة مع السبعين وبدراً، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان يكتب له الوحي. وهو أحد الذين حفظوا القرآن كله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الذين كانوا يُفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يكن بالطويل ولا بالقصير. وله من الولد: الطفيل، ومحمد، وأم عمرو. قال عمر بن الخطاب في حقه: "هذا سيد المسلمين "، ومات في سنة ثلاثين. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبيّ بن كعب: "إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك: {لم يكن الذين كفروا} [البينة: 1] . قال: وسمّاني لك؟ قال: "نعم". فبكى. أخرجاه في الصحيحين1. وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أني أُمرت أن أعرض عليك القرآن". فقال: بالله آمنتُ، وعلى يدك أسلمت، ومنك تعلمت. قال: فرد النبي صلى الله عليه وسلم القول. فقال: يا رسول الله وذُكرتُ هناك؟ قال: " نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى". قال: فافرأ إذاً يا رسول الله2. وقد روى مسلم في أفراده من حديث أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا المنذر، أتدري أيّ آيةٍ من كتاب الله أعظم؟ " قال: قلت: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] قال: فضرب في صدري وقال: " ليهنئك العلم يا أبا المنذر" 3. وعن أبي المهلب، عن أبي بن كعب: أنه كان يختم القرآن في كل ثماني ليالٍ وكان تميم الداري يختمه في سبع4.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في المناقب حديث 3809. باب 16 مناقب أبي بن كعب رضي الله عنه. ومسلم في فضائل الصحابة حديث 799. باب 23. من فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار رضي الله عنهم. 2 ضعيف: أخرجه الطبراني في الكبير حديث 447. وأبو نعيم في حلية الأولياء حديث 832. 3 صحيح: أخرجه مسلم في المسافرين حديث 810. باب 44. فضل سورة الكهف وآية الكرسي. 4 صحيح: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/60.

وعن عمران بن عبد الله قال: قال أُبَيُّ لعمر: مالك لا تستعملني؟ قال: أخاف أن يدنِّس دينك1. وعن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: عليكم بالسبيل والسنّة فإنه ليس من عبدٍ على سبيلٍ وسنّة ذكر الرحمنَ ففاضَت عيناه من خشية الله فتمسَّه النار، وليس من عبد على سبيلٍ وسنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من خشيةِ الله إلا كان مثله كمثل شجرة يبِس ورقُها فبينما هي كذلك إذ أصابتها الريح فتحاتَّ عنها ورقها؛ إلا تحاتَّت عنه ذنوبه كما تحاتَّ عن هذه الشجرة ورقُها، وإن اقتصاداً في سبيلٍ وسنَّةٍ خيرٌ من اجتهاد في خلافٍ من سبيل وسنّةٍ. وعن عبيد بن عمير، عن أُبي بن كعب قال: ما من عبد ترك شيئاً لله عز وجل إلا أبدله الله عز وجل به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، وما تهاون به عبد فأخذه من حيث لا يصلح إلا أتاه الله عز وجل بما هو أشد عليه منه، من حيث لا يحتسب. وعن أُبي بن كعب أنه قال: يا رسول الله ما جزاء الحمّى؟ قال: " تُجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عِرقٌ" فقال أبي بن كعب: اللهم إني أسألك حُمىّ لا تمنعني خُروجاً في سبيلك، ولا خُروجاً إلى بيتك، ولا مسجد نبيك. قال: فلم يُمسِ أُبيّ قطُّ إلا وبه حُمّى2.

_ 1 أنظر الطبقات الكبرى لابن سعد 3/60. 2 صحيح: اخرجه احمد في المسند 11183. وأبو نعيم في حلية الأولياء حديث 849.

أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود

44- أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود. شهد العقبة مع السبعين وبدراً والمشاهد كلها مع رسول الله وكان من الرماة المذكورين. وله من الولَد: عبد الله، وأبو عمير: أمهما أم سليم بنت ملحان. عن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرجاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قال أبو طلحة: يا رسول الله، إن الله يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ، اللهم إن أحبّ أَموالي إليَّ بيرحاءُ وإنها صدقة الله أرجو بِرَّها وذُخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بخ، وذاك مال رابح، ذاك ما رابح وقد سمعت، وأنا أرى

أن تجعلها في الأقربين". فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. قال: فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. أخرجاه في الصحيحين1. وعنه قال: كان أبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه من خلفه ينظر إلى مواقع نبله. قال: فيتطاول أبو طلحة بصدره يقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله نحري دون نحرك رواه الإمام أحمد2. وروي أيضاً عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لصوت أبي طلحة في الجيش خيرٌ من فئةٍ" رواه الإمام أحمد. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: " من قتل قتيلاً فله سلبه". "فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلاً فأخذ أسلابهم3. وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق في حجته بدأ بشقه الأيمن وقال: "هكذا". فوزعه بين الناس فأصابهم الشعرةُ والشعرتان وأقل من ذلك وأكثر ثم قال بشقه الآخر: "هكذا "، فقال: أين أبو طلحة؟ فدفعه إليه. وعنه أن أبا طلحة ما أفطر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في مرض أو سفرٍ، حتى لقي الله4. وعنه أن أبا طلحة سرد الصومَ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين عاماً. وعنه أن أبا طلحة غزا البحر فمات فلم يوجد له جزيرة يدفن فيها، سبعة أيام، فلم يتغير. قال الواقدي: أهل البصرة يرون أن دفن في جزيرة وإنما دفن بالمدينة سنة أربع وثلاثين وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه عثمان. قلت: وما روينا عن أنس أنه صام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة يخالف هذا. والله أعلم.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في الاشربة حديث 5611. باب 13. استعذاب الماء ومسلم في الزكاة حديث 998. باب 14. في فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشر كين. 2 صحيح: أخرجه أحمد في المسند حديث 13103. 3 صحيح: أخرجه أبو داود في الجهاد حديث 2717. باب في السلب يعطى القاتل وحديث 2718. بلفظ من قتل كافرا فله سلبه وحسنه. 4 أنظر الطبقات الكبرى لابن سعد 3/506.

سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير

45- سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير. أحد النقباء. شهد العقبة وبدراً وأُحداً وقتل يومئذ رضي الله عنه. عن يحيى بن سعيد قال: لما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يأتيني بخبر سعيد بن الربيع؟ " فقال رجل: أنا يا رسول الله. فذهب الرجل يطوف بين القتلى فقال له سعد بن الربيع: ما شأنك؟ قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم لآتيه بخبرك. قال: فاذهب إليه واقرئه مني السلام وأخبره أني قد طُعنت اثنتي عشرة طعنة وأني قد أُنفِذَت مَقاتلي، وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأَحَدٌ منهم حي1. قال ابن سعد: قال الواقدي: ومات من جراحاته تلك.

_ 1 صحيح: أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب 4/145.

عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس

46- عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس: يكنى أبا محمد. أحد النقباء الأثني عشر. شهد العقبة مع السبعين، وبدراً، وأُحداً، والخندق، والحديبية، وخَيبر وعُمرة القضية. واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة بدر الموعد، وبعثه سرية في ثلاثين إلى أُسير بن رزام اليهودي بخيبر فقتله، وأرسله إلى خيبر خارصاً فلم يزل يخرُص عليهم إلى أن قتل بمؤته. وعن أبي الدرداء قال: لقد رأيتُنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد الحر، حتى إن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما في القوم صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله ابن رواحه أخرجاه في الصحيحين2. وعن قيس، عن عبد الله بن رواحة: أنه بكى فبكت امرأته فقال: ما يُبكيك؟ قالت: رأيتك بكيتَ فبكيتُ لبكائك. قال: إني أُنبئت أني وارد ولم أُنبأ أني صادر رواه الإمام أحمد. وعن النعمان بن بشير قال: أغمي على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته تبكي عليه وتقول: واجبلاه، واكذا، واكذا. وتعدد عليه. فقال ابن رواحة لما أفاق: ما قلت شيئاً وقد قيل لي: أنت كذا.

_ 2 صحيح: أخرجه البخاري في الصوم حديث 1945.باب 35.

وعن عروة بن الزبير قال: لما تجهز الناس وتهيئوا للخروج إلى مؤتة قال المسلمون: صبحكم الله ودفع عنكمز فقال عبد الله ابن رواحة: لكنني أسأل الرحمن مغفرةً ... وضربةً ذاتَ فَرغٍ تقذف الزَبدا أو طَعنَةً بيدي حرّان مجهزة ... بحربةٍ تنفذ الأحشاءَ والكبدا حتى يَقولوا إذا مروا على جدثي ... أرشدك ربك من غازٍ وقد رَشدا قال: ثم مضوا حتى نزلوا أرض الشام. فبلغهم أن هرقل قد نزل من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وانضمت إليه المستعربة من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلي، في مائة ألف. فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدوّنا. قال: فشجّع عبد الله بن رواحة الناس ثم قال: والله يا قوم إن الذي تكرهون: الذي خرجتم له تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدَّة ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا لهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحُسنيين: إما ظهور وإما شهادة. فقال الناس: صدق والله ابن رواحة. فمضى الناس. وعن الحكَم بن عبد السلام بن نعمان بن بشير الأنصاري: أن جعفر بن أبي طالب حين قُتل دعا الناس: يا عبد الله بن رواحة، يا عبد الله بن رواحة. وهو في جانب العسكر ومعه ضِلع جملٍ ينهشه ولم يكن ذاق طعاماً قبل ذلك بثلاث. فرمى الضلع ثم قال: وأنتِ مع الدنيا. ثم تقدم فقاتل فأصيبت إصبعه فارتجز فجعل يقول: هل أنتِ إلا إصبع دَميتِ ... وفي سبيل الله ما لَقيتِ يا نَفس إلا تُقتلي تموتي ... هذا حياض الموت قد صليت وما تمنيتِ فقد لقيتِ ... إن تفعلي فعلهما هُديت وإن تأخَّرت فقد شقيت ثم قال: يا نفس إلى أي شيء تتوقين؟ إلى فلانة؟ هي طالق ثلاثاً. وغلى فلانٍ وإلى فلان؟ غلمان له، وإلى معجف، حائط له، لهو لله ولرسوله. يانفسُ مالكِ تكرهين الجنه ... أقسم بالله لتنزلنَّه طائعةً أو لا لتكرهنّه ... فطال ما قد كنتِ مطمئنّه هل أنت إلا نُطفة في شَنّه ... قد أجلب الناس وشدو الرّنه1

_ 1 أنظر سير أعلام النبلاء 3/147. والاستيعاب لابن عبد البر 6/174.

أبو دجانة سماك بن خرشة

47- أبو دُجانة سِماك بن خرشة. ابن لوذان. شهد بدراً وأُحداً وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وبايعه على الموت، وقتل يوم اليمامة. عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفاً يوم أحد فقال: " من يأخذ هذا السيف؟ " فأخذه قوم فجعلوا ينظرون إليه. فقال: " من يأخذه بحقه؟ " فأحجم القوم. فقال أبو دُجانة سِماك: أنا آخذه بحقه. فأخذه ففلق هام المشكرين رواه الإمام أحمد1. وعن زيد بن أسلم قال: دخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل. فقيل: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين: أما إحداهما فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأما الأخرى: فكان قلبي للمسلمين سليماً2.

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث 2470. باب 25. من فضائل أبي دجانة سماك ابن خرشة رضي الله عنه. وأحند في المسند. 2 أنظر الطبقات الكبرى لابن سعد 3/556.

عبد الله عمرو بن حرام بن ثعلبة أبو جابر

48- عبد الله عمرو بن حرام بن ثعلبة أبو جابر. أحد النقباء. شهد العقبة مع السبعين، وبدراً، وأحداً، وقتل يومئذ. عن جابر بن عبد الله، قال: لما قتل أبي يوم أحد جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، قال: وجعلت عمتي فاطمة بنت عمرو تبكي عليه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أبكيه أولا تبكيه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه" 3. وعن جابر قال: قتل أبي يوم أحد فبلغني ذلك فأقبلت فإذا هو بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مسجيَّ. فتناولت الثوب عن وجهه وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني، كراهية أن أرى مابه من المُلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني فلما رفع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مازالت الملائكة حافّةً بأجنحتها حتى رُفع". ثم لقيني بعد أيام فقال: " أي بني ألا أبشّرك؟ إن الله تعالى أحيا أباك فقال: تمنَّه. فقال: يا رب، أتمنى يا رب أن تعيد روحي وتردني إلى الدنيا حتى أُقتل مرةً أخرى. قال: إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون" 4. وعن جابر قال: صُرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية العين، فأخرجناهم بعد أربعين سنةً لينةً أجسادُهم تتثنى أطرافهم.

_ 3 صحيح: أخرجه البخاري في الجنائز حديث 1244. باب 3. الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2471. باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام. 4 صحيح: أخرجه الترمذي في التفسير تفسير سورة آل عمران حديث 3010. وانظر صحيح سنن الترمذي حديث 2408.

عمير بن الحمام

49- عُمير بن الحُمام. قتل ببدر. قال عاصم بن عمر: هو أول قتيل قُتل من الأًنصار في الإسلام. عن أنس، قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين في بدر. فدنا المشركون فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قوموا إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض" قال: نعم. قال: بَخٍ بَخٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما حملك على قولك بَخٍ بَخٍ؟ " قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءَ أن أكون من أهلها. قال: " فانك من أهلها". قال: فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. قال: فرمى ما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتل رضي الله عنه1.

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في الإمارة حديث 1901. باب ثبوت الجنة للشهيد.

قطية بن عامر بن حديدة

50- قطية بن عامر بن حديدة. يكنى أبا زيد. لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الستة الذين أسلموا أول من أسلم من الأنصار وشهد العقبتين وبدراً ورمى يوم بدر حجراً بين الصفين وقال: لا أفر حتى يفر هذا الحجر. وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من الرماة المذكورين وجرح يوم أُحد تسع جراحات. وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنهما.

معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس

51- معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس. يكنى أبا عبد الرحمن. واسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، وشهد العقبة مع السبعين وبدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه2، وبعثه إلى اليمن بعد غزوة تبوك، وشيعه ماشياً في مخرجه وهو راكب. وكان له من الولد: عبد الرحمن، وأم عبد الله، وولد آخر لم يُذكر اسمه. ذكر صفته: عن أبي بحرية قال: دخلت مسجد حمص فإذا أنا بفتى حوله الناس جعدٍ قططٍ، فإذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ فقلت: من هذا؟ قالوا: معاذ بن جبل. اسم أبي بحرية: يزيد بن قطيب السكوني. وعن أبي مسلم الخولاني قال: أتيت مسجد دمشق فاذا حلقةٌ فيها كهولٌ من أصحاب

_ 2 صحيح: أخرجه البخاري في الجهاد حديث 2856. باب 46. اسم الفرس والحمار.

محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا شاب فيهم أكحل العين برّاق الثنايا. كلما اختلفوا في شيء ردّوه إلى الفتى. قال: قلت لجليسٍ لي: من هذا؟ قالوا: هذا معاذ بن جبل. وعن الواقدي، عن أشياخ له قالوا: كان معاذ رجلاً طُوالاً أبيض حسن الشعر عظيم العينين مجموع الحاجبين جعداً قططاً. ذكر نبذة من زهده: عن مالك الداري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرَّة فقال للغلام اذهب بها إلى عبيدة بن الجراح ثم تَلَّه ساعةً في البيت حتى تنظر ما يصنع. فذهب الغلام، قال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. قال: وصله الله ورحمه. ثم قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فوجده قد أعدّ مثلها لمعاذ بن جبل فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل، وتلّه في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع. فذهب بها إليه قال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك فقال: رحمه الله ووصله. تعالي يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا فاطلعت امرأته فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا، ولم يبق في الخرقة إلا ديناران، فدحا بهما إليها فرجع الغلام إلى عمر فأخبره بذلك فقال: إنهم إخوةٌ بعضهم من بعض1. ذكر نبذة من ورعه: عن يحيى بن سعيد قال: كانت تحت معاذ بن جبل امرأتان فاذا كان عند احداهما لم يشرب في بيت الأخرى الماء. وعن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان. فإذا كان يوم إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى ثم توفيتا في السقم الذي بالشام، والناس في شغل، فدفنتا في حفرة فأسهم بينهما أيتهما تُقدَّم في القبر. ذكر نبذة من تعبده واجتهاده: عن ثور بن يزيد قال قال: كان معاذ بن جبل إذا تهجَّد من الليل قال: اللهم قد نامَت العُيون

_ 1 أنظر سير أعلام النبلاء 3/286. والطبقات الكبرى لابن سعد 3/300. وحلية الأولياء 1/301 رقم 807.

وغارت النجوم وأنت حي قيوم، اللهم طلبي للجنة بطيء، وهربي من النار ضعيف، اللهم اجعل لي عندك هُدىً ترده إليّ يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد. ذكر جوده وكرمه: عن ابن كعب بن مالك قال: كان معاذ بن جبل شاباً جميلاً سمحاً من خير شباب قومه لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه، حتى أدّان دَيناً أغلق ماله. فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلم غُرماءه أن يضعوا له شيئاً ففعل فلم يضعوا له شيئاً. فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبرح حتى باع ماله فقسمه بين غرمائه، فقام معاذ لا مال له1. قال الشيخ رحمه الله: كان غرماؤه من اليهود فلهذا لم يضعوا له شيئاً. ذكر ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ ومشبه معه وهو راكب: عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل" 2 رواه الإمام أحمد. وعن عاصم بن حميد، عن معاذ بن جبل قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته. فلما فرغ قال: " يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري". فبكى معاذ خشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال: " إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا" 3. ذكر ثناء الصحابة عليه: عن شهر بن حوشب قال: قال عمر بن الخطاب: لو استخلفت معاذ بن جبل فسألني عنه ربي عز وجل: ما حملك على ذلك؟ لقلت: سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم يقول: " إن العلماء إذا حضروا ربهم عز وجل كان بين أيديهم رتوةً بحجر" 4.

_ 1 صحيح: أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/295. رقم 783. والحاكم في معرفة الصحابة 5179. 2 صحيح: أخرجه الترمذي في المناقب حديث 3791. باب 32. فضائل معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. وأحمد في المسند حديث 12903. 3 حسن أخرجه أحمد في المسند حديث 22115. 4 أخرجه: أبو نعيم في الحلية حديث 771. وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة حديث 1091. والرتوة أي الرمية.

وعن الشعبي قال: حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال: قال ابن مسعود: إن معاذ بن جبل كان أمّة قانتاً لله حنيفاً. فقيل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً} [النحل: 120] . فقال: ما نسيتُ، هل تدري ما الأمّة، وما القانت؟ فقلت. الله أعلم فقال، الأمّة، الذي يعلم الخير والقانت: المطيع لله عز وجل وللرسول. وكان معاذ بن جبل يعلّم الناس الخير، وكان مطيعاً لله عز وجل ورسوله1. وعن شهر بن هوشب قال. كان أصحاب محمد إذا تحدّثوا وفيهم معاذ نظروا إليه هيبةً له. ذكر نبذة من مواعظه وكلامه: عن أبي إدريس الخولاني، أن معاذ بن جبل قال: إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق، والصغير والكبير، والأحمر والأسود، فيوشك قائل أن يقول: مالي أقرأ على الناس القرآن فلا يتبعوني عليه فما أظنهم يتبعوني عليه حتى أبتدع لهم غيره. إياكم وإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة وأحذركم زيغه الحكيم فإن الشيطان يقول: عليّ في الحكيم كلمة الضلالة، وقد يقول المنافق كلمة الحق فاقبلوا الحق فإن على الحق نوراً، قالوا: وما يدرينا رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة؟ قال: هي كلمة تنكرونها منه وتقولون ما هذه؟ فلا يثنكم، فإنه يوشك أن يفيء ويراجع بعض ما تعرفون. وعن عبد الله بن سلمة قال: قال رجل لمعاذ بن جبل: علمني. قال: وهل أنت مطيعي؟ قال: إني على طاعتك لحريص. قال: صم وأفطر، وصل ونم، واكتسب ولا تأثم، ولا تموتنّ إلا وأنت مسلم، وإياك ودعوة المظلوم. وعن معاوية بن قُرّة قال: قال معاذ بن جبل لابنه: يا بني إذا صليت فصلّ صلاة مودّع لا تظن أنك تعود إليها أبداً، واعلم يا بني أن المؤمن يموت بين حسنتين، حسنة قدمها وحسنة أخرها. وعن أبي ادريس الخولاني قال: قال معاذ. إنك تجالس قوماً لا محالة يخوضون في الحديث فإذا رأيتهم غفلوا فارغب إلى رب عند ذلك رغباتٍ رواهما الإمام أحمد.

_ 1 صحيح: أخرجه الحاكم في معرفة الصحابة رقم 5188. وأبو نعيم في الحلية رقم 777, 778.

وعن محمد بن سيرين قال: أتى رجل معاذ بن جبل ومعه أصحابه يسلمون عليه ويودعونه، فقال. إني موصيك بأمرين أن حفظّهما حفظت، إنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر، فآثر من الآخرة على نصيبك من الدنيا حتى ينتظمه لك انتظاماً فتزول به معك أينما زلت. وعن الأسود بن هلال قال: كنا نمشي مع معاذ فقال: اجلسوا بنا نُؤمِنُ ساعةً. وعن أشعث بن سليم قال: سمعت رجاء بن حيوة، عن معاذ بن جبل قال: ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وستبتلون بفتنة السراء، وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسورن الذهب، ولبسن رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغنى وكلفن الفقير مالا يجد. ذكر مرضه ووفاته: عن طارق بن عبد الرحمن قال: وقع الطاعون بالشام فاستغرقها فقال الناس: ما هذا إلا الطوفان إلا أنه ليس بماء فبلغ معاذ بن جبل فقام خطيباً فقال: إنه قد بلغني ما تقولون، وإنما هذه رحمة ربكم ودعوة نبيكم وكموت الصالحين قبلكم، ولكن خافوا ما هو أشد من ذلك، أن يغدو الرجل منكم من منزله لا يدري أمؤمنٌ هو أو منافق وخافوا إمارة الصبيان. وعن شهر بن حوشب، عن رابّه رجل من قومه، كان شهد طاعون عمواس قال: لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة بن الجراح في الناس خطيباً فقال: أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوةُ نبيكم وموتُ الصالحين قبلكم وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه. قال: وطُعن فمات رحمة الله عليه واستخلف على الناس معاذ بن جبل فقام خطيباً بعده فقال: أيها الناس إن هذا الوجع رحمةُ ربكم ودعوةُ نبيكم وموتُ الصالحين قبلكم، وإن معاذاً يسأل الله أن أن يقسم لآل معاذ منه حظه. قال: فطعن ابنه عبد الرحمن. قال ثم قام فدعا ربه لنفسه فطعن في راحته فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه ثم يقول: ما أحب أن لي بما فيك شيئاً من الدنيا. فلما مات استخلف على الناس عمرو ابن العاص. وعن عبد الله بن رافع قال: لما أصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلف على الناس معاذ بن جبل. واشتد الوجع فقال الناس لمعاذ: ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز. فقال: إنه ليس برجز ولكنه دعوة نبيكم وموتُ الصالحين قبلكم، وشهادةٌ يختص الله بها من يشاء من عباده منكم، أيها الناس، أربع خلال من استطاع منكم أن لا يدركه شيء منها فلا يدركه شيء

منها قالوا: وما هنَّ؟ قال: يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويصبح الرجل على دين ويمسي على آخر، ويقول الرجل: والله لا أدري على ما أنا؟ لا يعيش على بصيرة ولا يموت على بصيرة، ويعطي الرجل من المال مال الله على أن يتكلم بكلام الزور الذي يسخط الله، اللهم آت آل معاذ نصيبهم الأوفى من هذه الرحمة. فطُعن ابناه فقال: كيف تجدانكما؟ قالا: يا أبانا، {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [آل عمران: 60] قال: وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين. ثم طُعنت امرأتاه فهلكتا وطُعن هو في إبهامه فجعل يمسها بفيه ويقول: اللهم إنها صغيرة فبارِك فيها فإنك تبارك في الصغيرة حتى هَلك. وعن الحارث بن عمير قال: طُعن معاذ وأبو عبيدة وشُرحبيل ابن حسنة، وأبو مالك الأشعري في يوم واحد. فقال معاذ: إنه رحمة ربكم ودعوة نبيكم وقبضُ الصالحين من قبلكم، اللهم آت آل معاذ النصيب الأوفر من هذه الرحمة. فما أمسى حتى طعن ابنه عبد الرحمن بكره الذي كان يكنى به وأحبَّ الخلق إليه. فرجع من المسجد فوجده مكروباً فقال يا عبد الرحمن كيف أنت؟ فقال: يا أبة {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [آل عمران: 60] فقال معاذ: وأنا إن شاء الله ستجدني من الصابرين. فأمسكه ليلته ثم دفنه من الغد. فطعن معاذ فقال حين اشتد به نزع الموت فنزع نزعاً لم ينزعه أحد وكان كلما أفاق من غمرة فتح عينيه ثم قال رب اخنقني خنقك، فوعزتك إنك لتعلم أن قلبي يحبك1. وعن عمر بن قيس عمن حدثه عن معاذ قال، لما حضره الموت قال: انظروا أصبحنا؟ قال: فأتي فقيل: لم نصبح حتى أتى في بعض ذلك فقيل له: قد أصبحت. فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها النار، مرحباً بالموت مرحباً، زائر مغب، حبيب جاء على فاقة، اللهم إني قد كنت أخافك وأن اليوم أرجوك، إنك لتعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري النهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر. اتفق أهل التاريخ أن معاذاً رضي الله عنه مات في طاعون عمواس يناحية الأردن من الشام سنة ثماني عشرة، واختلفوا في عمره على قولين أحدهما ثمان وثلاثون سنة، والثاني ثلاث وثلاثون. وعن سعيد بن المسيب قال رُفع عيسى بن مريم وهو ابن ثلاث وثلاثين، ومات معاذ وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. وعن سعيد بن المسيب قال قبض معاذ بن جبل وهو ابن ثلاث وثلاثين أو أربع وثلاثين سنة.

_ 1 أنظر سير أعلام النبلاء 3/289. وحلية الأولياء 812.

أسيد بن حضبر بن سماك بن عتيك

52- أسيد بن حضبر بن سماك بن عتيك. يكنى أبا يحيى كان من النقباء وكان أبو أسيد رئيس الأوس يوم بعاث وقتل يومئذ، وكان ابنه بعده شريفاً في الجاهلية وفي الإسلام، وكان يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي وكانوا في الجاهلية يسمون من كانت فيه هذه الخصال الكامل. أسلم أسيد على يد مصعب بن عمير قبل سعد بن معاذ بساعة، وشهد العقبة الأخيرة مع السبعين ولم يشهد بدراً ولكنه شهد أُحداً وجُرح يومئذ سبع جراحات، وثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انكشف الناس وشهد الخندق والمشاهد بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي في شعبان سنة عشرين. عن أنس قال: كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء حندس. فتحدثا عنده حتى إذا أخرجاه أضاءت لهما عصا أحدهما فمشيا في ضوئها. فلما تفرق بهما الطريق أضاءت لكل واحد منهما عصاه فمشى في ضوئها انفرد باخراجه البخاري1.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في مناقب الأنصار حديث 3805. باب 13. منقبة اسيد بن خضير وعباد بن بشر رضي الله عنه.

سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة

53- سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة. يكنى أبا ثابت أمه عمرة بنت مسعود من المبايعات وهو أحد النقباء شهد العقبة مع السبعين والمشاهد كلها ما خلا بدراً فانه تهيا للخروج فلدغ فاقام. وكان جوادا وكانت جفنته تدور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوت ازواجه2 وكان له من الولد سعيد ومحمد وعبد الرحمن وامامة وقيس ومندوس. وكان سعد يكتب في الجاهلية بالعربية ويحسن الرمي والعوم وقد ذكرنا ان العرب كانت تسمي من اجتمعت هذه الأشياء فيه الكامل. عن محمد بن سيرين قال كان أهل الصفة إذا امسوا انطلق الرجل بالرجل والرجل بالرجلين والرجل بالخمسة فاما سعد بن عبادة فكان ينطلق بثمانين كل ليلة.

_ 2 أنظر سير أعلام النبلاء 3/170. والإصابة 3/80.

وعن يحيى بنابي كثير قال كانت لرسول الله. صلى الله عليه وسلم من سعد بن عبادة جفنة من ثريد في كل يوم تدور معه اينما دار من نسائه وكان إذا انصرف من صالة كتوبة قال اللهم ارزقني مالا استعين به على فعالي فانه لا يصلح الفعال إلا المال. وعن عروة عن أبيه ان سعد بن عبادة كان يدعو اللهم هب لي حمدا مجلدا لا مجد إلا بفعال ولا فعال إلا بمال اللهم لا يصلحني القليل ولا اصلح عليه1. قال محمد بن سعد توفي سعد بن عبادة بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف من خلافة عمر كانه مات في سنة خمس عشرة. قال عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة ما علم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان قد اقتحموا في بئر نصف النهار في حر شديد قائلا يقول في البئر: نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ... رميناه بسهمين فلم تخط فؤاده فذعر الغلمان فحفظ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد وإنما جلس يبول في نفق فاقتتل فمات من ساعته فوجدوه قد اخضر جلده.

_ 1 ضعيف: أخرجه الحاكم في معرفة الصحابة 5105.

البراء بن معرور بن صخر بن خنساء

54- البراء بن معرور بن صخر بن خنساء. أحد النقباء شهد العقبة وله من الولد بشير ومبشر وهند وسلافة والرباب مبايعات وهو أول من مات من النقباء مات في صفر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر. عن محمد بن سعد قال كان البراء أول من تكلم من النقاء ليلة العقبة حين لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم السبعون من الأنصار فبايعوه وأخذ منهم النقباء فقام البراء فحمد الله اثنى عليه فقال الحمد لله الذي اكرمنا بمحمد وحبانا به فكنا أول من أجاب فاجبنا الله ورسوله وسمعنا واطعنا يا معشر الأوس والخزرج قد اكرمكم الله بدينه فان أخذتم السمع والطاعة والمؤازرة بالشكر فاطيعوا الله ورسوله ثم جلس رضي الله عنه2.

_ 2 أنظر سير أعلام النبلاء 3/167. والاستيعاب 1/281.

من الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار ممن لم يشهد بدرا وله اسلام قديم

ومن الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار ممن لم يشهد بدراً وله اسلام قديم: 55- العباس بن عبد المطلب: ابن هاشم أبو الفضل أمه نتيلة بنت خباب وكان اسن من رسول الله. صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين وله من الولد الفضل وهو أكبر ولده وبه يكنى وعبد الله وهو الحبر وعبيد الله وكان جوادا وعبد الرحمن وقثم ومعبد وحبيبة وامهم جميعا أم الفضل واسمها لبابة بنت الحارث بن حزن وكثير وتمام وصفية واميمة امهم أم ولد والحارث وأمه حجيلة بنت جندب. أسلم العباس قديما وكان يكتم إسلامه وخرج مع المشركين يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لقي العباس فلا يقتله فانه خرج مستكرها فاسره أبو اليسر كعب بن عمر ففادى نفسه ورجع إلى مكة ثم أقبل إلى المدينة مهاجرا. قال أهل السير والتواريخ جاء قوم من أهل العقبة يطلبون رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقيل هلم هو في بيت العباس فادخلوا عليه فقال العباس ان معكم من قومكم من هو مخالف لكم من دينكم فاخفوا امركم حتى ينصدع هذا الحاج ونلتقي نحن وانتم فتوضح لكم هذا الأمر فتدخلون فيه على أمر بين فوعدهم رسول الله. صلى الله عليه وسلم الليلة التي في صبيحتها النفر الآخر أن يوافيهم أسفل العقبة وامرهم ان لا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا. فخرج القوم تلك الليلة بعد هذه يتسللون وقد سبقهم رسول الله. صلى الله عليه وسلم ومعه العباس ليس معه غيره وكان يثق به في امره كله فلما اجتمعوا كان أول من تكلم العباس فقال: يا معشر الخزرج وكانت الأوس والخزرج تدعى الخزرج انكم قد دعوتم محمدا إلى ما دعوتموه إليه ومحمد من أعز الناس في عشيرته يمنعه والله من كان منا على قوله ومن لم يكن منعه للحسب والشرف وقد ابى محمد الناس كلهم غيركم فان كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة سترميكيم عن قوس واحدة فارتؤوا رأيكم وائتمروا أمركم ولا تفترقوا إلا عن اجتماع فان احسن الحديث اصدقه وأخرى صفوا لي الحرب كيف تقاتلون عدوكم؟ فاسكت القوم وتكلم عبد الله بن عمرو بن حرام فقال:

نحن والله أهل الحرب غُذينا بها ومرنَّا ورثناها عن آبائنا كابرا فكابرا نرمي بالنبل حتى تفنى ثم نطاعن بالرماح حتى تكسرها ثم نمشي بالسيوف فنضارب بها حتى يموت الأعجل منا أو من عدونا. فقال العباس هل فيكم دروع قالوا نعم شاملة. قال البراء بن معرور قد سمعنا ما قلت أنا والله لو كان في انفسنا غير ما ننطق به لقلناه ولكنا نريد الوفاء والصدق وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد له البيعة تلك الليلة على الأنصار1. وعن الشعبي قال انطلق النبي صلى الله عليه وسلم بالعباس إلى السبعين عند العقبة تحت الشجرة فقال العباس ليتلكم متكلم ولا يطيل الخطبة فان عليكم من المشركين عينا وان يعلموا بكم يفضحوكم فقال قائلهم وهو أسعد يا محمد سل لربك ما شئت ثم سل لنفسك ولاصحابك ما شئت ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على الله إذا فعلنا ذلك. فقال: "أسألكم لربي ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأسألكم لنفسي ولاصحابي ان تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه انفسكم". قالوا فما لنا إذا فعلنا ذلك قال: "الجنة" قالوا فلك ذلك. وعن يزيد بن الأصم قال لما كانت اسارى بدر فيهم العباس فسهر نبي الله. صلى الله عليه وسلم ليلته فقال له بعض أصحابه ما يسهرك يا نبي الله قال ابن العباس فقام رجل من القوم فارخى من وثاقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لي لا اسمع انين العباس؟ فقال الرجل من القوم اني ارخيت من وثاقه شيئا قال فافعل ذلك بالاسارى كلهم2. وعن أنس بن مالك انهم كانوا إذا قحطوا على عهد عمر خرج بالعباس فاستسقى به وقال اللهم أنا كنا نتوسل إليك بنبينا إذا قحطنا فتسقينا وانا نتوسل اليك بعم نبينا فاسقنا انفرد بإخراجه البخاري3. توفي العباس يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان وهو ابن ثمان وثمانين سنة ودفن بالبقيع والله اعلم.

_ 1 ضعيف الإسناد: أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/7. فيه الواقدي متروك. 2 ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/9. 3 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة حديث 3710. باب 11. ذكر العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.

جعفر بن أبي طالب

56- جعفر بن أبي طالب. أمه فاطمة بنت أسد وكان أسن من علي عليه السلام بعشر سنين وله من الولد عبد الله وبه يكنى ومحمد وعون ولد بأرض الحبشة امهم اسماء بنت عميس أسلم جعفر قديما وهاجر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ومعه امرأته أسماء فلم يزل هنالك حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخير سنة سبع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ادري بايهما أنا افرح بقدوم جعفر أم بفتح خيبر". عن أم سلمة قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي. آمننا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذي فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وان يهدوا إلى النجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة فجمعوا له أدما كثيراً ولم يتركوا منن بطارقته بطريقا إلا اهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص وقالوا لهما ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل ان تكلموا النجاشي فيهم ثم قدموا إلى النجاشي هداياه ثم سلوه ان يسلمهم إليكم قبل ان يكلمهم. فخرجا فقدما على النجاشي فدفعا إلى كل بطريق هديته وقالا أنه قد صبا إلى بلدكم منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاؤوا بدين مبتدع وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا على الملك بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فان قومهم أعلى بهم عينا فقالوا: نعم. ثم قربوا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم ثم كلماه فقالا له أيها الملك أنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عينا واعلم بما عابوا عليهم فقالت بطارقته صدقوا فأسلمهم إليهما. فغضب النجاشي ثم قال لا هيم الله إذا لا أسلمهم إليهما ولا اكاد قوما جاورني نزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فاسألهم ماذا يقول هذان في أمرهم فان كانوا كما يقولان سلمتهم إليهما وان كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني. قال ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله. صلى الله عليه وسلم فلما أن جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا نقول والله ما علمنا وما أمرنا به

نبينا. صلى الله عليه وسلم كائن في ذلك ما هو كائن. فلما جاؤوه، وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دينٍ آخر من هذه الأمم؟ قالت: وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له: أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار، يأكل القويُّ الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله عز وجل إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآبائنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار وكفٍ عن المحارم والدماء. ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة. وامرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئاٌ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام فصدّقناه وآمنا به فعبدنا الله عز وجل وحده لم نشرك به شيئاً، وحرَّمنا ما حرًّم علينا واحلننا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذّبونا وفَتنونا على ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان وان نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين قومنا خرجنا إلى بلدك فاخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ان لا يظلم عندك ايها الملك. قالت فقال له النجاشي هل معك مما جاء به عن وجل شيء قالت فقال له جعفر نعم قال قال فاقره علي فقرا عليه صدرا من {كهيعص} [مريم: 1] فبكى والله النجاشي حتى اخضل ليحته وبكت اساقفته حتى اخضلوا مصاحفكم ثم قال النجاشي ان هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبداً. قالت فلما خرج من عنده قال عمرو بن العاص والله لاتينه غدا اعيبهم عنده بما استاصل به خضراءهم فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان اتقى الرجلين فينا لا تفعل فان لهم أرحاما. فقال والله لأخبرنه انهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد. قالت ثم غدا عليه من الغد فقال له أيها الملك انهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه. قالت فأرسل إليهم يسألهم عنه قالت ولم ينزل بنا مثلها فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه قالوا نقول والله فيه ما قال فيه الله عز وجل وما جاء به نبينا كائن في ذلك ما هو كائن.

فلما دخلوا عليه قال لهم ما تقولون في عيسى ابن مريم قال له جعفر بن أبي طالب نقول فيه الذي جاء به نبينا. صلى الله عليه وسلم هو عبد الله وروحه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول قال فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودا ثم قال ما عدا عيسى ابن مريم ما قتل هذا العود ثم قال اذهبوا فانتم سيوم بأرضي والسيوم الآمنون من سبكم غرم ثم من سبكم غرم ثم من سبكم غرم ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي رواه الإمام أحمد بن حنبل1 رضي الله عنه. وعن أبي بردة عن أبيه قال امرنا رسول الله. صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي فبلغ ذلك قريشا فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد وجمعوا للنجاشي هدية فآتياه بها فقبلها ثم قالا أن ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرض الملك فبعث إلينا فقال لنا جعفر لا يتكلم منكم أحداً أنا خطيبكم اليوم فلما انتهينا بدرنا من عنده فقال اسجدوا للملك فقال جعفر لا نسجد إلا الله فذكر نحو الحديث المتقدم فقال النجاشي مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده وأنا أشهد أنه رسول الله وانه بشر به عيسى عليه السلام ولولا ما أنا فيه من الملك لاتيته حتى أقبل نعله. وعن عمير بن إسحاق قال حدثني عمرو بن العاص قال لما آتينا باب النجاشي ناديت ائذن لعمرو بن العاص فنادى جعفر من خلفي ائذن لحزب الله فسمع صوته فادن له قبلي. وعن أبي هريرة قال كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه أبا المساكين2. ذكر وفاته رضي الله عنه: قتل جعفر بن أبي طالب بمؤتة سنة ثمان من الهجرة. عن ابن عمر قال وجدنا فيما أقبل من بدن جعفر ما بين منكبيه تسعين ضربة ما بين طعنة برمح وضربه بسيف. وعن أنس بن مالك ان النبي. صلى الله عليه وسلم نعى جعفرا وزيدا نعاهما قبل ان يجيء خبرهما وعيناه تذرفان.

_ 1 حسن: أخرجه أحمد في المسند حديث 1740- 4400. 2 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة حديث 3708. باب 10. مناقب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.

أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن هاشم رضي الله عنه

57- أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن هاشم رضي الله عنه: واسمه المغيرة وكان أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أرضعته حليمة أياماً وكان ترب رسول الله. صلى الله عليه وسلم يألفه ألفا شديدا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عاداه وهجاه وهجا أصحابه وكان شاعراً. فلما كان عام الفتح ألقى الله في قلبه الإسلام فخرج متنكرا فتصدى لرسول الله. صلى الله عليه وسلم فاعرض عنه فتحول إلى الجانب الآخر فاعرض عنه قال فقلت أنا مقتول قبل ان اصل إليه فأسلمت وخرجت معه حتى شهدت فتح مكة وحنينا فلما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف صلتا والله يعلم أني أريد الموت دونه وهو ينظر إلى فقال العباس يا رسول الله أخوك وابن عمك أبو سفيان فأرض عنه فقال: "قد فعلت فغفر الله له كل عداوة عادنيها" ثم التفت إلي فقال أخي لعمري فقبلت رجله في الركاب. وعن أبي إسحاق قال لما حضر أبا سفيان بن الحارث الوفاة قال لأهله لا تبكوا علي فإني لم اتنطق بخطيئة منذ أسلمت. قال أهل السير مات أبو سفيان بن الحارث بعد أن استخلف عمر بسنة وسبعة اشهر ويقال بل مات سنة عشرين وصلى عليه عمر ودفن بالبقيع.

أسامة بن زيد بن حارثة

58- أسامة بن زيد بن حارثة: ويقال له أسامة الحب وهو حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكنى بابي محمد وأمه أم ايمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيهم أبو بكر وعمر فاستعمله عليهم فكان الناس طعنوا فيه أي لصغره فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وقال: "ان الناس قد طعنوا في امارة اسامة وقد كانوا طعنوا في امارة أبيه من قبله وانهما لخليقان لها أو كانا خليقين لذلك وانه لمن أحب الناس إلي وكان أبوه من أحب الناس إلي إلا فأوصيكم باسامة خيرا" 1. وعن حنش قال سمعت أبي يقول استعمل النبي صلى الله عليه وسلم اسامة وهو ابن ثمان عشرة سنة.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة حديث 3730. باب 17. مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن محمد بن سيرين قال بلغت النخلة من عهد عثمان بن عفاف الف درهم قال فعمد اسامة إلى نخلة فعقرها فاخرج جمارها فاطعمه أمه فقالوا له ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت الف درهم قال ان امي سالتينه ولا تسألني شيئا اقدر عليه إلا اعطيتها. قال ابن سعد قال الواقدي قبض النبي صلى الله عليه وسلم واسامة ابن عشرين سنة وكان قد سكن بعد النبي صلى الله عليه وسلم وادي القرى ثم نزل المدينة فمات بالجرف في آخر خلافة معاوية قال الزهري حمل اسامة حين مات من الجرف1 إلى المدينة2.

_ 1 الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة. 2 أنظر: سير أعلام النبلاء 4/125.

سلمان الفارسي رضي الله عنه

59- سلمان الفارسي رضي الله عنه. يكنى أبا عبد الله من اصبهان من قرية يقال لها جي وقيل من رامهرمز سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه من اليهود ثم أنه كوتب فاعانه النبي. صلى الله عليه وسلم في كتابته أسلم مقدم النبي. صلى الله عليه وسلم المدينة ومنعه الرق من شهود بدر واحد وأول غزاة غزاها مع النبي. صلى الله عليه وسلم الخندق وشهد ما بعدها وولاه عمر المدائن. عن عبد الله بن العباس قال حدثني سلمان الفارسي قال كنت رجلا فارسيا من أهل اصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي وكان أبي دهقان قريته. وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه اياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة. قال وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال فشغل في بنيان له يوما قال لي يا بني اني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وامرني فيها ببعض ما يريد فخرجت اريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت اصواتهم فيها وهم يصلون وكنت لا ادري ما أمر الناس لحبس أبي اياي في بيته. فلما مررت بهم وسمعت اصواتهم دخلت عليه انظر ما يصنعون قال فلما رأيتهم اعجبتني صلاتهم ورغبت في امرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه. فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم اتها فقلت لهم اين اصل هذا الدين قالوا بالشام؟ قال ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي

بني اين كنت الم اكن عهدت اليك ما عهدت قال قلت يا ابة مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فاعجبني ما رأيت دينهم فوالله ما زالت عندهم حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير دينك ودين ابائك خير منه قلت كلا والله أنه لخير من ديننا قال فخافني فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته. قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجارا من النصارى فأخبروني بهم قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى قال فأخبروني بقدوم تجار فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وارادوا الرجعة إلى بلادهم فاذنوني بهم قال فلما ارادوا الرجعة إلى بلادهم القيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من افضل أهل هذا الدين قالوا الاسقف في الكنيسة قال فجئته فقلت اني قد رغبت في هذا الدين واحببت ان أكون معك اخدمك في كنيستك واتعلم منك واصلي معك قال فادخل فدخلت معه. قال: فكان رجل سوء يامرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب قال وابغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع قال ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم ان هذا كان رجل سوء يامركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا قالوا وما علمك بذلك قلت أنا ادلكم على كنزه قالوا فدلنا عليه قال فاريتهم موضعه قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا قال فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبداً قال فصلبوه ثم رجموه بالحجارة. ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه فما رأيت رجلا يصلي الخمس ارى أنه افضل منه وازهد في الدنيا ولا ارغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه قال فاحببته حبا لم أحبه من قبل فاقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة قلت له يا فلان اني كنت معك فاحببتك حباً لم احبه من قبلك وقد حضرتك الوفاة فالى من توصي بي وماتامرني قال أي بني والله ما اعلم أحداً اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به. قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان ان فلانا أوصاني عند موته ان الحق بك وأخبرني انك على امره قال فقال لي اقم عندي قال فاقمت عنده

فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث ان مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان ان فلانا أوصى بي اليك وامرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فالى من توصي بي وما تامرني قال أي بني والله ما اعلم رجل على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به. قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته بما جرى وما امرني به صاحبي قال فاقم عندي فاقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فاقمت مع خير رجل فوالله ما لبث ان نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان ان فلانا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان اليك فالى من توصي بي وما تامرني؟ قال أي بني والله ما اعلم أحداً بقي على امرنا امرك ان تاتيه إلا رجلا بعمورية فانه على مثل ما نحن عليه فان احببت فائته فانه على مثل امرنا. قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال اقم عندي فاقمت عند رجل على هدي أصحابه وامرهم قال وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة قال ثم به أمر الله عز وجل فلما حضر قلت له يا فلان اني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان وأوصي بي فلان إلى فلان وأوصي بي فلان إلى فلان وأوصي بي فلان اليك فالى من توصي بي وما تامرني؟ قال أي بني والله ما اعلم اصبح على ما كنا عليه أحد من الناس امرك ان تاتيه ولكنه قد اظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فان استطعت ان تلحق بتلك البلاد فافعل. قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله ان امكث ثم مر بي نفر من كلب تجارا فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب واعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فاعطيتهم اياها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلمواني فباعوني من رجل من يهود فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت ان يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي. فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا ان رأيتها فعرفها بصفة صاحبي فاقمت بها وبعث الله رسول الله. صلى الله عليه وسلم فاقام بمكة ما أقام لا اسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر إلى المدينة

فوالله اني لفي رأس عذق لسيدي اعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال فلان قاتل الله بني قيلة والله انهم الان لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي. قال فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت اني ساقط على سيدي. قال ونزلت عن النخلة فجعلت اقول لابن عمه ماذا تقول قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة وقال ما لك ولهذا أقبل على علمك قال قلت لاشيء إنما اردت ان استثبته عما قال. وقد كان شيء عندي قد جمعته فلما امسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله. صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له أنه قد بلغني انك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرايتكم احق به من غيركم قال فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه: "كلوا" وامسك يده هو فلم يأكل قال فقلت في نفسي هذه واحدة. ثم انصرفت عنه فجمعت شيئاً وتحول رسول الله. صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئته به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه. قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان. قال: ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغَرْقد قد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل ارى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وُصِفَ لي. قال: فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحول". فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بْنَ عباس فأعجب رسولَ الله. صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه. ثم شغل سلمان الرقُّ حتى فاته مع رسول الله: بدر واحد قال: ثم قال لي رسول الله. صلى الله عليه وسلم كاتبْ يا سلمان. فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفَقِير وبأربعين أوقية. فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أعينوا أخاكم. فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين وَدِيّة، والرجل بعشرين، والرجل بخمسة عشر، والرجل بعشرة يعين الرجل بقدر ما عنده. حتى اجتمعت لي ثلثمائة وَدِيّة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب يا سلمان فَفَقّر ِلها فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي".

قال: ففقرتُ لها واعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب له الوَدِيّ ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فو الذي نفس سلمان بيده ما مات منها وَدِيّة وأحدة فاديت النخل فبقي علي المال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال: "مافعل الفارسي المُكاتب؟ "، قال: فدعيت له، قال: "فخذ هذه فأدِّ بها ماعليك يأسلمان". قال: قلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال: "خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك". قال: فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعُتقت، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد رواه الأمام أحمد1. وقد رويت بداية سلمان من حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة وانه قال: كنت من أهل جَيّ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البُلْق فطلبت الدِّين فذكر نحو ما ذكرناه وانه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة والذي ذكرناه من لقائه له بالمدينة هو الصحيح. وفي الصحيح عن سلمان أنه قال تدأولني بضعة عشر من ربّ إلى ربّ2. ذكر نبذة عن فضائله: عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السبّاق أربعة، أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة". وعن كثير بن عبد الله المُزَني، عن أبيه، عن جده أن رسول الله. صلى الله عليه وسلم خط الخندق وجعل لكل عشرةٍ أربعين ذراعاً فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان وكان رجلاً قوياً فقال المهاجرون: سلمان منا وقالت الأنصار: لا بل سلمان منا. فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم: "سلمان منّا أهل البيت" 3. وعن أبي حاتم عن العُتْبي قال: بعث إلي عمر بحللٍ فقسمها فأصاب كل رجل ثوبٌ. ثم صعد المنبر وعليه حلة، والحلة ثوبان، فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟ فقال سلمان: لا نسمع. فقال عمر: لمَ يا أبا عبد الله؟ قال: إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك حلة. فقال:

_ 1 حسن: أخرجه أحمد في المسند حديث 23798. 2 صحيح: أخرجه البخاري في مناقب الأنصار حديث 3946. باب 53. إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه. 3 ضعيف جدا: أخرجه الحاكم في معرفة الصحابة حديث 6539. وفيه كثير بن عبد المزني متروك أنظر تحرير تقريب التهذيب 3/193.

لاتعجل يا أبا عبد الله. ثم نادى: يا عبد الله. فلم يجبه أحد فقال: يا عبد الله بن عمر. فقال: لبيك يا أمير المؤمنين. فقال: نشدتك الله، الثوبُ الذي ائتزرت به أهو ثوبك؟ قال: اللهم نعم قال سلمان: فقل الآن نسمع. ذكر غزارة علمه رضي الله عنه: عن أبي جحيفة قال: آخى رسول الله. صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء. فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مبتذِلة. فقال لها: وما شأنكِ؟ فقالت: إن اخاك أبا الدرداء ليست له حاجة في الدنيا. قال: فلما جاء أبا الدرداء قرب طعاماً فقال. كُل فإِني صائم. قال: ما أنا بآكلٍ حتى تاكل. قال: فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم. فقال له سلمان: نم، فنام. فلما كان من آخر الليل قال له سلمان: قم الآن. فقاما فصليا فقال: إن لنفسك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً فأعطِ كلّ ذي حقٍ حقه. فأتيا النبي. صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال: "صدق سلمان" انفرد باخراجه البخاري1. وعن محمد بن سيرين قال: دخل سلمان على أبي الدرداء في يوم جمعة فقيل له: هو نائم. فقال: ماله؟ فقالوا: أنه إذا كانت ليلة الجمعة أحياها ويصوم يوم الجمعة. فقال: فأمرهم فصنعوا طعاماً في يوم جمعة ثم أتاهم فقال: كل. قال: إني صائم. فلم يزل به حتى أكل. فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عويمرُ! سلمان أعلم منك وهو يضرب بيده على فخذ أبي الدرداء عويمرُ، سلمان أعلم منك " ثلاث مرات " لاتخصَنّ ليلة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تخصنّ يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيام" 2. وعن ثابت البناني أن، أبا الدرداء ذهب مع سلمان يخطب عليه امرأة من بني ليث. فدخل فذكر فضْل سلمان وسابقَته وإسلامه، وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة فقالوا؟ أما سلمان فلا نزوجه ولكنّا نزوجك فتزوجها ثم خرج فقال له: أنه قد كان شيء وانا أستحيي أن اذكره لك قال: وما ذاك؟ فأخبره الخبر، فقال سلمان: أنا أحق أن أستحيي منك أن أخطبها وقد قضاها الله لك رضي الله عنهما.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في الأدب حديث 6139. باب 86. صنع الطعام والتكلف للضيف. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الصوم حديث 1968. باب 51. من أقسم على أخيه ليفطر في التطوعولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له وأحمد في المسند حديث 27577.

ذكر نبذة من زهده: عن الحسن قال: كان عطاء سلمان الفارسي خمسة آلاف، وكان اميراً على زهاء ثلاثين الفاً من المسلمين، وكان يخطب الناس في عباءةٍ يفترش بعضها ويلبس بعضها، فإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يديه. وعن عمار يعني الدُّهني قال كان عطاء سلمان الفارسي أربعة آلاف وكارة من ثياب، فيتصدق بها ويعمل الخُوص. وعن مالك بن أنس أن سلمان الفارسي كان يستظل بالفيء حيثما دار، ولم يكن له بيت. فقال له رجل: ألا نبني لك بيتاً تستظل به من الحر وتسكن فيه من البرد؟ فقال له سلمان: نعم. فلما أدبر صاح به فسأله سلمان: كيف تبنيه؟ قال: أبنيه إن قمت فيه أصاب رأسك وإن اضطجعت فيه أصاب رجليك. فقال سلمان: نعم. وقال عبادة بن سيلم: كان لسلمان خباء من عبَاء وهو أمير الناس. وعن أبي عبد الرحمن السلمي، عن سلمان: أنه تزوج امرأة من كندة فلما كان ليلة البناء مشى معه أصحابه حتى أتى بيت المرأة فلما بلغ البيت قال: ارجِعوا أجرَكم عند الله ولم يُدخلهم. فلما نظر إلى البيت والبيت منجَّد قال: أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة في كِندة؟ فلم يدخل حتى نزع كل سترٍ في البيت غير ستر الباب فلما دخل رأى متاعا كثيراً فقال: لمن هذه المتاع؟ قالوا: متاعك ومتاع امرأتك فقال: ما بهذا أوصاني خليلي رسول الله. صلى الله عليه وسلم أوصاني خليلي ان لا يكون متاعي من الدنيا إلا كزاد الراكب ورأى خدماً فقال: لمن هذه الخدم؟ قالوا خدمك وخدم امرأتك فقال: ما بهذا أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني خليلي أن لا أمسك إلا ما أنكحَ، أو أنكح، فإن فعلت فبغيْنَ كان علي مثل أوزارهن من غير أن ينقص من أوزارهن شيء. ثم قال للنسوة اللاتي عند امرأته: هل أنتنّ مخليّات بيني وبين امرأتي؟ قلن نعم. فخرجن، فذهب إلى الباب فأجافه وأرخى الستر ثم جاء فجلس عند امرأته فمسح ناصيتها ودعا بالبركة. فقال لها هل أنت مطيعتي في شيء آمرك به؟ قالت: جلست مجلس من يطيع. قال فإن خليلي أوصاني إذا اجتمعتُ إلى أهلي أن اجتمع على طاعة الله. فقام وقامت إلى المسجد فصلّيا ما بدا لهما ثم خرجا فقضى منها ما يقضي الرجل من امرأته. فلما أصبح غدا عليه أصحابه فقالوا: كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنهم. ثم أعادوا فأعرض عنهم. ثم أعادوا فأعرض عنهم. ثم قال: إنما جعل الله عز وجل الستور والخِدْور

والأبواب لتواري ما فيها، حسْبُ كل امرئٍ منكم أن يسأل عما ظهر له فأما ما غاب عنه فلا يسألنّ عن ذلك، سمعتُ رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول: "المتحدّث عن ذلك كاالحماريْن يتسافدان في الطريق" 1. وعن أبي قُلابة أن رجلاً دخل على سلمان وهو يَعجن فقال: ماهذا؟ قال: بعثْناالخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين. ثم قال: فلان يقرئك السلام. قال: متى قدمت؟ قال منذ كذا وكذا فقال: أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدّها رواه أحمد. ذكر كسبه وعمله بيده: عن النعمان بن حميد قال: دخلت مع خالي على سلمان الفارسي بالمدائن وهو يعمل الخوص فسمعته يقول: أشتري خوصاً بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم فأعيد درهماً فيه وأنفق درهماً على عيالي وأتصدق بدرهم، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عنه ما انتهيت. وعن الحسن قال: كان سلمان يأكل من سفيف يده. ذكر نبذة من ورعه: عن أبي ليلى الكندي قال: قال غلام سلمان لسلمان: كاتِبْني. قال: ألك شيء؟ قال: لا. قال: فمن أين؟ قال: أسال الناس. قال: تريد أن تطعمني غُسالة الناس. ذكر نبذة من تواضعه: عن ثابت قال: كان سلمان أميراً على المدائن فجاء رجل من أهل الشام ومعه حِمل تُبْنٍ وعلى سلمان أنْدَرا وبِرْدٍ وعباءة فقال سلمان: تعالَ احمل، وهو لايعرف سلمان. فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا: هذا الأمير. فقال: لم أعرفك. فقال له سلمان: لاحتى ابلغ منزلك. وفي رواية اخرى: إني قد نويت فيه نيةً فلا أضعه حتى أبلغ بيتك. وعن عبد الله بن بُريدة قال: كان سلمان إذا أصاب الشيء اشترى به لحماً ثم دعا المجذومين فأكلوا معه. وعن عمر بن أبي قرة الكندي قال: عرض أبي على سلمان أخته أن يزوجه فأبى، فتزوج مولاة يقال لها بقيرة. فأتاه أبو قرّة فأخبر أنه في مَبْقَلة له، فتوجه إليه فلقيه معه زنبيل فيه بَقْل قد أدخل عصاه في عروة الزنبيل وهو على عاتقه.

_ 1 ضعيف جدا: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء حديث 599. وفيه محمد بن مزاحم- متروك أنظر ميزان الاعتدال 6/329.

وعن ميمون بن مهران، عن رجل من عبد القيس قال رأيت سلمان في سرّية وهو أميرها على حمارً عليه سرأويل وخَدَمتاه تَذِبْذَبان والجند يقولون: قد جاء الأمير. قال سلمان: إنما الخير والشرّ بعد اليوم. وعن أبي الأحوص قال: افتخرتْ قريش عند سلمان، فقال سلمان: لكنّي خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفةً مُنتنة، ثم يؤدى بي إلى الميزان فإن ثقلت فانا كريم وإن خفت فانا لئيم. وعن أبي البَختَريّ قال: صحب سلمانَ رجلٌ من بني عبس ليتعلم منه. فخرج معه فجعل لا يستطيع أن يفضُله في عمل: إن عجن جاء سلمان فخبز وإن هيأ الرجل علفاً للدواب ذهب سلمان فسقاها. حتى انتهوا إلى شطّ دجلة وهي تطفح فقال سلمان للعبسي: أنزل فاشربْ. فنزل فشرب. فقال له سلمان: ازدد. فازدادَ. فقال له سلمان: كم تراكَ نَقصتَ منها؟ فقال العبسي له: وما عسى أن أنقص منها فقال سلمان: كذلك العِلم تأخذ منه ولا ينقص فعليك بالعلم بما ينفعك. قال: ثم عبر إلى نهر دَنّ فإذا الاكداس عليه من الحنطة والشعير فقال سلمان: يا أخا بني عبس أما ترى إلى الذي فتح خزائن هذه علينا كان نراها ومحمد حيّ؟ قال فقلت بلى. قال: فو الذي لا إله غيره لقد كانوا يمسون ويصبحون وما فيهم قفيز من قمح. قال ثم سرنا حتى انتهينا إلى جَلُولاء قال فذكر ما فتح الله عليهم وما أصابوا فيها من الذهب والفضة فقال: يا أخا بني عبس أما ترى إلى الذي فتح خزائن هذه علينا كأن نراها ومحمد حيّ؟ قال: قلت بلى. قال: والذي لا إله غيره لقد كانوا يُمْسون ويُصْبحون وما فيهم دينار ولا درهم. ذكر ثناء الناس على سلمان واعترافاتهم بفضله: عن ابن عباس قال قدم سلمان من غيبة له فتلقاه عمر فقال أرضاك الله عبدا قال فزوجني فسكت عنه فقال اترضاني لله عبدا ولا ترضاني لنفسك فلما اصبح أتاه قوم فقال حاجة قالوا نعم قال ما هي قالوا تضرب عن هذا الامر يعنون خطبته إلى عمر فقال أما والله ما حملني على هذا الامر ولا سلطانه ولكن قلت رجل صالح عسى الله عز وجل ان يخرج مني ومنه نسمة صالحة. وعن أبي الاسود الدؤلي قال كنا عند علي ذات يوم فقالوا يا امير المؤمنين حدثنا عن سلمان قال من لكم بمثل لقمان الحكيم ذلك امرؤ منا والينا أهل البيت ادرك العلم الأول والعلم الاخر وقرا الكتاب الأول والاخر وبحر لا ينزف وأوصى معاذ بن جبل رجلا ان يطلب العلم من اربعة سلمان أحدهم.

ذكر نبذة من كلامه ومواعظة: عن حفص بن عمرو السعدي عن عمه قال قال سلمان لحذيفة يا اخا بني عبس العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما تحتاج إليه في أمر دينك ودع ما سواه فلا تعانه. وعن أبي سعيد الوهبي عن سلمان قال إنما مثل المؤمن في الدنيا كمثل المريض معه طبيبه الذي يعلم داءه ودواءه فإذا اشتهى ما يضره منعه وقال لا تقربه فانك ان اتيته أهلكك فلا يزال يمنعه حتى يبرأ من وجعه وكذلك المؤمن يشتهي أشياء كثيرة مما قد فضل به غيره من العيش فيمنعه الله عز وجل اياه ويحجره حتى يتوفاه فيدخله الجنة. وعن جرير قال قال سلمان يا جرير تواضع لله عز وجل فانه من تواضع لله عز وجل في الدنيا رفعه الله يوم القيامة يا جرير هل تدري ما الظلمات يوم القيامة؟ قلت لا قال ظلم الناس بينهم في الدنيا قال ثم أخذ عويدا لا أكاد اراه بين اصبعيه قال يا جرير لو طلبت في الجنة مثل هذا العود لم تجده قال قلت يا أبا عبد الله فاين النخل والشجر قال اصولها اللؤلؤ والذهب واعلاها الثمر. وعن أبي البختري عن سلمان قال مثل القلب والجسد مثل اعمى ومقعد قال المقعد اني ارى تمرة ولا استطيع ان اقوم إليها فاحملني فحمله فاكل واطعمه. وعن قتادة قال قال سلمان إذا اسات سيئة في سريرة فاحسن حسنة في سريرة وإذا اسات سيئة في علانية فاحسن حسنة في علانية لكي تكون هذه بهذه. وعن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد ان الدرداء كتب إلى سلمان هلم إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان ان الأرض لا تقدس أحداً وإنما يقدس الأنساًن عمله وقد بلغني انك جعلت طبيبا فان كنت تبرىء فنعما لك وان كنت متطببا فاحذر ان تقتل أنسانا فتدخل النار فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين فادبر عنه نظر اليهما وقال متطبب والله ارجعا إلى اعيدا قصتكما. عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال ثلاث أعجبتني حتى اضحكتني مؤمل دنيا والموت يطلبه وغافل وليس بمغفول عنه وضاحك ملء فيه لا يدري اساخط رب العالمين عليه أم راض عنه وثلاث احزنني حتى ابكينني: فراق محمد وحزبه وهول المطلع والوقوف بين يدي ربي عز وجل ولا ادري جنة أو إلى نار. وعن حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قال ما من مسلم

يكون بفيء من الأرض فيتوضا أو يتيمم ثم يؤذن ويقيم إلا أم جنودا من الملائكة لا يرى طرفهم أو قال طرفاهم. وعن ميمون بن مهران قال جاء رجل إلى سلمان فقال أوصني قال لا تكلم قال لا يستطيع من عاش في الناس أن لا يتكلم قال فان تكلمت فتكلم بحق أواسكت قال زدني قال لا تغضب قال أنه ليغشاني ما لا املكه قال فان غضبت فامسك لسانك ويدك قال زدني قال لا تلابس الناس قال لا يستطيع غضبت فامسك لسانك ويدك قال زدني قال لا تلابس الناس قال لا يستطيع من عاش في الناس ان لا يلابسهم قال فان لابستهم فاصدق الحديث واد الامانة. وعن أبي عثمان عن سلمان قال ان العبد إذا كان يدعو الله في السراء فنزلت به الضراء فدعا قالت الملائكة صوت معروف من ادمي ضعيف فيشفعون له وإذا كان لا يدعو الله في السراء وعن حارثة بن مضرب قال سمعت سلمان يقول اني لاعد العراق على الخادم خشية الظن ورواه زهيرعن أبي إسحاق قال اني لاعد عراق القدر مخافة الظن بخادمي. وعن سالم مولى زيد بن صوحان قال كنت مع مولاي زيد بن صوحان في السوق فمر علينا سلمان الفارس وقد اشترى وسقا من طعام فقال له زيد يا أبا عبد الله تفعل هذا وأنت صاحب رسول الله. صلى الله عليه وسلم قال ان النفس إذا احرزت قوتها اطمانت وتفرغت للعبادة ويئس منها الوسواس. وعن أبي عثمان عن سلمان قال لما افتتح المسلمون جوخى دخلوا يمشون فيها واكداس الطعام فيها امثال الجبال قال ورجل يمشي إلى جنب سلمان فقال يا أبا عبد الله إلا ترى ما اعطانا الله فقال سلمان وما يعجبك فما ترى إلى جنب كل حبة مما ترى حساب رواه الإمام أحمد. وعن سعيد بن وهب قال دخلت مع سلمان على صديق له من كندة نعوده فقال له سلمان ان الله عز وجل يبتلي عبده المؤمن بالبلاء ثم يعافيه فيكون كفارة لما مضى فيستعتب فيما بقي وان الله عز وجل يبتلي عبده الفاجر بالبلاء ثم يعافيه فيكون كالبعير عقله أهله ثم اطلقوه فلا يدري فيم عقلوه ولا فيم اطلقوه حين اطلقوه؟ وعن محمد بن قيس عن سالم بن عطية الاسدي قال دخل سلمان على رجل يعوده وهو في النزاع فقال ايها الملك ارفق به قال يقول الرجل أنه يقول اني بكل مؤمن رفيق والسلام.

ذكر وفاة سلمان رضي الله عنه: عن حبيب بن الحسن وحميد بن مورق العجلي ان سلمان لما حضرته الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك قال عهد عهده الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب. قال فلما مات نظروا في بيته فلم يجدوا في بيته إلا اكافا ووطاء ومتاعا قوم نحوا من عشرين درهما1. وعن عامر بن عبد الله عن سلمان أنه حين حضر الموت عرفنا به بعض الجزع فقالوا ما يجزعك يا أبا عبد وقد كان لك سابقة في الخير شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازي حسنة وفتوحا عظاما قال يحزنني ان حبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم عهد الينا حين فارقنا فقال ليكف المؤمن كزاد الراكب فهذا الذي احزنني. قال فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر دينارا هكذا قال عامر والباقون من الرواة يذكرون الدراهم. عن أبي سفيان عن اشياخه قال ودخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال له سعد ما بيكيك يا ابا عبد الله توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض وترد عليه الحوض قال فقال سلمان أما اني ما ابكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الينا فقال لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الاسأود وإنما حوله اجانة أو جفنة أو مطهرة قال فقال له سعد يا أبا عبد الله اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك فقال يا سعد اذكر الله عند همك إذا هممت وعند حكمك إذا حكمت وعند بذل إذا قسمت2. وعن الشعبي قال أصاب سلمان صرة مسك يوم فتح جلولاء فاستودعها امراته فلما حضرته الوفاة قال هاتي المسك فمرسها في ماء ثم قال انضحيها حولي فانه يأتيني زوار الان ليس بأنس ولا جان ففعلت فلم يمكث بعد ذلك إلا قليلا حتى قبض وفي أخرى أنه قال يجدون الريح ولا يأكلون الطعام.

_ 1 صحيح: أخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد حديث 1404. باب 1. الزهد في الدنيا. 2 صحيح: أنظر التخريج المتقدم.

وعن سعيد بن سوقة قال دخلنا على سلمان نعوده وهو مبطون فقال لامراته ما فعلت بالمسك الذي حئنا به من بلنجر قالت هو ذا قال القيه في الماء ثم اضربي بعضه ببعض ثم انضحي حول فراشي فانه الان يأتينا قوم ليس بأنس ولا جن ففعلت وخرجنا عنه ثم اتيناه فوجدناه قد قبض رضي الله عنه. عن الشعبي قال حدثني الجزل عن امرأة سلمان بقيرة قالت لما حضر سلمان الموت دعاني وهو في علية لها اربعة ابواب فقال افتحي هذه الابواب يا بقيرة فان لي اليوم زوارا لا أدري من أي هذه الابواب يدخلون علي ثم دعا بمسك له ثم قال لها اديفيه في تور ففعلت ثم قال انضحيه حول فراشي ثم انزلي فامكثي فسوف تطلعين فتريني على فراشي فاطلعت فإذا قد أخذ روحه كانه نائم على فراشه أو نحو هذا. قال أهل العلم بالسير كان سلمان من المعمرين ادرك وصي عيسى ابن مريم عليه السلام وعاش مائتين وخمسين سنة ويقال أكثر وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين. قال أبو بكر بن أبي دأوود: لسلمان ثلاث بنات بنت باصبهان وبنتان بمصر. وعن عبد الله بن سلام ان سلمان قال له يا أخي اينا مات قبل صاحبه فليترايا له قال عبد الله بن سلام أو يكون ذلك قال نعم ان نسمة المؤمن مخلاة تذهب في الأرض حيث شاءت ونسمة الكافر في سجين فمات سلمان. قال عبد الله فبينا أنا ذات يوم قائل بنصف النهار على سرير لي فاغفيت اغفاءة إذ جاء سلمان فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقلت السلام عليك ورحمة الله يا أبا عبد الله كيف وجدت منزلك قال خيرا وعليك بالتوكل فنعم الشيء التوكل ردده ثلاث مرات رحمه الله.

أبو موسى الاشعري عبد الله بن قيس بن سليم

60- أبو موسى الاشعري عبد الله بن قيس بن سليم أسلم بمكة وهاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفينتين ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وبعضهم ينكر هجرته إلى الحبشة. عن أبي موسى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن وامرهما ان يعلما الناس القرآن رواه الإمام أحمد.

وقد صح من حديث أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو رايتني وانا استمع قراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير ال داود" فقلت يا رسول الله لو علمت انك تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرا. وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن ستة نفر على بعير نعتقبه قال فنقبت اقدامنا ونقبت قدمي وسقطت اظفاري فكنا نلف على ارجلنا الخرق فسميت غزاة ذات الرقاع لما كنا نعصب على ارجلنا من الخرق قال أبو بردة فحدث أبو موسى بهذا الحديث ثم كره ذلك وقال ما كنت اصنع بان اذكره. قال كانه كره ان يكون شيئا من عمله افشاه. وعن أبي سلمة قال كان عمر بن الخطاب يقول لأبي موسى ذكرنا ربنا تعالى فيقرأ. وعن أبي عثمان النهدي قال صلى بنا أبو موسى الاشعري صلاة الصبح فما سمعت صوت صنج ولا بربط كان احسن صوتا منه. وعن أبي كبشة السدوسي قال خطبنا أبو موسى الاشعري فقال: ان الجليس الصالح خير من الوحدة والوحدة خير من الجليس السوء ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب العطر إلا يحذك يعبق بك من ريحه ألا وان مثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إلا يحرق ثيابك يعبق من ريحه إلا وإنما سمي القلب من تقلبه وان مثله القلب كمثل ريشة بأرض فضاء تضربها الريح ظهرا لبطن إلا وان من ورائكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كفارا والقاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي خير من الراكب. قالوا فما تأمرنا قال كونوا احلاس البيوت. وعن أبي كنانة عن أبي موسى الاشعري أنه جمع الذين قرأوا القرآن فإذا هم قريب من ثلاث مائة فعظم القرآن وقال ان هذا القرآن كائن لكم اجرا وكائن عليكم وزرا فاتبعوا القرآن ولا يتبعنكم القرآن فانه مع اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة ومن تبعه القرآن زج في قفاه فقذفه في النار. وعن أنس ان أبا موسى كان له تبان ينام فيه مخافة ان ينكشف. وعن أبي مجلز قال قال أبو موسى اني لاغتسل في البيت المظلم فما اقيم صلبي حتى أخذ ثوبي حياء من ربي عز وجل.؟

وعن قسامة بن زهير قال خطبنا أبو موسى فقال ايها الناس ابكوا فان لم تبكوا فتباكوا فان أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع ثم يبكون الدماء حتى لو ارسلت فيها السفن لجرت روى هذه الاحاديث الثلاثة الإمام أحمد رحمه الله. وعن أبي بردة عن أبي موسى قال خرجنا غازين في البحر والريح لنا طيبة والشراع لنا مرفوع فسمعنا مناديا ينادي يا أهل السفينة قفوا أخبركم حتى والى بين سبعة اصوات قال أبو موسى فقمت على صدر السفينة فقلت من أنت ومن اين أنت أو ماترى اين نحن وهل نستطيع وقوفا قال فاجانبي الصوت إلا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه قال قلت بلى أخبرنا قال فان الله فضى على نفسه أنه من عطش نفسه لله في يوم حار كان حقا على الله ان يرويه يوم القيامة قال فكان أبو موسى يتوخى ذلك اليوم الحار الشديد الحر الذ ي يكاد ينسلخ فيه الأنساًن فيصومه1. وعن أبي ادريس قال صام أبو موسى حتى عاد كأنه خلال فقيل له لو اجممت نفسك فقال ايهات إنما يسبق من الخيل المضمرة قال وربما خرج من منزله فيقول لامراته شدي رحلك فليس على جسر جهنم معبر. عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب قال دعا أبو موسى فتيانه حين حضرته الوفاة فقال اذهبوا فاحفروا واسعوا واعمقوا فجاؤوا فقالوا قد حفرنا وأوسعنا واعمقنا فقال والله انها لإحدى المنزلتين أما ليوسعن علي قبري حتى يكون كل زأوية منه اربعين ذراعا ثم ليفتحن لي باب إلى الجنة فلا نظرن إلى ازواجي ومنازلي وما اعد الله عز وجل لي من الكرامة ثم ليصيبني من ريحها وروحها حتى ابعث ولئن كانت الاخرى ونعوذ بالله منها ليضيقن علي قبري حتى أكون في اضيق من القناة في الزج ثم ليفتحن لي باب من ابواب جهنم فلأنظرن إلى سلاسلي واغلالي وقرنائي ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى ابعث. وعن أبي بردة قال لما حضرت أبا موسى الوفاة قال يا بني اذكروا صاحب الرغيف قال كان رجل يتعبد في صومعته اراه قال سبعين سنة لا ينزل إلا في يوم واحد قال فشبه أو شب الشيطان في عينه امرأة قال فكان معها سبعة أيام أو سبع ليال قال ثم شكف عن الرجل غطاؤه فخرج تائبا فكان كلما خطا خطوة صلى وسجد فأواه الليل إلى دكان عليه اثنا

_ 1 صحيح: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء حديث 869.

عشر مسكينا فادركه الاعياء فرمى بنفسه بين رجلين منهم وكان ثم راهب يبعث إليهم كل ليلة بأرغفة فيعطي كل أنساًن رغيفا فجاء صاحب الرغف فاعطى كل إنسان رغيفا فقال المتروك لصاحب الرغف ما لك لم تعطني رغيفي قال اتراني امسكه عنك سل هل أعطيت أحداً منكم رغيفين؟ قالوا: لا قال: أتراني أمسكه عنك؟ والله لا اعطيك الليلة شيئا فعمد التائب إلى الرغيف الذي دفعه إليه فدفعه إلى الرجل الذي ترك. فاصبح التائب ميتا قال فوزنت السبعون سنة بالسبع ليالي فرجحت الليالي. فوزن الرغيف بالسبع الليالي فرجح الرغيف فقال أبو موسى يا بني اذكروا صاحب الرغيف1 رضي الله عنه. قال أصحاب السير توفي أبو موسى سنة اثنتين وخمسين وقيل اثنتين واربعين وقيل اربع واربعين ودفن بمكة وقيل دفن بالثوية على ميلين من الكوفة.

_ 1 صحيح: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء حديث 881.

ياسر بن عامر بن مالك أبو عمار

61- ياسر بن عامربن مالك أبو عمار. قدمة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سُمية بنت خياط فولدت له عمّاراً. رحمهم الله. ثم جاء الله بالإسلام فأسلم ياسر وعمار. فلما أسلم ياسر أخذته بنو مخزوم فجعلوا يعذبونه، ليرجع عن دينه. قال عثمان بن عفان: أقبلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيدي حتى أتينا على أبي عمار وعمار وأمه وهم يعذبون فقال ياسر: الدهر هكذا فقال النبي: " اصبر اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلتَ" 2. رضي الله عنه.

_ 2 صحيح: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/248.

عبد الله بن عمر بن الخطاب

62- عبد الله بن عمر بن الخطاب يكنى أبا عبد الرحمن أمه زينب بنت مظعون أسلم بمكة مع أبيه ولم يكن بالغا حينئذ وهاجر مع أبيه إلى المدينة وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فرده ويوم أحد فرده لصغر سنه وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فاجازه. عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن اربع عشر فلم يجزه ثم عرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فاجازه3.

_ 3 صحيح: أخرجه البخاري في المغازي حديث 4097. باب 29. غزوة الخندق.

وعن سالم عن ابن عمر قال كان الرجل في حياة رسول الله. صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي. صلى الله عليه وسلم قال وكنت غلاما شابا عزبا فكنت انام في المسجد على عهد رسول الله. صلى الله عليه وسلم ف رأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وارى فيها ناسا قد عرفتهم فجعلت اقول أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار فلقيهما ملك آخر فقال لي لن ترع فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل قال سالم فكان عبد الله بعد لا ينام من الليل إلا قليلا أخرجاه في الصحيحين1. وعن نافع قال قال لي عبد الله بن عمر رأيت في المنام كان بيدي قطعة من استبرق ولا اشير بها إلى مكان من الجنة إلا طارت بي إليه فقصتها حفصة على النبي. صلى الله عليه وسلم فقال إن أخاك رجل صالح أو أن عبد الله رجل صالح أخرجاه في الصحيحين. وعن أبي الزناد قال اجتمع في الحجر مصعب وعروة وعبد الله بنو الزبير وعبد الله بن عمر فقالوا تمنوا فقال عبد الله بن الزبير أما أنا فاتمنى الخلافة وقال عروة أما أنا فاتمنى ان يؤخذ عني العلم وقال مصعب أما أنا فاتمنى امرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة ينت الحسين قال عبد الله بن عمر أما أنا فاتمنى المغفرة. قال فنالوا ما تمنوا ولعل ابن عمر غفر له. وعن نافع قال دخل ابن عمر الكعبة فسمعته وهو ساجد يقول قد تعلم ما يمنعني من مزاحمة قريش على هذه الدنيا إلا خوفك. عن طاوس قال ما رأيت رجلا أورع من ابن عمر ولا رأيت رجلا اعلم من ابن عباس. وقال سعيد بن المسيب لو كنت شاهدا لرجل من أهل العلم أنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر. وعن عروة قال سئل ابن عمر عن شيء فقال لا علم لي به فلما ادبر الرجل قال لنفسه سئل ابن عمر عما لا علم له به فقال لا علم لي به. وعن نافع أن رجلا سأل ابن عمر عن مسالة فطأطأ رأسه ولم يجبه حتى ظن الناس أنه لم يسمع مسألته فقال له يرحمك الله أما سمعت مسألتي قال بلى ولكنكم كأنكم ترون

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في التهجد حديث 1121. باب 2. فضل قيام الليل ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2479. باب 31. من فضائل ابن عمر رضي الله عنه.

أن الله تعالى ليس بسائلنا عما تسألونا عنه اتركنا رحمك الله حتى نتفهم في مسألتك فان كان لها جواب عندنا والا اعلمناك أنه لا علم لنا به. وعن إبراهيم قال قال عبد الله ان أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله ابن عمر. وعن محمد قال نبئت ان ابن عمر كان يقول اني لقيت اصحابي على أمر واني أخاف ان خالفتهم ان لا الحق بهم. وعن سعيد ابن المسيب قال كان اشبه ولد عمر بعمر عبد الله واشبه ولد عبد الله بعبد الله سالم. وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال ما ناقة اضلت فصيلها في فلاة من الأرض باطلب لاثرها من ابن عمر لعمر بن الخطاب. وعن المطعم بن مقدام الصناعاني قال كتب الحجاج بن يوسف إلى عبد الله بن عمر بلغني انك طلبت الخلافة وان الخلافة لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور. فكتب إليه ابن عمر أما ما ذكرت من أمر الخلافة اني طلبتها فما طلبتها وما هي من بالي واما ما ذكرت من العي والبخل والغيرة فان من جمع كتاب الله عز وجل فليس بعيي ومن ادى زكاة ما له فليس ببخيل واما ما ذكرت فيه من الغيرة فان احق ما غرت فيه ولدي ان يشركني فيه غيري. وعن عائشة قالت ما رأيت أحداً الزم للامر الأول من عبد الله بن عمر. وعنها قالت ما رأيت أحداً اشبه باصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين دفنوا في النمار من عبد الله بن عمر. وعن عبد الله بن أبي عثمان قال كان عبد الله بن عمر اعتق جاريته التي يقال لها رميثة فقيل اني سمعت الله عز وجل قال في كتابه: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] واني والله ان كنت لاحبك في الدنيا اذهبي فانت حرة لوجه الله. وعن حمزة بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال خطرت هذه الاية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} فتذكرت ما اعطاني الله فما وجدت شيئا أحب إلي من جاريتي رميثة فقلت هذه حرة لوجه الله فلا اعود في شيء جعلته لله ولولا ذلك لنكحتها فانكحها نافعا وهي أم ولده2.

_ 1 صحيح: أخرجه أبو نعيم في الحلية رقم 102. 2 صحيح: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء رقم 103.

قال وعن نافع قال كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه عز وجل قال نافع كان رقيقه قد عرفوا ذلك منه فربما شمر أحدهم فلزم المسجد فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال الحسنة اعتقه فيقول له أصحابه يا أبا عبد الرحمن والله ما بهم إلا ان يخدعوك فيقول ابن عمر فمن خدعنا بالله انخدعنا له. قال نافع فلقد رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له قد أخذه بمال فلما اعجبه سيره اناخه مكانه ثم نزل عنه فقال يا نافع انزعوا زمامه ورحله وجللوه واشعروه وادخلوه في البدن. وعن سعيد بن أبي هلال ان عبد الله بن عمر نزل الجحفة وهوشاك فقال اني لاشتهي حيتانا فالتمسوا له فلم يجدوا إلا حوتا وأحداً فأخذته امراته صفية بنت أبي عبيد فصنعته ثم قربته إليه فأتى مسكين حتى وقف عليه فقال له ابن عمر خذه فقال أهله سبحان الله قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه فقال ان عبد الله يحبه. وعن أبي بكر بن حفص قال لما اشتكى ابن عمر اشتهى حوتا فصنع له فلما وضع بين يديه جاء سائل فقال اعطوه الحوت فقالت امرأته نعطيه درهما فهو انفع له من هذا واقض أنت شهوتك منه فقال شهوتي ما اريد. وعن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يعجبه شيء من ماله إلا خرج منه لله عز وجل قال وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين الفا قال واعطاه ابن عمار مرتين ثلاثين ألفا قال فقال ابن عمر يا نافع اني أخاف ان تفتنني دراهم ابن عمار اذهب فانت حر. وكان لا يد من اللحم شهرا إلا مسافرا أو رمضان قال وكان يمكث الشهر لا يذوق فيه مزعة لحم. وعن ميمون بن مهران قال آتت ابن عمر اثنان وعشرون الف دينار في مجلس فلم يقم حتى فرقها. وعن عاصم بن محمد عن أبيه قال اعطي ابن عمر بنافع عشرة الاف أو الف دينار فقلت يا أبا عبد الرحمن فما تنظر ان تبيع قال فهلا ما هو خير من ذلك فهو حر لوجه الله عز وجل روى هذه الاحاديث الثلاثة الإمام أحمد. وعن أبي بكر بن حفص ان عبد الله بن عمر كان لا يأكل طعاما إلا وعلى خوانه يتيم رواه عبد الله بن أحمد.

وعن نافع قال ما مات ابن عمر حتى اعتق الف أنساًن أو زاد. وعنه قال اتي ابن عمر ببضعة وعشرين الفا فما قام من مجلسه حتى اعطاها وزاد عليها قال ولم يزل يعطي حتى انفد ما كان عنده فجاءه بعض من كان يعطيه فاستقرض من بعض من كان اعطاه فاعطاه اياه. وعنه قال كان يرسل إلى عبد الله بن عمر بالمال فيقبله ويقول لا اسأل أحداً شيئا ولا ارد ما رزقني الله. وعنه قال كان ابن عمر يقبض على لحيته ويأخذ ما جاوز القبضة. وعنه ان معاوية بعث إلى ابن عمر بمائة الف فلما اراد ان يبايع ليزيد قال أرى ذلك أراد أن ديني عندي إذا لرخيص رواه محمد بن سعيد. وعنه ان معاوية بعث إلى ابن عمر بمائة الف فما حال الحول وعنده منها شيء. وعن أبي الوازع قال قلت لابن عمر لا يزال الناس بخير ما ابقاك الله لهم. قال فغضب ثم قال اني لاحسبك عراقيا وما يدريك ما يغلق عليه ابن امك بابه1. عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن نافع ان ابن عمر اشتكى فاشتري له عنقود عنب بدرهم فجاء مسكين فقال اعطوه اياه فخالف إليه إنسان فاشتراه منه بدرهم ثم جاء به إليه فجاءه المسكين يسأل فقال اعطوه إليه ثم خالف إليه إنسان فاشتراه منه بدرهم فاراد ان يرجع فمنع ولوعلم ابن عمر بذلك العنقود ما ذاقه. وفي رواية اخرى اشتهى ابن عمر عنبا وهو مريض فذكر نحو ذلك. وعن ميمون بن مهران ان امرأة ابن عمر عوتبت فيه فقيل لها ما تلطفين هذا الشيخ قالت فما اصنع لا نصنع له طعاما إلا دعا عليه من يأكله فارسلت إلى قوم من المساكين كانوا يجلسون بطريقه إذا خرج من المسجد فاطعمتهم وقالت لهم لا تجلسوا بطريقه ثم جاء إلى بيته فقال ارسلوا إلى فلان والى فلان وكانت امرأته ارسلت إليهم بطعام وقالت ان دعاكم فلا تأتوه فقال ابن عمر اردتم ان لا اتعشى الليلة فلم يتعش تلك الليلة. وعن حمزة بن عبد الله بن عمر قال لوان طعاما كثيرا كان عند عبد الله بن عمر ما شبع منه بعد ان يجد له آكلا فدخل عليه ابن مطيع يعوده فرآه وقد نحل جسمه فقال لصفية ألا تلطفيه فلعله أن يرتد إليه جسمه تصنعين له طعاما قالت أنا لنفعل ذلك ولكنه لا يدع

_ 1 حسن: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 4/161.

أحداً من أهله ولا من يحضره إلا دعاه عليه فكلمة أنت في ذلك فقال ابن مطيع يا أبا عبد الرحمن لو اتخذت طعاما فرجع اليك جسمك. فقال أنه ليأتي علي ثمان سنين ما اشبع فيها شبعة وأحدة أو قال لا اشبع فيها الاشبعة وأحدة فالان تريد ان اشبع حين لم يبق من عمري إلا ظمء حمار. وعن عبد الله بن عدي وكان مولى لابن عمر أنه قدم من العراق فجاءه فسلم عليه فقال اهديت لك هدية قال وما هي قال جوارش قال وما جوارش؟ قال يهضم الطعام قال ما ملأت بطني طعاما منذ اربعين سنة فما اصنع به؟ وعن ميمون بن مهران ان رجلا من بني عبد الله بن عمر استكساه ازارا وقال قد تخرق ازاري فقال ارقع ازارك ثم البسه فكره الفتى ذلك فقال له عبد الله: ويحك اتق الله ولا تكونن من القوم الذين يجعلون ما رزقهم الله عز وجل في بطونهم وعلى ظهورهم. وعن سفيان قال اراد ابن عمر مرة الصدر من مكة فاتخذ له ابن صفوان سفرة من نقى وفالوذج واخبصة وبعث بها إليه فاتي بهافلما نظر إليها بكى وقال ماهكذا كنا ما شبعت منذ أسلمت وامر بها فقسمت على أهل الماء ودعا بسفرته وقال لا خير إلا فيما يبقى نفعه غدا. وعن القاسم بن أبي بزة قال حدثني من سمع ابن عمر قرأ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} حتى بلغ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 1 – 6] قال فبكى حتى حن وامتنع من قراءة ما بعد1. وعن البراء بن سليم قال سمعت نافعا يقول ما قرأ ابن عمر هاتين الايتين قط من آخر سورة البقرة الابكى {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ} [البقرة: 284] ثم يقول ان هذا لاحصاء شديد رواهما الإمام أحمد2. وعن هشام بن يحيى الغساني عن أبيه قال جاء سائل إلى ابن عمر فقال لابنه اعطه دينارا فلما انصرف قال له ابنه تقبل الله منك يا ابتاه فقال لو علمت ان الله يقبل مني سجدة واحدة وصدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت اتدري ممن يتقبل إنما يتقبل الله من المتقين.

_ 1 صحيح: أخرجه أبو نعيم في الحلية رقم 1060. 2 صحيح: أخرجه أبو نعيم في الحلية 1061.

وعن مجاهد قال صحبت ابن عمر وانا اريد ان اخدمه فكان يخدمني أكثر. وعن وهيب ان ابن عمر رحمه الله باع جملا فقيل لو امسكته فقال لقد كان موافقا ولكنه اذهب شعبة من قلبي فكرهت ان اشغل قلبي بشيء رواهما الإمام أحمد. وعن محمد بن زيد ان أباه أخبره ان عبد الله بن عمر كان له مهراس فيه ماء فيصلي ما قدر له ثم يصير إلى الفراش فيغفي اغفاء الطير ثم يثب فيتوضأ ثم يصلي يفعل ذلك الليلة اربع مرار أو خمس مرار. وعن نافع عن ابن عمر أنه كان يحيي الليل صلاة ثم يقول يا نافع اسحرنا؟ فاقول لا فيعاود الصلاة ثم يقول يا نافع اسحرنا؟ فأقول نعم فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح وعنه عن ابن عمر أنه كان يحيي ما بين الظهر والعصر. وعن طاوس قال ما رأيت مصليا كهيئة عبد الله بن عمر اشد استقبالا للكعبة بوجهه وكفيه وقدميه. وعن عبد الله بن سبرة قال كان ابن عمر إذا اصبح قال اللهم اجعلني من اعظم عبادك نصيبا في كل خير تقسمه الغداة ونور تهدي به ورحمة تنشرها ورزق تبسطه وضر تكشفه وبلاء ترفعه وفتنة تصرفها. وعن سمير الرياحي عن أبيه قال شرب عبد الله بن عمر ماء مبردا فبكي فاشتد بكاؤه فقيل له ما يبكيك فقال ذكرت آية في كتاب الله عز وجل: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54] فعرفت ان أهل النار لا يشتهون شيئا شهوتهم الماء وقد قال الله عز وجل: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الاعراف: 50] . وعن جابر بن عبد الله قال ما ادركنا أحداً أو قال ما رأينا أحداً إلا قد مالت به الدنيا أو مال بها إلا عبد الله بن عمر. وعن نافع قال كان ابن عمر إذا قرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] بكى حتى يغلبه البكاء1. وعن مجاهد عن ابن عمر قال لا يصيب عبد شيئا من الدنيا إلا نقص من درحاته عند الله عز وجل وان كان عليه كريما.

_ 1 صحيح: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء رقم 1064.

وعن عمر بن ميمون عن أبيه قال قيل لعبد الله بن عمر توفي فلان الأنصاري قال رحمه الله فقال ترك مائة الف قال لكن هي لم تتركه. وقال رجل لابن عمر يا خير الناس وابن خير الناس فقال ابن عمر ما أنا بخير الناس ولا ابن خير الناس ولكني عبد من عباد الله عز وجل أرجو الله عز وجل وأخافه والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه1. وعن نافع قال كان البر لا يعرف في عمر ولا في ابنه حتى يقولا أو يعملا. وعنه عن ابن عمر أنه نزل على رجل فلما مضت ثلاث قال يا نافع انفق علينا من مالنا. وعن قتادة قال سئل ابن عمر عن لا اله إلا الله هل يضر معها عمل كما ينفع مع تركها عمل قال ابن عمر عش ولا تغير. وعن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب في الله وابغض في الله وعاد في الله فانك لن تنال ولاية الله إلا بذلك ولا يجد رجل طعم الايمان وان كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك وصارت مؤاخاة الناس في أمر الدنيا وان ذلك لايجزي عند الله شيئا". قال وقال لي ابن عمر إذا اصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا امسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك فانك يا عبد الله لا تدري ما اسمك غدا. قال وأخذ رسول الله. صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال كن في الدنيا غريبا أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور رواه الطبراني. ذكر وفاة ابن عمر: عن عطية العوفي قال سألت مولى لعبد الله بن عمر عن موت عبد الله بن عمر فقال أصابه رجل من أهل الشام بزجه في رجله فأتاه الحجاج يعوده فقال لو اعلم الذي اصابك لضربت عنقه فقال عبد الله أنت الذي اصبتني قال كيف قال يوم دخلت حرم الله السلاح. وعن أيوب قال قلت لنافع ما كان بدء موت ابن عمر قال اصابته عارضة محمل بين

_ 1 صحيح: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء رقم 1078.

اصبعين من اصابعه عند الجمرة في الزحام فمرض فأتاه الحجاج يعوده فغمض عينيه فكلمه الحجاج فلم يكلمه. وعن نافغ قال كان زج رمح رجل من أصحاب الحجاج قد أصاب رجل ابن عمر فاندمل الجرح فلما صدر انتقض عليه فدخل الحجاج يعوده فقال من اصابك قال أنت قتلتني قال وفيم قال حملت السلاح في حرم الله فاصابني بعض اصحابك. فلما حضرته الوفاة أوصى ان لا يدفن في الحرم فغلب فدفن في الحرم وصلى عليه الحجاج. وفي رواية عن نافع قال لم يقدر على ذلك من الحجاج فدفناه في مقبرة المهاجرين بفخ نحو ذي طوى ومات بمكة سنة اربع وسبعين وقيل سنة ثلاث وسبعين وهو ابن اربع وثمانين سنة رضي الله عنه.

عمرو ابن أم مكتوم

63- عمرو ابن أم مكتوم وهو عمرو بن قيس وقيل اسمه عبد الله واسم أمه عاتكة وتكنى أم مكتوم. أسلم بمكة وهو ضرير البصر وهاجر إلى المدينة وكان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مع بلال. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلفه على المدبنة يصلي بالناس في عامة غزواته. وعن البراء بن عازب قال: أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير، ثم قدم علينا ابن أم مكتوم الأَعمى رواه أحمد. وعن ابن عباس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربية وأبا جهل بن هشام وذكر آخر وكان يتصدى لهم كثيراً ويُقبل عليهم رجاء ان يؤمنوا، فأقبل عليه رجل اعمى يقال له عبد الله ابن أم مكتوم وهو يناجيهم. فجعل عبد الله يستقريء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم آية من القرآن وقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله فأعرض عنه رسول الله. صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتولى عنه وكره كلامه وأقبل على الاخرين. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه وأخذ تنقلب إلى أهله أنزل الله تعالى: {عبَسَ وتَولى، أنْ جاءَهُ الأعمى} [عبس: 1] فلما نزل فيه مانزل أكرمه النبي. صلى الله عليه وسلم وكلمه: يقول له: ما حاجتك؟ وهل تريد من شيئاً؟ وإذا ذهب من عنده قال: هل لك حاجة في شيء؟ 1 وعن البراء أن النبي. صلى الله عليه وسلم قال: ائتوني بالكتف أو اللوح فكتب: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ

_ 1 حسن: أخرجه الترمذي في كتاب التفسيبر حديث 3331. باب 73. ومن سورة عبس.

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] وعَمْرو ابن أم مكتوم خلف ظهره فقال: هل لي من رخصة؟ فنزلت: {غير أولي الضَّرر} . وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نزلت: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} فقال ابن أم مكتوم: ايْ ربِّ عُذري فأنزل الله: {غير أولي الضَّرر} فجعل بينهما1. وكان بعد ذلك يغزو ويقول: ادفعوا إلي اللواء فإني أعمى لا أستطيع أن أفرّ، وأقيموني بين الصفّين. قال أنس بن مالك: كان مع ابن أم مكتوم يوم القادسيةراية ولواء. قال الواقدي: مات ابن أم مكتوم بالمدينة ولم نُسمع له بذكر بعد عمر، رضي الله عنهما.

_ 1 أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 4/210.

أبو ذر جندب بن جنادة

64- أبو ذر جندب بن جنادة وفي اسمه خلاف كثير قد ذكرته في كتابي المسمى "بالتلقيح". وكان أبو ذر طوالاً آدم، وكان يتعبد قبل مبعث رسول الله. صلى الله عليه وسلم وأسلم بمكة قديماً وقال: كنت في الإسلام رابعاً. ورجع إلى بلاد قومه فاقام بها حتى مضت بدر واحد والخندق. ثم قدم المدينة. قال خفاف بن إيماء: كان أبو ذر شجاعاً ينفرد وحده قيقطع الطريق ويغير على الصّرم كأنه السبع، ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام وسمع بالنبي. صلى الله عليه وسلم بمكة فأتاه. وعن عبد الله بن صامت قال: قال أبو ذر: لقد صليتُ يابن أخي قبل ألقى رسول الله. صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين. قال فقلت: لمن؟ قال لله. قلت فاين تتوجه قال حيث وجهني الله عز وجل قال واصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كاني خفاء حتى تعلوني الشمس. قال أبو ذر فانطلقناحتى نزلت بحضرة مكة وانطلق أخي انيس فراث علي فقلت ما حبسك قال لقيت رجلا يزعم ان الله عز وجل ارسله على دينك قال فقلت ما يقول الناس فيه قال يقولون أنه شاعر وساحر وكاهن. قال انيس قد سمعت قول الكهان فما يقول بقولهم وقد وضعت قوله على اقراء الشعراء فوالله ما يلتام ووالله أنه لصادق وانهم لكاذبون. قال فقلت له هل أنت كافي حتى انطلق فأنظر قال نعم فكن من أهل مكة على حذر فانهم قد شنفوا له وتجهموا له فانطلقت حتى قدمت مكة فتضعفت رجلا منهم فقلت

له اين هذا الرجل الذي يدعونه الصابيء؟ قال فأشار إلي. قال الصابيء قال فمال أهل الوادي علي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علي فارتفعت حين ارتفعت كاني نصب احمر فاتيت زمزم فشربت من مائها وغسلت عني الدم فدخلت بين الكعبة واستارها فلبثت بهيا بن أخي ثلاثين من بين ليلة ويوم ما لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت في كبدي سخفة جوع. قال بينما أهل مكة في ليلة قمراء أي مضيئة اضحيان وضرب الله على اصمخة أهل مكة وما يطوف بالبيت غير امرأتين فاتتا على وهما تدعوان اسافا ونائلة فقلت انكحوا أحدهما الاخر قال فما ثناهما ذلك قال فاتتا علي فقلت هن مثل الخشبة غير اني لم اكن فانطلقنا تولولان وتقولان لو كان هاهنا أحد من انفارنا قال فاستقبلهما رسول الله. صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطان الجبل فقالا ما لكما قالتا الصابيء بين الكعبة واستارها قالا فما قال لكما؟ قالتا قال لنا كلمة تملا الفم. قال فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه حتى استلم الحجر فطاف بالبيت ثم صلى ركعتين قال فاتيته فكنت أول من حياه بتحية الإسلام فقال: "وعليك السلام ورحمة الله ممن أنت؟ " قال قلت من غفار قال فأهوى بيده فوضعها على جبهته قال فقلت في نفسي كره ان انتميت إلى غفار قال فاردت ان أخذ بيده فقد عني صاحبه وكان اعلم به مني قال: "متى أنت هاهنا؟ " قال قلت كنت هاهنا منذ ثلاثين من يوم وليلة قال فمن كان يطعمك قلت ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فمسنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبيدي سخفة جوع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انها مباركة انها طعام طعم". قال أبو بكر ائذن لي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم في طعامه الليلة قال ففعل قال فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم وانطلقت معهما حتى فتح أبو بكر بابا فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف. قال: فكان ذلك أول طعام اكلته بها. فلبثت ما لبثت ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اني وجهت إلى أرض ذات نخل فلا احسبها إلا يثرب فهل أنت مبلغ عني قومك لعل الله عز وجل ينفعهم بك وياجرك فيهم" قال فانطلقت حتى اتيت أخي أنسيا قال فقال لي ما صنعت قال قلت صنعت اني قد

أسلمت وصدقت قال فما بي رغبة عن دينك فاني قد أسلمت وصدقت ثم اتينا امنا فقالت ما بي رغبة عن دينكما فاني قد أسلمت وصدقت. فتحملنا حتى اتينا قومنان غفارا فأسلم بعضهم قبل ان يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان يؤمهم خفاف بن ايماء بن رخصة الغفاري وكان سيدهم يومئذ. وقال بقيتهم إذا قد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمنا فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلم بقيتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غفار غفر الله وأسلم سالمها الله" 1 انفرد بإخراجه مسلم. وفي الصحيحين من حديث اين عباس ان أبا ذر لما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجع إلى قومك حتى يأتيك امري" فقال والذي نفسي بيده لاصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى باعلى صوته: "أشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله". وثار القوم فضربون حتى اضجعوه وأتى الباس فاكب عليه فقال ويلكم الستم تعلمون أنه من غفار وان طريق تجارتكم إلى الشام يعني عليهم فانقذه منهم ثم عاد من الغد لمهلها وثاروا إليه فضربوه فاكب عليه العباس فانقذه2. وعن أبي حرب بن أبي الاسود قال سمعت عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول: "ما اقلت الغبراء ولا اظلت الخضراء من رجل اصدق من أبي ذر" رواه الإمام أحمد3. وعن محمد بن واسع ان رجلا من أهل البصرة ركب إلى أم ذر بعد موته فسالها عن عبادة أبي ذر قالت كان نهاره اجمع في ناحية يتفكر. وعن عبد الله بن سيدان عن أبي ذر أنه قال في المال ثلاثة شركاء القدر لا يستامرك ان يذهب بخيرها أو شرها أو شرها ن هلاك أو موت والوارث ينتظر ان تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم وأنت الثالث فان استطعت ان لا يكون اعجز الثلاثة فلا تكونن ان الله عز وجل يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وان هذا الجمل مما كنت أحب من مالي فاحببت ان قدمه لنفسي.

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة حديث2473. باب 28. من فضائل أبي ذر رضي الله عنه. 2 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار حديث 3861. باب 33. إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه. ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2474. باب 28. من فضائل أبي ذر رضي الله عنه. 3 حسن: أخرجه الترمذي في المناقب حديث 3801. باب 36. مناقب أبي ذر رضي الله عنه. وقال: وهذا حديث حسن وأحمد في المسند.

وعن سفيان الثوري قال قال أبو ذر الغفاري عند الكعبة فقال يا ايها الناس اناجندب الغفاري هلموا إلى الاخ الناصح الشفيق فاكتنفه الناس فقال ارأيتم لو ان أحدكم اراد سفار اليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه قالوا بلى قال فان سفر طريق القيامة ابعد ما ترويدون فخذوا ما يصلحكم قالوا ومايصلحنا قال حجوا حجة لعظائم الامور وصوموا يوما شديدا حره لطول النشور وصلوا ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور كلمة خير تقولها أو كلمة شر تسكت عنها لوقوف يوم عظيم تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرهها اجعل الدنيا مجلسين مجلسا في طلب الحلال ومجلسا في طلب الآخرة الثالث يضرك ولا ينفعك لا ترده اجعل المال درهمين درهما تنفقه على عبالك من حله ودرهما تقدمه لاخرتك الثالث يضرك ولا ينفعك لا ترده. ثم نادى باعلى صوتهيا ايها الناس قد قتلكم حرص لا تدركونه أبداً. وعن عطاء بن محمد قال إبراهيم التيمي قال أبي خرجنا حجاجا فوجدنا أبا ذر بالربذة قائما يصلي فانتظرناه حتى فرغ من صلاته ثم أقبل علينا بوجهه فقال هلم إلى الاخ الناصح الشفيق ثم بكى فاشتد بكاؤه وقال قتلني حب يو لا ادركه قيل وما يوم لا تدركه قال طول الامل. وعن بكر بن عبد الله عن أبي ذر قال يكفي منالدعاء مع البر ماي كفي الطعام من الملح. وعن عراك بن مالك قال قال أبو ذر اني لاقربكم مجلسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وذلك اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أقربكم من مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئة ما تركته فيها وانه والله ما منكم من أحد إلا وقد تشبث بشيء منها غيري" 1. وعن أبي السليل قال جاءت ابنة أبي ذر وعليها صوف سفعاء الخدين ومعها قفة لها فمكثت بين يديه وعنده أصحابه فقالت يا أبتاه زعم الخازنون والزارغون ان افلسك هذه بهرجة فقال يا بنية ضعيها فان اباك اصبح بحمد الله لا يملك من صفراء ولا بيضاء إلا افلسه هذه. وعن نافع الطاحي قال مررت بابي ذر فقال لي ممن أنت قلت من أهل العراق

_ 1 ضعيف أخرجه أحمد في المسند حديث 21514 والطبراني في الكبير حديث 1623.

قال اتعرف عبد الله بن عامر قلت نعم قال فانه كان يتقرا معي ويلزمني ثم طلب الامارة لاذا قدمت البصرة فترايا له فانه سيقول الك حاجة فقل لها اخلني فقل له ان رسول أبي ذر اليك وهو يقرئك السلام ويقول لك أنا ناكل من التمر ونشرب من الماء ونعيش كما تعيش. فلما قدمت تراءيت له فقال الك حاجة فقلت اخلني اصلحك الله فقلت أنا رسول أبي ذر اليك فلما قلتها خشعلها قلبه وهو يقرأ عليك السلام ويقول لك أنا ناكل من التمر ونشرب من الماء ونعيش كما تعيش قال فحلل ازاره ثم اردخل رأسه في جيبه ثم بكى حتى ملا جيبه بالبكاء. وعن أبي بكر بن المنكدر قال بعث حبيب بن مسلمة وهو امير بالشام إلى أبي ذر بثلاث مائة دينار وقال استعن بها على حاجتك فقال أبو ذر ارجع بها إليه أو ما وجد أحداً اغز بالله عز وجل منا مالنا إلا ظل نتوارى به وثلة من عن تروح علينا ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها ثم اني لاتخوف الفضل. وعن جعفر بن سليمان قال دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته فقال يا أبا ذر اين متاعكم قال لنابيت نوجه إليه صالح متاعنا قال أنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا قال ان صاحب المنزل لا يدعنا فيه. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ذر قال والله لو تعلمون ما اعلم ما انبسطتم إلى نسائكم ولا تقاررتم على فرشكم والله لوددت ان الله عز وجل خلقني يوم خلقني شجرة تعضد ويؤكل ثمرها. عن ابن عمر بن الخطاب عن أبيه قال قال أبو ذر الصاحب الصالح خير من الوحدة والوحدة خير من صاحب السوء ومملي الخير خير من الصامت والصامت خير من مملي الشر والامانة خير من الخاتم والخاتم خير من ظن السوء. ذكر خروج أبي ذرة رضي الله عنه إلى الربذة: روى البخاري في افراده من حديث زيد بن وهب قال مررت بالربذة فقلت لأبي ذر ما انزلك هنا قال كنت بالشام فاختلفت أنا ومعأوية في هذه الاية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] فقال نزلت في أهل الكتاب فقلت فينا وفيهم فكتب يشكوني إلى عثمان فكتب عثمان اقدم المدينة فقدمت فكثر الناس علي كانهم لم يروني قبل ذلك فذكر ذلك لعثمان فقال ان شئت تنحيت فكنت قريبا فذلك الذي انزلني هذا المنزل.

وروى ابن سيرين قال قدم أبو ذر المدينة فقال عثمان كن عندي تغدو عليك وتروع اللقاح قال لا حاجة لي في دنياكم ثم قال ائذن لي حتى أخرج إلى الربذة فاذن له فخرج. ذكر وفاة أبي ذر رضي الله عنه: عن إبراهيم الاشتر عن أبيه عن أم ذر قالت لما حضر أبا ذر الوفاة بكيت فقال ما يبكيك فقلت ما لي لا ابكي وأنت تموت بفلاة من الأرض ولا يدان لي بنعشك وليس معنا ثوب يسعك كفنا ولا لك فقال لا تبكي وابشري فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبداً" واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم: "ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين". وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية أو جماعة واني أنا الذي اموت بالفلاة والله ما كذبت ولا كذبت فابصري الطريق قالت فقلت اني وقد ذهب الحاج وتقطعت الطرق فقال انظري فكنت اشتد إلى الكثيب فاقوم عليه ثم ارجع إليه فامرضه. قالت فبينما أنا كذلك إذ أنا برجال على رواحلهم كانهم الرخم فالحت بهم فاسرعوا إلي ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إلي فقالوا ما لك يا أمة الله فقلت امرؤ من المسلمين تكفنونه يموت قالوا ومن هو قلت أبو ذر، قالوا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم. قالت ففدوه بابائهم وامهاتهم واسرعوا إليه حتى دخلوا عليه فسلموا عليه فرحب بهم وقال ابشروا فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يموت بين امراين من المسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبداً" وسمعته يقول لنفر أنا فيهم: " ليمتن رجلا منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين"، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية أو جماعة وانا الذي اموت بفلاة من الأرض والله ما كذبت ولا كذبت وانه لو كان عيدي ثوب يسعني كفنا أو لامرأتي ثوب يسعني كفنا لم اكفن إلا في ثوب هو لي أو لها واني انشدكم الله لا يكفني رجل منكم كان اميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا قال فليس من القوم أحد إلا وقد قارف من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار فقال أنا اكفنك في ردائي هذا وفي ثوبين في غيبتي من غزل امي قال أنت فكفني فكفنه الأنصاري ودفنه في النفر الذين معه منهم حجر بن عدي بن الادبر ومالك بن الاشتر في نفر كلهم يمان1.

_ 1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند حديث 21523.

وقد ذكر محمد بن اسحق في المغازي ان أبا ذر مات بالربذة سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه ابن مسعود منصرفه من الكوفة. وعن القرظي قال خرج أبو ذر إلى الربذة فاصابه قدره فأوصاهم ان كفنوني ثم ضعوني على قارعة الطريق فأول ركب يمرون بكم فقولوا لهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله. صلى الله عليه وسلم فاعينونا على غسله ودفنه فاقبل ابن مسعود في ركب من أهل العراق رضي الله عنه.

الطفيل بن عمرو بن طريف الدوسي رضي الله عنه

65- الطفيل بن عمرو بن طريف الدوسي رضي الله عنه: عن عبد الوأحد بن أبي عون قال كان طفيل الدوسي رجلا شريفا شاعرا كثير الضيافة فقدم مكة فلقيه رجال من قريش فقالوا انك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين اظهرنا قد اعضل بنا وفرق جماعتنا وشتت امرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين ابنه وبين الرجل وبين زوجته وانا نخشى عليك وعلى قومك مثل مادخل علينا فلا تسمع منه. قال فوالله ما زالوا بين حتى اجمعت إلا اسمع منه شيئا ولا اكلمه فغدوت إلى المسجد وقد حشوت اذني قطنا فكان يقال لي ذو القطنتين فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فقمت قريبا منه فسمعت ببعض قوله فقلت في نفسي واثكل امي والله اني لرجل لبيب شاعر ما يخفي علي الحسن من القبيح فما يمنعني ان اسمع من هذا فان كان حسنا قبلته وان كان قبيحا تركته. فمكثت حتى انصرف إلى بيته فدخل فدخلت معه فقلت ان قومك قالوا لي كذا وكذا فاعرض امرك علي فعرض علي الإسلام وتلا علي القرآن فقلت لا والله ما سمعت قولا قط احسن من هذا وبامرا اعدل منه فأسلمت وقلت يا نبي الله اني امرؤ مطاع في قومي واني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام فادع الله ان يكون لي عونا عليهم فقال: "اللهم اجعل له آية". فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح فقلت اللهم في غير وجهي فاني اخشى ان يظنوا انها مثلة وقعت في وجهي لفراق دينهم فتحول النور فوقع في رأس سوطي فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق فاتاني أبي فقلت اليك عني فانك لست مني ولست منك قال ولم يا بني قلت اني أسلمت واتبعت محمد قال يا بني ديني دينك فقلت فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ففعل ثم جاء فعرضت عليه الإسلام ثم اتتني صاحبتي فقلت اليك

عني فلست منك ولست مني قالت ولم بابي أنت قلت فرق بين وبينك الإسلام اني أسلمت وتابعت دين محمد قالت فديني دينك فأسلمت. ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فابطؤوا علي ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فقلت قد غلبتني دوس فادع الله عليهم فقال: "اللهم اهد دوسا" وقال لي أخرج إلى قومك فادعهم وارفق بهم فخرجت ادعوهم حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. ومضت بدر واحد والخندق ثم قدمت بمن أسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ولحقنا رسلو الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فاسهم لنا مع المسلمين وقلنا يا رسول الله اجعلنا في ميمنتك واجعل شعارنا مبرورا ففعل. فلم ازل مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى فتح مكة فقلت ابعثني يا رسول الله إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة احرقه فبعثه إليه فحرقه فلما احرقه بان لمن تمسك به أنه ليس على شيء فأسلموا جميعا ورجع الطفيل فكان مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات. فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين فجاهد ثم خرج إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو فقتل الطفيل باليمامة وجرح ابنه عمرو وقطعت يده ثم استبل وصحت يده. فبينا هو عند عمر بن الخطاب إذ اتي بطعام فتنحى عنه فقال عمر ما لك لعلك تنحيت لمكان يدك قال اجل قال والله لا اذوقه حتى تسوطه فوالله ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك. ثم خرج عام اليرموك في خلافة عمر مع المسلمين فقتل شهيدا1.

_ 1 أنظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 4/175.

ضماد الازدي من ازد شنوءة

66- ضماد الازدي من ازد شنوءة: عن ابن عباس ان ضمادا قدم مكة وكان من ازد شيوءة وكان يرقي من الريح. فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون ان محمدا مجنون فقال لو اني رأيت هذا الرجل لعل الله ان يشفيه على يدي. قال فلقيه فقال يا محمد اني ارقي من الريح وان الله يشغي على يدي من شاء فهل لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله أما بعد". قال فقال اعد علي كلماتك فؤلاء فاعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات،

فقال لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء لقد بلغن قاموس البحر هات يدك ابايعك على الإسلام فبايعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعلى قومك" فقال وعلى قومي فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فمروا بقومه فقال صاحب الجيش هل اصبتم من هؤلاء شيئا فقال رجل اصبت منهم مطهرة فقال ردها فان هؤلاء قوم ضماد1 انفرد بإخراجه مسلم.

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الجمعة حديث 868. باب 13. تخفيف الصلاة والخطبة.

أبو رهم كلثوم بن الحصين الغفاري رضي الله عنه

67- أبو رهم كلثوم بن الحصين الغفاري رضي الله عنه: قال محمد بن سعد: أسلم أبو رُهْم بعد قدوم النبي. صلى الله عليه وسلم المدينة وشهد معه أُحداً، ورمي يومئذ بسهم فوقع في نحره فجاء إلى رسول الله. صلى الله عليه وسلم فبصق عليه فبرأ. فكان يسمى المنحور. قال: وقال محمد بن عمر: وبينا رسول الله. صلى الله عليه وسلم يسير من الطائف إلى الجُعْرانة وأبو رُهم إلى جنبه على ناقة له وفي رجليه نعلان له غليظان، إذ زحمت ناقته تاقةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو رهم: فوقع حرف نعلي على ساقه فأوجعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوجعتني آخر رجلك" وقَرع رجلي بالسوط. فأخذني ما تقدم وما تأخر وخشيت ان ينزل فيَّ قرآن لعظيم ما صنعت. فلما أصبحنا بالجعرانة خرجت أرعى الظهَّر، وما هو يومي، فقالوا: طلبك النبيصلى الله عليه وسلم فقلت: إحداهن والله. فجئته وهو أترقب فقال "إنك أوجعْتني برجلك فقرعتك بالسوط فأوجعتك، فخذ هذه الغنم عوضاً من ضربتي". قال: فرِضاه عني كان أحب إلي من الدنيا وما فيها. قال: وبعثه رسول الله. صلى الله عليه وسلم إلى قومه يستنفرهم حين أراد تبوكاً.

_ 67- هو: كلثوم بن الحصين بن عبيد بن خلف بن بدر بن أحيمس بن غفار بن مليل بن حمزة استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة مرتين مرة في عمرة القضاء ومرة عام الفتح.

وهب بن قابوس المزني

68- وهب بن قابوس المزني: قال محمد بن سعد: أقبل وهب بن قابوس ومعه أخته الحرث بن عقبة بغنَم لهما من

_ 68- هو: وهب بن قابوس المزني قدم من أرض مزينة مع ابن أخيه الحارث بن عقبة بن قابوس بغنم لهما إلى المدينة فوجداها خلوا فسألا: أين الناس؟ فقيل: بأحد تقاتل المشركين فأسلما.

جبل مُزَينة فوجدا المدينة خلية فسألا أين الناس؟ فقالوا: بأحد، خرج رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين فقالا: لا نسال أثراً بعد عين. فأسلما ثم خرجا فأتيا النبي. صلى الله عليه وسلم بأحد فإذا الدَّولة للمسلمين فاغارا مع المسلمين في النهب وقاتلا أشد القتال، وكانت قد انفرقت فِرقة من المشركين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن لهذه الفرقة؟ " فقال وهب: أنا. فرماهم بالنبل حتى انصرفوا ثم رجع. فانفرقت اخرى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لهذه؟ " فقال المزني: أنا فقام فذبّها بالسيف حتى ولُّوْا ورجع المزني. ثم طلعت كتيبة اخرى فقال: "من يقوم لهؤلاء؟ " فقال المزني أنا فقال: "قم وابشر بالجنة" فقام المزني مسروراً يقول: والله لا اقيل ولا استقيل فجعل يقوم فيهم فيضرب بالسيف حتى يخرج من اقصاهم حتى قتلوه ومثّلوا به. ثم قام ابن اخته الحارث فقاتل كنحو قتاله حتى قُتل. فوقف عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما مقتولان فقال: "رضي الله عنه فإني عنك راضٍ". بعني وهْباً. ثم قام على قدميه وقد نال ما ناله من الجرح وان القيام ليشقّ عليه، فلم يزل قائماً حتى وضع المزنيَّ في لحده. فكان عمر وسعد بن مالك يقولان: ما حالٌ نموت عليها أحب إلينا من ان نلقي الله على حال المزني.

حنظلة بن أبي عامر الراهب

69- حنظلة بن أبي عامر الراهب. وكان أبوه أبو عامر يسال عن ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستوصف صفته الاحبار ويلبس المُسوح ويترهّب. فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حسده فلم يؤمن به. وكان ابنه حنظلة من خيار المسلمين واستاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل أباه فنهاه عن قتله. وتزوج حنظلةُ جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول فأدخلت في الليلة التي في صبيحتها كان قتال أحد وكان قد استاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبيت عندها فاذن له. فلما أسفر الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ثم مال إلى الجميلة فاجنب منها. وكانت قد أرسلت اربعة من قومها فأشهدتهم أنه دخل بها، فقيل لها قي ذلك فقالت: رأيت كأن السماء قد فُرجت له فدخل فيها ثم أطبقت، فقلت هذه الشهادة. وعلقت بعبد الله بن حنظلة. وأخذ حنظلة سلاحه فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يسوي الصفوف فلما انكشف المسلمون اعترض حنظلة لأبي سفيان بن حرب فضرب عُرقب فرسه فوقع أبو سفيان، فحمل رجل منهم على حنظلة فأنفذه بالرمح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة" 1.

_ 1 صحيح: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 2/33.

قال أبو أسيد الساعدي: فذهبنا فنظرنا إليه فإذا رأسه يقطر ماءً. فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أنه خرج وهو جنب. فولده يقال لهم بنو غسيل الملاءكة.

حذيفة بن اليمان

70- حذيفة بن اليمان يكنى أبا عبد الله رضي الله عنه. واسم اليمان: حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جزوة. وقيل حزوة هو اليمان. خرج حذيفة وأبوه فأخذهما كفار قريش فقالوا: إنكما تريدان محمداً. فقالا: ما نريد إلا المدينة. فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه وقالا: أن شئت قاتلنا معك. قالك بل نَفِي ونستعين بالله عليهم. ففاتهما بدر. وشهد حذيفة أجداً وما بعدها. عن أبي ادريس الخولاني قال: سمعت حذيفة يقول: كان الناس يسالون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت اساله عن الشر مخافة أن يدركني. وعن أبي عمار، عن حذيفة قال: إن الفتنة تعرض على القلوب فاي أنس بها نكتت في نُكتةً سوداءفإن أنكرها نكتت فيه نكتة بيضا، فمن أحب منكم ان يعلم ان اصابته الفتنة أم لا فلينظر فإن كان حراماً كان يراه حلالاً أو يرى حلالاً كان حراماً فقد أصابته الفتنة. وعن إبراهيم بن همام، عن حذيفة قال: ليأتينّ على الناس زمان لاينجو فيه إلا من دعا بدعاءٍ كدعاء االغريق. وعن ساعدة بن سعد، عن حذيفة أنه كان يقول: ما من يوم أقرَّ لعيني ولا أحب لنفسي من يوم أني أهاي فلا أجد عندهم طعامأويقولون ما نقدر على قليل ولا كثير، وذلك اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن الله تعالى أشد حِمْيةً للعبد من الدنيا، من المريض أهله الطعامَ، والله تعالى أشدّ تعاهداً للمؤمن بالبلاء من الوالد لولده بالخير1. ذكر ولاية حذيفة: عن ابن سيرين قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث أميراً كتب إليهم: إني قد بعثت اليكم فلانا وأمرته بكذا وكذا فاسمعوا له وأطيعوا. فلما بعث حذيفة إلى المدائن كتب إليهم إني قد بعثت اليكم فلانا فأطيعوه. فقالوا هذا رجل له شأن. فركبوا ليتلقّوه فلقوه على بغل تحته إكاف وهو معترض عليه، رجلاه من جانب واحد. فلم يعرفوه فأجازوه. فلقيهم الناس فقالوا: أين الأمير؟ قالوا: هو الذي لقيتم، قال: فركضوا في إثره فأدركوه

_ 1 أنظر مجمع الزوائد 10/285. الجامع الكبير 4679. وأبو نعيم في الحلية 929.

وفي يده رغيف وفي الاخرى عًرْق وهو يأكل. فسلموا عليه فنظر إلى عظيم منهم فناوله العرق والرغيف قال: فلما أغفل ألقاه، وقال: أعطاه خادمه. وفي رواية اخرى عن ابن سيرين: أن حذيفة كان راكباً على حمار له إكاف وبيده رغيف وعَرْق من لحم فقالوا: سلْنا ما شئت فقال: أسألكم طعاماً آكله وعلقاً لحماري هذا ما دمتُ فيكم. فأقام ما شاء الله ثم كتب إليه عمر أن أقْدم. فقدم فلما بلغ عمر قدومه كمن له على الطريق في مكان لايراه. فلما رآه على الحال التي خرج من عنده عليها أتاه فالتزمه وقال: أنت أخي وانا أخوك1. عن ابن سيرين قال: إن حذيفة لما قدم المدائن قدم على حمارٍ له إكاف وبيده رغيف وعرق، وهو يأكل على الحمار. عن طلحة بن مصرف مثله وزاد: وهو سادٍلٌ رجلَيْه من جانب. ذكر نبذة من كلامه: عن يوسف بن أسباط، عن سفيان قال: قال حذيفة: إن الرجل ليدخل المدخل الذي يجب أن يتكلم فيه الله، ولا يتكلم، فلا يعود قلبه إلى ما كان أبداً. قال يوسف: فحدثت به أبا إسحاق الفزاري حين قدم من عند هارون فبكى ثم قال: أنت سمعت هذا من سفيان؟. عن عمارة بن عبد عن حذيفة قال: إياكم ومواقف الفتن. قيل وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدّقه بالكذب ويقول ما ليس فيه. وعن أم سلمة قالت: قال حذيفة: والله لوددت أن لي أنسانا يكون في مالي ثم أغلق عليّ باباً فلا يدخل علي أحد حتى ألحق بالله عز وجل "أم سلمة: هي أم موسى بن عبد الله". وعن الأعمش قال: بكى حذيفة في صلاته، فلما فرغ التفت فإذا رجل خلفه فقال: لاتعلمنّ بهذا أحداً. ذكر وفاة حذيفة رضي الله عنه2: عن زياد مولى ابن عياش قال حدثني من دخل على حذيفة في مرضه الذي مات فيه فقال لولا اني ارى ان هذا اليوم آخر يوم من الدنيا وأول من الآخرة لم اتكلم به اللهم انك اعلم اني كنت أحب الفقر على الغنى واحب الذلة على العز واحب الموت على الحياة حبيب جاء على فاقة لا افلح من ندم ثم مات رحمه الله.

_ 1 انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 7/317. وحلية الأولياء. 2 أنظر سير اعلام النبلاء 4/33.

وعن أبي وائل قال لما ثقل حذيفة أتاه اناس من نبي عبس فأخبرني خالد بن الربيع العبسي قال اتيناه وهو بالمدائن حين دخلنا عليه جوف الليل فقال لنا أي ساعة هذه قلنا جوف الليل أو آخر الليل فقال أعوذ بالله من صباح إلى النار ثم قال أجئتم معكم باكفان قلنا نعم قال فلا تغالوا باكفاني فانه ان يكن لصاحبكم عند الله خير فانه يبدل بكسوته كسوة خيرا منها والا يسلب سلبا. وعن أبي إسحاق ان صلة بن زفر حدثه ان حذيفة بعثني وأبا مسعود فابتعنا له كفنا حلة قصب بثلثمائة درهم قال ارياني ما ابتعتما لي فاريناه فقال ما هذا لي بكفن إنما يكفنني ريطيان بيضاوان ليس معهما قميص فاني لا اترك إلا قليلا حتى ابدل خيرا منهما فابتعنا له ريطتين بيضاوين. قال أهل السير مات حذيفة بعد قتل عثمان رضي الله عنه باشهر.

أبو الدداح ثابت بن الدحداح رضي الله عنه

71- أبو الدداح ثابت بن الدحداح رضي الله عنه: شهد أحداً وقتل يومئذ روى الواقدي عن عبد الله بن عامر قال قال ثابت بن الدحداح يوم أحد والمسلمون أوزاع يا معشر الانصار إلي إلي ان كان محمد قد قتل فان اله حي لا يموت فقاتلوا عن دينكم فنهض إليه نفر من الأنصار فجعل يحمل بمن معه وقد وقفت له كتيبة خشناء فيها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة فحمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فأنفذه فوقع ميتا وقتل من كان معه. قال الواقدي وبعض اصحابنا من رواة العلم يقولون أنه برأ من جراحه ومات على فراشه من جرح كان أصابه وانتقض عليه مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية. وعن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت هذه الاية: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} [البقرة: 245] قال أبو الدحداح الأنصاري وان الله ليريد منا القرض قال: "نعم يا أبا الدحداح" قال ارني يدك يا رسول قال فنأوله رسول الله يده قال فاني قد اقرضت ربي حائطي قال وحائطه له فيه ستمائة نخلة وام الدحداح فيه وعيالها قال فجاء أبو الدحداح فنادى يا ام الدحداح قالت لبيك قال اخرجي من الحائط فقد اقرضته ربي عز وجل. وفي رواية اخرى انها لما سمعته يقول ذلك عمدت إلى صبيانها تخرج ما في افواههم وتنفض ما في اكمامهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح" 1.

_ 1 صحيح أخرجه مسلم في الجنائز حديث 965. باب 37. نهى النساء عن اتباع الجنائز وغسل الميت.

وعن أنس ان رجلا اتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول ان لفلان نخلة وان قوام حائطي بها فامره ان يعطيني اياها حتى اقيم بها حائطي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعطها اياه بنخلة في الجنة" فابى فاتي أبو الدحداح الرجل فقال بعني نختلك بحائطي ففعل فأتي أبو الدحداح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني ابتعت النخلة بحائطي. فاجعلها له فقد اعطيتكها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة" قالها مرارا فاتي أبو الدحداح امراته فقال يا أم الدحداح اخرجي من الحائط فقد بعته بنخلة في الجنة فقالت ربح البيع ربح البيع أو كلمة تشبهها1.

_ 1 أنظر المتقدم:

خبيب بن عدي بن مالك

72- خبيب بن عدي بن مالك: شهد أحداً مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيمن بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بني لحيان فأسروه هو وزيد بن دثنة فباعوهما من قريش فقتلوهما وصلبوهما بمكة بالتنعيم. وروى البخاري من حديث أبي هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عينا فامر عليهم عاصم بن ثابت حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا إليهم بقريب من مائة رجل رام فاقتصوا اثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا تمر يثرب فاتبعوا اثارهم فلما احس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا لهم أنزلوا فاعطوا بايديكم ولكم العهد والميثاق ان لا نقتل منكم أحداً فقال عاصم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة ونزل إليهم نفر على العهد والميثاق منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر. فلما استمكنوا منهم اطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر فوالله لا اصحبكم ان لي بهؤلاء اسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه فأبى ان يصحبهم فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم اسيرا حتى اجمعوا قتله فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فاعارته فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموس بيده قالت ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال اتخشين ان اقتله ما كنت لافعل ذلك قالت والله ما رأيت اسيرا قط خيرا من حبيب والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وانه لموثق بالحديد وما

بمكة من ثمرة وكانت تقول أنه لرزق رزقه الله خبيبا فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب دعوني اصلي ركعتين فتركوه فركع ركعتين وقال والله لولا ان تحسبوا ان ما بي جزع لزدت اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحداً. وقال: ولست ابالي حين اقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الاله وان يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة1. وأبو سروعة أسلم وروى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واخرج له البخاري في الصحيح ثلاثة احاديث. وقال سعيد بن عامر بن حذيم شهدت مصرع خبيب وقد بضعت قريش لحمه ثم حملوه على جذعة فقالوا اتحب ان محمدا مكانك فقال والله ما أحب اني في أهلي وولدي وان محمدا شيك بشوكة ثم نادى يا محمد. عن إبراهيم بن اسماعيل قال أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عينا إلى قريش قال فجئت إلى خشبة خبيب وانا اتخوف العيون فرقيت فيها فحللت خبيبا فوقع إلى الأرض فانتبذت عنه غير بعيد ثم التفت فلم ار خبيبا ولكإنما ابتلعته الأرض لم ير لخبيب اثر حتى الساعة. وقد روي عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال كنت فيمن حضر قتل خبيب فلقد رأيت ابا سفيان حين دعا خبيب فقال اللهم احصهم عددا يلقيني إلى الأرض فزعا من دعوة خبيب وكانوا يقولون ان الرجل إذا دعي عليه فاضطجع زالت عنه الدعوة.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في الجهاد والسير حديث 3045. باب 170. هل يستأسر الرجل؟ ومن يستأسر ومن ركع ركعتين عند القتل.

أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد عم أنس بن مالك

73- أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد عم أنس بن مالك: شهد أحداً وقتل يومئذ قال الواقدي لما جال المسلمون يوم أحد تلك الجولة ونادى

_ 73- هو: أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار أنظر أسد الغابة 1/182. رقم 263.

ابليس قتل محمد مر أنس بن النضر يقاتل فرأى عمر ومعه رهط فقال ما يقعدكم قالوا قتل رسول الله. صلى الله عليه وسلم قال فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم جالد بسيفه حتى قتل. وعن أنس ان عمه غاب عن بدر فقال غبت عن أول قتال قاتله النبي. صلى الله عليه وسلم لئن اشهدني الله مع النبي. صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما افعل فلقي يوم أحد فهزم الناس فقال اللهم اني اعتذر اليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين وأبرأ اليك مما جاء به المشركون فتقدم بسيفه فلقي سعد بن معاذ فقال إلى اين يا سعد اني أجد ريح الجنة دون أحد فمضى فقتل فماعرف حتى عرفته اخته بشامة أو ببنانه وبه بضع وثمانون من بين طعنة وضربة ورمية بسهم أخرجاه في الصحيحين. وعن أنس ان الربيع بنت النضر عمته لطمت جارية فكسرت سنها فعرضوا عليهم الارش فأبوا فطلبوا العفو فأتوا النبي. صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص فجاء أخوها أنس بن النضر فقال يا رسول الله اتكسر سن الربيع والذي بعثك بالحق لا تكسر سنها قال يا أنس كتاب الله القصاص فعفا القوم فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم ان من عباد الله من لو اقسم على الله لأبره1 أخرجه البخاري عن الأنصاري.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في الجهاد حديث 2806. باب 12. قول الله عزوجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا} .

البراء بن مالك

74- البراء بن مالك ابن النضر بن ضمضم اخو أنس بن مالك لأبيه ولامه شهد أحداً وما بعدها مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم كان شجاعا قتل مائة مبارزة. قال ابن سيرين كتب عمر لا تستعملوا البراء على جيش من جيوش المسلمين فانه مهلكة يقدم بهم. وقال أنس بن مالك ركب البراء فرسا يوم اليمامة ثم قال ايها الناس انها والله الجنة وما لي إلى المدينة سبيل فمصع فرسه مصعات ثم كبس وكبس الناس معه فهزم الله المشركين فكانت في مدينتهم ثلمة. وعن محمد بن سيرين ان المسلمين انتهوا إلى حائط قد اغلق بابه فيه رجال من المشركين فجلس البراء بن مالك على ترس وقال ارفعوني برماحكم فالقوني إليهم ففعلوا فادركوه وقتل منهم عشرة.

وعن أنس بن مالك قال استلقى البراء بن مالك على ظهره ثم ترنم فقال له أنس أي أخي تغنى إلى متى هذا فاستوى جالسا فقال اتراني اموت على فراشي وقد قتلت مائة من المشركين مبارزة سوى من شاركت في قتله1. وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو اقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك" 2 وان البراء لقي زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له يا براء ان رسول الله. صلى الله عليه وسلم قال: انك لو اقسمت على الله لابرك فاقسم على الله فقال اقسمت عليك يا رب لما منحتنا اكتافهم فمنحوا اكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا اقسم يا براء على ربك فقال اقسمت عليك يا رب لما منحتنا اكتافهم والحقتني بنبيي صلى الله عليه وسلم فمنحوا اكتافهم وقتل البراء شهيدا. وفي رواية اخرى لما كان يوم تستر انكشف المسلمون فقال اقسمت عليك يا رب لما منحتنا اكتافهم والحقتني بنبيك فاستشهد.

_ 1 ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات 7/17. وفيه أبو سهل البصري ضعيف وقيل: متروك قاله أسلم وابن المبارك وعمرو بن علي وغيرهم أنظر تحرير تقريب التهذيب 3/245. 2 حسن: أخرجه الترمذي في المناقب حديث 3854. باب 55. مناقب البراء بن مالك رضي الله عنه.

ثابت بن قيس بن شماس

75- ثابت بن قيس بن شماس: كان خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نعم الرجل ثابت بن قيس3 فلما كان يوم اليمامة انهزم المسلمون فقال ثابت اف لهؤلاء ولما يعبدون ولهؤلاء ولمايصنعون يا معشر الأنصار خلوا ثنيتي لعلي اصلي بحرها ساعة قال ورجل قائم على ثلمة فقتله وقتل. وعن أنس ان ثابت بن قيس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ولبس ثوبين ابيضين يكفن فيهما وقد انهزم القوم فقال اللهم اني ابرأ اليك مما جاء به هؤلاء المشركون واعتذر اليك مما صنع هؤلاء ثم قال بئس ما عودكم اقرانكم منذ اليوم خلوا بيننا وبينهم ساعة فحمل فقاتل حتى قتل.

_ 75- هو: ثابت بن قيس بن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك أمه امرأة من طيء يكنى أبا محمد بابنه محمد وقيل: عبد الرحمن. 3 صحيح: أخرجه الترمذي في كتاب المناقب حديث 3795. باب 33. مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.

أبو الدرداء عويمر بن زيد

76- أبو الدرداء عويمر بن زيد وقيل: ابن عامر وفي اسمه خلاف قد ذكرته في كتاب التلقيح ويختلفون هل شهد أحداً أم لا؟ وقد شهد مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة وولاه عمر بن الخطاب القضاء بدمشق. عن معأوية بن قرة قال قال أبو الدرداء اطلبوا العلم فان عجزتم فاحبوا أهله فان لم تحبوهم فلا تبغضوهم. وعن ميمون بن مهران قال قال أبو الدرداء ويل للذي لا يعلم مرة ولوشاء الله علمه ويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات. وعن أبي وائل قال قال أبو الدرداء اني لامركم بالامر وما افعله ولكني أرجو فيه الاجر وان ابغض الناس إلي ان اظلمه من لا يستعين علي إلا الله. عن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء قال تفكر ساعة خير من قيام الليل1. عن عون هو ابن عبد الله قال سئلت أم الدرداء ما كان افضل عمل أبي الدرداء قالت التفكير والاعتبار رواهما الإمام أحمد2. وعن الضحاك قال قال أبو الدرداء يا أهل دمشق انتم الاخوان في الدين والجيران في الدار والأنصار على الاعداء ما يمنعكم من مودتي وإنما مؤنتي على غيركم مالي ارى علماء كم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون واراكم قد اقبلتم على ما تكفل لكم به وتركتم ما امرتم به إلا ان قوما بنوا شديدا وجمعوا كثيرا واملوا بعيدا فاصبح بنيانهم قبورا واملهم غرورا وجمعهم بورا إلا فتعلموا وعلموا فان العالم والمتعلم في الاجر سواء ولا خير في الناس بعدهما. وعن ابن أبي ليلى قال كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري: أما بعد فان العبد إذا عمل بطاعة الله احبه الله فإذا احبه الله حببه إلى خلقه وإذا عمل بمعصية الله ابغضه الله فإذا ابغضه الله بغضه إلى خلقه. وعن أنس عن أبي الدرداء قال اغد عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تك الرابع فتهلك قلت للحسن ما الرابع قال المبتدع.

_ 1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 671. 2 أخرجهما الإمام أحمد في الزهد ص 168. ط الريان وأبو نعيم في الحلية 669, 670.

وعن حبيب بن عبيد ان رجلا اتي أبا الدرداء فقال له أوصني فقال له اذكر الله عز وجل في السراء يذكرك في الضراء فإذا اشرفت على شيء من الدنيا فانظر إلى ماذا يصير رواه أحمد. ابنا أبو سعيد الكندي عمن أخبره عن أبي الدرداء أنه قال يا حبذا نوم الاكياس وافطارهم كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم ومثقال ذرة من بر مع تقوى ودين اعظم وافضل وارجح من امثال الجبال من عبادة المغترين من الحلية لأبي نعيم عن الإمام أحمد1. وعن علي بن حوشب عن أبي الدرداء قال اخوف ما أخاف ان يقال لي يوم القيامة اعلمت أم جهلت فان قلت علمت لا تبقى آية امرة أو زاجرة إلا أخذت بفريضتها الامرة هل ائتمرت والزاجرة هل ازدجرت فأعوذ بالله من علم لا ينفع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع2 رواه الإمام أحمد. وعن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء قال إنما اخشى على نفسي ان يقال لي على رؤوس الخلائق يا عويمر هل علمت فاقول نعم فيقال ماذا عملت فيما علمت؟ عن سالم عن أم الدرداء قالت دخل علينا يوما أبو الدرداء مغضبا فقلت مالك فقال والله ما اعرف فيهم شيئا من أمر محمد. صلى الله عليه وسلم إلا انهم يصلون جميعا. وعن سالم بن أبي الجعد ان رجلا صعد إلى أبي الدرداء إلى غرفة له وهو يلتقط حبا فقال أبو الدرداء ان من فقه الرجل رفقه في معيشته. عن عبد الرزاق قال ابنا معمر عن صاحب له ان أبا الدرداء كتب إلى سلمان يا أخي اغتنم صحتك وفراغك قبل ان ينزل بك من البلاء ما لا يستطيع العباد رده واغتنم دعوة المبتلى يا أخي ليكن المسجد بيتك فاني سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول: "المساجد بيت كل تقي وقد ضمن الله عز وجل لمن كانت المساجد بيوتهم بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله عز وجل" ويا أخي ارحم اليتيم وادنه واطعمه من طعامك فاني سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول وأتاه رجل يشتكي قساوة قلبه فقال رسول الله: "اتحب أن يلين قلبك" فقال نعم قال: "ادن اليتيم منك وامسح رأسه واطعمه من طعامك فان ذلك يلين قلبك وتقدر على حاجتك" يا أخي لا تجمع ما لا تستطيع شكره فاني

_ 1 صحيح: أخرجه الإمام أحمد في الزهد ص: 171. وأبو نعيم في الحلية 687. 2 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء رقم 700.

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجاء بصاحب الدنيا يوم القيامة الذي اطاع الله عز وجل فيها وهو بين يدي ماله وماله خلفه وكلما تكفأ به الصراط قال له صاحبه امض فقد اديت الحق الذي كان عليك" قال ويجاء بالذي لم يطع الله عز وجل فيه وماله بين كتفيه فيعثره ماله ويقول له ويلك هلا عملت بطاعة الله عز وجل فلا يزال كذلك حتى يدعو بالويل ويا أخي حدثت انك اشتريت خادما واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال العبد من الله وهو منه ما لم يخدم فإذا خدم وجب عليه الحساب" وان أم الدرداء سالتني خادما وانا يومئذ موسر فكرهت ذلك لماسمعت من الحساب ويا أخي لا تغترن بصحابة رسول الله. صلى الله عليه وسلم فانا عشنا بعده دهرا طويلا والله اعلم بالذي اصبنا بعده1. وعن جابر قال خطب يزيد بن معاوية إلى أبي الدرداء ابنة أم الدرداء فقال رجل من جلساء يزيد اصلحك الله تأذن لي ان اتزوجها قال أعزب ويلك قال فاذن لي اصلحك الله فاذن له فانكحها أبو الدرداء الرجل قال فسار ذلك في الناس ان يزيد خطب إلي أبي الدرداء فرده وخطب إليه رجل من ضعفاء المسلمين فانكحه قال فقال أبو الدرداء اني نظرت للدرداء فما ظنكم بالدرداء إذا قامت على رأسها الخصيان ونظرت في بيوت يلتمع فيها بصرها اين دينها منها يومئذ؟ رواه الإمام أحمد2. وروي أيضاً من حديث لقمان بن عامر عن أبي الدرداء قال معاتبة الاخ خير له من فقده ومن لك باخيك كله اعط اخاك ولن له ولا تطع به حاسدا فتكون مثله. غدا يأتيك الموت فكفيك قتله كيف تبكيه بعد الموت وفي الحياة تركت وصله؟ وقال ان ناقدت الناس ناقدوك وان تركتهم لم يتركوك وان هربت منهم ادركوك قال يا أبا الدرداء فما تامرني قال هب عرضك ليوم فقرك وما تجرع مؤمن جرعة أحب إلى الله عز وجل من غيظ كظمه فاعفوا يعزكم الله. وقال اياكم ودعوة اليتيم ودعوة المظلوم فانها تسري بالليل والناس نيام. وقال ما تصدق مؤمن بصدقة أحب إلى الله عز وجل من موعظة يعظ بها قومه فيفترقون قد نفعهم الله عز وجل بها.

_ 1 صحيح: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 702. وعبد الرزاق في المصنف حديث 20029. 2 صحيح: أخرجه الإمام أحمد في الزهد ص: 175.

وعن حزام بن حكيم قال قال أبو الدرداء لو تعلمون ما انتم راؤون بعد الموت لما اكلتم طعما على شهوة ولا شربتم شرابا على شهوة ولا دخلتم بيتا تستظلون به ولخرجتم إلى الصعدات تضربون نفوسكم وتبكون على انفسكم ولوددت اني شجرة تعضد ثم تؤكل. يزيد بن مرثد أبو عثمان عن أبي الدرداء أنه قال ذروة الايمان الصبر للحكم والرضا بالقدر والاخلاص للتوكل والاستسلام للرب عز وجل. وروى أحمد عن فرات بن سليمان ان أبا الدرداء كان يقول ويل لكل جماع فاغر فاه كانه مجنون يرى ما عند الناس ولايرى ما عند الله عزوجل لو يستطيع لوصل الليل بالنهار ويله من حساب غليظ وعذاب شديد. قال وكان يقول أحب الموت وتكرهونه واحب الفقر وتكرهونه اين الذين املوا بعيدا وجمعوا كثيرا وبنوا شديدا فاصبح املهم غرورا واصبح جمعهم بورا واصبحت منازلهم قبورا؟ وفي رواية اخرى أحب الموت اشتياقا إلى ربي عز وجل واحب الفقر تواضعا لربي عز وجل واحب المرض تكفيرا لخطيئتي. وعن ابن جابر قال كان أبو الدرداء يقول تبنون شديدا وتأملون بعيدا وتموتون قريبا. وعن محمد بن سعد الأنصاري عن أبي الدرداء قال استعيذوا بالله من خشوع النفاق قيل وما خشوع النفاق قال ان يرى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع رواه الإمام أحمد. وعن معاوية بن صالح عن أبي الدرداء قال إذا اصبح الرجل اجتمع هواه وعمله فان كان عمله تبعا لهواه فيومه يوم سوء وان ان كان هواه تبعا لعمله فيومه يوم صالح. وعن عبد الرحمن بن محمد المحاربي قال بلغني ان أبا الدرداء كتب إلى اخ له أما بعد فلست في شيء من أمر الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك وهو صائر له أهل بعدك وليس لك منه إلا ما قدمت لنفسك فاثرها على المصلح من ولدك فانك تقدم على من لا يعذرك وتجمع لمن لا يحمدك وإنما تجمع لواحد من اثنين أما عامل فيه بطاعة الله عز وجل فيسعد بما شقيت واما عامل فيه بمعصية الله عز وجل فيشقى بما جمعت له وليس والله

واحد منها بأهل ان تبرد له على ظهرك وان تؤثره على نفسك ارج لمن مضى منهم رحمة الله وثق لمن بقي منهم برزق الله عز وجل والسلام من الحلية1. وعن محمد بن يزيد الرحبي قال قيل لأبي الدرداء ما لك لا تشعر فانه ليس رجل له بيت في الأنصار إلا وقد قال شعرا؟ قال وانا قد قلت فاسمعوا: يريد المرء ان يعطي مناه ... ويابى الله إلا ما اراد يقول المرء فائدتي ومالي ... وتقوى الله افضل ما استفادا2 وعن يحيى بن سعيد قال قال أبو الدرداء ادركت الناس ورقا لا شوك فيه فاصبحوا شوكا لا ورقة فيه ان نقدتهم نقدوك وان تركتهم لا يتركوك قالوا فكيف نصنع قال تقرضهم من عرضم ليوم فقرك. وعن قتادة قال أبو الدرداء ابن آدم طأ الأرض بقدمك فانها عن قليل تكون قبرك ابن آدم إنما أنت أيام فكلما ذهب يوم ذهب بعضك ابن آدم انك لم تزل في هدم عمرك من يوم ولدتك امك. وعن روح بن الزبرقان قال قال أبو الدرداء ما من أحد إلا وفي عقله نقص عن حلمه وعلمه وذلك أنه إذا اتته الدنيا بزيادة في مال ظل فرحا مسرورا والليل والنهار دائبان في هدم عمره لا يحزنه ذلك ضل ضلاله ما ينفع مال يزيد وعمر ينقص؟ وعن جبير بن نفير قال لما فتحت قبرس فرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض ف رأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي فقلت يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله قال ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا تركوا امره بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فرأيتهم كما نرى. وعن شرحبيل ان أبا الدرداء كان إذا رأى جنازة قال اغدوا فانا رائحون وروحوا فانا غادون موعظة بليغة وغفلة سريعة كفى بالموت واعظا يذهب الأول فالأول ويبقى الآخر لا حلم له. عن الأوزعي وعن بلال بن سعد أنه سمعه يقول كان أبو الدرداء يقول: اللهم اني أعوذ بك من تفرقة القلب قيل وما تفرقة القلب قال ان يوضع في كل واد مال.

_ 1 أنظر حلية الأولياء رقم 708. 2 أنظر حلية الأولياء رقم 759.

وعن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال ان الذين ألسنتهم رطبة بذكر الله عز وجل يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك. وعن حسان بن عطية ان اصحابا لأبي الدرداء تضيفوه فضيفهم فمنهم من بات على ثيابه كما هو فلما اصبح غدا عليهم فعرف ذلك منهم فقال ان لنا دارا لها نجمع واليها نرجع. وعن محمد بن كعب أن ناساً نزلوا على أبي الدرداء ليلة قرّة فارسل لهم بطعام سخن ولم يرسل الايهم بلحف. فقال بعضهم لقد ارسل إلينا بالطعام فما هنأنا مع القُرّ لا انتهي أو ابين له. قال الاخر: دعه فأبى فجاء حتى وقف على الباب رآه جالساً وامرأته ليس عليها من الثياب إلا ما يذكر. فرجع الرجل وقال: ما اراك بت إلا بنحو ما بتنا به. قال: ان لنا داراً ننتقل إليها قدّمنا ولحفنا إليها ولو ألقيت عندنا منه شيئاً لأرسلنا اليك به، وان بين أيدينا عقبة كَؤوداً المخفّ فيها خير من المثقل، افهمت ما اقول لك؟ قال نعم. رواه أحمد1. وعن أبي قلابة ان أبا الدرداء مرّ على رجل قد أصاب ذنباً فكانوا يسبونه. فقال: ارأيتم لو وجتموه في قليب الم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبوا اخاكم وأحمدوا الله عز وجل الذي عافاكم. قالوا: افلا تبغضه؟ قال: إنما ابغض عمله، فإذا تركه فهو أخي. رواه الطبراني2. وعن سليم بن عامر عن أبي الدرداء قال: نعم صومعة المرء المسلم بيته يكفّ لسانه وفرْجه وبصره، وإياكم ومجالس الأسواق فانها تلهي وتُلغي. ذكر وفاة أبي الدرداء رضي الله عنه: عن معاوية بن قرة أن أبا الدرداء اشتكى فدخل عليه أصحابه فقالوا: ما تشتكي؟ قال: أشتكي ذنوبي. قالوا: فما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنة. قالوا: أفلا ندعو لك طبيباً؟ قال: هو الذي أضجعني. عن لقمان بن عامر عن أم الدرداء أنها قالت اللهم إن أبا الدرداء خطبني فتزوجني في الدنيا اللهم فأنا خطبه إليك فأسألك أن تزوجنيه في الجنة فقال لها أبو الدرداء فان أردت ذلك وكنت أنا الأول فلا تزوجي بعدي قال فمات أبو الدرداء وكان لها جمال وحسن

_ 1 صحيح: أخرجه الإمام أحمد في الزهد ص: 171. 2 صحيح: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء رقم 757.

فخطبها معاوية فقالت لا والله لا اتزوج زوجا في الدنيا حتى اتزوج أبا الدرداء ان شاء الله عز وجل في الجنة. عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال قالت أم الدرداء ان احتجت بعدك ااكل الصدقة قال لا اعملي وكلي قالت فان ضعفت عن العمل قال التقطي السنبل ولا تاكلي الصدقة. عن اسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء ان أبا الدرداء لما احتضر جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا من يعمل لمثل ساعتي هذه من يعمل لمثل مضحعي هذا ثم يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الانعام: 110] . اسماعيل بن عبيد الله ان أبا مسلم قال جئت أبا الدرداء وهو يجود بنفسه فقال إلا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا إلا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه ثم قبض رحمه الله. وعن عوف بن مالك الاشجعي قال رأيت في المنام كاني اتيت مرجا اخضر فيه قبة من آدم حولها غنم ربوض تجتر وتبعر العجوة فقلت لمن هذه فقيل لعبد الرحمن بن عوف فانتظرته حتى خرج من القبة فقال يا عوف بن مالك هذا ما اعطانا الله عز وجل ب القرآن ولو اشرفت على هذه الثنية ل رأيت ما لم تر عينك وسمعت ما لم تسمع اذنك ولم يخطر على قلبك اعده الله عز وجل لأبي الدرداء لانه كان يدفع الدنيا بالراحتين والنحر. محمد بن سعد قال أخبرنا الواقدي توفي أبو الدرداء بدمشق سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان وله عقب بالشام. وأخبرني غير الواقدي عنثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال توفي أبو الدرداء بالشام سنة إحدى وثلاثين.

عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام السلمي

77- عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام السلمي: شهد أحداً وله من الولد معاذ ومعوذ وخلاد شهدوا بدراً وقتل عمرو بن الجموح وهو وابنه خلاد يوم أحد. عن عكرمة ان عمرو بن الجموح كان مناف في بيته يعني صنما فلما قدم مصعب بن

_ 77- هو: عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة الخزرجي الأنصاري والد معاذ ومعوذ وخلاد وعبد الرحمن وهند سير أعلام النبلاء 3/157. ترجمة 49.

عمير المدينة يعلم الناس القرآن بعث إليهم عمرو ما هذا الذي جئتمونا به؟ فقالوا ان شئت جئناك فاسمعناك فواعدهم يوما فقرأوا عليه: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [يوسف: 1, 2] فقال ان لنا مؤامرة في قومنا وكان سيد يني سلمة قال فخرجوا فدخل على مناف فقال يا مناف تعلم والله ما يريد القوم غيرك فهل عندك من نكير فقلده السيف وخرج لحاجته فقام أهله فأخذوا السيف فلما رجع دخل عليه فلم ير السيف فقال اين السيف ويحك والله ان العنز لتمنع استها والله ما أرى في أبي جعار غدا من خير ثم قال اني ذاهب إلى مالي بعلياء المدينة فاستوصوا بمناف خيرا فاني اكره ان أرى له يوم سوء فذهب فأخذوه فربطوه وكسروه وربطوه إلى جنب كلب ميت والقوه في بئر فلما جاء قال كيف انتم قالوا بخير يا سيدنا وسع الله عز وجل في منازلنا وطهر بيوتنا من الرجس قال والله اني لاراكم قد اساتم خلافتي في مناف قالوا هو ذاك انظر إليه في جنب البئر فاشرف فإذا هم قد ربطوه إلى جنب كلب فبعث إلى قومه فجاؤوا فقال الستم على ما أنا عليه قالوا بلى أنت سيدنا قال فاني اشهدكم اني قد امنت بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم: فلما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوموا بنا إلى جنة عرضها السموات والأرض اعدت للمتقين" فقام وهو اعرج فقال والله لاخفرن عليها في الجنة فقاتل حتى قتل1. وفي رواية اخرى أنه لما رأى صنمه في البئر انشأ يقول: الحمد لله العلي ذي المنن ... الواهب الزراق ديان الدين هو الذي انقذني من قبل ان ... أكون في ظلمة قبر مرتهن والله لو كنت الها لم تكن ... أنت وكلت وسط بئر في قرن فالآن فتشناك عن شر الغبن2 وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني سلمة من سيدكم" قالوا جد ابن قيس على اننا نبخله قال: "واي داء أدوأ من البخل بل سيدكم الابيض عمرو بن الجموح" 3. محمد بن سعد قال ابنا الواقدي لم يشهد عمرو بدراً وكان اعرج فلما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى أحد منعه بنوه وقالوا قد عذرك الله فأتى النبي. صلى الله عليه وسلم فقال ان بني

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في الإمارة حديث 1901. باب 1. ثبوت الجنة للشهيد. 2 أنظر أسد الغابة 4/207, 208. 3 حسن: أخرجه البخاري في الأدب المفرد حديث 296.

يريدون ان يحبسوني عن الخروج معك والله اني لأرجو ان أطأ بعرجتي هذه في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أنت فقد عذرك الله ولا جهاد عليك ثم قال لبنيه لا عليكم ان لاتمنعوه لعل الله عز وجل يرزقه الشهادة فخلوا عنه". قالت امراته هند بنت عمرو بن حرام كاني انظر إليه موليا وقد أخذ درقته وهو يقول اللهم لا تردني إلى أهل حزبي وهي منازل بني سلمة. قال أبو طلحة فنظرت إلى عمرو حين انكشف المسلمون ثم ثابوا وهو في الرعيل الأول لكاني انظر إلى ظلع في رجله يقول أنا والله مشتاق إلى الجنة ثم انظر إلى ابنه خلاد يعدو في اثره حتى قتلا جميعا. وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه ان عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريين كان السيل قد خرب قبرهما وكانا في قبر واحد وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرامن مكانهما فوجدا لم يتغيرا كإنما ماتا بالأمس وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فامطيت يده عن جرحه ثم ارسلت فعادت كما كانت وكان بين أحد ويوم حفر عنهما ست واربعون سنة رضي الله عنهما.

أبو قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه

78- أبو قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه: شهد أحداً وما بعدها من المشاهد وكان من الفرسان المذكورين ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم بارك له في شعره وبشره" 1 فتوفي وهو ابن سبعين سنة وكانه ابن خسمة عشر سنة وبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم على جرح كان به قال فما ضرب علي قط ولا قاح وتوفي بالمدينة سنة اربع وخمسين وقيل بالوقفة.

_ 1 ضعيف: أخرجه الحاكم في المستدرك حديث 6032.

جابر بن عبد الله بن عامر بن حرام

79- جابر بن عبد الله بن عامر بن حرام: يكنى أبا عبد الله شهد العقبة مع السبعين وكان اصغرهم يومئذ واراد شهود بدر فخلفه أبوه على اخواته وكن تسعاً وخلفه أيضاً يوم أحد ثم شهد ما بعد ذلك. عن جابر قال2 اقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانفتل الناس فلم

_ 2 حسن: أخرجه الشاشي في المسند حديث 617. في مناقب أبي عبيدة بن الجراح وغيره.

يبق مع النبي. صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا أنا فيهم فانزل الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً} [الجمعة: 11] . توفي جابر سنة ثمان وسبعين بالمدينة بعد ان ذهب بصره.

زيد بن الدثنة بن معاوية رضي الله عنه

80- زيد بن الدثنة بن معاوية رضي الله عنه: شهد أحداً واستؤثر يوم الرجيع مع خبيب بن عدي فباعوهما من قريش فقتلا بمكة وكان الذي ابتاع زيدا صفوان بن أمية فقتله بابيه فحضره نفر من قريش فيهم أبو سفيان فقال قائل يا زيد انشدك بالله اتحب انك الان في أهلك وان محمدا عندنا مكانك فقال والله ما أحب ان محمدا يشاك في مكانه شوكة تؤذيه وانا جالس في أهلي فقال أبو سفيان والله ما رأيت من قوم قط اشد حبا لصاحبهم من أصحاب محمد له1.

_ 80- هو: زيد بن الدثنة بفتح الدال وكسر المثلثة بعدها نون ابن معاوية الأنصاري البياضي شهد بدرا وأحدا وكان في غزوة بئر معونة فأسره المشركون وقتلته بالتنعيم الإصابة 1/548. 1 صحيح: أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 3/326. في أمر خبيب.

ومن الطبقة الثالثة من المهاجرين والأنصار ممن شهد الخندق وما بعدها

ومن الطبقة الثالثة من المهاجرين والأنصار ممن شهد الخندق وما بعدها: 81- خالد بن الوليد ابن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم. يكنى أبا سليمان. وأمه عصماء وهي لبابة الصغرى بنت الحارث اخت أم الفضل امرأة العباس. المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث قال: سمعت أبي يحدّث قال: قال خالد ابن الوليد رضي الله عنه: لما أراد الله بي ما أراد من الخير قذف في قلبي حب الإسلام وحضرني رشدي وقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد فليس موطن اشهده إلا انصرفت وانا أرى في نفسي اني موضع في غير شيء وان محمداً سيظهر. ودافته قريش بالراح يوم الحديبية فقلت اين المذهب؟ وقلت أخرج إلى هرقل. ثم قلت: أخرج من ديني إلى نصرانية أو يهودية فأقيم مع عجم تابعاً لها مع عيب ذلك علي؟ ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام القضية فتغيّبت فكتب إلي أخي. "لم أرَ أعجب ذهاب رائك عن الإسلام وعقلُك عقلُك ومثل الإسلام جهله أحد؟ وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك فقال: " أين خالد؟ " فقلت: يأتي الله به. فقال: "ما مثل خالد جهل الإسلام" فاستدركْ يا أخي ما فاتك. فلما أتاني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرتني مقالة النبي صلى الله عليه وسلم فأرى في المنام كاني في بلاد ضيقة جدبة فخرجت إلى بلد اخضر واسع فقلت ان هذه لرؤيا فذكرتها بعدُ لأبي بكر فقال: هو مخرجك الذي هداك الله فيه للأسلام، والضيق الشِرْك فأجمعت الخروج إلى رسول الله وطلبت مَن أصاحب فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذي اريد فأسرع في الإجابة وخرجتا جميعاً فادلجْنا سحراً فلما كنا بالهدة إذا

_ 81- هو: خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن كعب سيف الله وفارس الإسلام وليث المشاهد السيد الإمام الكبير قائد المجاهدين توفي سنة 21هـ.

عمرو بن العاص فقال: مرحباً بالقوم. فقلنا: وبك. فقال: أين مسيركم؟ فأخبرناه وأخبرنا أنه يريد أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم. فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة على رسول صلى الله عليه وسلم أول يوم من صفر سنة ثمان فلما طلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة فرّد عليّ السلام بوجه طلق فأسلمت فقال رسول الله. صلى الله عليه وسلم: "قد كنت أرى لك عقلاً رجوت ان لا يسلمك إلا إلى خير". وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت: استغفر لي كل ما أوضعتُ فيه من صدٍ عن سبيل الله فقال: " ان الإسلام يحب ما قبله" ثم استغفر لي. وتقدم عمرو وعثمان بن طلحة فأسلما. فو الله ما كان رسول الله. صلى الله عليه وسلم من يوم أسلمت يعدل بي أحداً من أصحابه فيما يُحزِبه. وعن إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت قال لما كان يوم مؤته وقتل الامراء أخذ الواء ثابت بن اقرم وجعل يصيح يا للأنصار فجعل الناس يثوبون إليه فنظر إلى خالد بن الوليد فقال خذ اللواء يا أبا سليمان فقال لا أخذه أنت احق به لك سن وقد شهدت بدراً قال ثابت خذه ايها الرجل فوالله ما أخذته إلا لك وقال ثاتب للناس اصطلحتم على خالد قالوا نعم فحمل اللواء وحمل باصحابه ففض جمعا من المشركين. وعن قيس بن أبي حازم قال سمعت خالد بن الوليد يقول لقد انقطع في يدي يوم مؤتة تسعة اسياف وصبرت في يدي صفحية لي يمانية. وعن عبد الملك بن عمير قال استعمل عمر أبا عبيدة بن الجراح على الشام وعزل خالد بن الوليد قال: فقال خالد بن الوليد بعث عليكم امين هده الامة اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "امين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح" فقال أبو عبيدة سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول: " خالد سيف من سيوف الله نعم فتى العشيرة"1. قال العلماء بالسير بعث رسول الله خالد بن الوليد في سرايا وخرج معه في غزاة الفتح والى حنين وتبوك وفي حجة الوداع فلما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه اعطاه ناصيته فكانت في مقدم قلنسوته فكان لا يلقي أحداً إلا هزمه. ولما خرج أبو بكر رضي الله عنه إلى أهل الردة كان خالد بن الوليد يحمل لواءه فلما تلاحق الناس به استعمل خالدا ورجع إلى المدينة وكان خالد يقول ما ادري من أي يومي افر

_ 1 حسن: أخرجه الشاشي في مسنده 2/93. حديث 617. في مناقب أبي عبيدة بن الجراح وغيره.

من يوم أراد الله عز وجل ان يهدي لي فيه شهادة أو من يوم أراد الله عز وجل انيهدي لي فيه كرامة؟ ولما عزله عمر بن الخطاب لم يزل مرابطا بحمص حتى مرض فدخل عليه أبو الدرداء عائدا فقال ان خيلي وسلاحي على ما جعلته في سبيل الله عز وجل وداري بالمدينة صدقة قد كنت اشهدت عليها عمر بن الخطاب ونعم العون هو على الإسلام وقد جعلت وصيتي وانفاذ عهدي إلى عمر فقدم بالوصية على عمر فقبلها وترحم عليه ومات خالد فقبر في بعض قرى حمص على ميل من حمص سنة إحدى وعشرين فحكى من غسله أنه ما كان في جسمه موضع صحيح من بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم. وعن عبد الرحمن بن أبي الزناد ان خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة بكى فقال لقد لقيت كذا وكذا زحفا وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا اموت على فراشي حتف انفي كما يموت العير فلا نامت اعين الجبناء. وعن شقيق بن سلمة قال لما مات خالد بن الوليد اجتمع نسوة بني المغيرة في دار خالد يبكين عليه فقيل لعمر انهن قد اجتمعن فانههن فقال عمر وما عليهن ان يرقن دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة. قال وكيع النقع الشق واللقلقة الصوت رضي الله عنه.

عبد الله بن عمرو بن العاصي بن وائل رضي الله عنه

82- عبد الله بن عمرو بن العاصي بن وائل رضي الله عنه. أسلم قبل أبيه واستاذن النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه ما يسمع منه فاذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الف مثل وكان عالما متعبدا. عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن عمرو قال استاذنت النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة ما سمعت منه فاذن لي فكتبته فكان عبد الله يسمي صحيفته الصادقة. وعن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال زوجني أبي امرأة من قريش فلما دخلت علي جعلت لا انحاش لها مما بي من القوة على العبادة من الصلاة والصوم فجاء عمرو بن العاص إلى كنته حتى دخل عليها فقال كيف وجدت بعلك قالت خير الرجال أو كخير البعولة من رجل لم يفتش لنا كنفا ولم يعرف لنا فراشا فاقبل علي فعذلني وعضلني بلسانه فقال انكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت؟. قال ثم انطلق إلى النبي. صلى الله عليه وسلم فشكاني فارسل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال لي: "اتصوم

النهار؟ قلت نعم قال: "وتقوم الليل؟ " قلت نعم قال: "ولكني اصوم وافطر واصلي وانام وامس النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" وقال: "اقرأ القرآن في كل شهر" قلت اني أجدني اقوى من ذلك قال: " فاقراه في كل عشرة أيام" قلت اني أجدني اقوى من ذلك قال أحدهما أما حصين واما مغيرة قال: " فاقرأه في كل ثلاث" قال: "صم في كل شهر ثلاثة أيام" إني اقوى من ذلك قال فلم يزل يرفقني حتى قال: "صم يوما وافطر يوما فانه افضل الصيام وهو صيام أخي دأود" قال حصين في حديثه ثم قال صلى الله عليه وسلم: "فان لكل عابد شرة ولكل شرة فترة فاما إلى سنة واما إلى بدعة فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غاير ذلك فقد هلك". قال مجاهد فكان عبد الله بن عمرو حين ضعف وكبر يصوم الايام يصل بعضها إلى بعض ليتقوى بذلك ثم يفطر بعدد تلك الايام قال وكان يقرأ من حزبه كذلك يزيد احيانا ويتقص احيانا غير أنه يوفي العدد أما في سبع واما في ثلاث قال ثم كان يقول بعد ذلك لان أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي مما عدل به لكني فارقته على أمر اكره ان اخالفه إلى غيره1 انفرد باخراجه البخاري. وعن أبي كثير عن عبد الله بن عمرو قال تجمعون فيقال اين فقراء هذه الامة ومساكينها قال فيبرزون فيقال ما عندكم فيقولون يا رب ابتلينا فصبرنا وأنت اعلم ووليت الاموال والسلطان غيرنا قال فيقال صدقتم قال فيدخلون الجنة قبل سائر الناس بزمان وتبقى شدة الحساب على ذوي الاموال. وعن خالد بن معدان عن ابن عمر قال ارواح المؤمنين في جوف طير خضر كالزرازير يتعارفون ويرزوقون من ثمر الجنة. وعن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو وقال لو تعلمون حق العلم لسجدتم حتى تنقصف ظهوركم ولصرختم حتى تنقطع اصواتكم فابكوا فان لم تجدوا البكاء فتباكوا. وعن يعلى بن عطاء عن أمه انها كانت تصنع الكحل لعبد الله بن عمرو قالت وان كان ليقوم بالليل فيطفىء السراج ثم يبكي حتى رصعت عيناه. وعن عبد الله بن هبيرة عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال لان ادمع دمعة من خشية الله عز وجل أحب إلي من ان تصدق بالف دينار.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في التهجد حديث 1131. باب 7. من نام عند السحر 5052. في فضائل القرآن وأبونعيم في الحلية 973. واللفظ له.

وعن سلمان بن ربيعة أنه حج في عصابة من قراء أهل البصرة فقال والله لا نرجع حتى نلقي رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مرضيا يحدثنا بحديث فلم نزل نسأل حتى حدثنا ان عبد الله بن عمرو لنازل في اسفل مكة فعمدنا إليه فإذا نحن بثقل عظيم ويرتحلون ثلثمائة راحلة منها مائة راحلة ومائتا زاملة فقلنا لمن هذا الثقل فقالوا لعبد الله بن عمرو فقلنا اكل هذا له وكنا نحدث أنه من اشد الناس تواضعا فقالوا لنا أما هذه المائة راحلة فلاخوانه يحملهم عليها واما المائتان فلمن نزل عليه من أهل الامصار ولاضيافه فعجبنا من ذلك فقالوا لا تعجبوا من هذا لان عبد الله رجل غني وانه يرى حقا عليه ان يكثر من الزاد لمن نزل عليه من الناس فقلنا دلونا عليه فقالوا أنه في المسجد الحرام قال فانطلقنا نطلبه حتى وجدناه في دبر الكعبة حالسا بين بردتين وعمامة ليس عليه قميص قد علق نعليه في شماله1. وعن هارون بن رئاب قال لما حضرت عبد الله بن عمرو الوفاة قال أنه كان خطب إلي ابنتي رجل من قريش وقد كان مني إليه شبيه بالوعد فوالله لا القى الله عز وجل بثلث النفاق اشهدوا اني قد زوجتها اياه. قال محمد بن سعد قال محمد بن عمر وتوفي عبد الله بن عمرو بالشام سنة خمس وستين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. قلت وقد زعم قوم أنه مات بمكة ويقال بالطائف ويقال بمصر رحمه الله ورضي الله عنه2.

_ 1 أبو نعيم في الحلية حديث 999. وهو صحيح. 2 أنظر سير أعلام النبلاء 4/266.

سعيد بن عامر بن حذيم

83- سعيد بن عامر بن حذيم ان سلامان بن ربيعة الجمحي أسلم قبل خيبر وشهدها مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم وما بعدها. عن عبد الرحمن بن سابط قال ارسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعيد بن عامر فقال أنا مستعملوك على هؤلاء فسر بهم إلى أرض العدو فتجاهد بهم فقال يا عمر لا تفتني فقال عمر والله لا ادعكم جعلتموها في عنقي ثم تخليتم مني. وعنه قال دعا عمر بن الخطاب رجلا من بني جمح يقال له سعيد بن عامر بن حذيم فقال له اني مستعملك على أرض كذا وكذا فقال لا تفتني يا امير المؤمنين فقال والله لا

ادعك قلد تموها في عنقي وتركتموني فقال عمر إلا نفرض لك رزقا قال قد جعل الله تعالى في عطائي ما يكفيني دونه أو فضلا على ما اريد. قال وكان إذا خرج عطاؤه ابتاع لأهله قوتهم وتصدق ببقيته فتقول له امراته اين فضل عطائك فيقول لها قد اقرضته فأتاه ناس فقالوا ان لأهلك عليك حقا وان لاصهارك عليك حقا فقال ما أنا بمستأثر عليهم ولا بملتمس رضا أحد من الناس لطلب الحور العين ولو اطلعت خيرة من خيرات الجنة لاشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس وما أنا بمتخلف عن العنق الأول بعد ان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجمع الله عز وجل الناس ليوم فيجيء فقراء المؤمنين فيزفون كما يزف الحمام فيقال لهم قفوا عند الحساب فيقولون ما عندنا حساب ولا تيتمونا شيئا فيقول ربهم عز وجل صدق عبادي فيفتح لهم باب الجنة فيدخلونها قبل الناس بسبعين عاما". فبلغ عمر أنه يمر به كذا وكذا لا يدخن في بيته فارسل إليه عمر بمال فأخذه فصرره صررا فتصدق به يمينا وشمالا وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو ان حوراء اطلعت اصبعا من اصابعها لوجد ريحها كل ذي روح" فانا ادعهن لكن فوالله لانتن احرى ان ادعكن لهن منهن لكن"1. وعن حسان بن عطية قال لما عزل عمر بن الخطاب معاوية بن أبي سفيان عن الشام بعث سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي قال فخرج معه بجارية من قريش نضيرة الوجه قال فما لبث إلا يسيرا حتى اصابته حاجة شديدة قال فبلغ ذلك عمر فبعث إليه بالف دينار قال فدخل بها على امراته فقال ان عمر بعث إلينا بما ترين فقالت لو انك اشتريت ادما وطعاما وادخرت سائرها فقال لها أولا ادلك على افضل من ذلك نعطي هذا المال من يتجر لنا فيه فناكل من ربحها وضمانها عليه قالت فنعم إذا فاشترى ادما وطعاما واشترى غلامين وبعيرين يمتاران عليهما حوائجهم وفرقها على المساكين وأهل الحاجة. قال فما لبث إلا يسير حتى قالت له امراته أنه قد نفد كذا وكذا فلو اتيت ذلك الرجل فأخذت لنا من الربح فاشتريت لنا مكانه قال فسكت عنها ثم عاودته فسكت عنها حتى آذته ولم يدخل بيته إلا من ليل إلى ليل. قال وكان رجل من أهل بيته ممن يدخل بدخوله فقال لها ما تصنعين انك قد اذيته وانه قد تصدق بذلك قال فبكت اسفا على ذلك المال.

_ 1 أخرجه الطبراني وابن عساكر في تاريخ دمشق وعزاه صاحب كنز العمال للحسن بن سفيان أنظر كنز العمال 39469.

قال ثم أنه دخل عليها يوما فقال على رسلك أنه كان لي أصحاب فارقوني منذ قريب ما أحب اني صددت عنهم وان لي الدنيا وما فيها ولو ان خيرة من خيرات الجنان اطلعت من السماء لاضاءت لأهل الأرض ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر ولنصيف تكسى خير من الدنيا وما فيها فلأنت في نفسي احرى ان ادعك لهن من ان ادعهن لك قال فسمحت ورضيت1. وعن مالك بن دينار قال لما أتى عمر رضي الله عنه الشام طاف بكورها قال فنزل بحضرة حمص فامر ان يكتبوا له فقراءهم قال فرفع إليه الكتاب فإذا فيه سعيد بن عامر بن حذيم اميرها فقال من سعيد بن عامر قالوا اميرنا قال اميركم قالوا نعم فعجب عمر ثم قال كيف يكون اميركم فقيرا اين عطاؤه اين رزقه؟ قالوا يا امير المؤمنين لا يمسك شيئا قال فبكى عمر ثم عمد إلى إلى الف دينار فصرها ثم بعث بها إليه وقال اقرئوه مني السلام وقولوا بعث بهذه اليك امير المؤمنين تستعين بها على حاجتك قال فجاء بها إليه الرسول فنظر فإذا هي دنانير. قال فجعل يسترجع قال تقول له امراته ماشانك يا فلان امات امير المؤمنين قال بل اعظم من ذلك قالت فما شأنك قال الدنيا اتتني الفتنة دخلت علي قالت فاصنع فيها ما شئت قال عندك عون قالت نعم قال فأخذ دريعة فصر الدنانير فيها صرارا ثم جعلها في مخلاة ثم اعترض جيشا من جيوش المسلمين فامضاها كلها فقالت له امراته رحمك الله لو كنت حبست منها شيئا نستعين به قال فقال لها اني سمعت رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول: "لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى أهل الأرض لملأت ريح مسك" واني والله ما كنت لاختارك عليهن فسكتت. وعن خالد بن معدان قال استعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحمص سعيد بن عامر بن حذيم فلما قدم عمر حمص قال يا أهل حمص كيف وجدتم عاملكم فشكوه إليه وكان يقال لأهل حمص الكويفة الصغرى لشكايتهم العمال قالوا نشكو اربعا لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار قال اعظم بها قال وماذا قالوا لا يجيب أحداً بليل قال وعظيمة قال وماذا قالوا له يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا قال عظيمة قال وماذا قالوا يغنظ الغنظة بين الايام أي تأخذه موتة.

_ 1 أنظر حلية الأولياء 823.

قال فجمع عمر بينهم وبينه وقال اللهم لا تفيل رايي فيه اليوم ما تشتكون منه قالوا لا يخرج حتى يتعالى النهار قال والله ان كنت لاكره ذكره ان ليس لأهلي خادم فاعجن عجينهم ثم اجلس حتى يختمر ثم اخبز خبزي ثم اتوضا ثم أخرج إليهم. فقال ما تشتكون منه قالوا لا يجيب أحداً بليل قال ما يقولون قال ان كنت لاكره ذكره اني جعلت النهار لهم وجعلت الليل لله عز وجل قال وما تشكون منه قالوا ان له يوما في الشهر لا يخرج إلينا فيه قال ما يقولون قال ليس لي خادم يغسل ثيابي ولا ثياب ابدلها فاجلس حتى تجف ثم ادلكها ثم أخرج إليهم من آخر النهار قال ما تشكون منه قالوا يغنظ بين الايام قال ما يقولون قال شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة وقد بضعت قريش لحمه ثم حملوه على جذع فقالوا اتحب ان محمدا مكانك فقال والله ما أحب اني في أهلي وولدي وان محمدا شيك بشوكة ثم نادى يا محمد فما ذكرت ذلك اليوم وتركي نصرته في تلك الحال وانا مشرك لا اؤمن بالله العظيم إلا ظننت ان الله عز وجل لا يغفر لي بذلك الذنب أبداً فتصيبني تلك الغنظة فقال عمر الحمد لله الذي لم يفيل فرأستي فبعث إليه بالف دينار وقال استعن بها على حاجتك فقالت امراته الحمد لله الذي اغنانا عن خدمتك فقال لها فهل لك في خير من ذلك ندفعها إلى من يأتينا بها احوج ما نكون إليها قالت نعم فدعا رجلا من أهله يثق به فصررها صررا ثم قال انطلق بهذه إلى ارملة ال فلان والى مسكين ال فلان والى مبتلي ال فلان فبقيت منها ذهيبة فقال انفقي هذه ثم عاد إلى عمله فقالت إلا تشتري لنا خادما ما فعل ذلك المال قال سيأتيك الحوج ما تكونين1. ذكر وفاة سعيد: محمد بن سعد قال قال الواقدي مات سعيد في سنة عشرين في خلافة عمر رضي الله عنه.

_ 1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 824.

أبو جندل بن سهيل بن عمرو رضي الله عنه

84- أبو جندل بن سهيل بن عمرو رضي الله عنه. أسلم قديما بمكة فحبسه أبوه في الحديد ومنعه الهجرة فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية وأتاه سهيل بن عمرو فقاضاه على ما قاضاه عليه أقبل أبو جندل يرسف في قيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلماراه أبوه قال يا محمد هذا أول من اقاضيك عليه فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيه لان الصلح كان قد تم بينهم وكان فيه ان من جاء المسلمين إلى المشركين لم يردوه عليهم ومن جاء من المشركين إلى المسلمين ردوه عليهم

فقال أبو جندل يا معشر المسلمين ارد إلى المشركين ليفتنوني عن ديني فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا اباجندل أنا قد قاضيناهم ولا بد من الوفاء فاصبر فان الله عز وجل سيجعل لك فرجا ومخرجا". ثم أنه افلت منهم يزل ولم يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ثم خرج إلى الشام مجاهدا فمات بها في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة1.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الشروط حديث 2731, 2732. باب 15. الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط.

عياض بن غنم بن زهير رضي الله عنه

85- عياض بن غنم بن زهير رضي الله عنه. أسلم قبل الحديبية وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما حضرت أبا عبيدة الوفاة ولاه عمله فاقره عمر. وكان سمحا يعطي ما يملك فكلم عمر فيه وقيل يبذر المال فقال ان سماحه في ذات يده فإذا بلغ مال الله عز وجل لم يعط منه شيئا ولا أعزل من ولاه أبو عبيدة وكان عياض على حمص فكان افتتاح الجزيرة والرهاء وحران والرقة على يديه سنة ثمان عشرة صالحهم فكتب كتابا. وعن موسى بن عقبة قال لما ولي عياض بن غنم قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته فلقيهم بالبشر وانزلهم واكرمهم فاقاموا اياما ثم كلموه في الصلة وأخبروه بما لقوا من المشقة في السفر رجاء صلته فاعطى كل رجل منهم عشرة دنانير وكانوا خسمة فردوها وتسخطوا ونالوا منه فقال أي بني عم والله ما انكر قرابتكم ولا حقكم ولا بعد شقتكم ولكن والله ما حصلت إلى ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي وببيع ما لا غنى بي عنه فاعذروني قالوا والله ما عذرك الله فانك والي نصف الشام وتعطي الرجل منا ما جهده ان يبلغه إلى أهله قال فتامرونني اسرق مال الله فوالله لان اشق بالمنشار أحب إلي من ان اخون فلسا أو اتعدى قالوا قد عذرناك في ذات يدك فولنا اعمالا من اعمالك نؤدي ما نؤدي الناس اليك ونصيب من المنفعة مايصيبون وأنت تعرف حالنا وانا ليس نعدو ما جعلت لنا قال والله اني لاعرفكم بالفضل والخير ولكن يبلغ عمر اني وليت نفرا من قومي فيلومني قالوا فقد

_ 85- هو: عياض بن غنم بن زهير بن أبي شداد أبو سعيد الفهري ممن بايع بيعة الرضوان واستخلفه قرابته أبو عبيدة بن الجراح لما احتضر على الشام توفي سنة 20هـ.

ولاك أبو عبيدة وأنت منه في القرابة بحيث أنت فانفذ ذلك عمر فلو وليتنا لانفذه قال اني لست عند عمر كابي عبيدة فمضوا لائمين له. ومات رضي الله عنه وما له مال في سنة عشرين وهو ابن ستين سنة رضي الله عنه.

ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

86- ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. يكنى أبا عبد الله أصابه سباء فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتقه فلم يزل معه حتى قبض ثم نزل حمص فمات سنة اربع وخمسين. عن عبد الرحمن بن يزيد عن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يتقبل لي بواحدة واتقبل له بالجنة" قال قلت أنا قال: "فلا تسأل الناس شيئا". فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا تقول لأحد ناولنيه حتى ينزل فيتناوله1.

_ 86- هو: ثوبان النبوي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى ابا عبد الله ويقال: أبا عبد الرحمن وقيل: هو يماني واسم أبيه جحدر وقيل: وقيل بجدد توفي سنة 54 هـ. 1 صحيح: أخرجه أبو داود في الزكاة حديث 1643. باب كراهية المسألة وابن ماجة في الزكاة حديث 1837. باب 25. كراهية المسألة.

سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

87- سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسمه مهران ويكنى أبا عبد الرحمن من مولدي الاعراب. عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال اشترتني أم سلمة فاعتقتني واشرطت علي ان اخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عشت فقلت أنا ما أحب ان افارق النبي صلى الله عليه وسلم ما عشت. وعن سعيد بن جمهان قال سألت سفينة عن اسمه فقال سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة قلت وبم سماك سفينة قال خرج معه أصحابه فثقل عليهم متاعهم فقال لي ابسط كساءك فبسطته فحولوا فيه متاعهم ثم حملوه عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احمل فما أنت إلا سفينة2. وعن محمد بن المنكدر عن سفينة أنه ركب سفينة في البحر فانكسرت بهم. قال فتعلقت بشيء منها حتى خرجت إلى جزيرة فإذا فيها الاسد فقلت أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فطأطأ رأسه وجعل يدفعني بجنبه يدلني على الطريق فلما خرجت إلى الطريق همهم فظننت أنه يودعني رضي الله عنه.

_ 87- هو: سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبد الرحمن كان عبدا لأم سلمة فأعتقته وشرطت عليه خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاش توفي سنة 71هـ. 2 صحيح: أخرجه أحمد في المسند حديث 21983.

الحكم بن عمرو بن مجدع رضي الله عنه

88- الحكم بن عمرو بن مجدع رضي الله عنه. صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض ثم تحول إلى البصرة فولاه زياد بن سفيان خراسان فخرج إليها. عن الحسن ان زيادا بعث الحكم بن عمرو على خراسان ففتح الله عز وجل عليهم واصابوا اموالا عظيمة فكتب إليه زياد أما بعد فان امير المؤمنين كتب إلي ان اصفي الصفراء والبيضاء ولا تقسم بين الناس ذهبا ولا فضة. فكتب إليه سلام عليك أما بعد فانك كتبت تذكر كتاب امير المؤمنين واني وجدت كتاب الله قبل كتاب امير المؤمنين وانه والله لو كانت السموات والأرض رتقا على عبد فاتقى الله عز وجل لجعل الله لو منهما فرجا ومخرجا والسلام عليك. ثم قال للناس اغدوا على فيئكم فاقتسموه1. قال ابن سعد وابنا علي بن محمد القرشي قال فلم يزل الحكم على خرسان حتى مات بها سنة خمسين رحمه الله.

_ 88- هو: الحكم بن عمرو الغفاري الأمير أخو رافع بن عمرو وهما من بني ثعيلة وثعيلة أخو غفار نزل الحكم البصرة وله صحبة ورواية وفضل وصلاح ورأي وإقدام توفي سنة 50هـ. 1 ضعيف: أخرجه الحاكم في المستدرك حديث 5869. وابن سعد في الطبقات الكبرى.

جندع بن ضمرة الضمري رضي الله عنه

89- جندع بن ضمرة الضمري رضي الله عنه. عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ان جندع بن ضمرة كان بمكة فمرض فقال لأهله اخرجوني من مكة فانه قد قتلني غمها فقالوا إلى اين فأوما بيده إلى هاهنا نحو المدينة يريد الهجرة فخرجوا فلما بلغوا اضاة بني غفار مات فانزل الله عز وجل فيه: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100] رحمه الله2.

_ 2 أخرجه ابن جرير في جامع البيان في تفسير سورة النساء الآية 100. فائدة: قال عكرمة مولى ابن عباس: طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته والذي ذكره عكرمة هو: ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة زنبتع.

واثلة بن الاسقع رضي الله عنه

90- واثلة بن الاسقع رضي الله عنه. يكنى أبا قرصافة عن محمد بن سعد قال أتى واثلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى معه الصبح وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى وانصرف تصفح أصحابه فما دنا من واثلة قال: "من أنت" فأخبره فقال: "ماجاء بك" قال جئت ابايع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فيما أحببت وكرهت" قال نعم قال: "فيما اطقت" قال نعم فأسلم وبايعه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز يومئذ إلى تبوك فخرج واثلة إلى أهله فلقي أباه الاسقع فما رأى حاله قال فد فعلتها قال نعم قال أبوه والله لا اكلمك أبداً. فأتى عمه فسلم عليه فقال فد فعلتها قال نعم قال فلامه ايسر من ملامة أبيه وقال لم يكن ينبغي لك ان تسبقنا بامر. فسمعت اخت واثلة كلامه فخرجت إليه وسلمت عليه بتحية الإسلام فقال واثلة انى لك هذا يا اخية قالت سمعت كلامك وكلام عمك فأسلمت فقال جهزي اخاك جهاز غاز فان رسول الله على جناح سفر فجهزته فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحمل إلى تبوك وبقي غبرات منم الناس وهم على الشخوص فجعل ينادي بسوق بني فينقاع من يحملني وله سهمي قال وكنت رجلا لا رحلة بي قال فدعاني كعب بن عجرة فقال أنا احملك عقبة بالليل وعقبة بالنهار ويدك اسوة يدي وسهمك لي قال واثلة نعم قال واثلة جزاه الله خيرا لقد كان يحملني ويزيدني واكل معه ويرفع لي حتى إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى اكيدر ابن عبد الملك بدومة الجندل خرج كعب في جيش خالد وخرجت معه فاصبنا فيئا كثيرا فقسمه خالد بيننا فاصابني ست قلائص فاقبلت اسوقها حتى جئت بها خيمة كعب بن عجرة فقلت أخرج رحمك الله فانظر إلى قلائصك فاقبضها فخرج وهو يبتسم ويقول بارك الله لك فيها ما حملتك وانا اريد ان أخذ منك شيئا.؟ أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنا أحمد بن أحمد قال أنا أحمد بن عبد الله قال أنا محمد بن علي قال أنا عبد الله بن سلام قال أنا هشام بن عمارة قال أنا صدقة بن خالد قال أنا زيد بن واقد عن بشر بن عبد الله عن واثلة بن الاسقع رضي الله عنه قال كنا أصحاب

_ 90- هو: واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر وقيل: واثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل بن ناشب الليثي أسلم سنة تسع وشهد غزوة تبوك وكان من فقراء المسلمين رضي الله عنه. طال عمره توفي سنة 85.

الصفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فينا رجل له ثوب ولقد اتخذ العرق في جلودنا طرقا من الغبار إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ليبشر فقراء المهاجرين" ثلاثا1. كان واثلة من أهل الصفة فلما قبض رسول الله خرج إلى الشام فمات بها سنة خمس وثمانين وهو ابن ثمان وتسعين سنة.

_ 1 صحيح: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1395.

معاوية بن معاوية الليثي العلائي رضي الله عنه

91- معاوية بن معاوية الليثي العلائي رضي الله عنه. أبو محمد الثقفي قال سمعت أنس بن مالك يقول كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم نرها طلعت فيما مضى فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا جبريل ما لي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم ارها طلعت به فيما مضى قال ذاك ان معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم فبعث الله عز وجل إليه سبعين الف ملك يصلون عليه قال وفيم ذاك قال كان يكثر قراءة {قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ} بالليل والنهار وفي ممشاه وقيامه وقعوده قال يزيد أو قائما أو قاعدا فهل لك يا رسول الله ان اقبض لك الأرض حتى تصلي عليه قال نعم قال فصلى عليه ثم رجع رحمه الله عليه والسلام.

ذو البجادين

92- ذو البجادين واسمه عبد الله بن عبد نهم بن عفيف رضي الله عنه. عن محمد بن سعد قال كان ذو البجادين يتيما لا مال له فمات أبوه ولم يورثه وكفله عمه حتى ايسر فلما قدم النبي المدينة دجعلت نفسه تتوق إلى الإسلام ولا يقدر عليه من عمه حتى مضت السنون والمشاهد فقال لعمه يا عم اني قد انتظرت اسلامك فلا اراك تريد محمدا فائذن لي في الإسلام فقال والله لئن اتبعت محمدا لا اترك بيدك شيئا كنت اعطيتكه إلا نزعته منه حتى ثوبيك قال فانا والله متبع محمدا وتارك عبادة الحجر وهذا ما بيدي فخذه فأخذ ما اعطاه حتى جرده من ازاره فأتى أمه فقطعت بجادا لها باثنين فائتزر بواحد وارتدى بالاخر ثم أقبل إلى المدينة وكان بورقان فاضطجع في المسجد في السحر وكان رسول الله. صلى الله عليه وسلم يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح فنظر إليه فقال: "من أنت؟ " فانتسب له وكان اسمع عبد العزى فقال: "أنت عبد الله ذو البجادين"، ثم قال: "أنزل مني

قريبا" فكان يكون في اضيافه حتى قرأ قرآنا كثيرا فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك قال ادع لي بالشهادة فربط النبي صلى الله عليه وسلم على عضده لحى سمرة وقال: " اللهم اني احرم دمه على الكفار" فقال ليس هذا اردت قال النبي صلى الله عليه وسلم: " انك إذا خرجت غازيا فأخذتك الحمى فقتلتك فغانت شهيد أو وقصتك دابتك فانت شهيد" فاقاموا بتبوك اياما ثم توفي. قال بلال بن الحارث حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفا بها وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "ادنيا إلى اخاكما" فلما هياه لشقه في اللحد قال: "اللهم اني قد امسيت عنه راضيا فأرض عنه" فقال ابن مسعود ليتني كنت صاحب اللحد1. وعن أبي وائل عن عبد الله قال والله لكأني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبر عبد الله ذي البجادين وأبو بكر وعمر يقول: "ادنيا إلي اخاكما" وأخذه من قبل القبلة حتى اسكنه في لحده ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم ووليا هما العمل فلما فرغ من دفنه استقبل القبلة رافعا يديه يقول: " اللهم اني امسيت عنه راضيا فأرض عنه" وكان ذلك ليلا فوالله لوددت اني مكانه ولقد أسلمت قبله بخمس عشر سنة2.

_ 1 أنظر حلية الأولياء 372, 373. 2 أنظر المصدر السابق.

عبد الله بن مغفل، أبو سعيد رضي الله عنه

93- عبد الله بن مغفل، أبو سعيد رضي الله عنه. وكان من البكائين، ومن الذين بعثهم عمر إلى البصرة يفقهونهم. عن خزاعي بن يزيد قال أُرِيَ عبد الله بن مُغَفّل أن الساعة قد قامت والناس يعرضون على مكانٍ قال: قد علمت أنه من جار ذلك المكان نجا. فذهبت أدنو منه فقال: وراءك اتريد ان تنجو وعندك ما عندك. قال: كلا والله قال فاستيقظت من الفزع فايقظ أهله وعنده تلك الساعة عيبة مملوءة دنانير فقال يا فلانة اريني تلك العيبة قبّحها الله وقبّح ما فيها. فما اصبح حتى قسمها فلم يدع ديناراً. فلما كان المرض الذي مات فيه أوصى أهله فقال: لا يليني إلا اصحابي ولا يصلي عليّ ابن زياد. فلما مات ارسلوا إلى أبي برزة وعائذ بن عمر ونفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فولوا

_ 93- هو: عبد الله بن مغفل بن عبد نهم بن عفيف المزني صحابي جليل من أهل بيعة الرضوان سكن المدينة ثم البصرة توفي سنة 60.

غسله وتكفينه، فلنا اخرجوه إذا بابن زياد في موكبه بالباب، فقيل له: أنه قد أوصى إلا تصلي عليه. فسار معه حتى إذا بلغ حدّ "البيضاء "مال إلى "البيضاء "وتركه. وتوفي عبد الله بالبصرة، رحمة الله عليه.

عمران بن حصين بن عبيد

94- عمران بن حصين بن عبيد: يكتى أبا نجيد، أسلم قديماً وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوات، ولم يزل في بلاد قومه، ثم تحول إلى البصرة فنزلها ومرض بها فسُقي بطنه فبقي ثلاثين سنة على سرير مثقوب. عن محمد بن سيرين قال: ما قدم البصرة أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل على عمران بن حصين1. وعنه قال سقي بطن عمران بن حصين ثلاثين سنة كل ذلك يعرض عليه الكي فيأبى ان يكتوى حتى كان قبل وفاته بسنتين فاكتوى. وعن مطرف عن عمران قال قد اكتوينا وما افلحنا وما انجحن يعني المكاوي. وعنه قال ارسل إلي عمران بن حصين في مرضه فقال أنه كان يسلم علي يعني الملائكة فان عشت فاكتم علي وان مت فحدث به ان شئت. وفي رواية عن قتادة كانت الملائكة تصافح عمران بن حصين حتى اكتوى فنتحت2. وقال مطرف قلت لعمران ما يمنعني من عيادتك إلا ما أرى من حالك قال فلا تفعل فان احبه إلي احبه إلى الله عز وجل وعن مطرف قال قال لي عمران بن حصين اشعرت أنه كان يسلم علي فلما انكويت انقطع التسليم فقلت له: أمن قبل رأسك كان يأتيك التسليم أم أم من قبل رجلك قال بلى من قبل رأسي فقلت اني لأرى إلا تموت حتى يعود ذلك فلما كان بعد قال لي اشعرت ان التسليم عاد إلي3 ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى مات رحمه الله. قال الواقدي توفي عمران بالبصرة قبل وفاة زياد بن أبي سفيان وكانت وفاة زياد في سنة ثلاث وخمسين.

_ 94- هو: عمران بن حصين بن عبيد بن خلف القدوة الإمام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو نجيد الخزاعي أسلم هو وأبوه وأبو هريرة في وقت سنة سبع وهو ممن اعتزل الفتنة توفي سنة 52هـ. 1 أنظر الإصابة 5/26. وسير أعلام النبلاء 4/126. 2 صحيح: أخرجه مسلم في الحج حديث 1226. باب 3. جواز التمتع. 3 أنظر المتقدم.

سلمة بن الاكوع رضي الله عنه

95- سلمة بن الاكوع رضي الله عنه. غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما: "خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة" 1. وعن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الاكوع أنه كان لا يساله أحد بوجه الله تعالى إلا اعطاه وكان يكرهها ويقول هي الالحاف. وتوفي سلمة بالمدينة سنة اربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة رحمه الله.

_ 95- هو: سلمة بن الأكوع واسم الأكوع: سنان بن عبد الله أبو عامر وأبو مسلم ويقال: أبو إياس الأسلمي الحجازي من أهل بيعة الرضوان توفي سنة 74هـ. 1 صحيح: أخرجه مسلم في الجهاد والسير حديث 1807. باب 45. غزوة ذي قرد وغيرها.

ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه.

96- ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه. أسلم قديما وكان من أهل الصفة وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ويبيت على بابه لحوائجه. عن نعيم بن ربيعة بن كعب قال كنت اخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم واقوم له في حوائجه نهاري اجمع حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الاخره فاجلس على بابه إذا دخل بيته اقول لعلها ان تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة فما ازال اسمعه يقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله وبحمده حتى أمل فارجع أو تغلبني عيني فارقد فقال لي يوما لما رأى من حفتي له وخدمتي اياه: "يا ربيعة سلني اعطك". قال فقلت انظر في امري يا رسول الله ثم اعلمك ذلك فقال ففكرت في نفسي فعلمت ان الدنيا منقطعة وزائلة وان لي فيها رزقا سيأتيني قال فقلت اسال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاخرتي فانه من عز وجل بالمنزل الذي هو به فجئته فقال ما فعلت يا ربيعة فقلت أسألك يا رسول الله ان تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار فقال: "من امرك بهذا يا ربيعة" فقلت لا والذي بعثك بالحق ما امرني به أحد ولكنك لما قلت سلني اعطك وكنت من الله بالمنزل أنت به نظرت في امري فعرفت ان الدنيا منقطعة وزائلة وان لي فيها رزقا سيأتيني فقلت اسال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاخرتي قال فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال لي: "اني فاعل فاعني على نفسك بكثرة السجود" 2.

_ 96- هو: ربيعة بن كعب بن مالك الأسلمي أبو فراس المدني صحابي من أهل الصفة ومنهم من فرق بين ربيعة وأبي فراس مات ربيعة سنة ثلاث وستين بعد الهجرة. 2 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1416.

ما زال ربيعة يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغزو معه فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فنزل على بريد من المدينة وبقي إلى أيام الحرة رحمه الله.

أبو هريرة رضي الله عنه

97- أبو هريرة رضي الله عنه. واختلفوا في اسمه واسم أبيه على ثمانية عشرة قولا قد ذكرتها في التلقيح واشهرها عبد شمس بن عامر فسمي في الإسلام عبد الله وكان له هرة صغيرة فكني بها. وقدم المدينة في سنة سبع ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فسار إلى خيبر حتى قدم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. عن قيس عن أبي هريرة قال لما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق شعرا: يا ليلة في طولها وعنائها ... على انها من دارة الكفر نجت قال وابق مني غلام لي في الطريق فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعته فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة هذا غلامك" فقلت هو حر لوجه الله تعالى فاعتقته1. وعن سليمان بن حيان قال سمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة يقول نشأت يتيما وهاجرت مسكينا وكنت اجيرا لبرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبة رحلي فكنت اخدم إذا نزلوا واحدوا إذا ركبوا فزوجنيها الله عز وجل فالحمد لله الذي جعل الدين قواما وجعل أبا هريرة اماما. وعن أبي كثير قال حدثني أبو هريرة قال ما خلق الله عز وجل مؤمنا يسمع بي ولا يراني إلا أحبني قلت وما علمت بذلك يا أبا هريرة قال ان امي كانت مشركة واني كنت ادعوها إلى الإسلام وكانت تأبى على فدعوتها يوما فاسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اكره فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا ابكي فقلت يا رسول الله اني كنت ادعو امي إلى الإسلام فكانت تابى علي واني دعوتها اليوم فاسمعتني فيك ما اكره فادع الله عز وجل ان يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اهد أم أبي هريرة" فخرجت اعدو لابشرها بدعاء رسول

_ 97- هو: أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة اختلفوا في اسمه واسم أبيه فذهب كثير إلى أن اسمه: عبد الرحمن بن صخر وذهب جمع من النسابين إلى أن اسمه عمرو بن عامر مات سنة سبع وقيل سنة ثمان وقيل تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة. 1 صحيح: أخرجه البخاري في العتق حديث 2530, 2531. باب 7. إذا قال لعبده: هو لله ونوى العتق والإشهاد في العتق.

الله. صلى الله عليه وسلم فلما أتيت الباب إذا هو مجاف وسمعت خضخضة الماء وسمعت خشخشة رجل فقالت أبا هريرة كما أنت ثم فتحت الباب وقد لبست درعها وعجلت عن خمارها فقالت اني أشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابكي من الفرح كما بكيت من الحزن فقلت يا رسول الله ابشر فقد استجاب الله دعاءك وقد هدى أم أبي هريرة وقلت يا رسول الله ادع الله لي ان يحببني وامي إلى عبادة المؤمنين ويحببهم إلينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبب عبيدك هذا إلى عبادك المؤمنين" فما خلق الله مؤمنا يسمع بي ولا يراني أو يرى امي إلا وهو يحبني1. وعن الاعرج قال قال أبو هريرة انكم تقولون ما بال المهاجرين لا يحدثون عن رسول الله. صلى الله عليه وسلم بهذه الأحاديث وما بال الأنصار لا يحدثون بهذه الأحاديث؟ وان اصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم في الاسواق وان اصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضوهم والقيام عليها واني كنت امرأ معتكفا وكنت أكثر مجالسة رسول الله. صلى الله عليه وسلم احضر إذا غابوا واحفظ إذا نسوا وان النبي. صلى الله عليه وسلم حدثنا يوما فقال من يبسط ثوبه حتى افرغ من حديثي ثم يقبضه إليه فانه ليس ينسى شيئا سمعه مني أبداً فبسطت ثوبي أو قال نمرتي ثم حدثنا فقبضته إلي فوالله ما نسيت شيئا سمعته منه وايم الله لولا آية من كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبداً {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة:159] الاية كلها أخرجاه في الصحيحين2. وعن مجاهد ان أبي هريرة رضي الله عنه كان يقول الله ان كنت لاعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وان كنت لاشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على الذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ما سالته إلا ليستتبعني فلم يفعل ثم مر عمر فسالته عناية من كتاب الله عز وجل ما سالته إلا ليستتبعني فلم يفعل فمر أبو القاسم. صلى الله عليه وسلم فعرف ما في وجهي وما في نفسي فقال: "يا أبا هريرة" فقلت لبيك يا رسول الله فقال: "الحق" فتبعته فدخل فاستاذنت فاذن لي فوجد قدحا فيه لبن فقال: "من اين لكم هذا اللبن؟ " فقالوا اهداه لنا فلان أو ال فلان فقال: "أبا هر" قلت لبيك يا رسول الله قال

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث 2491. باب 35. من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه. 2 صحيح: أخرجه البخاري في البيوع حديث 2047. ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2492. باب 35. من فضائل ابي هريرة رضي الله عنه.

انطلق إلى أهل الصفة" قال وأهل الصفة اضياف الإسلام ولم يأووا إلى أهل ولا مال إذا جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية أصاب منها وبعث إليهم منها وإذا جاءته الصدقة ارسل بها إليهم ولم يصب منها. قال فاحزنني ذلك وكنت أرجو ان اصيب من اللبن شربة اتقوى بها بقية يومي وليلتي فقلت أنا الرسول فإذا جاء القوم كنت أنا الذي اعطيهم فما يبقى لي من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد فانطلقت فدعوتهم فاقبلوا فاستاذنوا فاذن لهم فأخذوا مجالسهم من البيت ثم قال: "أبا هر خذ فاعطهم" فأخذت القدح فجعلت اعطيهم فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروى ثم يرد القدح حتى أتيت إلى آخرهم ودفته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ القدح فوضعه في يده وقد بقي فيه فضلة ثم رفع رأسه إلي وتبسم فقال: " أبا هر". فقلت لبيك يا رسول الله قال: "بقيت أنا وأنت". فقلت: صدقت. فقال صدقت يا رسول الله قال " فاقعد فاشرب" قال فقعدت فشربت ثم قال لي: " اشرب" فشربت فما زال يقول لي: "اشرب" واشرب حتى قلت والذي بعثك بالحق ما أجد لها في مسلكا قال: "ناولني القدح" فرددت إليه القدح فشرب من الفضلة انفرد باخراجه البخاري1. وعن عبد الرحمن بن عبيد عن أبي هريرة قال ان كنت لاتبع الرجل اساله عن الآية من كتاب الله عز وجل لانا اعلم بها منه ومن عشرته وما اتبعه إلا ليطعمني القبضة من التمر أو السفة من السويق أو الدقيق أسد بها جوعي. فاقبلت امشي مع عمر بن الخطاب ذات ليلة أحدثه حتى بلغ بابه فاسند ظهره إلى الباب فاستقبلني بوجهه فكلما فرغت من حديث حدثته آخر حتى اذا لم ار شيئا انطلقت فما كان بعد ذلك لقيني فقال أبا هريرة أما لوانه في البيت شيء لاطعمناك. وعن أبي رافع ان أبا هريرة قال ما أحد من الناس يهدي لي هدية إلا قبلتها فاما ان اسال فلم اكن لاسال. وعن عكرمة ان أبا هريرة كان يسبح في كل يوم اثنتي عشرة الف تسبيحة ويقول اسبح بقدر ذنبي. وعن نعيم بن محرز بن أبي هريرة عن جده أبي هريرة أنه كان له خيط فيه الفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في الرقاق حديث 6452. باب 17. كيف كان عيش النبي صلى اله عليه وسلم وأصحابه.

وعن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال لقد رايتني اصرع بين منبر رسول الله. صلى الله عليه وسلم وبين حجرة عائشة فيقول الناس أنه لمجنون وما بي جنون ما بي إلا الجوع. وعن سليمان بن أبي سليمان عن أبيه قال رأى أبو هريرة زنجية كانها شيطان فقال يا أبا سليمان اشتر لي هذه الزنجية فانطلقت فاشتريتها وهو على حمار معه ابن له فقال لابنه اردفها خلفي فكره ابنه فجعل ابنه يزجيه ليخرجه من السوق فقال اردفهاخلفي ويحك والله لشعلة من نار أجد مسها خلفي أحب إلي من ان ارغب عن هذه إلا احملها اني لو انتسبت وانتسبت لم نتجأوز إلا قليلا حتى نجتمع اردفها فاردفها خلفه. وعن أبي المتوكل ان أبا هريرة كانت له زنجية فرفع عليها السوط يوما فقال لولا القصاص لاغشيتك به ولكني سابيعك ممن يوفيني ثمنك اذهبي فانت لله عز وجل. وعن أبي عثمان النهدي قال تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامراته وخادمه يتعقبون الليل اثلاثا يصلي هذا ثم يوقظ هذا ويصلي هذا ثم يوقظ هذا. وعن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال ما وجع أحب إلي من الحمى لانها تعطي كل مفصل قسطه من الوجع وان الله تعالى يعطي كل مفصل قسطه من الاجر. وعن أبي العالية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال اتيت رسول الله. صلى الله عليه وسلم بتمرات فدعا فيهن بالبركة وقال: " اجعلهن في مزودك فإذا اردت ان تأخذ منه شيئا فادخل يدك فخذه ولا تنثره" فجعلته في مزودي فوجهت منه رواحل في سبيل الله تعالى وكنت اكل منه واطعم وكان من حقوتي حتى كان يوم قتل عثمان فوقع فذهب1. وعن ثعلبة بن أبي مالك القرظي ان أبا هريرة أقبل في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان فقال أوسع الطريق للامير يا ابن أبي مالك. فقلت: اصلحك الله يكفي هذا فقال أوسع الطريق للامير والحزمة عليه. ذكر وفاة أبي هريرة رضي الله عنه: عن سالم بن بشير بن حجل ان أبا هريرة بكى في مرضه فقيل له ما يبكيك؟ فقال أما أنه ما ابكى على دنياكم هذه ولكن ابكي على بعد سفري وقلة زادي واني اصبحت في صعود مهبط على جنة ونار لا ادري ايهما يؤخذ بي.

_ 1 حسن: أخرجه الترمذي في المناقب حديث 3839. باب 47. مناقب لأبي هريرة رضي الله عنه. وقال: هذا حديث حسن غريب.

وعن ابن شوذب قال لما حضرت أبا هريرة الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك؟ فقال بعد المفازة وقلة الزاد وعقبة كؤود المهبط منها إلى الجنة أو النار. توفي أبو هريرة بالمدينة ويقال بالعقيق سنة سبع وخمسين وقيل سنة تسع في آخر خلافة معاوية وله ثمان وسبعون سنة رحمه الله.

العلاء بن الحضرمي

98- العلاء بن الحضرمي. واسم الحضرمي عبد الله بن عماد بن سلمى من حضرموت أسلم قديما وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى العبدي بالبحرين بكتاب يدعوه فيه الإسلام وولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم البحرين ثم عزله عنها وولاها ابان بن سعيد ثم أعاد ابوبكر الصديق العلاء إلى البحرين وكتب إليه عمر رضي الله عنه ان سر إلى عتبة بن غزوان فقد وليتك عمله يعني البصرة فسار إليها فمات في الطريق سنة إحدى وعشرين وقيل اربع عشرة وقيل خمس عشرة. عن سهم بن منجاب قال غزونا مع العلاء بن الحضرمي دارين فدعا بثلاث دعوات فاستجيبت له فيهن نزلنا منزلا فطلب الماء ليتوضأ فلم يجده فقام فصلى ركعتين وقال اللهم أنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك اللهم اسقنا غيثا تتوضأ منه ونشرب إذا توضأنا لم يكن لأحد فيه نصيب غيرنا فسرنا قليلا فإذا نحن بماء حين اقلعت عنه السماء فتوضانا منه وتزودنا وملأت ادواتي وتركتها مكانها حتى انظر هل استجيب له أم لا فسرنا قليلا ثم قلت لاصحابي نسيت ادواتي فجئت إلى ذلك المكان فكأنه لم يصبه ماء قط ثم سرنا حتى اتينا دارين والبحر بيننا وبينهم فقال يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم أنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك اللهم فاجعل لنا إليهم سبيلا فتقحم البحر فخضنا ما يبلغ لبودنا فخرجنا إليهم فلما رجع أخذه رجع البطن فمات فطلبنا ماء نغسله فلم نجده فلففناه في ثيابه ودفناه. فسرنا غير بعيد فإذا نحن بماء كثير فقال بعضنا لبعض لو رجعنا فاستخرجناه فغسلناه فرجعنا فطلبناه فلم نجده فقال رجل من القوم اني سمعته يقول يا علي يا عظيم يا حليم اخف عليهم موتي أو كلمة نحوها ولا تطلع على عورتي أحداً. فرجعنا وتركناه. وعن عمرو بن ثابت قال دخلت في اذن رجل من أهل البصرة حصاة فعالجتها الاطباء

_ 98- هو: العلاء بن الحضرمي واسم أبيه: عبد الله بن عماد وكان حليف بني أمية صحابي جليل عمل على البحرين للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ومات سنة أربع عشرة وقيل: بعد ذلك.

فلم يقدروا عليه حتى وصلت إلى صماخه فاسهرت ليله ونغصت عيش نهاره فأتى رجلا من أصحاب الحسن فشكا ذلك إليه فقال ويحك ان كان شيء ينفعك الله به فدعوة العلاء بن الحضرمي التي دعا بها في البحر وفي المفازة. قال وما هي رحمك الله قال يا علي يا عظيم يا حليم يا عليم فدعا بها فوالله ما برحنا حتى خرجت من اذنه ولها طنين حتى صكت الحائط وبريء رحمه الله.

عمير بن سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس

99- عمير بن سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس. صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاه عمر رضي الله عنه حمص فاما أبوه سعد فشهد بدراً ويقال له سعد القاريء وهو الذي يروي الكوفيون أنه أبو زيد الذي جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل سعد بالقادسية شهيدا. عن أبي طلحة الخولاني قال اتينا عمير بن سعد في داره بفلسطين وكان يقال له نسيج وحده. وعن عبد الله بن هارون بن عنترة قال حدثني أبي عن جدي عن عمير بن سعد الأنصاري قال بعثه عمر بن الخطاب عاملا على حمص فمكث حولا لا يأتيه خبره فقال عمر لكاتبه اكتب إلى عمير فوالله ما اراه إلا قد خاننا إذا جاءك كتابي هذا فاقبل واقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا. قال فأخذ عمير جرابه فوضع فيه زاده وقصعته وعلق ادواته وأخذ عنزته ثم أقبل يمشي من حمص حتى قدم المدينة قال فقدم وقد شحب لونه واغبر وجهه وطالت شعرته فدخل على عمر فقال السلام عليك يا امير المؤمنين ورحمة الله قال عمر ما شأنك قال ما ترى من شاني الست تراني صحيح البدن ظاهر الدم معي الدنيا اجرها بقرونها قال عمروما معك وظن عمر أنه جاءه بمال قال معي جرابي اجعل فيه زادي وقصعتي اكل فيها ورأسي وثيابي وادواتي احمل فيها وضوئي وشرابي وعنزتي اتوكأ عليها واجاهد بها عدوا ان عرض لي فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي قال عمر فجئت تمشي قال نعم قال أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها قال ما فعلوا وما سألتهم ذلك فقال عمر:

_ 99- هو: عمير بن سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس الأنصاري الأوسي صحابي كان عمر يسميه: نسيج وحده بفتح النون وكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم جيم ثم واو مفتوحة ومهملة ساكنة وهي كلمة تطلق على الفائق.

بئس المسلمون خرجت من عندهم فقال عمير اتق الله يا عمر قد نهاك الله عن الغيبة وقد رأيتهم يصلون صلاة الغداة قال عمر فأين بعثتك واي شيء صنعت قال وما سؤالك يا امير المؤمنين قال عمر سبحان الله فقال عمير أما اني لولا اخشى ان اغمك ما أخبرتك بعثتني حتى أتيت البلد فجمعت صلحاء أهلها فوليتهم جباية فيهم حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه ولو نالك منه شيء لاتيتك به قال فما جئتنا بشيء قال لا قال جددوا لعمير عهدا قال ان ذلك شيء لا اعمله لك ولا لأحد بعدك والله ما سلمت بل لم أسلم لقد قلت لنصراني اخزاك الله فهذا ما عرضتني له يا عمر وان اشقى ايامي يوم خلفت معك. ثم استأذنه فاذن له فرجع إلى منزله وبينه وبين المدينة اميال فقال عمر حين انصرف عمير ما اراه إلا قد خاننا فبعث رجلا يقال له الحارث واعطاه مائة دينار وقال انطلق إلى عمير حتى تنزل به كأنك ضيف فان رأيت اثر شيء فاقبل وان رأيت حالا شديدا فادفع إليه هذه المائة الدينار فانطلق الحارث فإذا هو بعمير جالس يفلي قميصه إلى جنب الحائط فقال له عمير أنزل رحمك الله فنزل ثم ساءله فقال من اين جئت فقال من المدينة فقال كيف تركت امير المؤمنين فقال صالحا قال فكيف تركت المسلمين قال صالحين قال اليس يقيم الحدود قال بلى ضرب ابنا له على فاحشة فمات من ضربه فقال عمير اللهم اعن عمر فاني لا اعلمه إلا شديدا حبه لك. قال فنزل به ثلاثة أيام وليس لهم إلا قرصة من شعير كانوا يخصونه بها ويطوون حتى أتاهم الجهد فقال له عمير انك قد اجعتنا فان رأيت ان تتحول عنا فافعل. قال فاخرج الدنانير فدفعها إليه فقال بعث بها امير المؤمنين فاستعن بها قال فصاح وقال لا حاجة لي فيها فردها فقالت له امراته ان احتجت إليها والا فضعها في مواضعها فقال عمير والله ما لي شيء اجعلها فيه فشقت المرأة اسفل درعها فاعطته خرقة فجعلها فيها ثم خرج فقسمها بين أبناء الشهداء والفقراء ثم رجع والرسول يظن أنه يعطيه منها شيئا فقال له عمير اقريء مني امير المؤمنين السلام. فرجع الحارث إلى عمر فقال ما رأيت قال رأيت يا امير المؤمنين حالا شديدا قال فما صنع بالدناينر قال لا ادري قال فكتب إليه عمر إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تقبل فاقبل إلى عمر فدخل عليه فقال له عمر ما صنعت بالدنانير قال صنعت وما سؤالك عنها قال انشد عليك لتخبرني ما صنعت بها قال قدمتها لنفسي،

قال رحمك الله فأمر له بوسق من طعام وثوبين فقال أما الطعام فلا حاجة لي فيه قد تركت في المنزل صاعين من شعير إلى ان اكل ذلك قد جاء الله بالرزق ولم يأخذ الطعام واما الثوبان فان أم فلان عارية فأخذهما ورجع إلى منزله. فلم يلبث ان هلك رحمه الله فبلغ ذلك عمر فشق عليه وترحم عليه وخرج يمشي ومعه المشاؤون إلى بقيع الغرقد فقال لاصحابه ليتمن كل رجل منكم امنية فقال رجل يا امير المؤمنين وددت ان عندي مالا فاعتق لوجه الله كذا وكذا وقال آخر وددت ان عندي مالا فانفق في سبيل الله وقال آخر وددت ان لي قوة فاميح بدلو زمزم لحجاج بيت الله فقال عمر بن الخطاب وددت ان لي رجلا مثل عمير بن سعد استعين به في اعمال المسلمين1 رحمه الله ورضي الله عنه.

_ 1 أنظر حلية الأولياء 826.

خزيمة بن ثابت بن الفاكه

100- خزيمة بن ثابت بن الفاكه ويكنى أبا عمارة رضي الله عنه كانت معه راية بني خطمة في عزاة الفتح وكان يقال له ذوالشهادتين وشهد صفين مع علي عليه السلام وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين. عن عمارة بن خزيمة الأنصاري ان عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من اعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه فاسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وابطأ الاعرابي فطفق رجال يعترضون الاعرابي فيساومون بالفرس لا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه حتى زاد بعضهم الاعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه به النبي صلى الله عليه وسلم فنادى الاعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه والا بعته. فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الاعرابي فقال: "أو ليس قد ابتعته منك" قال الاعرابي لا والله ما بعتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بلى قد ابتعته منك" فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم والاعرابي وهما يتراجعان فطفق الاعرابي يقول هلم شهيدا يشهد اني بايعتك فمن جاء من المسلمين قال للاعرابي ويلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقول إلا حقا. حتى جاء حزيمة فاسمتع لمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ومراجعة الاعرابي وطفق الاعرابي يقول هلم شهيدا يشهد اني بايعتك فقال خزيمة أنا أشهد انك قد يايعته فاقبل النبي صلى الله عليه وسلم على

_ 100- هو: خزيمة بن ثابت الفاكه بن ثعلبة الأنصاري الخطمي بفتح المعجمة أبو عمارة المدني ذو الشهادتين من كبار الصحابة شهد بدرا وقتل مع علي بصفين سنة سبع وثلاثين.

خزيمة فقال: "يم تشهد" قال بتصديقك يا رسول الله فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة شهادة رجلين1. وقد روي في بعض طرق هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لخزيمة: "بم تشهد ولم تكن معنا" قال يا رسول الله أنا اصدقك بخبر السماء افلا اصدقك بما تقول؟. قال الواقدي لم يسم لنا اخو خزيمة الذي روى هذا الحديث وله اخوان يقال لأحدهما عبد الله وللاخر وحوح. قال الخطابي ووجه هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم حكم على الاعرابي بعلمه إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم صادقا بارا وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد لقوله له صلى الله عليه وسلم والاستظهار بها على خصمه فصارت في التقدير مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كشهادة رجلين في سائر القضايا رحمه الله.

_ 1 صحيح: أخرجه أبو داود في كتاب الأقضية حديث 3607. باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به والنسائي 7/301. والطبراني في الكبير 3730. وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله كلهم ثقات مجمع الزوائد 9/320. باب ماجاء في خزيمة ابن ثابت رضي الله عنه.

زيد بن ثابت بن الضحاك

101- زيد بن ثابت بن الضحاك: أبو سعيد وقيل أبو خارجة قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة واجيز في الخندق وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وامره أبو بكر رضي الله عنه ان يجمع القرآن وامره عثمان فكتب المصحف وابي بن كعب يملي عليه. عن الزهري قال أخبرني ان السباق ان زيد بن ثابت الأنصاري كان من بكتي الوحي قال ارسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعندهخ عمر فقال أبو بكر ان عمر اتاني فقال ان القتل قد استحر بوم اليمامة بالناس واني اخشى ان يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن واني ارى ان يجمع القرآن قال أبو بكر فقلت لعمر كيف افعل شيئا لم يفعله رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال عمر هو والله خير فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله عز وجل لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر قال أبو بكر وانك رجل شاب عاقل ولا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه".

_ 101- هو: زيد بن ثابت الضحاك بن كوزان الأنصاري البخاري أبو سعيد وأبو خارجة صحابي مشهور كتب الوحي قال مسروق: كان من الراسخين في العلم مات سنة خمس أو ثمان وأربعين وقيل: بعد الخمسين.

فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان اثقل علي مما امرني به من جمع القرآن. قال قلت كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر هو الله خير فلم ازل اراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فقمت فتتبعت القرآن اجمعه من الرقاع والاكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة ايتين مع خزيمة بن ثابت لم أجدهما مع أحد غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] إلى اخرها وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله عز وجل ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر انفرد باخراجه البخاري1. وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارحم أمتي أبو بكر واشدها في دين الله عز وجل عمر واصدقها حياء عثمان واعلمها بالفرائض زيد بن ثابت" 2. وعن ابن عباس أنه أخذ لزيد بن ثابت بالركاب فقال تنح يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا. وعن موسى بن علي قال سمعت أبي قال ان كان الرجل ليأتي زيد بن ثابت فيساله عن الشيء فيقول الله أنزل هذا فان قال الله أنزل هذا افتاه وان لم يحلف تركه. وعن محمد بن سيرين قال خرج زيد بن ثابت يريد الجمعة فاستقبله الناس راجعين فدخل دارا فقيل له، فقال: أنه من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله. وعن ثابت بن عبيد قال كان زيد بن ثابت من افكه الناس في بيته وازمته إذا خرج إلى الرجال. وعنه قال ما رأيت أحداً كان افكه في بيته ولا احلم في مجلسه إذا جلس مع القوم من زيد بن ثابت. ذكر وفاة زيد رضي الله عنه: قال الواقدي مات زيد بن ثابت بالمدينة سنة خمس واربعين وهو ابن ست وخمسين سنة وقال غير الواقدي مات سنة إحدى أو اثنتين وخمسين وقال آخر مات سنة خمس وخمسين. وعن عمار بن أبي عمار قال لما مات زيد بن ثابت جلسنا إلى ابن عباس في ظل قصر فقال هكذا ذهاب العلم لقد ذهب اليوم علم كثير. وعن يحيى بن سعيد قال لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة مات حبر هذه الامة ولعل الله ان يجعل في ابن عباس منه خلفا رضي الله عنه.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في التفسير حديث 4679. باب 20. {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} . 2 صحيح: أخرجه الترمذي في المنافب حديث 3791. باب 33. مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. وقال: هذا حديث حسن صحيح.

أبو جهم عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه

102- أبو جهم عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه. عن ابن غزية قال كان أبو جهم بن الحارث بن الصمة الأنصاري لا يجالس الانصر فإذا قيل له قال الناس شر من الوحدة. وكان يقول لا اؤم أحداً ما عشت وكان فيما زعموا من أعبد الناس واشدهم اجتهادا وكان لا يفارق المسجد.

شداد بن أوس بن ثابت بن المنذر

103- شداد بن أوس بن ثابت بن المنذر. يكنى أبا يعلى وكانت له عبادة واجتهاد. عن حسان بن عطية قال كان شداد بن أوس في سفر فنزل منزلا فقال لغلامه ائتنا بالسفرة نعبث بها فانكرت عليه فقال ماتكلمت بكلمة منذ أسلمت الأوانا خطمها وازمها غير كلمتي هذه فلا تحفظوهاعلي واحفظوا عني ما اقول لكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كثرت الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات اللهم اني أسألك الثبات في الامر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسن عبادتك وأسألك قلبا سليما وأسألك لسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم واستغفرك لما تعلم انك أنت علام الغيوب" 1. وعن ثابت البناني قال قال شداد بن أوس يوما لرجل من أصحابه هات السفرة نتعلل

_ 1 ضعيف: أخرجه الترمذي في الدعوات حديث 3407. باب 23. ما جاء فيمن يقرأ القرآن عند المنام وقال: هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه.

بهاقال فقال رجل من أصحابه ما سمعت منك مثل هذه الكلمة منذ صحبتك فقال ما افلتت مني كلمة منذ فارقت رسول الله. صلى الله عليه وسلم إلا مخطومة أو مزعومة غير هذه وايم الله لا تنفلت. وعن أسد بن وداعة عن شداد بن أوس أنه كان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم فيقول اللهم ان النار اذهبت مني النوف فيقوم فيصلي حتى يصبح1. وعنه قال كان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كان حبة على مقلى فيقول اللهم ان النار قد اسهرتني ثم يقوم إلى الصلاة. وعن زياد بن ماهك قال كان شداد بن أوس يقول انكم لن تروا من الخير إلا أسبابه ولن تروا من الشر إلا أسبابه الخير كله بحذافيره في الجنة والشر بحذافيره في النار وان الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر والاخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر ولكل بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا. وقال أبو الدرداء وان من الناس من يؤتى علما ولا يؤتى حلما وان أبا يعلي قد أوتي علما وحلما2. وعن أبي الدرداء أنه كان يقول ان لكل أمة فقيها وان فقيه هذه الامة شداد بن أوس. وعن محمود بن الربيع قال قال شداد بن أوس لما حضرته الوفاة ان اخوف ما أخاف على هذه الامة الرياء والشهوة الخفية3. قال ابن سعد نزل شداد بن أوس فلسطين ومات بها سنة ثمان وخمسين وهو ابن خمس وسبعين سنة رضي الله عنه.

_ 1 ضعيف: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 884. 2 ضعيف: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 885. 3 أنظر حلية الأولياء 898.

أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم رضي الله عنه

104- أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم رضي الله عنه. أمه: أم سليم بنت ملحان ذهبت به أمه إلى رسول الله. صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة فكان يخدمه وكان له يومئذ تسع سنين ويقال ثمان ويقال عشر. عن حميد عن أنس قال أخذت أم سليم بيدي مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فاتت بي رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقالت هذا ابني وهو غلام كاتب. قال فخدمته تسع سنين فما قال لشيء صنعته اسات أو بئس ماصنعت.

_ 104- هو: أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين مشهور مات سنة اثنتين وقيل ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة.

وعن سيار بن ربيعة قال سمعت أنس بن مالك يقول ذهبت بي امي إلى رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله خويدمك ادع الله له فقال: "اللهم أكثر ماله وولده واطل عمره واغفر ذنبه" 1. قال أنس فلقد دفنت من صلبي مائة غير اثنين أو قال مائة واثنين وان ثمرتي لتحمل في السنة مرتين ولقد بقيت حتى سئمت الحياة وانا أرجو الرابعة. وعن ثمانة بن عبد الله بن أنس قال كان أنس يصلي فيطيل القيام حتى تقطر قدماه دما. وكان كرم أنس يحمل في كل سنة مرتين. وعن ثابت ان أبا هريرة قال ما رأيت أحداً اشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سليم يعين أنس بن مالك. وعن معتمر بن سليمان قال سمعت أنس بن مالك يقول ما بقي أحد صلى القبلتين كليهما غيري. وعن ثابت البناني قال شكا قثم لأنس بن مالك في أرضه العطش فصلى أنس فدعا فثارت سحابة حتى غشيت أرضه ثم ملات صهريجه فارسل غلامه فقال انظر اين بلغت هذه فنظر فإذا هي لم تعد أرضه. وعن أبي غالب قال لم ار أحداً كان اضن بكلامه من أنس بن مالك. وعن ثابت قال كان أنس إذا اشفى على ختم القرآن من الليل بقي منه سورة حتى يختمه عند عياله. وعنه قال كان أنس بن مالك إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا لهم. وعن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال كان لأنس ثوبان على المشجب كل يوم فإذا صلى المغرب لبسهما فلم نقدر عليه ما بين المغرب والعشاء قائما يصلي. وعن يزيد بن خصيفة قال تنخم أنس بن مالك في المسجد ونسي ان يدفنها ثم خرج حتى جاء إلى أهله فذكرها فجاء بشعلة من نار فطلبها حتى وجدها ثم حفر لها فاعمق فدفنها. قال أهل السير مات أنس بالبصرة سنة اثنتين وتسعين وقيل ثلاث وتسعين وقيل إحدى وتسعين وهو ابن تسع وتسعين. عن حميد ان أنساً عمر مائة سنة إلا سنة ومات سنة إحدى وتسعين. قلت وقد قيل أنه مات ابن مائة وثلاث سنين وقيل تسع سنين وغسله محمد بن سيرين وهو آخر من مات من الصحابة بالبصرة رضي الله عنهم أجمعين.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في الصوم حديث 1982. باب 61. من زار قوما فلم يفطر عندهم وفي الدعوات حديث 6344. باب 26. دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله.

أبو سعيد الخدري

105- أبو سعيد الخدري رضي الله عنه واسمه سعد بن مالك بن سنان اسصغر يوم أحد فرد فخرج فيمن يتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من أحد فنظر إليه رسول الله. صلى الله عليه وسلم وقال سعد بن مالك قال قلت نعم بأبي وامي أنت قال فدنوت منه فقبلت ركبتيه فقال اجرك الله في أبيك وكان قد قتل يومئذ شهيدا ثم شهد أبو سعيد الخندق وما بعدها. عن أبي نضرة عن أبي سعيد ان رجلا من الأنصار كانت له حاجة فقال له أهله ائت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأله فأتاه وهو يخطب ويقول: "من استعف اعفه الله ومن استغنى اغناه الله ومن سألنا فوجدنا له اعطيناه". فذهب ولم يسال1. قلت إنما أشار بهذا إلى نفسه فهو الأنصاري الذي جرت له هذه القصة وقد بين ذلك في حديث آخر وقد قال فيه أبو سعيد: اصبحت وليس عندنا طعام وقد ربطت حجرا من الجوع فقالت لي امرأتي: ائت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأله فقد أتاه فلان فسأله فاعطاه وأتاه فلان فساله فاعطاه وأتاه فلان فسأله فاعطاه فقلت لا حتى لا أجد شيئا فطلبت فلم نجد شيئا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فأدركت من قوله: "من يستغن يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله" قال فما سألت أحداً بعده وما زال الله يرزقنا حتى ما اعلم أهل بيت من الأنصار أكثر اموالا منا رضي الله عنه2.

_ 105- هو: سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري أبو سعيد الخدري له ولأبيه صحبة واستصغر بأحد ثم شهد ما بعدها وروى الكثير مات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين وقيل: سنة أربع وستين. 1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند حديث 10931. والنسائي في الزكاة حديث 2595. 2 حسن: أخرجه أحمد في المسند حديث 11001.

قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه

106- قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه. وكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة الشرط من الامير. عن داود بن قيس ومالك بن أنس وإبراهيم بن محمد الأنصاري وخارجة بن الحارث وبعضهم قد زاد على صاحبه في الحديث قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابا عبيدة بن الجراح في سرية فيها المهاجرون والأنصار وهم ثلاث مائة رجل وكان فيهم قيس بن سعد بن عبادة

_ 106- هو: قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري صحابي جليل مات سنة ستين تقريبا وقيل: بعد ذلك.

فاصابهم جوع شديد فقال قيس بن سعد من يشتري مني تمرا بجزر يوفيني الجزر هاهنا وأوفيه التمر بالمدينة فجعل عمر يقول واعجبا لهذا الغلام لا مال له يدين في مال غيره فوجد رجلا من جهينة يعطيه ما سأل وقال والله ما اعرفك ومن أنت قال أنا قيس بن سعد بن عبادة فقال الجهني ما اعرفني بنسبك. فابتاع منه خمس جزائر كل جزور بوسقين من تمر فقال الجهني أشهد لي فقال قيس أشهد من تحب فكان فيمن استشهد عمر بن الخطاب فقال لا أشهد على هذا بدين ولا مال له إنما المال لأبيه فقال الجهني والله ما كان سعد ليخني بابنه في سفة في تمر وارى وجها حسنا وفعالا شريفا. وأخذ قيس الجزر فنحرها في مواطن ثلاثة كل يوم بعير فلما كان الرابع نهاه اميره وقال تريد ان تخرب ذمتك ولا مال لك قال قيس يا أبا عبيدة اترى أبا ثابت وهو يقضي ديون الناس ويحمل الكل ويطعم في المجاعة لا يقضي عين سفة نم تمر لقوم مجاهدين في سبيل الله عز وجل؟. فبلغ سعدا ما أصاب القوم من المجاعة فقال ان يكن قيس كما اعرف فسوف ينحر لهم. فلما قدم قيس لقيه سعد فقال ما صنعت في مجاعة القوم حيث اصابتهم؟ قال نحرت لهم قال اصبت ثم ماذا قال ثم نحرت قال اصبت ثم ماذا قال نحرت قال اصبت ثم ماذا قال نهيت قال ومن نهاك قال أبو عبيدة اميري قال ولم قال زعم أنه لا مال لي إنما المال لك فقلت أبي يقضي عن الاباعد ويحمل الكل ويطعم في المجاعة افلا يصنع هذا لي قال فلك اربع حوائط. فكتب له بذلك كتابا واتي بالكتاب إلى أبي عبيدة فشهد فيه أدنى حائط منها يجد خمسين وسقا وقدم البدوي مع قيس أوسقته وحمله وكساه فقال الاعرابي لسعد يا أبا ثابت والله ما مثل ابنك ضيعت ولا تركت بغير مال فابنك سيد من سادات قومه نهاني الامير أن أبيعه وقال لا مال له فلما انتسب اليك عرفته فتقدمت إليه لما اعرف انك تسمو إلى معالي الاخلاق وجسيمها. وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فعل قيس فقال أنه في بيت جود1. وتوفي قيس بالمدينة في آخر خلافة معأوية رضي الله عنه.

_ 1 ضعيف: أخرجه ابن عساكر وفيه الواقدي وهو متروك.

عبد الله بن سلام رضي الله عنه

107- عبد الله بن سلام رضي الله عنه. يكنى ايا يوسف وكان اسمع الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام وهو حليف القواقلة من بني عوف بن الخزرج. عن زرارة بن أبي أوفى عن عبد الله بن سلام قال لما قدم النبي. صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن اتي فلما رأيت وجهه عرفت أنه غير وجه كذاب فسمعته يقول ايها الناس افشوا السلام وصلوا الارحام واطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام1. عن أنس ان عبد الله بن سلام اتي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة المدينة فقال يا رسول الله اني سائلك عن ثلاث خصال لا يعلمها إلا نبي قال سل قال ما أول أشرط الساعة وما أول ما يأكل منه أهل الجنة ومن اين يشبه الولد أباه وامه؟. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني بهن جبريل انفا قال قال جبريل ذاك عدو اليهود من الملائكة قال أما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق تحشر الناس إلى المغرب واما أول ما يأكل منه أهل الجنة فزيادة كبد حوت واما شبه الولد أباه وأمه فاذاسبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها. قال أشهد ان لا اله إلا الله وانك رسول الله وقال يا رسول الله ان اليهود قوم بهت وانهم ان يعلموا باسلامي يبهتوني عندك فارسل إليه فسلهم عني أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قال فارسل إليهم فقال أي رجل عبد الله بن سلام فيكم قالوا خيرنا وابن خيرنا وعالمنا وابن عالمنا وافقهنا وابن افقهنا قال ارأيتم ان أسلم تسلمون؟ قالوا اعاذة الله من ذلك قال فخرج ابن سلام فقال أشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله قالوا شرنا وابن شرنا وجاهلنا وابن جاهلنا فقال ابن سلام هذا الذي كنت اتخوف منهم انفرد باخراجه البخاري2. أخرجاه في الصحيحين من حديث قيس بن عبادة قال كنت جالسا في مسجد المدينة

_ 107- هو: عبد الله بن سلام الإسرائيلي أبو يوسف حليف بني الخزرج قيل: كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله مشهور له أحاديث وفضل مات بالمدينة سنة في ثلاث وأربعين. 1 صحيح: أخرجه الترمذي في صفة القيامة حديث 2485. باب 42. وقال: هذا حديث حسن صحيح وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها حديث 1334. باب 174. ما جاء في قيام الليل. 2 صحيح: أخرجه البخاري في مناقب الأنصار حديث 3938. باب 51.

ناس فيهم بعض أصحاب النبي. صلى الله عليه وسلم فجاء رجل في وجهه اثر خشوع فقال بعض القوم هذا رجل من أهل الجنة فصلى ركعتين تجوز فيهما. ثم خرج فاتبعته فدخل منزله فدخلت فأخبرته فقال لا ينبغي لأحد ان يقول ما لا يعلم وسأحدثك لم ذاك رأيت رؤيا على عهد رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه رأيتني في روضة وسط الروضة عمود من حديد اسفله في الأرض واعلاه في السماء في اعلاه عروة فقيل لي ارقه فقلت لا استطيع فجاءني منصف يعني خادما فقال بثيابي من خلفي فاخدت بالعروة فقصصتها على رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال تلك الروضة الإسلام وذاك العمود عمود الإسلام وتلك العروة العروة الوثقى وأنت على الإسلام حتى تموت والرجل عبد الله بن سلام1. وعن أبي بردة بن أبي موسى قال قدمت المدينة فاتيت عبد الله بن سلام فإذا رجل متخشع فجلست إليه فقال يا بن أخي انك جلست الينا وقد حان قيامنا فتاذن؟. قال ابن سعد وتوفي عبد الله بن سلام بالمدينة سنة ثلاث واربعين رحمه الله.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في التعبير حديث 7014. باب 23. التعليق بالعروة والحلقة ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2484. باب 33. فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه.

جليبيب الصحابي رضي الله عنه

108- جليبيب الصحابي رضي الله عنه. عن أبي برزة الأسلمي ان جليبيبا كان امرأ من الأنصار وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لأحدهم ايم لم يزوجها حتى يعلم النبي صلى الله عليه وسلم هل له فيها حاجة أم لا؟. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لرجل من الأنصار: "يا فلان زوجني ابنتك" قال نعم ونعمة عين قال: "اني لست لنفسي اريدها" قال لمن قال: "لجليبيب" قال يارسول الله حتى استأمر أمها. قأتاها فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك قالت نعم ونعمة عين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنه ليس لنفسه يريدها قالت فلمن قال لجليبيب، قالت حلقي ألجليبيب؟ لا لعمر الله لا ازوج جليبيبا. فلما قام ابوها ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم قالت الفتاة من خدرها لابويها من خطبني اليكما؟ قالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت افتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم امره؟ ادفعوني إلى رسول الله فانه لن يضيعني فذهب ابوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال شأنك بها فزوجها جليبيبا. قال إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لثابت اتدري ما دعا لها به النبي صلى الله عليه وسلم قال وما دعا لها به النبي عليه السلام قال: "اللهم صب عليها الخير صبا صبا ولا تجعل عيشها كدا كدا".

قال ثابت فزوجها اياه فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغزى له قال: "هل تفقدون من أحد" قالوا نفقد فلانا ونفقد فلانا ونفقد فلانا ثم قال: "هل تفقدون من أحد؟ " قالوا نفقد فلانا ونفقد فلانا ثم قال: "هل تفقدون من أحد؟ " قالوا لا قال: "لكني افقد جليبيبا فاطلبوه في القتلى" فنظروا فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فقال رسول الله: "هذا مني وانا منه اقتل سبعة ثم قتلوه؟ " هذا مني وانا منه اقتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وانا منه" فوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه ثم حفروا له ما له سرير إلا ساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضعه في قبره1. قال ثابت فما في الأنصار ايم انفق منها. قال ابن سعد وسمعت من يذكر ان جليبيبا كان رجلا في بني ثعلبة حليفا في الأنصار والمرأة التي زوجها النبي صلى الله عليه وسلم إياه من بني الحارث بن الخزرج رضي الله عنه.

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث 2472. باب 17. فضائل جليبيب رضي الله عنه.

من الطبقة الرابعة ممن أسلم عند الفتح وفيما بعد ذلك

من الطبقة الرابعة ممن أسلم عند الفتح وفيما بعد ذلك حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد اين عبد العزى ... من الطبقة الرابعة ممن أسلم عند الفتح وفيما بعد ذلك. 109- حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد ابن عبد العزى. يكنى أبا خالد مصعب بن عثمان قال دخلت أم حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش وهي حامل متم بحكيم بن حزام فضربها المخاض في الكعبة فاتيت بنطع حيث اعجلها الولادة فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النطع وكان حكيم من سادات قريش ووجوهها في الجاهلية وفي الإسلام. قال الزبير وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال جاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها بعد من معاوية بن أبي سفيان بمائة الف درهم فقال له عبد الله بن الزبير بعت مكرمة قريش فقال حكيم ذهبت المكارم إلا التقوى. يا ابن أخي اني اشتريت بها دارا في الجنة اشهدك اني قد جعلتها في سبيل الله1. وعن أبي بكر بن سليمان قال حج حكيم بن حزام معه مائة بدنة قد اهداها وجللها الحبرة وكفها عن أعجازها ووقف مائة وصيف يوم عرفة في اعناقهم اطوقة الفضة قد نقش في رؤوسها عتقاء الله عز وجل عن حكيم بن حزام. واعتقهم واهدى الف شاة. وعن محمد بن سعد يرفعه ان حكيم بن حزام بكى يوما فقال له ابنه ما ما يبكيك قال خصال كلها ابكاني أما أولها فبطء اسلامي حتى سبقت في مواطن كلها صالحة ونجوت يوم بدر واحد فقلت لا أخرج أبداً من مكة ولا أوضع مع قريش ما بقيت. فاقمت بمكة ويأبى الله عز وجل ان يشرح صدري للاسلام وذلك اني انظر إلى بقايا من قريش لهم اسنان متمسكين بما هم عليه من أمر الجاهلية فاقتدي بهم ويا ليت اني لم اقتد بهم فما أهلكنا إلا الاقتداء بآبائنا وكبرائنا.

_ 109- هو: حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي أبو خالد المكي أبن أخي خديجة أم المؤمنين أسلم يوم الفتح وصحب وله أربع وسبعون سنة ثم عاش إلى سنة أربع وخمسين أو بعدها وكان عالما بالنسب. 1 حسن: أخرجه الطبراني في الكبير حديث 3073.

فما غزا النبي. صلى الله عليه وسلم مكة جعلت افكر فخرجت أنا وأبو سفيان نستروح الخبر فلقي العباس أبا سفيان فذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت فدخلت بيتي فاغلقته علي ودخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فآمن الناس فجئته فأسلمت وخرجت معه إلى حنين. وعن عروة ان حكيم بن حزام اعتق في الجاهلية مائة رقبة وفي الإسلام مائة رقبة وحمل على مائة بعير. قال ابن سعد قال محمد بن عمر قدم حكيم بن حزام المدينة ونزلها وبنى بها دارا ومات بها سنة اربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة رحمه الله.

شيبة بن عثمان بن طلحة رضي الله عنه

110- شيبة بن عثمان بن طلحة رضي الله عنه. قال الواقدي عن اشياخ له ان شيبة بن عثمان كان يحدث عن اسلامه فيقول ما رأيت اعجب مما كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات فلما كان عام الفتح ودخل النبي صلى الله عليه وسلم عنوة قلت اسير مع قريش إلى هوازن بحنين فعسى ان اختلطوا اناصيب من محمد غرة فأثأر منه فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها واقول ولو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا ما اتبعته أبداً. فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته واصلت السيف فدنوت اريد ما اريد منه ورفعت سيفي فرفع لي شواظ من نار كالبرق حتى كاد يمحشني فوضعت يدي على بصري خوفا عليه فالتفت إلي رسول الله. صلى الله عليه وسلم وناداني يا شيب ادن مني فدنوت منه فمسح صدري وقال اللهم اعذه من الشيطان فوالله لهو كان ساعتئذ أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي واذهب الله عز وجل ما كان بي. ثم قال ادن فقاتل فتقدمت امامه اضرب بسيفي الله يعلم اني أحب ان اقيه بنفسي كل شيء ولو لقيت تلك الساعة أبي لو كان حيا لأوقعت به السيف. فلما تراجع المسلمون وكروا كرة رجل واحد قربت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستوى عليها فخرج في اثرهم حتى تفرقوا في كل وجه ورجع إلى معسكره فدخل خباءه فدخلت عليه فقال يا شيب الذي أراد الله بك خير مما اردت بنفسك.

_ 110- هو: شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري الحجي المكي من مسلمة الفتح وله صحبة وأحاديث مات سنة تسع وخمسين.

ثم حدثني بكل ما اضمرت في نفسي مما أم اكن اذكره لأحد قط فقلت فاني أشهد ان لا اله إلا الله وانك رسول الله ثم قلت استغفر لي يا رسول الله فقال غفر الله لك1. قال الواقدي كان عثمان بن أبي طلحة يلي فتح البيت إلى ان توفي فدفع ذلك إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عمه فبقيت الحجابة في ولد شيبة وبقي شيبة حتى ادرك يزيد بن معأوية.

_ 1 ضعيف: فيه الواقدي وهو متروك.

عكرمة بن أبي جهل

111- عكرمة بن أبي جهل. واسمه عمرو بن هشام: عن ابن أبي مليكة قال لما كان يوم الفتح ركب عكرمة بن أبي جهل البحر هاربا فخب بهم البحر فجعلت الصراري يدعون الله ويوحدونه فقال ما هذا قالوا هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله قال هذا اله محمد الذي يدعونا إليه فارجعوا بنا فرجع فأسلم. وعن مصعب بن سعد عن عكرمة بن أبي جهل قال قال النبي. صلى الله عليه وسلم يوم جئته: "مرحبا بالراكب المهاجر مرحبا بالراكب المهاجر" قلت والله يا رسول الله لا ادع نفقة انفقتها عليك إلا انفقت مثلها في سبيل الله2. وعن عبد الله بن أبي مليكة ان عكرمة بن أبي جهل كان إذا اجتهد في اليمين قال لا والذي نجاني يوم بدر وكان يضع المصحف على وجهه ويقول كتاب ربي كتاب ربي. استشهد عكرمة يوم اليرموك في خلافة أبي بكر فوجدوا فيه بضعا وسبعين من بين ضربة وطعنة ورمية.

_ 111- هو: عكرمة بن أبي جهل بن هشام المخزومي صحابي أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه واستشهد بالشام في خلافة ابي بكر الصديق على الصحيح. 2 ضعيف: أخرجه الترمذي في الاستئذان حديث 2735. باب 34. ما جاء في مرحبا وقال: هذا حديث ليس إسناده بصحيح لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه من حديث موسى بن مسعود عن سفيان وموسى بن مسعود ضعيف في الحديث.

سهيل بن عمرو بن عبد شمس ابن عبدود بن نصر

112- سهيل بن عمرو بن عبد شمس ابن عبدود بن نصر. يكنى أبا يزيد اسر يوم بدر وفدي وهو الذي تولى المصالحة على القضية التي كتبت بالحديبية واقام على دينه إلى يوم الفتح وكان ابنه عبد الله من المهاجرين الأولين وممن

_ 112- هو: سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عاهر بن لوى القرشي العامري يكنى أبا زيد.

شهد بدراً فبعث إليه يسأله ان يستأمن له رسول الله. صلى الله عليه وسلم فآمنه يوم الفتح ثم خرج مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم إلى حنين وهو على شركه حتى أسلم بالجعرانة. عن ابن قمادين قال لم يكن أحد من كبراء قريش الذين تأخر اسلامهم فأسلموايوم فتح مكة أكثر صلاة ولا صوما ولا صدقة ولا أقبل على ما يعنيه من أمر الآخرة من سهيل بن عمرو حتى ان كان لقد شحب لونه وكان كثير البكاء رقيقا عند قراءة القرآن لقد رئي يختلف إلى معاذ بن جبل حتى يقرئه القرآن وهو بمكة حتى خرج معاذ من مكة من مكة فقال له ضرار بن الخطاب يا أبا يزيد تختلف إلى هذا الخزرجي يقرئك القرآن إلا يكون اختلافك إلى رجل من قومك من قريش فقال يا ضرار هذا الذي صنع بنا ما صنع حتى سبقنا كل السبق أي لعمري اختلف إليه لقد وضع الإسلام أمر الجاهلية ورفع الله بالإسلام قوما كانوا لا يذكرون في الجاهلية فليتنا كنا مع أولئك فتقدمنا. وعن الحسن قال حضر باب عمر بن الخطاب رضي الله عنه سهيل بن عمرو والحارث وبلال وتلك الموالي الذين شهدوا بدراً فخرج آذن عمر فأذن لهم وترك هؤلاء فقال أبو سفيان لم أر كاليوم قط يأذن لهؤلاء العبيد ونحن على بابه لا يلتفت الينا فقال سهيل بن عمرو وكان رجلا عاقلاً ايها القوم إني والله لقد أرى الذي في وجوهكم ان كنتم غضابا فاغضبوا على انفسكم دعي القوم ودعيتم فاسرعوا وأبطأتم فكيف بكم إذاً دعوا يوم القيامة وتركتم أما والله لما سبقوكم إليه من الفضل مما لا ترون اشد عليكم فوتا من بابكم هذا الذي كنتم تنافسونهم عليه قال ونفض ثوبه وانطلق. قال الحسن وصدق والله سهيل لا يجعل الله عبدا اسرع إليه كعبد أبطأ عنه. خرج سهيل بن عمرو إلى الشام مرابطا فمات في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة رضي الله عنه1.

_ 1 حكاه الشافعي والواقدي كما في سير أعلام النبلاء 3/123. ط. دار الفكر.

أبو امامة الباهلي

113- أبو امامة الباهلي. واسمه صدي بن عجلان: عن رجاء بن حيوة عن أبي امامة قال انشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوا فاتيته فقلت يا رسول الله ادع إلي بالشهادة فقال: "اللهم سلمهم وغنمهم" قال فغزونا وسلمنا وغنمنا.

_ 113- هو: صدى بالتصغير ابن عجلان أبو أمامة الباهلي صحابي مشهور سكن الشام ومات بها سنة ست وثمانين.

ثم ايتيه بعد ذلك فقلت يا رسول مرني بعمل أخذه عنك ينفعني الله عز وجل به قال: "عليك بالصوم فانه لا مثل له". قال فكان أبو امامة وامرأته وخادمه لا يلقون إلا صياما فإذا رأوا نارا أو دخانا بالنهار في منزلهم عرفوا أنه قد اعتراهم ضيف1. قال ثم اتيته بعد ذلك فقلت يا رسول الله انك قد امرتني بأمر وأرجو ان يكون الله عز وجل قد نفعني به فمرني بامر آخر ينفعني الله عز وجل به قال: "اعلم انك لا تسجد لله عز وجل سجدة إلا رفع الله عز وجل لك بها درجة أو حط بها عنك خطيئة". وعن مولاة لأبي أمامة الباهلي قالت كان أبو امامة رجلا يحب الصدقة ويجمع لها من بين الدينار والدرهم والفلوس وما يأكل حتى البصلة ونحوها ولا يقف به سائل إلا اعطاه ما تهيأ له حتى يضع في يد أحدهم البصلة. قالت فاصبحنا ذات يوم وليس في بيته شيء من الطعام لذلك ولا لنا وليس عنده إلا ثلاثة دنانير فوقف به سائل فاعطاه دينارا ثم وقف به سائل فاعطاه دينارا ثم وقف سائل فاعطاه دينارا. قالت فغضبت وقلت لم يبق لنا شيء فاستلقى على فراشه واغلقت عليه باب البيت حتى اذن المؤذن للظهر فجئته فايقظته فراح إلى المسجد صائما فرققت عليه فاستقرضت ما اشتريت به عشاء فهيأت سراجا وعشاء ووضعت مائدة ودنوت من فراشه لامهده فرفعت المرفقة فإذا بذهب فقلت في نفسي ما صنع إلا ثقة بما جاء به قالت فعددتها فإذا ثلاثمائة دينار فتركتها على حالها حتى انصرف على العشاء. قالت فلما دخل ورأى ما هيأت له حمد الله تعالى وتبسم في وجهي وقال هذا خير من غيره فجلس فتعشى فقلت يغفر الله لك جئت بما جئت به ثم وضعته بموضع مضيعة فقال وما ذاك فقلت ما جئت به من الدنانير ورفعت المرفقة عنها ففزع لما رأى تحتها وقال ويحك ما هذا فقلت لا علم لي به إلا اني وجدته على ما ترى. قالت: فكثر فزعه رحمه الله ورضي الله عنه.

_ 1 صحيح: أخرجه أحمد في المسندحديث 22202. وابن خزيمة في صحيحه حديث 1893.

لبيد بي ربيعة بن مالك الشاعر رضي الله عنه

114- لبيد بي ربيعة بن مالك الشاعر رضي الله عنه. عن الشعبي قال كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى المغيرة بن شعبة وهو عامله على الكوفة ان ادع من قبلك من الشعراء فاستنشدهم ما قالوا من الشعر في الجاهلية والإسلام ثم اكتب بذلك إلي. فدعاهم المغيرة فقال للبيد بن ربيعة انشدني ما قتل من الشعر في الجاهلية والإسلام فقلت لقد ابدلني الله بذلك سورة البقرة وال عمران. وقال للاغلب العجلي انشدي فقال: أرجزاً نريد أم قصيدا ... لقد سألت هينا موجودا قال فكتب المغيرة بذلك إلى عمر فكتب عمر ان انقص الاغلب خمسمائة من عطائه وزدها في عطاء لبيد. فرحل إليه الاغلب وقال اتنقصني ان اطعتك فكتب عمر إلى المغيرة ان رد على الاغلب الخمس مائة التي نقصته واقرها زيادة في عطاء لبيد. قال ابن سعد وقال عبد الملك بن عمير مات لبيد ليلة نزل معاوية النخيلة لمصالحة الحسن بن علي عليهما السلام.

تميم بن أوس بن خارجة بن سويد الداري رضي الله عنه

115- تميم بن أوس بن خارجة بن سويد الداري رضي الله عنه. وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة من الداريين منصرفه من تبوك فأسلم واستأذن عمر رضي الله عنه في القصص فكان يقص. عن حماد بن زيد قال ثنا أيوب عن محمد ان تميما الداري اشترى حلة بالف فكان يقوم فيها بالليل إلى صلاته قالوا لحماد بن زيد الف درهم قال نعم1. وعن ثابت ان تميما الداري كانت له حلة قد ابتاعها بالف درهم وكان يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر. وعن محمد بن سيرين قال كان تميم الداري يقرأ القرآن في ركعة. وعن أبي قلابة قال كان تميم الداري يختم القرآن في سبع ليال.

_ 115- هو: تميم بن أوس بن خارجة الداري أبو رقية بقاف مصغر صحابي مشهور سكن بيت المقدس بعد قتل عثمان قيل: مات سنة أربعين. 1 أنظر سير أعلام النبلاء 4/86.

وعن مسروق1 قال قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام اخيك تميم الداري صلى ليلة حتى اصبح أو كرب ان يصبح يقرأ آية ويرددها ويبكي: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: 21] الاية. وعن محمد بن أبي بكر عن أبيه قال زارتنا عمرة فباتت عندنا فقمت من الليل فلم ارفع صوتي بالقراءة فقالت يا بن أخي ما منعك ان ترفع صوتك بالقراءة فما كان يوقظنا إلا صوت معاذ القارىء وتميم الداري. وعن يزيد بن عبد الله قال قال رجل لتميم الداري ما صلاتك بالليل فغضب غضبا شديدا ثم قال والله لركعة اصليها في جوف الليل في سر أحب إلي من ان اصلي الليل كله ثم اقصه على الناس. فغضب الرجل فقال الله اعلم بكم يا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان سألناكم عنفتمونا وان نسألكم حفيتمونا فاقبل عليه تميم فقال أرأيتك لو كنت مؤمنا قويا وانا مؤمن ضعيف ساعطيك أنا على ما اعطاك الله ولكن خذ من دينك لنفسك ومن نفسك لدينك حتى تستقيم على عبادة تطيقها2. وعن صفوان بن سليم قال قام تميم الداري في المسجد بعد ان صلى العشاء فمر بهذه الاية: {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون: 104] فما خرج منها حتى سمع اذان الصبح. وعن محمد بن المنكدر ان تميما الداري نام ليلة لم يقم يتهجد فيها حتى اصبح فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع.

_ 1 ضعيف: أخرجه الطبراني في الكبير رقم 1250. 2 ضعيف أنظر مختصر دمشق 5/320. وسير أعلام النبلاء 4/85.

جرير بن عبد الله بن جابر رضي الله عنه

116- جرير بن عبد الله بن جابر رضي الله عنه. قدم المدينة في رمضان سنة عشر وقال لما دنوت من المدينة انخت راحلتي ثم حللت عيبتي ولبست حلتي فدخلت ورسول الله. صلى الله عليه وسلميخطب فسلمت عليه فرماني الناس بالحدق فقلت لجليسي هل ذكر رسول الله. صلى الله عليه وسلم من امري شيئا؟ قال: نعم ذكرك فاحسن الذكر بينا هو يخطب إذ قال أنه سيدخل عليكم من هذا الفج أو من هذا الباب الان خير ذي يمن إلا وان على وجهه مسحة ملك فحمدت الله عز وجل على ما ابلاني3.

_ 116- هو: جرير بن عبد الله بن جابر البجلي صحابي مشهور مات سنة إحدى وخمسين وقيل بعدها. 3 حسن: أخرجه أحمد في المسند 19247.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ان جريرا يوسف هذه الامة يعين بذلك حسنه1. وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هدم ذي الخلصة وهو بيت لخثعم كان يسمي الكعبة اليمانية فاضرمه بالنار. وعن الشعبي ان عمر رضي الله عنه كان في بيت ومعه جرير بن عبد الله فوجد عمر ريحا فقال عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ فقال جرير يا امير المؤمنين أو يتوضأ القوم جميعا فقال عمر رضي الله عنه رحمك الله نعم السيد كنت في الجاهلية ونعم السيد أنت في الإسلام2. وعن قيس قال شهدت الاشعث وجريرا حضرا جنازة فقدم الاشعث جريرا ثم التفت إلى الناس فقال اني ارتددت وانه لم يرتد. قال ابن سعد وقال يزيد بن جرير عن أبيه ان عمر قال له والناس يتحامون العراق وقتال الاعاجم سر بقومك فما غلبت عليه فلك ربعه. فلما جمعت الغنائم غنائم جلولاء ادعى جرير ان له ربع ذلك كله فكتب سعد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك فكتب عمر صدق جرير قد قلت لك له قال فان شاء ان يكون نل هو وقومه على جعل فاعطوه جعله وان يكن إنما قاتل لله ولدينه وجنته فهو رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم. فلما قدم الكتاب على سعد أخبر جريرا بذلك فقال جرير صدق امير المؤمنين لا حاجة لي بذلك أنا رجل من المسلمين.

_ 1 ضعيف جدا: فهو من رواية عمرو بن إسماعيل بن مجالد قال الدارقطني والنسائي وابن حجر: متروك أنظر تحرير تقريب التهذيب 3/66. 2 أنظر سير أعلام النبلاء 4/145.

حممة رضي الله عنه

117- حممة رضي الله عنه. قال حميد بن عبد الرحمن كان رجل يقال له حممة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى اصبهان غازيا وفتحت في خلافة عمر فقال اللهم ان حممة يزعم أنه يحب لقاءك فان كان صادقا فأعزم له عليه بصدقه وان كان كاذبا فأعزم له عليه وان كره اللهم لا ترد حممة في سفره هذا فمات باصبهان.

فقام أبو موسى فقال إلا أنا والله ما سمعنا فيما سمعنا من بينكم وما بلغ علمنا إلا ان حممة شهيد. وعن عبد الاعلى بن عبد الله قال اصابت حممة شرارة فكان لا يضحك فقيل له ما لك لا تضحك قال حتى اعلم في الجنة أنا أم في النار؟. قلت وقد روينا ان حممة هذا هبط واديا فاقام يصلي فيه اربعين يوما وسيأتي ذكر هذا في اخبار عامر بن عبد قيس. ورويناانه بات عند هرم بن حيان فبات يبكي إلى الصباح وسيأتي في اخبار هرم ان شاء الله تعالى.

حدير رضي الله عنه

118- حدير رضي الله عنه. عن نافع عن ابن عمر ان رسول الله. صلى الله عليه وسلم بعث جيشا فيهم رجل يقال له حدير. وكانت تلك السنة قد اصابتهم سنة من قلة الطعام فزودهم رسول الله. صلى الله عليه وسلم ونسي ان يزود حديرا. فخرج حدير صابرا محتسبا وهو في آخر الركب يقول لا اله إلا الله والله اكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ويقول نعم الزاد هو يا رب. فهو يرددها وهو في آخر الركب. قال فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ان ربي ارسلني اليك يخبرك انك زودت اصحابك ونسيت ان تزود حديرا وهو في آخر الركب يقول لا اله إلا الله والله اكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ويقول نعم الزاد هو يا رب قال فكلامه ذلك له نور يوم القيامة ما بين السماء والأرض فابعث إليه بزاد. فدعا النبي. صلى الله عليه وسلم رجلا فدفع إليه زاد حدير وامره إذا انتهى إليه حفظ عليه ما يقول وإذا دفع إليه الزاد حفظ عليه ما يقول ويقول له: "ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ورحمة الله ويخبرك أنه كان نسي ان يزودك وان ربي تبارك وتعالى ارسل إلي جبريل يذكرني بك فذكره جبريل واعلمه مكانك". فانتهى إليه وهو يقول لا اله إلا الله والله اكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ويقول نعم الزاد هذا يا رب قال فدنا منه ثم قال له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ورحمة الله وقد ارسلني اليك بزاد معي ويقول اني إنما نسيتك

_ 118- هو: حدير الحضرمي أبو الزاهرية الحمصي.

فارسل إلي جبريل من السماء يذكرني بك قال فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال الحمد لله رب العالمين ذكرني ربي من فوق سبع سموات ومن فوق عرشه ورحم جوعي وضعفي يا رب كما لم تنس حديرا فاجعل حديرا لا ينساك. قال فحفظ ما قال ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما سمع منه حين أتاه وبما قال حين أخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما انك لو رفعت رأسك إلى السماء لرأيت لكلامه ذلك نورا ساطعا ما بين السماء والأرض".

ومن الطبقة الخامسة وهم الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أحداث الاسنان

ومن الطبقة الخامسة وهم الذين توفي رسول الله. صلى الله عليه وسلم وهم أحداًث الاسنان: 119- عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. يكنى أبا العباس ولد في الشِّعب وبنو هاشم محصورون قبل خروجهم منه بيسيرِ، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين. وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة1 وكان حَبْر الامة ويسمى البحر لغزارة علمه، وكان عمر وعثمان رضي الله عنهما يدعوانه فيشير عليهما مع أهل بدر، وكان يفتى في عهدهما إلى ان مات. وكان له من الولد: العباس، وعلي السجّاد، والفضل، ومحمد، وعُبيد الله، ولُبابة، وأسماء. عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيت ميمونة فوضعت له وضوءاً من الليل. قال: فقالت له ميمونة: وضع هذه لك يا رسول الله عبدُ الله بنُ عباس، فقال صلى الله عليه وسلم "اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل" 2. وعن عكرمة عن ابن عباس قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم علّمه الحكْمة" 3. وعنه، عن ابن عباس قال: رأيت جبريل عليه السلام مرّتيْن، ودعا لي رسول الله. صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين.

_ 119- هو: عبد الله بن العباس بن هاشم بن عبد مناف ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفهم في القرآن فكان يسمى البحر والحبر لسعة علمه وقال عمر: لو أدرك ابن عباس اسناننا ما عشره منا أحد مات سنة ثمان وستين بالطائف. 1 روى أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر أخرجه أحمد في المسند 2283. وقال شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة وأنا ختن أخرجه أحمد في المسند 3543.والطبراني في الكبير 10578. 2 صحيح: أخرجه أحمد في المسند 2397. 3 صحيح: أخرجه البخاري في العلم حديث 75. باب 17. قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم علمه الكتاب.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس فقال: "اللهم بارك فيه وانشر منه". وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر رضي الله عنه ياذن لأهل بدر وياذن لي معهم. فقال بعضهم: أتاذن لهذا الفتى ومن أبنائنا من هو مثله؟ فقال: فانه ممّن قد علمتم. فاذن لهم يوماً وأذن لي معهم فسالهم عن هذه السورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} [الصر: 1,2] فقالوا: أمر الله عز وجل نبيّه إذا فتح الله عليه ان يسستغفر وان يتوب إليه. فقال لي: ما تقول يا عباس؟ فقلت: ليس كذلك، ولكنه أخبر نبيّه. صلى الله عليه وسلم بحضور اجله فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَتْح مكة {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} أي فعند ذلك علامة موتِكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر: 1 3] .1 فقال لهم كيف تلوموني عليه بعد ما ترونه؟ وعن الأوزاعي قال: قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن عباس: والله انك لاصبح فتياننا وجهاً، واحسنهم عقلاً، وأفقههُم في كتاب الله عز وجل. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان عمر يسألني مع أصحاب محمد، وكان يقول لي: لاتتكلم حتى يتكلموا، فإذا تكلمت قال: غلبتموني أن تأتوا بمثل ما جاء به هذا الغلام الذي لم يجتمع شؤون رأسه. قال ابن ادريس: وشؤون رأسه: الشيب الذي يكون في الرأس. وعن الحسن قال: كان ابن عباس يقوم على منبرنا هذا فيقرأ البقرة وآل عمران فيفسرهما آية آية. وكان عمر إذا ذكره قال: ذاكم فتى الكهول، له لسانٌ سؤول وقلب عقول. وعن المغيرة: قيل لابن عباس: أنَّى اصبت هذا العلم؟ قال: لسان سَؤُول، وقلب عقول. وعن مسروق قال: قال عبد الله: لو أن عباس أدرك أسناننا ما عاشره منا أحد. قال: وكان يقول: نعْم تُرُجمان القرآن ابنُ عباس.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في المغازي حديث 4294. باب 51. منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح.

وعن عكرمة عن ابن عباس قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهم اليوم كثير فقال واعجبا لك يا بن عباس اترى الناس يفتقرون اليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم قال فتركت ذلك واقبلت اسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحديث فان كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فاتوسد التراب فيخرج فيراني فيقول يا بن عم رسول الله ما جاء بك إلا ارسلت إلي فآتيك فاقول لا أنا أحق أن آتيك فأسالك عن الحديث. فعاش ذلك الفتى الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني فيقول: هذا الفتى كان اعقل مني1. وعن أبي صالح قال: لقد رأيت من ابن عباس مجلساً لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها فخراً، رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق فما كان أحد يقدر على أن يجيء ولا أن يذهب. قال فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه فقال: ضع لي وضوءاً. قال: فتوضأ وجلس، وقال: اخرج فقل لهم: من أراد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أراد منه فليدخل. قال: فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة. فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم عنه وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثر. ثم قال: إخوانكم قال: فخرجوا. ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن وتأويله فليدخل. قال: فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثر. ثم قال: إخوانكم. قال: فخرجوا. ثم قال اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل. قال فخرجت فقلت لهم. فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله. ثم قال: إخوانكم. قال: فخرجوا. ثم قال: أخرج فقل من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل. قال: فخرجتُ فآذنتُهم فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة. فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله. ثم قال: إخوانكم. قال: فخرجوا ثم قال: أخرج فقل: من أراد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل. قال: فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة. فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله.

_ 1 صحيح: أخرجه الطبراني في الكبير 20592.

قال ابو صالح: فلو أن قريشاً كلّها فخرت بذلك لكان لها فخراً، فما رأيت مثل هذا لأحدٍ من الناس1. وعن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أن رجلاً أتاه يسأله عن السموات والأرض {كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} . قال: اذهب إلى ذلك الشيخ فسله، ثم تعال فأخبرني ما قال فذهب إلى ابن عباس فسأله فقال ابن عباس: كانت السموات رتقاً لا تُمطر وكانت رتقاً لا تُنبت، ففتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره فقال: إن ابن عباس قَد أُوتي علماً، صدق، هكذا كانت. ثم قال ابن عمر: لقد كنت أقول: ما يُعجبني جرأةُ ابنِ عباس على تفسير القرآن، فالآن علمتُ أنه قد أوتي علماً2. وعن مجاهد قال: كان ابن عباس يسمّى البحر، من كثرة علمه. وعن شقيق قال: خطب ابن عباس وهو على الموسم فافتح سورة البقرة فجعل يقرأ ويفسّر، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلام رجلٍ مثله، ولو سمعته فارسُ والروم لأسلمت. وكان طاوس يقول: كان ابن عباس قد بسق على الناس في العلم كما بسق النخلةُ السحوقُ على الوَدِيّ الصغار. وعن ابن بريدة قال: شتم رجلٌ ابن عباس فقال ابن عباس: إنك لتشتمني وَفيَّ ثلاثُ خِصال: إني لآتي على الآية من كتاب الله عز وجل، فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدِل في حكمه فأفرح به ولعلّي لا أقاضي إليه أبداً، وإني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلداً من بلدان المسلمين فأفرح به ومالي (به) من سائمة. وعن ميمون بن مهران قال: سمعت ابن عباس يقول: ما بلغني عن أخٍ مكروهٌ قطّ إلا أنزلته إِحدى ثلاث منازل: إن كان فَوقي عرفتُ له قدره، وإن كان نظيري تفضّلت عليه، وإن كان دوني لم أحفل به. هذه سيرتي في نفسي، فمن رغب عنها فأرضُ الله واسعة. وعن أبي حمزة، عن ابن عباس قال: لأن أقرأ البقرة في ليلة وأتفكر فيها أحبُّ إلي من أن أقرأ القرآن هذرمةً.

_ 1 أنظر حلية الأولياء رقم 1129. 2 أنظر حلية الأولياء 1128.

وعن الضحّاك، عن ابن عباس أنه قال: يا صاحب الذنب لا تأمننّ سوء عاقبته، ولما يتبع الذنب أعظمُ من! الذنب إذا عملته. قلَّة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظمُ من الذنب الذي صنعته، وضحكك، وأنت لا تدري ما الله صانعٌ بك، أعظم من الذنب. وفرحك بالذنب إذا عملته أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب، إذا فانك، أعظم من الذنب، إذا ظفرت به، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظمُ من الذنب إذا عملته. وعن عبد الله بن أبي مليكة قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان إذا نزل قام شطر الليل يرتل ويكثر في ذلك التسبيح. وعن أبي رجاء قال: كان هذا الموضع من ابن عباس مجرى الدموع كأنه الشراك البالي. وعن طاوس، كان يقول: ما رأيت أحداً أشدّ تعظيماً لحرمات الله عز وجل من ابن عباس، والله لو أشاء إذا ذكرته أن أبكي لبكيت. وعن سماك أن ابن عباس سقط في عينيه الماء فذهب بصره، فأتاه هؤلاء الذين ينقبون العيون ويسيلون الماء، فقالوا: خل بيننا وبين عينيك نسيل ماءهما، ولكنك تمكث خمسة أيام لا تصلّي (يعني قائماً) . قال: لا والله ولا ركعة واحدة، إني حُدّثت أنه من ترك صلاة واحدة متعمداً لقي الله (عز وجل) وهو عليه غضبان. وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: لأن أعول أهل بيتٍ من المسلمين شهراً أو جمعة أو ما شاء الله، أحب إلي من حجّة بعد حجة، ولطبقٌ بدانقٍ أهديه إلى أخٍ لي في الله أحبّ إلي من دينارٍ أنفقه في سبيل الله عز وجل. وعن الضحّاك، عن ابن عباس قال: لما ضُرب الدينار والدرهم أخذه إبليس فوضعه على عينيه وقال: أنتَ ثمرة قلبي وقُرّة عيني، بك أُطغي، وبك أُكفر، وبك أدخلُ الناس النار، رضيتُ من ابن آدم بحب الدنيا أن يعبدني. وعن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: آخر شدّةٍ يلقاها المؤمن: الموتُ. وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: خذ الحكمة ممن سمعت؛ فإن الرجل ليتكلم بالحكمة وليس بحكيم، فتكون كالرمية خرجت من غير رامٍ. ذكر وفاة ابن عباس رضي الله عنه: توفي ابن عباس بالطائف سنة ثمانٍ وستين، وهو ابن احدى وسبعين سنة.

وعن ميمون بن مهران قال: شهدت جنازة عبد الله بن عباس بالطائف، فلما وضع ليصلّي عليه جاء طائر أبيض حتى دخل في أكفانه فالتُمس فلم يوجد، فلما سُوي عليه سمعنا صوتاً نسمع صوته ولا نرى سخصه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وادخُلي جَنَّتي} [الفجر: 30] 1. ولما بلغ جابر بن عبد الله وفاةُ ابن عباس صفق بإحدى يديه على الأخرى وقال: مات أعلم الناس وأحلم الناس، ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا تُرتَق. وعن منذر قال: لما مات ابن عباس قال ابن الحنفية: اليومَ مات ربّانيّ هذه الأمة.

_ 1 ضعيف: أخرجه الطبراني في الكبير رقم 10581.

الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام

120- الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام. يكنى أبا محمد ولد في النصف من رمضان سنة ثلاثٍ من الهجرة، وأذّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أذنه. وكان له من الولد خمسة عشر ذكراً وثمان بنات. عن البراء قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً الحسن بن عليّ على عاتقه وهو يقول: " اللهم إني أُحبه فأحِبه" أخرجاه في الصحيحين2. وعن عقبة بن الحارث قال: خرجت مع أبي بكر من صلاة العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليالٍ، وعليّ يمشي إلى جنبه. فمرّ بالحسن بن علي يلعب مع غلمان، فاحتمله على رقبته وهو يقول: وابأبي شبيه بالنبي ليس شبيهاً بعلي. قال: وعليّ يضحك. انفرد باخراجه البخاري3. وفي أفراده من حديث أبي بكرة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى

_ 120- هو: الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته وقد صحبه وحفظ عنه مات شهيدا بالسم سنة تسع وأربعين وهو ابن سبع وأربعين وقيل: بل مات سنة خمسين وقيل بعدها. 2 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة حديث 3749. باب 22. مناقب الحسن والحسين رضي الله عنه. ومسلم في الفضائل حديث 2422. باب 8, 9. من فضائل الحسن والحسين رضي الله عنه. 3 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة حديث 3750. باب 22. مناقب الحسن والحسين رضي الله عنه.

جنبه، وهو يُقبل على الناس مرّة وعليه أخرى، ويقول: "إن ابني هذا سيّد ولعل الله عز وجل أن يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" 1. وأخرجا من حديث أبي جُحيفة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الحسن يشبهه2. وعن أنس بن مالك قال: كان الحسن بن علي أشبههم وجهاً برسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن سعيد بن عبد العزيز: قال: أن الحسن بن علي سمع رجلاً يسأل ربَّه عز وجل أن يرزقه عشرة آلاف. فانصرف الحسن فبعث بها إليه. وعن محمد بن علي قال: قال الحسن: إني لأستحيي من ربي عز وجل أن ألقاه ولم أمش إلى بيته. فمشى عشرين مرّة من المدينة على رجليه. وعن علي بن زيد قال: حجَّ الحسن خمس عشرةَ حجّةً ماشياً وإن النجائبَ لَتُقاد بين يديه. وخرَج من ماله الله مرّتين، وقاسم الله عز وجلّ مالَه ثلاث مرار حتى إن كان ليُعطي نعلاً ويُمسك نعلاً. ذكر وفاة الحسن عليه السلام. عن عُمير بن إسحق قال: دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي نعوده، فقال. يا فلان: سلني. فقال: لا والله لا نسألك حتى يعافيك الله. قال: ثم دخل، ثم خرج إلينا فقال سلني قبل ألا تسألني. قال: بل يعافيك الله عز وجل. قال: لقد ألقيتُ طائفةً من كبدي وإني قد سقيت السمّ مراراً، فلم أُسقَ مثل هذه المرّة. ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه والحسين عند رأسه، قال: يا أخي من تتهم؟ قال: لِمَ؟ لتقتله؟ قال: نعم. قال: إن يكن الذي أظن فالله أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً، وإلا يكن فما أُحِبُّ أن يُقتل بي بريء. ثم قضى رضي الله عنه. وعن رقبة بن مصقلة قال: لما نزل بالحسن بن علي الموت قال: أخرجوا فراشي إلى صحن الدار. فأخرج، فقال: اللهم إني أحتسِب نفسي عندك، فأني لم أصب بمثلها؛ غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في الصلح حديث 2704. باب 9. قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن رضي الله عنه: "إن ابني هذا سيد ... " 2 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة حديث 3752. باب 22. مناقب الحسن والحسين رضي الله عنه.

وقد ذكر يعقوب بن سفيان في تاريخه أن بنت الأشعث بن قيس كانت تحت الحسن بن علي فزعموا أنها هي التي سمَّته. مرض الحسن بن علي عليه السلام أربعين يوماً، وتوّفي لخمس ليالٍ خلون من ربيع الأول سنة خمسين، وقيل: سنة تسع وأربعين ودفن بالبقيع. رضي الله عنه.

الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام

121- الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام. ولد في شعبان سنه أربعٍ من الهجرة وله من الولد: عليّ الأكبر، وعليّ الأصغر، وله العقب، وجعفر، وفاطمة، وسكينة. عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هما ريحانتاي من الدنيا" 1 "يعني الحسن والحسين عليهما السلام انفرد باخراجه البخاري. وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح2. وعن زِرّ، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذان ابناي فمن أحبَّهما فقد أحبَّني" 3، يعني الحسن والحسين عليهما السلام. وعن علي عليه السلام قال: الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، ما كان أسفل من ذلك. وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: حجّ الحسين بن علي رضي الله عنه خمساً وعشرين حجَّةً ماشياً ونجائبُه تُقاد معه. قتل الحسين صلوات الله عليه يوم الجمعة يوم عاشوراء في محرم سنة إحدى وستين، وهو ابن ستٍ وخمسين سنة وخمسة أشهر وقيل: كان ابن ثمان وخمسين رضي الله عنه.

_ 121- هو: الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المدني سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته حفظ عنه استشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وله ست وخمسون سنة. 1 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة حديث 3768. باب 22. مناقب الحسن والحسين رضي الله عنه. 2 صحيح: أخرجه الترمذي في المناقب حديث 3768. وقال هذا حديث حسن صحيح. 3 حسن: أخرجه البزار في مسنده حديث 2623. والترمذي بمعناه حديث 3769. وقال: هذا حديث حسن غريب.

عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه

122- عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه. يكنى أبا بكر. أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنه وهو أول مولودٍ وُلد للمهاجرين بالمدينة بعد الهجرة. وأذن أبو بكر الصديق في أذنه، وحنَّكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة. عن هشام، عن أبيه عن أسماء أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة. قالت: فخرجت وأنا مُتِمٌّ فأتيت المدينة فنزلنا بقباء فولدته بقباء ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أوَّلَ ما دخل في جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ثم حنكه بتمرة ثم دعا له وبرَّك عليه وكان أوّل مولودٍ ولد في الإسلام. قال الشيخ: إنما تعني أوَّل مولود ولد بالمدينة بعد الهجرة. وفي رواية أخرى: خرجت أسماء بنت أبي بكر مهاجرةً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي حُبلى بعبد الله بن الزبير، فوضعته ولم ترضعه، حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن مجاهد بن جبير قال: ما كان باب من العبادة يعجز عنه الناس إلا تكلفه عبد الله بن الزبير، ولقد جاء سيلٌ طَبَّقَ البيتَ فجعل ابن الزبير يطوف سباحةً. وعن عمرو بن دينار قال: رأيت ابن الزبير يصلي في الحجر خافضاً بصره فجاء حجر قُدّامَه فذهب ببعض ثوبه فما انفتل. وعن مجاهد قال: كان ابن الزبير، إذا قام في الصلاة، كأنه عود؛ من الخشوع. وعن يحيى بن وثّاب أن ابن الزبير كان يسجد حتى تنزل العصافير على ظهره ولا تحسبه إلا جِذمَ حائط. وعن عمرو بن دينار قال: ما رأيت مصلِيّاً قطُّ أحسن صلاة من عبد الله بن الزبير. وعل ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن شجرة تصفقها الريح والمنجنيق، يقع ها هنا وها هنا. قال سفيان: كأنه لا يبالي. وعن عمر بن قيس، عن أمه أنها قالت: دخلتُ على عبد الله ابن الزبير بيته فاذا هو يصلي. قالت: فسقطت حيّة من السقف على ابنه هاشم فتطوّقت على بطنه وهو نائم فصاح

_ 122- هو: عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أبو بكر وأبو خبيب بالمعجمة مصغرا كان أول مولود في الإسلام بالمدينة من المهاجرين وولي الخلافة تسع سنين إلى أن قتل في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين.

أهل البيت: الحيّة. ولم يزالوا بها حتى قتلوها، وعبد الله بن الزبير يصلّي، ما التفت ولا عجَّل. ثم فرغ بعد ما قُتلت، فقال: ما بالكم؟ قالت أم هاشم: أي رحمك الله أرأيت إن كُنا هُنا عليك أيهون عليك ابنك؟ قال: فقال ويحك، ما كانت التفاتة، لو التفتُّها، مبقيةً من صلاتي. وعن محمد بن حميد قال: كان عبد الله بن الزبير يحيي الدهر أجمع، ليلةً قائماً حتى يصبح، وليلةً يحييها راكعاً حتى الصباح، وليلةً يحييها ساجداً حتى الصباح. وعن مسلم بن يَنّاق المكي قال: ركع ابن الزبير يوماً ركعةً، فقرأتُ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة، وما رفع رأسه. قال الزبير: وحدثني محمد بن الضحاك ابن زامي، وعبد الملك ابن عبد العزيز، ومن لا أحصي كثرةً من أصحابنا أن عبد الله بن الزبير كان يواصل الصيام سبعاً: يصوم الجمعة ولا يفطر إلا ليلة الجمعة الأخرى، ويصوم بالمدينة فلا يفطر إلا بمكة، ويصوم بمكة ولا يفطر إلا بالمدينة. قال عبد الملك: وكان إذا أفطر كان أول ما يفطر عليه لبن لقحة بسمن بقر وزادني غيره: وصبر. وعن أم جعفر بنت النعمان، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كان ابن الزبير، قوّام الليل صوام النهار، وكان يسمى حمام المسجد. وعن (ابن) أبي مليكة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، ويصبح اليوم السابع وهو اليثا. وعن محمد بن عبيد الله الثقفي قال: شهدتُ خطبة ابن الزبير بالموسم، خرج علينا قبل يوم التروية بيوم وهو مُحرِم، فلبّى بأحسن تلبية سمعتُها قطّ، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنكم جئتم من آفاقٍ شتّى وفوداً إلى الله عز وجل فحقّ على الله أن يُكرم وفده، فمن كان جاء يطلب ما عند الله فإن طالب الله لا يخيب، فصدّقوا قولكم بفعلٍ فإنَّ مِلاكَ القول الفعلُ، والنيَّةَ النيةَ، القلوبَ القلوبَ القلوبَ، الله الله في أيامكم هذه فإنها أيام تغفر فيها الذنوب. وعن وهب بن كيسان قال: كتب إليَّ عبد الله بن الزبير بموعظة: أما بعد فإنّ لأهل التقوى علاماتٍ يعرفون بها ويعرفونها من أنفسهم، من صبرٍ على

البلاء، ورضىً بالقضاء، وشكرٍ النعماء، وذُلٍّ لحكم القرآن وإنما الإمام كالسوق: ما نَفَق فيها حُمِل إليها، إن نُفق الحَق عندهُ حُمل إليه وجاءه أهل الحَق، وإن نَفق عندَهُ الباطل جاءَهُ أَهل الباطل. وعن أبي الضحى قال: رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي كان رأس مال. ذكر مقتل ابن الزبير رضي الله عنه1: عن عروة قال: لما كانت الغداة التي قُتل فيها ابن الزبير دخل على أمّه أسماء بنت أبي بكر وهي يومئذ ابنة مائة سنة لم يسقط لها سن. فقالت: يا عبد الله ما بلغت في حربك؟ قال: بلغوا مكان كذا وكذا، وضحك وقال: إن في الموت لراحَةً. فقالت أسماء: يا بنيَّ لعلك تتمناه لي، ما أحب أن أموت حتى أتي على أحد طرفَيك إما أن تملك فتَقرَّ بذلك عيني، وإما أن تقتل فأحتسبك. ثم ودَّعها، فقالت (له) : يا بنيَّ إياك أن تعطي خصلةً من دينك مخافة القتل. وخرج عنها وأنشأ يقول: ولستُ بمبتاعِ الحياة بسُبَّةٍ ... ولا مُرتَقٍ من خشيةِ المَوتِ سُلَّما وقال: والله ما لقيت زحفاً قط إلا في الرعيل الأول وما ألمتُ جرحاً قطّ إلا أن آلم الدواء. ثم حمل عليهم فأصابته آجرَّة في مَفرقه حتى فلقت رأسه، فوقف قائماً وهو يقول: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدمنا تقطر الدِما2 وعن عروة قال: أتيت عبد الله بن الزبير حين دنا الحجاج منه فقلت: قد لحق فلان بالحجّاج ولحق فلان بالحجاج، فقال: فرت سلامانُ وفرَّتِ النمِر ... وقد نُلاقي معهم فلا نَفِر فقلت له: لقد أُخذت دار فلان ودار فلان. فقال: اصبر عصامُ إنَّه شرٌّ باق ... قد سَكَّ أصحابك ضرب الأَعناق وقامت الحربُ بنا على ساق

_ 1 أنظر سير أعلام النبلاء 4/459. وحلية الأولياء 1/405. وتهذيب الكمال 14/508. 2 أخرجه ابو نعيم في حلية الأولياء 1171- 1172- 1170.

قال: فعرفت أنه لا يُسلم نفسه. قال: فغاظَني، فقلت: إنهم والله إن يَأخذوك يقطِّعوك إرباً إِرباً. فقال: ولست أبالي حين أُقتل مُسلماً ... على أيِّ جَنبٍ كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وَإِن يَشأ ... يبارِك على أَوصالِ شِلوٍ ممزّعِ قال: فعرفت أنه لا يمكِّن من نفسه. وعن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر، فمرَّ على ابن الزبير فوقف عليه فقال: يرحمك الله فإنك كنتَ، ما علمت، صوّاماً قوّاماً وصولاً للرحم، وإِني لأرجو أَلّا يعذِّبك الله عزَّ وجل. وقال الواقدي، عن أشياخ له، قالوا: حصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة ثنتين وسبعين وستة أشهر وسبع عشرة ليلة، ونصب الحجاج المنجنيق يرمي به أحثَّ الرمي، وألحّ عليهم بالقتال من كل وجهٍ وحبس عنهم الميرة، وحصرهم أشدَّ الحصار. فقامت أسماء يوماً فصلّت ودعت فقالت: اللهم لا تخيِّب عبد الله ابن الزبير، اللهم ارحم ذلك السجود والنَحيب والظمأ في تلك الهواجر. وقُتل يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جُمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.

المسور بن مخرمة بن نوفل

123- المسور بن مخرمة بن نوفل: يكنى أبا عبد الرحمن. قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين وقد حفظ عنه أحاديث ورواها1. عن محمد بن سعد قال: احتكر المِسور طعاماً فرأى سحاباً من سحاب الخريف فكرهه، فلما أصبح أتى السوق فقال: مَن جاءَني وليته فبلغ ذلك عمر فأتاه بالسوق فقال: أجُنِنتَ يا مِسوَر؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكني رأيت سحاباً فكرهته، فكرهت ما ينفع الناس، فكرهت أن أربح فيه. فقال عمر: جزاك الله خيراً.

_ 123- هو: المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن قصي بن كلاب الإمام الجليل أبو عبد الرحمن وأبو عثمان القرشي الزهري أمه: عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف زهرية أيضا. 1 عن أم بكر قالت: ولد المسور بمكة بعد الهجرة بعامين.

وكان المِسور لا يَشرب من الماء الذي يوضع في المسجد ويكرهه، ويرى أنه صدقة. وكان يصوم الدهر. وتوفي سنة أربع وستين وهو ابن اثنتين وستين1.

_ 1 قال الذهبي: وغلط المدائني فقال: مات سنة ثلاث وسبعين من حجر المنجنيق.

رجل من الأنصارلم يذكر اسمه

124- رجل من الأنصارلم يذكر اسمه عن جابر بن عبد الله الأنصاري، فيما يذكر من اجتهاد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فغشينا داراً من دور المشركين، فأصبنا امرأة رجل منهم. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً وجاء صاحبها وكان غائباً، فذُكر له مصابُها فحلف لا يرجع حتى يُهريق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دماً، فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق، نزل في شِعب من الشعاب، وقال: مَن رجلان يكلآننا في ليلتنا هذه من عدوِّنا؟ قال: فقال رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار: نحن نكلؤك يا رسول الله. قال: فخرجا إلى فم الشعب دون العسكر. ثم قال الأنصاري للمهاجري: أتكفيني أول الليل وأكفيك آخرَه أو تكفيني آخره وأكفيك أوَّله؟ قال: فقال له المهاجري: بل أكفني أوَّله وأكفيك آخره. فنام المهاجريّ وقام الأنصاريّ يصلي. قال: فافتتح سورة من القرآن، فبينا هو فيها يقرؤها جاء زوج المرأة فلما رأى الرجل قائماً عرف أنه ربيئةُ القوم، فينزع له بسهم فيضعه فيه. قال: فينتزعه فيضعه وهو قائم يقرأ في السورة التي هو فيها ولم يتحرك كراهية أن يقطعها (قال) : ثم عاد له زوج المرأة بسهم آخر فوضعه فيه. قال: فانتزعه فوضعه وهو قائم يصلّي في السورة التي هو فيها ولم يتحرك كراهية أن يقطعها. ثم عادَ له زوج المرأة الثالثة بسهم فوضعه فيه. قال: فانتزعه فوضعه ثم ركع وسجد. ثم قال لصاحبه: اقعد فقد أُتيت. قال: فجلس المهاجري فلما رآهما صاحب المرأة هرب وعرف أنه قد نُذِرَ به. قال: وإذا الأنصاري يفوح دماً من رَميات صاحب المرأة. قال: فقال له أخوه المهاجري: يغفر الله لك ألا كنت آذنتني أوّلَ ما رماك؟ قال: كنت في سورة من القرآن قد افتتحتُها بها فكرهت أن أقطعها، وايمُ الله لولا أني أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها. هذا آخر المختار ذكرهم من علماء الصحابة ومتعبديهم.

ذكر المصطفيات من طبقات الصحابيات رضى الله عنه

ذكر المصطفيات من طبقات الصحابيات رضى الله عنه خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي رضي الله عنها ... ذكر المصطفيات من طبقات الصحابيات رضى الله عنهن. 125- خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي رضي الله عنها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لها في تجارة فرأت عند قدومه غمامةً تظلّه فتزوجته. وقد كانت عرفت قبله زوجين، وكانت يوم تزوجها بنت اربعين سنة وجاءت النبوة فاسلمت فهي أول امرأة امنت به ولم ينكح امرأة غيرها حتى ماتت. وجميع أولاده منها سوى أبراهيم. عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة عليها السلم". أخرجاه في الصحيحين1. عن أبي هريرة قال: أتى جبرئيل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك بإناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا أتتك فاقرا عليها السلام من ربها ومنّي وبشرها ببيت في الجنة من قصبٍ لاصخب فيه ولا نصب. أخرجاه في الصحيحين2. وعن عائشة قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان رسول الله صلى اللهعليه وسلم يُكثر ذكرها وربما ذبح الشاة يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة الا خديجة. فيقول: "إنها كانت وكان لي منها ولد" أخرجاه في الصحيحين3.

_ 125- هي: خديجة أم المؤمنين وحيدة نساء العالمين في زمانها أم القاسم ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشية الأسدية ام أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد وثبتت جأشه ومضت به إلى ابن عمها ورقة. 1 صحيح: أخرجه البخاري في مناقب الأنصار حديث 3815. باب 20. تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها. ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2430. باب 12. فضائل خديجة. 2 صحيح: أخرجه البخاري في مناقب الأنصار حديث 3816. باب 20. تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها. ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2432. باب 912. فضائل خديجة رضي الله عنها. 3 صحيح: أخرجه البخاري في مناقب الأنصار حديث 3818. باب 20. تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2435. باب 12. فضائل خديجة رضي الله عنها.

وعنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن عليها الثناء فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت هل كانت الا عجوزاً قد اخلف الله لك خيرا منها؟ قالت: فغضب حتى اهتزّ مقدم شعره من الغضب. ثم قال: " لا والله ما أخلف الله لي خيرا منها لقد آمنت اذ كفر الناس، وصدقتني اذ كذبني الناس، وواستني بمالها اذ حرَمني الناس، ورزقني الله عز وجل أولادها اذ حرمني أولاد الناس". قالت: فقلت، بيني وبين نفسي: لا أذكرها بسوءٍ أبداً. توفيت خديخة رضي الله عنها بعد أن مضى من النبوة عشر سنين، وهي بنت خمس وستين سنة. قال حكيم بن حزام: دفنّاها بالحجون ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرتها ولم يكن يومئذ سنة الجنازة الصلاة عليها، رضي الله عنها1.

_ 1 روى عروة عن عائشة قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة.

فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

126- فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. أمها خديجة بنت خويلد ولدتها وقريش تبني البيت قبل النبوة بخمس سنين وهي اصغر بناته تزوجها علي عليه السلام في السنة الثانية من الهجرة في رمضان وبنى بها في ذي الحجة. وقيل تزوجها في رجب وقيل في صفر على بدن من حديد، فولدت له الحسن والحسين وزنيب وأم كلثوم. فتزوج زينب عبد الله بن جعفر فولدت له عبد الله وعوناً وماتت عنده. وتزوج أم كلثوم عمر بن الخطاب فولدت له زيداً. ثم خلف عليها بعد عمر عون بن عبد الله بن جعفر فلم تلد له شيئاً. ثم مات وخلف عليها محمد بن جعفر فولدت له جارية ثم خلف عليها بعده عبد الله بن جعفر فلم تلد له وماتت عنده. وزاد ابن اسحق في أولاد فاطمة من علي: محسناً. قال: ومات صغيراً وزاد الليث بن سعد: رقيّة قال: وماتت ولم تبلغ. عن عامر الشعبي قال: قال علي عليه السلام لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه الناضح بالنهار ومالي ولها خادم غيرها. وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة أدمٍ حشوها ليف ورحيين وسقاء وجرتين. فقال علي عليه السلام لفاطمة ذات يوم: والله سنوت حتى اشتكيت

_ 126- هي: فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم الحسن سيدة نساء هذه الأمة تزوجها علي في السنة الثانية من الهجرة وماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وقد جاوزت العشرين بقليل.

صدري وقد جاء الله أباك بسبيٍ فاذهبي فاستخدميه. فقالت: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقاتل: "ما جاء بك وما حاجتك أي بنية؟ " قالت: جئت لأسلم عليك، واستحييت أن تسأله فرجعت. فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت ان أسأله. فأتياه جميعا فقال علي: يا رسول الله والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري. وقالت فاطمة: لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله عز وجل بسبي وسعة فاخدمنا. فقال: "والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما انفق عليهم ولكني ابيعهم وانفق عليهم أثمانهم". فرجعا وأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطيا رؤوسهما تكشف أقدامهما وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما فثارا فقال: "مكانكما" ثم قال: "الا أخبركما بخيرٍ مما سألتماني؟ " قالا: بلى. قال: " كلمات علّمنيهن جبريل، تسبحان في دبر كلّ صلاة عشراً وتحمدان عشراً وتكبران عشراً، وإذا اويتما الى فراشكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين". قال: فو الله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله قال: فقال له ابن الكواء: ولا ليلة صفّين؟ قال: قاتلكم الله يا أهل العراق نعم ولا ليلة صفين. وعن أبي ليلى قال: حدثني علي عليه السلام ان فاطمة عليها السلام اتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى من يدها في الرحى. وبلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة. قال: فجاءنا وقد اخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال: " على مكانكما". فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال: " الا ادلكما على خير مما سألتماني؟ إذا اخذتما مضاجعكما أو اويتما الى فراشكما فسبّحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم" أخرجاه في الصحيحين1. وعن عائشة قالت: أقبلت فاطمة عليها السلام كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مرحباً بابنتي". ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله. ثم إنه أسرّ إليها حديثاً فبكت. فقلت لها اختصّك الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه ثم تبكين؟ ثم إنه اسرّ اليها حديثاً فضحكت. فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لافشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما قبض صلى الله عليه وسلم سألتها فقالت: إنه أسر لي فقال: "ان جبريل كان يعارضني ب القرآن في

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في فرض الخمس حديث 3113. وأطرافه في 3705, 5361, 5362, 6318. ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار 2727. باب 19. التسبيح أول النهار وعند النوم.

كل عام مرة وانه عارضني به العام مرتين ولا أراه الا قد حضر اجلي وانك أول أهل بيتي لحوقاً بي ونعم السلف أنا لك". فبكيت لذلك. ثم قال: " الا ترضين ان تكوني سيدة نساء هذه الامة أو سيدة نساء المؤمنين؟ " قالت: فضحكت لذلك أخرجاه في الصحيحين1 وليس لفاطمة عليها السلام في الصحيحين غير هذا الحديث. وعن المسور بن مخرمة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فاطمة بضعة مني فمن اغضبها اغضبني"، أخرجه مسلم أيضاً في صحيحيه2. وعنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: "ان بني هشام بن المغيرة استاذنوني في ان ينكحوا ابنتهم بعلي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن الا ان يريد ابن أبي طالب ان يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فانها بضعة مني يريبني ما ارابها ويؤذيني ما آذها" أخرجاه في الصحيحين3. وهذه المرأة المذكورة في هذا الحديث جويرية بنت أبي جهل بن هشام بن المغيرة كان علي عليه السلام قد خطبها فجاء بنو هشام يستامرون رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فلم يأذن لهم ان يزوجوه. واسلمت جويرية وبايعت وتزوجها عتاب بن اسيد. ثم نزوجها ابان بن سعيد بن العاصي. وعن ابن عبد الله قال: قال علي عليه السلام: يا ابن اعبد الا اخبرك عني عن فاطمة؟ كانت ابنة الرسول الله صلى الله عليه وسلم وأكرم أهله عليه، وكانت زوجتي فجرت بالرحى حتى اثرت الرحى بيدها واستقت بالقربة حتى اثرت القربة بنحرها وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها واوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها واصابها من ذلك ضرّ. وعن عطاء بن أبي رباح قال: ان كانت فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعجن وان قصتها لتضرب الأرض والجفنة. توفيت فاطمة الزهراء عليها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة اشهر في ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة أحدى عشرة وهي بنت ثمان وعشرين سنة ونصف وغسلها عليُّ عليه السلام وصلى عليها. وقالت عمرة: صلى عليها العباس بن عبد المطلب ودفنت ليلاً.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في المناقب حديث 3623. باب 25. علامات النبوة في الإسلام ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2450. باب 15. فضائل فاطمة رضي الله عنها. 2 صحيح: أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث 2449. باب 15. فضائل فاطمة رضي الله عنها. 3 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة حديث 3729. باب 16. ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو العاص بن الربيع ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2449. باب 15. فضائل فاطمة رضي الله عنها.

وعن عائشة قالت: عاشت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة اشهر. عن أبي جعفر قال: ماتت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة اشهر. قيل لسفيان: عمرو عن أبي جعفر؟ قال: نعم. عن عمرو بن دينار قال: توفيت فاطمة عليها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة اشهر. عن الزهري: ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة اشهر، يعني فاطمة عليها السلام. عن عائشة قالت: كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين فاطمة شهران. عن أبي الزبير قال: لم تمكث بعده الا شهرين. والأول اصح.

عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها

127- عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها. كانت مسماة لجبير بن مطعم فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه: دعني حتى اسلها من جبير سلا رفيقاً. فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في شوال قبل الهجرة بسنتين وقيل بثلاث وهي بنت ست سنين وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين. وبقيت عنده تسع سنين ولم يتزوج بِكراً غيرها. وعن عباد بن حمزة عن عائشة انها قالت: يا رسول الله الا تكنيني؟ قال: " تكني بابنك"، يعني عبد الله بن الزبير. فكانت تكنى أم عبد الله. وعن هشام عن ابيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُريتُكِ في المنام مرتين ورجل يحملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك. فأقول: ان كان هذا من عند الله عز وجل يُمْضِهِ" أخرجاه في الصحيحين1. وعنها قالت تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين. فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج فوعكت فتمزق شعري فوفي جميمه فأتتني امي أم رومان واني لفي ارجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها ما أدري ما تريد مني؟ فاخذت بيدي حتى اوقفتني على باب الدار واني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم اخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي وراسي، ثم ادخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن: على الخير

_ 127- هي: عائشة بني أبي بكر الصديق أم المؤمنين أفقه النساء مطلقا وأفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلا خديجة ففيهما خلاف مشهور ماتت سنة سبع وخمسين على الصحيح. 1 صحيح: أخرجه البخاري في مناقب الأنصار حديث 3895. باب 44. تزويج عائشة رضي الله عنها. ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2438. باب 13. في فضائل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.

والبركة وعلى خير طائر. فأسلمتني اليهنّ، فاصلحن من شاني فلم يرعني الا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى فاسلمنني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين1 أخرجاه في الصحيحين. وعن عمرو بن العاص انه اتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أي الناس أحب اليك يا رسول الله؟ قال: عائشة. قال من الرجال؟ قال: ابوها. قال: ثم من؟ قال: ثم عمر" أخرجاه في الصحيحين2. وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كَمُلَ من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون: وان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" أخرجاه في الصحيحين3. عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ان جبريل عليه السلام يقرأ عليك السلام " قلت: وعليه السلام ورحمة الله أخرجاه في الصحيحين4. وعن أبي سلمة عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله ارأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة قد اكل منها ووجدت شجرةً لم يؤكل منها: في ايهما كنت ترتع بعيرك؟ قال: "في التي لم يرتع منها". تعني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها انفرد باخراجه البخاري5. وعن الزهري قال: اخبرني محمد بن عبد الرحمن بن هشام ان عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ارسل ازواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فاستاذنت النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرضها فَأَذِنَ لها فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله ان ازواجك ارسلنني اليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أي بنية الست تحبين ما أحب؟ " فقالت بلى. قال: " فأحبي هذه" لعائشة قالت فقامت فاطمة عليها السلام فخرجت فجاءت أزواج النبي

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في مناقب الأنصار حديث 3894. باب 44. تزويج عائشة رضي الله عنها ومسلم. 2 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة حديث 2662. باب 5. قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لو كنت متخذا خليلي"ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2384. باب 1. من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه. 3 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة حديث 3769. باب 30. فضل عائشة رضي الله عنهاومسلم في فضائل الصحابة. حديث 2431. باب 13. فضل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. 4 صحيح: أخرجه البخاري في فضائل الصحابة حديث 3768. باب 30. فضل عائشة رضي الله عنها. ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2447. باب 13. فضل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. 5 صحيح: أخرجه البخاري في النكاح حديث 5077. باب 9. نكاح الأبكار.

صلى الله عليه وسلم فحدثنهْن بما قالت وبما قال لها فقلن ما أغنيت عنّا من شيء فارجعي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت فاطمة عليها السلام: والله لا أكلمه فيها أبدا. فأرسل ازواج النبي زينب بنت جحش فاستاذنت فاذن لها فدخلت فقالت: يا رسول الله أرسلني اليك أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت عائشة ووقعت في زينب. قالت عائشة فطفقت انظر الى النبي صلى الله عليه وسلم متى يأذن لي فيها. فلم ازل حتى عرفت النبي صلى الله عليه وسلم لا يكره ان انتصر. فقالت: فوقعت بزينب فلم أنشبها أن أفحمتها. فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: " انها ابنة أبي بكر" 1. وعن عروة عن عائشة ان: رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: "اين انا غداً؟ " اين انا غدا يريد يوم عائشة. فاذن له ازواجه ان يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها. قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور فيه نوبتي فقبضه الله عز وجل وان رأسه بين نحري وسحري وخالط ريقه ريقي أخرجاه في الصحيحين. وعنه قال: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة. قالت عائشة: فاجتمع صواحبي الى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة: والله ان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وأنا نريد الخير كما تريده عائشة فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يامر الناس ان يهدوا إليه حيثما كان أو حيثما دار. قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأعرض عني فلما عاد إليَّ ذكرت له ذاك فاعرض عني فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: " يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فانه ما نزل عَلَيَّ الوْحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها". وعنه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الأحزاب دخل المغتسل فجاءه جبريل عليه السلام فقال: أو قد وضعتم السلاح؟ ما وضعنا أسلحتنا بعد انهد الى بني قريظة. فقالت عائشة: كأني انظر الى جبريل عليه السلام من خلل الباب قد عصب رأسه الغبارُ. وعن أبي سلمة قال: قالت عائشة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً يديه على معرفة فرس دحية الكلبي وهو يكلمه قالت: فقلت: يارسول الله رأيتك واضعاً يدك على معرفة دحية الكلبي وأنت تكلمه. قال: " أو رأيته؟ " قلت نعم. قال: " ذاك جبريل وهو يقرئك السلام". قالت: وعليه السلام جزاه الله من صاحب أو دخيلٍ خيراً فنعم الصاحب ونعم الدخيل. قال سفيان: الدخيل: الضيف. وعن القاسم عن عائشة قالت: وثب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبةً شديدة فنظرت فإذا رجل معه

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث 2442. باب 13. فضل عائشة أم المؤمنين.

واقف على برذَوْن وعليه عِمامة بيضاء طرفها بين كتفيه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضعٌ يده على معرفة برذونه. فقلت: يا رسول الله لقد راعتني وثبتك، من هذا؟ قال: " أرأيتهِ؟ " قلت نعم. قال: " ومَن رأيتِ؟ " قلت: دحْية بن خليفة الكلبي قال: " ذلك جبريل عليه السلام". حديث الإِفك: عن الزهري قال: أخبرتي سعيد المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: لها أهل الإفك ما قالوا فبرّأها الله بما قالوا. وكلُّهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان اوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصاً. وقد وعيت عن كل منهم الحديث الذي حدثني وبعض حديثهم يُصدِّق بعضاً. ذكروا أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد ان يخرج سفراً أقرع بين نسائه فَأَيَّتُهُنَّ خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. قالت عائشة: فاقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعدما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي وانزل فيه مسيرنا. حتى إذا فرغ رسول الله من غزوه وقفل ودنونا من المدينة اذن ليلةً بالرحيل فقمت حتى آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت من شاني أقبلت الى الرَّحْل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظَفار قد انقطع فرجعت فالتمست عِقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون اني فيه. قالت: وكانت النساء اذ ذاك خفافا لم يُهَبَّلْنَ ولم يغْشهُنَّ اللحم، انما يأكلن العُلْقةَ من الطعام فلم يستنكر القوم ثِقَلَ الهودج حيت رحلوه ورفعوه. وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عِقدي بعد ما استمر الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داعٍ ولا مجيب. فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت ان القوم سيفقدوني فيرجعون إلَيَّ. فبينا انا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطَّل السُلَمِيُّ ثم الذَّكوانِيُّ قد عَرَّسَ من وراء الجيش فادلج فاصبح عند منزلي فرأى سواد انسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل ان يضرب الحجاب عَلًيَّ فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فجمرت وجهي بجلبابي، ووالله ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى اناخ راحلته فوطيء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى اتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك في شأني.

وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي1 ابن سلول. فقدمنا المدينة فاشتكيت حيت قدمنا المدينة شهراً والناس يفيضون في قول أهل الإفكِ ولا اشعر بشيءٍ من ذلك، وهو يريبني في وجعي اني لا اعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت ارى منه حين اشتكي، انما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ فذاك يريبني ولا اشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج الا ليلاً الى ليل، وذلك قبل ان تتخذ الكنف قريباً من بيوتنا وامرنا أَمر العرب الأول في التنزُّهِ. وكنا ننأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت انا وام مسطحٍ وهي بنت أبي رُهْمِ بن المطلب بن عبد مناف، وامها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب. فاقبلت انا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطحٌ. فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلاً قد شهد بدراً؟ قالت أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: ومإذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضاً الى مرضي فلما رجعت الى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: كيف تيكم؟ قلت اتاذن لي أن آتي أبَوَيَّ؟. قالت: وأنا حينئذٍ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبواي فقلت لامي: يا أمتاه: ما يتحدث من قِبلهما. فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت ابوي فقلت لامي: يا امتاه: ما يتحدث الناس؟ فقالت: يا بنية هوّني عليك، فو الله لقلَّما امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها قلت: سبحان الله، وقَدْ تحدّث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى اصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد بن حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله قالت: فاما اسامة بن زيد فاشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم الا خيراً. واما علي بن أبي طالب فقال: لن يضيق الله عليك والنساء سِواها كثير، وان تسأل الجارية تصدقك.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في المغازي حديث 4450. باب 83. مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2443. باب 13. فضل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.

قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: " أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ " قالت له بريرة والذي بعثك بالحق ان رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتاتي الداجن فتأكله. قالت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني إذاه في أهل بيتي؟ فو الله ما علمت على أهلي الا خيراً. ولقد ذكروا رجلاً ما عملت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي". فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا اعذرك منه يا رسول الله، ان كان من الاوس ضربنا عنقه وان كان من اخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلاً صالحاً ولكن أجهلته الحمية فقال لسعد بن معاذ: كذبت والله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حُضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة كذبت، لعمر الله لنقتلنه. فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيان الاوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكتَ. قالت وبكيت يومي ذلك لا يرقأُ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل لي نوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالقٌ كبدي. فبينما هما جالسان عندي وانا ابكي استأذنت عليَّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي معي. فَبَيْنا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء. قالت فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: " اما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنتِ بريئة فسيبرئك الله عز وجل، وإن كنت ألممت بذنبً فاستغفري الله عز وجل وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه". قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما احس منه قطرة. فقلت لابي: اجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال فقال: والله ما ادري ما اقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لامي اجيبي عني رسول الله فقالت والله ما ادري ما اقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وانا جارية حديثة السن لا أقرا كثيراً من القرآن اني والله لقد عرفت انكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به فإن قلت لكم اني بريئة والله عز وجل يعلم

اني بريئة لا تصدّقوني بذلك ولان اعترفت لكم بأمر والله يعلم اني بريئة لتصدّقوني واني والله ما اجد لي ولكم مثلا الا كما قال أبو يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] . قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي. قالت: وانا والله حينئذ اعلم اني والله بريئة وان الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن ان ينزل في شأني وحي يُتلى ولشأني كان احقر في نفسي من ان يتكلم الله عز وجل فيَّ بأمر يتلى ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها. قالت: فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من اهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى انه كان ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشات من ثقل القول الذي انزل عليه. قالت: فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان اول كلمة تكلم بها ان قال: "ابشري يا عائشة اما الله فقد برأك". فقالت لي امي: قومي إليه فقلت: والله لا اقوم إليه ولا أحمد الا الله هو الذي انزل براءتي قالت فانزل الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات براءتي. فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئاً ابدا بعد الذي قال لعائشة ما قال. فأنزل الله عز وجل: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} الى قوله: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] فقال أبو بكر الصديق والله اني لأحب ان يغفر الله لي. فرجع الى مسطح لنفقته التي كان ينفق عليه وقال لا انزعها منه ابداً. قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري ما عَلِمْتِ أو ما رايت؟ قالت: يا رسول الله احمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيراً. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حَمْنَةُ بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك. قال ابن شهاب: فهذا ما انتهى الينا من أمر هؤلاء الرهط. أخرجاه في الصحيحين1.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في الشهادات حديث 2661. باب 15. تعديل النساء بعضهن بعضا ومسلم في التوبة حديث 2770.

ذكر نبذة من كرمها وزهدها رضي الله عنها: عن عطاء قال: بعث معاوية الى عائشة بطوق من ذهب فيه جوهر قوم مائة ألف فقسمته بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. وعن أم ذرة وكانت تغشى عائشة قالت بعث اليها ابن الزبير بمال في غِرارتين قالت: أراه ثمانين ومائة ألف، فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة فجلست تقسمه بين الناس فأمست وما عندها من ذلك درهم. فلما أمست قالت: يا جارية هلمّي فِطْري. فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم ذرة اما استطعت مما قسمت اليوم ان تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه؟ فقالت لها: لا تعنّفيني لو كنت ذكرتني لفعلت. وعن عروة قال: لقد رأيت عائشة تقسم سبعين الفاً وهي ترقع درعها. ذكر نبذة من خوفها من الله تعالى: عن عوف بن مالك بن الطفيل ان عائشة حدثت ان عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء اعطته عائشة: والله لتنتهين عائشة أو لاحجرن عليها. فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم، قالت: هو لله عليَّ نذر ان لا أكلم ابن الزبير أبداً. فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة فقالت: لا والله لا أشفع فيه أبداً ولا أتحنث الى نذري فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زُهرة وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة فانها لا يحل ان تنذر قطيعتي. فاقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بارديتهما حتى استاذنا على عائشة فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلّكم، ولا تعلم ان معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي. وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها الا ما كلمته وقبلت منه، ويقولان لها: ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة فانه لا يحل لمسلم ان يهجر أخاه فوق ثلاث ليال. فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما وتبكي وتقول: اني نذرت والنذر شديد فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير واعتقت في نذرها ذلك أربعين دقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل بدموعها خمارها. انفرد بإخراجه البخاري1.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في الاستئذان حديث 6237. باب 9. السلام للمعرفة وغير المعرفة.

ذكر تعبدها واجتهادها رضي الله عنها: عن عروة عن ابيه ان عائشة رضي الله عنها كانت تسرد الصوم. وعن القاسم ان عائشة كانت تصوم الدهر ولا تفطر الا يوم أضحى أو يوم فْطر. وعنه قال: كنت اذا غدوت أبدأ ببيت عائشة أسلم عليها. فغدوت يوماً فاذا هي قائمة تسبح وتقرأ: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] وتدعو وتبكي وترددها. فقمت حتى مللت القيام فذهبت الى السوق لحاجتي ثم رجعت فاذا هي قائمة كما هي، تصلي وتبكي1. ذكر طرف من مواعظها وكلامها: عن عامر قال: كتبت عائشة الى معاوية: اما بعد فان العبد اذا عمل بمعصية الله عز وجل عاد حامده من الناس ذاماً. وعن ابراهيم عن عائشة رضي الله عنها قالت: انكم لن تلقوا الله بشيء خير لكم من قلة الذنوب فمن سرّه ان يسبق الدائب المجتهد فليكف نفسه عن كثرة الذنوب. ذكر غزارة علمها رضي الله عنها: عن أبي موسى الأشعري قال: ما اشكل علينا اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسالنا عائشة عنه الا وجدنا عندها منه علماً. وعن مسروق قال: نحلف بالله لقد رأينا الاكابر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عائشة عن الفرائض. وعن عروة عن ابيه قال: ما رأيت أحداً من الناس اعلم ب القرآن ولا بفريضة ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحدي ث العرب ولا بنسب من عائشة رضي الله عنها. وعن هشام بن عروة قال: كان عروة يقول لعائشة: يا أمتا لا أعجب من فقهك، اقول زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام العرب. أقول ابنة أبي بكر وكان اعلم الناس أو من اعلم الناس لكن اعجب من علمك بالطب. قال: فضربت على منكبه وقالت: أيْ عروة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بسقم عند آخر عمره أو في آخر عمره، فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فتنعت له الأنعات فكنت أعالجها فمن ثمَّ.

_ 1 أنظر حلية الأولياء رقم 1477.

وعن سفيان بن عيينة قال: قال الزهري: لو جمع علم عائشة الى علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وجميع النساء كان علم عائشة رضي الله عنها أكثر. ذكر فصاحتها رضي الله عنها: عن هشام بن عروة، لا أدري ذكره عن أبيه أم لا "الشك من ابن يعقوب "قال: بلغ عائشة رضي الله عنها ان أقواماً يتناولون من أبي بكر رضي الله عنه فارسلت الى ازفلة منهم. فلما حضروا سدلت استارها ثم دنت فحمدت الله تعالى وصلّت على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعذلت وقرعت. ثم قالت: أبي وما ابيه؟ أبي والله لا تعطوه الأيدي ذاك طود وفرع مديد، هيهات: كذبت الظنون انجح اذ اكديتم وسبق اذ ونيتم. سبق الجواد اذا استولىعلى الأمد. فتى قريش ناشئا وكهفها كهلاً يفك عانيها ويريش مملقها ويرأب شعبها حتى حليته قلوبها، ثم استشرى في الله تعالى فما برحت شكيمته في ذات الله تعالى حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيى فيه ما أمات من المبطلون، وكان رحمه الله غزير الدمعة وقيذ الجوارح شجى النشيج فانقصفت إليه نسوان مكة وولدانها يسخرون منه ويستهزئون به {اللهُ يَسْتَهْزئُ بِهِمْ ويَمُدُّهُمْ في طُغْيانِهمِ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15] فأكبرت ذلك رجالات قريش فحنت لها قسيها وفوقت له سهامها وانتثلوه غرضاً فما فلُّوا له صفاة ولا قصفوا له قناة ومرّ على سيسائه حتى إذا ضرب الدين بجرانه ألقى بركه ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجاً، ومن كل فرقة أرسالاً وأشتاتاً. اخنار الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ما عنده، فلما قبض صلى الله عليه وسلم نصب الشيطان رواقه ومدّ طُنُيه ونصب حبائله وظنَّ رجال أن قد تحققت أطماعهم، ولات حين مناص، وابي الصديق بين اظهرهم، فقام حاسراً مشمراً، فجمع حاشيته ورفع قطريه فرد نشر الاسلام على غربه، ولمَّ شعثه بطيه واقام اوده بثقافه، فاندفر النفاق بوطأته وانتاش الدين فنعشه، فلما اراح الحق الى اهله وقرر الرؤوس على كواهلها وحقن الدماء في أهبها، اتته ميتته فسد ثلمته بنظيره في المرحمة وشقيقه في السيرة والمعدلة. ذاك عمر بن الخطاب، لله أم حملت به ودرّت عليه لقد أوحدت به فنفخ الكفرة ودّيخها، وشرّد الشرك شَذَرّ مذَرَ وبعجَ الأرض وبخَعها فقاءت أكلها ولفظت خبيئها تَرْأَمُه ويصدف عنها، وتصدَّى له وياباها ورع فيها وودعها كما صحبها فاروني ما تريبون واي يوم تنقمون؟ أيوم اقامته اذ عدل فيكم أم يوم ظعنه فقد نظر لكم؟ أستغفر الله العظيم لي ولكم وقد روى هذا الحديث جعفر بن عون عن هاشم بن عروة عن ابيه عن عائشة رضي الله عنها.

تفسير كلمات غريبة فيه: الأزفلة: الجماعة، وتعطوه: تناوله، والطود: الجبل، والمنيف: المشرف، واكديتم: خبتم ويئس من خيركم وونيتم فترتم، والأمد: الغاية، والمملق: الفقير ويرأب: يجمع، والشعب: المتفرق، واستشرى: احتدّ، والشكيمة: الأنفة والحمية، والوقيذ: العليل، والجوارح: معروفة وفي رواية: الجوانح. وهي الضلوع القصار التي تقرب من الفؤاد، والشجىّ الحزين، والنشيج: صوت البكاء، وانتثلوه: ماخوذ من النثلة وهي الجعبة وفلّوا: كسروا، والصَّفاة: الصخرة الملساء، وقولها: على سيسائه: أي على شده، والجران: الصدر وهو البرك، ومعنى فرفع حاشيته وجمع قطريه تحزَّم للأمر وتأهب. والقطر: الناحية، فرد نشر الإسلام على غربه كذا وقع في الرواية والصواب على غرِّه أي على طيّه والأودِ العوج، والثقاف تقويم الرماح وغيرها، واندفر تفرّق، وانتاش الدّين أي أزال عنه ما يخاف عليه، ونعشه رفعه، فنخ الكفرة: أي أذلها، وديخها: أي دوّخها وفي رواية: ذنخها، بالنون، أي صغّرها، شذَرَ مذر أي تفريقاً، وبعج الأرض أي شقها، وكذلك نجعها، وتَرأَمهُ، أي تعطف عليه، وتصدى له: تعرَّض. وعن الأحنف بن قيس قال: سمعت خطبة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، فما سمعت الكلام مِن في مخلوق أحسن ولا أفخم من في عائشة رحمة الله عليهم أجمعين. وعن سفيان قال: سأل معاوية زياداً: أيُّ الناس ابلغ؟ قال: انت يا امير الؤمنين. قال: أعزم عليك. قال: اذا عزمت عليَّ فعائشة. فقال معاوية: ما فتحت باباً قط ترتد ان تغلقه الا أغلقته ولا اغلقت باباً قط تريد ان تفتحه الا فتحته. ذكر وفاة عائشة رضي الله عنها: عن ذكوان حاجب عائشة انه جاء عبد الله بن عباس يستأذن على عائشة فجئت وعند رأسها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقلت: هذا ابن عباس يستأذن. فأكب عليها ابن أخيها عبد الله فقال: هذا ابن عباس. فقالت: دعني من ابن عباس. فقال لها: يا أماه ان ابن عباس من صالحي بنيك يسلم عليك ويودعك. فقالت: ائذن له ان شئت. فادخله فلما دخل قال: أبشري فما بينك وبين أن تلقي محمداً صلى الله عليه وسلم والأحبة الا ان تخرج الروح من الجسد. كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّ الا طيّباً

وسقطت قلادتك ليلة الابواء فاصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تصبح في المنزل وأصبح الناس ليس معهم ماء فانزل الله عز وجل: {فتيمّموا صعيداً} [النساء: 43] وسورة المائدة الآية 6 فكان هذا من سببك وما أنزل الله عز وجل لهذه الأمة من الرخصة، وأنزل الله عز وجل برءتك من فوق سبع سموات جاء به الروح الأمين فأصبح ليس مسجدٌ من مساجد الله عز وجل يُذكر فيه الله إلا تتلى فيه آناء الليل وآناء النهار. فقالت دعني منك يا ابن عباس، فو الذي نفسي بيده لوددت اني كنت نسياً منسيّاً1. قال الواقدي: توفيت عائشة رضي الله عنها ليلة الثلاثاء لسبع عشرة من رمضان سنة ثمانٍ وخمسين وهي ابنة ستٍ وستين سنة. وقال غيره: توفيت سنة سبع وخمسين واوصت ان تدفن بالبقيع مع صواحباتها، وصلّى عليها أبو هريرة، وكان خليفة مروان بالمدينة. وعن هشام بن عروة قال: مات وعائشة سنة سبعٍ وخمسين.

_ 1 صحيح: أخرجه الطبراني في الكبير حديث 10783. وأبو نعيم في حلية الأولياء.

حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

128- حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: كانت عند خُنيس بن حذافة السهمي، وهاجرت معه الى المدينة فمات عنها بعد الهجرة مقْدَمَ النبي صلى الله عليه وسلم من بدر. فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال: تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة وكان من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدراً فتوفي بالمدينة. قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة. فقال سانظر في ذلك فلبثت ليالي فلقيني فقال: ما أريد ان اتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت ان شئت انكحتك حفصة. فلم يرجع الي شيئاً فكنت أوجد عليه مني على عثمان. فلبثت ليالي فخطبها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكحتها اياه فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع اليك شيئاً؟ قال: قلت نعم.

_ 128- هي: حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد حنيس بن حذامة سنة ثلاث وماتت سنة خمس وأربعين.

فإنه لم يمنعني ان ارجع اليك شيئا حين عرضتها علي الا اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها ولم أكن لافشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لنكحتها انفرد بإخراجه البخاري1. وعن قيس بن زيد ان النبي صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة بنت عمر فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون، فبكت وقالت: والله ما طلّقني عن شِبَع، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فتجلببت. قال: " فقال لي جبريل عليه السلام: راجع حفصة فانها صوّامة قوّامة وانها زوجتك في الجنة". عن عمار بن ياسر قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يطلّق حفصة فجاء جبريل عليه السلام فقال: لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وانها زوجتك في الجنة2. قال الواقدي: توفيت حفصة في شعبان سنة خمس وأربعين في خلافة معاوية وهي ابن ستين سنة. وقيل: ماتت في خلافة عثمان بالمدينة.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في النكاح حديث 5122. 2 حسن: أخرجه أبو داود في الطلاق حديث 2283. باب 38. في المراجعة.

أم سلمة واسمها هند بنت أبي امية، واسمه سهيل

129- أم سلمة واسمها هند بنت أبي امية، واسمه سهيل. ويقال له زاد الركب بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وكانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد فهاجر بها الى أرض الحبشة الهجرتين جميعاً. ومات أبو سلمة سنة اربع من الهجرة فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن ابن ام سلمة ان ابا سلمة جاء الى ام سلمة فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً احب الي من كذا وكذا لا أدري ما عدل به. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصيب احداً مصيبة فيسترجع عند ذلك ويقول اللهم عندك احتسب مصيبتي هذه، اللهم اخلفني فيها خيراً منها، الا أعطاه الله عز وجل". قالت ام سلمة: فلما أُصِبت بابي سلمة قلت: اللهم عندك احتسب مصيبتي هذه ولم تطب نفسي ان اقول: اللهم اخلفني فيها بخير منها. ثم قالت: مَن خير من ابي سلمة اليس اليس؟ ثم قالت ذلك. فلما انقضت عِدتها ارسل اليها ابو بكر يخطبها فأبت. ثم أرسل اليها عمر يخطبها فابت.

_ 129- هي: هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومية أم سلمة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي سلمة سنة أربع وقيل: سنة ثلاث وعاشت بعد ذلك ستين سنة ماتت سنة اثنتين وستين وقيل سنة إحدى وقيل قبل ذلك والأول أصح.

ثم أرسل اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها فقالت: مرحباً برسول الله صلى الله عليه وسلم ان فيّ خلالاً ثلاثاً: امرأة شديدة الغيرة، وانا امرأة مُصْبية، وانا امرأة ليس لي ها هنا احد اوليائي فيزوجني. فغضب عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم اشد مما غضب لنفسه حين ردته. فأتاها عمر فقال: انت التي تردّين رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تردينه؟ فقالت: يا بْنَ الخطاب لي كذا وكذا. فاتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اما ما ذكرت من غيرتك فاني ادعو الله عز وجل ان يذهبها عنك: واما ما ذكرت من صِبْيَتك فان الله عز وجل سيكفيكهم. واما ما ذكرتِ من انه ليس من أوليائك احد شاهد فليس من أوليائك احد شاهد ولا غائب يكرهني". وقال لابنها: زوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوّجه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما اني لم انقصكِ مما أعطيت فلانة1. قال ثابت: قلت لابن ام سلمة: ما اعطى فلانة؟ قال: اعطاها جرّتين تضع فيهما حاجتها، ورحىً ووسادة من أدم حشْوها ليف. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنها. فلما راته وضعت زينب اصغر ولدها في حجرها فلما رآها انصرف واقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتها، فوضعتها في حجرها واقبل عمار مسرعاً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتزعها من حُجرها وقال: هاتي هذه المشقوحة التي قد منعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما يرها في حجرها قال: اين زناب قالت: أخذها عمار. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله. قال: وكانت في النساء كأنها ليست فيهن لا تجد ما يجدْن من الغيرة. توفيت ام سلمة في سنة تسع وخمسين، وقيل سنة اثنتين وستين. وقُبرت بالبقيع وهي ابنة أربع وثمانين سنة رضي الله عنها.

_ 1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند 26731. والنسائي في النكاح حديث 3254. باب 28. إنكاح الإبن أمه.

ام حبيبة واسمها رملة

130- ام حبيبة واسمها رملة. بنت ابي سفيان بن حرب، كانت عند عبيد الله بن جحش وهاجر بها الى الحبشة في الهجرة الثانية ثم ارتد عن الإسلام وتنصر ومات هنالك. وثبتت ام حبيبة على دينها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الصخري إلى النجاشي ملك الحبشة ليخطبها على دينها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري الى النجاشي ملك الحبشة ليخطبها عليه فزّوجها إياه

_ 130- هي: رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية أم المؤمنين أم حبيبة مشهورة بكنيتها اتت سنة اثنتين أو أربع وقيل: سنة تسع وأربعين وقيل: وخمسين.

زينب بنت جحش بن رئاب

131- زينب بنت جحش بن رئاب: امها اميمة بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فمكا طلقها زيد بن حارثة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة خمس من الهجرة وكانت من المهاجرات. عن انس قال: لما انقضت عدة زينب بنت جحش قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: " اذهب فاذكرني لها". فلما قال ذلك عظمت في نفسي فذهبت اليها فجعلت ظهري الى الباب فقلت: يا زينب بعثني اليك رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك. فقالت: ما كنت لا احدث شيئاً حتى اوامر ربي عز وجل. فقامت الى مسجدٍ لها فانزل الله عز وجل هذه الآية: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بغير إذن أخرجه مسلم1. وقد اخرج البخاري من حديث انس ان زينب كانت تفخر على ازواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن اهاليكن وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سموات. وعنه قال: كانت زينب بنت جحش تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقول ان الله عز وجل أنكحني من السماء وأطعم النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عليها خبزا ولحماً قال، وكان القوم جلوسا في البيت فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلبث هُنَيَّةً، فرجع والقوم جلوس فشق ذلك عليه وعرفت ذلك وجهه فنزلت آية الحجاب. قلت: نزول آية الحجاب في قصة زينب في الصحيحين من حديث انس بن مالك الأنصاري. وفيهما من حديثه أيضاً قال: ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه اكثر وافضل مما او لم على زينب فقال ثابت البناني: بما أو لم؟ قال: اطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه2. وعن عائشة قالت: كانت زينب بنت جحش هي التي كانت تساميني من ازواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله عز وجل بالورع ولم أرَ امرأة اكثر خيراً وأكثر صدقة واوصل للرحم وابذل لنفسها في كل شيء يتقرب به الى الله عز وجل من زينب ما عدا سورة من حِدةٍ كانت فيها، يوشك منها الفيئة.

_ 131- هي: زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر الأسدية أم المؤمنين أمها أميمة بنت عبد المطلب يقال: ماتت سنة عشرين في خلافة عمر. 1 صحيح: أخرجه مسلم في النكاح حديث 1428. 2 صحيح: أخرجه البخاري في النكاح حديث 5166. باب 67 الوليمة حق.

وعن برزة بنت رافع قالت: لما جاء العطاء بعث عمر الى زينب بنت جحش بالذي لها، فلما دخل عليها قالت: غفر الله لعمر، لغيري من اخواتي كان اقوى على قسم هذا مني. قالوا هذا كله لك. قالت: سبحان الله. واسترت دونه بثوب وقالت: صبوه واطرحوا عليه ثوباً. فصبّوه وطرحوا عليه ثوباً. فقالت لي: أدخلي يدك فاقبضي منه قبضة فاذهبي الى آل فلان وآل فلان من ايتامها وذوي رحمها فقسمته حتى بقيت منه فقالت لها برزة: غفر الله لك، والله لقد كان لنا في هذا حظ. قالت: فلكم ما تحت الثوب. قالت: فرفعنا الثوب فوجدنا خمسةً وثمانين درهماً. ثم رفعت يديها الى الأعلى فقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا. قال: فماتت. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: "اولكن يتبعني اطولكن يداً". قالت عائشة: فكنا اذا اجتمعنا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الحائط نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة ولم تكن اطولنا يداً. فعرفت ان النبي صلى الله عليه وسلم اراد بطول اليد الصدقة. وكانت امرأة صناعاً، وكانت تعمل بيدها وتتصدق به في سبيل الله عز وجل1. نوفيت زينب بنت جحش في سنة عشرين وهي بنت ثلاث وخمسين سنة رحمها الله.

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث 2453.

جويرية بنت الحارث بن ابي ضرار رضي الله عنها

132- جويرية بنت الحارث بن ابي ضرار رضي الله عنها: قالت عائشة اصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق فوقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس فكاتبها على تسع اواق وكانت امرأة حلوة لا يكاد يراها احد الا اخذت بنفسه فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي اذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابتها فوالله ما هو الا ان رايتها فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم انه سيرى منها مثل الذي رأيت فقالتت يا رسول الله انا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد اصابني من الامر ما قد علمت فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على تسع اواق فأعني في كتابتي فقال: "او خير من ذلك؟ " فقالت ما هو؟ فقال: "اؤدي عنك كتابتك واتزوجك" قالت نعم يا رسول الله فقالت: "قد فعلت" فخرج الخبر الى الناس فقالوا اصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترقون فاعتقوا ما كان

_ 132- هي: جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمها برة فغيرها النبي صلى الله عليه وسلم وسباها في غزوة المريسيع ثم تزوجها وماتت سنة خمسين على الصحيح.

في ايديهم من نساء بني المصطلق فبلغ عتقهم مائة بنت بتزويجه اياها فلا اعلم امرأة اعظم بركة على قومها منها1. قال ابن عباس كان اسمها برة فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فسماها جويرية كره ان يقال خرج من عند برة. وعن ابن عباس عن جويرية انطلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوة وانا اسبح ثم انطلق لحاجته ثم رجع قريبا من نصف النهار فقال: "اما زلت قاعدة؟ " قلت نعم قال: "الا اعلمك كلمات لو عدلن بهن لعدلنهن ولو ووزن بهن وزنهن يعني جميع ما سبحت سبحان الله عدد خلقه ثلاث مرات سبحان الله زنة عرشه ثلاث مرات سبحان الله رضا نفسه ثلاث مرات سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات" انفرد باخراجه مسلم2. تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية وهي بنت عشرين سنة وتوفيت سنة خمسين وفي رواية ست وخمسين وهي بنت خمس وستين رحمها الله.

_ 1 ضعيف: أخرجه الطبراني في الكبير وعبد الرزاق في المصنف رقم 1318. 2 صحيح: أخرجه مسلم في الذكرحديث 2726. باب 19. التسبيح أول النهار.

صفية بنت حيي بن اخطب رضي الله عنها

133- صفية بنت حيي بن اخطب رضي الله عنها. من سبط هارون بن عمران سباها النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر فاصطفاها لنفسه فاسلمت واعتقها وجعل صداقها وقيل وقعت في سهم دحية الكلبي فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة ارؤس. عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بصفية يوم خيبر وانه قتل اخاها وزوجها وقال لبلال خذ بيد صفية فاخذ بيدها فمر بها بين القتلى فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رؤي في وجهه. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فنزعت شيئا كانت عليه جالسة فالقته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خيرها بين ان يعتقها فترجع الى من بقي من اهلها او تسلم فيتخذها لنفسه فقالت: اختار الله ورسوله فلما كان عند رواحه احتقب بعيره ثم خرجت معه تمشي حتى ثنى لها ركبته على فخذه فاجلت رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تضع قدمها على فخذه فوضعت ركبتها على فخذه فركبت ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم فالقى عليها كساء ثم سارا فقال المسلمون حجبها

_ 133- هي: صفية بنت حيي بن أخطب الإسرائيلية أم المؤمنين تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خيبر وماتت سنة ست وثلاثين وقيل في خلافة معاوية وهو الصحيح.

رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان على ستة اميال من خيبر مال يريد ان يعرس بها فابت صفية فوجد النبي صلى الله عليه وسلم عليها في نفسه. فلما كان بالصهباء مال الى دومة هناك فطاوعته فقال لها: "ما حملك على ابائك حين اردت المنزل الاول؟ " قالت يا رسول الله خشيت عليك قرب يهود فاعرس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصهباء وبات ابو ايوب ليلته يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور حول خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الوطء قال: "من هذا؟ " قال انا خالد بن زيد فقال: "ما لك قال ما نمت هذه الليلة؟ " مخافة هذه الجارية عليك فامره رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع1. توفيت صفية سنة خمسين وقيل اثنتين وخمسين وقيل ست وثلاثين ودفنت بالبقيع.

_ 1 أنظر حلية الأولياء 2/66. والطبقات الكبرى 8/128. وسير أعلام النبلاء 3/515.

ام شريك رضي الله عنها

134- ام شريك رضي الله عنها2: واسمها غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية قال الاكثرون هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم. فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت3. عن ابن عباس قال وقع في قلب ام شريك الاسلام فاسلمت وهي بمكة وكانت تحت أبي العسكر الدوسي ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرا فتدعوهن وترغبهن في الاسلام حتى ظهر امرها لاهل مكة فاخذوها وقالوا لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا لكنا سنردك اليهم. قالت فحملوني على بعير ليس تحتي شيء ثم تركوني ثلاثا لا يطعموني ولا يسقوني وكانوا اذا نزلوا منزلا او ثقوني في الشمس واستظلوا هم منها وحبسوني عن الطعام والشراب فبينا هم قد نزلوا منزلا واوثقوني في الشمس اذا انا ببرد شيء على صدري فتناولته فاذا هو دلو من ماء فشربت منه قليلا ثم نرع مني فرفع ثم عاد فتناولته فشربت منه ثم رفع ثم عاد فتناولته ثم رفع مرارا ثم تركت فشربت حتى رويت ثم افضت سائره على جسدي وثيابي فلما استيقظوا اذا هم بأثر الماء ورأوني حسنة الهيئة فقالوا لي انحللت فاخذت سقاءنا فشربت منه قلت لا والله لكنه كان من الامر كذا وكذا قالوا لئن كنتت صادقة لدينك

_ 134- هي: أم شريك العامرية ويقال الدوسية ويقال الأنصارية اسمها غزية ويقال: غزيلة صحابية ويقال: هي الواهبة. 2 أنظر حلية الأولياء 2/79. وسير أعلام النبلاء 3/507. 3 أنظر حلية الأولياء 2/79. رقم 1530. والمستدرك 6810.

خير من ديننا. فلما نظروا الى اسقيتهم وجدوها كما تركوها فاسلموا عند ذلك واقبلت الى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له بغير مهر فقبلها ودخل عليها.

فاطمة بنت اسد بن هاشم ابن عبد المناف

135- فاطمة بنت اسد بن هاشم ابن عبد المناف. ام علي بن أبي طالب عليه السلام اسلمت وكانت صالحة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها ولما ماتت نزع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فالبسها اياه1. وقال علي بن أبي طالب قلت لأمي فاطمة بنت اسد اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة وتكفيك خدمة الداخل والطحن والعجين.

_ 135- هي: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمية أول هاشمية ولدت هاشميا. 1 صعيف: قال الهيثمي: فيه سعدان بن الوليد ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.

136- أم ايمن واسمها بركة: مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته ورثها من أبيه فاعتقها حين تزوج خديجة فتزوجها عبيد بن زيد من بني الحارث فولدت له ايمن ثم تزوجها زيد بن حارثة بعد النبوة فولدت له اسامة رضي الله عنه. عن عثمان بن القاسم قال خرجت ام ايمن مهاجرة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة وهي ماشية ليس معها زاد وهي صائمة في يوم شديد الحر فاصابها عطش شديد حتى كادت تموت من شدة العطش قال وهي بالروحاء او قريبا منها قالت غابت الشمس اذا انا بحفيف شيء فوق رأسي فرفعت رأسي فاذا انا بدلو من السماء مدلى برشاء ابيض قالت فدنا مني حتى اذا كان بحيث أستمكن منه تناوله فشربت منه حتى رويت قالت: فلقد كنت بعد ذلك اليوم الحار اطوف في الشمس كي اعطش فما عطشت بعدها2. وعن انس قال ذهبت مع النبي صلى الله عليه وسلم الى ام ايمن نزورها فقربت له طعاما او شرابا فاما كان صائما واما لم يرده فجعلت تخاصمه أي كل فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قال ابو بكر لعمر رضي الله عنهما مر بنا الى ام ايمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها فلما رأتهما بكت فقالا لها ما يبكيك فقالت ما ابكي اني لاعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار الى خير مما كان فيه ولكن ابكي لخبر السماء انقطع عنا فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها3.

_ 136- هي: أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم يقال: اسمها بركة وهي والدة أسامة بن زيد ماتت في خلافة عثمان. 2 ضعيف: أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/224. 3 صحيح: أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث 2454. باب 18. من فضائل أم أيمن رضي الله عنها.

أم ايمن واسمها بركة

أم ايمن واسمها بركة ... قال الواقدي حضرت ام ايمن احدا وكانت تسقي الماء وتداوي الجرحى وشهدت خيبر وتوفيت في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه.

أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط

137- ام كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط. اسلمت بمكة وبايعت قبل الهجرة وهي اول من هاجر من النساء بعد ان هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة وهاجرت في هدنة الحديبية. عن ربيعة بن عثمان وقدامة قالا لا نعلم قرشية خرجت من بين ابويها مسلمة مهاجرة الا ام كلثوم قالت كنت اخرج الى بادية لنا فيها اهلي فاقيم بها الثلاث والاربع وهي ناحية التنعيم ثم ارجع الى اهلي فلا ينكرون ذهابي البادية حتى اجمعت المسير فخرجت يوما من مكة كاني اريد البادية فلما رجع من تبعني اذا رجل من خزاعة قال اين تريدين قلت ما مسألتك ومن انت قال رجل من خزاعة فلما ذكر خزاعة اطمأننت إليه لدخول خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده فقلت اني امرأة من قريش واني اريد اللحوق برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا علم لي بالطريق فقال انا صاحبك حتى اوردك المدينة ثم جاءني ببعير فركبته فكان يقود بي البعير ولا والله ما يكلمني بكلمة. حتى إذا أناخ البعير تنحى عني فإذا نزلت جاء إلى البعير فقيده بالشجرة وتنحى الى فيء شجرة حتى اذا كان الرواح حدج البعير فقر به وولى عني فاذا اركبت اخذ براسه فلم يلتفت وراءه حتى انزل فلم يزل كذلك حتى قدمنا المدينة فجزاه الله من صاحب خيرا فدخلت على ام سلمة وانا متنقبة فما عرفتني حتى انتسبت وكشفت النقاب فالتزمتني وقالت هاجرت الى الله عز وجل والى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم وانا اخاف ان يردني كما رد ابا جندل وابا بصير وحال الرجال ليس كحال النساء والقوم مصبحى قد طالت غيبتي اليوم عنهم خمسة أيام منذ فارقتهم وهم يتحينون قدر ما كنت اغيب ثم يطلبوني فان لم يجدوني رحلوا. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ام سلمة فاخبرته خبر ام كلثوم فرحب بها وسهل فقلت اني فررت اليك بديني فامعني ولا تردني اليهم يفتنوني ويعذبوني ولا صبر لي على العذاب انما انا امرأة وضعف النساء الى ما تعرف وقد رأيتك رددت رجلين حتى امتنع احدهما فقال ان الله عز وجل قد نقض العهد في النساء وحكم في ذلك بحكم رضوه كلهم وكان يرد

_ 137- هي: أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط الأموية أسلمت قديما وهي أخت عثمان لأمه صحابية لها أحاديث ماتت في خلافة علي.

النساء فقدم اخواها الوليد وعمارة من الغد فقالا اوف لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه فقال قد نقض الله العهد فانصرفا. قلت واعلم ان نقض العهد في النساء معناه نزول الامتحان في حقوقهن فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتحن النساء بعدها وذلك انه كان يقول لهن: "والله ما اخرجكن الا حب الله ورسوله والاسلام وما خرجتن لزوج ولا مال" فاذا قلن ذلك تركهن ولم يرددن الى اهليهن وكانت ام كلثوم عاتقا حينئذ فتزوجها زيد بن حارثة. فلما قتل عنها تزوجها الزبير فولدت له زينب ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له ابراهيم وحميدا ثم تزوجها عمر بن العاص فماتت عنده رحمها الله.

الحولاء بنت تويت بن حبيب ابن اسد بن عبد العزى

138- الحولاء بنت تويت بن حبيب ابن اسد بن عبد العزى. اسلمت وبايعت رضي الله عنها. عن عائشة رضي الله عنها ان الحولاء مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هذه الحولاء وزعموا انها لا تنام الليل، فقال: " لا تنام الليل؟ خذوا من العمل ما تطيقون فوالله لا يسأم حتى تسأموا".

أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها

139- اسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها. اسلمت بمكة قديما وبايعت وشقت نطاقها ليلة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الغار فجعلت واحدا لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاخر عصاما لقربته فسميت ذات النطاقين. تزوجها الزبير وكانت صالحة كانت تمرض المرضة فتعتق كل مملوك لها1. عن عبد الله بن الزبير قال ما رأيت امراتين قط اجود من عائشة واسماء وجودهما مختلف اما عائشة فكانت تجمع الشيء حتى اذا اجتمع عندها قسمت. واما اسماء فكانت لا تمسك شيئا لغد رواه البخاري. وروي أيضاً من حديث عروة قال دخلت انا وعبد الله بن الزبير على اسماء قبل قتل عبد الله بعشر ليال واسماء وجعة فقال لها عبد الله كيف تجدينك قالت وجعة قال ان الموت لراحة قالت لعلك تشتهي موتي فلذلك تمناه فلا تفعل فوالله ما اشتهي ان اموت

_ 139- هي: أم عبد الله القرشية المكية ثم المدنية والدة الخليفة عبد الله بن الزبير وأخت أم المؤمنين عائشة وآخر المهاجرات موتا. 1 صحيح: أخرجه أحمد في المسند 27012.

حتى اتي على احد طرفيك اما ان تقتل فاحتسبك واما ان تظفر فتقر عيني فاياك ان تعرض عليك خصلة لا توافقك فتقبلها كراهية الموت. وانما عنى ابن الزبير ان يقتل فيحزنها ذلك. توفيت اسماء بعد قتل ابنها عبد الله رضي الله عنه بليالٍ.

سمية بنت خباط رضي الله عنها

140- سمية بنت خباط رضي الله عنها. مولاة أبي حذيفة بن المغيرة وهي ام عمار بن ياسر أسلمت بمكة قديما وكانت ممن يعذب في الله عز وجل لترجع عن دينها فلم تفعل فمر بها يوما ابو جهل فطعنها في قبلها فماتت عجوزا كبيرا فهي اول شهيدة في الاسلام رحمها الله. عن مجاهد قال اول شهيد كان في الاسلام استشهد ام عمار طعنها ابو جهل بحربة في قبلها والسلام.

فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها

141- فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها. اخت عمر اسلمت قبل عمر هي وزوجها سعيد بن عمرو بن نفيل فلما علم عمر باسلامها دخل عليها فشجها فبكت وقال يا ابن الخطاب ما كنت صانعا فاصنعه فقد اسلمت. وقد ذكرنا هذا في قصة اسلام عمر رحمها الله.

أم رومان بنت عامر

142- ام رومان بنت عامر اسلمت بمكة قديما وبايعت وتزوجها ابو بكر الصديق رضي الله عنه فولدت له عبد الرحمن وعائشة وهاجرت الى المدينة. وقد ذكر محمد بن سعد وابراهيم الحربي انها توفيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اخرون بل عشات بعده دهرا طويلا رحمها الله.

_ 142- هي: أم رومان الفراسية زوج أبي بكر الصديق وأم عائشة وعبد الرحمن صحابية يقال: اسمها زينب وقيل: دعد زعم الواقدي ومن تبعه أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ونزل قبرها والصحيح أنها عاشت بعده ورواية مسروق عنها مصرح فيها بالسماع منها في صحيح البخاري وليست بخطأ كما زعم بعضهم والله أعلم.

أم الفضل

143- أم الفضل وهي لبابة الكبرى ابنة الحارث بن حرن وهي اول امرأة اسلمت بعد خديجة تزوجها العباس فولدلت له الفضل وعبد الله وعبيد الله ومعبدا وقثم وعبد الرحمن وام حبيب وفيها يقول عبد الله بن يزيد الهلالي: ما ولدت نجيبة من فحل ... كستة من بطن ام الفضل اكرم بها من كهلة وكهل وهاجرت الى المدينة بعد اسلام العباس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها وكانت تصوم الاثنين والخميس.

_ 143- هي: لبابة بتخفيف الموحدة بنت الحارث بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون الهلالية أم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب وأخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن حبان: ماتت بعد العباس في خلافة عثمان.

أسماء بنت عميس

144- اسماء بنت عميس. اسلمت بمكة قديما وبايعت وهاجرت الى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب ثم قتل عنها فتزوجها ابو بكر رضي الله عنه ومات عنها واوصى ان تغسله ثم تزوجها علي بن أبي طالب. عن أبي موسى قال بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه انا واخوان لي أنا اصغرهم احدهما ابو بردة والاخر ابو رهم اما قال بضع واما قال ثلاثة وخمسون واما اثنان وخمسون رجلا من قومي قال فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا الى النجاشي فوافقنا جعفر بن أبي طالب واصحابه عنده فقال جعفر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا ها هنا وامرنا بالاقامة فاقيموا معنا قال فاقمنا معه حتى قدمنا جميعا. قال فاوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فاسهم لنا او قال اعطانا منها وما قسم لاحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا من من شهد معه الا لاصحاب سفينتنا مع جعفر واصحابه قسم لهم معهم قال فكان ناس من الناس يقولون لنا يعني لاهل السفينة نحن سبقناكم بالهجرة. قال فدخلت اسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم

_ 144- هي: أسماء بنت عميس الخثعمية صحابية تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم ابو بكر ثم علي وولدت لهم وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها ماتت بعد علي.

زائرة وقد كانت هاجرت الى النجاشي فيمن هاجر إليه فدخل عمر على حفصة واسماء عندها فقال عمر حين راى اسماء من هذه قالت اسماء ينت عميس قال عمر الحبشية هذه البحرية هذه فقالت اسماء نعم فقال عمر سبقناكم بالهجرة فنحن احق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم فغضبت وقالت: كلا والله يا عمر كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار او في ارض البعد بالحبشة وذلك في ذات الله عز وجل وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وايم الله لا اطعم طعاما ولا اشرب شرابا حتى اذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم واساله والله لا اكذب ولا ازيد على ذلك. فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله ان عمر قال كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فما قلت له" قالت قلت له كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس باحق بي منكم وله ولاصحابه هجرة واحدة ولكم انتم اهل السفينة هجرتان" قالت فلقد رأيت ابا موسى واصحاب السفينة ياتوني ارسالا ليسالوني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم افرح به ولا اعظم في انفسهم مما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم1. اخرجاه في الصحيحين.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في المغازي حديث 4230, 4231. باب 38. غزوة خيبر ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2502, 2503. باب 41. من فضائل جعفر وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم رضي الله عنهم.

أم عمارة

145- ام عمارة. واسمها نسيبة بفتح النون وكسر السين بنت كعب بن عمرو بن عوف الانصارية اسلمت وبايعت وشهدت احدا والحديبية وخيبر وحنينا وعمرة القضية ويوم اليمامة، وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ما التفت يوم احد يمينا ولا شمالا الا واراها تقاتل دوني. قال الواقدي قاتلت يوم احد وجرحت اثنتي عشرة جراحة وداوت جرحا في عنقها سنة ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حمراء الاسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم. وعن محمد بن اسحاق قال وحضرت البيعة بالعقبة امراتان قد بايعتا احداهما نسيبة بنت

_ 145- هي: نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصارية أم عمارة شهدت ليلة العقبة وشهدت أحدا والحديبية ويوم حنين ويوم اليمامة وقطعت يدها في الجهاد أنظر سير أعلام النبلاء 3/520.

كعب وكانت تشهد الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهدت معه احدا وخرجت مع المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر في الردة فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل الله مسيلمة ورجعت وبها عشر جراحات من طعنة وضربة. قال ابن اسحاق حدثني بهذا الحديث عنها محمد بن يحيى بن حبان ومحمد ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصة والسلام.

أم سليط الانصارية

146- ام سليط الانصارية. اسلمت وبايعت وشهدت احدا وخيبرا وحنينا قال ثعلبة بن أبي مالك ان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطا بين نساء من نساء اهل المدينة فبقي منها مرط جيد فقال له بعض من عنده يا امير المؤمنين اعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك يريدون ام كلثوم بنت علي فقال عمر ام سليط احق به منها وام سليط من نساء الانصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر فانها كانت تزفر لنا القرب يوم احد انفرد باخراجه البخاري.

أم سليم بنت ملحان بن خالد ابن زيد بن حرام

147- ام سليم بنت ملحان بن خالد ابن زيد بن حرام. وهي الغميصاء وقيل الرميضاء واختلفوا في اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل رميثة وقيل انيفة تزوجها مالك بن النضر فولدت له انس بن مالك ثم قتل فخطبها ابو طلحة. عن انس قال: خطب ابو طلحة ام سليم قبل ان يسلم فقالت اما اني فيك لراغبة وما مثلك يرد ولكنك رجل كافر وانا امرأة مسلمة فان تسلم فذلك مهري لا اسالك غيره فاسلم ابو طلحة وتزوجها1. وعنه ان ابا طلحة خطب ام سليم فقالت يا ابا طلحة الست تعلم ان الهك الذي تعبده خشبة نبتت من الارض نجرها حبشي بني فلان قال بلى قالت افلا تستحي ان تعبد خشبة من نبات الارض نجرها حبشي بني فلان لئن انت اسلمت لم ارد منك من الصداق

_ 147- هي: أم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصارية والدة أنس بن مالك يقال اسمها سهلة أو رميلة أو مليكة أو أنيسة وهي الغميصاء أو الرميصاء اشتهرت بكنيتها وكانت من الصحابيات الفاضلات ماتت في خلافة عثمان. 1 صحيح: أخرجه النسائي في النكاح حديث 3340. باب 63. التزويج على الإسلام.

غيره قال حتى انظر في امري فذهب ثم جاء فقال اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله قالت يا انس زوج ابا طلحة1. عن انس بن مالك قال خطب ابو طلحة ام سليم فقالت ما مثلك يرد ولكن لا يحل ان اتزوجك انا مسلمة وانت كافر فان تسلم فذاك مهري لا اسالك غيره. فاسلم فتزوجها. قال ثابت فما سمعنا بمهر قط كان اكرم من مهر ام سليم الاسلام. وعنه ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت ام سليم الا على ازواجه فقيل له فقال اني ارحمها قتل أخوها معي. وعنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على ام سليم فتبسط له النطع فيقيل عندها فتأخذ من عرقة فتجعله في طيبها2. وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدي فاذا هي الغميصاء بنت ملحان ام انس بن مالك" 3. وعنه قال جاء ابو طلحة يوم حنين يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ام سليم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الم تر الى ام سليم معها خنجر فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تصنعين به يا ام سليم قالت اردت ان دنا احد منهم مني طعنته4. وعنه قال كان يوم احد رأيت عائشة وام سليم وانهما لمشمرتان ارى خدم سوقهما تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في افواه القوم ثم ترجعان فتملانها ثم تجيئان فتفرغانها في افواه القوم. وعنه قال زار رسول الله صلى الله عليه وسلم ام سليم فصلى في بيتها تطوعا وقال يا ام سليم اذا صليت المكتوبة فقولي سبحان الله عشرا والحمد لله عشرا والله اكبر عشرا ثم سلى الله عز وجل ما شئت فانه يقال لك نعم نعم نعم. وعنه قال كان ابن لابي طلحة يشتكي فخرج ابو طلحة فقبض الصبي فلما رجع ابو طلحة

_ 1 أنظر سير أعلام النبلاء 3/538. والطبقات الكبرى 8/425. 2 صحيح: أخرجه مسلم في فضائل الصحابة 2331, 2332, 2333. باب 2 طيب عرق النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به. 3 صحيح: أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث 2456. باب 19.من فضائل أم سليم أم انس ابن مالم وبلال رصي الله عنهم. 4 صحيح: أخرجه ابن سعد في الطبقات 8/425.

قال ما فعل ابني قالت ام سليم هو اسكن ما كان فقربت إليه العشاء فتعشى ثم اصاب منها فلما فرغ قالت واروا الصبي فلما اصبح ابو طلحة اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال: "اعرستم الليلة" قال نعم قال: "اللهم بارك لهما" فولدت له غلاما فقال لي ابو طلحة احمله حتى يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم وبعث معه بتمرات فقال: "امعك شيء" قلت نعم تمرات فاخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ثم اخذها من فيه فجعلها في في الصبي ثم حنكه وسماه عبد الله اخرجاه في الصحيحين1. وعنه قال مات ابن لابي طلحة من ام سليم فقالت لاهلها لا تحدثوا ابا طلحة بابنه حتى اكون انا أحدثه قال فجاء فقربت له عشاء فاكل وشرب وقال ثم تصنعت له احسن ما كانت تصنع له قبل ذلك فوقع بها فلما رات انه قد شبع واصاب منها قالت يا ابا طلحة أرأيت لو ان قوما اعاروا عاريتهم اهل بيت فطلبوا عاريتهم الهم ان يمنعوهم قال لا قالت فاحتسب ابنك. فانطلق حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره بما كان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لكما في ليلتكما" قال فحملت. قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا فدنوا من المدينة فضربها المخاص فاحتبس عليها ابو طلحة وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابو طلحة انك لتعلم يا رب انه ليعجبني ان اخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خرج وادخل معه اذا دخل وقد احتبست بما ترى قال تقول له ام سليم يا ابا طلحة ما اجد الذي كنت اجد فانطلقنا. قال فضربها المخاض حين قدمنا فولدت غلاما فقالت لي امي يا انس لا يرضعنه احد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلما اصبحت احتملته فانطلقت به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصادفته ومعه ميسم فلما راني قال: "لعل ام سليم ولدت" قلت نعم فوضع الميسم وجئت به فوضعته في حجره قال ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعجوة من عجوة المدينة فلاكها في فيه حتى ذابت ثم قذفها في في الصبي فجعل الصبي يتلمظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا الى حب الانصار التمر" قال فمسح وجهه وسماه عبد الله.

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في العقيقة حديث 5470. ومسلم في فضائل الصحابة حديث 2457. باب 19. من فضائل أم سليم أم أنس بن مالك وبلال رضي الله عنهم.

وقد روى لنا من طريق آخر ان الولد مات كان اسمه حفص وكان قد ترعرع. وعن عباية بن رفاعة عن ام سليم قالت توفي ابن لي وزوجي غائب فقمت فسجيته في ناحية من البيت فقدم زوجي فقمت فتطيبت له فوقع علي ثم ايتته بطعام فجعل يأكل فقلت الا اعجبك من جيراننا قال وما لهم قلت اعيروا عارية فلما طلبت منهم جزعوا فقال بئس ما صنعوا فقلت هذا ابنك فقال لا جرم لا تغلبيني على الصبر الليلة فلما اصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره فقال اللهم بارك لهم في ليلتهم فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة كلهم قد قرأ القرآن1.

_ 1 أنظر التخريج المتقدم.

أم حرام بنت ملحان

148- ام حرام بنت ملحان. اخت ام سليم اسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقيل في بيتها. عن انس بن مالك عن ام حرام انها قالت بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائل في بيتي اذ استيقظ وهو يضحك فقلت بابي انت وامي ما يضحكك قال: "عرض علي ناس من امتي يركبون ظهر هذا البحر كالملوك على الاسرة" فقلت ادع الله ان يجعلني منهم قال: "اللهم اجعلها منهم" ثم نام أيضاً فاستيقظ وهو يضحك. فقلت بابي انت وامي ما يضحكك قال: "عرض علي ناس من امتي يركبون ظهر هذا البحر كالملوك على الاسرة" فقلت ادع الله ان يجعلني منهم فقال: "انت من الاولين" فغزت مع عبادة بن الصامت وكان زوجها فوقصتها بغلة لها شهباء فوقعت فماتت اخرجاه في الصحيحين2. وعن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عمير بن الاسود العنسي انه حدثه انه اتى عبادة بن الصامت وهو بساحل حمص في بناؤ له ومه امراته ام حرام قال عمير فحدثتنا ام حرام انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اول جيش من امتي يغزون البحر قد اوجبوا" قالت ام حرام يا رسول الله انا منهم قال: "انت منهم" 3. قال هشام رأيت قبرها ووقفت عليه بالساح بقاقيس. وعن هشام بن الغاز قال قبر ام حرم بنت ملحان بقبرس وهم يقولون هذا قبر المراة الصالحة رحمها الله.

_ 148- هي: أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام الأنصارية خالة أنس صحابية مشهورة ماتت في خلافة عثمان. 2 صحيح: أخرجه البخاري في التعبير حديث 7002. باب 12. رؤيا النهار ومسلم في الإمارة حديث 1912. باب 49. فضل الغزو في البحر. 3 أنظر التخريج المتقدم.

عفراء بنت عبيد بن ثعلبة

149- عفراء بنت عبيد بن ثعلبة اسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورزقها الله سبعة بنين كلهم شهدوا بدراً مسلمين وذلك انها تزوجت الحارث بن رفاعة فولدت له معاذا ومعوذا ثم طلقها فقدمت مكة فتزوجت بكير بن عبد ياليل فولدت له خالدا واياسا وعاقلا وعامرا. ثم رجعت الى المدينة فراجعها الحارث بن رفاعة فولدت له عوفا فشهدوا كلهم بدرا مسلمين فاستشهد معاذ ومعوذ وعاقل ببدر وخالد يوم الرجيع وعامر يوم بئر معونة واياس يوم اليمامة والبقية منهم لعوف.

الربيع بنت معوذ بن عفراء

150- الربيع بنت معوذ بن عفراء اسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثت عنه وكانت تخرج معه في الغزوات. عن خالد بن ذكوان عن الربيع قالت كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخدم القوم ونسقيهم ونرد الجرحى والقتلى الى المدينة والسلام.

_ 150- هي: الربيع بالتصغير والتثقيل بنت معوذ ابن عفراء الأنصارية البخارية من صغار الصحابة.

أم عطية الانصارية

151- ام عطية الانصارية واسمها نسيبة بنت كعب اسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه بضم النون على خلاف اسم ام عمارة المتقدمة. عن حفصة بنت سيرين عن ام عطية قالت غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وكنت اخلفهم في الرحال واصنع لهم الطعام واقوم على المرضى واداوي الجرحى.

_ 151- هي: أم عطية الأنصارية نسيبة ويقال: بفتح أولها بنت الحارث صحابية مشهورة مدنية ثم سكنت البصرة.

أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث

152- ام ورقة بنت عبد الله بن الحارث اسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. اخبرنا ابن الحصين بالاسناد عن ام ورقة بنت عبد الله بن الحارث الانصارية وكانت قد جمعت القرآن وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد امرها ان تؤم اهل دارها وكان لها مؤذن وكانت تؤم اهل دارها.

_ 152- هي: أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن عويمر الأنصارية صحابية كانت تؤم أهل دارها وماتت في خلافة عمر قتلها خدمها وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميها الشهيدة - محمد بن علي.

وعنه عن جدته عن امها ام ورقة بنت عبد الله بن الحارث الانصاري وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها يسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بدار قال له ائذن لي فاخرج معك فاداوي جرحاكم وامرض مرضاكم لعل الله عز وجل يهدي الي الشهادة قال: "ان الله عز وجل مهد لك الشهادة" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم امرها ان تؤم اهل دارها حتى غدا عليها جارية وغلام لها كانت قد دبرتهما فقتلاها في امارة عمر رضي الله عنه فقيل ان ام ورقة قد قتلها غلامها وجاريتها فقال عمر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "انطلقوا بنا نزور الشهيدة" رحمها الله.

امرأة من المهاجرات لم يذكر اسمها

153- امرأة من المهاجرات لم يذكر اسمها عن انس قال دخلنا على رجل من الانصار وهو مريض ثقيل فلم نبرح حتى قضى فبسطنا عليه ثوبه وام له عجوز كبيرة عند راسه فالتفت اليها بعضنا فقال يا هذه احتسبي مصيبتك عند الله عز وجل قالت وما ذاك امات ابني قلنا نعم قالت احق ما تقولون قلنا نعم قالت احق ما تقولون قلنا نعم فمدت يدها الى الله فقالت اللهم انك تعلم اني اسلمت وهاجرت الى رسولك صلى الله عليه وسلم رجاء ان ن تعينني عند كل شدة ورخاء فلا تحملني هذه المصيبة اليوم قال فكشف عن وجهه فما برحنا حتى طعمنا معه.

امرأة اخرى من المهاجرات

154- امرأة اخرى من المهاجرات عن ابن سيرين ان ابا بكر اتي بمال فقسمه بين الناس فبعث منه الى امرأة من المهاجرات فلما ايتيت به قالت ما هذا قالوا ابو بكر جاءه مال فقسمه في الناس فقسم منه في نظرائك قالت اتخافوني ان ادع الاسلام قالوا لا قالت افترشونني على ديني قالوا لا قالت فلا حاجة لي فيه.

اليمنية

155- اليمنية عن أبي هريرة قال جاءت امرأة من اليمن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ادع الله عز وجل ان يشفيني قال: "ان شئت دعوت الله لك فشفاك وان شئت فاصبري ولا حساب عليك" قالت بل اصبر ولا حساب علي رحمها الله.

امرأة من الانصار

156-امرأة من الانصار عن أنس قال لما كان يوم أحد حاص اهل المدينة حيصة وقالوا قتل محمد. حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة فخرجت امرأة من الانصار فاستقبلت باخيها وابيها وزوجها

وابنها لا ادري بايهم استقبلت اولا فلما مرت على اخرهم قالت من هذا قالوا اخوك وابوك وزوجك وابنك قالت فما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا أمامك فذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول بابي انت وامي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ابالي اذا سلمت من عطب.

أمة لبعض العرب

157- امة لبعض العرب عن عائشة رضي الله عنها قالت اسلمت امة سوداء لبعض العرب فكان لها حفش في المسجد قالت فكانت تاتينا فتحدث عندنا، فاذا فرغت من حديثها قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... الا انه من بلدة الكفر نجاني فلما اكثرت قلت لها وما يوم الوشاح؟ قالت خرجت جويرية لبعض اهلي وعليها وشاح من ادم فسقط منها فانحطت عليه الحدأة وهي تحسبه لحما فاخذته فاتهموني به فعذبوني حتى بلغ من امري انهم طلبوه في قبلي فبينا هم حولي وانا في كربي اذ اقلبت الحديا حتى وازت رؤوسنا ثم القته فاخذوه. فقلت لهم: هذا الذي اتهمتموني به وانا منه برئية. انتهى ذكر المصطفيات من عالمات الصحابيات ومتعبداتهن.

ذكر المصطفين من التابعين ومن بعدهم على طبقاتهم في بلدانهم

ذكر المصطفين من التابعين ومن بعدهم على طبقاتهم في بلدانهم ذكر المصطفين من طبقات أهل المدينة من التابعين ومن بعدهم الطبقة الأولى محمد بن علي بن أبي طالب ... ذكر المصطفين من التابعين ومن بعدهم على طبقاتهم في بلدانهم عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير الناس قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. ثم ياتي بعد ذلك قوم تسبق شهاداتهم ايمانهم، إيمانهم شهادتهم " "اخرجاه في الصحيحين". عمران بن حصين: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيركم قرنى ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" لا ادري مرتين او ثلاثاً "اخرجاه في الصحيحين. ذكر المصطفين من طبقات أهل المدينة من التابعين ومن بعدهم فمن الطبقة الأولى: 158 محمد بن علي بن أبي طالب. وهو ابن الحنفيّة، ويكنى أبا القاسم أمه الحنفية خولة بنت جعفر ابن قيس ويقال بل كانت أَمَةً من سبى اليمامة فصارت إلى علي. قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: رأيت أم محمد بن الحنفية سنديّة سوداء وكانت أمَة لبني حنيفة. عن ابن الحنفية قال: قال علي: يا رسول الله أرأيت إن وُلد لي ولد بعدك أسميّه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: "نعم" فكانت رخصةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي1. وعن محمد بن الحنفية قال: ليس بحكيم مَن لم يعاشر بالمعروف من لم يجد من معاشرته بُدّاً حتى يجعل الله له فرجاً، أو قال مخرجاً. قال محمد بن الحنفية: من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قَدْر. وعنه قال: إن الله عز وجل جعل الجنة ثمناً لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها. قال أبو بكر بن عبيد، وثنا محمد بن عبد المجيد أنه سمع ابن عيينة يقول: قال محمد بن الحنفية: يا منذر. قلت: لبيك. قال: كل مالا يبتغى به وجه الله يضمحل.

_ 1 صحيح: أخرجه أبو داود في الأدب حديث 4967. والترمذي في الأدب حديث 2843. باب 68. وقال: هذا حديث صحيح.

وعن علي بن الحسين قال: كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان يتهدده ويتواعده ويحلف له ليحملنّ إليه مائة ألف في البر ومائة ألف في البحر، أو يؤدي إليه الجزية. فُسقط في ذَرْعه فكتب إلى الحجاج أن أكتب إلى ابن الحنفية فتهدّده وتواعده ثم أعلمني ما يرد وتواعده عليك منه. فكتب الحجاج إلى ابن الحنفية بكتاب شديد يتهدده ويتواعده بالقتل. قال فكتب إليه ابن الحنفية: إن الله عز وجل ثلثمائة وستين نظرة إلى خلقه وأنا أرجو أن ينظر الله عز وجل إلى نظرة يمنعني بها منك. قال: فبعث الحجاج بكتابه إلى عبد الملك بن مروان فكتب عبد الملك إلى ملك الروم نسخته. فقال ملك الروم: ما خرج هذا منك، ولا أنت كتبت به، ولا خرج إلا من بيت نُبوّة. أسند محمد بن الحنفية الحديثَ عن جماعة من الصحابة. وعامّةُ حديثه عن أبيه على بن أبي طالب عليهما السلام. فمن حديثه عن أبيه علي بن أبي طالب قال: كثر على مارية أم إبراهيم عليه السلام في قبطي ابن عم لها كان يزورها ويختلف إليها. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ هذا السيف فانطلق إليه فآن وجدته عندها فاقتله فقلت يا رسول الله أكون في أمرك، إذا أرسلتني، كالسكة المحماة لا يثنيني شيء، حتى أمضي لما أرسلتني به، أو الشاهديري مالا يرى الغائب؟ قال: بل الشاهد يرى مالا يرى الغائب فأقبلتُ متوشحاً السيف فوجدته عندها فاخترطت السيف، فلما أقبلت نحوه عرف أَني أريده فأتى نخلة فرقى فيها ثم رمى بنفسه على قفاه وشغر برجليه فإذا هو أجبّ أمسح ماله ما للرجل، لا قليل ولا كثير. فأغمدت السيف، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت1. وعن محمد بن سعد قال: بعث ابن الزبير إلى محمد ابن الحنفية بايع لي. وبعث إليه عبد الملك. فقال: أنا رجل من المسلمين فإذا اجتمعوا على أحد كما بايعت فلما قتل ابن الزبير بايع لعبد الملك، ومات في سنة إحدى وثمانين وله خمس وستون سنة ودفن بالبقيع رحمه الله.

_ 1 صحيح: أخرجه أبو نعيم في الحلية حديث 3721. وصححه العلامة الألباني في الصحيحة حديث 1904.

سعيد بن المسيب بن حزن

159- سعيد بن المسيب بن حزن. يكنى أبا محمد. ولد لسنتين خلتا من خلافة عمر رضي الله عنه. عن سعد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب قال: ما بقي أحد أعلم بقضاءٍ قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، مني. وعن عبد الرحمن بن حرملة قال: ما كان إنسان يجترئ على سعيد ابن المسيب يسأله عن شيء حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير. وعن مالك أن رجلا جاء إلى سعيد بن المسيب وهو مريض فسأله عن حديث وهو مضطجع، فجلس فحدثه. فقال له ذلك الرجل: وددت أنك لم تتعّن فقال إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع. وعن مالك قال: كان عمر بن عبد العزيز يقول: ما كان عالم بالمدينة إلا يأتيني بعلمه وأوتى بما عند سعيد بن المسيب. وعن أبي عيسى الخرساني عن سعيد بن المسيب قال: لا تملؤوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكارٍ من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة. وعن يزيد بن حازم قال: كان سعيد بن المسيب يُسرُد الصومَ. وعن برد مولى ابن المسيب قال ما نودي بالصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد. وعن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه قال: صلى سعيد بن المسيب الغداة بوضوء العَتمة خمسين سنة. وعن علي بن زيد عن سعيد بن المسيّب قال: ما يئس الشيطان من شيء إلا أتاه من قِبل النساء وقال لنا سعيد وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى: ما من شيء أخوف عندي من النساء. وعن عبد الله بن محمد، قال: قال سعيد بن المسيب: ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله عز وجل ولا أهانت أنفسها بمثل معصية الله، وكفى بالمؤمن نصرة من الله عز وجل أن يرى عدّوه يعمل بمعصية الله. وعن سعيد بن المسيب قال: من استغنى بالله افتقر إليه الناس.

_ 159- هو أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار اتفقوا أن مرسلاته من أصح المراسيل قال ابن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علما منه.

وعن سفيان بن عيينة قال: قال سعيد بن المسيب: إن الدنيا نذالة هي إلى كل نذلٍ أميل، وأنذل منها من أخذها بغير حقها، وطلبها بغير وجهها ووضعها في غير سبُلها. وعن مالك بن أنس قال: قال سعيد ابن المسيب: إنه ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيبٌ ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه: من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله. اقتصرنا على هذه النبذة اليسيرة من أخبار سعيد بن المسيب لأنا قد أفردنا لجميع أخباره كتاباً مبسوطاً فمن أراد الزيادة في أخباره فلينظر في ذلك. وقد أسند سعيد عن عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وأبي بن كعب، وعمار بن ياسر، ومعاذ بن جبل، وابن عمر، وأبي الدرداء، وعقبة بن عامر، وصهيب، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وسلمان، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وابن عباس وعمرو ابن أبي سلمة، وعائشة، وأمس سلمة في آخرين. ومات رضي الله عنه بالمدينة وهو ابن أربع وثمانين سنة على خلافٍ بينهم في ذلك. رحمه الله.

سليمان بن يسار

160- سليمان بن يسار مولى ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم ويقال: كان مكاتباً لها يكنى أبا أيوب. عن مصعب بن عثمان قال: كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجهاً. فدخلت عليه إمرأة فسألته نفسه فامتنع عليها. فقالت له: ادنُ فخرج هارباً عن منزله وتركها فيه. قال سليمان: فرأيت بعد ذلك يوسف عليه السلام فيما يرى النائم، وكأني أقول له: أنت يوسف؟ قال: نعم أنا يوسف الذي هممتُ وأنت سليمان الذي لم تهم. وقد رُويت لنا هذه القصة عن عطاء بن يسار أخي سليمان والله أعلم. وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: خرج عطاء بن يسار وسليمان بن يسار حاجّين من المدينة، ومعهما أصحاب لهم، حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلاً. فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم وبقي عطاء بن يسار قائماً في المنزل يصلي. قال: فدخلت عليه إمرأة من الأعراب جميلة فلما رآها عطاء ظن أن لها حاجةً فأوجزَ في صلاته، ثم قال: ألك حاجة؟ قالت: نعم. قال: ما هي؟ قالت: قم فأصِب مني فإني قد ودِقتُ ولا بعل لي فقال: إليك عني لا تحرقيني ونفسك بالنار.

_ 160- هو سليمان بن يسار الهلالي المدني مولى ميمونة وقيل أم سلمة ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة من كبار الثالثة مات بعد المائة وقيل قبلها.

ونظر إلى إمرأة جميلة، فجعلت تراوده عن نفسه ويأبى إلا ما يريد. قال: فجعل عطاء يبكي ويقول: ويحك إليك عني. قال: اشتد بكاؤه فلما نظرت المرأة إليه وما داخله من البكاء والجزع بكت المرأة لبكائه. قال: فجعل يبكي والمرأة بين يديه تبكي. فبينما هو كذلك إذا جاء سليمان من حاجته قلما نظر إلى عطاء يبكي والمرأة بين يديه تبكي في ناحية البيت بكى لبكائهما لا يدري ما أبكاهما وجعل أصحابهما يأتون رجلاً رجلاً كلما أتى رجل فرآهم يبكون جلس يبكي لبكائهم لا يسألهم عن أمرهم حتى كثر البكاء وعلا الصوت. فلما رأت الأعرابية ذلك قامت فخرجت. قال: فقام القوم فدخلوا. فلبث سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالاً له وهيبة. قال: وكان أسنَّ منه. قال ثم إنهما قدما مصر لبعض حاجتهما فلبثا بها ما شاء الله فبينا عطاء ذات ليلة نائم إذ استيقظ وهو يبكيزز فقال سليمان: مايبكيك يا أخي؟ قال: فاشتد بكاؤه. قال: ما يبكيك يا أخي؟ قال: رؤيا رأيتها الليلة. قال، وما هي؟ قال لا تخبر بها أحداً ما دمتُ حياً: رأيت يوسف النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فجئت أنظر إليه فيمن ينظر إليه فلما رأيت حسنه بكيت فنظر إليّ في الناس فقال: ما يبكيك أيها الرجل؟ فقلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، ذكرتك وامرأة العزيز وما اُبتليتَ به من أمرها وما لقيتَ من السجن وفرقة يعقوب، فبكيت من ذلك وجعلت أتعجّب منه. قال: فهلا تعجّبت من صاحب المرأة البدوية بالأبواء؟ فعرفت الذي أراد فبكيت واستيقظت باكياً. قال سليمان: أي أخي وما كان من حال تلك المرأة؟ فقصّ عليه عطاء القصة فما أخبر بها سليمان أحداً حتى مات عطاء فحدث بها بعده امرأة من أهله قال: وما شاع هذا الحديث بالمدينة إلا بعد موت سليمان ابن يسار رضي الله عنهما. وعن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: كان سليمان بن يسار يصوم الدهر وكان عطاء بن يسار يصوم يوماً ويفطر يوماً. أسند سليمان عن أبي هريرة وابن عمرو، وابن عباس في خلق كثير من الصحابة. وتوفي سنة سبع ومائة. وقيل سنة ثلاث ومائة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. وأسندَ عطاء بن أبي بن كعب وابن مسعود وأبي أيوب الأنصاري في خلق كثير من الصحابة. توفي سنة ثلاث ومائة وقيل سنة أربع وتسعين وكان يكنى أبا محمد وهو مولى ميمونة أيضاً رضي الله عنهما.

من الطبقة الثانية من أهل المدينة

من الطبقة الثانية من أهل المدينة 161- عروة بن الزبير بن العوام أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. عن هشام بن عروة عن أبيه قال: يا بني سَلُوني فلقد تُركت حتى كدت أنسى وأني لأسأل عن الحديث فيفتح لي حديث يومي. وعن أبي الزناد. قال: اجتمع في الحِجر قوم فقالوا: تمنوا. فقال عروة: أنا أتمنى أن يؤخذ عني العِلْم. وعن الزُهري قال: كان عروة يتألف الناس على حديثه. وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عروة بن الزبير: رُبّ كلمة ذُلٍّ احتملتها أورثَتني عّزاً طويلا. وعنه عن أبيه قال إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة فاعلم أن لها عنده أخوات، وإذا رأيته يعمل السيئة فاعلم أن لها عنده أخوات، فان الحسنة تدل على أختها، وإن السيئة تدل على أختها. وعنه قال: قال عروة لبنيه: يا بنّي تعلموا فإنكم إن تكونوا صغار قوم عسى أن تكونوا كبارهم واسوأتاه ماذا أقبح من شيخ جاهل. وعن ابن شوذب قال: كان عروة بن الزبير إذا كان أيام الرطب ثلم حائطه فيدخل الناس فيأكلون ويحملون. وكان إذا دخله ردّد هذه الآية فيه حتى يخرج منه {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39] حتى يخرج. وكان عروة يقرأ ربع القرآن كل يوم نظراً في المصحف، ويقوم به الليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله ثم عاود من الليلة المقبلة. وعن هشام بن عروة قال: خرج أبي إلى الوليد بن عبد الملك فوقعت في رجله الأكلة

_ 161- هو: عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي أبو عبد الله المدني ثقة فقيه مشهور من الثالثة مات سنة أربع وتسعين على الصحيح ومولده في خلافة عثمان.

فقال له الوليد: يا أبا عبد الله أرى لك قطعها. قال: فقطعت وإنه لصائم فما تضور وجهه. قال: ودخل ابنٌ له أكبر ولده اصطبله فرفسته دابة فقتلته فما سمع من أبي في ذلك شيء، حتى قدم المدينة فقال: اللهم إنه كان لي بنون أربعة فأخذت واحداً وأبقيت لي ثلاثة فلك الحمد وكان لي أطراف أربعة فأخذت واحداً وأبقيت لي ثلاثة فلك الحمد، وايم الله لئن أخذت فلقد أبقيت ولئن ابتليت طالما عافيت. وعن مسلمة بن محارب قال وقعت في رجل عروة الأكلة، وقطعت ولم يدع تلك الليلة ورده وقطعت ولم يمسكه أحد. العباس بن مزيد قال أخبرني أبي قال: قال أبو عمرو الأوزاعي خرجت في بطن قدمه يعني عروة بثرة فترامى به ذلك إلى أن نشرت ساقه فقال لما نشرت: اللهم إنك تعلم أني لم أمش بها إلى حرامٍ قط أو إلى سوءٍ قَط. وعن نافع بن ذؤيب قال لما قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك فخرج برجله الاكلة فبعث إليه يعني الوليد بالأطباء فأجمع رأيهم على أن لم ينشروها قتلته فقال شأنكم بها قالوا نسقيك شيئاً لئلا تحس بما نصنع بك قال لا، شأنكم بها قال فنشروها بالمنشار فما حرك عضواً عن عضو وصبر فلما رأى القدم بأيديهم دعا بها فقلبها في يده ثم قال أما والذي حملني عليك أنه ليعلم أنه ما مشيت بك إلى حرام قط أو قال معصية. وعن هشام بن عروة أن أباه كان يسرد الصوم. وعن مالك بن أنس قال رأى عروة رجلاً يصلي فخفف فدعاه وقال أما كانت لك إلى ربك سبحانه وتعالى حاجة أني لأسأل الله تبارك وتعالى في صلاتي حتى أسأله الملح. وعن هشام عن أبيه قال إذا جعل أحدكم لله عز وجل شيئاً فلا يجعل له ما يستحي أن يجعله لكريمه فإن الله تبارك وتعالى أكرم الكرماء وأحق من اختير له. هشام قال كان أبي لا يفطر ولقد مات يوم مات وهو صائم. أسند عروة عن علي بن أبي طالب عليه السلام والزبير وعبد الرحمن ابن عوف وسعيد بن زيد وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب الأنصاري وأسامة وأبي هريرة وابن عباس ومعاوية والمسور بن مخرمة والنعمان بن بشير وعبد الله بن الأرقم وعائشة في خلق يطول احصاؤهم. توفى سنة أربع وتسعين في ناحية الفرع ودفن هنالك رحمه الله.

القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رحمهم الله تعالى

162- القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رحمهم الله تعالى: وأمه أم ولد، يكنى أبا محمد. عن يحيى بن سعيد قال: ما أدركنا أحداً بالمدينة نفضّله على القاسم بن محمد. وعن أيوب قال: رأيت على القاسم رداء قد صبغ بشيءٍ من زعفران ويدَعُ مائة ألفٍ لم يتلجلج في نفسه شيء منها. وعنه قال: ما رأيت رجلاً أفضل من القاسم ولقد ترك مائة ألفٍ وهي له حلال. وعن مالك أن عمر بن عبد العزيز قال: لو كان لي من الامر شيء لوليت القاسم بن محمد الخلافة. وعن أبي الزناد قال: ما رأيت أحداً أعلم بالسنّة من القاسم بن محمد، وكان الرجل لا يُعدّ رجلاً حتى يعرف السنّة. وعن أيوب قال: سمعت القاسم يُسأل بمنى فيقول لا أدري، لا أعلم. فلما أكثروا عليه قال: والله لا نعلم كلّ ما تسألونا عنه، ولو علمنا ما كتمنا كم ولا حل لنا أن نكتمكم. وعن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم يقول: ما نعلم كل ما نسأل عنه ولأن يعيش الرجل جاهلاً بعد أن يعرف حق الله تعالى عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم. وعن محمد بن إسحاق قال: جاء أعرابي إلى القاسم بن محمد فقال: أنت أعلم أم سالم؟ قال: ذاك منزل سالم: يزده عليها، حتى قام الأعرابي. قال محمد بن إسحاق: كره أن يقول هو أعلم مني فيكذب، أو يقول أنا أعلم منه فيزكى نفسه. وعن أبي الزناد عن أبيه قال: ما كان القاسم يجيب إلا في الشيء الظاهر. وعن سفيان قال: اجتمعوا إلى القاسم بن محمد في صدقة قسمها، قال وهو يصلي: فجعلوا يتكلمون فقال ابنه: إنكم اجتمعتم إلى رجل والله ما نال منها درهماً ولا دانِقا. قال: فأوجز القاسم ثم قال: يا بُني قل فيما علمت. قال سفيان: صدق ابنه ولكنه أراد تأديبه في النطق وحفظه.

_ 162- هو: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ثقة أحد الفقهاء بالمدينة قال أيوب ما رايت أفضل منه من كبار الثالثة مات سنة ست ومائة على الصحيح.

أسند القاسم عن أبي هريرة وابن عباس وعائشة وأسلم مولى عمر، وصالح بن خوّات في آخرين. وتوفي سنة ثمانٍ ومائة: وقيل سنة تسع، وهو ابن سبعين أو اثنتين وسبعين سنة، وكان قد ذهب بصره. عن رجاء بن أبي سلمة قال: مات القاسم بن محمد بين مكة والمدينة حاجّاً أو معتمراً فقال لابنه: سُنَّ على التراب سَنّاً وسَوِّ على قَبري والحق بأهلك وإياك أن تقول: كان وكان رحمه الله

سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رحمهم الله تعالى

163- سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رحمهم الله تعالى: أمه أم ولد، يكنى أبا عمر. وكان أشبه أولاد أبيه به، وكان أبوه يحبه حباً شديداً فإذا قيل له في ذلك أنشد: يلومنني في سالمٍ وألومهم ... وجلدة بين العين والأنفِ سالمُ عن حنظلة قال: رأيت سالم بن عبد الله بن عمر يخرج إلى السوق فيشتري حوائج نفسه. وعن هوذة بن عبد العزيز قال: رحم سالم بن عبد الله بن عمر رجلٌ فقال سالم: بعض هذا رحمك الله فقال له الرجل: ما أراك إلا رجل سوء. فقال سالم: ما أحسبك أبعدتَ. عن مالك قال لم يكن أحد في زمن سالم بن عبد الله أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والقصد والعيش منه: كان يلبس الثوب بدرهمين قال له سليمان بن عبد الملك ورآه حسن السحنة: أي شيء تأكل؟ قال: الخبز والزيت، وإذا وجدت اللحم أكلته. فقال له أو تشتهيه؟ قال: إذا لم أشتهه تركته حتى اشتهيه. وعن محمد بن أبي سارة قال: رأيت سالم بن عبد الله قدم علينا حاجّاً فصلّى العشاء ثم قام إلى ناحية مما يلي باب بني سهم في الصلاة، فلم يزل يميل يميناً وشمالاً حتى طلع الفجر، ثم جلس فاحتبى بثوبه. وعن سفيان بن عيينة قال: دخل هشام بن عبد الملك الكعبة، فإذا هو بسالم بن عبد الله فقال له: يا سالم سلني حاجةً فقال له: إني لأستحيي من الله أن أسأل في بيت الله غير الله.

_ 163- هو: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبو عمر أو أبو عبد الله المدني أحد الفقهاء السبعة وكان ثبتا عابدا فاضلا كان يشبه بأبيه في الهدى والسمت من كبار الثالثة.

فلما خرج خرج في أثره فقال له: الآن قد خرجتُ فسلني حاجةً فقال له سالم: حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ فقال: بل من حوائج الدنيا. فقال له سالم: ما سألتُ مَن يملكها فكيف أسأل مَن لا يملكها. أسند سالم عن أبيه وأبي أيوب وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة. وتوفي في آخر ذي الحجة سنة ستٍ ومائة. وقيل سنة ثمانٍ. رحمه الله تعالى.

أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة

164- أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة ليس له اسم، كنيته اسمه ولد في خلافة عمر رضي الله عنه. محمد بن إسحاق الثقفي قال: رأيت في كتاب أبي بكر بن حسان أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وكان يقال له راهب قريش لكثرة صلاته وقال الزبير بن بكار: كان أبو بكر بن عبد الرحمن يقال له راهب المدينة. أسند أبو بكر بن عبد الرحمن عن أبي مسعود الأنصاري، وأبي هريرة، وعائشة، وأم سلمة وغيرهم: وكان حارساً لعرضه حتى إنه أودع مالاً فأصيب، فقال له عروة: لا ضمان عليك. قال: قد علمت، ولكن لا تتحدث قريش أن أمانتي خربت. فباع مالاً له فقضاه. وقد كان قد ذهب بصره ودخل يوماً إلى مغتسله فمات فيه فجاءة، وذلك في سنة أربع وتسعين، وهي سنة الفقهاء.

_ 164- هو: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي قيل اسمه محمد وقيل: المغيرة وقيل: أبو بكر اسمه وكنيته أبو عبد الرحمن وقيل: اسمه كنيته ثقة فقيه عابد من الثالثة.

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

165- علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. أمه أم ولد اسمها غزالة، وهو على الأصغر. وأما الأكبر فإنه قُتل مع الحسين عليهما السلام. وكان على هذا مع أبيه وهو ابن ثلاث وعشرين سنة إلا أنه كان مريضاً نائماً على فراش فلم يقتل: وكان يكنى أبا الحسين، وقيل أبا محمد.

_ 165- هو: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي زين العابدين ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور قال ابن عيينة عن الزهري ما رأيت قرشيا أفضل منه من الثالثة مات سنة ثلاث وتسعين.

عن عبد الرحمن بن حفص القرشي قال: كان علي بن الحسين إذا توضأ يصفرّ فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: تدرون بين يدي من أريد أن أقوم. وعن عبد الله بن أبي سليم قال: كان علي بن الحسين إذا مشى لا تجاوز يده فخذه، ولا يخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له: مالك؟ فقال: ما تدرون بين يدي مَن أقوم ومن أناجي؟ وعن أبي نوح الأنصاري قال: وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين، وهو ساجد، فجعلوا يقولون له: يابن رسول الله النار، يا ابن رسول الله النار. فما رفع رأسه حتى أُطفئت. فقيل له: ما الذي ألهاك عنها؟ قال: ألهتني عنها النار الأخرى. وعن سفيان قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين رضي الله عنه فقال له: إن فلاناً قد آذاكَ ووقع فيك. قال: فانطلق بنا إليه فانطلق معه وهو يرى أنه سينتصر لنفسه فلما أتاه قال: يا هذا إن كان ما قلتَ في حقاً فغفر الله لي، وإن كان ما قلت في باطلاً فغفر الله لك. وعن أبي يعقوب المدني قال: كان بين حسن بن حسن وبين علي بن الحسين بعض الأمر، فجاء حسن بن حسن إلى علي بن الحسين وهو مع أصحابه في المسجد، فما ترك شيئاً إلا قاله له. قال: وعليُّ ساكتز فانصرف حسن فلما كان في الليل أتاه في منزله فقرع عليه بابه فخرج إليه فقال له علي: يا أخي إن كنت صادقاً فيما قلت لي فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك، السلام عليكم. وولى. قال: فاتبعه حسن فالتزمه من خلفه وبكى حتى رثى له ثم قال: لا جرم لا عدت في أمر تكرهه. فقال علي: وأنت في حلٍ مما قلت لي. وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال علي بن الحسين: فقد الأحبة غربة. وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوامع العيون علانيتي وتقبح سريرتي، اللهم كما أسأت وأحسنت إلي فإذا عدت فعد علي. وكان يقول: إن قوماً عبدوا الله عز وجل رهبة فتلك عبادة العبيد، وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار، وقوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار. وعنه، عن أبيه أن علي بن الحسين كان لا يحب أن يعنيه أحد على طهوره وكان يستقي الماء لطهوره ويخمره قبل أن ينام. فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم يتوضأ ثم يأخذ في صلاته

وكان يقضي ما فاته من صلاة النهار بالليل ثم يقول: يا بني ليس هذا عليكم بواجب ولكن أحب لمن عود نفسه منكم عادة من الخير أن يدوم عليها. وكان لا يدع صلاة الليل في الحضر والسفر. وكان يقول: عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفةً، وعجبت كل العجب لمن شك في الله وهو يرى خلقة، وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى، وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء. وكان إذا أتاه السائل رحب به وقال مرحباً بمن يحمل زادي إلى الآخرة، وكلّمه رجل فافترى عليه فقال: إن كنّا كما قلت فنستغفر الله، وإن لم نكن كما قلت فغفر الله لك. فقام إليه الرجل فقبل رأسه وقال: جعلت فداك، ليس كما قلت أنا فاغفر لي: قال: غفر الله لك. فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالته. وعن شيبة بن نعامة قال: كان علي بن الحسين يبخل فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة. وعن محمد بن إسحاق قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم. فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل. وعن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدّق به، ويقول: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل. وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سود في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقالوا: كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة. وعن ابن عائشة قال: قال أني: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين. وعن سفيان قال: أراد علي بن الحسين الخروج في حجٍّ أو عمرة فاتخذت له سكينة بنت الحسين سفرة أنفقت عليها ألف درهم أو نحو ذلك، وأرسلت بها إليه فلما كان بظهر الحرة أمر بها فقسمت على المساكين. وعن سعيد بن مرجانة أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه من النار، حتى إنه يعتق باليد اليد وبالرِجل

الرِجل، وبالفَرجِ الفَرج". فقال علي بن الحسين: أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟ قال سعيد: نعم فقال لغلام له أفرهَ غلمانه: ادعُ مطرفاً. فلما قام بين يديه قال: اذهب فأنت حر لوجه الله عز وجل أخرجاه في الصحيحين1. وكان عبد الله بن جعفر قد أعطى عليَّ بن الحسين بهذا الغلام الذي أعتقه ألف دينار. وعن محمد بن حاطب، عن علي بن الحسين أنه أتاه نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. فلما فرغوا فقال ألا تخبروني: أنتم المهاجرون الأوّلون {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8] قالوا: لا قال فأنتم {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] قالوا. لا قال: أما أنتم فقد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين. ثم قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10] أخرجوا فعل الله بكم. وقال نافع بن جبير لعلي بن الحسين: أنت سيد الناس وأفضلهم تذهب إلى هذا العبد فتجلس معه؟ يعني زيد بن أسلم. فقال: إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيثما كان. وعن ابن عائشة، عن أبيه قال: حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه. قال: وجاء علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى استلم. فقال الناس لهشام: من هذا؟ قال: لا أعرفه. فقال الفرزدق: لكني أعرفه، هذا علي بن الحسين. هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي الطاهر العلم هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض؟ قيل: هم

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في الكفارات حديث 6715. ومسلم في العتق حديث 22,23.

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا وليس قولك: من هذا؟ بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم يغضي حياءً ويغضي من مهابته ... ولا يكلم إلا حين يبتسم وعن صالح بن حسان قال: قال رجل لسعيد بن المسيب: ما رأيت أحداً أورع من فلان. قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال: لا قال: ما رأيت أحداً أروع منه. وقال الزهري: لم أر هاشمياً أفضل من علي بن الحسين، وما رأيت أحداً كان أفقه منه. وعن طاوس قال: رأيت علي بن الحسين ساجداً في الحجر فقلت: رجل صالح من أهل بيتٍ طيب، لأسمعن ما يقول. فأصغيت إليه فسمعته يقول: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك، فوالله ما دعوت الله بها في كرب إلا كشف الله عني. وعن أبي جعفر قال: كان علي بن الحسين رحمه الله يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعةٍ وتهيج الريح فيسقط مغشياً عليه. وعن عبد الغفار بن القاسم قال: كان علي بن الحسين خارجاً من المسجد فلقيه رجل فسبه فثارت إليه العبيد والموالي فقال علي بن الحسين: مهلاً عن الرجل. ثم أقبل على الرجل فقال: ما ستر عنك من أمرنا أكثر. ألك حاجة نعنيك عليها؟ فاستحيا الرجل. فألقى عليه خميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم فكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسول. وعن رجل من ولد عمار بن ياسر قال: كان عند علي بن الحسين قوم فاستعجل خادماً له بشواء كان له في التنور. فأقبل به الخادم مسرعاً وسقط السفود من يده على بني لعلي أسفل الدرجة فأصاب رأسه فقتله فقال علي للغلام: أنت حر، لم تعمده وأخذ في جهاز ابنه. وعن عمرو بن دينار قال: دخل على بن الحسين علي محمد بن أسامة ابن زيد في مرضه فجعل محمد يبكي فقال علي: ما شأنك؟ قال: عليَّ دين. قال: كم هو؟ قال خمسة عشر ألف دينار. قال: فهو علي. وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: أوصاني أبي قال: لا تصحبن خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق. قال: قلت: جعلت فداءك يا ابت من هؤلاء الخمسة؟ قال: لا تصحبن فاسقاً فإنه يبيعك بأكلةٍ فما دونها. قال: قلت: يا أبة وما دونها؟ يطمع فيها ثم لا ينالها.

قال: قلت: يا أبة ومن الثاني؟ قال: قال: لا تصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه. قال: قلت: يا أبة ومن الثالث؟ قال: لا تصحبن كذاباً فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد. قال: قلت: يا أبة ومن الرابع؟ قال: لا تصحبن أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك. قال: قلت: يا أبة ومن الخامس؟ قال: لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع. اسند علي بن الحسين عن أبيه وابن عباس وجابر بن عبد الله وصفية وأم سلمة وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن خلق كثير من التابعين. وتوفي بالمدينة سنة أربع وتسعين، وقيل ثنتين وتسعين، ودفن بالبقيع وهو ابن ثمانٍ وخمسين سنة. رضي الله عنه.

عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود

166- عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود يكنى أبا عبد الله وكان بحراً من البحور في العلم. عن الزهري قال: أدركت أربعة بحور من قريش: سعيد بن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله، وعروة بن الزبير. وعن المغيرةن قال عمر بن عبد العزيز: لو أدركني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة إذ وقعت فيما وقعت فيه لهان عليّ ما أنا فيه. وعن ابن أبي الزناد، عن أبيه قال، ربما كنت أرى عمر بن عبد العزيز في إمارته يأتي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فربما حجبه وربما أذن له. أسند عبيد الله عن أبي طلحة وأبي سعيد الخدري وأبي هريرةن وابن عباس، وسهل ابن حنيف، وزيد بن خالد الجهني وعائشة في آخرين وذهب بصره. وتوفي بالمدينة في سنة ثمانٍ وتسعين، ويقال سبع وتسعين، رحمه الله تعالى.

_ 166- هو: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني ثقة فقيه ثبت من الثالثة.

بسر بن سعيد مولى الحضرميين

167- بسر بن سعيد مولى الحضرميين روى عن سعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وأبي هريرة وأبي سعيد، وكان من العباد المنقطعين وأهل الزهد في الدنيا. عن مالك قال: مات بسر ولم يدع كفناً. وعن مالك بن أنس قال: مات رجل من بني أمية من مترفيهم ومات يومئذ بسر ابن سعيد، فقال عمر بن عبد العزيز: إن كان المدخلان واحداً فعيش فلان أحبّ إلينا. فقال مزاحم: إنك لا تزال توغر من أخيك عليك. فقال: إذا رأيت الحق قلته.

_ 167- هو: بسر بن سعيد المدني العابد مولى ابن الحضرمي ثقة جليل من الثانية مات سنة مائة.

عكرمة مولى عبد الله بن عباس

168- عكرمة مولى عبد الله بن عباس يكنى أبا عبد الله، مات ابن عباس وهو عبد فاشتراه خالد بن يزيد ابن معاوية من علي بن عبد الله بن عباس بأربعة آلاف دينار، فبلغ ذلك عكرمة فأتى علياً فقال بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار؟ فراح علي إلى خالد فاستقاله فأقاله فأعتقه. وعن الزبير بن الخرّيت عن عكرمة قال: كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل ويعلمني القرآن والسنن. وعن جابر بن زيد قال: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس. وقال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من كرمة. وقال قتادة: أعلمهم بالتفسير عكرمة. وعن إبراهيم بن الحكم بن أبان قال: ثنا أبي قال. كنت جالساً مع عكرمة بالساحل فذكروا الذين يغرقون في البحار فقال عكرمة. إن الذين يغرقون في البحار تتقسم لحومهم الحيتان فلا يبقى منهم شيء إلا العظام تلوح فتلقيها الأمواج إلى البر فتمكث العظام حيناً حتى تصير نخرة فتمرّ بها الإبل فتأكلها ثم تسير الإبل فتبعر ثم يجيء قوم فيأخذون ذلك البعر فيوقدونه ثم تخمد تلك النار فتجئ ريح فتلقى ذلك الرماد على الأرض فإذا جاءت النفخة خرج أولئك وأهل القبور سواءً.

_ 168- هو: عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس أصله بربري ثقة ثبت عالم بالتفسير لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر ولا تثبت عنه بدعة من الثالثة.

قال إبراهيم وحدثني أبي عن عكرمة قال: لكل شيء أساس، وأساس الإسلام الخلق الحسن. أسند عكرمة عن ابن عمرو، وابن عباس، وأبي سعيد، وأبي هريرة والحسين بن علي وعائشة في آخرين. وعن خالد السختياني عن عكرمة قال: أدركت مئين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد. ومات عكرمة في سنة أربعٍ ومائة، وقيل سنة خمسٍ، وقيل سنة ستٍّ، وقيل سنة سبعٍ وهو ابن ثمانين سنة. ومات هو وكثيرّ عزة في يوم واحدٍ فقال الناس: مات أفقه الناس وأشعر الناس.

زياد بن أبي زياد، مولى عبد الله

169- زياد بن أبي زياد، مولى عبد الله ابن عياش بن أبي ربيعة القرشي: واسم أبي زياد ميسرة. وكان زياد عبداً. وكان عمر بن عبد العزيز يستزيره ويكرمه. وبعث إلى مولاه ليبيعه إياه فأبي وأعتقه. وقد روى زياد عن أنس بن مالك وقال مالك بن أنس: كان زياد عابداً معتزلاً لا يزال يذكر الله تعالى، ويليس الصوف ولا يأكل اللحم. وقال محمد بن المنكدر: إنني خلّفت زياد بن أبي زياد وهو يخاطب نفسه في المسجد، يقول: اجلسي، أين تريدين أن تذهبي؟ أتخرجين إلى أحسنَ من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودارَ فلان، ودار فلان؟ قال. وكان يقول لنفسه: مالك من الطعام يا نفسُ إلا هذا الخبز والزيت، ومالك من الثياب إلّا هذان الثوبان، ومالك من النساء إلا هذه العجوز، أفتحبّين أن تموتي؟ فقالت: أنا أصبر على هذا العيش.

_ 169- هو: زياد بن أبي زياد الفقيه الرباني من مشايخ وقته بدمشق وله بها دار وذرية قال فيه الفرزدق: يا أيها الشيخ المرخي عمامته ... هذا زمانك أنا قد مضى زمني

من الطبقة الثالثة من أهل المدينة

من الطبقة الثالثة من أهل المدينة 170- علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب. أمُّه زُرعة بنت مشرح. ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب عليه السلام في رمضان سنة أربعين فسمي بأسمه، وكني بكنيته. فقال له عبد الملك ابن مروان: لا أحتمل لك الاسم والكنية. فغير كنيته فصيرّها أبا محمد وكان أجمل قُرشي على وجه الأرض وأكثره صلاة. وكان يقال له السجاد. وعن علي بن أبي جملة والأوزاعي قالا: كان علي بن عبد الله بن عباس يسجد كل يوم ألف سجدة. وعن هشام بن سليمان المخزومي أن علي بن عبد الله بن عباس كان إذا قدم مكة حاجّاً أو معتمراً عطّلت قريش مجالسها في المسجد الحرام وهجرت مواضع حلقها ولزمت مجلس علي بن عبد الله إعظاماً وإجلالاً وتبجيلاً فإن قعد قعدوا، وإن نهض نهضوا وإن مشى مشوا جميعاً حوله. وكان لا يرى لقرشي في المسجد الحرام مجلس ذكر يجتمع إليه فيه حتى يخرج علي بن عبد الله من الحرم. عامّة مسانيد علي بن عبد الله عن أبيه. وتوفي بالشام سنة سبعَ عشرة ومائة. ويقال ثماني عشرة رضي الله عنه.

_ 170- هو: علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي أبو محمد ثقة عابد مات سنة ثماني عشرة على الصحيح.

أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام

أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ... 171- أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهما السلام. أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب: واسم ولده: جعفر وعبد الله. وأمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وإبراهيم وعلي وزينب وأم سلمة.

_ 171- هو: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر ثقة فاضل من الرابعة مات سنة بضع عشرة.

وعن زياد بن خيثمة عن أبي جعفر قال: الصواعق تُصيب المؤمن وغير المؤمن ولا تصيب الذاكر. وعن منصور قال: سمعت محمد بن علي يقول: الغني والعز يجولان في قلب المؤمن فإذا وصلا إلى مكان التوكل أو طِناهُ. وعن عمر مولى غفرة عن محمد بن علي أنه قال: ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك، قلّ أو كثُر. وعن جابر، يعني الجعفي، قال: قال لي محمد بن علي: يا جابر إني لمحزون وإني لمشتغل القلب. قلت وما حزنك وما شغل قلبك؟ قال: يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه يا جابر ما الدنيا ما عسى أن تكون؟ هل هو إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها؟ يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاءٍ فيها ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم ولم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم من الفتنة، ولم يعمهم عن نور الله ما رأو بأعينهم من الزينة ففازوا بثواب الأبرار، إن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونةً وأكثرهم لك معونةً، إن نسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك، قوّالين بحق الله، قوامين بأمر الله فأنزل الدنيا كمنزلٍ نزلت به وارتحلتَ منه أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت ولبس معك منه شيء، واحفظ الله تعالى ما استرعاك من دينه وحكمته. وعن حسين بن حسن قال: كان محمد بن علي يقول: سلاح اللئام قبيح الكلام. وعنه قال: والله لموت عالمٍ أحبُّ إلى إبليس من موت سبعين عابداً. وعن خالد بن أبي الهيثم، عن محمد بن علي بن الحسين قال ما أغر ورقت عينٌ بمائها إلا حرّم الله وجه صاحبها على النار فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة، وما من شيء إلا له جزاء، إلا الدمعة فإن الله يكفّر بها بحور الخطايا، ولو أن باكياً بكى في أمّة لحرّم الله تلك الأمّة على النار. وعن الأصمعي قال: قال محمد بن علي لابنه. يا بنيّ إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شرٍّ إنك إن كسلت لم تؤدّ حقاً وإن ضجرتَ لم تصبر على حق. عن عروة بن عبد الله قال سألت جعفر محمد بن علي عن حلية السيوف فقال لا بأس به، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه قال قلت: وتقول: الصديق؟ قال: فوثب وثبةً واستقبل القبلة ثم قال: نعم الصدّيق، نعم الصديق، نعم الصدّيق. فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا ولا في الآخرة.

وعن عمرو بن شمر عن جابر قال: قال لي محمد بن علي: يا جابر بلغني أن قوماً بالعراق يزعمون أنهم يحبونا وينالون أبا بكر وعمرو، ويزعمون أني أمرتهم بذلك فأبلغهم أني إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله عز وجل بدمائهم، لا نالتني شفاعةُ محمد إن لم أكن أستغفر لهما وأترحّم عليهما إن أعداء الله لغافلون عنهما. وعن أفلح، مولى محمد بن علي، قال: خرجت مع محمد بن علي حاجا فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته فقلت بأبي أنت وأمي إن الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلاً قال: ويحك يا أفلح، ولم لا أبكي؟ لعل الله ينظر إليّ منه برحمة فأفوز بها عنده غداً قال: ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه. وعن خالد بن دينار عن أبي جعفر أنه كان إذا ضحك قال: اللهم لا تمقتني. وعن عبد الله بن عطاء قال: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علماً عند أبي جعفر (محمد بن علي) لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلم. وعن أحمد بن يحيى قال: قال محمد بن علي: كان لي أخ في عيني عظيمٌ، وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه. وعن موسى بن عمير، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أنه كان يقول في جوف الليل. أمرتني فلم آتمر، وزجرتني فلم أزدجر، هذا عبدك بين يديك، ولا أعتذر. محمد بن مسعر قال: قال جعفر بن محمد فقد أبى بلغةً له فقال: لئن ردها الله عز وجل لأحمدنّه محامد يرضاها. فما لبث أن أتى بها بسرجها ولجامها. فركبها. فلما استوى عليها وضمّ عليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء وقال الحمد لله. لم يزد عليها. فقيل له في ذلك فقال: وهل تركتُ أو أبقيت شيئاً؟ جعلت الحمد كله لله عز وجل. وعن أبي حمزة عن أبي جعفر محمد بن علي قال: ما من عبادةٍ أفضل من عفّة بطن أو فرجٍ، وما من شيء أحب إلى الله عز وجل من أن يسأل، وما يدفع القضاء إلا الدعاء. وإن أسرع الخير ثواباً البر وأسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه، وأن يؤذي جليسه بمالا يعنيه. وعن عبد الله بن الوليد قال: قال لنا أبو جعفر محمد بن علي: يدخل أحدُكم يده كيس صاحبه فيأخذ ما يريد؟ قال قلنا: لا. قال: فلستم إخواناً كما تزعمون.

وعن سلمى مولاة أبي جعفر قالت: كان يدخل إليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيّب ويكسوهم الثياب الحسنة ويهب لهم الدراهم. قالت: فأقول له بعض ما تصنع. فيقول: يا سلمى ما يؤمَّل في الدنيا بعد المعارف والاخوان؟ وعن سليمان بن قرم قال: كان محمد بن علي يجيز بالخمسمائة والتسمائة إلى الألف، وكان (لا) يملّ من مجالسة إخوانه غنيّاً. وعن الأسود بن كثير قال: شكوت إلى محمد بن علي الحاجة وجفاء الإخوان فقال: بئس الأخ أخٌ يرعاك غنياً ويقطعك فقيراً. ثم أمر غلامه فأخرج كيساً فيه سبع مائة درهم فقال: استنفق هذه فإذا نفدت فأعلمني. وعن أبي جعفر قال: اعرف المودة لك في قلب أخيك بما له في قلبك. أسند أبو جعفر عن جابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة وابن عباس وأنس والحسن والحسين. وروى عن سعيد بن المسيب وغيره من التابعين. ومات في سنة سبع عشرة ومائة، وقيل ثماني عشرة وقيل أربع عشرة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وقيل ثمان وخمسين وأوصى أن يكفن في قميصه الذي كان يصلي فيه رضي الله عنه وأرضاه.

عمر بن عبد العزيز بن مروان

172- عمر بن عبد العزيز بن مروان يكنى أبا حفص أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. محمد بن سعد قال قال ابن شوذب لما أراد عبد العزيز بن مروان أن يتزوج أم عمر بن عبد العزيز قال لقيمه اجمع لي أربع مائة دينار من طيب مالي فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح فتزوج أم عمر بن عبد العزيز. قال سفيان الثوري الخلفاء خمسة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم. قال حميد بن زنجويه قال احمد بن حنبل يروى في الحديث أن الله تبارك وتعالى يبعث على راس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة دينها فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز ونظرنا في المائة الثانية فإذا هو الشافعي.

_ 172- هو: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي أمير المؤمنين أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ولي إمرة المدينة للوليد وكان مع سليمان كالوزير وولي الخلافة بعده فعد مع الخلفاء الراشدين من الرابعة مات في رجب سنة إحدى ومائة وله اربعون سنة ومدة خلافته سنتان ونصف.

وعن الضحاك بن عثمان قال لما انصرف عمر بن عبد العزيز عن قبر سليمان بن عبد الملك صفت له مراكب سليمان فقال: ولولا التقى ثم النهى خشية الردى ... لعاصيت في حب الصبا كل زاجر قضى ما قضى فيما قضى ثم لا يرى ... له صبوة أخرى الليالي الغوابر ثم قال إن شاء الله لا قوة إلا بالله قدموا إلي بغلتي. وعن سهل بن يحيى محمد المروزي قال اخبر لي أبي عن عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز قال لما دفن عمر بن عبد العزيز سليمان بن عبد الملك وخرج من قبره سمع للأرض هده أو رجه فقال ما هذه فقيل هذه مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين قربت إليك لتركبها فقال ما لي ولها نحوها عني قربوا إلي بغلتي. فقربت إليه بغلته فركبها فجاءه صاحب الشرط يسير بين يديه بالحربة فقال تنح عني ما لي ولك إنما أنا رجل من المسلمين. فسار وسار معه الناس حتى دخل المسجد فصعد المنبر واجتمع الناس إليه فقال يا أيها الناس أني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم. فصاح المسلمون صيحة واحدة قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك فل امرنا باليمن والبركة فلما رأى الأصوات قد هدأت ورضي به الناس جميعا حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "أوصيكم بتقوى الله فان تقوى الله خلف من كل شيء ليس من تقوى الله عز وجل خلف فاعملوا لأخرتكم فانه من عمل لأخرته كفاه الله تبارك وتعالى أمر دنياه واصلحوا سرائركم يصلح الله الكريم علانيتكم وأكثروا ذكر الموت واحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم فانه هادم اللذات وان من لا يذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم عليه السلام أبا حيا لمعرق في الموت وان هذه الأمة لم تختلف في ربها عز وجل ولا في نبيها ولا في كتابها إنما اختلفوا في الدنيار والدرهم وإني والله لا عطي أحدا باطلا ولا امنع أحدا حقا". ثم رفع صوته حتى اسمع الناس فقال: "يا أيها الناس من أطع الله فقد وجبت طاعته ومن عصى الله فلا طاعة له أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم". ثم نزل فدخل فأمر بالستور فهتكت والثياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت وأمر

ببيعها وإدخال أثمانها في بيت مال المسلمين ثم ذهب يتبوأ مقيلا فاتاه ابنه عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين ماذا تريد أن تصنع قال أي بني أقيل قال تقيل ولا ترد المظالم قال أي بني أني قد سهرت البارحة في أمر عمك سليمان فإذا صليت الظهر ردت المظالم قال يا أمير المؤمنين من لك أن تعيش إلى الظهر قال ادن مني أي بني فدنا منه فالتزمه وقبل بين عينيه وقال الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني فخرج ولم يقل وأمر مناديه أن ينادي إلا من كانت له مظلمة فليرفعها فقام رجل إليه ذمي من أهل حمص ابيض الرأس واللحية فقال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله قال وما ذاك قال العباس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني ارضي والعباس جالس فقال له يا عباس ما تقول قال اقطعنيها أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك وكتب لي بها سجلا فقال عمر ما تقول يا ذمي قال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله عز وجل فقال عمر كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد بن عبد الملك قم فاردد عليه يا عباس ضيعته فرد عليه فجعل لا يدع شيئا مما كان في يده وفي يد أهل بيته من المظالم إلا ردها مظلمة مظلمة فلما بلغت الخوارج سيرة عمر وما رد من المظالم اجتمعوا فقالوا ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك فكتب إليه انك قد أزريت على من كان قبلك من الخلفاء وعبت عليهم وسرت بغير سيرتهم بغضا لهم وشنئا لمن بعدهم من أولادهم قطعت ما أمر الله به أن يوصل إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثهم فأدخلتها في بيت المال جورا وعدوانا ولن تترك على هذا. فلما قرا كتابه كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمر بن الوليد السلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين أما بعد فانه بلغني كتابك وسأجيبك بنحو منه أما أول شأنك ابن الوليد كما زعم فأمك بنانة أمة السكون كانت تطوف في سوق حمص وتدخل وتدور في حوانيتها ثم الله اعلم بها اشتراها ذبيان من فيء المسلمين فأهداها لأبيك فحملت بك فبئس المحمول وبئس المولود ثم نشأت فكنت جبارا عنيدا تزعم أني من الظالمين لم حرمتك وأهل بيتك فيء الله عز وجل الذي فيه حق القرابة والمساكين والأرامل وان اظلم مني واترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين تحكم فيهم برأيك ولم تكن له في ذلك نية إلا حب الوالد لولده فويل لك وويل لأبيك ما اكثر خصماءكما يوم القيامة

وكيف ينجو أبوك من خصمائه وان اظلم مني واترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف يسفك الدم الحرام ويأخذ مال الحرام وإن أظلم مني واترك بعهد الله من استعمل قرة بن شريك أعرابيا جافيا على مصر أذن له في المعارف واللهو والشرب وان اظلم مني واترك لعهد الله من جعل لعالية البربرية سهما في خمس العرب فرويدا يا بن بنانة فلو التقى حلقتا البطان ورد الفيء إلى أهله لتفرغت لك ولأهل بيتك فوضعتهم على المحجة البيضاء فطالما تركتم الحق وأخذتم في بنيات الطريق ومن وراء هذا ما أرجو أن أكون رأيته بيع رقبتك وقسم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل فان كل فيك حقا والسلام علينا ولا ينال سلام الله الظالمين. عن عمر بن ذر قال مولى لعمر بن عبد العزيز حين رجع من جنازة سليمان مالي أراك مغتما قال لمثل ما أنا فيه يغتم انه ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أحد في شرق الأرض وغربها إلا وأنا أريد أن أؤدي إليه حقه غير كاتب إلي فيه ولا طالبه مني. وعن بعض خاصة عمر بن عبد العزيز انه حين أفضت إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاء عاليا فسئل عن البكاء فقيل أن عمر بن عبد العزيز خير جوارية فقال انه قد نزل لي أمر قد شغلني عنكن فمن احب أن اعتقه أعتقته ومن أراد أن امسكه امسكته ولم يكن مني إليها شيء فبكين يأسا منه. وعن مالك بن دينار قال لما ولى عمر بن عبد العزيز قالت رعاء الشاء في رؤوس الجبال من هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس قال فقيل لهم وما علمكم بذلك قالوا انه إذا قام خليفة صالح كفت الذئاب والأسد عن شائنا. وعن مسلم قال دخلت على عمر بن عبد العزيز وعنده كاتب يكتب وشمعة تزهر وهو ينظر في أمور المسلمين قال فخرج الرجل فاطفئت الشمعة وجيء بسراج إلى عمر فدنوت منه ف رأيت عليه قميصا فيه رقعة قد طبق ما بين كتفيه قال فنظر في أمري. وعن الثقة أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أما بعد فانك كتبت إلى سليمان كتبا لم ينظر فيها حتى قبض رحمه الله وقد بليت بجوابك كتبت إلى سليمان تذكر انه يقطع لعمال المدينة من بيت مال المسلمين ثمن شمع كانوا يستضيئون به حين يخرجون إلى صلاة العشاء وصلاة الفجر وتذكر انه قد نفد الذي كان يستضاء به ويسأل

أن يقطع لك من ثمنه بمثل ما كان للعمال وقد عهدتك وأنت تخرج من بيتك في الليلة المظلمة الماطرة الوحلة بغير سراج ولعمري لانت يومئذ خير منك اليوم والسلام. وعن رجاء بن حيوة قال كان عمر بن عبد العزيز من أعطر الناس وأخليهم في مشيته فلما استخلف قوموا ثيابه اثني عشر درهما كمته وعمامته وقميصه وقباءه وقرطقه ورداءه وخفية. وعن يونس بن أبي شبيب قال شهدت عمر بن عبد العزيز وهو يطوف بالبيت وان حجزة ازاره لغائبه في عنكه ثم رأيته بعدما استخلف ولو شئت أن اعد أضلاعه من غير أن أمسها لفعلت. وعن مسلمة بن عبد الملك قال دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في مرضه فإذا عليه قميص وسخ فقلت لفاطمة بنت عبد الملك يا فاطمة اغسلي قميص أمير المؤمنين قالت نفعل إن شاء الله ثم عدت فإذا القميص على حاله فقلت يا فاطمة ألم آمركم أن تغسلوا قميص أمير المؤمنين فان الناس يعودونه؟ قالت والله ما له قميص غيره. وعن الفهري عن أبيه قال كان عمر بن عبد العزيز يقسم تفاح الفيء فتناول ابن له صغير تفاحة فانتزعها من فيه فأوجعه فسعى إلى أمه مستعبرا فأرسلت إلى السوق فاشترت له تفاحا فلما رجع عمر وجد ريح التفاح فقال يا فاطمة هل أتيت شيئا من هذا الفيء قالت لا وقصت عليه القصة فقال والله لقد انتزعتها من ابني لكأنما نزعتها من قلبي ولكن كرهت أن أضيع نصيبي من الله عز وجل بتفاحة من فيء المسلمين. وعن شيخ من أهل الشام قال لما مات عمر بن عبد العزيز كان استودع مولى إليه سفطا يكون عنده فجاءوه فقالوا السفط الذي كان استودعك عمر قال ما لكم فيه خير فأبوا حتى رفعوا ذلك إلى يزيد بن عبد الملك فدعا بالسفط ودعا بني أمية وقال خيركم هذا فقد وجدنا له سفطا وديعة قد استودعها ففتحوه فإذا فيه مقطعات من مسوح كان يلبسها بالليل. وعن عبد السلام مولى مسلمة بن عبد الملك قال بكى عمر بن عبد العزيز فبكت فاطمة فبكى أهل الدار لا يدري هؤلاء ما أبكي هؤلاء فلما تجلت عنهم العبرة قالت له فاطمة بابي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت قال ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله عز وجل فريق في الجنة وفريق في السعير ثم صرخ وغشي عليه. وعن زياد بن أبي زياد المديني قال أرسلني ابن عامر بن أبي ربيعة إلى عمر بن عبد العزيز

في حوائج له فدخلت عليه وعنده كاتب يكتب فقلت السلام عليكم. فقال وعليك السلام ثم انتبهت فقلت السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال يا ابن أبي زياد أننا لسنا ننكر الأولى التي قلت والكاتب يقرأ عليه مظالم جاءت من البصرة فقال لي اجلس فجلست على اسكفة الباب وهو يقرأ وعمر يتنفس صعدا فلما فرغ أخرج من كان في البيت حتى وصيفا كان فيه ثم قام يمشي إلي حتى جلس بين يدي ووضع يديه على ركبتي ثم قال يا ابن أبي زياد استدفأت في مدرعتك هذه قال وعلي مدرعة من صوف واسترحت مما نحن فيه ثم سألني عن صلحاء أهل المدينة رجالهم ونسائهم فما ترك منهم أحدا إلا سألني عن أمور كان أمر بها بالمدينة فأخبرته ثم قال لي يا ابن أبي زياد إلا ترى ما وقعت فيه قال قلت ابشر يا أمير المؤمنين أني أرجو لك خيرا قال هيهات هيهات قال ثم بكى حتى جعلت ارثي له فقلت: يا أمير المؤمنين بعض ما تصنع فإني أرجو لك خيراً قال: هيهات هيهات اشتم ولا اشتم وأضرب ولا أضرب وأوذي ولا أوذي ثم بكى حتى جعلت أرثي له فأقمت حتى قضى حوائجي ثم أخرج من تحت فراشه عشرين دينارا فقال استعن بهذه فانه لو كان لك في الفيء حق أعطيناك حقك إنما أنت عبد فأبيت أن آخذها فقال إنما هي نفقتي فلم يزلبي حتى أخذتها وكتب إلي مولاي الموالي يسأله أن يبيعني منه فأبى واعتقني. وعن عمرو بن مهاجر قال قال لي عمر بن عبد العزيز إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم هزني ثم قال يا عمر ما تصنع؟ وعن عبيد الله بن محمد التميمي قال سمعت أبي وغيره يحدث أن عمر بن عبد العزيز لما ولي منع قرابته ما كان يجري عليهم واخذ منهم القطائع التي كانت في أيديهم فشكوا إلى عمته أم عمر فدخلت فقالت إن قرابتك يشكونك ويزعمون انك أخذت منه خير غيرك قال منعتهم حقا ولا أخذت منهم حقا فقالت أني رأيتهم يتكلمون وأني أخاف أن يهجوا عليك يوما عصيبا فقال كل يوم أخافه دون القيامة فلا وقاني الله شره قال ودعا بدينار وخبث ومجمرة فألقى الدينار في النار وجعل ينفخ على الدينار حتى إذا احمر تناوله بشيء فألقاه على الخبث فنش فقال أي عمة آما تأوين لابن أخيك من مثل هذا فقامت فخرجت على قرابته فقالت تزوجون إلى آل عمر فإذا نزعوا الشبه جزعتم اصبروا له. وعن أبي سليم الهذلي قال وخطب عمر بن عبد العزيز فقال:

أما بعد فان الله عز وجل لم يخلقكم عبثا ولم يدع شيئا من أمركم سدى وان لكم معادا فخاب وخسر من خرج من رحمة الله وحرم الجنة التي عرضها السموات والأرض واشترى قليلا بكثير فانياً بباق وخوفا بامن إلا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين في كل يوم وليلة تشيعون غاديا ورائحا إلى الله عز وجل قد قضى نحبه وانقضى اجله حتى تغيبوه في صدع من الأرض في بطن صدع ثم تدعونه غير ممهد ولا موسد قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وسكن التراب وواجه الحساب مرتهنا بعمله فقيرا إلى ما قدم غنيا عما ترك فاتقوا الله قبل نزول الموت وايم الله أني لأقول لكم هذه المقالة وما اعلم عند أحد مكنم من الذنوب ما اعلم عندي وما يبلغني عن أحد منكم ما يسعه ما عندي إلا وددت انه يمكنني تغييره حتى يستوي عيشنا وعيشه وايم الله لو أردت غير ذلك من الغضارة والعيش لكان اللسان مني به ذلولا عالما بأسبابه ولكن سبق من الله عز وجل كتاب ناطق وسنة عادلة دل فيها على طاعته ونهى فيها عن معصيته. ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى وشهق وبكى الناس وكانت آخر خطبة خطبها. سعيد بن محمد الثقفي قال سمعت القاسم بن عزوان قال كان عمر بن عبد العزيز يتمثل بهذه الأبيات: أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم ... وكيف يطيق النوم حيران هائم فلو كنت يقظان الغداة لحرقت ... مدامع عينيك الدموع السواجم بل أصبحت في النوم الطويل وقد دنت ... إليك أمور مفظعات عظائم نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم يغرك ما يغنى وتشغل بالمنى ... كما غر باللذات في النوم حالم وتشغل فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم وعن القاسم بن غزوان قال كان عمر بن عبد العزيز يتمثل بهذه الأبيات. وعن هاشم قال لما كانت الصرعة التي هلك فيها عمر دخل عليه مسلمة بن عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين انك أفقرت أفواه وولدك من هذا المال وتركتهم علية لا شيء لهم فلو وصيت بهم إلي والى نظرائي من أهل بيتك. قال فقال اسندوني ثم قال أما قولك أني أفقرت أفواه ولدي من هذا المال فوالله أني ما منعتهم حقا هو لهم ولم أعطهم ما ليس لهم وأما قولك لو أوصيت بهم فان وصيي

ووليي فيهم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين بني أحد الرجلين إما رجل يتقي الله فسيجعل الله له مخرجاً وإما رجل مكب على المعاصي فإني لم اكن أقويه على معاصي الله. ثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرا قال فنظر إليهم فذرفت عيناه ثم قال بنفسي الفتية الذين تركتهم عيلة لا شيء لهم فإني بحمد الله قد تركتهم بخير أي بني إن أباكم مثل بين أمرين بين أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار أو تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل النار قوموا عصمكم الله. وعن ليث بن أبي رقية عن عمر انه لما كان مرضه الذي قبض فيه قال أجلسوني فأجلسوه ثم قال أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ولكن لا اله إلا الله ثم رفع رأسه واحد النظر فقالوا له انك لتنظر نظرا شديدا فقال أني لأرى حضرة ما هم بأنس ولا جان ثم قبض رضي الله عنه. اسند عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن عمر وانس بن مالك وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعمر بن أبي سلمة والسائب بن يزيد ويوسف بن عبد الله ابن سلام. وقد أرسل الحديث عن القدماء منهم عبادة بن الصامت والمغيرة بن شعبة وتميم الداري وعائشة وأم هانئ. وقد روى عن خلق كثير من كبار التابعين كسعيد بن المسيب وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ وسالم وأبي سلمة وعروة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وخارجة بن زيد وعامر بن سعد بن أبي وقاص وأبي بردة بن أبي موسى والربيع بن سبرة وعراك ابن مالك وأبي حازم والزهري والقرظي في خلق كثير يطول ذكرهم وقد ذكرنا مسنداته عنهم في كتاب أفردناه لأخباره وفضائله ولهذا اقتصرنا على هذه النبذة من أخباره ها هنا. وتوفي رضي الله عنه لعشر ليال بقين من رجب سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وثلاثين سنة واشهر وكانت خلافته سنتين وخمسة اشهر ومات بدير سمعان وقبر هناك وكان له رضي الله عنه أولاد إلا انه كان عينهم.

عبد الملك ابن عمر بن عبد العزيز

173- عبد الملك ابن عمر بن عبد العزيز ونحن نذكر ها هنا طرفا من أخباره وان كان دون طبقة أبيه لكنا ألحقناه به لان مات في حياة أبيه. وعن بعض مشيخة أهل الشام قال كنا نرى أن عمر بن عبد العزيز إنما ادخله في العبادة ما رأى من ابنه عبد الملك.

وعن إسماعيل بن أبي حكيم قال غضب عمر بن عبد العزيز يوما فاشتد غضبه وكان فيه حدة وعبد الملك حاضر فلما سكن غضبه قال يا أمير المؤمنين أنت في قدر نعمة الله عليك وموضعك الذي وضعك الله به وما ولاك من أمر عباده يبلغ بك الغضب بما آري قال كيف قلت فأعاد عليه كلامه فقال آما تغضب يا عبد الملك فقال ما تغنى سعة جوفي إن لم اردد فيه الغضب حتى لا يظهر منه شيء اكرهه. دخل عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز على عمر فقال يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة فأخلني وعنده مسلمة بن عبد الملك فقال عمر اسردون عمك قال نعم فقال مسلمة وخرج وجلس بين يديه فقال يا أمير المؤمنين ما أنت قائل لربك غدا إذا سالك فقال رأيت بدعة تمتها أو سنة فلم تحيها فقال له يا بني أشيء حملك الرغبة إلي أم رأي رايته من قبل نفسك قال لا والله ولكن رأي رايته من قبل نفسي عرفت انك مسؤول فما أنت قائل فقال له أبوه رحمك الله وجزاك من ولد خيرا فوالله أني لأرجو أن تكون من الأعوان على الخير يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة وعروة عروة ومتى ما أريد مكابرتهم على انتزاع ما في أيدهم لم آمن أن يفتقوا علي فتقا تكثر فيه الدماء والله لزوال الدنيا أهون علي من أن يهراق في سببي محجة من دم أو ما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحيي فيه سنة حتى يحكم الله بيننا بالحق وهو خير الحاكمين. وعن إسماعيل بن أبي حكيم قال دخل عبد الملك على أبيه عمر فقال أين وقع لك رأيك فيما ذكر لك مزاحم من رد المظالم فقال علي إنفاذه فرفع عمر يده ثم قال الحمد لله الذي جعل لي من ذريتي من يعينني على أمر ديني نعم يا بني اصلي الظهر إن شاء الله ثم اصعد المنبر فأردها على رؤوس الناس فقال عبد الملك يا أمير المؤمنين من لك بالظهر ومن لك إن بقيت أن تسلم لك نيتك فقال عمر فقد تفرق الناس للقائلة فقال عبد الملك تأمر مناديك فينادي الصلاة جامعة ثم يجتمع الناس فأمر مناديه فنادى. وعن ابن أبي عبلة قال جلس عمر يوما للناس فلما انتصف النهار ضجر ومل فقال للناس مكانكم حتى انصرف إليكم ودخل ليستريح ساعة فجاء إليه ابنه عبد الملك فسأل عنه فقالوا دخل فاستأذن عليه فأذن له فلما دخل قال يا أمير المؤمنين ما أدخلك قال أردت أن

استريح ساعة قال أو آمنت الموت أن يأتيك ورعيتك على بابك ينتظرونك وأنت محتجب عنهم فقام عمر فخرج إلى الناس. وعن زياد بن أبي حسان انه شهد عمر بن عبد العزيز حين دفن ابنه عبد الملك استوى قائما وأحاط به الناس فقال والله يا بني لقد كنت برا بابيك والله ما زلت منذ وهبك الله لي مسرورا بك ولا والله ما كنت قط اشد سرورا ولا أرجى لحظي من الله فيك منذ وضعتك في المنزل الذي صيرك الله إليه فرحمك الله وغفر لك ذنبك وجزاك بأحسن عملك ورحم كل شافع يشفع لك بخير من شاهد وغائب رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمره الحمد لله رب العالمين ثم انصرف. اقتصرنا على هذا القدر من أخبار عبد الملك لانا قد أدرجنا أخباره في الكتاب الذي جمعنا فيه أخبار أبيه والله الموفق رحمه الله ورحم أباه.

عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام

174- امر بن عبد الله بن الزبير بن العوام عن مالك بن انس قال: كان عامر بن عبد الله بن الزبير يقف عند موضع الجنائز يدعو وعليه قطيفة فربما سقطت عنه القطيفة وما يشعر بها. وعنه قال: ربما خرج عامر بن عبد الله بن الزبير منصرفاً من العتمة من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعرض له الدعاء قبل أن يصل إلى منزله فيرفع يديه فما يزال كذلك حتى ينادي بالصبح فيرجع إلى المسجد فيصلي الصبح بوضوء العتمة. قال معن وسمعت أن عامر بن عبد الله ربما أخرج البدرة فيها عشرة آلاف درهم فيقسمها فما يصلي العتمة ومعه منها درهم. وعن سفيان بن عيينة قال: اشترى عامر بن عبد الله بن الزبير نفسه من الله عز وجل بتسع دياتٍ. وعن أبي مودود قال: كان عامر بن عبد الله بن الزبير يتحيّن العباد وهم سجود أبا حازم وصفوان بن سليم وسليمان بن شحم، وأشباههم فيأتيهم بالصرّة فيها الدنانير والدراهم فيضعها عند نعالهم بحيث يحسون بها ولا يشعرون بمكانه. فيقال له: ما يمنعك أن ترسل بها إليهم؟ فيقول: اكره أن يتمعَّر وجه أحدهم إذا نظر إلى رسولي وإذ لقيني. وعن عياش بن المغيرة قال: كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا شهد جنازة وقف على

_ 174- هو: عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي أبو الحارث المدني ثقة عابد من الرابعة مات سنة إحدى وعشرين.

القبر فقال: إلا أراك ضيقاً؟ إلا أراك دقعاً؟ إلا أراك مظلماً؟ إن سلمت لأتاهبن لك اهبتك. فأول شيء تراه عيناه من ماله يتقرب به إلى ربه وإن كان رقيقه ليتعرضون له عند انصرافه من الجنائز ليعتقهم. وعن مصعب بن عبد الله قال: سمع عامر بن عبد الله المؤذن وهو يجود بنفسه ومنزله قريب من المسجد فقال: خذوا بيدي فقيل له: انك عليل قال: اسمع داعي الله فلا أجيبه فاخذوا بيده فدخل في صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعةً ثم مات. اسند عامر عن أبيه وغيره من الصحابة وحدث عن خلق كثيرٍ من التابعين قال محمد بن سعد توفي عامر قبل هشام بن عبد الملك أو بعده بقليل ومات سنة أربع وعشرين ومائة.

أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم

175- أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وكان على قضاء المدينة فلما ولي عمر بن عبد العزيز ولاه إمرة المدينة روى عطاف بن خالد عن أمه عن إمرة أبي بكر محمد بن عمور بن حزم أنها قالت ما اضطجع أبو بكر على فراشه منذ أربعين سنة بالليل. توفي أبو بكر في سنة عشرين ومائة وهو ابن أربع وثمانين سنة رحمه الله.

_ 175- هو: أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري البخاري المدني القاضي اسمه وكنيته واحد وقيل: إنه يكنى أبا محمد ثقة عابد من الخامسة مات سنة عشرين ومائة.

محمد بن كعب القرظي يكنى أبا حمزة

176- محمد بن كعب القرظي يكنى أبا حمزة عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال إذا أراد الله بعبد خيرا جعل فيه ثلاث خصال فقها في الدين وزهادة في الدنيا وبصرا بعيوبه. عن يزيد بن عبد الملك بن المغيرة عن محمد بن كعب قال من قرأ القرآن متع بعقله وان بلغ مائتي سنة. روى أبو كثير النصري قال قالت أم محمد بن كعب القرظي لمحمد يا بني لولا أني أعرفك صغيرا طيبا وكبيرا طيبا لظننت انك أحدثت ذنبا موبقا لما أراك تصنع بنفسك في الليل والنهار قال يا أماه وما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع علي وأنا في بعض ذنوبي فمقتني فقال اذهب لا اغفر لك مع أن عجائب القرآن ترد بي على أمور حتى انه لينقضي الليل ولم افرغ من حاجتي.

_ 176- هو: محمد بن كعب بن سليم بن أسد أبو حمزة القرظي المدني ثقة عالم ولد سنة أربعين على الصحيح قال البخاري: إن أباه كان ممن لم ينبت من سبي بني قريظة مات محمد سنة عشرين ومائة.

وقال محمد بن كعب لان أقرا في ليلتي حتى اصبح إذا زلزلت الأرض زلزالها سورة الزلزلة والقارعة سورة القارعة لا أزيد عليهما وأتفكر فيهما وأتردد احب إلي من أن اهذ القرآن هذا أو قال انثره نثرا. وعن عيسى بن يونس قال كنا عند محمد بن كعب القرظي فاتاه رجل فقال يا عبد الله ما تقول في التوبة قال ما أحسنها قال أف رأيت إن أعطيت الله عهدا أن لا اعصيه أبدا فقال له محمد فمن حينئذ اعظم جرما منك تتألى على الله أن لا ينفذ فيك أمره. اسند محمد بن كعب عن زيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة وأبي هريرة وانس وابن عباس وعبد الله بن يزيد الخطمي في آخرين من الصحابة رضي الله عنهم. قال الواقدي مات سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة ومائة وقال غيره سنة تسع وعشرين وقيل كان يقص على أصحابه فسقط المسجد عليه وعليهم فقتلهم رحمه الله.

أبو عمرو بن حماس

177- أبو عمرو بن حماس وقد اختلف علينا في اسمه فقيل يوسف بن يونس وقيل يونس بن يوسف. قال محمد بن طلحة كان أبو عمرو متعبدا متجهدا يصلي الليل وكان شديد النظر إلى النساء فدعا الله أن يذهب بصره فذهب بصره فلم يحتمل العمى فدعا الله أن يرد عليه بصره فبينا هو في المسجد إذ رفع رأسه فنظر إلى القنديل فدعا غلامه فقال ما هذا قال القنديل قال وذاك وذاك يعد قناديل المسجد وخر ساجدا شكر الله إذ رد عليه بصره فكان بعد ذلك إذا رأى المرأة طأطأ رأسه وكان يصوم الدهر. وعن مالك بن انس قال كان يونس بن يوسف من العباد أو من خيار الناس. شك عبد الرحمن فاقبل ذات يوم وهو رائح من المسجد فلقيته امرأة فوقع في نفسه منها فقال اللهم انك جعلت لي بصري نعمة وقد خشيت أن يكون علي نقمة فاقبضه إليك قال فعمي وكان يروح إلى المسجد يقوده ابن أخ له فإذا استقبل به الاسطوانة اشتغل الصبي يلعب مع الصبيان فان نابته حاجة حصبه فاقبل إليه فبينا هو ذات يوم ضحوة في المسجد إذ أحس في بطنه بشيء فحصب الصبي فشغل الصبي مع الصبيان حتى خاف الشيخ على نفسه فقال اللهم انك كنت جعلت لي بصري نعمة وخشيت أن يكون نقمة فسألتك فقبضته إليك وقد خشيت الفضيحة فرده إلي فانصرف إلى منزله صحيحا يمشي. قال مالك فرأيته أعمى ورأيته صحيحا.

_ 177- هو: أبو عمرو بن حماس الليثي مقبول من السادسة مات سنة تسع وثلاثين ومائة.

ومن الطبقة الرابعة من أهل المدينة

ومن الطبقة الرابعة من أهل المدينة 178- محمد بن مسلم بن شهاب الزهري يكنى أبا بكر عن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: ما أرى أحداً جمع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جمع ابن شهاب. وقال مالك بن أنس: ما أدركت فقيها محدّثاً غير واحد. فقلت من هو؟ فقال ابن شهاب الزهري. وعنه أنه قال: إن هذا الحديث دينٌ فانظروا عمّن تأخذون دينكم والله لقد أدركت ها هنا، وأشار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلاً كلّهم يقول، قال فلان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم آخذ عن أحد منهم حرفاً لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، ولقد قدم علينا محمد بن شهاب الزهري وهو شاب فازدحمنا على بابه لأنه كان من أهل هذا الشأن. وقال أيوب: ما رأيت أحداً اعلم من الزهري فقال صخر بن جويرية: ولا الحسن؟ قال ما رأيت أحداً أعلم من الزهري. وعن جعفر بن ربيعة قال: قلت لعراك بن مالك: من افقه أهل المدينة؟ قال: أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان أفقههم فقهاً وأعلمهم بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب: وأما أغزرهم حديثاً فعروة ابن الزبير ولا تشاءُ أن تفجّر من عبيد الله بن عبد الله بحراً إلا فجرته. قال عراك، فأعلمهم عندي جميعاً ابن شهاب فإنه جمع علمهم جميعاً إلى علمه. وعن معمر: قال رجل من قريش: قال لنا عمر بن عبد العزيز: أتأتون الزهري؟ قلنا نعم. قال: فأتوه فانه لم يبق أحد أعلم بسنّة ماضية منه قال: والحسن ونظراؤهيومئذ أحياء. وقال سفيان: مات الزهري يوم مات وليس أحد اعلم بالسنّة منه. وعن ابن شهاب انه كان يقول: ما استودعت قلبي شيئاً قط فنسيته. وعن الليث قال: ما رأيت عالماً قط اجمع من ابن شهاب ولا أكثر علماً منه، ولو

_ 178- هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أبو بكر الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه وهو من رؤس الطبقة الرابعة.

سمعت ابن شهاب يحدّث في الترغيب لقلت: لا يحسن إلا هذا، وان حدّث عن الأنبياء وأهل الكتاب لقلت: لا يُحسن إلا هذا، وإن حدّث عن الأعراب والأنساب لقلت لا يحسن إلا هذا. وان حدّث عن القرآن والسنة كان حديثه جامعاً. وعن مالك بن أنس قال أول من دون العلم ابن شهاب. وعن الزهري قال: ما استعدتُ حديثاً ولا شككتُ في حديثٍ قط إلا حديثاً واحداً فسألت صاحبي فإذا هو كما حفظت. وعن يونس بن يزيد قال: سمعت الزهري يقول أن هذا العلم إن أخذته بالمكابرة غلبك، ولم تظفر منه بشيء، ولكن خُذه مع الأيام والليالي أخذاً رفيقاً تظفر به. وعن سفيان قال: سمعت الزهري يقول: العلم ذكر لا يحبه إلا الذكور من الرجال. وعن معمر، عن الزهري قال: ما عبد الله بشيء أفضل من العلم. وعن عمرو بن دينار قال: ما رأيت أحداً أهون عليه الدينار والدرهم من ابن شهاب، وما كانت عنده إلا مثل البعر. وعن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب انه كان يكون معه في السفر. قال: فكان يعطي من جاءه وسأله حتى إذا لم يبق معه شيء تسلَّف من أصحابه فلا يزالون يسلفونه حتى لا يبقى معهم شيء، فيحلفون انه لم يبق معهم شيء فيستسلف من عبيده فيقول: أي فلان أسلفني وأضعف لك كما تعلم فيسلفونه ولا يرى بذلك بأساً فربما جاءه السائل فيقول: أبشر فسيأتي الله بخير. فيقيّض الله لابن شهاب أحداً رجلين إما رجل يهدي له ما يسعهم وإما رجل يبيعه وينظره قال: وكان يطعمهم الثريد ويسقيهم العسل. أسند ابن شهاب عن ابن عمر وانس بن مالك وسهل بن سعد والسائب بن يزيد وعبد الله بن ثعلبة وأبي أمامة بن سهل بن حنيف وعبد الله بن عامر بن ربيعة وعبد الرحمن بن ازهر ومحمود بن الربيع ومحمود بن لبيد ومسعود بن الحكم وكثير ابن العباس وسنين أبي جميلة وأبي مويهبة وأبي الطفيل في آخرين من الصحابة ويذكر انه رأى ابن الزبير والحسن والحسين وسمع منهم. قال الواقدي: ولد الزهري في سنة ثمان وخمسين في آخر خلافة معاوية، وهي السنة التي ماتت فيها عائشة ومرض وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق، ومات لسبع عشرة خلت من رمضان سنة أربع وعشرين ومائة وهو ابن خمس وسبعين سنة.

قال الحسن بن المتوكل رأيت قبره بأدامى، وهي أول عمل فلسطين وآخر عمل الحجاز. رحمه الله.

محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير بن محرز ابن عبد العزى

179- محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير بن محرز ابن عبد العزّى ابن عامر بن الحارث بن حارثة ابن سعد بن تيم بن مرة يكنى أبا عبد الله أمه أم ولد. عن الزبير بن بكار قال: جاء المنكدر بن عبد الله إلى عائشة أم المؤمنين فشكا إليها الحاجة فقالت: أول شيء يأتيني ابعث به إليك فجاءتها عشرة آلاف درهم فقالت: سرُعَ ما امتحنت به يا عائشة. ما امتحنت به يا عائشة وبعثت بها إليه فاتخذ منها جارية فولدت له بنيه. محمداً وأبا بكر وعمر. وكلّهم يذكر بالصلاح والعبادة، ويحمل عنه الحديث. وعن أبي معشر قال: دخل المنكدر على عائشة فقالت: لك ولد؟ قال: لا. فقالت: لو كان عندي عشرة آلاف درهم لوهبتها لك. قال: فما أمست إلا بعث إليها معاوية بمال فقالت ما أسرع ما ابتليت، وبعثت إلى المنكدر بعشرة آلاف فاشترى منها جارية فهي أمُّ محمدٍ وعُمر وأبي بكر. قال الشيخ رحمه الله: وإنما شكا المنكدر إلى عائشة للقرابة التي بينهما فإنه من ولد حارثة بن سعد بن تيم، وأبو بكر رضي الله عنه من ولد كعب بن سعد بن تيم. وعن الحارث بن الصواف قال: قال محمد بن المنكدر: كابدتُ نفسي أربعين سنة حتى استقامت. وعن سفيان قال: كان محمد بن المنكدر ربما قام من الليل يصلّي ويقول كم من عين الآن ساهرةٌ في رزقي. وكان له جار مبتلىً فكان يرفع صوته من الليل يصيح وكان محمد يرفع صوته بالحمد. فقيل له في ذلك فقال: يرفع صوته بالبلاء وأرفع صوتي بالنعمة. يحيى بن الفضل الأبيسي قال: سمعت بعض من يذكر عن محمد بن المنكدر أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلّي إذا استبكى فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله فسألوه: ما الذي أبكاك؟ فاستعجم عليهم، فتمادى في البكاء فأرسلوا إلى أبي حازم واخبروه بأمره، فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكي فقال: يا أخي ما الذي أبكاك قد رعت أهلك؟ فقال له إني مرّت بي آية من

_ 179- هو: محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير التيمي المدني ثقة فاضل من الثالثة.

كتاب الله عز وجل. قال: ما هي؟ قال: قول الله عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} سورة الزمر آية 47 قال: فبكى أبو حازم معه واشتدّ بكاؤهما. قال: فقال بعض أهله لأبي حازم: جئنا بك لتفرّج عنه فزدته. قال: فأخبرهم ما الذي أبكاهما. وعن عمر بن محمد المنكدر قال: كنت أمسك على أبي المصحف، قال: فمّرت مولاةٌ له فكلمها فضحك إليها. ثم أقبل يقول إنّا لله إنا لله حتى ظننت أنه قد حدث شيء. فقلت: ما لك؟ فقال: أما كان لي في القرآن شُغل حتى مرّت هذه فكلمتها. وعن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر قال: إن الله تعالى يحفظ المؤمن في ولده وولدَ ولده، ويحفظه في دُويرته وفي دُويراتٍ حوله، فما يزالون في حفظ وعافية ما كان بين أظهرهم. وعن سفيان قال: صلى ابن المنكدر على رجل فقيل له تصلي على فلان؟ فقال: إني أستحيي من الله عز وجل أن يعلم مني أنّ رحمته تعجز عن أحدٍ من خلقه. وعن أبي معشر قال: بعث محمد بن المنكدر إلى صفوان بن سليم بأربعين ديناراً ثم قال لبنيه: يا بني ما ظنكم برجل فرّغ صفوان لعبادة ربه عز وجل. وعن عبد الله بن المبارك قال: قال محمد بن المنكدر: بات عمر، يعني أخاه، يصلي وبتّ أغمز رجل أمي وما أحبّ أن ليلتي بليلته. وعن جعفر بن سليمان، عن محمد بن المنكدر انه كان يضع خدّه بالأرض ثم يقول لأمه: قومي ضعي قدمك على خدي. وعن محمد بن سوقة قال: سمعت محمد بن المنكدر يقول: نعم العون على تقوى الله عز وجل الغني. قال سفيان بن عيينة: قيل لمحمد بن المنكدر: أيُّ العمل احب إليك؟ قال: إدخال السرور على المؤمن، قيل: فما بقي من لذّتك؟ قال: الإفضال على الإخوان. وعن عبد العزيز بن يعقوب الماجشون، أخي يوسف، قال: قال أبي إن رؤية محمد بن المنكدر تنفعني في ديني. وعن سفيان بن عيينة قال: قال محمد بن المنكدر: الفقيه يدخل بين الله عز وجل وبين عباده، فلينظر كيف يدخل. أسند محمد بن المنكدر عن ابن عمر وأبي قتادة وجابر وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وأميمة بنت رقيقة.

وروى عن كبار التابعين كالحسن وعروة وسعيد بن خيبر والزهري وأبي حازم ويحيى بن سعيد وأيوب ويونس بن عبيد، في خلقٍ يطول ذكرهم. ذكر وفاته رضي الله عنه: عن عكرمة عن محمد بن المنكدر أنه جزع عند الموت فقيل له: لم تجزع؟ قال: أخشى آيةً من كتاب الله عز وجل، قال الله عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47] فإني أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب. وعن ابن زيد قال: أتى صفوان بن سليم إلى محمد بن المنكدر وهو في الموت فقال: يا أبا عبد الله كأني أراك قد شقّ عليك الموت؟ قال: فما زال يهوّن عليه الأمر وينجلي عن محمد حتى لكأن في وجهه المصابيح. ثم قال له محمد: لو ترى ما أنا فيه لقرّت عينك. ثم قضى رحمه الله. توفي محمد بن المنكدر بالمدينة سنة ثلاثين أو إحدى وثلاثين ومائة

عمر بن المنكدر

180- عمر بن المنكدر عن نافع بن عمر قال: قالت أم عمر بن المنكدر لعُمر: إني اشتهي أن أراك نائماً. فقال: يا أماه والله أن الليل ليرد عليَّ فيهولني فينقضي عني وما قضيت منه أربي. وعن سالم أبي بسطام قال: كان عمر بن المنكدر لا ينام الليل يُكثر البكاء على نفسه فشق ذلك على أمه فقالت لأخيه محمد بن المنكدر: إن الذي يصنع عمر يشقّ عليّ فلو كلّمته في ذلك. فاستعان عليه بابي حازم فقالا له: أن الذي تصنع يشق على أمك. قال: فكيف أصنع؟ إن الليل إذا دخل عليَّ هالني فأستفتح القرآن وما تنقصني نهمتي فيه. قالا: فالبكاء؟ قال: آية من كتاب الله أبكتني قالا وما هي؟ قال: قوله عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُون} [الزمر: 47] . وعن عبد الرحمن بن حفص القرشي قال: بعث بعض الأمراء إلى عمر بن المنكدر بمال فجاء به الرسول فوضعه بين يديه فجعل عمر ينظر إليه ويبكي ثم جاء أبو بكر فلما رأى عمر يبكي جلس يبكي لبكائه ثم جاء محمد فجلس يبكي لبكائهما. فاشتد بكاؤهم جميعاً. فبكى الرسول أيضاً لبكائهم ثم أرسل إلى صاحبه فأخبره بذلك فأرسل ربيعة بن أبي عبد الرحمن

_ 180- هو: عمر بن محمد بن المنكدر التيمي المدني ثقة من السابعة.

ليستعلم علم ذلك البكاء فجاء ربيعة فذكر ذلك لمحمد فقال محمد: سلْه فهو أعلم ببكائه فاستأذن عليه ربيعة فقال: يا أخي ما الذي أبكاك من صلة الأمير؟ قال: والله إني خشيت أن تغلب الدنيا على قلبي فلا يكون للآخرة فيه نصيب فذلك الذي أبكاني قال: وأمر بالمال فتصدق به على فقراء أهل المدينة، قال: فجاء ربيعة فأخبر الأمير بذلك فبكى وقال: هكذا يكون والله أهل الخير رحمه الله.

سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن

181- سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف يكنى أبا إسحاق ولي قضاء المدينة عن شعبة قال: كان سعد يصوم الدهر ويقرأ القرآن في كل يوم وليلة. وعن عبيد الله بن سعد الزهري قال: قال: عمّى عن أبيه، قال: سَرَد أبي سعد ابن إبراهيم الصوم أربعين سنة. وعن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال: قيل له من أفقه أهل المدينة؟ قال: أتقاهم لربه. وعن ابن سعد بن إبراهيم قال: كان أبي يحتبي فما يحلّ حبوته حتى يقرأ القرآن. وعنه قال: كان أبي سعد بن إبراهيم إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين لم يفطر حتى يختم القرآن وكان يفطر فيما بين المغرب والعشاء الآخرة. وكان كثيراً إذا أفطر يرسلني إلى مساكين فيأكلون معه رحمه الله. أسند سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأنس بن مالك ومحمد بن حاطب وسهل بن حنيف، ورأى ابن عمر. وروى عن أبيه وأبي سلمة وابن المسيب في خلق كثير من كبار التابعين. وروى عنه من التابعين: أيوب ويحيى بن سعيد. وتوفي بالمدينة سنة سبع وعشرين ومائة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. رحمه الله.

_ 181- هو: سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ولي قضاء المدينة وكان ثقة فاضلا عابدا من الخامسة.

عبد الرحمن بن أبان بن عثمان

182-عبد الرحمن بن أبان بن عثمان ابن عفان رحمهم الله روى عن أبيه. عن مصعب بن عثمان قال: كان عبد الرحمن بن أبان يشتري أهل البيت ثم يأمر بهم فيكسون ويدهنون ثم يعرضون عليه فيقول انتم أحرار لوجه الله استعين بكم على غمرات الموت. قال: فمات وهو قائم في مسجده يصلّي السُّبحة، يعني الضحى.

_ 182- هو: عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان الأموي المدني ثقة مقل عابد من السادسة.

ربيعة بن أبي عبد الرحمن

183- ربيعة بن أبي عبد الرحمن واسم أبي عبد الرحمن فروخ مولى آل المنكدر، ويكنى ربيعة أبا عثمان. ويقال أبا عبد الرحمن. اخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز بالإِسناد عن مشيخة أهل المدينة أن فرّوخاً أبا عبد الرحمن أبا ربيعة خرج في البعوث إلى خراسان أيام بني أمية غازياً وربيعة حمل في بطن أمه وخلف عند زوجته أمّ ربيعة ثلاثين آلف دينار. فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة وهو راكب فرساً وفي يده رمح فنزل عن فرسه ثم دفع الباب برمحه فخرج ربيعة فقال له: يا عدو الله أتهجم على منزلي؟ فقال: لا، وقال فروخ: يا عدو الله أنت رجل دخلت على حرمي فتواثبا وتلبّب كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران فبلغ مالك بن أنس والمشيخة فأتوا يعينون ربيعة فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان وجعل فرّوخ يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان وأنت مع امرأتي. وكثر الضجيج فلما بصروا بمالك: سكت الناس كلُّهم. فقال مالك: أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الديار. فقال الشيخ: هي داري وأنا فروخ مولى بني فلان. فسمعت امرأته كلامه فخرجت فقالت: هذا زوجي، وهذا ابنه الذي خلّفه وأنا حامل به فاعتنقا جميعاً وبكيا فدخل فروخ المنزل فقال: هذا ابني؟ قالت: نعم، قال: فأخرجي المال الذي عندك وهذه معي أربعة آلاف دينار. فقالت: المال قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام. فخرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته وأتاه مالك بن أنس والحسن بن زيد وابن أبي

_ 183- هو: ربيعة بن أبي عبد الرحمن التيمي أبو عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي واسم ابيه فروخ ثثقثة فقيه مشهور.

علي اللهبي والمساحقي وأشراف المدينة وأحدق الناس به فقالت امرأته: اخرج فصلِّ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فنظر إلى حلقةٍ وافرة، فأتاه فوقف عليه ففرّجوا له قليلاً ونكس ربيعة رأسه يوهمه انه لم يره فقال: من هذا الرجل؟ فقالوا: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فقال أبو عبد الرحمن: لقد رفع الله ابني. فرجع إلى منزله فقال لوالدته: لقد رأيت ولدك في حالةٍ ما رأيت أحداً من أهل الفقه والعلم عليها. فقالت أمه: فأيّما أحب إليك: ثلاثون آلف دينار أو هذا الذي هو فيه من الجاه؟ قال لا والله إلاّ هذا. قالت فإني أنفقت المال كله عليه قال: فوالله ما ضيَّعته. وعن ابن زيد قال: مكث ربيعة دهراً طويلاً عابداً يصلي الليل والنهار، فجالس القاسم فنطق بلب وعقل فكان القاسم إذا سئل عن شيء قال: سلوا هذا لربيعة. وعن يحيى بن سعيد قال: ما رأيت أحداً افطن من ربيعة. قال الليث: وقال لي عبيد الله بن عمر في ربيعة: هو صاحب معضلاتنا وأعلمنا وأفضلنا. وعن يحيى بن سعيد أنه قال: ما رأيت أحداً أسَّد عقلاً من ربيعة. وعن سّوار بن عبد الله قال: ما رأيت أحداً أعلم من ربيعة الرأي قلت: ولا الحسن وابن سيرين؟ قال: ولا الحسن وابن سيرين. وعن يونس بن يزيد قال: رأيت أبا حنيفة عند ربيعة وكان مجهود أبي حنيفة أن يفهم ما يقول ربيعة. وعن بكر بن عبد الله الشّرود الصنعاني قال: أتينا مالك بن أنس فجعل يحدثنا عن ربية الرأي فكنا نستزيده من حديث ربيعة. فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة؟ هو نائم في ذاك الطاق. فأتينا ربيعة فانبهناه فقلنا له: أنت ربيعة الذي يحدث عنك مالكٌ؟ قال: نعم. فقلنا له: كيف حظي بك مالكٌ؟ ولم تحظ أنت بنفسك؟ قال: أما علمتم أن مثقالاً من دولةٍ خير من حمل علمٍ. قال الشيخ رحمه الله: وكان السفاح قد أقدم عليه ربيعة الانبار ليوليه القضاء فلم يفعل، وعرض عليه العطاء فلم يقبل. وعن مالك قال: قال لي ربيعة حين أراد الخروج إلى العراق: أن سمعت إني حدثتهم شيئاً أو أفتيتهم فلا تعدّني شيئاً. فكان كما قال: لمّا قدمها لزم بيته فلم يخرج إليهم ولم يحدثهم بشيء حتى رجع قال مالك: لمّا قدم على أمير المؤمنين أبي العباس أمر له بجائزة فأبى أن يقبلها. فأعطاه خمسة آلاف درهم ليشتري بها جارية فأبى أن يقبلها.

وعن سفيان قال: كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يوماً جالساً فغطى رأسه ثم اضطجع فبكى فقيل له: ما يبكيك؟ فقال رثاء ظاهر وشهوة خفية. وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: لقد رأيت مشيخة المدينة وان لهم لغدائر وعليهم الممصَّر والمورَّد في أيديهم مخاصر، وفي أيدهم آثار الحِنّاء في هيئة الفتيان ودين أحدهم ابعد من الثريا إذا أريد على دينه. قال الشيخ: قد سمع ربيعة من أنس بن مالك والسائب بن يزيد وعامة التابعين من أهل المدينة. وروى عنه: مالك والثوري وشعبة والليث بن سعد. وقال أحمد بن حنبل: ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة. وتوفي بالأنبار وقيل بل رجع إلى المدينة فمات بها. وذلك في سنة ست وثلاثين ومائة. وعن مالك بن أنس قال: ذهبت حلاوةُ الفقه منذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن.

صفوان بن سليم الزهري

184- صفوان بن سُليم الزهري مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف يكنى أبا عبد الله. عن عبد العزيز بن أبي حازم قال: عادَلني صفوان بن سُليم إلى مكة فما وضع جنبه في المحمل حتى رجَع. وعن سليمان بن سالم قال: كان صفوان بن سليم في الصيف يصلّي بالليل في البيت، فإذا كان الشتاء صلّى في السطح لئلا ينام. عن أبي ضمرة أنس بن عياض قال: رأيت صفوان بن سليم ولو قيل له غداً القيامة، ما كان عنده مَزيد على ما هو عليه من العبادة. وعن أبي علقمة المديني قال: كان صفوان بن سليم لا يكاد يخرج من مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم فإذا أراد أن يخرج بكى وقال: أخشى أن لا أعود إليه. وعن محمد بن أبي منصور قال: قال صفوان بن سليم أعطى الله عهداً أن لا أضع جنبي على فراشٍ حتى الحق بربي قال: فبلغني أن صفوان عاش بعد ذلك أربعين سنة لم يضع جنبه فلما نزل به الموت قيل له: رحمك الله ألا تضطجع؟ قال ما وفيتُ لله بالعهد إذاً.

_ 184- هو: صفوان بن سليم المدني أبو عبد الله الزهري مولاهم وثقة مفت عابد رمي بالقدر من الرابعة.

قال: فأُسنِد فما زال كذلك حتى خرجت نفسه، قال: ويقول أهل المدينة، انه ثَفِنتْ جبهته من اثر السجود. وعن أبي مروان مولى بني تميم قال: انصرفت مع صفوان بن سليم من العيد إلى منزله فجاء بخبز يابس فجاء سائل فوقف على الباب وسأل فقام صفوان إلى كوّة في البيت فأخذ منها شيئا فأعطاه فاتّبعت ذلك السائل لأنظر ما أعطاه. فإذا هو يقول: أعطاه الله افضل ما أعطى أحداً من خلْقه فقلت ما أعطاك؟ قال: أعطاني ديناراً. وعن سفيان قال: جاء رجل من أهل الشام فقال: دلّوني على صفوان بن سليم؟ فإني رأيته دخل الجنة فقلت: بأي شيء؟ قال: بقميص كساه إنساناً. قال بعض إخوان صفوان: سألت صفوان عن قصة القميص قال: خرجت من المسجد في ليلة باردة فإذا رجل عُريان، فنزعت قميصي فكسوته. عن سعيد بن كثير بن يحيى قال: قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وعمر بن عبد العزيز عامله عليها. قال: فصلى بالناس الظُهر ثم فتح باب المقصورة واستند إلى المحراب واستقبل الناس بوجهه، فنظر إلى صفوان بن سليم عن غير معرفة فقال: يا عمر مَن هذا الرجل، ما رأيت سَمْتاً أحسن منه؟ قال: يا أمير المؤمنين هذا صفوان بن سليم. قال: يا غلام كيس فيه خمس مائة دينار. فآتى بكيس فيه خمس مائة دينار فقال لخادمه: ترى هذا الرجل القائم يصلي فوصفه للغلام حتى أثبته فخرج الغلام بالكيس حتى جلس إلى صفوان فلما نظر إليه صفوان ركع وسجد ثم سلم واقبل عليه فقال: ما حاجتك؟ قال: امرني أمير المؤمنين، وهو ذا ينظر إليك واليّ أن ادفع هذا الكيس وفيه خمسُ مائةِ دينارٍ إليك وهو يقول: استعِنْ بهذا على زمانك وعلى عيالك. فقال صفوان للغلام: ليس أنا بالذي أرسلت إليه. فقال له الغلام: ألست صفوان بن سليم؟ قال: بلى أنا صفوان بن سليم. قال: فإليك أُرسِلت. قال: اذهب فاستثبت فإذا أثبت فهلم. فقال الغلام: فأمسك الكيس معك واذهبُ. قال: لا، إذا أمسكتُ كنتُ قد أخذتُ، ولكن اذهب فاستثبت فأنا ها هنا جالس. فولّى الغلام فأخذ صفوان نعليْه وخرج فلم يُرَ بها حتى خرج سليمان من المدينة. أبو مصعب قال لي ابن أبي حازم: دخلت أنا وأبي نسأل عنه، يعني صفوان بن سليم وهو في مصلاّه فما زال به أبي حتى ردّه إلى فراشه فأخبرْتني مولاته أنْ ساعةَ خرجتُم ماتَ. أسند صفوان بن سليم عن ابن عمر وجابر بن عبد الله وعبد الله بن جعفر وسهل بن

حنيف في آخرين، وسمع من كبار التابعين كسعيد بن المسيب وأبي سلمة وعروة وسالم وعكرمة وطاوس في خلقٍ كثير. عن أبي بكر بن صدقة قال: ذُكر لأحمد بن حنبل صفوان بن سليم وقلّةُ حديثه وأشياء خولف فيها. فقال: هذا رجل إنما كان يُستشفَى بحديثه ويُستنزَل القَطْرُ بذكْره. توفي صفوان بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين ومائة.

أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج

185- أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج مولى لقوم من بني ليث بن بكر عن عبد الرحمن بن زيد بن اسلم قال: ما رأيت أحداً الحكمةُ إلى فِيهِ اقربُ من أبي حازم. وعن سفيان قال: قيل لأبي حازم ما مالُك؟ قال: ثقتي بالله عز وجل ويأسى مما في أيدي الناس. وعن ثوابةُ بن رافع قال: قال أبو حازم: ما مضى من الدنيا فحُلْم وما بقي فأمانيّ. وعن محمد مطرف قال: ثنا أبو حازم قال: لا ُيْحِسن عبد فيما بينه وبين الله إلا احسن الله ما بينه وبين العباد، ولا يُغْوِر فيما بينه وبين الله عز وجل إلا اعور فيما بينه وبين العباد. ولمصانَعَةُ وجهٍ واحد أيسُر من مصانعة الوجوه كلّها، انك إذا صانعت هذا الوجه مالت الوجوه كلها إليك، وإذا أفسدت ما بينك وبينه شَنِفتْك الوجوه كلّها. وعن عمر بن سعيد بن حسين عن أبي حازم قال: إذا رأيت الله عز وجل يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذرْه. محمد بن عبيد قال: أنا بعض أهل الحجاز قال: قال أبو حازم: كلّ نعمة لا تقرّب من الله عز وجل فهي بليّة. وعن أبي معشر قال: رأيت أبا حازم لم يقصّ في المسجد ويبكي ويمسح بدموعه وجهه. فقلت: يا أبا حازم لم تفعل هذا؟ قال: بلغني أن النار لا تصيب موضعاً أصابتْه الدموع من خشية الله تعالى. وعن سفيان قال: قال أبو حازم: ينبغي للمؤمن أن يكون أشدَّ حفْظاً للسانه منه لموضع قدميه.

_ 185- هو: سلمة بن دينار الأعرج أبو حازم الأفزر التمار المدني القاص مولى الأسود بن سفيان ثقة عابد من الخامسة.

وعن سعيد بن عامر قال: قال أبو حازم نعمة الله فيما زوي عني من الدنيا افضل من نعمته فيما أعطاني منها. وقال أبو حازم: إنْ وُقِينا شرَّ ما أُعطينا لم نِبال ما فاتَنا. وقال ابن عُيينة: قال أبو حازم: أن كان يُغنيك من الدنيا ما يكفيك فأدنى عيشِ من الدنيا يكفيك، وان كان لا ُيغنيك، ما يكفيك فليس شيء يكفيك. وعن عبد الجبار بن عبد العزيز بن أبي حازم قال: حدثني أبي قال: بعث سليمان بن عبد الملك إلى حازم فجاءه فقال: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنكم أخربتم آخرتكُم وعمَرتُم دنياكم فانتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب قال: صدقت، فكيف القدوم على الله عز وجل؟ قال: إما المحسن فكالغائب يقدم على أهله وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه. فبكى سليمان وقال: ليت شعري ما لنا عند الله يا أبا حازم: قال: اعرض نفسك على كتاب الله عز وجل فانك تعلم ما لك عند الله قال يا أبا حازم وإني أصيب ذلك؟ قال: عند قوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وانَّ الفُجّار لَفي جحيم} [الانفطار: 14] فقال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال {قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] قال: ما تقول فيما نحن فيه؟ قال. اعفني عن هذا قال سليمان: نصيحةٌ تلقيها. قال أبو حازم: أن أناسا اخذوا هذا الأمر عنوة من غير مشاورة من المسلمين ولا اجتماعٍ من رأيهم فسفكوا فيه الدماء على طلب الدنيا ثم ارتحلوا عنها فليت شعري ما قالوا وما قيل لهم؟ فقال بعض جلسائه: بئس ما قلتَ يا شيخ. قال أبو حازم: كذبتَ، أن الله تعالى اخذ على العلماء لَيبيننه للناس ولا يكتُمونه قال سليمان: أصحبْنا يا حازم تِصْب مّنا ونُصِبْ منك قال: أعوذ بالله من ذلك. قال: ولم؟ قال أخاف أن اركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني ضِعْفَ الحياة وضعْفَ الممات. قال: فاشِرْ عليَّ. قال: اّتق الله أن يراك حيث نهاكْ وان يفقدك حيث أمرك. قال: يا أبا حازم ادعُ لنا بخير. قال: اللهم أن كان سليمان وليَّك فَيسِره للخير، وان كان عدوَّك فخذ إلى الخير بناصيته. فقال: يا غلام هات مائة دينار. ثم قال: خدها يا أبا حازم. فقال لا حاجة لي فيها إني أخاف أن يكون لِما سمعت من كلامي. فكأن سليمان اعجب بابي حازم. فقال الزهري: انه لجاري منذ ثلاثين سنة ما كلّمته قط. قال أبو حازم: انك نسيت الله فنسيتني ولو أحببتُ الله لأحبْبتني. قال الزهري: أتشتمني؟ قال سليمان: بل أنت شتمت نفسك. أما علمت أنّ للجار على جاره حقاً قال أبو حازم: أن بني

إسرائيل لمّا كانوا على الصواب كانت الأمراء، تحتاج إلى العلماء وكانت العلماء تفر بدينها من الأمراء فلما رأى ذلك قوم من أذلة الناس تعلموا ذلك العلْم وأتوا به إلى الأمراء فاستغنت به عن العلماء واجتمع القوم على المعصية فسقطوا وانتكسوا ولو كان علماؤنا يصونون علمهم لم تزل الأمراء تهابهم. قال الزهري كأنك إياي تريد وبي تعرّض قال: هو ما تسمع. وعن الذيال بن عبّاد قال: كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن فقد أصبحت بحالٍ ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك: أصبحت شيخا كبيراً وقد أثقلتك نِعمُ الله عليك فيما اصحّ من بدنك وأطال من عمرك وعملت حُجَج الله تعالى مما علّمك من كتابه، وفقّهك فيه من دينه، وفهّمك من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فرمى بك في كلّ نعمة أنعمها عليك وكل حُجّةَ يُحَتّج بها عليك الغرض الأقصى ابتلى في ذلك شكرك وأبدا فيه فضله عليك وقد قال عز وجل: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] فانظر أي رجل تكون إذا وقفتَ بين يدي الله عز وجل فسألك عن نِعَمه عليك كيف رعيتها، وعن حججه عليك كيف قَضيتها فلا تحسبّن الله عز وجل راضياً منك بالتعذير، ولا قابلاً منك التقصير هيهات ليس ذاك اخَذَ على العلماء في كتابه إذ قال: {لَتُبَينُّنَّه للناس ولا تكتُمونه} [آل عمران: 187] انك تقول انك جَدِلٌ ماهر عالم قد جادلت الناسَ فَجدلتهم وخاصمتَهم فخصمتهم إدلالاً منك بفَهمك واقتداراً منك برأيك فأين تذهب عن قول الله عز وجل: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النساء: 109] اعلم أن أدنى ما ارتكبت واعظم ما احتقبت أن آنستَ الظالم وسهّلت له طريق الغي بدنوك حين أُدنيت وإجابتك حين دُعيت فما أخلقك أن ينوَّه غداً باسمك مع الجَرَمة، وان تُسأل عما أردت بإغضائك عن ظُلم الظَلَّمَة، انك أخذت ما ليسَ لمن أعطاك، جعلوك قطباً تدور عليه رَحى باطِلهم وجسْراً يَعبُرون بك إلى بلائهم وسلَّمًا إلى ضلالتهم يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم لهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم فما ايسرَ ما عَمروا لكَ في جنْب ما خرَّبوا عليك، وما اقَّل ما أعطوك في قدْر ما اخذوا منك، فانظر لنفسك فانه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حسابا رجل مسؤول وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً وانظر كيف إعظامُك أمر من جعلك بدينهِ في الناس مبجلا، وكيْف صيانتُك لكسْوةِ من جعلك بكسوته مستترا، وكيف قربك وبُعدك ممن أمرك أن تكون منه قريباً، ما لك لا تتنبه من نعستك. وتستقيل من عثرتك فتقول:

والله ما قمت لله عز وجل مقاماً واحداً أحيي له فيه دينا ولا أميت له فيه باطلاً؟ أين شُكرك لمن استحملك كتابه واستودعك علمه؟ ما يؤمنك أن تكون من الذين قال الله عز وجل {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى} [الأعراف: 169] انك لست في دار مقامٍ قد أوذِنت بالرحيل فما بقاء المرء بعد أقرانه؟ طوبى لمن كان في الدنيا على وجَلٍ ما يؤمَن من أن يموت وتبقى ذنوبه من بعده انك لم تؤمَر بالنظر لوارثك على نفسك، ليس أحد أهلاً أن ترد له على ظهرك. ذهبت اللذة وبقيت التّبعة، ما أشفى من سَعِد بكسبه غيره. احَذر فقد أُتيت وتخلّصْ فقد وهِلت. انك تعامل مَن لا يجهل والذي يحفظ عليك لا يغفل. تجهز فقد دنا منك سَفر بعيد وداو دينَك فقد دخَله سقمٌ شديد، ولا تحسبنّ إني أردت توبيخك وتعُييرك وتعنيفك، ولكني أردت أن تَنَعش ما فات من رأيك، وتردّ عليك ما عزب عنك من حلمك، وذكرتُ قوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك وبقيت بعدهم كَقْرن أعضب فانظر هل ابتُلوا بمثل ما ابتليت به أو دخَلوا في مثل ما دخلت فيه؟ وهل تراه دخر لك خيراً منعوه أو علمك شيئا جهلوه؟ فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا في كَبِرَ سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك فمن يلوم الحدث قي سنّه، الجاهلَ في علمه، المأفون في رأيه، المدخولَ في عقله؟ ونحمد الذي عافانا مما ابتلاك به. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وعن محمد بن إسحاق الموصلي قال: قال أبو حازم: أن بضاعة الآخرة كاسدة فاستكثروا منها في أوانِ كسادِها فانه لو جاء يومُ نَفاقها لم تصل منها إلى قليل ولا إلى كثير. قال ابن أبي الحواري: وسمعت مروان بن محمد يقول: قال أبو حازم ويحك يا أعرجُ يدعى يوم القيامة بأهل خطيئةِ كذا وكذا فتقوم معهم، ثم يُدعى بأهل خطيئة. وعن عبد الرحمن بن جرير قال: سمعت أبا حازم: يقول عند تصحيح الضمائر تُغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح. وعن محمد بن مطرف قال: قال أبو حازم: ما في الدنيا شيء يسرك إلا وقد الزق به شيء يسوءك. وعن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال أن العبد ليعمل الحسنة تسره حين يعملها وما خلق الله من سيئة هي عليه اضر منها، وان العبد ليعمل السيئة ثم تسوءه حين يعملها، وما خلق الله عز وجل من حسنة انفع له منه، وذلك أن العبد حين يعمل الحسنة يتجبّر فيها ويرى

أن له فضلاً على غيره ولعل الله عز وجل يحبطها ويحبط معها عملاً كثيراً، وان العبد ليعمل السيئة تسوءه ولعل الله عز وجل يحدث له فيها وجلاً فيلقَى الله وان خوفها لفي جوفه باقٍ. وعن عون بن جرير قال: سمعت أبي يقول: كان أبو حازم يمّر على الفاكهة فيقول: موعدُك الجنة. وعن جُويرية بن أسماء قال: مر أبو حازم بجزار فقال: يا أبا حازم خذ من هذا اللحم فانه سمين قال: ليس معي درهم. قال أُنْظِرُك. قال: أنا أُنْظِرُ نفسي. وعن الفضل قال قال حازم المَديني: وجدت الدنيا شيئين: فشيء منها هو لي فلن أعجّله قبل اجلِه ولو طلبته بقوة السموات والأرض، وشيء منها هو لغيري فلم أنله، فيما مضى، ولا أرجوه فيما بقي، يُمنع الذي لي من غيري كما يُمنع الذي لغيري مني، ففي أي هذين افني عمري؟ ووجدت ما أُعطيتْ من الدنيا شيئين فشيء يأتي اجله قبل اجلي فاغلَب عليه، وشيء يأتي اجلي قبل اجله فأموت واخلفه لمن بعدي، ففي أي هذين اعصي ربي عز وجل؟. وعن حفص بن ميسرة قال: قال أبو حازم: عجباً لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كل يوم مرحَلة، ويَدعون أن يعلموا لدارٍ يرحلون إليها كلَّ يوم مرحلة. وعن ابن عُيينة قال أبو حازم: إني لأَعظ وما أرى له موضعاً وما أريد إلا نفسي، وقال: لو أن أحدكم قيل له ضع ثوبك على هذا الهوف حتى يُرمى لقال: ما كنتُ لأخرق ثوبي، وهو يخرق دينه. وحلف أبو حازم لجلسائه: لوددت أنّ أحدكم يُبقي على دينه كما يُبقى على نَعله.. وعن فُضَيل بن عياض قال: قال أبو حازم أضْمنُوا لي اثنين أضمنْ لكم الجنة: عملًا بما تكرهون إذا احبّه الله تعالى، وتَرْكِ ما تحبّون إذا كرِهَهُ الله عز وجل. وعن يعقوب بن عبد الرحمن قال: سمعت أبا حازم يقول: يسيرُ الدنيا يشغَلُ عن كثير من الآخرة، وقال: ما أحببتَ أن يكون معك في الآخرة فقدّمه اليومَ، وما أكرهتَ أن يكون معك في الآخرة فاتركْه اليوم. وقال: كل عمل تكره الموتَ من أجله فاتركه ثم لا يضرّك متى مت. وقال: انك لتجد الرجل يعمل بالمعاصي فإذا قيل له: أتحبّ أن تموت؟ قال: يقول: وكيف؟ وعندي ما عندي. فيقال له: أفلا تترك ما تعمل من المعاصي؟ فيقول: ما أريد ترْكَه وما احب أن أموت حتى اتركَه.

وقال: شيئان إذا عملت بهما أصبتَ بهما خير الدنيا والآخرة لا أطوّل عليك. قيل: وما هما أنا أبا حازم؟ قال: تحمّل ما تكره إذا احبّه الله وتترك ما تحبّ إذا كرهه الله. وعن محمد بن يحيى المازني قال: قال أبو حازم: رضِيَ الناسُ من العَمل بالعلم ومن الفعل بالقول. وعن سليمان بن سليمان العُمَري قال: رأيت أبا جعفر القاري، يعني في المنام، على الكعبة فقلت له يا أبا جعفر قال: نعم اقرِيءْ إخواني مني السلام وخبّرهم أن الله عز وجل جعلني من الشهداء الأحياء المرزوقين، واقريء أبا حازم السلام وقل له: يقول لك أبو جعفر: الكَيْسَ الكَيْسَ فان الله وملائكته يتراءوْن مجلسك بالعشيّات. اسند أبو حازم عن ابن عمر وسهل بن سعد وانس بن مالك وقيل انه رأى أبا هريرة، وسمع من كبار التابعين كسعيد بن المسيب وأبي سلمة وعروة وغيرهم. وتوفي في بعد سنة أربعين ومائة في خلافة المنصور.

ومن الطبقة الخامسة من أهل المدينة

ومن الطبقة الخامسة من أهل المدينة 186- جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام. يكنى أبا عبد الله أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق كان مشغولا بالعبادة عن حب الرياسة. وعن عمرو بن أبي المقدام قال كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت انه من سلالة النبيين. وعن مالك بن انس قال قال جعفر بن محمد لسفيان الثوري يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فاكثر من الحمد والشكر عليها فإن الله عز وجل قال في كتابه {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وإذا استبطأت الرزق فاكثر من الاستغفار فإن الله تعالى قال في كتابه {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [نوح: 10-12] يعني في الدنيا {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ} [نوح: 12] في الآخرة يا سفيان إذا حزبك أمر من سلطان أو غيره فاكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة.

_ 186- هو: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المعروف بالصادق صدوق فقيه إمام من السادسة.

وعن ابن أبي حازم قال كنت عند جعفر بن محمد إذ جاءه آذنه فقال سفيان الثوري بالباب فقال ائذن له فدخل فقال جعفر يا سفيان انك رجل يطلبك السلطان وأنا اتقي السلطان قم فاخرج غير مطرود فقال سفيان حدثني حتى اسمع وأقوم فقال جعفر حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنعم الله عليه نعمة فليحمد الله ومن أستبطأ الرزق ليستغفر الله ومن حزبه أمر فليقل: لا حول ولا قوة إلا بالله" 1 فلما قام سفيان قال جعفر خذها يا سفيان ثلاث وأي ثلاث. وعن الهياج بن بسطام قال كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء. وعن يحيى بن الفرات قال قال جعفر بن محمد لسفيان الثوري لا يتم المعروف إلا بثلاثة بتعجيله وتصغيره وستره. وسئل جعفر بن محمد لم حرم الله الربا قال لئلا يتمانع الناس المعروف. وعن بعض أصحاب جعفر الصادق قال دخلت على جعفر وموسى بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية فكان مما حفظت منها أن قال: يا بني أقبل وصيتي واحفظ مقالتي فانك إن حفظتها تعش سعيدا وتمت حميدا يا بني انه من قنع بما قسم الله له استغنى ومن مد عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ومن لم يرض بما قسم الله عز وجل له اتهم الله تعالى في قضائه ومن استصغر زلة نفسه استعصم زلة غيره ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته ومن سل سيف البغي قتل به ومن احتفر لأخيه بئراً سقط فيها ومن داخل السفهاء حقر ومن خالط العلماء وقر ومن دخل مداخل السوء اتهم يا بني قل الحق لك وعليك وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه. وعن احمد بن عمرو بن المقدام الرازي قال وقع الذباب على المنصور فذبه عنه فعاد فذبه حتى اضجره فدخل جعفر بن محمد فقال له المنصور يا أبا عبد الله لم خلق الله عز وجل الذباب قال ليذل به الجبابرة. وعن الحسن بن سعيد اللخمي عن جعفر بن محمد قال من لم يغضب من الجفوة لم يشكر النعمة.

_ 1 أخرجه البيهقي أنظر كنز العمال حديث 6442.

وعن الحرمازي قال كان رجل من أهل السواد يلزم جعفر بن محمد ففقده فسأل عنه فقال له رجل انه نبطي يريد أن يضع منه فقال جعفر اصل الرجل عقله وحسبه ودينه وكرمه تقواه والناس في آدم مستوون. وعن سفيان الثوري قال سمعت جعفر بن محمد الصادق يقول عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها فإن تكن في شيء فيوشك أن تكون في الخمول فإن طلب في الخمول ولم توجد فيوشك أن تكون في التخلي وليس كالخمول فإن طلبت في التخلي ولم توجد فيوشك أن تكون في الصمت وليس كالتخلي فإن طلب في الصمت فلم توجد فيوشك أن تكون في كلام السلف الصالح والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها. وعن عبد الله بن الفضيل بن الربيع عن ابيه ولم يحفظ على الدعاء وبعضه عن غيره قال حج أبو جعفر سنة سبع وأربعين ومائة فقدم المدينة وقال ابعث إلي جعفر بن محمد من يأتينا به تعباً قتلني الله إن لم أقتله فتغافل عنه الربيع لينساه ثم أعاد ذكره للربيع وقال أرسل إليه من يأتي به متعبا فتشاغل عنه ثم أرسل إلى الربيع برسالة قبيحة في جعفر وأمره أن يبعث إليه ففعل فلما أتاه قال له يا أبا عبد الله اذكر الله فانه قد أرسل إليك التي لا سوى لها قال جعفر لا حول ولا قوة إلا بالله ثم اعلم أبا جعفر حضوره فلما دخل أوعده وقال أي عدو الله اتخذك أهل العراق إماما يجبون إليك زكاة أموالهم وتلحد في سلطاني وتبغيه الغوائل قتلني الله إن لم أقتلك فقال يا أمير المؤمنين إن سليمان عليه السلام أعطى فشكر وان أيوب ابتلي فصبر وان يوسف ظلم فغفر وأنت من ذلك السنخ فقال له أبو جعفر إلي وعندي أبا عبد الله البريء الساحة السليم الناحية القليل الغائلة جزاك الله من ذي رحم افضل ما جزى ذوي الأرحام عن أرحامهم. ثم تناول يده فأجلسه معه على فراشه ثم قال علي بالمنجفة فأتي بدهن فيه غالية فغلفه بيده حتى خلت لجيته قاطرة ثم قال في حفظ الله وفي كلاءته ثم قال يا ربيع ألحق أبا عبد الله جائزته وكسوته انصرف أبا عبد الله في حفظ الله وفي كنفه فانصرف ولحقته فقلت له أني قد رأيت قبل ذلك ما لم تره ورأيت بعد ذلك ما قد رأيت فما قلت يا أبا عبد الله حين دخلت قال قلت اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لا يرام واغفر لي بقدرتك علي لا أهلك وأنت رجائي اللهم انك اكبر واجل ممن أخاف واحذر اللهم بك ادفع في نحره واستعذ بك من شره.

وعن الليث بن سعد قال حججت سنة ثلاث عشرة ومائة فأتيت مكة فلما أن صليت العصر رقيت أبا قبيس فإذا أنا برجل جالس وهو يدعو فقال يا رب يا رب حتى انقطع نفسه ثم قال: يا رباه حتى انقطع نفسه ثم قال: يا رب حتى انقطع نفسه ثم قال يا الله يا الله حتى انقطع نفسه ثم قال يا حي يا حي حتى انقطع نفسه ثم قال يا رحيم حتى انقطع نفسه ثم قال يا ارحم الراحمين حتى انقطع نفسه سبع مرات ثم قال اللهم اني اشتهي من هذا العنب فاطعمنيه اللهم أن بردي قد اخلقا قال الليث فوالله ما استتم كلامه حتى نظرت إلى سلة مملوءة عنبا وليس على الأرض يومئذ عنب وبردين موضوعين فأراد أن يأكل فقلت أنا شريكك فقال لي تقدم وكل ولا تأخذ منه شيئا. فتقدمت فأكلت شيئا لم آكل مثله قط وإذا عنب لا عجم له فأكلت حتى شبعت والسلة بحالها ثم قال لي خذ احب البردين إليك فقلت له أما البردان فأنا غني عنهما فقال لي توار عني حتى البسهما فتواريت عنه فارتدى أحدهما وائتزر الآخر ثم اخذ البردين اللذين كانا عليه فجعلهما على عاتقه فنزل فاتبعته حتى إذا كان بالمسعى لقيه رجل فقال اكسني كساك الله يا ابن رسول الله فدفعهما إليه. فلحقت الرجل فقلت له من هذا قال جعفر قال ابن محمد قال الليث فطلبته لأسمع منه فلم أجده. اسند جعفر بن محمد عن أبيه وعن عطاء بن أبي رباح وعكرمة في آخرين. وروي عنه من التابعين جماعة منهم أيوب السختياني ومن الأئمة مالك والثوري وشعبة في آخرين. وتوفي بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة رحمه الله.

محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة ابن الحارث بن أبي ذئب

187- محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة ابن الحارث بن أبي ذئب عن محمد بن عمر قال كان محمد بن عبد الرحمن يكنى أبا الحارث ولد في سنة ثمانين عام الجحاف وكان من أورع الناس وكانوا يرمونه بالقدر وما كان قدريا وكان يصلي الليل أجمع. واخبرني أخوه قال كان يصوم يوما ويفطر يوما فوقعت الرجفة بالشام فقدم رجل من أهل الشام فحدثه عن الرجفة وكان يوم إفطاره فقلت له قم تغذى قال دعه اليوم فسرد الصوم

_ 187- هو: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري ابو الحارث المدني ثقة فقيه فاضل من السابقة.

من ذلك اليوم إلى أن مات وكان يتعشى بالخبز والزيت وله طيلسان وقميص يشتو فيه ويصيف ويحفظ حديثه كله. ودخل على عبد الصمد بن علي وهو والي المدينة فكلمه في شيء فقال له عبد الصمد: إني لأراك مرائياً فأخذ عوداً أو شيئاً من الأرض فقال: من أرائي؟ فوالله للناس عندي أهون من هذا. وحج أبو جعفر فدعا ابن أبي ذئب فقال نشدتك بالله الست اعمل بالحق؟ أليس تراني اعدل فقال ابن أبي ذئب أما إذا نشدتني بالله فأقول اللهم لا ما أراك تعدل وانك لجائر وأنا لتستعمل الظلمة وتدع أهل الخير. قال محمد بن عمر فحدثني محمد بن إبراهيم وإبراهيم بن يحيى وأخبرت عن عيسى بن علي قالوا فظننا أن أبا جعفر سيعالجه فجعلنا نكف إلينا ثيابنا مخافة أن يصيبنا من دمه فجزع أبو جعفر واغتم وقال له قم فاخرج. ومات ابن أبي ذئب فدفن بالكوفة سنة تسع وخمسين ومائة وهو ابن تسع وسبعين. وعن احمد بن علي الحافظ قال سمع ابن أبي ذئب من عكرمة ونافع وسعيد المقبري وأبي الزناد ومحمد بن المنكدر والزهري وغيرهم. وكان فقيهاً صالحاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أقدمه المهدي بغداد فحدث بها ثم رجع يريد المدينة فمات بالكوفة. وقال احمد بن حنبل كان ابن أبي ذئب يشبه بسعيد بن المسيب قيل لأحمد خلف مثله ببلاده قال لا ولا بغيرها.

مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير أبو عبد الله القرشي

188- مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير أبو عبد الله القرشي عن الزبير بن بكار قال كان مصعب بن ثابت من اعبد أهل زمانه صام خمسين سنة. قال الزبير وحدثني يحيى بن مسكين قال ما رأيت أحدا قط اكثر ركوعا وسجودا من مصعب بن ثابت كان يصلي في كل يوم وليلة آلف ركعة ويصوم الدهر. قال محمد بن سعد توفي مصعب بن ثابت سنة سبع وخمسين ومائة رحمه الله.

_ 188- هو: مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي لين الحديث وكان عابدا من السابقة.

من الطبقة السادسة من أهل المدينة

من الطبقة السادسة من أهل المدينة 189- مالك بن انس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي عن محمد بن عمر قال سمعت مالك بن انس يقول قد يكون الحمل ثلاث سنين وقد حمل ببعض الناس ثلاث سنين يعني نفسه قال وسمعت غير واحد يقول حمل بمالك ثلاث سنين. وعن مطرف بن عبد الله قال كان مالك بن انس طويلا عظيم الهامة اصلع ابيض الرأس واللحية شديد البياض إلى الشقرة ولباسه الثياب العدنية الجياد ويكره حلق الشارب ويعيبه ويراه من المثل. وعن أبي مصعب قال سمعت مالك بن انس يقول ما أفتيت حتى شهد لي سبعون اني أهل لذلك. وعنه قال ما أحببت في الفتيا حتى سألت من هو اعلم مني هل يراني موضعا لذلك سألت ربيعة وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك فقلت يا أبا عبد الله فلو نهاك قال كنت انتهي لا ينبغي للرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من هو اعلم منه. وقال خلف دخلت على مالك بن انس فقال لي انظر ما تحت مصلاي أو حصيري فنظرت فإذا بكتاب فقال أقراه فإذا فيه رؤيا رآها له بعض إخوانه فقال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في مسجده وقد اجتمع الناس عليه فقال لهم اني قد خبأت لكم تحت منبري طيبا أو علما وأمرت مالكا أن يفرقه على الناس فانصرف الناس وهم يقولون إذا ينفذ مالك ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بكى فقمت عنه. وعن ابن أبي اويس قال كان مالك إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن في الجلوس بوقار وهيبة ثم حدث فقيل له في ذلك فقال احب أن اعظم حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحدث به إلا على طهارة متمكناً وكان يكره أن يحدث في الطريق وهو قائم أو مستعجل فقال احب أن يفهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ 189- هو: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي أبو عبد الله المدني الفقيه إمام دار الهجرة رأس المتقنين وكبير المثبتين حتى قال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر من السابقة.

قال إبراهيم بن المنذر: سمعت معن ابن عيسى يقول: كان مالك بن انس إذا أراد أن يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل وتبخر وتطيب، وإذا رفع أحد صوته عنده قال: اغضض من صوتك فإن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عبد الله بن وهب قال: سمعت مالك بن انس يقول: ليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو نور يضعه الله في القلب. وعنه: قيل لمالك بن انس: ما تقول في طلب العلم؟ قال: حسن جميل، ولكن انظر إلى الذي يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه. وعن ابن مهدي قال: سال رجل مالكاً عن مسالة فقال: لا أحسنها فقال الرجل: اني ضربت إليك كذا وكذا لأسألك عنها. فقال له مالك: فإذا رجعت إلى مكانك وموضعك فاخبرهم اني قلت لك لا أحسنها. وعن حنبل بن إسحاق قال: سالت أبا عبد الله عن مالك فقال مالك سيد من سادات أهل العلم وهو إمام في العلم والفقه ثم قال ومن مثل مالك متبع لآثار من تقدم مع عقل وأدب؟ مسانيد مالك اشهر من أن تذكر وهو النجم الثاقب في أهل النقل. وعن ابن أبي اويس قال اشتكى مالك بن انس أياما يسيرة فسالت بعض أهلنا عما قال عند الموت فقال تشهد ثم قال لله الآمر من قبل ومن بعد. وتوفي صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة في خلافة هارون ودفن بالبقيع وهو ابن خمس وثمانين سنة فذكرت ذلك لمصعب الزبيري فقال مات في صفر رحمه الله.

من الطبقة السابعة من أهل المدينة

من الطبقة السابعة من أهل المدينة 190- عبد الله بن عبد العزيز العمري ويكنى أبا عبد الرحمن عن عبد الله بن خبيق قال تعبد عبد الله العمري وسكن المقابر وكان لا يرى إلا وفي يده كتاب يقرؤه وترك مجالسه الناس فسئل عن فعله فقال لم أر أوعظ من قبر ولا انس من كتاب ولا اسلم من الوحدة فقيل له قد جاء في الوحدة ما جاء قال لا تفسد إلا جاهلا. وعن الفضل بن غسان عن أبيه قال رأى العمري رجلا من آل علي يمشي يخطر فأسرع إليه فاخذ بيده فقال يا هذا إن الذي أكرمك الله به لم تكن هذه مشيته قال فتركها الرجل بعد. عن أبي المنذر إسماعيل بن عمر قال سمعت أبا عبد الرحمن العمري يقول أن من غفتلك عن نفسك إعراضك عن الله بان ترى ما يسخطه فتجاوزه ولا تأمر ولا تنهى خوفا ممن لا يملك ضرا ولا نفعا. وقال سمعته يقول من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مخافة المخلوقين نزعت منه هيبة الله تعالى فلو أمر بعض ولده أو بعض مواليه لا ستخف به. وعن أبي قدامة السرخسي قال قام العمري للخليفة على الطريق فقال له فعلت وفعلت فقال له ماذا تريد ماذا تريد قال تعمل بكذا وتعمل بكذا فقال له هارون نعم يا عم نعم يا عم. وعن سعيد بن سليمان قال كنت بمكة في زقاق الشطوى والى جنبي عبد الله بن عبد العزيز العمري وقد حج هارون الرشيد فقال لها إنسان يا أبا عبد الرحمن هو ذا أمير المؤمنين يسعى قد أخلي له المسعى قال العمري للرجال لا جزاك الله عني خيرا كلفتني أمرا كنت عنه غنياً ثم تعلق نعليه وقام فتبعته وأقبل هارون الرشيد من المروة يريد الصفا فصاح به يا هارون فلما نظر إليه قال لبيك يا عم قال ارق الصفا فلما رقيه قال ارم بطرفك إلى البيت. قال قد فعلت قال كم هم قال ومن يحصيهم قال فكم في الناس مثلهم قال خلق لا يحصيهم إلا الله قال اعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يسال عن خاصة

_ 190-هو: عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري الزاهد ثقة من السابقة.

نفسه وأنت وحدك تسال عنهم كلهم فانظر كيف تكون قال فبكى هارون وجلس وجعلوا يعطونه منديلا للدموع. قال العمري أو أخرى أقولها قال قل يا عم قال والله إن الرجل ليسرف في ماله فيستحق الحجر عليه فكيف بمن يسرف في مال المسلمين ثم مضى وهارون يبكي. قال محمد بن خلف سمعت محمد بن عبد الرحمن يقول بلغني أن هارون الرشيد قال اني لأحب أن أحج كل سنة ما يمنعني إلا رجل من ولد عمر ثم يسمعني ما أكره وقد روي لنا من طريق آخر انه لقيه في المسعى فاخذ بلجام دابته فأهوت إليه الأجناد فكفهم عنه الرشيد فكلمه فإذا دموع الرشيد تسيل على معرفة دابته ثم انصرف وانه لقيه مرة فقال يا هارون فعلت وفعلت فجعل يسمع منه ويقول مقبول منك يا عم على الرأس والعين فقال يا أمير المؤمنين من حال الناس كيت وكيت فقال عن غير علمي وأمري وخرج العمري إلى الرشيد مرة ليعظه فلما نزل الكوفة زحف العسكر حتى لو كان نزل بهم مائة آلف من العدو ما زادوا علىهيبته ثم رجع ولم يصل إليه. وعن أبي يحيى الزهري قال قال عبد الله بن عبد العزيز العمري عند موته: بنعمة ربي أحدث اني لم أصبح املك إلا سبعة دراهم من لحاء شجر فتلته بيدي وبنعمة ربي أحدث لو أن الدنيا أصبحت تحت قدمي ما يمنعني أخذها إلا أن أزيل قدمي عنها ما أزلتها. وعن أبي إسماعيل المؤدب قال جاء رجل إلى العمري فقال عظني قال فاخذ حصاة من الأرض فقال زنة هذه من الورع يدخل قلبك خير لك من صلاة أهل الأرض قال زدني قال كما تحب أن يكون الله عز وجل لك غدا فكن له اليوم. اسند العمري الحديث وأدرك من التابعين أبا طوالة وروى عن أبيه وعن إبراهيم بن سعد. وتوفي بالمدينة سنة أربع وثمانين ومائة وهو ابن ست وستين سنة.

موسى بن جعفر بن محمد بن علي

191- موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي أبو الحسن الهاشمي عليهم السلام. كان يدعى العبد الصالح لأجل عبادته واجتهاده وقيامه بالليل وكان كريما حليما إذا بلغه عن رجل انه يؤذيه بعث إليه بمال.

_ 191- هو: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي أبو الحسن الهاشمي المعروف بالكاظم صدوق عابد من السابقة.

عن الفضل بن الربيع عن أبيه انه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي في النوم علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول يا محمد: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22] . قال الربيع فأرسل إلي ليلا فراعني ذلك فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا فقال علي بموسى بن جعفر فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ علي كذا فتؤمنني إن تخرج علي أو على أحد من ولدي فقال والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني قال صدقت يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة. قال الربيع فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق. وعن شقيق بن إبراهيم البلخي قال خرجت حاجا في سنة تسع وأربعين ومائتين فنزلت القادسية فبينا أنا انظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة يعلو فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان وقد جلس منفردا فقلت في نفسي هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم والله لأمضين إليه ولأوبخنه فدنوت منه فلما راني مقبلا قال يا شقيق: {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] ثم تركني ومضى فقلت في نفسي إن هذا لأمر عظيم قد تكلم على ما في نفسي ونطق باسمي وما هذا إلا عبد صالح لألحقنه ولأسلنه أن يحالني فأسرعت في إثره فلم ألحقه وغاب عن عيني فلما نزلنا واقصة إذا به يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري فقلت هذا صاحب امضي إليه واستحله فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه فلما راني مقبلا قال يا شقيق اتل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] ثم تركني ومضى فقلت إن هذا الفتى لمن الإبدال وقد تكلم على سري مرتين فلما نزلنا رمالا إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا انظر إليه ف رأيت قد رمق السماء وسمعته يقول: أنت ربي إذا ظمئت من الما ... ء وقوتي إذا أردت الطعام اللهم سيدي مالي سواها فلا تعدمنيها قال شقيق فوالله لقد رأيت البئر قد ارتفع ماؤها فمد يده فاخذ الركوة وملاها ماء وتوضأ وصلى أربع ركعات ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد علي السلام

فقلت أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك. فقال يا شقيق لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا سويق وسكر فوالله ما شربت قط ألذ منه ولا أطيب ريحا منه فشبعت ورويت فاقمت أياما لا اشتهي طعاما ولا شرابا ثم لم أره حتى دخلنا مكة فرايته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل يصلي بخشوع وانين وبكاء فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح الله ثم قام فصلى الغداة وطاف بالبيت أسبوعا وخرج فتبعته فإذا له حاشية وموال وهو على خلاف ما رايته في الطريق ودار به الناس من حوله يسلمون عليه فقلت لبعض من رايته يقرب منه من هذا الفتى فقال هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فقلت قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد. وعن احمد بن إسماعيل قال بعث موسى ين جعفر إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت انه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون. ولد موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة في سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين ومائة وأقدمه المهدي بغداد ثم رده إلى المدينة فأقام بها إلى أيام الرشيد فقدم الرشيد المدينة فحمله معه وحبسه بغداد إلى أن توفي بها لخمس بقين من رجب في سنة ثلاث وثمانين ومائة. آخر المصطفين من المدنيين المعروفين.

ذكر المصطفين من عباد المدينة الذين لم تعرف أسماؤهم

ذكر المصطفين من عباد المدينة الذين لم تعرف أسماؤهم 192- عابد من رعاة المدينة قال عبد العزيز قال نافع خرجت مع ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راع فقال له عبد الله هلم يا راعي فاصب من هذه السفرة فقال اني صائم فقال له عبد الله في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم فقال الراعي أبادر أيامي الخالية فعجب ابن عمر وقال هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تقطر عليه وتعطيك ثمنها؟ قال إنها ليست لي إنها لمولاي قال فما عسيت أن يقول كل مولاك إن قلت أكلها الذئب فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله؟ قال فلم يزل أين عمر يقول قال الراعي فأين الله فما عدا إن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فاعتق الراعي ووهب له الغنم رحمه الله.

عابد آخر

193- عابد آخر قال ابن يزيد بن اسلم قال محمد بن المنكدر اني لليلة مواجة هذا المنبر جوف الليل أدعو إذا أنا بإنسان عند اسطوانة مقنع رأسه فاسمعه يقول أي رب إن القحط قد اشتد على عبادك وإني مقسم عليك يا رب إلا سقيتهم قال فما كان إلا ساعة إذا سحابة قد أقبلت ثم أرسلها الله عز وجل وكان عزيزا أين المنكدر أن يخفى عليه أحد من أهل الخير فقال هذا بالمدينة ولا اعرفه فما سلم الإمام تقنع وانصرف واتبعه ولم يجلس للقاص حتى أتى دار انس فدخل موضعا خرج مفتاحا ثم دخل قال فلما أصبحت أتيته فإذا أنا اسمع نجرا في بيته فسلمت وقلت ادخل قال ادخل فإذا هو ينجر أقداحا يعملها فقلت كيف أصبحت أصلحك الله قال فاستشهرها وأعظمها مني فلما رأيت ذلك قلت أخي سمعت أقسامك البارحة على الله عز وجل يا أخي هل لك في نفقة تغنيك عن هذا وتفرغك لما تريد من الآخرة قال لا ولكن غير ذلك لا تذكرني لأحد حتى أموت ولا تأتيني يا ابن المنكدر فانك أن تأتني تشهرني للناس فقلت اني احب أن

ألقاك قال: ألقني في المسجد وكان فارسيا قال فما ذكر ذلك ابن المنكدر لأحد حتى مات الرجل. قال ابن وهب بلغني انه انتقل من تلك الدار فلم ير ولم يدر أين ذهب فقال أهل تلك الدار الله بيننا وبين ابن المنكدر اخرج عنا الرجل الصالح.

عابد آخر من أهل المدينة

عابد آخر من أهل المدينة ... 194- عابد آخر عن محمد بن المنكدر قال كانت لي سارية في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس اصلي إليها بالليل فقحط أهل المدينة سنة فخرجوا يستقون فلم يسقوا فلما كان من الليل صليت عشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئت فتساندت إلى ساريتي فجاء رجل اسود تعلوه صفرة متزر بكساء وعلى رقبته كساء اصغر منه. أي رب خرج أهل حرم نبيك يستسقون فلم تسقهم فأنا اقسم عليك لما سقيتهم. قال ابن المنكدر فقلت مجنون قال فما وضع يده حتى سمعت الرعد ثم جاءت السماء بشيء من المطر أهمني الرجوع إلى أهلي فلما سمع المطر حمد الله بمحامد لم اسمع يمثلها قط قال ثم قال ومن أنا وما أنا حيث استجبت إلي ولكن عذت بحمدك وعذت بطولك ثم قام فتوشح بكسائه الذي كان متزرا به وألقى الكساء الآخر الذي كان على ظهره في رجليه ثم قام فلم يزل قائما يصلي حتى إذا أحسن الصبح سج سجد وأوتر وصلى ركعتي الصبح ثم أقيمت صلاة الصبح فدخل في الصلاة مع الناس ودخلت معه فلما سلم الإمام قام فخرج وخرجت خلفه حتى انتهى إلى باب المسجد فخرج يرفع ثوبه ويخوض الماء فخرجت خلفه رافعا ثوبي أخوض الماء فلم ادر أين ذهب. فلما كانت الليلة الثانية صليت العشاء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئت إلى ساريتي فتوسدت إليها وجاء فقام فتوشح بكسائه وألقى الكساء الآخر الذي كان على ظهره في رجليه وقام يصلي فلم يزل قائما حتى إذا خشى الصبح سجد ثم أوتر ثم صلى ركعتي الفجر وأقيمت الصلاة فدخل مع الناس في الصلاة ودخلت معه فلما سلم الإمام خرج من المسجد وخرجت خلفه فجعل يمشي وابتعه حتى دخل دارا قد عرفتها من دور المدينة ورجعت إلى المسجد. فلما طلعت الشمس وصليت خرجت حتى أتيت الدار فإذا أنا به قاعد يخرز وإذا هو

إسكاف فلما راني عرفني وقال أبا عبد الله مرحبا ألك حاجة تريد أن اعمل لك خفا فجلست فقلت الست صاحبي بارحة الأولى فاسود وجهه وصاح بي وقال ابن المنكدر ما أنت وذاك قال وغضب قال ففرقت والله منه وقلت اخرج من عنده الآن. فلما كان في الليلة الثالثة صليت العشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتيت ساريتي فتساندت إليها فلم يجيء قال قلت أنا لله ما صنعت فلما أصبحت جلست في المسجد حتى طلعت الشمس ثم خرجت حتى أتيت الدار التي كان فيها فإذا باب البيت مفتوح وإذا ليس في البيت شيء فقال لي أهل الدار يا أبا عبد الله ما كان بينك وبين هذا أمس قلت ما له قالوا لما خرجت من عنده أمس بسط كساءه في وسط البيت ثم لم يدع في بيته جلدا ولا قالبا إلا وضعه في كسائه ثم حمله ثم خرج فلم ندر أين ذهب؟ قال محمد بن المنكدر فما تركت بالمدينة دارا اعلمها إلا طلبته فيها فلم أجده رحمه الله.

عابد آخر.

195- عابد آخر عن محمد بن المنكدر قال جئت إلى المسجد فإذا أنا برجل عند المنبر يدعو بالمطر فجاء المطر بصوت ورعد فقال يا رب ليس هكذا قال فمطرت قال فتبعته حتى دخل دار آل حزم أو دار آل عمر فعرفت مكانه فجئته من الغد فعرضت شيئا فأبى وقال لا حاجة لي بهذا فقلت حج معي فقال هذا شيء لك فيه اجر فاكره أن انفس عليك فإما شيء آخذه فلا.

عابد آخر..

196- عابد آخر عن محمدبن سويد أن أهل المدينة قحطوا وكان فيها رجل صالح لازما لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم فبينما هم في دعائهم إذ أنا برجل عليه طمران خلقان فصلى ركعتين أوجز فيهما ثم بسط يديه إلى الله تعالى فقال يا رب أقسمت عليك إلا أمطرت علينا الساعة فلم يرد يده ولم يقطع دعاءه حتى تفشت بالغيوم ومطروا حتى صاح أهل المدينة الغرق فقال يا رب إن كنت تعلم انهم قد اكتفوا فارفع عنهم. فسكن وتبع الرجل صاحب المطر حتى عرف موضعه ثم بكر عليه فنادى أهل البيت فخرج الرجل فقال قد أتيتك في حاجة قال وما هي قال تخصني بدعوة فقال سبحان الله أنت وتسألني أن أخصك بدعوة ما الذي بلغك ما رأيت عني فاخبره فقال ورأيتني قال نعم قال أطعت الله فيما أمرين ونهاني وسألته فأعطاني.

عابد علوي من أهل المدينة

197- عابد علوي من أهل المدينة عن أبي عامر الواعظ قال بينا أنا جالس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءني غلام اسود برقعة فقراتها فإذا فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم متعك الله بمسامرة الفكرة ونعمك بمؤانسة العبرة وأفردك بحب الخلوة يا أبا عامر أنا رجل من إخوانك بلغني قدومك المدينة فسررت بذلك وأحببت زيارتك وبي من الشوق إلى مجالستك والاستماع إلى محادثتك ما لو كان فوقي لأظلني ولو كان تحتي لأقلني فسألتك بالذي حباك بالبلاغة لما ألحفتني جناح التوصل بزيارتك والسلام. قال أبو عامر فقمت مع الرسول حتى أتى بي إلى قباء فأدخلني منزلا رحبا خربا فقال لي قف ها هنا حتى استأذن لك فوقفت فخرج فقال لي لج فدخلت عليه فإذا ببيت مفرد في الخربة له باب من جريد النخل وإذا بكهل قاعد مستقبل القبلة تخاله من الوله مكروبا ومن الخشية محزوبا قد ظهرت في وجهه أحزانه وذهبت من البكاء عيناه ومرضت أجفانه فسلمت عليه فرد علي السلام ثم تحلل فإذا هو أعمى اعرج مسقام فقال لي يا أبا عامر غسل الله من ران الذنوب قلبك لم يزل قلبي إليك تواقا والى استماع الموعظة منك مشتاقا وبي جرح نغل قد أعيا الواعظين دواؤه واعجز المتطببين شفاؤه وقد وصف لي نفع مراهمك للجراح والألم فلا تال يرحمك الله في إيقاع الترياق وان كان مر المذاق فإني ممن يصبر على ألم الدواء رجاء الشفاء. قال أبو عامر فنظرت إلى منظر بهرني وسمعت كلاما قطعني فأفكرت طويلا ثم تأتى لي من كلامي ما تأتى وسهل من صعوبته ما منه رق لي فقلت يا شيخ ارم ببصر قلبك في ملكوت السماء واجل سمع معرفتك في سكان الأرجاء فتنتقل بحقيقة إيمانك إلى جنة المأوى فترى ما اعد الله فيها للأولياء ثم تشرف على نار لظى فترى ما اعد الله للأشقياء فشتان ما بين الدارين أليس الفريقان في الأموات سواء؟ قال أبو عامر فإن انه وصاح صيحة وزفر والتوى وقال الله يا أبا عامر وقع دواؤك على دائي وأرجو أن يكون عندك شفائي زدني يرحمك الله قال فقلت له يا شيخ الله عالم بسريرتك مطلع على حقيقتك شاهدك في خلوتك بعينه كنت عند استتارك من خلقه ومبارزته قال فصاح صيحة كصيحته الأولى ثم قال من لفقري من لفاقتي من لذنبي من لخطيئتي أنت لي يا مولاي وإليك منقلبي. ثم خر ميتا رحمه الله.

قال أبو عامر فأسقط في يدي وقلت ماذا جنيت على نفسي إذ خرجت علي جارية عليها مدرعة من صوف وخمار من صوف قد ذهب السجود بجبهتها وانفها واصفر لطول القيام لونها وتورمت قدماها فقالت أحسنت والله يا حادي قلوب العارفين ومثير أشجان غليل المحزونين لا نسي لا هذا المقام رب العالمين يا أبا عامر هذا الشيخ والدي مبتلى بالسقم منذ عشر سنين صلى حتى اقعد وبكى حتى عممت وكان يتمناك على الله ويقول حضرت مجلس أبي عامر البناني فأحيا موات فكري وطرد وسن نومي وان سمعته ثانيا قتلني فجزاك الله من واعظ ومتعك من حكمتك بما أعطاك. ثم اكتب على أبيها تقبل عينيه وتبكي وتقول يا أبي أبتاه يا من أعماه البكاء على ذنبه يا أبي يا أبتاه يا من قتله ذكر وعيد ربه ثم علا البكاء والنحيب والاستغفار والدعاء وجعلت تقول يا أبي يا أبتاه يا حليف الحرقة والبكاء يا أبي يا أبتاه يا جليس الابتهال والدعاء يا أبي يا أبتاه يا صريع المذكرين والخطباء يا أبي يا أبتاه يا قتيل الوعاظ والحكماء. قال أبو عامر فأجبتها وقلت أيها الباكية الحيرى النادبة الثكلى إن أباك نحبه قد قضى وورد دار الجزاء وعاين كل ما عمل وعليه يحصى في كتاب عند ربي لا يضل ربي ولا ينسى فمحسن فله الزلفى أو مسيء فوارد دار من أساء. فصاحت الجارية كصيحة أبيها وجعلت ترشح عرقا وخرجت مبادرا إلى مسجد المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وفزعت إلى الصلاة والدعاء والاستغفار والتضرع والبكاء حتى كان عند العصر فجاءني الغلام الأسود فآذنني بجنازتهما فقلت احضر الصلاة عليهما ودفنهم فحضرت وسالت عنهما فقيل لي من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب. قال أبو عامر فما زلت جزعا مما حنيت حتى رايتهما في المنام عليهما حلتان خضراوان فقلت مرحبا بكما وأهلا فما زلت حذار مما وعظتكما به فماذا صنع الله بكما فقال الشيخ: أنت شريكي في الذي نلته ... مستاهلا ذاك أبا عامر وكل من أيقظ ذا غفلة ... فنصف ما يعطاه للأمر من رد عبدا آبقا مذنبا ... كان كمن قد راقب القاهر واجتمعا في دار عدن وفي ... جوار رب سيد غافر

عابد اخر

198- عابد آخر عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وكان مصعب يصلي في اليوم والليلة آلف ركعة ويصوم الدهر قال بت ليلة في المسجد بعد ما خرج الناس منه فإذا برجل قد جاء إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم فاسند ظهره إلى الجدار فقال اللهم انك تعلم اني كنت أمس صائما ثم أمسيت فلم افطر على شيء اللهم فإني أمسيت اشتهي الثريد فأطعمنيه من عندك قال فنظرت إلى وصيف داخل من خوخة المنارة ليس في خلقه وصفاء الناس ومعه قصعة فأهوى بها إلى الرجل فوضعها بين يديه وجعل الرجل يأكل وحصبني فقال هلم فجئته وظننت أنا من الجنة فأحببت أن آكل منها فأكلت منها لقم فأكلت طعاما لا يشبه طعام أهل الدنيا ثم احتشمت فقمت فرجعت لمجلس فلما فرغ من أكله اخذ الوصف القصعة ثم أهوى راجعا من حيث جاء وقام الرجل منصرفا فتبعته لأعرفه فلا ادري أي سلك؟ فظننته الخضر عليه السلام.

ومن عقلاء المجانين بالمدينة: أبو نصر المصاب

ومن عقلاء المجانين بالمدينة 199- أبو نصر المصاب عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال كان عندنا رجل مجنون يكنى أبا نصر من جهينة ذاهب العقل في غير ما الناس فيه لا يتكلم حتى يكلم وكان يجلس مع أهل الصفة في آخر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان إذا سئل عن شيء أجاب فيه جوابا حسنا معجبا. فأتيته يوما وهو في آخر المسجد مع أهل الصفة منكسا رأسه واضعا جبهته بين ركبتيه فجلست إلى جنبه فحركته فانتبه فزعا فأعطيته شيئا كان معي فأخذه وقال قد صادف منا حاجة فقلت له يا أبا نصر مال الشرف قال حمل ما ناب العشيرة أدناها وأقصاها والقبول من محسنها والتجاوز عن مسيئها. قلت له فما المروءة قال إطعام الطعام وإفشاء السلام وتوقي الأدفاس. قلت له فما السخاء قال جهد مقل قلت له فما البخل قال أف وحول وجهه عني فقلت تجيبني قال قد أجبتك. قال وقدم علينا هارون فأخلى له المسجد فوقف على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعى منبره وفي موقف جبريل عليه السلام واعتنق اسطوانة التوبة ثم قال قفوا بي على أصحاب الصفة فلما أتاهم حرك أو نصر وقيل هذا أمير المؤمنين فرفع رأسه وقال أيها الرجل انه ليس بين عبدا الله وأمة نبيه صلى الله عليه وسلم ورعيتك وبين الله خلق غيرك وان الله سائلك عنهم فاعد للمسألة

ذكر المصطفيات من عابدات المدينة

ذكر المصطفيات من عابدات المدينة مليكة بنت المنكدر ... ذكر المصطفيات من عابدات المدينة 200- فمن المعروفات مليكة بنت المنكدر عن موسى بن عبد الملك أبو عبد الرحمن المرزوي قال قال مالك بن دينار بينا أنا أطوف بالبيت إذا أنا بامرأة جهيرة في الحجر وهي تقول أتيتك من شقة بعيدة مؤملة لمعروفك فأنلني معروفا من معروفك تغنيني به عن معروف من سواك يا معروفا يا لمعروف فعرفت أيوب السختياني فسألنا عن منزلها وقصدناها وسلمنا عليها فقال لها أيوب قولي خيرا يرحمك الله قالت وما أقول أشكو إلى الله قلبي وهواي فقد أضرا بي وشغلاني عن عبادة ربي قوما فإني أبادر طي صحيفتي. قال أيوب فما حدثت نفسي بامرأة قبلها فقلت لها لو تزوجت رجلا كان يعنيك على ما أنت عليه قالت لو كان مالك بن دينار أو أيوب السختياني ما أردته فقلت أنا مالك بن دينار وهذا أيوب وهذا أيوب السختياني فقالت أف لقد ظننت انه يشغلكما ذكر الله عن محادثة النساء وأقبلت على صلاتها فسالنا عنها فقالوا هذه مليكة بنت المنكدر. وعن أبي خالد البراد قال كلمنا ابنة المنكدر في تخفيف بعض العبادة فقالت دعوني أبادر طي صحيفتي رحمها الله.

فاطمة بنت محمد بن المنكدر

201- فاطمة بنت محمد بن المنكدر عن إبراهيم بن مسلم القرشي قال كانت فاطمة بنت محمد بن المنكدر تكون نهارها صائمة فإذا جنها الليل تنادي بصوت حزين هدا الليل واختلط الظلام وأوى كل حبيب إلى حبيبه وخلوتي بك أيها المحبوب أن تعتقني من النار رحمها الله.

من المجهولات الأسماء: امرأة كانت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

من المجهولات الأسماء: 202- امرأة كانت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عن عبد الله بن زيد بن اسلم عن أبيه عن جده اسلم قال بينا أنا مع عمر بن الخطاب وهو يعس المدينة إذ أعيا واتكأ على جانب جدار في جوف الليل وإذا امرأة تقول لابنتها يا ابتناه قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء فقالت لها يا أمتاه وما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم قالت وما كان من عزمته يا بنية قالت انه أمر مناديا فنادى ألا يشاب

اللبن بالماء فقالت لها يا بنية قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء فانك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر فقالت الصبية لامها يا أمتاه ما كنت لأطيعه في الملأ واعصيه في الخلاء. وعمر يسمع كل ذلك فقال يا اسلم علم الباب واعرف الموضع ثم مضى في عسسه حتى أصبح فلما أصبح قال يا اسلم امض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها وهل لهم من بعل فأتيت الموضع فنظرت فإذا الجارية أيم لا يعل لها وإذا تيك أمها وإذ ليس لهم رجل. فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته فدعا عمر ولده فجمعهم فقال هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه ولو كان بابيكم حركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه المرأة فقال عبد الله لي زوجة وقال عبد الرحمن لي زوجة وقال عاصم يا أبتاه لا زوجة لي فزوجني فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم فولدت لعاصم بنتا وولدت البنت وولدت الابنة عمر بن عبد العزيز. قال الشيخ كذا وقع في رواة الآجري وهو غلط ولا ادري من أي الرواة. وإنما الصواب: فولدت لعاصم بنتا وولدت البنت عمر بن عبد العزيز كذلك نسبة العلماء.

عابدة أخرى

203- عابدة أخرى عن عبد الله بن المبارك أن امرأة قالت لعائشة اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكشفت لها عنه فبكت حتى ماتت.

عابدة أخرى.

204- عابدة أخرى عن إبراهيم بن عبد الله المديني قال حدثني أصحابنا أن امرأة كانت بالمدينة ترهق فدخلت المقابر ذات يوم فإذا هي بجمجمة قد بدت. فوالله ما عاودتني تلك الوسوسة بعد تلك الليلة. قال فصرخت ثم رجعت منيبة فدخل عليها نساؤها فقلن ما هذا فقلت: بكى قلبي لذكر الموت لما ... رأيت جماجما جوف القبور ثم قالت اخرجن عني فلا تأتيني منكن امرأة ترغب في خدمة الله تعالى. ثم أقبلت على العبادة حتى ماتت على ذلك.

عابدة أخرى..

205- عابدة أخرى عن أبي أيوب رجل من قريش أن امرأة من أهله كانت تجتهد في العبادة وتديم الصيام وتطيل القيام فأتاها الملعون فقال إلى كم تعذبين هذا الجسم وهذه الروح ولو أفطرت وقصرت عن الصيام والقيام كان أدوم لك وأقوى. قالت فلم يزل يوسوس لي حتى هممت والله بالتقصير. قالت ثم دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم معتصمة بقبره وذلك بين المغرب والعشاء فحمدت الله وصليت على رسوله ثم ذكرت ما نزل بي من وسواس الشيطان واستغفرت وجعلت ادعوا الله أن يصرف عني كيده ووساوسه قالت فسمعت صوتا من ناحية القبر يقول: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] قالت فرجعت مذعورة وجلة القلب فوالله ما عاودتني تلك الوسوسة بعد تلك الليلة.

عابدتان مدنيتان

206- عابدتان مدنيتان بلغنا عن عبد الله ابن أخت مسلم بن سعد انه قال أردت الحج فدفع إلي خالي مسلم عشرة آلاف درهم وقال لي إذا قدمت المدينة فانظر أفقر أهل بيت بالمدينة فأعطهم إياها فلما دخلت سألت عن أفقر أهل بيت بالمدينة فدللت على أهل بيت فطرقت الباب فأجابتني امرأة من أنت فقلت أنا رجل من أهل بغداد أودعت عشرة آلاف وأمرت أن أسلمها إلى أفقر أهل بيت بالمدينة وقد وصفهم لي فخذوها فقالت يا عبد الله إن صاحبك اشترط أفقر أهل بيت وهؤلاء الذين بازائنا أفقر منا فتركتهم وأتيت أولئك فطرقت الباب فأجابتني امرأة فقلت لها مثل الذي قلت لتلك المرأة فقالت يا عبد الله نحن وجيراننا في الفقر سواء فاقسمها بيننا وبينهم. انتهى ذكر أهل المدينة.

ذكر المصطفين من طبقات أهل مكة من التابعين ومن بعدهم

ذكر المصطفين من طبقات أهل مكة من التابعين ومن بعدهم فمن الطبقة الأولى: 207- عبيد بن عمير بن قتادة الليثي يكنى أبا عاصم عن مجاهد قال كنا نفتخر بفقيهنا وقاضينا فأما فقيهنا فابن عباس وأما قاضينا فعبيد بن عمير. وعنه عن عبيد بن عمير قال إن أعظمكم هذا الليل أن تكابدوه وبخلتم بالمال أن تنفقوه جبنتم عن العدو أن تقاتلوه فاكثروا من ذكر الله عز وجل. وعنه عن عبيد بن عمير قال ما المجتهد فيكم إلا كاللعب فيما مضى. وعن قيس بن سعد عن عبيد بن عمير قال إن أهل ليتلقون الميت يتلقى الراكب يسألونه فإذا سألوه ما فعل فلان فمن كان قد مات يقول ألم يأتك؟ فيقولون إن الله واتا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية. اسند عبيد بن عمير عن أبي بن كعب وأبي ذر وأبي قتادة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة وابن عباس وعائشة في جماعة من الصحابة. وروي عنه من كبار التابعين مجاهد وعطاء وأبو حازم في آخرين رحمه الله.

_ 207- هو: عبيد بن عمير بن قتادة الليثي أبو عاصم المكي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قاله مسلم وعده غيره في كبار التابعين وكان قاص أهل مكة مجمع على ثقته مات قبل ابن عمر.

ومن الطبقة الثانية

ومن الطبقة الثانية 208- مجاهد بن جبير يكنى أبا الحجاج قال عبد الرحمن بن أبي حاتم هو مولى عبد الله بن السائب بن أبي السائب المخزومي ويقال مولى زيد بن الحارث المخزومي. عن الأعمش قال كنت إذا رأيت مجاهدا ظننت انه خَرْ بندجٌ ضلّ حمارهُ فهو مهتمّ. وعن ليث عن مجاهد قال من أعز نفسه أذل دينه ومن أذل نفسه اعز دينه. وعنه عن مجاهد قال: إن الله عز وجل ليصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده. وعنه عن مجاهد قال: إن العبد إذا اقبل إلى الله عز وجل بقلبه اقبل الله بقلوب المؤمنين إليه. وعنه عن مجاهد قال لا تحد النظر إلى أخيك ولا تسأله من أين جئت وأين تذهب. وعنه عن مجاهد قال كانوا يكتفون من الكلام باليسير. عن محمد بن إسحاق بن أبان بن صالح عن مجاهد قال عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقِفُه على كل آية أسأله كيف أُنزلت وكيف كانت. وعن خالد بن زيد عن مجاهد قال إن القرآن يقول اني معك ما اتبعتني فإذا لم تعمل بي اتبعتك. وعن مجاهد قال إن لبني آدم جلساء من الملائكة فإذا ذكر الرجل أخاه المسلم بخير قالت الملائكة ولك بمثله وإذا ذكره بسوء قالت الملائكة ابن آدم المستور عورته أربع على نفسك واحمد الله الذي ستر عورتك. وعن عمر بن ذر قال قال مجاهد ما من مرض يمرضه العبد إلا ورسول ملك الموت عنده حتى إذا كان آخر مرض يمرضه العبد أتاه ملك الموت فقال أتاك رسول بعد رسول فلم تعبا به وقد أتاك رسول يقطع أثرك من الدنيا. وعن مجاهد قال يؤمر العبد إلى النار يوم القيامة فيقول ما كان هذا ظني فيقال ما كان ظنك فيقول أن تغفر لي فيقول خلوا سبيله.

_ 208- هو: مجاهد بن جبر أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي ثقة إمام في التفسير وفي العلم من الثالثة.

وعن الأعمش عن مجاهد قال كان بالمدينة أهل بيت ذوو حاجة عندهم راس شاة فأصابوا شيئا فقالوا لو بعثنا هذا الرأس إلى من هو أحوج إليه منا قال فبعثوا به فلم يزل يدور بالمدينة حتى رجع إلى أصحابه الذين خرج من عندهم. وعنه قال كنا عند مجاهد فقال القلب هكذا وبسط كفه فإذا أذنب الرجل ذنبا قال هكذا وعقد وأحدا ثم أذنب وعقد اثنين ثم ثلاثا ثم أربعا ثم رد الإبهام على الأصابع في الذنب الخامس ثم يطبع على قلبه. قال مجاهد: فأيكم يرى أنه لم يطبع على قلبه. وعن عمر بن ذر عن مجاهد قال إذا أراد أحدكم أن ينام فليستقبل القبلة ولينم على يمينه وليذكر الله وليكن آخر كلامه عند منامه لا اله إلا الله فإنها وفاء لا يدري لعلها تكون منيته ثم قرأ: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} [الأنعام: 60] . اسند مجاهد عن ابن عباس وابن عمر وابن عمرو وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة ورافع بن خديج في آخرين وحدث عن عائشة إلا أن حديثه عنها مرسل لأنه لم يسمع منها. وحدث عنه من أعلام التابعين عطاء وطاوس وعكرمة في خلق كثير. ذكر وفاته: قال الفضل بن ذكين مات مجاهد سنة اثنتين ومائة يوم السبت وهو ساجد وقال يوسف بن سليمان توفي مجاهد بمكة سنة ثلاث ومائة. وعن يحيى بن سعيد قال مات مجاهد سنة أربع ومائة وقال ابن جريج بلغ مجاهد يوم مات ثلاثا وثمانين سنة رحمه الله تعالى.

عطاء بن أبي رباح

209- عطاء بن أبي رباح اسم أبي رباح اسلم وكان عطاء من مولدي الجند نشا بمكة وهو مولى آل أبي ميسرة الفهري وكان عطاء يكنى أبا محمد. عن أبي عبد الله يعني احمد بن حنبل قال العلم خزائن يقسم الله لمن احب لو كان يخص بالعلم أحد لكان بيت النبي صلى الله عليه وسلم أولى، كان عطاء بن أبي رباح حبشيا وكان يزيد بن بي حبيب نوبيا اسود وكان الحسن مولى للأنصار. وكان ابن سيرين مولى للأنصار.

_ 209- هو: عطاء بن أبي رباح واسم أبي رباح: أسلم القرشي مولاهم المكي ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال من الثالثة.

وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي كان عطاء بن أبي رباح عبدا اسود لامرأة من أهل مكة وكان انفه كأنه باقلاة قال وجاء سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وابناه فجلسوا إليه وهو يصلي فلما صلى انفتل إليهم فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج وقد حول قفاه إليهم ثم قال سليمان لابنيه قوما فقاما فقال يا ابني لاتنيا في طلب العلم فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود. وعن احمد بن محمد قال كانت الحلقة في الفتيا بمكة في المسجد الحرام لابن عباس وبعد ابن عباس لعطاء بن أبي رباح. وعن سلمة بن كهيل قال ما رأيت أحدا يريد بهذا العلم وجه الله عز وجل غير هؤلاء الثلاثة عطاء وطاوس ومجاهد. وعن ابن جريج قال كان المسجد فراش عطاء بن أبي رباح عشرين سنة. وعن عمر بن ذر قال ما رأيت مثل عطاء قط وما رأيت على عطاء قميصا ولا رأيت عليه ثوبا يساوي خمسة دراهم. وعن إسماعيل بن أمية قال كان عطاء يطيل الصمت فإذا تكلم يخيل إلينا انه يؤيد وعن عمرو بن سعيد عن أمه قالت قدم ابن عمر مكة فسألوه فقال أتجمعون لي يا أهل مكة المسائل وفيكم ابن أبي رباح. وعن عبد الله بن إبراهيم بن عمرو بن كيسان قال اخبرني أبي قال اذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحاج صائحا يصيح لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح فإن لم يكن عطاء فعبد الله بن أبي نجيح وعن الأوزاعي قال ما رأيت أحدا خشع لله من عطاء ولا أطول حزنا من يحيى بن أبي كثير. وعن يعلى بن عبيد قال دخلنا على محمد بن سوقة فقال أحدثكم بحديث لعله إن ينفعكم فانه قد نفعني ثم قال قال لنا عطاء بن أبي رباح يا بني أخي إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام وكانوا يعدون فضوله ما عدا كتاب الله عز وجل إن تقراه وتأمر بمعروف أو تنهى عن منكر أو تنطق بحاجتك في معيشك التي لا بد لك منها أتنكرون أن عليكم حافظين كراما كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد أما يستحي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أمل صدر نهاره فإن اكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه.

وعن ابن جريج قال كان عطاء بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرا مائتي آية من البقرة وهو قائم ما يزول منه شيء ولا يتحرك. وعن ابن عيينة قال قلت لابن جريح ما رأيت مصليا مثلك قال لو رأيت عطاء. وعن معاذ بن سعيد قال كنا عند عطاء بن أبي رباح فتحدث رجل بحديث فاعترض له آخر في حديثه فقال عطاء سبحان الله ما هذه الأخلاق ما هذه الأخلاق اني لأسمع الحديث من الرجل وأنا اعلم منه به فأريه اني لا أحسن منه شيئا. وعن عثمان بن الأسود قال قلت لعطاء الرجل يمر بالقوم فيقذفه بعضهم أيخبره قال لا المجالس بالأمانة. وعن ابن أبي ليلى قال حج عطاء سبعين حجة وعاش مائة سنة اسند عطاء عن ابن عمر وابن عمرو وأبي سعيد وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني وابن عباس وابن الزبير في آخرين من الصحابة. وروى عنه جماعة من التابعين كعمرو بن دينار والزهري وقتادة وأيوب في آخرين ومات عطاء بمكة في سنة خمس عشرة ومائة وقيل سنة أربع عشرة وهو ابن ثمان وثمانين سنة رحمه الله.

عبد الله بن عبيد بن عمير

210- عبد الله بن عبيد بن عمير وكان من افصح أهل مكة. عن هارون البربري عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال الإيمان قائد والعمل سائق والنفس حرون فإذا ونى قائدها لم تستقم لسائقها وإذا ونى سائقها لم تستقم لقائدها ولا يصلح هذا إلا مع هذا حتى تقوم على الخير الإيمان بالله مع العمل لله والعمل لله مع الإيمان بالله. وعن الوصافي عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال لا ينبغي لمن اخذ بالتقوى وزن بالورع أن يذل لصاحب الدنيا. وعن وهب بن جرير قال أنبأ أبي قال سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول بعث سليمان بن داود إلى مارد من مردة الجن فأتي به فلما كان على باب سليمان اخذ عودا وذرعه بذراعه ثم رمى به من وراء الحائط فوقع بين يدي سليمان فقال ما هذا فاخبر بما صنع المارد فقال أتدرون ما أراد قالوا لا قال يقول اصنع ما شئت فانك تصير إلى مثل هذا من الأرض. اسند عبد الله عن أبيه وغيره وتوفي سنة ثلاث عشرة ومائة بمكة وكان صالحا.

_ 210- هو: عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي المكي ثقة من الثالثة استشهد غازيا.

ومن الطبقة الثالثة من أهل مكة

ومن الطبقة الثالثة من أهل مكة 211- عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج مولى أمية بن خالد يكنى أبا الوليد. عن عبد الرزاق قال كنت إذا رأيت ابن جريج علمت انه يخشى الله وما رأيت مصليا مثله قط. وعنه قال أهل مكة يقولون اخذ ابن جريج الصلاة من عطاء وأخذها عطاء من ابن الزبير وأخذها ابن الزبير من أبي بكر الصديق وأخذها أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم. قال عبد الرزاق وكان ابن جريج حسن الصلاة. وعن مالك بن أنس قال كان ابن جريج صاحب ليل. سمع ابن جريج من طاوس مسألة واحدة ومن مجاهد حرفين من القرآن وسمع الكثير من عطاء بن أبي رباح. وكان عطاء يقول هو سيد شباب أهل الحجاز وسمع من عمرو بن دينار وأبي الزبير وابن المنكدر ونافع والزهري في خلق كثير وقيل انه أول من صنف الكتب. وتوفي سنة خمسين وقيل إحدى وخمسين ومائة وقيل تسع وأربعين.

_ 211- هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي ثقة فقيه فاضل وكان يدلس ويرسل من السادسة.

محمد بن طارق المكي

212- محمد بن طارق المكي روى عن طاوس وروى عنه الثوري. عن محمد بن فضيل قال رأيت ابن طارق في الطواف قد انفرج له أهل الطواف عليه نعلان مطرقتان فحزروا طوافه في ذلك الزمان فإذا هو يطوف في اليوم والليلة عشرة فراسخ.

_ 212- هو: محمد بن طارق المكي ثقة عابد من الرابعة.

وعنه قال سمعت ابن شبرمة يقول: لو شئت كنت ككرز في تعبده ... أو كابن طارق حول البيت والحرم قد حاول دون لذيذ العيش خوفهما ... وسارعا في طلاب الفوز والكرم قال وكان محمد بن طارق يطوف في اليوم والليلة سبعين أسبوعا وكان كرز يختم القرآن في كل يوم وليلة ثلاث ختمات. وعن ابن شبرمة قال لو اكتفى أحد بالتراب كفى ابن طارق كف من تراب رحمه الله.

عثمان بن أبي دهرش المكي

213- عثمان بن أبي دهرش المكي يروى عن رجل من آل الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه ابن عيينة عن عبد الله ابن المبارك عن عثمان بن أبي دهرش انه كان إذا رأى الفجر قد اقبل عليه تنبه وقال: اصير الان مع الناس ولا ادري ما اجني على نفسي. وقال عثمان بن أبي دهرش ما صليت صلاة قط الا استغفرت الله تعالى من تقصيري فيها.

وهيب بن الورد بن أبي الورد

214- وهيب بن الورد بن أبي الورد مولى بني مخزوم يكنى أبا أمية وقيل أبا عثمان وكان اسمه عبد الوهاب فصغر فقيل وهيب. عن سفيان بن عيينة عن وهيب بن الورد قال بينا أنا واقف في بطن الوادي إذا أنا برجل قد اخذ بمنكبي فقال يا وهيب خف الله لقدرته عليك واستحيي منه لقربه منك قال فالتفت فلم أر أحدا. وعن بشر بن الحارث قال أربعة رفعهم الله بطيب المطعم وهيب بن الورد وإبراهيم بن ادهم ويوسف بن أسباط وسالم الخواص. وعن زهير بن عباد قال كان فضيل بن عياض ووهيب بن الورد وعبد الله بن المبارك جلوسا فذكروا الرطب فقال وهيب أو قد جاء الرطب فقال عبد الله بن المبارك رحمك الله هذا آخره أو لم تأكله قال لا قال ولم قال وهيب بلغني أن عامة أجنة مكة من الصوافي والقطائع فكرهتها فقال عبد الله بن المبارك: يرحمك الله أوليس قد رخص في الشرى من السوق إذا لم تعرف الصوافي والقطائع منه وإلا ضاق على الناس خبزهم أو ليس عامة ما يأتي

_ 214- هو: وهيب بن الورد القرشي مولاهم المكي أبو عثمان أو أبو أمامة يقال اسمه عبد الوهاب ثقة عابد من كبار السابعة.

من قمح مصر إنما هو من الصوافي والقطائع ولا أحسبك تستغني عن القمح فسهل عليك قال فصعق. قال فضيل لعبد الله ما صنعت بالرجل فقال ابن المبارك ما علمت أن كل هذا الخوف قد أعطيه فلما أفاق وهيب قال يا ابن المبارك دعني من ترخيصك لا جرم لا آكل من القمح إلا كما يأكل المضطر من الميتة. فزعموا انه نحل جسمه حتى مات هزلا. أبو بكر المروزي قال قال قادم الديلمي قيل لوهيب بن الورد ألا تشرب من زمزم قال بأي دلو؟ قال شعيب بن حرب ما احتملوا لأحد ما احتملوا لوهيب كان يشرب بدلوه. وعن احمد بن عبيد بن ناصح قال قال يوسف بن اسباط عن القعقاع بن عمارة عن وهيب المكي قال يقول الله عز وجل وعزتي وجلالي وعظمتي ما من عبد اثر هواي على هواه إلا أقللت همومه وجمعت عليه ضيعته ونزعت الفقر من قلبه وجعلت الغنى بين عينيه واتجرت له من وراء كل تاجر وعزتي وعظمتي وجلالي ما من عبد آثر هواه على هواي إلا كثرت همومه وفرقت عليه ضيعته ونزعت الغنى من قلبه وجعلت الفقر بين عينيه ثم لم أبال في أي أوديتها هلك. وقال عبد الرحمن العراقي قال وهيب بن الورد خالطت الناس خمسين سنة فما وجدت رجلا غفر لي ذنبا فيما بيني وبينه ولا وصلني إذا قطعته ولا ستر على عورة ولا أمنته إذا غضب فالاشتغال بهؤلاء حمق كبير. وكان سفيان الثوري إذا جاء الناس في المسجد الحرام وفرغ قال قوموا إلى الطبيب يعني وهيبا. وعن ابن المبارك قال ما جلست إلى أحد كان انفع لي مجالسة من وهيب كان لا يأكل من الفواكه وكان إذا انقضت السنة وذهبت الفواكه يكشف عن بطنه وينظر إليه ويقول يا وهيب ما أرى بك بأسا ما أرى تركك الفواكه ضرك شيئاً. وعن محمد بن مزاحم عن وهيب بن الورد قال وجدت العزلة اللسان. وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال قال وهيب بن الورد كان يقال الحكمة عشرة أجزاء فتسعة منها في الصمت والعاشرة عزلة الناس قال فعالجت نفسي على الصمت فلم أجدني أضبط كل ما أريد منه ف رأيت أن هذه الأجزاء العشرة عزلة الناس.

وعن ابن أبي رواد قال انتهيت إلى رجل ساجد خلف المقام في ليلة باردة مطيرة يدعو ويبكي فطفت أسبوعا ثم عدت فوجدته على حاله فقمت قريبا منه الليل كله فلما أدبر الليل سمعت هاتفا يقول يا وهيب بن الورد ارفع رأسك فقد غفر لك قال فلم أر شيئا فلما برق الصبح رفع رأسه ومضى فاتبعته فقلت أو ما سمعت الصوت فقال وأي صوت فأخبرته فقال لا تخبر به أحدا فما حدثت به أحدا حتى مات وهيب. وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال قال وهيب عجبا للعالم كيف تجيبه دواعي قلبه إلى ارتياح الضحك وقد علم أن له في القيامة روعات ووقفات وفزعات ثم غشي عليه. وعنه قال كانوا يرون الرؤيا لوهيب انه من أهل الجنة فإذا اخبر بها اشتد بكاؤه وقال قد خشيت ان يكون هذا من الشيطان. وعنه قال حلف وهيب بن الورد ألا يراه الله ضاحكا ولا أحد من خلقه حتى يعلم ما يأتي به رسل ربه قال فسمعوه عند الموت يقول وفيت لي ولم أف لك. وعن عبد الرزاق قال سمعت وهيب بن الورد يقول من عد كلامه من عمله قل كلامه. وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال قال وهيب بن الورد لو أن علماءنا عفا الله عنا وعنهم نصحوا لله في عباده فقالوا يا عباد الله اسمعوا ما نخبركم عن نبيكم صلى الله عليه وسلم وصالح سلفكم من الزهد في الدنيا فاعملوا به ولا تنظرون إلى أعمالنا هذه الفَسْلة كانوا قد نصحوا الله في عباده ولكنهم يأبون إلا أن يجروا عباد الله إلى فتنتهم وما هم فيه. وعن عبد الله بن المبارك قال قيل لوهيب بن الورد أيجد طعم العبادة من يعصي الله قال لا ولا من يهم بالمعصية. وعن جرير بن حازم عن وهيب قال بلغني أن موسى عليه السلام قال يا رب اخبرني عن آية رضاك عن عبدك فأوحى الله تعالى إليه إذا رأيتني أهيئ له طاعتي وأصرفه عن معصيتي فذاك آية رضاي عنه. وعن محمد بن يزيد قال سمعت وهيباً يقول ضرب لعلماء السوء مثل فقيل إنما مثل عالم السوء كمثل الحجر في الساقية فلا هو يشرب الماء ولا هو يخلي الماء إلى الشجر فيحيا به. وعنه عن وهيب قال بلغنا أن عيسى عليه السلام مر هو ورجل من حوارييّه بلص في قلعة له فلما رآهما اللص ألقى الله في قلبه التوبة قال فقال في نفسه هذا عيسى ابن مريم عليه السلام روح الله وكلمته وهذا فلان حواريه ومن أنت يا شقي لص بني إسرائيل قطعت الطريق وأخذت الأموال وسفكت الدماء ثم هبط إليهما تائبا نادما على ما كان منه.

فلما لحقهما قال لنفسه تريد ان تمشي معهما لست لذلك بأهل امش خلفهما كما يمشي الخطاء المذنب مثلك قال فالتفت إليه الحواري فعرفه فقال في نفسه انظر إلى هذا الخبيث الشقي ومشيه وراءنا قال فاطلع الله على ما في قلوبهما من ندامته وتوبته ومن ازدراء الحواري إياه وتفضيله نفسه عليه. قال فأوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم أن مر الحواري ولص بني إسرائيل أن يأتنفا العمل جميعا أما اللص فقد غفرت له ما قد مضى لندامته وتوبته وأما الحواري فقد حبط عمله لعجبه بنفسه وازدرائه هذا التواب. قال وهيب وبلغنا أن الخبيث إبليس تبدى ليحيى بن زكريا عليهما السلام فقال له اني أريد انصحك قال كذبت أنت لا تنصحني ولكن اخبرني عن بني ادم قال هم عندنا على ثلاثة أصناف أما صنف منهم فهم اشدّ الأصناف علينا نقبل حتى نفتنه ونستمكن منه نم يفزع إلى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شيء أدركنا منه ثم نعود له فيعود فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن من ذلك في عناء. وأما الصنف الآخر فهم بين أيدينا بمنزلة الكرة في أيد صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا فقد كفونا أنفسهم. وأما الصنف الآخر فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء. فقال له يحيى على ذاك هل قدرت مني على شيء قال لا إلا مرة واحدة فانك قدمت طعاما تأكله فلم أزل أشهيه إليك حتى أكلت اكثر مما تريد فنمت تلك الليلة ولم تقم إلى الصلاة كما كنت تقوم إليها. قال فقال له يحيى لا جرم لا شبعت من طعام أبدا حتى أموت فقال له الخبيث لا جرم لا نصحت آدميا بعدك. محمد بن يزيد قال رأيت وهيب بن الورد صلى ذات يوم العيد فلما انصرف الناس جعلوا يمرون به فنظر إليهم ثم زفر ثم قال لئن كان هؤلاء القوم اصبحوا مستيقنين انه قد تُقُبِّل منهم شهرهم هذا لكان ينبغي لهم ان يكونوا مشاغيل بأداء الشكر عما هم فيه وإن كانت الأخرى لقد كان ينبغي لهم أن يصبحوا اشغل واشغل. ثم قال كثيرا ما يأتيني من يسألني من إخواني فيقول يا أبا أمية ما بلغك عمن طاف سبعا بهذا البيت ما له من الأجر فأقول يغفر الله لنا ولكم بل سلوا عما أوجب الله تعالى من أداء الشكر في طواف هذا السبع ورزقه إياه حين حرم غيره. قال فيقولون إنا نرجو فيقول

وهيب فلا والله ما رجا عبد قط حتى يخاف ثم يقول كيف تجترئ أن ترجو رضا من لا يخاف غضبه إنما كان الراجي خليل الرحمن إذ يخبرك الله عز وجل عنه قال: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127] ثم قال: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82] . وعن علي بن أبي بكر قال اشتهي وهيب لبنا فجاءته خالته به من شاة لآل عيسى بن موسى قال فسألها عنه فأخبرته فأبى أن يأكله فقالت له كل فأبى فعاودته وقالت له: إني أرجو إن أكلته أن يغفر الله لك أي باتباع شهوتي فقال: ما أحب أنى أكلته وإن الله تعالى غفر لي فقالت لمقال إني أكره أن أنال مغفرته بمعصيته. عن عمرو بن محمد بن أبي رزين قال وسمعت وهيبا يقول أن العبد ليصمت فيجتمع له لبه. وسمعته يقول لا يكن هم أحدكم في كثرة العمل ولكن ليكن همه في أحكامه وتحسينه فإن العبد قد يصلي وهو يعصي الله في صلاته وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه. وعن مؤمل قال سمعت وهيبا يقول لو قمت قيام هذه السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك؟ حلال أو حرام؟ وعن محمد بن يزيد عن وهيب قال بلغنا والله اعلم أن موسى عليه السلام قال يا رب أوصني قال: أوصيك بي. قالها ثلاثا، كلّ ذلك يقول: أوصيك بي. حتى قال في الآخرة أوصيك بي إلا يعرض لك أمر إلا آثرت فيه محبتي على ما سواها فمن لم يفعل ذلك لم أرحمه ولم أزكّه. وعن ابن المبارك عن وهيب قال اتق أن تسب إبليس في العلانية وأنت صديقه في السر. وعن أبي صالح الجدي قال صليت إلى جنب وهيب العصر فلما صلى جعل يقول اللهم ان كنت نقصت منها شيئا أو قصرت فيها فاغفر لي قال فكأنه قد أذنب ذنبا عظيما يستغفر منه. وعن بشر بن الحارث قال كان وهيب بن الورد تبين خضرة البقل من بطنه من الهزال. وعنه قال: بلغنا أن وهيباً كان إذا أتي بقُرصته بكى حتى يبلّها. أدرك وهيب بن الورد جماعة من التابعين كعطاء بن أبي رباح ومنصور بن زاذان وأبان بن أبي عياش وكان مشغولا عن الرواية بالتعبد. على أنه قد نقل عنه حديث حسن. ومات في سنة ثلاث وخمسين ومائة رحمه الله.

ومن الطبقة الرابعة

ومن الطبقة الرابعة: 215- عبد العزيز بن أبي رواد مولى المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة. عن شقيق البلخي قال ذهب بصر عبد العزيز بن أبي رواد عشرين سنة لم يعلم به أهله ولا ولده فتأمله ابنه ذات يوم فقال له يا أبت ذهبت عينك قال نعم يا بني الرضا عن الله تعالى اذهب عين أبيك منذ عشرين سنة. وعن شعيب بن حرب قال جلست إلى عبد العزيز بن أبي رواد خمسمائة مجلس فما احسب صاحب الشمال كتب شيئا. وعن يوسف بن اسباط قال مكث عبد العزيز بن أبي رواد أربعين سنة لم يرفع طرفه إلى السماء فبينما هو يطوف حول الكعبة إذ طعنه المنصور أبو جعفر في خاصرته بإصبعه، فالتفتَ إليه فقال: قد علمت أنها طعنة جبّار. وعن خلاد بن يحيى قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد قال كان يقال من رأس التواضع الرضابالدون من شرف المجالس وكان يقول في رأس كل إنسان حكمة أخذ بها ملك فإن تواضع لربه رفعه. وقال انتعش رحمك الله وإن تكبر قمعه وقال: اخسأ خسأك الله. وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال قال رجل لعبد العزيز بن أي رواد كيف أصبحت فبكى وقال أصبحت والله في غفلة عظيمة عن الموت مع ذنوب كثيرة قد أحاطت بي واجل يسرع كل يوم في عمري وموئل لست ادري علام اهجم؟ ثم بكى. وعن سعيد بن سألم القداح قال سمعت عبد العزيز بن أبي رواد يقول لرجل: ومن لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشيء الإسلام والقرآن والمشيب. اسند عبد العزيز بن أبي رواد عن جماعة من كبار التابعين كعطاء وعكرمة ونافع. وتوفي بمكة سنة تسع وخمسين ومائة.

_ 215- هو: عبد العزيز بن أبي رواد صدوق عابد ربما وهم ورمى بالإرجاء من السابعة.

زمعة بن صالح المكي

216- زمعة بن صالح المكي روى عن سلمة بن وهرام وابن طاوس وروى عنه وكيع. عن القاسم بن راشد الشيباني قال كان زمعة نازلا عندنا وكان له أهل وبنات وكان يقوم فيصلي ليلا طويلا فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: يا أيها الركب المعرسونا ... أكل هذا الليل ترقدونا ألا تقومون فترحلونا قال فيتواثبون فيسمع من ههنا باك، ومن ههنا داع، ومن ههنا قارئ، ومن ههنا متوضئ فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته عند الصباح يحمد القوم السرى رحمه الله.

_ 216- هو: زمعة بن صالح الجندي اليماني نزيل مكة أبو وهيب ضعيف وحديثه عند مسلم مقرون من السادسة.

واصدق عنه النجاشي اربعمائة دينار وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة. وقيل وكلت خالد بن سعيد بن العاص فزوجها وذلك في سنة سبع من الهجرة. قال سعيد بن العاص: قالت ام حبيبة: رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي باسوأ صورةٍ واشوهه. ففزعت فقلت: تغيّرت والله حالهُ. فاذا هو يقول حين اصبح: يا أم حبيبة اني نظرت في الدين فلم أر دينا خيراً من النصرانية، وكنت قد دنت بها ثم دخلت في دين محمد، ثم رجعت في النصرانية. فقلت: والله ما خير لكَ. واخبرته بالرؤيا التي رأيتها فلم يحفل بها واكب على الخمر حتى مات: فارى في النوم كأن آتياً يقول: يا ام المؤمنين ففزعت فاولتها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني. قالت: فما هو الا ان قد انقضت عِدتي فما شعرت الا برسول النجاشي على بابي يستأذن. فإذا جارية له يقال لها ابرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت عليَّ فقالت: فقالت: ان الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الي ان ازوجه فقالت: بشَّرك الله بخير. قالت: يقول لك الملك وكلي من يزوجك. فارسلت خالد بن سعيد بن العاص فوكلته واعطت ابرهة سوارين من فضة وخَدَمتَين كانتا في رجليها وخواتيم فضة كانت في اصابع رجليها سروراً بما بشّرتها. فلما كان العشى امر النجاشي جعفر بن ابي طالب ومن هناك من المسلمين فخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله وانه الذي بشّر به عيسى ابن مريم اما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الي ان ازوجه ام حبيبة بنت ابي سفيان فاجبت الى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقْتها اربعمائة دينار. ثم سكب الدنانير بين يدي القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله، أحمده واستعينه واستنصره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون اما بعد أجبت الى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوّجته ام حبيبة بنت ابي سفيان فبارك الله لرسول صلى الله عليه وسلم.

ودفع الدنانير الى خالد بن سعيد العاص فقبضها. ثم أرادوا ان يقوموا فقال: اجلسوا فان سنة الأنبياء اذا تزوجوا ان يؤكل طعامٌ على التزويج. فدعا بطعام واكلوا ثم تفرقوا. قالت ام حبيبة: فلما وصل الي المال ارسلت الى ابرهة التي بشرتني فقلت لها: إني كنت أعطيتك ما اعطيتك يومئذ ولا مال بيدي فهذه خمسون مثقالاً فخُذيها فاستعيني بها. فابت واخرجت حقا فيه كل ما كنت اعطيتها فردته عليَّ وقالت: عزم عليَّ الملك ان لا ارزأك شيئاً وانا التي اقوم على ثيابه ودهنه وقد اتبعت دين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم واسلمت لله عز وجل وقد امر الملك نساءه ان يبعثن اليك بكل ما عندهن من العطر. قالت: فلما كان الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزبادٍ كثير فقدمتُ بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يراه علي وعندي فلا ينكره. ثم قالت ابرهة: فحاجتي اليك ان تقرئي عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وتعلميه اني قد اتبعت دينه. قالت: ثم لطفت بي وكانت التي جَهَّزتني، وكانت كلما دخلت عليَّ تقول لا تنسَيْ حاجتي اليك. قالت: فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي ابرهة فتبسم واقرأته منها السلام فقال: " وعليها السلام ورحمة الله وبركاته" 1. قال الزهري: لما قدم ابو سفيان بن حرب المدينة جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزو مكة، فكلَّمه ان يزيد في هدنة الحديببة فلم يُقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام ودخل على ابنته ام حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم طوته دونه فقال: يا بنية ارغبت بهذا الفراش عني ام بي عنه؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وانت امرؤ نجسً مشرك. فقال: يا بُنيّة لقد أصابك بعدي شرّ2. قالت عائشة رضي الله عنها: دعتني ام حبيبة عند موتها فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر فغفر الله ولك ما كان من ذلك. فقلت: غفر الله لك ذلك كلَّه وتجاوز وحلَّك من ذلك كله. فقالت: سررتني سرَّك الله. وارسلت الي أم سلمة فقالت لها مثل ذلك3. وتوفيت سنة اربع واربعين في خلافة معاوية.

_ 1 ضعيف جدا: أخرجه الحاكم في معرفة الصحابة رقم 6770. قال الذهبي: وذكرت القصة بطولها وهي منكرة. 2 ضعيف جدا أخرجه ابن سعد في الطبقات من طريق الواقدي وهو متروك وهو آفة الرواية السابقة أيضا.

ومن الطبقة الخامسة

ومن الطبقة الخامسة: 217- سفيان بن عيينة بن أبي عمران يكنى أبا محمد. وهو مولى لبني عبد الله بن رويبة ولد بالكوفة وسكن مكة. عن محمد بن عمر قال أنبأ سفيان أنه ولد سنة سبع ومائة وكان أصله من الكوفة وكان أبوه من عمال خالد بن عبد الله القسري فلما عزل خالد عن العراق وولى يوسف بن عمر الثقفي طلب عمال خالد فهربوا منه فلحق عيينة بمكة فنزلها. إبراهيم بن ازداد الرافقي قال: قال سفيان بن عيينة لما بلغت خمس عشرة سنة دعاني أبي فقال لي: يا سفيان قد انقطعت عنك شرائع الصبا فاحتفظ من الخير تكن من أهله، ولا يغرنّك من اغترّ بالله فمدحك بما يعلم الله خلافه منك فانه ما من أحد يقول في أحد من الخير إذا رضى إلا وهو يقول فيه من الشر مثل ذلك إذا سخط فاستأنس بالوحدة من جلساء السوء لا تنقل احسن ظني بك إلى غير ذلك ولن يسعد بالعلماء إلا من أطاعهم. قال سفيان فجعلت وصية أبي قبلةً أميل معها ولا أميل عنها. وعن صامت بن معاذ قال سمعت سفيان بن عيينة يقول من تزين للناس بشيء يعلم الله منه غير ذلك شانه الله. وعن النعمان قال سمعت ابن عيينة يقول ليس من حب الدنيا طلبك ما لا بد منه. وعن محمد بن ميمون الخياط قال سمعت سفيان بن عيينة يقول إذا كان نهاري نهار سفيه وليلي ليل جاهل فما اصنع بالعلم الذي كتبت؟ وعن علي بن الجعد قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول من زيد في عقله نقص من رزقه. وعن ابن الأعرابي قال قال سفيان بن عيينة أرفع الناس منزلةً من كان بين الله وبين عباده، وهم الأنبياء والعلماء. وعن علي بن الحسن قال سمعت سفيان بن عيينة يقول من رأى انه خير من غيره فقد استكبر وذلك أن إبليس إنما منعه من السجود لآدم عليه السلام استكباره.

_ 217- هو: سفيان بن عيينة بن أبي عمران أبو محمد الكوفي ثم المكي ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلا أنه تغير حفظه بأخرة وكان ربما دلس لكن عن الثقات من رؤس الطبقة الثامنة.

الفضيل بن عياض التميمي

218- الفضيل بن عياض التميمي ثم أحدُ بني يربوع يكنى أبا علي وُلد بخراسان بكُورة أبي ورد وقدم الكوفة وهو كبير فسمع بها الحديث ثم تعبد وانتقل إلى مكة فمات بها. عن إبراهيم بن احمد الخزاعي قال سمعت الفضيل بن عياض يقول لو أن الدنيا كلها بحذافيرها جعلت لي حلالا لكنت أتقذّرها. وعن أبي الفضل الخزاز قال سمعت الفضيل بن عياض يقول أصلح ما أكون أفقر ما أكون وإني لأعصِي الله فأعرف ذلك في خُلق حماري وخادمي. وعن إسحاق بن إبراهيم قال كانت قراءة الفضيل حزينة شهية بطيئة مترسلة كأنه يخاطب إنسانا وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يرددها. وكان يلقى له حصير بالليل في مسجده فيصلي من أول الليل ساعة حتى تغلبه عينه فيلقي نفسه على الحصير فينام قليلا ثم يقوم فإذا غلبه النوم نام ثم يقوم هكذا حتى يصبح.

_ 218- هو: الفضيل بن عياض بن مسعود التيمي أبو علي الزاهد المشهور أصله من خراسان وسكن مكة ثقة عابد إمام من الثامنة.

قال وسمعت الفضيل يقول إذا لم تقدر على القيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل كبلتك خطيئتك. وعن منصور بن عمار قال تكلمت يوما في المسجد الحرام فذكرت شيئا من صفة النار ف رأيت الفضيل بن عياض صاح حتى غشى عليه فطرح نفسه. وعن أبي إسحاق قال قال الفضيل بن عياض لو خيرت بين أن أعيش كلباً أو أموت كلباً ولا أرى يوم القيامة لاخترت أن أعيش كلبا أو أموت كلبا ولا أرى يوم القيامة. وعن مهران بن عمرو الأسدي قال سمعت الفضيل بن عياض عشية عرفة بالموقف وقد حال بينه وبين الدعاء البكاء، يقول واسوأتاه، وافضيحتاه وإن عفوت. وعن احمد بن سهل قال قدم علينا سعد بن زنبور فأتيناه فحدثنا قال كنا على باب الفضيل بن عياض فاستأذنا عليه فلم يؤذن لنا فقيل لنا انه لا يخرج إليكم أو يسمع القرآن. قال: وكان معنا رجل مؤذن وكان صَيّتاً فقلنا له اقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ورفع بها صوته. فأشرف علينا الفُضيل وقد بكى حتى بل لحيته بالدموع ومعه خرقة ينشف بها الدموع من عينيه وأنشأ يقول: بلغت الثمانين أو حزتها ... فماذا أُؤمّل أو أنتظرْ؟ أتى لي ثمانونَ من مولدي ... وبعدَ الثمانين ما يُنتظَرْ علتني السنون فأبلينني ... ........ قال ثم خنقته العبرة. وكان معنا علي بن خشرم فأتمّه لنا فقال: علتني السنون فأبلينني ... فرقّت عظامي وكلَّ البصر وعن أبي جعفر الحذاء قال: سمعت فضيل بن عياض يقول أخذت بيد سفيان ابن عيينة في هذا الوادي فقلت له: إن كنت تظن انه بقي على وجه الأرض شر مني ومنك فبئس ما تظن. وعن علي بن الحسن قال بلغ فضيلاً أن جريراً يريد أن يأتيه قال: فأقفل الباب من خارج قال: فجاء جرير فرأى الباب مقفلا فرجع قال علي فبلغني ذلك فأتيته فقلت له جرير فقال ما يصنع بي يظهر لي محاسن كلامه وأظهر له محاسن كلامي فلا يتزين لي ولا أتزين له خير له. وعن الفيض بن إسحاق قال سمعت فضيلاً يقول لو قيل لك يا مرائي لغضبت ولشق عليك وتشكو فتقول قال لي يا مرائي عساه قال حقا من حبك للدنيا تزينت للدنيا وتصنعت للدنيا.

ثم قال اتقِِ ألاّ تكون مرائيا وأنت لا تشعر تصنّعتَ وتهيأتَ حتى عرفك الناس فقالوا هو رجل صالح فأكرموك وقضوا لك الحوائج ووسعوا لك في المجالس وإنما عرفوك بالله ولولا ذلك لهنت عليهم. قال وسمعت الفضيل يقول تزينت لهم بالصوم فلم ترهم يرفعون بك رأساً. تزينت لهم ب القرآن فلم ترهم يرفعون بك رأسا تزينت لهم بشيء بعد شيء إنما هو لحب الدنيا. وعن الحسين بن زياد قال دخلت على فضيل يوما فقال عساك إن رأيت في ذلك المسجد يعني المسجد الحرام رجلا شرا منك إن كنت ترى أن فيه شرا منك فقد ابتليت بعظيم. وعن يونس بن محمد المكي قال: قال فضيل بن عياض لرجل لأعلمنك كلمة هي خير من الدنيا وما فيها والله لئن علم الله منك إخراج الآدمين من قلبك حتى لا يكون في قلبك مكان لغيره لم تسأله شيئاً إلا أعطاك. وعن إبراهيم بن الأشعث قال سمعت الفضيل بن عياض يقول: ما يؤمنك أن تكون بارزت الله بعمل مقتك عليه فاغلق دونك أبواب المغفرة وأنت تضحك كيف ترى تكون حالك. وعن عبد الصمد بن يزيد قال سمعت الفضيل يقول أدركت أقواما يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال ليس لك هذا قومي خذي حظك من الآخرة. وعن محمد بن حسان السمني قال: شهدت الفضيل بن عياض وجلس إليه سفيان بن عيينة فتكلم الفضيل فقال كنتم معشر العلماء سرج البلاد يستضاء بكم فصرتم ظَلَمَةً وكنتم نُجوماً يُهتدى بكم فصرتم حيرة، ثم لا يستحي أحدكم أن يأخذ مال هؤلاء الظلمة، ثم يسند ظهره يقول: حدثنا فلان عن فلان. فقال سفيان: لئن كنا لسنا بصالحين فإنّا نحبّهم. وعن بشر بن الحارث قال: قال فضيل بن عياض: لأن أطلب الدنيا بطبل ومزمار أحبَّ إليَّ من أن أطلبها بالعبادة. وعن الفضل بن الربيع قال: حج أمير المؤمنين الرشيد فأتاني فخرجت مسرعاً فقلت يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليَّ أتيتك فقال: ويحك قد حَكَّ في نفسي شيء فانظر لي رجلا أسأله فقلت ها هنا سفيان بن عيينة فقال امض بنا إليه. فأتيناه فقرعت الباب فقال من ذا؟

فقلت أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعا فقال يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك فقال له: خذ لما جئناك له رحمك الله. فحدثه ساعة ثم قال له عليك دين قال نعم فقال أبا عباس اقض دينه فلما خرجنا قال: ما أغنى عني صاحبك شيئا انظر لي رجلا اسأله فقلت له هاهنا عبد الرزاق بن همام قال امض بنا إليه فأتيناه فقرعت الباب فقال من هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين. فخرج مسرعاً فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك قال خذ لما جئناك له. فحادثه ساعة ثم قال له عليك دين قال نعم قال أبا عباس اقض دينه. فلما خرجنا قال ما أغنى صاحبك شيئا انظر لي رجلا اسأله قلت ها هنا الفضيل ابن عياض قال امض بنا إليه فأتيناه فإذا وهو قائم يصلي يتلو آية من القرآن يرددها فقال اقرع الباب فقرعت الباب فقال من هذا فقلت أجب أمير المؤمنين فقال ما لي ولأمير المؤمنين فقلت سبحان الله أما عليك طاعة؟ أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "ليس للمؤمن أن يُذل نفسه" فنزل ففتح الباب ثم إرتقى إلى الغرفة فأطفا المصباح ثم إلتجأ إلى زواية من زوايا البيت فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف هارون قبلي إليه فقال يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله عز وجل فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي فقال له خذ لما جئناك له رحمك الله فقال إن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة دعا سألم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي ورجاء ابن حيوة فقال لهم إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا عليَّ. فعدَّ الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة. فقال له سالم بن عبد الله إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فصم عن الدنيا وليكن إفطارك من الموت. وقال له محمد بن كعب القرظي إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا وأوسطهم عندك أخا وأصغرهم عندك ولداً فوقر أباك واكرم أخاك وتحنن على ولدك. وقال له رجاء ين حيوة إن اردت النجاة غداً من عذاب الله عز وجل فأحبَّ للمسلمين ما تُحبّ لنفسك واكره لهم ما تكرهُ لنفسك ثم مُت إذا شئت وإني أقول لك أني أخاف عليك أشد الخوف يوم تزل فيه الأقدام فهل معك رحمك الله من يشير عليك بمثل هذا؟ فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه فقلت له أرفق بأمير المؤمنين فقال يا ابن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وارفق به أنا ثم أفاق فقال له: زدني رحمك الله فقال:

يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكا إليه فكتب إليه عمر يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء. قال فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال له ما أقدمك قال خلعت قلبي بكتابك لا أعود إلى ولاية أبدا حتى ألقى الله عز وجل. قال فبكى هارون بكاء شديدا ثم قال له زدني رحمك الله فقال يا أمير المؤمنين إن العباس عم المصطفى صلى الله عليه وسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أمّرني على إمارة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل". فبكى هارون بكاء شديدا وقال له زدني رحمك الله. فقال يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غشّ لأحد من رعيتك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اصبح لهم غاشاً لم يُرح رائحة الجنة". فبكى هارون وقال له عليك دين قال نعم دين لربي يحاسبني عليه فالويل لي إن سألني والويل لي إن ناقشني والويل لي إن لم ألْهَمْ حجتي قال إنما اعني دين العباد قال إن ربي لم يأمرني بهذا أمر ربي أن أوحده وأطيع أمره فقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56-58] . فقال له هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقو بها على عبادتك فقال: سبحان الله أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا؟ سلمك الله ووفقك. ثم صمت فلم يكلمنا فخرجنا من عنده فلما صرنا على الباب قال هارون: أبا عباس إذا دللتني على رجل فدُلني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين. فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال فلو قبلت هذا المال فتفرجنا به فقال لها مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه. فلما سمع هارون هذا الكلام قال ندخل فعسى أن يقبل المال فلما علم الفضيل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة فجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه فلا يجيبه فبينا

نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت يا هذا قد آذيت الشيخ منذ الليلة فانصرف رحمك الله فانصرفنا. اقتصرنا على هذا القدر من أخبار الفضيل لانا قد أفردنا لكلامه ومناقبه كتابا فمن أراد الزيادة فلينظر في الكتاب. وقد أسند الفضيل عن جماعة من كبار التابعين منهم الأعمش ومنصور بن المعتمر وعطاء بن السائب وحصين بن عبد الرحمن ومسلم الأعور وأبان بن أبي عياش وروى عنه خلق كثير من العلماء وقد ذكرنا جملة من رواياته في ذلك الكتاب. وتوفي رضي الله عنه في سنة سبع وثمانين ومائة.

علي بن الفضيل بن عياض

219- علي بن الفضيل بن عياض ألحقناه بدرجة أبيه لأنه مات في حياة أبيه واقتصرنا من أخباره على اليسير لأنّا قد أدرجناها في كتاب فضائل أبيه رضي الله عنهما. عن فضيل بن عياض قال بكى ابني علي فقلت يا علي ما يبكيك قال يا أبة أخاف ألاّ تجمعنا القيامة. وعن بشر بن الحارث قال كان عشرة ينظرون في الحلال النظر الشديد لا يدخل بطونهم إلا حلال ولو استفّوا التراب فذكر منهم علي بن الفُضيل. وعن محمد بن الحسن قال كان علي بن الفضيل يصلّي حتى يزحف إلى فراشه ثم يلتفت إلى أبيه فيقول: يا أبة سبَقني العابدون. وعن سفيان بن عيينة قال ما رأيت أحداً أخْوف من الفضيل وابنه. أسند علي عن عبد العزيز بن أبي رواد وسفيان بن عيينة وغيرهما رضي الله عنهما.

_ 219- هو: علي بن فضيل بن عياض التيمي ثقة عابد من التاسعة تقدم موته على أبيه.

محمد بن ادريس الامام الشافعي

220- محمد بن ادريس الامام الشافعي رضي الله عنه يكنى ابا عبد الله عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم قال: قال الشافعي: ولدت بغزّة سنة خمسين ومائةُ وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين.

_ 220- هو: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم ابن المطلب المطلبي أبو عبد الله الشافعي المكي نزيل مصر رأس الطبقة التاسعة وهو المجدد لأمر الدين على رأس المائتين.

قال: وأخبرني غيره عن الشافعي قال: لم يكن لي مال فكنت اطلب العلم في الحداثة اذهب إلى الديوان استوهب الظهور اكتب فيها. وعن حسين الكرابيسي قال: سمعت الشافعي يقول: كنت امرءاً أكتب الشعر وآتي البوادي فأسمع منهم، وقدمت مكة وخرجت وأنا اتمثل بشعر للبيد وأضرب وحشىْ قدمي بالسوط فضربني رجل من ورائي من الحجبة فقال: رجل من قريش ثم ابن المطلب رضي من دينه ودنياه ان يكون معلما ما الشعر؟ الشعر إذا استحكمت فيه قعدت معلما، تفقه يُعْلِكَ الله. قال: فنفعني الله بكلام ذلك الحجبي ورجعت الى مكة وكتبت عن ابن عيينة ما شاء الله ان اكتب ثم كنت اجالس مسلم بن خالد الزنجي ثم قدمت على مالك فكتبت موطاة فقلت له يا ابا عبد الله اقرا عليك فقال يا ابن اخي تاتي برجل يقرؤه علي وتسمع فقلت اقرا عليك فتسمع الى كلامي فقال اقرا فلما سمع قرات عليه حتى بلغت كتابالسير قال لي اطوه يا ابن أخي تفقه تعل. وعن محمد بن اسماعيل الحميري عن ابيه قال كان الشافعي يطلب اللغة العربية والشعر وكان كثيرا ما يخرج الى البدو فيحمل ما فيه من الادب. فبيما هو يوما في حي من احياء العرب جاء إليه بدوي فقال له ما تقول في امرأة تحيض يوما وتطهريوما قال ما ادري قال يا ابن اخي الفريضة اولى بك من النافلة فقال له انما اريد هذا لذاك وعليه قد عزمت وبالله التوفيق ثم خرج الى مالك بن انس. وعن الحميدي عن الشافعي قال كنت يتيما في حجر امي ولم يكن معها ما تعطي المعلم وكان المعلم قد رضي مني ان اخلفه اذا قام فلما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء فأحفظ الحديث والمسألة فكنت أنظر إلى العظم يلوح فاكتب فيه الحديث والمسالة وكانت لنا جرة عظيمة فاذا امتلا العظم تركته في الجرة وفي رواية اخرى فامتلا من ذلك حبان. وعن اسماعيل بن يحيى قال سمعت الشافعي يقول حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطا وانا ابن عشر سنين. وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال يروى في الحديث ان الله تعالى يبعث على راس كل مائة سنة من يصحح لهذه الامة دينها فنظرنا في المائة الاولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز ونظرنا في المائة الثانية فنراه الشافعي.

وقال مسلم بن خالد الزنجي للشافعي يا أبا عبد الله أفت الناس آن والله ان تفتي وهو ابن دون عشرين سنة. وعن عبد الله بن احمد بن حنبل قال قلت لابي يا ابة أي رجل كان الشافعي؟ سمعتك تكثر من الدعاء له فقال يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف او عوض؟ وعن الميموني قال سمعت احمد بن حنبل يقول ستة ادعوهم في السحر احدهم الشافعي. وعن ابن راهويه قال كنت مع احمد بمكة فقال لي تعال حتى اريك رجلا لم تر عيناك مثله فاراني الشافعي. وعن يونس بن عبد الاعلى قال سمعت الشافعي وحضر ميتا فلما سجينا عليه نظر إليه وقال اللهم بغناك عنه وفقره اليك اغفر له. وعن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول ما اوردت الحق والحجة على احد فقبلهما مني الا هبته واعتقدت مودته ولا كابرني على الحق احد ودافع الحجة الا سقط من عيني. وعن احمد بن خالد الخلال قال سمعت محمد بن ادريس الشافعي يقول ما ناظرت احدا فاحببت ان يخطىء. وعن الحسين الكرابيسي يقول سمعت الشافعي يقول ما ناظرت احدا قط الا احببت ان يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظ وما ناظرت احدا الا ولم ابال بين الله الحق على لساني أو لسانه. الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول اشد الاعمال ثلاثة الجود من قلة والورع في خلوة وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف. وعنه قال سمعت الشافعي يقول لوددت ان الخلق يتعلمون مني ولا ينسب الي منه شيء وسمعته يقول طلب العلم افضل من صلاة النافلة. وعن احمد بن عبد الرحمن بن وهب قال سمعت الشافعي يقول طالب العلم يحتاج الى ثلاث احداها حسن ذات اليد والثانية طول عمر والثالثة يكون له ذكاء. وعن الربيع قال قال الشافعي من طلب الرياسة فرت منه واذا تصدر الحديث فاته علم كثير.

وعن يونس بن عبد الاعلى قال قال لي الشافعي يا يونس اذا بلغك عن صديق لك ما تكرهه فاياك ان تبادره بالعداوة وقطع الولاية فتكون ممن ازال يقينه بشك ولكن القه وقل له بلغني عنك كذا وكذا واحذر ان تسمى له المبلغ فان انكر ذلك فقل له انت اصدق وابر لا تزيدن على ذلك شيئا وان اعترف بذلك ف رأيت له في ذلك وجها لعذر فاقبل منه وان لم تر ذلك فقل له ماذا اردت بما بلغني عنك فان ذكر ماله وجه من العذر فاقبل منه وإن لم تر لذلك وجها لعذر وضاق عليك المسلك فحينئذ اثبتها عليه سيئة ثم انت في ذلك بالخيار ان شئت كافاته بمثله من غير زيادة وان شئت عفوت عنه والعفو اقرب للتقوى وابلغ في الكرم لقول الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] فان نازعتك نفسك بالمكأفاة فافكر فيما سبق له لديك من الاحسان فعدها ثم ابدر له احسانا بهذه السيئة ولا تبخسن باقي احسانه السالف بهذه السيئة فان ذلك الظلم بعينه يا يونس اذا كان لك صديق فشد يديك به فان اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل. قال وسمعت الشافعي يقول يا يونس الانقباض عن الناس مكسبه للعدواة والانبساط اليهم مجلبة لقرناء السوء فكن بين المنقبض والمنبسط. وعن احمد بن الوزير قال ثنا محمد بن ادريس الشافعي قال قبلو السعاية شر من السعاية لان السعاية دلالة والقبول اجازة وليس من دل على شيء كمن اقبل واجاز. قال وتنقص رجل محمد بن الحسن عند الشافعي فقال له مه لقد تلمظت بمضغة طالما لفظها الكرام. وعن الربيع بن سليمان قال قال الشافعي استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر. وعنه قال سمعت الشافعي يقول من ضحك منه في مسالة لم ينسها ابدا. وعنه قال قال لي الشافعي يا ربيع رضا الناس غاية لا تدرك فعليك بما يصلحك فالزمه فانه لا سبيل الى رضاهم واعلم انه من تعلم القرآن جل في عيون الناس ومن تعلم الحديث قويت حجته ومن تعلم النحو هيب ومن تعلم العربية رق طبعه ومن تعلم الحساب جزل رأيه ومن تعلم الفقه نبل قدره ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه وملاك ذلك كله التقوى. وعن المزني قال سمعت الشافعي يقول من تعلم القرآن عظمت قيمته ومن نظر في الفقه نبل مقداره ومن تعلم اللغة رق طبعه ومن تعلم الحساب جزل رأيه ومن كتب الحديث قويت حجته ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.

وعن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل. وعن ابي الوليد الجارودي قال سمعت الشافعي يقول لو علمت ان الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربته. وعن الربيعي قال سال رجل الشافعي عن سنه قال ليس من المروءة ان يخبر الرجل بسنه سال رجل مالكا عن سنة فقال اقبل على شانك. قال لنا ابو بكر بن ابي طاهر وجدت في هذه الحكاية زيادة من رواية اخرى: ليس من المروءة ان يخبر الرجل بسنه لانه ان كان صغيرا استحقروه وان كان كبيرا استهرموه. وعنه قال كان الشافعي قد جزا الليل ثلاثة اجزاء الثلث الاول يكتب والثلث الثاني يصلي والثلث الثالث ينام. وعنه قال كان للشافعي في رمضان ستون ختمة لا يحسب منها ما يقرأ في الصلاة: ابو بكر النيسابوري قال سمعت الربيع يقول كان الشافعي يختم كل شهر ثلاثين ختمة وفي رمضان ستني ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة. وعن نهشل بن كثير عن ابيه قال دخل الشافعي يوما الى بعض حجر هارون الرشيد ليستاذن له ومعه سراج الخادم اقعده عند ابي عبد الصمد مؤدب اولاد هارون الرشيد. فقال سراج للشافعي يا ابا عبد الله هؤلاء اولاد امير المؤمنين وهذا مؤدبهم فلو اوصيته بهم فاقبل عليه فقال ليكن اول ما تبدا به من اصلاح اولاد امير المؤمنين اصلاحك نفسك فان اعينهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما تستحسنه والقبيح عندهم ما تكرهه علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه ولا تتركهم منه فيهجروه ثم روهم من الشعر اعفه ومن الحديث اشرفه ولا تخرجهم من علم الى غيره حتى يحكموه فان ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم. وقال الحميدي قدم الشافعي مرة من اليمن ومعه عشرون الف دينار فضرب خيمته خارجا من مكة فما قام حتى فرقها كلها. وعن المزني قال سمعت الشافعي يقول من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله. وعن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول لن يجفو فعل من يصفو. وعنه قال سمعت الشافعي يقول وساله رجل عن مسالة فقال روي فيها كذا وكذا عن

النبي صلى الله عليه وسلم فقال له السائل يا ابا عبد الله تقول به فرأيت الشافعي اعد وانتفض وقال يا هذا أي ارض تقلني واي سماء تظلني اذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلم اقل به نعم على السمع والبصر. قال وسمعت الشافعي وقد روى حديثا فقال له بعض من حضر تاخذ بهذا؟ فقال اذا رويت عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا فلم اخذ به فانا اشهدكم ان عقلي قد ذهب ومد يديه. وعنه قال سمعت الشافعي يقول اذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله ودعوا ما قلت. وعن أبي بيان الاصبهاني قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت يا رسول الله محمد بن ادريس الشافعي ابن عمك هل نفعته بشيء أو خصصته بشيء فقال نعم سألت الله ألا يحاسبه فقلت بماذا يا رسول الله قال انه كان يصلي علي صلاة لم يصل بمثل تلك الصلاة احد فقلت وما تلك الصلاة يا رسول الله قال كان يصلي علي اللهم صل على محمد كلما ذكره الذاكرون وصل على محمد كلما غفل عنه الغافلون. قال المصنف اخبرنا محمد بن ابي منصور قال قرات في كتاب محمد بن طاهر النيسابوري بخطه للشافعي رضي الله عنه: ان امرأ وجد اليسار فلم يصب ... حمدا ولا شكرا لغير موفق الجد يدني كل شيء شاسع ... والجد يفتح كل باب مغلق فاذا سمعت بأن مجدوداً حوى ... عودا فأثمر في يديه فصدق واذا سمعت بان محروما اتى ... ماء ليشربه فغاض فحقق ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الاحمق وعن المزني قال دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها فقلت كيف اصبحت فقال اصبحت من الدنيا راحلا ولاخواني مفارقا ولكاس المنية شاربا ولسوء اعمالي ملاقيا وعلى الله تعالى واردا فلا ادري روحي تصير الى الجنة فاهنئها او الى النار فاعزيها؟ ثم بكى وانشأ يقول: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك اعظما ومازلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منه وتكرما

سمع الشافعي رضي الله عنه من مالك بن انس وابراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة وعبد العزيز الدراوردي ومسلم بن خالد الزنجي في خلق كثير. وحدث عنه احمد بن حنبل وغيره من العلماء. وتوفي سنة اربع ومائتين. الربيع بن سليمان قال توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء الاخرة آخر يوم من رجب ودفناه يوم الجمعة فانصرفنا فرأينا هلال شعبان سنة اربع ومائتين. وعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال ولد الشافعي في سنة خمسين ومائة ومات في آخر يوم من رجب سنة اربع ومائتين عاش اربعا وخمسين. وعن الربيع قال كنا جلوسا في حلقه الشافعي بعد موته بيسير فوقف علينا اعرابي فسلم ثم قال لنا اين قمر هذه الحلقة وشمسها؟ فقلنا توفي رحمه الله. فبكى بكاء شديدا ثم قال رحمه الله وغفر له فلقد كان يفتح ببيانه منغلق الحجة ويسد على خصمه واضح المحجبة ويغسل من العار وجوها مسودة ويوسع بالراي ابوابا منسدة ثم انصرف. وعنه قال رأيت الشافعي بعد وفاته بالمنام فقلت يا ابا عبد الله ما صنع الله بك قال اجلسني على كرسي من ذهب ونثر علي اللؤلؤ الرطب والسلام.

ممن بعد هؤلاء من الطبقات

ممن بعد هؤلاء من الطبقات 221- ابو غياث المكي مولى جعفر بن محمد ابو حازم المعلى بن سعيد البغدادي قال سمعت ابا جعفر محمد بن جرير الطبري في سنة ثلاثمائة يقول: كنت بمكة سنة اربعين ومائتين فرأيت خراسانيا ينادي: معاشر الحاج من وجد هميانا فيه الف دينار فرده علي اضعف الله له الثواب. قال فقام إليه شيخ من اهل مكة كبير من موالي جعفر بن محمد فقال له يا خراساني بلدنا فقير اهله شديد حاله ايامه معدودة ومواسمه منتظرة لعله يقع بيد رجل مؤمن يرغب فيما تبذله له حلالا ياخذه ويرده عليك قال الخراساني فكم يريد قال العشر مائة دينار قال لا افعل ولكنا نحيله على الله عز وجل قال وافترقا. قال ابن جرير فوقع لي ان الشيخ صاحب القريحة والواجد للهميان فاتبعته فكان كما

ظننت فنزل الى دار مستفلة خلقه الباب والمدخل فسمعته يقول يا لبابة قالت له لبيك ابا غياث قال وجدت صاحب الهميان ينادي عليه مطلقا فقلت له قيده بان تجعل لواجده شيئا فقال كم فقلت عشره فقال لا ولكنا نحيله على الله عز وجل فاي شيء نعمل ولا بد لي من رده فقالت له نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة ولك اربع بنات واختان وانا وامي وانت تاسع القوم اشبعناواكسنا ولعل الله عز وجل يغنيك فتعطيه او يكافئه عنك ويقضيه: فقال لها لست افعل ولا احرق حشاشتي بعد ست وثمانين سنة. قال ثم سكت القوم وانصرفت فلما ان كان من الغد على ساعات من النهار سمعت الخراساني يقول يا معاشر الحاج وفد الله من الحاضر والبادي من وجد هميانا فيه الف دينار فرده اضعف الله له الثواب قال فقام إليه الشيخ فقال يا خراساني قد قلت لك بالامس ونصحتك وبلدنا والله فقير قليل الزرع والضرع وقد قلت لك ان تدفع الى واجده مائة دينار فلعله ان يقع بيد رجل مؤمن يخاف الله عز وجل فامتنعت فقل له عشرة دنانير منها فيرده عليك ويكون له في العشرة الدنانير ستر وصيانة قال فقال له الخراساني لا نفعل ولكن نحيله على الله عز وجل قال ثم افترقا. قال الطبري فما اتبعت الشيخ ولاالخراساني وجلست اكتب كتاب النسب للزبير بن بكار فلما كان من الغد سمعت الخراساني ينادي ذلك النداء بعينه فقام إليه الشيخ فقال له يا خراساني قلت لك اول امس العشر منه وقلت لك امس عشر العشر اعط دينار عشر عشر العشر يشتري بنصف دينار قريبة يستفي عليها للمقيمين بمكة بالاجرة وبنصف دينار شاة يحلبها ويجعل ذلك لعياله غذاء قال لا نفعل ولكن نحيله على الله عز وجل. قال فجذبه الشيخ وقال له تعال خذ هميانك ودعني انام الليل وارحنا من محاسبتك فقال له امش بين يدي فمشى الشيخ وتبعه الخراساني وتبعتهما فدخل الشيخ فما لبث ان خرج وقال ادخل يا خراساني فدخل ودخلت فنبش تحت درجة له مزبلة فاخرج منها الهميان اسود من خرق بخارية غلاظ فقال هذا هميانك فنظر إليه وقال هذا هذا هيماني قال ثم حل راسه من شد وثيق ثم صب المال في حجر نفسه وقلبه مرارا وقال هذه دنانيرنا وامسك فم الهميان بيده الشمال ورد المال بيده اليمنى فيه ثم شده شدا سهلا ووضعه على كتفه ثم اراد الخروج فلما بلغ باب الدار رجع فقال للشيخ يا شيخ مات ابي رحمه الله وترك من هذه ثلاثة

الاف دينارفقال لي اخرج ثلثها ففرقه علىاحق الناس عندك وبع رحلي واجعله نفقة لحجتك ففعلت ذلك واخرجت ثلثها الف دينار وشددتها في هذا الهميان وما رأيت منذ خرجت من خراسان الى هاهنا رجلا احق به منك خذه بارك الله لك فيه قال ثم ولى وتركه قال فوليت خلف الخراساني فعدا ابو غياث فلحقني وردني وكان شيخا مشدود الوسط بشريط معصب الحاجبين ذكر ان له ستاً وثمانين سنة فقال لي اجلس فقد رايتك تتبعني في اول يوم وعرفت خبرنا بالامس واليوم سمعت احمد بن يونس اليربوعي يقول سمعت مالكا يقول سمعت نافعا يقول عن عبد الله بن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر وعلي رضي الله عنهما اذا اتاكما الله بهدية بلا مسالة ولا استشراف نفس فاقبلاها ولا ترداها فترد لها على الله عز وجل وهذه هدية من الله والهدية لمن حضر. ثم قال يا لبابة وفلانة وفلانة فصاح ببناته واخواته وزوجته وامها وقعد واقعدني فصرنا عشرة فحل الهميان وقال ابسطوا حجوركم فبسطت حجري وما كان لهن قميص له حجر يبسطونه فمدوا ايديهم واقبل يعد دينارا دينارا حتى اذا بلغ العاشر الي قال ولك دينار حتى فرغ الهميان وكانت ألفاً فيها الف فاصابني مائة دينار فداخلني من سرور غناهم اشد مما داخلني من سرور صيانتي بالمائة دينار. فلما اردت الخروج قال لي يا فتى انك لمبارك وما رأيت هذا المال قط ولا املته واني لانصحك انه حلال فاحتفظ به واعلم اني كنت اقوم فاصلي الغداة في هذا القميص الخلق ثم انزعه فيصلين فيه واحدة واحدة ثم اكتسب الى ما بين الظهر والعصر ثم اعود في آخر النهار بما فتح الله عز وجل لي من اقط وتمر وكسيرات ومن بقول نبذت ثم انزعه فيتداولنه فيصلين فيه المغرب وعشاء الاخرة فنفعهن الله بما اخذن ونفعني واياك بما اخذنا ورحم صاحب المال في قبره واضعف ثواب الحامل للمال وشكر له. قال ابن جرير فودعته وكتبت بها العلم سنتين اتقوت بها واشتري منها الورق واسافر واعطي الاجرة فلما كان بعد سنة ست وخمسين سألت عن الشيخ بمكة فقيل انه مات بعد ذلك بشهور ووجدت بناته ملوكا تحت ملوك وماتت الاختان وامهن وكنت انزل على ازواجهن واولادهن فاحدثهم بذلك فيانسون بين ويكرموني ولقد حدثني محمد بن حيان البجلي في سنة تسعين ومائتين انه ما بقي منهم احد فبارك الله لهم فيما صاروا اليه.

أبو جعفر المزين الكبير

222- ابو جعفر المزين الكبير جاور بمكة وبها مات وكان من العباد. عن احمد بن عبد الله هو ابو نعيم قال سمعت ابا جعفر الخياط الاصبهاني بمكة يقول سمعت ابا جعفر المزين يقول محنتنا وبلاؤنا صفاتنا فمتى فنيت حركات صفاتنا اقبلت القلوب منقادة للحق. وقال سمعت ابي يقول سمعت ابا جعفر المزين الكبير يقول ان الله لم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ولكن بقدر جوده وكرمه ولم يفرح المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رافته ورحمته.

_ 223- هو: المزين الأستاذ العارف أبو الحسن البغدادي علي بن محمد المزين قال الذهبي: فأما أبو الحسن المزين الكبير البغدادي فآخر جاور فرقهما أبو عبد الرحمن السلمي وما يظهر لي إلا أنها واحد.

أبو الحسن علي بن محمد المزين الصغير

223- أبو الحسن علي بن محمد المزين الصغير اصله من بغداد ولكنه اقام بمكة. عن أبي عبد الله بن خف قال سمعت أباالحسن المزين بمكة يقول كنت في بادية تبوك فتقدمت الى بئر لاستقي منها فزلقت رجلي فوقعت في جوف البئر ف رأيت في البئر زاوية واسعة فأصلحت موضعا وجلست عليه وقلت ان كان مني شيء لا افسد الماء على الناس وطابت نفسي وسكن قلبي فبينا انا قاعد اذا بخشخشة فتأملت فإذا بلأفعى ينزل على البئر فراجعت نفسي فاذا هي ساكنة فنزل ودار بي وانا هادىء السر يضطرب علي ثم لفت بي ذنبه واخرجني من البئر وحلل عني ذنبه فلا ادري ارض ابتلعته او سماء رفعته وقمت ومشيت. وعن جعفر الخلدي ودعت المزين الصوفي فقلت زودني شيئا فقال ان ضاع منك شيء أو أن أردت يجمع الله بينك وبين إنسان فقل يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه ان الله لا يخلف الميعاد اجمع بيني وبين كذا فان الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء او ذلك الانسان فما دعوت بها في شيء الا استجيب. وعن ابي بكر الرازي قال سمعت ابا الحسن المزين يقول الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب والحسنة الحسنة ثواب الحسنة. وقال ابو الحسن المزين من استغنى بالله احوج الله الخلق اليه.

وقال المعجب بعلمه مستدرج والمستحسن لشيء من افعاله ممكور به. قال السلمي صحب ابوالحسن المزين الجنيد وسهل بن عبد الله واقام بمكة مجاورا حتى توفي بها سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.

أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني

224- ابو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني طاف الافاق ولقي المشايخ وسكن مكة فصار شيخ الحرم وكان إذا خرج إلى الحرم يخلون المطاف ويقبلون يده اكثر من تقبيل الحجر وكانت له كرامات. عن أبي عبد الله محمد بن احمد قال لما عزم الشيخ سعد على الاقامة بالحرم عزم على نفسه نيفاً وعشرين عزمة يلزمها اياها من المجاهدات والعبادات ومات بعد ذلك باربعين سنة ولم يخل منها بعزيمة واحدة. قال المصنف انبأ اسماعيل بن احمد عن سعد بن علي الزنجاني قال انشدني ابو عبد الله محمد بن احمد الواعظ قال انشدني علي بن عبد العزيز الجرجاني. ما تطعمت لذة العيش حتى ... صرت للبيت والكتاب جليسا ليس شيء اعز عندي من العلم ... فلم ابتغي سواه انيسا؟ انما الذل في مخالطة الناس ... فدعهم وعش عزيزا رئيسا توفي الزغاني في سنة سبعين او احدى وسبعين واربع مائة رحمه الله.

_ 224- هو: سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين الزنجاني الصوفي الإمام العلامة الحافظ القدوة العابد شيخ الحرم أبو القاسم ولد سنة ثمانين وثلاثمائة تقريبا.

ذكر المصطفين من عباد كانوا بمكة لم تعرف أسماؤهم

ذكر المصطفين من عباد كانوا بمكة لم تعرف أسماؤهم 225- عابد عن عبد الله بن المبارك قال كنت بمكة فاصابهم قحط فخرجوا الى المسجد الحرام يستسقون فلم يسقوا والى جانبي اسود منهوك فقال اللهم انهم قد دعوك فلم تجبهم واني اقسم عليك ان تسقينا قال فوالله ما لبثنا ان سقينا. قال فانصرف الاسود واتبعته حتى دخل دارا في الخياطين فعلمتها فلما اصبحت اخذت دنانير واتيت الدار فاذا رجل على باب الدار فقلت اردت رب هذه الدار فقال أنا قلت مملوك لك أردت شراءه فقال لي أربعة عشر مملوكاً أخرجهم إليك فأخرجهم فلم يكن منهم. فقلت له: بقي شيء؟ فقال لي غلام مريض فأخرجه فإذا هو الاسود فقلت بعنيه قال هو لك يا ابا عبد الرحمن فاعطيته اربعة عشر دينارا واخذت المملوك فلما صرنا الى بعض الطريق قال لي يا مولاي أي شيء تصنع بي وانا مريض فقلت لما رأيت عشية امس قال فاتكأ على الحائط فقال اللهم اذ شهرتني فاقبضني اليك قال فخر ميتا قال فانحشر عليه اهل مكة. وقد رويت لنا هذه الحكاية على صفة اخرى قال ابن المبارك قدمت مكة فاذا الناس قد قحطوا من المطر وهم يستسقون في المسجد الحرام وكنت في الناس مما يلي باب بني شيبة اذ اقبل غلام اسود عليه قطعتا خيش قد اتزر باحداهماوالقى الاخرى على عاتقه فصار في موضع خفي الى جانبي فسمعته يقول الهي اخلقت الوجوه كثرة الذنوب ومساوىء الاعمال وقد منعتنا غيث السماء لتؤدب الخليقة بذلك فاسالك يا حليما ذا اناة يا من لا يعرف عباده منه الا الجميل اسقهم الساعة الساعة. قال ابن المبارك فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى استوت بالغمام واقبل المطر من كل مكان وجلس مكانه يسبح واخذت ابكي اذ قام فاتبعته حتى عرفت موضعه فجئت الى فضيل بن عياض فقال لي ما لي اراك كئيبا فقلت سبقنا إليه غيرنا فتولاه دوننا فقال وما ذاك فقصصت عليه القصة فصاح وسقط وقال ويحك يا ابن المبارك خذني إليه فقلت قد ضاق الوقت وسأبحث عن شأنه.

فلما كان من الغد صليت الغداة وخرجت أريد الموضع فإذا شيخ على الباب قد بسط له وهو جالس فلما رآني عرفني وقال مرحباً بك يا أبا عبد الرحمن حاجتك فقلت له احتجت الى غلام أسود. قال نعم عندي عدة فاختر ايهم شئت فصاح يا غلام فخرج غلام جلد فقال هذا محمود العاقبة ارضاه لك فقلت ليس هذا حاجتي فما زال يخرج واحدا بعد واحد حتى اخرج الي الغلام فلما بصرت به بدرت عيناي فقال هذا هو قلت نعم قال ليس الى بيعه سبيل قلت ولم قال قد تبركت بموضعه من هذه الدار وذلك انه لا يرزؤني شيئاً قلت ومن اين طعامه وشرابه قال يكسب من فتل الشريط نصف دانق او اقل او اكثر فهو قوته فان باعه في يومه والا طوى ذلك اليوم واخبرني الغلمان عنه انه لا ينام هذا الليل الطويل ولا يختلط باحد منهم مهتم بنفسه وقد احبه قلبي فقلت له انصرف الى سفيان بن عيينة والى فضيل بن عياض بغير قضاء حاجة فقال ان ممشاك عندي كبير خذه بما شئت. قال فاشتريته فاخذت نحو دار فضيل بن عياض فمشيت ساعة فقال لي يا مولاي فقلت لبيك قال لا تقل لي لبيك فان العبد اولى ان يلبي من المولى. قلت حاجتك يا حبيبي قال انا ضعيف البدن لا اطيق الخدمة وقد كان لك في غيري سعة وقد أخرج إليك من هو أجلد مني فقلت لا يراني الله استخدمك ولكن اشتري لك منزلا وأزوجك واخدمك انا بنفسي قال فبكى فقلت له ما يبكيك قال انت لم تفعل هذا الا وقد رأيت بعض متصلاتي بالله تعالى والا فلم اخترتني من بين اولئك الغلمان فقلت له ليس أي حاجة الى هذا فقال لي سألتك بالله الا ما أخبرتني فقلت له باجابة دعوتك فقال لي أني أحسبك ان شاء الله تعالى رجلا صالحا ان الله عز وجل خيرة من خلقه لا يكشف شانهم الا لمن أحب من عباده ولا يظهر عليهم الا من قد ارتضى. ثم قال لي ترى ان تقف علي قليلا فانه قد بقيت علي ركعات من البارحة فقلت هذا منزل فضيل قريب قال لا ههنا احب الى امر الله عز وجل لا يؤخر فدخل من باب الباعة الى المسجد فما زال يصلي حتى اذا اتى على ما اراد التفت الي وقال يا ابا عبد الرحمن هل من حاجة قلت ولم قال لاني اريد الانصراف قلت الى اين قال الى الاخرة قلت لا تفعل دعني اسر بك. فقال لي انما كانت تطيب الحياة حيث كانت المعاملة بيني

وبينه تعالى فاما اذ اطلعت عليها انت فسيطلع عليها غيرك فلا حاجة لي في ذلك ثم خر لوجهه فجعل يقول الهي اقبضني الساعة الساعة الساعة. فدنوت منه فاذا هو قد مات فوالله ما ذكرته قط الا طال حزني وصغرت الدنيا في عيني رحمه الله.

عابد آخر

226- عابد آخر عن ابي سعد الخزاز قال كنت بمكة معي رفيق لي من الورعين فأقمنا ثلاثة أيام لم نأكل شيئاً وكان بحذائنا فقير معه كويزة وركوة مغطاة بقطعة خيش. وربما كنت أراه يأكل خبز خواري فقلت في نفسي والله لاقولن لهذا نحن الليلة في ضيافتك فقلت له فقال نعم وكرامة. فلما جاء وقت العشاء جعلت أراعيه ولم أر معه شيئاً فمسح يده على سارية فوقع على يده شيء فناولني فإذا درهمان لا تشبه الدراهم فاشترينا خبزاً وادماً. فلما مضى لذلك مدة جئت إليه وسلمت عليه وقلت له اني ما زلت اراعيك منذ تلك الليلة وانا احب ان تعرفني بم وصلت الى ذلك فان كان يبلغ بعمل حدثتني فقال يا ابا سعيد ما هو الا حرف واحد قلت وما هو قال تخرج قدر الخلق من قلبك تصل الى حاجتك.

عابد اخر.

227- عابد اخر عن بيان المصري قال كنت في مكة قاعدا وشاب بين يدي فجاءه انسان وحمل إليه كيسا فيه دراهم فوضعه بين يديه فقال لا حاجة لي فيه فقال فرقه على المساكين ففرقه فلما كان العشاء رايته في الوادي يطلب شيئا لنفسه. فقلت لو تركت شيئا لنفسك مما كان معك فقال لم اعلم اني اعيش الى هذا الوقت.

عابد آخر.

228- عابد اخر عن عبيد الله بن ابي نوح قال قال لنا عابد كان بمكة ما تركت النار للعاقل سرورا في اهل ولا ولد ولبئس المصير مصير مفرط في المهلة ومتكل على الغرة وطول الغفلة. وقال لنا لتكن الاثرة لله في قلوبكم المستولية على جميع اموركم يوشك ان تفوزوا بذلك يوم يخسر المبطلون رحمه الله.

ذكر المصطفيات من عابدات مكة

ذكر المصطفيات من عابدات مكة 229- حكيمة المكية عن سلمة بن خالد المخزومي قال، وكان من خيار بني مخزوم، قال: كان هاهنا امرأة من بني مخزوم مجاورة وكان يقال لها حكيمة وكانت اذا نظرت الى باب الكعبة قد فتح صرخت كما تصرخ الثكلى فلا تزال تصرخ حتى يغمى عليها وكانت لا تكاد تفارق المسجد الا للامر الذي لا بد منه. قال ففتحت الكعبة يوما وهي بعض حاجتها فلما جاءت قالت لها امرأة كانت تجالسها حكيمة فتح اليوم بيت ربك فلو رأيت الطائفين يطوفون بالبيت والباب مفتوح وهم ينتظرون الرحمة من مليكهم لقد قرت عينك. قال فصرخت حكيمة صرخة ثم لم تزل تضطرب حتى ماتت رحمها الله.

نقيش بنت سالم

230- نقيش بنت سالم عن أبي المورق قال حدثني من سمع نقيش بنت سالم بمكة وهي تقول يا سيد الانام رحلت بي الشقة وهذا مقام العائد بعفوك من سخطك وبرحمتك من غضبك يا حبيب الاوابين يا من لا يكديه الا عطاء يا ذا المن والالاء زدني بالثقة منك وصلة واجعل قراي عتق رقبتي وأقرر عيني برضاك. قال ورايتها بالموقف وهي تقول بهظتني الاثام يا سيد الانام كحلت عيني بملمول الحزن فوعزتك لا نعمت بضحك ابدا حتى اعلم اين قراري والى اين تصير داري فلما رات ايدي الناس مبسوطة للدعاء قالت يا رب أقامهم هذا المقام خوف النار يا قرة عيني وعيون الأبرار يلتمسون نائلك ويرجون فضلك. قلما رجعوا وضعت خدها وصرخت انصرف الناس ولم اشعر قلبي منك الياس.

عائشة المكية

231- عائشة المكية عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال دخلت مكة وكنت ربما اقعد بحذاء الكعبة وربما كنت استلقي وامد رجلي فجاءتني عائشة المكية وكانت من العابدات ممن صحب الفضيل فقالت لي يا عبد الله يقال انك عالم اقبل مني كلمة لا تجالسه الا بادب فيمحوا اسمك من ديوان القرب.

ابنة ابي الحسن المكي

232- ابنة ابي الحسن المكي عن عبد الله بن احمد بن بكر قال كان لابي الحسن المكي ابنة مقيمة بمكة اشد ورعا منه وكانت لا تقتات الا ثلاثين درهماً ينفذها إليها أبوها في كل سنة مما يستفضله من ثمن الخوص الذي يسفه ويبيعه. فاخبرني ابن الرواس التمار وكان جاره قال جئت أودعه للحج واستعرض حاجته واساله ان يدعو لي فسلم الي قرطاسا وقال تسال بمكة عن الموضع الفلاني عن فلانة وتسلم هذا اليها فعلمت أنها ابنته. فاخذت القرطاس وجئت فسالت عنها فوجدتها بالعبادة والزهد اشد اشتهارا من ان تخفى فتتبعت نفسي ان تصل اليها شيء من مالي يكون لي ثوابه وعلمن انني ان دفعت اليها ذاك لم تأخذه ففتحت القرطاس وجعلت الثلاثين خمسين درهما ورددته كما كان وسلمته اليها فقالت أي شيء خبر أبي فقلت سلامة فقالت قد خالط أهل الدنيا وترك الانقطاع الى الله تعالى فقلت أسألك بالله وبمن حججت إليه عن شيء فتصدقني فقلت نعم فقالت خلطت بهذه الدراهم شيئاً من عندك فقلت نعم فمن اين علمت بهذا قالت ما كان ابي يزيدني على الثلاثين شيئاً لان حاله لا يحتمل أكثر منها إلا أن تكون ترك العادة فلو أخبرتني بذلك ما أخذت منه أيضاً شيئاً. ثم قالت لي خذ الجميع فقد عققتني من حيث قدرت أنك تبرني فقلت ولم؟ قالت لا أكل شيئاً ليس هو من كسبي ولا كسب أبي ولا اخذ من مال لا اعرف كيف هو شيئا. فقلت خذي منها الثلاثين كما انفذ اليك أبوك وردي الباقي فقالت لو عرفتها بعينها من جملة الدراهم لاخذتها ولكن قد اختلطت بما لا أعرف جهته فلا آخذ منها شيئاً وأنا الآن اقتات الى الموسم الاخر من المزابل لان هذه كانت قوتي تلك السنة فقد اجعتني ولولا أنك ما قصدت أذاي لدعوت عليك. قال فاغتتمت وعدت الى البصرة وجئت الى ابي الحسن فاخبرته واعتذرت إليه فقال لا اخذها وقد اختلطت بغير مالي وقد عققتني وإياها قال فقلت فما أعمل بالدراهم قال لا أدري فما زلت مدة اعتذر إليه وأسأله ما أعمل بالدراهم فقال لي بعد مدة تصدق بها ففعلت.

ذكر المصطفيات من عابدات مكة المجهولات الاسماء

ذكر المصطفيات من عابدات مكة المجهولات الاسماء 233- جارية سوادء عن المثنى بن الصباح قال كان عطاء ومجاهد يختلفان الى جارية سوداء في ناحية مكة تبكيهما ثم يرجعان. 234- عابدة اخرى عن مالك بن دينار قال رأيت امرأة بمكة من أحسن الناس عينين قال فكان النساء يجئن فينظرن اليها فاخذت في البكاء فقيل لها تذهب عيناك فقالت ان كنت من اهل الجنة فيبدلني الله عينين احسن من هاتين وان كنت من اهل النار فسيصيبهما اشد من هذا فبكت حتى ذهبت إحدى عينيها رحمها الله. 235- عابدة أخرى عن ابي عبد الرحمن المغازلي قال كانت حكيمة مجاورة بمكة فدخلنا عليها ذات يوم فقالت لها امرة كانت تخدمها اخوانك جاؤوك يحبون ان يسمعوا كلامك. قال فبكت طويلا ثم اقبلت علينا فقالت اخوتي وقرة عيني مثلوا القيامة نصب ابصار قلوبكم وردوا على انفسكم ما قدم تقدم عن اعمالكم فما ظننتم انه يجوز في ذلك اليوم فارغبوا الى السيد في قبوله وتمام النعمة فيه وما خفتم ان يرد في ذلك اليوم عليكم فخذوا في اصلاحه من اليوم ولا تغفلوا عن انفسكم فترد عليكم حيث لا يوجد البدل ولا يقدر على الفداء. قال ثم بكت طويلا ثم أقبلت علينا فقالت إخوتي وقرة عيني إنما صلاح الأبدان وفسادها من حسن النية وسوئها اخواني وقرة عيني انما نال المتقون المحبة لمحبتهم له وانقطاعهم إليه ولولا الله ورسوله ما نالوا ذلك ولكنهم احبوا الله ورسوله فاحبهم عباد الله لحبهم الله ورسوله اخواني وقرة عيني كلم الخوف قلوب اهله فاقتطعهم والله شغلهم عن مطاعم اللذات والشهوات اخوتي وقرة عيني بقدر ما تعرضون عن الله يعرض عنكم بخيره وبقدرما تقبلون عليه كذلك يقبل عليكم ويزيدكم من فضله والله واسع كريم.

236- عابدة أخرى عن ابن أبي رواد قال كان عندنا إمرأة بمكة تسبح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة فأتت فلما بلغت القبر اختلست من ايدي الرجال رحمها الله. 237- عابدة أخرى عن ابن شوذب قال كتب عبدة بن ابي لبابة الى شريك يقال له الحسن بن الخزاز ادفع ثلاث مائة درهم الى احوج اهل بيت بمكة فسال فدل على اهل بيت فوقف بهم فخرجت إليه امرأة كبيرة حسنة السمت فقال لها بعث الي بثلاث مائة درهم وامرت ان ادفعها الى احوج اهل بيت بمكة فقالت المراة ان كنت امرت بهذا فما نحن هم وما لنا فيها من حق وانا اعرف اهل بيت احوج منا. فسالها فدلته عليهم فاعطاهم الدراهم وكتب الى عبدة يخبره بحال المراة فكتب عبدة ان اضعفها اعطها ستمائة درهم. وقد ذكرنا نحو هذه الحكاية عن عابدة من اهل المدينة. 238- عابدة أخرى عن أبي الحسن الرام وكان من خيار الناس قال كانت امرأة بمكة يأتيها العباد فيتحدثون عندها ويتواعظون فقالت لهم يوما حجبت قلوبكم الدنيا عن الله عز وجل فلو جليتموهما لجالت في ملكوت السموات ولأتتكم بطرف الفوائد. 239- عابدة أخرى عن صالح بن عبد الكريم قال دللت على امرأة بمكة او بالمدينة تتعبد فاتيتها وهي تتكلم قال فاحسنت حتى سكتت قال فصبرت حتى تفرق الناس عنها ثم دنوت منها فقلت لقد تكلمت ولقد خشيت عليك العجب فقالت انما العجب من شيء هو منك فاما ما كان من غيرك ففيم العجب ثم قالت: وله خصائص مصطفون لحبه ... اختارهم في سالف الازمان اختارهم من قبل فطرة خلقه ... بودائع وبحكمة وبيان ثم قالت انهض اذا شئت. 240- عابدة اخرى عن عبد الرحمن بن الحكم قال كانت عجوز من قريش بمكة تاوي في سرب ليس لها بيت غيره فقيل لها اترضين بهذا فقالت أوليس هذا لمن يموت كثيراً.

241- عابدة اخرى عن محمد بن بكار قال كانت عندنا بمكة امرأة عابدة فكانت لا تمر بها ساعة الا وهي صارخة فقيل لها يوما إنا لنراك على حال ما نرى غيرك عليها فان كان بك داء عالجناك. قال فبكت وقالت من لي بعلاج هذا الداء وهل اقرح قلبي الا التفكر في نيل معالجته أوليس عجيبا ان اكون حية بين اظهركم وفي قلبي من الاشتياق الى ربي عز وجل مثل شعل النار التي لا تطفا حتى اصير الى الطبيب الذي عنده برء دائي وشفاء قلب قد انضجه طول الاحزان في هذه الدار التي لا اجد فيها على البكاء مسعدا؟ انتهى ذكر اهل مكة.

ومن المصطفين من أهل الطائف

ومن المصطفين من أهل الطائف: 242- سعيد بن السائب الطائفي روى عن ابيه ونوح بن صعصعة وغيرهما وروى عنه وكيع ومعن بن عيسى. عن سفيان قال كان سعيد بن السائب الطائفي لا تكاد تجف له دمعة انما دموعه جارية دهره ان صلى فهو يبكي وان طاف فهو يبكي وأن جلس يقرأ في المصحف فهو يبكي وان لقيته في طريق فهو يبكي. قال سفيان فحدثوني ان رجلا عاتبه على ذلك فبكى ثم قال انما ينبغي ان تعذلني وتعاتبني على التقصير والتفريط فانهما قد استوليا علي. قال الرجل فلما سمعت ذلك انصرفت وتركته. وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال ما رأيت احدا قط اسرع دمعة من سعيد بن السائب انما كان يجريه ان يحرك فترى دموعه كالقطر. عن محمد بن يزيد ين خنيس قال قيل لسعيد بن السائب كيف اصبحت قال اصبحت انتظر الموت على غير عدة. وعنه قال سمعت الثوري يقول جلست ذات يوم احدث ومعنا سعيد بن السائب الطائفي فجعل سعيد يبكي حتى رحمته فقلت يا سعيد ما يبكيك وانت تسمعني اذكر اهل الخير وفعالهم فقال يا سفيان وما يمنعني من البكاء اذا ذكرت مناقب اهل الخير وكنت عنهم بمعزل؟ قال: يقول سفيان حق له ان يبكي رحمه الله.

_ 242- هو: سعيد بن السائب بن يسار الثقفي الطائفي وهو ابن أبي يسار ثقة عابد من السابعة.

ذكر المصطفين من طبقات أهل اليمن من التابعين ومن بعدهم

ذكر المصطفين من طبقات أهل اليمن من التابعين ومن بعدهم من الطبقة الثانية طاوس بن كيسان ... ذكر المصطفين من طبقات أهل اليمن من التابعين ومن بعدهم فمن الطبقة الثانية: 243- طاووس بن كيسان يكنى ابا عبد الرحمن قال الواقدي كان طاووس مولى بحير بن ريسان الحميري وكان ينزل الجند وقال الفضل بن دكين هو مولى لهمدان وقال عبد المنعم بن ادريس هو مولى لابن هوذة الهمداني. عن الحسن بن حصين قال رأيت طاووساً مر برءاس بمكة وقد أخرج رأسا فلما رآه صعق. وعن عبد الله بن بشر أن طاووساً اليماني كان له طريقان إلى المسجد طريق في السوق وطريق آخر فكان يأخذ في هذا يوما وفي هذا يوما فاذا مر في طريق السوق فراى تلك الرؤوس المشوية لم يتعش تلك الليلة وقد روي لنا لم ينعس. وعن مسعر عن رجل قال اتى طاووس رجلا في السحر فقالوا هو نائم فقال ما كنت ارى ان احدا ينام في السحر. وعن عبد الرزاق قال حدثني ابي قال كان طاووس يصلي في غداة باردة فمر به محمد بن يوسف أخو الحجاج بن يوسف او ايوب بن يحيى وهو ساجد في موكبه فامر بساج او طليسان مرتفع فطرح عليه فلم يرفع راسه حتى فرغ من حاجته فلما سلم نظر فإذا الساج عليه قال فانتفض ولم ينظر إليه ومضى الى منزله. وعن أبي اسحاق الضعناني قال دخل طاووس ووهب بن منبه على محمد بن يوسف اخي الحجاج وكان عاملا علينا في غداة باردة فقعد طاووس على الكرسي فقال محمد يا غلام هلم ذلك الطيلسان فالقه على ابي عبد الرحمن. فألقوه عليه فلم يزل يحرك كتفيه حتى ألقى عنه الطيلسان وغضب محمد بن يوسف فقال له وهب والله ان كنت لغنياً أن تغضبه علينا لو أخذت الطيلسان فبعته واعطيت ثمنه المساكين فقال نعم لولا ان يقال من بعدي أخذه طاووس فلا يصنع فيه ما اصنع لفعلت.

_ 243- هو: طاوس بن كيسان اليماني أبو عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي يقال: اسمه ذكوان وطاوس لقب ثقة فقيه فاضل.

وعن النعمان بن الزبير ان محمد بن يوسف وأيوب بن يحيى بعثا الى طاووس بخمسمائة دينار وقالوا للرسول ان اخذها منك فان الامير سيكسوك ويحسن اليك فخرج بها حتى قدم على طاووس فقال يا أبا عبد الرحمن نفقة بعث بها إليك الأمير قال ما لي بها من حاجة قال فأراده على قبضها فأبى فغفل طاووس فرمى بها في كوة في البيت ثم ذهب فقال لهم قد أخذها فلبثوا حينا ثم بلغهم عن طاووس شيء يكرهونه فقال ابعثوا إليه فليبعث الينا بما لنا فجاءه الرسول فقال: المال الذي بعث به اليك الامير قال ما قبضت منه شيئا فرجع الرسول فاخبرهم فعرفوا انه صادق. فقيل للرجل الذي ذهب بها فبعثوه إليه فقال المال الذي جئتك به يا ابا عبد الرحمن فقال هل قبضت منك شيئا قال لا قال فهل تدري اين وضعته؟ قال نعم في تلك الكوة قال فابصره حيث وضعته قال فمد يده فاذا هو بالصرة قد بنت عليها العنكبوت فاخذها فذهب بها اليهم. وعن سفيان قال جاء ابن لسليمان بن عبد الملك فجلس الى جنب طاووس فلم يلتفت إليه فقيل له جلس اليك ابن امير المؤمنين فلم تلتفت إليه قال اردت ان يعمل ان لله عبادا يزهدون فيما في يديه. وعن سفيان عن عمرو قال ما رأيت احدا اشد تنزها مما في ايدي الناس من طاووس. وعن ابن ابي رواد قال رأيت طاووسا واصحابه اذا صلوا العصر استقبلوا القبلة ولم يكلموا احدا وابتهلوا في الدعاء. وعن الصلت بن راشد قال كنت عند طاووس فساله سلم بن قتيبة عن شيء فزبره وانتهره قال قلت هذا سلم بن قتيبة صاحب خرسان قال ذاك اهون له علي. وعن عبد الرزاق قال قدم طاووس مكة فقدم امير قال فقيل له ان من فضله ومن ومن فلو اتيته قال ما لي إليه حاجة قالوا انا نخافه عليك قال فما هو كما تقولون. وعن ابن طاووس قال قلت لابي اريد ان اتزوج فلانة قال اذهب فانظر اليها قال فذهبت فلبست من صالح ثيابي وغسلت راسي وادهنت فلما راني في تلك الهيئة قال اقعد لا تذهب. وعن بلال بن كعب قال كان طاووس اذا خرج من اليمن يعني الى مكة لم يشرب الا من تلك المياه القديمة الجاهلية.

وعن يوسف بن اسباط قال مر طاووس بنهر قد كرى فارادت بغلته ان تشرب فابى ان يدعها يعني كراه السلطان. وعن عبد المنعم بن ادريس عن ابيه قال صلى وهب بن منبه وطاووس اليماني الغداة بوضوء العتمة اربعين سنة. وعن ابن جريح قال قال لي عطاء قال لي طاووس يا عطاء لا تنزلن حاجتك بمن أغلق دونك ابوابه وجعل عليها حجابه ولكن انزلها بمن بابه مفتوح لك الى يوم القيامة امرك ان تدعوه وضمن لك ان يستجيب لك. وعن أحمد بن أبي الحواري قال سمعت ابا سليمان قال كان طاووس يفترش فراشه ثم يضطجع فيتقلى كما تتقلى الحبة في المقلى ثم يثب فيدرجه ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول طير ذكر جهنم نوم العابدين. وعن ليث عن طاووس قال ما من شيء يتكلم به ابن آدم الا احصي عليه حتى انينه في مرضه. وعن عبد الله بن ابي صالح المكي قال دخل طاووس يعودني فقلت يا ابا عبد الرحمن ادع الله لي فقال ادع لنفسك فانه يجيب المضطر اذا دعاه. وعن سفيان قال قال طاووس ان الموتى يفتنون في قبورهم سبعا فكانوا يستحبون ان يطعم عنهم تلك الايام. وعن داود بن ابراهيم ان الاسد حبس الناس ليلة في طريق الحج فدق الناس بعضهم بعضا فلما كان في السحر ذهب عنهم فنزل الناس يمينا وشمالا فالقوا انفسهم فناموا وقام طاووس يصلي فقال ابن طاووس الا تنام فقد نصبت الليلة فقال طاووس ومن ينام السحر؟ ادرك طاووس خلقا كثيرا من الصحابة واكثر روايته عن ابن عباس. وروي عنه من كبار التابعين مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وابو الزبير ومحمد ابن المنكدر والزهري ووهب بن منبه. وعن عبد الملك بن ميسرة عن طاووس قال ادركت خمسين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن سفيان قال قلت لعبيد الله بن ابي يزيد مع من كنت تدخل على ابن عباس قال مع عطاء والعامة وكان طاووس يدخل مع الخاصة.

ذكر وفاته رحمه الله: توفي طاووس بمكة قبل يوم التروية بيوم وكان هشام بن عبد الملك قد حج في تلك السنة وهو خليفة سنة ست ومائة فصلى على طاووس وكان له يوم مات بضع وتسعون سنة. وعن ضمرة عن ابن شوذب قال شهدت جنازة طاووس بمكة سنة ست ومائة فسمعتهم يقولون رحمك الله ابا عبد الرحمن حج اربعين حجة رحمه الله.

وهب بن منبه

244- وهب بن منبه من الابناء يكنى ابا عبد الله. عن عبد العزيز بن رفيع عن وهب بن منبه قال الايمان عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وماله الفقه. وعن عبد الصمد بن معقل ان وهب بن منبه قال في موعظه له يا بن آدم انه لا أقوى من خالق ولا اضعف من مخلوق ولا اقدر ممن طلبته في يده ولا اضعف ممن هو في يد طالبه يا ابن ادم انه قد ذهب منك ما لا يرجع اليك واقام معك ما سيذهب. يا ابن ادم اقصر عن تناول ما لا تنال وعن طلب ما لا تدرك وعن ابتغاء ما لا يوجد واقطع الرجاء منك عما فقدت من الاشياء واعلم انه رب مطلوب هو شر لطالبه. يا ابن ادم انما الصبر عند المصيبة واعظم من المصيبة سوء الخلف منها. يا بن ادم فاي الدهر ترتجي أيوماً يجيء في غرة أو يوماً تستأخر فيه عن أوان مجيئه؟ انظر إلى الدهر تجده ثلاثة أيام يوماً مضى لا ترتجيه ويوما لا بد منه ويوما يجيء لا تامنه فامس شاهد مقبول وأمين مؤد وحكيم وارد قد فجعك بنفسه وخلف في يديك حكمته واليم صديق مودع كان طويل الغيبة وهو سريع الظعن اتاك ولم تاته وقد مضى قبله شاهد عدل فان كان ما فيه لك فاشفعه بمثله. يا ابن ادم مضت لنا اصول نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد اصله. يا بن ادم انما اهل هذه الدار سفر لا يحلون عقدة الرحال الا في غيرها وانما يتبلغون بالعواري فما أحسن الشكر للنعم والتسليم للمعير. فاعلم يا ابن ادم انه لا رزية اعظم من رزية في عقل ممن ضيع اليقين. أيها الناس إنما البقاء بعد الفناء وقد خلقنا ولم نكن سنبلى ثم نعود الا وانما العوارى اليوم والهبات غدا.

_ 244- هو: وهب بن منبه بن كامل اليماني أبو عبد الله الأنباري ثقة من الثالثة.

الا وانه قد تقارب منا سلب فاحش او اعطاء جزيل فاستصلحوا ما تقدمون بما تظعنون عنه. ايها الناس انما انتم في هذه الدار غرض فيكم المنايا تنتضل وان الذي انتم فيه من دنياكم نهب للمصائب لا تتناولون فيها نعمة الا بفراق اخرى ولا يستقبل معمر منكم يوما من عمره الا بهدم آخر من اجله ولا تجدد زيادة في اجله الا بنفاد ما قبله من رزقه ولا يحيا له اثر الا مات له اثر فنسال الله ان يبارك لنا ولكم فيما مضى من هذه العظة. وعن بكار بن عبد الله قال سمعت وهب بن منبه يقول مر رجل عابد على رجل عابد فقال ما لك قال اعجب من فلان ان كان قد بلغ من عبادته فمالت به الدنيا فقال لا تعجب ممن تميل به ولكن اعجب ممن استقام. وعن اشرس عن وهب بن منبه قال اوحى الله عز وجل الى داود يا داود هل تدري من اغفر له ذنوبه من عبيدي قال من هو يا رب قال الذي اذا ذكر ذنوبه ارتعدت منها فرائصه فذلك العبد الذي امر ملائكتي ان يمحوا عنه ذنوبه. قال وقال داود الهي اين اجدك اذا ما طلبتك قال عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي. وعن بكار بن عبد الله عن وهب قال قرات في بعض الكتب ان مناديا ينادي من السماء الرابعة كل صباح أبناء الاربعين زرع قد دنا حصاده ابناء الخمسين ماذا قدمتم وماذا اخرتم ابناء الستين لا عذر لكم ليت الخلق لم يخلقوا واذا خلقوا علموا لماذا خلقوا قد اتتكم الساعة فخذوا حذركم. وعن عبد الصمد بن معقل قال سمعت وهب بن منبه يقول قرأت في التوراة أيما دار بنيت بقوة الضغفاء جعلت عاقبتها للحراب وأيما مال جمع من غير حل جعلت عاقبته الى الفقر. وعن عبد الرزاق قال اخبرني أبي قال سمعت وهب بن منبه يقول ربما صليت الصبح بوضوء العتمة وقد روي لنا من طريق اخر. وعن المثنى بن الصباح قال لبث وهب بن منبه عشرين سنة لم يجعل له بين العشاء والصبح وضوءا. وقد روينا في ترجمة طاووس ان وهب بن منبه صلى الغداة بوضوء العشاء اربعين سنة.

وعن ابي سنان القسملي قال سمعت وهب بن منبه واقبل على عطاء الخراساني فقال ويحك يا عطاء الم اخبر انك تحمل علمك الى ابواب الملوك وابناء الدنيا؟ ويحك يا عطاء تاتي من يغلق عنك بابه ويظهر لك فقره ويواري عنك غناه وتدع من يفتح لك بابه ويظهر لك غناءه ويقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] . ويحك يا عطاء ارض بالدون من الدنيا مع الحكمة ولا ترض بالدون من الحكمة مع الدنيا ويحك يا عطاء ان كان يغنيك ما يكفيك فان ادنى ما في الدنيا يكفيك وان كان لا يغنيك ما يكفيك فليس في الدنيا شيء يكفيك ويحك يا عطاء إنما بطنك بحر من البحور وواد من الاودية فليس يملؤه الا التراب. وعن منير مولى الفضل بن أبي عياش قال كنت جالساً مع وهب بن منبه فاتاه رجل فقال اني مررت بفلان وهو يشتمك فغضب وقال ما وجد الشيطان رسولا غيرك فما برحت من عنده حتى جاءه ذلك الرجل الشاتم فسلم على وهب. فرد عليه ومد يده وصافحه واجلسه الى جنبه. وعن إبراهيم بن عمر قال قال وهب بن منبه اذا مدحك الرجل بما ليس فيك فلا تأمنه أن يذمك بمها ليس فيك. وعن جعفر بن برقان عن وهب بن منبه قال الايمان قائد والعمل سائق والنفس بينهما حرون فاذا قاد القائد ولم يسق السائق ولم يغن ذلك شيئا واذا ساق السائق ولم يقد القائد لم يغن ذلك شيئا واذا قاد القائد وساق السائق اتبعته النفس طوعا وكرها وطاب العمل. اسند وهب بن منبه عن جابر بن عبد الله والنعمان بن بشير وابن عباس وخلق كثير يطول شرحهم. وقد روى عن معاذ بن جبل وابي هريرة في اخرين وروى خلق كثير من كبار التابعين كطاووس. وروى عنه من التابعين جماعة منهم عمرو بن دينار وابان بن ابي عياش وموسى بن عقبة في اخرين. قال الواقدي مات وهب بن منبه بصنعاء سنة عشر ومائة وقيل سنة أربع عشرة.

المغيرة بن حكيم الصنعاني

245- المغيرة بن حكيم الصنعاني من الابناء. عن عبد الله بن ابراهيم قال اخبرني ابي قال سافر المغيرة بن حكيم الى مكة اكثر من خمسين سفرا حافيا محرما صائما لا يترك صلاة السحر في سفره إذا كان السحر نزل فصلى ويمضي اصحابه فاذا صلى الصبح لحق متى ما لحق. وعن ابراهيم بن عمر قال كان جزء المغيرة بن حكيم في يومه وليلته القرآن كله يقرأ في صلاة الصبح من البقرة الى هود ويقرا قبل الزوال الى ان يصلي العصر من هود الى الحج ثم يختم. سمع المغيرة بن حكيم من ابن عمر وابي هريرة وغيرهما.

_ 245- هو: المغيرة بن حكيم الصنعاني ثقة من الرابعة.

الحكم بن ابان العدني ابو عيسى

246- الحكم بن ابان العدني ابو عيسى عن اسحاق بن الضيف قال سمعت مشيخة يقولون كان الحكم بن ابان سيد اهل اليمن وكان يصلي الليل فاذا غلبه النوم القى نفسه في البحر وقال اسبح لله عز وجل مع الحيتان. سمع الحكم من عكرمة وغيره وتوفي سنة اربع وخمسين ومائة رحمه الله.

_ 246- هو: الحكم بن أبان المدني أبو عيسى صدوق عابد وله أوهام من السادسة.

ضرغام بن وائل الحضرمي

247- ضرغام بن وائل الحضرمي عن الطلحي قال كان رجل بأرض اليمن يقال له ضرغام بن وائل الحضرمي وكان زاهد قومه فقال لغلامه ذات يوم اشدد كتافي وعفر خدي بالثرى ففعل. فقال مليكي دنا الرحيل اليك ولا براءة لي من ذنب ولا عذر لي فاعتذر ولا لي قوة فانتصر انت انت لي فتغمدني قال ومات فسمعوا قائلا يقول اسكان العبد لمولاه فقبله.

ذكر المصطفين من عباد اليمن المجهولين الاسماء

ذكر المصطفين من عباد اليمن المجهولين الاسماء 248- عابد عن علي بن زيد قال قال طاووس بينا انا بمكة بعث الي الحجاج اجلسني الى جنبه واتكاني على وساده اذ سمع ملبيا يلبي حول البيت رافعا صوته بالتلبية فقال علي بالرجل فاتي به فقال ممن الرجل فقال من المسلمين قال ليس عن الاسلام سألت قال فعم سألت قال سالتك عن البلد قال من أهل اليمن قال كيف تركت محمد بن يوسف يريد اخاه قال تركته عظيما جسيما لباسا ركابا خراجا ولاجا قال ليس عن هذا سالتك قال فعم سألت قال سالتك عن سيرته فقال تركته ظلوما غشوما مطيعا للمخلوق عاصيا للخالق. فقال له الحجاج ما حملك ان تتكلم بهذا الكلام وانت تعلم مكانه مني قال الرجل اتراه بمكانة منك اعز مني بمكاني من الله عز وجل وانا وافد بيته ومصدق نبيه وقاضي دينه قال فسكت الحجاج فما أحار جوابا وقام الرجل من غير ان يؤذن له فانصرف. قال طاووس وقمت في اثره وقلت الرجل حكيم فاتى البيت فتعلق باستاره ثم قال اللهم بك اعوذ وبك الوذ اللهم اجعل لي في اللهف الى جودك والرضا بضمانك مندوحة عن منع الباخلين وغنى عما في أيدي المستأثرين اللهم فرجك القريب القريب ومعروفك القدمي وعادتك الحسنة. ثم ذهب في الناس فرايته عشية عرفة وهو يقول اللهم ان كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني الاجر على مصيبتي بتركك القبول مني ثم ذهب في الناس فرايته غداة جمع يقول واسواتاه والله منك وان عفوت يردد ذلك.

عابد اخر

249- عابد اخر موسى بن علي الاخميمي قال قال ذو النون وصف لي رجل باليمن قد برز على الخائفين وسما على المجتهدين وذكر لي باللب والحكمة فخرجت حاجا فلما قضيت نسكي مضيت إليه لاسمع من كلامه وانتفع بموعظته انا وناس كانوا معي يطلبون منه مثل ما اطلب. وكان معنا شاب عليه سيماء الصالحين ومنظر الخائفين كان مصفار الوجه من غير

مرض اعمش العينين من غير عمش ناحل الجسم من غير سقم يحب الخلوة ويانس بالوحدة تراه ابدا كانه قريب العهد بالمصيبة فخرج الينا فجلسنا إليه فبدا الشاب بالسلام عليه وصافحه فابدى الشيخ له البشر والترحيب ثم سلمنا عليه فقال الشاب ان الله بمنه وفضله قد جعلك طبيبا لسقام القلوب معالجا لاوجاع الذنوب وبي جرح نغل وداء قد استكمل فان رأيت ان تلطف لي ببعض مراهمك وتعالجني برفقك. فقال له الشيخ سل ما بدا لك يا فتى فقال له الشاب يرحمك الله ما علامة الخوف من الله تعالى قال ان يؤمنه خوفه كل خوف غير خوفه قال متى يتبين للعبد خوفه من الله تعالى قال اذا انزل نفسه من الدنيا منزلة السقيم فهو يحتمي من اكل الطعام مخافة السقام ويصبر على مضض كل دواء مخافة طول الضنى. فصاح الفتى صيحة ثم بقي باهتا ساعة ثم قال رحمك الله ما علامة المحب لله تعالى فقال له حبيبي ان درجة المحب درجة رفيعة قال وانا احب ان تصفها لي قال فان المحبين لله تعالى شق لهم عن قلوبهم فأبصروا بنور القلوب عز جلال الله فصارت ابدانهم دنياوية وارواحهم حجبية وعقولهم سماوية تسرح بين صفوف الملائكة وتشاهد تلك الامور باليقين فعبدوه بمبلغ استطاعتهم حبا له لا طمعا في جنة ولا خوفاً من نار. فشهق الفتى وصاح صيحة كانت فيها نفسه قال فاكب الشيخ عليه يلثمه ويقول هذا مصرع الخائفين وهذه درجة المجتهدين.

عابدان

250- عابدان ابو بكر القرشي قال قرات في كتاب جعفر الادمي بخطه قال سلامة كنت باليمن في بعض مخاليفها فاذا رجل معه ابن له شاب فقال ان هذا ابي وهو من خير الاباء ولي بقر تاتيني مساء فاحلبها ثم اتي ابي وهو في الصلاة فاحب ان يكون عيالي يشربون فضله فلا ازال قائما عليه والاناء في يدي وهو مقبل على صلاته وعسى ان لا ينفتل ويقبل علي حتى يطلع الفجر. قلت للشيخ ما تقول قال صدق واثنى على ابنه ثم قال اني اخبرك بعذري اذا دخلت في الصلاة فاستفتحت القرآن ذهب بي مذاهب وشغلني حتى ما اذكره حتى اصبح. قال سلامة ذكرت امرهما لعبد الله بن مرزوق فقال هذان يدفع بهما عن اهلاليمن قال وذكرت امرهما لابن عيينة قال هذان يدفع بهما عن اهل الارض رضي الله عنهما.

ذكر المصطفيات من عابدات اليمن

ذكر المصطفيات من عابدات اليمن 251- خنساء بنت خدام وليست بالصحابية عن حفص بن عمرو الجعفي قال كانت باليمن امرأة من العرب جليلة جهورية حسنا وجمالا كأنها بدنة يقال لها خنساء بنت خدام فصامت أربعين عاما حتى لصق جلدها بعظمها وبكت حتى ذهبت عيناها وقامت حتى أقعدت من رجليها. وكان طاووس ووهب بن منبه يعظمان قدرها وكانت إذا جن عليها الليل وهدأت العيون وسكنت الحركات تنادي بصوت لها حزين يا حبيب المطيعين إلى كم تحبس خدود المطيعين في التراب أبعثهم حتى ينجزوا موعدك الصادق الذي اتعبوا له أنفسهم ثم انصبوها. قال فيسمع البكاء من الدور حولها.

سوية

252- سوية عن أبي هشام رجل من قريش من بني عامر قال قدمت علينا امرأة من أهل اليمن يقال لها سوية فنزلت في بعض رباعنا فكنت اسمع لها من الليل نحيبا وشهيقا فقلت للجارية اشرفي على هذه المرأة فانظري ما تصنع فإِذا هي قائمة مستقبلة القبلة رافعة رأسها إلى السماء فقلت ما تصنع قالت ما أراها تصنع شيئا غير أنها لا ترد طرفها عن السماء فقلت اسمعي ما تقول قالت لا افهم كثيرا من قولها غير اني اسمعها تقول: أراك خلقت سوية من طينة لا زبة غمرتها بنعمتك تغذوها من حال إلى حال وكل أحوالك لها حسنة وكل بلائك عندها جميل وهي مع ذلك متعرضة لسخطك بالتوثب على معاصيك فلتة في اثر فلتة أتى أنها تظن انك لا ترى سوء فعالها بلى وأنت على كل شيء قدير. ثم صرخت وسقطت ونزلت الجارية فأخبرتني بسقطتها فلما أصبحنا نظرنا فإِذا هي قد ماتت والسلام.

ومن عابدات اليمن المجهولات الأسماء

ومن عابدات اليمن المجهولات الأسماء: 253- عابدة عن محمد بن سليمان القرشي قال بينا أنا أسير في طريق اليمن إذا أنا بغلام واقف في الطريق في أذنيه قرطان في كل قرط جوهرة يضيء وجهه من ضوء تلك الجوهرة وهو يمجد ربه بأبيات من الشعر فسمعته يقول: مليك في السماء به افتخاري ... عزيز القدر ليس به خفاء

فدنوت منه فسلمت عليه فقال ما أنا براد حتى تؤدي من حقي ما يجب لي عليك قلت وما حقك قال أنا غلام على مذهب إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم لا أتغذى ولا أتعاشى كل يوم حتى أسير الميل والميلين في طلب الضيف. فاجتبه إلى ذلك فرحب بي وسرت معه حتى قربنا من خيمة شعر فلما قربنا من الخيمة صاح يا أختاه فأجابته جارية من الخيمة يا لبيكاه فقال قومي إلى ضيفنا فقالت الجارية حتى أبدأ بشكر المولى الذي سبب لنا هذا الضيف. فقامت فصلت ركعتين شكراً لله عز وجل. فأدخلني الخيمة وأجلسني وأخذ الغلام الشفرة وأخذ عناقا ليذبحها فلما جلست في الخيمة نظرت إلى أحسن الناس وجها فكنت أسارقها النظر ففطنت لبعض لحظاتي إليها فقالت لي مه أما علمت أنه قد نقل إلينا عن صاحب يثرب صلى الله عليه وسلم أن زنى العينين النظر أما أني ما أردت بهذا أن أوبخك ولكني أردت أن أؤدبك لكي لا تعود إلى مثل هذا. فلما كان النوم بت أنا والغلام خارجا وباتت الجارية في الخيمة وكنت اسمع دوي القرآن الليل كله بأحسن صوت يكون وارقه. فلما أصبحت قلت للغلام: صوت من كان ذلك فقال تلك اختي تحيي الليل كله إلى الصباح فقلت يا غلام أنت أحق بهذا العمل من اختك أنت رجل وهي امرأة قال فتبسم وقال لي ويحك يا فتى اما علمت انه موفق ومخذول؟ انتهى ذكر أهل اليمن.

ذكر المصطفين من أهل بغداد

ذكر المصطفين من أهل بغداد أبو هاشم الزاهد ... ذكر المصطفين من أهل بغداد نزل بغداد خلق كثير من العلماء والزهاد والأولياء والعباد وإنما ننتخب منهم من يدخل في شرط كتابنا هذا ونذكرهم على طبقاتهم والله الموفق. 254- أبو هاشم الزاهد قال أبو نعيم الحافظ أبو هاشم من قدماء زهاد بغداد ومن أقران أبي عبد الله البراثي وبلغني أن سفيان الثوري جلس إليه وقال ما زلت آرائي وأنا لا أشعر حتى جالست أبا هاشم فأخذت منه ترك الرثاء. محمد ين حسين قال حدثني بعض أصحابنا قال قال أبو هاشم الزاهد ان الله عز وجل وسم الدنيا بالوحشة ليكون انس المريدين به دونها وليقبل المطيعون له بالاعراض عنها وأهل المعرفة بالله فيها مستوحشون والى الآخرة مشتاقون. وعن حكيم بن جعفر قال نظر أبو هاشم إلى شريك القاضي يخرج من دار يحيى بن خالد فبكى وقال أعوذ بالله من علم لا ينفع. وعن محمد بن الحسين قال قال أبو هاشم الزاهد أخذ المرء نفسه بحسن الأدب تأديب أهله.

_ 254- هو: أبو هاشم الزاهد المعروف أنظر حلية الأولياء 10/239. وتاريخ بغداد 14/397.

أسود بن سالم

255- أسود بن سالم أبو محمد العابد كان صالحا ورعا وكان بينه وبين معروف الكرخى مؤاخاة ومودة عن علي بن محمد بن إبراهيم الصفار قال حضرت اسود بن سالم ليلة فقلت: أمامي موقف قدام ربي ... يسائلني وينكشف الغطاء وحسبي أن أمر على صراط ... كحد السيف أسفله لظاء قال فصرخ اسود صرخة ولم يزل مغشيا عليه حتى أصبح. وعن أحمدبن الحكم الصاغاني قال جاء رجل إلى ابن حميد فقال اني اغتبت اسود بن سالم فأتيت في منامي فقيل لي تغتاب وليا من أولياء الله لو ركب حائطا ثم قال له سر لسار؟ وعن محمد بن إبراهيم السائح قال قال اسود بن سالم ركعتان أصليهما أحب إليّ من الجنة بما فيها فقيل له هذا خطأ فقال دعونا من كلامكم رأيت الجنة رضا نفسي وركعتين أصليهما رضا ربي ورضا ربي أحب الي من رضا نفسي. اسند اسود عن حماد بن زيد وسفيان بن عيينة واسماعيل بن علية في أخرين. وتوفي في سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة ومائتين.

منصور بن عمار بن كثير أبو السرى الواعظ

256- منصور بن عمار بن كثير أبو السرى الواعظ. أصله من خراسان قال أبو عبد الرحمن السلمي هو من أهل مرو وقيل هو من أهل بوشنج وقيل من البصرة سكن بغداد. عن أبي سعيد بن يونس قال كان منصور بن عمار في قصصه وكلامه شيئا عجبا لم يقص على الناس مثله. وعن سليم بن منصور قال رأيت أبي في المنام فقلت ما فعل الله بك فقال ان الرب قربني وادناني وقال لي يا شيخ السوء تدري لم غفرت لك قلت لا يا الهي قال انك جلست للناس يوما مجلسا فبكتيهم فبكى فيه عبد من عبادي لم يبك من خشيتي قط فغفرت له ووهبت أهل المجلس كلهم له ووهبتك فيمن وهبت له. وعن أبي الحسين السعداني قال رأيت منصور بن عمار في المنام فقلت له ما فعل الله بك قال وقفت بين يديه فقال لي أنت الذي كنت تزهد الناس في الدنيا وترغب فيها قلت قد كان ذاك ولكن ما اتخذت مجلسا إلا وبدأت بالثناء عليك وثنيت بالصلاة على نبيك صلى الله عليه وسلم وثلثت بالنصيحة لعبادك فقال صدق ضعوا له كرسيا في سمائي فيمجدني في سمائي بين ملائكتي كما مجدني في أرضي بين عبادي. اسند منصور عن معروف أبي الخطاب صاحب واثلة بن الاسقع وروى عن الليث وابن لهيعة في أخرين وتوفي ببغداد.

_ 256- هو: منصور بن عمار بن كثير أبو السري خرساني ويقال بصري زاهد شهير قال أبو حاتم: ليس بالقوي وقال ابن عدي: منكر الحديث وقال العقيلي: فيه تجهم.

ولد الرشيد المعروف بالسبتي

257- ولد الرشيد المعروف بالسبتي ويقال اسمه أحمد رضي الله عنه. عن عبد الله بن الفرج قال خرجت يوما اطلب رجلا يرم لي شيئاً في الدار. فذهبت فاشير لي إلى رجل حسن الوجه بين يديه مر وزبيل فقلت تعمل لي؟ قال نعم بدرهم ودانق فقلت قم فقام فعمل ليعملا بدرهم ودانق ودرهم ودانق ودرهم ودانق.

قال ثم أتيت يوما آخر فسألت عنه فقيل لي ذلك رجل لا يرى في الجمعة إلا يوماً واحد يوم كذا قال فجئت ذلك اليوم فقلت تعمل لي قال نعم بدرهم ودانق فقلت أنا بدرهم قال بدرهم ودانق فقلت قم ولم يكن بي الدانق ولكن أحببت ان استعلم ما عنده فلما كان المساء وزنت درهما فقال لي ما هذا قلت درهم قال الم اقل لك درهم ودانق اف لقد افسدت علي. فقلت وأنا الم اقل لك بدرهم فقال لست أخذ منه شيئا قال فوزنت درهما ودانقا فقلت خذ فابى ان يأخذه وقال سبحان الله اقول لا أخذه وتلح علي فابى ان يأخذه ومضى. قال فاقبل علي اهلي وقالت فعل الله بك ما اردت إلى رجل عمل لك عملا بدرهم ان افسدت عليه قال فجئت يوما اسأل عنه فقيل لي مريض فاستدللت على بيته فأتيته فاستاذنت عليه فدخلت وهو مبطون وليس في بيته شيء إلا ذلك المر والزبيل فسلمت عليه وقلت له لي اليك حاجة وتعرف فضل ادخال السرور على المؤمن أحب ان تجيء إلى بيتي امرضك قال وتحب ذلك؟ قالت نعم قال بشرائط ثلاث قلت نعم قال لا تعرض علي طعاماً حتى اسألك واذا أنا مت ان تدفنني في كسائي وجبتي هذه قلت نعم قال والثالثة اشد منهما وهي شديدة قلت وان كان. قال فحملته إلى منزلي عند الظهر فلما أصبحت من الغد ناداني يا عبد الله فقلت ما شأنك قال قد احتضرت افتح صرة على كم جبتي قال ففتحتها فإِذا فإِذا فيها خاتم عليه فص أحمر فقال إذا أنا مت ودفنتني فخذ هذا الخاتم ثم ادفعه إلى هارون أمير المؤمنين ووقل له يقول لك صاحب هذا الخاتم ويحك لا تموتن على سكرتك هذه فانك ان مت على سكرتك هذه ندمت. فلما دفنته سألت عن يوم خروج هارون أمير المؤمنين وكتبت قصة وتعرضت له قال فدفعتها إليه واوذيت اذى شديدا فلما دخل قصره وقرا القصة قال علي بصاحب هذه القصة قال فادخلت عليه وهو مغضب قال تتعرضون لنا وتفعلون فلما رأيت غضبه أخرجت الخاتم فلما نظر إلى الخاتم قال: من أين لك هذا الخاتم قلت: دفعه إلى رجل طيان فقال لي طيان طيان وقربني منه. فقلت له يا أمير المؤمنين انه أوصاني بوصية فقال لي ويحك قل فقلت يا أمير المؤمنين انه أوصاني إذا أوصلت اليك هذا الخاتم فقل له يقرئك صاحب هذا الخاتم السلام ويقول لك ويحك لا تموتن على سكرتك هذه فانك ان مت على سكرتك هذه ندمت.

فقام على رجليه قائما وضرب بنفسه على البساط وجعل يتقلب عليه ويقول يا بني نصحت اباك. فقلت في نفسي كانه ابنه ثم جلس وجاؤوا بالماء فمسحوا وجهه وقال لي كيف عرفته فقصصت عليه قصته قال فبكى وقال هذا اول مولود ولد لي وكان أبي المهدي ذكر إلى زبيدة ان يزوجني فبصرت بهذه المراة فوقعت في قلبي وكانت حسنة فتزوجت بها سرا من أبي فاولدتها هذا المولود واحدرتها إلى البصرة واعطيتها هذا الخاتم واشياء وقلت اكتمي نفسك فإِذا بلغك اني قد قعدت للخلافة فأتيني فلما قعدت للخلافة سألت عنهما فذكر لي انهما ماتا ولم اعلم انه باق فاين دفنته قلت يا أمير المؤمنين دفنته في مقابر عبد الله بن مالك. قال لي اليك حاجة إذا كان بعد المغرب فقف لي بالباب حتى أخرج اليك فأخرج متنكراً إلى قبره. فوقفت له فخرج متنكراً والخدم حوله ووضع يده بيدي وصاخ بالخدم فتنحوا وجئت به إلى قبره فما زال ليلته يبكي إلى ان أصبح ويدير رأسه ولحيته على قبره يقول يا بني لقد نصحت اباك. قال فجعلت أبكي لبكائه رحمة مني له لم سمع كلاما فقال كاني اسمع كلام الناس قلت اجل أصبحت يا أمير المؤمنين قد طلع الفجر فقال لي قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم واكتب عيالك مع عيالي مع من تهتم به فان لك علي حقا بدفنك ولدي وان أنا مت أوصيت من يلي بعدي ان يجري عليك ما بقي لك عقب. ثم أخذ بيدي حتى إذا بلغ قريبا من القصر ويده بيدي إذا الخدم فلما صاروا إلى القصر قال لي انظر ما وصيتك به إذا طلعت الشمس قف لي حتى انظر اليك وادعو بك فتحدثني حديثه قلت ان شاء الله فلم اعد إليه. قلت وقد رويت لنا قصته من طريق آخر وفيها نوع مخالفة لهذه. عن أبي بكر بن أبي الطيب قال بلغنا عن عبد الله بن الفرج العابد قال احتجت إلى صانع يصنع لي شيئا من امر الروز جاريين فأتيت السوق فجعلت ارمق الصناع فإِذا في آواخرهم شاب مصفر بين يديه زبيل كبير ومر وعليه جبة صوف ومئزر صوف فقلت له تعمل قال نعم قلت بكم قال بدرهم ودانق قلت له قم حتى تعمل قال على شريطه قلت ما هي قال إذا كان وقت الظهر واذن المؤذن خرجت وتطهرت وصليت في المسجد جماعة

ثم رجعت فإِذا كان وقت العصر فكذلك قلت نعم فقام معي فجئنا المنزل فوافقته على ما ينقله من موضع إلى موضع فشد وسطه وجعل يعمل ولا يكلمني بشيء. حتى إذا أذّن المؤذن للظهر قال يا عبد الله قد أذّن المؤذن قلت شانك. فخرج فصلى فلما رجع عمل أيضاً عملا جيدا إلى العصر فلما أذّن المؤذن قال يا عبد الله قد أذّن المؤذن قلت شأنك فخرج فصلى ثم رجع فلم يزل يعمل إلى آخر النهار فوزنت له اجرته وانصرف. فلما كان بعد أيام احتجت إلى عمل فقالت لي زوجتي اطلب لنا ذلك الصانع الشاب فانه قد نصحنا في عملنا فجئت السوق فلم اره فسألت عنه فقالوا تسأل عن ذلك المصفر المشؤوم الذي لا نراه إلا من سبت إلى سبت لا يجلس إلا وحده في آخر الناس فانصرفت. فلما كان يوم السبت اتيت السوق فصادفته فقلت تعمل فقال قد عرفت الاجرة والشرط قلت استخر الله تعالى فقام فعمل على النحو الذي كان عمل. قال فلما وزنت له الاجرة زدته فابى أن يأخذ الزيادة فألححت عليه فضجر وتركني ومضى فغمني ذلك فاتبعته وداريته حتى أخذ اجرته فقط. فلما كان بعد مدة احتجنا أيضاً إليه فمضيت في يوم السبت فلم اصادفه. فسألت عنه فقيل لي هو عليل وقال لي من كان يخبر أمره إنما كان إلى السوق من سبت إلى سبت يعمل بدرهم ودانق يتقوت كل يوم دانقا وقد مرض. فسألت عن منزله فأتيته وهو في بيت عجوز فقلت لها هذا الشاب الروزجاري فقالت هو عليل منذ أيام فدخلت عليه فوجدته لما به وتحت رأسه لبنة. فسلمت عليه وقلت لك حاجة قال نعم ان قبلت قلت اقبل ان شاء الله تعالى قال إذا أنا مت فبع هذا المر واغسل جبتي هذه الصوف وهذا المئزر وكفني بهما وافتق جيب الجبة فان فيها خاتما فخذه ثم انظر يوم يركب هارون الرشيد الخليفة فقف له في موضع يراك فكلمه واره الخاتم فانه سيدعو بك فسلم إليه الخاتم ولا يكن هذا إلا بعد دفني قلت نعم. فلما مات فعلت ما امرني ثم نظرت اليوم الذي يركب فيه الرشيد فجلست له على الطريق فلما مر ناديته يا أمير المؤمنين لك عندي وديعة ولوحت بالخاتم فامر بي فأخذت وحملت حتى دخل إلى داره ثم دعا بي ونحى جميع من عنده وقال من أنت فقلت عبد الله بن الفرج فقال هذا الخاتم من أين لك فحدثته قصة الشاب فجعل يبكي حتى رحمته.

فلما انس الي قلت يا أمير المؤمنين من هو منك قال ابني قلت كيف سار إلى هذه الحال قال ولد لي قبل ان ابتلى بالخلافة فنشأ نشوءاً حسناً وتعلم القرآن والعلم فلما وليت الخلافة تركني ولم ينل من دنياي شيئا فدفعت إلى أمه هذا الخاتم وهو ياقوت ويساوي مالا كثيرا فدفعته إليها وقلت لها تدفعين هذا إليه وكان براً بأمه وتسأليه أن يكون معه فلعله ان يحتاج إليه يوماً من الأيام فينتفع به وتوفيت أمه فما عرفت له خبراً إلا ما أحبرتني به أنت ثم قال لي إذا كان الليل فأخرج معي إلى قبره. فلما كان الليل خرج وحده معي يمشي حتى أتينا قبره فجلس إليه فبكى بكاء شديدا فلما طلع الفجر قمنا فرجع فقال لي تعاهدني في الأيام حتى ازور قبره. فكنت اتعاهده بالليل فيخرج حتى يزور قبره ثم يرجع. قال عبد الله بن الفرج ولم اعلم انه ابن الرشيد حتى أخبرني الرشيد انه ابنه أبو كما قال ابن أبي الطيب. قلت هذا طريق حسن والطريق الذي قبله اصح لانه متصل ورواته ثقات وقد زاد القصاص في حديث السبتي وابداوا واعادوا وذكروا ان هذا الرجل كان من زبيدة وانه خرج يتصيد فوعظه صالح المري فوقع فرسه في اشياء كلها محال. فاقتصرنا على ما صح والله الموفق.

عبد الله بن مرزوق أبو محمد

258- عبد الله بن مرزوق أبو محمد زعم أبو عبد الرحمن السلمي انه كان وزير هارون الرشيد فخرج من ذلك وتخلى من ماله وتزهد. عن موسى بن أبي داود قال استاذنت على عبد الله بن مرزوق فدخلت عليه فإِذا هو قاعد كأن حزن الخلق عليه. وعن الصلت بن حكيم قال كان عبد الله بن مرزوق كأنه رجل واله كانه رجل قد فاته شيء وكانت له شعرات طوال عند صدغيه فكان إذا ذكر فرق نتفها أو مدها ففاض دمعه. وعن سلامة وصى عبد الله بن مرزوق قال قال عبد الله بن مرزوق في مرضه يا سلامة ان لي اليك حاجة قال قلت ما هي قال تحملني فتطرحني على تلك المزبلة لعلي اموت عليها فيرى مكاني فيرحمني رحمه الله.

عبد الله بن الفرج

259- عبد الله بن الفرج أبو محمد القنطري كان متعبدا وكان بشر بن الحارث يوده ويزوره وقد حكى عن فتح الموصلي وغيره حكايات. عن إبراهيم بن سهل قال قال عبد الله بن الفرج سلوا الله عفوا جميلا قال فقلنا يا أبا محمد أي شيء العفو الجميل قال ان يأمر بك من الموقف إلى الجنة يعني لا يفتشك. وعن صاعد قال لما مات عبد الله بن الفرج حضرت جنازته فلما واريته رأيته في الليل في النوم جالسا على شفير قبره معه صحيفة ينظر فيها فقلت له ما فعل الله بك قال غفر لي ولكل من شيع جنازتي قال قلت أنا كنت معهم قال هوذا اسمك في الصحيفة والسلام.

معروف بن الفيرزان الكرخي

260- معروف بن الفيرزان الكرخي يكنى أبا محفوظ وهو منسوب إلى كرخ بغداد. عن أبي صالح عبد الله بن صالح قال كان أبو محفوظ معروف قد ناداه الله عز وجل بالاجتباء في حال الصبا يذكر ان اخاه عيسى قال كنت أنا واخي معروف في الكتاب وكنا نصارى وكان المعلم يعلم الصبيان أب وابن فيصيح أخي معروف أحد أحد فيضربه المعلم على ذلك ضربا شديدا حتى ضربه يوما ضربا عظيما فهرب على وجهه. فكانت أمي تبكي وتقول لئن رد الله علي ابني معروفا لاتبعنه على أي دين كان. فقدم عليها معروف بعد سنين كثيرة فقالت له يا بني على أي دين أنت قال على دين الإسلام قالت اشهد ان لا اله إلا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله. فاسلمت أمي واسلمنا كلنا. وعن ابن أخت معروف قال قلت لخالي معروف يا خال اراك تجيب كل من دعاك قال يا بني إنما خالك ضيف ينزل حيث ينزل. وعن السري بن سفيان الانصاري قال اقام معروف الصلاة ثم قال لمحمد بن أبي توبة تقدم فصل بنا وذلك ان معروفا كان لا يؤم إنما يؤذن ويقيم ويقدم غيره قال محمد بن أبي توبة ان صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم صلاة أخرى قال معروف وأنت تحدث نفسك ان تصلي صلاة أخرى نعوذ بالله من طول الامل طول الامل يمنع خير العمل.

_ 260- هو: الزاهد الشهير المعروف معروف الكرخي صاحب المواعظ والحكم العظيمة أنظر حلية الأولياء 404.

قال محمد بن منصور الطوسي كنا عند معروف الكرخي وجاءت امرأة سائلة فقالت اعطوني شيئا افطر عليه فاني صائمة فدعاها معروف وقال لها يا اختي سر الله افشيته وتأملين ان تعيشي إلى الليل؟. وعن يحيى بن جعفر قال رأيت معروفاً الكرخي يؤذن فلما قال اشهد ان لا اله إلا الله رأيت شعر لحيته وصدغيه قائماً كأنه زرع. وعن عيسى أخي معروف قال دخل رجل على معروف في مرضه الذي مات فيه فقال يا أبا محفوظ أخبرني عن صومك قال كان عيسى عليه السلام يصوم كذا قال أخبرني عن صومك قال كان داود عليه السلام يصوم كذا. قال أخبرني عن صومك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم كذا قال أخبرني عن صومك قال اما أنا فكنت أصبح دهري كله صائما فان دعيت إلى الطعام أكلت ولم اقل اني صائم. وعن أحمد بن عبد الله بن ميمون قال كان معروف الكرخي يضرب نفسه ويقول يا نفس كم تبكين اخلصي وتخلصي. وعن عمرو بن موسى قال سمعت معروفا يقول وعنده رجل يذكر رجلاً فجعل يغتابه فجعل معروف يقول له اذكر القطن إذا وضعوه على عينيك اذكر القطن إذا وضعوه على عينيك. وقال سري سألت معروفاً عن الطائعين لله باي شيء قدروه على الطاعة لله عز وجل قال بخروج الدنيا من قلوبهم ولو كانت في قلوبهم ما صحت لهم سجدة. وعن القاسم بن نصر قال جاء قوم إلى معروف فاطالوا عنده الجلوس فقال اما تريدون ان تقوموا وملك الشمس ليس يفتر عن سوقه؟ وعن محمد بن حماد بن المبارك قال قال رجل لمعروف أوصني قال توكل على الله حتى يكون جليسك وانيسك وموضع شكواك واكثر ذكر الموت حتى لا يكون لك جليس غيره واعلم ان الشفاء لما نزل بك كتمانه وان الناس لا ينفعونك ولا يضرونك ولا يعطونك ولا يمنعونك. وعن القاسم بن محمد البغدادي قال كنت جار معروف الكرخي فسمعته في السحر ينوح ويبكي وينشد: أي شيء تريد مني الذنوب ... شغفت بي فليس عني تغيب ما يضر الذنوب لو اعتقتني ... رحمة لي فقد علاني المشيب

وعن إبراهيم الأطرش قال كان معروف الكرخي قاعدا دجلة ببغداد إذ مر بنا احداث في زورق يضربون الملاهي ويشربون فقال له أصحابه اما ترى ان هؤلاء في هذا الماء يعصون الله ادع عليهم. فرفع يده إلى السماء وقال الهي وسيدي أسألك ان تفرحهم في الجنة كما فرحتهم في الدنيا فقال له أصحابه إنما قلنا لك ادع الله عليهم لم نقل لك ادع الله لهم فقال إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم بشيء. أبو بكر بن الزيات قال سمعت ابن شيروية يقول كنت اجالس معروفاً الكرخي فلما كان ذات يوم رأيت وجهه قد خلا فقلت يا أبا محفوظ بلغني انك تمشي على الماء فقال لي ما مشيت قط على الماء ولكن إذا هممت بالعبور يجمع لي طرفاها فاتخطاها. وعن محمد بن منصور قال مضيت يوما إلى معروف الكرخي ثم عدت إليه من غد ف رأيت في وجهه اثر شجة فهبت ان اسأله عنها وكان عنده رجل اجرأ عليه مني فقال له كنا عندك البارحة فلم نر في وجهك هذا الاثر فقال له معروف خذفيما تنتفع به فقال له اسألك بحق الله فانتفض معروف ثم قال له وما حاجتك إلى هذا مضيت البارحة إلى بيت الله الحرام ثم صرت إلى زمزم فشربت منها فزلت رجلي فنطح وجهي الباب فهذا الذي ترى من ذلك. وعن خليل الصياد وكفاك به قال غاب ابني إلى الانبار فوجدت أمه وجدا شديدا فأتيت معروفا فقلت له يا أبا محفوظ ابني قد غاب فوجدت أمه وجدا شديدا قال فما تشاء قلت تدعو الله ان يرده عليها فقال اللهم ان السماء سماؤك والأرض أرضك وما بينهما لك فات به قال خليل فأتيت باب الشام فإِذا بني قائم منبهر فقلت يا محمد فقال يا ابة الساعة كنت بالأنبار. وعن محمد بن صبح قال مر معروف على سقاء يسقي الماء وهو يقول رحم الله من شرب فشرب وكان صائما وقال لعل الله أن يستجيب له. وعن سري قال هذا الذي أنا فيه من بركات معروف انصرفت من صلاة العيد ف رأيت مع معروف صبيا شعثا فقلت له من هذا قال رأيت الصبيان يلعبون وهذا واقف منكسر فسألته لم لا تلعب قال أنا يتيم قال سري فقلت له فما ترى انك تعمل به قال لعلي اخلو فاجمع له نوى يشتري به جوزا يفرح به فقلت له اعطنيه اغير من حاله فقال لي أوتفعل فقلت نعم فقال لي خذه اغنى الله قلبك فسويت الدنيا عندي اقل من كذا.

قال عبد الله بن سعيد الانصاري رأيت معروفاً الكرخي في المنام كأنه تحت العرش فيقول الله عز وجل ملائكتي من هذا فقالت الملائكة أنت اعلم هذا معروف الكرخي وقد سكر من حبك لا يفيق إلا بلقائك. وقال أحمد بن الفتح رأيت بشر بن الحارث في منامي وهو قاعد في بستان وبين يديه مائدة وهو يأكل منها فقلت له يا أبا نصر ما فعل الله بك قال غفر لي ورحمني وأباحني الجنة بأسرها وقال لي كل من جميع ثمارها واشرب من انهارها وتمتع بجميع ما فيها كما كنت تحرم نفسك الشهوات في دار الدنيا فقلت له فاين اخوك أحمد بن حنبل قال هو قائم على باب الجنة يشفع لاهل السنة ممن يقول القرآن كلام الله غير مخلوق فقلت له فما فعل معروف الكرخي فحرك رأسه ثم قال لي هيهات حالت بيننا وبينه الحجب ان معروفا لم يعبد الله شوقا إلى جنته ولا خوفا من ناره وإنما عبده شوقا إليه فرفعه الله إلى الرفيق الاعلى ورفع الحجب بينه وبينه ذاك الترياق المقدس المجرب فمن كانت له إلى الله حاجة فليات قبره وليدع فانه يستجاب له ان شاء الله تعالى. وعن أبي بكر الزجاج قال قيل لمعروف الكرخي في علته أوص فقال إذا مت فتصدقوا بقميصي هذا فاني أحب ان أخرج من الدنيا عريانا كما دخلت إليها عريانا. اسند معروف عن بكر بن خنيس وعبد الله بن موسى وابن السماك. وتوفي سنة مائتين وقبره ظاهر ببغداد يتبرك به وكان إبراهيم الحربي يقول قبر معروف الترياقي المجرب. وإنما اقتصرنا ها هنا على اليسير من أخباره لانا قد جمعنا أخباره ومناقبه في كتاب افردناه لها فمن اراد الزيادة من أخباره فعليه بذلك الكتاب والله الموفق رحمه الله ورضي الله عنه.

بشر بن الحارث الحافي

261- بشر بن الحارث الحافي يكنى أبا نصر ولد في سنة خمسين ومائة. عن أيوب العطار قال قال لي بشر بن الحارث الحافي احدثك عن بدو امري بينا أنا امشي رأيت قرطاسا على وجه الأرض فيه اسم الله تعالى فنزلت إلى النهر فغسلته وكنت لا املك من الدنيا إلا درهما فيه خمسة دوانق فاشتريت بأربعة دوانيق مسكا وبدانق ماء ورد

_ 261- هو: بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء الإمام العالم المحدث الزاهد الرباني القدوة شيخ الإسلام أبو نصر المروزي ثم الغدادي المشهور بالحافي ابن عم المحدجث علي بن خشرم.

وجعلت اتتبع اسم الله تعالى واطيبه ثم رجعت إلى منزلي فنمت فاتاني آت في منامي فقال يا بشر كما طيبت اسمي لاطيبن اسمك وكما طهرته لاطهرن قلبك. وعن محمد بن بشار قال سمعت بشر بن الحارث يقول أنا لله عشت إلى زمان ان لم اعمل فيه بالجفاء لم يسلم ديني. وعن الحسين بن محمد البغدادي قال سمعت أبي يقول زرت بشر بن الحارث فقعدت معه مليا فما زادني على كلمة قال ما اتقى الله من أحب الشهرة. وعن أحمد بن نصر قال كنا قعودا قدام بشر بن الحارث نفسين قال فجاء الثالث فقام فدخل. وعن أحمد بن الفتح قال سمعت بشرا يقول بعث إلى عاصم بن علي بأبي زكريا الصفار فقال يا أبا نصر ان أبا الحسن يقرأ عليك السلام ويقول قد اشتد شوقي إليك حتى لقد كدت ان اتيك من غر إذّن فعلمت كراهيتك لمجيء الرجال فان رأيت ان تاذن لي فاتيك لاسلم عليك فلعل الله ان ينفعني برؤيتك. قال فقلت له قد فهمت رسالة الشيخ فابلغه السلام وقل له لا تأتني فان في مجيئك الي شهرة علي وعليك. وعن أبي حفص عمر بن موسى قال سمعت بشر بن الحارث يقول لقد شهرني ربي في الدنيا فليته لا يفضحني في القيامة. ما اقبح بمثلي يظن في ظن وأنا على خلافه إنما ينبغي لي ان اكون اكثر ما يظن بي اني اكره الموت وما يركه الموت إلا مريب ولولا اني مريب لاي شيء اكره الموت. وقال أحمد بن الصلت سمعت بشر بن الحارث يقول غنيمة المؤمن غفلة الناس عنه واخاء مكانه عنهم. أبو بكر محمد بن الفياض قال سمعت زريقا الدلال يقول سمعت بشر بن الحارث يقول اللهم استر واجعل تحت الستر ما تحب فربما سترت على ما تكره قال ثم التفت الي فقال يا أخي بادر بادر فان ساعات الليل والنهار تذهب الاعمار. وعن محمد بن يوسف الجوهري قال سمعت بشر بن الحارث يقول يوم ماتت أخته ان العبد إذا قصر في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه. وعن محمد بن قدامة قال لقى بشر بن الحارث رجل سكران فجعل يقبله ويقول

يا سيدي يا أبا نصر ولا يدفعه بشر عن نفسه فلما ولى تغرغرت عينا بشر وقال رجل أحب رجلا على خير توهمه لعل المحب قد نجا والمحبوب لا يدري ما حاله. وقال رجل رأيت بشر بن الحارث وقف على أصحاب الفاكهة فجعل ينظر. فقلت يا أبا نصر لعلك تشتهي من هذا شيئا قال لا ولكن نظرت في هذا إذا كان يطعم هذا من يعصيه فكيف من يطيعه. وعن أبي بكر المروزي قال سمعت بعض القطانين يقول اهدى الي استاذي رطبا وكان بشر يقيل في دكاننا في الصيف فقال له استاذي يا أبا نصر هذا من وجه طيب فان رأيت ان تأكل قال فجعل يمسه بيده ثم ضرب بيده إلى لحيته وقال ينبغي ان استحي من الله اني عند الناس تارك لهذا وآكله في السر؟. وعنه قال سمعت أبا حفص ابن أخت بشر قال سمعت بشرا يقول ما شبعت منذ خمسين سنة. وعنه قال سمعت قرابة بشر الحافي يقول قدم بشر بن عبادان ليلا أو قال من سفر وهو متزر بحصير. عن يحيى بن عثمان قال كان لبشر بن الحارث في كل يوم رغيف. قال وقال لي بشر كان لي سنور فكنت إذا وضعت طعامي بين يدي جاءت فعيناها في عيني فآكل وارمي لها قال فقلت اليك عني تأكلين قوتي. وعن أبي بكر بن عثمان قال سمعت بشر بن الحارث يقول اني لاشتهي شواء منذ أربعين سنة ما صفا لي درهمه. وعن أبي عمران الوركاني قال تخرق ازار بشر فقالت له أخته يا أخي قد تخرق إزارك وهذا البرد فلو جئت بقطن حتى اغزل لك قال فكان يجيء بالاستارين والثلاثة قال فقالت له يا أخي ان الغزل قد اجتمع افلا تسلم ازارك قال فقال لها هاتيه قال فأخرجته الي فوزنه فأخرج ألواحه فجعل يحسب الاساتير فلما رآها قد زادت فيه قال لها كما افسدته فخذيه. وعن الحسن بن عمرو بن الجهم قال سمعت أبا نصر التمار يوم مات بشر يقول لولا ان بشرا قد مات ما حدثتكم بهذا. اتاني ليلة فقلت يا أبا نصر الحمد لله الذي جاء بك جاءنا قطن من خراسان فغزلته

الابنة وباعته لفلان واشترت به لحما وأشياء على ان افطر عليه فالحمد لله الذي جاء بك فقال يا أبا نصر لا تكثر علي فلو أكلت عند أحد من أهل الدنيا أكلت عندك ثم قال اني لاشتهي الباذنجان منذ ثلاثين عاماً. قلت فإن فيها باذنجاناً. فقال: حتى تصفو لي حبة الباذنجان من أين هي؟. وعن إبراهيم بن هاشم قال سمعت بشر بن الحارث يقول اني لاشتهي شواء ورقاقا منذ خمسين سنة ما صفا لي درهمه. الفتح بن شحرف قال قال عمر ابن أخت بشر سمعت خالي بشرا يقول لأمي جوفي وجع وخواصري تضرب علي فقالت له أمي ائذن لي حتى أصلح لك قليل حسا بكف دقيق عندي تتحساه يرم جوفك فقال لها ويحك أخاف ان يقول من أين لك هذا الدقيق فلا ادري أي شيء اقول له فبكت أمي وبكى معها وبكيت معهم. قال عمر ورأت أمي ليلة ما به من شدة الجوعت وجعل يتنفس تنفسا ضعيفا فقالت له أمي يا أخي ليت امل لم تلدين فقد والله تعطع كبدي مما ارى بك. فسمعته يقول لها وأنا فليت امك لم تلدني وإذ قد ولدتني لم يدر لها ثدي علي. قال عمر وكانت أمي تبكي عليه الليل والنهار. عبد الله بن خبيق قال رجل لبشر ما لي اراك مغموا قال ما لي لا اكون مغموما وأنا رجل مطلوب. وعن أبي الحسن أحمد بن محمد الزعفراني قال سمعت أبي يحكي عن بشر انه قال ربما رفعت يدي في الدعاء فاردها أو قال فاستلها. اقول إنما يفعل هذا من له عنده وجه. وعن الفتح به شحرف قال كنت جالسا عند بشر إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة فاطرق مليا ثم رفع رأسه ثم اطرق ثم رفع رأسه فقال اللهم انك تعلم اني أخاف ان أتكلم اللهم انك تعلم اني أخاف ان اسكت اللهم انك تعلم اني أخاف ان تأخذني فيما بين السكوت والكلام. وعن زبدة أخت بشر بن الحارث قالت دخل بشر علي ليلة من الليالي فوضع إحدى رجليه داخل الدار والأخرى خارج الدار وبقي كذلك يتفكر حتى أصبح فلما أصبح قلت له في ماذا تفكرت طول الليلة قال تفكرت في بشر النصراني وبشر إليهودي وبشر

المجوسي ونفسي واسمي بشر فقلت ما الذي سبق منك حتى خصك فتفكرت في تفضله علي وحمدته علي ان جعلني من خاصته والبسني لباس أحبائه. وعن أحمد بن نصر قال سمعت بشرا يقول يا مازني ليت لا يكون حظي من الله هذا الذي يقول الناس بشر بشر ورأيت اشفار عينيه قد ذهبت من البكاء. وعن الحسن بن عمرو قال سمعت بشر بن الحارث يقول لو علمت ان رضاه ان اشد في رجلي حجرا ثم القي نفسي في البحر لفعلت. وعن عباس بن دهقان قال قلت لبشر بن الحارث أحب ان اخلو معك قال إذا شئت فبكرت يوما فرأيته قد دخل قبة فصلى فيها أربع ركعات لا احسن ان أصلي مثلها فسمعته يقول في سجوده اللهم انك تعلم فوق عرشك ان الذل أحب الي من الشرف اللهم انك تعلم فوق عرشك ان الفقر أحب الي من الغنى اللهم انك تعلم فوق عرشك اني لا اوثر على حبك شيئا فلما سمعته أخذني الشهيق والبكاء فلما سمعني قال اللهم انك تعلم اني لو اعلم ان هذا ههنا لم أتكلم. وقال أحمد بن حنبل والله ان بين اظهركم رجلا ما هو عندي بدون عامر بن عبد الله يعني بشر بن الحارث. وعن أحمد بن عبد الله بن خالد قال سئل أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع فقال أنا استغفر الله لا يحل لي ان أتكلم في مسألة في الورع أنا أكل من غلة بغداد. لو كان بشر بن الحارث صلح ان يجيبك عنه فانه كان لا يأكل من غلة بغداد ولا من طعام السواد يصلح ان يكلم في الورع. وعن أبي بكر أحمد بن عبد الرحمن المروزي قال سمعت بشرا يقول ان الجوع يصفي الفؤاد ويورث العلم الدقيق وسمعت بشرا يقول طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره. وعن أحمد بن الصلت قال سمعت بشر بن الحارث يقول حادثوا الامال بقرب الاجال. وعن أبي بكر الباقلاوي قال سمعت أبي يقول سمعت بشر بن الحارث ونحن معه بباب حرب واراد الدخول إلى المقبرة فقال المةنى داخل السور اكثر منهم خارج السور. وعن أحمد بن الصلت قال سمعت بشر بن الحارث يقول ليس من المودة ان تحب ما يبغض حبيبك.

وعن عمرو بن موسى بن فيروز قال رأيت بشرا ومعه رجل فتقدم إلى بئر ليشرب منها فجذبه بشر وقال تشرب من البئر الأخرى حتى جاوز ثلاثة ابار فقال له الرجل أبا نصر أنا عطشان فقال له بشر اسكت فهكذا ندفع الدنيا. وعن إبراهيم الحربي قال سمعت بشر بن الحارث يقول بحسبك ان اقواما موتى تحيا القلوب بذكرهم وان أقواماً أحياء تعمى الأبصار بالنظر إليهم. وعن عمرو بن موسى الأحول قال سمعت بشرا يقول يكون الرجل مرائيا في حياته مرائيا بعد موته قيل كيف يكون مرائيا بعد موته قال يحب ان يكثر الناس على جنازته. وعن الحسن بن عمرو قال سمعت بشر بن الحارث يقول الصدقة أفضل من الحج والعمرة والجهاد. ثم قال: ذاك يركب ويرجع ويراه الناس وهذا يعطي سرا لا يراه إلا الله عز وجل. وسمعت بشرا يقول ما اقبح ان يطلب العالم فيقال هو بباب الأمير. وعن أبي عبد الله الاسدي قال قال لي بشر الحافي يوما: قطع الليالي مع الأيام في خلق ... والنوم تحت رواق الهم والقلق أحرى واعذر لي من ان يقال غدا ... اني التمست الغنى من كف مختلق قالوا قنعت بذا قلت القنوع غنى ... ليس الغنى كثرة الاموال والورق رضيت بالله في عسري وفي يسري ... فلست اسلك إلا اوضح الطرق رحل بشر بن الحارث رضي الله عنه في طلب العلم إلى مكة والكوفة والبصرة وسمع من وكيع وعيسى بن يونس وشريك بن عبد الله وابي معاوية وابي بكر بن عياش وحفص بن غياث واسماعيل بن علية وحماد بن زيد ومالك بن انس وابي يوسف القاضي وابن المبارك وهشيم والمعافى بن عمران والفضيل بن عياض وابي نعيم في خلق كثير. غير انه لم يتصد للراوية فلم يضبط عنه من الحديث إلا اليسير. وقد ذكرنا ما وقع الينا من حديثه وأخباره في كتاب افردناه لمناقبه وأخباره فلذلك اقتصرنا ههنا على ما ذكرنا. وتوفي رضي الله عنه عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الاول وقيل لعشر خلون من المحرم سنة سبع وعشرين ومائتين وقد بلغ من العمر خمسا وسبعين سنة وقيل سبعاً وسبعين. عن يحيى بن عبد الحميد الحماني قال رأيت أبا نصر التمار وعلي بن المديني في جنازة بشر بن الحارث يصيحان هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة.

وذلك ان بشرا خرجت جنازته بعد صلاة الصبح ولم يجعل في القبر إلا في الليل وكان نهارا صائفا ولم يستقر في القبر إلى العتمة. وعن الكندي قال رأيت بشر بن الحارث في النوم فقلت له ما فعل الله بك فقال غفر لي واقعدني على طيار من لؤلؤة بيضاء وقال لي سر في ملكي. وعن الحسن بن مروان قال رأيت بشر بن الحارث في المنام فقلت يا أبا نصر ما فعل الله بك قال غفر لي وغفر لكل من تبع جنازتي قال قلت ففيم العمل قال افتقد الكسرة. وقال ابن خزيمة لما مات أحمد بن حنبل بت من ليلتي فرأيته في النوم فقلت له ما فعل الله بك قال غفر لي وتوجني والبسني نعلين من ذهب وقال لي يا أحمد هذا بقولك القرآن كلامي قلت فما فعل بشر فقال لي بخ بخ من مثل بشر تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام والجليل مقبل عليه وهو يقول له كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب وانعم يا من لم ينعم رحمه الله ورضي عنه.

أحمد بن محمد بن حنبل

262- احمد بن محمد بن حنبل ابو عبد الله الشيباني جيء به من مرو حملا فولد في ربيع الاول سنة اربع وستين ومائة. فاما نسبه فاخبرنا ابو منصور القزاز قال انبا ابو بكر بن ثابت قال انبا احمد بن عبد الله الحافظ أنبأ احمد بن جعفر بن حمدان قال أنبأ عبد الله بن أحمد ثنا أبي أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن اسد بن ادريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن انس بن عف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن افصى بن دعمي بن جديلة بن اسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن اد بن ادد بن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيدار بن اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليه السلام. وعن ابي بكر المروزي قال قال ابو عفيف وذكر ابا عبد الله احمد بن حنبل فقال كان في الكتاب معنا وهو غليم يعرف فضله وكان الخليفة بالرقة فيكتب الناس الى منازلهم فيبعث نساؤهم الى المعلم ابعث الينا باحمد بن حنبل ليكتب لهم جواب كتبهم فيبعثه فكان يجيء اليهم مطاطىء الرأس فيكتب جواب كتبهم فربما املو عليه الشيء من المنكر فلا يكتبه لهم.

_ 262- هو: أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي نزيل بغداد أبو عبد الله أحد الأئمة ثقة حافظ فقيه حجة وهو رأس الطبقة العاشرة.

وعن ادريس بن عبد الكريم قال قال خلف جاءني احمد بن حنبل يستمع حديث ابي عوانة فاجتهدت ان ارفعه فابى وقال لا اجلس الا بين يديك امرنا ان نتواضع لمن نتعلم منه. وعن ابي زرعة قال كان احمد بن حنبل يحفظ الف الف حديث فقيل له وما يدريك قال ذكارته فاخذت عليه الابواب. ابو جعفر بن احمد بن محمد بن سليمان التستري قال قيل لابي زرعة من رأيت من المشايخ المحدثين احفظ فقال احمد بن حنبل حزرت كتبه اليوم الذي مات فيه فبلغت اثني عشر حملا وعدلا ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان ولا في بطنه حديث فلان وكل ذلك كان يحفظه عن ظهر قلبه. وعن ابراهيم الحربي قال رأيت احمد بن حنبل كان الله قد جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء. وعن احمد بن سنان قال ما رأيت يزيد بن هارون لاحد اشد تعظيما منه لاحمد بن حنبل ولا رأيته أكرم أحداً كرامته لاحمد بن حنبل وكان يقعد الى جنبه إذا حدثنا وكان يوقره ولا يمازحه ومرض احمد فركب إليه فعاده. قال المصنف رحمه الله قلت كانت مخايل النجابة تظهر من احمد رضي الله عنه من زمان الصبا وكان حفظه للعلم من ذلك الزمان غزيرا وعمله به متوفرا. فلذلك كان مشايخه يعظمونه فكان اسماعيل بن علية يقدمه وقت الصلاة يصلي بهم وضحك اصحابه يوما فقال اتضحكون وعندي احمد بن حنبل؟. وقال عبد الرزاق ما رأيت افقه ولا اورع من احمد بن حنبل. وقال وكيع وحفص بن غياث ما قدم الكوفة مثل احمد بن حنبل. وقال ابو الوليد الطيالسي ما بالمصرين احد احب الي من احمد بن حنبل. وكان ابن مهدي يقول ما نظرت إليه الا ذكرت به سفيان الثوري ولقد كاد هذا الغلام ان يكون إماما في بطن أمه. وقال يحيى بن سعيد ما قدم علي مثل احمد بن حنبل. وقال ابو عاصم النبيل وقد ذكر طلاب العلم فقال ما رأينا في القوم مثل احمد بن حنبل. وقد ذكرنا هذه الاطراف وامثالها في كتاب فضائل الامام احمد باسانيدها فكرهنا الاعادة ههنا.

وعن ابي بكر المروزي قال كنت مع ابي عبد الله نحوا من اربعة اشهر بالعسكر لا يدع قيام الليل وقراءة النهار فما علمت بختمة ختمها كان يسر ذلك. وعن ابي عصمة بن عصام البيعقي قال بت ليلة عند احمد بن حنبل فجاء بالماء فوضعه فلما اصبح نظر في الماء فاذا هو كما كان فقال سبحان الله رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل؟. وعن ابي داود السجستاني قال لم يكن احمد بن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من امر الدنيا فاذا ذكر العلم تكلم. وعن ابي عبيد القاسم بن سلام قال جالست ابا يوسف ومحمد بن الحسن ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي فما هبت احدا منهم ما هبت احمد بن حنبل ولقد دخلت عليه في السجن لاسلم عليه فسالني رجل عن مسالة فلم اجبه هيبة له. وعن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال ما اعلم اني رأيت احدا انظف ثوبا ولا اشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر راسه وشعر بدنه ولا انقى ثوبا واشده بياضاً من احمد بن حنبل. وعن علي بن المديني قال قال لي احمد بن حنبل اني لاحب ان اصحبك الى مكة وما يمنعني من ذاك الا اني اخاف من املك او تملني قال فلما ودعته قلت يا ابا عبد الله توصيني بشيء قال نعم الزم التقوى قلبك والزم الاخرة امامك. وقال ابو داود السجستاني كانت مجالسه احمد بن حنبل مجالسه الاخرة ولا يذكر فيها شيء من امر الدنيا ما رأيت احمد بن حنبل ذكر الدنيا قط. وعن احمد بن عتبة قال لما ماتت أم صالح قال احمد لامراة عندهم اذهبي الى فلانة ابنة عمي فاخطبيها لي من نفسها قال فاتتها فاجابته فلما رجعت إليه قال كانت اختها تسمع كلامك قال وكانت بعين واحدة قالت له نعم قال فاذهبي فاخطبي تلك التي بعين واحدة فاتتها فاجابتها وهي ام عبد الله فأقام معها سبعا ثم قالت له كيف رأيت يا ابن عم انكرت شيئا قال لا الا ان نعلك هذه تصر. وعن إبراهيم الحربي قال كان أحمد بن حنبل يأتي العرس والختان والاملاك يجيب ويأكل. وعن سحاق بن راهوية قال لما خرج احمد بن حنبل الى عبد الرزاق انقطعت به

النفقة فاكرى نفسه من بعض الجمالين الى ان وافى صنعاء وقد كان إصحابه عرضوا عليه المواساة فلم يقبل من أحد شيئاً. وعن الرمادي قال سمعت عبد الرزاق وذكر احمد بن حنبل فدمعت عيناه فقال قدم بلغني ان نفقته نفدت فأخذت عشرة دنانير واقمته خلف الباب وما معي ومعه أحد وقلت انه لا تجتمع عندنا الدنانير وقد وجدت الساعة عند النساء عشرة دنانير فخذها فارجو الا تنفقها حتى يتهيأ عندنا شيء فتبسم وقال لي يا ابا بكر لو قبلت شيئا من الناس قبلت منك ولم يقبل. وعن صالح بن احمد قال جاءتني حسن فقالت يا مولاي قد جاء رجل بتليسة فيها فاكهة يابسة وبهذا الكتاب قال صالح فقمت فقرات الكتاب فاذا فيه: يا ابا عبد الله ابضعت لك بضاعة الى سمرقند فوقع فيها كذا وكذا ورددتها فيها كذا وكذا وقد بعثت بها اليك وهي اربعة الاف درهم وفاكهة انا لقطتها من بستاني ورثته عن ابي وابي ورثه عن ابيه. قال فجمعت الصبيان فلما دخل دخلنا عليه فبكيت وقلت له يا ابة اما ترق لي من اكل الزكاة ثم كشفت عن راس الصبية وبكيت فقال من اين علمت دع حتى استخير الله تعالى الليلة قال فلما كان من الغد قال يا صالح صي فاني قد استخرت الله تعالى الليلة فعزم لي الا اخذها وفتح التليسة ففرقها على الصبيان وكان عنده ثوب عشاري فبعث به إليه ورد المال قال صالح فبلغني ان الرجل اتخذه كفنا. وعن علي بن الجهم قال كان له جار فاخرج الينا كتابا فقال اتعرفون هذا الخط قلنا هذا خط احمد بن حنبل كيف كتب لك قال كنا بمكة مقيمين عند سفيان بن عيينة ففقدنا احمد بن حنبل اياما لم نره ثم جئنا إليه لنسأل عنه فقال لنا أهل الدار التي هو فيها هو في ذلك البيت فجئنا إليه والباب مردود عليه واذا خلقان فقلنا له يا ابا عبد الله ما خبرك لم نرك منذ أيام فقال سرقت ثيابي. فقلت له معي دنانير فان شئت فخذ قرضا وان شئت فصلة فابى أن يفعل فقلت تكتب لي باجرة قال نعم فاخرجت دينارا فابى ان ياخذه وقال اشتر لي ثوبا واقطعه بنصفين فأومأ الي أنه يأتزر بنصف ويرتدي بالنصف الاخر وقال جئني بنفقته ففعلت وجئت بورق فكتب لي وهذا خطه. وعن صالح بن احمد بن حنبل قال دخلت على ابي في أيام الواثق والله يعلم في أي

حالة نحن وخرج لصلاة العصر وكان له جلد يجلس عليه قد اتت عليه سنون كثيرة حتى قد بلي فإذا تحته كتاب فيه. بلغني يا ابا عبد الله ما انت فيه وعن الضيق وما عليك من الدين وقد وجهت اليك بأربعة الاف درهم على يدي فلان لتقضي بها دينك وتوسع بها على عيالك وما هي من صدقة ولا زكاة انما هو شيء ورثته من ابي. فقرات الكتاب ووضعته فلما دخل قلت له يا ابة ما هذا الكتاب فاحمر وجهه وقال رفعته منك ثم قال تذهب بجوابه الى الرجل وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم وصل كتابك الي ونحن في عافية فاما الدين فانه لرجل لا يرهقنا واما عيالنا فهم بنعمة الله والحمد لله. فذهبت بالكتاب الى الرجل الذي كان اوصل كتاب الرجل فقال ويحك لو ان عبد الله قبل هذا الشيء ورمي مثلا في دجلة كان مأجوراً لان هذا الرجل لا يعرف له معروف. فلما كان بعد حين ورد كتاب الرجل بمثل ذلك فرد عليه الجواب بمثل ما رد فلما مضت سنة أو أقل أو أكثر ذكرناها فقال لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت. وعن محمد بن موسى بن حماد الزيدي قال حمل الى الحسن بن عبد العزيز الحروي من ميراثه من مصر مائة الف دينار فحمل إلي أحمد بن حنبل ثلاثة أكياس في كل كيس الف دينار فقال يا ابا عبد الله هذه ميراث حلال فخذها فاستعن بها على عائلتك فقال لا حاجة لي فيها انا في كفاية فردها ولم يقبل منها شيئا. وعن السري بن محمد خال ولد صالح قال جاء احمد بن صالح يوضىء ابا عبد الله يوماً وقد بل ابو عبد الله خرقة فألقاها على رأسه فقال له احمد بن صالح يا جدي انت محموم قال ابو عبد الله وانى لي بالحمي؟ وعن رحيلة قال كنت على باب احمد بن حنبل والباب مجاف وام ولده تكلمه وتقول له انا معك في ضيق منزل بيت صالح يأكلون ويفعلون وهو يقول قولي خيرا خرج الصبي معه فبكى فقال له أي شيء تريد قال زبيب قال اذهب فخذ من البقال حبة. وعن ابي بكر المروزي قال سمعت ابا عبد الله يقول إنما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس وانها أيام قلائل وقال سمعت ابا عبد الله يقول أسر ايامي الي يوم اصبح وليس عندي شيء.

وعن صالح بن احمد قال ربما رأيت ابي يأخذ الكسر فيفض الغبار عنها ثم يصيرها في قصعة ثم يصب عليها ماء حتى تبتل ثم ياكلها بالملح وما رايته قط اشترى رمانا ولا سفرجلا ولا شيئا من الفاكهة الا ان يكون يشتري بطيخة فياكلها بخبز او عنبا او تمرا فاما غير ذلك فما رايته قط اشتراه وربما خبز له فيجعل في فخارة عدسا وشحما وتمرات شهريز فيخص الصبيان بقصعة فيصوت ببعضهم فيدفعه اليهم فيضحكون ولا ياكلون وكان كثيراً ما يأتدم بالخل وكان يتشرى له شحم بدرهم فكان ياكل منه شهراً فلما قدم من عند المتوكل أدمن الصوم وجعل لا يأكل الدسم فتوهمت أنه كان جعل على نفسه ان سلم ان يفعل ذلك. وعن النيسابوري صاحب اسحاق بن ابراهيم قال لي الامير اذا جاء افطاره ارنيه قال فجاؤوا برغيفين خبز وخيارة فاريته الامير فقال هذا لا يجيبنا اذا كان هذا يقنعه. وعن الحسن بن خلف الصائغ قال جاءني المروزي في علة أبي عبد الله قال ابو عبد الله عليل فذهبت بالمتطبب فدخلنا عليه قال ما حالك قال احتجمت امس قال وما اكلت قال خبزا وكامخا قال يا ابا عبد الله تحتجم وتاكل خبزا وكامخا قال فما أكل؟ وعن محمد بن الحسن بن هارون قال رأيت ابا عبد الله اذا مشى في الطريق يكره ان يتبعه احد. وقال المروزي سمعت ابا عبد الله يقول الخوف يمنعني من اكل اطعام والشراب فما اشتهيه. قال المروزي وبال ابو عبد الله في مرضه دما فاريته عبد الرحمن المتطبب فقال هذا رجل قد فتت الغم والحزن كبده. وعن ابراهيم بن شماس قال كنت اعرف احمد بن حنبل وهو غلام يحيى الليل. وعن المروزي قال سمعت ابا عبد الله يقول قد وجدت البرد في اطرافي ما اراه الا من ادماني اكل الخل والملح. وعن فوران قال كنا عند احمد بن حنبل قبل ان يموت بليليتين وكان ثم غلام اسود لابي يوسف يعني عمه اشتراه من هذا المال فذهب بروح أحمد فنهاه. وعن سليمان بن داود الشاذكوني ان احمد رهن سطلا عند فامي فاخذ منه شيئا يتقوته فجاء فاعطاه فكاكه فاخرج إليه سطلين فقال انظر أيهما سطلك فخذه. قال لا أدري أنت في حل منه ومما أعطيتك ولم يأخذ قال الفامي والله انه لسطله وإنما أردت ان امتحنه فيه.

وعن احمد بن محمد التستري قال ذكروا لي ان احمد بن حنبل اتي عليه ثلاثة أيام ما كان طعم فيها فبعث الى صديق له فاستقرض شيئا من الدقيق فعرفوا في البيت شدة حاجته الى الطعام فخبزوا عاجلاً فلما وضع بين يديه قال كيف خبزتم هذا بسرعة قيل له كان التنور في دار صالح ابنه مسجورا فخبزنا عاجلا. فقال ارفعوا ولم يأكل وامر بسد بابه الى دار صالح. وعن عبد الله بن احمد قال كان ابي اصبر الناس على الوحدة لم يره احد الا في مسجد او حضور جنازة او عيادة مريض وكان يكره المشي في الاسواق. وعنه قال كان ابي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة فلما مرض من تلك الأسواط اضعفته فكان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة وقد كان قرب من الثمانين وكان يقرأ في كل يوم سبعا يختم في سبعة أيام وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار وكان ساعة يصلي عشاء الاخرة ينام نومة خفيفة ثم يقوم الى الصباح يصلي ويدعو وحج ابي خمس حجات ثلاث حجج ماشيا واثنتين راكبا وانفق في بعض حجاته عشرين درهما. وعنه قال كنت اسمع ابي كثيرا يقول في دبر الصلاة اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك صنه عن المسالة لغيرك. وعن ابي عيسى عبد الرحمن بن زاذان قال صلينا وابو عبد الله احمد بن حنبل حاضر فسمعته يقول: اللهم من كان على هوى او على راي وهو يظن انه على الحق وليس هو الحق فرده الى الحق حتى لا يضل من هذه الامة احد اللهم لا تشغل قلوبنا بما تكفلت لنا به ولا تجعلنا في رزقك خولا لغيرك ولا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا ولا ترنا حيث نهيتنا ولا تفقدنا من حيث امرتنا اعزنا ولا تذلنا اعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعصية. وعن علي بن ابي حرارة قال كانت امي مقعدة نحو عشرين سنة فقالت لي يوما اذهب الى احمد بن حنبل فسله ان يدعو الله لي فمضيت فدققت عليه الباب فقال من هذا فقلت رجل من اهل ذلك الجانب سألتني أمي وهي زمنة مقعدة ان اسالك ان تدعو الله لها فسمعت كلامه كلام رجل مغضب وقال نحن احوج ان تدعو الله لها فسمعت كلامه كلام رجل مغضب وقال نحن احوج ان تدعو الله لنا فوليت منصرفا فخرجت عجوز من داره فقالت انت الذي كلمت ابا عبد الله قلت نعم قالت قد تركته يدعو الله لها.

قال فجئت من فوري الى البيت فدققت الباب فخرجت على رجليها تمشي حتى فتحت لي الباب وقالت قد وهب الله لي العافية. وعن ميمون بن الاصبغ قال كنت ببغداد فسمعت ضجة فقلت ما هذا فقالوا احمد بن حنبل يمتحن فدخلت فلما ضرب سوطا قال بسم الله فلما ضرب الثاني قال لا حول ولا قوة الا بالله فلما ضرب الثالث قال القرآن كلام الله غير مخلوق فلما ضرب الرابع قال: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51] فضرب تسعة وعشرين سوطاً. وكانت تكة احمد حاشية ثوب فانقطعت فنزل السراويل الى عانته فرمي احمد طرفه الى السماء وحرك شفتيه فما كان باسرع ان بقي السراويل لم ينزل. فدخلت إليه بعد سبعة أيام فقلت يا ابا عبد الله رايتك تحرك شفتيك فاي شيء قلت قال قلت اللهم اني اسالك باسمك الذي ملات به العرش ان كنت تعلم اني على الصواب فلا تهتك لي سترا. وعن محمد بن اسماعيل بن ابي سمينة قال سمعت شاباص النائب يقول لقد ضربت احمد بن حنبل ثمانين سوطا لو ضربته فيلا لهدته. وقال عبد الله بن احمد بن حنبل كنت كثيرا اسمع والدي يقول رحم الله ابا الهيثم غفر الله لابي الهيثم عفا الله عن ابي الهيثم فقلت يا ابة من ابو الهيثم؟ فقال لما اخرجت للسياط ومدت يداي للعاقبين اذ انا بشاب يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي تعرفني قلت لا قال انا ابو الهيثم العيار اللص الطرار كتوب في ديوان امير المؤمنين اني ضربت ثمانية عشر الف سوط بالتفاريق وصبرت على ذلك على طاعة الشيطان لاجل الدنيا فاصبر انت في طاعة الرحمن لاجل الدين قال فضربت ثمانية عشر سوطا بدل ما ضرب ثمانية عشر الفا وخرج الخادم فقال عفا عنه أمير المؤمنين. وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال قال لي أبي يا بني لقد اعطيت المجهود من نفسي. قال وكتب أهل المطامير الى أحمد بن حنبل ان رجعت عن مقالتك ارتددنا عن الاسلام. وعن احمد بن سنان قال بلغني ان احمد بن حنبل جعل المعتصم في حل في يوم فتح بابك او في فتح عمورية فقال هو في حل من ضربي.

وقال ابراهيم الحربي احل احمد بن حنبل من حضر ضربه وكل من شايع فيه والمعتصم وقال لولا ان ابن ابي داود داعية لاحللته. وقال صالح بن احمد بن حنبل ورد كتاب علي بن الجهم ان أمير المؤمنين يعني المتوكل قد وجه اليك يعقوب المعروف بقوصرة ومعه جائزة ويأمرك بالخروج فالله الله ان تستعفي او ترد المال فيتسع القول لمن يبغضك. فلما كان من الغد ورد يعقوب فدخل عليه فقال يا ابا عبد الله امير المؤمنين يقرئك السلام ويقول قد احببت ان انس بقربك وان اتبرك بدعائك وقد وجهت اليك عشرة الاف درهم معونة على سفرك. اخرج صرة فيها بدرة نحو مائتي دينار والباقي دراهم صحاح فلم ينظر اليها ثم شدها يعقوب وقال له اعود غدا حتى ابصر ما تعز عليه وانصرف. فجئت باجانة خضراء فكببتها على البدرة فلما كان عند المغرب قال يا صالح خذ هذا صيره عندك فصيرتها عند راسي فوق البيت فلما كان سحرا اذا هو ينادي يا صالح فقمت فصعدت إليه فقال ما نمت ليلتي هذه فقلت لم يا ابة؟ فجعل يبكي وقال سلمت من هؤلاء حتى اذا كان في آخر عمري بليت بهم قد عزمت على ان افرق هذا الشيء اذا اصبحت فقلت ذاك اليك فلما اصبح قال جئني يا صالح بميزان وقال وجهوا الى ابناء المهاجرين والانصار ثم قال وجهه الى فلان يفرق في ناحية والى فلان فلم يزل حتى فرقها كلها ونفضت الكيس ونحن في حالة الله تعالى بها عليم. فجاء بني لي فقال يا ابة اعطني درهما فنظر الي فاخرجت قطعة فاعطيته وكتب صاحب البريد انه قد تصدق بالدراهم من يومه حتى تصدق بالكيس. قال علي بن الجهم فقلت يا امير المؤمنين قد علم الناس انه قد قبل منك وما يصنع احمد بالمال وانما قوته رغيف فقال لي صدقت يا علي. قال صالح ثم اخرجنا ليلا معنا حراس معهم النفاطات فلما اضاء الفجر قال لي يا صالح معك دراهم قلت نعم قال اعطهم فاعطيتهم درهما درهما ودخلنا العسكر وابي منكس الرأس ثم انزل دار ايتاخ وجاء علي بن الجهم فقال قد امر لكم امير المؤمنين بعشرة الاف مكان التي فرقها وامر ان لا يعلم بذلك فيغتم. ثم جاءه احمد بن معاوية فقال ان امير المؤمنين يكثر ذكرك ويشتهي قربك وتقيم ههنا تحدث فقال انا ضعيف.

ثم حمل الى دار الخلافة فاخبرني بعض الخدم ان المتوكل كان قاعدا وراء ستر فلما دخل ابي الدار قال لامه يا اماه قد انارت الدار ثم جاء خادم بمنديل فيه ثياب فالبس وهو لا يحرك يديه فلما صار الى الدار نزع الثياب عنه ثم جعل يبكي ثم قال سلمت من هؤلاء منذ ستين سنة حتى اذا كان في آخر عمري بليت بهم ثم قال يا صالح وجه هذه الثياب الى بغداد تباع وتصدق بثمنها ولا يشتري احد منكم شيئا منها. واجريت له مائدة وثلج وضرب الخيش فلما راه تنحى فالقى نفسه على مضربة له وجعل يواصل ويفطر في كل ثلاث على تمر شهريز فمكث كذلك خمسة عشر يوما ثم جعل يفطر ليلة وليلة ولا يفطر الا على رغيف وكان اذا جيء بالمائدة توضع في الدهليز لكي لا يراها فياكل من حضر. وامر المتوكل ان تشتري لنا دار فقال يا صالح لئن اقررت لهم بشراء دار لتكونن القطيعة بيني وبينك فلم يزل يدفع شرى الدار حتى اندفع. ثم انحدرت الى بغداد وخلفت عبد الله عنده فاذا عبد الله قد قدم وقد جاء بثيابي التي كانت عنده فقلت له ما جاء بك فقال قال لي انحدر وقل لصالح لا تخرج فانتم كنتم افتي والله لو استقبلت من امري ما استدبرت ما اخرجت واحدا منكم معي ولولا مكانكم لمن كانت توضع هذه المائدة؟ وفي رواية اخرى ثم انه مرض فاذن له المتوكل في العود الى بغداد فعاد. قال الشيخ وانما اقتصرنا على هذا اليسير من اخبار الامام احمد رضي الله عنه لانا قد افردنا لمناقبه وفضائله كتابا كبيرا يستوفيها فكرهنا الاعادة في التصانيف وذكرنا في ذلك الكتاب اسماء الاشياخ الذين لقيهم وروي عنهم. وتوفي رضي الله عنه في سنة إحدى وأربعين ومائتين وقد استكمل سبعاً وسبعين سنة. قال المروزي مرض ابوعبد الله ليلة الاربعاء لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول سنة احدى واربعين ومائتين ومرض تسعة أيام وتسامع الناس فاقبلوا لعيادته ولزموا الباب الليل والنهار يبيتون فربما اذن للناس فيدخلون افواجا يسلمون عليه فيرد عليهم بيده. وقال ابو عبد الله جاءني حاجب لابن طاهر فقال ان الامير يقرئك السلام وهو يشتهي ان يراك فقلت له هذا مما اكره وامير المؤمنين قد اعفاني مما اكره. ووضأته فقال خلل الاصابع فلما كان يوم الجمعة اجتمع الناس حتى ملاوا السكك

والشوارع فلما كان صدر النهار قبض رحمه الله فصاح الناس وعلت الاصوات بالبكاء حتى كان الدنيا قد ارتجت. وعن اسحاق قال مات ابو عبد الله وما خلف الا ستة قطع او سبعة وكانت في خرقة كان يمسح بها وجهه قدر دانقين. وعن حنبل قال اعطى بعض ولد الفضل بن الربيع ابا عبد الله وهو في الحبس ثلاث شعرات فقال هذا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فاوصى ابو عبد الله عند موته ان يجعل على كل عين شعرة وشعرة على لسانه ففعل ذلك به بعد موته. وعن صالح بن أحمد قال قال لي أبي جئني بالكتاب الذي فيه حديث بن ادريس عن ليث عن طاووس انه كان يكره الانين فقراته عليه فلم يئن الا في الليلة التي مات فيها. وعن عبد الله بن احمد بن حنبل قال لما حضرت ابي الوفاة جلست عنده وبيدي الخرقة لاشد بها لحييه فجعل يعرق ثم يفيق ثم يفتح عينيه ويقول بيده هكذا لا بعد لا بعد ففعل هذا مرة وثانية فلما كان في الثالثة قلت له يا ابة أي شيء هذا قد لهجت به فلي هذا الوقت تعرق حتى نقول قد قضيت ثم تعود فتقول لا بعد لا بعد. فقال لي يا بني ما تدري ما قلت قلت لا فقال ابليس لعنه الله قائم حدائي عاض على انامله يقول لي يا أحمد فتني فاقول لا بعد لا بعد حتى اموت. وعن بنان بن احمد القصباني انه حضر جنازة احمد بن حنبل فيمن حضر قال فكانت الصفوف من الميدان الى قنطرة باب القطيعة وحزر من حضرها من الرجال ثمان مائة الف ومن النساء ستين الف امرأة. وعن موسى بن هارون قال يقال ان احمد بن حنبل لما مات مسحت الامكنة المبسوطة التي وقف الناس عليها للصلاة فحزر مقادير الناس بالمساحة على التقدير ستمائة الف واكثر سوى ما كان في الاطراف والجوالي والسطوح والمواضع المتفرقة اكثر من الف الف. وقال ابو بكر المروزي رأيت احمد بن حنبل في النوم كانه في روضة وعليه حلتان خضراون وعلى راسه تاج من النور واذا هو يمشي مشية لم اكن اعرفها فقلت يا احمد ما هذه المشية التي لم اكن اعرفها لك فقال هذه مشية الخدام في دار السلام فقلت ما هذا التاج الذي اراه على راسك فقال ان ربي عز وجل اوقفني وحاسبني حسابا يسيرا وحباني وقربني واباحني النظر إليه وتوجني بهذا التاج وقال لي يا احمد هذا تاج الوقار توجتك به كما قلت القرآن كلامي غير مخلوق.

وعن ابي يوسف بن لحيان قال لما مات احمد بن حنبل راى رجل في منامه كان على كل قبر قنديلا فقال ما هذا فقيل له اما علمت انه نور لاهل القبور قبورهم بنزول هذا الرجل بين اظهرهم قد كان فيهم يعذب فرحم. وعن ابي علي بن البناء قال لما ماتت ام القطيعي دفنها في جوار احمد بن حنبل فراها بعد ليال فقال ما فعل الله بك فقالت يا بني رضي الله عنك فلقد دفنتني في جوار رجل تنزل على قبره في كل ليلة او قال في كل ليلة جمعة رحمة تعم جميع اهل المقبرة وانا منهم.

محمد بن مصعب ابو جعفر الدعاء

263- محمد بن مصعب ابو جعفر الدعاء عن حسين بن فهم قال وذكر محمد بن مصعب فقال استسقى ماء فحطت برادة فسمع صوتها فشهق وصاح ووقال يا محمد بن مصعب من اين لك في النار برادة قال رفع صوته فقرا: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف: 29] الآية. وعن محمد بن نصر بن منصور الصائغ قال كان المامون قد امر محمد بن مصعب الى الحبس فقال وقد ذهب به الى الحبس ورفع رأسه الى السماء وقال اقسمت عليك ان حبستني عندهم الليلة فاخرج في جوف الليل. فصلى الغداة في منزله. اسند محمد بن مصعب عن ابن المبارك وغيره وكان احمد بن حنبل يثني عليه ويقول كان رجلا صالحاً. وتوفي ببغداد في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين ومائتين.

سعيد بن وهب ابو عثمان مولى بني سلمة بن لؤى

264- سعيد بن وهب ابو عثمان مولى بني سلمة بن لؤى كان شاعرا ماجنا كثير القول في الغزل والخمر وكان يسكن البصرة ثم توطن ببغداد وتاب وتعبد وحج راجلا. عن الحسين بن عبد الرحمن قال حج سعيد بن وهب ماشيا فبلغ منه وجهد فقال: قدمي اعتورا رمل الكثيب ... واطرقا الاجن من ماء القليب رب يوم رحتما فيه على ... زهرة الدنيا وفي واد خصيب وسماع حسن من حسن ... صخب المزهر كالظبي الربيب فاحسبا ذاك بهذا واصبرا ... وخذا من كل فن بنصيب انما امشي لاني مذنب ... فلعل الله يعفو عن ذنوبي توفي سعيد في زمان المأمون رحمه الله.

265- يحيى بن ايوب ابو زكريا العابد المعروف بالمقابري كان من خيار عباد الله ومن اهل السنة؟. عن العباس بن محمد بن عبد الرحمن الاشهلي قال حدثني ابي قال مررت بالمقابر فسمعت همهمة فاتبعت الاثر فاذا يحيى بن ايوب في حفرة من تلك الحفر واذا هو يدعو ويبكي ويقول يا قرة عين المطيعين ويا قرة عين العاصين. ولم لا يكون قرة عين المطيعين وانت مننت عليهم بالطاعة ولم لا تكون قرة عين العاصين وانت سترت عليهم الذنوب؟ قال ويعاود البكاء قال فغلبني البكاء ففطن لي فقال لي تعال لعل الله إنما بعث بك لخير. سمع يحيى بن ايوب من شريك واسماعيل بن علية في خلق كثير وتوفي سنة اربع وثلاثين ومائتين.

_ 265- هو: يحيى بن أيوب الإمام العالم القدوة الحافظ أبو زكريا البغدادي المقابري العابد قال علي ابن المديني صدوق وقال أحمد ابن حنبل هو رجل صالح صاحب سكون ودعة.

سريج بن يونس

266- سريج بن يونس يكنى ابا الحارث المروزي سكن بغداد. عن احمد بن محمد بن عبد العزيز بن الجعد قال سمعت سريج بن يونس يقول رأيت رب العزة تعالى في المنام فقال لي يا سريج سلني فقلت يا رب سر بسر. وعن اسحاق بن ابراهيم الجيلي قال سمعت سريج ين يونس الشيخ الصالح الصدوق يقول رأيت فيما يرى النائم كان الناس وقوف بين يدي الله وانا في اول صف في اخره ونحن ننظر إلى رب العزة تعالى اذ قال أي شيء تريدون ان اصنع بكم فسكت الناس قال سريج فقلت انا في نفسي ويحهم قد اعطاهم كل ذا من نفسه وهم سكوت فقنعت راسي بملحفتي وابرزت عينا وجعلت امشي وجزت الصف الاول بخطا فقال أي شيء تريد فقلت رحمان سر بسر ان اردت ان تعذبنا فلم خلقتنا قال قد خلقتكم ولا اعذبكم ابدا ثم غاب في السماء فذهب. وعن موسى بن هارون قال بلغني ان سريج بن يونس رأى رب العزة تعالى في المنام

_ 266- هو: سريج بن يونس بن إبراهيم الإمام القدوة الحافظ أبو الحارث المروزي ثم البغدادي سئل أحمد بن حنبل عنه فقال صاحب خير وقال أبو حاتم ليس به بأس ووثقه صالح جزرة.

فاتيته فسألته فاخبرنا انه راى فيما يرى النائم كان صفا من الناس قال وانا على يمين الصف فقال أي شيء تريدون فلم يجبه احد فقلت ويحكم ما لكم لا تتكلمون ثم قنعت رأسي ثم تقدمت وانا اتمايل اراه قال من الهول فقلت رحمان سر بسر اذ خلقتنا فلا تعذبنا قال فاني لا اعذبكم او قال قد غفرت لكم ثم رأيت بعد ذلك في رمضان كانه قد نزل الى الارض فقال رجل اللهم اغفر لي فقال شيئا معناه سننزل الى الارض فنغفر لواحدقال سريج فقلت بيدي هكذا ولم اتكلم وفي نفسي ان يغفر للمؤمنين فقال اني قد غفرت للمؤمنين. وعن احمد بن عبد العزيز بن الجعد قال حدثني بقال سريج ين يونس قال جاءني سريج ليلا وقد ولد له مولود فاعطاني ثلاثة دراهم اعطني بدرهم عسلا وبدرهم سمنا وبدرهم سويقا ولم يكن عندي شيء قد عزلت الظروف لابكر واشتري فقلت ما عندي شيء قد عزلت الظروف لابكر واشتري فقال لي انظر قليلا ايش ما كان امسح البراني فجئت فوجدت البراني والجراب ملاء فاعطيته شيئا كثيرا فقال لي ما هذا اليس قلت ما عندي شيء قال قلت خذ واسكت فقال ما اخذ او تصدقني فحدثته القصة فقال لا تحدث به احدا ما دمت حيا. اسند سريج عن سفيان بن عيينة وهشيم وغيرهما. وتوفي في ربيع الاول سنة خمس وثلاثين ومائتين.

أحمد بن نصر الخزاعي

267- احمد بن نصر الخزاعي يكنى ابا عبد الله كان من كبار العلماء الامرين بالمعروف وسمع الحديث من مالك بن انس وحماد بن زيد وهشيم وغيرهم. امتحنه الواثق بالقرآن فأبى أن يقول انه مخلوق فقتله في يوم السبت غرة رمضان سنة إحدى وثلاثين ومائتين بسر من راى فصلب جسده هناك وانفذ راسه الى بغداد فنصبه فلم يزل كذلك ست سنين ثم حط وجمع بين راسه وبدنه ودفن بالجانب الشرقي من بغداد في المقبرة المعروفة بالمالكية في يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شوال سنة سبع وثلاثين ومائتين. وعن داود بن سليمان قال حدثني ابي قال سمعت أحمد بن نصر الخزاعي يقول:

_ 267- هو: أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي المروزي ثم البغدادي الإمام الكبير الشهيد، أبو عبد الله، ثقة فاضل.

رأيت مصابا قد وقع فقرات في اذنه فكلمتني الجنية من جوفه يا ابا عبد الله بالله دعني اخنقه فانه يقول القرآن مخلوق. وعن ابي بكر المروزي قال سمعت ابا عبد الله احمد بن حنبل وذكر احمد ابن نصر فقال رحمه الله ما كان اسخاه لقد جاد بنفسه. وعن ابراهيم بن اسماعيل بن خلف قال كان احمد بن نصر خلى فلما قتل في المحنة وصلب اخبرت ان الرأس يقرأ القرآن فمضيت وبت بقرب من الرأس مشرفا عليه وكان عند رجالة وفرسان يحفظونه فلما هدات العيون سمعت الرأس يقرأ {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} فاقشعر جلدي ثم رايته بعد ذلك في المنام وعليه السندس والاستبرق وعلى راسه تاج فقلت ما فعل الله بك يا اخي قال غفر لي وادخلني الجنة الا اني مغموما ثلاثة أيام قلت ولم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بي فلما بلغ خشبتي حول وجهه عني فقلت بعد ذلك يا رسول الله قتلت على الحق او على الباطل فقال انت على الحق ولكن قتلك رجل من أهل بيتي فاذا بلغت اليك استحيي منك وعن ابراهيم بن الحسن قال راى بعض اصحابنا احمد بن نصر في النوم بعد ما قتل فقال له ما فعل الله بك قال ما كانت الا غفوة حتى لقيت الله عز وجل فضحك الي رحمه الله.

ابو محمد الطيب بن اسماعيل ابن ابراهيم الذهلي

268- ابو محمد الطيب بن اسماعيل ابن ابراهيم الذهلي ويعرف بابي حمدون الدلال كان احد القراء المشهورين والزهاد الصالحين. روى القراءة عن الكسائي ويعقوب الحضرمي وحدث عن المسيب بن شريك وسفيان بن عيينة وشعيب بن حرب. عن ابي العباس احمد بن مسروق قال سمعت ابا حمدون المقرىء يقول صليت ليلة فقرات فأدغمت حرفاً فحملتني عيني فرأيت كأن نوراً قد تلبب بي وهو يقول لي بيني وبينك الله قال قلت من انت قال انا الحرف الذي ادغمتني. قال قلت لا اعود فانتبهت فما عدت ادغم حرفا. وعن ابي محمدالحسن بن علي بن صليح قال ان ابا حمدون الطيب بن اسماعيل كف بصره فقاده قائده ليدخله المسجد فلما بلغ المسجد قال له قائده يا استاذ اخلع نعليك قال يا بني لم اخلعهما قال لان فيهما اذى فاغتم ابو حمدون وكان من عباد الله الصالحين فرفع يده ودعا بدعوات ومسح بها وجهه فرد الله إليه بصره ومشى.

وعن ابي عبد الله بن الخطيب قال كان لابي حمدون صحيفة فيها مكتوب ثلثمائة من اصدقائه قال وكان يدعو لهم كل ليلة فتركهم ليلة فنام فقيل له في نومه يا ابا حمدون لم تسرج مصابيحك الليلة قال فقعد واسرج واخذ الصحيفة فدعا لواحد واحد حتى فرغ. وعن ابي الحسين بن المنادى قال ابو حمدون الطيب بن اسماعيل الذهلي من خيار الزهاد المشتهرين ب القرآن كان يقصد المواضع التي ليس فيها احد يقرىء الناس فيقرئهم حتى اذا حفظوا انتقل الى اخرين بهذا النعت وكان يلتقط المنبوذ كثيرا رحمه الله.

مسرور بن ابي عوانة

269- مسرور بن ابي عوانة واسم ابي عوانة الوضاح مولى يزيد بن عطاء الواسطي نزل بغداد وكان عابدا مجتهدا. عن اسماعيل بن زياد ابو يعقوب قال قد رأيت العباد والمجتهدين ما رأيت احدا قط اصبر على صلاة الليل والنهار وطول السهر والقيام من مسرور بن ابي عوانة. كان يصلي الليل والنهار لا يفتر. قال وقدم علينا مرة فقال اخرجوني الى الساحل انظر إلى الماء حتى لا أنام. وعن الفضل بن عبد الوهاب ابو المساور ختن ابي عوانة قال كان ابو عوانة من اكثر الناس صلاة بالليل واطوله اجتهادا فلما قدم علينا مسرور بن ابي عوانة قال لي أبو عوانة يا ابا المساور احتقرت والله نفسي او قال تصاغرت الى نفسي.

الحارث بن اسد المحاسبي

270- الحارث بن اسد المحاسبي ابو عبد الله عن احمد بن محمد بن مسروق قال سمعت حارثا المحاسبي يقول ثلاثة اشياء عزيزة او معدومة حسن الوجه مع الصيانة وحسن الخلق مع الديانة وحسن الاخاء مع الامانة. وقال الجنيد كنت كثيرا اقول للحارث عزلتي انسي فيقول كم تقول انسي وعزلتي لو ان نصف الخلق تقربوا مني ما وجدت بهم انسا ولو ان نصف الخلق الآخر نأى عني ما استوحشت لبعدهم. وقال كان الحارث كثير الضر فاجتاز بي يوما وأنا جالس على بابنا فرأيت على وجهه زيادة الضر من الجوع فقلت له يا عم لو دخلت الينا فنلت من شيء عندنا وعمدت الى بيت

_ 270- هو: الحارث بن أسد المحاسبي الزاهد المشهور أبو عبد الله الغدادي صاحب التصانيف مقبول من الحادية عشرة.

عمي كان اوسع من بيتنا لا يخلو من اطعمة فاخرة لا يكون مثلها في بيتنا سريعا فجئت بانواع كثيرة من الطعام فوضعته بين يديه فمد يده فاخذ لقمة فرفعها الى فيه فرايته يلوكها ولا يزدردها ثم وثب فخرج وما كلمني. فلما كان الغد لقيته فقلت يا عمر سررتني ثم نغصت علي فقال يا بني اما الفاقة فكانت شديدة وقد اجتهدت في ان انال من الطعام الذي قدمت الي ولكن بيني وبين الله علامة اذا لم يكن الطعام مرضيا ارتفع الى انفي منه زفورة فلم تقبله نفسي فقد رميت بتلك اللقمة في دهليزكم وخرجت. وقال الجنيد مات ابو حارث المحاسبي وان الحارث لمحتاج الى دانق فضة. وخلف ابوه ومالا كثيرا وما اخذ منه حبة واحدة وقال اهل ملتين لا يتوارثان وكان أبوه واقفيا. اسند الحارث عن يزيد بن هارون وطبقته. وتوفي سنة ثلاث واربعين ومائتين رحمه الله.

عبد الوهاب بن الحكم

271- عبد الوهاب بن الحكم ويقال ابن الحكم بن نافع الوراق يكنى ابا الحسن. عن ابي بكر الحسن بن عبد الوهاب الوراق قال ما رأيت ابي ضاحكا قط الا تبسما ومارايته مازحا قط ولقد راني مرة وانا اضحك مع امي فجعل يقول لي صاحب قران يضحك هذا الضحك؟ وعن ابي بكر المروزي قال سمعت ابا عبد الله يقول عبد الوهاب الوراق رجل صالح مثله يوفق لاصابة الحق. وعنه قال قال لي عبد الوهاب يعني الوراق انت كيف استخرت تقيم بسر من راى فذكرت ذلك لاحمد فقال فلم لم تقل له ما كان بد للاسير ممن يخدمه ثم قال لا نزال بخير ما كان في الناس من ينكر علينا. وعنه قال سمعت اسحاق بن داود يقول كنت ادعو عبد الوهاب فاضع الطعام بين يديه فاكل واتركه فيقول لي يا ابا يعقوب قل لي كل فاتغافل عنه واكل فياخذ بيدي يقول لي قل لي كل فاقول له فلم دعوتك؟

_ 271- هو: عبد الوهاب بن الحكم بن نافع أبو الحسن الوراق البغدادي ويقال له: ابن الحكم ثقة من الحادية عشرة.

اسند عبد الوهاب عن يحيى بن سليم الطائفي وعبد المجيد بن عبد العزيز بن ابي رواد ومعاذ بن معاذ سبري في اخرين. وكان مختصا بصحبة احمد بن حنبل وكان احمد يقول اني لادعو الله له ومن يقوى على ما يقوى عليه عبد الوهاب وقيل له عند موته من نسأل بعدك فقال سلوا عبد الوهاب. وتوفي سنة خمسين وقيل احدى وخمسين ومائتين. عن عاصم الحربي قال رأيت في المنام بشر بن الحارث الحافي فقلت من اين يا ابا نصر فقال من عليين قلت ما فعل احمد بن حنبل قال تركت الساعة احمد بن حنبل وعبد الوهاب الوراق بين يدي الله تعالى ياكلان ويشربان ويتنعمان رحمها الله.

السري بن المغلس السقطي

272- السري بن المغلس السقطي يكنى ابا الحسن خال ابي القاسم الجنيد واستاذه وقد ذكرنا في اخبار معروف انه دعا له وقال اغنى الله قلبك فوقع الزهد في قلبه حينئذ. عن ابي القاسم سليمان بن محمد الضراب قال حدثني بعض اخواني ان سريا السقطي مرت به جارية معها اناء فيه شيء فسقط من يدها فانكسر فاخذ سري شيئا من دكانه فدفعه اليها بدل ذلك الاناء فنظر إليه معروف الكرخي فاعجبه ما صنع فقال له معروف بغض الله اليك الدنيا. وعن مظفر بن سهل المقري قال سمعت علان الخياط وجرى بيني وبينه مناقب سري السقطي فقال علان كنت جالسا مع سري يوما فوافته امرأة فقالت يا ابا الحسن انا من جيرانك اخذ ابني الطائف وانا اخشى ان يؤذيه فان رأيت ان تجيء معي او تبعث اليه. قال علان فتوقعت ان يبعث إليه فقام وكبر وطول في صلاته فقالت المراة يا ابا الحسن الله الله في هوذا اخشى ان يؤذيه السلطان فسلم وقال لها انا في حاجتك. قال علان فما برحت حتى جاءت امرأة الى المراة فقالت الحقي قد خلوا ابنك. قال علان واي شيء يتعجب من هذا اشتري كر لوز بستين دينارا وكتب في روزنامجه ثلاثة دنانير ربحه فصار كر اللوز بتسعين دينارا فاتاه الدلال وقال اريد ذاك اللوز فقال:

_ 272- هو: السري بن المغلس السقطي الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو الحسن البغدادي ولد في حدود الستين ومائة وتوفي في شهر رمضان من سنة 253.

خذه فقال بكم قال بثلاثة وستين دينار قال له الدلال ان اللوز قد صار الكر بتسعين فقال له قد عقدت بيني وبين الله عقدا لا احله: ليس ابيعه الا بثلاثة وستين دينارا فقال له الدلال اني قد عقدت بيني وبين الله تعالى لا اغش مسلما لست اخذ منك الا بتسعين دينارا فلا الدلال اشترى منه ولا سري باعه فكيف لا يستجاب دعاء من هذا فعله؟. وعن ابن ابي الورد قال دخلت على سري السقطي وهو يبكي ودورقه مكسور فقلت ما لك قال انكسر الدورق فقلت انا اشتري لك بدله فقال لي تشتري بدله وانا اعرف من اين الدانق الذي نشتري به الدورق ومن عمله ومن اين طينه واي شيء اكل عامله حتى فرغ من عمله. وعن سعيد بن عثمان قال سمعت سري بن المفلس يقول غزونا ارض الروم فمررت بروضة خضرة فيها الخيار وحجر منقور فيه ماء المطر فقلت في نفسي لئن اكلت يوما حلالا فاليوم فنزلت عن دابتي وجعلت اكل من ذلك الخيار وشربت من ذلك الماء فاذا هاتف يهتف بي يا سري النفقة التي بلغت لها الى ها هنا من أين؟ وعن الجنيد قال سمعت سري بن المغلس يقول اشتهي منذ ثلاثين سنة جزرة اغمسها في الدبس واكلها فما يصح لي. وعن حسن المسوحي قال دفع الي سري السقطي قطعة فقال اشتر لي باقلي من رجل قدره داخل الباب فطفت الكرخ كله فلم اجد الا من قدره خارج الباب فرجعت إليه فقلت خذ قطعتك فاني لا اجد الا من قدره خارج. وعن ابي عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال سمعت سريا السقطي يقول اني لاذكر مجيء الناس الي فاقول اللهم هب لهم من العلم ما يشغلهم عني فاني لا اريد مجيبئهم ولا ان يدخلوا علي. وعن علي بن عبد الحميد الغضائري قال سمعت السري السقطي ودققت عليه الباب فقام الى الباب فسمعته يقول اللهم اشغل من يشغلني عنك بك. قال ابن المقري وزادني بعض اصحابنا عنه انه قال فكان من بركة دعائه اني حججت اربعين حجة على رجلي من حلب ذاهبا وراجعا. وعن جنيد قال دخلت على سري وهو جالس يبكي وبين يديه كوز مكسور. فجلست حتى سكت فقلت ما يبكيك قال كنت صائما فجاءت ابنتي بكوز فيه ماء فعلقته هناك

فقالت يبرد لك لتفطر عليه فحملتني عيني ف رأيت كان جارية قد دخلت علي من هذا الباب عليها قميص فضة وفي رجلها نعلان لم ار قدما قط في نعل احسن منهما فقلت لها لمن انت قالت لمن لا يبرد الماء في الكيزان الخضر وضربت بكمها الكوز فرمت به وهو هذا ثم انتبهت. قال جنيد فمكثت اختلف إليه مدة طويلة أرى الكوز بين يديه مكسوراً عليه التراب وهو لا يرفعه. وعنه قال قال لي سري ان أمكنك ألا تكون آلة بيتك الا خزفا فافعل قال لي الجنيد وهكذا كانت آلة بيته وسمعت سريا يقول رأيت الفوائد ترد في ظلم الليل قال وكان سري اذا جن عليه الليل دافع اوله ثم دافع ثم دافع فاذا غلبه الامر اخذ في النحيب والبكاء. جعفر بن محمد بن نصير يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري قال ما ارى لي على احد فضلا قيل ولا على المخنثين قال ولا على المخنثين؟ قال السلمي وسمعت ابا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت ابا عمر الانماطي يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري يقول من اراد ان يسلم دينه ويستريح قلبه وبدنه ويقل غمه فليعتزل الناس لان هذا زمان عزلة ووحدة. وعن عبدوس بن القاسم قال سمعت السري يقول كل الدنيا فضول الا خمس خصال خبز يشبعه وماء يرويه وثوب يستره وبيت يكنه وعلم يستعمله. وعن علي بن عبد الحميد الغضائري قال سمعت السري يقول من لم يعرف قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم ومن هانت عليه المصائب احرز ثوابها. وعنه قال سمعت السري يقول قليل في سنة خير من كثير في بدعة كيف يقل عمل مع تقوى وسمعته يقول اقوى القوة غلبتك نفسك ومن عجز عن ادب نفسه كان عن ادب غيره اعجز ومن اطاع من فوقه اطاعه من دونه ومن خاف الله خافه كل شيء. وقال ان اغتممت بما ينقص من مالك فابك على ما ينقص من عمرك. وقال من قلة الصدق كثرة الخلطاء ومن علامة الاستدراج العمي عن عيوب النفس. وعنه قال سمعت السري يقول اجلد الناس من ملك غضبه ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله ولن يكمل رجل حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه. فقالت يبرد لك لتفطر عليه فحملتني عيني ف رأيت كان جارية قد دخلت علي من هذا الباب عليها قميص فضة وفي رجلها نعلان لم ار قدما قط في نعل احسن منهما فقلت لها لمن انت قالت لمن لا يبرد الماء في الكيزان الخضر وضربت بكمها الكوز فرمت به وهو هذا ثم انتبهت. قال جنيد فمكثت اختلف إليه مدة طويلة أرى الكوز بين يديه مكسوراً عليه التراب وهو لا يرفعه. وعنه قال قال لي سري ان أمكنك ألا تكون آلة بيتك الا خزفا فافعل قال لي الجنيد وهكذا كانت آلة بيته وسمعت سريا يقول رأيت الفوائد ترد في ظلم الليل قال وكان سري اذا جن عليه الليل دافع اوله ثم دافع ثم دافع فاذا غلبه الامر اخذ في النحيب والبكاء. جعفر بن محمد بن نصير يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري قال ما ارى لي على احد فضلا قيل ولا على المخنثين قال ولا على المخنثين؟ قال السلمي وسمعت ابا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت ابا عمر الانماطي يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري يقول من اراد ان يسلم دينه ويستريح قلبه وبدنه ويقل غمه فليعتزل الناس لان هذا زمان عزلة ووحدة. وعن عبدوس بن القاسم قال سمعت السري يقول كل الدنيا فضول الا خمس خصال خبز يشبعه وماء يرويه وثوب يستره وبيت يكنه وعلم يستعمله. وعن علي بن عبد الحميد الغضائري قال سمعت السري يقول من لم يعرف قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم ومن هانت عليه المصائب احرز ثوابها. وعنه قال سمعت السري يقول قليل في سنة خير من كثير في بدعة كيف يقل عمل مع تقوى وسمعته يقول اقوى القوة غلبتك نفسك ومن عجز عن ادب نفسه كان عن ادب غيره اعجز ومن اطاع من فوقه اطاعه من دونه ومن خاف الله خافه كل شيء. وقال ان اغتممت بما ينقص من مالك فابك على ما ينقص من عمرك. وقال من قلة الصدق كثرة الخلطاء ومن علامة الاستدراج العمي عن عيوب النفس. وعنه قال سمعت السري يقول اجلد الناس من ملك غضبه ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله ولن يكمل رجل حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.

وعن الجنيد قال سمعت سريا يقول ما احب ان اموت حيث اعرف اخاف الا تقبلني الارض فافتضح. وقال سمعت سريا يقول اني لانظر الى انفي في كل يوم مرتين مخافة ان يكون قد اسود وجهي. احمد بن عبد الله قال اخبرني جعفر بن محمد في كتابه قال سمعت الجنيد قال سمعت السري بن مغلس يقول لو احسست بانسان يريد ان يدخل علي فقلت بلحيتي كذا وامر يده على لحيته كانه يريد تسويتها من أجل دخول الداخل لخفت ان يعذبني الله على ذلك بالنار. وسمعته يقول أحب ان اكل اكلة ليس لله علي فيها تبعة ولا لمخلوق علي فيها منة فما اجد الى ذلك سبيلا. وسمعته يقول خرجنا يوما من مكة فلما اصحرنا رأيت في مجرى السيل طاقة بقل فمددت يدي فاخذتها وقلت الحمد لله ورجوت ان تكون حلالا ليس لمخلوق فيها منة فقال لي بعض من راني وقد اخذتها يا ابا الحسن التفت فالتفت فاذا مثل تلك الطاقة كثير فقال لي خذ فقلت له الطاقة الاولى ليس لاحد فيها منة وهذا بدلالتك وانما اريد ما لا منة فيه لمخلوق ولا لله فيه تبعة. قال وسمعته يقول كنت بطرسوس فكان معي في الدار فتيان متعبدون وكان في الدار تنور يخبزون فيه فانكسر التنور فعملت بدله من مالي فتورعوا ان يخبزوا فيه. وقال له رجل كيف انت؟ فانشا يقول: من لم يبت والحب حشو فؤاده ... لم يدر كيف تفتت الاكباد وسمعته يقول اللهم ما عذبتني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب. وسمعته يقول اذا فاتني جزء من وردي لا يمكنني ان اقضيه ابدا. وسمعته يقول اذا ابتدا الانسان ثم كتب الحديث فتر واذا ابتدا بكتبه الحديث ثم تنسك نفذ. وذكر له اهل الحقائق من العباد فقال اكلهم اكل المرضى ونومهم نوم الغرقى. وسمعته يقول احذر لا تكون ثناء منشورا وعيبا مستورا. وسمعته يقول وقد ذكر الناس فقال لا تعمل لهم شيئا ولا تترك لهم شيئا ولا تعط لهم شيئا ولا تكشف لهم عن شيءيريد بهذا ان تكون اعمالك كلها لله تعالى.

قال وسمعت الحسن البزار يقول سألت احمد بن حنبل عن السري بعد قدومه من الثغر فقال اليس الشيخ الذي يعرف بطيب الغذاء قلت بلى فقال هو على سترة عندنا قبل ان يخرج. وقد كان السري يكثر من ذكر طيب الغذاء وتصفية القوت وشدة الورع حتى انتشر ذلك وبلغ احمد بن حنبل. قال الجنيد وكان السري يقول لنا ونحن حوله انا لكم عبرة يا معشر الشباب اعملوا فانما العمل في الشبيبة وكان يقول من الناس ناس لو مات نصف احدهم ما انزجر النصف الاخر ولا احسبني الا منهم. وسمعت السري يقول قلوب المؤمنين معلقة بالسوابق وقلوب الابرار معلقة بالخواتيم هؤلاء يقولون بماذا يختم لنا واولئك يقولون ماذا سبق من الله لنا؟. وعن ابي عباس المؤدب قال دخلت على سري السقطي يوما فقال لاعجبنك من عصفور يجيء فيسقط على هذا الرواق فأكون قد اعددت له لقيمة فافتها في كفي فيسقط على أطراف أناملي فياكل فما كان في وقت من الاوقات سقط على الرواق ففتت الخبز في يدي فلم يسقط على يدي كما كان ففكرت في سري ما العلة في وحشته مني فوجدتني قد اكلت ملحا مطيبا فقلت في نفسي انا تائب من الملح المطيب فسقط على يدي فاكل وانصرف. وعن الجنيد قال دخلت على سري فقال الا اعجبك من عصفور؟ فذكره. وعن ابي القاسم الجوهري قال دخلت على سري فقال لاعجبنك من عصفور فذكر نحوه. وعن ابي عبيد بن حربوية قال سمعت السري السقطي يقول من النذالة ان ياكل الانسان بدينه. وعن علي بن عبد الحميد قال سمعت السري السقطي يقول من حاسب نفسه استحيا الله من حسابه وسمعته يقول من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل. وعن ابي عبيد بن حربوية قال سمعت سريا السقطي يقول سلب الدنيا عن اوليائه وحماها عن اصفيائه واخرجها من قلوب اودائه لانه لم يرضها لهم. وعن احمد بن محمد الصوفي قال سمعت السري بن مغلس يقول انقطع من انقطع

عن الله بخصلتني واتصل من اتصل بالله باربع خصال فاما من انقطع عن الله فانه يتخطى الى نافلة بتضييع فرض والثاني عمل بظاهر الجوارح لم يواطىء عليه صدق القلوب واما الذي اتصل به المتصلون فبلزوم الباب والتشمير في الخدمة والصبر على المكاره وصيانات الكرامات. وعن ابي بكر النساخ قال سمعت السري يقول لو علمت ان جلوسي في البيت افضل من خروجي الى المجلس ما خرجت ولو علمت ان جلوسي معكم افضل من جلوسي في البيت ما جلست ولكني ان دخلت اقتضاني العلم لكم وان خرجت نافرتني الحقيقة فانا عند منافرتي مستحى وانا عند اقتضاء العلم محجوج. وعن الجنيد قال سمعت السري يقول وددت ان حزن الخلق كلهم علي. وسمعته يقول ان في النفس لشغلا عن الناس. وعن محمد بن علي الحربي قال سمعت سريا يقول حمدت الله مرة وانا استغفر الله من ذلك الحمد منذ ثلاثين سنة قيل وكيف ذلك قال كان لي دكان وكان فيه متاع فوقع الحريق في سوقنا فقيل لي فخرجت اتعرف خبر دكاني فلقيت رجلا فقال ابشر فان دكانك قد سلم فقلت الحمد لله ثم افكرت فرايتها خطيئة. وعن الجنبيد بن محمد قال دخلت على سري السقطي فسلمت وجلست فقال لي اقرب مني فقربت منه فاخذ بيدي وقال لي اعلم يا بني ان الشوق والانس يرفرفان على القلب فان وجدا هنالك الهيبة والاجلال حلا والا رحلا. وععن ابن مسروق قال سمعت سريا يقول ثلاث من كن فيه استكمل الايمان من اذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق واذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل واذا قدر لم يتناول ما ليس له. وعن جنيد قال سمعت سريا يقول اذا فاتني شيء من وردي لم اقدر ان اعيده. قال جنيد كان سري متصل الشغل وكان اذا فاته شيء لا يقدر ان يعيده وكذا كان عمر بن الخطاب لم يكن له وقت ينام فيه فكان ينعس وهو قاعد فقيل له يا امير المؤمنين الا تنام فقال كيف انام ان نمت بالنهار ضيعت امور المسلمين وان نمت بالليل ضيعت حظي من الله عز وجل.

وعنه قال أخبرنا سري السقطي قال صليت ليلة ثم جلست ساعة ومددت رجلي فنوديت في سري يا سري من جالس الملوك ينبغي ان يحسن الادب. وعن حسن البزار قال كان احمد بن حنبل ها هنا وكان بشر بن الحارث ههنا وكنا نرجو ان يحفظنا الله بهما ثم ماتا وبقي سري فاني ارجو ان يحفظنا الله بسري. وعن الجنبيد قال ما رأيت اعبد لله من السري السقطي اتت عليه ثمان وسبعون سنة ما رئي مضطجعا الا في علة الموت. وعن القاسم بن عبد الله البزار قال سمعت سري بن المغلس يقول لو ان رجلا دخل الى بستان فيه من جميع ما خلق الله تعالى من الاشجار عليها من جميع ما خلق الله تعالى من الاطيار فخاطبه كل طائر منها بلغته وقال السلام عليك يا ولي الله فسكنت نفسه الى ذلك كانت في يدها اسيرا. وعن ابراهيم بن السري السقطي قال سمعت ابي يقول عجبت لمن غدا وراح في طلب الارباح وهو مثل نفسه لا يربح ابدا وسمعت ابي يقول لو اشفقت هذه النفوس على اديانها شفقتها على اولادها لاقت السرور في معادها. وعن الجنيد بن محمد قال سمعت سريا يقول لولا الجمعة والجماعة لسددت على نفسي الباب ولم اخرج. وعن ابن مسروق قال سمعت سريا يقول لاخوانه الدهر ثلاثة أيام يوم مضى بؤسه وشدته وغمه لم يبق منه شيء واليوم الذي انت فيه صديق مودع لك طويل الغيبة عنك سريع الرحلة عنك وغدا في يديك تأميله ولعلك من غير اهله. وقال امس اجل واليوم عمل وغدا امل. وقال الجنيد كنت نائماً عند سري رحمه الله فانبهني فقال لي يا جنيد رأيت كأني قد وقفت بين يدي الله تعالى فقال لي يا سري خلقت الخلق فكلهم ادعى محبتي وخلقت الدنيا فهرب مني تسعة اعشارهم وبقي معي العشر وخلقت الجنة فهرب مني تسعة اعشار العشر وبقي معي عشر العشر فسلطت عليهم ذرة من البلاء فهرب مني تسعة اعشار عشر العشر فقلت للباقين معي لا الدنيا اردتم ولا الجنة اخذتم ولا من النار هربتم فماذا تريدون قالوا انك تعلم ما نريد فقلت لهم فاني مسلط عليكم من البلاء بعدد انفاسكم.

ما لا تقوم له الجبال الرواسي اتصبرون قالوا اذا كنت انت المبتلي لنا فافعل ما شئت فهؤلاء عبادي حقا. وعنه قال كنت يوما عند السري بن مغلس وكنا خاليين وهو متزر بمئزر فنظرت الى جسده كانه جسد سقيم دنف مضني كاجهد ما يكون فقال انظر الى جسدي هذا لو شئت أن أقول ان ما بي من المحبة لله تعالى لكان كما اقول وكان وجهه اصفر ثم اشرب حمرة حتى تورد ثم اعتل فدخلت عليه اعوده فقلت له كيف تجدك فقال: كيف اشكو الى طبيبي ما بي؟ ... والذي بي اصابني من طبيبي فاخذت المروحة اروحه فقال لي كيف يجد روح المروحة من جوفه يحترق من داخل ثم أنشأ يقول: القلب محترق والدمع مستبق ... والكرب مجتمع والصبر مفترق كيف القرار على من لا قرار له ... مما جناه الهوى والشوق والقلق؟ يا رب ان كان شيء فيه لي فرج ... فامنن علي به بي ما دام بي رمق وعنه قال دخلت على سري السقطي وهو في النزع فجلست عند راسه فوضعت خدي على خذه فدمعت عيناي فوقع دمعي على خده ففتح عينيه فقال لي من انت قلت انا خادمك الجنيد فقال مرحبا فقلت له ايها الشيخ اوصني بوصية انتفع بها بعدك قال أياك ومصاحبة الاشرار وان تنقطع عن الله بصحبة الاخيار. وقد رواها جعفر الخلدي عن الجنيد ايضا. اسند سري عن هشيم وابي بكر بن عياش ويزيد بن هارون وغيرهم وصحب معروفا الكرخي. قال ابو عبيد علي بن الحسين ين حرب القاضي توفي سري بن المغلس يوم الثلاثاء لست خلون من رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائتين. وعن ابي الحسن بن مقسم المقري قال مات سري سنة احدى وخمسين ومائتين. وقال المصنف رحمه الله والاول اصح. وعن ابي عبيد بن حربوية قال حضرت جنازة سري السقطي فسررت فحدثنا رجل عن آخر انه حضر جنازة سري السقط فلما كان في بعض الليل راه في النوم فقال له مافعل الله بك قال غفر لي ولمن حضر جنازتي وصلى علي فقلت: فاني ممن حضر جنازته وصلى

عليك قال فاخرج درجا فنظر فيه فلم ير لي فيه اسما فقلت بلى قد حضرت قال فنظر فاذا اسمي في الحاشية رحمه الله ورضي عنه.

علي بن الموفق ابو الحسن العابد

273- علي بن الموفق ابو الحسن العابد عن محمد بن احمد بن المهدي قال سمعت علي بن الموفق مالا احصيه يقول اللهم ان كنت تعلم اني اعبدك خوفا من نارك فعذبني بها وان كنت تعلم اني اعبدك حبا مني لجنتك وشوقا مني اليها فاحرمينها وان كنت تعلم اني اعبدك حبا مني لك وشوقا مني الى وجهك الكريم فابحنيه واصنع بي ما شئت. قال وسمعه يقول خرجت يوما لاؤذن فاصبحت قرطاسا فاخذته ووضعته في كمي واقمت وصليت فلما صليت قراته فاذا فيه مكتوب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: يا علي يا ابن الموفق تخاف الفقر وانا ربك؟. وعن عبد الله بن العباس الطيالسي قال سمعت علي بن الموفق يقول قام رجل من اخوانكم في ليلة باردة فلما تهيا للصلاة اذا شقاق في يديه ورجليه فبكى فهتف به هاتف من البيت ايقظناك وانمناهم وتبكي علينا. وعن عبد الرحمن بن عبد الباقي بطرسوس قال سمعت بعض مشايخنا يقول قال علي بن الموفق لما تم لي ستون حجة خرجت من الطواف وجلست بحذاء الميزاب وجعلت اتفكر لا ادري أي شيء حالي عند الله وقد كثر ترددي الى هذا المكان قال فغلبتني عيني فكان قائلا يقول يا علي اتدعو الى بيتك الا من تحبه فانتبهت وقد سري عني ما كنت فيه. وعن محمد بن اسحاق السراج قال سمعت علي بن الموفق يقول حججت نيفا وخمسين حجة فنظرت الى اهل الموقف وضجيج اصواتهم فقلت اللهم ان كان في هؤلاء احد لم يتقبل حجة فقد وهبت حجتي له فرحت الى مزدلفة فبت بها ف رأيت رب العزة تعالى في المنام فقال لي يا علي يا ابن الموفق تتسخى علي؟ قد غفر لاهل الموقف ولامثالهم وشفعت كل واحد منهم في اهل بيته وعشيرته وذريته وأنا أهل التقوى واهل المغفرة.

_ 273- هو: علي بن الموفق الزاهد المشهور أنظر تاريخ بغداد 12/110. وحلية الأولياء 10/332.

وعن احمد بن عبد الله الحفار قال ريات احمد بن حنبل في النوم فقلت يا ابا عبد الله ما فعل الله بك قال حباني وأعطاني وقربني وادناني قال قلت الشيخ الزمن علي بن الموفق ما صنع الله بك قال الساعة تركته في زلال يريد العرش. قال المؤلف اسند ابن الموفق عن منصور بن عمار واحمد بن ابي الحواري. وتوفي سنة خمس وستين ومائتين رحمه الله.

أبو شعيب البراثي العابد

274- ابو شعيب البراثي العابد قال الجنيد بن محمد أبو شعيب البراثي اول من سكن براثا في كوخ يتعبد فمرت بكوخه جارية من بنات الكبار ابناء الدنيا فتجردت ما كانت فيه وتزوجت به مكثا سنين كثيرة يتعبدان احسن عبادة وتوفيا على ذلك متعاونين رحمهما الله.

_ 274- هو: أبو شعيب البراثي ذو الأحوال العالية من متقدمي شيوخ بغداد أنظر حلية الأولياء 10/345. وتاريخ بغداد 14/418.

ابو عبد الله بن ابي جعفر البراثي

275- ابو عبد الله بن ابي جعفر البراثي عن ابي مريم قال قلت لابي عبد الله البراثي كم تبكي كم هذا البكاء فاخرج الي يده واذا على اصبعه شعرة ملفوفة فنشرها ثم قال اذا كان المجاز على مثل هذه فاي قدم يثبت على مثل هذا ثم بكى. وعن حكيم بن جعفر قال سمعت ابا عبد الله البراثي يقول لن يرد القيامة ارفع درجة من الراضين عن الله على كل حال ومن وهب له الرضا فقد بلغ افضل الدرجات ومن زهد على حقيقة كانت مؤنته خفيفة ومن لم يعرف ثواب الاعمال ثقلت عليه في جميع الاحوال. وعنه قال سمعت ابا عبد الله البراثي يقول كرمك اطعمنا سيدي في عفوك وجودك اطعمن في فضلك وذنوبنا قد تؤيسنا من ذلك وتابى قلوبنا لمعرفتها بك ان تقطع رجاءها بك منك فتفضل ايها الكريم وجد بعفوك يا رحيم. وعنه قال سمع ابا عبد الله البراثي يقول بالمعرفة هانت على العاملين العبادة وبالرضا عن الله عز وجل في تدبيره زهدوا في الدنيا ورضوا منها لانفسهم بتقديره. وعنه قال سمعت ابا عبد الله البراثي يقول من كرمت نفسه عليه رغب بها عن الدنيا. وعن البرجلاني قال سمعت ابا عبد الله البراثي يقول حملتنا المطامع على اسوا

_ 275- هو: أبو عبد الله البراثي صاحب النكت المغرية والأحوال الزكية من كبار المشايخ ومتقدميهم.

الصنائع نذل لمن لا يقدر لنا على ضرر ولا على نفع ونخضع لمن لا يملك لنا رزقاً ولا حياة ولا موتا ولا نشورا فكيف ازعم اني اعرف ربي حق معرفته وانا اصنع ذلك هيهات هيهات.

ابو جعفر المحولي

276- ابو جعفر المحولي سكن باب المحول من بغداد فنسب إليه. عن اسماعيل بن ابراهيم الترجماني قال سمعت ابا جعفر المحولي وكان عابدا عالما يقول حرام على قلب محب الدنيا ان يسكنه الورع الخفي وحرام على نفس عليها رياسة الناس ان تذوق حلاوة الاخرة وحرام على كل عالم لم يعمل بعلمه أن يتخذه المتقون إماماً. وعن عبد الله بن ابي حبيب قال سمعت ابا جعفر المحولي يقول اليك اشكو بدنا غذي بنعمتك ثم توثب على معاصيك. وعن الصلت بن حكيم قال قال ابو جعفر المحولي يوما وذكر عنده الفالوذج فقال ان قلباً يتفرغ لصنعة الفالوذج حتى ياكله لقلب فارغ جدا ثم بكى. وعنه قال سمعت ابا جعفر المحولي يقول اذا جاع العبد صفا بدنه ورق قلبه وهطلت دمعته واسرعت الى الطاعة اطواره وجوارحه وعاش في الدنيا كريما.

_ 276- هو: أبو جعفر المحولي كان من قدماء العارفين من أهل بغداد سكن باب المحول فنسب إليه.

ابراهيم الاجري الكبير

277- ابراهيم الاجري الكبير عن عبدون الزجاج قال قال ابراهيم الاجري وكان من الفاضلين لان ترد همك الى الله عز وجل ساعة خير لك مما طلعت عليه الشمس.

ابو بكر محمد بن مسلم بن عبد الرحمن القنطري

278- ابو بكر محمد بن مسلم بن عبد الرحمن القنطري عن ابن المنادي قال ابو بكر محمد القنطري كان ينزل قنطرة البردان وكان يشبه في الزهد والورع والشغل عن الدنيا واهلها ببشر بن الحارث وكان قوته شيئا يسيرا انما كان فيما اخبرت عنه يكتب جامع سفيان الثوري لقوم لا يشك في صلاحهم ببضعة عشر درهما فمنها قوته. وقالوا كان له ابن اخت حدث فراه يلعب بالطيور فدعا الله ان يميته فما امسى يومه ذلك الا ميتا. وعن ابي بكر احمد بن محمد المروزي قال دخلت على ابي بكر بن مسلم صاحب قنطرة البردان يوم عيد فوجدته عليه قميص مرفوع نظيف ومطبق وقدامة قليل خرنوب يقرضه

فقلت يا ابا بكر اليوم عيد الفطر وتاكل خرنوبا؟ فقال لي لا تنظر الى هذا ولكن انظر ان سالتني عنه من اين هو ايش اقول؟ وقال الجنيد بن محمد عبرت يوماً إلى أبي بكر بن مسلم في نصف النهار فقال ما كان لك في هذا الوقت عمل يشغلك عن المجيء الي قلت اذا كان مجيئي اليك عملا فما اعمل. وعنه قال كان لي شيوخ كانت رؤيتهم لي قوة من الاسبوع الى الاسبوع وان ابا بكر بن مسلم منهم. وعن ابي بكر الرزوي قال سمعت ابا بكر بن مسلم يقول الدنيا لاي شيء تراد ان كان انما تراد للذة فلا كانت الدنيا ولا كان اهلها انما تراد الدنيا ان يطاع الله فيها. توفي ابو بكر بن مسلم يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة سنة ستين ومائتين.

ابو جعفر بن السماك العابد

279- ابو جعفر بن السماك العابد عن سري السقطي قال دخل علي ابو جعفر بن السماك وكان شيخا متعبدا مترويا فراى عندي جماعة فوقف ولم يقعد ثم نظر الي وقال يا سري صرت مناخ البطالين ورجع ولم يقعد وكره اجتماعهم حولي. قال المؤلف هكذا روي لنا في نسبه ابو جعفر بن السماك. وقال ابو عبد الرحمن السلمي هو ابو جعفر السماك بغدادي من مشايخ سري السقطي.

أيوب الحمال

280- أيوب الحمال يكنى ابا سليمان من العباد المجتهدين من ذوي الكرامات وهو من اقران بشر وسري وصحب سهل بن عبد الله. عن محمد بن خالد قال سمعت ايوب الحمال يقول عقدت على نفسي الا امشي غافلا ولا امشي الا ذاكرا فمشيتت مشية فاخذتني عرجة فعلمت من اين اتيت فبكيت واستغثت وتبت فزالت العلة والعرجة فرجعت الى الموضع الذي غفلت فيه فرجعت الى الذكر فمشيت سليما. وعن احمد بن محمد بن وهب عن بعض اصحابه انه حج مع ايوب الحمال. قال فلما

ان ظعنا في البادية وسرنا منازل اذا عصفور يحوم علينا وحولنا فرفع ايوب راسه فنظر إليه فقال له قد جئت الى ههنا واخذ خبزا ففته له في كفه فوقع العصفور على يده وجعل ياكل منها ثم صب له ماء فشرب ثم قال له اذهب الان فطار العصفور فلما كان من الغد رجع العصفور ففعل به ايوب مثل ما فعل في اليوم الاول ثم لم يزل يفعل به ذلك حتى انتهى الى آخر السفرة.

محمد بن محمد بن عيسى بن عبد الرحمن بن عبد الصمد

281- محمد بن محمد بن عيسى بن عبد الرحمن بن عبد الصمد مولى سعيد بن العاص القرشي يكنى ابا الحسن ويلقب بحبش ويعرف بابن ابي الورد عن علي بن عبد الحميد قال سمعت محمد بن ابي الورد يقول هلاك الناس في حرفين اشتغال بنافلة وتضييع فريضة وعمل بالجوارج بلا مواطاة القلب عليه وانما منعوا الوصول بتضييع الاصول. وعن ابي بكر الصوفي الاسكاف قال سمعت ابا الحسن محمد بن محمد بن ابي الورد يقول اشكر الخلق لله عز وجل من لم ير انه شكر الله عز وجل قط. وعن جعفر بن محمد قال سئل محمد بن ابي الورد عن قوله افمن زين له سوء عمله فراه حسنا سورة فاطر آية 8 قال من ظن في اساءته انه محسن. وقال من آداب الفقير في فقره ترك الملامة والتعبير لمن ابتلي بطلب الدنيا والرحمة والشفقة عليه والدعاء له ليريحه الله من تعبه فيها. وعن عبد الرحمن بن احمد قال سمعت ابا الحسن محمد بن محمد بن ابي الورد يقول ان لله عز وجل يوما لا ينجو من شره منقاد لهواه وان ابطا الصرعى نهضة يوم القيامة صريع الشهوة وان العقل معدن والفكرمعول فبقدر الطاقة والقوة يكون انتهاؤه وعلى العاقل مراعاة قلبه وحفظ ساعته لا غير. وعن ابي الحسين بن المنادي قال ابو الحسن محمد بن محمد المعروف بحبش بن ابي الورد ما زال مشهورا بالورع والزهد والفضل والانكماش في العبادة حتى فارق الدنيا. قال المؤلف اسند محمد عن ابي النضر هاشم بن القاسم وبشر الحافي وصحب سريا والمحاسبي. وتوفي في رجب سنة ثلاث وستين ومائتني رحمه الله.

اخوه احمد بن محمد بن ابي الورد

282- أخوه أحمد بن محمد بن ابي الورد وقيل يكنى ابا الحسن ايضا. وعن جعفر بن محمد قال قال احمد بن ابي الورد ولي الله اذا زاد جاهه زاد تواضعه واذا زاد ماله زاد سخاؤه واذا زاد عمره زاد اجتهاده. وقال وصل القوم بخمس بلزوم الباب وترك الخلاف والنفاذ في الخدمة والصبر على المصائب وصيانة الكرامات. وعن ابي علي الروذباري قال كان احمد ومحمد ابنا محمد بن ابي الورد صحبا ابا عبد الله الساجي وكان ابو عبد الله يقول من أراد ان يخدم الفقراء فليخدم خدمة ابني الورد صحباني عشرين سنة ما سالاني مسالة قط وما رأيت منهما منكرا قط. صحب احمد بن ابي الورد بشرا الحافي والحارث المحاسبي وسريا ومات قبل اخيه محمد.

الحسن الفلاس

283- الحسن الفلاس تادب ببشر الحافي وعاصر سريا السقطي وكان سري يفخم امره. عن وهب بن نعيم بن الهيصم قال جاء حسن الفلاس الى بشر بن الحارث مرة ومرتين وثلاثا يتردد إليه في مسالة ليكون الحجة فيما بينه وبين الله تعالى فتركه بشر وقام مرة ومرتين وثلاثا. فلما كان بعد ذلك تبعه الى المقابر فلما صار الى المقابر وقف بشر فقال له يا حسن أيود هؤلاء ان يردوا فيصلحوا ما افسدوا؟ ألا فاعلم يا حسن انه من فرح قلبه بشيء من الدنيا اخطا الحكمة قلبه ومن جعل شهوات الدنيا تحت قدميه فرق الشيطان من ظله ومن غلب هواه فهو الصابر الغالب ألا واعلم ان البلاء كله في هواك والشفاء كله في مخالفتك اياه فاذا لقيته فقل قال لي. فرجع الحسن فعاهد الله الا ياكل ما يباع ولا ما يشترى ولا يلبس مايباع ولا ما يشترى ولا يمسك بيده ذهبا ولا فضة ولا يضحك أبداً. وكان يأوي ستة اشهر في العباسية وستة اشهر حول دار البطيخ ويلبس ما في المزابل. ولقبه رجل بالذندرن منصرفا على هذه الصورة فقال يا حسن من ترك شيئا لله عوضه الله ما هو خير منه يعني فما عوضك قال الحسن الرضا بما ترى.

فلما رجع من غزاته خرج به خراج وكانت فيه ميتته فلما اشتد به الامر قال لمولاة له لا تسقيني ماء حتى اطلب منك فلما قرب منه الامر طلب منها الماء فشرب وقال لقد اعطاني ما يتنافس فيه المتنافسون. وعن سري السقطي قال تعجبني طريقة حسن الفلاس وكان حسن الفلاس لا يأكل الا القمامة رحمه الله.

محمد بن منصور الطوسي

284- محمد بن منصور الطوسي يكنى ابا جعفر اصله من طوس سكن بغداد ومات بها اثني عليه احمد بن حنبل. وعن احمد بن محمد بن الفضل المؤذن قال سمعت محمد بن منصور الطوسي وحواليه قوم فقالوا له يا أبا جعفر أي شيء عندك اليوم فقد شك الناس فيه يوم عرفة هو او غيره فقال اصبروا فدخل البيت ثم خرج فقال هو عندي يوم عرفة فاستحيوا ان يقولوا من اين لك ذلك فعدوا الايام والليالي فكان اليوم الذي قال فجاء إليه ابن سلام فقال من اين علمت انه يوم عرفة قال دخلت البيت فسالت ربي تعالى فاراني الناس في الموقف. وعن الحسن بن علوية قال قال محمد بن منصور ست خصال يعرف بها الجاهل الغضب في غير شيء والكلام في غير نفع والعظة في غير موضعها وافشاء السر والثقة بكل احد ولا يعرف صديقه من عدوه. اسند محمد بن منصور عن هاشم بن القاسم وغيره ومسانيده كثيرة. وتوفي يوم الجمعية لست بقين من شوال سنة اربع وخمسين ومائتين رحمه الله.

_ 284- هو: محمد بن منصور بن داود الطوسي نزيل بغداد أبو جعفر العابد ثقة من صغار العاشرة.

محمد السمين

285- محمد السمين الخلدي قال قال الجنيد قال لي محمد السمني كنت في وقت من الاوقات اعمل على الشوق وكنت اجد من ذلك شيئا انه به مشتغل فخرجت الى الغزو وهذه الحالة حالي وغزا الناس وغزوت معهم فكثر العدو على المسلمين وتقاربوا والتقوا ولزم المسلمين من ذلك خوف لكثرة الروم. قال احمد ف رأيت نفسي في ذلك الموطن وقد لحقها روع فاشتد ذلك علي وجعلت أوبخ نفسي والومها واؤنبها واقول لها كذابة تدعين الشوق فلما جاء الموطن الذي يؤمل في مثله الخروج اضطربت وتغيرت فانا اوبخها اذا وقع لي انزل الى النهر فاغتسل فخلعت

ثيابي واتزرت ودخلت النهر فاغتسلت وخرجت وقد اشتدت لي عزيمة لا ادري ما هي؟ فخرجت بقوة تلك العزيمة ولبست ثيابي واخذت سلاحي ودنوت من الصفوف وحملت بقوة تلك العزيمة حملة وانا لا ادري كيف انا فخرقت صفوف المسلمين وصفوف الروم حتى صرت من ورائهم ثم كبرت تكبيرة فسمع الروم تكبيرا فظنوا ان كمينا قد خرج عليهم من ورائهم فولوا وحمل عليهم المسلمون فقتل من الروم بسبب تكبيرتي تلك نحو اربعة الاف وجعل الله عز وجل ذلك سببا للفتح والنصر.

زهير بن محمد بن قمير

286- زهير بن محمد بن قمير ابن شعبة ابو محمد مروزي الاصل سكن بغداد. عن ابي القاسم احمد بن منيع قال ما رأيت بعد ابي عبد الله احمد بن حنبل ازهد من زهير بن قمير. وعن محمد بن زهير بن قمير قال كان ابي يجمعنا في وقت ختمة القرآن في شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث مرات تسعين ختمة في شهر رمضان. وعن عبد الله بن البغوي قال سمعت زهيرا يقول اشتهي لحما من اربعين سنة ولا اكله حتى ادخل الروم فاكله من مغانم الروم. اسند زهير بن محمد بن قمير عن الحسين بن محمد المروزي والحسن بن موسى الاشيب ويعلى بن عبيد والقعنبي وعبد الرزاق في اخرين. وانتقل في آخر عمره الى طرطوس فرابط بها الى ان توفي بها في سنة سبع وخمسين وقيل ثمان وخمسين ومائتين. وذكر ابو الحسن المنادي انه دفن في مقابر باب حرب والصحيح الاول.

_ 286- هو: زهير بن محمد بن قعير الإمام الرباني المحدث الثبت أبو محمد ويقال: أبو عبد الرحمن المروزي ثقة فاضل.

إبراهيم بن هانىء

287- ابراهيم بن هانىء ابو اسحاق النيسابوري رحل في طلب العلم الى البلدان واستوطن بغداد واختفى عنده احمد بن حنبل وكان يثني عليه ويقول لا اطيق ما يطيق ابراهيم من العبادة. عن ابي بكر النيسابوري قال حضرت ابراهيم بن هانىء عند وفاته فقال لابنه اسحاق انا

_ 287- هو: إبراهيم بن هانئ النيسابوري الإمام الحافظ القدوة العابد أبو إسحاق الأرغياني الفقيه نزيل بغداد قال الدارقطني: ثقة فاضل.

عطشان فجاءه بماء فقال غابت الشمس قال قال لا قال فرده. ثم قال: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61] ثم خرجت روحه. وعنه قال حضرت ابراهيم بن هانىء النيسابوري يوم وفاته فدعا ابنه اسحاق فقال هل غربت الشمس قال لا ثم قال يا أبة رخص لك في الافطار في الفرض وانت متطوع قال امهل ثم قال: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} ثم خرجت نفسه. وعن ابي بكر بن زنجويه قال قال احمد بن حنبل ان كان ببغداد من الابدال احد فأبو اسحاق ابراهيم بن هانىء. اسند ابراهيم بن هانىء عن يعلى ومحمد ابني عبيد وقبيصة وابي اليمان في خلق كثير. وتوفي يوم الاربعاء لاربع خلون من ربيع الاخر خمس وستين ومائتين رحمه الله.

فتح بن شحرف بن داود ابن مزاحم أبو نصر الكشي

288- فتح بن شحرف بن داود ابن مزاحم أبو نصر الكشي قال البربهاري سمعت ابن شحرف يقول رأيت رب العزة جل وعز في النوم فقال يا فتح احذر لا اخذك على غرة قال فتهت في الجبال سبع سنين. وعن رويم بن احمد قال لقيني يوما الفتح بن شحرف فقال يا أبا محمد أنت أمين الله على نفسك لا ترى علي شيئا محتاج إليه ولا عندي شيء تزحمك الحاجة إليه فتتخلف عن أخذه. وعن محمد بن المسيب قال قال الإمام احمد بن حنبل ما أخرجت خراسان مثل فتح بن شحرف. وعن الحسين بن يحيى الارموي قال كتب فتح بن شحرف على باب بيته: رحم الله ميتا دخل على هذا الميت فلم يذكر الموتى عنده إلا بخير. وقال احمد بن عبد الجبار سمعت ابي يقول صحبت فتح بن شحرف ثلاثين سنة فلم أره رفع رأسه إلى السماء ثم رفع رأسه إلى السماء وفتح عينيه ونظر إلى السماء ثم قال قد طال شوقي إليك فعجل قدومي عليك. وعن أبي الحسين الحمادي القاضي قال سمعت الفتح بن شحرف يقول رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في النوم فقلت له يا أمير المؤمنين أوصني قال لي ما احسن تواضع الأغنياء للفقراء واحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء قال فقلت له زدني فاوما الي بكفه فإذا فيه مكتوب:

قد كنت ميتا فصرت حيا ... وعن قليل تصير ميتا أغنى بدار الفناء بيت ... فابن بدار البقاء بيتا حدث الفتح بن شحرف عن رجاء بن مرجا وجعفر بن عبد الواحد ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه وغيرهم. وتوفي يوم الثلاثاء للنصف من شوال من سنة ثلاث وسبعين ومائتين ودفن في المقبرة التي بين باب حرب وباب قطر بل وصلى عليه بدر المغازلي. قال أبو محمد الحريري غسلت الفتح بن شحرف فقلبته على يمينه فإذا على فخذه الأيمن مكتوب خلقه الله كتابة بينة قال جعفر ورأيت الفتح بين شحرف هذا وكان رجلا صالحا زاهدا لم ياكل الخبز ثلاثين سنة وكان ذا أخلاق حسنة وكان يطعم الفقراء ومن يزوره من الأصحاب الطعام الطيب وكان حسن العبادة والورع والزهد. عن أبي محمد الحريري قال غسلنا الفتح بن شحرف فرأينا على فخذه مكتوبا لا اله إلا الله فتوهمناه مكتوبا فإذا هو عرق داخل الجلد. وعن إسحاق بن إبراهيم بن هاني قال لما مات فتح بن شحرف ببغداد صلى عليه ثلاثا وثلاثين مرة اقل قوم كانوا يصلون عليه يعدون خمسة وعشرين آلفا إلى ثلاثين آلفا رحمه الله.

أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي

289- أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي ولد سنة ثمان وتسعين ومائة واصله من مرو وكان إماما في جميع العلوم وله التصانيف الحسان وكان زاهدا في الدنيا وكان يقول صحبت قوما من الكرخ في طلب الحديث فسموني الحربي لان عندهم ان من جاوز قنطرة العتيقة من الحربية. وعن احمد بن عبد الله بن خالد قال سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي يقول اجمع عقلاء كل أمة انه من لم يجر مع القدر لم يتهن بعيشه كان يكون قميصي انظف قميص وازاري اوسخ ازار ما حدثت نفسي انهما يستويان قط وفرد عقبي مقطوع والآخر صحيح امشي بهما وادور بغداد كلها هذا الجانب وذاك الجانب لا احدث نفسي ان اصلحها وما شكوت إلى أمي ولا إلى أختي ولا إلى امرأتي ولا إلى بناتي قط حمى وجدتها الرجل الذي

_ 289- هو: إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير البغدادي الحربي الشيخ الإمام الحافظ العلامة شيخ الإسلام عالم العراق مولده في سنة ثمان وتسعين ومائة.

يدخل غمه على نفسه ولا يغم عياله وكان برأسي شقيقة خمسا واربعين سنة ما أخبرت بها أحداً قط ولي عشر سنين ابصر بفرد عين ما أخبرت به أحدا وأفنيت من عمير ثلاثين سنة برغيفين ان جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت والا بقيت جائعا عطشان إلى الليلة الثانية وافنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف في اليوم والليلة ان جاءتني امرأتي أو إحدى بناتي به أكلته وإلا بقيت جائعا عطشان إلى الليلة الاخرى والان اكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة ان كانت برنيا أو نيفا وعشرين ان كان دقلا ومرضت ابنتي فمضت امراتي فاقامت عندها شهرا فقام افطاري في هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف دخلت الحمام واشتريت لهم صابونا بدانقين فقام نفقة شهر رمضان كله بدرهم واربعة دوانيق ونصف. وعن القاسم بن بكير قال سمعت إبراهيم الحربي يقول ما كنا نعرف من هذه الاطبخة شيئا كنت اجيء من عشاء إلى عشاء وقد هيات لي امي باذنجانة مشوية أو لعقة بن أو باقة فجل. وقال أبو بكر بن علي الخراط كنت يوما جالسا مع إبراهيم بن اسحاق على باب داره فلما ان اصبحنا قال لي يا ابا علي قم إلى شغلك فان عندي فجلة قد اكلت البارحة خضرتها اقوم اتغذى بجزرتها. وعن ابي عثمان الرازي قال جاء رجل من أصحاب المعتضد إلى إبراهيم الحربي بعشرة آلاف درهم من عند المعتضد يسأله عن أمر أمير المؤمنين يفرق ذلك فرده فانصرف الرسول ثم عاد فقال أن أمير المؤمنين يسألك ان تفرقه في جيرانك فقال عافاك الله هذا مال لم نشغل انفسنا بجمعه فلا نشغلها بتفرقته قل لأمير المؤمنين ان تركتنا والا تحولنا من جوارك. وعن أبي القاسم الجبلي قال اعتل إبراهيم الحربي علة حتى اشرف على الموت فدخلت إليه يوما فقال لي يا أبا القاسم أنا في أمر عظيم مع ابنتي ثم قال لها قومي اخرجي إلى عملك فخرجت فألقت على وجهها خمارها فقال لها إبراهيم هذا عملك كلميه فقالت لي يا عم نحن في أمر عظيم لا في الدنيا ولا في الآخرة الشهر والدهر ما لنا طعام إلا كسر يابسة وملح وربما عدمنا الملح وبالأمس قد وجه إليه المعتضد مع بدر بألف دينار فلم يأخذها ووجه إليه فلان وفلان فلم يأخذ منهما شيئا وهو عليل. فالتفت الحربي إليها وتبسم وقال يا بنية إنما خفت الفقر قالت نعم قال انظري إلى

تلك الزاوية فنظرت فإذا كتب فقال هناك اثنا عشر ألف جزء لغة وغريب كتبته بخطي إذا مت فوجهي كل يوم بجزء فبيعه بدرهم فمن كان عنده اثنا عشر ألف درهم فليس هو فقير. وقال احمد بن سليمان القطيعي اضقت اضافة فمضيت إلى إبراهيم الحربي لابثه ما انا فيه فقال لي لا يضيق صدرك فان الله من وراء المعونة اني اضقت مرة إلى ان انتهى امري في الاضافة إلى ان عدم عيالي قوتهم فقالت لي الزوجة هب اني وإياك نصبر فكيف نعمل بهاتين الصبيتين فهات شيئا من كتبك حتى نبيعه أو نرهنه فضننت بذلك فقلت اقترضي لهما شيئا وانظريني بقية اليوم والليلة وكان لي بيت في دهليز داري فيه كتبي وكنت اجلس فيه للنسخ والنظر. فلما كان في تلك الليلة إذ داق يدق الباب فقلت من هذا فقال رجل من الجيران فقلت ادخل فقال اطفىء السراج حتى ادخل فكببت على السراج شيئا وقلت ادخل فدخل وترك إلى جانبي شيئا وانصرف فكشفت على السراج ونظرت فإذا منديل له قيمة وفيه أنواع من الطعام وكاغذ فيه خمسمائة درهم فدعوت الزوجة وقلت انبهي الصبيان حتى يأكلوا. ولما كان من الغد قضينا دينا كان علينا من تلك الدراهم وكان وقت مجيء الحاج من خراسان فجلست على بابي من غد تلك الليلة فإذا جمال يقود جملين عليهما حملان ورقا وهو يسال عن منزل إبراهيم الحربي فانتهى إلي فقلت أنا إبراهيم الحربي فحط الحملين وقال هذان الحملان أنفذهما لك رجل من أهل خراسان فقلت من هو فقال قد استحلفني إلا أقول من هو؟ وعن ثعلب قال ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس نحو أو لغة نحو خمسين سنة. وعن محمد بن صالح الأنماطي قال لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل ابراهيم الحربي في الأدب والحديث والفقه والزهد. وقال أبو الحسن العتكي سمعت إبراهيم الحربي يقول لجماعة عنده من تعدون الغريب في زمانكم هذا فقال واحد منهم الغريب من ناى عن وطنه قال آخر الغريب من فارق أحبابه وقال كل واحد منهم شيئا فقال إبراهيم الغريب في زماننا رجل صالح عاش بين قوم صالحين ان امر بالمعروف آزروه وان نهي عن المنكر اعانوه وان احتاج إلى شيء من الدنيا ما نوه ثم ماتوا وتركوه.

وعن مقاتل بن محمد بن بنان العتكي قال حضرت مع أبي وأخي عند ابن إسحاق يعني إبراهيم الحربي فقال إبراهيم لأبي هؤلاء أولادك قال نعم قال احذر لا يرونك حيث نهاك الله فتسقط من أعينهم. وعن محمد بن خلف وكيع قال كان لإبراهيم الحربي ابن وكان له إحدى عشرة سنة حفظ القرآن ولقنه من الفقه شيئا كثيرا قال فمات فجئت اعزيه فقال كنت اشتهي موت ابني هذا قال قلت يا با إسحاق أنت عالم الدنيا تقول مثل هذا في صبي قد انجب ولقنته الحديث والفقه؟ قال نعم رأيت في النوم كان القيامة قد قامت وكان الصبيان بايديهم قلال فيها ماء يستقبلون الناس يسقونهم وكان اليوم يوما حارا شديداً حره قال فقلت لاحدهم اسقني من هذا الماء قال فنظر الي وقال ليس انت أبي فقلت أي شيء انتم قال فقال نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا وخلفنا اباءنا نستقبلهم فنسقيهم الماء قال فلهذا تمنيت موته. وعن عيسى بن محمد الطوماري قال دخلنا على إبراهيم الحربي وهو مريض وقد كان يحمل ماؤه إلى الطبيب فجاءت الجارية وردت الماء وقالت مات الطبيب فبكى وانشأ يقول: إذا مات المعالج من سقامي ... فيوشك للمعالج ان يموتا وعن علي بن الحسن البزار قال سمعت إبراهيم بن اسحاق الحربي يقول وقد دخل عليه قوم يعودونه فقالوا كيف تجدك يا ابا اسحاق قال اجدني كما قال الشاعر: دب في البلاء سفلا وعلوا ... واراني اموت عضوا فعضوا ذهبت جدتي بطاعة تفسي ... وتذكرت طاعة الله نضوا اسند إبراهيم الحربي عن أبي نعيم الفضل بن دكين وعفان ومسدد واحمد بن حنبل وخلق كثير لا يحصون. وتوفي ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين وقبره ظاهر يتبرك الناس به رحمه الله.

يحيى الجلاء

290- يحيى الجلاء كان من خيار الناس وصحب بشر بن الحارث. قال محمد بن الحسين بن الحسن سمعت ابا عبد الله بن الجلاء قال قلت لذي النون لم سمي ابي الجلاء أكان يصنع صنعة قال لا نحن سميناه الجلاء كان إذا تكلم علينا جلا قلوبنا.

وعن ابي عبد الله احمد بن يحيى الجلاء قال مات ابي فلما وضع في المغسل رايناه يضحك فالتبس على الناس امره فجاؤوا بطبيب وغطوا وجهه فاخذ مجسه فقال هذا ميت فكشفوا عن وجهه الثوب فراه يضحك فقال الطبيب ما ادري احي هو ام ميت؟ فكان إذا جاء انسان ليغسله لبسته منه هيبة لا يقدر على غسله حتى جاء رجل من اخوانه فغسله وكفنه وصلى عليه ودفن.

أبو إبراهيم السائح

291- أبو إبراهيم السائح عن عبد الله بن احمد بن حنبل قال كان في دهليزنا دكان وكان إذا جاء انسان يريد ان يخلو معه اجلسه على الدكان واذا لم يرد ان يخلو معه اخذ بعضادتي الباب وكلمه. فلما كان ذات يوم جاءنا انسان فقال لي قل له أبو إبراهيم السائح فجلسنا على الدكان فقال لي ابي سلم عليه فانه من كبار المسلمين أو من خيار المسلمين فسلمت عليه فقال له ابي حدثني يا ابا إبراهيم فقال له أبو إبراهيم خرجت إلى الموضع الفلاني بقرب الدير الفلاني فأصابتني علة منتعتني من الحركة فقلت في نفسي لو كنت بقرب الدير لعل من فيه من الرهبان يداويني فإذا انا بسبع عظيم يقصد نحوي حتى جاءني فاحتملني على ظهره حملا رفيقا حتى ألقاني عند الدير. فنظر الرهبان إلى حالي مع السبع فاسلموا كلهم وهم أربعمائة راهب رحمه الله.

_ 291- هو: السائح الزاهد الفاضل الجوال الشيخ علي بن أبي بكر الهروي.

إسماعيل بن يوسف أبو علي المعروف بالديلمي

292- إسماعيل بن يوسف أبو علي المعروف بالديلمي جمع بين العلم والعبادة والحديث وجالس احمد بن حنبل وحدث عن مجاهد بن موسى. عن ابي الحسين بن المنادي قال كان إسماعيل الديلمي من خيار الناس وذكر لي انه كان يحفظ أربعين ألف حديث. قالوا وكان يعبر إلى الجانب الشرقي قاصدا محمد بن اشكاب الحافظ فيذاكره بالمسند. وكان إسماعيل من اشهر الناس بالزهد والورع والتميز بالصون واما مكسبه فكان من المشاهرة في الارجاء. وعن ابي علي الابراري قال قلت لإسماعيل الديلمي تشهر في هذه الارحاء بثلاثة

دراهم واي شيء تكفي ثلاثة دراهم فقال يا بني ما لم يتصل بنا عز التوكل فلا ينبغي ان نستعجل الذل بالتشرف. وعن كردان قال قال لي اسماعيل الديلمي اشهيت حلوا وبلغت شهوته الي فخرجت من المسجد بالليل لابول فإذا جنبتي الطريق اخاوين حلوا فنوديت يا اسماعيل هذا الذي اشتهيت فإن تركته فهو خير لك فتركته. قال ابن مخلد وقد كتبت انا عن كردان كان يكون في قنطرة بني زريق وقد رأيت اسماعيل الديلمي وكان ما شئت من رجل رايته عند ابي جعفر بن اشكاب. قال المعافي إسماعيل هذا من خيار الناس. والناس يزورون قبره وراء قبر معروف الكرخي وبينهما قبرو يسيرة وقد زرته مرارا وحدثني بعض شيوخنا عنه انه كان حافظا للحديث كثير السماع وان كان يذاكر بسبعين ألف حديث.

زكريا بن يحيى بن عبد الملك أبو يحيى الناقد

293- زكريا بن يحيى بن عبد الملك أبو يحيى الناقد كان من كبار الاخيار. عن محمد بن جعفر بن سام قال لو قيل لابي يحيى الناقد غدا تموت ما ازداد في عمله. وقال أبو زرعة الطبري قال أبو يحيى الناقد اشتريت من الله تعالى حوراء باربعة الاف ختمة فلما كان آخر ختمة سمعت الخطاب من الحوراء تقول وفيت بعهدك فها انا الذي اشتريتني فيقال انه مات عن قريب. اسند أبو يحيى الناقد عن خالد بن خداش وفضيل بن عبد الوهاب واحمد بن حنبل في اخرين. وكان احمد يقول فيه هذا رجل صالح. وتوفي ليلة الجمعة لثمان بقين من شره ربيع الآخر سنة خمس وثمانين ومائتين.

أبو بكر الرقاق واسمه محمد بن عبد الله

294- أبو بكر الرقاق واسمه محمد بن عبد الله عن الحسن بن احمد بن عبد العزيز قال سمعت الرقاق يقول لي تسعين سنة ارب هذا الفقر من لم يصحبه في فقره الورع اكل الحرام النص. محمد السراج قال قال جنيد رأيت ابليس في منامي وكانه عريان فقلت له ما تستحيي من الناس فقال بالله هؤلاء عندك من الناس لو كانوا من الناس ما تلاعبت بهم كما يتلاعب

الصبيان بالكرة ولكن الناس غير الناس فقلت له من هم قال قوم في مسجد الشونيزي قد اضنوا قلبي وانحلوا جسمي كلما هممت بهم اشاروا إلى الله تعالى فاكاد احترق. قال جنيد فانتبهت ولبست ثيابي وجئت إلى مسجد الشونيزي وعلى ليل فلما دخلت المسجد اذ انا بثلاثة انفس جلوس ورؤوسهم في مرقعاتهم فلما احسو بي قد دخلت اخرج احدهم راسه وقال يا ابا القاسم انت كلما قيل لك شيء تقبل. قال ابن جهضم ذكر لي أبو عبد الله بن جامار ان الثلاثة الذين كانوا في مسجد الشونيزي ابوحمزة وابو الحسين النوري وابو بكر الرقاق.

أبو يعقوب الزيات

295- أبو يعقوب الزيات قال الجنيد بن محمد دققت على ابي يعقوب الزيات بابه في جماعة من اصحابنا فقال ما كان لكم شغل في الله يشغلكم عن المجيء الي قال الجنيد فقلت له إذا كان مجيئنا اليك من شغلنا به لم ننقطع عنه ففتح الباب. وقال يوما لبعض المريدين اتحفظ القرآن فقال لا فقال واغوثاه بالله مريد لا يحفظ القرآن كأترنجة لا ريح لها فبم يتنعم فبم يترنم فبم يناجي ربه؟ رحمه الله.

_ 295- هو: أبو يعقوب الزيات كان مغتنما لوقته مشتغلا بنفسه يراعي خطراته ويشتغل بخلواته أنظر حلية الأولياء 10/237.

الجنيد بن محمد بن الجنيد

296- الجنيد بن محمد بن الجنيد أبو القاسم الخزاز القواريري كان أبوه يبيع الزجاج وكان هو خزازا واصله من نهاوند إلا ان مولده ومنشأه ببغداد. عن جعفر الخلدي قال الجنيد ذات يوم ما اخرج الله إلى الارض علما وجلع للخلق إليه سبيلا إلا وقد جعل لي فيه حظا ونصيبا. قال الخلدي وبلغني عن الجنيد انه كان في سوقه وكان ورده في كل يوم ثلاثمائة ركعة وثلاثين ألف تسبيحة. وعنه قال كان الجنيد عشرين سنة لا ياكل إلا من الأسبوع إلى الأسبوع ويصلي كل يوم اربعمائة ركعة.

_ 296- هو: الجنيد بن محمد الإمام القدوة المحدث أبو القاسم القايني نزيل هراة وشيخ الصوفية مولده سنة ست وستين وأربعمائة ومات في رابع عشر شوال سنة سبع وأربعين وخمسمائة.

وعنه قال لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير ابي القاسم الجنيد ولا اكثرهم كان يكون له علم كثيرولا يكون له حال واخر كان يكون له حال كثير وعلم يسير والجنيد كانت له حال خطيرة وعلم غزير فإذا رأيت حاله رجحته إلى علمه واذا رأيت علمه رجحته على حاله. وعن ابي محمد المرتعش قال قال الجنيد كنت بين يدي سري السقطي العب وانا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر فقال لي يا غلام ما الشكر فقلت ألا تعصي الله بنعمه فقال لي اخشى ان يكون حظك من الله لسانك قال الجنيد فلا ازال ابكي على هذه الكلمة التي قالها السري لي. وعن ابي الحسن المجلسي قال قيل للجنيد ممن استفدت هذا العلم قال من جلوسي بين يدي الله تعالى ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة واومىء إلى درجة في داره. قال السلمي وسمعت جدي اسمعايل بن نجيد يقول كان الجنيد يجيء كل يوم إلى السوق فيفتح حانوته فيدخله ويسبل الستر ويصلي اربعمائة ركعة ثم يرجع إلى بيته. وعن احمد بن عبد الحميد السامري قال سمعت الجنيد بن محمد يقول معاشر الفقراء انما عرفتم بالله وتكرمون له فإذا خلوتم به فانظروا كيف تكونون معه؟ وعن ابي الطيب بن الفرحان قال سمعت الجنيد يقول علامة اعراض الله عن العبد ان يشغله بما لا يعنيه. وعن حامد بن إبراهيم قال قال الجنيد بن محمد الطريق إلى الله مسدود على خلق الله عز وجل إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لسنته كما قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الاحزاب: 21] . وعن خير قال كنت يوما جالسا في بتين فخطر لي خاطر ان ابا القاسم جنيدا بالباب اخرج اليه فنفيت ذلك عن قلبي وقلت وسوسة فوقع لي خاطر ثان يقتضي مني الخروج: ان جنيدا على الباب فاخرج إليه فنفيت ذلك عن سري فوقع لي خاطر ثالث فعلمت انه حق وليس بوسوسة ففتحت الباب فإذا انا بالجنيد قائم فسلم علي وقال يا خير ألا خرجت مع الخاطر الاول؟ وعن أبي محمد الحريري قال سمعت الجنيد يقول لقد مشى رجال باليقين على الماء ومات بالعطش افضل منهم يقينا.

وعن أبي عمرو بن علوان قال خرجت يوماً إلى سوق الرحبة في حاجة فرأيت جنازة فتبعتها لاصلي عليها ووقفت حتى يدفن الميت في جملة الناس فوقعت عيني على امرأة مسفرة من غير تعمد فالححت بالنظر واسترجعت واستغفرت الله تعالى وعدت إلى منزلي فقالت لي عجوز يا سيدي ما لي أرى وجهك اسود فاخذت المرآة فنظرت فإذا وجهي اسود فرجعت إلى سري انظر من اين دهيت؟ فذكرت النظرة فانفردت في موضع استغفر الله واساله الإقالة اربعين يوما فخطر في قلبي ان زر شيخك الجنيد فانحدرت إلى بغداد فلما جئت الحجرة التي هو فيها طرقت الباب فقال لي ادخل يا أبا عمرو تذنب بالرحبة ونستغفر لك ببغداد. وعن أبي بكر محمد بن احمد قال سمت الجنيد يقول فتح كل باب وكل علم نفيس بذل المجهود. وعن احمد بن عطاء قال قال الجنيد لولا انه يروى انه يكون في آخر الزمان زعيم القوم ارذلهم ما تكلمت عليكم. وعن أبي القاسم المطرز قال سمعت الجنيد بن محمد يقول اضر ما على اهل الديانات الدعاوي. وعن أبي بكر المفيد قال سمعت الجنيد يقول احذر ان تكون ثناء منشورا وعيبا مستورا. وعن العباس بن عبد الله قال سمعت الجنيد بن محمد يقول المروءة احتمال زلل الاخوان. وعن أبي القاسم النقاش قال سمعت الجنيد يقول الانسان لايعاب بما في طبعه انما يعاب إذا فعل ما ينافي طبعه. وساله رجل كيف الطريق إلى الله فقال توبة تحل الاصرار وخوف يزيل الغرة ورجاء مزعج إلى طريق الخيرات ومراقبة الله في خواطر القلوب. وقال أبو الحسن سمعت الجنيد يقول ليس يتسع على ما يرد علي من العالم لاني قد اصلت اصلا وهو ان الدار دار غم وهم بلاء وفتنة وان العالم كله شر ومن حكمه أن يتلقاني بكل ما اكره فان تلقاني بما احب فهو فضل والا فالاصل الاول. وعن جعفر بن القاسم قال سمعت الجنيد يقول كان يعارضني في بعض اوقاتي ان

اجعل نفسي كيوسف واكون انا كيعقوب فاحزن على ما فقدت من نفسي كما حزن يعقوب على فقد يوسف فمكثت مدة اعمل على حسب ذلك. وعن محمد بن نصير في كتابه قال قال الجيند لو اقبل صادق على الله ألف ألف سنة ثم اعرض عنه لحظة كان ما فاته اكثر مما ناله. وقال رجل للجنيد علام يتأسف المحب قال على زمان بسط أورث قبضا اوزمان انس اورث وحشة وانشأ يقول: قد كان لي مشرب يصفو برؤيتكم ... فكدرته يد الايام حين صفا قال جعفر وقال أبو العباس بن مسروق مررت مع الجنيد في بعض دروب بغدا واذا مغن يغني: منازل كنت تهواها وتألفها ... ايام انت على الايام منصور فبكى الجنيد بكاء شديدا ثم قال يا ابا العباس ما اطيب منازل الالفة والانس واوحش مقامات المخالفات لا ازال احن إلى بدو ارادتي وجدة سعيي. اسماعيل بن نجيد يقول ودخل أبو العباس بن عطاء على جنيد وهو في النزع فسلم عليه فلم يرد عليه ثم رد عليه بعد ساعة وقال اعذرني فاني كنت في وردي ثم حول وجهه إلى القبلة وكبر ومات رحمه الله. وقال أبو محمد الحريري كنت واقفا على راس الجنيد في وقت وفاته وكان يوم جمعة وهو يقرأ القرآن فقلت يا ابا القاسم ارفق بنفسك فقال يا أبا محمد ما رأيت أحدا أحوج إليه مني في هذا الوقت وهو ذا تطوى صحيفتي. وعنه قال حضرت عند الجنيد قبل وفاته بساعتين فلم يزل باكيا وساجدا فقلت له يا ابا القاسم قد بلغ بك ما ارى من الجهد فقال يا ابا محمد احوج ما كنت إليه هذه الساعة فلم يزل باكيا وساجدا حتى فارق الدنيا. وعن فارس بن محمد قال كان أبو القاسم الجنيد كثير الصلاة ثم رأيناه في وقت موته وهو يدرس ويقدم إليه الوسادة فيسجد عليها فقيل له إلا روحت عن نفسك فقال طريق وصلت به إلى الله لا اقطعه. وقال أبو بكر العطار حضرت الجنيد عند الموت في جماعة من اصحابنا قال فكان قاعدا يصلي ويثني رجله كلما اراد ان يسجد فلم يزل كذلك حتى خرجت الروح من رجله

فثقل عليه حركتها فمد رجليه وقد تورمتا فرآه بعض اصدقائه فقال ما هذا يا ابا القاسم فقال هذه نعم الله اكبر فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الحريري لو اضطجعت قال يا ابا محمد هذا وقت يؤخذ منه الله اكبر فلم يزل ذلك حاله حتى مات رحمه الله. اسند الجنيد الحديث عن الحسن بن عرفة. قال المصنف رحمه الله اخبرنا أبو منصور الصرار قال انبا احمد بن علي بن ثابت قال اخبرنا أبو سعد الماليني قال ابنا أبو القاسم عمر بن محمد بن مقبل قال انبا جعفر الخلدي قال انبا الجنيد بن محمد قال حدثنا الحسن بن عرفة قال انبا محمد بن كثير الكوفي عن عمرو بن قيس الملائي عن عطية عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله" 1 ثم قرا: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75] . قال أبو بكر الخطيب لا يعرف للجنيد غير هذا الحديث. قال المصنف قلت وقد رويت له حديثا آخر اخبرنا محمد بن عبد الباقي قال انبأ رزق الله بن عبد الوهاب قال انبأ أبو عبد الرحمن السلمي قال أنبأ احمد بن عطاء الصوفي قال انبأ محمد بن علي بن الحسين قال سئل الجنيد عن الفراسة قال فقال انبا الحسن بن عرفة قال ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله قال كنت ارعى غنما لعقبة بن أبي معيط وذكر الحديث وقال في اخره قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "انك عليم معلم". قلت وقد لقي الجنيد خلقا من العلماء ودرس الفقه على ابي ثور وكان يفتي في حلقته بحضرته وهو ابن عشرين سنة وصحب جماعة من العباد واشتهر بصحبة خاله سري والحارث المحاسبي. وتوفي يوم السبت في شوال سنة ثمان وتسعين ومائتين وقيل سبع وتسعين وغسله أبو محمد الحريري وصلى عليه ولده وحزروا الجمع الذي صلى عليه فكانوا نحو ستين ألفاً. وعن جعفر الخلدي في كتابه قال رأيت الجنيد في النوم فقلت له ما فعل الله بك قال طاحت تلك الاشارات وغابت تلك العبارات وفنيتتلك العلوم ونفدت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها في السحر رحمه الله.

_ 1 ضعيف: أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه أنظر تنزيه الشريعة 2/305. والدرر المنتثرة ص: 67. رقم 10. وضعيف الجامع 127.

الحسن بن علي أبو علي المسوحي

297- الحسن بن علي أبو علي المسوحي قال ابوالقاسم الجنيد كلمت يوما حسنا المسوحي في شيء من الأنس فقال لي ويحك ما الانس لو مات منت تحت السماء ما استوحشت. وعن الجنيد وابي العباس بن مسروق وابي احمد المغازلي وابي محمد الحريري وغيرهم قالوا سمعنا حسنا المسوحي يقول كنت اوي باب الكناس كثيرا وكنت اقرب من مسجد ثم أتفيأ فيه من الحر واستكن فيه من البرد فدخلت يوما وقد كظني الحر واشتد علي فحملتني عيني فنمت فرأيت كان سقف المسجد قد انشق وكان جارية قد نزلت علي من السقف عليها قميص فضة يتحشحش ولها ذؤابتان فجلست عند رجلي فقبضت رجلي عنها فمدت يدها فنالت رجلي فقلت لها يا جارية لمن انت قالت انا لمن دام على ما انت عليه. اسند حسن المسوحي حديثا عن بشر الحافي وهو من كبار اصحاب سري السقطي.

_ 297- هو: شيخ الزهاد أبو علي الحسن بن علي البغدادي الصوفي المسوحي كان عذب العبارة قانعا زاهدا يأوى إلى مسجد توفي المسوحي بعد سنة ستين ومائتين.

أبو علي احمد بن إبراهيم ابن ايوب المسوحي

298- أبو علي احمد بن إبراهيم ابن ايوب المسوحي صحب سريا السقطي وغيره وروى عن حسن المسوحي ايضا. وقال محمد بن الحسين السلمي قال اخبرنا احمد بن إبراهيم المسوحي من جلة مشايخ بغداد وظرافهم ومتوكليهم. وعن جعفر الخواص قال كان احمد بن إبراهيم المسوحي يحج بقميص ورداء ونعل طاق ولا يحمل معه شيئا لا ركوة ولا كوزا إلا كوز بلور فيه تفاح شامي يشمه من جوف بغداد إلى مكة وكان من افاضل الناس.

سمنون بن حمزة

299- سمنون بن حمزة يكنى ابا القاسم اصله من البصرة ولكن سكن بغداد. عن ابي احمد المغازلي قال كان ورد سمنون في كل يوم وليلة خمسمائة ركعة. وقال أبو احمد القلانسي فرق رجل ببغداد على الفقراء اربعين ألف درهم فقال لي سمنون يا ابا احمد ما ترى إلى ما انفق هذا نحن ما نرجع إلى شيء ننفقه فامض بنا إلى

موضع نصلي فيه بكل درهم انفقه ركعة فذهبنا إلى المدائن فصلينا اربعين ألف ركعة وزرنا قبر سليمان وانصرفنا. وعن خلف بن الحسن العباداني قال سمعت سمنونا يقول اول وصال العبد للحق هجرانه لنفسه وأول هجران العبد الحق مواصلته لنفسه. وقال أبو الطيب العكي ذكر لي أن سمنوناً كان جالساً على شط دجلة وبيده قضيب يضرب به فخذه حتى تبدد لحمه وهو يقول: كان لي قلب اعيش به ... ضاع مني في تقلبه رب فاردده علي فقد ... ضاق صدري في تطلبه واغث ما دام بي رمق ... يا غياث المستغيث به وعن محمد بن حمادن قال رأيت سمنونا وقد ادخل راسه في زرما نقته ثم أخرج رأسه بعد ساعة وزفر وقال: تركت الفؤاد عليلا يعاد ... وشردت نومي فما لي رقاد وعن ابي بكر الواسطي قال قال سمنون يا رب قد رضيت بكل ما تقضيه علي. فاحتبس بوله اربعة عشر يوما فكان يتلوى كما تتلوى الحية علىالرمل يتقلب يمينا وشمالا فلما اطلق بوله قال يا رب تبت اليك. وعن علي بن احمد بن جعفر قال انشدني ابن فراس لسمنون: وكان فؤادي خالي قبل حبكم ... وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح لفما دعا قلبي هواك اجابه ... فلست اراه عن فنائك يبرح رميت ببين منك ان كنت كاذبا ... وان كنت في الدنيا بغيرك افرح وإن كان شيء في البلاد بأسرها ... إذا غبت عن عيني لعيني يملح فان شئت واصلني وان شئت لا تصل ... فلست ارى قلبي لغيرك يصلح وقال أبو الفضل بن عبد السميع الهاشمي سمعت سمنونا يقول: امستوحش انت مما جنيت ... فاحسن إذا شئت واستانس وقال: اسفا عليك وحسرة وتلهفا ... ألا اكون بحيث ما ترضاني قد صحب سمنون سريا السقطي وابا احمد القلانسي ومحمد بن علي القصاب في اخرين. ولا نعلمه اسند حديثا اصلا وكان قد وسوس فانتخبنا ما ذكرنا من كلامه وتوفي بعد الجنيد.

إبراهيم بن سعد أبو إسحاق العلوي

300- إبراهيم بن سعد أبو إسحاق العلوي من اهل بغداد ثم انتقل عنها إلى الشام فاستوطنها. قال ابوعبد الرحمن محمد بن الحسين قال قال إبراهيم بن سعد العلوي أبو اسحاق كان حسنيا من أهل بغداد وكان يقال له الشريف الزاهد وكان استاذ ابي الحارث الاولاشي. حكى عنه أبو الحارث قال كنت معه في البحر فبسط كساءه على الماء وصلى عليه. وعن ابي الحسن الدربندي قال رأيت إبراهيم بن سعد العلوي وكان عليه كساء فبسط كساءه على البحر ووقف وصلى على الماء. وقال أبو الحارث الاولاسى خرجت من حصن اولاس اريد البحر فقال لي بعض اخواني لا تخرج فاني قد هيات لك عجة حتى تاكل قال فجلست واكلت معه ونزلت إلى الساحل فإذا انا بابراهيم بن سعد العلوي قائما يصلي فقلت في نفسي ما اشك إلا انه يريد ان يقول لي امش معي على الماء ولئن قال لي لامشين معه فما استحكم الخاطر حتى سلم ثم قال هيه يا ابا الحارث امش على الخاطر فقلت بسم الله فمشى هو على الماء وذهبت امشي فغاصت رجلي فالتفت الي وقال يا ابا الحارث العجة اخذت برجلك. وعنه قال اقبلنا من جبل اللكام مع ابي اسحاق العلوي الزاهد وكان أبو اسحاق لا ياكل إلا في كل ثلاثة أيام سفات خرنوب فلقينا امرأة وقد سخر جندي حماراً لها فاستغاثت بنا فكلمه العلوي فلم يرد عليها فدعا عليه فخر الجندي والمراة والحمار ثم افاقت المراة ثم افاق الحمار ومات الجندي فقلت لا اصحبك فانك مستجاب الدعوة واخشى ان يبدو مني سوء ادب فتدعو علي فقال لست تأمن قلت لا قال فاقلل إذا من الدنيا ما استطعت. وعنه قال خرجت سنة من السنين من مكة في وسط السنة اريد الشام فإذا في بعض الطريق ثلاثة نفر يتذاكرون فتقدمت وسلمت عليهم وقلت امشي معكم فقالوا ما شئت فمشيت معهم إلى ان تفرقوا وبقيت انا واخر فقال لي اين تريد يا شاب فقلت بلد الشام فقال وانا اريد اللكام وكان الرجل إبراهيم بن سعد العلوي.

_ 300- هو: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم المعروف بالآيات الموصوف بالكرامات له الوصايا النبوية أنظر حلية الأولياء 10/163. رقم 522.

فمشينا اياما وافترقنا وكانت تاتيني كتبه فما شعرت ذات يوم وأنا بالأولاش وقد خرجت أريد البحر فإذا برجل صاف قدميه يصلي على الماء فاضطرب قلبي حين رايته وغلبتني الهيبة له فلما أحس بي اوجز في صلاته ثم التفت الي فإذا هو إبراهيم بن سعد العلوي فقال لي غيب شخصك عني ثلاثة أيام ثم ائتني بعد ذلك. قال ففعلت ما قال ثم جئته بعد ثلاثة أيام فإذا هو قائم مكانه يصلي فلما أحس بي أوجز في صلاته ثم اخذ بيدي فوقفني على البحر وحرك شفتيه فقلت في نفسي أن مشى على الماء مشيت معه فما لبث إلا يسيرا فإذا الحيتان قد برزت مد البصر وقد أقلبت الينا رافعة رؤوسها من الماء فاتحة افواهها فقلت في نفسي اين ابن بشر الصياد فلما ذكرته في نفسي تفرقت فالتفت إلي إبراهيم وقال مر فلست مطلوب لهذا الامر ولكن عليك بالوصال والتخلي في الجبال ووار نفسك ما امكنك حتى يشغلك بذكره عن ذكر من سواه وعليك بالتقلل من الدنيا ما استطعت حتى يأيتك اليقين ومضى. وعنه قال كان سبب رؤيتي إبراهيم بن سعد ان خرجت من اولاش إلى مكة في غير أيام الموسم فرافقت ثلاثة فتفرق اثنان منهم وبقيت انا والثالث فقال لي اين تريد فقلت الشام قال وانا اريد اللكام فإذا هو إبراهيم بن سعد العلوي وكان حسنيا ثم تفرقنا وكانت تأتيني كتبه. فخرجت يوما من أولاش فإذا إبراهيم بن سعد العلوي فلما رآني قصر في صلاته وسلم علي وجاء إلى البحر فنظر إليه وحرك شفتيه فإذا بحيتان كثيرة مصفوفة قد أقبلت فلما رأيتها قلت اين الصيادون فنظرت فإذا السمك قد تفرق فقال لي إبراهيم ما انت بمطلوب في هذا الامر ولكن عليك بهذه الرمال فتوار فيها ما امكنك وتقلل من الدنيا حتى ياتيك امر الله ثم غاب عني فلم اره وكانت كتبه ترد علي. فلما مات كنت قاعدا يوما فتحرك قلبي للخروج فلما خرجت صرت إلى المسجد فإذا أنا بأسود فقام الي فقال لي انت أبو الحارث قلت نعم قال اجرك الله في اخيك إبراهيم بن سعد. وكان هذا مولى له يسمى ناصحا فذكر ان إبراهيم بن سعد اوصاه ان يؤدي هذه الرسالة: يا اخي إذا نزل بك امر من امر الله فاستعمل الرضا فان الله مطلع عليك يعلم ما في ضميرك فان رضيت فلك الثواب الجزيل وانت في رضاك وسخطك لست تقدر ان تزداد في

الرزق المقسوم والامر المكتوب فان لم تجد إلى الرضا سبيلا فاستعمل الصبر فإنه رأس الإيمان فان لم تجد فعليك بالتجمل ولا تشك من ليس باهل ان يشكي وهو من اهل الشكر والثناء لقديم ما اولى فإذا اضطررت وقل صبرك فألجا إليه بهمك واشك إليه بشك واحذر ان تستبطئه وتسيء به ظنا فان لك شيء بسبب ولك سبب اجل ولكل اجل كتاب ولكل هم من الله فرج ومن علم انه بعين الله استحيا ان يراه يرجو سواه ومن ايقن بنظر الله إليه اسقط اختيار نفسه ومن علم ان الله الضار النافع اسقط مخاوف المخلوقين فراقب الله في قربه واطلب الأمور من معادنها واحذر أن تعتمد على مخلوق أو تفشي إليه سرا أو تشكو إليه شيئا فان غنيهم فقير وفقيرهم ذليل في فقره وعالمهم جاهل في علمه وجاهلهم فاجر في فعله إلا القليل ممن عصم الله فاتقوا الفاجر من العلماء والجاهل من العباد فانهم فتنة لكل مفتون. وقال عبد الله بن سهل بات عندي أبو الحارث الاولاشي فسالته عن مفارقته إبراهيم بن سعد العلوي فقال كانت الدنيا طوع يديه فلما انتهى إلى الساحل قال لي ترجع قلت بل اصحبك فتفل في البحر فإذا جوق من سمك مصفوف فوق الماء كانه سرير فوثب إليه ثم قال لي الله خليفتي عليك قلت ادع لي. قال قد فعلت فاحفظ حدود الله وارحم خلقه إلا من عاند.

أبو اسحاق إبراهيم الآجري الصغير

301- أبو اسحاق إبراهيم الآجري الصغير ولا يعرف اسم ابيه. وقال أبو العباس بن مسروق وابو محمد الحريري وابو احمد المغازلي وغيرهم عن إبراهيم الآجري قالوا جاء يهودي يقتضيه شيئا من ثمن قصب فكلمه فقال له ارني شيئا اعرف به شرف الاسلام وفضله على ديني حتى اسلم فقال له وتفعل قال نعم قال له هات رداءك قال فاخذه فجعله في رداء نفسه ولف رداءه عليه ورمى به في النار نار اتون الاجر ودخل في اثره فأخذ الرداء وخرج من الباب ففتح رادء نفسه وهو صحيح واخرج رداء اليهودي حراقا اسود من جوف رادء نفسه فاسلم اليهودي رحمه الله1.

_ 301- هو: أبو إسحاق الآجري بغدادي له الآيات العجيبة والكرامات اللطيفة أنظر حلية الأولياء 10/236. 1 أخرجه أبو نعيم في الحلية 15082.

أبو نصر المحب

302- ابو نصر المحب جمع بين الزهد المروءة. عن ابي العباس بن مسروق قال اجتزت انا وابو نصر المحب في الكرخ وعلى ابي نصر إزار له قيمة فاذا نحن بسائل يسال وهو يقول شفيعي اليكم محمد صلى الله عليه وسلم فشق ابو نصر ازراه فاعطاه النصف ومشى خطوتين وقال هذه نذالة فانصرف إليه فاعطاه النصف الاخر رحمه الله.

_ 302- هو: أبو نصر المحب بغدادي كان للعروض بذولا وعن العوائق محمولا أنظر حلية الأولياء 10/370. رقم 614. وتاريخ بغداد 14/420.

أبو سعيد الخراز

303- ابو سعيد الخراز واسمه احمد بن عيسى. قال الجنيد لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه ابو سعيد الخراز لهلكنا قال علي فقلت لابراهيم واي شيء كان حاله قال اقام كذا وكذا سنة يخرز ما فاته الحق بين الخرزتين. وقال ابو جعفر الصيدلاني سمعت ابا سعيد الخراز يقول من ظن انه ببذل الجهد يصل فمتمن ومن ظن انه بغير بذل الجهد يصل فمتعن. أبو الفضل العباس ابن الشاعر يذكر عن تلميذه لابي سعيد قال كنت اساله مسالة والإزار بيني وبينه مشدود فاستفزني حلاوة كلامه فنظرت في ثقب من الازار ف رأيت شفته فلما وقعت عيني عليه سكت وقال جرى ها هنا حدث فاخبريني ما هو فعرفته اني نظرت إليه فقال اما علمت ان نظرك الي معصية وهذا العلم لا يحتمل التخليط؟. وعن ابي القاسم بن مروان قال كان عندنا بنهاوند فتى يصحبني وكن اصحب ابا سعيد الخراز فكنت اذا رجعت حدثت ذلك الفتى ما اسمع من ابي سعيد. فقال لي ذات يوم ان سهل الله لك الخروج خرجت معك حتى ارى هذا الشيخ. فخرجت وخرج معي ووصلنا الى مكة فقال لي ليس نطوف حتى نلقي ابا سعيد فقصدناه وسلمنا عليه فقال الشاب مسالة ولم يحدثني انه يريد ان يسال عن شيء فقال له

_ 303- هو: الخراز شيخ الصوفية القدوة أبو سعيد أحمد بن عيسى البغدادي الخراز قال ابن الطرسوسي: أبو سعيد الخراز قمر الصوفية توفي سنة 286. أو 287هـ.

الشيخ سل فقال ما حقيقة التوكل فقال له الشيخ ان لا تاخذ الحجة من حمولا وكان الشاب قد اخذ حجة من حمولا وهو رئيس نهاوند وما علمت. فورد على الشاب امر عظيم وخجل فلما رأى الشيخ ما حل به عطف عليه وقال ارجع الى سؤالك ثم قال ابو سعيد كنت أراعي شيئا من هذا الامر في حداثتي فسلكت بادية الموصل فبينا انا سائر سمعت حسا من ورائي فحفظت قلبي عن الالتفات فإذا الحس قد دنا مني واذا بسبعين قد صعدا على كتفي فلحسا خدي فلم انظر اليهما حين صعدا ولا حين نزلا. وعن علي بن حفص الرازي قال سمعت ابا سعيد الخراز يقول ذنوب المقربين حسنات الابرار. وعن ابي محمد الحريري قال سمعت ابا سعيد الخراز يقول في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم جبلت القلوب على حب من احسن اليها1 يا عجبا لمن لم ير محسنا غير الله كيف لا يميل بكليته اليه؟. وعن العباس بن احمد الرملي قال قال ابو سعيد الخراز المعرفة تاتي القلوب من جهتني من عين الجود ومن بذل المجهود. احمد بن عبد الله قال قال ابو سعيد الخراز اذا بكت عين الخائفين فقد كاتبوا الله بدموعهم. وعن احمد بن محمد الزيادي قال سمعت ابا سعيد الخراز يقول العافية سترت البر والفاجر فاذا جاءت البلوى يتبين عندها الرجال. وقال ابو بكر الشقاق سمعت احمد بن عيسى الخراز يقول كنت يوما امشي في الصحراء فاذا قريب من عشرة كلاب الرعاة شدوا علي فلما قربوا مني جعلت استعمل المراقبة فاذا كلب ابيض قد خرج من بينهم وحمل على الكلاب فطردهم عني ولم يفارقني حتى تباعدت عني الكلاب ثم التفت أره. قال ابو سعيد وكان لي معلم يختلف الي يعلمني الخوف ثم ينصرف فقال لي يوما اني معلمك خوفا يجمع لك كل شيء قلت ما هو قال مراقبة الله عز وجل. أسند أبو سعيد عن عبد الله بن ابراهيم الغفاري وابراهيم بن بشاري صاحب ابراهيم بن ادهم.

_ 1 موضوع: أخرجه أبو نعيم في الحلية 4/131. أنظر: الأسرار المرفوعة 152. اللآلئ المنثورة 71. والصحيحة 2/65. رقم 600.

وصحب بشر بن الحارث وسريا وذا النون وابا عبد الله الساجي وابا عبيد السري ونظراءهم. وتوفي في سنة سبع وسبعين وقيل ست وثمانين ومائتين.

أبو الحسين النوري

304- أبو الحسين النوري واسمه احمد بن محمد بغدادي المولد والمنشأ خراساني الأصل من قرية بين هراة ومرو الروذ يقال لها بغشور ولذلك كان يعرف بابن البغوي. قال ابو احمد المغازلي ما رأيت أحداً قط أعبد من النوري فقيل ولا جنيد؟ قال ولا جنيد وكان له قنينة تسع خمسة ارطال ماء يشربها في خمسة أيام وقت افطاره. قال عبد الكريم ثم حدثني أبو جعفر الفرغاني قال مكث أبو الحسين النوري عشرين سنة يأخذ من بيته رغيفين ويخرج ليمضي الى السوق فيتصدق بالرغيفين ويدخل المسجد فلا يزال يركع حتى يجيء وقت سوقه فاذا جاء الوقت مضى الى السوق فيظن أنه قد تغدى في بيته ومن في بيته عندهم انه اخذ معه غداءه وهو صائم. قال ابن جهضم وحدثني عمر النجاد قال دخل ابو الحسين النوري الى الماء ليغتسل فجاء لص فاخذ ثيابه فخرج عن الماء فلم يجد ثيابه فرجع الى الماء فلم يكن الا القليل حتى جاء اللص ومعه ثيابه فوضعها مكانه وقد جفت يده اليمنى فخرج ابو الحسن من الماء ولبس ثيابه وقال سيدي قد رد علي فرد عليه يده فرد الله عليه يده ثم مضى. وقال ابو عمر الانماطي اعتل النوري فبعث إليه الجنيد بصرة فيها دراهم وعاده فردها النوري ثم اعتل الجنيد فدخل عليه النوري عائدا فقعد عند راسه ووضع يده على جبهته فعوفي من ساعته فقال النوري للجنيد اذا عدت اخوانك فارفق بهم بمثل هذا البر. وعن الصاد قال سمعت ابا الحسين النوري يقول وقد سئل عن الرضا فقال عن وجدي تسالون او عن وجد الخلق فقيل له عن وجدك فقال لو كنت في الدرك الاسفل من النار لكنت ارضى ممن هو في الفردوس. اسند النوري عن سري السقطي حديثا واحدا. وتوفي قبل الجنيد في سنة خمس وتسعين ومائتين.

_ 304- هو: أحمد بن محمد الخراساني النوري البغوي الزاهد شيخ الطائفة بالعراق وأحذقهم بلطائف الحقائق وله عبارات دقيقة يتعلق بها من انحرف من الصوفية.

عمرو بن عثمان المكي

305- عمرو بن عثمان المكي يكنى أبا عبد الله سكن بغداد. عن ابي بكر القناديلي قال قال عمر بن عثمان المكي المروءة التغافل عن زلل الاخوان. وقال العلم قائد والخوف سائق والنفس حرون بين ذلك خداعة رواغة فاحذرها وراعها بسياسة العلم وسقها بتهديد الخوف يتم لك ما تريد. وعن محمد بن علي بن الحسين قال سمعت عمرو بن عثمان يقول واغماه من عهد لم يقم له بوفاء ومن خلوة لم تصحب بحياء ومن أيام تفنى ويبقى ما كان فيها أبداً. وعن ابي بكر محمد بن احمد القناديلي قال قال عمرو بن عثمان المكي لقد وبخ الله التاركين للصبر على دينهم بما اخبرنا عن الكفار انهم قالوا: {امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [ص: 60] فهذا توبيخ لمن ترك الصبر من المؤمنين على دينه. وقال عثمان بن سهل دخلت على عمرو بن عثمان المكي في علته التي توفي فيها فقلت له كيف تجدك فقال اجد سري واقفا مثل الماء لا يختار النقلة ولا المقام. سمع عمرو من يونس بن عبد الاعلى والربيع بن سليمان بن سيف الحراني وغيرهم. وكان يقول ما صحبت احدا كان انفع لي صحبته ورؤيته من ابي عبد الله الساجي. وتوفي ببغداد سنة ست وتسعين ومائتين وقيل سبع وتسعين قيل احدى وتسعين ويقال مات بمكة والاول اصح رحمه الله.

_ 305- عمرو بن عثمان بن كرب بن غصص الإمام الرباني شيخ الصوفية أبو عبد الله المكي الزاهد توفي بعد سنة 300هـ.

رويم بن احمد

306- رويم بن احمد ويقال ابن محمد بن رويم بن يزيد ابو الحسن ويقال ابو الحسين من بني شيبان وكان يتفقه لداود الاصبهاني. ابن الهيكل الهاشمي قال سمعت رويما يقول الفقر له حرمة حرمته ستره واخفاؤه والغيرة عليه والضن به فمن كشفه واظهره وبذله فليس هو من اهله ولا كرامة.

_ 306- هو: رويم بن أحمد وقيل: بن محمد بن يزيد بن رويم بن يزيد أبو الحسن وقيل: أبو محمد وقيل أبو الحسن من أفاضل البغداديين وكان عالما بالقرآن ومعانيه.

وعن محمد بن ابراهيم قال سمعت رويم بن احمد يقول منذ عشرين سنة لا يخطر بقلبي ذكر الطعام حتى يحضر. وقال عبد الله بن محمد الدينوري سمعت رويم بن احمد يقول مكثت عشرين سنة لا يعرض في سري ذكر الاكل حتى يحضر. وعن جعفر الخلدي في كتابه قال سمعت رويم بن احمد يقول الاخلاص ارتفاع رؤيتك عن فعلك والفتوة ان تعذر اخوانك في زللهم ولا تعاملهم بما يحوجك الى الاعتذار اليهم. وسمعته يقول الصبر ترك الشكوى والرضا استلذاذ البلوى والتوكل اسقاط رؤية الوسائط. وقال احمد بن فارس قال رويم ليس الا بذل الروح والا فلا تشتغل بترهات الصوفية. وعن الحسين بن هارون قال سمعت رويما الصوفي يقول اذا وهب الله لك مقالا وفعالا فاخذ منك المقال وترك عليك الفعال فال تبال فانها نعمة وان اخذ منك الفعال وترك عليك المقال فنح على نفسك فانها مصييبة وان اخذ منك المقال والفعال فاعلم انها نقمة. أسند رويم عن يزيد بن سنان البصري. وتوفي ببغداد في سنة ثلاث وثلاثمائة رحمه الله.

أبو عبد الله بن الجلاء

307- ابو عبد الله بن الجلاء واسمه احمد بن يحيى من اهل بغداد لكنه انتقل فسكن الشام. قال ابو عمر الدمشقي سمعت ابن الجلاء يقول قلت لابي وامي احب ان تهباني لله فقالا قد وهبناك لله فغبت عنهما مدة ثم رجعت من غيبتني وكانت ليلة مطيرة فدققت عليهما الباب فقالا من قلت ولدك قال كان لنا ولد فوهبناه لله ونحن من العرب لا نرجع فيما وهبناه وما فتح لي الباب. وعنه قال سمعت ابا عبد الله بن الجلاء يقول من بلغ بنفسه الى ربتة سقط عنها ومن بلغ به ثبت عليها.

_ 307- هو: أحمد بن يحيى أبو عبد الله المعروف بابن الجلاء من كبار مشايخ الصوفية انتقل عن بغداد فسكن الشام وهو أحد الأئمة له النكت اللطيفة تاريخ بغداد 5/215.

وكان اذا سئل عن المحبة قال ما لي وللمحبة انا اريد ان اتعلم التوبة. وعن ابي عبد الرحمن السلمي قال قال ابو عبد الله بن الجلاء من علت همته عن الاكوان وصل الى مكونها ومن وقف بهمته على شيء سوى الحق فاته الحق لانه اعز من ان يرضى معه بشريك. قال المصنف لا نعلم ان ابن الجلاء اسند شيئا وقد صحب ابا تراب النخشبي وذا النون وغيرهما. وتوفي يوم السبت لاثنتي عشرة خلت من رجب سنة ست وثلاث مائة.

أبو العباس بن عطاء

308- أبو العباس بن عطاء واسمه احمد بن محمد بن سهل بن عطاء الادمي. عن الحسن بن محمد بن عيسى بن خاقان قال كان ابو العباس بن عطاء ينام من الليل والنهار ساعتين. وعن ابي الحسين بن حبيش وذكر ابا العباس بن عطاء فقال كان له في كل يوم ختمة وفي شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث ختمات وبقي في ختمة يستنبط مودع القرآن بضع عشرة سنة فمات قبل ان يختمها. وقال ابو جعفر محمد بن عبد الله الفرغاني قال ابو العباس بن عطاء يا ابا جعفر لي من سنين كثيرة ذكرها كل يوم ختمة لا تفوتني ولي في شهر رمضان كل يوم وليلة ثلاث ختمات ولي ختمة منذ أربع عشرة سنة ما بلغت النصف منها يريد الفهم منها. وعن أبي العباس بن عطاء قال من ألزم نفسه بآداب السنة عمر الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام اشرف من متابعة الحبيب في اوامره وافعاله واخلاقه والتأدب بآدابه. وعن محمد بن علي بن حبيش قال سئل ابو العباس بن عطاء وانا حاضر عن اقرب شيء الى مقت الله تعالى قال رؤية النفس وافعالها واشد من ذلك مطالعة الاغراض عن افعالها. وسمعته يقول علامات الولي اربعة صيانة سره فيما بينه وبين الله وحفظ جوراحه فيما بينه وبين امر الله واحتمال الاذى فيما بينه وبين خلق الله ومداراته للخلق على تفاوت عقولهم. أسند أبو العباس بن عطاء عن يوسف بن موسى القطان والفضل بن زياد صاحب احمد بن حنبل ومن في طبقتهما. وتوفي في ذي القعدة سنة تسع وثلاث مائة رحمه الله.

_ 308- هو: أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء أبو العباس الآدمي الصوفي كان أحد شيوخهم الموصوفين بالعبادة والاجتهاد وكثرة الدرس للقرآن تاريخ بغداد 5/26.

أبو الحسن علي بن محمد بن الزاهد

309- ابو الحسن علي بن محمد بن الزاهد عن ابي الحسن احمد بن مقسم قال سمعت أبا الحسن بن بشار يقول وكان إذا أراد أن يخبر عن نفسه بشيء قال اعرف رجلا كان حاله كذا وكذا فقال ذات يوم اعرف رجلا يشتهي منذ ثلاثين سنة ان يشتهي ليترك ما يشتهي فما يجد شيئا يشتهى. ودخل ابو محمد ابن اخي معروف الكرخي الى ابي الحسن بن بشار وعليه جبة صوف فقال له ابو الحسن يا ابا محمد صوفت قلبك او جسمك صوف قلبك والبس القوهي على القوهي. وقال رجل لابي الحسن بن بشار كيف الطريق الى اللهتعالى فقال له كما عصيت الله تعالى سرا تطيعه سرا حتى يدخل الى قلبك لطائف البر. وقال منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلمة احتاج ان اعتذر منها. وقال المصنف رحمه الله كان ابن بشار يذكر الناس وكان يفتتح مجلسه فيقول: {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} فساله رجل ما الذي تريد فقال هو يعلم انني ما اريد من الدنيا ولا الاخرة سواه. وحدث ابن بشار عن صالح بن احمد بن حنبل وابي بكر المروزي وكان له كرامات ظاهرة. توفي في ربيع الاول سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة وقبره ظاهر بالجانب الغربي رحمه الله.

_ 309- هو: علي بن محمد بن بشار الزاهد أ [والحسن تاريخ بغداد 12/66.

أبو محمد الحريري واسمه احمد بن محمد بن الحسين

310- أبو محمد الحريري واسمه احمد بن محمد بن الحسين. عن عبد الله الرازي قال سمعت الحريري يقول منذ عشرين سنة ما مددت رجلي في الخلوة فان حسن الادب مع الله اولى.

_ 310- هو: أحمد بن محمد بن الحسين أبو محمد الجريري من كبار مشايخ الصوفية الغالب عليه كنيته وهوة عظم القدر عند طائفته وكان الجنيد بن محمد يكرمه ويبجله تاريخ بغداد 4/430.

وقال علي بن عبد الله اعتكف ابو محمد الحريري بمكة في سنة اثنتين وتسعين ومائتين فلم ياكل ولم ينم ولم يمد رجليه فقال له ابو بكر الكناني يا ابا محمد بماذا قدرت على اعتكافك فقال علم صدق باطين فاعانني على ظاهري. وقال ابو الحسن الفارسي قال ابو محمد الحريري من توهم ان عملا من اعماله يوصله الى ماموله الاعلى والادنى فقد ضل عن طريقه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لن ينجي احدكم عمله" 1 فما لا ينجي من المخوف كيف يبلغ الى المأمول؟ ومن صح اعتماده على فضل الله تعالى فذاك الذي يرجى له الوصول. وقال محمد بن داود الدينوري سمعت ابا محمد الحريري يقول امرنا هذا كله مجموع على فصل واحد وهو ان تلزم قلبك المراقبة ويكون العلم على ظاهرك قائما. وعنه قال سمعت ابا محمد الحريري يقول وكان عنده جماعة فقال هل فيكم من اذا اراد الله ان يحدث في المملكة حدثاً أبدى علمه الى وليه قبل ابدائه في كونه فقالوا لا. قال مروا وابكوا على قلوب لم تجد من الله شيئا من هذا. اخبرنا ابن ناصر بالاسناد عن ابي محمد الحريري قال من استولت عليه النفس صار اسيرا في حكم الشهوات محصوراً في سجن الهوى فحرم الله على قلبه الفوائد فلا يستلذ بكلامه ولا يستحليه وان كثر تردده على لسانه. اسند الحريري الحديث وهو من كبار اصحاب الجنيد وصحب سهل بن عبد الله. وتوفي رحمه الله في سنة احدى عشرة وثلاث مائة رحمه الله.

بنان بن محمد بن حمدان الحمال

311- بنان بن محمد بن حمدان الحمال يكنى ابا الحسن اصله من واسط لكنه ببغداد نشا واقام وسمع الحديث الا انه انتقل الى مصر فمات بها. وقال بنان الحمال البريء جريء والخائن خائف ومن اساء استوحش. 1 صحيح: أخرجه البخاري في الرقاق حديث 6463. باب 18. القصد والمداومة على العمل ومسلم في صفة القيامة حديث 2816. باب 17. لن يدخل الجنة أحد بعمله بل برحمة الله تعالى.

_ 311- هو: بنان بن محمد بن حمدان بن سعيد أبو الحسن الزاهد ويعرف بالجمال كان اصله من واسط ونشأ ببغداد وسمع بها الحديث وأقام بها دهرا إلى أن انتقل عنها إلى مصر تاريخ بغداد 7/100.

وعن ابي علي الروذباري قال سمعت بنان الحمال يقول دخلت البرية على طريق تبوك وحدي فاستوحشت فاذا هاتف يهتف يا بنان نقضت العهد لم نستوحش اليس حبيبك معك؟. وقال ابو علي الروذباري كان سبب دخولي مصر حكاية بنان وذلك انه امر ابن طولون بالمعروف فامر ان يلقى بين يدي السبع فجعل السبع يشمه ولا يضره فلما اخرج من بين يدي السبع قيل له ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع قال كنت اتفكر في سؤر السباع ولعابها. وعن عمرو بن محمد بن عراك ان رجلا كان له على رجل مائة دينار بوثيقة الى اجل فما جاء الأجل طلب الوثيقة فلم يجدها فجاء الى بنان فساله الدعاء. فقال له انا رجل قد كبرت وانا احب الحلواء اذهب فاشتر لي رطل معقود وجئني به حتى ادعو لك فذهب فاشترى له ما قال ثم جاء به فقال بنان افتح القرطاس ففتح الرجل القرطاس فاذا هو بالوثيقة فقال لبنان هذه وثيقتي فقال خذ وثيقتك وخذ المعقود اطعمه صبيانك فاخذ ومضى. وعن الحسين بن عبد الله القرشي قال سمعت بنان يقول من كان يسره ما يضره متى يفلح؟ سمع بنان من الحسن بن عرفة وحميد بن الربيع والحسن بن محمد الزعفراني وبكار بن قبيتة وغيرهم واسند الحديث. وتوفي في رمضان سنة ست عشرة وثلاث مائة بمصر.

أبو علي الحسين بن صالح ابن خيران الفقيه الشافعي

312- أبو علي الحسين بن صالح ابن خيران الفقيه الشافعي جمع بين الفقه والورع واريد على القضاء فابى. قال ابو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد العسكري اريد ابو علي بن خيران للقضاء فامتنع فوكل علي بن عيسى الوزير ببابه فشاهدت الموكلين ببابه وختم الباب بضعة عشر

_ 312- هو: الحسين بن خيران أبو علي الفقيه الشافعي كان من أفاضل الشيوخ وأماثل الفقهاء مع حسن المذهب وقوة الورع وأراده السلطان أن يلي القضاء وصعب عليه في ذلك فلم يفعل تاريخ بغداد 8/53.

يوما فقال لي ابي يا بني انظر حتى تحدث بهذا ان عشت ان انسانا فعل هذا به ليلى فامتنع وكلم الوزير فاعفاه. وعن ابي عبد الله الحسين بن محمد الفقيه الكشفلي ان علي بن عيسى وزير المقتدر بالله امر نازوك صاحب البلد يطلب الشيخ ابا علي بن خيران الفقيه الشافعي حتى يعرض عليه قضاء القضاة فاستتر فوكل بباب داره رجاله بضعة عشر يوما حتى احتاج الى الماء فلم يقدر عليه الا من عند الجيران. فبلغ الوزير ذلك فامر بازالة التوكل عنه وقال في مجلسه والناس حضور ما اردنا بالشيخ ابي علي بن خيران الا خيرا اردنا ان يعلم ان في مملكتنا رجلا نعرض عليه قضاء القضاة شرقا وغربا وهو لا يقبل. توفي ابو علي بن خيران في حدود العشرين وثلاث ومائة.

خير بن عبد الله أبو الحسين النساج

خير بن عبد الله أبو الحسين النساج ... 313- خير بعبد الله أبو الحسين النساج اصله من سر من راى لكنه نزل بغداد. وحكى السلمي عن فارس البغدادي قال كان اسم خير محمد بن ابراهيم السامري. قال السلمي وتاب في مجلسه ابراهيم الخواص والشلبي. عن جعفر الخلدي قال سألت خيرا النساج اكان النسج حرفتك قال لا قلت فمن اين سميت به قال كنت عاهدت الله الا آكل الرطب يوماً فغلبتني نفسي يوماً فاخذت نصف رطل فلما اكلت واحدة اذا رجل قد نظر الي وقال يا خير يا آبق هربت مني وكان له غلام اسمه خير قد هرب منه فوقع علي شبهه. فاجتمع الناس فقالوا هذا والله غلام خير فبقيت متحيرا وعلمت بم اخذت؟ وعرفت جنايتي. فحملني الى حانوته الذي كان ينسج فيه غلمانه فقالوا يا عبد السوء تهرب من مولاك ادخل فاعمل عملك الذي كنت تعمل فامرني بنسج الكرباس فدليت رجلي على ان اعمل فكاني كنت اعمل من سنين فبقيت معه اربعة اشهر انسج له. فقمت ليلة فتمسحت وقمت الى صلاة الغداة فسجدت وقلت في سجودي الهي لا أعود

_ 313- هو: خير بن عبد الله أبو الحسن النساج الصوفي من أهل سر من رأى نزل بغداد وكان له حلقة يتكلم فيها وليس خير هذا هو اسمه ولكن لتسميته خير قصة أنظر تاريخ بغداد 8/345.

الى ما فعلت فاصبحت فاذا الشبه قد ذهب عني وعدت الى صورتي التي كنت عليها فاطلقت. فثبت علي هذا الاسم فكان سبب النسج اتياني شهوة عاهدت الله تعالى إلا آكلها فعاقني الله بما سمعت. وكان يقول لا نسب اشرف من نسب من خلقه الله بيده فلم يعصمه ولا علم ارفع من علم من علمه الله الاسماء كلها فلم ينفعه في وقت جريان القضاء عليه. قال الخطيب هذه الحكاية طريفة جدا يسبق الى القلب استحالتها وقد كان الخلدي كتب الى شيخنا ابي نعيم يجيز له رواية جمع علومه عنه وكتب ابو نعيم هذه الحكاية عن ابي الحسن بن مقسم عن الخلدي ورواها لنا عن الخلدي نفسه اجازة والخلدي ثقة وكان ابن مقسم غير ثقة والله اعلم. وعن عيسى بن محمد قال سمعت ابا الحسن خيرا النساج يقول تقدم الي شاب من البغداديين وقد انطبقت يده فقلت له ما لك فقال جلست اليك فحللت عقدة من طرف ازارك فجفت يدي فقلت كنت قد بعت به لاهلي غزلا. ثم مسحت يده بيدي فرد الله عليه يده وناولته الدرهم وقلت اشتر به شيئا ولا تعد. قال ابو بكر الرازي قال خير النساج الخوف سوط الله يقول به انفسنا وقد تعودت سوء الادب ومتى اساءت الجوارح الادب فهو من غفلة القلب وظلمة السر. وقال العمل الذي يبلغ الى الغايات هو رؤية التقصير والعجز والضعف. علي بن هارون الحربي يحكي عن غير واحد ممن حضر موت خير من اصحابه انه غشي عليه عند صلاة المغرب ثم افاق ونظر الى ناحية من باب البيت فقال قف عافاك الله فانما انت عبد مامور وانا عبد مامور ما امرت به لا يفوتك وما امرت به يفوتني فدعني امضي لما امرت به ودعا بماء فتوضا للصلاة وصلى ثم تمدد وغمض عينيه وتشهد فمات فرآه بعض اصحابه في المنام فقال له ما فعل الله بك قال لا تسالني عن هذا ولكن استرحت من دنياكم الوضرة. قال المؤلف: صحب خيرالنساج ابا حمزة البغدادي وسريا السقطي وكان يذكر ان ابراهيم الخواص صحبه. وبلغ مائة وعشرين سنة وتوفي سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة.

أبو علي الروذباري

314- أبو علي الروذباري واسمه احمد بن القاسم هكذا ذكر السلمي وصححه وقال ابو بكر الخطيب اسمه محمد بن احمد وصحح ذلك. اصله من بغداد لكنه سكن مصر وتقدم بها وكانت له معرفة بالحديث كان يقول استاذي في الحديث ابراهيم الحربي وفي الفقه ابو العباس بن سريج وفي النحو ثعلب وفي التصوف الجنيد. قال محمد بن علي بن المأمون سمعت ابا علي الروذباري يقول من الاغترار ان تسيء فيحسن اليك فتترك الانابة والتوبة توهما انك تسامح في الهفوات وترى ان ذلك من بسط الحق لك. وعن ابي منصور بن أحمد الاصبهاني قال بلغني عن أبي علي الروذباري أنه قال انفقت على الفقراء كذا وكذا الف فما وضعت شيئا في يد فقير كنت اضع ما ادفع الى الفقراء في يدي فياخذونه من يدي حتى تكون يدي تحت ايديهم ولا تكون يدي فوق يد فقير. صحب ابو علي الجنيد والنوري وابن الجلاء والمسوحي وغيرهم واسند الحديث. وتوفي بمصر سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة وقيل ثلاث وعشرين رحمه الله.

_ 314- هو: محمد بن أحمد بن القاسم أبو علي الوذباري من كبار الصوفية سكن مصر وكان من أهل الغضل والفهم وله تصانيف حسان في التصوف نقلت عنه كان من أبناء الرؤساء والوزراء والكتبة تاريخ بغداد 1/329.

أبو بكر محمد بن علي بن جعفر الكناني

315- أبو بكر محمد بن علي بن جعفر الكناني اصله بغدادي لكنه اقام بمكة ومات بها وكان المرتعش يقول الكناني سراج الحرم. وقال محمد بن عبد الله بن شاذان كان يقال ان الكناني ختم في الطواف اثنتي عشرة الف ختمة. وقال ابوجعفر الاصفهاني صحبت الكناني سنين فكان يزداد على الايام ارتفاعا وفي نفسه اتضاعا وسمعته يقول روعة عبد عند انتباه من غفلة وارتعاد من خوف خظيئة اعود على المريد من عبادة الثقلين.

_ 315- هو: محمد بن علي بن جعفر أبو بكر الكناني أحد مشايخ الصوفية سكن مكة وكان فاضلا نبيلا حسن الشارة تاريخ بغداد 3/74.

وعن ابي عبد الرحمن السلمي قال قال الكناني ان الله تعالى نظر الى عبيد من عبيده فلم يرهم اهلا لمعرفته فشغلهم بخدمته. صحب الكناني والخراز والنوري ولا نحفظ له مسندا. وتوفي بمكة سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة وقيل اثنتين وعشرين رحمه الله.

أبو بكر الشبلي

316- ابو بكر الشبلي واختلفوا في اسمه فقيل دلف بن جعفر وقيل دلف بن جحدر وقيل جحدر بن دلف وقيل دلف بن جعبرة وقيل دلف بن جبعويه وقيل اسمه جعفر بن يونس. اصله خراساني من اهل سروسة من قرية يقال لها شبلية ومولده بسر من راى. وكان حاجب الموفق وكان ابوه حاجب الحجاب فحضر الشبلي يوما مجلس خير النساج فتاب فيه. وكان يقول خلف أبي ستين ألف دينار سوى الضياع فانفقت الكل وقعدت مع الفقراء. قال الحسين بن احمد الصفار سئل الشبلي وانا حاضر أي شيء اعجب؟ قال قلب عرف ربه ثم عصاه. وعن ابي الحسن علي بن المثنى التميمي قال دخلت على ابي بكر الشبلي داره وهو يهيج ويقول: على بعدك لا يصبر ... من عادته القرب ولا يقوى على هجر ... ك من تيمه الحب فان لم ترك العين ... فقد ابصرك القلب وقال احمد بن محمد الاملي سمعت الشبلي يقول مجاهدة النفس بالنفس افضل من مجاهدة الغير بالنفس. وقال الحسين بن احمد الصفار كنت يوما عند الشبلي وكان يذم الدنيا واهلها فقال يا من باع شيء واشترى لا شيء بكل شيء. وسمعته يقول ليس من استأنس بالذكر كمن استأنس بالمذكور. وسئل ما الزهد فقال نسيان الزهد.

_ 316- هو: أبو بكر الشبلي الصوفي حكي الخلاف في اسمه الحسين بن يحيى الشافعي كان خاله أمير الأمراء بالإسكندرية تاريخ بغداد 41/389.

ودخل بعض اصحابنا يوما على الشبلي وهو يقول افلا شجا بحنين افلا رنة بانين من قلب قريح حزين افلا شارب بكاس العارفين افلا مستيقظ عن رقدة الغافلين يا مسكين ستقدم فتعلم وينكشف الغطاء فتندم. وقال الشبلي العارف سيار الى الله عز وجل تعالى غير واقف. وسئل وانا حاضر أي شيء اعجب قال قلب عرف ربه ثم عصاه. وكان الشبلي ينوح يوما ويقول مكر بك في احسانه فتناسيت وامهلك في غيك فتماديت واسقطك من عينه فما دريت ولا باليت. وقال ليت شعري ما اسمي عندك غدا يا علام الغيوب وما انت صانع في ذنوبي ياغفار الذنوب وبم تختم عملي يا مقلب القلوب؟ قال وكان الشبلي يقول في جوف الليل قرة عيني وسرور قلبي ما الذي اسقطني من عينك ثم يصرخ ويبكي. قال وقال الشبلي لا تأمين على نفسك وان مشيت على الماء حتى تخرج من دار الغرة الى دار الامل. وقال الشبلي اذا وجدت قلبك مع الله فاحذر من نفسك واذا وجدت قلبك مع نفسك فاحذر من الله. وقال احمد الحلقاني سمعت الشبلي يقول من عرف الله عز وجل لا يكون له غم وسمعته يقول احبك الخلق لنعمائك وانا احبك لبلائك. وعن ابي حاتم الطبري قال سمعت ابا بكر الشبلي يقول ان اردت ان تنظر الى الدنيا بحذافيرها فانظر الى مزبلة فهي الدنيا واذا اردت ان تنظر الى نفسك فخذ كفاً من تراب فانك منه خلقت وفيه تعود ومنه تخرج واذا اردت ان تنظر ما انت فانظر ماذا يخرج منك في دخولك الخلاء فمن كان حاله كذلك فلا يجوز أن يتطاول أو أن يتكبر على من هو مثله. وعن الحسين بن احمد الهروي قال سمعت ابا بكر الشبلي يقول ليس للاعمى من رؤية الجوهرة الا مسها وليس للجاهل من الله الا ذكره باللسان. وسال جعفر بن نصير بكران الدينوري وكان يخدم الشبلي ما الذي رأيت منه؟ يعني عند وفاته فقال قال لي علي درهم مظلمة تصدقت عن صاحبه بالوف فما على قلبي شغل اعظم منه ثم قال وضئي للصلاة ففعلت فنسيت تخليل لحيته وقد امسك علي لسانه فقبض على يدي وادخلها في لحيته ثم مات.

فبكى جعفر وقال ما تقولون في رجل لم يفته في آخر عمره ادب من اداب الشريعة؟ وعن بكير صاحب الشبلي قال وجد الشبلي في يوم جمعة خفة من وجع كان به فقال تنشط تمضي الى الجامع قلت نعم فاتكأ على يدي حتى انتهينا الى الوارقين من الجانب الشرقي قال فتلقانا رجل جاءني من الرصافة فقال بكير قلت لبيك قال غدا يكون لنا مع هذا الشيخ شأن. ثم مضينا فصلينا ثم عدنا فتناول شيئا من الغداء فلما كان الليل مات رحمه الله فقيل لي في درب السقائين رجل شيخ صالح يغسل الموتى فدلوني عليه في سحر ذلك اليوم فنقرت الباب خفيا فقلت سلام عليكم فقال مات الشبلي قلت نعم فخرج الي فاذا به الشيخ فقلت لا اله الا الله فقال لا اله الا الله تعجبا ثم قلت قال لي الشبلي امس لما التقينا بك في الوراقين غدا يكون لي مع هذا الشيخ شان بحق معبودك من اين لك أن الشبلي قد مات قال يا ابله فمن اين للشبلي أن يكون له معي شأن من الشأن اليوم؟ عمر بن عبيد قال حدثني بكير فذكر معنى الحكاية. صحب الشبلي الجنيد وطبقته وتفقه على مذهب مالك وكتب الحديث الكثير ولا نعلم له مسندا سوى حديث واحد. أخبرنا أبو منصور الصرار انبا ابو بكر احمد بن علي انبا اسماعيل بن احمد الحيري انبا ابو عبد الرحمن السلمي انبأ أحمد بن محمد بن حسن الهروي انبا ابو عبد الرحمن انبا عبد الواحد بن العباس انبأ أحمد بن محمد بن ثابت انبأ محمد بن علي الجمال قال: سمعت ابا بكر الشبلي يقول ثنا محمد مهدي المصري انبأ عمر بن أبي سلمة انبأ صدقة بن عبد الله بن طلحة بن زيد عن ابي فروة الرهاوي عن عطاء عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا قال يا رسول الله كيف لي بذلك قال ما سئلت فلا تمنع وما رزقت فلا تخبا قال يا رسول الله كيف لي بذلك قال هو ذاك والا فالنار. توفي الشبلي في ذي الحجة سنة اربع وثلاثين وثلاث مائة وهو ابن سبع وثمانين سنة رحمه الله.

أبو أحمد المغازلي

317- أبو أحمد المغازلي جعفر الخلدي قال سمعت أبا أحمد المغازلي يقول كنت يوما من الايام قاعداً فخطر على قلبي ذكر من الاذكار فقلت ان كان ذكر يمشى به على الماء فهو هذا فقمت الى الماء فوضعت قدمي على الماء فتثبتت ثم رفعت قدمي الاخرى لاضعها على الماء فخطر بقلبي كيفية ثبوت الاقدام على الماء فغاصتا جميعا رحمه الله.

_ 317- هو: أبو أحمد المغازلي الصوفي من جلة مشايخهم أنظر تاريخ بغداد 14/421.

عيسى بن اسحاق بن موسى

318- عيسى بن اسحاق بن موسى ابو العباس الانصاري روىعن ابي الربيع الزهراني وغيره وروى عنه احمد بن كامل القاضي قال وكان يمشي حافيا ويلبس قميصا ناتناف تزهدا وكان صادقا زاهداً عابداً. ومات قبل سنة ثمانين ومائتين. قال أبو عمر الزاهد أنبأ أبو العباس الانصاري وكان يقال انه من الابدال في زمانه.

_ 318- هو: عيسى بن إسحاق بن موسى أبو العباس الخطمي الأنصاري وهو أخو موسى بن إسحاق وكان أسن منه أنظر تاريخ بغداد 11/171.

أبو محمد عبد الله بن محمد النيسابوري

319- ابو محمد عبد الله بن محمد النيسابوري ويقال له المرتعش صحب الجنيد واقام ببغداد في مسجد الشونيزى وكانوا يقولون عجائب ببغداد ثلاثة اشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات جعفر الخواص. وقال ابو الفرج الصائغ قال المرتعش من ظن أن أفعاله تنجيه من النار او تبلغه درجة الرضوان فقد جعل لنفسه ولفعله خطرا ومن اعتمد على فضل الله بلغه الله اقصى منازل الرضوان. وقيل له ان فلانا يمشي على الماء فقال ان من مكنه الله من مخالفة هواه فهو اعظم من المشي على الهواء والماء. وعن احمد بن علي بن جعفر قال كنت عند المرتعش قاعداً فقال رجل قد طال الليل وطاب الهواء فنظر إليه المرتعش وسكت ساعة ثم قال لا ادري ما يقول غير اني اقول ما سمعت من بعضهم يقول:

_ 319- هو: عبد الله بن محمد بن حمويه أبو محمد النيسابوري قدم بغداد وحدث بها عن أحمد بن حفص السلمي روى عنه محمد بن مخلد تاريخ بغداد 10/101.

لست ادري اطال ليلي ام لا ... كيف يدري بذاك من يتقلى؟ لو تفرغت لاستطالة ليلي ... ولرعي النجوم كنت مخلا قال فبكى من حضره واستدلوا بذلك على عمارة اوقاته. قال السلمي وتوفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة رحمه الله.

أبو جعفر المجذوم

320- ابو جعفر المجذوم قال ابو الحسن الدراج كنت احج فتصحبني جماعة فكنت احتاج الى القيام معهم والأشغال بهم فذهبت سنة من السنين يعني على الوحدة وخرجت الى القادسية فدخلت المسجد فاذا رجل في المحراب مجذوم وعليه من البلاء شيء عظيم فلما راني سلم علي وقال يا أبا الحسين عزمت على الحج قلت على غيظ مني وكراهية له قال فقال لي فالصحبة فقلت في نفسي انا هربت من الاصحاء اقع في يدي مجذوم قلت لا قال لي افعل قلت لا والله لا افعل فقال لي يا أبا الحسين يصنع الله للضعيف حتى يتعجب القوي. فقلت نعم على الانكار عليه. قال فتركته فلما صليت العصر مشيت الى ناحية المغيثة فبلغت كالغد ضحوة فلما دخلت اذا بالشيخ فسلم علي وقال لي يا أبا الحسين يصنع للضعيف حتى يتعجب القوي قال فاخذني شبيه الوسواس في امره. قال فلم احس حتى بلغت القرعاء على الغد فبلغت مع الصبح فدخلت المسجد فاذا انا بالشيخ قاعدا فقال لي يا أبا الحسين يصنع الله للضعيف حتى يتعجب القوي. قال فبادرت إليه فوقعت بين يديه على وجهي فقلت المعذرة الى الله واليك قال لي ما لك قلت اخطأت قال وما هو قلت الصحبة قال اليس حلفت وانا نكره ان نحنثك قال قلت فاراك في كل منزل قال ذاك لك. قال فذهب عني الجوع والعطش والتعب في كل منزل ليس لي هم الا الدخول إلى المنزل فاراه الى ان بلغت المدينة فغاب عني فلم اره. فلما قدمت مكة حضرت ابا بكر الكناني وابا الحسين المزين فذكرت ذلك لهم فقالوا

_ 320- هو: أبوجعفر المجذوم كان شديد العزلة والانفراد وهو من أقران أبي العباس بن عطاء ويحكى عنه كرامات قال السلمي: أبو جعفر المجذوم بغدادي تاريخ بغداد 14/415.

يا احمق ذلك ابو جعفر المجذوم ونحن نسال الله ان نراه فقالوا ان لقيته فتعلق به لعنا نراه قلت نعم. فلما خرجنا الى منى وعرفات لم القه فلما كان يوم الجمرة رميت الجمار فحدثني انسان وقال يا ابا الحسين السلام عليك فلما رايته لحقني من رؤيته فصحت وغشي علي وذهب عني وجئت الى مسجد الخيف واخبرت اصحابنا. فلما كان يوم الوداع صليت خلف المقام ركعتين ورفعت يدي فاذا انسان خلفي جذبني فقال يا ابا الحسين عزمت عليك ان تصبح قلت لا اسالك ان تدعو لي فقال سل ما شئت فسألت الله تعالى ثلاث دعوات فامن على دعائي فغاب عني فلم اره. فسالته عن الادعية فقال فاما احدها فقلت يا رب حبب الي الفقر فليس في الدنيا شيء احب الي منه والثاني قلت اللهم لا تجعلني أبيت ليلة ولى شيء ادخره لغد وانا منذ كذا وكذا سنة ما لي شيء ادخره والثالث قلت اللهم اذا اذنت لاوليائك ان ينظروا إلي فاجعلني منهم وانا ارجو. قال السلمي ابو جعفر المجذوم بغدادي من اقران ابي العباس بن عطاء.

عباس بن المهتدي ابو الفضل

321- عباس بن المهتدي ابو الفضل قال ابو عبد الرحمن السلمي عباس بن المهتدي من بغداد كنيته ابو الفضل. يرجع الى فتوة ظاهرة وفراسه حادة وحب للفقراء وميل اليهم دخل مصر وصحب بها ابا سعيد الخراز. وعن محمد بن عبد الله الفرغاني قال تزوج عباس بن المهتدي امرأة فلما كانت الليلة التي اراد ان يدخل بها وقعت عليه ندامة فدخل عليها وهو كاره فلما اراد ان يدنو منها زجر عنها فامتنع من وطئها وقام وخرج من عندها. فلما كان يعد ثلاثة أيام ظهر للمرأة زوج.

_ 321- هو: العباس بن المهتدي أبو الفضل الصوفي قال أبو العباس النسوي عباس بن المهتدي أبو الفضل من أهل بغداد...... كثير الأسفار على التجريد والتوكل وله فطنة وفراسة تاريخ بغداد12/152.

خزرج بن علي بن العباس ابو طالب الصوفي

322- خزرج بن علي بن العباس ابو طالب الصوفي. قال ابو عبد الله بن خفيف دخل ابو طالب خزرج بن علي شيرازا فاعتل علة فكنت اخدمه واقدم إليه الطست في الليل مرارا كثيرة وكنت في ذلك الوقت في حال الرياضة فكنت لا افطر الا على الباقلي اليابس. فسمع ابو طالب ليلة كسري للباقلي باسناني فقال لي ما هذا فعرفته. فبكى وقال يا ابا عبد الله فاني كنت كذلك حتى حضرت ليلة مع اصحابنا في دعوة ببغداد فقدم الينا حمل مشوي فامسكت يدي فقال لي بعض اصحابنا كل فاكلت لقمة وانا منذ اربعين سنة الى خلف. قال ابن خفيف ثم تماثل وخرج الى بعض البلدان وجلس في رباط وسود داخل الرباط وخارجه وقال هكذا جلوس اهل المصائب فما خرج منه حتى مات. قال المؤلف اسند ابو طالب الحديث عن احمد بن عبد الله النرمسي وكان من اصحاب الجنيد.

_ 322- هو: خزرج بن علي بن العباس بن الغمر أبو طالب الصوفي من أصحاب الجنيد له آيات ويحكى عنه في ذلك حكايات تاريخ بغداد 8/344.

أبو اسحاق ابراهيم بن حماد الازدي

323- ابو اسحاق ابراهيم بن حماد الازدي مولى ال جرير بن حازم قال القا ضي ابو الحسين الجراحي ما جئت الى ابراهيم بن حماد قط الا وجدته قائما يصلي او جالسا يقرأ. وقال ابو بكر النيسابوري ما رأيت اعبد منه. اسند ابراهيم عن الحسن بن عرفة وخلق وتوفي في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة.

_ 323- هو: إبراهيم بن حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم أبو إسحاق الأزدي مولى آل جرير بن حازم وثقة الدارقطني فقال: ثقة فاضل أنظر تاريخ بغداد 6/61.

أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن النجاد

324- أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن النجاد عن ابي اسحاق الطبري قال كان احمد بن سليمان يصوم الدهر ويفطر كل ليلة على

_ 324- هو: أحمد بن سليمان وقيل: سليمان كما في لسان الميزان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس أبو بكر الفقيه الحنبلي المعروف بالنجاد وهو ممن اتسعت رواياته وانتشرت أحاديثه مات سنة 348. تاريخ بغداد 4/189. رقم 1879.

رغيف ويترك منه لقمة فاذا كان ليلة الجمعة تصدق بذلك الرغيف وكل تلك اللقم التي استفضلها. وقال ابو عبد الله احمد بن عبد الله الحربي سمعت ابا بكر احمد بن سليمان النجاد يقول من نقر على الناس قل اصدقاؤه ومن نقر على ذنوبه طال بكاؤه ومن نقر على مطعمه طال جوعه. اسند النجاد عن ابي داود السجستاني في خلق لا يحصون وكان يمشي في طلب الحديث حافيا. وتوفي في سنة ثمان واربعين وثلاث مائة وقد بلغ خمسا وتسعين سنة ودفن عند قبر بشر بن الحارث.

جعفر بن محمد بن نصير الخلدي

325- جعفر بن محمد بن نصير الخلدي يكنى ابا محمد حج ستين حجة. قال علي بن المثنى التميمي سمعت جعفرا الخلدي يقول لرجل كن شريف الهمة فان الهمم تبلغ بالرجال لا المجاهدات. اسند جعفر الخلدي عن الحارث بن ابي اسامة وغيره وسمع الكثير من الحديث ولقي جماعة من المشايخ كالجنيد وغيره. وتوفي في يوم الاحد لتسع خلون من شهر رمضان سنة ثمان واربعين وثلاث مائة.

_ 325- هو: جعفر بن محمد بن نصير الخلدي شيخ الصوفية كان ثقة صادقا دينا فاضلا أنظر تاريخ بغداد 7/226. رقم 3715.

جعفر بن حرب

326- جعفر بن حرب عن علي بن المحسن المسوحي عن ابيه ان جعفر بن حرب كان يتقلد كبار الاعمال للسلطان وكانت نعمته تقارب نعمة الوزارة فاجتاز يوما راكبا في موكب له عظيم ونعمته على غاية وفور ومنزله بحالها في الجلالة فسمع رجلا يقرأ {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16] فصاح اللهم يكررها دفعات وبكى ثم نزل عن دابته ونزع ثيابه ودخل الى دجلة واستتر بالماء ولم يخرج منه حتى فرق جميع ماله في المظالم التي كانت عليه وردها وتصدق بالباقي. فاجتاز رجل فراه في ال قائما وسمع بخبره فوهب له قميصا ومئزرا فاستتر بهما وخرج فانقطع الى العلم والعبادة حتى مات.

أبو بكر محمد بن سعيد الحربي

327- أبو بكر محمد بن سعيد الحربي ويعرف بابن الضرير الزاهد. عن عبد الواحد بن ابي الحسين الفقيه قال سمعت ابي يقول سمعت أبا بكر بن الضرير الزاهد يقول دافعت الشهوات حتى صارت شهوتي المدافعة فحسب. قال المصنف كان ابو بكر ينزل الحربية من بغداد وروى عن ابراهيم بن نصر المنصوري وغيره. وتوفي في ربيع الاول سنة احدى وخمسين وثلاث مائة.

أبو بكر محمد بن الحسين الاجري

328- ابو بكر محمد بن الحسين الاجري كان ثقة دينا عالما مصنفا وقد سمع عن ابي مسلم الكجي وابي شعيب الحراني وجعفر الفريابي في خلق يطول ذكرهم. وحدث ببغداد قبل سنة ثلاثين وثلاث ومائة ثم انتقل الى مكة فاقام بها حتى مات في محرم سنة ستين وثلاث مائة. قال ابو سهل محمود بن عمرو الكعبري لما وصل ابو بكر محمد بن الحسين الاجري الى مكة استحسنها واستطابها فهجس في نفسه أن "اللهم احيني في هذه البلدة ولو سنة" فسمع هاتفا يهتف ويقول يا ابا بكر لم سنة؟ ثلاثين سنة. فلما كان في سنة ثلاثين سمع هاتفا يقول يا ابا بكر قد وفينا بالوعد فمات في تلك السنة.

_ 328- هو: محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري أبو بكر صاحب التصانيف الكثيرة حدث ببغداد قبل سنة 330. ثم انتقل إلى مكة فسكنها حتى توفي بها قال محمد بن علي الصوري: توفي أبو بكر الآجري في المحرم سنة ستين وثلاثمائة قرأت ذلك على بلاطة قبره بمكة تاريخ بغداد 2/243. رقم 707.

يوسف بن عمر بن مسرور

329- يوسف بن عمر بن مسرور ابو الفتح القواس. قال الازهري كان ابو الفتح من الابدال وكان مجاب الدعوة. وقال ابو الحسن الدارقطني كنا نتبرك بابي الفتح القواس وهو صبي. وقال ابو ذر الهروي كنت عند ابي الفتح القواس وقد اخرج جزءا من كتبه فوجد فيه قرض الفار فدعا الله على الفارة التي قرضته فسقطت من سقف البيت فارة ولم تزل تضطرب حتى ماتت. سمع يوسف بن عمر القواس من البغوي وابي بكر بن ابي داود ويحيى بن صاعد في خلق كثير. وتوفي يوم الجمعة لسبع بقين من شهر ربيع الاخر من سنة خمس وثمانين وثلاث مائة ودفن بمقبرة احمد رضي الله عنهما.

_ 329- هو: يوسف بن عمر بن مسرور أبو الفتح القواس عن عبد العزيز الأزجي قال: سألت يوسف القواس عن مولده قال: مولدي سنة ثلاثمائة كان ثقة صالحا صادقا زاهدا سمع كثيرا من العلماء والحفاظ وكتب عنهم أنظر تاريخ بغداد 14/325. رقم 7650.

أبو الحسين محمد بن احمد بن اسماعيل

330- أبو الحسين محمد بن احمد بن اسماعيل ابن عبيس بن سمعون وكان يلقب الناطق بالحكمة. عن ابي بكر الاصبهاني وكان خادم الشبلي قال كنت بين يدي الشبلي في الجامع يوم جمعة فدخل ابو الحسين بن سمعون وهو صبي على راسه قلنسوة بشفاشك مطليس بفوطة فجاز علينا وما سلم فنظر الشبلي الى ظهره وقال يا ابا بكر اتدري أي شيء لله من الذخائر في هذا الصبي؟ وقال الحسن بن محمد الخلال قال لي ابو الحسين بن سمعون ما اسمك؟ فقلت حسن فقال فقد اعطاك الله الاسم فسله ان يعطيك المعنى. وقال ابو طاهر عبد الواحد بن عمر بن المظفر سمعت ابن سمعون يقول رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة فاستحالت ديانة.

_ 330- هو: محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عنبس بن إسماعيل أبو الحسين الواعظ المعروف بابن سمعون كان واحد دهره وفريد عصره في الكلام على علم الخواطر والإشارات ولسان الوعظ دون الناس حكمته وجمعوا كلامه تاريخ بغداد 1/274. رقم 116.

وقال ابو الفتح القولس لحقتني اضافة في وقت من الاوقات فنظرت فلم اجد في البيت غير قوس لي وخفين كنت البسهما فاصبحت وقد عزمت على بيعهما. وكان يوم مجلس ابي الحسين بن سمعون فقلت في نفسي احضر المجلس ثم انصر ف فابيع الخفين والقوس فحضرت فلما اردت الانصراف ناداني ابو الحسين يا ابا الفتح لا تبع الخفين ولا تبع القوس فان الله سياتيك برزق من عنده او كما قال. وعن علي بن طلحة المقري قال سمعت ابا الحسين بن سمعون يقول كل من لم ينظر بالعلم فيما لله عليه فالعلم حجة عليه وبال. وسمعته يقول الصادقون الحذاق هم الذين نظروا الى ما بذلوا في جنب ما وجدوا فصغر ذلك عندهم فاعتذروا. وسمعته يقول قللوا اهتمامكم لكم ووفروا اهتمامكم بكم وتوسدوا اوسادا من الشكر والبسوا لباسا من الذكر والتحفوا لحافا من الخوف تفوزوا بمدحة الرب الله ان تستهينوا بشيء يوجب الذم دون ان تستهينوا بما يوجب العقوبة. وسمعته يقول يا هذا تظلم الى ربك منك واستنصره عليك ينصرك. وسمعته يقول احزنوا على ما فاتكم واسفوا على تقصيركم واحرزوا بضائعكم من التلف لا تخرج القطاع عليها. وسمعته يقول كل داء عرف دواؤه فهوصغيرة والذي لم يعرف له دواء كبير. وسمعته يقول اجهد يا هذا ان يسرق منك ولا يسرق لك. وسمعته يقول احذروا الصغائر فان النقط الصغار اثار في الثوب النقي. وسمعته يقول احذر ان ترى عملك لك فان رايته لك كنت ناظرا الى ليس لك. وسمعته يقول من الوقاحة تمنيك مع توانيك استوف من نفسك الحقوق ثم وفها الحظوظ حسب ما يكفيها لا ما يطغيها قفها بين الجنة والنار تأباك الجنة بكل معنى وتقبلك النار بجملتك. وسمعته يقول معنى قوله: لا يزال عبدي يتحبب إلي حتى أحبه قال: حتى أظهر له حبي لأنه لم يزل محباً. وسمعته يقول الخير كله في هذا الزمان ترك ما الناس عليه ومص النوى وسف الرمل وانشدنا:

لو كل جارحة مني لها لغة ... تثنى عليك بما اوليت من حسن لكان ما زال شكري اذ اشرت به ... اليك ازيد في الاحسان والمنن وانشدنا ايضا: حاشاك من ان ترابى ... محمد يحبك خوفا لم يبق مني وفاء ... الا وما منك اوفى افنيتني عن جميعي ... فصرت اهواك طرفا قال محفوظ بن احمد الكلوداني قال لنا الشيخ الصالح ابو علي الحسن بن غالب الحربي سمعت ابا الحسن بن سمعون يقول يا هذا اكرمتك لما عاملتك وصنتك لما نهيتك فمعاملتي لك كرامة ونهي لك صيانة كلفتك الصلاة ولعلمي بتوانيك لم اجعل لها وقتا واحدا جعلت لها اولا واخر وانت تقول الوقت واسع متى ما اتسع الوقت على عاقل اما علمت ان الاوقات على العقلاء ادق من ثقب الابر تهتم لك كاني لست مولاك وتدع الاهتمام بك كاني لست مطالباك اما علمت انه اذا بدا النهار اطالبك بحق ملكي واذا بدا الليل اطلبك بحق حبي. قال ابو علي وكنا جلوسا عند ابي الحسين بن سمعون في مجلسه فجاز قوم معهم كلاب الصيد فنبحت عليها كلاب الدرب فقال سبحان الله كان هذه حادثت هذه فقالت هذه الاهلية لكلاب الصيد يا مساكين رغبتم في نعيم الملوك فسوجروكم ولو قنعتم بالمنبوذ مثلنا كنتم مخلين فقالت لها كلاب الصيد خفي عليكم حالنا نحن رأوا فينا الة الخدمة فحسبونا على الخدمة وقاموا لنا بالكفاية قالت الاهلية فالواحد منكم اذا كبر خلي وصار معنا قالت كلاب الصيد لانه قصر عما يجب عليه وكل من قصر فيما يجب عليه طرد. قال ابو علي وسمعت ابا سعيد احمد بن المسك بن احمد البزاز يقول سمعت عمي محمد بن احمد يقول رأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم في جامع الخليفة والى جانبه رجل مكتهل فسالت عنه فقيل هو عيسى ابن مريم روح الله وكلمته وهو يقول للنبي صلى الله عليه وسلم. صلى الله عليه وسلم. صلى الله عليه وسلم اليس في امتي الاحبار اليس في امتي الرهبان اليس من امتي اصحاب الصوامع قال فدخل ابو الحسين بن سمعون فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في امتك مثل هذا فسكت وانتبهت. وعن ابي طاهر محمد بن علي العلاف قال حضرت ابا الحسين بن سمعون يوما في مجلس الوعظ وهو جالس على كرسيه يتكلم وكان ابو الفتح بن القواس جالسا الى جنب

الكرسي فغلبه النعاس فنام فامسك ابو الحسين عن الكلام ساعة حتى استيقظ ابو الفتح ورفع راسه فقال له ابو الحسين رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومك قال نعم قال أبو الحسين لذلك امسكت عن الكلام خوفا تنزعج وتنقطع عما كنت فيه او كما قال. وعن ابي بكر البرقاني قال لابي الحسين بن سمعون ايها الشيخ انت تدعو الناس الى الزهد في الدنيا والترك لها وتلبس احسن الثياب وتاكل اطيب الطعام فكيف هذا فقال كل ما يصلحك فافعله اذا صلح حالك مع الله بلبس لين الثياب واكل طيب الطعام فلايضرك. اسند ابن سمعون عن خلق كثير يطول ذكرهم منهم عبد الله بن ابي داود السجستاني واملى الحديث. وتوفي يوم النصف من ذي القعدة سنة سبع وثمانين وثلثمائة وكان مولده سنة ثلثمائة ودفن في داره ثم نقل بعد تسع وثلاثين سنة الى باب حرب وكفنه لم يبل. قال عبد القادر بن محمد بن يوسف اخبرني ابي قال كنت مع الذين اخرجوا ابا الحسين من داره وقد دفن فيها اربعين سنة فاخرج الى قبر احمد واكفانه تتقعقع كما دفن رحمه الله.

عبد الصمد بن عمر بن محمد بن اسحاق ابو القاسم الواعظ

331- عبد الصمد بن عمر بن محمد بن اسحاق ابو القاسم الواعظ كان من اهل الزهد والصلاح الامرين بالمعروف والناهين عن المنكر. عن احمد بن علي بن ثابت قال حدثني الضمري قال كان عند عبد الصمد جزء عن النجاد فاخذت من ابي بكر البقال نسخته ومضيت انا وابو يعلى بن المامون إليه فسلمنا عليه وسالناه ان يحضرنا في المسجد لنسمع الجزء منه وسبقناه الى المسجد. فدخل وسلم وصلى ركعتين ثم جاء فجلس بين ايدينا فقلت له انما حضرنا لنسمع منك فان رأيت ان ترتفع الى صدر المجلس فقال هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم واشار الى ابن المامون وانت رجل من اهل العلم وما كنت لارتفع عليكما في المجلس. وعن علي بن محمد الحسن المالكي قال جاء رجل الى عبد الصمد بمائة دينار ليدفعها إليه فقال له انا غني عنها فقال فرقها على اصحابك هؤلاء فقال ضعها على الارض

_ 331- هو: عبد الصمد بن عمر بن محمد بن إسحاق أبو القاسم الواعظ وكان ثقة صالحا زاهدا وإليه تنسب الطائفة المعروفة بأصحاب عبد الصمد تاريخ بغداد 11/43. رقم 5723.

ففعل فقال عبد الصمد للجماهة من احتاج منكم الى شيء فلياخذه على قدر حاجته فتوزعها الجماعة على صفات مختلفة من القلة والكثرة ولم يمسها هو بيده ثم جاء ابنه بعد ساعة فطلت منه شيئا فقال له اذهب الى البقال فخد منه ربع رطل تمرا. وقال التنوخي كنت يوم الجمعة في جامع المنصور والخطيب على المنبر وعلى يساري علي بن طلحة المقري البصري فمددت عيني فرأيت عبد الصمد بالقرب مني فهممت بالنهوض إليه وكان صديقاً لي فاحتشمت من القيام في مثل ذلك الوقت مع قرب قيام الصلاة فقام ومشى نحوي فقمت إليه فقال لي اجلس ايها القاضي فليس اليك قصدت ولا لك اردت بمجيئي انما هذا اردت واليه قصدت يعني ابن طلحة وذلك ان نفسي تأباه وتكرهه فاردت ان اذلها بصده واخالف ارادتها فقصدته فقام ابن طلحة إليه وقبل راسه وعاد عبد الصمد الى موضعه. وعن محمد بن عبد الله بن احمد بن عبد الله السكري قال اجتاز عبد الصمد يوما بسوق الطعام فراى غلاما يقال له عزيز وقد خرج مع العيارين وكانت أيامهم والناس مجتمعون عليه وأبواه يبكيان ويعذلانه ويأبى عليهم. فلما اكثر عليه قال لهما مثلي يقول شيئا يرجع عنه قد قلت لاصحابي اني منكم امضيا اطلبا عزيزاً غيري شاروفتي في جيبي. يقال عبد الصمد رايته قد تابع الهوى على الوقاء مع علمه بانه اذا وقع في الشدائد لا يجريه فبايعت ربي على الوفاء مع علمي باني اذا وقعت في الشدائد يجيرني فاجتزت يوما بباب درب الديزج فشممت روائح طيبة فطالبتني نفسي بشيء منها فقلت اطلبي عبد الصمد غيري شاورفتي في جيبي. قال وسمعت عبد الصمد يقول كنت يوما امشي في بعض الطرق واذا بساع قد اقبل من عدوه وقد بقي عليه من الطريق بقية والناس يستقبلونه بالتحف فقال له رجل أي فلان مت اليوم حتى تعيش ابدا فقلت لنفسي هذا لك موتي اليوم حتى تعيشي ابدا. وعن ابي علي الحسن بن علي بن فهر القلاف قال قال عبد الصمد يا ابا علي رأيت اليوم عجبا اجتزت ببعض الخرابات فسمع منها أنينا فدخلت واذا برجل قد شد حبلا يريد ان يخنق نفسه فزعقت عليه وقلت له لا يحل لك ان تفعل هذا فقال لي فاعذر فقلت لي فاعذر فقلت وما شأنك والغدر قال قد قامرت في قتل نفسي فقمرتها وما ارى الغدر فنحيت الحبل من عنقه وعجبت كيف لم يستجز الغدر في هوى الشيطان فكيف يجوز الغدر في رضا الرحمن؟

وحكى ابو الوفاء بن عقيل قال هجم عيد على عبد الصمد والبيت فارغ من القوت فجاءه رجل بدراهم فقال خذ هذه فقال يا هذا بالله دعني اليوم اتلذذ بفقري كما يتلذذ الاغنياء بغناهم وكان يقول ابدا اوجدهم في تعذيبه عذوبة. قال المؤلف بلغني عن عبد الصمد انه كان في دعوة فقيل له انبسط وتمكن فقال ومايمكني من يحتشم ربه في الخلوة لا ينبسط. وكان يحرض اصحابه الى الجد ويقول هيه قد فاتتكم الدنيا فلا تفوتنكم الاخرة. وقال التنوخي حدثني من حضر عبد الصمد وقد احتضر فدخلت عليه ام الحسن بن القاضي ابي احمد بن الاكفاني وكانت احد من يقوم بامره ويراعيه. فقالت له اسالك واقسم عليك الا سالتني حاجة فقال لها نعم كوني لهنية يعني ابنته بعد موتي كما انت لها في حياتي فقالت افعل ثم امسك ساعة وقال استغفر الله وكررها الله لها خير منك. وحكى ابن عقيل عن بعض من حضر عبد الصمد عند الموت قال حضرته وهو يقول يا سيدي لليوم خباتك ولهذه الساعة اقتنيتك حقق حسن ظني بك. اسند عبد الصمد عن احمد بن سلمان النجاد. وتوفي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة وقيل في آخر يوم من ذي الحجة سنة سبع وتسعين وثلاث مائة وقيل توفي ليلا وكانت وفاته بدرب شماس من نهر الغلابين وقبره اليوم ظاهر يتبرك به بمقبرة الامام احمد.

عثمان بن عيسى ابو عمر الباقلاوي

332- عثمان بن عيسى ابو عمر الباقلاوي كان يقال له العابد الصموت لامساكه عن الكلام فيما لا يعنيه. قال احمد بن علي الحافظ كان عثمان الباقلاوي احد الزهاد المتعبدين منقطعا عن الخلق ملازما للخلوة. قال وسمعت بعض الشيوخ الصالحين يقول سمعت عثمان الباقلاوي يقول اذا كان وقت غروب الشمس احسست بروحي كأنها تخرج يعني لاشتغاله في تلك الساعة بالافطار عن الذكر.

_ 332- هو: عثمان بن عيسى أبو عمرو الباقلاني تاريخ بغداد 11/313. رقم 6115.

قال وسمعته يقول احب الناس الي من ترك السلام علي لانه يشغلني بسلامه عن الذكر. وقال محمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي حدثني ابي قال مضيت يوما في صحبة خالي الي عثمان بن عيسى الباقلاوي فتلقيناه خارجا من المسجد الى داره وهو يسبح فقال له خالي ادع لي فقال يا ابا عبد الله شغلتني انظر ما تظنه في فافعله وادع انت لي فقلت له انا بالله ادع لي فقال لي رفق الله بك فاستزدته فقال الزمان يذهب والصحائف تختم. وعن ابي الحسين محمد بن محمد بن المهتدي قال هذا انا فيه من بركة عثمان الباقلاوي وذلك انني كنت اصلي به فكان اذا خلا بي مسح يده على صدري ودعا لي فانا اعتقد ان الذي انا فيه من بركة دعائه. قال وكان له مغتسل وحارة في المسجد فكان يصلي بينهما وكنت اصلي به شهر رمضان فقرات ليلة سورة الحاقة حتى اتيت هذه الاية: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} فصاح وسقط مغشيا عليه فما بقي احد في المسجد الا انتحب. وكان عثمان يتعمم بشاروفة وكان ياكل من كسب البوازي وكان قد ساله السعيد التركي أن يصل إليه منه شيء فابى فقال له اذ ابيت فتاذن لي ان نشتري دهنا نشغله في المسجد وكان ماواه المسجد ما كان يخرج منه الا الى الجمعة فاجاب الى ذلك فلما عاد الرسول على انه يحمل إليه دهنا قال له لا تجئني بشيء آخر فقد اظلم على البيت. اسند عثمان الباقلاوي عن ابراهيم بن محمد المطوعي والحسن بن ابي النجم مؤدب الطائع لله وغيرهما وتوفي في يوم الجمعة لسبع بقين من رمضان سنة اثنتين واربع مائة ودفن في مقبرة جامع المنصور1. عن عرس الخباز قال لما دفن عثمان الباقلاوي رأيت في المنام بعض من هو مدفون في جوار قبره فقلت له كيف فرحكم بجوار عثمان فقال واين عثمان لما جيء به سمعنا قائلا يقول الفردوس الفردوس او كما قال رحمه الله.

_ 1 أنظر تاريخ بغداد 11/314. قال الخلال وأحمد بن علي النوري توفي عثمان الباقلاني الزاهد يوم الجمعة لسبع بقين من شهر رمضان سنة اثنتين وأربعمائة قال الخلال: وصلى عليه أبو عبد الله بن المهدي.

بكر بن شاذان بن بكر أبو القاسم

333- بكر بن شاذان بن بكر أبو القاسم قرأ القرآن على جماعة وسمع الحديث من جعفر الخلدي وابي بكر الشافعي وغيرهما وكان يقرىء القرآن ويروي الحديث ويعظ الناس وكان من قوام الليل واهل التقوى. عن الحسن بن غالب المقرىء ان بكر بن شاذان وابا الفضل التميمي جرى بينهما كلام فبدر من ابي الفضل كلمة ثقلت على بكر وانصرفا ثم ندم التميمي فقصد ابا بكر بن يوسف وقال له قد كلمت بكرا بشيء قد خفي عليه وندمت على ذلك فاريد ان تجمع بيني وبينه فقال له ابن يوسف سيخرج لصلاة العصر. فخرج بكر وجاء إلى ابن يوسف التميمي عنده فقال له التميمي اسالك ان تجعلني في حل فقال بكر سبحان الله ما فراقتك حتى احللتك وانصرف. قال التميمي قال لي والدي يا عبد الواحد احذر ان تخاصم من اذا نمت كان منتبها. قال ابن غالب وكان لبكر ورد من الليل لا يخل به. توفي في يوم السبت التاسع من شوال سنة خمس واربع مائة ودفن بمقبرة باب حرب.

_ 333- هو: بكر بن شاذان بن بكر أبو القاسم المقرئ الواعظ ولد في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ومات في شوال من سنة خمس وأربعمائة وله نيف وثمانون سنة تاريخ بغداد 7/96. رقم 3537.

أبو أحمد عبد الله بن احمد ابن محمد الفرضي

334- أبو أحمد عبد الله بن احمد ابن محمد الفرضي قال علي بن عبد الواحد بن مهدي اختلفت الى ابي احمد الفرضي ثلاث عشرة سنة لم اره ضحك فيها غير انه قرأ علينا يوما كتاب الانبساط فاراد ان يضحك فغطى فمه. وقال عيسى كان أبو أحمد اذا جاء الى ابي حامد الاسفرائيني قام ابو حامد من مجلسه ومشي الى باب مسجده حافيا مستقبلا له. قال وكتب ابو حامد مع رجل خراساني كتابا الى ابي احمد يشفع له ان يأخذ عليه القرآن فظن ابو احمد انها مسالة قد استفتي فيها فلما قرا الكتاب غضب ورماه عن يده وقال انا لا اقريء القرآن بشفاعة او كما قال. وقال ابو القاسم منصور بن عمرو الفقيه لم ار في الشيوخ من يعلم العلم خالصا لله لا يشوبه شيء من الدنيا غير ابي احمد الفرضي فانه كان يكره ادنى سبب حتى المدح لاجل العلم.

_ 333- هو: بكر بن شاذان بن بكر أبو القاسم المقرئ الواعظ ولد في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ومات في شوال من سنة خمس وأربعمائة وله نيف وثمانون سنة تاريخ بغداد 7/96. رقم 3537.

قال وكان قد اجتمعت فيه أدوات الرياسة من علم وقرآن وإسناد وحالة متسعة في الدنيا وغير ذلك وكان أورع الخلق وكان يبتدىء كل يوم بتدريس القرآن ويحضر عند الشيخ الكبير ذو الهيئة فيقدم عليه الحدث لاجل سبقه فاذا فرغ من اقراء القرآن ولي قراءة الحديث علينا بنفسه فلا يزال كذلك حتى يستنفد قوته ثم يضع الكتاب من يده وينصرف. قال وكنت اطيل العقود معه وهو على حالة واحدة لا يتحرك ولا يعبث بشيء من اعضائه ولا يغير شيئا من هيئته حتى افارقه. وقد بلغني انه كان يجلس مع اهله على هذا الوصف ولم ار في الشيوخ مثله. سمع ابو احمد من القاضي المحاملي ويوسف بن يعقوب بن البهلول وحضر مجلس ابي بكر بن الانباري. وتوفي في يوم الثلاثاء للنصف من شوال سنة ست واربعمائة وقد بلغ اثنتين وثمانين سنة ودفن في مقبرة جامع المدينة رحمه الله.

أبو العباس أحمد بن محمد ابن عبد الرحمن بن سعد الابيوردي

335- أبو العباس أحمد بن محمد ابن عبد الرحمن بن سعد الابيوردي كان فقيها فصيحا من اصحاب ابي حامد الاسفرائيني توطن بغداد ولي القضاء بها على الجانب الشرقي ومدينة المنصور وكان مدرسا مفتيا مناظراً وكانت له حلقة بجامع المنصور. ذكر عبيد الله بن احمد بن عثمان الصيرفي عمن حدثه ان القاضي ابا العباس الابيوردي كان يصوم الدهر وان غالب افطاره كان على الخبز والملح وكان فقيرا يظهر المروءة قال ومكث شتوة لا يملك جبة يلبسها. وكان يقول لاصحابه في علة تمنعني عن لبس الحشو فكانوا يظنونه يعني المرض وانما كان يعني بذلك الفقر ولا يظهره تصوتا ومروءة. وقال ابن ثابت حدثني الصوري انه سال الابيوردي عن مولده فقال سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. ومات يوم السبت السادس من جمادى الاخرة سنة خمس وعشرين واربعمائة ودفن في مقبرة باب حرب والله اعلم.

_ 335- هو: أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن سعيد أبو العباس الأبيوردي أحد الفقهاء الشافعيين من أصحاب أبي حامد الإسفراييني سكن بغداد وولي القضاء بها على الجانب الشرقي بأسره تاريخ بغداد 5/51. رقم 2411.

أبو الحسن علي بن عمر بن محمد ابن الحسن الحربي المعروف بالقزويني

336- ابو الحسن علي بن عمر بن محمد ابن الحسن الحربي المعروف بالقزويني وكان من كبار الصالحين ومولده في محرم سنة ستين وثلاث مائة ببغداد واصل ابيه من قزوين وقرا القرآن بالقراءات على ابي حفص الكناني وغيره. وسمع الحديث من ابن كيسان النحوي والقاضي الجراحي وابي حفص بن الزيات وابي عمر بن حيوة وابي الحسين مظفر وابي الحسين بن سمعون في جماعة اخرى وتفقه على ابي القاسم الداركي وعلق النحو على ابي الفتح بن جني. وكان منذ كان صبيا حسن الطريقة ملازما للصمت عما لا يعنيه وافر العقل ثم كان يقرأ القرآن ويروي الحديث ولا يخرج من بيته الا الى الصلاة وله كرامات كثيرة ولما توفي غسله ابو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي. قال احمد بن علي بن ثابت كان ابو الحسن القزويني احد الزهاد المذكورين ومن عباد الله الصالحين توفي في شعبان سنة اثنتين واربعين واربعمائة وصلى عليه في الصحراء بين الخربية والعتابين وحضرت الصلاة عليه وكان الجمع متوفرا جدا يفوت الاحصاء لم ار جمعا على جنازة اعظم منه وغلق جميع البلد في ذلك اليوم. وقال ابو الفتح بن علوس الدينوري صلى الناس على القزويني حيث توجهوا ولم يحط الى الارض لكثرة الخلق انما كان على ايدي الرجال حيث اتجه صلوا عليه. وقال ابو الوفاء بن عقيل شهدت جنازته وكان يوما لم ير في الاسلام بعد جنازة احمد بن حنبل مثله غلقت له المكاتب والحمامات وبلغت المعبرة بباب الطاق مع كون الجسر ممدودا ربع دينار ولم يسع الناس جامع ولا امكن ان يصلي عليه امام معين فجعل كل قبيل فيه الوف من الناس يصلى بهم رجل يصلح للتقدم. وكانت الضجة تمنع التبليغ للتكبير فصلى اكثر الناس وحدانا ورأيت عدة بنانيك فيها من المداسات الكثيرة ينادي عليها لياخذها اربابها. عبد الله بن محمد البرداني قال انتبه اخي ابو غالب يوسف بن محمد في الليلة التي مات

_ 336- هو: علي بن عمر بن محمد بن الحسن أبو الحسن الحربي المعروف بابن القزويني كان أحد الزهاد ومن عباد الله الصالحين يقرأ القرآن ويروي الحديث وافر العقل صحيح الرأي تاريخ بغداد 12/43. رقم 6411.

فيها القزويني وهو يبكي وقد اخذته الرعدة فسكنه والدنا وامسكه وقرا عليه وقال له ما لك يا بني قال رأيت في المنام كان ابواب السماء قد فتحت وابن القزويني يصعد اليها فلما كان في صبيحة تلك الليلة سمعنا المنادي ينادي بموته. وقال ابو الفرج عبد العزيز بن عبد الله الصائغ صليت على ابي الحسين القزويني فهالني كثرة الخلق الذين حضروا جنازته واستعظمتهم فرايته تلك الليلة في المنام وهو يقول لي استعظمت الخلق الذين صلوا علي قد صلى علي من الملائكة في السماء اكثر من ذلك.

أبو بكر محمد بن عبد الله الدينوري

337- أبو بكر محمد بن عبد الله الدينوري وكان يسكن الرصافة ببغداد وكان زاهدا حسن العيش. وكان ابو الحسن القزويني يقول عبر الدينوري قنطرة خلف من بعده وراءه. قال ابو الوفاء بن عقيل الواعظ كنت شابا حديث السن اتردد الى مجلس ابن بشران الواعظ وكان يعتاد عيني الرمد كثيراً فرآني ذات يوم في المجلس رجل كان يبسط لابن بشران بساط المنبر يقال له بكار فقال لي اراك تدوم على حضور هذا المجلس فقلت لعلي استفيد شيئا ينفعني في ديني فقال لي اجلس حتى ينقضي المجلس فجلست. فلما انقضى المجلس اخذ بيدي وحملني الى الرصافة وجاء بي إلى باب فطرقه فقال قائل من داخل الدار من فقال انا بكار فقال يا بكار الست قد كنت هاهنا اليوم فقال جئت في حاجة مهمة ففتح الباب وهو يقول لا حول ولا قوة الا بالله. ثم دخلنا واذا بشيخ جالس مستقبل القبلة على راسه سطح كالطرحة فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقال بكار يا سيدي هذا صبي يداوم حضور المجلس ويحب الخير وقد دام مرض عينه فادع له فدعاني فاتيته فادخل خنصره في فيه ثم مسح عيني به فبقيت بعد ذلك نحو ستين سنة لم ترمد عيني فلما خرجت سألت عنه فقيل لي هذا ابو بكر الدينوري صاحب ابن سمعون. توفي الدينوري في شعبان سنة ثلاثين واربعمائة.

أبو الطيب طاهر بن عبد الله ابن طاهر الطبري

338- أبو الطيب طاهر بن عبد الله ابن طاهر الطبري ولد بآمل في سنة ثمان واربعين وثلاثمائة وسافر في طلب العلم سمع من ابي احمد الغطريفي والدارقطني والمعافي بن زكريا وغيرهم وتفقه على ابي الحسن الماسرجسي وبرع في الفقه وجمع التقوى الى العلم وولي القضاء بربع الكرخ بعد ابي عبد الله

الصيمري وقد كان راى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له يا فقيه فكان يفرح ويقول سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيها. قال احمد بن علي بن ثابت انشدني ابو الطيب الطبري لنفسه: ما زلت اطلب علم الفقه مصطبرا ... على الشدائد حتى اعقب الخيرا وكان ما كر من درس ومن سهر ... في عظم ما نلت من عقباه مغتفرا حفظت ماثورة حفظا وثقبت به ... وما يقاس على الماثور معتبرا صنفت في كل نوع من مسائله ... غرائب الكتب مبسوطا ومختصرا اقول بالاثر المروي متبعا ... وبالقياس اذا لم اعرف الاثر اذا انتضيت بياني عن غوامضه ... حسرت عنها قناع اللبس فانحسرا وان تحريت طوق الحق مجتهدا ... وصلت منها الى ما اعجز الفكرا وكنت ذا ثروة لما عنيت به ... فلم ادع ظاهرا منها ومدخرا وما ابالي اذا ما العلم صاحبني ... ثم القتى فيه ان لا اصحب البشرا ثنت عناني عنه همة طمحت ... الى الهوى فاستطابت عنده الصبرا اصدى فلا اتصدى للئيم ولا ... ابيت دون الغنى حزنان منكسرا اذا اضقت سألت الله معتذرا ... كفايتي فاطاب الورد والصدرا وقرات بخط الشيخ ابي الوفا بن عقيل قال حكي لي بعض اهل العلم ان القاضي ابا الطيب صعد من سميرية وقد تم له عشر المائة فقفز منها الى الشط فقال بعض من حضر يا سيدنا لا تفعل هذا فان اعضاءك تضعف وربما اورث مثل هذه الطفرة فتقاً في المعى فقال يا هذا ان هذه اعضاءنا حفظناها من معاصي الله فحفظها الله علينا. وقال ابو الحسن محمد بن أحمد بن عبد الله الفامي ابتدا القاضي ابو الطيب الطبري يدرس الفقه ويتعلم العلم وله اربع عشر سنة فلم يخل به يوما واحدا الى ان مات. قال الخطيب وتوفي في يوم السبت لعشر بقين من ربيع الاول سنة خمسين واربعمائة ودفن من الغد في مقبرة باب حرب وحضرت الصلاة عليه في المنصور وكان امامنا في الصلاة عليه ابو الحسين بن المهتدي وبلغ من السن مائة سنة وسنتين وكان صحيح العقل ثابت الفهم يقضي ويفتي الى حين وفاته رحمه الله.

أبو الحسن البرداني

339- أبو الحسن البرداني كان من الزهاد المنقطعين بجامع المنصور. حدثني ابو محمد عبد الله بن علي المقريء قال كان ابو الحسن البرداني صالحا مقيما بدار القطان وكان الناس يزورونه فيقول ترى أي شيء زاد في حتى ازار انا كنت اكارا ولباسي اليوم لباسي الذي كان واكلي اكلي الذي كان وما تركت شيئا من الدنيا احمد على تركه فلماذا ازار؟ قال ابو محمد وكان بجامع المنصور رجل يقال له ابن عبد العزيز من القراء فسمعه البرداني يقول يوما هؤلاء الحشوية يقولون في القرآن كذا فبقي مدة لا يصلي خلفه فلما شاع هذا تعصب له جماعة وجاؤوا بتوقيع من السلطان بتقديمه وتمكينه فجاء ابن عبد العزيز والناس معه فباتوا بباب البصرة فقال خادم البرداني له يا سيدي قد جاء القوم وقد عزموا على تقدميه وتمكينه فقال ما يجيئون وكيف يجيئون. فقال ابن عبد العزيز في بعض الليلة فؤادي يوجعني ومات من ليلته.

أبو بكر احمد بن علي العلبي

340- أبو بكر احمد بن علي العلبي كان يقريء القرآن ويؤم الناس ويعمل بيده ولا يقبل من أحد شيئا ويذهب بنفسه في كل ليلة الى دجلة فياخذ في كوز له ماء يفطر عليه ويمشي في حوائج نفسه ولا يستعين باحد. وكان اذا حج يزور القبور بمكة ويجيء الى قبر الفضيل بن عياض ويخط بعصاه ويقول يا رب ها هنا يا رب ها هنا. فاتفق انه خرج للحج في سنة ثلاث وخمس مائة فشهد عرفة محرما وتوفي عشية ذلك اليوم في ارض عرفات فحمل الى مكة وطيف به حول البيت ودفن يوم منحر الى جانب الفضل بن عياض.

أبو المعالي الرجل الصالح

341- أبو المعالي الرجل الصالح ساكن باب الطاق قال ابو الحسن بن مالان وكان ثقة حدثني ابو المعالي الصالح قال ضاق بي الامر في رمضان حتى اكلت فيه ربعين باقلي عزمت على المضي الى رجل من ذوي قرابتي اطلب منه شيئا فنزل طائر فجلس على منكبي وقال يا ابا المعالي انا الملك الفلاني لا تمض إليه نحن ناتيك به فبكر الرجل الي. وحدثني ابو محمد عبد الله بن المقريء قال كنت عند ابي المعالي الصالح فقيل له:

قد جاء سعد الدولة شحنة بغداد فقال اغلقوا الباب فجاء فطرق الباب وقال ها انا قد نزلت عن دابتي وما ابرح حتى تفتح لي ففتح له فدخل فجعل يوبخه على ما هو فيه وسعد الدولة يبكي بكاء كثيرا فانفرد بعض اصحابه وتاب على يده. وقال لي ابو محمد كان ابو المعالي لا ينام الا جالسا ولا يلبس الا ثوبا واحدا شتاء كان او صيفا وكان اذا اشتد البرد عليه يشد المئزر بين كتفيه. حدثني ابو محمد ان رجلا توفي وسلم إلى ابن عقيل مالا وامره ان يدفعه الى ابي المعالي الصالح ليقسمه بعد موته فلما مات الرجل بعث ابن عقيل الى ابي المعالي بالمال واخبره بالقصة فقال ما اقبل هذه الوصية فعاوده فابى فبينما هم على ذلك جاء ولد الميت فقال أن ابي اوصى بما لا يخرج من الثلث فقال ابن عقيل والله لقد كوشف ذاك الرجل فهو يقبل خمسة ارطال من الخبز ولولا انه كوشف بهذا ما رده رحمه الله.

أخو جمادى

342- أخو جمادي كان منقطعا بباب الطاق والناس يزورونه ويتبركون به. حدثني ابو محمد عبد الله بن المقريء عن اخي جمادي قال خرجت في يدي عيون وانتفخت فاجمع الاطباء على قطعها فبت ليلة على سطح قد رقيت إليه فقلت في الليل يا صاحب هذا الملك الذي لا ينبغي لغيره هب لي شيئا بلا شيء فنمت ف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله يدي انظر اليها. فقال مدها فمددتها فامر يده عليها واعادها وقال قم فقمت وانتبهت والخرق التي شدت بها مخانق. فقمت في الليل وذهبت الى باب الازج الى قرابة لي فطرقت الباب فقالت المراة لزوجها قد مات فلان تعنيني وظنت ان مخبرا قد جاء يخبرها بذلك فلما فتحت الباب ورأتني تعجبت. ورجعت الى باب الطاق فرأيت الناس من عند دار السلطان الى منزلي خلقا لا يحصى معهم الجرار والاباريق فقلت ما لكم فقالوا قيل لنا ان رجلا قد راى النبي صلى الله عليه وسلم ها هنا يتوضأ في بئر. فقلت في نفسي ان مضيت لم يكن لي معهم عيش فاختفيت في الخرابات طول النهار.

عبد الوهاب بن المبارك ابن احمد الانماطي

343- عبد الوهاب بن المبارك ابن احمد الانماطي ويكنى ابا البركات سمع الكثير وكتب الكثير وروي لنا عن ابي محمد الصريفيني وابن النقور وخلق كثير من القدماء. وما عرفنا من مشايخنا اكثر سماعا منه ولا اكثر كتابة للحديث ولا اصبر على الاقراء ولا احسن بشرا ولقاء ولا اسرع دمعة ولا اكثر بكاء. ولقد كنت اقرا عليه الحديث في زمان الصبا ولم اذق بعد طعم العلم فكان يبكي بكاء متصلا وكان ذلك البكاء يعمل في قلبي وأقل ما يبكي هذا هكذا الا لامر عظيم فاستفدت ببكائه ما لم استفد بروايته. وكان مجلسه منزها عن غيبة الناس وكان رضي الله عنه على طريقة السلف وكنا نتنظره من يوم الجمعة لياتي من داره بنهر القلائين الى جامع المنصور فلا ياتي على قنطرة باب البصرة وانما يمر على القنطرة العتيقة فسالته عن سبب هذا فقال كانت تلك دار ابن معروف القاضي فلما قبض عليه بنيت قنطرة. قال وحدثنا ابو محمد التميمي عنه انه احل من يعبر عليها غير اني لا افعل. وكان مولده في رجب سنة اثنتين وستين وتوفي يوم الخميس الحادي والعشرين من المحرم سنة خمس وثلاثين وخمس مائة. وعدته في مرضه وقد بلي وذهب لحمه فقال لي ان الله عز وجل لا يتهم في قضائه.

ذكر المصطفين من عباد بغداد المجهولين الأسماء

ذكر المصطفين من عباد بغداد المجهولين الأسماء 344- عابد عن أبي عبد الله احمد بن يحيى الجلاء قال سمعت أبي يقول كنت عند معروف في مجلسه فدخل عليه رجل فقال يا أبا محفوظ رأيت في هذه الليلة عجباً قال وما رأيت رحمك الله قال اشتهي علي أهلي سمكا فذهبت إلى السوق فاشتريت لهم سمكة وحملتها مع حمال فمشي معي فلما سمعنا آذان الظهر قال الحمال يا عم هل لك أن نصلي فكأنه أيقظني من غفلة فقلت له نعم نصلي. فوضع الطبق والسمكة عليه على مستراح ودخل المسجد فقلت في نفسي الغلام قد جاد بالطبق أجود أنا أيضاً بالسمكة فلم يزل يركع حتى اقيمت الصلاة فصلينا جماعة وركع بعد الصلاة وخرجنا فإذا الطبق على حاله موضوع فجئت إلى البيت وحدثت أهلي بهذا فقالوا لي قل له ياكل معنا من هذا السمك فقلت له تأكل معنا من هذا السمك فقال أنا صائم فقتل له فافطر عندنا قال نعم اروني طريق المسجد فاريته فدخل المسجد وجلس إلى ان صلينا المغرب. فجئت إليه وقلت له تقوم رحمك الله فقال أو نصلي عشاء الآخرة فقلت في نفسي هذه ثانية يريد ان فيه خيرا فلما صلينا به إلى منزلي ولنا ثلاث أبيات: بيت فيه أنا وأهلي وبيت فيه صبية مقعدة ولدت كذلك لها فوق العشرين سنة وبيت كان فيه ضيفنا. فبينا أنا مع أهلي إذ دق داق الباب في آخر الليل فقلت من يدق الباب فقالت أنا فلانة فقلت فلانة قطعة لحم مطروحة في البيت كيف يستوي لها ان تمشي فقالت أنا هي افتحوا لي ففتحنا لها فإذا هي فقلت أي شيء الخبر فقلت سمعتكم تذكرون ضيفنا هذا بخير فوقع في نفسي ان اتوسل إلى الله عز وجل به فقلت اللهم بحق ضيفنا هذا وبجاهه عندك إلا أطلقت اسري: فاستويت وقمت وانا في عافية كما تروني. فقمت إليه اطلبه في البيت فإذا البيت خال ليس فيه أحد فجئت إلى الباب فوجدته مغلقا بحاله فقال معروف نعم فيهم صغار وكبار يعني الاولياء.

345- عابد آخر مجذوم أبو عبد الله البراثي قال: قال خلف البرزالي: اتيت برجل مجذوم ذاهب اليدين والرجلين اعمى فجعلته مع المجذومين فغفلت عنه أياما ثم ذكرته فقلت يا هذا اني غفلت عنك فكيف حالك فقال لي حبيبي ومن أنا احبه فقد احاطت محبته باحشائي فلا اجد لما أنا فيه من الم مع محبته لا يغفل عني. فقلت له اني نسيت فقال ان لي من يذكرني وكيف لا يذكر الحبيب حيبيه وهو نصب عينيه تائه العقل والقلب قلت لها الا ازوجك امرأة تنظفك من هذه الاقذار قال فبكي ثم تنفس ورمى ببصره نحو السماء وقال يا حبيب قلبي ثم اغمي عليه. فافاق فقلت ما تقول فقال كيف تزوجني وانا مالك الدنيا وعروسها قلت أي شيء الذي عندك من ملك الدنيا وانت ذاهب اليدين والرجلين اعمى تأكل كما تأكل البهائم قال رضي عني سيدي إذا ابلى جوارحي واطلق لساني بذكره. قال فوقع مني بكل موقع فما لبث الا يسيرا حتى مات فأخرجت له كفنا فيه طول فقطعت منه فاتيت في منامي فقيل لي يا خلف بخلت على ولي ومحبي بكفن طويل قد رددنا عليك كفنك وكفناه عندنا بالسندس والاستبراق قال فصرت إلى بيت الاكفان فإذا الكفن ملقى. 346- عابد آخر قال إبراهيم الاجري الكبير كنت يوما قاعدا على باب المسجد في يوم شات إذ مر بي رجل عليه خرقتان فظننت انه من هؤلاء الذين يسالون فقلت في نفسي لو عمل هذا بيده كان خيرا له قال ومضى الرجل. فلما كان الليل اتاني ملكان فأخذا بضبعي ثم ادخلاني المسجد الذي كنت على بابه قاعدا فإذا رجل نائم عليه خرقتان فكشف لي عن وجهه فإذا هو الذي مر بي فقالا لي كل لحمه فقلت ما اغتبته قالا لي بلى حدثت نفسك بغيبته ومثلك لا يرضى منه بمثل هذا. قال فانتبهت فزعا فمكثت ثلاثين يوما اقعد على باب المسجد لا اقوم الا لفرض انتظر ان يمر بي فاستحله. فلما كان بعد الثلاثين مر بي على حاله والخرقتان عليه فوثبت إليه فغمز وغمزت خلفه

فلما خفت ان يفوتني قلت يا هذا قف اكلمك قال فالتفت الي ثم قال يا إبراهيم وانت أيضاً ممن يغتاب المؤمنين بقلبه قال فسقطت مغشياً علي قال فافقت وهو عند راسي فقال اتعود قلت لا ثم غاب عن عيني فلم اره بعد ذلك. 347- عابد آخر قال الجنيد ارقت ليلة فرمت السكون فما وجدته ثم اجتهدت في قضاء ورد كان لي فلم اقدر ثم حرصت على دراسة شيء من القرآن فلم اقدر فوقع بي انزعاج شديد فأخذت ثوبي على كتفي ثم انصرفت وذاك آخر الليل. فلما توسطت الدرب عثرت بإنسان ملتف في عباء فرفع راسه وقال إلى الساعة فقلت سيدي عن موعد تقدم فقال لا ولكن سألت محرك القلوب ان يحرك لي قلبك فقلت قد فعل حاجة قال نعم قلت ما هي قال يا أبا القاسم متى يكون الداء دواء فقلت إذا خالفت النفس هواها صار داؤها دواءها قال فتنفس وقال قد اجبتها بهذا الجواب الليلة سبع مرات فقالت لا أو اسمعه من جنيد ها قد سمعت منه ثم مضى فما رايته بعد ذلك. 348- عابد آخر عبيد الله بن عبد الله قال: كنت عند الجنيد يوم قدم أبو حفص النيسابوري فوثب إلأيه الجنيد وعانقه، فقال للجنيد: دعني من المعانقة، عندك شيء تطعمني؟ فقال له: أي شيء تومي؟ فعين له على شيء يطبخ فالتفت الجنيد إلى ابن زيري فقال: قد سمعت: فمضى ابن زيري فغاب ساعة ثم عاد ومعه ما أراد. فقال الجنيد لأبي حفص: قد حضر ما ذكرت. فقال: يا أخي قد أحببت أن أوثر به، أتساعدني؟ فقال له: أحب ما تحب. فقال الجنيد لابن زيري: قد سمعت فأنفذه إلى مستحق فأقبل ابن زيري إلى الحمال فقال: أمش بين يدي وحيث أعييت فقف. فمشى الحمال ساعة ووقف بين دارين فدق ابن زيري أقرب الدارين إلى الحمال فإذا نداء من داخل الدار: ادخل إن كان معك كذا كذا وإلا فلا، وعين على ما كان مع الحمال. قال: ففتحت الباب فإذا شيخ قاعد وخيش مرسل على باب، فوضعت ما كان مع الحمال بين يدي الشيخ وصرفت الحمال وقعدت. فقال لي: وراء هذا الخيش صبيان وبنات يحتاجون إلى هذا الطعام فقلت له: لا أنصرف أو تخبرني بالحال. فقال: هؤلاء الصبيان يسألوني هذا الطعام منذ مدة ولم تسامح نفسي أن

أسأل الله تعالى، فوجدت البارحة مسامحة أن أسأل فجعلت علامة إجابة الله إياي وجود المسامحة من السؤال، فلما دققت الباب علمت ما معك. 349- عابد آخر من بعض قرى بغداد بلغنا عن جنيد قال سمعت السري بن المغلس يقول ان في قرى بغداد لاولياء لا يعرفهم الخلق قال وكنت ادور في القرى لعلي اجد منهم واحداً فبينا أنا يوما في بعض القرى دخلت مسجدا ف رأيت فيه شابا ساكتا فتقدم الي وقال لي اتاذن ان اسالك مسالة فقلت هات فقال مسالة فسال مسالة من احوال القلب دقيقة فاجبته فقلت له يقع لك مثل هذه المسالة فقال كثير فقلت كيف تعمل قال أنا انسان قد لازمت هذا الموضع فإذا وقع لي مثل هذه المسالة قيض الله لي وليا مثلك فيجيبني فعلمت صدق قول السري. 350- عابد آخر أبو جعفر السقاء قال خرجت يوماً من بيتي في يوم مطير فإذا اسود مطروح على المزبلة مريض فجررته فادخلته إلى بيتي فلما امسينا دعاني فقال يا أبا جعفر لا تفسد ما صنعت اقعد عندي قال وفاح البيت بريح المسك وصار ريح جبتي وكسائي وجرتي وكوزي وكل شيء في البيت ريح المسك. قال فقال اقعد عندي قال ثم قال بيده هكذا لا تضيق على جلسائي. قال فسمعته يقول اندك اندك يا بار خداه ارفق بي يا مولاي قال ثم خرجت نفسه. قال قلت ابيع كسائي ابيع جبتي فاشتري له كفنا قال فطرق بابي قريب من سبعين انسانا كل يقول يا أبا جعفر مات عندك انسان يحتاج إلى كفن. 351- عابد آخر عن أبي الحسن بن خيرون صاحب أبي بكر عبد العزيز قال لي أبو بكر عبد العزيز: كنت مع استاذي يعني أبا بكر الخلال وانا غلام مشتد فاجتمع جماعة يتذاكرون بعد عشاء الآخرة فقال بعضهم لبعض اليس مقبل يعني رجلا اسود كان ناطورا بباب حرب لنا مدة ما رايناه فقاموا يقصدونه وقال لي استاذي يعني الخلال لا تبرح احفظ الباب. فتركتهم حتى مضوا واغلقت الباب وتبعتهم فلما بلغنا بعض الطريق قال استاذي هو ذا

ارى وراءنا شخصا آخر قفوا فقالوا لي من أنت فامسكت فزعا من استاذي فقال أحدهم لاستاذي بالله عليك الا تركته فتركني ومضيت معه فدخلنا إلى قراح فيها باذنجان مملوء والاسود قائم يصلي فسلموا وجلسوا إلى ان سلم وأخرج كيسا فيه يابسة وملح جريش قال كلوا فاكلوا وتحدثوا وأخذوا يذكرون كرامات الاولياء وهو ساكت. فقال واحد من الجماعة يا مقبل قد زرناك فما تحدثنا بشيء فقال أي شيء أنا واي شيء عندي أحدثك أنا اعرف رجلا لو سال الله تعالى ان يجعل هذا القراح الباذنجان ذهبا لفعل. فوالله ما استم الكلام حتى راينا القراح يتقد ذهبا فقال له استاذي يعني الخلال يا مقبل لأحد سبيل أن يأخذ من هذا القراح اصلا واحداً فقال له خذ وكان القراح مسقيا فأخذ استاذي الاصل فقلعه بعروقه وجميع ما فيه ذهبا فوقعت من الاصل باذنجانه صغيرة وشيء من الورق فأخذته وبقاياه معي إلى يومي. قال ثم صلى ركعتين وسال الله تعالى فعاد القراح كما كان وعاد مكان ذلك الاصل اصل باذنجان آخر. 352- عابد آخر محمد بن داود الرقي قال كنت مارا ببغداد وإذا بعض الفقراء يمر في الطريق وإذا مغن يغني ويقول: امد كفي بالخضوع ... إلى الذي جاد بالصنيع قال فشهق الفقير شهقة خر ميتا. قال المؤلف وقد رويت لنا عن الرقي عن غيره. الحسين بن محمد قال سمعت الرقي يقول سمعت العسقلاني يقول كنت مارا ببغداد فإذا أنا ببعض الفقراء مارا في الطريق ومغن يغني ويقول: امد كفي بالخضوع ... إلى الذي جاد بالصنيع قال فشهق الفقير شهقة خر ميتا. 353- عابد آخر بلغنا عن أبي الصوفي قال دخلت في يوم عيد على بعض مشايخنا فرأيت عنده خلا وهندباء فاشتغل قلبي وخرجت فدخلت على بعض أهل الدنيا فاخبرته فدفع إلى صرة فيها

دراهم وقال احملها إليه فقلت جئت بها لتستعين بها على وقتك قال وما الذي رأيت من حالي قلت له رأيت عندك خلا وهندبا فقال كانك افتقدت ذلك لو كان في بيتي امرأة كنت تفتقدها قم فوالله لا كلمتك شهرا. فخرجت فضرب الباب في وجهي فسال الدم فاتيت الشبلي فقلت له يا أبا بكر رجل مشى في طاعة الله فانفتح وجهه ما سبب هذا فقال لعله اراد ان ياتي إلى شيء صاف يكدره. 354- عابد آخر عن أبي الحسين بن سمعون قال اجتزت يوما على الصراة ف رأيت امرأة تلتقط ورق البقل الذي ياتي على الماء فقلت لا شك ان هذه امرأة فقيرة. فوقفت حتى رجعت فتبعتها فاتت إلى دار فدخلت فرجعت إلى بيتي فما استقر بي المنزل حتى اتاني خادم معه دنانير ودراهم فقال ادفع هذا إلى محتاج. فأخذته وقمت فاتيت بيت المراة فطرقت الباب فخرج رجل من خواص مجلسي ومن الملازمين لي فلما راني قال ما لك هكذا فقلت جئتكم بهذه الدنانير تستعينون بها على الوقت فنظر الي مغضبا وقال يا شيخ تحدرنا من الدنيا وتاتينا بها ثم رد الباب في وجهي ودخل فرجعت منكسرا إلى بيتي. ثم قلت في نفسي لا بد ان اعود إليه فاعتذر فاتيته في اليوم الثاني فطرقت الباب مرارا فلم يجبني أحداً وإذا امرأة من الجيران تقول ما لك يا رجل فقلت لها ما فعل أهل هذه الدار فقالت كان في هذه الدار رجل مع والدته وكنا نتبرك بهم فجاء بالامس شيطان فكلمهم بما كرهوا فانتقلوا عنا. قال فعدت وانا شديد الحزن على ما فعلت وجعلت اتفقد مجلسي ولا ارى الرجل. فلما كان يوم عرفة وانا اتكلم على الناس رايته في اوآخرهم فلما انقضى المجلس مضيت إليه وسلمت فرد علي وقال لا تعد ما فات ولا تقل شيئا فلولا اني اعتقد كلامك دواء لقلبي لم احضر وانما غبت عنك لانا انتقلنا إلى مكان آخر حتى لا نعرف فقلت ما اتيت الا معتذرا وما اعود ثم فارقته.

ذكر المصطفين من عقلاء المجانين ببغداد

ذكر المصطفين من عقلاء المجانين ببغداد 355- سعدون المجنون قال يحيى بن ايوب خرجت يوما إلى مقابر باب خراسان ثم جلست في موضع ارى منه من يدخل المقابر فنظرت إلى رجل دخل المقابر مقنعا فجعل يجول في المقابر كلما راى قبرا محفوراً أو منخسفاً وقف عليه وبكى. فقمت رجاء ان انتفع به فلما صرت إليه إذا هو سعدون المعتوه وكان يكون في كوخ مقابر عبد الله بن مالك فقلت له يا سعدون أي شيء تصنع فقال يا يحيى هل لك في ان تجلس فنبكي على بلى هذه الابدان قبل ان تبلي فلا يبكي عليها باك ثم قال يا يحيى البكاء من القدوم على الله عز وجل اولى بنا من البكاء على بلى الابدان ثم قال يا يحيى {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} ثم صاح صيحة شديدة وقال واغوثاه بالله مما يقابلني في الصحف قال يحيى فغشي علي فافقت وهو جالس يمسح وجهي بكمه وهو يقول يا يحيى من اشرف منك لو مت؟. قال الفتح بن شخرف كان سعدون صاحب محبة لله صام ستين سنة حتى خف دماغه فسماه الناس مجنونا لتردد قوله في المحبة فغاب عنا زمانا فبينا أنا قائم على حلقة ذي النون رايته عليه جبة صوف وعليها مكتوب لا تباع ولا تشترى فسمع كلام ذي النون فصرخ وانشا يقول: ولا خير في شكوى إلى غير مشتكي ... ولا بد من سلوى إذا لم يكن صبر احمد بن عبد الله بن ميمون قال سمعت ذا النون المصري يقول خرج الناس إلى الاستسقاء بالبصرة فخرجت فيمن خرج فبينا أنا مار بين الناس إذا بيدين قبضتا على رجلي فقلت من أنت خل عني فقال أنا سعدون المجنون اين تريد يا أبا الفيض قلت اريد المصلى ادعو الله تعالى فقال بقلب سماوي أو بقلب جاف فقلت بقلب سماوي قال انظر يا ذا النون لا تبهرج فان الناقد بصير وقال تدعو الله واؤمن على دعائك أو ادعو الله وتؤمن على دعائي فقلت تدعو أنت واؤمن عليه. قال فصف قدميه ثم قال الهي بحق البارحة الا امطرتنا قال ذو النون لقد رأيت الغيوم قد ارتفعت عن اليمين والشمال حتى التقت فجاءنا المطر كافواه العزالي فقلت له:

بحق معبودك أي شيء كان بينك وبين الله البارحة فقال لي لا تدخل بيني وبين قرة عيني قلت لا بد ان تخبرني فانشا يقول: انست به فلا ابغي سواه ... مخافة ان اضل فلا اراه فحسبك حسرة وضنى وسقما ... بطردك عن مجالس أولياه قال ذو النون رأيت سعدونا في المقبرة في يوم حار وهو يناجي ربه عز وجل بصوت عال ويقول أحد أحد فاتبعته فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت له بحق من تناجيه الا وقفت لي وقفة فوقف وقال لي قل واوجز فقلت اوصني بوصية احفظها عنك أو تدعو لي بدعوة فقال: يا طالب العلم ههنا وهنا ... ومعدن العلم بين جنبيكا ان كنت تبغي الجنان تدخلها ... فاذرف الدمع فوق خديكا وقم إذا قام كل مجتهد ... وادع لكيما يقول لبيكا قال ثم مضى فقال يا غياث المستغيثين اغثني قلت له ارفق بنفسك فلعله يلحظك بلحظة فيغفر لك فنفض يده من يدي وعدا يقول: انست به فلا أبغي سواه ... مخافة ان اضل فلا اراه فحسبك حسرة وضنى وسقما ... بطردك عن مجالس اولياه قال الاصمعي مررت بسعدون المجنون فإذا هو جالس عند راس شيخ سكران يذب عنه فقلت له سعدون ما لي أراك جالساً عند رأس هذا الشيخ فقال انه مجنون فقلت له أنت مجنون أو هو قال لا بل هو قلت من اين قلت ذلك؟ قال لاني صليت الظهر والعصر جماعة وهو لم يصل جماعة ولا فرادى فقلت له فهل قلت في ذلك شيئا فانشأ يقول: تركت النبيذ لأهل النبيذ ... واصبحت اشرب ماء قراحا لان النبيذ يذل العزيز ... ويكسو الوجوه النضار الصباحا فان كان ذا جائزا للشباب ... فما العذر فيه إذا الشيب لاحا؟ فقلت له صدقت وانصرفت. قال صالح المري قرات بين يدي سعدون المجنون {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} فصرخ ثم قال ملاح والله ثم انشا يقول:

ان في الخلد جارية ... هي حسن كما هيه لو تراها على النما ... رق بالغنج ماشيه لتمنيّت أنها ... لك ما عشت باقيه كتبت في شقائق الخد ... سطراً بغاليه أنا للزاهد الذي ... عينه الدهر باكيه

بهلول

356- بهلول سري السقطي قال اجتزت يوما بالمقابر فإذا أنا ببهلول قد دلى رجليه في قبر وهو يلعب بالتراب فقلت أنت ههنا قال نعم أنا عند قوم لا يؤذونني وان غبت عنهم لا يغتابوني فقلت يا بهلول الخبز قد غلا فقال والله ما ابالي ولو حبة بمثقال ان علينا ان نعبده كما امرنا وعليه ان يرزقنا كما وعدنا ثم ولى عني وهو يقول: يا من تمتع بالدنيا وزينتها ... ولا تنام عن اللذات عيناه افنيت عمرك فيما لست تدركه ... تقول لله مإذا حين تلقاه عن سري السقطي قال خرجت يوما إلى المقابر ف رأيت بهلولا قد دلى رجليه في قبر وهو يبعث بالتراب فقلت له أي شيء تصنع ههنا فقال أنا عند قوم لا يؤذوني وان غبت عنهم لا يغتابوني فقلت لا تكون جائعاً فولى وانشأ يقول: نجوع فان الجوع من علم التقي ... وان طويل الجوع يوما سيشبع فقلت له ان الخبز قد غلا فقال والله ما ابالي ولو بلغت حبة بمثقال علينا ان نعبده كما امر وعليه ان يرزقنا كما وعد ثم ولى وهو يقول. اف للدنيا فليست لي بدار ... انما الراحة في دار القرار أبت الساعات الا سرعة ... في بلي جسمي بليل ونهار عن الفضل بن الربيع قال حججت مع هارون الرشيد فمررنا بالكوفة فإذا بهلول المجنون يهذي فقلت اسكت فقد اقبل امير المؤمنين فسكت فلما حاذاه الهودج قال يا امير المؤمنين حدثني ايمن بن نابل قال انبانا قدامة بن عبد الله العامري قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بمنى على جمل وتحته رحل رث فلم يكن ثم طرد ولا ضرب ولا إليك إليك قلت يا امير المؤمنين انه بهلول المجنون قال قد عرفته قل يا بهلول فقال يا امير المؤمنين: هب انك قد ملكت الارض طرا ... ودان لك البلاد فكان مإذا؟

اليس غدا مصيرك ترب ... ويحثو الترب هذا ثم هذا؟ قال اجدت يا بهلول أفغيره قال نعم يا أمير المؤمنين من رزقه الله جمالا ومالا فعف في جماله واتقى في ماله كتب في ديوان الابرار. قال فظن انه يريد شيئا قال فانا قد امرنا بقضاء دينك قال لا تفعل يا امير المؤمنين لا تقض دينا بدين اردد الحق إلى أهله واقض دين نفسك من نفسك. قال أنا قد امرنا ان تجرى عليك جراية قال لا تفعل يا امير المؤمنين لا يعطيك وينساني اجرى علي الذي اجري عليك لا حاجة لي في جرايتك.

أخرين

أخرين ... 357- مجنون آخر يقال له أبو علي المعتوه خلف بن سالم قال قلت لابي علي المعتوه وكان ينزل في الخرم يا أبا علي ألك مأوى قال نعم قلت وأين مأواك قال في دار يستوي فيها العزيز والذليل قال قلت له واين هذه الدار قال المقابر قلت يا أبا علي ما تستوحش في ظلم الليل قال اني اكثر ذكر ظلم اللحد ووحشته فهون علي ظلم الليل قلت له فربما رأيت في المقابر شيئا تنكره قال ربما ولكن في هول الآخر ما يشغل عن هول المقابر. قال الاشهلي قلت لابي يا ابة مثل هذا الكلام الجيد الصحيح يتكلم به مجنون قال يا بني هؤلاء قوم كان لهم فضل ودين ومعرفة فزالت عقولهم وبقي ذلك الفضل فلم يختلط فيما اختلط. 358- مجنون آخر أبو بكر الشبلي قال رأيت يوم الجمعة معتوها عند جامع الرصافة قائما عريانا وهو يقول أنا مجنون الله أنا مجنون الله فقلت له لم لا تدخل الجامع وتتوارى وتصلي فانشد: يقولون زرنا واقض واجب حقنا ... وقد اسقطت حالي حقوقهم عني إذا هم راوا حالي ولم يأنفوا لها ... ولم يأنفوا منها انفت لهم مني 358- مجنون آخر قال لي ابن القصاب الصوفي البغدادي دخلنا جماعة إلى المارستان فرأينا فيه فتى مصابا شديد الهوس فولعنا به وزدنا في الولع فاتعبناه فصاح وقال انظر إلى شعور مطررة واجساد معطرة قد جعلوا الولع بضاعة والسخف صناعة جانبوا العلم راسا فقلنا له تحسن العلم نسالك فقال أي والله اني لاحسن علما جما فسلوني.

فقلت له من السخي في الحقيقة فقال الذي رزق امثالكم وانتم لا تساوون قوت يوم فضحكنا وقلنا من اقل الناس شكرا قال من عوفي من بليه فراها في غيره فترك العبرة والشكر إلى الطنز واللهو فكسر قلوبنا بذلك. فقال له آخر ما الظرف قال خلاف ما انتم عليه ثم بكى وقال يا رب ان لم ترد علي عقلي فرد علي يدي لعلي كنت اصفع واحداً من هؤلاء. فتركناه وانصرفنا.

ذكر المصطفيات من عابدات بغداد

ذكر المصطفيات من عابدات بغداد 360- جوهرة العابدة البراثية نَزَلْت بَراثاً مع زوجها أبي عبد الله البراثي. حكيم بن جعفر قال كانت جوهرة امرأة أبي عبد الله البراثي جارية لبعض الملوك فعتقت فخلعت الدنيا ولزمت أبا عبد الله البراثي فتزوج بها وتعبدت. أبو عبد الله البراثي قال قالت لي جوهرة يوما يا أبا عبد الله النساء يحلين في الجنة إذا دخلنها قلت نعم قال فصاحت صيحة غشي عليها فلما افاقت قلت ما هذا الذي اصابك قالت ذكرت حالي تلك وما كنت قد نلت من الدنيا فخشيت والله حرمان الآخرة. أبو عبد الله البراثي قال رات جوهرة في منامها خياما مضروبة فقالت لمن ضربت هذه الخيام فقيل للمجتهدين ب القرآن فكانت بعد ذلك لا تنام. عن أبي عبد الله البراثي قال كانت جوهرة تنبهني من الليل وتقول يا أبا عبد الله كاروان رفث معناه قد سارت القافلة. حكيم بن جعفر قال كنا ناتي أبا عبد الله بن أبي جعفر الزاهد وكان يسكن براثا وكانت له امرأة متعبدة يقال لها جوهرة وكان أبو عبد الله يجلس على جلة خوص بحرانية وجوهرة جالسة حذاءه على جلة آخرى مستقبلة القبلة في بيت واحد. قال فاتيناه يوما وهو جالس على الارض ليست الجلة تحته فقلنا يا أبا عد الله ما فعلت بالجلة التي كنت تقعد عليها قال ان جوهرة ايقظتني البارحة فقالت اليس يقال في الحديث ان الارض تقول لابن ادم تجعل بيني وبينك سترا وانت غدا في بطني قال قلت نعم قالت فأخرج هذه الجلال لا حاجة لنا فيها فقمت والله فأخرجتها.

زوجة أبي شعيب البراثي العابد

361- زوجة أبي شعيب البراثي العابد الجنيد بن محمد قال كان أبو شعيب البراثي اول من سكن براثا في كوخ يتعبد فيه فمرت بكوخه جارية من بنات الكبار من ابناء الدنيا كانت ربيت في قصور الملوك فنظرت الي أبي شعيب فاستحسنت حاله وما كان عليه فصارت كالاسير له فعزمت على التجرد من الدنيا والاتصال بابي شعيب.

فجاءت إليه قالت اريد ان اكون خادمة فقال لها ان اردت ذلك فغيري هيئت، وتجرّدي عما أنت فيه حتى تصلحي لما اردتِ. فتجردت عن كل ما تملكه ولبست لبسة النساك وحضرته فتزوجها. فلما دخلت الكوخ رات قطعةَ خِصافٍ كانت مجلس أبي شعيب تقيه من الندى فقالت ما أنا مقيمة فيه حتى تخرج ما تحتك لاني سمعتك تقول ان الارض تقول لابن ادم تجعل اليوم بيني وبينك حجابا وانت غدا في بطني فما كنت لاجعل بين وبينها حجاباً. فأخذ أبو شعيب الخصاف ورمى بها فمكثت معه سنين كثيرة يتعبدان أحسن عبادة وتوفيا على ذلك متعاونين. قال المؤلف قد ذكرنا عن جوهرة العابدة مثل هذه الحكاية وهذا قد اتفق لهاتين المرأتين فلا نظن ان الحكيتين واحدة.

أخوات بشر الحافي

362- اخوات بشر الحافي وهن ثلاث مُضغة، ومُخة، زبدة بنات الحارث، واكبرهن مضغة. قال السلمي اخوات بشر مخة وربذة ومضغة. وكانت زبدة تكنى ام علي. وكانت مضغة اخت بشر اكبر منه وماتت قبله وقيل لما ماتت مضغة توجع عليها بشر توجعا شديدا وبكي بكاء كثيرا فقيل له في ذلك فقال قرات في بعض الكتب ان العبد إذا قصر في خدمة ربه سلبه انيسه وهذه كانت انيستي من الدنيا. قال الخطيب وذكر إبراهيم الحربي ان بشرا قال هذا يوم ماتت أخته مخة والله اعلم. أبو عبد الله بن يوسف الجوهري قال سمعت بشر بن الحارث يوم ماتت أخته يقول ان العبد إذا قصر في طاعة الله عز وجل سلبه من يؤنسه. أبو عبد الله القحطبي قال كان لبشر اخت صوامة قوامة. غيلان القصائدي قال قال بشر بن الحارث تعلمت الورع من أختي فإنها كانت تجتهد الا تأكل ما للمخلوق فيه صنع. عبد الله بن احمد بن حنبل قال كنت مع أبي يوما من الايام في المنزل فدق داق الباب فقال لي أخرج فانظر من بالباب فخرجت فإذا امرأة فقالت لي استاذن لي على أبي عبد الله قال فاستاذنته قال اخلها.

قال فدخلت فسلمت عليه وقالت له يا أبا عبد الله أنا امرأة اغزل بالليل في السراج فربما طفئ السراج فأغزل في القصر فعلي أن أبين غزل القمر من غزل السراج؟ قال فقال لها ان كان عندك بينهما فرق فعليك ان تبيني ذلك قال قالت يا أبا عبد الله انين المريض شكوى قال ارجو الا يكون ولكنه اشتكاء إلى الله عزوجل. قال فودعته وخرجت فقال يا بني ما سمعت قط انسانا يسال عن مثل هذا اتبع هذه المرأة فانظر اين تدخل قال فاتبعتها فإذا قد دخلت إلى بيت بشر بن الحارث وإذا هي أخته قال فرجعت فقلت له فقال محال ان تكون مثل هذه الا اخت بشر. قال المصنف قلت هذه المراة التي سألت احمد هي مخة وقد نقلت عنها حكاية سميت فيها تشبه هذه الحكاية. عبد الله بن احمد بن حبنل ببغداد قال جاءت مخة اخت بشر بن الحارث إلى أبي فقالت اني امرأة راس مالي دانقان اشتري القطن فاغوزله وابيعه بنصف درهم فاتقوت بدانق من الجمعة فمر ابن طاهر الطائف ومعه مشعل فوقف يكلم اصحاب المسالح فاستغنمت ضوء المشعل فغزلت طاقات ثم غاب عني المشعل فعلمت ان لله في مطالبة فخلصني خلصك الله فقال لها تخرجين الدانقين ثم تبقين لا راس مال حتى يعوضك الله خيرا منه. قال عبد الله قلت لابي يا ابة لو قلت لها لو أخرجت الغزل الذي ادرجت فيه الطاقات فقال يا بني سؤالها لا يحتمل هذا التاويل ثم قال م هذه قلت مخة اخت بشر بن الحارث فقال من ها هنا اتيت. قرات بخط أبي علي الراذاني قال كانت مخة من بين اخوات بشر تقصد احمد بن حنبل وتساله عن الورع والتقشف وكان احمد يعجب بمسائلها. السلمي قال قالت زبدة اخت بشر اثقل شيء على العبد الذنوب واخفه عليه التوبة فما له يدفع اثفل شيء باخف شيء؟

امرأة عبد الله بن الفرج العابد

363- امرأة عبد الله بن الفرج العابد أبو بكر محمد بن الحسين الاجري قال بلغني ان عبد الله بن الفرج لما مات لم تعلم زوجته اخوانه بموته وهم جلوس بالباب ينتظرون الدخول عليه في علته فغسلته وكفنته في كساء له وأخذت فرد باب من أبواب بيته وجعلته فوقه وشدته بشريط ثم قالت لاخوانه قد مات وقد فرغت من جهازه. فدخلوا واحتملوه إلى قبره واغلقت الباب خلفهم.

ميمونة أخت إبراهيم ابن احمد الخواص لامه

364- ميمونة أخت إبراهيم ابن احمد الخواص لامه كانت تسلك مسلك أخيها إبراهيم في الزهد والتقلل والورع والتوكل. احمد بن سالم قال دق داق باب إبراهيم الخواص فقالت له أخته من تطلب فقال إبراهيم الخواص فقالت قد خرج فقال متى يرجع فقالت من روحه بيد غيره من يعلم متى يرجع؟

مؤمنة بنت بهلول

365- مؤمنة بنت بهلول عيسى بن اسحاق الانصاري قال سمعت مؤمنة بنت بهلول تقول ما النعيم الا في الانس بالله والموافقة لتدبيره.

أم عيسى بنت إبراهيم الحربي

366- ام عيسى بنت إبراهيم الحربي أبو بكر احمد بن علي بن ثابت ذكر لي ان ام عيسى بنت إبراهيم الحربي كانت فاضلة عالمة تفنى في الفقه ودفنت إلى جنب ابيها إبراهيم والسلام.

أمة الواحد بنت القاضي أبي عبد الله الحسين ابن اسماعيل المحاملي

367- أمة الواحد بنت القاضي أبي عبد الله الحسين ابن اسماعيل المحاملي أبو بكر البرقاني قال كانت بنت المحاملي تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة. أبو الحسن الدارقطني قال امة الواحد بنت الحسين بن اسماعيل بن محمد القاضي المحاملي سمعت اباها واسماعيل بن العباس الوراق وعبد الغافر بن سلامة الحمصي وابا الحسن المصري وحمزة الهاشمي الامام وغيرهم. وحفظت القرآن والفقه على مذهب الشافعي والفرائض وحسابها والنحو وغير ذلك من العلوم وكانت فاضلة في نفسها كثيرة الصدقة مسارعة في الخيرات وحدثت وكتب عنها الحديث. وتوفيت في رمضان من سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.

ذكر المصطفيات من العابدات البغداديات المجهولات الأسماء

ذكر المصطفيات من العابدات البغداديات المجهولات الأسماء 368- عابدة نوح الاسود قال رأيت امرأة تاتي أبا عبد الله البراثي فتجلس تسمع كلامه ولا تكاد تتكلم ولا تسال عن شيء فقلتت لها ذات يوم لا اراك يرحمك الله تتكلمين ولا تسالين عن شيء فقالت قليل الكلام خير من كثيره الا ماكان من ذكر الله والمنصت افهم للموعظة ولن ينصحك امرؤ لا ينصح نفسه وجملة الامر يا اخي ان اردت الله بطاعة ارادك الله برحمة وان سلكت سبيل المعرضين فلا تلم الا نفسك إذا صرت غدا في زمرة الخاسرين. قال ثم استبكت فقامت وسمعتها تعظ ابنها يوما وتقول: ويحك يا بني احذر بطالات الليل والنهار فتنقضي مهلات الاعمار وانت غير ناظر لنفسك ولا مستعد لسفرك ويحك يا بني ما من الجنة عوض ولا في ركوب المعاصي ثمن من حلول النار ويحك يا بني مهد لنفسك قبل ان يحال بينك وبين ذلك وجد قبل ان يجد الامر بك واحذر سطوات الدهر وكيد الملعون عند هجوم الدنيا بالفتن وتقلبها بالعبر فعند ذلك يهتم التقي كيفي ينجو من مصائبها. ثم قالت بؤسا لك يا بني ان عصيت الله وقد عرفته وعرفت احسانه واطعت ابليس وقد عرفته وعرفت طغيانه.

فقاموا معها حتى انتهوا إلى النهر فقالت اين غرق فقالوا ههنا فصاحت: ابني محمد فاجابها لبيك يا اماه فنزلت فأخذت بيده ومضت به إلى منزلها. قال غيلان فالتفت سري إلى الجنيد وقال أي شيء هذا فقال جنيد اقول بمقال سري قال ان المراة مراعية لما لله عز وجل عليها وحكم من كان مراعيا لما لله عز وجل عليه الا تحدث حالة حتى يعلم بذلك فلما لم تكن حادثة تعلمها بذلك فانكرت وقالت ان ربي عز وجل ما فعل هذا. 370- عابدة آخرى أبو الحسن البحراني صاحب إبراهيم الخواص قال سألت امرأة من المتعبدات إبراهيم الخواص عن تغير وجدته في قلبها وتغير وجدته في حالها فقال لها عليك بالتفقد فقالت قد تفقدت فما رأيت شيئا فاطرق الخواص ساعة ثم رفع راسه وقال اما تذكرين ليلة المشعل فقالت بلى فقال هذا التغير من ذلك. فبكت وقالت نعم كنت اغزل فوق السطح فانقطع خيطي فمر مشعل للسلطان فغزلت في ضوئه خيطا ثم ادخلت ذلك الخيط في غزل ونسجت منه قميصا ولبسته. ثم قامت إلى ناحية فنزعت القميص وقالت يا إبراهيم ان أنا بعته وتصدقت بثمنه يرجع قلبي إلى الصفاء فقال ان شاء الله تعالى ذلك. 371- عابدتان بغداديتان بلغني انه كان ببغداد رجل بزاز له ثروة فبينا هو في حانوته اقبلت إليه صبية فالتمست منه شيئا تشتريه فبينا هي تحادثه كشفت وجهها في خلال ذلك فتحير وقال قد والله تحيرت مما رأيت فقالت ما جئت لاشتري شيئا انما لي أيام اتردد إلى السوق ليقع بقلبي رجل اتزوجه وقد وقعت أنت بقلبي ولي مال فهل لك في التزوج بي فقال لها لي ابنة عم وهي زوجتي وقد عاهدتها الا غيرها ولي منها ولد فقالت قد رضيت ان تجيء الي في الاسبوع نوبتين فرضي وقام معها فعقد العقد ومضى إلى منزلها فدخل بها. ثم ذهب إلى منزله فقال لزوجته ان بعض اصدقائي قد سالني ان اكون الليلة عنده ومضى فبات عندها وكان يمضي كل يوم بعد الظهر اليها. فبقي على هذا ثمانية اشهر فانكرت ابنة عمه احواله فقالت لجارية لها إذا خرج فانظري اين يمضي فتبعته الجارية فجاء إلى الدكان فلما جاءت الظهر قام وتبعته الجارية وهو

لا يدري إلى ان دخل بيت تلك المراة فجاءت الجارية إلى الجيران فسالتهم لمن هذه الدار فقالوا لصبية قد تزوجت برجل تاجر بزاز. فعادت إلى سيدتها فاخبرتها فقالت لها اياك ان يعلم بهذا أحد ولم تظهر لزوجها شيئا. فأقام الرجل تمام السنة ثم مرض ومات وخلف ثمانية آلاف دينار فعمدت المرأة التي هي ابنة عمه إلى ما يستحقه الولد من التركة وهو سبعة آلاف دينار فأفردتها وقسمت الألف الباقية نصفين وتركت النصف في كيس وقالت للجارية خذي هذا الكيس واذهبي إلى بيت المرأة واعلميها أن الرجل مات وقد خلف ثمانمائة آلاف دينار وقد أخذ الابن سبعة آلاف بحقه وبقيت آلف فقسمتها بيني وبينك وهذا حقك وسلميه إليها. فمضت الجارية فطرقت عليها الباب ودخلت وأخبرتها خبر الرجل وحدثتها بموته وأعلمتها الحال فبكت وفتحت صندوقها وأخرجت منه رقعة وقالت للجارية: عودي إلى سيدتك وسلمي عليها عني واعلميها أن الرجل طلقني وكتب لي براءة وردي عليها هذا المال فإني ما استحق في تركته شيئا. فرجعت الجارية فأخبرتها بهذا الحديث. انتهى ذكر أهل بغداد. تم الجزء الأول من كتاب صفة الصفوة. والحمد لله.

المجلد الثاني

المجلد الثاني (تابع) ذكر المصطفين من التابعين ومن بعدهم على طبقاتهم في بلدانهم ذكر من اصطفى من أهل المدائن شعيب بن حرب ... ذكر من اصطفي من أهل المدائن 372 - شعيب بن حرب ويكنى أبا صالح. نزل المدائن واعتزل بها ثم خرج إلى مكة فنزلها إلى أن مات بها. ابن إسماعيل قال: ذهبنا إلى المدائن، إلى شعيب بن حرب، وكان قاعداً على شط دجلة، وكان قد بنى كوخاً، وخبز له معلق في شريط، ومطهرة يأخذ كل ليلة رغيفاً يبله في المطهرة ويأكله، فقال بيده هكذا، وإنما كان جلداً وعظماً. قال: فقال: أترى ههنا بعد لحماً، والله لأعملن في ذوبانه حتى أدخل القبر وأنا عظام تقعقع أريد السمن للدود والحيات؟ قال: فبلع أحمد بن حنبل قوله فقال: شعيب بن حرب حمل على نفسه الورع. السري بن المغلس السقطي قال: أربعة كانوا في الدنيا أعملوا أنفسهم في طلب الحلال، ولم يدخلوا أجوافهم إلا الحلال. فقيل له: من هم؟ قال: وهيب بن الورد، وشعيب بن حرب، ويوسف بن أسباط، وسليمان بن الخواص. عبد الله بن خبيق قال: سمعت شعيب بن حرب يقول: أكلت في عشرة أيام أكلة وشربت شربة. ابن عبد العزيز: عن شعيب بن حرب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فجئت فقال: أوسعوا له فإنه حافظ لكتاب الله عز وجل. إبراهيم بن عبد الملك قال: جاء رجل إلى شعيب بن حرب وهو بمكة فقال: ما جاء بك؟ قال جئت أؤنسك. قال: جئت تؤنسني وأنا أعالج الوحدة منذ أربعين سنة. الحسن بن صالح قال: سمعت شعيب بن حرب يقول: لا تجلس إلا مع أحد رجلين: رجل جلست إليه يعلمك خيراً فتقبل منه، أو رجل تعلمه خيراً فيقبل منك، والثالث: اهرب منه. أحمد بن الحواري قال: سمعت شعيب بن حرب يقول لرجل: إن دخلت القبر ومعك الإسلام فأبشر.

_ 372 - هو: شعيب بن حرب المدائني، أبو صالح، نزيل مكة، ثقة عابد، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين ومائة.

أحمد بن الفضل قال: رأيت شعيب بن حرب بمكة وعليه جبة صوف رقيقة نظيفة، وعليه إزار خفيف إلى الصفرة، وعمامة، وهو حاف وقد صفر لحيته على لون، ووجهه مصفر، وفي كمه دريهمات تكون مقدار ثلاثين درهماً، وقال: ما أصبحت أملك شيئاً من الدنيا أستطيبه إلا هذه، ورأيته بكى حتى رأيت دموعه تسيل على لحيته. وقال لي شعيب: أهدى لي رجل صديق لي سكرة واحدة فأنا أتحلى بها بعد عشائي منذ ثمان ليال. بشر بن الحارث قال: نزل على شعيب بن حرب أخ له يقال له عبدة. فلما نادوا بالنفير خرج عبدة فتبعه شعيب. فلما أراد مفارقته قال له شعيب: اجعلني في حل. قال: من أي شيء؟ قال: من أجل الأخوة فإني لم أقم بأخوتك. محمد بن عيسى قال: سمعت شعيب بن حرب يقول: من أراد الدنيا فليتهيأ للذل. عبد الوهاب قال: كان ههنا قوم خرجوا إلى المدائن، إلى شعيب بن حرب، فلما رجعوا إلى دورهم ولقد أقام بعضهم يستقي الماء، وكان شعيب يقول لبعضهم الذي يستقي الماء: لو رآك سفيان لقرت عينه. قال المروزي: وقلت لأبي عبد الله: أرويه عنك؟ فأجازه. أبو جعفر الحداد، عن شعيب بن حرب، أنه قال: لا تحقرن فلساً تطيع الله في كسبه، ليس الفلس يراد إنما الطاعة تراد، عسى أن تشتري به بقلاً فلا يستقر في جوفك حتى يغفر لك. محمد بن عبد الله البزاز قال شعيب بن حرب قال: لك أن تطين الحائط من الخارج وليس لك أن تجصصه، لعله يخرج في الطريق. وسمعت أبا عبد الله يقول: بلغني عن شعيب بن حرب أنه قال: لا تطين الحائط مما يلي السكة لعله أن يخرج في الطريق - ثم قال أبو عبد الله: لقد دقق شعيب رحمه الله. عبد الله بن أيوب المخزومي قال: قال شعيب بن الحرب: من طلب الرياسة ناطحته الكباش، ومن رضي أن يكون ذنباً أبى الله إلا أن يجعله رأساً. سمع شعيب بن حرب من شعبة، وسفيان الثوري، وزهير بن معاوية، في خلق كثير. وكان أحد المفردين بالزهد والتعبد وتوفي بمكة سنة سبع وتسعين ومائة.

ذكر المصطفين من أهل واسط

ذكر المصطفين من أهل واسط 373 - منصور بن زاذان مولى عبد الله بن أبي عقيل الثقفي. عن هشام بن حسان قال: كان منصور يأتي المسجد فيصلي ركعتين، ما بين المغرب والعشاء، يختم فيهما القرآن مرتين، ويبلغ من الثالثة إلى الطواسين وكانت عليه عمامة يجعلها كوراً كوراً يمسح بها دموعه، وإذا ابتلت وضعها بين يديه. قال المؤلف: قلت: هذه الرواية ليست بمحققة وإنما كان هذا الرجل يختم القرآن في الليل والنهار مرتين، مرة بعد المغرب والعشاء ومرة بالنهار. يدل على صحة هذا، عن هشام بن حسان قال: كنت أصلي أنا ومنصور ابن زاذان جميعاً، وكان يختم القرآن ما بين الظهر والعصر ويختم مابين المغرب والعشاء وكان يقوم إلى عمود فيصلي فيختم القرآن، وكان يبكي ويمسح بعمامته عينه فلا يزال يبلها كلها بدموعه ثم يلفها ويضعها بين يديه. صالح بن عمر قال: كان الحسن يقعد مع أصحابه ولا يقوم حتى يختم منصور بن زاذان القرآن. شيخ من أهل واسط يكنى أبا سعيد، وكان جاراً لمنصور بن زاذان، قال: رأيت منصوراً توضأ يوماً فلما فرغ دمعت عيناه ثم جعل يبكي حتى ارتفع صوته، قلت: رحمك الله ما شأنك؟ فقال: وأي شيء أعظم من شأني؟ إني أريد أن أقوم بين يدي من لا تأخذه سنة ولا نوم، فلعله أن يعرض عني! قال: فأبكاني والله بقوله. عمرو بن عون قال: سمعت هشيماً يقول: مكث منصور بن زاذان يصلي الفجر بوضوء عشاء الآخرة عشرين سنة. عن أبي عوانة قال: لو قيل لمنصور بن زاذان: إنك ميت اليوم أو غداً، ما كان عنده مزيد. قال هشيم: لو قيل لمنصور بن زاذان إن ملك الموت على الباب، ما كان عنده زيادة في العمل، وذلك أنه كان يخرج فيصلي الغداة في جماعة. ثم يجلس فيسبح حتى تطلع الشمس، ثم يصلي إلى الزوال، ثم يصلي الظهر، ثم يصلي إلى العصر، ثم يصلي العصر، ثم يجلس

_ 373 - هو: منصور بن زادان - بزاي وذال معجمة، الواسطي: أبو المغيرة الثقفي، ثقة ثبت عابد، من السادسة، مات سنة تسع وعشرين على الصحيح.

يسبح إلى المغرب، ثم يصلي المغرب، ثم يصلي العشاء ثم ينصرف إلى بيته فيكتب عنه في ذلك الوقت. عن أبي حمزة قال: رأيت جنازة منصور بن زاذان ورأيت الرجال على حدة، والنساء على حدة، واليهود على حدة، والنصارى على حدة. قال المؤلف: أرسل منصور الحديث عن أنس، وروى عن الحسن وابن سيرين وعطاء ونظرائهم، وكان قد تحول عن واسط فنزل المبارك على تسعة فراسخ من واسط وتوفي في الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة. وقيل سنة تسع وعشرين.

سيار بن دينار

374 - سيار بن دينار وقيل: ابن وردان، أبو الحكم العنبري. عن هشيم قال: دخلنا على سيار أبي الحكم وهو يبكي، فقلنا: ما يبكيك؟ قال: ما أبكى العابدين قبلي. أبو جعفر الآدمي قال: قال سيار أبو الحكم: الفرح بالدنيا والحزن بالآخرة لا يجتمعان في قلب عبد، إلا إذ سكن أحدهما القلب خرج الآخر. حسين بن زيادة قال: بعث بعض القضاة إلى سيار بواسط فأتاه فقال له: لم لا تجيء إلينا؟ فقال له: إن أنت أدنيتني فتنتني، وإن باعدتني غممتني، وليس عندك ما أرجوه ولا عندي ما أخافك عليه. ثم قام. عبد الحميد بن بيان قال: سمعت أبي يقول: خرج سيار إلى البصرة، فقام يصلي إلى سارية في المسجد الجامع، وكان حسن الصلاة، عليه ثياب جياد. فرآه مالك بن دينار فجلس إليه فسلم سيار، فقال له مالك: هذه الصلاة وهذه الثياب؟ فقال له سيار: هذه ترفعني عندك أو تضعني؟ فقال: تضعك. قال: هذا أردت. ثم قال له: يا مالك إني لأحسب ثوبيك هذين قد أنزلاك من نفسك ما لم ينزلك من الله. فبكى مالك وقال له: أنت سيار؟ قال: نعم. فعانقه - وفي رواية أخرى: فجاء مالك فقعد بين يديه. قال المصنف: يسند سيار عن طارق بن شهاب، ويقال إن طارقاً من أصحابه، وروي عن الشعبي، وأبي حازم، في نظراتهم.

_ 374 - هو: سيار أبو الحكم العنزي -بنون وزاي - وأبوه يكنى أبا سيار واسمه وردان، وقيل: ورد، وقيل: غير ذلك، هو أخو مساور الوراق لأمه، ثقة، وليس هو الذي يروي عن طارق بن شهاب، من السادسة، مات سنة اثنتين وعشرين.

المستسلم بن سعيد

375 - المستسلم بن سعيد أبو سعيد الثقفي الواسطي، ابن أخت منصور مولى يزيد بن هارون قال: مكث المستسلم بن سعيد أربعين سنة لا يضع جنبه إلى الأرض. قال: وسمعته يقول: لم أشرب الماء منذ خمسة وأربعين يوماً. وفي رواية أخرى، قال يزيد بن هارون: بت عند المستسلم بن سعيد، وكان لا يكاد ينام، إنما هو قائم وقاعد، وذكر أنه لم يضع جنبه منذ أربعين عاماً، فظننت أنه يعني بالليل، فقيل: ولا بالنهار.

_ 375 - هو: مستسلم بن سعيد الثقفي، الواسطي، صدوق عابد ربما وهم، من التاسعة. قال الشيخ شعيب: بل صدوق حشن الحديث، فقد وثقه أحمد بن حنبل، وقال النسائي وابن معين في رواية ابن محرز عنه: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما خالف ... التحرير 3/366.

هشيم بن بشير بن أبي خازم

376 - هشيم بن بشير بن أبي خازم واسم أبي خازم: القاسم بن دينار. ويكنى هشيم أبا معاوية السلمي، مولى لبني سليم. قال أبو إسحاق الحربي: كان هشيم رجلاً كان أبوه صاحب صحناة وكواميخ، يقال له بشير. وطلب ابنه هشيم الحديث فاشتهاه، وكان أبوه يمنعه. فكتب الحديث حتى جالس أبا شيبة القاضي، وكان يناظر أبا شيبة في الفقه، فمرض هشيم، فقال أبو شيبة: ما فعل ذلك الفتى الذي كان يجيء إلينا؟ قالوا: عليل. فقال: قوموا بنا حتى نعوده. فقام أهل المجلس جميعاً يعودونه حتى صاروا إلى منزل بشير، فدخلوا إلى هشيم فجاء رجل إلى بشير ويده في الصحناة فقال: الحق ابنك قد جاء القاضي يعوده. فجاء بشير والقاضي في داره. فلما خرج قال لابنه: يا بني قد كنت أمنعك من طلب الحديث فأما اليوم فلا، صار القاضي يجيء إلى بابي، متى أملت هذا. قال الحربي: وكان حفاظ الحديث أربعة، هشيم شيخهم، يزعمون أنه ما رئي له إلا دفتر واحد. عبد الله بن أحمد قال: سمعت أبي يقول: لزمت هشيماً أربع سنين، أو خمس سنين،

_ 376 - هو: هشيم، بالتصغير، ابن بشير، بوزن عظيم، ابن القاسم بن دينار السلمي، أبو معاوية بن أبي خازم - بمعجمتين - الواسطي، ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي من السابعة، مات سنة ثلاث وثمانين، وقد قارب الثمانين.

ما سألته عن شيء هيبة إلا مرتين. قال لي: وكان هشيم كثير التسبيح بين الحديث، يقول بين ذلك: لا إله إلا الله، يمد بها صوته. محمد بن حاتم المؤدب قال: قيل لهشيم، كم كنت تحفظ يا أبا معاوية؟ قال: كنت أحفظ في مجلس مائة ولو سئلت عنها بعد شهر لأجبت. نصر بن بسام وغيره من أصحابنا قالوا: أتينا أبا محفوظ معروفاً الكرخي فقال لنا: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقول لهشيم: "يا هشيم: جزاك الله عن أمتي خيرا"ً. قال ابن بسام: فقلت: يا أبا محفوظ أنت رأيته؟ قال: نعم، هشيم خير مما نظن، هشيم خير مما نظن، هشيم خير مما نظن رضي الله عن هشيم. عمرو بن عون قال: مكث هشيم يصلي الفجر بوضوء عشاء الآخرة، قبل أن يموت، عشر سنين. قال المؤلف: سمع هشيم من عمرو بن دينار، والزهري، ويونس بن عبيد، وأيوب السختياني، وابن عون، وخالد الحذاء، ومنصور بن زاذان، في خلق كثير. وروى عنه: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وشعبة، وابن المبارك، ويزيد بن هارون، في جماعة من الكبار. وانتقل عن واسط إلى بغداد فسكنها إلى إن مات بها وكان أبوه بشير طباخ الحجاج بن يوسف كان يعمل الكواميخ والصحناة. ومات هشيم في يوم الأربعاء، لعشر مضين من شعبان من سنة ثلاث وثمانين ومائة.

يزيد بن هارون

377 - يزيد بن هارون يكنى أبا خالد، مولى لبني سليم، وقيل أصله من بخارى. علي بن المديني قال: ما رأيت رجلاً قط أحفظ من يزيد بن هارون. قال أبو جعفر أحمد بن سنان: ما رأيت عالماً قط أحسن صلاة من يزيد بن هارون يقوم كأنه أسطوانة، وكان يصلي بين المغرب والعشاء والظهر والعصر لم يكن يفتر من صلاة الليل والنهار، هو وهشيم جميعاً معروفان بطول الصلاة بالليل والنهار.

_ 377 - هو: يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي ثقة متقن، عابد من التاسعة، مات سنة ست ومائتين وقد قارب التسعين.

عاصم بن علي قال: كان يزيد بن هارون إذا صلى العتمة لا يزال قائماً حتى يصلي الغداة بذلك الوضوء نيفاً وأربعين سنة. أبو جعفر محمد بن إسماعيل الصائغ بمكة قال: قال رجل ليزيد بن هارون: كم حزبك؟ فقال: وأنام من الليل شيئاً؟ إذاً لا أنام الله عيني. محمد بن الربيع بن الحكم قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: من طلب الرئاسة في غير أوانها حرمه الله إياها في أوانها. الحسن بن عرفة قال: رأيت يزيد بن هارون بواسط وهو أحسن الناس عينين، ثم رأيته بعين واحدة، ثم رأيته وقد ذهبت عيناه فقلت: يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان؟ فقال: ذهب بهما بكاء الأسحار. أبو نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال: كنت عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان، فقال أحدهما: يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له: يا أبا خالد ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وشفعني وعاتبني. قال: قلت غفر لك وشفعك قد عرفت، ففيم عاتبك؟ قال: قال لي يا يزيد أتحدث عن حريز بن عثمان؟ قال: قلت يا رب ما علمت إلا خيراً. قال: يا يزيد إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب. قال: وقال الآخر: وأنا رأيت يزيد بن هارون في المنام؟ فقلت له: هل أتاك منكر ونكير؟ قال: إي والله، وسألاني من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ قال: قلت: ألمثلي يقال هذا وأنا أعلم الناس هذا في دار الدنيا؟ فقالا لي: صدقت فنم نومة العروس لا بؤس عليك. حوثرة بن محمد المقري قال: رأيت يزيد بن هارون في المنام بعد موته بأربع ليال فقلت: ما فعل الله بك؟ تقبل مني الحسنات، وتجاوز عن السيئات، ووهب لي التبعات. قلت: وما كان بعد ذلك؟ قال: هل يكون من الكريم إلا الكرم؟ غفر لي ذنوبي وأدخلني الجنة. قلت: بم نلت؟ قال: بمجالس الذكر وقول الحق وصدقي في الحديث وطول قيامي في الصلاة وصبري على الفقر، قلت: منكر ونكير حق؟ قال: إي والله، والله الذي لا إله إلا هو لقد أقعداني وسألاني: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فجعلت أنفض لحيتي البيضاء من التراب. فقلت: مثلي يسأل؟ أنا يزيد بن هارون الواسطي، وكنت في دار الدنيا ستين سنة أعلم الناس.

فقال أحدهما: صدق، هو يزيد بن هارون، من نومة العروس ولا روعة عليك بعد اليوم. قال أحدهما: أكنت تكتب عن حريز بن عثمان؟ قلت: نعم وكان ثقة في الحديث. قال: ثقة ولكنه كان يبغض علياً، أبغضه الله تعالى. قال المؤلف: أسند يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وسليمان التميمي، وعاصم الأحوال، وحميد الطويل، وداود بن أبي هند، وعبد الله بن عون، وحسين المعلم في خلق كثير. وكان مولده ثمان عشرة ومائة. وتوفي في سنة ست ومائتين وهو ابن سبع أو ثمان وثمانين سنة. انتهى ذكر أهل واسط

ذكر المصطفين من أهل الكوفة من التابعين ومن بعدهم

ذكر المصطفين من أهل الكوفة من التابعين ومن بعدهم فمن الطبقة الأولى 378 - سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر يكنى أبا أمية. رحل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوصل إلى المدينة، وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصحب أبا بكر وعثمان وعلياً. وروى عنه الشعبي أنه قال: أنا أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنة. عن عمران بن مسلم قال: كان سويد بن غفلة إذا قيل له أعطي فلان وولي فلان، قال: حسبي كسرتي وملحي. عن عثمان بن عمران قال: قال سويد بن غفلة: لو استطعت أن أكون مؤذن الحي لفعلت. عن خثيمة عن سويد بن غفلة قال: إذا أراد أن ينسى أهل النار جعل لكل واحد منهم تابوتاً من نار على قدره ثم أقفل عليهم بأقفال من نار فلا يضرب فيهم عرق إلا وفيه مسمار من نار. ثم يجعل ذلك التابوت في تابوت آخر من نار، ثم يقفل عليه بأقفال من نار ثم تضرم بينهم نار ثم يجعل ذلك في تابوت آخر من نار ثم يقفل بأقفال من نار ثم تضرم نار فلا يرى أحد منهم أن في النار غيره. عن سويد بن غفلة قال: إن الملائكة تمشي أمام الجنازة وتقول: ما قدم؟ ويقول الناس: ما ترك؟ عن الوليد بن علي عن أبيه قال: كان سويد بن غفلة يؤمنا في شهر رمضان في القيام، وقد أتى عليه عشرون ومائة سنة. عن عاصم قال: تزوج سويد بن غفلة وهو ابن ستة عشرة ومائة سنة، وكان يمشي، يأتي الجمعة ماشياً.

_ 378 - هو: سويد بن غفلة - بفتح المعجمة والفاء - أبو أمية الجعفي، مخضرم من كبار التابعين، قدم المدينة يوم دفن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مسلما في حياته، ثم نزل الكوفة، ومات سنة ثمانين، وله مائة وثلاثون سنة.

حنش بن الحارث قال: رأيت سويد بن غفلة يمر بنا في المسجد إلى امرأة له من بني أسد وهو ابن سبع وعشرين ومائة سنة. عن عاصم بن كليب قال: تزوج سويد بن غفلة بكراً وهو ابن ست عشرة ومائة سنة وكان يمر بنا إلى الجمعة يمشي وهو ابن ست عشرة ومائة. قال المؤلف: أسند سويد عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وبلال وغيرهم. قال محمد بن سعد: مات سويد ابن ثمان وعشرين ومائة سنة في إحدى أو ثنتين وثمانين.

الأسود بن يزيد بن قيس بن عبد الله

379 - الأسود بن يزيد بن قيس بن عبد الله يكنى أبا عمرو، وهو ابن أخي علقمة بن قيس وهو أكبر من علقمة. عن منصور عن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في رمضان في ليلتين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان، في كل ست ليال. عن أبي إسحق قال: حج الأسود ثمانين من بين حج وعمرة. عن عبد الرحمن بن تروان الأودي قال: كان الأسود بن يزيد يجهد نفسه في الصوم والعبادة حتى يخضر جسده ويصفر: وكان علقمة يقول له: ويحك لم تعذب هذا الجسد؟ فيقول: إن الأمر جد، إن الأمر جد. عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم الأسود بن زيد. وكان يجتهد في العبادة، ويصوم حتى يصفر ويخضر. فلما احتضر بكى. فقيل له ما هذا الجزع؟ فقال: لا أجزع؟ ومن أحق بذلك مني؟ والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز وجل لأهمني الحياء منه بما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه ولا يزال مستحياً منه. قال: لقد حج الأسود ثمانين حجة. حنش بن الحارث قال: رأيت الأسود وقد ذهبت إحدى عينيه من الصوم، عمارة قال: ما كان الأسود إلا راهباً من الرهبان. عن الحكم قال: كان الأسود يصوم الدهر.

_ 379 - هو: الأٍود بن يزيد بن قيس النخعي، أبو عمرو أو أبو عبد الرحمن مخضرم، ثقة مكثر فقيه من الثانية، مات سنة أربع أو خمس وسبعين.

أسند الأسود عن أبي بكر وعلي وابن مسعود ومعاذ وأبي موسى وسلمان وعائشة ولم يورد عن عثمان شيئاً. وتوفي بالكوفة في سنة خمس وسبعين.

مسروق بن الأجدع بن مالك

380 - مسروق بن الأجدع بن مالك أبو عائشة الهمداني. سرق وهو صغير ثم وجد فسمي مسروقاً. وأسلم أبوه الأجدع. ولقي مسروقاً عمر بن الخطاب فقال له: ما اسمك؟ فقال: مسروق بن الأجدع. فقال الأجدع شيطان، أنت مسروق بن عبد الرحمن. فثبت ذلك عليه. عن مسروق قال: بحسب المؤمن من الجهل أن يعجب بعمله، وبحسب المؤمن من العلم أن يخشى الله. عن مسروق قال: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله عز وجل. عن إسماعيل بن أمية قال: قيل لمسروق: لو أنك قصرت عن بعض ما تصنع، أي من العبادة، فقال: والله لو أتاني آت فأخبرني أن الله لا يعذبني لاجتهدت في العبادة. قيل: وكيف ذلك؟ قال: حتى تعذرني نفسي إن دخلت جهنم لا ألومها، أما بلغك في قوله عز وجل: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} إنما لاموا أنفسهم حين صاروا إلى جهنم واعتقبتهم الزبانية وحيل بينهم وبين ما يشتهون، وانقطعت عنهم الأماني ورفعت عنهم الرحمة وأقبل كل امرئ منهم يلوم نفسه. عن أبي إسحاق قال: حج مسروق فلم ينم إلا ساجداً على وجهه حتى رجع. عن أنس وابن سيرين: أن امرأة مسروق قالت: كان يصلي حتى تورم قدماه، فربما جلست خلفه أبكي مما أراه يصنع بنفسه. عن إبراهيم قال: كان مسروق يرخي الستر بينه وبين أهله ثم يقبل على صلاته ويخليهم ودنياهم. عن مسلم وغيره، عن مسروق قال: إني أحسن ما أكون ظناً حين يقول الخادم: ليس في البيت قفيز ولا درهم.

_ 380 - هو: مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي، أبو عائشة الكوفي، ثقة فقيه، عابد، مخضرم، من الثانية مات سنة اثنتين، ويقال: سنة ثلاث وستين.

عن مسلم عن مسروق قال: إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها، يتذكر ذنوبه يستغفر منها. عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم مسروق بن الأجدع، فإن امرأته قالت: ما كان يوجد إلا وساقاه قد انتفختا من طول الصلاة فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع وإنما هي ساعة ولا أدري أين يسلك بي؟ بين يدي طريقان لا أدري إلى الجنة أم إلى النار؟. عن الشعبي قال: غشي على مسروق في يوم صائف وهو صائم، فقالت له ابنته: أفطر قال: ما أردت بي؟ قالت: الرفق. قال: يا بنية إنما أطلب الرفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. أسند مسروق عن عمر وعلي وابن مسعود وخباب وزيد بن ثابت والمغيرة وعبد الله بن عمرو وعائشة ولم يسند عن عثمان شيئاً ولكنه قد رآه ورأى أبا بكر أيضاً، وكان علي بن المديني يقول: لا أقدم على مسروق أحداً من أصحاب ابن مسعود. ومات مسروق بالكوفة في سنة ثلاث وستين - والسلام.

علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي

381 - علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي يكنى أبا شبل، هو عم الأسود بن يزيد وخال إبراهيم التيمي. قال أبو ظبيان: أدركت ما شاء الله من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألون علقمة ويستفتونه. عن إبراهيم عن علقمة قال: كان عبد الله يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته وكان علقمة يشبه بعبد الله. قال مرة بن شراحيل: كان علقمة من الربانيين. عن إبراهيم قال: كان علقمة يختم القرآن في كل خمس. عن المسيب بن رافع قال: قيل لعلقمة: لو جلست فأقرأت الناس القرآن وحدثتهم قال: أكده أن توطأ عقبي وأن يقال: هذا علقمة، وكان يكون في بيته يعلف غنمه ويقت لهن. عن مالك بن الحارث قال: قيل لعلقمة: ألا تخرج فتحدث الناس؟ قال: أخرج؟ يتبعون

_ 381 - هو: علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي، الكوفي، ثقة ثبت فقيه عابد، من الثانية، مات بعد الستين، وقيل: بعد السبعين.

عقبي ويقولون: هذا علقمة. قالوا: أفلا تدخل على السلطان فتنتفع؟ قال: إني لا أصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من ديني مثله. ولا تؤذنوا بي أحداً وأغلقوا الباب ولا تتبعني امرأة ولا تتبعوني بنار، وإن استطعتم أن يكون آخر كلامي لا إله إلا الله. قال المؤلف: أسند علقمة عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وحذيفة وأبي موسى وخباب بن الأرت وسلمان وأبي مسعود وعائشة. وتوفي بالكوفة سنة إحدى وستين، وقيل سنة اثنتين وستين، وقيل ثلاث وستين، وقيل اثنتين وسبعين، وقيل ثلاث وسبعين، وله تسعون سنة - رحمه الله.

شقيق بن سلمة الأسدي

382 - شقيق بن سلمة الأسدي يكنى أبا وائل. عن عاصم أن أبا وائل كان له خص من قصب، وكان يكون فيه هو وفرسه فإذا غزا نقضه وتصدق به وإذا رجع أنشأ بناءه. عن عاصم قال: ما رأيت أبا وائل يلتفت في صلاة ولا في غيرها قط. عن إبراهيم قال: ما من قرية إلا وفيها من يدفع عن أهلها به، وإني لأرجو أن يكون أبو وائل منهم. سعيد بن صالح قال: رأيت أبا وائل يسمع النوح ويبكي. عن الأعمش، عن أبي وائل قال: إن أهل بيت يضعون على مائدتهم رغيفاً حلالاً لأهل بيت غرباء. عن مغيرة قال: كان إبراهيم التيمي يذكر في منزل أبي وائل، فكان أبو وائل ينتفض انتفاض الطير. عن عاصم قال: كان أبو وائل إذا خلا يسبح، ولو جعلت له الدنيا على أن يفعل ذلك وأحد يراه لم يفعل. عمرو بن قيس قال: كان شقيق بن سلمة يدخل المسجد يصلي ثم ينشج كما تنشج المرأة. عن عاصم بن أبي النجود قال: كان عطاء أبي وائل ألفين فإذا خرج أمسك ما يكفي أهله

_ 382 - هو: شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفي، ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة.

سنة وتصدق بما سوى ذلك. عن عاصم قال: سمعت شقيق بن سلمة يقول وهو ساجد: رب اغفر لي رب اعف عني، إن تعف عني تطولاً من فضلك، وإن تعذبني تعذبني غير ظالم لي. قال: ثم يبكي حتى أسمع نحيبه من وراء المسجد. قال المؤلف: أدرك أبو وائل زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، وسمع عن عمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وعمارة وخباب وأبي موسى وأسامة بن يزيد، وحذيفة وابن عمر وأبي مسعود وسلمان وأبي الدرداء والبراء والمغيرة بن شعبة وأبي هريرة، وجرير وكعب بن عجرة وسهل بن حنيف وقيس بن أبي غرزة وابن عباس وابن الزبير وعائشة وأم سلمة. قال سعيد بن صالح: كان أبو وائل يؤم جنائزنا وهو ابن مائة وخمسين سنة. قال الفضل بن دكين: توفي أبو وائل في زمن الحجاج بعد الجماجم.

زيد بن وهب الجهني

383 - زيد بن وهب الجهني أحد بني حسل بن نصر بن مالك، يكنى أبا سليمان عبد الله بن داود قال: خبرتنا مولاة لزيد بن وهب قالت: كان زيد قد أثر الرحل بوجهه من الحج والعمرة. قال المصنف: رحل زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد في الطريق، وروى عن عمر وعلي وابن مسعود وكبار الصحابة وتوفي بعد الجماجم.

_ 383 - هو: زيد بن وهب الجهني، أبو سليمان الكوفي، مخضرم، ثقة جليل لخم يصب من قال: في حديثه خلل، مات بعد الثمانين، وقيل: سنة ست وتسعين. الذي قال ذلك هو يعقوب بن سفيان الفسوي، وتعقبه الذهبي في الميزان تعقبا جيدا، التحرير 1/437.

يزيد بن شريك التميمي

384 - يزيد بن شريك التميمي وهو أبو إبراهيم. عن ليث بن أبي سليم، عن إبراهيم التميمي عن أبيه قال: قدمت البصرة فربحت فيها عشرين ألفاً، فما أكثرت بها فرحاً، وما أريد أن أعود إليها لأني سمعت أبا ذر يقول: إن صاحب الدرهم يوم القيامة أخف من صاحب الدرهمين. عن الأعمش، عن إبراهيم التميمي، عن أبيه أنه خرج إلى البصرة فاشترى رقيقاً بأربعة آلاف، ثم باعهم فربح أربعة آلاف. فقلت يا أبت لو أنك عدت إلى البصرة فاشتريت مثل هؤلاء

_ 384 - هو: يزيد بن شريك التميمي، وهو أبو إبراهيم، العابد المشهور انظر حلية الأولياء 4/234.

فربحت فيهم. فقال: يا بني لم تقول هذا؟ فوالله ما فرحت بها حين أصبتها ولا أحدث نفسي أن أرجع فأصيب مثلها، روى يزيد عن عمر وعلي وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود، في خلق كثير.

زر بن حبيش الأسدي

385 - زر بن حبيش الأسدي يكنى أبا مريم. عن عاصم بن أبي النجود قال: أدركت أقواماً كانوا يتخذون هذا الليل جملاً، منهم: زر، وأبو وائل. عن سويد الكلبي أن زر بن حبيش كتب إلى عبد الملك بن مروان كتاباً يعظه فيه، فكان في آخر كتابه: ولا يطعمنك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحة بدنك، فأنت أعلم بنفسك، واذكر ما تكلم به الأولون. إذا الرجال ولدت أولادها ... وبليت من كبر أسجادها وجعلت أسقامها تعتادها ... فذلك زروع قد دنا حصادها فلما قرأ الكتاب بكى حتى بل طرف ثوبه، ثم قال: صدق زر ولو كتب إلينا بغير هذا كان أرفق. عن إسماعيل بن أبي خالد قال: افتض زر بن حبيش جارية وهو ابن عشرين ومائة سنة. قال المؤلف: أسند زر عن عمر وعلي وابن عوف وابن مسعود وأبي بن كعب وحذيفة وصفوان بن عسال. وتوفي وهو ابن اثنتين وعشرين ومائة.

_ 385 - هو: زر بكسر أوله وتشديد الراء - ابن حبيش - بمهملة وموحدة ومعجمة -مصغر، ابن حباشة - بضم المهملة بعدها موحدة ثم معجمة الأسدي، الكوفي، أبو مريم، ثقة جليل مخضرم، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وثمانين، وهو ابن مائة وسبع وعشرين.

عمرو بن شرحبيل، أبو ميسرة

386 - عمرو بن شرحبيل، أبو ميسرة عن زبيد سمعت أبا وائل يقول: ما رأيت همدانياً أحب إلي أن أكون في مسلاخه من أبي ميسرة قيل: ولا مسروق؟ قال: ولا مسروق. عن فضيل بن غزوان، عن امرأة عمرو بن شرحبيل قالت: كان عمرو إذا آوى إلى فراشه قال: وددت أني لم أك شيئاً قط. قال المؤلف: أسند عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وخباب بن الأرت وغيرهم. والسلام.

_ 386 - هو: عمرو بن شرحبيل الهمداني، أبو ميسرة الكوفي، ثقة عابد، مخضرم مات سنة ثلاث وستين.

عبد الله بن أبي الهذيل

387 - عبد الله بن أبي الهذيل يكنى أبا المغيرة. عن أبي فروة: كنا نجالس عبد الله بن أبي الهذيل، فإذا جاء إنسان فألقى حديثاً من حديث الناس قال: يا عبد الله ليس لهذا جلسنا. عن خالد أبي سنان قال: شكا عبد الله بن أبي الهذيل يوماً من ذنوبه، فقال له رجل: يا أبا المغيرة أو لست التقي النقي؟ فقال: اللهم إن عبدك هذا أراد أن يتقرب إلي وإني أشهدك على مقته. عن العوام بن حوشب عن ابن أبي الهذيل قال: لقد شغلت النار من يعقل عن ذكر الجنة. عن العوام بن حوشب قال: ما رأيت ابن أبي الهذيل إلا وكأنه مذعور. قال المؤلف: أسند عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي بكر وعمر وعلي وعبد الله بن مسعود، إلا أنه أرسل الحديث عنهم وسمع من عمار وخباب بن الأرت وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وجرير وابن عباس وعبد الرحمن بن أبزي.

_ 387 - هو: عبد الله بن أبي الهذيل الكوفي، أبو المغيرة، ثقة، من الثانية، مات في خلافة خالد القشري على العراق.

مرة بن شراحيل الهمداني

388 - مرة بن شراحيل الهمداني ويقال له مرة الطبيب، سمي بذلك لعبادته. حصين قال: أتينا مرة بن شراحيل الطبيب نسأل عنه فقالوا: إنه في غرفة له قد تعبد اثنتي عشرة سنة. فدخلنا عليه. عن زبيد اليامي قال: كان مرة الهمداني يصلي في اليوم والليلة ستمائة ركعة. عن عطاء بن السائب قال: كان مرة يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة فلما ثقل وبدن صلى أربعمائة ركعة وكنت أنظر إلى مباركه كأنها مبارك الإبل. العلاء بن عبد الكريم الأيامي قال: كنا نأتي مرة الهمداني فيخرج إلينا فنرى أثر السجود في جبهته وكفيه وركبتيه وقدميه، فيجلس معنا هنية ثم يقوم قائماً فإنما هو ركوع وسجود. قال المؤلف: أسند مرة عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وغيرهم.

_ 388 - هو: مرة بن شراحبيل الهمداني، يسكون الميم، أبو إسماعيل الكوفي، هو الذي يقال له: مرة الطبيب، ثقة عابد من الثانية، مات سنة ست وسبعين وقيل بعد ذلك.

الحارث الغنوي قال: سجد مرة الهمداني، حتى أكل التراب جبهته، فلما مات رآه رجل من أهله في منامه كأن موضع سجوده كهيئة الكوكب الدري يلمع قال: فقلت له: ما هذا الذي أرى بوجهك؟ قال كسي موضع السجود، بأكل التراب له نوراً. قال: فما منزلتك في الآخرة؟ قال: خير منزلة، دار لا ينقل عنها أهلها ولا يموتون.

عمرو بن ميمون الأودي

389 - عمرو بن ميمون الأودي عن أبي إسحاق قال: كان عمرو بن ميمون إذا دخل المسجد فرئي ذكر الله عز وجل. عن أبي إسحاق أن عمرو بن ميمون حج مائة حجة وعمرة، كذا رواه إسرائيل ورواه شعبة عن أبي إسحاق أنه حج ستين حجة وعمرة. قال أبو المليح: قال عمرو بن ميمون ما يسرني أن أمري يوم القيامة إلى أبوي. قال المصنف: أسند عمرو عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي أيوب وأبي مسعود عقبة بن عمرو، وعبد الله بن عمرو، وأبي هريرة وابن العباس، وآخرين، توفي سنة أربع أو خمس وسبعين، في أول خلافة عبد الملك.

_ 389 - هو: عمرو بن ميمون الأودي، أبو عبد الله، ويقال: أبو يحي، مخضرم مشهور، ثقة عابد، نزل بالكوفة، مات سنة أربع وسبعين، وقيل بعدها.

همام بن الحارث النخعي

390 - همام بن الحارث النخعي عن إبراهيم، عن همام بن الحارث أنه كان يدعو: اللهم اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهراً في طاعتك، وكان لا ينام إلا هنية وهو قاعد. عن إبراهيم قال: أصبح همام مترجلاً فقال بعض القوم: إن جمة همام لتخبركم أنه لم يتوسدها الليلة. عن الأعمش قال: كانوا يأتون همام بن الحارث يتعلمون في هديه وسمته. قال المؤلف: أسند همام عن عمر وابن مسعود وحذيفة وأبي مسعود وأبي الدرداء وعدي بن حاتم وجرير وعائشة. وتوفي بالكوفة في ولاية الحجاج.

_ 390 - هو: همام بن الحارث بن قيس النخعي، الكوفي، ثقة عابد، من الثانية مات سنة خمس وستين.

ربعي بن حراش بن جحش الغطفاني

391 - ربعي بن حراش بن جحش الغطفاني عبد الله العجلي قال: حدثني أبي قال: إن ربعي بن حراش لم يكذب كذبة قط وكان له

_ 391 - هو: ربعي بن حراش، بكسر المهملة وآخره معجمة، أبو مريم العبسي، الكوفي، ثقة عابد، مخضرم، من الثانية، مات سنة مائة وقيل غير ذلك.

ابنان عاصيان على الحجاج، فقيل للحجاج: إن أباهما لم يكذب كذبة قط، لو أرسلت إليه فسألته عنهما. قال: أين ابناك؟ قال: هما في البيت. قال: قد عفونا عنهما بصدقك. عن الحارث الغنوي قال: آلى ربعي بن حراش أن لا يضحك حتى يعلم في الجنة هو أو في النار؟ قال الحارث الغنوي: فلقد أخبرني غاسله أنه لم يزل مبتسماً على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا من غسله. قال المؤلف: أسند ربعي عن عمر وعلي وحذيفة وأبي بكر وعمران بن حصين. قال أبو نعيم، الفضل بن دكين: وتوفي سنة إحدى ومائة. وقال المدائني: سنة أربع ومائة، وكذلك قال يحيى بن معين.

أخو ربعي بن حراش

392 - أخو ربعي بن حراش ولم يسم لنا. عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش قال: كنا إخوة ثلاثة، وكان أعبدنا وأصومنا وأفضلنا الأوسط منا. فغبت غيبة إلى السواد. ثم قدمت على أهلي فقالوا: أدرك أخاك فإنه في الموت. فخرجت أسعى إليه فانتهيت إليه وقد قضى وسجي بثوب، فقعدت عند رأسه أبكيه، فرفع يده فكشف الثوب عن وجهه وقال: السلام عليكم. قلت: أي أخي أحياة بعد موت؟ قال: نعم. إني لقيت ربي فلقيني بروح وريحان، ورب غير غضبان، وأنه كساني ثياباً خضراً من سندس وإستبرق، وإني وجدت الأمر أيسر مما تحسبون، ثلاثاً، وإني لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقسم أن لا أبرح حتى آتيه. فعجلوا جهازي. ثم طفئ، فكأنه أسرع من حصاة لو ألقيت في ماء.

زياد بن حدير الأسدي

393 - زياد بن حدير الأسدي يكنى أبا المغيرة وقيل أبا عبد الرحمن. عن حفص بن حميد قال: كان الرجل يأتي زياد بن حدير فيقول له: إني أريد رستاق كذا وكذا. فيقول له: اقطع طريقك بذكر الله، عن أبي صخرة عن زياد بن حدير قال: وددت أني في حيز من حديد معي فيه ما يصلحني لا أكلم الناس ولا يكلموني حتى ألقى الله. روى زياد عن علي وعمر وابن مسعود.

_ 393 - هو: زياد بن حدير، بمهملة مصغر، الأسدي، وله ذكر في الصحيح ثقة عابد من الثانية.

شريح بن الحارث بن قيس القاضي

394 - شريح بن الحارث بن قيس القاضي يكنى أبا أمية ولاه عمر الكوفة. عن ابن عون، عن إبراهيم عن شريح، قال: سيعلم الظالمون حظ من نقصوا، إن الظالم ينتظر العقاب والمظلوم ينتظر النصر. عن ابن سيرين قال: سمعت شريحاً يحلف بالله ما ترك عبد شيئاً لله فوجد فقده قال ابن سيرين: ولا أرى شريحاً حلف إلا على علم. عن الأعمش قال: اشتكى شريح رجله فطلاها بالعسل وجلس في الشمس، فدخل عليه عواده فقالوا: كيف تجدك؟ قال: صالحاً. فقالوا: ألا أريتها الطبيب؟ فقال: قد فعلت. فقالوا: فما قال لك؟ قال: وعد خيراً. عن إبراهيم عن شريح أنه قضى على رجل باعترافه، فقال: يا أبا أمية قضيت علي بغير بينة فقال: أخبرني ابن أخت خالك عن ميسرة عن شريح أنه افتقد ابناً له، فبعث في طلبه فقال لطالبه: أين أصبته؟ فقال: كان يهارش بالكلاب، فقال: صليت؟ قال: لا. فقال للرسول: اذهب به إلى المؤدب وقال: ترك الصلاة لأكلب يسعى لها ... طلب الهراش مع الغواة النجس فإذا أتاك فعضه بملامة ... وعظنه موعظة الأديب الكيس وإذا هممت بضربه فبدرة ... وإذا ضربت بها ثلاثاً فاحبس واعلم بأنك ما أتيت فنفسه ... مع ما يجرعني، أعز الأنفس عن عامر: أن ابناً لشريح قال لأبيه: بيني وبين قوم خصومة فانظر فإن كان الحق لي خاصمتهم وإن لم يكن لي الحق لم أخاصمهم، فقص قصته عليه فقال: انطلق فخاصمهم فانطلق إليهم فخاصمهم إليه فقضى على ابنه. فقال له لما رجع إلى أهله: والله لو لم أتقدم إليك لم ألمك، فضحتني. فقال: والله يا بني لأنت أحب إلي من ملء الأرض مثلهم، ولكن الله هو أعز علي منك، أن أخبرك أن القضاء عليك فتصالحهم فتذهب ببعض حقهم. عن الشعبي قال: شهدت شريحاً وجاءته امرأة تخاصم رجلاً فأرسلت عينيها وبكت

_ 394 - هو: شريح بن الحارث بن قيس الكوفي، النخعي، القاضي، أبو أمية مخضرم ثقة، وقيل: له صحبة، مات قبل الثمانين أو بعدها وله مائة وثمان سنين أو أكثر، يقال: حكم سبعين ينة.

فقلت: يا أبا أمية ما أظنها إلا مظلومة. فقال: يا شعبي إن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون. عن الأعمش قال: سمعتهم يذكرون عن شريح أنه رأى جيراناً له يجولون فقال: ما لكم؟ قالوا: فرغنا اليوم فقال: ما بهذا أمر الفارغ. عن أبي حيان التيمي قال: أنا أبي قال: كان شريح إذا مات لأهله سنور أمر بها فألقيت في جوف داره ولم يكن لها مثقب شارع إلا في جوف داره اتقاء لأذى المسلمين. قال أبو نعيم: خرج شريح من عند زياد فلقيه رجل فقال: كبرت سنك ورق عظمك وارتشى ابنك. قال: فرجع إليه فأخبره فقال: من قال لك؟ قال: لا أعرفه فأعفني. قال: لا أعفيك حتى تشير علي برجل. فأشار عليه بأبي بردة فولاه القضاء. قال المؤلف: أسند شريح عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهما. وتوفي سنة ست وسبعين وقيل ثمان وسبعين، وقد بلغ ماية وثمان سنين.

شبيل بن عوف بن أبي حية

395 - شبيل بن عوف بن أبي حية أبو الطفيل الأحمسي من بجيلة أدرك الجاهلية. عن إسماعيل بن أبي خالد، عن شبيل بن عوف قال: ما اغبرت رجلاي في طلب دنيا قط. قال المؤلف: شبيل عن عمر بن الخطاب وزيد بن أرقم وغيرهما.

_ 395 - هو: شبيل بن عوف بن أبي حية أبو الطفيل، الأحمس، ويقال: شبل، بغير تصغير، مخضرم، ثقة، لم تصح صحبته، شهد القادسية.

سويد بن شعبة اليربوعي

396 - سويد بن شعبة اليربوعي من بني تميم وكان من الذين اختطوا الكوفة أيام عمر بن الخطاب. عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال: دخلت على سويد بن شعبة، وكان من أصحاب الخطط الذين خط لهم عمر بن الخطاب بالكوفة فإذا هو منكب على وجهه مسجى بثوب، فلولا أن امرأته قالت: أهلي فداؤك، ما نطعمك؟ ما نسقيك؟ ما ظننت أن تحت الثوب شيئاً - فلما رآني قال: يا ابن أخي دبرت الحراقف والصلب فما من ضجعة غير ما ترى، والله ما أحب أني نقصت منه قلامة ظفر. قال الأصمعي: الحرقفة: مجتمع رأس الورك ورأس الفخذين.

معضد بن يزيد العجلي

397 - معضد بن يزيد العجلي يكنى أبا ذر. عن بلال بن سعد عن معضد قال: لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وطول ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله عز وجل، ما باليت أن أكون يعسوباً. عن إبراهيم، عن همام قال: انتهيت إلى معضد وهو ساجد، فأتيته وهو يقول: اللهم اشفني من النوم باليسير. ثم مضى في صلاته. قال المؤلف: لم يحفظ لمعضد حديث مسند، وإنما كان مشغولاً بالتعبد.

_ 397 - هو: معضد بن يزيد العجلي، يكنى أبا ذر، المتعبد المجتهد، الشهاد المستشهد، رحمه الله حلية الأولياء 4/174.

أويس بن عامر بن جرير بن مالك القرني

398 - أويس بن عامر بن جرير بن مالك القرني وقال علقمة بن مرثد: أويس بن أنيس: وقيل أويس بن الحليس. عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد أهل اليمن سألهم: هل فيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مراد ثم قرن؟ قال: نعم. قال: كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال نعم قال: لك والدة؟ قال نعم. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، وله والدة هو بها بار لو أقسم على الله عز وجل لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" فاستغفر لي، فاستغفر له. فقال عمر رضي الله عنه ورحمه الله: أين تريد؟ قال: الكوفة. فقال: ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصي بك قال: لأن أكون في غبر الناس أحب إلي. قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس: كيف تركته؟ قال: تركته رث الهيئة قليل المتاع. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليك أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ إلا موضع

_ 398 - هو: أويس بن عامر القرني - بفتح القاف والراء بعدها نون - سيد التابعين، روى له مسلم من كلامه، مخضرم، قتل بصفين.

درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله عز وجل لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل". فلما قدم الكوفة أتى أويساً فقال: استغفر لي. فقال: أنت أحدث عهداً بسفر صالح، فاستغفر لي، لقيت عمر؟ قال: نعم. فاستغفر له. ففطن له الناس فانطلق على وجهه. قال أسير: وكسوته برداً فكان إذا رآه إنسان عليه قال: من أين لأويس هذا البرد؟ انفرد بإخراج هذا الحديث مسلم. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء الشعثة رؤوسهم المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا ". قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال: "ذاك أويس القرني". قالوا: وما أويس القرني؟ قال: "أشهل ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين معتدل القامة آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه إلى صدره، رام ببصره إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله يتلو القرآن، يبكي على نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له متزر بإزار صوف ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض، معروف في السماء، لو أقسم على الله لأبر قسمه، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، ويقال لأويس قف فاشفع، فيشفعه الله عز وجل في مثل ربيعة ومضر. يا عمر، يا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما يغفر الله لكما". قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه. فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من اليمن أفيكم أويس؟ فقام شيخ كبير طويل اللحية فقال: إنا لا ندري ما أويس؟ ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعى إبلنا، حقير بين أظهرنا. فعمى عليه عمر كأنه لا يريده وقال: ابن أخيك هذا أبحر منا هو! قال نعم. قال: أين يصاب؟ قال: أراك عرفات. قال: فركب عمر وعلي سراعاً إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله

ترعى. فشدا خماريهما ثم أقبلا إليه فقالا: السلام عليك ورحمة الله فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله. قالا: من الرجل؟ قال: راعي إبل وأجير قوم. قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا عن الإجارة ما اسمك؟ قال: عبد الله. قالا: قد علمنا أن أهل السموات والأرض كلهم عبيد الله ما اسمك الذي سمتك أمك؟ قال: يا هذان ما تريدان إلي؟ قالا: وصف لنا محمد صلى الله عليه وسلم أويساً القرني فقد عرفنا الصهوبة والشهولة وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا، فإن كانت بك فأنت هو. فأوضح منكبه فإذا اللمعة فابتدراه يقبلانه وقالا: نشهد أنك أويس القرني. فاستغفر لنا يغفر الله لك. قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم ولكنه في البر والبحر من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما؟ قال علي عليه السلام: أما هذا فعمر أمير المؤمنين، وأما أنا فعلي بن أبي طالب فاستوى أويس قائماً وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وأنت يا علي بن أبي طالب، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً. قالا: وأنت فجزاك الله عن نفسك خيراً. فقال له عمر: مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي، هذا المكان ميعاد بيني وبينك. قال ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم، فعرفني ما أصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة؟ أما ترى علي إزاراً من صوف ورداء من صوف؟ متى تراني أخرقهما؟ أما ترى أن نعلي مخصوفتان؟ متى تراني أبليهما؟ إني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويديك عقبة كؤوداً لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول فأخفف رحمك الله. فلما سمع عمر ذلك ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت عمر لم تلده أمه، يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حملها، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟ ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا. فولى عمر ناحية مكة وساق أويس إبله فوافى القوم بإبلهم وخلى عن الرعاية وأقبل على العبادة حتى لحق بالله عز وجل. عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية منهم أويس القرني، ظن أهله أنه مجنون فبنوا له بيتاً على باب دارهم، فكانت تأتي عليه السنة والسنون لا يرون له وجهاً، وكان طعامه مما يلتقط من النوى فإذا أمسى باعه لإفطاره فإن أصاب حشفة حبسها لإفطاره.

فلما ولي عمر بن الخطاب قال بالموسم: أيها الناس قوموا. فقاموا. فقال: اجلسوا، إلا من كان من اليمين: فجلسوا فقال: اجلسوا إلا من كان من مراد. فجلسوا. فقال: إلا من كان من قرن. فجلسوا إلا رجلاً، وكان عم أويس القرني. فقال له عمر: أقرني أنت؟ قال: نعم، قال: أتعرف أويساً؟ قال: وما تسأل عن ذلك يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما فينا أحمق ولا أجن ولا أحوج منه. فبكى عمر ثم قال: بك لا به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يدخل الجنة بشفاعته مثل ربيعة ومضر". قال هرم بن حيان: فلما بلغني ذلك قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا طلبه، حتى سقطت عليه جالساً على شاطئ الفرات نصف النهار، يتوضأ. فعرفته بالنعت الذي نعت لي: فإذا رجل نحيل آدم شديد الأدمة أشعث محلوق الرأس مهيب المنظر، فسلمت عليه فرد علي ونظر إلي، ومددت يدي لأصافحه فأبى أن يصافحني، فقلت: رحمك الله يا أويس وغفر لك، كيف أنت؟ وخنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي عليه، لما رأيت من حاله، حتى بكيت وبكى. قال: وأنت، فحياك الله يا هرم بن حيان، كيف أنت يا أخي؟ من دلك علي؟ قلت: الله. قال: لا إله إلا الله، {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} سورة الإسراء، آية 108. فقلت: ومن أين عرفت اسمي واسم أبي وما رأيتك قبل اليوم ولا رأيتني؟ قال: {نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} ، عرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك، إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضاً ويتحابون بروح الله عز وجل، وإن لم يلتقوا، إن نأت بهم الدار وتفرقت بهم المنازل. قلت: حدثني رحمك الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن لي معه صحبة بأبي وأمي رسول الله، ولكني قد رأيت رجالاً قد رأوه ولست أحب أن أفتح على نفسي هذا الباب، أن أكون محدثاً أو قاضياً أو مفتياً، في نفسي شغل عن الناس. فقلت: أي أخي اقرأ علي آيات من كتاب الله عز وجل أسمعها منك، وأوصني بوصية أحفظها عنك، فإني أحبك في الله. فأخذ بيدي فقال: أعود بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قال ربي، وأحق القول قول ربي عز وجل، وأصدق الحديث حديث ربي عز وجل، ثم قرأ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} إلى قوله {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} فشهق شهقة فنظرت إليه وأنا أحسبه قد غشي عليه، ثم قال: يا هرم بن

حيان مات أبوك حيان ويوشك أن تموت أنت فإما إلى الجنة وإما إلى النار، ومات أبوك آدم وماتت أمك حواء يا بن حيان، ومات نوح نبي الله، ومات إبراهيم خليل الله، ومات موسى نجي الله، ومات داود خليفة الرحمن، ومات محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء، ومات أبو بكر خليفة رسول الله، ومات أخي وصديقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقلت له: يرحمك الله إن عمر لم يمت. قال: بلى قد نعاه إلي ربي عز وجل، ونعى إلي نفسي، وأنا وأنت في الموتى. ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا بدعوات خفاف ثم قال: هذه وصيتي إياك: كتاب الله ونعي المرسلين ونعي صالح المؤمنين، فعليك بذكر الموت ولا يفارقن قلبك طرفة عين ما بقيت، وأنذر قومك إذا رجعت إليهم وانصح للأمة جميعاً، وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تعلم، فتدخل النار، وادع لي ولنفسك. ثم قال: اللهم إن هذا زعم أنه يحبني فيك وزارني من أجليك فعرفني وجهه في الجنة وأدخله على دارك، دار السلام، واحفظه ما دام حياً، وأرضه من الدنيا باليسير، واجعله لما أعطيته من نعمك من الشاكرين واجزه عني خيراً. ثم قال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، لا أراك بعد اليوم إن شاء الله تعالى رحمك الله فإني أكره الشهرة، والوحدة أحب إلي لأني كثير الغم ما دمت مع هؤلاء الناس، فلا تسأل عني ولا تطلبني، واعلم أنك مني على بال وإن لم أرك وتراني، واذكرني وادع لي فإني سأدعو لك وأذكرك إن شاء الله، فانطلق أنت ها هنا حتى آخذ أنا ههنا. فحرصت على أن أمشي معه ساعة فأبى علي ففارقته أبكي ويبكي، فجعلت أنظر إليه حتى دخل بعض السكك. ثم سألت بعد ذلك وطلبته فلم أجد أحداً يخبرني عنه بشيء، وما أتت علي جمعة إلا وأراه في منامي مرة أو مرتين. عن أسير بن جابر أن أويساً القرني كان إذا حدث يقع حديثه في قلوبنا موقعاً ما يقع حديث غيره. عن أسير بن جابر قال: كان محدث بالكوفة يحدثنا، فإذا فرغ من حديثه يقول: تفرقوا. ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحد يتكلم بكلام فأحببته. ففقدته، فقلت

لأصحابي: هل تعرفون رجلاً كان يجالسنا؟ فقال رجل من القوم: نعم أنا أعرفه وذاك أويس القرني. قلت: وتعرف منزله؟ قال: نعم. قال: انطلقت معه حتى جئت حجرته خرج إلي فقلت: يا أخي ما حبسك عنا؟ قال: العري. وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه. قال: قلت: خذ هذا البرد فالبسه. قال لا تفعل فإنهم يؤذونني إذا رأوه. قال: فلم أزل به حتى لبسه. فخرج عليهم فقالوا: من ترون خدع عن برد هذا. فجاء فوضعه؟ فقال: أترى؟ قال: فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون من هذا الرجل؟ قد آذيتموه، الرجل يعرى مرة ويكتسي مرة. فأخذتهم بلساني أخذاً شديداً. قال: فقضي أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: قدم علينا أويس فقلت: أنت أخي لا تفارقني. فانملس مني فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة. فأقبل ذلك الرجل حتى دخل عليه فقال: سمعت عمر يقول فيك كذا وكذا فاستغفر لي يا أويس. قال لا أفعل حتى تجعل لي عليك ألا تسخر بي فيما بعد، وألا تذكر الذي سمعته عن عمر لأحد. قال أسير: فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة فانملس منهم فذهب. عمرو بن مرة قال: لما لقي عمر أويساً وظهر عليه هرب فما رئي حتى مات. عن الشعبي قال: مر رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحمد الله عز وجل. قال: كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح؟ فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار. يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحاً، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له فضة ولا ذهباً، وإن قيامه لله بالحق لم يترك له صديقاً. عمار بن سيف الضبي قال: لحق رجل بأويس القرني فسمعه يقول: اللهم إني أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائعة، فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني، وليس في بيتي من شيء من الرياش إلا ما على ظهري. قال: وعلى ظهره خرقة قد تردى بها وقال: فأتاه رجل فقال له: كيف أصبحت؟ أو كيف

أمسيت؟ فقال: أصبحت أحب الله، وأمسيت أحمد الله، وما تسأل عن حال رجل إذا هو أصبح ظن ألا يمسي، وإذا أمسى ظن أنه لا يصبح؟ إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحاً، وإن حق الله في مال المسلم، لم يدع له من ماله فضة ولا ذهباً، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدع للمؤمن صديقاً، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا، ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين، حتى والله لقد رموني بالعظائم، وأيم الله لا أدع أن أقوم لله فيهم بحقه، ثم أخذ الطريق. عن قيس بن بشر بن عمرو، عن أبيه قال: كسوت أويساً القرني ثوبين، من العري. عن مغيرة قال: إن كان أويس القرني ليتصدق بثيابه حتى يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه إلى الجمعة. عن أصبغ بن زيد قال: إنما منع أويساً أن يقدم على النبي صلى الله عليه وسلم بره بأمه. عن أصبغ بن زيد قال: كان أويس القرني إذا أمسى يقول: هذه ليلة السجود فيسجد حتى يصبح، وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به. الحسن بن عمرو، قال: سمعت بشراً يقول: بلغ من عري أويس أنه جلس في قوصرة. النضر بن إسماعيل قال: كان أويس القرني يلتقط الكسر من المزابل فيغسلها ويتصدق ببعضها ويأكل بعضها، ويقول: اللهم إني أبرأ إليك من كبد جائع. قال هرم بن حيان لأويس القرني: أوصني قال: توسد الموت إذا نمت، واجعله نصب عينيك، وإذا قمت فادع الله أن يصلح لك قلبك ونيتك، فلن تعالج شيئاً أشد عليك منهما، بينا قلبك معك ونيتك إذا هو مدبر، وبينا هو مدبر إذا هو مقبل، ولا تنظر في صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظمة من عصيت. أبو عبد الله الناجي قال: زار هرم بن حيان أويساً، فقال له هرم: يا أويس واصلنا بالزيارة. فقال أويس: قد وصلتك بما هو انفع لك من الزيارة واللقاء: الدعاء بظهر الغيب، لأن الزيارة واللقاء قد يعرض فيهما التزين والرياء. قلت: كان أويس مشغولاً بالعبادة عن الرواية، غير أنه قد أرسل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حميد بن صالح قال: سمعت أويساً القرني يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احفظوني في أصحابي، فإن من أشراط الساعة أن يلعن آخر هذه الأمة أولها، وعند ذلك يقع المقت على الأرض وأهلها، فمن أدرك ذلك فليضع سيفه على عاتقه ثم ليلق ربه عز وجل شهيداً فإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه". ذكر وفاة أويس القرني: قال المصنف: قد اختلف في وقت موته. عن عبد الله بن سالم قال: غزونا آذربيجان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعنا أويس القرني. فلما رجعنا مرض علينا فحملناه فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط. فغسلناه وكفناه وصلينا عليه. فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرحنا فإذا لا قبر ولا أثر. قال المؤلف: وقد روي أنه عاش بعد ذلك طويلاً. عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟ قال: قلنا نعم، وما تريد منه؟ قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أويس القرني خير التابعين بإحسان". وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي عليه السلام. عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى مناد يوم صفين، أفي القوم أويس القرني؟ فوجد في قتلى علي عليه السلام. قال المؤلف: هذا هو الصحيح.

عبدة بن هلال الثقفي

399 - عبدة بن هلال الثقفي عن عطاء بن السائب قال: قال عبدة بن هلال الثقفي: لله علي أن لا يشهد علي ليل بنوم ولا شمس بأكل. قال: فأقسم عليه عمر بن الخطاب أن يفطر العيدين.

الحارث بن سويد التيمي

400 - الحارث بن سويد التيمي عن إبراهيم قال: كان الرجل يأتي الحارث بن سويد فيشتمه، فإذا فرغ قال

_ 400 - هو: الحارث بن سويد التيمي، أبو عائشة، الكوفي، ثقة ثبت من الثانية، مات بعد سنة سبعين.

الحارث: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} كفى هذا إحصاء. عن أبي حيان التميمي عن أبيه قال: صحب عبد الله بن مسعود من التيم سبعين رجلاً، وكان الحارث بن سويد من أعلاهم نفساً. قال المؤلف: أسند الحارث عن علي بن أبي طالب وابن مسعود، وتوفي بالكوفة في آخر أيام ابن الزبير.

أبو عبد الرحمن السلمي

401 - أبو عبد الرحمن السلمي واسمه عبد الله بن حبيب، أبو إسحاق السبيعي قال: أقرأ أبو عبد الرحمن السلمي القرآن في المسجد أربعين سنة. عن شمر قال: أخذ بيدي أبو عبد الرحمن السلمي فقال: كيف قوتك على الصلاة؟ فذكرت ما شاء الله أن أذكره، فقال أبو عبد الرحمن: كنت مثلك أصلي العشاء، ثم أقوم أصلي، فأنا حين أصلي الفجر أنشط مني أول ما بدأت به. عن أبي عبد الرحمن أنه كان يؤتى بالطعام إلى المسجد. ربما استقبلوه به في الطريق فيطعمه المساكين، فيقولون: بارك الله فيكم. فيقول: وبارك الله فيكم. ويقول: قالت عائشة: إذا تصدقتم فردوا حتى يبقى لكم أجر ما تصدقتم. عن عطاء بن السائب قال: دخلنا على أبي عبد الرحمن في مرضه الذي مات فيه. قال: فذهب بعض القوم يرجيه. فقال: أنا لا أرجو ربي وقد صمت له ثمانين رمضان؟ قال المؤلف: أسند أبو عبد الرحمن عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي الدرداء وغيرهم، وكان يقرئ القرآن بالكوفة من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج، وقدم المدائن في حياة حذيفة. وتوفي في سنة خمس ومائة وله تسعون سنة.

_ 401 - هو: عبد الله بن حبيب بن ربيعة - بفتح الموحدة وتشديد الياء - أبو عبد الرحمن السلمي، الكوفي، المقرئ، مشهور بكنيته، ولأبيه صحبة، ثقة ثبت، من الثانية، مات بعد السبعين.

زاذان، أبو عمر ومولى كندة

402 - زاذان، أبو عمر ومولى كندة مولى كندة. سالم بن أبي حفصة، عن زاذان، أنه كان يبيع الثياب، فإذا عرض الثوب ناول شر الطرفين عن زبيد قال: رأيت زاذان يصلي كأنه جذع قد حفر له. ابن نمير قال: قال زاذان: يا رب إني جائع فسقط عليه من الروزنة رغيف مثل الرحا. قال المصنف: أسند زاذان عن علي عليه السلام وابن مسعود وابن عمر وجرير وسلمان والبراء بن عازب، في آخرين، وتوفي بالكوفة أيام الحجاج بعد الجماجم.

_ 402 - هو: زاذان، أبو عمرو الكندي البزار، ويكنى أبا عبد الله أيضا، صدوق يرسل وفيه شيعية من الثانية، مات ينة اثنتين وثمانين. قال الشيخ شعيب: بل ثقة فقد وثقه يحي بن معين، وابن سعد والعجلي، وابن شاهين، والخطيب والذهبي، وانفرد ابن فقال: كان يخطئ كثيرا، ولعل الخطأ ممن روى عنه، فقد قال ابن عدي أحاديثه لا بأس بها إن روى عنه ثقة التحرير 1/409.

الربيع بن خثيم الثوري

403 - الربيع بن خثيم الثوري يكنى أبا يزيد. عن سعيد بن مسروق قال: قال عبد الله للربيع بن خثيم: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك. عن أبي عبيدة قال: كان عبد الله يقول للربيع: ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين. وكان الربيع إذا أتى عبد الله لم يكن عليه إذن حتى يفرغ كل واحد منهما من صاحبه. وكان الربيع إذا جاء إلى باب عبد الله يقول للجارية: من بالباب؟ فتقول الجارية ذاك الشيخ الأعمى. عن حماد بن أبي سليمان قال: كان عبد الله بن مسعود إذا نظر إلى الربيع بن خثيم قال: مرحباً قال: أبا يزيد لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك ولأوسع لك إلى جبنه. ثم يقول: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} . عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم الربيع بن خثيم.

_ 403 - هو: الربيع بن خثعم –بضم المعجمة وفتح المثلثة - ابن عائذ بن عبد الله الثوري، أبو يزيد الكوفي، ثقة عابد، مخضرم، من الثانية، قال له ابن مسعود: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك، مات سنة إحدى، وقيل: ثلاث وستين.

وكان يقول: أما بعد فأعد زادك وخذ في جهازك، وكن وصي نفسك. وقيل له: ألا تذكر الناس؟ فقال: ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ من ذمها إلى أن أذم الناس، إن الناس خافوا الله في ذنوب الناس وأمنوه على ذنوبهم. وقيل له حين أصابه الفالج: لو تداويت. فقال: لقد عرفت أن الدواء حق ولكني ذكرت عاداً وثمود وقروناً بين ذلك كثيراً كانت فيهم الأوجاع وكان لهم الأطباء، فما بقي المداوي ولا المداوى. أبو حيان، عن أبيه قال: ما سمعت الربيع بن خثيم يذكر شيئاً من أمر الدنيا، إلا أني سمعته يقول: كم للتيم مسجد. عن إبراهيم التيمي قال: أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عاماً ما سمع منه كلمة تعاب. عن بكر بن ماعز قال: ما رئي الربيع متطوعاً في مسجد قومه قط إلا مرة واحدة. سفيان قال: أخبرتني سرية الربيع بن خثيم قالت: كان عمل الربيع كله سراً إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه. عن منذر، عن الربيع بن خثيم قال: كل ما لا يبتغى به وجه الله عز وجل يضمحل. أبو حيان التيمي عن أبيه، قال: ما سمعت الربيع بن خثيم يذكر شيئاً من أمر الدنيا قط. أحمد بن عبد الله بن مسروق، عن الربيع بن خثيم أنه سرق له فرس أعطي به عشرين ألفاً فقالوا له: ادع الله عليه. فقال: اللهم إن كان غنياً فاغفر له، وإن كان فقيراً فأغنه. عن سعيد بن مسروق قال: أصاب الربيع بن خثيم حجر في رأسه فشجه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر له فإنه لم يتعمدني. عن عيسى بن فروخ قال: كان الربيع بن خثيم إذا كان الليل ووجد غفلة الناس خرج إلى المقابر فيقول: يا أهل المقابر كنا وكنتم. فإذا أصبح فكأنه نشر من قبر. عن منذر الثوري قال: كان الربيع بن خثيم يقول السرائر التي تختفي على الناس وهي لله بواد، التمسوا دواءهن التمسوا دواءهن. ثم يقول: وما دواءهن؟ دواءهن أن تتوب فلا تعود. روى عبد الملك بن الأصبهاني، عمن حدثه عن الربيع بن خثيم أنه قال لأصحابه: تدرون

ما الداء والدواء والشفاء؟ قالوا: لا. قال: الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب فلا تعود. عن نسير قال: بت بالربيع ذات ليلة فقام يصلي فمر بهذه الآية {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ... } الآية فمكث ليلته حتى أصبح، ما يجوز هذه الآية إلى غيرها، ببكاء شديد. حماد الأصم، عمن حدثه عن بعض أصحاب الربيع قال: ربما علمنا شعره عند المساء، وكان ذا وفرة ثم يصبح والعلامة كما هي، فتعلم أن الربيع لم يضع جنبه ليلته على فراشه. أبو حيان قال: حدثني أبي قال: كان ربيع بعد ما سقط شقه يهادي بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحاب عبد الله يقولون له يا أبا يزيد لقد رخص الله لك لو صليت في بيتك فيقول: إنه كما تقولون، ولكني سمعته ينادي: حي على الفلاح فمن سمع منكم فليجبه ولو زحفاً، ولو حبواً. عن محمد، عن رجل من أسلم من المبكرين إلى المسجد، قال: كان الربيع ابن خثيم إذا سجد كأنه ثوب مطروح فتجيء العصافير فتقع عليه. عن بلال بن المنذر قال: قال رجل للربيع: قتل ابن فاطمة فاسترج ثم تلا هذه الآية: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} قال: ما تقول؟ قال: ما أقول، إلى الله إيابهم وعليه حسابهم. عن سفيان قال: بلغنا أن أم الربيع كانت تنادي فتقول: يا بني، يا ربيع، ألا تنام، فيقول: يا أماه من جن عليه الليل وهو يخاف البيات حق له أن لا ينام. قال: فلما بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسهر نادته فقالت: يا بني لعلك قتلت قتيلاً؟ فقال: نعم يا والدة، قتلت قتيلاً. فقالت: ومن هذا القتيل يا بني نتحمل على أهله فيعفوك والله لو علموا ما تلقى من البكاء والسهر لقد رحموك. فيقول: يا والدتي هي نفسي. مالك بن دينار قال: قالت ابنة الربيع بن خثيم: يا أبتاه ما لي أرى الناس ينامون ولا تنام؟ قال: إن جهنم لا تدعني أنام. مالك قال: قالت ابنة الربيع بن خثيم: يا أبتاه إني أرى الناس ينامون وأنت لا تنام؟ قال: يا بنية إن أباك يخاف البيات.

الربيع بن منذر قال: سمعت أبي يقول: كان عند الربيع بن حثيم رهط فجاءته ابنته فقال: يا أبتاه أذهب ألعب؟ فقال: اذهبي فقولي خيراً، غير مرة، قال: فقال القوم: أصلحك الله وما عليك أن تقول لها؟ قال: وما علي أن لا يكتب هذا في صحيفتي. عن أبي حيان، عن أم الأسود قالت: كانت ابنة الربيع بن خثيم تأتيه فتقول: يا أبتاه ائذن لي ألعب. فيقول: يا بنية، قولي خيراً، قال فتلقنها أمها: قولي: أتحدث فيقول: إني لم أسمع الله رضي لأحد اللعب. عن سفيان، عن رجل من بني تيم الله، عن أبيه قال: جالست الربيع بن خثيم سنين فما سألني عن شيء مما فيه الناس إلا أنه قال لي مرة: أمك حية؟ كم لكم مسجد؟ عن سعيد الحارثي قال: ضرب الربيع بن خثيم الفالج فطال وجعه فاشتهى لحم دجاج، فكف نفسه أربعين يوماً. ثم قال لامرأته: اشتهيت لحم دجاج منذ أربعين يوماً فكففت نفسي رجاء أن تكف فأبت فقالت له امرأته: سبحان الله وأي شيء هذا حتى تكف نفسك عنه؟ قد أحله لك. فأرسلت امرأته إلى السوق فاشترت له دجاجة بدرهم ودانقين فذبحتها وشوتها واختبزت له خبزاً له أصباغ، ثم جاءت بالخوان حتى وضعته بين يديه، فلما ذهب ليأكل قام سائل على الباب فقال: تصدقوا علي بارك الله فيكم، فكف عن الأكل وقال لامرأته: خذي هذا فلفيه وادفعيه إلى السائل، فقالت امرأته: سبحان الله. فقال: افعلي ما آمرك، قالت: فأنا أصنع ما هو خير له وأحب إليه من هذا. قال: وما هو؟ قالت: نعطيه ثمن هذا وتأكل أنت شهوتك. قال: قد أحسنت ائتيني بثمنه. قال: فجاءت بثمن الدجاجة والخبز والأصباغ فقال: ضعيه على هذا وادفعيه جميعاً إلى السائل. عن منذر أن الربيع قال لأهله: اصنعوا لي خبيصاً. قال: وكان يكاد لا يشتهي عليهم شيئاً. قال: فصنعوه. قال: فأرسل إلى جار له مصاب، قال: فجعل يأكل ولعابه يسيل قال: فقال أهله: ما يدري هذا ما يأكل. فقال الربيع: لكن الله عز وجل يدري. عن خوات بن عبيد الله قال: كان السائل إذا أتى الربيع بن خثيم قال: أطعموه مسكراً فإني أحب السكر. عن سعيد بن مسروق، عن ربيع بن خثيم أنه كان يلبس قميصاً سنبلانياً أراه ثمن ثلاثة دراهم أو أربعة دراهم قال: فإذا مد كمه يبلغ ظفره، وإذا أرسله بلغ ساعده، وإذا رأى بياض

القميص قال: أي عبيد تواضع لربك، ثم يقول: أي لحميه وأي دميه كيف تصنعان إذا سيرت الجبال ودكت الأرض دكاً وجاء ربك والملك صفاً صفاً؟!!. عن بكر بن ماعز قال: كان بالربيع بن خثيم خبل من الفالج، فكان يسيل من فيه لعاب. قال: فمسحته يوماً. فرآني كرهت ذلك فقال: والله ما أحب أنه بأعتى الديلم على الله عز وجل. عن حسين، يعني ابن صالح، قال: قيل للربيع بن خثيم: لو جالستنا. فقال: لو فارق قلبي ذكر الموت ساعة فسد علي. بشر بن الحارث قال: قال الربيع بن خثيم: أنا بعصافير المسجد آنس مني بأهلي. عن منذر قال: كان الربيع يكنس الحش بنفسه. فقيل له: إنك تكفى هذا. فقال: إني أحب أن آخذ نصيبي من المهنة. عن أبي وائل قال: خرجنا مع عبد الله بن مسعود، ومعنا الربيع بن خثيم، فمررنا على حداد، فقام عبد الله ينظر حديدة في النار، فنظر الربيع إليها فتمايل ليسقط، فمضى عبد الله حتى أتينا على أتون على شاطئ الفرات فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} إلى قوله: {ثُبُوراً} فصعق الربيع فاحتملناه فجئنا به إلى أهله قال: ثم رابطه عبد الله إلى الظهر فلم يفق، ثم رابطه إلى العصر فلم يفق، ثم رابطه إلى المغرب فلم يفق، ثم إنه أفاق، فرجع عبد الله إلى أهله. الأعمش قال: مر الربيع بن خثيم في الحدادين فنظر إلى كير فصعق. قال الأعمش: فمررت بالحدادين لأتشبه به فلم يكن عندي خير. عن أبي يعلى قال: كان الربيع إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا يزيد؟ قال: أصبحنا ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا. حفص بن عمر قال: كان الربيع بن خثيم لا يعطي السائل أقل من رغيف، ويقول: إني لأستحي أن يرى في ميزاني أقل من رغيف. سلام بن أبي مطيع قال: كان الربيع بن خثيم إذا أصبح قال: مرحباً بملائكة الله، اكتبوا، بسم الله الرحمن الرحيم، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. صالح بن موسى، عن أبيه قال: قال الربيع بن خثيم لرجل لا تلفظ إلا بخير فغن العبد مسئول عن لفظه يحصى ذلك عليه كله {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} .

الفضيل بن عياض قال: كان الربيع بن خثيم يقول في دعائه: أشكو إليك حاجة لا يحسن بثها إلا إليك. أبو سليمان قال: بينما الربيع بن خثيم جالس على باب داره إذ جاءه حجر فصك وجهه، فقال: لقد وعظت يا ربيع. فقام ودخل وأغلق الباب وما رئي في ذلك المجلس حتى مات. حفص بن عمر قال: قال الربيع بن خثيم: إذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك، وإذا هممت فاذكر علمه بك، وإذا نظرت فاذكر نظره إليك، وإذا تفكرت فاذكر اطلاعه عليك، فإنه يقول تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} . عن نسير بن ذعلوق، عن الربيع بن خثيم أنه كان يبكي حتى تبل لحيته من دموعه، ثم يقول: أدركنا أقواماً كنا في جنوبهم لصوصا. أسند الربيع بن خثيم عن ابن مسعود وغيره، وتوفي بالكوفة في ولاية عبيد الله بن زياد عليها.

عمرو بن عتبة بن فرقد السلمي

404 - عمرو بن عتبة بن فرقد السلمي عن عبد الله بن ربيعة قال: كنت جالساً مع عتبة بن فرقد ومعضد العجلي وعمرو بن عتبة، فقال عتبة بن فرقد: يا عبد الله بن ربيعة ألا تعينني على ابن أخيك، يعينني على ما أنا فيه من عملي؟ قال: فقال عبد الله: يا عمرو أطع أباك. قال: فنظر عمرو إلى معضد العجلي، فقال له معضد: لا تطعهم واسجد واقترب. قال عمرو: يا أباه إنما أنا رجل أعمل في فكاك رقبتي فبكى عتبة ثم قال: يا بني إني أحبك حبين حباً لله وحب الوالد ولده، فقال عمرو: يا أبت إنك قد كنت أتيتني بمال بلغ سبعين ألفاً فإن كنت سائلي عنه فهو هذا فخذه، أو فدعني فأمضيه. قال يا بني فأمضه. فأمضاه حتى ما بقي منه درهم. عن الأعمش قال: قال عمرو بن عتبة بن فرقد: سألت الله ثلاثاً فأعطاني اثنتين، وأنا أنتظر الثالثة؛ سألته أن يزهدني في الدنيا فما أبالي ما أقبل وما أدبر، وسألته أن يقويني على الصلاة فرزقني منها، وسألته الشهادة فأنا أرجوها.

_ 404 - هو: عمرو بن عتبة بن فرقد السلمي، الكوفي، مخضرم، استشهد في خلافة عثمان.

عن السدي قال: اشترى عمرو بن عتبة فرساً بأربعة آلاف درهم فعنفوه، يستغلونه، فقال: ما خطوة يخطوها، يقدمها إلى الغزو، إلا وهي أحب إلي من أربعة آلاف. عن عبد الحميد بن لاحق، عمن ذكره، قال: كان له، يعني عمرو بن عتبة، كل يوم رغيفان يتسحر بأحدهما ويفطر بالآخر. بشر بن الحارث قال: كان عمرو بن عتبة يصلي والحمام فوق رأسه، والسباع حوله، تحرك أذنابها. عن شيخ من قريش قال: قال مولى لعمرو بن عتبة رآني عمرو بن عتبة وأنا مع رجل وهو يقع في آخر، فقال لي: ويلك - ولم يقلها لي قبلها ولا بعدها - نزه سمعك عن استماع الخنا، كما تنزه لسانك عن القول به، فإن المستمع شريك القائل، وإنما نظر إلى شر ما في وعائه فأفرغها في وعائك، ولو ردت كلمة سفيه في فيه لسعد بها رادها كما شقي بها قائلها. الحسن بن عمرو الفزاري قال: حدثني مولى عمرو بن عتبة قال: استيقظنا يوماً حاراً في ساعة حارة، فطلبنا عمرو بن عتبة فوجدناه في جبل وهو ساجد، وغمامة تظله وكنا نخرج إلى العدو فلا نتحارس، لكثرة صلاته، ورأيته ليلة يصلي فسمعنا زئير الأسد فهربنا وهو قائم يصلي لم ينصرف. فقلنا له: أما خفت الأسد؟ فقال: إني لأستحيي من الله أن أخاف شيئاً سواه. عن عيسى بن عمرو قال: كان عمرو بن عتبة بن فرقد يخرج على فرسه ليلاً فيقف على القبور فيقول: يا أهل القبور، طويت الصحف، ورفعت الأعمال. ثم يبكي، ثم يصف بين قدميه حتى يصبح فيرجع فيشهد صلاة الصبح. عن علقمة قال: خرجنا ومعنا مسروق وعمرو بن عتبة ومعضد غازين، فلما بلغنا ماسبذان وأميرها عتبة بن فرقد: قال لنا ابنه عمرو بن عتبة: إنكم إن نزلتم عليه صنع لكم نزلاً ولعله أن يظلم فيه أحداً، ولكن إن شئتم قلنا في ظل هذه الشجرة وأكلنا من كسرنا ثم رحنا. ففعلنا وقطع عمرو بن عتبة جبة بيضاء فلبسها وقال: والله إن تحدر الدم على هذه حسن فرمي، فرأيت الدم يتحدر على المكان الذي وضع يده عليه فمات. عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجنا في جيش فيهم علقمة ويزيد بن معاوية النخعي وعمرو بن عتبة ومعضد. قال: فخرج عمرو بن عتبة وعليه جبة جديدة بيضاء، فقال: ما أحسن الدم يتحدر على هذه.

فخرج فتعرض للقصر فأصابه حجر فشجه، قال فتحدر عليها الدم ثم مات منها فدفناه. ولما أصابه الحجر فشجه جعل يلمسها بيده ويقول: إنها صغيرة وإن الله ليبارك في الصغير. عن السدي قال: حدثني ابن عم لعمرو بن عتبة قال: نزلنا في مرج حسن، فقال عمرو بن عتبة: ما أحسن هذا المرج، ما أحسن الآن لو أن منادياً ينادي: يا خيل الله اركبي فخرج رجل، وكان في أول من لقي، فأصيب ثم جيء به فدفن في هذا المرج. قال: فما كان بأسرع من أن نادى منادياً خيل الله اركبي. فخرج عمرو في سرعان الناس في أول من خرج، فأتى عتبة فأخبر بذلك فقال: علي عمراً، علي عمراً. فأرسل في طلبه فما أدرك حتى أصيب، قال: فما أراه دفن إلا في مركز رمحه وعتبة يومئذ على الناس. هشام صاحب الدستوائي قال: لما مات عمرو بن عتبة دخل بعض أصحابه على أخته فقال: أخبرينا عنه فقالت: قام ليلة فاستفتح {حم} فأتى على هذه الآية {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ} فما جاوزها حتى أصبح. لا يعرف لعمرو بن عتبة مسند. شغلته العبادة عن الرواية، وهذه الغزاة التي استشهد فيها هي غزاة آذربيجان، وذلك في خلافة عثمان بن عفان.

عنبس بن عقبة الحضرمي

405 - عنبس بن عقبة الحضرمي روى عن ابن مسعود، أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر، عن يزيد بن حيان قال: إن كان عنبس ليسجد حتى إن العصافير ليقعن على ظهره وينزلن، ما يحسبنه إلا جذم حائط.

كردوس بن عباس الثعلبي

406 - كردوس بن عباس الثعلبي من غطفان. وقيل كردوس بن هانئ. وقيل ابن عمرو، ويعرف بالقاص، كان يقص على التابعين. عبد الله بن إدريس قال: سمعت عمي يذكر، قال: كان كردوس يقول: ويقص علينا زمن الحجاج أن الجنة لا تنال إلا بعمل، اخلطوا الرغبة بالرهبة، ودوموا على صالح الأعمال، وألقوا الله بقلوب سليمة وأعمال صادقة، وكان يكثر من أن يقول من خاف أدلج من خاف أدلج. عن أبي وائل كردوس بن عمرو، قال: فيما أنزل الله عز وجل: إن الله ليبتلي العبد وهو يحبه ليسمع صوته. قال المؤلف: أسند كردوس عن ابن مسعود، وحذيفة.

_ 406 - هو: كردوس الثعلبي - بالمثلثة - واختلف في اسم أبيه، فقيل: عباس، وقيل: عمرو، وقيل: هانئ، وهو مقبول من الثالثة، وقيل هم ثلاثة.

الفضل بن بزوان

407 - الفضل بن بزوان عن النعمان بن المنذر قال: قال رجل للفضل بن بزوان: إن فلاناً يقع فيك. قال: لأغيظن من أمره، غفر الله له. قيل له: من أمره؟ قال الشيطان.

الحارث بن قيس الجعفي

408 - الحارث بن قيس الجعفي عن خيثمة، عن الحارث بن قيس الجعفي، قال: إذا كنت في أمر الآخرة فتمكث، وإذا كنت في أمر الدنيا فتوخ، وإذا هممت بخير فلا تؤخره، وإذا أتاك الشيطان وأنت تصلي فقال: إنك ترائي فزدها طولاً. عن الاعمش قال: قال لي خيثمة لقد رؤأيت الحارث بن قيس اجتمع عنده رجلان قام وتركهما.

_ 408 - هو: الحارث بن قيس الجعفي، الكوفي، ثقة، من الثانية، قتل بصفين، وقيل: مات بعد علي.

أبو صالح، ماهان الحنفي

409 - أبو صالح، ماهان الحنفي واسمه عبد الرحمن بن قيس أخو طليق، كذا ذكره ابن سعد وقال البخاري: يكنى أبا سالم. إبراهيم، مؤذن بني حنيفة، قال أمر الحجاج بماهان أن يصلب على بابه، فرأيته حين رفع على خشبته يسبح ويهلل ويكبر، ويعقد بيده حتى بلغ تسعاً وعشرين. قال: فطعنه الرجل على تلك الحال. قال: فلقد رأيته بعد شهر معقوداً بيده تسعة وعشرين قال: كنا نرى عنده الضوء بالليل شبه السراج. عن أبي إسحاق، يعني الشيباني، قال: دنوت من ماهان لما أراد أن يصلب فقال: تنح يا بن أخي لا تسأل عن هذا المقام. سفيان بن دينار التمار قال: سألت ماهان الحنفي: ما كانت أعمال القوم؟ قال: كانت أعمالهم قليلة، وكانت قلوبهم سليمة. أسند ماهان عن علي وابن مسعود وحذيفة، في آخرين.

_ 409 - هو: ماهان الحنفي، أبو صالح الكوفي الأعور، ثقة عابد، قتله الحجاج سنة ثلاث وثمانين، ووقع عند النسائي: عن أبي صالح: ماهان عن علي قال: والصواب عبد الرحمن بن قيس، وأما ماهان فكنيته أبو سالم.

ومن الطبقة الثانية

ومن الطبقة الثانية: 410 - عامر بن شراحيل الشعبي يكنى أبا عمرو، عن ابن سيرين قال: قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كثير. عن أبي مجلز قال: ما رأيت أحداً أفقه من الشعبي. عن ابن شبرمة قال: سمعت الشعبي يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أحببت أن يعيده علي. عن وادع بن الأسود، عن الشعبي قال: ما أروي شيئاً أقل من الشعر، ولو شئت لأنشدتكم شعراً لا أعيده. مكحول قال: ما لقيت أحداً أعلم بسنة ماضية من الشعبي. ابن شبرمة قال: كنت أمشي مع الشعبي إلى أهله فقال لي: احملني أو أحملك، يعني حدثني أو أحدثك. عن داود بن يزيد الأودي قال: قال لي الشعبي: يا أبا يزيد قم معي حتى أفيدك فمشيت معه وقلت: أي شيء تفيدني؟ قال: إذا سئلت عما لا تعلم فقل: الله أعلم به، فإنه علم حسن. عن عيسى الخياط، عن الشعبي قال: لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن، فحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبل من عمره رأيت أن سفره لم يضع. مجالد قال: سمعت الشعبي يقول: العلم أكثر من عدد القطر، فخذ من كل شيء أحسنه. قال المؤلف: أدرك الشعبي خلقاً كثيراً من الصحابة. عن منصور بن عبد الرحمن، عن الشعبي قال: أدركت خمس مائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ رحمه الله: وإنما أشار بهذا إلى معاصرتهم لا إلى الأخذ عنهم.

_ 410 - هو: عامر بن شراحبيل –بفتح المعجمة - أبو عمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل، من الثالثة، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، مات بعد المائة، وله نحو من ثمانين.

وقال إبراهيم الحربي: لقي الشعبي أربعة وثلاثين رجلاً من الصحابة. قال الشيخ رحمه الله: ومن أعلام القوم الذين أدركهم: علي بن أبي طالب عليه السلام، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد وابن عمر، وابن عباس، وعمرو بن العاص، وابنه عبد الله، وأسامة بن زيد، وجابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، وأبو سعيد الخدري، والمغيرة بن شعبة، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، والنعمان بن بشير. وأدرك عائشة وأم سلمة وميمونة أمهات المؤمنين. وتوفي بالكوفة فجاءة سنة أربع ومائة، وقيل خمس ومائة، وهو ابن سبع وسبعين سنة، وقيل اثنتين وثمانين.

سعيد بن جبير

411 - سعيد بن جبير مولى لبني والبة. يكنى أبا عبد الله ابن الحارثية، من بني أسد بن خزيمة. عن عبد الله بن مسلم قال: كان سعيد بن جبير إذا قام إلى الصلاة كأنه وتد. عن القاسم بن أبي أيوب الأعرج قال: كان سعيد بن جبير يبكي بالليل حتى عمش. القاسم بن أبي ايوب قال: سمعت سعيد بن جبير يردد هذه الآية في الصلاة بضعاً وعشرين مرة: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} الآية. قال يزيد بن هارون: وأنبأنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين. عن هلال بن خباب قال: خرجت مع سعيد بن جبير في أيام مضين من رجب فأحرم من الكوفة بعمرة، ثم رجع من عمرته، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة، وكان يخرج في كل سنة مرتين مرة للحج ومرة للعمرة. عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير، قال: لدغتني عقرب فأقسمت علي أمي أن أسترقي، فأعطيت الراقي يدي التي لم تلدغ، وكرهت أن أحنثها. أصبغ بن زيد الواسطي قال: كان لسعيد بن جبير ديك كان يقوم الليل بصياحه، قال: فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح، فلم يصل سعيد تلك الليلة، فشق عليه فقال: ما له

_ 411 - هو: سعيد بن جبير الأسدي مولاهم، الكوفي، ثقة ثبت فقيه من الثالثة، وروايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة، قتل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين، ولم يكمل الخمسين.

قطع الله صوته؟ قال: فما سمع له صوت بعدها. فقالت أمه: يا بني لا تدع على شيء بعدها. عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، قال: إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيته بينك وبين معصيتك، فتلك الخشية، والذكر طاعة الله فمن أطاع الله فقد ذكره ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن. عن خصيف قال: رأيت سعيد بن جبير صلى ركعتين خلف المقام قبل صلاة الصبح. قال: فأتيته فصليت إلى جنبه وسألته عن آية من كتاب الله فلم يجبني. فلما صلى الصبح قال: إذا طلع الفجر فلا تتكلم إلا بذكر الله حتى تصلي الصبح. عن يحيى بن عبد الرحمن قال: سمعت سعيد بن جبير يردد هذه الآية: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} حتى يصبح. عن معاوية بن إسحاق قال: لقيت سعيد بن جبير عند الميضأة فرأيته ثقيل اللسان؟ قال: قرأت القرآن البارحة مرتين ونصفاً. عن حماد: أن سعيد بن جبير قرأ القرآن في ركعة في الكعبة، وقرأ في الركعة الثانية بقل هو الله أحد. كثير بن تميم الداري قال: كنت جالساً مع سعيد بن جبير فطلع عليه ابنه عبد الله، وكان به من الفقه فقال: إني لأعلم خير حالاته قالوا: وما هو؟ قال: أن يموت فأحتسبه. عن جعفر قال: قيل لسعيد: من أعبد الناس؟ قال: رجل اجترح من الذنوب، فكلما ذكر ذنوبه احتقر عمله. مقتل سعيد بن جبير: قال المصنف: كان سعيد بن جبير فيمن خرج على الحجاج من القراء، وشهد دير الجماجم. فلما انهزم أصحاب الأشعث هرب فلحق بمكة فأخذه بعد مدة طويلة خالد بن عبد الله القسري، وكان والي الوليد بن عبد الملك على مكة، فبعث به إلى الحجاج. عن أبي حصين قال: أتيت سعيد بن جبير بمكة فقلت: إن هذا الرجل قادم، يعني خالد بن عبد الله، ولا آمنه عليك، فأطعني واخرج فقال: والله لقد قررت حتى استحييت من الله، قلت: والله إني لأراك، كما سمتك أمك، سعيداً.

قال: فقدم مكة فأرسل إليه فأخذه فأخبرني يزيد بن عبد الله قال: أتينا سعيد بن جبير حين جيء به فإذا هو طيب النفس، وبنية له في حجرة، فنظرت إلى القيد فبكت فشيعناه إلى باب الجسر، فقال له الحرس: أعطنا كفلاء فإنا نخاف أن تغرق نفسك. قال يزيد: فكنت فيمن كفل به. عن داود بن أبي هند قال: لما أخذ الحجاج سعيد بن جبير قال: ما أراني إلا مقتولاً، وسأخبركم أني كنت أنا وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء، ثم سألنا الشهادة فكلا صاحبي رزقها وأنا أنتظرها. فكأنه رآى أن الإجابة عند حلاوة الدعاء. عن عمر بن سعيد قال: دعا سعيد بن جبير حين دعي ليقتل فجعل ابنه يبكي، فقال: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة. عن الحسن قال: لما أتي الحجاج بسعيد بن جبير قال: أنت الشقي ابن كسير؟ قال: بل أنا سعيد بن جبير. قال: بل أنت الشقي ابن كسير قال: كانت أمي أعرف باسمي منك قال: ما تقول في محمد؟ قال: تعني النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم. قال: سيد ولد آدم، المصطفى، خير من بقي وخير من مضى. قال: فما تقول في أبي بكر الصديق؟ قال: الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مضى حميداً وعاش سعيداً، ومضى على منهاج نبيه صلى الله عليه وسلم لم يغير ولم يبدل. قال: فما تقول في عمر؟ قال: عمر الفاروق خيرة الله وخيرة رسوله، مضى حميداً على منهاج صاحبيه لم يغير ولم يبدل. قال: فما تقول في عثمان؟ قال: المقتول ظلماً، المجهز جيش العسرة الحافر بئر رومة، المشتري بيته في الجنة، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، زوجه النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من السماء. قال: فما تقول في علي؟ قال: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من أسلم، وزوج فاطمة وأبو الحسن والحسين. قال: فما تقول في؟ قال: أنت أعلم بنفسك. قال: بث بعلمك قال: إذاً نسوءك ولا نسرك. قال: بث بعلمك. قال أعفني. قال: لا عفا الله عني إن أعفيتك. قال: إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله، ترى من نفسك أموراً تريد بها الهيبة وهي التي تقحمك الهلاك،

وسترد غداً فتعلم. قال: أما والله لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحداً قبلك ولا أقتلها أحداً بعدك. قال: إذاً تفسد علي دنياي وأفسد عليك آخرتك. قال: يا غلام السيف والنطع. فلما ولى ضحك. قال: قد بلغني أنك تضحك. قال: قد كان ذلك. قال: فما أضحكك عند القتل؟ قال: من جرأتك على الله عز وجل ومن حلم الله عنك. قال: يا غلام اقتله. فاستقبل القبلة فقال: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فصرف وجهه عن القبلة فقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} قال: اضرب به الأرض. قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} قال: اذبح عدو الله فما أنزعه لآيات القرآن منذ اليوم. قال ابن ذكوان: إن الحجاج بن يوسف بعث إلى سعيد بن جبير فأصابه الرسول بمكة فلما سار به ثلاثة أيام رآه يصوم نهاره ويقوم ليله، فقال الرسول: والله إني لأعلم أني أذهب بك إلى من يقتلك فاذهب إلى أي طريق شئت. فقال له سعيد: إنه سيبلغ الحجاج أنك قد أخذتني فإن خليت عني خفت أن يقتلك، ولكن اذهب بي إليه قال: فذهب به فلما دخل عليه قال له الحجاج: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير. فقال: بل شقي ابن كسير. فقال: أمي سمتني. قال: شقيت. قال: الغيب يعلمه غيرك. قال له الحجاج: أما والله لأبدلنك من دنياك ناراً تلظى. قال سعيد: لو علمت أن ذلك إليك ما اتخذت إلهاً غيرك. ثم قال له الحجاج: ما تقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نبي مصطفى، خير الباقين وخير الماضين. قال: فما تقول في أبي بكر الصديق؟ قال: ثاني اثنين غذ هما في الغار أعز الله به الدين، وجمع به بعد الفرقة. قال: فما هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ قال: فاروق وخيرة الله من خلقه، أحب الله أن يعز الدين بأحد الرجلين، فكان أحقهما بالخيرة والفضيلة، قال: فما تقول في عثمان بن عفان؟ قال: مجهز جيش العسرة، والمشتري بيتاً في الجنة والمقتول ظلماً. قال: فما تقول في علي؟ قال: أولهم إسلاماً وأكثرهم هجرة، تزوج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أحب بناته إليه، قال: فما تقول في معاوية؟ قال: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فما تقول في الخلفاء منذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآن؟ قال: سيجزون بأعمالهم، فمسرور ومثبور ولست عليهم بوكيل.

قال: فما تقول في عبد الملك بن مروان؟ قال: إن يكن محسناً فعند الله ثواب إحسانه وإن يكن مسيئاً فلن يعجز الله، قال: فما تقول في؟ قال: أنت بنفسك أعلم. قال: بث في علمك. قال: إذاً أسوءك ولا أسرك. قال: بث. قال: نعم، ظهر منك جور في حد الله، وجرأة على معاصيه بقتلك أولياء الله. قال: والله لأقطعنك قطعاً وأفرقن أعضاءك عضواً عضواً. قال: إذاً تفسد علي دنياي وأفسد عليك آخرتك، والقصاص أمامك. قال: الويل لك من الله. قال: لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار، قال: اذهبوا به، فاضربوا عنقه، قال سعيد: إني أشهدك أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أستحفظك بها حتى ألقاك يوم القيامة، فلما ذهبوا به ليقتل تبسم فقال له الحجاج: مم ضحكت؟ قال: من جرأتك على الله عز وجل. فقال الحجاج: أضجعوه للذبح فأضجع فقال: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} . فقال الحجاج: اقلبوا ظهره إلى القبلة. فقرأ سعيد: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فقال: كبوه على وجهه. فقرأ سعيد: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} : فذبح من قفاه، قال: فبلغ ذلك الحسن بن أبي الحسن البصري فقال: اللهم يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج، فما بقي إلا ثلاثاً حتى وقع في جوفه الدود فمات. عن خلف بن خليفة، عن أبيه، قال: شهدت مقتل سعيد بن جبير، فلما بان رأسه قال: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله. ثم قالها الثالثة فلم يتمها. عن يحيى بن سعيد، عن كاتب الحجاج، يقال له يعلى، قال: كنت أكتب للحجاج وأنا يومئذ غلام حديث السن، فدخلت عليه يوماً بعد ما قتل سعيد بن جبير، وهو في قبة لها أربعة أبواب، فدخلت ما يلي ظهره فسمعته يقول: ما لي ولسعيد بن جبير؟ فخرجت رويداً، وعلمت أنه إن علم بي قتلني، فلم ينشب الحجاج بعد ذلك إلا يسيراً. وفي رواية أخرى: عاش بعده خمسة عشر يوماً، وفي رواية: ثلاثة أيام وكان يقول: ما لي ولسعيد بن جبير؟ كلما أردت النوم أخذ برجلي. عن عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: لقد مات سعيد بن جبير وما على الأرض أحد إلا وهو يحتاج إلى علمه. قال المؤلف: أسند سعيد بن جبير عن علي عليه السلام، وابن عمر، وابن عمرو، وأبي موسى وابن

المغفل، وعدي بن حاتم، وأبي هريرة، وغيرهم. وأكثر رواياته عن ابن عباس، وقتل في سنة أربع وتسعين، وقيل سنة خمس وتسعين. وفي مدة عمره ثلاثة أقوال: أحدها سبع وخمسون سنة، وقد رويناها آنفاً، والثاني: تسع وأربعون سنة. قاله أبو نعيم الفضل بن دكين في جماعة، والثالث: اثنتان وأربعون سنة. قاله علي بن المديني.

إبراهيم بن يزيد بن الأسود النخعي

412 - إبراهيم بن يزيد بن الأسود النخعي يكنى أبا عمران عن الأعمش قال كان إبراهيم يتوقى الشهرة فكان لا يجلس إلى الأسطوان وكان صيرفي الحديث فكنت إذا سمعت الحديث من بعض أصحابنا عرضته عليه. عن سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم قال: سألته عن شيء فجعل يتعجب ويقول احتيج إلي، احتيج إلي. عن منصور قال: ما سألت إبراهيم قط عن مسئلة إلا رأيت الكراهية في وجهه، ويقول: أرجو أن تكون، وعسى. عن ميمون أبي حمزة، عن إبراهيم، أنه قال: تكلمت ولو وجدت بداً ما تكلمت، فإن زماناً أكون فيه فقيه الكوفة لزمان سوء. عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: لقد أدركت أقواماً لو بلغني أن أحدهم توضأ على ظفره لم أعده. عن محمد بن سوقة قال: زعموا أن إبراهيم النخعي كان يقول: كنا إذا حضرنا جنازة أو سمعنا بميت عرف فينا أياماً لأنا قد عرفنا أنه قد نزل به أمر صيره إلى الجنة أو النار قال: وإنكم في جنائزكم تحدثون بأحاديث دنياكم. عن الأعمش قال: كنت عند إبراهيم وهو يقرأ في المصحف واستأذن عليه رجل فغطى المصحف وقال: لا يرى هذا أنني أقرأ فيه كل ساعة. عن مغيرة، عن إبراهيم، أنه كان يلبس الثوب المصبوغ بالزعفران أو بالعصفر، وكان من يراه لا يدري أمن القراء هو أم من الفتيان.

_ 412 - هو: إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، أبو عمران الكوفي الفقيه، ثقة، إلا أنه يرسل كثيرا، من الخامسة، مات سنة ست وتسعين، وهو ابن خمسين أو نحوها.

عن شعيب بن الحبحاب، عن هنيدة امرأة إبراهيم النخعي: أن إبراهيم كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يجلسون فأطولهم سكوتاً أفضلهم في أنفسهم. ابن عون، عن إبراهيم قال: إن كانوا ليكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن حديثه، أو قال أحسن ما عنده. عن مغيرة، عن إبراهيم قال: كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى صلاته، وإلى هديه، وإلى سمته. عن أبي هاشم الرماني، عن إبراهيم قال: لا يستقيم رأي إلا برواية، ولا رواية إلا برأي. عن منصور، عن إبراهيم قال: إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يدك منه. سفيان، عن الأعمش قال: جهدنا بإبراهيم أن يستند إلى سارية فأبى علينا. عن الأعمش قال: كان إبراهيم يتوقى الشهرة، وكان لا يجلس إلى أسطوانة. وكان يجلس مع القوم فيجيء الرجل فيوسع له فإذا اضطره المجلس إلى أسطوانة قام. عن مغيرة قال: كنا نهاب إبراهيم كما نهاب الأمير. عن زبيد قال: ما سألت إبراهيم عن شيء إلا عرفت منه الكراهية. عن أبي الحصين قال: سألت إبراهيم عن شيء فقال: ما وجدت أحداً تسأله فيما بني وبينك غيري؟ أبو بكر قال: سألت الأعمش: أخبرني عن أكثر من رأيت عند إبراهيم قط قال: أربعة أو خمسة. عن مغيرة قال: كان رجل على حال حسنة فأحدث حدثاً أو أذنب ذنباً فرفضه أصحابه ونبذوه. فبلغ إبراهيم فقال: مه تداركوه وعظوه ولا تدعوه. عن الأعمش، عن إبراهيم قال: إني لأرى الشيء مما يعاب فما يمنعني من عيبه إلا مخافة أن أبتلى به. عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون المريض أن يجهد عند الموت. عن منصور، عن إبراهيم أنه قال: كانوا يستحبون شدة النزع.

عن عمران الخياط قال: دخلنا على إبراهيم النخعي نعوده وهو يبكي فقلنا له: ما يبكيك أبا عمران؟ قال: أنتظر ملك الموت لا أدري يبشرني بالجنة أم بالنار. عن شعيب بن الحبحاب قال: كنت ممن صلى على إبراهيم النخعي ليلاً ودفن في زمان الحجاج، ثم أصبحت فغدوت فقال: دفنتم ذلك الرجل الليلة؟ قلت: نعم. قال: دفنتم أفقه الناس، قلت: ومن الحسن فقال: أفقه من الحسن، ومن أهل البصرة، وأهل الكوفة، وأهل الشام، وأهل الحجاز. وقال المؤلف: أدرك إبراهيم النخعي جماعة من الصحابة منهم: أبو سعيد الخدري، وعائشة، وعامة ما يروي عن التابعين: كعلقمة ومسروق والأسود. وتوفي سنة خمس وتسعين. وقيل: ست وتسعين، بالكوفة، وهو ابن تسع وأربعين وقيل ابن نيف وخمسين. ابن عون قال: مات إبراهيم وهو ما بين الخمسين إلى الستين.

إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي

413 - إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي يكنى أبا أسماء الأعمش قال: كان إبراهيم التيمي إذا سجد تجيء العصافير فتنقر على ظهره كأنه جذم حائط. الأعمش قال لإبراهيم التيمي: بلغني أنك تمكث شهراً لا تأكل شيئاً، قال: نعم وشهرين، ما أكلت منذ أربعين ليلة إلا حبة عنب ناولنيها أهلي فأكلتها ثم لفظتها. فقلت للأعمش أصدقته؟ فقال: إبراهيم بن يزيد التيمي. يريد أنه صدق. عن أبي حيان، عن إبراهيم التيمي قال: ما عرضت عملي على قولي إلا خشيت أن أكون مكذباً. سفيان قال: قال التيمي: كم بينكم وبين القوم؟ أقبلت عليهم الدنيا فهربوا وأدبرت عنكم فاتبعوها.

_ 413 - هو: إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، يكنى أبا أسماء، الكوفي العابد، ثقة إلا أنه يرسل ويدلس، من الخامسة، مات سنة اثنتين وتسعين، وله أربعون سنة. قال الشيخ شعيب: قوله يدلس وهم منه، فإن أحدا لم يصفه بذلك، بل لم يورده هو في طبقات المدلسين قال: والأصوب أنه توفي سنة 93 التحرير 1/103.

العوام بن حوشب قال: ما رأيت رجلاً قط خيراً من إبراهيم التيمي رافعاً بصره إلى السماء في صلاة ولا في غيرها، وسمعته يقول: إن الرجل ليظلمني فارحمه. عن العوام بن حوشب قال: ما رأيت إبراهيم التيمي رافعاً رأسه في الصلاة ولا في غيرها، ولا سمعته يخوض في شيء من أمر الدنيا قط. عن بكير أو أبي بكير، عن أبي إبراهيم التيمي قال: ينبغي لمن لا يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار لأن أهل الجنة قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} وينبغي لمن لا يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة لأنهم قالوا: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} . العوام بن حوشب، عن أبيه، عن إبراهيم التيمي قال: أعظم الذنب عند الله عز وجل أن يحدث العبد بما ستر الله عليه. سفيان بن عيينة قال: قال إبراهيم التيمي: مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً. قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي. قال المؤلف: أسند إبراهيم التيمي عن أبيه، والحارث بن سويد، في آخرين. وتوفي في حبس الحجاج في سنة اثنتين وتسعين. علي بن محمد قال: كان سبب حبس إبراهيم التيمي أن الحجاج طلب إبراهيم النخعي. فجاء الذي طلبه فقال: أريد إبراهيم. فقال إبراهيم التيمي: أنا إبراهيم، فأخذه وهو يعلم أنه إبراهيم النخعي. فلم يستحل أن يدله عليه، فجاء به الحجاج فأمر بحبسه في الديماس ولم يكن لهم ظل من الشمس ولا كن من البرد، وكان كل اثنين في سلسلة. فتغير إبراهيم فجاءته أمه في الحبس فلم تعرفه حتى كلمها. فمات في السجن. فرأى الحجاج في منامه قائلاً يقول: مات في هذه الليلة رجل من أهل الجنة، فلما أصبح قال: هل مات الليلة أحد بواسط؟ قالوا نعم، إبراهيم التيمي مات في السجن فقال: حلم نزغة من نزغات الشيطان؟ فأمر به فألقي على الكناسة.

خيثمة بن عبد الرحمن ابن أبي سبرة

414 - خيثمة بن عبد الرحمن ابن أبي سبرة واسمه يزيد بن مالك الجعفي. عن الأعمش قال: ورث خيثمة بن عبد الرحمن مائتي ألف درهم فأنفقها على القراء والفقهاء. الأعمش قال: كان خيثمة يصنع الخبيص والطعام الطيب ثم يدعو إبراهيم، يعني النخعي، ويدعونا معه فيقول: كلوا ما أشتهيه ما أصنعه إلا من أجلكم. الأعمش قال: ربما دخلنا على خيثمة فيخرج السلة من تحت السرير، فيها الخبيص والفالوذج، فيقول: ما أشتهيه كلوا، أما إني ما جعلته إلا لكم. وكان موسراً، وكان يصر الدراهم، فإذا الرجل من أصحابه مخرق القميص أو الرداء أو به خلة تحينه فإذا خرج من الباب خرج هو من باب آخر حتى يلقاه فيعطيه فيقول: اشتر قميصاً اشتر رداء، اشتر حاجة كذا. عن طلحة: قال خيثمة: كان يعجبهم أن يموت الرجل عند خير يعمله، إما حج، وإما عمرة وإما غزاة وإما صيام رمضان. عن الأعمش قال: نفست امرأة المسيب بن رافع وهو غائب، فاشترى لها خيثمة خادماً بستمائة. عن الحكم عن خيثمة قال: إذا طلبت شيئاً فوجدته، فاسأل الله الجنة فلعله يكون يومك الذي يستجاب فيه. عن الأعمش، عن خيثمة قال: تقول الملائكة: يا رب عبدك المؤمن تزوي عنه الدنيا وتعرضه للبلاء؟ قال: فيقول للملائكة: اكشفوا لهم عن ثوابه فإذا رأوا ثوابه قالوا: يا رب لا يضره ما أصابه في الدنيا. قال: ويقولون: عبدك الكافر تزوي عنه البلاء وتبسط له الدنيا؟ قال: فيقول للملائكة: اكشفوا لهم عن عقابه. قال: فإذا رأوا عقابه قالوا: يا رب لا ينفعه ما أصابه من الدنيا. قال المؤلف: وقد روي هذا الكلام عن خيثمة، عن عبد الله بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الصحيح أنه من قوله خيثمة.

_ 414 - هو: خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة – بفتح المهملة وسكون الموحدة - الجعفي الكوفي، ثقة، وكان يرسل، من الثالثة، مات بعد سنة ثمانين.

عن محمد بن خالد الضبي قال: لم نكن ندري كيف يقرأ خيثمة القرآن، حتى مرض فثقل، فجاءته امرأة فجلست بين يديه فبكت. فقال لها: ما يبكيك؟ الموت لا بد منه. فقالت له المرأة: الرجال بعدك علي حرام. فقال لها خيثمة: ما كل هذا أردت منك، إنما كنت أخاف رجلاً واحداً وهو أخي محمد بن عبد الرحمن، وهو رجل فاسق يتناول الشراب فكرهت أن يشرب في بيتي الشراب بعد إذ القرآن يتلى فيه كل ثلاث. عن سفيان، عن رجل، عن خيثمة: أنه أوصى أن يدفن في مقبرة فقراء قومه. قال المصنف: أدرك خيثمة علي بن أبي طالب عليه السلام. وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وعدي بن حاتم، والنعمان بن بشير، في جماعة من الصحابة. ومات قبل أبي وائل.

عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد.

415 - عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد. أبو جعفر النخعي، كان يدخل على عائشة. محمد بن إسحاق قال: قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد حاجاً فاعتلت إحدى قدميه فقام يصلي حتى أصبح على قدم واحدة قال: وصلى الفجر بوضوء العشاء، قال: وقدم علينا ليث بن أبي سليم فصنع مثلها.

_ 415 - هو: عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة من الثانية، مات سنة تسع وتسعين.

القاسم بن مخيمرة الهمداني

416 - القاسم بن مخيمرة الهمداني كوفي الأصل ثم نزل الشام. سعيد بن عبد الملك قال: قال القاسم بن مخيمرة: ما اجتمع على مائدتي لونان من طعام واحد، ولا أغلقت بابي ولي خلفه هم. قال القاسم: وأتيت عمر بن عبد العزيز فقضى عني سبعين ديناراً وحملني على بغلة وفرض لي في كل سنة خمسين. فقلت: أغنني عن التجارة. فسألني عن حديث، فقلت هيبتني يا أمير المؤمنين. كأنه كره أن يحدثه به على هذا الوجه. عن الأوزاعي، عن القاسم: أنه كره صيد الطير أيام فراخه. روى القاسم عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وأسند عن خلق من التابعين. وتوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز.

_ 416 - هو: القاسم بن مخيمرة، بالمعجمة مصغر، أبو عروة الهمداني، بالسكون الكوفي، نزيل الشام، ثقة فاضل من الثالثة، مات سنة مائة.

ومن الطبقة الثالثة

ومن الطبقة الثالثة: 417 - طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب يكنى أبا عبد الله وقيل: أبا محمد وكان قارئ أهل الكوفة يقرؤون عليه القرآن فلما رأى كثرتهم عليه كره ذلك فمشى إلى الأعمش وقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش وتركوا طلحة. سفيان قال: قال الأعمش: ما رأيت مثل طلحة، إن كنت قائماً فقعدت قطع القراءة، وإن كنت محتبياً فحللت حبوتي قطع القراءة مخافة أن يكون أملني. ابن أبي غنية قال: حدثني شيخ عمن حدثته قالت: أرسل إلي طلحة بن مصرف: إني أريد أن أوتد في حائطك وتداً. فأرسلت إليه نعم - قالت: ودخلت خادمنا منزل طلحة تقتبس ناراً وطلحة يصلي. فقالت لها امرأته: مكانك يا فلانة حتى نشوي لأبي محمد هذا القديد على قصبتك يفطر عليه. فلما قضى صلاته قال: ما صنعت لا أذوقه حتى ترسل إلى سيدتها لحبسك إياها وشوائك على قصبتها. عن حريش بن سليم قال: كان طلحة بن مصرف يقول في دعائه: اللهم اغفر لي رئائي وسمعتي. عبد الصمد بن يزيد قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: بلغني عن طلحة أنه ضحك يوماً، فوثب على نفسه فقال: فيم تضحك؟ إنما يضحك من قطع الأهوال وجاز الصراط. ثم قال: آليت أن لا أفتر ضاحكاً حتى أعلم بم تقع الواقعة. فما رئي ضاحكاً حتى صار إلى الله عز وجل. عن ليث قال: كنت أمشي مع طلحة فقال: لو علمت أنك أسن مني بليلة ما تقدمتك. عن عبد الملك بن هانئ قال: خطب زبيد إلى طلحة ابنته. فقال: إنها قبيحة. قال: قد رضيت. قال: إن بعقبها أثراً. قال: قد رضيت. عبد الرحمن بن عبد الملك بن الحر عن أبيه قال: ما رأيت طلحة بن مصرف في ملأ إلا رأيت له الفضل عليهم.

_ 417 - هو: طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب اليامي - بالتحتانية - الكوفي ثقة قارئ فاضل، من الخامسة، مات سنة اثنتي عشرة أو بعدها.

الصلت بن بسطام قال: حدثني رجل من تيم الله، وكان قد جالس الشعبي وإبراهيم، قال: ما رأيت أحداً أملك للسانه من طلحة بن مصرف. حريش بن سليم قال: سألت زبيداً من أعجب من أدركت إليك؟ قال: ما أدركت أحداً أعجب إلي من طلحة. عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: يعجبني أخلاق طلحة بن مصرف وزيد وقد جرحتهما. عن محمد بن فضيل، عن أبيه قال: دخلنا على طلحة بن مصرف نعوده، فقال له أبو كعب: شفاك الله فقال: أستخير الله. عن ليث قال: حدثني طلحة في مرضه الذي مات فيه أن طاوساً كان يكره الأنين فما سمع طلحة يئن حتى مات رحمه الله. قال المؤلف: أدرك طلحة جماعة من الصحابة، وسمع من أنس، وعبد الله بن أبي أوفى، وعبد الله بن الزبير. وكان قد خرج مع قراء الكوفة إلى الجماجم أيام الحج، وتوفي بعد ذلك سنة اثنتي عشرة ومائة.

زبيد بن الحارث اليامي

418 - زبيد بن الحارث اليامي يكنى أبا عبد الرحمن، ويقال أبا عبد الله، الأشعث بن عبد الرحمن بن زبيد عن أبيه قال: كان زبيد قد قسم علينا الليل ثلاثا: ثلثاً عليه، وثلثاً علي، وثلثاً على أخي، فكان زبيد يقوم ثلثه ثم يضربني برجله فإذا رأى مني كسلاً قال: من يا بني فأنا أقوم عنك. ثم يجيء إلى أخي فيضربه برجله فإذا رأى منه كسلاً قال: من يا بني فأنا أقوم عنك قال: فيقوم حتى يصبح. قال الأشج: وحدثني المحاربي عن سفيان قال: دخلنا على زبيد نعوده فقلنا: شفاك الله فقال: أستخير الله. سفيان قال: كان زبيد إذا كانت الليلة مطيرة أخذ شعلة من النار فطاف على عجائز الحي فقال: أوكف عليكم بيت؟ أتريدون ناراً؟ فإذا أصبح طاف على عجائز الحي فقال: ألكم في السوق حاجة؟ أتريدون شيئاً؟

_ 418 - هو: زبيد – بموحدة - مصغر - ابن الحارث بن عبد الكريم بم عمرو بن كعب اليامي -بالتحتانية - أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة ثبت عابد، من السادسة، مات سنة اثنتين وعشرين أو بعدها.

قال وكيع: وحدثني أبي قال: كنت جالساً مع زبيد فأتاه رجل ضرير يريد أن يسأله. فقال له زبيد: إن كنت تريد أن تسأل عن شيء فإن معي غيري. محمد بن الحسين قال: حدثني سليمان بن أيوب عن بعض أشياخه قال: قام زبيد اليامي ذات ليلة ليتهجد قال: فعمد إلى مطهرة له قد كان يتوضأ منها فغمس يده في المطهرة. فوجد الماء بارداً شديداً كاد يجمد من شدة برده فذكر الزمهرير ويده في المطهرة. فلم يخرجها منها حتى أصبح. فجاءت الجارية وهي على تلك الحال فقالت: ما شأنك يا سيدي لم تصل الليلة كما كنت تصلي وأنت قاعد ها هنا على هذه الحال؟ قال: ويحك أدخلت يدي في هذه المطهرة فاشتد علي برد الماء فذكرت به الزمهرير، فوالله ما شعرت بشدة برد يدي حتى وقفت علي، فانظري لا تحدثني بها أحداً ما دمت حياً. قال: فما علم بذلك أحد حتى مات. أنبأ سفيان بن زبيد قال: يسرني أن يكون لي في كل شيء نية حتى في الأكل والنوم. قال سعيد بن جبير: لو خيرت عبداً ألقى الله في مسلاخه اخترت زبيداً الأيامي. المنذر أبو عبد الله من أهل الكوفة قال: قال لي محمد بن سوقة: لو رأيت طلحة وزبيداً لعلمت أن وجوههما قد أخلقها سهر الليل وطول القيام، وكانا والله ممن لا يتوسد الفراش. قال المؤلف: أدرك زبيد اليامي جماعة من الصحابة منهم: ابن عمر وأنس. وتوفي في سنة اثنتين وعشرين ومائة. وقيل: في سنة ثلاث وعشرين، في أولها. حنبل قال: سمعت أبا نعيم يقول: مات زبيد سنة اثنتين وعشرين ومائة. وكان طلحة أكبر من زبيد بعشر سنين، واستوفى زبيد عشر شنين قبل أن يموت.

عون بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود الهذلي

419 - عون بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود الهذلي مطرف بن معقل الشقري قال: سمعت عون بن عبد الله يقول: ذاكر الله في غفلة الناس، كمثل الفئة المنهزمة يحميها الرجل، لولا ذلك الرجل هزمت الفئة، ولولا من يذكر الله من غفلة الناس هلك الناس. سفيان قال: قال عون بن عبد الله: صحبت الأغنياء فلم يكن أحد أطول غماً مني إن رأيت أحداً أحسن ثياباً مني وأطيب ريحاً مني، فصحبت الفقراء فاسترحت.

_ 419 - هو: عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة عابد، من الرابعة، مات قبل سنة عشرين ومائة.

عن مسعود قال: قال عون بن عبد الله: كفى بك من الكبر أن ترى لك فضلاً على من هو دونك. عن أبي هارون قال: كان يحدثنا وللحيته رش بالدموع. عن المسعودي قال: قال عون بن عبد الله: ما أحسب أحداً تفرغ لعيب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه. وقال عون: جالسوا التوابين فإنهم أرق الناس قلوباً. مطرف بن معقل الشقري قال: حدثني عون بن عبد الله قال: الدنيا والآخرة في قلب ابن آدم ككفتي الميزان ترجح إحداهما بالأخرى وما تحاب رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه. المسعودي قال: قال عون بن عبد الله: إن من كان قبلنا كانوا يجعلون للدنيا ما فضل عن آخرتهم، وإنكم تجعلون لآخرتكم ما فضل عن دنياكم. عن عون قال: إن الله ليكره عبده على البلاء كما يكره أهل المريض مريضهم، وأهل الصبي صبيهم، على الدواء، ويقولون: اشرب هذا، فإن لك في عاقبته خيراً. عن المسعودي، عن فرعون قال: كان رجل يجالس قوماً فترك مجالستهم فأتي في منامه، فقيل له: تركت مجالستهم؟ لقد غفر لهم بعدك سبعين مرة. عن المسعودي عن عون بن عبد الله أنه كان يقول في بكائه وذكر خطيئته: ويح نفسي، بأي شيء لم أعص ربي؟ ويحي إنما عصيته بنعمته عندي، ويحي من خطيئة ذهبت شهوتها وبقيت تبعتها عندي، ويحي كيف أنسى الموت ولا ينساني؟ ويحي إن حجبت يوم القيامة عن ربي، ويحي كيف أغفل ولا يغفل عني؟ أم كيف تهنئني معيشتي واليوم الثقيل ورائي؟ أم كيف لا تطول حسرتي ولا أدري ما يفعل بي؟ أم كيف يشتد حبي لدار ليست بداري، أم كيف أجمع بها وفي غيرها قراري؟ أم كيف تعظم فيها رغبتي والقليل فيها يكفيني؟ أم كيف أوثرها وقد أضرت بمن آثرها قبلي؟ أم كيف لا أبادر بعملي قبل أن يغلق باب توبتي؟ أم كيف يشتد إعجابي بما يزايلني وينقطع عني؟ أم كيف لا يكثر بكائي ولا أدري ما يراد بي؟ أم كيف تقر عيني مع ذكر ما سلف مني؟ أم كيف تطيب نفسي مع ذكر ما هو أمامي؟ ويحي هل ضرب غفلتي أحداً سواي؟ أم هل يعمل لي غيري عن ضيعت حظي؟ ويحي كأنه قد تصرم أجلي ثم أعاد ربي

خلقي كما بدأني، ثم وقفني وسألني، ثم أشهدت الأمر الذي أذهلني وشغلت بنفسي من غيري، وسارت الجبال وليس لها مثل خطيئتي، وجمع الشمس والقمر وليس عليهما مثل حسابي، وانكدرت النجوم وليست تطلب بما عندي، وحشرت الوحوش ولم تعمل مثل عملي، وشاب الوليد وهو أقل ذنباً مني، ويحي ما أشد حالي وأعظم خطري، فاغفر لي واجعل طاعتك همتي ولا تعرض عني يوم تعرض، ولا تفضحني بسرائري ولا تخذلني بكثرة فضائحي، بأي عين أنظر إليك وقد علمت سرائري؟ وكيف أعتذر إليك إذا ختمت على لساني ونطقت جوارحي بكل الذي كان مني، إلهي أنا الذي ذكرت ذنوبي لم تقرعيني، أنا تائب إليك فاقبل ذلك مني، ولا تجعلني لنار جهنم وقوداً بعد توحيدي وإيماني برحتمك. المسعودي، عن عون بن عبد الله قال: ما أحد ينزل الموت حق منزلته إلا عد غداً ليس من أجله، كم من مستقبل يوماً لا يستكمله، وراج غداً لا يبلغه، لو تنظرون إلى الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره. عن ابن عجلان، عن عون بن عبد الله قال: إن تمام التقوى أن تبتغي إلى ما قد علمت منها علم ما لم تعلم، وإن النقص فيما قد علمت ترك ابتغاء الزيادة فيه، وإنما يحمل الرجل على ترك ابتغاء الزيادة قلة الانتفاع بما قد علم. عن زيد العمي، عن عون بن عبد الله قال: كان أهل الخير يكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات الثلاث ويلقى بها بعضهم بعضاً: من عمل لآخرته كفاه الله عز وجل دنياه، ومن أصلح ما بينه وبين الناس، أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته. أبي المحجل الأسدي قال: قال عون بن عبد الله: قلب التائب بمنزلة الزجاجة يؤثر فيها جميع ما أصابها، فالموعظة إلى قلوبهم سريعة، وهم إلى الرقة أقرب، فداووا القلوب بالتوبة، فلرب تائب دعته توبته إلى الجنة حتى أوفدته عليها، وجالسوا التوابين، فإن رحمة الله إلى التوابين أقرب. عن أبي معشر قال: رأيت عون بن عبد الله في مجلس أبي حازم يبكي ويمسح وجهه بدموعه. فقيل له: لم تمسح وجهك بدموعك؟ قال: بلغني أنه لا تصيب دموع الإنسان مكاناً من جسده إلا حرم الله عز وجل ذلك المكان على النار.

قال المؤلف: أدرك عون بن عبد الله جماعة من الصحابة. وسمع من ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة. وجمهور روايته عن أبيه.

أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي

420 - أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ولد في ولاية عثمان، عن مغيرة قال: كنت إذا رأيت أبا إسحاق ذكرت به الصدر الأول. أبو بكر بن عياش قال: سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: ذهبت الصلاة مني وضعفت ورق عظمي، إني اليوم أقوم في الصلاة فما أقرأ إلا البقرة وآل عمران. العلاء بن سام العبدي قال: ضعف أبو إسحاق عن القيام فكان لا يقدر أن يقوم إلى الصلاة حتى يقام، فإذا أقاموه فاستتم قائماً قرأ ألف آية وهو قائم. سفيان قال: كان أبو إسحاق يقوم ليل الصيف كله، وأما الشتاء فأوله وآخره، وبين ذلك هجعة. عن سفيان قال: قال أبو إسحاق: أما أنا فإذا استيقظت لم أقلها. قال المؤلف: أدرك أبو إسحاق خلقاً كثيراً من الصحابة، واسند عن ثلاثة وعشرين منهم، وسمع من علي بن أبي طالب وسعيد بن زيد وابن عمر، وأسامة، وابن الزبير، وانفرد بالرواية عن ثلاثة من الصحابة لم يرو عنهم غيره؛ أحدهم عبدة ابن حزن ويقال: عبيدة ويقال: بشر ويقال: نصر. والثاني: كدير الضبي، والثالث: مطر بن عكامس، فهؤلاء الثلاثة عدهم جماعة من أهل العلم في الصحابة، وأبي قوم أن يكون لهم صحبة. وتوفي أبو إسحاق في سنة ثمان وعشرين ومائة وقيل تسع وعشرين وهو ابن ثمان أو تسع وتسعين سنة.

_ 420 - هو: عمرو بن عبد الله بن عبيد، ويقال ابن أبي شعيرة الهمداني، أبو إسحاق السبيعي، بفتح المهملة، وكسر الموحدة، ثقة مكثر، من الثالثة، اختلط بآخرة، مات سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل قبل ذلك. قال الشيخ شعيب: قوله اختلط بآخره ليس بجيد، فإنه لم يختلط لكنه شاخ ونسي كما قال الإمام الذهبي.

عمرو بن مرة الجملي

421 - عمرو بن مرة الجملي من مراد. قراد قال: سمعت شعبة يقول: ما رأيت بالكوفة شيخاً خيراً من زبيد الأيامي، وما رأيت عمرو بن مرة في صلاته إلا ظننت أنه لا ينصرف حتى يستجاب له. سفيان قال: قلت لمعمر: من أفضل من رأيت؟ قال: ما يخيل إلي أني رأيت أحداً أفضله على عمرو بن مرة، ما رأيته قط يدعو إلا قلت: يستجاب له. عن العلاء بن المسيب، عن عمرو بن مرة قال: من طلب الآخرة أضر بالدنيا، ومن طلب الدنيا أضر بالآخرة، فأضروا بالفاني للباقي. سعيد بن سنان قال: قال عمرو بن مرة ما أحب أني بصير، إني أذكر أني نظرت نظرة وأنا شاب. عن أبي سنان، عن عمرو بن مرة قال: نظرت إلى امرأة فأعجبتني فكف بصري فأرجو أن يكون ذلك كفارة. سلام بن سليم قال: كنت أقرأ على عمرو بن مرة، فكنت أسمعه كثيراً يقول: اللهم اجعلني ممن يعقل عنك. مسعر قال: سمعت عبد الملك بن ميسرة يقول ونحن في جنازة عمرو بن مرة: إني لأحسبه خير أهل الأرض. قال المصنف: أسند عمرو عن عبد الله بن أبي أوفى وعن خلق من كبار التابعين. وتوفي سنة ست عشرة ومائة، وقيل سنة ثمان عشرة.

_ 421 - هو: عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق الجملي - بفتح الجيم والميم - المرادي، أبو عبد الله الكوفي، الأعمى، ثقة عابد كان لا يدلس، ورمي بالإرجاء، من الخامسة، مات سنة ثماني عشرة ومائة، وقيل قبلها.

حبيب بن أبي ثابت الأسدي

422 - حبيب بن أبي ثابت الأسدي مولى لبني كاهل - واسم أبي ثابت: قيس بن دينار. أبو بكر بن عياش قال: رأيت حبيب بن أبي ثابت ساجداً، فلو رأيته قلت ميت، يعني

_ 422 - هو: حبيب بن أبي ثابت، الإمام الحافظ فقيه الكوفة، أبو يحي القرشي الأسدي مولاهم، واسم أبيه قيس بن دينار، وقيل: قيس بن هند، ويقال: هند.

من طول السجود، عن كامل أبي العلاء قال: أنفق حبيب بن أبي ثابت على القراء مائة ألف. سفيان قال: قال حبيب بن أبي ثابت ما استقرضت من أحد شيئاً أحب إلي من نفسي، أقول لها أمهلي حتى تجيء من حيث أحب. قال المؤلف: أسند حبيب عن عمر وابن عباس وجابر وحكيم بن حزام وأنس بن مالك وابن أبي أوفى في آخرين وتوفي سنة تسع عشرة ومائة.

مجمع بن يسار

423 - مجمع بن يسار أبو حمزة التيمي. أبو الربيع الواسطي قال: سمعت حفص بن غياث يقول: دخل سفيان الثوري على مجمع التيمي فإذا في إزار سفيان خرق. قال: فأخذ أربعة دراهم فناول سفيان فقال: اشتر به إزاراً. فقال سفيان: لا أحتاج إليها. قال مجمع: صدقت، أنت لا تحتاج ولكني أحتاج. قال: فأخذها فاشترى بها إزاراً فكان سفيان يقول: كساني مجمع جزاه الله خيراً. وقال سفيان: ليس شيء من عمل أرجو أن يشوبه شيء كحبي مجمعاً التيمي. سفيان قال: خلف لنا أبو حيان التيمي وما مر من عمله شيء أوثق في نفسه من حبه مجمعاً التيمي. أبو بكر بن عياش قال: رأيت مجمعاً التيمي في سوق الغنم فقالوا له: كيف شاتك هذه؟ قال: ما أرضاها. قال أبو بكر: ومن كان أورع من مجمع؟ سفيان قال: قال مسعر: جاء مجمع بشاة إلى السوق يبيعها فقال: يخيل إلي أن في لبنا ملوحة. عن الأعمش، عن مجمع، أنه نزل عليه ضيف فما سأله من أين جئت؟ وما جاء بك؟ حتى خرج من عنده. قال المؤلف: لا نعلم مجمعاً أسند شيئاً إلا أنه قد روى عن ماهان الزاهد، وروى عنه أبو حيان التيمي وسفيان الثوري، وقال أبو حاتم الرازي: دعا مجمع ربه عز وجل أن يميته قبل الفتنة. فمات من ليلته، وخرج زيد بن علي من الغد.

_ 423 - هو: مجمع بن يسار، أبو حمزة التيمي، ثقة فاضل.

الربيع بن ابي راشد

424 - الربيع بن أبي راشد ويكنى أبا عبد الله. عمر بن ذر قال: كنت إذا رأيت الربيع بن أبي راشد كأنه مخمار من غير شراب. عن خلف بن حوشب قال: كنت مع الربيع بن أبي راشد في الجبانة قرأ رجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} الآية، فقال الربيع: حال ذكر الموت بيني وبين كثير من مما أريد من التجارة، فلو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لخشيت أن يفسد علي قلبي، ولولا أن أخالف من كان قبلي لكانت الجبانة مسكني إلى أن أموت. عن خلف بن حوشب قال: قال الربيع بن أبي راشد: اقرأ علي {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} فقرأتها عليه فبكى ثم قال: والله لولا أن تكون بدعة لسحت أو قال: لهمت - في الجبال. عمر بن ذر قال: قال الربيع بن أبي راشد، ورأى رجلاً مريضاً يتصدق بصدقة فقسمها بين جيرانه، فقال: الهدايا إمام الزيارة. فلم يلبث الرجل إلا أياماً حتى مات. فبكى عند ذلك الربيع وقال: أحسن والله بالموت وعلم أنه لا ينفعه من ماله إلا ما قدم بين يديه. عن مالك بن مغول قال: قال الربيع بن أبي راشد: لولا ما يأمل المؤمنون من كرامة الله عز وجل لهم بعد الموت لانشقت في الدنيا مرائرهم، ولتقطعت أجوافهم. عن سفيان قال: لم يكن بالكوفة رجل أكثر ذكراً للموت من الربيع بن أبي راشد إن كان الربيع من الموت لعلى حذر. قال المؤلف: أسند الربيع عن منذر الثوري، وسمع من سعيد بن جبير، وفي حديثه قلة.

_ 424 - هو: الربيع بن أبي راشد، هو الحاضر الشاهد الذاكر الواجد، انظر حلية الأولياء 5/88.

عبدة بن أبي لبابة

425 - عبدة بن أبي لبابة مولى قريش. يكنى أبا القاسم، عن الأوزاعي عن عبدة قال: إن أقرب الناس من الرثاء آمنهم له.

_ 425 - هو: عبدة بن أبي لبابة الأسدي مولاهم، ويقال: ولي قريش أبو القاسم البزار، الكوفي، نزيل دمشق، ثقة من الرابعة.

وعن عبيدة قال: إذا ختم الرجل القرآن نهاراً صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وإذا ختم القرآن ليلاً صلت عليه الملائكة حتى يصبح. عقبة بن علقمة قال: سمعت الأوزاعي يقول: كان عبدة إذا كان في المسجد لم يذكر شيئاً من أمر الدنيا. قال المؤلف: أدرك عبدة عبد الله بن عمر وسمع منه.

محمد بن جحادة الأودي

426 - محمد بن جحادة الأودي مولى لبني أود. عن سفيان قال: كان محمد بن جحادة من العابدين، وكان يقال إنه لا ينام من الليل إلا أيسره، قال: فرأت امرأة من جيرانه كأن حللاً فرقت على أهل مسجدهم لما انتهى الذي يفرقها إلى محمد بن جحادة دعا بسفط مختوم أخرج منه حلة صفراء. قالت: فلم يقم لها بصري فكساه إياها وقال له: هذه لك بطول السهر. قالت تلك المرأة: فوالله لقد كنت أراه بعد ذلك فأخالها عليه. روى محمد بن جحادة عن أبي صالح وروى عنه الثوري.

_ 426 - هو: محمد بن جحادة - بضم الميم - وتخفيف المهملة - ثقة من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين.

ومن الطبقة الرابعة

ومن الطبقة الرابعة: 427 - منصور بن المعتمر السلمي يكنى أبا عتاب. عن زائدة بن قدامة قال: صام منصور بن المعتمر أربعين سنة قام ليلها وصام نهارها، وكان الليل يبكي فتقول له أمه: يا بني أقتلت قتيلاً؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعت بنفسي قال: فإذا أصبح كحل عينيه ودهن رأسه وبرق شفتيه وخرج إلى الناس. فأخذه يوسف بن عمر عامل الكوفة يريده على القضاء فامتنع. قال: فجاءه خصمان فقعدا بين يديه فلم يسألهما ولم يكلمهما. وقيل ليوسف بن عمر: إنك لو نثرت لحمه لم يل لك قضاء فخلى عنه. قال المؤلف: هكذا في هذه الرواية صام أربعين سنة - وفي رواية أخرى عن زائدة: صام سنة - وفي رواية: صام ستين سنة. أبو عوانة قال: لما أجلس منصور بن المعتمر في القضاء كان يأتيه الرجل فيقص عليه، فيقول: قد فهمت ما قلت ولا أدري ما الجواب فيه فكان يفعل ذلك فذكروا ذلك لابن هبيرة، وكان هو الذي ولاه. فقال: هذا أمر لا يصلح إلا أن يعين عليه صاحبه بشهوة فتركه. أبو بكر بن عياش قال: ربما كنت مع منصور في منزله جالساً فتصيح به أمه، وكانت فظة غليظة. فتقول: يا منصور يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى عليه؟ وهو واضح لحيته على صدره ما يرفع طرفه إليها. حسن بن صالح قال: كان منصور في الديوان قال له إنسان: ناولني الطين أختم به. قال: أرني كتابك حتى أنظر أي شيء فيه؟. العلاء بن سالم العبدي قال: كان منصور، يعني ابن المعتمر، يصلي في سطحه. فلما مات قال غلام لأمه: يا أماه الجذع الذي كان في سطح آل فلان ليس أراه. قالت: يا بني ليس ذاك بجذع، ذاك منصور قد مات. أبو بشر قال: كانت جارة لمنصور بن المعتمر، وكان لها ابنتان لا تصعدان السطح إلا

_ 427 - هو: منصور بن المعتمر بن عبد الله السلمي، أبو عتاب، بمثناة ثقيلة ثم موحدة، الكوفي، ثقة ثبت، وكان لا يدلس من طبقة الأعمش، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة.

بعد ما ينام الناس، فقالت إحداهما ذات ليلة: يا أمتاه، ما فعلت القائمة التي كنت أراها في سطح فلان؟ فقالت: يا بنية لم تكن تلك قائمة إنما كان منصور يحيي الليل كله في ركعة لا يسجد فيها ولا يركع. قال أبو الأحوص: إن منصور بن المعتمر كان إذا جاء الليل اتزر وارتدى إن كان صيفاً، وإن كان شتاء التحف فوق ثيابه ثم قام إلى محرابه كأنه خشبة منصوبة حتى يصبح. زائدة بن قدامة قال: كان منصور بن المعتمر إذا رأيته قلت: رجل قد أصيب بمصيبة منكس الطرف، منخفض الصوت، رطب العينين، إن حركته جاءت عيناه بأربع. ولقد قالت له أمه يوماً: ما هذا الذي تصنع بنفسك؟ تبكي الليل عامته لا تكاد تسكت. لعلك يا بني أصبت نفساً لعلك قتلت قتيلاً. قال: فيقول: يا أماه أنا أعلم ما صنعت بنفسي. عن سفيان قال: كانوا يقولون في ذلك الزمان: إن أطول أهل الكوفة تهجداً طلحة وزبيد وعبد الجبار بن وائل، قال الحميدي: فقلت: فمنصور؟ قال: نعم إنما كان الليل عنده مطية من المطايا متى شئت أصبته قد ارتحله. سفيان بن عيينة، وذكر منصور بن المعتمر، فقال: قد كان عمش من البكاء. عن الثوري قال: لو رأيت منصوراً يصلي لقلت يموت الساعة. خلف بن تميم قال: سمعت أبي تميم بن مالك يقول: كان منصور بن المعتمر إذا صلى الغداة أظهر النشاط لأصحابه فيحدثهم ويكثر إليهم، ولعله إنما بات قائماً على أطرافه، كل ذلك ليخفي عليهم العمل. عن أبي عمار قال: سمعت عطاء بن جبلة يقول: سألوا أم منصور بن المعتمر عن عمله، فقالت: كان ثلث الليل يقرأ، وثلثه يبكي وثلثه يدعو. جرير قال: صام منصور وقام فكان يأكل فيرى الطعام في مجراه. ابن عيينة قال: رأيت منصور بن المعتمر في المنام فقلت: ما فعل الله بك قال: كدت ألقى بعمل نبي. قال سفيان: إن منصوراً أقام ستين سنة. يقوم ليلها ويصوم نهارها. قال المؤلف: أدرك منصور بن المعتمر أنس بن مالك، وروى عنه، ورأى ابن أبي أوفى، وروى عن جماعة من التابعين، كالأعمش، وسليمان التيمي، وأيوب السختياني. وتوفي في سنة اثنتين وثلاثين ومائة.

ضرار بن مرة الشيباني

428 - ضرار بن مرة الشيباني يكنى أبا سنان شهاب الدين بن عباد قال: قال أصحابنا: كان البكاؤون بالكوفة أربعة: ضرار بن مرة، وعبد الملك بن أبجر، ومحمد بن سوقة، ومطرف بن طريف. وكان ضراراً قد حفر قبره قبل موته بخمس عشرة سنة، فكان يأتيه فيختم فيه القرآن. محمد بن فضيل قال: كان ضرار حفر في بيته قبراً كان يتعبد فيه. المحاربي قال: كان ضرار بن مرة ومحمد بن سوقة إذا كان يوم الجمعة طلب كل واحد منهما صاحبه، فإذا اجتمعا جلسا يبكيان، عبد الله بن الأجلح قال: كان ضرار بن مرة يقول لنا: لا تجيئوني جماعة ولكن ليجيء الرجل وحده فإنكم إذا اجتمعتم تحدثتم، وإذا كان الرجل وحده لم يخل من أن يدرس جزأه أو يذكر ربه. أبو سنان قال: قال إبليس: إذا استمكنت من ابن آدم ثلاثاً أصبت منه حاجتي: إذا نسي ذنوبه، واستكثر عمله، وأعجب برأيه. قال المصنف: أسند ضرار عن سعيد بن جبير وغيره.

_ 428 - هو: الباكي اليقظان ضرار بن مرة، ويكنى أبا سنان، شهاب الدين، انظر حلية الأولياء 5/105.

محمد بن سوقة

429 - محمد بن سوقة مولى بجيلة، يكنى أبا بكر وكان سوقة بزازاً. قال سفيان: ما بقي أحد يدفع به عن أهل الكوفة إلا ابن سوقة، كانت عنده عشرون ومائة ألف فقدمها. قال العباس: وسمعت شهاب بن عباد قال: دخل رجل بيت محمد بن سوقة فرأى على الباب ستر مسح، فجعل ينظر إليه، ففطن ابن سوقة فقال: لعلك ترى أني ندمت، لا ما ندمت. سفيان بن عيينة قال: نزل محمد بن المنكدر على محمد بن سوقة بالكوفة فحمله على حمار، فسألوه فقالوا: يا عبد الله أي العمل أحب إليك؟ قال: إدخال السرور على المؤمن. قالوا: فما بقي مما يستلذ؟ قال: الإفضال على الإخوان.

_ 429 - هو: محمد بن سوقة – بضم المهملة - الغنوي - بفتح المعجمة والنون الخفيفة - الكوفي العابد، ثقة مرض من الخامسة.

عن مهدي بن سابق قال: طلب ابن أخي محمد بن سوقة منه شيئاً فبكى فقال له: والله يا عم لو علمت أن مسألتي تبلغ منك هذا ما سألتك قال: ما بكيت لسؤالك إنما بكيت لأني لم أبتدئك قبل سؤالك. عن فضيل بن عياض، عن محمد بن سوقة قال: أمران لو لم نعذب إلا بهما لكنا مستحقين بهما لعذاب الله: أحدنا يزاد الشيء من الدنيا فيفرح فرحاً ما علم الله أنه فرحه بشيء زاده قط في دينه، وينقص الشيء من الدنيا فيحزن عليه حزناً ما علم أنه حزنه على شيء نقصه قط في دينه. قال المؤلف: أدرك محمد بن سوقة عن أنس بن مالك، وأبا الطفيل، وعامة روايته عن كبار التابعين.

سليمان بن مهران الأعمش الأسدي

430 - سليمان بن مهران الأعمش الأسدي يكنى أبا محمد مولى لبني كاهل. عن عيسى بن يونس قال: ما رأينا في زماننا مثل الأعمش، ما رأيت الأغنياء والسلاطين في مجلس أحد أحقر منهم في مجلس الأعمش وهو محتاج إلى درهم. وكيع قال: كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم يفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه قريباً من سبعين فما رأيته يقضي ركعة. إبراهيم بن عرعرة قال: سمعت يحيى القطان إذا ذكر الأعمش قال: كان من النساك، وكان محافظاً على الصلاة في الجماعة وعلى الصف الأول. قال يحيى: وهو علامة الإسلام. الوليد بن صالح الطائي قال: قال الأعمش: إني لأحب أن أعافى في إخواني لأنهم إن بلوا بليت معهم إما بالمواساة وفيها مؤونة، وإما بالخذلان وفيه عار. سفيان قال: لو رأيت الأعمش لقلت: مسكين. أبو بكر بن عياش قال: دخلت على الأعمش في مرضه الذي توفي فيه فقلت: أدعو لك طبيباً؟ فقال: ما أصنع به؟ فوالله لو كانت نفسي في يدي لطرحتها في الحش، إذا أنا مت فلا تؤذنن بي أحداً واذهب بي فاطرحني في لحدي.

_ 430 - هو: سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي، أبو محمد الكوفي، الأعمش، ثقة حافظ، عارف بالقراءات ورع لكنه يدلس من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين، أو ثمان وكان مولده أول سنة إحدى وستين.

قال المؤلف: أدرك الأعمش جماعة من الصحابة وعاصرهم، ورأى أنس بن مالك، وسمعه يقرأ، ولم يحمل عنه شيئاً مرفوعاً، وأرسل عن ابن أبي أوفى. الفضل بن دكين ووكيع قالا: ولد الأعمش يوم قتل الحسين، وذلك يوم عاشوراء سنة ستين، وتوفي سنة ثمان وأربعين ومائة، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقد قال يحيى بن عيسى الرملي: ولد سنة ثمان وخمسين. وقال الهيثم بن عدي: مات سنة سبع وأربعين ومائة.

أبو حيان بن سعيد التيمي

431 - أبو حيان بن سعيد التيمي سمع من الشعبي وكان ثقة صالحاً. عبد الله بن إدريس قال: ما رأيت الليل على أحد من الناس أخف منه على أبي حيان التيمي، صحبناه مرة إلى مكة، فكان إذا أظلم الليل فكأنه مثل هذه الزنابير إذا هيجت من عشها.

_ 431 - هو: أبو حيان - بتشديد التحتانية - اسمه يحيى بن سعد بن حيان - بمهملة وتحتانية - الكوفي، ثقة عابد من السادسة، مات سنة خمس وأربعين.

معروف بن واصل التيمي

432 - معروف بن واصل التيمي أحمد بن عبد الله بن يونس قال: كان معروف إمام مسجد بني عمرو بن سعد، وكان يختم القرآن في كل ثلاث سفراً وحضراً. أم قومه ستين سنة لم يسه في صلاة قط لأنها كانت تهمه.

موسى بن أبي عائشة

433 - موسى بن أبي عائشة يكنى أبا بكر، مولى آل جعدة بن هبيرة الكوفي، جرير بن عبد الحميد قال: رأيت موسى بن أبي عائشة، وإذا رأيته ذكرت الله لرؤيته وكان بين عينيه أثر السجود. أبو بكر القرشي قال: أخبرني إسحاق بن إسماعيل قال: أخبرنا سفيان قال: أخبروني عن عمرو بن قيس قال: ما رفعت رأسي بليل قط إلا رأيت موسى بن أبي عائشة قائماً يصلي. قال القرشي وقال غير إسحاق: وكان يدعى المتهجد، من شدة تغير لونه. قال المؤلف: رأى عمرو بن حريث، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن شداد، وعبيد الله بن عبد الله، في آخرين، وروى عنه الثوري، وكان يثني عليه.

خلف بن حوشب

434 - خلف بن حوشب عن عبد السلام بن حرب قال: ما رأيت أصبر على السهر من خلف بن حوشب، سافرت معه إلى مكة فما رأيته نائماً بليل حتى رجعنا إلى الكوفة.

_ 434 - هو: ذو السمت المهذب، والكلام المحبب، أبو عبد الرحمن بن خلف بن حوشب، انظر حلية الأولياء 5/85.

كرز بن وبرة

435 - كرز بن وبرة كوفي الأصل، إلا أنه سكن جرجان، محمد بن فضيل بن غزوان عن أبيه قال: دخلت على كرز بن وبرة بيته فإذا عند مصلاه حفيرة وقد ملأها تبناً وبسط عليها كساء من طول القيام، وكان يقرأ القرآن في اليوم والليلة ثلاث مرات. قال: أنبأ محمد بن فضيل، عن أبيه، أو عن نفسه قال: كان كرز، إذا خرج، يأمر بالمعروف فيضربونه حتى يغشى عليه. عن شبرمة قال: صحبنا كرزاً الحارثي فكنا إذا نزلنا إلى الأرض فإنما هو قائل ببصره هكذا، ينظر، فإذا رأى بقعة تعجبه ذهب فصلى فيها حتى يرتحل. قال ابن شبرمة: سأل كرز بن وبرة ربه عز وجل أن يعطيه اسمه الأعظم على أن لا يسأل به شيئاً من الدنيا. فأعطاه ذلك فسأل الله عز وجل أن يقوى حتى يختم القرآن في اليوم والليلة ثلاث مرات. خلف بن تميم قال: سمعت أبي يذكر قال: قدم علينا كرز بن وبرة الحارثي من جرجان، فانجفل إليه قراء أهل الكوفة فكنت فيمن أتاه وما سمعت منه إلا كلمتين. قال: صلوا على نبيكم صلى الله عليه وسلم فإن صلاتكم تعرض عليه. وقال: اللهم اختم لنا بخير، وما رأيت في هذه الأمة أعبد من كرز، كان لا يفتر، وكان يصلي في المحمل فإذا أنزل من المحمل افتتح الصلاة. عن صبيح مولى كرز بن وبرة قال: أخبرني أبو سليمان المكتب قال: صحبت كرزاً إلى مكة فكان إذا نزل أدرج ثيابه فألقاها في الرحل ثم تنحى للصلاة، فإذا سمع رغاء الإبل أقبل. قال: فاحتبس يوماً عن الوقت وانبث أصحابه في طلبه، فكنت فيمن طلبه، قال فأصبته في

_ 435 - هو: كرز بن وبرة الحارثي، الزاهد القدوة، أبو عبد الله الكوفي، انظر سير أعلام النبلاء 6/315.

وهدة يصلي في ساعة حارة، وإذا سحابة تظله، فلما رآني أقبل نحوي فقال: يا أبا سليمان لي إليك حاجة قلت: وما حاجتك؟ قال: أحب أن تكتم ما رأيت. قال: قلت: ذلك لك. قال: أوثق لي، فحلفت أن لا أخبر به أحداً حتى يموت. محمد بن فضيل قال: سمعت أبي يقول: لم يرفع كرز بن وبرة رأسه إلى السماء منذ أربعين سنة. عمرو بن حميد قال: أخبرني رجل من أهل جرجان قال: لما مات كرز رأى رجل فيما يرى النائم كأن أهل القبور جلوس على قبورهم، وعليهم ثياب جدد، فقيل لهم: ما هذا؟ فقالوا، إن أهل القبور كسوا ثياباً جدداً لقدوم كرز عليهم. أبو داود الحفري قال: دخلت على كرز بن وبرة بيته فإذا هو يبكي فقيل له ما يبكيك؟ قال: إن بابي لمغلق، وإن ستري لمسبل، ومنعت جزئي أن أقرأه البارحة، وما هو إلا من ذنب أذنبته. قال المؤلف: اسند كرز عن طاوس، وعطاء، والربيع بن خيثم، والقرظي في آخرين.

أبو يونس القوي

436 - أبو يونس القوي واسمه الحسن بن يزيد العجلي، إسماعيل بن زبان قال: إنما سمي أبو يونس العجلي القوي لقوته على العبادة، صلى حتى أقعد، وبكى حتى عمي، وصام حتى صار كالحشفة. وقال البخاري: قال أبو عاصم: قدم علينا أبو يونس فطاف في يوم واحد سبعين طوافاً. وسمع أبو يونس من أبي سلمة، وسعد بن جبير، ومجاهد.

_ 436 - هو: الحسن بن يزيد بن فروخ الغمري، مكي، سكن الكوفة، ثقة، من السادسة، وقيل: إن فروخا غير أبي يونس.

عبد الملك بن سعيد بن أبجر المتطيب

437 - عبد الملك بن سعيد بن أبجر المتطيب. الوليد بن شجاع قال: حدثني أبي قال: كان ابن أبجر، من شدة التوقي، يقول من لا يعرفه، إنه عيي وما به إلا شدة التوقي. الوليد بن شجاع قال: حدثني أبي قال: كان ابن أبجر من شدة التوقي إنما يتكلم بالمعاريض.

_ 437 - هو: عبد الملك بن سعيد بن حيان، بالتحتانية، ابن أبجر، بموحدة وجيم، الكوفي، ثقة عابد، من السادسة.

عن السليط بن بسطام التميمي. قال: قال لي أبي: ألزم عبد الملك بن أبجر فتعلم من توقيهفي الكلام، فما أعلم بالكوفة أشد حفظاً للسانه منه. عن جعفر الأحمر قال: كان أصحابنا البكاؤون أربعة: عبد الملك بن أبجر، ومحمد بن سوقة، ومطرف بن طريف، وضرار بن مرة. سفيان قال: قال سلمة بن كهيل: ما بالكوفة أحد أحب أن أكون في مسلاخه أحب إلي من ابن أبجر. سفيان الثوري قال: خمسة من أهل الكوفة يزدادون في كل يوم خيراً منهم ابن أبجر. عن عبد الملك بن أبجر قال: ما من الناس إلا مبتلى بعافية لينظر كيف شكره أو مبتلى ببلية لينظر كيف صبره. قال المؤلف: أسند ابن أبجر عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، وعن زر بن حبيش والشعبي، في جماعة نظرائهم.

عمرو بن قيس الملائي

438 - عمرو بن قيس الملائي إسحاق بن خف قال: أقام عمرو بن قيس الملائي عشرين سنة صائماً ما يعلم به أهله يأخذ غداءه ويغدو إلى الحانوت فيتصدق بغذائه ويصوم، وأهله لا يدرون. قال: وكان إذا حضرته الرقة يحول وجهه إلى الحائط ويقول لجلسائه: هذا الزكام، وإذا نظر إلى أهل السوق قال: ما أغفل هؤلاء عما أعد لهم. مفضل بن غسان قال: قال عمرو: حديث أرقق به قلبي وأتبلغ به إلى ربي عز وجل أحب غلي من خمسين قضية من قضايا شريح. أبو خالد الأحمر قال: سمعت عمرو بن قيس الملائي يقول: إذا بلغك شيء من الخير فاعمل به ولو مرة تكن من أهله. عبد الرحمن بن الحكم بن بشير بن سليمان قال: أنبأ أبي قال: رأيت سفيان يجيء إلى عمرو بن قيس يجلس بين يديه ينظر إليه لا يكاد يصرف بصره عنه. أظنه يحتسب في ذلك. صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي قال: حدثني أبي عن أبيه عبد الله قال: جاءت امرأة

_ 438 - هو: عمرو بن قيس الملائي، بضم الميم وتخفيف اللام والمد - أبو عبد الله الكوفي، ثقة متقن عابد، من السادسة، مات سنة بضع وأربعين.

إلى عمرو بن قيس بثوب فقالت: يا أبا عبد الله اشتر هذا الثوب واعلم أن غزله ضعيف. قال: فكان إذا جاءه إنسان يعرضه عليه، قال: إن صاحبته أخبرتني أنه كان في غزله ضعف حتى جاء رجل فاشتراه وقال: هذا برأناك منه. عمر بن حفص بن غياث قال: لما احتضر عمرو بن قيس الملائي بكى، فقال أصحابه: على ما تبكي من الدنيا؟ فوالله لقد كنت تبغض العيش أيام حياتك، فقال: والله ما أبكي على الدنيا إنما أبكي خوفاً أن أحرم خوف الآخرة. المحاربي قال: قال لي سفيان: عمرو بن قيس هو الذي أدبني، علمني قراءة القرآن وعلمني الفرائض، وكنت أطلبه في سوقه فإن لم أجده في سوقه وجدته في بيته إما يصلي وإما يقرأ في المصحف، كأنه يبادر أموراً تفوته، فإن لم أجده في بيته وجدته في بعض مساجد الكوفة في زاوية من زوايا المسجد كأنه سارق قاعداً يبكي. فإن لم أجده وجدته في المقبرة قاعداً ينوح على نفسه. فلما مات عمرو بن قيس أغلق أهل الكوفة أبوابهم وخرجوا بجنازته. فلما خرجوا إلى الجبان وبرزوا بسريره، وكان أوصى أن يصلي عليه أبو حيان التيمي، تقدم أبو حيان وكبر عليه أربعاً، وسمعوا صائحاً يصيح: قد جاء المحسن. وإذا البرية مملوءة من طير أبيض لم ير على خلقتها وحسنها. فجعل الناس يعجبون من حسنها وكثرتها. فقال أبو حيان: من أي شيء تعجبون؟ هذه الملائكة جاءت فشهدت عمراً. عن عبد الله بن سعيد الجعفي قال: حضرنا جنازة عمرو بن قيس فحضره قوم كثير عليهم ثياب بيض، فلما صلي عليه ذهبوا فلم نرهم. محمد بن يزيد الرفاعي قال: سمعت من لا أحصى كثرة يقول: مات عمرو بن قيس بناحية فارس، فاجتمع على جنازته ما لا يحصى، فلما دفن نظروا فلم يجدوا أحداً. أبو خالد، وهو الأحمر، قال: لما مات عمرو بن قيس الملائي رأوا الصحراء مملوءة رجالاً عليهم ثياب بيض فلما صلي عليه ودفن لم نر في الصحراء أحداً. فبلغ ذلك أبا جعفر فقال لابن شبرمة وابن أبي ليلى: ما منعكما أن تذكرا هذا الرجل؟ فقالا: كان يسألنا أن لا نذكره لك. قال المؤلف: سمع عمرو من عكرمة، وعطاء، والمنهال بن عمرو، وأبي إسحاق السبيعي، وابن المنكدر، في خلق كثير من التابعين، وتوفي بسجستان، ويقال بالكوفة، ويقال بالشام، ويقال ببغداد. والله أعلم.

عطوان بن عمرو التميمي

439 - عطوان بن عمرو التميمي عن سليمان بن حيان، أبو خالد الأحمر، قال: كان عطوان بن عمرو التميمي رجلاً منقطعاً، وكان يلزم الجبان بظهر الكوفة فأتاه قوم يسلمون عليه فوجدوه مغشياً عليه بين القبور، فلم يزالوا عنده حتى أفاق فاستحيا منهم فجعل يقول لهم كهيئة المعتذر: ربما غلب علي النوم، وربما أصابني الإعياء فألقى نفسي هكذا. محمد بن السماك قال: ما رأيت أحداً أشد حذراً للموت من عطوان بن عمرو. داود الطائي قال: سألت عطوان بن عمرو التميمي قلت: ما قصر الأمل؟ قال: ما بين تردد النفس. قال رستم: فحدثت به الفضيل بن عياض فبكى وقال: يقول: يتنفس فيخاف أن يموت قبل أن ينقطع نفسه، لقد كان عطوان من الموت على حذر.

قيس بن مسلم الجدلي

440 - قيس بن مسلم الجدلي سفيان قال: كان قيس بن مسلم يصلي حتى السحر، ثم يجلس فيمسح البكاء ساعة بعد ساعة، وهو يقول: لأمر ما خلقنا، لئن لم نختم الآخرة بخير لنهلكن. قال: وزار قيس بن مسلم محمد بن جحادة ذات ليلة فأتاه وهو في المسجد بعد صلاة العشاء، قال: ومحمد قائم يصلي، فقام قيس بن مسلم في الناحية الأخرى يصلي. فلم يزالا على ذلك حتى طلع الفجر. وكان قيس بن مسلم إمام مسجده. قال فرجع إلى الحي فأمهم ولم يلتقيا. ولم يعلم محمد مكانه. قال: فقال له بعض أهل المسجد: زارك أخوك قيس بن مسلم البارحة فلم تنفتل إليه. قال: ما علمت بمكانه. قال: فغدا عليه فلما رآه قيس بن مسلم مقبلاً قام إليه فاعتنقه ثم خلوا جميعاً فجعلا يبكيان، روى قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن جبير. ومات سنة عشرين ومائة.

_ 440 - هو: قيس بن مسلم الجدلي – بفتح الجيم - أبو عمرو الكوفي ثقة رمي بالإرجاء، مات سنة عشرين.

ومن الطبقة الخامسة

ومن الطبقة الخامسة: 441 - مسعر بن كدام بن ظهير يكنى أبا سلمة سفيان بن عيينة قال: ما لقيت أحداً أفضله على مسعر قال سفيان الثوري: لم يكن في زماننا مثله، يعني مسعراً. أبو خالد الأحمر قال: لم يكن في أترابه أطول صمتاً منه، يعني مسعراً، ومحمد بن مسعر قال: كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن، فإذا فرغ من ورده لف رداءه ثم هجع هجعة خفيفة، ثم يثب كالرجل الذي قد ضل منه شيء فهو يطلبه، فإنما هو السواك والطهور، ثم يستقبل المحراب كذلك إلى الفجر، وكان يجهد على إخفاء ذلك جداً، عن أبي أسامة قال: سمعت مسعراً يقول: أشتهي أن أسمع صوت باكية حزينة. محمد بن كناسة قال: سمعت مسعراً يقول: من أهمته نفسه تبين ذلك عليه. سفيان قال: قال رجل لمسعر: أتحب أن يخبرك الرجل بعيوبك؟ قال: إن كان ناصحاً فنعم، وإن كان يريد أن يؤنبني فلا. عبد الله بن المغيرة قال: سمعت مسعر بن كدام ينشد: ألا قد فسد الدهر ... فأضحى حلوه مرا وقد جربت من أهوى ... فقد أنكرتهم طرا فألزم نفسك اليأس ... من الناس تعش حرا عبد الرحمن بن صالح يقول: قال مسعر بن كدام: تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الإثم والعار تبقى عواقب سوء من مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النار الفيض بن الفضل العجلي قال: حدثني جار لمسعر قال: بكى مسعر فبكت أمه فقال لها مسعر: ما أبكاك يا أماه؟ فقالت: يا بني رأيتك تبكي فبكيت فقال: يا أماه لمثل ما نهجم عليه غداً فلنطل البكاء. قالت: وما ذاك؟ فانتحب فقال: القيامة وما فيها. قال: ثم غلبه البكاء فقام.

_ 441 - هو: مسعر بن كدام – بكسر أوله وتخفيف ثانيه، ابن ظهير الهلالي، أبو سلمة، الكوفي، ثقة ثبت فاضل من السابعة، مات سنة ثلاث أو خمس وخمسين.

قال: وكان مسعر يقول: لولا أمي لما فارقت المسجد إلا لما لا بد منه، وكان إن دخل بكى، وإن خرج بكى، وإن صلى بكى، وإن جلس بكى. حسين بن يحيى بن آدم، عن أبيه قال: لما حضرت مسعراً الوفاة دخل عليه سفيان الثوري فوجده جزعاً فقال له: تجزع؟ فوالله لوددت أني مت الساعة! فقال مسعر: أقعدوني. فأعاد سفيان الكلام عليه، فقال: إنك إذاً لواثق بعملك يا سفيان، لكني والله على شاهقة جبل لا أدري أين أهبط. فبكى سفيان وقال: أنت أخوف لله مني. أحمد بن داود الحراني قال: مصعب بن المقدام يقول: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، وسفيان الثوري آخذ بيده، وهما يطوفان، فقال الثوري: يا رسول الله مات مسعر بن كدام؟ قال: نعم، واستبشر به أهل السماء. قال المؤلف: أسند مسعر عن أعلام التابعين، وتوفي بالكوفة سنة اثنتين، وقيل سنة خمس وخمسين ومائة.

داود بن نصير الطائي

442 - داود بن نصير الطائي يكنى أبا سليمان، سمع الحديث وتفقه، ثم اشتغل بالتعبد. أحمد بن أبي الحواري قال: حدثني بعض أصحابنا قال: كان داود الطائي يجالس أبا حنيفة فقال له أبو حنيفة: يا أبا سليمان أما الأداة فقد أحكمناها. قال داود: فأي شيء بقي؟ قال: بقي العمل به. قال: فنازعتني نفسي إلى العزلة والوحدة، فقلت لها: حتى تجلسي معهم فلا تجيبي في مسئلة. قال: فكان يجالسهم سنة قبل أن يعتزل. قال: فكانت المسئلة تجيء وأنا أشد شهوة للجواب فيها من العطشان إلى الماء فلا أجيب فيها. قال: فاعتزلتهم بعد. أبو أسامة قال: جئت أنا وابن عيينة داود الطائي فقال: قد جئتماني مرة فلا تعودا إلي. ابن عائشة قال: مر داود بمقبرة فسمع امرأة وهي تقول: يا حبي ليت شعري بأي خديك بدأ البلى؟ باليمنى أم باليسرى؟ قال: فصعق. قال: وكان الثوري إذا ذكره قال: أبصر الطائي أمره. محمد بن حاتم البغدادي قال: سمعت الجماني يقول: كان بدو توبة الطائي أنه دخل المقبرة فسمع امرأة عند قبر وهي تقول:

_ 442 - هو: داود بن نضير الطائي - بضم النون - أبو سليمان الطائي الكوفي ثقة فقيه زاهد، من الثامنة مات سنة ستين، وقيل: خمس وستين.

مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب تزيد بلى في كل يوم وليلة ... وتسلى كما تبلى وأنت حبيب أحمد بن أبي الحواري قال: حدثني محمد يحيى عن داود الطائي قال: ما أخرج الله عبداً من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا بشر. عن بكر بن محمد قال: قال لي داود الطائي: فر من الناس كما تفر من الأسد. محمد بن عثمان الصيرفي قال: جاء أبو الربيع الأعرج إلى داود الطائي من واسط ليسمع منه شيئاً ويراه. فأقام على بابه ثلاثة أيام لا يصل اليد. قال: وكان إذا سمع الإقامة خرج فإذا سلم الإمام وثب فدخل منزله. قال: فصليت في مسجد آخر ثم جئت فجلست على بابه فلما جاء ليدخل الدار قلت: ضيف رحمك الله. قال: إن كنت ضيفاً فادخل، فدخلت فأقمت عنده ثلاثة أيام لا يكلمني. فلما كان بعد ثلاث قلت: رحمك الله أتيتك من واسط وإني أحببت أن تزودني شيئاً. قال: صم الدنيا واجعل فطرك الموت. قلت: زدني رحمك الله. قال: فر من الناس فرارك من الأسد، غير طاعن عليهم، ولا تارك لجماعتهم. قال: فذهبت أستزيده فوثب إلى المحراب وقال: الله أكبر. عن أبي الربيع الأعرج قال: أتيت داود الطائي، وكان لا يخرج من منزله حتى يقول: قد قامت الصلاة فيخرج فيصلي فإذا سلم الإمام أخذ نعله ودخل منزله. فلما طال ذلك علي أدركته يوماً فقلت: يا أبا سليمان على رسلك فوقف لي فقلت له أبا سليمان أوصني قال: اتق الله، وإن كان لك والدان فبرهما. ثم قال: ويحك صم الدنيا واجعل الفطر موتك، واجتنب الناس غير تارك لجماعتهم. عبد الله بن إدريس قال: قلت لداود الطائي: أوصني. قال: أقلل من معرفة الناس. قلت: زدني. قال: ارض باليسير من الدنيا مع سلامة الدين كما رضي أهل الدنيا مع فساد الدين. قلت: زدني. قال: اجعل الدنيا كيوم صمته ثم أفطرت على الموت. إسحاق بن منصور السلولي قال: دخلت أنا وصاحب لي على داود الطائي وهو على التراب، فقلت لصاحبي: هذا رجل زاهد. فقال داود: إنما الزاهد من قدر فترك، الوليد بن عقبة قال: كان يخبز لداود الطائي ستون رغيفاً يعلقها بشريط، يفطر كل ليلة على رغيفين بملح وماء. فأخذ ليلة فطره فجعل ينظر إليه. قال: ومولاة له سوداء تنظر إليه، فقامت فجاءته بشيء

من تمر على طبق فأفطر ثم أحيا ليلته وأصبح صائماً. فلما جاء وقت الإفطار أخذ رغيفيه وملحاً وماء. قال الوليد بن عقبة: فحدثني جار له قال: جعلت أسمعه يعاتب نفسه ويقول: اشتهيت البارحة تمراً فأطعمتك، واشتهيت الليلة تمراً؟ لا ذاق داود تمراً ما دام في الدنيا. عن حماد بن أبي حنيفة قال: قالت مولاة لداود الطائي: يا داود لو طبخت لك دسماً. قال: فافعلي. فطبخت له شحماً ثم جاءته به. فقال لها: ما فعل أيتام بني فلان؟ قالت: على حالهم. قال: اذهبي به إليهم فقالت له: فديتك إنما تأكل هذا الخبز بالماء؟ قال: إني إذا أكلته كان في الحش وإذا أكله هؤلاء الأيتام كان عند الله مذخوراً. صدقة الزاهد قال: خرجنا مع داود الطائي في جنازة بالكوفة، فقعد داود ناحية وهي تدفن فجاء الناس فقعدوا قريباً منه فتكلم فقال: من خاف الوعيد قصر عليه البعيد، ومن طال أمله ضعف عمله، وكل ما هو آت قريب، واعلم يا أخي أن كل ما يشغلك عن ربك فهو عليك مشؤوم، واعلم أن أهل القبور إنما يفرحون بما يقدمون ويندمون على ما يخلفون. وأهل الدنيا يقتتلون ويتنافسون فيما عليه أهل القبور يندمون. أبو حفص قال: سمعت ابن أبي عدي يقول: صام داود الطائي أربعين سنة ما علم به أهله، وكان خزازاً، وكان يحمل غذاءه معه ويتصدق به في الطريق ويرجع إلى أهله يفطر عشاء لا يعلمون أنه صائم. قال الشيخ: وقد رويت لنا هذه الحكاية من طريق أبي حفص الفلاس أيضاً. عن أبي عدي أن هذا جرى لداود بن أبي هند، وسنذكرها في أخبار البصريين، وهي بذاك أليق من داود الطائي. وكان متشاغلاً بالعلم ثم انقطع إلى التعبد، ولم ينقل عنه أنه تشاغل بالمعاش، لعل بعض الرواة قال الطائي. والله أعلم. محمد بن بشر العبدي قال: قال داود يوماً لمولاة له في الدار: أشتهي لبناً فخذي رغيفاً، فائتي به البقال فاشتري به لبناً ولا تعلمي البقال لمن هو؟ فذهبت، فجاءت به فأكل وفطن البقال بعد أنها تريد اللبن لداود، فطيبه له. فقال لها: علم البقال لمن تريدين اللبن؟ فقالت: نعم. قال: ارفعيه. فما عاد فيه.

قال: وجاءه فضيل يوماً فلم يفتح له، فجلس فضيل خارج الباب وهو داخل فبكى داود من داخل وفضيل من خارج، ولم يفتح له. قلت لمحمد بن بشر: كيف لم يفتح له الباب؟ قال: قد كان يفتح لهم. وكثروا عليه فغموه فحجبهم كلهم، فمن جاءه كلمه من وراء الباب، وقالت له أمه: لو اشتهيت شيئاً اتخذته لك. فقال: أجيدي يا أماه فإني أريد أن أدعو إخواناً لي. قال: فاتخذت وأجادت. قال: فقعد على الباب لا يمر سائل إلا أدخله. قال: فقدم إليهم فقالت له أمه: لو أكلت. قال: فمن أكله غيري. قال: وإنما جد واجتهد حين ماتت أمه قسم كل شيء تركت حتى لزق بالأرض، وكانت موسرة. إسحاق بن منصور قال: حدثني جنيد يعني الحجام قال: أتيت داود الطائي فإذا قرحة قد خرجت على لسانه فبططتها وأخرجت قليل دواء فوضعته في خرقة. فقلت: إذا كان الليل فضعه عليها. فقال: ارفع ذلك اللبد، فرفعته فإذا دينار فقال: خذه. قلت: يا أبا سليمان ليس هذا ثمن هذا، ثمن هذا دانق فوضعت الدواء في كوة وخرجت ثم غدوت بعد يومين فإذا الدواء على حاله. قلت: يا أبا سليمان سبحان الله، لم لم تعالج بهذا الدواء؟ فقال لي: إن أنت لم تأخذ الدينار لم أمسه. إسماعيل بن زيان قال: حجم حجام داود الطائي أعطاه ديناراً لا يملك غيره. حدثنا أبو سعيد السكري قال: احتجم داود الطائي فدفع ديناراً إلى الحجام فقيل له: هذا إسراف. فقال: لا عبادة لمن لا مروءة له. عبادة بن كليب قال: قال رجل لداود الطائي: لو أمرت بما في سقف البيت من نسج العنكبوت فينظف، فقال: أما علمت أنه كان يكره فضول النظر. الحسن بن عيسى قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: وهل الأمر إلا ما كان عليه داود الطائي. عبيد الله بن محمود بن سلمة بن معبد قال: لقي داود الطائي رجلاً فسأله عن حديث، فقال: دعني إني أبادر خروج نفسي، وكان الثوري إذا ذكره قال: أبصر الطائي أمره. أبو خالد الأحمر قال: مررت أنا وسفيان الثوري بمنزل داود الطائي فقال لي سفيان: ادخل بنا نسلم عليه. فدخلنا إليه فما احتفل بسفيان ولا انبسط إليه. فلما خرجنا قلت له: يا أبا عبد الله غاظني ما صنع بك. قال: وأي شيء صنع بي؟ قلت: لم يحفل بك ولم ينبسط إليك. قال: إن أبا سليمان لا يتهم في مودة، أما رأيت عينيه؟ هذا في شيء غير ما نحن فيه.

أبو عمران قال: حدثني أسود بن سالم أن داود الطائي كان يقول: سبقني العابدون وقطع بي، والهفاه. محمد بن أشكاب قال: حدثني رجل من أهل داود الطائي قال: قلت له يوماً: ما أبا سليمان قد عرفت الرحم التي بيننا فأوصني قال: فدمعت عيناه. ثم قال يا أخي إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك، إني لأقول لك هذا وما أعلم أحداً أشد تضييعاً مني لذلك. ثم قام وتركني. أبو المهنا الطائي قال: خرج داود الطائي إلى السوق فرأى الرطب فاشتهته نفسه فجاء إلى البائع فقال له: أعطني بدرهم إلى غد. فقال له: اذهب إلى عملك. فرآه بعض من يعرفه فأخرج له صرة فيها مائة درهم وقال: اذهب فإن أخذ منك بدرهم فالمائة لك. فلحقه البائع وقال له: ارجع خذ حاجتك. فقال: لا حاجة لي فيه إنما جربت هذه النفس فلم أرها تساوي في هذه الدنيا درهماً وهي تريد الجنة غداً. حفص بن عمر الجعفي قال: كان داود الطائي قد ورث عن أمه أربعمائة درهم، فمكت يتقوتها ثلاثين عاماً، فلما نفذت جعل ينقض سقوف الدويرة فيبيعها حتى باع الخشب والبواري واللبن، حتى بقي في نصف سقف. وجاء صديق له فقال: يا أبا سليمان لو أعطيتني هذه فأبضعتها لك لعلنا نستفضل لك فيها شيئاً ينتفع به. فما زال به حتى دفعها إليه، ثم فكر فيها فلقيه بعد العشاء الآخرة فقال: ارددها علي. فقال: ولم ذاك يا أخي؟ قال: أخاف أن يدخل فيها شيء غير طيب فأخذها. عثمان بن زفر قال: أخبرني ابن عم لداود الطائي قال: ورث داود الطائي من أبيه عشرين ديناراً فأكلها في عشرين سنة، كل سنة ديناراً منه يصل ومنه يتصدق، وورث بيتاً فكان يكون فيه لا يعمره، كلما خربت ناحية تركها وتحول إلى ناحية أخرى فخرب كله إلا زاوية منه كان يكون فيها. محمد بن إسحاق قال: سمعت محمد بن زكريا يقول: سمعت بعض أصحابنا قال: ورث داود الطائي من مولاة له عشرين ديناراً كفته عشرين سنة.

عن عبد الله بن صالح قال: قال داود الطائي: يا بن آدم فرحت ببلوغ أملك وإنما بلغته بانقضاء مدة أجلك ثم سوفت بعملك كأن منفعته لغيرك. عن قبيصة قال: حدثني صاحب لنا أن امرأة من أهل داود الطائي صنعت ثريدة بسمن ثم بعثت بها إلى داود حين إفطاره مع جارية لها، قالت الجارية: فأتيته بالقصعة فوضعتها بين يديه فسعى ليأكل منها، فجاء سائل فقام إليه فدفعها إليه وجلس معه على الباب حتى أكلها. ثم دخل فغسل القصعة ثم عمد إلى تمر كان بين يديه، قالت الجارية ظننت أنه كان أعده لعشائه، ودفعه إلي وقال: أقرئيها السلام، قالت الجارية: دفع إلى السائل ما جئناه به ودفع إلينا ما أراد أن يفطر عليه. قالت: وأظنه ما بات إلا طاوياً. قال قبيصة: فكنت أراه قد نحل جداً. ابن زبان قال: قالت داية داود الطائي: يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز؟ قال: يا داية بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية. عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي قال: دخلت على داود الطائي في مرضه الذي مات فيه ليس في بيته إلا دن مقير يكون فيه خبز يابس ومطهرة ولبنة كبيرة على التراب يجعلها وسادة وهي مخدته ليس في بيته بوري ولا قليل ولا كثير. محمد بن بشير قال: قال حماد لداود الطائي: يا أبا سليمان لقد رضيت من الدنيا باليسير. قال: أفلا أدلك على من رضي بأقل من ذلك؟ من رضي بالدنيا كلها عوضاً عن الآخرة، أبو محمد العابد قال: دخل أبو يوسف على داود الطائي فقال له: ما رأيت أحداً رضي من الدنيا بمثل ما رضيت به فقال: يا يعقوب من رضي الدنيا كلها عوضاً عن الآخرة فذاك الذي رضي بأقل مما رضيت. الحارث بن إدريس قال: قلت لداود الطائي: أوصني؟ فقال: عسكر الموتى ينتظرونك. إسحاق بن منصور السلولي قال: حدثتني أم سعيد بن علقمة النخعي وكانت طائية، قالت: كان بيننا وبين داود الطائي حائط قصير فكنت أسمع حسه عامة الليل لا يهدأ، قالت: وربما سمعته في جوف الليل يقول: اللهم همك عطل علي الهموم، وحالف بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النظر إليك، أوثق مني وحال بيني وبين اللذات، فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب، قالت: وربما ترنم بالآية فأرى أن جميع نعيم الدنيا جمع في ترنمه. ابن السماك قال: أوصاني أخي داود الطائي بوصية: انظر لا يراك الله حيث نهاك وأن لا يفقدك من حيث أمرك، واستحيه في قربه منك وقدرته عليك.

محمد بن إشكاب قال: قال داود الطائي: اليأس سبيل أعمالنا هذه، لكن القلوب تجر إلى الرجاء، عن الحماني قال: قلت لداود الطائي: ما ترى في الرمي فإني أحب أن أتعلمه؟ فقال: إن الرمي لحسن، ولكن إنما هي أيامك فانظر بما تقطعها. أبو بكر محمد بن أبي داود قال: سمعت شيدويه يقول لداود الطائي: أرأيت رجلاً دخل على هؤلاء الأمراء فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر؟ قال: أخاف عليه السوط قال: إنه يقوى قال: أخاف عليه السيف. قال: إنه يقوى، قال: أخاف عليه الداء الدفين العجب. عن أبي نعيم قال: رأيت داود الطائي تدور في وجهه نملة عرضاً وطولاً لا يفطن بها. يعني من الهم. أبو سعيد قال: حدثني سهل بن بكار قال: قالت أخت لداود الطائي: لو تنحيت من الشمس إلى الظل. فقال: هذه خطى لا أدري كيف تكتب. عباس الترقفي قال: سمعت معاوية بن عمرو يقول: كنا عند داود الطائي يوماً، فدخلت الشمس من الكوة فقال له بعض من حضر: لو أذنت لي سددت هذه الكوة. فقال: كانوا يكرهون فضول النظر. وكنا عنده يوماً آخر فإذا بفروه قد تخرق وخرج خمله. فقال له بعض من حضر: لو أذنت لي خيطته فقال: كانوا يكرهون فضول الكلام. أبو سعيد السكري قال: احتجم داود الطائي فدفع إلى الحجام دينارا فقيل له: هذا إسراف فقال: لا عبادة لمن لا مروءة له. أبو داود الطيالسي قال: حضرت داود عند الموت فما رأيت أشد نزعاً منه، أتيناه من العشي ونحن نسمع نزعه قبل أن ندخل، ثم غدونا إليه وهو في النزع فلم نبرح حتى مات. حفص بن عمر الجعفي قال: اشتكى داود الطائي أياماً وكان سبب علته أنه مر بآية فيها ذكر النار فكررها مراراً في ليلته فأصبح مريضاً. فوجده قد مات ورأسه على لبنة. قال ابن السماك، حين مات داود الطائي: يا أيها الناس إن أهل الدنيا تعجلوا غموم القلب وهموم النفس وتعب الأبدان مع شدة الحساب، فالرغبة متعبة لأهلها في الدنيا والآخرة، والزهادة راحة لأهلها في الدنيا والآخرة، وإن داود الطائي نظر بقلبه إلى ما بين يديه فأغشى بصر قلبه بصر العيون فكأنه لم يبصر ما إليه تنظرون، وكأنكم لا تبصرون ما إليه ينظر. فإنكم منه تعجبون وهو منكم يتعجب، فلما نظر إليكم راغبين مغرورين قد ذهبت على الدنيا عقولكم

وماتت من حبها قلوبكم وعشقتها أنفسكم وامتدت إليها أبصاركم استوحش الزاهد منكم لأنه كان حياً وسط موتى، يا داود ما أعجب شأنك ألزمت نفسك الصمت حتى قومتها على العدل، أهنتها وإنما تريد كرامتها وأذللتها وإنما تريد إعزازها، ووضعتها وإنما تريد تشريفها وأتعبتها وإنما تريد راحتها، وأجعتها وإنما تريد شبعها، وأظمأتها وإنما تريد ريها، وخشنت الملبس وإنما تريد لينه وجشبت المطعم وإنما تريد طيبه، وأمت نفسك قبل أن تموت، وقبرتها قبل أن تقبر، وعذبتها قبل أن تعذب، وغيبتها عن الناس كي لا تذكر، وغبت بنفسك عن الدنيا إلى الآخرة، فما أظنك إلا قد ظفرت بما طلبت. كأن سيماك في عملك وسرك ولم يكن سيماك في وجهك فقهت في دينك ثم الناس يفتون، وسمعت الأحاديث ثم تركت الناس يحدثون ويروون، وخرست عن القول وتركت الناس ينطقون، لا تحسد الأخيار ولا تعيب الأشرار ولا تقبل من السلطان عطية ولا من الأخوان هدية. آنس ما تكون آنس ما تكون إذا كنت بالله خالياً، وأوحش ما تكون إذا كنت مع الناس جالساً فأوحش ما تكون آنس ما يكون الناس، وآنس ما تكون أوحش ما يكون الناس جاوزت حد المسافرين في أسفارهم، وجاوزت حد المسجونين في سجونهم، فأما المسافرون فيحملون من الطعام والحلاوة ما يأكلون، فأما أنت فإنما هي خبزتك أو خبزتان في شهرك، ترمي بها في دن عندك فإذا أفطرت أخذت منه حاجتك فجعلته في مطهرتك ثم صببت عليه من الماء ما يكفيك، ثم اصطنعت به ملحاً فهذا إدامك وحلواك، فمن سمع بمثلك صبر صبرك أو عزم عزمك، وما أظنك إلا قد لحقت بالماضين، وما أظنك إلا قد فضلت الآخرين ولا أحسبك إلا قد أتعبت العابدين، وأما المسجون فيكون مع الناس محبوساً فيأنس بهم وأما أنت فسجنت نفسك في بيتك وحدك فلا محدث وجليس معك، ولا أدري أي الأمور أشد عليك، الخلوة في بيتك تمر بك الشهور والسنون أم تركك المطاعم والمشارب، لا ستر على بابك، ولا فراش تحتك، ولا قلة يبرد فيها ماؤك، ولا قصعة يكون فيها غداؤك وعشاؤك؟ مطهرتك قلتك وقصعتك تورك وكل أمرك يا داود عجب. أما كنت تشتهي من الماء بارده ولا من الطعام طيبه ولا من اللباس لينه؟ بلى، ولكنك زهدت فيه لما بين يديك فما أصغر ما بذلت، وما أحقر ما تركت، وما أيسر ما فعلت في جنب ما أملت، أما أنت فقد ظفرت بروح العاجل وسعدت إن شاء الله في الآجل، عزلت الشهرة عنك في حياتك لكي لا يدخلك عجبها ولا يلحقك فتنتها فلما مت

شهرك ربك بموتك وألبسك رداء عملك، فلو رأيت اليوم كثرة تعبك عرفت أن ربك قد أكرمك. إسحاق بن منصور قال: لما مات داود الطائي شيع الناس جنازته. فلما دفن قام ابن السماك على قبره فقال: يا داود كنت تسهر ليلك إذ الناس نائمون، قال: وكنت تسلم إذ الناس يخوضون، وكنت تربح إذ الناس يخسرون فقال الناس جميعاً: صدقت حتى عدد فضائله كلها، فلما فرغ، قام أبو بكر النهشلي فحمد الله ثم قال: يا رب إن الناس قد قالوا ما عندهم ومبلغ ما علموا، اللهم اغفر له برحمتك ولا تكله إلى عمله. قال المؤلف: أسند داود عن جماعة من التابعين منهم عبد الملك بن عمير، وحبيب بن أبي عمرة، والأعمش، وحميد الطويل، وإسماعيل بن أبي خالد. وتوفي في سنة خمس وستين ومائة في خلافة المهدي.

ومن الطبقة السادسة

ومن الطبقة السادسة: 443 - سفيان بن سعيد الثوري عبد الله بن محمد بن أيوف المخرمي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: أخذ العلم عن سفيان الثوري وهو ابن ثلاثين سنة. يزيد بن عبد الرحمن بن مصعب قال: سمعت أبي يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: لو لم أعلم لكان أقل لحزني. عن محمد بن يوسف الفريابي قال: قلت لسفيان الثوري: أرى الناس يقولون سفيان الثوري، وأنت تنام الليل. فقال لي: اسكت، ملاك هذا الأمر التقوى. يحيى بن أيوب المقابري قال: سمعت علي بن ثابت يقول: رأيت الثوري في طريق مكة فقومت كل شيء عليه، حتى نعليه: درهماً وأربعة دوانق. يحيى بن أيوب قال: سمعت علي بن ثابت قال: لو لقيت سفيان في طريق مكة ومعك فلسان تريد أن تتصدق بهما وأنت لا تعرف سفيان ظننت أنك ستضعهما في يده. وما رأيت سفيان في صدر المجلس قط، إنما كان يقعد إلى جانب الحائط ويستند إلى الحائط ويجمع بين ركبتيه، عن علي بن عثام بن علي قال: سمعت أبي قال: سمعت سفيان الثوري يقول: لقد خفت الله خوفاً عجباً لي، كيف لا أموت لكن لي أجل أنا بالغه، ولقد خفت الله خوفاً وددت أنه خفف عني منه ما أخاف أن يذهب عقلي. عبد الرحمن بن عبد الله قال: قال سفيان إني لأضع يدي على رأسي من الليل إذا سمعت صيحة فأقول: قد جاءنا العذاب. عن عبثر قال: قام سفيان يصلي قبل الزوال فمر بهذه الآية: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ، فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} فخرج ناداً فما لحقوه إلا في الحمراء فردوه. قال السني: وقال عمرو العتابي، عن سفيان: ما من موطن من المواطن أشد علي من سكرة الموت أخاف أن يشدد علي، فاسأل التخفيف فلا أجاب فأفتتن.

_ 443 - هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، من رءوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس، مات سنة إحدى وستين وله أربع وستون.

يوسف بن أسباط قال: قال لي سفيان، وقد صلينا العشاء الآخرة ناولني المطهرة فناولته فأخذها بيمينه ووضع يساره على خده. ونمت فاستيقظت وقد طلع الفجر فنظرت فإذا المطهرة بيمينه ويساره على خده، فقلت: يا أبا عبد الله هذا الفجر قد طلع. قال: لم أزل منذ ناولتني هذه المطهر أتفكر في أمر الآخرة حتى الساعة. قال يوسف بن أسباط: كان سفيان الثوري إذا أخذ في الفكر بال الدم. أبو يزيد محمد بن حسان قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما عاشرت في الناس رجلاً أرق من سفيان، وكنت أرمقه الليلة بعد الليلة فما كان ينام إلا أول الليل ثم ينتفض فزعاً مرعوباً ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات، ثم يتوضأ ويقول على إثر وضوئه: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار، إلهي: إن الجزع قد أرقني وذلك من نعمتك السابغة علي، إلهي: لو كان لي عذر في التخلي ما أقمت مع الناس طرفة عين ثم يقبل على صلاته. وكان البكاء يمنعه من القراءة حتى إن كنت لا أستطيع سماع قراءته من كثرة بكائه. وما كنت أقدر أن أنظر إليه استحياء وهيبة منه. إسحاق بن إبراهيم الحنيني قال: كنا في مجلس الثوري وهو يسأل رجلاً عما يصنع في ليله فيخبره، حتى دار على القوم فقالوا: يا أبا عبد الله قد سألتنا فأخبرناك، فأخبرنا أنت كيف تصنع في ليلك؟ فقال: لها عندي أول الليل نومة تنام ما شاءت لا أمنعها إذا استيقظت فلا أقيلها والله. صالح بن خليفة الكوفي قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إن فجار القراء اتخذوا القرآن إلى الدنيا سلماً. قالوا: ندخل على الأمراء نفرج عن المكروب ونتكلم في محبوس. علي بن حمزة ابن أخت سفيان قال: ذهبت ببول سفيان إلى الديراني وكان لا يخرج من باب الدير فأريته فقال: ليس هذا بول حنيفي. قلت: بلى والله من أفضلهم. فقال: أنا أجيء معك. فقلت لسفيان: قد جاء بنفسه. فقال: أدخله. فأدخلته فمس وجس عرقه ثم خرج. فقلت: أي شيء رأيت؟ قال: ما ظننت أن في الحنيفية مثل هذا، هذا رجل قد قطع الحزن كبده.

عبد الرحمن بن مهدي قال: بات سفيان عندي فلما اشتد به الأمر جعل يبكي، فقال له رجل: يا أبا عبد الله أراك كثير الذنوب. فرفع شيئاً من الأرض فقال: والله لذنوبي أهون عندي من ذا، إني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت. عبد الرحمن بن مهدي قال ليلة مات سفيان: توضأ تلك الليلة للصلاة ستين مرة فلما كان وجه السحر قال لي: يا ابن مهدي ضع خدي بالأرض فإني ميت يا ابن مهدي ما أشد الموت ما أشد كرب الموت. قال: فخرجت لأعلم حماد بن زيد وأصحابه فإذا هم قد استقبلوني فقالوا: آجرك الله. فقلت: من أين علمتم ذلك؟ فقالوا: إنه ما منا أحد إلا أتي البارحة في منامه فقيل له: ألا إن سفيان الثوري قد مات، رحمه الله. عن أبي أبجر قال: لما حضرت سفيان الوفاة قال: يا ابن أبجر قد نزل ما بي ما قد ترى فانظر من يحضرني، فأتيتهم بقوم فيهم حماد بن سلمة، وكان حماد من أقربهم إلى رأسه. قال: فتنفس سفيان فقال له حماد أبشر فقد نجوت مما كنت تخاف. وتقدم على رب كريم قال: فقال: يا أبا سلمة أترى الله أن يغفر لمثلي؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو: قال: فكأنما سري عنه. عن عبد الرحمن بن مهدي قال: رأيت سفيان الثوري في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: لم يكن إلا أن وضعت في اللحد حتى وقفت بين يدي الله عز وجل فحاسبني حساباً يسيراً ثم أمر بي إلى الجنة، فبينا أنا أدور بين أشجارها وأنهارها ولا أسمع حساً ولا حركة، إذ سمعت قائلاً يقول: سفيان بن سعيد. قال: تحفظ أنك آثرت الله على هواك يوماً، قلت: إي والله. فأخذتني صواني النثار من جميع الجنة. قال المؤلف: أدرك سفيان الثوري جماعة من كبار التابعين، وروى عن الأعمش، ومنصور، ومحمد بن المنكدر، وعبد الله بن دينار، وعمرو بن دينار، في خلق لا يحصون. ومسانيده أكثر من أن تعد، وكان مولده في سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن عبد الملك. وتوفي في سنة إحدى وستين ومائة. وكان مستخفياً بالبصرة في خلافة المهدي. وكلامه وأخباره كثيرة وإنما اقتصرنا ها هنا على ما ذكرنا منها لأننا قد جمعناها في كتاب يزيد على ثلاثين جزءاً، فكرهنا الإعادة في التصانيف. والله الموفق.

أسيد بن صلهب

444 - أسيد بن صلهب عن الحسن بن صالح قال: قال أسيد بن صهلب: إن كنت لأدعو فتصرع لاطير حولي. قال الحسن: لولا أنه قد مات ما حدثت به عنه.

علي والحسن ابنا صالح بن حي

445، 446 - علي والحسن ابنا صالح بن حي قال محمد بن سعد: اسم صالح: حي، وهو صالح بن صالح، والد علي والحسن توأما في بطن واحد، وكان علي تقدمه بساعة. فكان الحسن يعظمه ويقول: قال أبو محمد. عبد الله بن هاشم الطوسي قال: سمعت وكيع بن الجراح يقول: كان علي والحسن - إبنا صالح بن حي - وأمهم قد جزؤوا اليل ثلاثة أجزاء، فكان علي يقوم الثلث ثم ينام، ويقوم الحسن الثلث ثم ينام، وتقوم أمهما الثلث. فماتت أمهما. فجزءا الليل بينهما، فكانا يقومان به حتى الصباح ثم مات علي فقام الحسن به كله. وقد روي لنا عن محمد بن صالح العجلي عن أبيه قال: كان يختم القرآن في بيتهم كل ليلة: أمهم ثلث وعلي ثلث وحسن ثلث، فماتت أمهما فكانا يختمانه. ثم مات علي فكان حسن يختم كل ليلة. يحيى بن آدم قال: قال الحسن بن حي: قال لي أخي علي في الليلة التي توفي فيها: أخي اسقني ماء. وكنت قائماً أصلي. فلما قضيت صلاتي أتيته بماء فقلت: يا أخي. فقال: لبيك. فقلت هذا ماء. قال: قد شربت الساعة. قلت: ومن سقاك وليس في الغرفة غيري وغيرك؟ قال: أتاني جبريل الساعة بماء فسقاني وقال لي: أنت وأخوك وأبوك من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وخرجت روحه. عن عبد الرحمن بن مطرف قال: كان الحسن بن حي إذا أراد أن يعظ أخا له كتبه في لوح وناوله. عبد القدوس بن بكر بن خنيس قال: كان الحسن بن صالح وأخوه علي وكان علي يفضل عليه وكانا وأمهما يتعاونون على العبادة بالليل لا ينامون وبالنهار لا يفطرون. فلما ماتت أمهما تعاونا على القيام والصيام عنهما وعن أمهما. فلما مات علي قام الحسن عن نفسه وعنهما. وكان يقال للحسن: حية الوادي، يعني أنه لا ينام بالليل. وكان يقول: إني لأستحيي من الله تعالى أن أنام تكلفاً حتى يكون النوم هو الذي يصرعني وإذا نمت ثم استيقظت ثم عدت نائماً فلا أرقد الله عيني. وكان لا يقبل من أحد شيئاً فيجيء إليه صبية وهو في المسجد فيقول: أنا جائع

فيعلله بشيء حتى تذهب الخادم إلى السوق فتبيع ما غزلت هي ومولاتها من الليل، ثم تشتري قطناً وتشتري شيئاً من الشعير فتجيء به فتطحنه ثم تعجنه فتخبز ما يأكل الصبيان والخادم وترفع له ولأهله لإفطارهما. فلم يزل على ذلك حتى مات رحمه الله. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الدراني يقول: ما رأيت أحداً الخوف أظهر على وجهه والخشوع من الحسن بن حي قام ليلة حتى الصباح بعم يتساءلون بآية فيها ثم غشي عليه ثم عاد إليها فغشي عليه فلم يختمها حتى طلع الفجر. عباد أبو عقبة قال: بعنا جارية للحسن بن صالح فقال: أخبروهم أنها تنخمت عندنا مرة دماً. قال الحجاج: وسمعت أبا نعيم يقول: قال الحسن بن صالح: فتشنا الورع فلم نجده في شيء أقل منه في اللسان. سليمان بن إدريس المنقري قال: اشتهى الحسن بن حي سمكاً فلما أتي به ضرب بيده إلى سرة السمكة فاضطربت يده وأمر به فرفع ولم يأكل منه شيئاً. فقيل له في ذلك فقال: إني ذكرت لما ضربت بيدي إلى بطنها أن أول ما ينتن من الإنسان بطنه فلم أقدر أن أذوقه. عبد الله بن صالح قال: حدثني خلف بن تميم أن حسن بن صالح كان يصلي إلى السحر ثم يجلس فيبكي في مصلاه ويجلي علي فيبكي معه في حجرته. قال: وكانت أمهما تبكي الليل والنهار. قال: فماتت. ثم مات علي. ثم مات حسن قال: فرأيت حسناً في منامي فقلت: ما فعلت الوالدة؟ قال: بدلت بطول ذلك البكاء سرور الأبد. قلت: وعلي؟ قال: وعلي على خير. قلت: فأنت؟ فمضى وهو يقول: وهل نتكل إلا على عفوه؟. عبيد الله بن موسى قال: كان حسن بن صالح إذا صعد إلى المنارة أشرف على المقابر فإذا نظر إلى الشمس تحوم على القبور صرخ حتى يحمل مغشياً عليه فينزل به. قال أبو محمد: ورأيت الحسن ذات يوم شهد جنازة فلما قرب الميت ليدفن نظر إلى اللحد فارفض عرقاً. ثم قال: فغشي عليه فحمل على السرير الذي كان عليه الميت فرد إلى منزله. إسحاق بن منصور السلولي قال: نظر حسن إلى المقابر وهو قائم يؤذن فصرخ وقطع أذانه وسقط مغشياً عليه.

قال: حدثني رجل من جيرانه أنه قال: كنا نسمع صراخه ونحيبه إذا صعد إلى الأذان كما نسمع صراخ أهل المصيبة. وقال: وكثيراً ما كان يغشى عليه حتى يؤذن غيره. قال المؤلف: أسند علي وحسن عن جماعة من التابعين وحديث الحسن أكثر. حنبل قال: سمعت أبا نعيم يقول: مات علي بن صالح سنة أربع وخمسين. ومات أخوه الحسن بعده بثلاث عشرة سنة. قال حنبل: وقال يحيى بن معين: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ولد الحسن بن صالح سنة مائة وقال مات سنة تسع وستين ومائة.

حمزة بن عمارة الزيات

447 - حمزة بن عمارة الزيات يكنى أبا عمارة مولى آل عكرمة بن ربعي التميمي. وكان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان. ويجلب الجبن والجوز إلى الكوفة. وكان صاحب قرآن وسنة وفرائض. أبو المنذر يعلى بن عقيل قال: كان الأعمش إذا رأى حمزة قد أقبل قال: هذا حبر القرآن. جرير بن عبد الحميد قال: مر بنا حمزة الزيات فاستسقى فأتيته بماء فقال: أن ممن يحضرنا في القراءة؟ قلت نعم. قال: لا حاجة لي في مائك. خلف بن هشام البزاز قال: قال لي سليم بن عيسى: دخلت على حمزة بن حبيب الزيات فوجدته يمرغ خديه في الأرض ويبكي. فقلت: أعيذك بالله. فقال: لماذا استعذت؟ رأيت البارحة في منامي كأن القيامة قد قامت وقد دعي بقراء القرآن، فكنت فيمت حضر فسمعت قائلاً يقول بكلام عذب: لا يدخل علي إلا من عمل بالقرآن. فرجعت القهقرى فهتف باسمي: أين حمزة بن حبيب الزيات؟ فقلت: لبيك داعي الله. فبدرني ملك فقال: قل: لبيك اللهم،

_ 447 - هو: حمزة بن حبيب الزيات، القارئ، أبو عمارة، الكوفي، التيمي مولاهم، صدوق زاهد ربما وهم، من السابعة، مات سنة ست أو ثمان وخمسين، وكان مولده سنة ثمانين. قال الشيخ شعيب: بل ثقة، وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والعجلي وابن حبان، ويعقوب بن سفيان المعرفة: 3/180 وإنما ذمه بعضهم بسبب قراءات نقلت عنه، لكن قال شمس الدين ابن الجزري في غاية النهاية وهو ما هو في هذا الفن: كان إماما حجة ثقة ثبتا رضيا قيما بكتاب الله، بصيرا بالفرائض عارفا بالعربية، حافظا للحديث، عابدا خاشعا، زاهدا ورعا، قانتا لله، عديم النظير التحرير 1/322.

فقلت: لبيك، كما قال لي. فأدخلني داراً فسمعت فيها ضجيج القرآن فوقفت أرعد فسمعت قائلاً يقول: لا بأس عليك ارق واقرأ فأدرت وجهي فإذا أنا بمنبر من در أبيض، دفتاه من ياقوت أصفر، مراقيه من زبرجد أخضر فقال لي: ارق واقرأ فرقيت فقال لي: اقرأ سورة الأنعام، فقرأت وأنا لا أدري على من أقرأ. حتى بلغت الستين آية فلما بلغت {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} قال لي: يا حمزة ألست القاهر فوق عبادي؟ فقلت: بلى. قال: صدقت، اقرأ. فقرأت حتى ختمتها ثم قال لي: اقرأ فقرأت الأعراف حتى بلغت آخرها فأومأت إلى الأرض بالسجود فقال لي: حسبك ما مضى، لا تسجد يا حمزة. من أقرأك هذه القراءة؟ فقلت: سليمان. قال: صدقت من أقرأ سليمان؟ قلت: يحيى. قال: صدق يحيى على من قرأ يحيى؟ فقلت: على أبي عبد الرحمن السلمي. قال: صدق أبو عبد الرحمن السلمي، من أقرأ أبا عبد الرحمن؟ فقلت: ابن عم نبيك علي. فقال: صدق علي، فمن أقرأ علياً؟ قلت: نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. قال: ومن أقرأ نبيي؟ قال: قلت: جبريل عليه السلام. قال: ومن أقرأ جبريل؟ قال: فسكت. فقال لي: يا حمزة قل أنت. قال: فقلت: ما أجسر أن أقول. فقال: فقلت: أنت. قال: صدقت يا حمزة وحق القرآن لأكرمن أهل القرآن لا سيما إذا عملوا بالقرآن، يا حمزة القرآن كلامي وما أحب أحداً كحبي أهل القرآن. ادن يا حمزة فدنوت فضمخني بالغالية وقال: ليس أفعل بك وحدك، قد فعلت ذاك بنظرائك ممن فوقك ومن دونك. ومن أقرأ القرآن كما أقرته لم يرد بذلك غيري وما خبأت لك يا حمزة عندي أكثر فأعلم أصحابك بمكاني من حبي لأهل القرآن وفعلي بهم فهم المصطفون الأخيار، يا حمزة وعزتي وجلالي لا أعذب لساناً تلا القرآن بالنار، ولا قلباً وعاه، ولا أذناً سمعته، ولا عيناً نظرته. فقلت: سبحانك سبحانك وأنى ترى؟ فقال: يا حمزة أين نظار المصاحف؟ فقلت: يا رب أفحفاظ هم؟ قال: لا ولكني أحفظه لهم حتى يوم القيامة فإذا لقوني رفعت لهم بكل آية درجة - أفتلومني أن أبكي وأتمرغ في التراب. قال المؤلف: أسند حمزة عن الأعمش وحمران بن أعين، وسمع منه وكيع وتوفي بحلوان سنة ست وخمسين ومائة. أبو مسحل قال: رأيت الكسائي في النوم كأن وجهه البدر فقلت: ما فعل الله بك؟ قال:

غفر لي بالقرآن. فقلت: ما فعل بحمزة الزيات؟ قال: ذاك في عليين، ما نراه إلا كما يرى الكوكب الدري.

محمد بن النضر الحارثي

448 - محمد بن النضر الحارثي يكنى أبا عبد الرحمن. أبو أسامة قال: كان محمد بن النضر من أعبد أهل الكوفة. الحسن بن الربيع قال: سمعت عبثراً أبا أبا أبا يزيد يقول: اختفى عندي محمد بن النضر من يعقوب بن داود في هذه العلية لعلية على باب داره أربعين ليلة. فما رأيته نائماً ليلاً ولا نهاراً. الحسن بن الربيع قال: سمعت ابن المبارك يقول: كنت مع محمد بن النضر في سفينة فقلت: بأي شيء أستخرج منه الكلام؟ فقلت: ما تقول في الصوم في السفينة؟ فقال: إنما هي المبادرة. قال: فجاء بفتوى غيره، فتوى النخعي والشعبي. عن أبي أسامة قال: قلت لمحمد بن النضر: كأنك تكره أن تزار؟ فقال: أجل. قلت: أما تستوحش؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: أنا جليس من ذكرني. خالد بن يزيد قال: سمعت محمد بن النضر يقول: شغل الموت قلوب المتقين عن الدنيا، والله ما رجعوا منها إلى سرور بعد معرفتهم بكربه وغصصه. المبارك قال: كان محمد بن النضر إذا ذكر الموت اضطربت مفاصله حتى تبين الرعدة فيها. الحسن بن الربيع قال: حدثني رجل من ولد الزبير بن العوام قال: صحبت محمد بن النضر من عبادان إلى الكوفة فما سمعته يتكلم بكلمة حتى افترقنا. جرير بن زياد الحارثي قال: كنت مسافراً مع محمد بن النضر إلى مكة، وكان إذا قيل له: الرحيل، تقدم على رأس ميلين فلا يزال يصلي حتى إذا سمع حس الإبل تقدم أيضاً فلا يزال كذلك حتى يصلي العصر ثم يركب. أبو مريم قال: سمعت محمد بن صبيح يقول: قال محمد بن النضر الحارثي: كان يقال: الجوع يبعث على البر كما تبعث البطنة على الأِشر.

_ 448 - هو: محمد بن النضر، أبو عبد الرحمن الحارثي، الكوفي، عابد أهل زمانه بالكوفة، انظر سير أعلام النبلاء 7/463.

قال المصنف: كان محمد بن النضر مشغولاً بالعبادة عن الرواية وقد أرسل الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصلها.

وراد العجلي

449 - وراد العجلي عمرو بن حفص بن غياث، عن أبيه قال: كنا ذات يوم عند ابن ذر وهو يتكلم فذكر رواجف القيامة وزلزالها. فوثب رجل من بني عجل، يقال له وراد، فجعل يبكي ويصرخ ويضطرب فحمل من بين القوم صريعاً: فقال ابن ذر: ما الذي قصر بنا وكلم قلبه حتى أبكاه؟ والله إن هذا يا أخا بني عجل إلا من صفاء قلبك وتراكم الذنوب على قلوبنا. قال عمر: قال أبي: وكنت أرى وراداً هذا العجلي يأتي إلى المسجد مقنع الرأس فيعتزل ناحية فلا يزال مصلياً وباكياً وداعياً ما شاء الله من النهار ثم يخرج فيعود فيصلي الظهر، فهو كذلك بين صلاة وبكاء حتى يصلي العشاء ثم يخرج لا يكلم أحداً ولا يجلس إلى أحد، فسألت عنه رجلاً من حيه ووصفته له قلت: شاب من صفته، من هيئته. فقال: بخ يا أبا عمر، أتدري عمن تسأل؟ ذاك وراد العجلي، ذاك الذي عاهد الله ألا يضحك حتى ينظر إلى وجه رب العالمين. قال أبي: وكنت إذا رأيته بعد هبته. قال عمر: وحدثني سكين بن مسكين، رجل من بني عجل، قال: كان بيننا وبين ورادقرابة، فسألت أختاً كانت له أصغر منه فقلت: كيف كان ليله؟ قالت: يبكي عامة الليل ويصرخ. قلت: فما كان طعمه؟ قالت: قرصاً في أول الليل وقرصاً في آخره، عند السحر. قلت: فتحفظين من دعائه شيئاً؟ قالت: نعم، كان إذا كان السحر أو قريب من طلوع الفجر سجد ثم بكى ثم قال: مولاي عبدك يحب الاتصال بطاعتك فأعنه عليها بتوفيقك يا أيها المنال، مولاي عبدك يحب اجتناب سخطك فأعنه على ذلك بمنك أيها المنان، مولاي عبدك عظيم الرجاء لخيرك فلا تقطع رجاءه يوم يفرح الفائزون. قالت: فلا يزال على هذا ونحوه حتى يصبح. قال: وكان قد كل من الاجتهاد جداً وتغير لونه. قال سكين: فلما مات وراد فحمل إلى حفرته نزلوا إليه ليدفنوه في حفرته فإذا اللحد مفروش بالريحان، فأخذ بعض القوم الذين نزلوا إلى القبر من ذلك الريحان شيئاً فمكث سبعين يوماً طرياً لا يتغير. يغدو الناس ويروحون وينظرون إليه: قال: فكثر الناس من ذلك حتى خاف

الأمير أن يفتتن الناس، فأرسل إلى الرجل فأخذ ذلك الريحان وفرق الناس. قال: وفقده الأمير من منزله لا يدري كيف ذهب؟

أسيد الضبي

450 - أسيد الضبي عبد الرحمن بن مالك بن مغول قال: بكى أسيد الضبي حتى عمي، وكان إذا عوتب على البكاء قال: الآن حين لا أهدأ وأنا أموت غداً؟ والله لأبكين ثم لأبكين ثم لأبكين، فإن أدركت بالبكاء خيراً فبمن الله وفضله علي، وإن تكن الأخرى فما بكائي في جنب ما ألقى غداً؟ قال: فكان ربما بكى حتى يتأذى به جيرانه من كثرة بكائه.

ومن الطبقة السابعة

ومن الطبقة السابعة بو بكر بن عياش ... ومن الطبقة السابعة "من أهل الكوفة": 451 - أبو بكر بن عياش مولى واصل من بن حيان الأحدب الأسدي، وقد اختلفوا في اسمه: فقيل شعبة. وقبل محمد. وقيل مطرف. والصحيح أنه لا يعرف إلا بكنيته. رستم بن أسامة قال: حدثني إبراهيم بن رستم الخياط، عن أبي بكر بن عياش قال: قال لي رجل مرة وأنا شاب. خلص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخرة، فإن أسير الآخرة غير مفكوك أبداً. قال أبو بكر: فما نسيتها أبداً. يحيى الحماني قال: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: أتيت زمزم فاستسقيت منها عسلاً وأتيتها فاستسقيت منها لبناً وأتيتها فاستسقيت منها ماء. دلويه قال: سمعت علياً، يعني ابن محمد ابن أخت يعلى بن عبيد، يقول: مكث أبو بكر بن عياش عشرين سنة قد نزل الماء في إحدى عينيه ما يعلم به أهله، محمد بن الحجاج بن جعفر بن إياس بن نذير الضبي قال: كان أبو بكر بن عياش يقوم الليل في قباء صوف وسراويل وعكازة يضعها في صدره فيتكئ عليها حين كبر فيحيي ليلته. الحسين بن إدريس قال: قال ابن عمار: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: صمت ثمانين رمضاناً. إسحاق بن الحسين قال: كان أبو بكر بن عياش لما كبر يأخذ إفطاره ثم يغمسه في الماء في جر كان له في بيت مظلم، ثم يقول: يا ملائكتي طالب صحبتي لكما، فإن كان لكما عند الله شفاعة فاشفعا لي. عن أبي هشام الرفاعي قال: سمعت أبا بكر بن عياش يقول لي: غرفة قد عجزت عن الصعود إليها وما يمنعني من النزول منها إلا أني أختم القرآن كل يوم وليلة منذ ستون سنة.

_ 451 - هو: أبو بكر بن عياش - بتحتانية ومعجمة - ابن سالم الأسدي الكوفي المقرئ، الحناط، بمهملة ونون - مشهور بكنيته - والأصح أنها اسمه، وقيل اسمه محمد، أو عبد الله أو سالم أو شعبة، أو رؤبة، أو مسلم، أو خداش، أو مطرف، أو حماد، أو حبيب، عشرة أقوال، ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح، من السابعة، مات سنة أربع وتسعين، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين، وقد قارب المائة، وروايته في مقدمة مسلم.

أحمد بن نصر قال: سمعت إبراهيم بن رستم يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: من لم يطلب العلم لم يرزق عقلاً. يزيد بن هارون وذكر عنده أبو بكر بن عياش فقال: كان أبو بكر بن عياش خيراً فاضلاً لم يضع جنبه إلى الأرض أربعين سنة. أبو عيسى النخعي قال: لم يفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة. أحمد بن محمد بن مسروق قال: سمعت الحماني يقول: لما حضرت أبا بكر بن عياش الوفاة بكت أخته فقال لها: ما يبكيك؟ انظري إلى تلك الزاوية التي في البيت قد ختم أخوك في هذه الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة. إبراهيم بن أبي بكر بن عياش قال: بكيت عند أبي حين حضرته الوفاة فقال: ما يبكيك؟ أترى الله يضيع لأبيك أربعين سنة، يختم القرآن كل ليلة؟ الهيثم بن خارجة قال: رأيت أبا بكر بن عياش في النوم، قدامه طبق رطب مسكر. فقلت له: يا أبا بكر ألا تدعونا وقد كنت سخياً على الطعام؟ فقال لي: يا هيثم هذا طعام أهل الجنة لا يأكله أهل الدنيا. قال قلت: وبم نلت؟ قال تسألني عن هذا وقد مضت علي ست وثمانون سنة أختم في كل ليلة منها القرآن؟ أسند أبو بكر بن عياش عن الأعمش ومن في طبقته، وتوفي بالكوفة في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة، وقد جاوز التسعين بثلاث سنين، وقيل بست.

عبد الله بن إدريس

452 - عبد الله بن إدريس ابن يزيد بن عبد الرحمن أبو محمد الأودي. عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي ذكر ابن إدريس فقال: كان نسيج وحده، وفي رواية أخرى عن أحمد أنه قال: رأيت عبد الله بن إدريس وعليه جبة لبود وقد أتى عليه الدهور والسنون. الحسن بن الربيع قال: كنت عند عبد الله بن إدريس فلما قمت قال لي: سل عن سعر الأشنان. فلما مشيت ردني وقال لي: لا تسأل فإنك تكتب عني الحديث وأنا أكره أن أسأل من يسمع عني الحديث حاجة.

_ 452 - هو: عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي - بسكون الواو - أبو محمد الكوفي، ثقة فقيه عابد من الثامنة، مات سنة اثنتين وتسعين، وله بضع وسبعون.

حماد بن المؤمل قال: حدثني شيخ على باب بعض المحدثين قال: سألت وكيعاً عن مقدمه هو ابن إدريس وحفص على هارون الرشيد فقال: كان أول من دعا به أنا. فقال لي هارون: يا وكيع إن أهل بلدك طلبوا مني قاضياً وسموك لي فيمن سموا، وقد رأيت أن أشركك في أمانتي فقلت: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير وإحدى عيني ذاهبة والأخرى ضعيفة. فقال هارون: اللهم غفراً. خذ عهدك أيها الرجل وامض. فقلت: يا أمير المؤمنين، والله لئن كنت صادقاً إنه لينبغي أن يقبل مني، ولئن كنت كاذباً فما ينبغي أن تولي القضاء كذاباً. فقال: اخرج. فخرجت. ودخل ابن إدريس فسمعنا وقع ركبتيه على الأرض حين برك، وما سمعناه يسلم إلا سلاماً خفياً. فقال له هارون: أتدري لم دعوتك؟ قال: لا. قال: إن أهل بلدك طلبوا مني قاضياً، وإنهم سموك لي فيمن سموا. وقد رأيت أن أشركك في أمانتي وأدخلك في صالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة، فخذ عهدك وامض، فقال له ابن إدريس: وأنا وددت أني لم أكن رأيتك فخرج. ثم دخل حفص فقبل عهده، فأتى خادم معه ثلاثة أكياس في كل كيس خمسة آلاف فقال لي: إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لكم: قد لزمتكم في شخوصكم مؤونة فاستعينوا بهذه في سفركم. قال وكيع: فقلت له أقرئ أمير المؤمنين السلام وقل له: قد وقعت مني بحيث يحب أمير المؤمنين وأنا مستغن عنها. وأما ابن إدريس فصاح به: مر من ها هنا. وقبلها حفص، وخرجت الرقعة إلى ابن إدريس من بيننا: عافانا الله وإياك، سألناك أن تدخل في أعمالنا فلم تفعل، ووصلناك من أموالنا لم تقبل، فإذا جاءك ابني المأمون فحدثه إن شاء الله. فقال للرسول: إذا جاءنا مع الجماعة حدثناه إن شاء الله. ثم مضينا فلما صرنا إلى الياسرية التفت ابن إدريس إلى حفص فقال: قد علمت أنك ستبلى، والله لا أكلمك حتى تموت فما كلمه حتى مات. أبو بكر المروزي قال: سمعت علي بن شعيب يقول: لما قدم شعيب بن حرب على يوسف بن أسباط رأى عنده شاباً يكلم يوسف ويغلظ له، أو قال: رفع صوته، فقال له شعيب: ترفع صوتك؟ فقال له يوسف: يا أبا صالح إنه ابن إدريس، إنه يدري من أين يأكل؟.

أحمد بن إبراهيم قال: حدثني سهل بن محمود، عن عبد الله بن إدريس قال: لو أن رجلاً انقطع إلى رجل لعرف ذلك له، فكيف بمن له السموات والأرض. محمد بن المنذر قال: حج الرشيد ومعه الأمين والمأمون، فدخل الكوفة فقال لأبي يوسف: قل للمحدثين يأتونا يحدثونا. فلم يتخلف عنه من شيوخ الكوفة إلا اثنان: عبد الله بن إدريس، وعيسى بن يونس. فركب الأمين والمأمون إلى عبد الله بن إدريس فحدثهما بمائة حديث. فقال المأمون لعبد الله بن إدريس: يا عم أتأذن لي أن أعيدها عليك من حفظي؟ قال: افعل. فأعادها عليه. فعجب عبد الله. فقال المأمون: يا عم: إلى جانب مسجدك دار إن أذنت لنا اشتريناها ووسعنا بها المسجد. فقال: ما لي إلى هذا حاجة، قد أجزأ من كان قبلي وهو يجزئني فنظر إلى قرح في ذراع الشيخ، فقال: إن معنا متطببين وأدوية، أتأذن أن يجيئك من يعالجك؟ قال: لا، قد ظهر بي مثل هذا وبدأ. فأمر له بمال فأبى أن يقبله. حسين بن عمرو العنقزي قال: لما نزل بابن إدريس الموت بكت ابنته فقال: لا تبكي فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة. سمع عبد الله بن إدريس من الأعمش وأبي إسحاق الشيباني وخلق كثير، وجمع بين العلم والزهد، ومولده سنة خمس عشرة ومائة. وتوفي في سنة اثنتين وتسعين ومائة.

وكيع بن الجراح بن مليح

453 - وكيع بن الجراح بن مليح يكنى أبا سفيان الرواسي عبيد الله بن ثابت الجزري قال: سمعت عباساً الدوري يقول: قال لي أحمد بن حنبل: لو رأيت وكيعاً لعلمت أنك ما رأيت مثله. محمد بن أيوب بن المعافى قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول: سمعت أحمد بن حنبل ذكر يوماً وكيعاً فقال: ما رأت عيناي مثله قط، يحفظ الحديث جيداً ويذاكر بالفقه فيحسن، مع ورع واجتهاد، ولا يتكلم في أحد. بشر بن موسى قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت رجلاً مثل وكيع في العلم والحفظ والحلم مع خشوع وورع.

_ 453 - هو: وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي –بضم الراء وهمزة ثم مهملة - أبو سفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد، من كبار التاسعة مات في آخر سنة ست وأول سنة سبع وتسعين وله سبعون سنة.

يحيى بن أكثم قال: صحبت وكيعاً في السفر والحضر، وكان يصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة. يحيى بن معين قال: ما رأيت أفضل من وكيع بن الجراح، كان يستقبل القبلة، ويحفظ حديثه، ويقوم الليل، ويسرد الصوم. يحيى بن أيوب قال: حدثني بعض أصحاب وكيع الذين كانوا يلزمونه قالوا: كان وكيع لا ينام حتى يقرأ ثلث القرآن، ثم يقوم في آخر الليل فيقرأ المفصل، ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر فيصلي ركعتين. إبراهيم بن وكيع قال: كان أبي يصلي الليل فلا يبقى في دارنا أحد إلا صلى حتى إن جارية لنا سوداء لتصلي. أحمد بن محمد قال: أخبرني بعض أصحابنا عن وكيع قال: أغلظ رجل لوكيع بن الجراح، فدخل وكيع بيتاً فعفر وجهه في التراب ثم خرج إلى الرجل فقال: زد وكيعاً بذنبه فلولاه ما سلطت عليه. سلم بن جنادة قال: جالست وكيع بن الجراح سبع سنين فما رأيته بزق ولا رأيته مس حصاة بيده، وما رأيته جلس مجلسه فتحرك، وما رأيته إلا مستقبل القبلة، وما رأيته يحلف بالله. الحسن بن أبي زيد قال: صاحبت وكيع بن الجراح إلى مكة فما رأيته متكئاً ولا رأيته نائماً في محمله. علي بن خشرم قال: سمعت وكيع بن الجراح يقول: زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة تجبر نقصان الصوم كما يجبر السهو نقصان الصلاة. أسند وكيع عن الأئمة الأعلام: كإسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عروة، والأعمش، وابن عون، وابن جريج، والأوزاعي، وشعبة، وسفيان. وحدث وكيع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وجلس بعد موت الثوري في مكانه. وصنف التصانيف الكثيرة. وكان مولده في سنة تسع وعشرين، وقيل ثمان وعشرين ومائة، وحج سنة ست وتسعين، فلما رجع توفي بفيد في محرم سنة سبع وتسعي، وهو ابن ست وستين سنة.

حسين بن علي الجعفي

454 - حسين بن علي الجعفي يكنى أبا عبد الله كان من العلماء العباد، وكان سفيان الثوري إذا رآه عانقه وقال: هذا راهب جعفي. وكان سفيان بن عيينة يعظمه. وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت بالكوفة أفضل من حسين الجعفي كان يشبه بالراهب. محمد بن عبيد الرحبي قال: سمعت أبا بكر بن سماعة قال: كنا عند ابن أبي عمر العدني بمكة فسمعناه يقول: قدم علينا هارون قدمة إلى هذا المسجد فأخبرني الخادم الذي كان معه قال: كنت معه ومعه جعفر بن يحيى فخرجنا جميعاً حتى صرنا إلى الثنية، فقال لي: سل عن حسين بن علي الجعفي. فلقيت رجلاً فقلت: حسين ابن علي الجعفي. فقال: ها هو ذا يطلع عليك راكباً حماراً وخلفه أسود يقود أجمالاً له، فإذا هو قد طلع فقلت: هذا هو يا أمير المؤمنين. فلما حاذاه قام إليه فقبل يده، أو قال: رجله، فقال له جعفر بن يحيى: يا شيخ تدري من المسلم عليك؟ أمير المؤمنين هارون. فالتفت إليه حسين فقال له: أنت يا حسن الوجه، أنت مسئول عن هذا الخلق كلهم فقعد يبكي. وأتانا آت ونحن عند ابن عيينة فقال لسفيان: قدم حسين بن علي الجعفي فقام إليه يتلقاه وخرجنا معه. فلما صار في الطريق إلى باب بني لقيه فضيل بن عياض فقال له: أين تريد يا أبا محمد؟ فقال: قدم حسين الجعفي فأردت لقاءه. فقال: أنا معك. فخرجا يمشيان جميعاً ونحن خلفهما. فلما صرنا في أصحاب اللواء إذا حسين راكب حماراً فتقدم إليه فضيل، فقبل رجله وتقدم سفيان فقبل يده، أو قبل سفيان رجله، وقبل فضيل يده. فقال له فضيل: بأبي رجل تعلمت القرآن على يديه، أو علمني الله القرآن على يده، ثم دخل المسجد فطاف بالكنية وجاء إلى الأسطوانة الحمراء فقعد عندها فأكب الناس عليه. سمع حسين الجعفي من القاسم بن الوليد وزائدة وغيرهما. وتوفي في ذي القعدة سنة ثلاث ومائتين.

_ 454 - هو: حسين بن علي بن الوليد الجعفي، الكوفي، المقرئ، ثقة عابد، من التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع ومائتين وله أربع أو خمس وثمانون سنة.

محمد بن صبيح بن السماك

455 - محمد بن صبيح بن السماك يكنى أبا العباس أحمد بن حماد قال: كان ابن السماك يقول: يا ابن آدم إنما تغدو في كسب الأرباح فاجعل نفسك فيما تكسبه فإنك لم تكسب مثلها. أبو المغيرة بن شعيب قال: حضرت يحيى بن خالد البرمكي يقول لابن السماك: إذا دخلت على هارون أمير المؤمنين فأوجز ولا تكثر عليه. قال: فلما دخل عليه وقام بين يديه قال: يا أمير المؤمنين إن لك بين يدي الله تعالى مقاماً وإن لك من مقامك منصرفاً، فانظر إلى أين منصرفك، إلى الجنة أم إلى النار؟ قال: فبكى هارون حتى كاد يموت. إبراهيم بن سلمة الشعبي قال: سمعت ابن السماك يقول: من امتطى الصبر قوي على العبادة، ومن أجمع اليأس استغنى عن الناس، ومن أهمته نفسه لم يول مرمتها غيره ومن أحب الخير وفق له، ومن كره الشر جنبه، ومن رضي الدنيا من الآخرة حظاً فقد أخطأ حظ نفسه. عبد الله بن صالح قال: سمعت ابن السماك. وكتب إلى أخ له: أما بعد، أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك ورقيبك في علانيتك، فاجعله من بالك على حالك، وخفه بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره فليعظم منه حذرك وليكثر منه وجلك، واعلم أن الذنب من العاقل أعظم من الأحمق ومن العالم أعظم من الجاهل وقد أصبحنا أدلاء بزعمنا والدليل لا ينام في البحر، وقد كان عيسى صلى الله عليه وسلم يقول: حتى متى تصفون الطريق للدالجين وأنتم مقيمون في محلة المتحيرين؟ تصفون البعوض من شرابكم وتسترطون الجمال بأجمالها. أي أخي كم من مذكر بالله ناس لله، وكم من مخوف بالله جريء على الله وكم من داع إلى الله فار من الله. وكم تال لكتاب الله منسلخ من آيات الله. والسلام. عباية بن كليب قال: سمعت ابن السماك يقول: سبعك بين لحييك تأكل به كل من مر عليك، قد آذيت أهل الدور في الدور حتى تعاطيت أهل القبور، فما ترثي لهم وقد جرى البلى عليهم، وأنت ها هنا تنبشهم، إنما نرى أن نبشهم أخذ الخرق عنهم، إذا ذكرت مساويهم فقد نبشتهم، إنه ينبغي لك أن يدلك على ترك القول في أخيك ثلاث خلال: أما واحدة: فلعلك أن

_ 455 - هو: محمد بن صبيح العجلي، ابن السماك الزاهد القدوة، سيد الوعاظ، أبو العباس، مولاهم الكوفي.

تذكره بأمر هو فيك فما ظنك بربك إذا ذكرت أخاك بأمر هو فيك؟ ولعلك تذكره بأمر، فيك أعظم منه، قذلك أشد استحكاماً لمقته إياك، ولعلك تذكره بأمر قد عافاك الله منه فهذا جزاؤه إذ عافاك. أما سمعت: ارحم أخاك واحمد الذي عافاك؟ الحسين بن عبد الرحمن قال: كان ابن السماك يقول: من أذاقته الدنيا حلاوتها لميله إليها جرعته الآخرة مرارتها لتجافيه عنها. أبو الحسين علي بن الحسين الفقيه قال: سمعت عبد الله بن محمد بن السماك يقول: سمعت أبي يقول: إن استطعت أن تكون كرجل ذاق الموت وعاش ما بعده فسأل الرجعة فأسعف بطلبه وأعطي حاجته فهو متأهب مبادر، فافعل فإن المغبون من لم يقدم من ماله شيئاً ومن نفسه لنفسه. أبو جعفر الربعي قال: لما حضرت ابن السماك الوفاة قال: اللهم إني وإن كنت أعصيك لقد كنت أحب فيك من يطيعك. أسد بن السماك عن عدة من التابعين منهم: إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وهشام بن عروة، وروى عنه عن الأئمة حسين الجعفي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وأحمد بن حنبل، وهو كوفي لكنه قدم بغداد فمكث بها مدة ثم عاد إلى الكوفة فتوفي فيها سنة ثلاث وثمانين ومائة.

ومن الطبقة الثامنة

ومن الطبقة الثامنة أبو داود الحفري ... ومن الطبقة الثامنة "من أهل الكوفة": 456 - أبو داود الحفري واسمه عمر بن سعد، أبو بكر المروزي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: رأيت أبا داود الحفري وعليه جبة مخرقة وقد خرج القطن منها يصلي بين المغرب والعشاء وهو يترجح من الجوع. الحسين بن علي الصدائي قال: جئت إلى أبي داود الحفري فدققت الباب عليه فقال: من هذا؟ فقلت: رجل من أصحاب الحديث. فقال لي: اصبر علي. فاطلعت من كوة في الباب فإذا هو متزر بمئزر وهو يغزل صوفاً يتعيش منه. فأخذ الصوف فوضعه في كوة وأخذ عليه ثوباً وأدخلني الدار إلى مسجد له فقعد معي ولم يكن في الدار سقف غير سقف رأيته على الدهليز فأملى علي حتى فني ورقي. وقال لي: ألك حاجة؟ أو تكتب شيئاً آخر؟ فما رأيت رجلاً يحدث لله عز وجل مثله. قال ابن عبدوية: وسمعت عباساً الدوري يقول: حدثنا أبو داود الحفري، ولو رأيت أبا داود لرأيت رجلاً كأنه اطلع إلى النار فرأى ما فيها. أسند أبو داود الحفري عن الثوري وغيره. وتوفي سنة ثلاث ومائتين.

_ 456 - هو: عمر بن سعيد بن عبيد، أبو داود الحفري –بفتح المهملة والفاء - نسبة إلى موضع بالكوفة، ثقة عابد، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومائتين.

بهيم العجلي

457 - بهيم العجلي يكنى أبا بكر، روى عن أبي إسحاق الفزاري. داود بن يحيى بن يمان عن أبيه قال: قال بهيم: إنما أخاف أن تدفق علي الدنيا دفقة فتعريني. معاوية بن عمرو قال: كان بهيم رجلاً طوالاً شديد الأدمة إذا رأيته رأيت رجلاً حزيناً. شهاب بن عباد قال: رأيت بهيماً العجلي وكان قد بكى حتى سقطت أشفاره، وكان رطب العينين جداً. فقلت لابن أخ له، ما شأنه يمس عينيه كثيراً؟ قال: قد فسدت من كثرة من يبكي، فهي تحكه وتضرب عليه.

معاذ بن زياد قال: لما اتخذت عبادان سكنها قوم نساك فيهم رجل يقال له بهيم وكان رجلاً حزيناً يزفر الزفرة فتسمع زفيره. مخول قال: جاءني بهيم يوماً فقال لي: تعلم لي رجلاً من جيرانك أو إخوانك يريد الحج ترضاه يرفقني؟ قلت: نعم. فذهبت إلى رجل من الحي له صلاح ودين فجمعت بينهما وتواطيا على المرافقة. ثم انطلق بهيم إلى أهله، فلما كان بعد أتاني الرجل فقال: يا هذا أحب أن تزوي عني صاحبك وتطلب رفيقاً غيري. فقلت: ويحك فلم؟ فوالله ما أعلم في الكوفة له نظيراً في حسن الخلق والاحتمال، ولقد ركبت معه البحر فلم أر إلا خيراً. قال: ويحك حدثت أنه طويل البكاء لا يكاد يفتر، فهذا ينغص علينا العيش سفرنا كله. قال: قلت: ويحك إنما يكون البكاء أحياناً عند التذكرة يرق القلب فيبكي الرجل، أو ما تبكي أنت أحياناً؟ قال: بلى ولكنه قد بلغني عنه أمر عظيم جداً من كثرة بكائه. قال: قلت: اصحبه فلعلك أن تنتفع به. قال: أستخير الله. فلما كان اليوم الذي أرادا أن يخرجا فيه جيء بالإبل ووطئ لهما فجلس بهيم في ظل حائط فوضع يده تحت لحيته وجعلت دموعه تسيل على خديه، ثم على لحيته ثم على صدره حتى والله رأيت دموعه على الأرض. قال: فقال لي صاحبي: يا مخول قد ابتدأ صاحبك، ليس هذا لي برفيق. قال: قلت: ارفق، لعله ذكر عياله ومفارقته إياهم فرق. وسمعها بهيم فقال: يا أخي والله ما هو بذاك وما هو إلا أني ذكرت بها الرحلة إلى الآخرة. قال: وعلا صوته بالنحيب. قال: يقول لي صاحبي: والله ما هي بأول عداوتك لي وبغضك إياي، ما لي ولبهيم؟ إنما كان ينبغي أن ترافق بين بهيم وبين داود الطائي وسلام بن الأحوص، حتى يبكي بعضهم إلى بعض حتى يشتفوا أو يموتوا جميعاً. قال: فلم أزل أرفق به وأقول: ويحك لعلها خير سفرة سافرتها. قال: وكان طويل الحج رجلاً صالحاً إلا أنه كان رجلاً تاجراً موسراً مقبلاً على شأنه، لم يكن صاحب حزن ولا بكاء، قال: فقال لي: قد وقعت مرتي هذه ولعلها أن تكون خيرة. قال: وكل هذا الكلام لا يعلم به بعين ولو علم بشيء منه ما صاحبه. قال: فخرجا جميعاً حتى حجا ورجعا. ما يرى كل واحد منهما أن له أخاً غير صاحبه. فلما جئت أسلم على جاري

قال لي: جزاك الله يا أخي عني خيراً ما ظننت أن في هذا الخلق مثل أبي بكر، كان والله يتفضل علي في النفقة وهو معدم وأنا موسر، ويتفضل علي في الخدمة وأنا شاب قوي وهو شيخ ضعيف، ويطبخ لي وأنا مفطر وهو صائم. قال: فقلت: فكيف كان أمرك معه في الذي كنت تكرهه من طويل بكائه؟ قال: ألفت والله ذاك البكاء وسر قلبي حتى كنت أساعده عليه، حتى تأذى بنا أهل الرفقة. قال: ثم والله ألفوا ذلك فجعلوا إذا سمعونا نبكي بكوا وجعل بعضهم يقول لبعض: ما الذي جعلهم أولى بالبكاء منا والمصير واحد؟ قال: فجعلوا والله يبكون ونبكي، قال: ثم خرجت من عنده فأتيت بهيماً فسلمت عليه وقلت: كيف رأيت صاحبك؟ قال: كخير صاحب، كثير الذكر لله عز وجل طويل التلاوة للقرآن، سريع الدمعة محتمل الهفوات للرفيق، جزاك الله عني خيراً.

عرفجة

458 - عرفجة عن خلف بن تميم قال: كان فتى من أهل الكوفة متعبد يقال له عرفجة، وكان يحيي الليل صلاة. فاستزاره بعض إخوانه ليلة فاستأذن أمه في زيارته فأذنت له، قالت العجوز: فلما كان الليل إذا أنا في منامي برجال قد وقفوا علي فقالوا: يا أم عرفجة: لم أذنت لإمامنا الليلة.

_ 458 - هو: عرفجة الكوفي، مشهور في القانتين، معروف في العابدين، انظر حلية الأولياء 10/140.

ذكر المصطفين من عباد الكوفة مجهولي الأسماء

ذكر المصطفين من عباد الكوفة مجهولي الأسماء 459 - عابد أبو سعيد البقال قال: رأيت رجلاً بالكوفة قد استعد للموت منذ ثلاثين سنة قال: ما لي على أحد شئ ولا لأحد عندي شيء، وما أريد أن أكلم أحداً ولا يكلمني أحد من الناس إلا بذكر الله تعالى وكان يأوي الجبان والمقابر. أيوب بن موسى قال: سمعت شيخاً في المسجد يكنى أبا سهل الترمذي قال: سمعت سفيان الثوري يقول: رأيت شيخاً في مسجد الكوفة يقول: أنا في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة أنتظر الموت أن ينزل بي لو أتاني ما أمرته بشيء ولا نهيته عن شيء ولا لي على أحد شيء ولا لأحد عندي شيء. 460 - عابدان كوفيان عن الشعبي قال: جاء رجلان إلى شريح فقال أحدهما: اشتريت من هذا داراً فوجدت فيها عشرة آلاف درهم فقال: خذها. فقال له: إنما اشتريت الدار. فقال للبائع: فخذها أنت فقال: ولم؟ وقد بعته الدار بما فيها. فأدار الأمر بينهما فأبيا فأتى زياداً فأخبره فقال: ما كنت أرى أن أحداً هكذا بقي. وقال لشريح: ادخل بيت المال فألق في كل جراب قبضة حتى تكون للمسلمين. 461 - عابد آخر منصور بن عمار قال: خرجت ذات ليلة فظننت أني قد أصبحت فإذا علي ليل، فقعدت عند باب صغير فإذا بصوت شاب يبكي ويقول: وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وقد عصيتك حيت عصيتك وما أنا بنكالك جاهل ولا لعقوبتك متعرض، ولا بنظرك مستخف، ولكن سولت لي نفسي وغلبتني شقوتي، وغرني سترك المرخى علي، عصيتك بجهلي وخالفتك بجهدي، فالآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أتصل إن قطعت حبلك عني؟ واسوأتاه على ما مضى من أيامي في معصية ربي، يا ويلي كم أتوب وكم أعود، قد حان لي أن أستحيي من ربي عز وجل. قال منصور: فلما سمعت كلامه قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} التحريم: 6 الآية، فسمعت صوتاً واضطراباً شديداً فمضيت لحاجتي. فلما أصبحت رجعت وأنا بجنازة على الباب، وعجوز تذهب وتجيء. فقلت لها: من الميت؟ فقالت: إليك عني لا تجدد علي أحزاني. فقلت: إني رجل غريب. فقالت: هذا ولدي مر بنا البارحة رجل لا جزاه الله خيراً فقرأ آية فيها ذكر النار، فلم يزل ولدي يضطرب ويبكي حتى مات، منصور: هكذا والله صفة الخائفين. 462 - عابد آخر عبد الله بن عمر الكوفي قال: كان عندنا بالكوفة رجل قد خرج عن دنيا واسعة وتعبد. قال: وكان الفضيل بالكوفة في أيامه. قال: فقدم ابن المبارك فقال له الفضيل: إن ها هنا رجلاً من المتعبدين قد خرج عن دنيا فامض بنا إليه ننظر عقله. قال: فجاءوا إليه وهو عليل وعليه عباء وتحت رأسه قطعة لبنة، قال: فسلم ابن المبارك عليه ثم قال: يا أخي بلغنا أنه ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله ما هو أكثر منه، فما عوضك؟ قال: الرضا بما أنا فيه. فقال ابن المبارك: حسبك. وقاما على ذلك. 463 - عابد آخر محمد بن منصور قال: كان بالكوفة رجل متعبد يأكل في يوم نصف رغيف وكان قاعداً لا يضطجع ويضع جبهته على ركبتيه من صلاة إلى صلاة لا يتطوع بشيء غير الفرائض، ولا يتكلم البتة. فقلت له: لو تطوعت فقال: افهم ما ألقيه إليك، إني لست أعصيه.

من عقلاء المجانين بالكوفة

من عقلاء المجانين بالكوفة: 464 - نمير المجنون العباس بن محمد بن عبد الرحمن الأشهلي قال: حدثني أبي عن ابن نمير قال: كان لي ابن أخت سمته أختي باسم أبي نمير، وكان من نساك أهل الكوفة وقد سمع سماعاً حسناً، وكان حسن الطهور حسن الصلاة، يراعي الشمس للزوال. قال: فعرض له فذهب عقله فكان لا يأويه سقف بيت: إذا كان بالنهار فهو بالجبانة وإذا كان بالليل ففي السطح قائماً على رجليه في البرد والمطر والريح، فنزل يوماً مبكراً يريد المقابر فقلت: يا نمير تنام؟ قال: لا. قلت: أي شيء العلة التي تمنعك من النوم؟ قال: هذا البلاء الذي تراه. فقلت: يا نمير أما تخاف الله عز وجل؟ قال: بلى. وقال: أليس يقال: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؟ قال: قلت له: أنت أعلم مني. قال: كلا ومضى، قال: وصعدت إليه ليلة باردة وهو قائم في السطح وأمه قائمة تبكي فقلت: يا نمير بقي منك شيء لم تنكره؟ قال: نعم. قلت ما هو؟ قال: حب الله عز وجل وحب رسوله صلى الله عليه وسلم. قال: وصعدت إليه ليلة في رمضان فقلت له: يا نمير لم أفطر. قال: ولم؟ قلت: أحب أن تراك أختي تأكل معي. قال: أفعل. قال: فأصعد إلينا طعام، فجعل يأكل معي حتى فرغت وفرغ. فلما أردت أن أقوم رحمته من أن يراني مولياً وهو في الظلمة والريح فبكيت فقال: ما يبكيك رحمك الله؟ قلت: أنزل إلى الكن والضوء وأدعك في الظلمة والبرد؟ فغضب وقال لي: إن لي رباً هو أرحم بي منك وأعلم بما يصلحني فدعه يصرفني كيف يشاء، فإني لا أتهمه في قضائه. فقلت له لئن كنت في ظلمة الليل إن جدك في ظلمة اللحد، أريد أن أعزيه وأطيب نفسه. فقال لي ما جعل روح رجل صالح مثل روح رجل متلوث. ثم قال لي: أتاني البارحة أبي وأبوك عبد الله بن نمير فوقف ثم أشار إلى موضع كان أبي يصلي فيه فقال لي: يا نمير أما إنك ستأتينا يوم الجمعة شهيداً. قال: فدعوت أمه فصعدت إلي فأخبرتها بما قال: فقالت: والله ما جربت عليه كذباً وما هذا مما كان يتكلم به وما قال إلا حقاً. قال: وقال هذه المقالة عشية الأربعاء. فجعلنا نتعجب ونقول غداً الخميس وبعد غد الجمعة، فهبه مرض غداً ومات بعد غد فأين الشهادة؟.

فلما كانت ليلة الجمعة في وسط الليل سمعنا هدة فإذا هو قد هاج به ما كان يهيج فبادر الدرجة فزلت قدمه فسقط منها فاندقت عنقه فحفرت له إلى جنب أبي ودفنته، وانكببت على قبر أبي فقلت: يا أبت قد أتاك نمير وجاورك. والله ما قلت هذه المقالة إلا لما كان في قلبي من الغم. ثم انصرفت فلما كان الليل رأيت أبي في النوم كأنه قد دخل علي من باب البيت فقال لي: يا بني جزاك الله خيراً لقد آنستني بنمير، اعلم أنه منذ أتيتمونا به إلى أن جئتك يزوج بالحور، والسلام.

ذكر المصطفيات من العابدات الكوفيات المسميات

ذكر المصطفيات من العابدات الكوفيات المسميات أم حسان الكوفية ... ذكر المصطفيات من العابدات الكوفيات ذكر المسميات منهن والمنسوبات: 465 - أم حسان الكوفية كان سفيان وابن المبارك وغيرهما يزورونها، عبد الله بن المبارك قال: ذكر سفيان الثوري امرأة بالكوفة يقال لها أم حسان ذات اجتهاد وعبادة. فدخلنا بيتها فلم نر فيه شيئاً غير قطعة حصير خلق فقال لها الثوري: لو كتبت رقعة إلى بعض بني أعمامك لغيروا من سوء حالك. فقالت: يا سفيان قد كنت في عيني أعظم وفي قلبي أكبر مذ ساعتك هذه، إني ما أسأل الدنيا من يقدر عليها ويملكها ويحكم فيها؛ فكيف أسأل من لا يقدر عليها ولا يقضي ولا يحكم فيها؟ يا سفيان والله ما أحب أن يأتي علي وقت وأنا متشاغلة فيه عن الله تعالى بغير الله. فأبكت سفيان، قال عبد الله: فبلغني أن سفيان تزوج بها.

أم الأسود بن يزيد

466 - أم الأسود بن يزيد وكيع قال: حدثنا أبي عن منصور عن إبراهيم أن أم الأسود أقعدت من رجليها فجزعت ابنة لها فقالت: اللهم إن كان خيراً فزد.

أم مسعر بن كدام

467 - أم مسعر بن كدام محمد بن سعد قال: كانت لمسعر أم عابدة فكان يحمل لها لبداً ويمشي معها حتى يدخلها المسجد فيبسط لها اللبد فتقوم فتصلي ويتقدم هو إلى مقدم المسجد فيصلي ثم يقعد ويجتمع إليه من يريد فيحدثهم ثم ينصرف إليها فيحمل لبدها وينصرف معها.

أم سفيان الثوري

468 - أم سفيان الثوري قال وكيع: قالت أم سفيان الثوري لسفيان: يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك يمغزلي، وقالت له: يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك فإن لم يزدك فاعلم أنه لا يضرك ولا ينفعك.

أم الحسن وعلي ابني صالح بن حي

469 - أم الحسن وعلي ابني صالح بن حي عبد الله بن هاشم قال: سمعت وكيع بن الجراح يقول: كانت أم علي والحسن ابني صالح تقوم ثلث الليل.

عبد الله بن صالح قال: حدثني رجل من بني تميم أن أم الحسن وعلي ابني صالح كانت تبكي بالليل والنهار. قال: فرأيت حسناً بعد موته في المنام فقلت: ما فعلت الوالدة؟ قال: بدلت بطول ذلك البكاء سرور الأبد.

أخت فضيل بن عبد الوهاب

470 - أخت فضيل بن عبد الوهاب قال محمد بن الحسين: حدثني فضيل بن عبد الوهاب قال: سمعت أختي تقول: الآخرة أقرب من الدنيا، وذلك أن الرجل يهم بطلب الدنيا فلعله أن ينشئ لذلك سفراً يكون فيه تعب بدنه وإنفاق ماله، ثم لعله أن لا ينال بغيته. والرجل يطلب الآخرة فمنتهى طلبته في حسن نيته حيث ما كان من غير أن ينشئ سفراً أو ينفق مالاً أو يتعب بدناً، ما هو إلا أن يجمع على طاعة الله فإذا هو قد أدرك ما عند الله. قال: وسمعتها تقول: ما بيننا وبين أن نرى السرور أو ننادى بالويل والثبور إلا خروج هذه الأرواح من الأبدان، فانظروا أي عبيد تكونون حينئذ؟ قال: ثم صرخت وغشي عليها. قال فضيل: ما رأيت أحداً قط، رجلاً ولا امرأة، أطول حزناً منها.

ذكر المصطفيات من العابدات الكوفيات مجهولات الأسماء

ذكر المصطفيات من العابدات الكوفيات مجهولات الأسماء 471 - عابدة مجرز أبو القاسم الجلاب قال: حدثني سعدان قال: أمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خثيم فلعلها تفتنه، وجعلوا لها إن فعلت ذلك ألف درهم. فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها فراعه أمرها فأقبلت عليه وهي سافرة. فقال لها الربيع: كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك؟ أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك لو قد ساءلك منكر ونكير؟ فصرخت صرخة فسقطت مغشياً عليها. فوالله لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها أنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق. 472 - عابدة أخرى عبد الله بن نافع قال: أتى الربيع بن خثيم في منامه فقيل: إن فلانة السوداء زوجتك في الجنة فلما أصبح سأل عنها فدل عليها فإذا هي ترعى أعنزاً لها. فقال: لأقيمن عندها فأنظر ما عملها؟ فأقام عندها ثلاثاً لا يراها تزيد على الفريضة، فإذا أمست جاءت إلى عنيزة لها فحلبت ثم شربت، ثم حلبت فسقته. فقال لها في اليوم الثالث: يا هذه لم لا تسقيني من غير هذه العنز؟ قال: يا عبد الله إنها ليست لي، قال: فلم تسقيني من هذه؟ قالت: إن هذه منحتها أشرب من لبنها واسقي من شئت. قال: يا هذه فليس لك من العمل أكثر مما أرى؟ قالت: لا، إلا أني ما أصبحت على حال قط فتمنيت أني على حال سواها، رضاً بما قسم الله لي، فقال: يا هذه علمت أني رأيت في المنام أنك زوجتي في الجنة. قالت له: أنت الربيع بن خثيم؟ قلت لعبد الله بن نافع: كيف علمت هذا؟ قال: لعلها أن تكون رأت في منامها مثل ما رأى. 473 - عابدة أخرى محمد بن يحيى بن أبي حاتم قال: حدثني عبد الملك بن شبيب عن رجل من ولد ابن أبي ليلى قال: دخلت على امرأة وأنا أقرأ سورة هود. فقالت لي: يا عبد الرحمن هكذا تقرأ سورة هود؟ والله إني لفيها منذ ستة أشهر ما فرغت من قراءتها.

474 - عابدة أخرى الوضاح بن حسان الأنباري قال: حدثني رجل من أهل الكوفة قال: كانت امرأة من التيم مجتهدة في العبادة، فكانت تفطر في كل ثلاث مرة، ولا تخرج من مسجد الحي إلا لحاجة. فقال لها إبراهيم التيمي: صلاتك في بيتك أفضل من صلاتك في مسجد الحي، ففعلت فلزمت بيتها فلم تزدد إلا خيراً. 475 - عابدتان أختان محمد بن قدامة قال: سمعت أبا بشر يقول: كانت جارة لمنصور بن المعتمر، وكان لها ابنتان لا تصعدان إلى السطح إلا بعد ما ينام الناس. فقالت إحداهما ذات ليلة: يا أمتاه ما فعلت القائمة التي كنت أراها في سطح فلان؟ فقالت: يا بنية لم تكن تلك قائمة إنما كان ذاك منصور يحيي الليل كله في ركعة لا يسجد فيها ولا يركع. فقالت: يا أمتاه: بلغ به العبادة والفرق من النار هذا؟ فما فعل؟ قالت: مات ودفنوه. قالت: يا أمتاه انطلقي فاشتري لي مدرعة أتعبد فيها فوالله لا يجمع رأس ورأس رجل أبداً رجل لا ينام عشرين سنة فرقاً من النار. قال: فاشترت لها مدرعة من شعر فدخلت البنت الأخرى معها في العبادة فتعبدتا بعد ذلك عشرين سنة لا تنامان الليل ولا تفطران النهار. 476 - عابدة أخرى عن سفيان أنه ذكر يوماً امرأة من أهل الكوفة كانت تتعبد، فذكر عنها فضلاً. فقلت: أي شيء تحفظ من كلامها؟ قال: قالوا إنها كانت تقول: لو نادى مناد من السماء ليمت أعظم الناس جرماً لرأيت نفسي أول نفس ذائقة للموت. وكانت تقول: طول الأمل بطأ بي عن سبيل النجاة. 477 - عابدة أخرى عن ابن السماك قال: أذنب غلام امرأة من قريش ذنباً فسعت إليه بالسوط فلما قربت منه رمت بالسوط وقالت: ما تركت التقوى أحداً يشفي غيظه. 478 - عابدة أخرى: أبو بكر بن عبيد قال: حدثني محمد بن الحسين قال: أخبرنا شهاب بن عباد قال: أخبرنا

سويد بن عمرو الكلبي قال: كانت امرأة عابدة في غنى، فكانت لا تنام من الليل إلا يسيراً. فعوتبت في ذلك فقالت: كفى بالموت وطول الرقدة في القبور للمؤمنين رقاداً. قال أبو بكر: وزادني في هذا الحديث عن محمد بن الحسين بإسناده هذا: وكانت تصوم في شدة الحر حتى يسود لونها ويتغير وجهها. فيقال لها في ذلك، فتقول: إنما أدور على طول الري والشبع في الآخرة. وكانت قد بكت حتى اسود مجاري دموعها من وجهها، فكان يأتيها محمد بن النضر وأصحابه فيحادثها ساعة ثم تقول: قوموا فالحديث هناك يطيب، في دار لا هم فيها ولا موت ولا تعب.

ذكر المصطفيات من عقلاء المجانين المتعبدات الكوفيات

ذكر المصطفيات من عقلاء المجانين المتعبدات الكوفيات 479 - ميمونة السوداء الفضيل بن عياض قال: قال عبد الواحد بن زيد: سألت الله عز وجل ثلاث ليال أن يريني رفيقي في الجنة، فرأت كأن قائلاً يقول: يا عبد الواحد رفيقك في الجنة ميمونة السوداء. فقلت: وأين هي؟ فقال: في آل فلان بالكوفة. قال: فخرجت إلى الكوفة وسألت عنها فقيل: هي مجنونة بين ظهرانينا ترعى غنيمات لنا، فقلت: أريد أن أراها. قالوا: اخرج إلى الجبان، فخرجت فإذا بها قائمة تصلي، وإذا بين يديها عكاز لها وعليها جبة من صوف، عليها مكتوب: لا تباع ولا تشترى. وإذا الغنم مع الذئاب، فلا الذئاب تأكل الغنم ولا الغنم تخاف الذئاب. فلما رأتني أوجزت في صلاتها ثم قالت: ارجع يا بن زيد ليس الموعد ها هنا إنما الموعد ثم. فقلت: رحمك الله ومن أعلمك أني ابن زيد؟ فقالت: أما علمت أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف؟ فقلت لها: عظيني؟ فقالت: واعجباً لواعظ يوعظ ثم قالت: يا بن زيد إنك وضعت معايير القسط على جوارحك لخبرتك بمكتوم مكنون ما فيها، يا بن زيد إنه بلغني أنه ما من عبد أعطي من الدنيا شيئاً فابتغى إليه ثانياً إلا سلبه الله حب الخلوة معه، وبدله بعد القرب البعد وبعد الأنس الوحشة. ثم أنشأت تقول: يا واعظاً قام لاحتساب ... بزجر قوماً عن الذنوب ننهى وأنت السقيم حقاً ... هذا من المنكر العجيب لو كنت أصلحت قبل هذا ... عيبك أو تبت من قريب كان لما قلت يا حبيبي ... موقع صدق من القلوب نتهى عن الغي والتمادي ... وأنت في النهي كالمريب فقلت لها: غني أرى هذا الذئاب مع الغنم، فلا الغنم تفزع من الذئاب، ولا الذئاب تأكل الغنم، فأي شيء هذا؟ فقالت: إليك عني فإني أصلحت ما بيني وبين سيدي فأصلح بين الذئاب والغنم.

بخة

480 - بخة عن يحيى بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل قال: كانت لي أخت أسن مني فاختلط عقلها فتوحشت فكانت في غرفة في أقصى سطوحنا. فمكثت بذلك بضع عشرة سنة وكانت مع ذهاب عقلها تحرص على الطهور وتفقد الصلوات وربما غلبت على عقلها الأيام فتحفظ ذلك حتى تقضيه. قال: فبينما أنا نائم ذات ليلة إذا باب بيتي يدق في نصف الليل. فقلت: من هذا؟ قالت: بخة، قلت، أختي؟ قالت: أختك. قلت: لبيك. وقمت ففتحت الباب فدخلت ولا عهد لها بالبيت منذ أكثرأ أكثر من عشر سنين، فقلت لها: يا أختاه خير. قالت: خير، أتيت الليلة في منامي فقيل لي: السلام عليك يا بخة. فقلت: وعليك السلام. فقيل لي: إن الله قد حفظ أباك إسماعيل لسلمة بن كهيل جدك، وحفظك لأبيك إسماعيل. فإن شئت دعوت الله لك فأذهب ما بك، وإن شئت صبرت ولك الجنة، فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد شفعا لك إلى الله عز وجل بحب أبيك وجدك إياهما. فقلت: إن كان لا بد من أن أختار أحدهما فالصبر على ما أنا فيه والجنة، والله واسع لا يتعاظمه شيء، إن شاء أن يجمعهما لي فعل. قالت: فقيل لي: قد جمعهما الله لك ورضي عن أبيك وجدك بحبهما أبا بكر وعمر، قومي فانزلي. فأذهب الله ما كان بها. انتهى ذكر أهل الكوفة ولله الحمد.

ذكر المصطفين من أهل البصرة من التابعين ومن بعدهم

ذكر المصطفين من أهل البصرة من التابعين ومن بعدهم من الطبقة الأولى الأحنف بن قيس ... ذكر المصطفين من أهل البصرة من التابعين ومن بعدهم فمن الطبقة الأولى: 481 - الأحنف بن قيس يكنى أبا بحر وإنما عرف بالأحنف لأنه ولد أحنف. عن الحسن، عن الأحنف قال: بينا أنا أطوف بالبيت إذ لقيني رجل من بني سليم فقال: أبشرك؟ فقلت: بلى. قال: أتذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومك بني سعد أدعوهم إلى الإسلام، فقلت أنت: ما قال إلا خيراً ولا أسمع إلا حسناً؟ فإني رجعت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتك فقال: "اللهم اغفر لأحنف". قال: فما أنا لشيء أرجى مني لها. قال أبو معاوية بن هشام لخالد بن صفوان: بم بلغ فيكم الأحنف بن قيس ما بلغ؟ قال: إن شئت حدثتك ألفاً وإن شئت حذفت لك الحديث حذفاً. قال: احذفه لي حذفاً. قال: فإن شئت فثلاثاً، وغن شئت فاثنتين، وإن شئت فواحدة. قال: ما الثلاث؟ قال: كان لا يشره ولا يحسد ولا يمنع حقاً. قال: فما الاثنتان؟ قال: كان موقفاً للخير، معصوماً من الشر. قال: فما الواحدة؟ قال: كان أشد الناس على نفسه سلطاناً. عن الحسن قال: كانوا يتكلمون عند معاوية والأحنف ساكت. فقالوا: ما لك لا تتكلم يا أبا بحر؟ قال: أخشى الله إن كذبت وأخشاكم إن صدقت. عن سليمان التيمي قال: قال الأحنف بن قيس: ما ذكرت أحداً بسوء بعد أن يقوم من عندي. عن سلمة بن منصور، عن مولى لهم كان يصحب الأحنف بن قيس، قال: كنت أصحبه فكان عامة صلاته بالليل الدعاء. وكان يجيء إلى المصباح فيضع إصبعه فيه ثم يقول: حس. ثم يقول: يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟

_ 481 - هو: الأحنف بن قيس بن معاوية بن معين، الأمير الكبير، العالم النبيل، أبو بحر، التميمي، أحد من يضرب بحلمه وسؤدده المثل، اسمه: ضحاك، وقيل: صخر، وشهر بالأحنف لحنف في رجليه، وهو العوج والميل، كان سيد تميم، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ووفد على عمر، سير أعلام النبلاء 5/119.

عن الحسن قال: قال الأحنف بن قيس: والله ما سمعت كلمة إلا طأطأت لها رأسي لما هو أعظم منها. الغلابي قال: حدثني رجل من بني تميم قال: قال الأحنف بن قيس: لا مروءة لكذوب، ولا راحة لحسود، ولا حيلة لبخيل، ولا سؤدد لسيئ الخلق، ولا إخاء لملول. عن مغيرة قال: اشتكى ابن أخي الأحنف إلى الأحنف بن قيس وجع ضرسه فقال له الأحنف: لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما ذكرتها لأحد. قبيصة قال: قيل للأحنف بن قيس: ألا تأتي الأمراء؟ قال: فأخرج جرة مكسورة فكبها فإذا كسر. فقال: من كان يجزئه مثل هذا ما يصنع بإتيانهم؟ وقال محمد بن سعد: كان الأحنف صديقاً لمصعب بن الزبير، فوفد عليه الكوفة ومصعب وإليها يومئذ، فتوفي الأحنف عنده فرئي مصعب في جنازته يمشي بغير رداء. أسند الأحنف عن عمر وعلي وأبي ذر وغيرهم.

أبو عثمان النهدي

482 - أبو عثمان النهدي واسمه: عبد الرحمن بن مل. معتمر بن سليمان، عن أبيه قال: إني لأحسب أبا عثمان كان لا يصيب ذنباً. كان ليلة قائماً ونهاره صائماً. وإن كان ليصلي حتى يغشى عليه. حماد بن سلمة عن ثابت قال: كان أبو عثمان إذا دعا ودعونا يقول: والله لقد استجاب الله عز وجل، قال الله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر: 60. أدرك أبو عثمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يلقه. وأسند عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبي موسى وسلمان أسامة وأبي هريرة في آخرين. وكان من ساكني الكوفة فلما قتل الحسين عليه السلام تحول إلى البصرة وقال: لا أسكن بلداً قتل فيه ابن بنت رسول الله، وتوفي بالبصرة في أول ولاية الحجاج العراق وهو ابن ثلاثين ومائة سنة. حماد بن سلمة، عن حميد، عن أبي عثمان قال: بلغت نحواً من ثلاثين ومائة سنة ما من شيء إلا قد عرفت النقص فيه إلا أملي كما هو.

_ 482 - هو: عبد الرحمن بن مل - بلام ثقيلة والميم مثلثة -أبو عثمان النهدي - بفتح النون وسكون الهاء - مشهور بكنيته مخضرم، من كبار الثانية، ثقة ثبت عابد، مات سنة خمس وتسعين، وقيل بعدها، وعاش مائة وثلاثين سنة، وقيل أكثر.

حجير بن الربيع العدوي

483 - حجير بن الربيع العدوي روى عن عمر بن الخطاب عبد الرحمن عن هلال بن حق قال: كان حجير بن الربيع يصلي حتى ما يأتي فراشه إلا زحفاً، وما يعدونه من أعبدهم.

_ 483 - هو: حجير، بالتصغير، ابن الربيع البصري العدوي، يقال: هو أبو السوار –بتشديد الواو - ثقة من الثالثة. قال الشيخ شعيب: بل صدوق كما قال الذهبي وهو مقل لم يوثقه سوى ابن حبان والعجلي، وهما ما تعرف بالتوثيق، له في مسلم حديث واحد متابعة "الحياء خير كله" التحرير 1/255.

عامر بن عبد الله

484 - عامر بن عبد الله وهو الذي يقال له ابن عبد قيس. يكنى أبا عمرو. وقيل أبا عبد الله، من بني تميم. جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: بلغنا أن كعباً رأى عامر بن عبد قيس فقال: من هذا؟ فقالوا: هذا عامر. فقال: هذا راهب هذه الأمة. عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم: عامر بن عبد الله، إن كان ليصلي فيتمثل إبليس في صورة حية فيدخل تحت قميصه حتى يخرج من جيبه فما يمسه. قيل له: ألا تنحى الحية عنك؟ فقال: إني لأستحيي من الله عز وجل أن أخاف سواه. فقيل له: إن الجنة لتدرك بدون ما تصنع، وإن النار لتتقى بدون ما تصنع. فقال: والله لأجتهدن. ثم والله لأجتهدن، فإن نجوت فبرحمة الله، وإن دخلت النار فبعد جهدي. فلما احتضر بكى فقيل له: أتجزع من الموت وتبكي؟ فقال: ما لي لا أبكي ومن أحق بذلك مني؟ والله ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على دنياكم، ولكني أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء. وكان يقول: اللهم في الدنيا الهموم والأحزان، وفي الآخرة العذاب والحساب، فأين الروح والفرح.

_ 484 - هو: عامر بن عبد قيس، القدوة الولي، الزاهد أبو عبد الله، ويقال: أبو عمرو التميمي العنبري، البصري، قال العجلي: كان ثقة من عباد التابعين قارئ، انظر سير أعلام النبلاء 5/66.

عن عبد الله بن غالب بن عامر بن يساف. قال: سمعت المعلى بن زياد يقول: كان عامر بن عبد الله قد فرض على نفسه في كل يوم ألف ركعة وكان إذا صلى العصر جلس وقد انتفخت ساقاه من طول القيام فيقول: يا نفس، بهذا أمرت ولهذا خلقت، يوشك أن يذهب العناء. وكان يقول لنفسه: قومي يا مأوى كل سوء فوعزة ربك لأزحفن بك زحوف البعير ولئن استطعت أن لا يمس الأرض من زهمك لأفعلن. ثم يتلوى كما تتلوى الحية على المقلى. ثم يقوم فينادي: اللهم إن النار قد منعتني من النوم فاغفر لي. روى ابن وهب وغيره، يزيد بعضهم على بعض في الحديث، أن عامر بن عبد قيس كان من أفضل العابدين. ففرض على نفسه كل يوم ألف ركعة يقوم عند طلوع الشمس فلا يزال قائماً إلى العصر. ثم ينصرف وقد انتفخت ساقاه وقدماه فيقول: يا نفس إنما خلقت للعبادة يا أمارة بالسوء والله لأعملن بك عملاً، لا يأخذ الفراش منك نصيباً. قال: وهبط وادياً يقال له وادي السباع وفي الوادي عابد حبشي يقال له حممة. فانفرد عامر في ناحية يصليان، لا هذا ينصرف إلى هذا، ولا هذا ينصرف إلى هذا، أربعين يوماً وأربعين ليلة. إذا جاء وقت الفريضة صليا ثم أقبلا يتطوعان. ثم انصرف عامر بعد أربعين يوماً إلى حممة فقال: من أنت يرحمك الله؟ فقال: دعني وهمي. قال: أقسمت عليك. قال: أنا حممة. قال عامر: لئن كنت أنت حممة الذي ذكر لي لأنت أعبد من في الأرض، فأخبرني عن أفضل خصلة. قال: إني لمقصر ولولا مواقيت الصلاة تقطع علي القيام والسجود لأحببت أن أجعل عمري راكعاً، ووجهي مفترشاً حتى ألقاه، ولكن الفرائض لا تدعني أفعل ذلك فمن أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عامر بن عبد قيس. قال: إن كنت عامراً الذي ذكر لي فأنت أعبد الناس. فأخبرني بأفضل خصلة قال: إني لمقصر ولكن واحدة عظمت هيبة الله في صدري حتى ما أهاب شيئاً غيره، واكتنفه السباع فأتاه منها فوثب عليه من خلفه فوضع يديه على منكبيه وعامر يتلو هذه الآية {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} هود: 103 فلما رأى السبع أنه لا يكترث له ذهب. فقال حممة: وبالله يا عامر ما هالك ما رأيت؟ قال: إني لأستحيي من الله عز وجل أن أهاب شيئاً غيره. قال حممة: لولا أن الله تعالى ابتلانا بالبطن فإذا أكلنا لا بد لنا من الحدث ما رآني ربي إلا راكعاً أو ساجداً.

وكان يصلي في اليوم والليلة ثمان مائة ركعة. وكان يقول: إني لمقصر في العبادة وكان يعاتب نفسه. المعلى بن إياد القردوسي، عن عامر بن عبد قيس أنه مر بقافلة قد حبسهم الأسد من بين أيديهم على طريقهم، فلما جاء عامر نزل عن دابته فقالوا: يا أبا عبد الله إنا نخاف عليك من الأسد. فقال: إنما هو كل من كلاب الله عز وجل، إن شاء أن يسلطه سلطه وإن شاء أن يكفه كفه. فمشى إليه حتى أخذ بيديه أذني الأسد فنحاه على الطريق وجازت القافلة. وقال إني لأستحيي من ربي تبارك وتعالى أن يرى في قلبي أني أخاف من غيره. محمد بن فضيل بن غزوان قال: أنبأ أبي قال: كان عامر بن عبد قيس يقول: ما رأيت مثل الجنة نام طالبها، وما رأيت مثل النار نام هاربها، وكان إذا جاء النهار قال: أذهب حر النار النوم فما ينام حتى يمسي، وإذا جاء الليل قال: من خاف أدلج، وعند الصباح يحمد القوم السرى. سهيل أخو حزم قال: بلغني عن عامر بن عبد قيس أنه كان يقول: أحببت الله عز وجل حباً سهل علي كل مصيبة ورضاني كل قضية، فما أبالي مع حبي إياه ما أصبحت عليه وما أمسيت. سعيد بن ميمون قال: قيل لامرأة عامر بن عبد قيس، يعني خادمته، كيف كانت عبادة عامر؟ قالت: ما صنعت له طعاماً قط بالنهار، فأكله إلا بالليل، ولا فرشت له فراشاً بالليل فاضطجع عليه إلا بالنهار. عن الحسن قال: بعث معاوية إلى عبد الله بن عامر أن انظر إلى عامر بن عبد قيس فأحسن إذنه وأكرمه ومره أن يخطب إلى من شاء وأمهر عنه من بيت المال. قال: فأرسل إليه: إن أمير المؤمنين قد كتب إلي أن أحسن إذنك وأكرمك. قال: يقول فلان أحوج مني إلى ذلك، يعني رجلاً كان أطال الاختلاف إليهم ولا يؤذن له. وأمرني أن آمرك أن تخطب إلى من شئت وأمهر عنك من بيت المال. قال: أنا في الخطبة دائب. قال: إلى من؟ قال: إلى من يقبل الفلقة والتمرة. قال: ثم أقبل إلى جلسائه وقال: إني سائلكم فأخبروني: هل منكم من أحد إلا له من قلبه شعبة؟ قالوا: اللهم لا. قال: هل منكم من أحد إلا لأهله من قلبه شعبة؟ قالوا:

اللهم لا. قال: هل منكم من أحد إلا لولده من من قلبه شعبة؟ قالوا: اللهم لا. قال: فوالذي نفسي بيده لأن تختلف الأسنة في جوانحي أحب إلي من أن أكون هكذا، أما والله لأجعلن الهم هماً واحداً. قال الحسن: وفعل. عبد الله بن عياش، مولى بني جشم، عن أبيه، عن شيخ قد سماه، وكان قد أدرك سبب تسيير عامر بن عبد الله، قال: مر برجل من أعوان السلطان وهو يجر ذمياً والذمي يستغيث. فأقبل على الذمي فقال: أديت جزيتك؟ قال: نعم. فأقبل عليه فقال: ما تريد منه؟ قال: أذهب به يكسح دار الأمير. قال: فأقبل على الذمي فقال: تطيب نفسك له بهذا؟ قال: يشغلني عن صنعتي. قال: دعه. قال: لا أدعه. قال له: دعه، قال: لا أدعه. قال: فوضع كساءه فقال: لا يخفر دمة محمد صلى الله عليه وسلم وأنا حي. قال: ثم خلصه منه. قال فتراقى ذلك حتى كان سبب تسييره. مالك بن دينار قال: قالت المرأة التي نزل عليها عامر بن عبد الله: مالي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟ قال: إن ذكر جهنم لا يدعني أن أنام. عن قتادة قال: سأل عامر بن عبد قيس ربه عز وجل أن يهون عليه الطهور في الشتاء، فكان يؤتى بالماء وله بخار. وسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه فكان لا يبالي ذكراً لقي أم أنثى؟ وسأل ربه أن يحول بين الشيطان وبين قلبه في الصلاة، فلم يقدر على ذلك. وقيل له: هذه الأجمة نخاف عليك منها الأسد. فقال: إني لأستحيي من ربي أن أخشى غيره. عن المعلى قال: قال عامر بن عبد قيس: أربع آيات من كتاب الله تعالى إذا ذكرتهن لا أبالي على ما أصبحت وأمسيت {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 12] {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 17] و {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق: 7] {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] . عن مالك بن دينار: عن عامر بن عبد قيس أنه كان يقول: إن أشد أهل الجنة فرحاً في الجنة أطولهم حزناً في الدنيا. أبو مسكين الغداني قال: قال عامر بن عبد قيس: من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.

عن أبي المتوكل الناجي قال: قال عامر بن عبد قيس: يا أبا المتوكل؟ قلت: لبيك. قال: عليك بما يرغبك في الآخرة ويزهدك في الدنيا ويقربك إلى لاله عز وجل. قلت: ما هو؟ فقالك تقصر عن الدنيا همك وتشحذ إلى الآخرة نيتك، وتصدق ذلك بفعلك، فإذا كنت كذلك لم يكن شيء أحب إليك من الموت، ولا شيء أبغض إليك من الحياة. فقلت: يا أبا عبد الله كنت لا أحسبك تحسن مثل هذا. فقال: كم من شيء كنت أحسنه وددت أني لا أحسنه وما يغني عني ما أحسن من الخير إذا لم أعمل به. عن بلال بن سعد أن عامراً كان يشترط على رفقائه أن ينفق عليهم بقدر طاقته. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: خرج عامر من البصرة إلى الشام ومعه شكوة فيها ماء يتوضأ منه للصلاة ويشرب منه لبناً إذا شاء. يزيد بن نعامة قال: كان عامر بن عبد قيس إذا أصبح قال: اللهم غدا الناس إلى أسواقهم وأصبح لكل امرئ منهم حاجة وحاجتي إليك يا رب أن تغفر لي. عن العلاء بن سالم قال: حدثني من صحب عامر بن عبد قيس أربعة أشهر قال: فما رأيته نام بليل ولا نهار حتى فارقته، وكان له رغيفان قد جعل عليهما ودكاً فيتسحر بواحد ويفطر بآخر. وكان إذا أصبح علمنا القرآن حتى إذا أمكنته الصلاة قام يصلي، فلا يزال يصلي حتى يصلي العصر. قال: ثم يعلمنا القرآن حتى يمسي فإذا صلى المغرب فهي ليلته حتى يصبح. عن الحسن قال: كان عامر بن عبد قيس إذا صلى الصبح تنحى في ناحية المسجد فقال: من أقرئه؟ قال: فيأتيه قوم فيقرئهم، حتى إذا طلعت الشمس وأمكنته الصلاة قام يصلي إلى أن ينتصف النهار ثم يرجع إلى منزله فيقيل، ثم يرجع إلى المسجد إذا زالت الشمس فيصلي حتى يصلي الظهر، ثم يصلي إلى العصر فإذا صلى العصر تنحى في ناحية المسجد ثم يقول: من أقرئه؟ قال: فيأتيه قوم فيقرئهم حتى إذا غربت الشمس صلى المغرب ثم يصلي حتى يصلي العشاء الآخرة ثم يرجع إلى منزله فيتناول أحد رغيفيه فيأكل ثم يهجع هجعة خفيفة، ثم يقول. فإذا أسحر تناول رغيفه الآخر فأكله ثم شرب عليه شربة من ماء ثم يخرج إلى المسجد. قال خلف: وحدثني بعض أصحابنا قال: كان منصور بن زاذان يفعل هذا كله ويفضل بخصلة: لا يبيت كل ليلة حتى يبل عمامته بدموعه ثم يضعها. عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير قال: أخبرني ابن أخي عامر بن عبد قيس أن

عامراً كان يأخذ عطاءه فيجعله في طرف ردائه فلا يلقى أحداً من المساكين يسأله إلا أعطاه. فإذا دخل إلى أهله رمى به إليهم فيعدونها فيجدونها كما أعطيها. عمارة بن عبد الله العنبري، وابنه، وثابت أبو الفضل، قالوا: ما رأينا عامر بن عبد قيس متطوعاً في مسجدهم قط. قال وكان آخر من يدخل المسجد، وأول من يخرج منه. عبد الله بن الشخير قال: كنا نأتي عامر بن عبد الله وهو يصلي في مسجده فإذا رآنا تجوز في صلاته ثم انصرف فقال لنا: ما تريدون؟ وكان يكره أن يرونه يصلي. عن سحيم مولى بني تميم، قال: جلست إلى عامر بن عبد الله وه يصلي فتجوز في صلاته ثم أقبل علي فقال: أرحني بحاجتك فإني أبادر؟ قلت: وما تبادر؟ قال: ملك الموت رحمك الله؟ قال: فقمت عنه وقام إلى صلاته. عن أبي عبدة العنبري قال: لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب الأقباض فقال الذين معه: ما رأينا مثل هذا قط، ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه. فقالوا له: هل أخذت منه شيئاً؟ فقال: أما والله لولا الله ما أتيتكم به فعرفوا أن للرجل شأناً: فقالوا: من أنت؟ فقال: لا والله لا أخبركم لتحمدوني، ولا غيركم ليقرظوني، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه فأتبعوه رجلاً حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس. أدرك عامر الصدر الأول، وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لكنه اشتغل بالعبادة عن الرواية.

أبو العالية الرياحي

485 - أبو العالية الرياحي واسمه الرفيع. أعتقته امرأة من بني رياح. قال أبو العالية: دخلت المسجد معها فوافقها الإمام على المنبر فقبضت على يدي فقالت: اللهم أدخره عندك ذخيرة، اشهدوا يا أهل المسجد أنه سائبة لله. ثم ذهبت فما تراءينا بعد. عن عاصم قال: كان أبو العالية إذا جلس غليه أكثر من أربعة قام.

_ 485 - هو: أبو العالية الرياحي –بكسر الراء والتحتانية - اسمه رفيع - بالتصغير - ابن مهران، ثقة كثير الإرسال من الثانية مات سنة تسعين، وقيل ثلاث وتسعين، وقيل بعد ذلك.

عن ابن أنس، عن أبي العالية قال: كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام، فأول ما أتفقده من أمره صلاته، فإن وجدته يقيمها ويتمها أقمت وسمعت منه، وإن وجدته يضيعها رجعت ولم أسمع منه وقلت: هو لغير الصلاة أضيع. عن عثمان، عن أبي العالية قال: قال لي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا تعمل لغير الله فيكلك الله عز وجل إلى من عملت له. خالد بن دينار قال: سمعت أبا العالية قال: كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه. سيار بن سلامة قال: دخلت على أبي العالية في مرضه الذي مات فيه فقال: إن أحبه إلي أحبه إلى الله عز وجل. أسند أبو العالية عن أبي بكر الصديق، وعمر، وعلي، وأبي بن كعب، وأبي موسى، وأبي هريرة، وابن عباس، في جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، إلا أنه أرسل الحديث عن بعض هؤلاء وتوفي في شوال سنة تسعين. أبو خلدة قال: مات أبو العالية في شوال يوم الاثنين سنة تسعين.

عبد الله بن شقيق البصري

486 - عبد الله بن شقيق البصري أبو عبد الرحمن سمع من عائشة رضي الله عنها وقال: جاورت أبا هريرة سنة. وقد روى عن عمر، عن الجريري قال: كان عبد الله بن شقيق مجاب الدعوى، كانت تمر به السحابة فيقول: اللهم لا تجوز كذا وكذا حتى تمطر. فلا تجوز ذلك الموضع حتى تمطر.

_ 486 - هو: عبد الله بن شقيق العقيلي - بالضم - بصري، ثقة فيه نصب من الثالثة، مات سنة ثمان ومائة.

الفضيل بن زيد الرقاشي

487 - الفضيل بن زيد الرقاشي غزا سبع غزوات في خلافة عمر، وكان من عباد البصرة. عن عاصم الأحوال، عن فضيل بن زيد الرقاشي، وكان غزا مع عمر سبع غزوات قال: لا يلهينك الناس عن ذات نفسك، فإن الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقطع النهار بكيت وكيت فإنه

_ 487 - هو: حارس الأوقات، وغارس الأقوات، بالتنصل من الحوبات أبو حسان الفضيل بن زيد الرقاشي، من متقدمي التابعين وعباد أهل البصرة، غزا في أيام عمر بن الخطاب غزوات، انظر حلية الأولياء 3/122.

محفوظ عليك ما قلت، ولم أر شيئاً أحسن طلباً ولا أسرع إدراكاً من حسنة حديثة لذنب قديم. أسند الفضيل عن عبد الله بن مغفل وغيره من الصحابة.

هرم بن حيان العبدي

488 - هرم بن حيان العبدي كان عاملاً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. قتادة، عن هرم بن حيان قال: ما رأيت كالنار نام هاربها، ولا كالجنة نام طالبها. عدي بن أبي عمارة قال: قال هرم بن حيان: ما آثر الدنيا على الآخرة حكيم ولا عصى الله كريم. وعن الأصمعي، عن صالح المري قال: قال هرم بن حيان: صاحب الكلام على إحدى المنزلتين: إن قصر فيه حصر، وإن أغرق فيه أثم. ابن شوذب قال: قال هرم بن حيان: لو قيل لي إنك من أهل النار لم أترك العمل لئلا تلومني نفسي فتقول: لم فعلت؟ لم ضيعت؟ وفي رواية أخرى: تقول لي ألا صنعت؟ ألا فعلت؟. عن الحسن قال: خرج هرم بن حيان وعبد الله بن عامر يؤمان الحجاز، فجعلت أعناق رواحلهما تتخالجان الشجر. فقال هرم لابن عامر أتحب أنك شجرة من هذه الشجر؟ فقال ابن عامر: لا والله، لما أرجو من ربي عز وجل. فقال هرم: لكني والله لوددت أني شجرة من هذه الشجر أكلتني هذه الراحلة ثم قذفتني بعراً ولم أكابد الحساب، يا ابن عامر إني أخاف الداهية الكبرى إما إلى الجنة وإما إلى النار، قال الحسن: وكان هرم أفقه الرجلين وأعلمهما بالله عز وجل. مطر الوراق قال: بات هرم بن حيان العبدي عند حممة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فبات حممة ليلته يبكي كلها حتى أصبح. فلما أصبح قال له هرم: يا حممة ما أبكاك؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتها تبعثر القبور فيخرج من فيها. قال: وبات حممة عند هرم بن حيان فبات ليلته يبكي حتى أصبح فسأله حين أصبح: ما الذي أبكاك؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتها تناثر نجوم السماء فأبكاني ذاك. قال: وكانا يصطحبان

_ 488 - هو: هرم بن حيان العبدي، ويقال: الأزدي، البصري، أحد العابدين، ولي بعض الحروب في أيام عمر وعثمان ببلاد فارس، انظر سير أعلام النبلاء 5/90.

أحياناً بالنهار فيأتيان سوق الريحان فيسألان الله الجنة ويدعوان ثم يأتيان الحدادين فيعوذان من النار ثم يتفرقان إلى منازلهما. عن أبي نضرة أن عمر رضي الله عنه بعث هرم بن حيان على الخيل، فغضب رجل فأمر به فوجئت عنقه. ثم أقبل على أصحابه فقال: لا جزاكم الله خيراً ما نصحتموني حين قلت ولا كففتموني عن غضبي، والله لا ألي لكم عملاً. ثم كتب إلى عمر: يا أمير المؤمنين لا طاقة لي بالرعية فابعث إلي عملك. عن الحسن قال: مات هرم بن حيان في يوم صائف شديد الحر. فما نفضوا أيديهم عن قبره جاءت سحابة تسير حتى قامت على قبره فلم تكن أطول منه ولا أقصر، فرشته حتى روته ثم انصرفت. عن قتادة قال: أمطر قبر هرم بن حيان من يومه، وأنبت العشب من يومه. قلت: لا يحفظ لهرم مسند أصلاً.

صلة بن أشيم العدوي

489 - صلة بن أشيم العدوي يكنى أبا الصهباء. ثابت البناني قال: كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبان فيتعبد فيها فكان يمر عليه شباب يلهون ويلعبون. فيقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفراً فحادوا النهار عن الطريق وباتوا بالليل، متى يقطعون سفرهم؟ قال: فكان كذلك يمر بهم فيعظهم. فيمر بهم ذات يوم فقال لهم هذه المقالة. فقال شاب منهم: يا قوم إنه والله ما يعني بهم غيرنا، نحن بالنهار نلهو وبالليل ننام. ثم اتبع صلة فلم يزل يختلف معه إلى الجبان ويتعبد معه حتى مات. حماد بن زيد قال: حدثنا ثابت أن صلة وأصحابه مر بهم فتى يجر ثوبه فهم أصحاب صلة أن يأخذوه بألسنتهم أخذاً شديداً فقال صلة: دعوني أكفكم أمره. فقال: يا ابن أخي إن لي إليك حاجة. قال: وما حاجتك؟ قال أن ترفع إزارك. قال: نعم ونعمى عين. فرفع إزاره. فقال صلة لأصحابه: هذا كان أمثل مما أردتم، لو شتمتموه لشتمكم. حماد بن سلمة قال: أنبأ ثابت أن أخاً لصلة بن أشيم مات فجاء رجل وهو يطعم. فقال: يا أبا الصهباء إن أخاك مات، فقال: هلم فكل قد نعي لنا، ادن فكل. فقالك والله ما سبقني إليك أحد، فمن نعاه؟ قال: يقول الله عز وجل: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} الزمر: 30.

_ 489 - هو: أبو الصهباء صلة بن أشيم العدوي، المنتصح بكتاب الله المتحبب إلى عباد الله، كان عند النوازل محتسبا صابرا، وفي الخنادس منتصبا ذاكرا حلية الأولياء 2/270.

عن معاذة قالت: كان أبو الصهباء يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي فراشه إلا زحفاً. حماد بن جعفر بن زيد أن أباه أخبره قال: خرجنا في غزاة إلى كابل، وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة. فقلت: لأرمقن عمله فأنظر ما يذكر الناس من عبادته. فصلى العتمة ثم اضطجع فالتمس غفلة الناس حتى قلت هدأت العيون، وثب فدخل غيضة قريباً منه ودخلت في أثره فتوضأ ثم قام يصلي. قال: وجاء أسد حتى دنا منه. قال فصعدت في شجرة. قال: فتراه التفت؟ أو عده جرذاً. حتى سجد فقلت: الآن يفترسه فجلس ثم سلم فقال: أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر. فولى وإن له لزئيراً تصدع الجبال منه. فما زال كذلك. فلما كان عند الصبح جلس فحمد الله عز وجل بمحامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله. ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار، أو مثلي يجترئ أن يسلك الجنة؟ ثم رجع فأصبح كأنه بات على الحشايا وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم. قال: فلما دنوا من أرض العدو قال الأمير: لا يشذن أحد من العسكر. قال فذهبت بغلته بثقلها فأخذ يصلي. فقالوا له: إن الناس قد ذهبوا فمضى ثم قال: دعوني أصلي ركعتين. فقالوا: الناس قد ذهبوا. قال إنهما خفيفتان. قال: فدعا ثم قال: اللهم إني أقسم عليك أن ترد بغلتي وثقلها. قال: فجاءت حتى قامت بين يديه. قال: فلما لقينا العدو وحمل هو وهشام بن عامر فصنعا بهم طعناً وضرباً وقتلاً. فكسر ذلك العدو فقالوا: رجلان من العرب صنعا بنا هذا فكيف لو قاتلونا؟ فأعطوا المسلمين حاجتهم. عن أبي السليل: أن صلة بن أشيم حدثه قال: كنت أسير على دابة لي إذ جعت جوعاً شديداً فلم أجد أحداً يبيعني طعاماً وجعلت أتحرج أن أصيب من أحد من الطريق شيئاً. فبينما أنا أسير حسبت أنه قال: أدعو ربي عز وجل وأستطعمه. إذ سمعت وجبة من خلفي فالتفت فإذا أنا بمنديل أبيض فنزلت عن دابتي فأخذت الثوب فإذا فيه دوخلة ملأى رطباً. قال: فأخذته وركبت دابتي فأكلت منه حتى شبعت وأدركني المساء فنزلت إلى راهب في دير له فحدثته الحديث. قال: فاستطعمني من الرطب فأطعمته رطباً: ثم إني مررت على ذلك الراهب فإذا نخلات حسان حمال فقال: إنهن لمن رطباتك التي أطعمتني. وجاء بالثوب إلى أهله فكانت امرأته تريه الناس.

عن رجل من بني عدي قال: لما أهديت معاذة إلى صلة أدخله ابن أخيه الحمام ثم أدخله بيتاً مطيباً فقام يصلي فقامت فصلت. فلم يزالا يصليان حتى برق الفجر. قال: فأتيته فقلت: أي عم أهديت إليك ابنة عمك الليلة فقمت تصلي وتركتها؟ فقال: أدخلتني أمس بيتاً أذكرتني به النار، ثم أدخلتني بيتاً أذكرتني به الجنة، فما زالت فكرتي فيهما حتى أصبحت. عن جعفر بن زيد العبدي أن صلة بن أشيم قال لمعاذة: ليكن شعارك الموت فإنك لا تبالين على يسر أصبحت من الدنيا أم على عسر. عن الحسن قال: مات أخ لنا فصلينا عليه. فلما وضع في قبره ومد عليه الثوب جاء صلة بن أشيم فأخذ بناحية الثوب ثم نادى: يا فلان ابن فلان: فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا قال: فبكى وأبكى الناس. عن ابن عون قال: قال رجل لصلة بن أشيم: ادع الله عز وجل لي قال: رغبك الله عز وجل فيما يبقى، وزهدك فيما يفنى، ووهب لك اليقين الذي لا يسكن إلا إليه ولا يعول في الدين إلا عليه. عن ثابت البناني: أن صلة بن أشيم كان في مغزى له ومعه ابن له فقال: أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك. فحمل فقاتل حتى قتل رحمه الله. ثم تقدم فقتل. فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة العدوية فقالت: مرحباً، إن كنتن جئتن لتهنئنني فمرحباً بكم وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن. لقي صلة بن أشيم جماعة من الصحابة، وأسند عن ابن عباس وغيره. وقتل شهيداً في أول إمرة الحجاج على العراق.

أبو رجاء عمران بن ملحان العطاردي

490 - أبو رجاء عمران بن ملحان العطاردي ويقال عمران بن تيم. يوسف بن عطية عن أبيه قال: دخل أبي على أبي رجاء العطاردي فقال: حدثني أبو رجاء قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم ونحن على ماء لنا وكان لنا صنم مدور. فحملناه على قتب وانتقلنا

_ 490 - هو: عمران بن ملحان – بكسر الميم وسكون اللام بعدها مهملة - ويقال: ابن تيم، أبو رجاء العطاردي، مشهور بكنيته وقيل غير ذلك في اسم أبيه، مخضرم، ثقة، معمر، مات سنة خمس ومائة، وله مائة وعشرون سنة.

من ذلك الماء إلى غيره. فمررنا برملة. فانسل الحجر فوقع في الرمل فغاب فيه. فلما رجعنا فقذفنا الحجر فرجعنا في طلبه فإذا هو في رمل قد غاب فيه فاستخرجناه. كان ذلك أول إسلامي فقلت: إن آلهاً لم يمتنع من تراب يغيب فيه لإله سوء، وإن العنز لتمنع حياءها بذنبها. فرجعنا إلى المدينة وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. عمارة المغولي قال: سمعت أبا رجاء يقول: كنا نعمد إلى الرمل فنجمعه ونحلب عليه فنعبده، وكنا نعمد إلى الحجر الأبيض فنعبده زماناً ثم نلقيه. الجعد أبو عثمان اليشكري قال: سألت أبا رجاء العطاردي قلت: يا أبا رجاء أرأيت من أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كانوا يخافون على أنفسهم النفاق! قال: أما أني أدركت بحمد الله عز وجل منهم صدراً حسناً. قال أبو عثمان، وكان أدرك عمر بن الخطاب فقال: نعم شديداً نعم شديداً. أبو الأشهب قال: كان أبو رجاء يختم بنا في رمضان كل عشرة أيام. ابن عون قال: سمعت أبا رجاء يقول: ما آسى على شيء أخلفه بعدي إلا أني كنت أعفر وجهي كل يوم وليلة خمس مرار لربي عز وجل. أسند أبو رجاء عن عمر وابن عباس، وأم قومه أربعين سنة. وتوفي في خلافة ابن عبد العزيز.

إياس بن قتادة التميمي

491 - إياس بن قتادة التميمي ابن أخت الأحنف بن قيس عن سلمة بن علقمة قال: اعتم إياس بن قتادة وهو يريد بشر بن مروان، فنظر في المرآة فإذا بشيبة في ذقنه فقال: افليها يا جارية. ففلتها فإذا هي بشيبة أخرى. فقال: انظروا من بالباب من قومي فأدخلوه فأدخلوا عليه فقال: يا بني تميم إني قد كنت وهبت لكم شبيبتي فهبوا لي شيبتي، ألا أراني حمير الحاجات وهذا الموت يقرب مني. ثم قال: انقضى العمامة فاعتزل يؤذن لقومه ويعبد ربه ولم يغش سلطاناً حتى مات. أسند أياس عن قيس بن عباد، وعن أبي بن كعب، وتشاغل بالتعبد عن الرواية.

_ 491 - هو: المستقبل آثامه، المتدارك أيامه، المستأنس بوحدته، المعتبر بشيبته، إياس بن قتادة التميمي، انظر حلية الأولياء 3/131.

من الطبقة الثانية

من الطبقة الثانية مطرف بن عبد الله بن الشخير ... ومن الطبقة الثانية "من أهل البصرة": 492 - مطرف بن عبد الله بن الشخير يكنى أبا عبد الله. سليمان بن المغيرة قال: كان مطرف بن عبد الله إذا دخل بيته سبحت معه آنية بيته. ثابت قال: قال مطرف: لو أخرج قلبي في يدي هذه اليسار، وجيء بالخير فجعل في هذه اليمنى ما استطعت أن أولج قلبي منه شيئاً حتى يكون الله يضعه. غيلان قال: كان مطرف يلبس البرانس، ويلبس المطارف، ويركب الخيل ويغشى السلطان غير أنك كنت إذا أفضيت إليه أفضيت إلى قرة عين. عن ثابت البناني قال: كان مطرف يسكن البادية فإذا كان يوم الجمعة يركب فيجيء إلى الجمعة، قال فمر بمقابر فنعس فرأى أهل القبور على أفواه القبور، فقالوا: هذا يذهب إلى الجمعة. قال: وتعرفون يوم الجمعة من غيره؟ قالوا: نعم، ونعرف ما يقول الطير في جو السماء. قال: ما يقول؟ قالوا: يقول سلام سلام ليوم صالح. عن ثابت البناني. قال: قال مطرف بن عبد الله: ما مدحني أحد قط إلا تصاغرت إلي نفسي، عن ثابت، عن مطرف قال: لأن يسألني ربي عز وجل يوم القيامة فيقول: يا مطرف ألا فعلت؟ أحب إلي من أن يقول: لم فعلت. عن ثابت عن مطرف بن عبد الله أنه كان يقول: يا إخوتاه اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كاهنت لنا درجات في الجنة، وإن يكن الأمر شديداً كما نخاف ونحاذر لم نقل: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فاطر: 37، نقول قد عملنا فلم ينفعنا ذلك. عن خلف بن الوليد عن رجل من بني نهشل. قال: قال مطرف بن عبد الله وهو بعرفة: اللهم لا ترد الجميع، من أجلي.

_ 492 - هو: مطرف بن عبد الله بن الشخير – بكسر الشين المعجمة وتشديد المعجمة المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم راء - العامري الحرشي - بمهملتين مفتوحتين ثم معجمة، أبو عبد الله البعدي، ثقة عابد فاضل، من الثانية مات سنة خمس وتسعين.

ثابت قال: مات عبد الله بن مطرف، فخرج مطرف على قومه في ثياب حسنة وقد ادهن فغضبوا وقالوا: يموت عبد الله ثم تخرج في ثياب مثل هذه مدهناً؟ قال: فأستكين لها وقد وعدني ربي تبارك عليها ثلاث خصال كل خصلة منها أحب إلي من الدنيا كلها؟ قال الله عز وجل: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة فأستكين لها بعد هذا؟ قال ثابت: وقال مطرف: ما من شيء أعطي به في الآخرة قدر كوز من ماء إلا وددت أنه أخذ مني في الدنيا. غيلان قال: سمعت مطرفاً يقول: إني وجدت ابن آدم كالشيء الملقى بين يدي الله تعالى وبين الشيطان، فإن أراد الله أن ينعشه اجتره إليه؛ وإن أراد به غير ذلك خلى بينه وبين عدوه. المعلى بن زياد قال: كان إخوان مطرف بن عبد الله عنده، فخاضوا في ذكر الجنة فقال مطرف: لا أدري ما تقولون؟ حال ذكر النار بيني وبين الجنة. عن ثابت، عن مطرف، أنه أقبل من مبداه فجعل يسير بالليل فأضاء له سوطه. عن أبي العلاء، عن مطرف أنه قال: ما أوتي عبد بعد الإيمان أفضل من العقل وكان مطرف يقول: إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيماً لا موت فيه. عن بكر بن عبد الله المزني قال: قال مطرف بن عبد الله: لو علمت متى أجلي لخشيت علي ذهاب عقلي، ولكن الله من على عباده بالغفلة عن الموت، ولولا الغفلة ما تهنأوا بعيش ولا قامت بينهم الأسواق. عن الأعمش قال: قال لي مطرف بن عبد الله: وجدت الغفلة التي ألقاها الله عز وجل في قلوب الصديقين من خلقه رحمة رحمهم بها، ولو ألقى في قلوبهم الخوف على قدر معرفتهم به ما هنأهم العيش. عن أبي العلاء، عن أخيه يعني مطرفاً، قال: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله عز وجل هذا عبدي حقاً. محمد بن واسع قال: كان مطرف يقول: اللهم ارض عنا، فإن لم ترض عنا فاعف عنا، فإن المولى قد يعفو عن عبده وهو عنه غير راض.

عن سكين بن عبد العزيز، عن أبيه عن مطرف قال: إذا دخلتم على المريض فإن استطعتم أن يدعو لكم، فإنه قد حرك. سفيان قال: قال مطرف: إن أقبح ما طلب به الدنيا عمل الآخرة. عن حميد بن هلال قال: كان بين مطرف وبين رجل من قومه شيء، فكذب على مطرف. فقال له مطرف: إن كنت كاذباً فعجل الله حتفك. فمات الرجل مكانه قال: فاستعدي أهله زياداً على مطرف، فقال لهم زياد: هل ضربه؟ هل مسه بيده؟ فقالوا: لا. فقال: دعوة رجل صالح وافقت قدراً. فلم يجعل لهم شيئاً. أبو بكر السهمي قال: حدثني شيخ لنا يكنى أبا بكر أن مطرف بن الشخير قال لبعض إخوانه: يا فلان إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني فيها ولكن اكتبها في رقعة ثم ادفعها إلي فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال. وقال الشاعر: لا تحسبن الموت موت البلى ... وإنما الموت سؤال الرجال كلاهما موت ولكن ذا ... أشد من ذاك لذل السؤال وقال أيضاً: ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ... عوضاً وإن نال الغنى بسؤال وإذا السؤال مع النوال وزنته ... رجح السؤال وخف كل نوال فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلاً ... فابذله للمتكرم المفضل عن غيلان قال: كان مطرف يقول: كأن القلوب ليست منا وكأن الحديث يعنى به غيرنا. أسند مطرف عن عثمان بن عفان، وعلي، وأبي بن كعب، وأبي ذر، وأبيه عبد الله بن الشخير، في آخرين. وتوفي في ولاية الحجاج العراق بعد الطاعون الجارف. وكان الطاعون سنة سبع وثمانين في خلافة الوليد بن عبد الملك. وكان مطرف أكبر من الحسن البصري بعشرين سنة.

صفوان بن محرز المازني

493 - صفوان بن محرز المازني من بني تميم عن الحسن عن صفوان بن محرز قال: إذا أكلت رغيفاً أشد به صلبي، وشربت كوز ماء فعلى الدنيا وأهلها العفاء.

_ 493 - هو: صفوان بن محرز بن زياد المازني، أو الباهلي، ثقة عابد من الرابعة، مات سنة أربع وسبعين.

المعلى بن زياد القردوسي قال: كان لصفوان بن محرز سرب يبكي فيه، وكان يقول: قد أرى مكان الشهادة لو تشايعني نفسي. عن الحسن قال: لقيت أقواماً كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم الله عليكم، ولقد لقيت أقواماً كانوا من حسناتهم أشفق أن لا تقبل منهم من سيآتكم. ولقد صحبت أقواماً كان أحدهم يأكل على الأرض وينام على الأرض، منهم صفوان بن محرز المازني. وكان يقول: إذا أويت إلى أهلي وأصبت رغيفاً أكلته فجزى الله الدنيا عن أهلها شراً. والله ما زاد على رغيف حتى فارق الدنيا، يظل صائماً ويفطر على رغيف ويشرب عليه من الماء حتى يتروى ثم يقوم فيصلى حتى يصبح، فإذا صلى الفجر أخذ المصحف فوضعه في حجره يقرأ حتى يترجل النهار، ثم يقوم فيصلي حتى ينتصف النهار، فإذا انتصف النهار رمى بنفسه على الأرض فنام إلى الظهر فكانت تلك نومته حتى فارق الدنيا. فإذا صلى الظهر قام فصلى إلى العصر، فإذا صلى العصر وضع المصحف في حجره فلا يزال يقرأ حتى تصفر الشمس. عن الحسن قال: كان لصفوان بن محرز سرب لا يخرج منه إلا للصلاة. غيلان بن جرير قال: كانوا يجتمعون، صفوان وإخوانه، فيتحدثون فلا يرون تلك الرقة. فيقولون: يا صفوان حدث أصحابك. قال فيقول: الحمد لله فيرق القوم وتسيل دموعهم، كأنها أفواه المزاد. ثابت البناني قال: أخذ عبيد الله بن زياد ابن أخ لصفوان بن محرز فحبسه في السجن. فلم يدع صفوان شريفاً بالبصرة يرجو منفعته إلا تحمل به عليه. فلم ير لحاجته نجاحاً. فبات في مصلاه حزيناً. قال: فهوم من الليل فإذا آت قد أتاه في منامه فقال: يا صفوان قم فاطلب حاجتك من جهتها. قال: فانتبه فزعاً فقام فتوضأ ثم صلى ثم دعا. فأرق ابن زياد فقال: علي بابن أخي صفوان بن محرز. فجاء بالحرس وجيء بالنيران ففتحت تلك الأبواب الحديد في جوف الليل، فقال: ابن أخي صفوان أخرجوه فإني منعت من النوم منذ الليلة، فأخرج فأتي به ابن زياد فقال: انطلق بلا كفيل ولا شيء. فما شعر صفوان حتى ضرب عليه ابن أخيه بابه. قال صفوان: من هذا؟ قال: أنا فلان. قال: أي ساعة هذه الساعة؟ فحدثه الحديث.

أسند صفوان عن ابن عمر، وأبي موسى، وعمران بن حصين، وحكيم بن حزام، في آخرين. وتوفي بالبصرة في ولاية بشر بن مروان.

أبو الحلال العتكي

494 - أبو الحلال العتكي اسمه زرارة بن ربيعة، من الأزد. عبيد الله بن ثور قال: حدثتني أمي عن عمتها العيناء بنت أبي الحلال قالت: كان أبو الحلال فوق غرفة فيأتي بعض أبوابها فيشرف على شق من ناحية الحي فينادي: يا فلان يا فلان. ثم يقبل على الشق الآخر فينادي: يا فلان يا فلان. ثم يقبل على الشق الآخر فيقول مثله، حتى يأتي على كل الأركان الأربعة. قالت: ثم يقول: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} مريم ثم يقبل على الصلاة. ومات يوم مات وهو ابن عشرين ومائة سنة. وكان يقول: اللهم لا تسلبني القرآن. وسمع أبو الحلال من عثمان بن عفان رضي الله عنه.

زرارة بن أوفى الحرشي

495 - زرارة بن أوفى الحرشي من بني الحريش بن كعب، يكنى أبا حاجب. بهز بن حكيم قال: صلى بنا زرارة بن أوفى في مسجد بني قشير فقرأ {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} المدثر: 8 فخر ميتاً فحمل إلى داره فكنت فيمن حمله إلى داره. قال: وكان يقص في داره. وقدم الحجاج وهو يقص في داره. أبو جناب القصار قال: صلى بنا زرارة بن أوفى الفجر فلما بلغ {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} شهق شهقة فمات. رحمه الله. أسند زرارة عن جماعة من الصحابة منهم: أبو هريرة، وعمران بن حصين، وابن عباس. وتوفي فجاءة سنة ثلاث وتسعين من خلافة الوليد بن عبد الملك.

_ 495 - هو: زرارة -بضم أوله - ابن أوفى العامري، الحرشي - بمهملة وراء مفتوحتين، ثم معجمة، أبو حاجب، البصري قاضيها ثقة عابد، من الثالثة، مات فجأة في الصلاة سنة ثلاث وتسعين.

أبو السوار حسان بن حريث العدوي

496 - أبو السوار حسان بن حريث العدوي من بني عدي بن زيد مناة. عن أبي التياح قال: سمعت أبا السوار يقول: وقرأ هذه الآية: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ

_ 496 - هو: أبو السوار العدوي، بالقلب زوار، وفي الوجه خوار، وبالوصل فخار، وبالنفس ضرار، انظر حلية الأولياء 2/283.

فِي عُنُقِهِ} الإسراء: 13 قال: هما نشرتان وطية، أما ما حييت يا ابن آدم فصحيفتك منشورة فأمل فيها ما شئت، فإذا مت طويت ثم إذا بعثت نشرت {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} الإسراء: 14 محمد بن الحسين قال: إن أبا السوار العدوي أقبل عليه رجل بالأذى، فسكت، حتى بلغ منزله. أو دخل. قال حسبك إن شئت. عن هشام قال: كان أبو السوار العدوي يعرض له رجل فيشتمه فيقول: إن كنت كما قلت إني إذاً لرجل سوء. أسند أبو السوار عن علي بن أبي طالب، وعمران بن حصين وغيرهما.

خليد بن عبد الله العصري

497 - خليد بن عبد الله العصري وعصر بطن من عبد قيس. محمد بن واسع قال: كان خليد العصري يصوم الدهر. عن قتادة أن خليداً العصري قال: يا إخوتاه هل منكم من أحد لا يحب أن يلقى حبيبه ألا فأحبوا ربكم وسيروا إليه سيراً كريماً. عن قتادة عن خليد قال: المؤمن لا تلقاه إلا في ثلاث خلال مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة لا بأس بها. عن محمد بن واسع قال: قال خليد العصري: كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له مستعداً. وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملاً، وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفاً فعلى ما تعرجون، وما عسيتم تنظرون؟ الموت؟ فهو أول وارد عليكم من الله بخير أو بشر. فيا إخواتاه سيروا إلى ربكم سيراً جميلاً.

_ 497 - هو: الذاكر الفكري، خليد بن عبد الله العصري، كان لمحبوبه ذاكرا، وإلى مشاهدته ساهرا، انظر حلية الأولياء 2/263.

ميمون بن سياه

498 - مسمون بن سياه عن كهمس بن عبد الله قال: سمعت ميمون ين سياه - وكان أكبر من الحسن - يقول: تذاكروا عندي رجلاً من هؤلاء السلاطين فوقعوا فيه ولم أذكر منه خيراً ولا شراً فانقلبت إلى

_ 498 - هو: ميمون بن سياه – بكسر المهملة بعدها تحتانية - البصري أبو بحر، صدوق عابد يخطئ، من الرابعة. قال الشيخ شعيب: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد فقد ضعفه يحيى بن معين، وأبو داود، وابن حيان ويعقوب بن سفيان.... التحرير 3/445.

بيتي فرقدت فرأيت فيما يرى النائم كأن بين يدي جيفة زنجي ميت منتفخ منتن، وكأن قائماً على رأسي يقول: كل. قلت: يا عبد الله ولم آكل؟ قال: بما اغتيب عندك فلان قال: قلت ما ذكرت منه خيراً ولا شراً. فقال: ولكنك استمعت ورضيت. عن حزم قال: كان ميمون بن سياه لا يغتاب ولا يدع أحداً يغتاب عنده، ينهاه فإن انتهى وإلا قام عنه. أسند ميمون عن أنس بن مالك.

يزيد بن عبد الله بن الشخير

499 - يزيد بن عبد الله بن الشخير أخو مطرف. يكنى أبا العلاء. عن بديل بن ميسرة قال: كان مطرف يقول: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر. وكان أبو العلاء يقول: اللهم أي ذلك كان خيراً لي فعجل لي. قال أبو صالح العقيلي: كان يزيد يقرأ في المصحف حتى يغشى عليه. قال: كان يزيد أكبر من الحسن البصري بعشر سنين، وكان مطرف أكبر من يزيد بعشر سنين، وقد حدث يزيد عن أبيه وغيره. وتوفي بالبصرة سنة إحدى عشرة ومائة.

_ 499 - هو: يزيد بن عبد بن الشخير –بكسر المعجمة وتشديد المعجمة - أبو العلاء البصري، ثقة من الثانية، مات سنة إحدى عشرة ومائة، أو قبلها، وكان مولده في خلافة عمر، فوهم من زعم أن له رؤية.

الحسن بن أبي الحسن البصري

500 - الحسن بن أبي الحسن البصري يكنى أبا سعيد. وكان أبوه من أهل بيسان فسبي فهو مولى الأنصار ولد في خلافة عمر وحنكه عمر بيده، وكانت أمه تخدم أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فربما غابت فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه فيدر عليه ثديها فيشربه. فكانوا يقولون: فصاحته من بركة ذلك. إبراهيم بن عيسى اليشكري قال: ما رأيت أطول حزناً من الحسن، وما رأيته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة.

_ 500 - هو: الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه: يسار بالتحتانية والمهملة، الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرا ويدلس، قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز ويقول: حدثنا وخطبنا...... هو رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة عشر ومائة وقد قارب التسعين.

عن يونس قال: كان الحسن يقول: نضحك ولعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا فقال: لا أقبل منكم شيئاً. حكيم بن جعفر قال: قال لي مسمع: لو رأيت الحسن لقلت قد بث عليه حزن الخلائق، من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك النشيج. محمد بن سعد قال: قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما. عن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي. يوسف بن أسباط قال: مكث الحسن ثلاثين سنة لم يضحك، وأربعين سنة لم يمزح. قال: وقال الحسن: لقد أدركت أقواماً ما أنا عندهم إلا لص. عن حميد قال: بينما الحسن في المسجد تنفس تنفساً شديداً ثم بكى حتى أرعدت منكباه ثم قال: لو أن بالقلوب حياة، لو أن بالقلوب صلاحاً لأبكتكم من ليلة صبيحتها يوم القيامة، إن ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر من عورة بادية ولا عين باكية من يوم القيامة. روى أبو عبيدة الناجي: أنه سمع الحسن يقول: يا ابن آدم إنك لا تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب من نفسك فتصلحه، فإذا فعلت ذلك لم تصلح عيباً إلا وجدت عيباً آخر لم تصلحه، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة نفسك، وأحب العباد إلى الله تعالى من كان كذلك. عن يحيى بن المختار عن الحسن قال: إن المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إن المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول: والله إني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات، حيل بيني وبينك. ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: ما أردت إلى هذا. ما لي ولهذا؟ والله لا أعود لهذا أبداً إن شاء الله. إن المؤمنين قوم أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم. إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله عز وجل يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره ولسانه وجوارحه.

مبارك بن فضالة قال: سمعت الحسن وقال له شاب: أعياني قيام الليل. فقال: قيدتك خطاياك. عبد المؤمن بن عبيد الله عن الحسن قال: يا ابن آدم إنك ناظر إلى عملك ويوزن خيره وشره فلا تحقرن من الخير شيئاً وإن هو صغر فإنك إذا رأيته سرك مكانه ولا تحقرن من الشر شيئاً فإنك إذا رأيته ساءك مكانه، رحم الله رجلاً كسب طيباً وأنفق قصداً وقدم فضلاً ليوم فقره وفاقته. هيهات! ذهبت الدنيا بحال بالها وبقيت الأعمال قلائد في أعناقكم. أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم وقد أسرع بخياركم فماذا تنتظرون؟ المعاينة فكأن قد. إنه لا كتاب بعد كتابكم ولا نبي بعد نبيكم، يا ابن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعاً ولا تبيعن آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً. روى أبو عبيدة الناجي أنه سمع الحسن بن أبي الحسن يقول: حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور، واقدعوا هذه الأنفس فإنها طلعة وإنها تنازع إلى الشر غاية، وإنكم إن لم تقاربوها لم تبق من أعمالكم شيئاً فتصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعد، وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب ولا يلتفت فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم، إن هذا الحق أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم وإنما صبر على هذا الحق من عرف فضله ورجا عاقبته. عن أبي همام الكلاعي، عن الحسن أنه مر ببعض القراء على بعض أبواب السلاطين فقال: أفرحتم حمائمكم وفرطحتم نعالكم وجئتم بالعلم تحملونه على رقابكم إلى أبوابهم فزهدوا فيكم، أما إنكم لو جلستم ببيوتكم حتى يكونوا هم الذين يرسلون إليكم لكان أعظم لكم في أعينهم، تفرقوا فرق الله بين أعضائكم. عاصر الحسن خلقاً كثيراً من الصحابة فأرسل الحديث عن بعضهم، وسمع من بعضهم. وقد ذكرنا ذلك في كتاب أفردناه لمناقب الحسن وأخباره وهو نحو من عشرين جزءاً لذلك اكتفينا بما ذكرنا ههنا لأننا نكره الإعادة في التصانيف. وتوفي الحسن في سنة عشر ومائة.

أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي

501 - أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي عن عمرو بن دينار قال: أخبرني عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: لو نزل أهل البصرة

_ 501 - هو: جابر بن زيد – أبو الشعثاء الأزدي ثم الجوفي - بفتح الجيم وسكون الواو بعدها فاء - البصري، مشهور بكنيته، ثقة فقيه من الثالثة، مات سنة ثلاث وتسعين وقيل ثلاث ومائة.

عند قول جابر بن زيد لأوسعهم عما في كتاب الله عز وجل علماً. وقال عمرو: وما رأيت أحداً أعلم من أبي الشعثاء. عن صالح الدهان، عن جابر بن زيد قال: نظرت في أعمال البر فإذا الصلاة تجهد البدن ولا تجهد المال، والصيام مثل ذلك، والحج يجهد المال والبدن. فرأيت الحج أفضل من ذلك كله. عن صالح الدهان أ، جابر بن زيد كان لا يماكس في ثلاث: في الكراء إلى مكة، وفي الرقبة يشتريها للعتق، وفي الأضحية. وكان لا يماكس في كل شيء يتقرب به إلى الله عز وجل. عن ابن سيرين قال: كان أبو الشعثاء مسلماً عند الدينار والدرهم. عن مطر الوراق، عن جابر بن زيد قال: لأن أتصدق بدرهم على يتيم أو مسكين أحب إلي من حجة بعد حجة الإسلام. وأسند أبو الشعثاء عن ابن عمر وابن عباس. وتوفي سنة ثلاث ومائة.

أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي

502 - أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي عن أيوب، عن أبي قلابة قال: أي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عيال له صغار يعفهم الله به ويغنيهم. عن صالح بن رستم قال: قال أبو قلابة: إذا أحدث الله عز وجل لك علماً فأحدث له عبادة ولا يكن همك ما يحدث به الناس. قال: وقال لي: الزم سوقك فإن الغنى من العافية. حميد الطويل، عن أبي قلابة قال: إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعل لأخي عذراً لا أعلمه. عثمان بن الهيثم قال: كان رجل بالبصرة من بني سعد، وكان قائداً من قواد عبيد الله بن زياد فسقط على السطح فانكسرت رجلاه. فدخل عليه أبو قلابة يعوده فقال له: أرجو أن تكون لك خيرة. فقال له: يا أبا قلابة وأي خير في كسر رجلي جميعاً؟ فقال: ما ستر الله عليك أكثر.

_ 502 - هو: عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي، أبو قلابة البصري، ثقة فاضل كثير الإرسال، قال العجلي: فيه نصب يسير، من الثالثة، مات بالشام هاربا من القضاء سنة أربع ومائة وقيل: بعدها.

فلما كان بعد ثلاث ورد عليه كتاب ابن زياد أن يخرج فيقاتل الحسين. فقال للرسول: قد أصابني ما ترى فما كان إلا سبعاً حتى وافى الخبر بقتل الحسين. فقال الرجل: رحم الله أبا قلابة لقد صدق، إنه كان خيرة لي. عن أيوب قال: مرض أبو قلابة بالشام، فأتاه عمر بن عبد العزيز يعوده فقال: يا أبا قلابة تشدد لا تشمت بنا المنافقون. أسند أبو قلابة عن أنس وغيره من الصحابة. ومات بالشام سنة أربع أو خمس ومائة.

مسلم بن يسار

503 - مسلم بن يسار يكنى أبا عبد الله. مولى طلحة بن عبيد الله التيمي. كذا قال ابن سعد. وقال البخاري ومسلم بن الحجاج هو مولى بني أمية. وقال أبو بكر الخطيب: مولى عثمان بن عفان. ميمون بن جابان قال: ما رأيت مسلم بن يسار ملتفتاً في صلاته قط، خفيفة ولا طويلة. لقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهل السوق لهدته وإنه لفي المسجد في صلاة فما التفت. عبد الجبار بن النضر السلمي قال: حدثني رجل من آل محمد بن سيرين قال: رأيت مسلم بن يسار رفع رأسه من السجود في المسجد الجامع فنظرت إلى موضع سجوده كأنه قد صب فيه الماء من كثرة دموعه. جعفر بن حيان قال: ذكر لمسلم بن يسار قلة التفاته في الصلاة فقال: وما يدريكم أين قلبي؟. عن ابن شوذب قال: كان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في صلاته في بيته: تحدثوا فلست أسمع حديثكم. عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه قال: كان مسلم إذا دخل المنزل سكت أهل البيت فلا يسمع لهم كلام، وإذا قام يصلي تكلموا وضحكوا. ابن عون قال: رأيت مسلم بن يسار يصلي كأنه وتد لا يميل على قدم مرة ولا على قدم مرة ولا يتحرك له ثوب ولا يتروح على رجل.

_ 503 - هو: مسلم بن يسار البصري، نزيل مكة، أبو عبد الله الفقيه ويقال له: مسلم سكرة، ومسلم المصبح، ثقة عابد من الرابعة مات سنة مائة أو بعدها بقليل.

عن حبيب بن الشهيد أن مسلم بن يسار كان قائماً يصلي فوقع حريق إلى جنبه فما شعر به حتى طفئت النار. عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار قال: حدثني أبي قال: رأيت مسلماً وهو ساجد، وهو يقول في سجوده: متى ألقاك وأنت عني راض؟ ويذهب في الدعاء ثم يقول: متى ألقاك وأنت عني راض. عن ابن عون قال: كان مسلم بن يسار إذا كان في غير صلاة كأنه في صلاة. ابن المبارك قال: قال مسلم بن يسار لأصحابه يوم التروية: هل لكم في الحج؟ فقالوا خرف الشيخ. وعلى ذلك لنطيعه. قال: من أراد ذلك فليخرج فخرجوا إلى الجبان برواحلهم فقال: خلوا أزمتها. فأصبحوا وهم ينظرون إلى جبال تهامة. سليمان بن المغيرة قال: جاء مسلم بن يسار إلى دجلة وهي تقذف بالزبد، فمشى على الماء ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل تفقدون شيئاً؟. لقي مسلم بن يسار جماعة من الصحابة. وتوفي في سنة مائة أو إحدى ومائة في خلافة عمر بن عبد العزيز. مالك بن دينار قال: رأيت أبا عبد الله مسلم بن يسار في منامي بعد موته بسنة؛ فسلمت عليه فلم يرد السلام فقلت: ما يمنعك أن ترد علي السلام؟ فقال: أنا ميت فكيف أرد عليك السلام؟ قال: قلت له فماذا لقيت بعد الموت؟ قال: فدمعت عينا مالك عند ذلك وقال: لقيت والله أهوالاً عظاماً شداداً. قال فقلت: فما كان بعد ذلك؟ قال: وما تراه يكون من الكريم؟ قبل منا الحسنات وعفا لنا عن السيئات وضمن عنا التبعات. قال: ثم شهق مالك شهقة خر مغشياً عليه. قال: فلبث بعد ذلك أياماً مريضاً من غشيته ثم مات فيرون أنه انصدع قلبه فمات رحمه الله.

محمد بن سيرين

504 - محمد بن سيرين يكنى أبا بكر، مولى أنس بن مالك. كاتبه أنس. وقال ابن عائشة: كان سيرين من أهل جرجرايا وكان يعمل قدور النحاس، فجاء إلى عين التمر يعمل بها فسباه خالد بن الوليد.

_ 504 - هو: محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر بن أبي عمرة البصري ثقة عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة، مات سنة عشر ومائة.

عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك قال: هذه مكاتبة سيرين عندنا: هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه شيرون على كذا وكذا ألفاً، وعلى غلامين يعملان عليه. بكار بن محمد قال: حدثني أبي أن أم محمد بن سيرين صفية مولاة أبي بكر بن أبي قحافة طيبها ثلاث من أزواج رسول الله ودعوته لها، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدرياً منهم أبي بن كعب يدعو، وهم يؤمنون. قال بكار: وأنبأ ابن عون قال: كان محمد بن سيرين إذا حدث كأنه يتقي شيئاً، كأنه يحذر شيئاً. جرير بن حازم قال: سمعت محمد بن سيرين يحدث رجلاً فقال: ما رأيت الرجل الأسود، ثم قال: أستغفر الله ما أراني إلا قد اغتبت الرجل. عن ابن عون قال: كانوا إذا ذكروا عند محمد رجلاً بسيئة ذكره محمد بأحسن ما يعلم. طوق بن وهب قال: دخلت على محمد بن سيرين وقد اشتكيت. فقال: كأني أراك شاكياً. قلت: أجل. قال: اذهب إلى فلان الطبيب فاستوصفه، ثم قال: اذهب إلى فلان فإنه أطب منه. ثم قال: أستغفر الله أراني قد اغتبته. عاصم الأحول قال: سمعت مورقاً العجلي يقول: ما رأيت رجلاً أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من محمد ابن سيرين. قال: وقال أبو قلابة: اصرفوه حيث شئتم فلتجدنه أشدكم ورعاً وأملككم لنفسه. عن أيوب قال: قال أبو قلابة: وأينا يطيق ما يطيق محمد بن سيرين؟ يركب مثل حد السنان. أبو عوانة قال: رأيت محمد بن سيرين يمر في السوق فيكبر الناس. قال خلف: كان محمد بن سيرين قد أعطي هدياً وسمتاً وخشوعاً فكان الناس إذا رأوه ذكروا الله. بسطام بن مسلم قال: كان محمد بن سيرين إذا مشى معه رجل قام وقال: ألك حاجة؟ فإن كان له حاجة قضاها. فإن عاد يمشي معه قام فقال له: ألك حاجة؟. عن عاصم قال: لم يكن ابن سيرين يترك أحداً يمشي معه. حماد عن حبيب عن ابن سيرين قال: إذا أراد الله عز وجل بعبد خيراً جعل له واعظاً من قلبه يأمره وينهاه.

ابن عون قال: سمعت محمداً يقول في شيء راجعته فيه: إني لم أقل لك ليس به بأس، إنما قلت لك لا أعلم به بأساً. الأشعث قال: كان محمد بن سيرين إذا سئل عن شيء من الفقه، الحلال والحرام، تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذي كان. عن هشام قال: أوصى أنس بن مالك أن يغسله محمد بن سيرين. فقيل له في ذلك، وكان محبوساً. فقال: أنا محبوس. قالوا: قد استأذن الأمير فأذن لك في ذلك. قال: فإن الأمير لم يحبسني إنما حبسني الذي له الحق. فأذن له صاحب الحق فخرج فغسله. عن رجاء بن أبي سلمة قال: سمعت يونس بن عبيد يقول: أما ابن سيرين فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما. عن هشام، عن ابن سيرين أنه اشترى بيعاً فأشرف فيه على ثمانين ألفاً فعرض في قلبه منه شيء فتركه. قال هشام: والله ما هو بربا. عن السري بن يحيى قال: لقد ترك ابن سيرين ربح أربعين ألفاً في شيء دخله. قال سري: فسمعت سليمان التيمي يقول: لقد تركه في شيء ما يختلف فيه أحد من العلماء. سعيد بن عامر قال: سمعت هشام بن حسان يقول: ترك محمد بن سيرين أربعين ألف درهم في شيء ما ترون به اليوم بأساً. هشام بن حسان يذكره قال: كان ابن سيرين إذا دعي إلى وليمة أو إلى عرس يدخل منزله فيقول: اسقوني شربة سويق. فيقال له: يا أبا بكر أنت تذهب إلى الوليمة أو العرس تشرب سويقاً؟ فيقول: إني أكره أن أحمل حد جوعي على طعام الناس. عن ابن شوذب قال: كان ابن سيرين يصوم يوماً ويفطر يوماً. وكان اليوم الذي يفطر فيه يتغدى ولا يتعشى، ثم يتسحر ويصبح صائماً. موسى بن المغيرة قال: رأيت محمد بن سيرين يدخل السوق نصف النهار يكبر ويسبح ويذكر الهل عز وجل. فقال له رجل: يا أبا بكر في هذه الساعة؟ قال: إنها ساعة غفلة. روى هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين قالت: كان محمد إذا دخل على أمه لم يكلمها بلسانه كله تخشعاً لها.

عن ابن عون قال: دخل رجل على محمد وهو عند أمه فقال: ما شأن محمد؟ يشتكي شيئاً؟ قالوا: لا ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه. عن الربيع، عن ابن سيرين قال: ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم وتكتم خيره. عن ابن عون قال: أرسل ابن هبيرة إلى ابن سيرين فأتاه فقال له: كيف تركت أهل مصرك؟ قال تركتهم والظلم فيهم فاش. قال ابن عون: كان محمد يرى أنها شهادة يسأل عنها فكره أن يكتمها. عن جعفر بن مرزوق قال: بعث ابن هبيرة إلى ابن سيرين والحسن والشعبي، قال: فدخلوا عليه فقال لابن سيرين: يا أبا بكر ماذا رأيت منذ قربت من بابنا؟ قال رأيت ظلماً فاشياً. قال: فغمزه ابن أخيه بمنكبه، فالتفت إليه ابن سيرين فقال ابن سيرين: إنك لست تسأل إنما أسأل أنا. فأرسل إلى الحسن بأربعة آلاف، وإلى ابن سيرين بثلاث آلاف، وإلى الشعبي بألفين. فأما ابن سيرين فلم يأخذها. عن جعفر بن أبي الصلت قال: قلت لمحمد بن سيرين: ما منعك أن تقبل من ابن هبيرة؟ قال: فقال لي: يا أبا عبد الله، أو يا هذا، إنما أعطاني على خير كان يظنه بي، ولئن كنت كما ظن بي فما ينبغي لي أن أقبل، وإن لم أكن كما ظن فبالحري أن لا يجوز لي أن أقبل. عن ابن عون قال: كان لابن سيرين منازل لا يكريها إلا من أهل الذمة. فقيل له في ذلك فقال: إذا جاء رأس الشهر رعته وأكره أن أروع مسلماً. عن عبيد الله بن السري قال: قال ابن سيرين: إني لأعرف الذنب الذي حمل به علي الدين ما هو. قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس. فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال: قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى؟. عن عاصم الأحول قال: كان عامة كلام ابن سيرين: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده. عن هشام بن حسان قال: ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في جوف الليل وهو يصلي. عن أنس بن سيرين قال: كان لمحمد بن سيرين سبعة أوراد يقرؤها بالليل، فإذا فاته منها شيء قرأه من النهار.

عن هشام قال: كان ابن سيرين يحيي الليل في رمضان. عن دهير قال: كان ابن سيرين إذا ذكر الموت مات كل عضو منه على حدته. مهدي قال: كنا نجلس إلى محمد فيحدثنا ونحدثه ويكثر غلينا ونكثر إليه فإذا ذكر الموت تغير لونه واصفر وأنكرناه وكأنه ليس بالذي كان. عن ابن عون أن محمد بن سيرين كان إذا نام وجه نفسه. أبي قال: كان الرجل إذا سال ابن سيرين عن الرؤيا قال: اتق الله عز وجل في اليقظة ولا يضرك ما رأيت في المنام، بشر بن عمر قال: حدثتنا أم عباد، امرأة هشام بن حسان، قالت: نزلنا مع محمد ابن سيرين في الدار، فكنا نسمع بكاءه بالليل وضحكه بالنهار. الصقر، يعني ابن حبيب، قال: مر ابن سيرين برآس قد خرج رأساً فغشي عليه. عن حبيب بن الشهيد قال: كنت أنا وأيوب السختياني عند عمر بن دينار فحلف ما رأى أحداً أفضل من طاوس. فقال أيوب: لو رأى ابن سيرين لم يحلف. أسند محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت، وابن عمر، وابن عباس، وأبي سعيد، وعمران ابن حصين، وجندب. وأنس، وأبي هريرة، وأبي بكرة في آخرين. قال علي بن المديني: لم يحفظ عن زيد بن ثابت شيئاً إلا أنه سمع كلامه. وتوفي فس سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم، وهو ابن نيف وثمانين سنة.

بكر بن عبد الله المزني

505 - بكر بن عبد الله المزني عن كنانة بن جبل قال: قال بكر بن عبد الله: إذا رأيت من هو أكبر منك فقل: هذا سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير مني، وإذا رأيت من هو أصغر منك فقل: سبقته إلى الذنوب والمعاصي فهو خير مني، وإذا رأيت إخوانك يكرمونك ويعظمونك فقل: هذا فضل أخذوا به، وإذا رأيت منهم تقصيراً فقل: هذا ذنب أحدثته. عن صالح المري قال: وقف مطرف بن عبد الله بن الشخير، وبكر بن عبد الله المزني بعرفة فقال مطرف: اللهم لا تردهم اليوم من أجلي. وقال بكر: ما أشرفه من مقام وأرجاء لأجله لولا أني فيهم. عن معاوية بن عبد الكريم، عن بكر بن عبد الله قال: كان الرجل من بني إسرائيل إذا بلغ

_ 505 - هو: بكر بن عبد الله المزني، أبو عبد الله البصري، ثقة ثبت جليل، من الثالثة، مات سنة ست ومائة.

المبلغ فمشى في الناس تظله غمامة. قال: فمر رجل قد أظلته غمامة على رجل فأعظمه لما رآه لما آتاه الله عز وجل. قال: فاحتقره صاحب الغمامة، أو قال كلمة نحوها، فأمرت أن تتحول من رأسه إلى رأس الذي عظم أمر الله عز وجل. عن حميد قال: كان بكر مجاب الدعوة. عن إبراهيم بن عيسى قال: قال بكر بن عبد الله المزني: من مثلك يا ابن آدم؟ خلي بينك وبين المحراب والماء. كلما شئت دخلت على الله عز وجل ليس بينك وبينه ترجمان. عن حصين عن بكر بن عبد الله المزني قال: لا يكون العبد تقياً حتى يكون تقي الطمع، تقي الغضب. المفضل بن غسان عن أبيه قال: قال بكر بن عبد الله: إذا رأيتم الرجل موكلاً بعيوب الناس ناسياً لعيبه فاعلموا أنه قد مكر به. مسمع بن عاصم قال: حدثني رجل من آل عاصم الجحدري قال: رأيت عاصماً الجحدري بعد موته بسنتين فقلت: أليس قد مت؟ قال: بلى. فقلت: أين أنت؟ قال: أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا وتفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني فنتلاقى في أخباركم، قال: قلت أجسامكم أم أرواحكم؟ قال: هيهات بليت الأجسام وإنما تتلاقى الأرواح. أسند بكر عن ابن عمر، وجابر، وأنس، وعبد الله بن مغفل، ومعقل بن يسار، وغيرهم. وتوفي في سنة ثمان، ويقال: سنة ست ومائة.

مورق بن المشمرج العجلي

506 - مورق بن المشمرج العجلي يكنى أبا المعتمر. عن هشام عن مورق قال: ما تكلمت بشيء من الغضب فندمت عليه في الرضا. عن حفصة بنت سيرين قالت: كان مورق العجلي يأتينا. فسألته عن أهله وولده فقال: هم والله متوافرون. فقلت: رحمك الله لم تقول هذا؟ قال: إني والله أخشى أن يحبسوني على هلكة. وكان يقول: ما في الأرض نفس في موتها لي أجر إلا وددت أنها قد ماتت.

_ 506 - هو: مورق - بتشديد الراء - ابن مشمرج –بضم أوله وفتح المعجمة وسكون الميم وكسر الراء بعدها جيم - ابن عبد الله العجلي أبو المعتمر البصري، ثقة عابد، من كبار الثالثة، مات بعد المائة.

المعلى بن زياد قال: قال مورق العجلي: ما من أمر يبلغني أحب إلي من موت أحب أهلي إلي. عن قتادة أن مورقاً قال: ما وجدت للمؤمن مثلاً إلا مثل رجل في البحر على خشبة فهو يدعو: يا رب يا رب، لعل الله عز وجل أن ينجيه. المعلى بن زياد القردوسي قال: قال مورق العجلي: أمر أنا في طلبه منذ عشرين سنة هم أقدر عليه ولست بتارك طلبه أبداً، قالوا: وما هو يا أبا المعتمر؟ قال: الصمت عما لا يعنيني. عن جميل بن مرة قال: مستنا حاجة شديدة، وكان مورق العجلي يأتينا بالصرة فيقول: أمسكوا هذه لي عندكم. ثم يمضي غير بعيد فيقول: إن احتجتم إليها فأنفقوها. جعفر قال: أنبأنا بعض أصحابنا قال: كان مورق يتجر فيصيب المال فلا يأتي عليه جمعة وعنده منه شيء، يلقى الأخ فيعطيه أربعمائة، خمسمائة، ثلثمائة فيقول: ضعها عندك حتى نحتاج إليها. قال: ثم يلقاه بعد ذلك فيقول الأخ: لا حاجة لي فيها. فيقول: إنا والله ما نحن بآخذيها أبداً فشأنك بها. عن عاصم أن مورقاً العجلي كان يجد نفقته تحت رأسه. أسند مورق عن أبي ذر وسلمان وغيرهما وتوفي في ولاية عمر بن هبيرة على العراق.

غزوان بن غزوان الرقاشي

507 - غزوان بن غزوان الرقاشي وقيل غزوان بن زيد عن الحسن قال: قال غزوان بن زيد الرقاشي: لله علي أن لا يراني الله ضاحكاً حتى أعلم أي الدارين داري؟. قال الحسن: فعزم غزوان أن يفعل، فوالله ما رئي ضاحكاً حتى لحق بالله عز وجل. عثمان بن عبد الحميد الرقاشي قال: سمعت مشايخنا يذكرون أن غزوان لم يضحك منذ أربعين سنة. وكان غزوان يغزو فإذا أقبلت الرفاق راجعين تستقبلهم أمه فتقول لهم: أما تعرفون غزوان؟ فيقولون: ويحك يا عجوز ذاك سيد القوم. عبد الواحد بن زيد قال: كان أصحاب غزوان يقولون له: ما يمنعك من مجالسة إخوانك؟ فيبكي عند ذلك ويقول: إني أصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي. عن هارون بن رئاب أن غزوان كان في بعض مغازيهم فتكشفت جارية فنظر إليها غزوان فرفع يده فلطم عينه حتى نفرت وقال: إنك للحاظة إلى ما يضرك.

مذعور

508 - مذعور قال: قال مطرف بن عبد الله: إن كان من هذه الأمة أحد ممتحن القلب فإن مذعوراً ممتحن القلب. قال سليمان: وأنبأ قتادة قال: قال مطرف إن كان مذعور ليزورنا فيفرح به أهلنا. قال سليمان وأنبأ غيلان بن جرير، قال: قال مطرف ما تحب اثنان في الله إلا كان أشدهما حباً لصاحبه أفضلهما، وأنا لمذعور أشد حباً وهو أفضل مني، فكيف هذا قال: فلما أمر بالرهط أن يخرجوا إلى الشام أمر مذعور فيهم. قال فلقيني وأخذ بلجام دابتي فجعلت كلما أردت أن أنصرف يحبسني. فقلت: إن المكان بعيد. فجعل يحبسني فقلت: أنشدك الله إلا تركتني فلم تحبسني؟ فلما ناشدته قال كليمة يخفيها جهده مني: اللهم فيك، فعرفت أنه أشد حباً لي مني له.

العلاء بن زياد بن مطر العدوي

509 - العلاء بن زياد بن مطر العدوي عن أوفى بن دلهم قال: كان للعلاء بن زياد مال ورقيق فأعتق بعضهم وباع بعضهم وأمسك غلاماً أو اثنين يأكل غلتهما فتعبد فكان يأكل كل يوم رغيفين، وترك مجالسة الناس فلم يكن يجالس أحداً، يصلي في جماعة ثم يرجع إلى أهله ويجمع ثم يرجع إلى أهله، ويشيع الجنازة ويعود المرضى، ثم يرجع إلى أهله فطفئ فبلغ ذلك إخوانه فاجتمعوا فأتاه أنس بن مالك والحسن والناس وقالوا: رحمك الله أهلكت نفسك لا يسعك هذا. فكلموه وهو ساكت، حتى إذا فرغوا من كلامهم قال: إنما أتذلل لله عز وجل لعله يرحمني. عن حميد بن هلال قال: دخلت مع الحسن على العلاء بن زياد العدوي نعوده وقد سله الحزن، وكانت له أخت يقال لها شادة تندف تحته القطن غدوة وعشية. فقال له الحسن: كيف أنت يا علاء؟ فقال: واحزناه على الحزن. فقال الحسن: قوموا، فإلى هذا والله انتهى استقلال الحزن. هشام بن زياد، أخو العلاء بن زياد، قال: كان العلاء بن زياد يحيي كل ليلة جمعو. قال: وجد ليلة فترة فقال لامرأته أسماء: إني أجد فترة فإذا مضى كذا وكذا، فأيقظيني. قالت:

_ 509 - هو: العلاء بن زياد بن مطر العدوي، أبو نصر البصري، أحد العباد، ثقة، من الرابعة، مات سنة أربع وتسعين.

نعم. فأتاه آت في منامه فأخذ بناصيته فقال: يا بن زياد قم فاذكر الله عز وجل يذكرك. قال: فقام فما زالت تلك الشعرات التي أخذ بها منه قائمة حتى مات. قتادة، عن العلاء بن زياد قال: إنما نحن قوم وضعنا أنفسنا في النار، فإن شاء الله أن يخرجنا منها أخرجنا. عن قتادة قال: حدثنا العلاء بن زياد أن رجلاً كان يرائي بعمله فجعل يشمر ثيابه ويرفع صوته إذا قرأ فجعل لا يأتي على أحد إلا سبه ولعنه. ثم رزقه الله تعالى يقيناً بعد ذلك فخفض من صوته وجل صلاته فيما بينه وبين ربه عز وجل، فجعل لا يأتي بعد ذلك على أحد إلا دعا له بخير. عن قتادة قال: كان العلاء بن زياد يقول: لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت فاستقال ربه عز وجل فأقاله فليعمل بطاعة الله عز وجل. عن قتادة قال: كان زياد بن مطر العدوي قد بكى حتى عمي، وبكى ابنه العلاء بن زياد بعده حتى عشي بصره، وكان إذا أراد أن يتكلم أو يقرأ أجهشه البكاء. جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يسأل هشام بن حسان العدوي عن هذا الحديث، فحدثناه يومئذ قال: تجهز رجل من أهل الشام وهو يريد الحج فنام فأتاه آت في منامه فقال له: ائت العراق، ثم ائت البصرة، ثم ائت بني عدي فأت العلاء بن زياد فإنه رجل ربعة أقصم الثنية بسام فبشره بالجنة. قال فقال: رؤيا ليست بشيء. قال: حتى إذا كانت الليلة الثانية رقد فأتاه آت فقال: ألا فأتي العراق؟ ثم تأتي البصرة ثم تأتي بني عدي فتلقى العلاء بن زياد؟ رجل ربعة أقصم الثنية بسام فبشره بالجنة، قال: فأصبح فأعد جهازه إلى العراق فلما خرج من البيوت إذا الذي أتاه في منامه يسير بين يديه يراه ما سار فإذا نزل فقده فلم يزل يراه حتى دخل الكوفة ثم فقده، قال: فتجهز من الكوفة فخرج فرآه يسير بين يديه حتى قدم البصرة فأتى بني عدي فوقف على باب العلاء فسلم، قال هشام: فخرجت إليه فقال لي: أنت العلاء بن زياد؟ قلت: لا، إنزل رحمك الله فتضع رحلك ومتاعك، قال: لا. أين العلاء بن زياد؟ قال: قلت: هو في المسجد. قال: وكان العلاء يجلس في المسجد يدعو بدعوات ويتحدث، قال هشام: فأتيت العلاء فخفف من حديثه وصلى ركعتين ثم جاء فلما رآه العلاء تبسم فبدت ثنيته فقال: هذا والله صاحبي. قال: فقال العلاء: هلا حططت رحل الرجل؟ ألا أنزلته؟ قلت: قد قلت له فأبى. فقال

العلاء: انزل رحمك الله. قال: فقال أخلني. قال لدخل العلاء منزله وقال: يا أسماء تحولي إلى البيت الآخر. قال: فتحولت ودخل الرجل فبشره برؤياه ثم خرج فركب وقام العلاء فأغلق بابه فبكى ثلاثة أيام، أو قال سبعة أيام، لا يذوق فيها طعاماً ولا شراباً ولا يفتح بابه. قال هشام: فسمعته يقول في خلال بكائه: أنا أنا؟ قال: فكنا نهابه أن نفتح بابه، وخشيت أن يموت. فأتيت الحسن فذكرت ذلك له وقلت: لا أراه إلا ميتاً لا يأكل ولا يشرب باكياً، فجاء الحسن حتى ضرب عليه بابه وقال: افتح يا أخي. قال: فلما سمع كلام الحسن قام ففتح بابه وبه من الضر شيء الله به عليم. فكلمه الحسن ثم قال: رحمك الله ومن أهل الجنة إن شاء الله. أفقاتل نفسك أنت؟. قال هشام: حدثنا العلاء، أخي، لي وللحسن بالرؤيا وقال: لا تحدثوا بها ما كنت حياً. أسند العلاء عن عمران بن حصين وأبي هريرة، وأرسل عن معاذ بن جبل وأبي ذر وعبادة بن الصامت وتوفي في ولاية الحجاج على العراق.

معاوية بن قرة بن إياس

510 - معاوية بن قرة بن إياس يكنى أبا إياس عن تمام بن نجيح، عن معاوية بن قرة قال: أدركت سبعين رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو خرجوا فيكم اليوم ما عرفوا شيئاً مما أنتم عليه إلا الأذان. روح قال: أنبأ الحجاج بن الأسود أن معاوية بن قرة قال: من يدلني على بكاء بالليل بسام بالنهار. عون بن موسى قال: حدثنا معاوية بن قرة قال: كنا عند الحسن فتذاكرنا أي العمل أفضل؟ فكلهم اتفقوا على قيام الليل فقلت أنا: ترك المحارم فانتبه لها الحسن فقال: تم الأمر، تم الأمر. عن عبد الله بن ميمون البصري قال: سمعت معاوية بن قرة يقول: إن الله عز وجل يرزق العبد رزق شهر في يوم واحد فإن أصلحه أصلح الله على يديه وعاش هو وعياله بقية شهرهم بخير، وإن هو أفسده أفسد الله تعالى على يديه وعاش هو وعياله بقية شهرهم بشر. مسلم قال: لقيني معاوية بن قرة وأنا جاء من الكلأ فقال لي: ما صنعت؟ فقلت: اشتريت

_ 510 - هو: معاوية بن قرة بن إياس بن هلال المزني، أبو إياس البصري، ثقة من الثالثة، مات سنة ثلاث عشرة، وهو ابن ست وسبعين سنة.

لأهلي كذا وكذا. قال: وأصبت من حلال؟ قلت: نعم. قال: لأن أغدو فيما غدوت به أحب إلي من أن أقوم الليل وأصوم النهار. عن خليد بن دعلج قال: سمعت معاوية بن قرة يقول: إن القوم ليحجون ويعتمرون ويجاهدون ويصلون ويصومون، وما يعطون يوم القيامة إلا على قدر عقولهم. أسند معاوية عن أبيه، وعن أنس بن مالك: ومعقل بن يسار، وابن عباس.

أبو الجوزاء أوس بن خالد الربعي

511 - أبو الجوزاء أوس بن خالد الربعي هشام قال: حدثني أبي عن أبي الجوزاء قال: صحبت ابن عباس ثنتي عشرة سنة ما بقي من القرآن آية إلا سألته عنها. وفي رواية: جاورت ابن عباس ثنتي عشرة سنة في داره. سليمان الربعي قال: كان أبو الجوزاء يواصل في الصوم بين سبعة أيام ثم يقبض على ذراع الشاب فيكاد يحطمها. أسند أبو الجوزاء عن ابن عباس وعائشة وغيرهما. وخرج مع ابن الأشعث فقتل أيام الجماجم في ثلاث وثمانين.

_ 511 - هو: أوس بن عبد الله الربعي –بفتح الموحدة - أبو الجوزاء بالجيم والزاي، بصري، يرسل كثيرا، ثقة من الثالثة مات سنة ثلاث وثمانين.

طلق بن حبيب العنزي

512 - طلق بن حبيب العنزي عن الحجاج بن زيد قال: كان طلق بن حبيب يقول: إني لأحب أن أقوم لله حتى أشتكي ظهري. فيقوم فيبتدئ بالقرآن حتى يبلغ "الحجر" ثم يركع. روى طلق عن ابن عباس وجابر بن عبد الله.

_ 512 - هو: طلق بن حبيب العنزي - بفتح المهملة والنون - بصري صدوق عابد رمي بالإرجاء، من الثالثة، مات بعد التسعين.

الطبقة الثالثة

الطبقة الثالثة قتادة بن دعامة السدوسي ... ومن الطبقة الثالثة من أهل البصرة: 513 - قتادة بن دعامة السدوسي يكنى أبا الخطاب. معمر قال: سمعت قتادة يقول: ما سمعت أذناي شيئاً قط إلا وعاه قلبي. سلام بن أبي مطيع، عن قتادة أنه كان يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة. عن مطر، عن قتادة قال: من يتق الله يكن الله معه، ومن يكن الله عز وجل معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل. سعيد بن بشير، عن قتادة قال: إن في الجنة كوى إلى النار فيطلع أهل الجنة من تلك الكوى إلى النار فيقولون: ما بال الأشقياء؟ وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم! فقالوا: إنا كنا نأمركم ولا نأتمر، وننهاكم ولا ننتهي. شهاب بن خراش، عن قتادة قال: باب من العلم، يحفظه الرجل يطلب به صلاح نفسه وصلاح الناس، أفضل من عبادة حول كامل. أسند قتادة عن أنس وعبد الله بن سرجس وحنظلة الكاتب وأبي الطفيل في آخرين. وكان يرسل الحديث عن الشعبي ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي وأبي قلابة ولم يسمع منهم. وتوفي سنة سبع عشرة ومائة.

_ 513 - هو: قتادة بن دعامة السدوسي، أبو الخطاب البصري، ثقة ثبت، يقال: ولد أكمه، وهو رأس الطبقة الرابعة، مات سنة بضع عشرة.

حميد بن هلال العدوي

514 - حميد بن هلال العدوي يكنى أبا نصر عن قتادة قال: كان حميد بن هلال من العلماء الفقهاء، ولم يكن يذاكر ولا يسأل؛ إنما كان يعتذر في مكان. موسى بن إسماعيل قال: سمعت أبا هلال يقول: سمعت قتادة يقول: ما كان بالمصرين أعلم من حميد ما أستثني الحسن ولا محمداً.

_ 514 - هو: حميد بن هلال العدوي، أبو نصر البصري، ثقة عالم، توقف فيه ابن سيرين لدخوله في عمل السلطان، من الثالثة.

عن الجلد بن أيوب عن حميد بن هلال قال: ذكر لنا أن الرجل إذا دخل الجنة فصور صورة أهل الجنة وألبس لباسهم وحلي حلاهم ورأى أزواجه وخدمه ومساكنه في الجنة يأخذه سوار فرح، لو كان ينبغي أن يموت لمات فرحاً. فيقال له: أرأيت سوار فرحتك هذه؟ فإنها قائمة لك أبداً.

ثابت بم مسلم البناني

ثابت بم مسلم البناني ... 515 - ثابت بن مسلم البناني يكنى أبا محمد عن بكر بن عبد الله قال: من سره أن ينظر إلى أعبد رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ثابت البناني، فما أدركنا الذي هو أعبد منه، تراه في يوم معمعاني بعيد ما بين الطرفين يظل صائماً ويراوح ما بين جبينه وقدمه. عمرو بن محمد بن أبي رزين قال: قال ثابت البناني: كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة. سلام بن مسكين قال: أنبأ ثابت قال: ما دعا الله عز وجل المؤمن بدعوة إلا وكل بحاجته جبرائيل عليه السلام فيقول: لا تعجل بإجابته فإني أحب أن أسمع صوت عبدي المؤمن، وإن الفاجر يدعو الله عز وجل فيوكل جبرائيل بحاجته فيقول: يا جبرائيل أعجل إجابة دعوته فإني أحب أن لا أسمع صوت عبدي الفاجر. جعفر قال: أنبأ ثابت البناني عن رجل من العباد أنه قال يوماً لإخوانه: إني لأعلم متى يذكرني ربي عز وجل. قال: ففزعوا من ذلك فقالوا: تعلم حين يذكرك ربك؟ قال: نعم. قالوا: متى؟ قال: إذا ذكرته ذكرني. قال: وإني لأعلم حين يستجيب لي ربي عز وجل. قال: فعجبوا من قوله، قالوا: تعلم حين يستجيب لك ربك؟ قال: نعم. قالوا: وكيف تعلم ذلك؟ قال: إذا وجل قلبي واقشعر جلدي وفاضت عيني وفتح لي في الدعاء فثم أعلم أن قد استجيب لي. سهل بن أسلم قال: كان ثابت البناني يصلي كل ليلة ثلاث مائة ركعة، فإذا أصبح ضمرت قدماه فيأخذهما بيده فيعصرهما ثم يقول: مضى العابدون وقطع بي والهفاه.

_ 515 - هو: ثابت بن أسلم، الإمام القدوة شيخ الإسلام، أبو محمد البناني مولاهم البصري، وأبناؤه هم بنو سعد بن لؤي بن غالب، ويقال: هو بنو سعد بن ضبيعة بن نزار ولد في خلافة معاوية، سير أعلام النبلاء 6/52، وهو ثقة عابد من الرابعة مات سنة بضع وعشرين وله ست وثمانون.

عن شعبة قال: كان ثابت البناني يقرأ القرآن في كل يوم وليلة ويصوم الدهر. جعفر بن سليمان قال: حدثنا ثابت البناني قال: كان رجل من العباد يقول: إذا أنا نمت ثم استيقظت ثم أردت أن أعود إلى النوم فلا أنام الله عيني إذاً. قال جعفر: كنا نراه يعني نفسه. حميد قال: كنا نأتي أنس بن مالك ومعنا ثابت، فكلما مر بمسجد صلى فيه فكنا نأتي أنساً فيقول: أين ثابت؟ أين ثابت؟ إن ثابتاً دويبة أحبها. قال عبد الله: وحدثني أبي قال: بلغني أن أنساً قال لثابت: ما أشبه عينك بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فما زال يبكي حتى عمشت عيناه. جعفر بن سليمان قال: اشتكى ثابت البناني عينه فقال له الطبيب: اضمن لي خصلة تبرأ عينك قال: وما هي؟ قال: لا تبك قال: وما خير في عين لا تبكي؟ حماد بن زيد قال: رأيت ثابتاً البناني يبكي حتى تختلف أضلاعه. عن هشام قال: ما رأيت قط أصبر على طول المقام والسهر من ثابت البناني، صحبناه مرة إلى مكة فكنا إن نزلنا ليلاً فهو قائم يصلي وإلا فمتى شئت أن تراه أو تحس به مستيقظاً ونحن نسير إما باكياً وإما تالياً. مبارك بن فضالة قال: كان ثابت البناني يقوم الليل ويصوم النهار. وكان يقول: ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل. جعفر قال: سمعت ثابتاً يقول: ما تركت في المسجد الجامع سارية إلا وقد ختمت القرآن عندها وبكيت عندها. جعفر قال: أخبرنا محمد بن ثابت البناني قال: ذهبت ألقن أبي وهو في الموت فقلت: يا أبت قل لا إله إلا الله فقال: يا بني خل عني فإني في وردي السادس أو السابع. شبان بن جسر عن أبيه قال: أنا، والله الذي لا إله إلا هو، أدخلت ثابتاً البناني لحده ومعي حميد الطويل أو رجل غيره، شك محمد، قال: فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة فإذا أنا به يصلي في قبره. فقلت للذي معي: ألا ترى؟ قال: اسكت فلما سوينا عليه وفرغنا أتينا ابنته فقلنا لها: ما كان عمل ثابت؟ قالت: وما رأيتم؟ فأخبرناها. قالت: كان يقوم الليل خمسين سنة فإذا كان السحر قال في دعائه: اللهم إن كنت أعطيت أحداً من خلقك الصلاة في قبره فأعطنيها. فما كان الله عز وجل ليرد ذلك الدعاء.

إبراهيم بن الضمة المهلبي قال: حدثني الذين كانوا يمرون بالجص بالأسحار قالوا: كنا إذا مررنا بجنبات قبر ثابت سمعنا قراءة القرآن. أسند ثابت عن ابن عمرو وابن الزبير وشداد وأنس في آخرين. وتوفي في ولاية خالد بن عبد الله على العراق.

إياس بن معاوية بن قرة المزني

516 - إياس بن معاوية بن قرة المزني يكنى أبا واثلة. كان قاضياً على البصرة غزير العقل والدين. داود بن أبي هند قال: قال إياس بن معاوية: كل رجل لا يعرف عيبه فهو أحمق. قالوا: يا أبا واثلة ما عيبك؟ قال: كثرة الكلام. عن أبي إسحاق بن حفص بن نوح قال: قيل لإياس بن معاوية: فيك أربع خصال: دمامة، وكثرة كلام، وإعجاب بنفسك، وتعجيل بالقضاء. قال: أما الدمامة فالأمر فيها إلى غيري، وأما كثرة الكلام فبصواب أتكلم أم بخطأ؟ قالوا: بصواب. قال: فالإكثار من الصواب أمثل، وأما إعجابي بنفي أفيعجبكم ما ترون مني؟ قالوا: نعم. قال: فإني أحق أن أعجب بنفسي وأما قولكم إنك تعجل بالقضاء فكم هذه؟ وأشار بيده خمسة فقالوا: خمسة. فقال: أعجلتم ألا قلتم واحداً واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة؟ قالوا: ما نعد شيئاً قد عرفناه. قال: فما أحبس شيئاً قد تبين لي فيه الحكم. سمع إياس من أبيه وأنس بن مالك وابن المسيب وغيرهم.

_ 516 - هو: إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني، أبو واثلة البصري، القاضي المشهور بالذكاء، ثقة، من الخامسة مات سنة اثنتين وعشرين ومائة.

أبو عمران عبد الملك

517 - أبو عمران عبد الملك. ابن حبيب الجوني. جعفر بن سليمان الضيعي قال: سمعت أبا عمران الجوني يقول في قصصه: لا يغرنكم م نربكم عز وجل طول النسيئة وحسن الطلب فإن أخذه أليم شديد، حتى متى تبقى وجوه أولياء الله بين أطباق التراب؟ وإنما هم محتبسون ببقية آجالكم أيتها الأمة حتى يبعثهم الله عز وجل إلى جنته وثوابه.

_ 517 - هو: عبد الملك بن حبيب الأزدي، أو الكندي، أبو عمران الجوني مشهور بكنيته، ثقة من كبار الرابعة، مات سنة ثمان وعشرين وقيل بعدها.

قال جعفر: وسمعت أبا عمران الجوني يقول: وعظ موسى عليه السلام قومه فشق رجل منهم قميصه، فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام: قل لصاحب القميص لا يشق قميصه ولكن ليشرح لي عن قلبه. جعفر قال: أنبأ أبو عمران الجوني قال: تصعد الملائكة بالأعمال فينادي الملك: ألق تلك الصحيفة: ألق تلك الصحيفة، قال: فتقول الملائكة: ربنا قالوا خيراً وحفظناه عليهم. فيقول تبارك وتعالى: لم يرد به وجهي قال: وينادي الملك: اكتب لفلان كذا وكذا مرتين فيقول: يا رب إنه لم يعمله. فيقول جل وعز إنه نواه نواه. الحارث بن سعيد قال: كان أبو عمران الجوني إذا سمع الأذان تغير لونه وفاضت عيناه. عن خشيش أبي محرز قال: قال أبو عمران الجوني وهبك تنجو بعد كم تنجو. أسند أبو عمران عن أنس بن مالك وجندب بن عبد الله وعائذ بن عمرو وأبي برزة في آخرين.

بديل بن ميسرة العقيلي

518 - بديل بن ميسرة العقيلي مالك بن ضيغم قال: سمعت بشر بن منصور يقول: بكى بديل العقيلي حتى قرحت مآقيه. فكان يعاتب في ذلك فيقول: إنما أبكي خوفاً من طول العطش يوم القيامة. السري بن يحيى عن بديل العقيلي قال: من أراد بعلمه وجه الله عز وجل أقبل الله عليه بوجهه وأقبل بقلوب العباد إليه ومن عمل لغير الله عز وجل أقبل الله عنه وجهه وصرف قلوب العباد عنه. عن الوليد بن هشام عن بديل العقيلي قال: الصيام معقل العابدين. سيار قال: قال مهيد بن ميمون: رأيت ليلة مات بديل العقيلي قائلاً يقول: ألا إن بديلاً أصبح من سكان الجنة. أسند بديل عن أنس وغيره، وتوفي سنة ثلاثين ومائة.

_ 518 - هو: بديل - مصغر - العقيلي - بضم العين - ابن ميسرة البصري، ثقة، من الخامسة، مات سنة خمس وعشرين، أو ثلاثين.

أبو ريحانة عبد الله بن مطر

519 - أبو ريحانة عبد الله بن مطر روى عن ابن عمر وسفينة عن فروة الأعمى مولى سعد بن أبي أمية المقري قال: ركب أبو ريحانة البحر وكان يخيط فيه بإبرة معه فسقطت إبرته في البحر فقال: عزمت عليك يا رب إلا رددت علي إبرتي. فظهرت حتى أخذها. قال: واشتد عليهم البحر ذات يوم وهاج فقال: اسكن أيها البحر فإنما أنت عبد حبشي. فسكت حتى صار كالزيت.

_ 519 - هو: عبد الله بن مطر، أبو ريحانة البصري، مشهور بكنيته، صدوق تغير بآخرة، من الثالثة، ويقال: اسمه زياد.

محمد بن واسع بن جابر

520 - محمد بن واسع بن جابر يكنى أبا عبد الله شبابة قال: أخبرني موسى بن بشار قال: صحبت محمد بن واسع من مكة إلى البصرة فكان يصلي الليل أجمع، يصلي في المحمل جالساً يومئ برأسه إيماء وكان يأمر الحادي يكون خلفه ويرفع صوته حتى لا يفطن له وكان ربما عرس من لاليل فينزل فيصلي فإذا أصبح أيقظ أصحابه. عبد الملك بن قريب قال: حدثني نسيب لهشام القردوسي قال: قال رجل: دخلنا على محمد بن واسع فقالت علجة في داره فذكرت كلمات بالأعجمية معناها: هذا رجل إذا جاء الليل لو كان قتل أهل الدنيا ما زاد. عبد الواحد بن زيد قال: شهدت حوشباً جاء إلى مالك بن دينار فقال: يا أبا يحيى رأيت البارحة كأن منادياً يقول: يا أيها الناس، الرحيل الرحيل. فما رأيت أحداً يرتحل إلا محمد بن واسع. قال: فصاح لمالك صيحة وخر مغشياً عليه. قال مضر: كان الحسن يسمي محمد بن واسع زين القرآن. مخلد قال: كان محمد بن واسع مع قتيبة بن مسلم في جيش، وكان صاحب خراسان، وكانت الترك خرجت إليهم فبعث إلى المسجد ينظر من فيه؟ فقيل له ليس فيه إلا محمد بن واسع رافعاً إصبعه، فقال قتيبة: إصبعه تلك أحب إلي من ثلاثين ألف عنان.

_ 520 - هو: محمدج بن واسع بن جابر الأخنس الأزدي، أبو بكر أو أبو عبد الله البصري، ثقة عابد كثير المناقب، من الخامسة مات سنة ثلاث وعشرين ومائة.

جعفر قال: كنت إذا وجدت من قلبي قسوة نظرت إلى وجه محمد بن واسع نظرة، وكنت إذا رأيت وجه محمد بن واسع حسبت أن وجهه وجه ثكلى. علي بن بزيع الهلالي قال: قال مطر الوراق: ما اشتهيت أن أبكي قط حتى أشتفي إلا نظرت إلى وجه محمد ابن واسع، وكنت إذا نظرت إلى وجهه كأنه ثكل عشرة من الحزن. عن ابن شوذب قال: كان إذا قيل: من أفشل أهل البصرة؟ قالوا: محمد بن واسع، ولم يكن يرى كثير عبادة وكان يلبس قميصاً وساجاً وكان له علية فإذا كان الليل دخل ثم أغلقها عليه. عن يونس قال: سمعت محمد بن واسع يقول: لو كان يوجد للذنوب ريح ما قدرتم أن تدنوا مني، من نتن ريحي. الحارث بن نبهان قال: سمعت ابن واسع يقول: واصحاباه، ذهب أصحابي. فقلت: يرحمك الله أليس قد نشأ شباب يصومون النهار ويقومون الليل ويجاهدون في سبيل الله عز وجل؟ قال: بلى ولكن أخ، وتفل، أفسدهم العجب. عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: رأيت في يد محمد بن واسع قرحة فكأنه رأى ما شق علي منها فقال: تدري ما لله علي في هذه القرحة من نعمة؟ قال: فسكت. فقال: حيث لم يجعلها على حدقتي ولا على طرف لساني ولا على طرف ذكري. قال: فهانت علي قرحته. عن ابن شوذب قال: قسم أمير البصرة على أهل البصرة، فبعث إلى مالك بن دينار فقبل وأتاه محمد بن واسع فقال: يا مالك قبلت جوائز السلطان قال: فقال: يا أبا بكر سل جلسائي، فقالوا: يا أبا بكر اشتري بها رقاباً فأعتقهم، فقال له محمد بن واسع: أنشدك الله أقلبك الساعة له على ما كان قبل أن يجيزك؟ قال: اللهم لا، قال: ترى أي شيئ دخل عليك؟ فقال مالك لجلسائه: إنما مالك حمار، إنما يعبد الله مثل محمد بن واسع. عن ليث بن أبي سليم عن محمد بن واسع قال: إذا أقبل العبد بقلبه إلى الله عز وجل أقبل الله عز وجل إليه بقلوب المؤمنين. سليمان التيمي: ما أحد أحب إلي أن ألقى الله عز وجل بمثل صحيفته إلا محمد بن واسع. حماد بن زيد قال: دخلنا على محمد بن واسع نعوده في مرضه فجاء يحيى البكاء يستأذن فقالوا: يحيى البكاء فقال: إن شر أيامكم يوم نسبتم إلي البكاء.

عمران بن خالد قال: سمعت محمد بن واسع يقول: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم. إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض قال: قال مالك بن دينار: إني لأغبط الرجل يكون عيشه كفافاً فيقنع به فقال محمد بن واسع: أغبط والله عندي من ذلك أن يصبح جائعاً ويمسي جائعاً وهو عن الله عز وجل راض. محمد بن عبد الله الزراد قال: رأى محمد بن واسع ابناً له وهو يخطر بيده. فقال: ويحك تعال، تدري من أنت؟ أمك اشتريتها بمائتي درهم، وأبوك فلا أكثر الله في المسلمين مثله تمشي هذه المشية؟. محمد بن مهزم قال: كان محمد بن واسع يصوم الدهر ويخفي ذلك. حيان بن يسار قال: قال محمد بن واسع: اللهم إن كان أخلق وجهي كثرة ذنوبي فهبني لمن أحببت من خلقك. ابن سلام قال: قال محمد بن واسع: ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث: صاحب إذا اعوججت قومني، وصلاة في جماعة يحمل عني سهوها وأفوز بفضلها وقوت من الدنيا ليس لأحد فيه منة ولا لله عز وجل فيه تبعة. زياد بن الربيع، عن أبيه قال: رأيت محمد بن واسع بسوق مرو يعرض حماراً له على البيع. فقال له رجل: أترضاه لي؟ قال: لو رضيته لك ما بعته. قاسم الخواص قال: قال محمد بن واسع لرجل: أبكاك قط سابق علم الله عز وجل فيك. أبو عامر قال: حدثني صاحب لنا قال: لما ثقل محمد بن واسع كثر الناس عليه في العيادة. قال: فدخلت فإذا قوم قيام وآخرون قعود. فأقبل علي فقال: أخبرني ما يغني هؤلاء عني إذا أخذ بناصيتي وقدمي غداً وألقيت في النار؟ ثم تلا هذه الآية: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} . يونس بن عبيد قال: دخلنا على محمد بن واسع نعوده فقال: ما يغني عني ما يقول الناس إذا أخذ بيدي ورجلي فألقيت في النار؟. عن حزم قال: قال محمد بن واسع وهو في الموت: يا إخوتاه تدرون أي يذهب بي؟ يذهب بي - والله الذي لا إله إلا هو - إلى النار أو يعفو عني.

محمد بن عبد الله، مولى الثقفيين، قال: دخلنا على محمد بن واسع وهو يقضي. فقال: يا إخوتي يا إخوتاه هبوني وإياكم سألنا الله الرجعة فأعطاكموها ومنعنيها فلا تخسروا أنفسكم. أسند محمد بن واسع عن أنس بن مالك، وروى عن جماعة من كبار التابعين كالحسن وابن سيرين. وتوفي بعد الحسن بعشر سنين كأنه مات سنة عشرين ومائة.

فرقد بن يعقوب السبخي

521 - فرقد بن يعقوب السبخي يكنى أبا يعقوب. الهيثم بن معاوية قال: حدثني شيخ لي قال: اجتمع عباد من أهل الكوفة فقالوا: تحدروا بنا إلى البصرة فننظر إلى عبادتهم. فقال بعضهم لبعض: اغدوا بنا إلى فرقد السبخي فدخلوا عليه فحدثهم ساعة ثم قالوا: يا أبا يعقوب، الغداء. قال: إنما طولت حديثي لتجوعوا فتأكلوا ما عندي أنزلوا تلك القفة فأخرجوا منها كسر خبز شعير أسود فقالوا له: ملح يا أبا يعقوب. فقال: قد طرحنا في العجين ملحاً مرة لم تعنوني أن أطلب لكم؟. عن جعفر بن سليمان قال: قال فرقد السبخي: إن ملوك بني إسرائيل كانوا يقتلون قراءهم على الدين وإن ملوككم إنما يقتلونكم على الدنيا فدعوهم والدنيا. جعفر قال: سمعت فرقداً السبخي يقول: قرأت في التوراة: من أصبح حزيناً على الدنيا أصبح ساخطاً على ربه عز وجل، ومن جالس غنياً فتضعضع له ذهب ثلثا دينه، ومن أصابته مصيبة فشكا إلى الناس فإنما يشكو ربه عز وجل. عن عبد الواحد بن زيد قال: سمعت فرقداً السبخي يقول: ما انتهيت من نومي إلا خفت أن أكون قد مسخت. جعفر قال: سمعت فرقداً السبخي يقول: اتخذوا الدنيا ظئراً واتخذوا الآخرة أماً. ألم تروا إلى الصبي يلقي نفسه على الظئر فإذا ترعرع وعرف والدته ترك ظئره وألقى نفسه على والدته؟ وإن الآخرة والدتكم يوشك أن تجركم. عن ابن شوذب قال: سمعت فرقداً يقول: إنكم لبستم ثياب الفراغ قبل العمل، ألم تروا

_ 521 - هو: فرقد بن يعقوب السبخي –بفتح المهملة والموحدة وبخاء معجمة - أبو يعقوب البصري، صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ من الخامسة مات سنة إحدى وثلاثين. قال الشيخ شعيب: بل ضعيف فقد ضعفه أيوب السختياني، ويحيى بن سعيد القطان وعلي بن المديني، والبخاري، والنسائي وأبو حاتم..... التحرير 3/155.

إلى الفاعل إذا عمل كيف يلبس أدنى ثيابه، فإذا فرغ اغتسل ولبس ثوبين تقيين؟ وأنتم تلبسون ثياب الفراغ قبل العمل. أسند فرقد عن أنس بن مالك وسمع من جماعة من كبار التابعين: كسعيد بن جبير ومرة وإبراهيم النخعي وأبي الشعثاء. وشغله التعبد عن حفظ الحديث فلذلك يعرض النقلة عن حديثه ومات في أيام الطاعون بالبصرة سنة إحدى وثلاثين ومائة.

مالك بن دينار

522 - مالك بن دينار يكنى أبا يحيى مولى لامرأة بني سامة بن لؤي. كان يكتب المصاحف. جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله تعالى. قال: وسمعته يقول: يا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع لامؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض، وقد ينزل الغيث من السماء إلى الأرض فيصيب الحش فيكون فيه الحبة فلا يمنعها نتن موضعها أن تهتز وتخضر وتحسن، فيا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ أين أصحاب سورة أين أصحاب سورتين؟ ماذا عملتم فيهما؟. قال: وسمعته يقول: يا هؤلاء، جهالكم كثير لولا ذلك للبست المسوح، يا هؤلاء لا تجعلوا بطونكم جرباً للشيطان يوعي فيها إبليس ما شاء. يوسف بن عطية الصفار، عن مالك بن دينار قال: من دخل بيتي فأخذ منه شيئاً فهو له حلال، أما أنا فلا أحتاج إلى قفل ولا إلى مفتاح. وكان يأخذ الحصاة من المسجد ويقول: لوددت أن هذه أجزأتني في الدنيا ما عشت، لا أزيد على مصها من الطعام ولا الشراب. وكان يقول: لو صلح لي أن آكل الرماد لأكلته، ولو صلح لي أن أعمد إلى بوري فأقطعه بقطعتين فأتزر بقطعة وأرتدي بقطعة لفعلت. جعفر بن سليمان قال: قال مالك بن دينار: لقد هممت أن آمر إذا مت أن أغل فأدفع إلى ربي مغلولاً كما يدفع الآبق إلى مولاه.

_ 522 - هو: مالك بن دينار البصري، الزاهد، أبو يحيى، صدوق عابد من الخامسة، مات سنة ثلاثين أو نحوها. قال الشيخ شعيب: بل ثقة، وثقه النسائي، وابن سعد والدارقطني ولا نعرف فيه جرحا إلا قول الأزدي "تعرف وتنكر" وهو شبه لا شيء.

جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: ينطلق أحدكم فيتزوج ديباجة الحرم، يعني أجمل الناس، أو ينطلق إلى جارية قد سمنها أبوها كأنها زبدة، فيتزوجها فتأخذ بقلبه فيقول لها: أي شيء تريدين؟ فتقول: خمار خز، وأي شيء تريدين؟ فتقول كذا وكذا. قال مالك: فتمرط والله دين ذلك القارئ ويدع أن يتزوجها يتيمة ضعيفة فيكسوها فيؤجر ويدهنها فيؤجر. قال: وسمعت مالكاً يقول: كان حبر من أحبار بني إسرائيل قال: فرأى بعض بنيه يوماً غمز النساء، فقال: مهلاً يا بني. قال: فسقط من سريره، فانقطع نخاعه فأسقطت امرأته وقتل بنوه في الجيش، وأوحى الله تعالى إلى نبيهم أن أخبر فلاناً الحبر أني لا أخرج من صلبك صديقاً أبداً ما كان غضبك لي إلا أن قلت: مهلاً يا بني مهلاً. رياح بن عمرو القيسي قال: سمعت مالك بن دينار يقول: ما من أعمال البر شيء إلا دونه عقبة فإن صبر صاحبها أفضت به إلى روح، وإن جزع رجع. عثمان بن إبراهيم قال: سمعت مالك بن دينار يقول لرجل من أصحابه: إني لأشتهي رغيفاً بلبن رائب. قال: فانطلق فجاء به قال: فجعله على الرغيف. فجعل مالك يقلبه وينظر إليه ثم قال: اشتهيتك منذ أربعين سنة فغلبتك حتى كان اليوم، وتريد أن تغلبني؟ إليك عني وأبى أن يأكله. مسلم قال: قال مالك بن دينار: منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم. ولم أكره مذمتهم. قيل: ولم ذاك؟ قال: لأن حامدهم مفرط وذامهم مفرط. سلام بن أبي مطيع قال: دخلنا على مالك بن دينار ليلاً وهو في بيت بغير سراج وفي يده رغيف يكدمه. فقلنا له: أبا يحيى ألا سراج؟ ألا شيء تضع عليه خبزك؟ فقال: دعوني فوالله إني لنادم على ما مضى. أبو حفص عمر بن أحمد قال: قال مالك بن دينار: مثل قراء هذا الزمان كمثل رجل نصب فخاً ونصب فيه برة فجاء عصفور فقال: ما غيبك في التراب؟ قال: التواضع. قال: لأي شيء انحنيت؟ قال: من طول العبادة. قال: فما هذه البرة المنصوبة فيك؟ قال: أعددتها للصائمين. فقال: نعم الجار أنت. فلما كان عند المغرب دنا العصفور ليأخذها فخنقه الفخ. فقال العصفور: إن كان العباد يخنقون خنقك فلا خير في العباد اليوم.

جعفر بن سليمان قال: مر والي البصرة بمالك بن دينار يرفل فصاح به مالك: أقل من مشيتك هذه فهم خدمه به. فقال: دعوه، ما أراك تعرفني. فقال له مالك: ومن أعرف بك مني، أما أولك فنطفة مذرة وأما آخرك فجيفة قذرة، ثم أنت بين ذلك تحمل العذرة. فنكس الوالي رأسه ومشى. عن جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار أنه كان يرى يوم التروية بالبصرة ويوم عرفة بعرفات. عون بن الحكم عن أبيه عن مالك بن دينار قال: قدمت من سفر لي فلما صرت بالجسر قام العشار فقال لا يخرجن من السفينة ولا يقوم أحد من مكانه. فأخذت ثوبي فوضعته على عنقي ثم وثبت فإذا أنا على الأرض. فقال لي: ما أخرجك؟ قلت: ليس معي شيء. قال: اذهب. فقلت في نفسي: هكذا أمر الآخرة. محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال: سمعت أبي يقول: سمعت مالك بن دينار يقول: عجباً لمن يعلم أن الموت مصيره والقبر مورده كيف تقر بالدنيا عينه؟ وكيف يطيب فيها عيشه؟ قال: ثم يبكي مالك حتى يسقط مغشياً عليه. أبو سمير عن مالك قال: إن لكل شيء لقاحاً وإن الحزن لقاح العمل الصالح، إنه لا يصبر أحد على هذا الأمر إلا بحزن، فوالله ما اجتمعا في قلب عبد قط: حزن بالآخرة وفرح بالدنيا، إن أحدهما ليطرد صاحبه. عن جعفر بن سليمان قال: قال مالك بن دينار: إذا ذكر الصالحون فأف لي وتف. سعيد بن عصام قال: سمعت مالك بن دينار يقول: كان الأبرار يتواصون بثلاث: بسجن اللسان، وكثرة الاستغفار، والعزلة. أبو الحسن البصري قال: دخل مالك بن دينار على رجل محبوس قد أخذ بخراج خرج عليه وقيد. فقال: يا أبا يحيى أما ترى ما أنا فيه من هذه القيود؟ فرفع مالك رأسه فإذا سلة قال: لمن هذه السلة؟ قال: لي. قال: فمر بها فلتنزل، فأنزلت فوضعت بين يديه فإذا دجاج وأخبصة فقال: هذه وضعت القيود في رجلك لا هم وقام عنه. قال: وكان مالك بن دينار يطوف بالبصرة في الأسواق فينظر إلى أشياء يشتهيها فيرجع فيقول لنفسه: أبشري فوالله ما حرمتك ما رأيت إلا لكرامتك علي.

جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: إن البدن إذا سقم لا ينجع فيه طعام ولا شراب ولا نوم ولا راحة، وكذلك القلب إذا علق حب الدنيا لم ينجع فيه المواعظ. وسمعته يقول: بقدر ما تحزن للدنيا كذلك يخرج هم الآخرة من قلبك وبقدر ما تحزن للآخرة فكذلك يخرج هم الدنيا من قلبك. عن جعفر بن سليمان قال: جاء محمد بن واسع إلى مالك بن دينار فقال: يا أبا يحيى إن كنت من أهل الجنة فطوبى لك. فقال: ينبغي لنا إذا ذكرنا الجنة أن نخزى. عبد العزيز بن سلمان العابد قال: انطلقت أنا وعبد الواحد بن زيد إلى مالك بن دينار فوجدناه قد قام من مجلسه فدخل منزله وأغلق عليه باب الحجرة فجلسنا ننتظره ليخرج أو لنسمع له حركة فنستأذن عليه. فجعل يترنم بشيء لم نفهمه. ثم بكى حتى جعلنا نأوي له من شدة بكائه. ثم جعل يشهق وتنفس حتى غشي عليه. قال: فقال لي عبد الواحد: انطلق ليس لنا مع هذا اليوم عمل، هذا رجل مشغول بنفسه. الحارث بن سعيد قال: كنا عند مالك بن دينار وعندنا قارئ يقرأ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} الزلزلة فجعل مالك ينتفض وأهل المجلس يبكون ويصرخون حتى انتهى إلى هذه الآية: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} الزلزلة قال: فجعل مالك، والله، يبكي ويشهق حتى غشي عليه فحمل بين القوم صريعاً. عبد الله بن مرزوق قال: بلغني أن مالك بن دينار دخل المقابر ذات يوم فإذا رجل يدفن، فجاء حتى وقف على القبر فجعل ينظر إلى الرجل وهو يدفن فجعل يقول: مالك، غداً هكذا يصير وليس له شيء يتوسده في قبره. فلم يزل يقول: غداً مالك هكذا يصير، حتى خر مغشياً عليه في جوف القبر فحملوه فانطلقوا به إلى منزله مغشياً عليه. مسمع بن عاصم قال: قال مالك بن دينار، ورأى إنساناً يضحك، فقال: ما أحب أن قلبي فرغ لمثل هذا وأن لي ما حوت البصرة من الأموال والعقد. عبد الله العبدي قال: حدثنا جعفر عن مالك قال: إن في بعض الكتب أن الله عز وجل يقول: إن أهون ما أنا صانع بالعالم إذا أحب الدنيا أن أخرج حلاوة ذكري من قلبه.

عبد الملك بن قريب قال: حدثني رجل صالح من أهل البصرة قال: وقع حريق في بيت مالك بن دينار فأخذ المصحف وأخذ القطيفة فأخرجهما. فقيل له: يا أبا يحيى، البيت. فقال: ما فيه إلا السندانة ما أبالي أن يحترق. قال الدورقي، وذكر عبد الله بن المبارك، قال: وقع حريق بالبصرة فأخذ مالك بن دينار بطرف كسائه وقال هلك أصحاب الأثقال. مجالد بن عبيد الله قال: حدثني عمر عن مالك بن دينار أنه كان يقول: إن الله عز وجل إذا أحب عبداً انتقصه من دنياه وكف عنه ضيعته، ويقول: لا تبرح من بين يدي قال: فهو متفرغ لخدمة ربه عز وجل، وإذا أبغض عبداً دفع في نحره شيئاً من الدنيا ويقول: اعزب من بين يدي فلا أراك بين يدي فتراه معلق القلب بأرض كذا وبتجارة كذا. الحسين بن زياد قال: سمعت منيعاً يقول: مر تاجر بعشار فحبسوا عليه سفينته فجاء إلى مالك بن دينار فذكر ذلك له، قال: فقام مالك فمشى إلى العشار فلما رأوه قالوا: يا أبا يحيى ألا تبعث إلينا حاجتك؟ قال: حاجتي أن تخلوا سفينة هذا الرجل. قالوا: قد فعلنا. قال: وكان عندهم كوز يجعلون فيه ما يأخذون من الناس من الدراهم قالوا: ادع الله لنا يا أبا يحيى. قال: قولوا للكوز يدعو لكم، كيف أدعو لكم وألف يدعون عليكم؟ أترى يستجاب لواحد ولا يستجاب لألف؟. محمد بن عبد الله، عن أبي قدامة الحارث بن عبيد قال: سمعت مالكاً يقول: لو أن القوم كلفوا الصحف لأقلوا المنطق. السري بن يحيى، عن مالك بن دينار قال: والله لو وقف ملك بباب المسجد وقال: يخرج شر من في المسجد، لبادرتكم إليه. رياح بن عمرو القيسي قال: سمعت مالك بن دينار يقول: دخل علي جابر بن زيد وأنا أكتب فقال: يا مالك ما لك عمل إلا هذا؟ تنقل كتاب الله عز وجل من ورقة إلى ورقة؟ هذا والله الكسب الحلال. جعفر بن سليمان قال: سمعت المغيرة بن حبيب أبا صالح ختن مالك بن دينار يقول: قلت لنفي: يموت مالك بن دينار وأنا معه في الدار لا أدري ما عمله؟ قال: فصليت معه العشاء الآخر ثم جئت فلبست قطيفة في أطول ما يكون من الليل. قال: وجاءه مالك فدخل

فقرب رغيفه فأكل ثم قام إلى الصلاة فاستفتح، ثم أخذ بلحيته فجعل يقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار. قال: فوالله ما زال كذلك حتى غلبتني عيني، ثم انتبهت فإذا هو قائم على تلك الحال يقدم رجلاً ويؤخر رجلاً ويقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار. فما زال كذلك حتى طلع الفجر. فقلت في نفسي: والله لئن خرج مالك بن دينار فرآني لا تبلني عنده بالة أبداً. فجئت إلى المنزل وتركته. جعفر بن سليمان قال: سمعت مالك بن دينار يقول: كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة، وكفى بالمرء شراً أن لا يكون صالحاً ويقع بالصالحين. سلم الخواص قال: قال مالك بن دينار: خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيء فيها. قالوا: وما هو؟ قال: معرفة الله عز وجل. قطر بن حماد بن واقد قال: أنبأ أبي قال: سمعت مالك بن دينار يقول: قولوا لمن لم يكن صادقاً لا يتعنى. جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يقول: إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب كما أن البيت إذا لم يسكن خرب. جعفر قال: سمعت مالكاً يقول: اتقوا السحارة، اتقوا السحارة، فإنها تسحر قلوب العلماء. قال: وسمعته يقول: لو أعلم أن قلبي يصلح على كناسة لذهبت حتى أجلس عليها. وسمعته يقول: وددت أن الله عز وجل أذن لي يوم القيامة إذا وقفت بين يديه أن أسجد سجدة فأعلم أنه قد رضي عني، ثم يقول لي: يا مالك كن تراباً. وسمعته يقول: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا. وسمعته يقول: إنك إذا طلبت العلم لتعمل به كسرك العلم وإذا طلبته لغير العمل به لم يزدك إلا فخراً. قال: وكانت الغيوم تجيء وتذهب ولا تمطر فيقول مالك: أنتم تستبطئون وإنما أستبطئ الحجارة، إن لم تمطر حجارة فنحن بخير. جعفر قال: أنبأ مالك بن دينار قال: لما وقعت الفتنة أتيت الحسن ثلاثة أيام أسأله:

يا أبا سعيد ما تأمرني، فلا يجيبني. قال: فقلت يا أبا سعيد أتيتك ثلاثة أيام أسألك وأنت معلمي فلا تجيبني، فوالله لقد هممت أن آخذ الأرض بقدمي وأشرب من أفواه الأنهار وآكل من بقل البرية حتى يحكم الله عز وجل بين عباده. قال: فأرسل الحسن عينيه باكياً ثم قال: يا مالك ومن يطيق ما تطيق، ولكنا والله ما نطيق هذا. قال جعفر: وكنت عند مالك بن دينار فجاء هشام بن حسان، وكان يأتيه هشام ابن حسان وسعيد بن أبي عروبة وحوشب يطلبون قلوبهم، فجاء هشام فقال: أين أبو يحيى؟ قلنا: عند البقال. قال: قوموا بنا إليه. قال: فحانت منه نظرة إلى هشام فقال: يا هشام إني أعطي هذا البقال كل شهر درهماً ودانقين فآخذ منه كل شهر ستين رغيفاً كل ليلة رغيفين فإذا أصبتهما سخناً فهو أدمهما، يا هشام إني قرأت في زبور داود: إلهي رأيت همومي وأنت من فوق العلى، فانظر ما همومك يا هشام. عن السري بن يحيى عن مالك بن دينار قال: أخذ السبع صبياً لامرأة فتصدقت بلقمة. فألقاه، فنوديت: لقمة بلقمة. جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال: إن الله جعل الدنيا دار مفر والآخرة دار مقر فخذوا لمقركم وأخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، ففي الدنيا حييتم ولغيرها خلقتم؛ إنما مثل الدنيا كالسم أكله من لا يعرفه واجتنبه من عرفه ومثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل يحذرها ذوو العقول ويهوي إليها الصبيان بأيديهم. الحارث بن نبهان قال: قدمت من مكة فأهديت إلى مالك بن دينار ركوة. قال: فكانت عنده فجئت يوماً فجلست في مجلسه. فلما قضاه قال لي: يا حارث تعال خذ الركوة، فقد شغلت علي قلبي. فقلت: يا أبا يحيى إنما اشتريتها لك تتوضأ فيها وتشرب. فقال: يا حارث إني إذا دخلت المسجد جاءني الشيطان فقال لي: يا مالك إن الركوة قد سرقت فقد شغلت علي قلبي. جعفر قال: قلنا لمالك بن دينار، ألا تدعو قارئاً؟ قال: إن الثكلى لا تحتاج إلى نائحة. فقلنا له ألا تستقي؟ فقال: أنتم تستبطئون المطر لكني أستبطئ الحجارة. جعفر قال: رأيت مالك بن دينار يتقنع بعباء، أو قال بكساء، ثم يقول: إله مالك، قد علمت

ساكن الجنة من ساكن النار فأي الدارين دار مالك وأي الرجلين مالك؟ ثم يبكي، وسمعته يقول: لو استطعت أن لا أنام لم أنم مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعواناً لفرقتهم ينادون في منار الدنيا كلها يا أيها الناس النار النار. وسمعته يقول: لو كان لأحد أن يتمنى لتمنيت أن يكون لي في الآخرة خص من قصب فأروى من الماء وأنجو من النار. وسمعته يقول للمغيرة بن حبيب، وكان ختنه: يا مغيرة كل أخ وجليس وصاحب لا تستفيد منه في دينك خيراً فانبذ عنك صحبته. وسمعته يقول: يا إخوتاه بحق أقول لكم: لولا البول ما خرجت من المسجد. وسمعته يقول: إنما العالم الذي إذا أتيته في بيته فلم تجده قص عليك بيته: رأيت حصيرة للصلاة، ومصحفه ومطهرته في جانب البيت، ترى أثر الآخرة. وسمعته يقول: إن الأبرار لتغلي قلوبهم بأعمال البر، وإن الفجار تغلي قلوبهم بأعمال الفجور، والله يرى همومكم، فانظروا ما همومكم رحمكم الله. وسمعته يقول: إن الصديقين إذا قرئ عليهم القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة. وسمعته يقول: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب. وسمعته يقول: إن لله تعالى عقوبات فتعاهدوهن من أنفسكم في القلوب والأبدان وضنك في المعيشة ووهن في العبادة وسخطة في الرزق. جعفر عن مالك بن دينار قال: خرج سليمان بن داود عليه السلام في موكبه فمر ببلبل على غصن شوك يصفر ويضرب بذنبه فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه يقول: قد أصبت اليوم نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء. فضيل بن عياض قال: رأى مالك بن دينار رجلاً يسيء صلاته فقال: ما أرحمني لعياله. فقيل له: يسيء هذا صلاته وترحم عياله؟ قال: إنه كبيرهم ومنه يتعلمون. الحسن بن عمرو قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: قال رجل لمالك بن دينار: يا مرائي، قال: متى عرفت اسمي؟ ما عرف اسمي غيرك. الحسين بن علي الحلواني قال: دخل اللصوص إلى بيت مالك بن دينار فلم يجدوا في البيت شيئاً فأرادوا الخروج من داره فقال مالك: ما عليكم لو صليتم ركعتين.

حزم القطيعي قال: دخلنا على مالك بن دينار في مرضه الذي مات فيه وهو يكيد بنفسه فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لبطن ولا لفرج. أبو عيسى قال: دخلنا على مالك بن دينار عند الموت فجعل يقول: لمثل هذا اليوم كان دؤوب أبي يحيى. عمارة بن زاذان قال: أن مالك بن دينار لما حضره الموت قال: لولا أني أكره أن أصنع شيئاً لم يصنعه أحد كان قبلي لأوصيت أهلي إذا أنا مت أن يقيدوني وأن يجمعوا يدي إلى عنقي فينطلقوا بي على تلك الحال حتى أدفن كما يصنع بالعبد الآبق. وقال غير أحمد بن محمد: فإذا سألني ربي تعالى أي رب لم أرض لك نفسي طرفة عين قط. حصين بن القاسم قال: قلت لعبد الواحد بن زيد ما كان سبب موت مالك بن دينار؟ قال: أنا كنت سببه، سألته عن رؤيا رأى فيها مسلم بن يسار فقصها علي فانتفضت فجعل يشهق ويضطرب حتى ظننت أن كبده قد تقطعت في جوفه ثم هدأ فحملناه إلى بيته فلم يزل مريضاً يعوده إخوانه حتى مات منها. فهذا كان سبب موته. أسند مالك بن دينار عن أنس بن مالك وعن جماعة من كبار التابعين: كالحسن وابن سيرين والقاسم بن محمد وسالم بن عبيد الله. وتوفي قبل الطاعون بيسير. وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثون ومائة.

هارون بن رئاب

523 - هارون بن رئاب يكنى أبا الحسن بن عيينة قال: كان هارون بن رئاب يخفي الزهد، وكان يلبس الصوف تحت ثيابه. سفيان بن عيينة قال: رأيت هارون بن رئاب وكأن النور على وجهه. عن ابن شوذب قال: كنت إذا رأيت هارون بن رئاب فكأنما أقلع عن البكاء. أسند هارون عن أنس وغيره.

_ 523 - هو: هارون بن رئاب – بكسر الراء وتحتانية مهموزة ثم موحدة، التميمي، أبو بكر أو أبو الحسن، ثقة عابد من السادسة، اختلف في سماعه من أنس.

يزيد بن أبان الرقاشي

524 - يزيد بن أبان الرقاشي عن أشعث بن سوار قال: دخلت على يزيد الرقاشي فقال: دخلت على يزيد الرقاشي فقال: يا أشعث تعال نبكي على الماء البارد في يوم الظمأ. قال: وجعل يقول: سبقني العابدون وقطع بي والهفاه. وقد صام اثنتين وأربعين سنة. عن هشام قال: قال لي ثابت البناني: ما رأيت أحداً أصبر على طول القيام والسهر من يزيد بن أبان. عن عبد الخالق بن موسى اللقيطي قال: جوع يزيد نفسه لله عز وجل ستين عاماً حتى ذبل جسمه ونهك بدنه وتغير لونه. وكان يقول: غلبني بطني فما أقدر له على حيلة. عن أبي إسحاق الخميسي قال: كان يقول في قصصه: ويحك يا يزيد من يترضى عنك ربك؟ ومن يصوم لك أو يصلي لك؟ ثم يقول: يا معشر من القبر بيته والموت موعده ألا تبكون؟ قال: فبكى حتى سقطت أشفار عينيه. زهير السلولي قال: كان يزيد الرقاشي قد بكى حتى تناثرت أشفاره وأحرقت الدموع مجاريها من وجهه. سلمة بن سعيد قال: قالوا ليزيد الرقاشي: أما تسأم من كثرة البكاء؟ فبكى وقال: والله لوددت أن أبكي بعد الدموع الدماء وبعد الدماء الصديد. وكان يقول: ابك يا يزيد على نفسك قبل حين البكاء. يا يزيد من يصلي لك بعدك؟ أو من يصوم؟ يا يزيد من يضرع لك إلى ربك بعدك ومن يدعو؟ وكان يقول: يا إخوتاه ابكوا فإن لم تجدوا بكاء فارحموا كل بكاء. أبو محمد علي بن الحسن قال: قيل لابن يزيد الرقاشي: أكان أبوك يتمثل من الشعر شيئاً؟ قال: كان يتمثل: إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكل يوم مضى يدني من الأجل أسند يزيد عن أنس بن مالك، وروى عن الحسن وغيره إلا أن التعبد شغله عن حفظ الحديث فأعرضت النقلة عما يروي.

_ 524 - هو: يزيد بن أبان الرقاشي - بتخفيف القاف ثم معجمة - أبو عمرو البصري، القاص -بتشديد المهملة - زاهد ضعيف، من الخامسة، مات قبل العشرين.

الأسود بن كلثوم

525 - الأسود بن كلثوم عن حميد بن هلال قال: كان منا رجل يقال له الأسود بن كلثوم. وكان إذا مشى لا يجاوز بصره قدميه، فكان يمر بالنسوة، وفي الجدر يومئذ قصر، ولعل إحداهن أن تكون واضعة ثوبها أو خمارها، فإذا رأينه راعهن. ثم يقلن: كلا إنه الأسود بن كلثوم. فلما قرب غازياً قال: إن نفسي هذه تزعم في الرخاء أنها تحب لقاءك، فإن كانت صادقة فارزقها ذلك، وإن كانت كارهة فاحملها عليه وإن كرهت، وأطعم لحمي سباعاً وطيراً. فانطلق في خيل فدخلوا حائط فنذر بهم العدو فجاءوا فأخذوا بثلمة الحائط، فنزل الأسود عن فرسه فضربها حتى عادت فخرج وأتى الماء فتوضأ ثم صلى. قال: يقول العجم: هكذا استسلام العرب إذا استسلموا ثم تقدم فقاتل حتى قتل. قال: فمر عظم الجيش بعد ذلك بذلك الحائط فقيل لأخيه لو دخلت فنظرت ما بقي من عظام أخيك ولحمه قال: لا، دعا أخي بدعاء فاستجيب له فلست أعرض في شيء من ذلك.

_ 525 - هو: المستشهد الملثوم، الأسود بن كلثوم، خلت دعوته فعجلت كرامته، انظر حلية الأولياء 2/288.

الطبقة الرابعة

ومن الطبقة الرابعة: 526 - أيوب بن أبي تميمة السختياني يكنى أبا بكر، مولى لعنزة، واسم أبي تميمة كيسان. حماد بن زيد قال: قال أيوب: عن قوماً يريدون أن يرتفعوا فيأبى الله إلا أن يضعهم وآخرين يريدون أن يتواضعوا ويأبى الله إلا أن يرفعهم. قال: وكان النساك يومئذ يشمرون ثيابهم وكان أيوب لا يفعل. حماد بن زيد قال: كنت أمشي مع أيوب فيأخذ في طرق - إني لأعجب له كيف يهتدي لها - فراراً من الناس أن يقال هذا أيوب. ميمون الغزال قال: كنا عند الحسن فجاء أيوب فسلم عليه فلما مضى، وكان حيث لا يسمع، قال الحسن: هذا سيد الفتيان. وفي رواية أخرى: قال الحسن: أيوب سيد شباب أهل البصرة. حجاج قال: سمعت شعبة يقول: ربما ذهبت مع أيوب في الحاجة أمشي معه فلا يدعني، فيخرج ههنا وههنا لكي لا يفطن له. وقال شعبة: قال أيوب: ذكرت وما أحب أن أذكر. الحميدي قال: لقي سفيان بن عيينة ستة وثمانين من التابعين، وكان يقول: ما رأيت مثل أيوب. سلام بن أبي مطيع قال: كان أيوب يقوم الليل يخفي ذلك فإذا كان قبيل الصبح رفع صوته كأنه إنما قام تلك الساعة. عن وهيب بن خالد قال: قال أيوب السختياني: إذا ذكر الصالحون كنت منهم بمعزل. بشر بن منصور قال: كنا عند أيوب فلغطنا وتكلمنا. فقال لنا أيوب: كفوا، لو أردت أن أخبركم بكل شيء تكلمت به اليوم لفعلت.

_ 526 - هو: أيوب بن أبي تميمة: كيسان السختياني، بفتح المهملة بعدها معجمة ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون، أبو بكر البصري، ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة وله خمس وستون.

عن معمر قال: كان في قميص أيوب بعض التذييل فقيل له، فقال: الشهرة اليوم في التشمير. صالح بن أبي الأخضر قال: قلت لأيوب: أوصني، قال: أقل الكلام. عبد الله بن بشر قال: إن الرجل ربما جلس إلى أيوب السختياني فيكون لما يرى منه أشد اتباعاً منه لو سمع حديثه. حماد بن زيد قال: لو رأيتم أيوب ثم استسقاكم شربة من ماء على النسك لما سقيتموه، له شعر وافر وشارب وافر وقميص جيد هروي يشم الأرض، وقلنسوة جيدة وطيلسان جيد ورداء عدني. حماد بن زيد قال: سمعت أيوب يقول: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. عبيد الله بن شميط قال: سمعت أيوب السختياني يقول: لا ينبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان: بالعفة عما في أيدي الناس والتجاوز عما يكون منهم. عن المبارك بن إسماعيل قال: آذى رجل أيوب السختياني وأصحابه أذى شديداً. فلما تفرقوا قال أيوب: إني لأرحمه أنا نفارقه وخلقه معه. حماد قال: رأيت أيوب لا ينصرف عن سوقه إلا معه شيء يحمله لعياله حتى رأيت قارورة الدهن بيده يحملها. فقلت له في ذلك فقال: إني سمعت الحسن يقول: إن المؤمن أخذ عن الله عز وجل أدباً حسناً فإذا أوسع عليه أوسع وإذا أمسك عنه أمسك. حماد بن زيد قال: ما رأيت رجلاً قط أشد تبسماً في وجوه الرجال من أيوب. إسحاق بن محمد قال: سمعت مالك بن أنس يقول: كنا ندخل على أيوب السختياني فإذا ذكرنا له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى نرحمه. عن هشام بن حسان قال: حج أيوب السختياني أربعين حجة. عبد الواحد بن زيد قال: كنت مع أيوب على جراء فعطشت عطشاً شديداً حتى رأى ذلك في وجهي فقال: ما الذي أرى بك؟ قلت: العطش، قد خفت على نفسي: قال تستر علي؟ قلت: نعم. فاستحلفني فحلفت له أن لا أخبر عنه ما دام حياً. قال: فغمز برجله على حراء فنبع الماء فشربت حتى رويت وحملت معي من الماء. قال: فما حدثت به أحداً حتى مات.

عن أبي بكر بن الفضل قال: سمعت أيوب يقول: والله ما صدق عبد إلا سره أن لا يشعر بمكانه. عن سلام بن أبي مطيع قال: قال رجل من أهل الأهواء لأيوب: ألا أكلمك بكلمة؟ قال: لا، ولا نصف كلمة. عن هشام بن حسان عن أيوب السختياني قال: ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا زاد من الله عز وجل بعداً. محمد بن عمر الباهلي قال: سمعت ابن عيينة يقول: قال أيوب: إنه ليبلغني موت الرجل من أهل السنة فكأنما يسقط عضو من أعضائي. حماد بن زيد قال: كان أيوب ربما حدث بالحديث فيرق فيلتفت فيمتخط ويقول: ما أشد الزكام. الحسن بن عمرو قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: دخل بديل على أيوب السختياني، أظنه قال: يعوده وقد مد على فراشه سبنية حمراء يدفع بها الرثاء، فقال له بديل: ما هذا؟ فقال أيوب: هذا خير من هذا الصوف الذي عليك. يحيى العبدي قال: سمعت حماد بن زيد يقول: كان أيوب يطلب العلم حتى مات. أسند أيوب عن أنس بن مالك وعمرو بن سلمة الجرمي وروى عن أبي عثمان النهدي وأبي رجاء العطاردي وأبي العالية والحسن وابن سيرين وأبي قلابة. وتوفي في الطاعون بالبصرة سنة إحدى وثلاثين ومائة. حنبل قال: سمعت سليمان بن حرب يقول: مات أيوب وهو ابن ثلاث وستين.

يحيى بن سليم

527 - يحيى بن سليم أبو مسلم البكاء. ويقال يحيى بن مسلم. عن معاذ بن زياد قال: كان يحيى بن مسلم البكاء قد اعتم بعمامة فأدارها على حلقه وجعل لها طرفين. فكان يبكي حتى يبل هذا الطرف ثم يبكي حتى يبل الطرف الآخر، ثم يحلها من رأسه ويبكي وينتحب حتى يبل العمامة بأسرها ثم يبكي وينتحب حتى يبل أردانه.

_ 527 - هو: يحيى بن مسلم، أو ابن سليم، مصغر، وهو ابن أبي خليد البصري المعروف بيحيى البكاء - بتشديد الكاف - الحداني -بضم المهملة وتشديد الدال - مولاهم، ضعيف من الرابعة مات سنة ثلاثين ومائة.

سليمان بن طرخان التيمي

528 - سليمان بن طرخان التيمي يكنى أبا المعتمر. محمد بن سعد قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: ليس سليمان بتيمي ولكنه مري ومنزله في التيم فنسب إليهم. وكان من العباد المجتهدين يصلي الغداة بوضوء العشاء الآخرة. وكان هو وابنه المعتمر يدوران بالليل في المساجد فيصليان مرة في هذا المسجد ومرة في هذا حتى يصبحا. حنبل قال: أنبأنا علي يعني ابن المديني قال: سمعت يحيى يعني ابن سعيد، وذكرنا التيمي، فقال: ما جلست إلى رجل أخوف لله منه. محمد بن عبد الأعلى قال: سمعت معتمر بن سليمان التيمي يقول: لولا أنك من أهلي ما حدثتك عن أبي بهذا، مكث أبي أربعين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً ويصلي الصبح بوضوء العشاء وربما أحدث الوضوء من غير نوم. الهيثم أبو علي المفلوج قال: صلى سليمان التيمي الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة. حماد بن سلمة قال: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعاً فإن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلياً، فإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئاً أو عائداً مريضاً أو مشيعاً لجنازة أو قاعداً يسبح في المسجد. قال: فكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله عز وجل. قال السراج: وسمعت سوار بن عبد الله يقول: سمعت المعتمر يقول: مات صاحب لي كان يطلب الحديث فجزعت عليه فرآى أبي جزعي عليه فقال: يا معتمر كان صاحبك هذا على السنة؟ قلت: نعم. قال: فلا تجزع عليه ولا تحزن عليه. أسود بن سالم قال: سمعت معتمر بن سليمان التيمي قال: سقط بيت لنا كان أبي يكون فيه فضرب فسطاطاً فكان فيه حتى مات. فقيل له: لو بنيته. فقال: الأمر أعجل من ذاك، غداً الموت. عن يحيى بن سعيد القطان قال: مكث سليمان التيمي في قبة لبود ثلاثين سنة أو نحواً من ثلاثين.

_ 528 - هو: سليمان بن طرفان التيمي، أبو المعتمر البصري، نزل في التيم فنسب إليهم، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة ثلاث وأربعين وهو ابن سبع وتسعين.

محمد بن عبد الله الأنصاري قال: كان التيمي عامة زمانه يصلي العشاء والصبح بوضوء واحد وليس وقت صلاة إلا وهو يصلي، وكان يسبح بعد العصر إلى المغرب، ويصوم الدهر. أبو علي البصري عن معمر، مؤذن التيمي، قال: صلى إلى جنبي سليمان التيمي العشاء الآخرة وسمعته يقرأ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} الملك: 1 قال: فلما أتى على هذه الآية: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الملك: 27 جعل يرددها حتى خف أهل المسجد وانصرفوا. قال: فخرجت وتركته. قال: وعدت لأذان الفجر فإذا هو في مقامه. قال: فتسمعت فإذا هو لم يجزها وهو يقول: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . الفضيل بن عياض قال: قيل لسليمان التيمي أنت أنت من مثلك؟ قال: لا تقولوا هكذا لا أدري ما يبدو لي من ربي عز وجل؟ سمعت الله تعالى يقول: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} الزمر. عن إبراهيم بن إسماعيل قال: كان بين سليمان التيمي وبين رجل شيء فنازعه، فتناول الرجل سليمان فغمز بطنه فجفت يد الرجل. الأصمعي عن معتمر عن أبيه قال: إن الرجل ليذنب الذنب فيصبح وعليه مذلته. ضمرة قال: السري بن يحيى حدثناه قال: قدح سليمان التيمي عينه قال: فنهاه الطبيب أن يمس ماء قال: فمس فرجه قال: وكان يرى الوضوء من مس الفرج. قال: فنزع القطنة عن عينه وتوضأ وأعاد القطنة على حالها. قال: فجاء الطبيب فنظر فلم ير شيئاً ينكر. قال: انظر هل ترى شيئاً؟ قال: ما أرى شيئاً أنكره. قال: فإني قد توضأت. قال: فإن الله قد رزقك العافية. سوار بن عبد الله قال: سمعت المعتمر يقول: قال لي أبي حين حضره الموت: يا معتمر حدثني بالرخص لعلي ألقى الله عز وجل وأنا حسن الظن به. عن رقبة قال: رأيت رب العزة في المنام فقال: وعزتي لأكرمن مثوى سليمان، يعني التيمي. وبلغنا من طريق آخر عن رقبة أنه قال: رأيت رب العزة تبارك وتعالى في النوم فقال: يا رقبة وعزتي وجلالي لأكرمن مثوى سليمان التيمي فإنه صلى أربعين سنة على ظهر العتمة،

قال: فجئت إلى سليمان فحدثته فقال: أنت رأيت هذا؟ قلت: نعم، قال: لأحدثنك بمائة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جئتني به من البشارة. قال: فلما كان بعد مديدة مات فرأيته مات في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدناني وقربني وغلفني بيده وقال: هكذا أفعل بأبناء ثلاث وثمانين. أسند سليمان التيمي عن أنس بن مالك وعن أبي مالك النهدي وأبي مجلز والحسن وابن سيرين وأبي العالية في آخرين وتوفي بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائة.

داود بن أبي هند

529 - داود بن أبي هند يكنى أبا بكر، مولى لآل الأعلم القشيريين وكان يفتي في زمان الحسن. واسم أبي هند: دينار. عن عمرو بن علي قال: سمعت ابن أبي عدي يقول: صام داود أربعين سنة لا يعلم به أهله. وكان خزازاً يحمل معه غداءه من عندهم فيتصدق به في الطريق ويرجع عشياً فيفطر معهم. سفيان قال: سمعت داود بن أبي هند يقول: أصابني يعني الطاعون فأغمي علي فكأن اثنين أتياني فغمز أحدهما عكدة لساني وغمز الآخر أخمص قدمي فقال: أي شيء تجد؟ فقال: تسبيحاً وتكبيراً وشيئاً من خطو إلى المسجد وشيئاً من قراءة القرآن. قال: ولم أكن أخذت القرآن حينئذ، وكنت أذهب في الحاجة فأقول: لو ذكرت الله حتى آتي حاجتي فعوفيت فأقبلت على القرآن فتعلمته. أسند داود عن أنس بن مالك، وروى عن كبار التابعين كسعيد بن المسيب وابي عثمان النهدي وأبي العالية والحسن وغيرهم، وتوفي في سنة تسع وثلاثين ومائة.

_ 529 - هو: داود بن أبي هند القشيري مولاهم، أبو بكر أو أبو محمد البصري، ثقة متقن كان يهم بأخرة، من الخامسة مات سنة أربعين وقيل قبلها.

عاصم بن سليمان الأحول

530 - عاصم بن سليمان الأحول يكنى أبا عبد الرحمن مولى لبني تميم كان قاضياً بالمدائن في خلافة أبي جعفر، وكان على الحسبة في المكاييل والموازين بالكوفة.

_ 530 - هو: عاصم بن سليمان الأحول، أبو عبد الرحمن البصري، ثقة لم يتكلم فيه إلا ابن القطان فكأنه بسبب دخوله في الولاية، مات بعد سنة أربعين

محمد بن عباد قال: حدثني أبي قال: ربما رئي عاصم الأحول وهو صائم ثم يفطر فإذا صلى العشاء تنحى فصلى فلا يزال يصلي الفجر لا يضع جنبه. أسند عاصم عن أنس بن مالك وعبد الله بن سرجس، وروى عن أبي عثمان النهدي وابن سيرين وغيرهما، وتوفي سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة.

يونس بن عبيد

531 - يونس بن عبيد يكنى أبا عبد الله. مولى لعبد القيس. رسته قال: سمعت زهيراً يقول: كان يونس بن عبيد خزازاً فجاء رجل يطلب ثوباً فقال لغلامه: انشر الرزمة. فنشر الغلام الرزمة وضرب بيده عليها وقال: صلى الله على محمد. ارفعه ارفعه، وأبى أن يبيعه مخافة أن يكون مدحه. مؤمل بن إسماعيل قال: جاء رجل من أهل الشام إلى سوق الخزازين فقال مطرف: بأربعمائة. فقال يونس بن عبيد: عندنا بمائتين. فنادى مند بالصلاة فانطلق يونس إلى بني قشير ليصلي بهم. فجاء وقد باع ابن أخيه المطرف من الشامي بأربعمائة. فقال يونس: ما هذه الدراهم؟ قال: ذلك المطرف بعناه من هذا الرجل. قال يونس: يا عبد الله المطرف الذي عرضت عليك بمائتي درهم، فإن شئت فخذه وخذ مائتين، وإن شئت فدعه. قال: من أنت؟ قال: رجل من المسلمين. قال: بل أسألك بالله من أنت وما اسمك؟ قال: يونس بن عبيد. قال: فوالله إنا لنكون في نحر العدو فإذا اشتد الأمر علينا قلنا: اللهم رب يونس فرج عنا. أو شبيه هذا. فقال يونس: سبحان الله سبحان الله. بشر بن المفضل قال: جاءت امرأة بمطرف خز إلى يونس بن عبيد فألقته إليه تعرضه عليه في السوق. فنظر إليه فقال لها: بكم؟ قالت: بستين درهماً. قال: فألقاه إلى جار له: كيف تراه بعشرين ومائة؟ قال: أرى ذلك ثمنه أو نحواً من ثمنه. قال: فقال لها: اذهبي فاستأمري أهلك في بيعه بخمس وعشرين ومائة. قالت: قد أمروني أن أبيعه بستين. قال: ارجعي إليهم فاستأمريهم.

_ 531 - هو: يونس بن دينار العبدي، أبو عبيد البصري، أبو عبيد البصري، ثقة ثبت فاضل ورع، من الخامسة، مات سنة تسع وثلاثين.

أسماء بن عبيد قال: سمعت يونس بن عبيد يقول: ليس شيء أعز من شيئين: درهم طيب ورجل يعمل على سنة. قال: وسمعت يونس يقول: إنما هما درهمان، درهم أمسكت عنه حتى طال لك فأخذته، ودرهم وجب لله وجل عليك فيه حق فأديته. جعفر بن برقان قال: بلغني عن يونس بن عبيد فضل وصلاح فكتبت إليه: يا أخي بلغني عنك فضل وصلاح فأحببت أن أكتب إليك، فاكتب إلي بما أنت عليه. فكتب إلي: أتاني كتابك تسألني أن أكتب إليك بما أنا عليه، وأخبرك أني عرضت على نفسي أن تحب للناس ما تحب لها وأن تكره لهم ما تكره لها فإذا هي من ذلك بعيد ثم عرضت عليها مرة أخرى ترك ذكرهم إلا من خير فوجدت الصوم في اليوم الحار الشديد الحر بالهواجر بالبصرة أيسر عليها من ترك ذكرهم، هذا أمري - يا أخي - والسلام. عن سلام بن أبي مطيع أو غيره قال: ما كان يونس بأكثرهم صلاة ولا صوماً ولكن لا والله ما حضر حق من حقوق الله عز وجل إلا وهو متهيئ له. إسحاق بن إبراهيم قال: نظر يونس بن عبيد إلى قدميه عند موته فبكى فقيل له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: قدماي لم تغبرا في سبيل الله عز وجل. قال غسان: وحدثنا سعيد بن عامر عن يونس بن عبيد قال: إنك تكاد تعرف ورع الرجل في كلامه إذا تكلم. مبارك بن فضالة عن يونس بن عبيد قال: لا تجد شيئاً من البر واحداً يتبعه البر كله غير اللسان فإنك تجد الرجل يكثر الصيام ويفطر على الحرام، ويقوم الليل ويشهد بالزور، وذكر شيئاً نحو هذا، ولكن لا تجده لا يتكلم إلا بحق فيخالف ذلك علمه أبداً. غسان بن المفضل قال: حدثني بعض أصحابنا من البصريين قال: جاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقاً من حاله ومعاشه واغتماماً منه بذلك فقال له يونس: أيسرك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف؟ قال: لا. قال: فسمعك الذي تسمع به يسرك به مائة ألف؟ قال: لا. قال: فؤادك الذي تعقل به يسرك به مائة ألف؟ قال: لا. قال: فيداك يسرك بهما مائة ألف؟ قال: لا. فرجلاك؟ قال: فذكره نعم الله عز وجل عليه. فأقبل عليه يونس فقال: أرى لك مئين ألوفاً وأنت تشكو الحاجة.

عن حماد بن زيد قال: شكا رجل إلى يونس بن عبيد وجعاً يجده في بطنه فقال له يونس: يا عبد الله هذه دار لا توافقك، فالتمس داراً توافقك. عن جسر قال: دخلت على يونس بن عبيد فقال: منذ دخلت علينا قد مضى من آجالنا. أمية بن بسطام قال: جاءت يونس بن عبيد امرأة بجبة خز فقالت له: اشترها فقال: بكم تبيعينها؟ قالت: بخمس مائة. قال: هي خير من ذلك. قالت: بستمائة. قال: هي خير من ذلك. فلم يزل يقول: هي خير من ذلك حتى بلغت ألفاً وقد بذلتها بخمس مائة. قال أمية: وكان يونس بن عبيد يشتري الابرسيم من البصرة فيبعث به إلى وكيله بالسوس. فكان وكيله يبعث إليه بالخز. فإن كتب وكيله إليه: أن المتاع عندهم زائد لم يشتر منهم أبداً حتى يخبرهم أن وكيله كتب إليه أن المتاع عندهم زائد. أمية قال: كان يونس بن عبيد إذا طلب المتاع أرسل وكيله بالسوس أن أعلم من تشتري منه أن المتاع يطلب. وكلاماً ذا معناه. أحمد بن سعيد الدارمي قال: سمعت النضر بن شميل وسعيد بن عامر يقولان: غلا الحرير. وقال أحدهما: بالخز في موضع كان إذا غلا هناك غلا بالبصرة. وكان يونس بن عبيد خزازاً علم بذلك فاشترى من رجل متاعاً بثلاثين ألفاً فلما كان بعد ذلك قال لصاحبه: هل كنت قد علمت أن المتاع قد غلا بأرض كذا وكذا؟ قال: لا ولو علمت لم أبع قال: هلم هلم إلى مالي وخذ مالك. ورد عليه الثلاثين ألفاً. عبيد الله بن سلام الباهلي قال: سمعت يونس بن عبيد يقول: لو أصبت درهماً حلالاً من تجارة لاشتريت به براً ثم صيرته سويقاً ثم سقيته المرضى. ضمرة عن ابن شوذب قال: اجتمع يونس بن عبيد وعبد الله بن عون فتذاكروا الحلال. فكلاهما يقول ما أرى في بيتي درهماً حلالاً. سليمان بن المغيرة قال: سمعت يونس بن عبيد يقول: ما أعلم شيئاً أقل طيب ينفقه صاحبه في حق، أو أخ يسكن إليه في الإسلام وما يزدادان إلا قلة. عن هشام بن حسان قال: ما رأيت أحداً يطلب بالعلم وجه الله عز وجل إلا يونس بن عبيد.

عن ضمرة عن ابن شوذب قال: سمعت يونس بن عبيد يقول: خصلتان إذا صلحتا من العبد صلح ما سواهما من أمره: صلاته ولسانه. حماد بن زيد قال: مرض يونس بن عبيد فقال أيوب السخيتاني: ما في العيش بعدك من خير. سكن الحرشي قال: جاءني يونس بن عبيد بشاة فقال: بعها وابرأ من أنها تقلب العلف وتنزع الوتد ولا تبرأ بعد ما تبيع بل قل لمن تبيع. حماد بن سلمة قال: سمعت يونس بن عبيد يقول: ما أهم رجلاً كسبه إلا أهمه أين يضعه. قال ابن عائشةك وثنا سعيد بن عامر قال: قال يونس بن عبيد: ما لي تضيع لي الدجاجة فأجد لها وتفوتني الصلاة فلا أجد لها. منصور بن بشر قال: سمعت يونس بن عبيد يقول: ما من الناس أحد يكون لسانه منه على بال إلا رأيت ذلك صلاحاً في سائر عمله. عن معاذ بن الأعلم عن يونس ابن عبيد قال: ما شبهت الدنيا إلا كرجل نائم في منامه ما يكره وما يحب، فبينما هو كذلك إذا انتبه. بشر بن الحارث قال: قال يونس بن عبيد: إني لأعرف مائة خصلة من البر ما في منها واحدة. حماد بن زيد قال: قال لنا يونس بن عبيد: احفظوا عني ثلاثاً مت أو عشت: لا يدخلن أحدكم على سلطان يعظه، ولا يخل بامرأة شابة وإن أقرأها القرآن، ولا يمكن سمعه من ذي هوى. أسند يونس بن عبيد عن أنس بن مالك وروى كثيراً عن الحسن وابن سيرين وعطاء وعكرمة ونظرائهم، وتوفي في سنة تسع وثلاثين ومائة. قيل سنة أربع وثلاثين.

عبد الله بن عون بن أرطبان

532 - عبد الله بن عون بن أرطبان يكنى أبا عون مولى عبد الله بن ذرة المزني. بكار قال: ما رأيت ابن عون بمازح أحداً ولا يماري أحداً. وكان مشغولاً بنفسه. وكان

_ 532 - هو: عبد الله بن عون بن أرطبان، أبو عون البصري، ثقة ثبت فاضل من أقران أيوب في العلم والعمل والسن، من السادسة، مات سنة خمسين على الصحيح.

إذا صلى الغداة مكث مستقبلاً القبلة في مجلسه يذكر الله عز وجل فإذا طلعت الشمس صلى ثم أقبل على أصحابه وما رأيته شاتماً أحداً قط عبداً ولا أمة ولا دجاجة ولا شاة ولا رأيت أحداً أملك للسانه منه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً حتى مات. وكان إذا توضأ لا يعينه أحد وكان طيب الريح لين الكسوة وكان إذا خلا في منزله إنما هو صامت لا يزيد على الحمد لله ربنا وما رأيته دخل حماماً قط وكان إن وصل إنساناً بشيء وصله سراً، وإن صنع شيئاً صنعه سراً يكره أن يطلع عليه أحد وكان له سبع يقرؤه كل ليلة فإذا لم يقرأه بالليلة أتمه بالنهار وكان لا يحفي شاربه وكان يأخذه أخذاً وسطاً. سعيد بن عامر قال: لم تر بعينيك كوفياً ولا بصرياً مثل ابن عون يحيى القطان قال: ما ساد ابن عون الناس أن كان أتركهم للدنيا ولكن ابن عون إنما ساد الناس بحفظ لسانه. معاذ بن معاذ قال: حدثني غير واحد من أصحاب يونس بن عبيد قال: إني لأعرف رجلاً منذ عشرين سنة يتمنى أن يسلم له يوم من أيام ابن عون فلا يقدر عليه، وليس ذلك أن يسكت رجل يوماً لا يتكلم، ولكن يتكلم فيسلم كنا يسلم ابن عون. بكار بن محمد قال: صحبت ابن عون دهراً من الدهر حتى مات وأوصى إلى أبي، فما سمعته حالفاً على يمين برة ولا فاجرة حتى فرق بيننا الموت. ابن مهدي قال: ما كان بالعراق أحد أعلم بالسنة من ابن عون. أبو بكر بن أصرم قال: قيل لابن المبارك ابن عون بما ارتفع؟ قال: بالاستقامة. عن خارجة، يعني ابن مصعب، قال: صحبت عبد الله يعني ابن عون أربعاً وعشرين سنة فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة. محمد بن إسحاق الثقفي قال: سمعت محمد بن عبيد الله المنادي يقول: سمعت روحاً يعني اب عبادة يقول: ما رأيت رجلاً أعبد من ابن عون. بكار بن محمد قال: كان ابن عون لا يغضب وإذا أغضبه الرجل قال: بارك الله فيك. الأصمعي عن ابن عون قال: لو أن رجلاً انقطع إلى هؤلاء الملوك في الدنيا لانتفع فكيف بمن ينقطع إلى من له السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى؟. أبو مالك بشر بن الحسن قال: نازع ابن عون رجل فقال: لولا أن يكتب علي لقلت.

حماد بن زيد عن ابن عون قال: كانت له حوانيت يكريها. فكان لا يكريها من المسلمين. فقيل له في ذلك فقال: إن لهذا إذا جاء رأس الشهر روعة وإني أكره أن أروع المسلم. هشام بن حسان قال: حدثني من لم تر عيناي مثله فقلت في نفسي اليوم يستبين فضل الحسن وابن سيرين. قال: فأشار بيده إلى ابن عون وهو جالس. قال الربالي: فذكرته للخليل بن شبان فقال: سمعت عمر بن حبيب يقول: عثمان البتي يقول: ما رأت عيناي مثل ابن عون. محمد بن عمر بن حرب قال: قال لنا بعض أصحابنا عن ابن عون أن نادته أمه فأجابها فعلا صوته صوتها فأعتق رقبتين. قرة بن خالد قال: كنا نعجب من ورع ابن سيرين فأنساناه ابن عون. أبو عاصم قال: سألت ابن عون فقلت: حدثني بهذا الحديث إن خف عليك. فقال: لا تقل: إن خف. فقلت له: لمه؟ قال: أكره أن أحدثك ولا يخف علي فيكون على خلاف ما سألت. أبو بكر المروزي قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل، وذكر ابن عون، فقال: كان لا يكري دوره من المسلمين. قلت: لأي علة؟ قال: لئلا يروعهم. قال: وكان لابن عون جمل يستقي الماء فإذا غلام ابن عون قد ضرب الجمل فذهب بعينه فجاء الغلام وقد أرعب وظن أنهم قد شكوه. فلما رآه قد أرعب قال: اذهب فأنت حر لوجه الله عز وجل. أشعث بن سعيد قال: قال ابن عون: لن يصيب العبد حقيقة الرضا حتى يكون رضاه عند الفقر كرضاه عند الغنى، كيف تستقضي الله في أمرك ثم تسخط إن رأيت قضاءه مخالفاً لهواك ولعل ما هويت من ذلك لو وفق لك فيه هلكك، وترضى قضاءه إذا وافق هواك؟ ما أنصفت من نفسك ولا أصبت باب الرضا. محمد بن عيسى قال: قدم ابن المبارك قدمة فقيل له: إلى أين تريد؟ قال: إلى البصرة. قيل له: من بقي؟ قال: ابن عون آخذ من أخلاقه، آخذ من آدابه. أدرك ابن عون أنس بن مالك وصحبه ويقال إنه أسند عنه وروى عن الحسن وابن سيرين وأبي رجاء العطاردي والقاسم بن محمد ومجاهد ونافع في آخرين.

محمد بن سعد قال: أخبرنا بكار قال: كان ابن عون في مرضه أصبر من أنت راء، ما رأيته يشكو شيئاً من علته حتى مات، ومات في رجب سنة إحدى وخمسين ومائة.

هشام بن حسان

533 - هشام بن حسان أبو عبد الله القردوسي من الأزد. حماد بن زيد قال: حدثتني فارسية كانت تكون مع هشام في الدار قالت: أي ذنب عمل هذا، من قتل هذا؟ الليل كله يبكي. روى هشام عن عطاء وغيره وقال: جاورت الحسين عشر سنين، وتوفي في أول يوم من صفر سنة ثمان وأربعين ومائة. وقيل سنة سبع وأربعين ومائة.

_ 533 - هو: هشام بن حسان الأزدي القردوسي - بالقاف وضم الدال - أبو عبد الله البصري، ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما، من السادسة مات سنة سبع - أو ثمان - وأربعين.

عمران بن مسلم القصير

534 - عمران بن مسلم القصير أبو معاوية الغلابي قال: حدثني رجل قال: كان عمران القصير يقول لجلسائه: ألا حر كريم يصبر أياماً قلائل؟ عبد الله بن مغيث بن سعدان اليشكري قال: حدثتني أمينة بنت عمران من أبيها، وكان قد عاهد الله أن لا ينام بليل أبداً إلا مستغلباً، قالت: قال إني حببت إلي طاعة الله تعالى طول الحياة ولولا الركوع والسجود وقراءة القرآن ما باليت أن لا أعيش في الدنيا فواقاً. قالت: فلم يزل مجهوداً على ذلك حتى مات رحمه الله. قالت: فرأيته في منامي فقلت: يا أبت إنه لا عهد لي بك منذ فارقتنا قال: يا بنية وكيف تعهدين من فارق الحياة وصار إلى ضيق القبور وظلمتها؟ قالت: فقلت: يا أبت كيف حالك منذ فارقتنا؟ قال: خير حال بؤئنا المنال ومهدت لنا المضاجع ونحن ها هنا يغدى ويراح برزقنا من الجنة. قالت: فقلت: فما الذي بلغك هذا؟ قال: الصبر الصالح وكثرة التلاوة لكتاب الله تعالى. ذكر هذه الحكاية أبو نعيم في ترجمة عمران القصير، وقد ذكرها ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات عن عمران ابن زيد.

_ 534 - هو: عمران بن مسلم المقري - بكسر الميم وسكون النون - أبو بكر القصير، البصري، صدوق ربما وهم، قيل: هو الذي روى عن عبد الله بن دينار، بل هو غيره، وهو مكي من السادسة.

عبد الله بن مغيث اليشكري قال: حدثتني أمينة بنت عمران بن زيد عن أبيها. فذكر الحكاية. وهذا عمران بن زيد هو أبو يحيى الملائي الطويل، وهذا أليق بالصواب. أسند عمران القصير عن أنس بن مالك وعن كبار التابعين كالحسن وابن سيرين وأبي رجاء العطاردي ونافع ونظرائهم.

كهمس بن الحسن القيسي

535 - كهمس بن الحسن القيسي يكنى أبا عبيد الله. الهيثم بن معاوية عن شيخ من أصحابه قال: كان كهمس يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة فإذا مل قال لنفسه: قومي يا مأوى كل سوء فوالله ما رضيتك لله ساعة قط. عبد الملك بن قريب قال: كان كهمس يعمل في الجص كل يوم بدانقين، فإذا أمسى اشترى به فاكهة فأتى بها إلى أمه. يحيى بن كثير صاحب البصري قال: اشترى كهمس دقيقاً بدرهم فأكل منه، فلما طال عليه كاله فإذا هو كما وضعه فجعل بعد لا يأخذ منه شيئاً إلا نقص حتى فني. موسى بن هلال العبدي قال: قال لي كهمس بمكة: كان لي جار يشتري هذا التمر والرطب ويسأل لي عن الحوائط فمذ مات تركت التمر. أحمد بن الفتح قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: خرج يوماً كهمس ومعه دينار فسقط منه وطلبه فوجده. قال: فتركه وقال: لعل هذا الدينار غير ذاك الدينار، وأكل ذات يوم سمكاً فأخذ من حائط جاره طيناً فغسل به يده فقال: أنا اليوم منذ أربعين سنة أبكي على ذاك الطين لم أخذته بغير علمه؟. عمارة بن زازان قال: قال لي كهمس بن الحسن: يا أبا سلمة أذنبت ذنباً وأنا أبكي عليه أربعين سنة. قلت وما هو يا أبا عبد الله؟ قال: زارني أخ لي فاشتريت له سمكاً بدانق فلما أكل قمت إلى حائط جار لي فأخذت منه قطعة طين فغسل بها يده، فأنا أبكي عليه منذ أربعين سنة. أبو عطاء الرملي قال: كان كهمس يقول في جوف الليل: أتراك معذبي وأنت قرة عيني يا حبيب قلباه؟. أحمد بن الفتح قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: كان كهمس يصلي حتى يغشى عليه.

_ 535 - هو: كهمس بن الحسن التميمي، أبو الحسن البصري، ثقة من الخامسة، مات سنة تسع وأربعين.

عن إسحاق بن إبراهيم قال: دخلنا على كهمس العابد فقرب إلينا إحدى عشرة بسرة حمراء وقال: هذا الجهد من أخيكم والله المستعان. أسند كهمس عن خلق كثير من التابعين منهم: عبد الله بن شقيق العقيلي وعبد الله بن بريدة ومحمد بن عمر ومصعب بن ثابت. وكان مشغولاً بخدمة أمه مع تعبده، فلما ماتت خرج إلى مكة فأقام إلى أن مات هناك.

حبيب أبو محمد الفارسي

536 - حبيب أبو محمد الفارسي كان مجاب الدعوى حضر مجلس الحسن فتأثر بموعظته فخرج عما كان يملك. يونس بن محمد قال: سمعت مشيخة يقولون: وكان الحسن يجلس في مجلسه الذي يذكر فيه في كل يوم، وكان حبيب أبو محمد يجلس في مجلسه الذي يأتيه فيه أهل الدنيا والتجار وهو غافل عما فيه الحسن لا يلتفت إلى شيء من مقالته. إلى أن التفت إليه يوماً فذكره الحسن بالجنة وخوفه من النار فانصرف من عنده فلم يزل في تبديد ماله حتى لم يبق له شيء ثم جعل بعد يستقرض على الله. قال يونس: وجاء رجل إلى أبي محمد فشكا إليه ديناً عليه فقال: اذهب فاستقرض وأنا أضمن. فأتى رجلاً فأقرضه خمس مائة درهم وضمنها أبو محمد. ثم جاء الرجل فقال: يا أبا محمد دراهمي، فقد أضر بي حبسها. فقال: نعم غداً. فتوضأ أبو محمد ودخل المسجد ودعا الله تعالى. وجاء الرجل فقال له: اذهب فإن وجدت في المسجد شيئاً فخذه. فذهب فإذا في المسجد صروة فيها خمس مائة درهم فذهب فوجدها تزيد على خمس مائة فرجع إليه فقال: يا أبا محمد تلك الدراهم تزيد. فقال اذهب فهي لك، من وزنها وزنها راجحة. جعفر بن سليمان قال: سمعت حبيباً يقول: أتانا سائل وقد عجنت عمرة وذهبت تجيء بنار تخبزه فقلت للسائل: خذ العجين فاحتمله. فجاءت عمرة فقالت: أين العجين؟ فقلت: ذهبوا به يخبزونه. قال: فلما أكثرت علي أخبرتها فقالت: سبحان الله لا بد لنا من شيء نأكله قال: فإذا رجل قد جاء بجفنة عظيمة مملوءة خبزاً ولحماً. فقالت عمرة: ما أسرع ما ردوه عليك قد خبزوه وجعلوا معه لحماً.

_ 536 - هو: حبيب أبو محمد الفارسي، من ساكني البصرة، كان صاحب كرامات، مجاب الدعوات، حاية الأولياء 6/161.

جعفر قال: كان حبيب أبو محمد رقيقاً من أكثر الناس بكاء. فبكى ذات ليلة كثيراً فقالت عمرة بالفارسية: لم تبكي يا أبا محمد؟ فقال لها حبيب: دعيني فإني أريد أن أسلك طريقاً لم أسلكه قبل. قال: وسمعت حبيباً يقول والله إن الشيطان ليلعب بالقراء كما يلعب الصبيان بالجوز. ولو أن الله دعاني يوم القيامة فقال: يا حبيب فقلت: لبيك، فقال: جئني بصلاة يوم أو صوم يوم أو ركعة أو سجدة أو تسبيحة اتقيت عليها من إبليس أن يكون طعن فيها طعنة فأفسدها، ما استطعت. وسمعت حبيباً يقول: لا تقعدوا فراغاً فإن الموت يليكم. جميل أبو علي قال: قال حبيب: إن من سعادة المرء إذا مات ماتت معه ذنوبه. خلف بن الوليد قال: اشترى حبيب الفارسي نفسه من ربه أربع مرات بأربعين ألف درهم. أخرج بدرة فقال: يا رب اشتريت منك نفسي بهذه. ثم أخرج بدرة أخرى فقال: إلهي إن كنت قبلت تلك فهذه شكر لها. ثم أخرج الثالثة فقال: إلهي إن كنت لم تقبل الأولى والثانية فاقبل هذه. ثم أخرج الرابعة فقال: إلهي إن كنت قبلت الثالثة فهذه شكر لها. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: كان حبيب أبو محمد يأخذ متاعاً من التجار يتصدق به فأخذ مرة فلم يجد شيئاً يعطيهم فقال: يا رب كأنه، أي ينكسر وجهي عندهم فدخل فإذا هو بجوالق من شعر كأنه نصب من أرض البيت إلى قريب السقف مملوءاً دراهم فقال: يا رب ليس أريد هذا، فأخذ حاجته وترك البقية. مسلم بن إبراهيم قال: إن رجلاً أتى حبيباً فقال: إن لي عليك ثلاثمئة درهم قال: من أين؟ قال: لي عليك ثلاثمئة درهم. قال حبيب: اذهب إلى غد. فلما كان من الليل توضأ وصلى وقال: اللهم إن كان صادقاً فأد إليه وإن كان كاذباً فابتله في بدنه. قال: فجيء بالرجل من غد قد حمل وقد ضرب شقه الفالج. فقال: ما لك؟ قال: أنا الذي جئتك بالأمس، لم يكن لي عليك شيء وإنما قلت يستحيي من الناس فيعطيني. فقال له: تعود؟ قال: اللهم إن كان صادقاً فألبسه العافية. فقام الرجل على الأرض كأن لم يكن به شيء. عن السري بن يحيى قال: اشترى أبو محمد حبيب طعاماً في مجاعة أصابت الناس فقسمه على المساكين ثم خاط أكيسة فجعلها تحت فراشه ثم دعا الله فجاء أصحاب الطعام يتقاضونه فأخرج تلك الأكيسة فإذا هي مملوءة دراهم فوزنها فإذا هي حقوقهم فدفعها إليهم.

عن السري بن يحيى قال: كان حبيب أبو محمد يرى يوم التروية بالبصرة ويرى يوم عرفة بعرفات. عن حماد قال: شهدت حبيباً الفارسي يوماً فجاءته امرأة فقالت: يا أبا محمد. كأنها طلبت منه شيئاً. فقال لها: كم لك من العيال؟ فقالت: كذا وكذا. فقام حبيب أبو محمد إلى وضوئه فتوضأ ثم جاء إلى مصلاه فصلى بخضوع وسكون. فلما فرغ قال: يا رب إن الناس يحسنون ظنهم بي وذاك من سترك علي فلا تخلف ظنهم بي، ثم رفع حصيره فإذا بخمسين درهماً فأعطاه إياها. ثم قال: يا حماد اكتم ما رأيت حياتي. عبد الواحد بن زيد قال: كنا عند مالك بن دينار ومعنا محمد بن واسع وحبيب أبو محمد. فجاء رجل فكلم مالكاً فأغلظ في قسمة قسمها وقال: وضعتها في غير حقها وتتبعت بها أهل مجلسك ومن يغشاك لتكثر غاشيتك وتصرف وجوه الناس إليك. قال: فبكى مالك وقال: والله ما أردت هذا. قال: بلى والله لقد أردت هذا. فجعل مالك يبكي والرجل يغلظ له. فلما كثر ذلك عليهم رفع حبيب يديه إلى السماء ثم قال: اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك فأرحنا منه كيف شئت. قال: فسقط والله الرجل على وجهه ميتاً فحمل إلى أهله على سرير، وكان يقال: إن أبا محمد مستجاب الدعوة. أبو قرة محمد بن ثابت قال: قال حبيب أبو محمد: لا قرة عين لمن لم تقر عينه بك، ولا فرح لمن لم يفرح بك. وعزتك إنك لتعلم أني أحبك. عبيد الله بن محمد التيمي قال: أصحابنا قالوا: كان حبيب أبو محمد يخلو في بيته ويقول: من لم تقر عينه بك فلا قرت، ومن لم يأنس بك فلا أنس. إسماعيل بن زكريا. وكان جاراً لحبيب أبي محمد، قال: كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه وإذا أصبحت سمعت بكاءه. فأتيت أهله فقلت: ما شأنه يبكي إذا أمسى ويبكي إذا أصبح. قال: فقالت لي: يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح، وإذا أصبح أن لا يمسي. أبو زكريا قال: قالت امرأة حبيب أبي محمد كان يقول: إن مت اليوم فأرسلي إلى فلان يغسلني وافعلي كذا واصنعي كذا. فقيل لامرأته أرأى رؤيا؟ قالت: هذا يقوله كل يوم. عن عبد الواحد بن زيد أن حبيباً أبا محمد جزع جزعاً شديداً عند الموت فجعل يقول بالفارسية: أريد أن أسافر سفراً ما سافرته قط، أريد أن أسلك طريقاً ما سلكته قط، أريد أن

أزور سيدي ومولاي وما رأيته قط، أريد أن أشرف على أهوال ما شاهدت مثلها قط، أريد أن أدخل تحت التراب فأبقى تحته إلى يوم القيامة. ثم أوقف بين يدي الله فأخاف أن يقول لي: يا حبيب هات تسبيحة واحدة سبحتني في ستين سنة لم يظفر بك الشيطان فيها بشيء. فماذا أقول وليس لي حيلة أقول: يا رب هو ذا قد أتيتك مقبوض اليدين إلى عنقي. قال عبد الواحد: هذا عبد الله ستين سنة مشتغلاً به ولم يشتغل من الدنيا بشيء قط فأي شيء حالنا؟ واغوثاه بالله. أحمد بن عبد الله قال: كان حبيب مشغولاً بالتعبد ولا نعرف له حديثاً مسنداً. قال: وقد قيل أنه أسند عن الحسن وابن سيرين وهو وهم من قائله، فإن حبيباً الذي أسند عنهما حبيب المعلم ويحفظ له حكاية عن الفرزدق.

عبد الواحد بن زيد

537 - عبد الواحد بن زيد حاتم بن سليمان قال: شهدت عبد الواحد بن زيد في جنازة حوشب فلما دفن قال: رحمك الله يا أبا بشر فلقد كنت حذراً من مثل هذا اليوم رحمك الله يا أبا بشر فلقد كنت من الموت جزعاً أما والله لئن استطعت لأعملن رجلي بعد مصرعك هذا. قال: ثم شمر بعد واجتهد. الحارث بن عبيد قال: كان عبد الواحد بن زيد يجلس إلى جنبي عند مالك بن دينار فكنت لا أفهم كثيراً من موعظة مالك لكثرة بكاء عبد الواحد. زيد بن عمر قال: شهدت مجلس عبد الواحد بن زيد بعد العصر فكنت أنظر إلى منكبيه ترتعد ودموعه تتحدر على لحيته وهو ساكت والناس يبكون فقال: ألا ستتحيون من طول ما لا تستحيون؟ وفي القوم فتى فغشي عليه فما أفاق حتى غربت الشمس. فأفاق هو يقول: ما لي ما لي؟ كأنه يعمي على الناس أمره. ثم خرج فتوضأ. مسمع بن عاصم قال: شهدت عبد الواحد ذات يوم وهو يعظ. قال: فمات يومئذ في ذلك المجلس أربعة أنفس قبل أن يقوم. قال مسمع: فأنا شهدت جنازة بعضهم.

_ 537 - هو: عبد الواحد بن زيد البصري الزاهد، شيخ الصوفية وواعظهم، قال البخاري: عبد الواحد صاحب الحسن تركوه، وقال الجوزجاني: سيئ المذهب، ليس من معادن الصدق، ميزان الإعتدال 4/424.

مالك بن ضيغم قال: سمعت بكر بن مصاد يقول: عبد الواحد بن زيد يقول: إخوتاه ألا تبكون شوقاً إلى الله عز وجل؟ ألا إنه من بكي شوقاً إلى سيده لم يحرمه النظر إليه، يا إخوتاه ألا تبكون خوفاً من النار؟ ألا إنه من بكى خوفاً من النار أعاذه الله منها. يا إخوتاه ألا تبكون؟ بلى فابكوا على الماء البارد أيام الدنيا لعله يسقيكموه في حظائر العرش مع خير الندماء والأصحاب من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. قال: ثم جعل يبكي حتى غشي عليه. حصين بن القاسم الوزان يقول: لو قسم بث عبد الواحد بن زيد على أهل البصرة لوسعهم فإذا أقبل سواد الليل فطرت إليه كأنه فرس رهان مضمر متحزم. ثم يقوم إلى محرابه كأنه رجل مخاطب. حبان الأسود قال: حدثني عبد الواحد بن زيد قال: أصابتني علة في ساقي فكنت أتحامل عليها للصلاة. قال: فقمت عليها من الليل فأجهدت وجعاً فجلست ثم لففت إزاري في محرابي ووضعت رأسي عليه فنمت فبينما أنا كذلك إذا بجارية تفوق الدمى حسناً تخطر بين جوار مزينات حتى وقفت علي وهن خلفها. فقالت لبعضهن: ارفعنه ولا تهجنه فأقبلن نحوي فاحتملنني عن الأرض وأنا أنظر إليهن في منامي. ثم قالت لغيرهن من الجواري اللائي معها: افرشنه ومهدنه ووطئن له ووسدنه. قال: ففرشن تحتي سبع حشايا لم أر لهن في الدنيا مثلاً ووضعن تحت رأسي مرافق خضراً حساناً. ثم قالت للائي حملنني: اجعلنه على الفرش رويداً لا تهجنه. قال: فجعلت على تلك الفرش وأنا أنظر إليها وما تأمر به من شأني. ثم قالت: احففنه بالريحان قال: فأتي بياسمين فحفت به الفرش. ثم قامت إلي فوضعت يدها على علتي التي كنت أجد في ساقي فمسحت ذلك المكان بيدها ثم قالت: قم شفاك الله إلى صلاتك غير مضرور. وقال: فاستيقظت والله كأني قد أنشطت من عقال فما اشتكيت تلك العلة ليلتي تلك ولا ذهبت حلاوة منطقها من قلبي: قم شفاك الله إلى صلاتك غير مضرور. أحمد بن أبي الحواري قال: قال لي أبو سليمان الداراني: أصاب عبد الواحد بن زيد الفالج فسأل الله أن يطلقه في وقت الوضوء. فإذا أراد أن يتوضأ انطلق وإذا رجع إلى سريره عاد عليه الفالج. محمد بن عبد الله الخزاعي قال: صلى عبد الواحد بن زيد الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة.

قال أبو سليمان الداراني: ذكر لي عن عبد الواحد بن زيد قال: نمت عن وردي ليلة فإذا أنا بجارية لم أر أحسن وجهً منها عليها ثياب حرير خضر وفي رجليها نعلان والنعلان يسبحان والزمامان يقدسان، وهي تقول: يا ابن زيد جد في طلبي فإني في طلبك ثم جعلت تقول: من يشتريني ومن يكن سكني ... يأمن في ربحه من الغبن فقلت: يا جارية ما ثمنك؟ فأنشأت تقول: تودد الله مع محبته ... وطول فكر يشاب بالحزن فقلت: لمن أنت يا جارية؟ فقالت: لمالك لا يرد لي ثمناً ... من خاطب قد أتاه بالثمن فانتبه وآلى على نفسه أن لا ينام الليل. أسند عبد الواحد عن الحسن البصري وأسلم الكوفي.

عطاء السليمي

538 - عطاء السليمي أبو عبد الله بن أبي عبيدة قال: سمعت عفيرة تقول: لم يرفع عطاء رأسه إلى السماء ولم يضحك أربعين حجة. فرفع رأسه مرة ففتق في بطنه فتق. بشر بن منصور قالف: كنت أوقد بين يدي عطاء السليمي في غداة باردة. فقلت له: يا عطاء أيسرك الساعة لو أنك أمرت أن تلقي نفسك في هذه النار ولا تبعث إلى الحساب؟ فقال لي: إي ورب الكعبة قال: والله مع ذلك لو أمرت به لخشيت أن تخرج نفسي فرحاً قبل أن أصل إليها. نعيم بن مورع قال: كان عطاء السليمي إذا فرغ من وضوئه انتفض وارتعد وبكى بكاء شديداً فقيل له فقيل له في ذلك فقال: إني أريد أن أقدم على أمر عظيم، إني أريد أن أقوم بين يدي الله تعالى. عن صالح المري قال: كان عطاء السليمي قد أضر بنفسه حتى ضعف قال: قلت له: إنك قد أضررت بنفسك وأنا متكلف لك شيئاً فلا ترد كرامتي، قال: افعل؛ قال: فاشتريت له سويقاً

_ 538 - هو: عطاء السليمي، قتل مع ابن الأشعث، قال الذهبي: لا يدرى من عطاء هذا الذي ذكره البخاري أنه قتل مع الأشعث ولم يسند شيئا، قال ابن عدي: هذا يعد من زهاد البصرة، وله كلام دقيق في الزهد ميزان الاعتدال 5/98.

من أجود ما وجدت وسمناً فجعلت له شريبة ولينتها وحليتها وأرسلتها مع ابني وكوزاً من ماء وقلت له لا تبرح حتى يشربها. فرجع فقال: قد شربها. فلما كان من الغد جعلت له نحوها ثم سرحت بها مع ابني فرجع بها لم يشربها. قال فأتيته فلمته فقلت: سبحان الله رددت علي كرامتي؟ إن هذا مما يعينك ويقويك على الصلاة وعلى ذكر الله. قال: فلما رآني قد وجدت من ذلك قال: يا أبا بشر لا يسوءك الله قد شربتها أول ما بعثت بها فلما كان الغد راودت نفسي على أن تسيغها فما قدرت على ذلك، إذا أردت أن أشربها ذكرت هذه الآية: {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} إبراهيم فبكى صالح عند هذا وقال: قلت لنفسي: ألا أراني في واد وأنت في آخر؟. العلاء بن محمد قال: دخلت على عطاء السليمي وقد غشي عليه فقلت لامرأته أم جعفر: ما شأن عطاء؟ فقالت: سجرت جارتنا التنور فنظر إليه فخر مغشياً عليه. إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثتني عفيرة العابدة وكانت قد ذهب بصرها من العبادة قالت: كان عطاء إذا بكى بكى ثلاثة أيام وثلاث ليال. قالت عفيرة: وحدثني إبراهيم المحلمي قال: أتيت عطاء السليمي فلم أجده في بيته. قال: فنظرت فإذا هو في ناحية الحجرة جالس وإذا حوله بلل، قال: فظننت أنه أثر وضوء توضأه. فقالت: لي عجوز معه في الدار: أثر دموعه. سوار أبو عبيدة قال: قالت لي امرأة عطاء السليمي: عاتب عطاء في كثرة البكاء، فعاتبته فقال لي: يا سوار كيف تعاتبني في شيء ليس هو إلي؟ إني إذا ذكرت أهل النار وما ينزل بهم من عذاب الله وعقابه تمثلت لي نفسي بهم فكيف لنفس تغل يدها إلى عنقها وتسحب في النار؟ ألا تصيح فتبكي؟ وكيف لنفس تعذب ألا تبكي؟ ويحك يا سوار وما أقل غناء البكاء عن أهله إن لم يرحمهم الله. بشر بن منصور قال: قلت لعطاء السليمي: يا عطاء لماذا الحزن؟ قال: ويحك الموت في عنقي، والقبر بيتي، وفي القيامة موقفي، وعلى جسر جهنم طريقي، وربي لا أدري ما يصنع

بي، ثم تنفس فغشي عليه. فترك خمس صلوات. فلما أفاق أخبرته فقال: ويحك إذا ذهب عقلي تخاف علي شيئاً؟ ثم تنفس فغشي عليه فترك صلاتين. العلاء بن محمد البصري قال: شهدت عطاء السليمي خرج في جنازة فغشي عليه أربع مرات حتى صلي عليه كل ذلك يغشى عليه ثم يفيق فإذا نظر إلى الجنازة خر مغشياً عليه. بشر بن منصور قال: كنت أسمع عطاء السليمي كل عشية بعد العصر يقول: غداً عطاء في القبر. عن إبراهيم بن أدهم قال: كان عطاء يمس جسده بالليل خوفاً من ذنوبه مخافه أن يكون قد مسخ. معاوية الكندي قال: كان عطاء عند حجام والمحاجم على عنقه فمر صبي معه شعلة نار فأصابت النار الريح فسمع ذلك منها فخر مغشياً عليه فحمل إلى منزله ما يعقل. عبد الخالق قال: قال رجل لعطاء يوماً: ما هذا الذي تصنع بنفسك؟ قتلت نفساً؟ أي شيء صنعت؟ قال: اصطدت حماماً لجار لي منذ أربعين سنة، قال: ثم قال: أما إني قد تصدقت بثمنه. كأنه لم يعرفه صاحبه. عبد الخالق بن عبد الله العبدي قال: كان عطاء إذا جن عليه الليل خرج إلى المقابر فوقف على أهل القبور ثم قال: يا أهل القبور متم فواموتاه. ثم يبكي ويقول: يا أهل القبور عاينتم ما عملتم فواعملاه. فلا يزال كذلك حتى يصبح. عن حماد بن زيد قال: رجعنا من جنازة فدخلنا على عطاء السليمي فلما رآنا كأنه خائف أن يدخله شيء أي لكثرتنا. فقال: اللهم لا تمقتنا أو اللهم لا تمقتني. ثم قال: سمعت جعفر بن زيد يقول: مر رجل بمجلس فأثنوا عليه خيراً. فلما جاوزهم قام وقال: اللهم إن كان هؤلاء لا يعرفونني فأنت تعرفني. علي بن بكار قال: مكث عطاء السليمي أربعين سنة على فراشه لا يقوم من الخوف ولا يخرج. أبو جعفر بن الطباع قال: سمعت مخلداً يقول: ما رأيت أحداً كان أفضل من عطاء السليمي، ولقد كانت الفاكهة تمر لا يعلم سعرها ولا يعرفها.

عن أبي جعفر السائح قال: كان عطاء السليمي يقول: التمسوا لي هذه الأحاديث في الرخص عسى الله أن يروح عني بعض ما أنا فيه من الغم. محمد بن معاوية الأزرق قال: حدثني بعض أصحابنا قال: قيل لعطاء السليمي ما تشتهي؟ قال: أشتهي أن أبكي حتى لا أقدر على أن أبكي. قال: وكان يبكي الليل والنهار وكانت دموعه الدهر سائلة على وجهه. أبو يزيد الهدادي قال: انصرفت ذات يوم من الجمعة فإذا عطاء السليمي وعمر بن درهم يمشيان، وكان عطاء قد بكى حتى عمش، وكان عمر قد صلى حتى دبر، فقال عمر لعطاء: حتى متى نسهو ونلعب وملك الموت في طلبنا لا يكف؟ قال: فصاح عطاء صيحة خر مغشياً عليه فأنشج موضحة واجتمع الناس وعقد عمر عند رأسه فلم يزل على حاله حتى المغرب. ثم أفاق فحمل. سوار أبو عبيدة قال: انقطع عطاء السليمي قبل موته بثلاثين سنة. قال: وما رأيت عطاء إلا وعيناه تفيضان. قال: وما كنت أشبه عطاء إذا رأيته إلا بالمرأة الثكلى. قال: وكأن عطاء لم يكن من أهل الدنيا. عن صالح المري قال: كان عطاء السليمي لا يكاد يدعو إنما يدعو بعض أصحابه ويؤمن هو، قال: فحبس بعض أصحابه. فقيل له: ألك حاجة؟ قال: دعوة من عطاء أن يفرج الله عني، قال صالح: فأتيته فقلت: يا أبا محمد أما تحب أن يفرج الله عنك؟ قال: بلى والله إني لأحب ذلك، قلت: فإن جليسك فلاناً قد حبس فادع الله أن يفرج عنه. فرفع يديه وبكى وقال: إلهي قد تعلم حاجتنا قبل أن نسألكها قاقضها لنا، قال صالح: والله ما برحنا من البيت حتى دخل الرجل. صالح المري قال: قلت لعطاء السليمي ما تشتهي؟ فبكى وقال: أشتهي والله يا أبا بشر أن أكون رماداً لا تجتمع منه سفة أبداً في الدنيا ولا في الآخرة. قال صالح: فأبكاني والله وعلمت أنه إنما أراد النجاة من عسر الحساب. بشر بن منصور قال: كان عطاء السليمي يقول: رب ارحم في الدنيا عربتي، وفي القبر وحدتي وطول مقامي غداً بين يديك.

أدرك عطاء السليمي أيام أنس بن مالك. ولقي الحسن ومالك بن دينار وخلقاً من تلك الطبقة، وشغلته العبادة عن الرواية. صالح بن بشير المري قال: لما مات عطاء السليمي حزنت عليه حزناً شديداً فرأيته في منامي فقلت: يا أبا محمد ألست في زمرة الموتى؟ قال: بلى، قلت: فماذا صرت إليه بعد الموت؟ قال: صرت والله إلى خير كثير ورب غفور شكور. قال: فقلت أما والله لقد كنت طويل الحزن في دار الدنيا. فتبسم فقال: أما والله يا أبا بشر لقد أعقبني ذلك راحة طويلة وفرحاً دائماً. قلت: ففي أي الدرجات أنت؟ قال: أنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

أبو جهير مسعود الضرير

539 - أبو جهير مسعود الضرير صالح المري، وساق الحديث للحراز قال: قال مالك بن دينار. اغد علي يا أبا صالح إلى الجبان فإني قد وعدت نفراً من إخواني بأبي جهير مسعود الضرير نسلم عليه. قال صالح المري: وكان أبو جهير هذا رجلاً قد انقطع إلى زاوية يتعبد فيها ولم يكن يدخل البصرة إلا يوم الجمعة في وقت الصلاة ثم يرجع من ساعته. قال فغدوت لموعد مالك إلى الجبان فانتهيت إلى مالك وقد سبقني وإذا معه محمد بن واسع. وإذا ثابت البناني وحبيب فلما رأيتهم قد اجتمعوا قلت: هذا والله يوم سرور. قال: فانطلقنا نريد أبا جهير. قال: فكان مالك إذا مر بموضع نظيف قال: يا ثابت صل ههنا لعله أن يشهد لك غداً. فكان ثابت يصلي، قال: ثم انطلقنا حتى أتينا موضعه فسألنا عنه فقالوا: الآن يخرج إلى الصلاة. فانتظرناه قال: فخرج علينا رجل إن شئت قلت قد نشر من قبره. قال: فوثب رجل فأخذ بيده حتى أقامه عند باب المسجد ثم أمهل يسيراً ثم دخل المسجد فصلى ما شاء ثم أقام الصلاة فصلينا معه. فلما قضى صلاته جلس كهيئة المهموم فتوامر القوم في السلام عليه. فتقدم محمد بن واسع فسلم عليه فرد عليه السلام وقال: من أنت لا أعرف صوتك؟ قال: أنا من أهل البصرة. قال: ما اسمك يرحمك الله؟ قال: أنا محمد بن واسع. قال: مرحباً بك وأهلاً، أنت الذي

يقول هؤلاء القوم - وأومأ بيده إلى البصرة - إنك أفضلهم، لله أنت إن قمت بشكر ذلك. اجلس فجلس. فقام ثابت البناني فسلم عليه فرد عليه السلام وقال: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا ثابت البناني. قال: مرحباً بك يا ثابت البناني، أنت الذي يزعم أهل هذه القرية أنك من أطولهم صلاة؟ اجلس فقد كنت أتمناك على ربي. قال: فقام إليه حبيب أبو محمد فسلم عليه فرد عليه السلام وقال: من أنت رحمك الله؟ قال أنا حبيب أبو محمد. قال: مرحباً بك يا أبا محمد أنت الذي يزعم هؤلاء القوم أنك لم تسأل الله شيئاً إلا أعطاك فهلا سألته أن يخفي لك ذلك؟ اجلس يرحمك الله. قال: وأخذ بيده فأجلسه إلى جنبه: قال: فقام إليه مالك بن دينار فسلم عليه فرد عليه السلام وقال: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا مالك بن دينار. قال: بخ بخ أبو يحيى، إن كنت كما يقولون، أنت الذي يزعم هؤلاء القوم أنك أزهدهم؟ اجلس فالآن تمت أمنيتي على ربي في عاجل الدنيا. قال صالح: فمت إليه لأسلم عليه فأقبل علي القوم فقال: انظروا كيف تكونون غداً بين يدي الله في مجمع القيامة. قال: فسلمت عليه فرد علي وقال: من أنت يرحمك الله؟ قلت أنا صالح المري، قال: أنت الفتى القارئ، أنت أبو بشر؟ قلت: نعم، قال: اقرأ يا صالح فابتدأت فقرأت فما استتممت الاستعاذة حتى خر مغشياً عليه. ثم أفاق إفاقة فقال عد في قراءتك يا صالح، فعدت فقرأت: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} الفرقان قال: فصاح صيحة ثم انكب لوجهه وانكشف بعض جسده فجعل يخور كما يخور الثور ثم هدأ فدنونا منه ننظر فإذا هو قد خرجت نفسه كأنه خشبة. قال: فخرجنا فسألنا: هل له أحد؟ قالوا: عجوز تخدمه تأتيه الأيام فبعثنا إليها فجاءت فقالت: ما له؟ قرئ عليه القرآن فمات قالت: حق له والله، من ذا الذي قرأ عليه؟ لعله صالح القارئ؟ قلنا: نعم وما يدريك من صالح؟ قالت: لا أعرفه غير أني كثيراً ما كنت أسمعه يقول: إن قرأ علي صالح قتلني. قلنا: فهو الذي قرأ عليه قالت: هو الذي قتل حبيبي فهيأناه ودفناه. رحمه الله.

عبد الله بن غالب الحداني

540 - عبد الله بن غالب الحداني المغيرة بن حبيب قال: قال عبد الله بن غالب الحداني لما برز للعدو: على ما آسى من الدنيا فوالله ما فيها للبيب جذل، والله لولا محبتي لمباشرة السهر بصفحة وجهي وافتراش الجبهة لك يا سيدي والمراوحة بين الأعضاء في ظلم الليل رجاء ثوابك وحلول رضوانك لقد كنت متمنياً لفراق الدنيا وأهلها. قال: ثم كسر جفن سيفه ثم تقدم فقاتل حتى قتل، قال: فحمل من المعركة وإن به لرمقاً فمات دون العسكر، فلما دفن أصابوا من قبره رائحة المسك، قال: فرآه رجل من إخوانه في منامه فقال: يا أبا فراس ما صنعت؟ قال: خير الصنيع قال: إلى ما صرت؟ قال: إلى الجنة. قال: ثم قال: بحسن اليقين وطول التهجد وظمأ الهواجر. قال: فما هذه الرائحة الطيبة التي توجد من قبرك؟ قال: تلك رائحة التلاوة والظمأ. قال: قلت أوصني. قال: اكسب لنفسك خيراً لا تخرج عنك الليالي والأيام عطلاً. عن مالك بن دينار قال: نزلت في قبر عبد الله بن غالب فأخذت من ترابه فإذا هو مسك. وقال: فتن الناس به فبعث إلى قبره فسوي.

_ 540 - هو: عبد الله بن غالب الحداني - بمهملتين مضمومة ثم مشدودة - الأزدي البصري، العابد، صدوق قليل الحديث، من الثالثة، قتل مع ابن الأشعث سنة ثلاث وثمانين. قال الشيخ شعيب: بل ثقة عابد، وثقه النسائي، والعجلي، وابن حبان وابن خلفون وابن عبد البر التحرير 2/251.

أشعث الحداني

541 - أشعث الحداني حزم قال: قال لنا أشعث الحداني: انطلقوا إلى حبيب أبي محمد نسلم عليه، قال: وذاك عند ارتفاع النهار. فانطلقنا معه فسلم فخرج حبيب أبو محمد فأخذ في البكاء فما زالوا يبكون حتى حضرت الظهر. قال: فصلينا. فأخذوا في البكاء فما زالوا يبكون حتى حضرت العصر. فما زالوا يبكون حتى حضرت المغرب. ثم أدنينا حماره فركب فقال لنا: إن ناساً ينهون عن هذا فأطيعهم؟ قلنا: أنت أعلم. قال: إذاً والله لا أطيعهم.

_ 541 - هو: أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني - بمهملتين مضمومة ثم مشدودة - الأزدي البصري، يكنى أبا عبد الله، وقد ينسب إلى جده وهو الخملي - بضم المهملة وسكون الميم - صدوق من الخامسة.

الحجاج بن فرافصة

542 - الحجاج بن فرافصة عن سفيان: قال: بت عند الحجاج بن فرافصة اثنتي عشرة ليلة ما رأيته أكل ولا شرب ولا نام. عن سفيان الثوري قال: بت عند الحجاج بن الفرافصة إحدى وعشرين يوماً فما أكل ولا شرب ولا نام. هكذا في حديث أبي نعيم أحد وعشرين. وفي رواية أخرى إحدى عشرة ليلة. إبراهيم بن فراسة يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: بت عند الحجاج بن فرافصة إحدى عشرة ليلة فلا أكل ولا شرب ولا نام. أبو موسى الأنصاري قال: سمعت النضر بن شميل يقول: مكث الحجاج بن الفرافصة أربعة عشر يوماً لا يشرب ماء. قال أبو موسى: قد سمع النضر منه ورآه. عن ابن شوذب قال: رأيت الحجاج بن فرافصة واقفاً في السوق عند أصحاب الفاكهة فقلت: ما تصنع ههنا؟ قال: انظر إلى هذه المقطوعة الممنوعة. أسند الحجاج عن أنس وغيره.

_ 542 - هو: الحجاج بن فرافصة - بضم الفاء الأولى وكسر الثانية بعدها صاد مهملة - الباهلي، البصري صدوق عابد تيم من السادسة.

حسان بن أبي سنان

543 - حسان بن أبي سنان محمد بن عبد الله الزراد قال: خرج حسان إلى العيد فقيل له لما رجع: يا أبا عبد الله ما رأينا عيداً أكثر نساءً منه. فقال: ما تلقتني امرأة حتى رجعت. غسان بن المفضل قال: أنبأ شيخ لنا يقال له أبو حكيم قال: خرج حسان يوم العيد فلما رجع قالت له امرأته: كم امرأة حسنة قد نظرت إليها اليوم؟ فلما أكثرت قال: ويحك ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك. عبد الله قال: كتب غلام لحسان بن أبي سنان إليه من الأهواز أن قصب السكر أصابته آفة فاشتر السكر فيما قبلك. قال: فاشتراه من رجل، فلم يأت عليه إلا القليل فإذا اشترى ربح ثلاثين ألفاً.

_ 543 - هو: حسان بن أبي سنان البصري، صدوق عابد، من السادسة.

قال فأتى صاحب السكر فقال: يا هذا إن غلامي كان كتب إلي ولم أعلمك فأقلني فيما اشتريت منك - قال الآخر: قد أعلمتني الآن وطيبته لك. قال: فرجع فلم يحتمل قلبه. قال: فأتاه فقال: يا هذا إني لم آت الأمر من وجهه فأحب أن تسترد هذا البيع. قال: فما زال به حتى رد عليه. عبد المؤمن بن عباد قال: لقي حسان بن أبي سنان رجل به رهق وكان مع حسان رجل قال: فسأله حسان مساءلة لطيفة، فقال له الرجل: تساءل هذا مثل هذه المساءلة حتى يظن في نفسه أي شيء؟ قال: وما يدريك لعله تكون في هذا خصلة يحبها الله وفيك خصلة يبغضها الله عز وجل قال: فقال يا أبا عبد الله وما هذه الخصلة التي فيه يحبها الله عز وجل؟ وما الخصلة التي في يبغضها الله عز وجل؟ قال: لعله أن يكون حين رآك حدثته نفسه أنك خير منه ولعلك حين رأيته حدثتك نفسك أنك خير منه. عن جعفر بن سليمان أن رجلاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: "لو أن حساناً دعا أن يتحول جبل لحول". الوليد بن بشار قال: جاءت امرأة فسألت حسان بن أبي سنان. فقال لشريكه هكذا، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى. فذهب شريكه يزن لها درهمين فوزن لها مائتين، فقالوا: يا أبا عبد الله كنت ترضي بهذا كذا وكذا من سائل. فقال: إني ذهبت في شيء لم تذهبوا فيه، إني رأيت بها بقية من الشباب وخشيت أن تحملها الحاجة على بعض ما أكره. قال مهدي بن ميمون: رأيت حسان بن أبي سنان، أحسبه قال في مرضه، فقيل له: كيف تجدك؟ قال: بخير عن نجوت من النار. فقيل له: فما تشتهي؟ قال: ليلة بعيدة ما بين الطرفين أحيي ما بين طرفيها. أبو يحيى الزراد قال: كنت أسمع حسان بن أبي إسحاق يتمثل كثيراً: لا صحة المرء في الدنيا تؤخره ولا يقدم يوماً موته الوجع قال ابن شوذب: كان حسان بن أبي سنان رجلاً من تجار أهل البصرة له شريك بالبصرة وهو مقيم بالأهواز يجهز على شريكه بالبصرة ثم يجتمعان على رأس كل سنة يتحاسبان ثم يقتسمان الربح. فكان يأخذ قوته من ربحه ويتصدق بما بقي، وكان صاحبه يبني الدور ويتخذ

الأرضين. قال: فقدم حسان البصرة قدمة ففرق ما أراد أن يفرق فذكر له أهل بيت لم تكن حاجتهم ظهرت. فقال: أما تخبرونا؟ فاستقرض لهم ثلاث مائة درهم فبعث بها إليهم. موسى بن هلال قال: حدثني رجل كان جليساً لنا وكانت امرأة حسان مولاة له قال: حدثتني امرأة حسان بن أبي سنان قالت: كان يجيء فيدخل معي في فراشي، قالت: ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها فإذا علم أني قد نمت سل نفسه فخرج ثم يقوم فيصلي، قالت: فقلت له يا أبا عبد الله: كم تعذب نفسك؟ أرفق بنفسك، فقال: اسكتي ويحك فيوشك أن أرقد رقدة لا أقوم منها زماناً. عبد الله بن عيسى قال: أخبرني أبي قال: كان حسان بن أبي سنان يحضر مسجد مالك بن دينار فإذا تكلم مالك بكى حسان حتى يبل ما بين يديه ولا يسمع له صوت. عن عبد الجبار بن النضر السلمي قال: مر حسان بن أبي سنان بغرفة فقال: متى بنيت هذه؟ ثم أقبل على نفسه فقال: تسألين عما لا يعنيك؟ لأعاقبنك بصوم سنة فصامها. عمارة بن زاذان قال: كان حسان يفتح باب حانوتة فيضع الدواة وينشر حسابه، ويرخي ستره، ثم يصلي، فإذا أحس بإنسان قد جاء يقبل على الحساب يريه أنه كان في الحساب. قال أبو داود: وثنا سلام بن أبي مطيع قال: كان حسان بن أبي سنان يقول: لولا المساكين ما اتجرت. يحيى بن سطام الأصفر التميمي - وكان جاراً لحسان بن أبي سنان قال: وكان حسان يصوم الدهر، ويفطر على قرص ويتسحر بآخر، فنحل وسقم جسمه جداً حتى صار كهيئة الخيال. فلما مات فأدخل مغتسله ليغسل، كشف الثوب عنه فإذا هو كهيئة الخيط الأسود قال: وأصحابه حوله يبكون. قال حريث: فحدثني يحيى بن مسلم البكاء وإبراهيم بن محمد القيسي قال: لما نظرنا إلى حسان وما قد أبلاه الدؤوب أكبرنا ذلك جداً واستدمع أهل البيت وعلت أصواتهم. ثم هدؤوا. فإنا لكذلك إذ سمعنا قائلاً يقول من ناحية البيت: تجوع للإله لكي يراه ... نحيل الجسم من طول الصيام قال: فوالله ما رأيناه في البيت إلا باكياً. قال حريث: كانوا يرون أن بعض الجن بكاه. كان حسان كثير الرواية عن الحسن وثابت البناني. ويقال: أنه أسند عن أنس، غير أنه اشتغل بالعبادة عن الرواية.

شميط بن عجلان

544 - شميط بن عجلان أبو عبد الله، ويقال أبو همام. عن سيار قال: أنبأ عبيد الله بن شميط قال: سمعت أبي يقول: بادروا بالصحة السقم وبالفراغ الشغل، وبادروا بالحياة الموت. وسمعته يقول لي: بئس العبد عبد خلق للعاقبة فصدته العاجلة عن العاقبة فزالت عنه العاجلة وشقي في العاقبة. وسمعته يقول: أعطيت ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك؟ لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع، كيف يعمل للآخرة من لا تنقضي من الدنيا شهوته؟ العجب العجب كل العجب لمصدق بدار الحق وهو يسعى لدار الغرور. وسمعته يقول: إن الله عز وجل جعل قوة المؤمن في قلبه ولم يجعلها في أعضائه. ألا ترون أن الشيخ يكون ضعيفاً يصوم الهواجر ويقوم الليل والشاب يعجز عن ذلك. وسمعته يقول: يعمد أحدهم فيقرأ القرآن ويطلب العلم حتى إذا علمه أخذ الدنيا فضمها إلى صدره وحملها على رأسه فنظر إليه ثلاثة ضعفاء: امرأة ضعيفة وأعرابي جاهل وأعجمي، فقالوا: هذا أعلم بالله منا لو ير في الدنيا ذخيرة ما فعل هذا. فرغبوا في الدنيا وجمعوها. وسمعته يقول: من رضي بالفسق فهو من أهله، ومن رضي أن يعصى الله عز وجل لم يرفع له عمل. أبو معاوية الغلابي قال: حدثني رجل قال: قالت امرأة شميط: يا أبا همام إنا نعمل الشيء فيبرد فنشتهي أن تأكل منه معنا فلا تجيء حتى يفسد ويبرد. فقال: والله إن أبغض ساعاتي إلي الساعة التي آكل فيها. جعفر قال: سمعت شميطاً يقول: رأس مال المؤمن دينه حيثما زال معه لا يخلفه في الرجال ولا يأمن عليه الرجال. جعفر بن سليمان قال: سمعت شميطاً يقول: من جعل الموت نصب عينيه لم يبال بضيق الدنيا ولا بسعتها.

_ 544 - هو: شميط بن عجلان، الومق الولهان، الواعظ اليقظان، أبو همام، وقيل: أبو عبيد الله، انظر حلية الأولياء 3/149.

إبراهيم بن عبد الملك قال: قال شميط بن عجلان: إن الله عز وجل وسم الدنيا بالوحشة ليكون أنس المطيعين به. عبيد الله بن شميط بن عجلان، عن أبيه أنه كان يقول في مواعظه: إذا أصبحت آمناً في سربك معافى في بدنك، عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء وعلى من يحزن عليها، إن المؤمن يقول لنفسه: إنما هي ثلاثة أيام فقد مضى أمس بما فيه وغداً أمل لعلك لا تدركيه، إنما هو يومك هذا فإن كنت من أهل غد برزق غد إن دون غد يوماً وليلة تخترم فيه أنفس كثيرة فلعلك المخترم فيه. كفى كل يوم همه ثم حملت على قلبك الضعيف هم السنين والدهور والأزمنة وهم الغلاء والرخص وهم الشتاء قبل أن تجيء وهم الصيف قبل أن يجيء، فماذا أبقيت من قلبك الضعيف للآخرة؟ ما تطلب الجنة بهذا، متى تهرب من النار؟ كل يوم ينقص من أجلك ثم لا تحزن. أعطيت ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع، فكيف لا يستبين للعالم جهله، وقد عجز عن شكر ما هو فيه، وهو مفتن في طلب الزيادة؟ أم كيف يعمل للآخرة من لا تنقضي من الدنيا شهوته ولا تنقطع عنها رغبته فالعجب كل العجب لمن صدق بدار الحيوان كيف يسعى لدار الغرور. وكان يقول: إن أولياء الله آثروا رضا ربهم تعالى على هوى أنفسه، فأرغموا أنفسهم كثيراً في رضا ربهم فأفلحوا والله وأنجحوا، وإن المنافق عبد هواه وعبد بطنه وعبد فرجه وعبد جلده، عبد الدنيا وعبد أهل الدنيا. وكان يقول: الناس رجلان، فمتزود من الدنيا ومتنعم فيها فانظر أي الرجلين أنت. إني أراك تحب طول البقاء في الدنيا فلأي شيء تحبه؟ أن تطيع الله عز وجل وتحسن عبادته وتتقرب إليه بالأعمال الصالحة؟ فطوبى لك، أم لتأكل وتشرب وتلهو تلعب وتجمع الدنيا وتثمرها وتنعم زوجتك وولدك؟ فلبئس ما أردت له البقاء. وكان يقول إذا وصف المؤمنين: أتاهم عن الله تبارك وتعالى أمر وقذهم عن الباطل فأسهروا الأعين وأجاعوا البطون وأظمأوا الأكباد وأنفقوا الأموال واهتضموا التالد والطارف في طلب ما يقربهم إلى الله عز وجل وفي طلب النجاة مما خوفهم به.

وكان يقول: إن المؤمن اتخذ كتاب الله عز وجل مرآة فمرة ينظر إلى ما نعت الله عز وجل به المؤمنين، ومرة ينظر إلى ما نعت الله عز وجل به المغترين، ومرة ينظر إلى الجنة وما وعد الله عز وجل فيها، ومرة ينظر إلى النار وما أعد الله عز وجل فيها. تلقاه حزيناً كالسهم المرمى به شوقاً إلى ما شوقه الله عز وجل إليه وهرباً مما خوفه الله عز وجل منه. وكان يقول: بلغنا أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام، يا داود ألا ترى إلى المنافق كيف يخدعني وأنا أخدعه؟ يسبحني ويوقر بلسانه وقلبه مني بعيد، يا داود قل للملأ من بني إسرائيل لا يدعوني والخطايا في أضبانهم. ليضعوها ثم ليدعوني أستجب لهم. وكان يقول: اللهم اجعل القليل من الدنيا يكفينا كما يكفي الكثير أهله، اللهم ارفع رغبتنا إليك واقطع رجاءنا ممن سواك، اللهم اجعل طاعتك ألذ عندنا من الطعام عند الجوع، ومن الشراب عند الظمأ، اللهم اجعل غفلة الناس لنا ذكراً ومرح الناس لنا شكراً، اللهم إذا تنعم المتنعمون بالدنيا فاجعلنا نتنعم بذكرك. وكان يقول: بالدراهم والدنانير أزمة المنافقين تقودهم إلى السوءات. وكان يقول: تلقى أحدهم عنده فضول يغلق بابه دون جاره وذوي رحمه، ثم يخرج على القوم يحدثهم بما أكل وشرب ولعل جاره الفقير وذا رحمه المحتاج يكون في القوم يسمع ما يقول، ويحك ما كفاك أن غلقت بابك دونه فلم تواسه ولم تذكره حتى قعدت فأخبرته بما أكلت وشربت؟ فإذا أنت قد جمعت إساءة بعد إساءة. وكان يقول: إن المؤمن أبصر الدنيا فأنزلها فإن هي أقبلت عليه قال: لا مرحباً ولا أهلاً والله ما أراك جئت بخير وما فيك من خير إلا أن تطلب بك الجنة، ويفتدى بك من النار، فإن هي أدبرت عنه قال: عليك العفاء وعلى من يتبعك، الحمد لله الذي خار لي وصرف عني فتنتك وشغلك. وكان يقول إذا وصف أهل الدنيا: حيارى سكارى فارسهم يركض ركضاً وراجلهم يسعى سعياً، لا غنيهم يشبع، ولا فقيرهم يقنع. وكان يقول إذا وصف المقبل على الدنيا: دائب البطنة قليل الفطنة إنما همه بطنه وفرجه وجلده، حتى أصبح فآكل وأشر وألهو وألعب، متى أمسى فأنام، جيفة بالليل بطال بالنهار ويحك ألهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت؟ أم بهذا تطلب الجنة وتهرب من النار؟.

وكان يقول: إن العافية سترت البر والفاجر، فإذا جاءت البلايا استبان عندها الرجلان فجاءت البلايا إلى المؤمن فأذهبت ماله وخادمه ودابته حتى جاع بعد الشبع ومشى بعد الركوب وخدم نفسه بعد أن كان مخدوماً فصبر ورضي بقضاء الله عز وجل، وقال: هذا نظر من الله عز وجل لي، هذا أهون لحسابي غداً. وجاءت البلايا إلى الفاجر فأذهبت ماله وخادمه ودابته فجزع وهلع وقال: والله ما لي بهذا طاقة، والله لقد عودت نفسي عادة ما لي عنها صبر من الحلو والحامض والحار والبارد ولين العيش، فإن هو أصابه من الحلال وإلا طلبه من الحرام والظلم ليعود إليه ذلك العيش. وكان يقول: إنسانان معذبان في الدنيا: غني أعطي دنيا فهو بها مشغول، وفقير زويت عنه فهو يتبعها نفسه فنفسه تقطع عليها حسرات. وكان يقول: الناس ثلاثة: فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا، فهذا المقرب. ورجل ابتكر عمره بالذنوب وطول الغفلة ثم راجع توبة، فهذا صاحب يمين، ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه ثم لم يزل فيه حتى خرج من الدنيا، فهذا صاحب شمال. أبو عمر الضرير قال: أنبأنا عبيد الله بن شميط قال: سمعت أبي يقول: أيها المغتر بطول صحته أما رأيت ميتاً قط من غير سقم؟ أيها المغتر بطول المهلة أما رأيت مأخوذاً قط من غير عدة، أبالصحة تغترون؟ أم بطول العافية تمرحون؟ أم بالموت تأمنون؟ أم على ملك تجترئون؟ إن ملك الموت إذا جاء لم يمنعه منك ثروة مالك ولا كثرة احتشادك. أما علمت أن ساعة الموت ذات كرب شديد وغصص وندامة على التفريط؟ ثم يقول: رحم الله عبداً عمل لساعة الموت. رحم الله عبداً عمل لما بعد الموت، رحم الله عبداً نظر لنفسه قبل نزول الموت. أسند شميط عن جماعة من التابعين.

خويل بن محمد الأزدي

545 - خويل بن محمد الأزدي عن الهيثم بن عدي قال: سمعت خويل بن محمد، وكان عابداً يقول: كأن خويلاً قد وقف للحساب فقيل له: يا خويل قد عمرناك ستين سنة، فما صنعت فيها فجمع نوم سنة مع قائلة النهار فإذا قطعة من عمري نوم وجمعت ساعات أكلي فإذا قطعة من عمري قد ذهبت في الأكل وجمعت ساعات وضوئي فإذا قطعة من عمري قد ذهبت فيه، ثم نظر في صلاتي فإذا صلاتي منقوصة وصوم مخرق. فما هو إلا عفو الله أو الهلكة.

الطبقة الخامسة

الطبقة الخامسة هشام بن أبي عبد الله ... ومن الطبقة الخامسة من أهل البصرة: 546 - هشام بن أبي عبد الله واسمه سنبر الدستوائي مولى لبني سدوس. سعيد بن عامر قال: كان هشام بن أبي عبد الله قد أظلم بصره من طول البكاء، وكنت تراه ينظر إليك فلا يعرفك إلا أن تكلمه. شاذ بن فياض قال: بكى هشام الدستوائي حتى فسدت عينه فكانت مفتوحة وهو لا يكاد يبصر بها. محمد بن حفص التيمي قال: كان هشام إذا فقد السراج من بيته تململ على فراشه. وكانت امرأته تأتيه بالسراج فقالت له في ذلك فقال: إذا فقدت السراج ذكرت ظلمة القبر. عبد الصمد قال: مات هشام بن عبد الله سنة ثنتين وخمسين. زيد بن الحباب قال: دخلت على هشام الدستوائي سنة ثلاث وخمسين يعني ومائة ومات بعد ذلك بأيام.

_ 546 - هو: هشام بن أبي عبد الله: سنبر - بمهملة ثم نون موحدة - وزن جعفر، أبو بكر البصري الدستوائي، بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح المثناة ثم مد -ثقة ثبت وقد رمي بالقدر، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين وله ثمان وسبعون سنة.

شعبة بن الحجاج بن ورد

547 - شعبة بن الحجاج بن ورد من الأزد: مولى للأشاقر عتاقة. يكنى أبا بسطام، وهو أكبر من الثوري بعشر سنين. عمرو بن علي الفلاس قال: سمعت أبا بحر البكراوي يقول: ما رأيت أعبد من شعبة، لقد عبد الله حتى جف جلده على عظمه ليس بينهما لحم. قال عمرو بن هارون: كان شعبة يصوم الدهر كله لا يرى عليه. وكان سفيان الثوري يصوم ثلاثة من الشهر ترى عليه.

_ 547 - هو: شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام الواسطي، ثم البصري، ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة وكان عابدا من السابعة مات سنة ستين.

أبو قطن قال: ما رأيت شعبة ركع قط إلا ظننت أنه قد نسي، ولا قعد بين السجدتين إلا ظننت أنه قد نسي. مسلم بن إبراهيم قال: ما دخلت على شعبة في وقت صلاة قط إلا رأيته يصلي. سليمان بن حرب قال: لو نظرت إلى ثياب شعبة لم تكن تساوي عشرة دراهم: إزاره وقميصه ورداءه، وكان كثير الصدقة. أبو قطن قال: كانت ثياب شعبة لونها لون التراب، وكان كثير الصلاة، كثير الصيام سخي النفس. أبو حميد عبد الله بن محمد المصيصي قال: سمعت حجاجاً يقول: ركب شعبة حماراً له فلقيه سليمان بن المغيرة فشكا إليه شعبة، والله ما أملك إلا هذا الحمار. ثم نزل عنه ودفعه إليه. قراد أبو نوح قال: رأى شعبة علي قميصاً فقال: بكم أخذت هذا؟ قلت بثمانية دراهم. قال لي: ألا اشتريت قميصاً بأربعة دراهم وتصدقت بأربعة. رأى شعبة الحسن وابن سيرين، وسمع من قتادة ويونس بن عبيد وأيوب وخالد الحذاء وخلق كثير من التابعين. وتوفي بالبصرة في أول سنة ستين ومائة، وهو ابن سبع وسبعين سنة.

صالح بن بشير أبو بشر المرئي

548 - صالح بن بشير أبو بشر المرئي كان مملوكاً لامرأة من بني مرة بن الحارث من بني عبد القيس فأعتقته. قال عبد الرحمن بن مهدي: كنت أذكر صالحاً المري لسفيان فيقول القصص القصص، كأنه يكرهه. فكان إذا كانت له حاجة بكر فيها. فبكر يوماً وبكرت معه فجعلت طريقنا على مسجد صالح المري فقلت: يا أبا عبد الله ندخل فنصلي في هذا المسجد. فدخل فصلينا وكان يوم مجلس صالح، فلما صلوا ازدحم الناس فبقينا لا نقدر أن نقوم، وتكلم صالح فرأيت سفيان يبكي بكاءً شديداً، فلما فرغ وقام قلت له: يا أبا عبد الله كيف رأيت هذا الرجل؟ فقال: ليس هذا بقاص هذا نذير قوم. عفان بن مسلم قال: كنا نأتي مجلس صالح المري نحضره وهو يقص، وكان إذا أخذ في

_ 548 - هو: صالح بن بشير بن وادع المري -بضم الميم وتشديد الراء - أبو بشر البصري، القاص الزاهد، ضعيف من السابعة، مات سنة اثنتين وسبعين وقيل بعدها.

قصصه كأنه رجل مذعور يفزعك أمره، من حزنه وكثرة بكائه كأنه ثكلى، وكان شديد الخوف من الله كثير البكاء. أحمد بن إسحاق الحضرمي قال: سمعت صالحاً المري يقول: للبكاء دواع: الفكرة في الذنوب فإن أجابت على تلك القلوب وإلا نقلتها إلى الموقف وتلك الشدائد والأهوال، فإن أجابت على ذلك وإلا فاعرض عليها التقلب في أطباق النيران. قال: ثم صاح وغشي عليه وتصايح الناس من نواحي المسجد. الأصمعي قال: شهدت صالحاً المري عزى رجلاً على ابنه فقال: لئن كانت مصيبتك لم تحدث لك موعظة في نفسك فمصيبتك بابنك جلل في مصيبتك في نفسك، فإياها فابك. أسند صالح عن الحسن وابن سيرين وثابت وقتادة وبكر بن عبد الله في خلق كثير من التابعين. وتوفي سنة ست وسبعين ومائة.

الربيع بن عبد الرحمن

549 - الربيع بن عبد الرحمن ويعرف بالربيع بن برة. محمد بن سنان قال: سمعت الربيع بن برة يقول: ابن آدم إنما أنت جثة منتنة طيب نسيمك ما ركب فيك من روح الحياة فلو قد نزع منك روحك ألقيت جثة ملقاة وجيفة منتنة وجسداً خاوياً. قد جيف بعد طيب رائحة واستوحش منه بعد الأنس بقربه أي الخليفة منك أعجب إذ كنت تعلم أن هذا مصيرك وأن التراب مقيلك ثم أنت بعد هذا الطول جهلك تقر بالدنياعيناً. أسمعته يقول: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} "سبأ" أما والله ما حداك على الصبر والشكر إلا لعظم ثوابهما عنده لأوليائه فمن أعظم منك غفلة أو من أطول في القيامة منك حسرة إذ كنت ترغب عما رغب لك فيه مولاك وأنت تقرأ في الليل والنهار {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} . عباد بن الوليد القرشي قال: قال الربيع بن برة: عجبت للخلائق كيف ذهلوا عن أمر حق تراه عيونهم وتشهد عليه معاقد قلوبهم إيماناً وتصديقاً بما جاء به المرسلون؟ ثم ها هم في غفلة عنه سكارى يلعبون.

_ 549 - هو: الربيع بن برة، عن الحسن، قال العقيلي: قدري داعية، ولا مسند عنده، ميزان الاعتدال 3/61 ط. دار الكتب العلمية.

ثم يقول: وأيم الله ما تلك الغفلة إلا رحمة من الله لهم ونعمة من الله عليهم. ولولا ذلك لألفي المؤمنون طائشة عقولهم طائرة أفئدتهم منخلقة علوبهم لا ينتفعون مع ذكر الموت بعيش أبداً. داود بن المحبر عن أبيه قال: مر بنا الربيع بن برة ونحن نسوي نعشاً لميت فقال: من هذا الغريب الذي بين أظهركم؟ قلنا ليس بغريب بل هو قريب حبيب. قال: فبكى وقال: من أغرب من الميت بين الأحياء؟ قال: فبكى القوم جميعاً. عن محمد بن سلام قال: سمعت الربيع بن عبد الرحمن يقول: رضيت لنفسك، وأنت الحول القلب، أن تعيش عيش البهائم، نهارك هائم وليلك نائم والأمر أمامك جد. محمد بن سلام الجمحي قال: كان الربيع بن برة يقول: نصب المتقون الوعيد من الله أمامهم فنظرت إليه قلوبهم بتصديق وتحقيق فهم والله في الدنيا منغصون، ووقفوا ثواب الأعمال الصالحة خلف ذلك فمتى سمت أبصار القلوب إلى ثواب الأعمال تشوقت القلوب وارتاحت إلى حلول ذلك، فهم والله إلى الآخرة متطلعون بين وعيد هائل ووعد حق صادق لا ينفكون من خوف وعيد إلا رجعوا إلى شوق موعود. فهم كذلك وعلى ذلك في الموت جعلت لهم الراحة. ثم بكى. عاصم الخلقاني قال: قال الربيع بن عبد الرحمن: إن لله عباداً أخمصوا له البطون عن مطاعم الحرام، وغضوا له الجفون عن مناظر الآثام، وأهملوا له العيون لما اختلط عليهم الظلام رجاء أن ينير لهم قلوبهم إذا تضمنتهم الأرض بين أطباقها، فهم في الدنيا مكتئبون وإلى الآخرة متطلعون، نفذت أبصار قلوبهم بالغيب إلى الملكوت فرأت فيه ما رجت من عظيم ثواب الله فازدادوا لله بذلك جداً واجتهاداً عند معاينة أبصار قلوبهم ما انطوت عليه آمالهم فهم الذين لا راحة لهم في الدنيا وهم الذين تقر أعينهم غدا ًبطلعة ملك الموت عليهم. قال: ثم يبكي حتى يبل لحيته بالدموع. محمد بن سلام الجمحي قال: سمعت الربيع بن عبد الرحمن يقول في كلامه: قطعتنا غفلة الآمال عن مبادرة الآجال فنحن في الدنيا حيارى لا ننتبه من رقدة إلا أعقبتنا في أثرها غفلة، فيا إخوتاه نشدتكم بالله هل تعلمون مؤمناً بالله أغر ولنقمته أقل حذراً من قوم هجمت بهم العبر على مصارع النادمين فطاشت عقولهم وضلت حلومهم مما رأوا العبر

والأمثال، ثم رجعوا عن ذلك إلى غير قلعة ولا نقلة؟ فبالله لتبلغن من طاعة الله ورضاه أو لتنكرن به ماتعرفون من حسن بلائه وتواتر نعمائه - إن تحسن أيها المرء يحسن إليك وإن تسيء فعلى نفسك بالعتب فارجع فقد بين وحذر وأعذر فما للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً. زعم بعض نقلة الحديث أن الربيع بن برة أسند عن الحسن، وذكر له حديثاً. وإنما الربيع المذكور في ذلك الحديث هو الربيع بن صبيح، وأما ابن برة فلا نعلم له مسنداً.

الحجاج العابد

550 - الحجاج العابد محمد بن صالح التميمي قال: قال أبو عبد الله مؤذن مسجد بني جدار: جاورني شاب فكنت إذا أذنت للصلاة وأقمت كأنه في نقرة قفاي. فإذا صليت صلى ثم لبس نعليه فدخل منزله. فكنت أتمنى أن يكلمني أو يسألني حاجة. فقال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله عندك مصحف تعيرني أقرأ فيه؟ فأخرجت إليه مصحفاً فدفعته إليه فضمه إلى صدره ثم قال: ليكونن اليوم لي ولك شأن. ففقدته ذلك اليوم فلم أره يخرج. فأقمت المغرب فلم يخرج. وأقمت العشاء الآخرة فلم يخرج. فساء ظني فلما صليت العشاء الآخرة جئت إلى الدار التي هو فيها فإذا فيها دلو ومطهرة وإذا على بابه ستر فدفعت الباب فإذا به ميت والمصحف في حجرة. فأخذت المصحف من حجرة واستعنت بقوم على حمله حتى وضعناه على سريره. وبقيت ليلتي أفكر من أكلم حتى أكفنه فأذنت الفجر بوقت ودخلت المسجد لأركع، فإذا بضوء في القبلة فدنوت منه فإذا كفن ملفوف في القبلة فأخذته وحمدت الله عز وجل وأدخلته البيت وخرجت فأقمت الصلاة فلام سلمت إذا عن يميني ثابت البناني ومالك بن دينار وحبيب الفارسي وصالح المري، فقلت لهم يا إخواني ما غدا بكم؟ قالوا: مات في جوارك الليلة أحد؟ قلت: مات شاب كان يصلي معي الصلوات. فقالوا لي: أرناه. فلما دخلوا عليه كشف مالك بن دينار الثوب عن وجهه قبل موضع سجوده ثم قال: بأبي أنت يا حجاج إذا عرفت في موضع تحولت منه إلى موضع غيره حتى لا تعرف، خذوا في غسله. وإذا مع كل واحد منهم كفن، فقال كل واحد منهم: أنا أكفنه، فلما طال ذلك منهم قلت لهم: إني فكرت في أمره

هذه الليلة فقلت: من أكلم حتى يكفنه. فأتيت المسجد فأذنت ثم دخلت لأركع فإذا كفن ملفوف لا أدري من وضعه؟ فقالوا: يكفن في ذلك الكفن فكفناه وأخرجناه، فما كدنا نرفع جنازته، من كثرة من حضره من الجمع.

ضيغم بن مالك

551 - ضيغم بن مالك أبو مالك العابد. أبو أيوب مولى ضيغم بن مالك قال: قال لي ضيغم ليلة: لو أعلم أن رضاه أن أقرض لحمي لدعوت بالمقراض فقرضته. قال: قال سيار رأيت ضيغماً صلى نهاره أجمع وليله حتى بقي راكعاً لا يقدر أن يسجد فرأيته رفع رأسه إلى السماء ثم قال: قرة عيني، ثم خر ساجداً فسمعته يقول وهو ساجد: إلهي كيف عزفت قلوب الخليقة عنك؟ قال: وربما أصابته الفترة فإذا وجد ذلك اغتسل ثم دخل بيتاً فأغلق بابه وقال: إلهي إليك جئت. قال: فيعود إلى ما كان من الركوع والسجود. قال: وسمعت سيار بن حاتم يقولك كان ورد ضيغم كل يوم أربعمائة ركعة. عبيد الله بن عمر قال: أتيت صاحباً لي يقال له عمران بن مسلم فأراني موضعين مبتلين في مسجده أحدهما بحذاء الآخر فقلت: ما هذا؟ قال: هذا والله من دموع ضيغم البارحة بين المغرب والعشاء وهو راكع. أزهر بن مروان الرقاشي قال: رأيت ضيغماً العابد وكنت إذا رأيته رأيت رجلاً لا يشبه الناس من الخشوع والضر وطول الحزن. قال القرشي: وحدثني شيخ يكنى بأبي يعقوب عن سعيد البكاء قال: قال رجل لأم ضيغم: ما أطول حزن ضيغم. فبكت وقالت: لمثل ما ندب إليه فليحزن، ذهب الحسن وأصحابه بالحزن وهل رأيت يا بني محزوناً. محمد بن الحسين قال: حدثني مالك بن ضيغم قال: قالت أمه، يعني ضيغماً، ذات يوم: ضيغم! قال: لبيك يا أماه. قالت: كيف فرحك بالقدوم على الله؟ قال: فحدثني غير واحد من أهله أنه صاح صيحة لم يسمعوه صاح مثلها قط وسقط مغشياً عليه، فجلست العجوز تبكي عند رأسه وتقول: بأبي أنت ما نستطيع أن نذكر بين يديك شيئاً من أمر ربك.

_ 551 - هو: ضيغم بن مالك، العالم الزاهد الرباني، أبو بكر الراسبي البصري، أخذ عن التابعين، توفي ضيغم سنة ثمانين ومائة، سير أعلام النبلاء 7/630.

قال: وقالت له يوماً: ضيغم! قال: لبيك يا أماه. قالت: تحب الموت؟ قال: نعم يا أماه. قالت: ولم يا بني؟ قال: رجاء خير ما عند الله قال: فبكت العجوز وبكى فتسامع أهل الدار فجلسوا يبكون لبكائهم. قال: وقالت له يوماً آخر: ضيغم! قال: لبيك يا أماه. قالت: تحب الموت؟ قال: لا أماه. قالت: لم يا بني؟ قال: لكثرة تفريطي وغفلتي عن نفسي، قال: فبكت العجوز وبكى ضيغم واجتمع أهل الدار وجعلوا يبكون، وكانت أمه عربية كأنها من أهل البادية. مالك بن ضيغم قال: حدثني الحكم بن نوح قال: بكى أبوك ليلة من أول الليل إلى آخره لم يسجد فيها سجدة ولم يركع فيها ركعة ونحن معه في البحر، فلما أصبحنا قلنا: يا مالك لقد طالت ليلتك لا مصلياً ولا داعياً، قال: فبكى ثم قال: لو يعلم الخلائق ما يستقبلون غداً ما لذوا بعيش أبداً، والله إني لما رأيت الليل وهوله وشدة سواده ذكرت به الموقف وشدة الأمر هناك، وكل امرئ يومئذ تهمه نفسه: {لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} قال: ثم شهق ولم يزل يضطرب ما شاء الله. مالك بن ضيغم قال: حدثتني خالتي حبابة بنت ميمون العتكية قالت: رأيت أباك ضيغماً نزل ذات ليلة من فوق البيت بكوز وقد برد له حتى صبه ثم اكتاز من الحب ماء حاراً فشرب فقلت له بعد ذلك: بأبي أنت قد رأيت الذي صنعت فمم ذاك؟ قال: حانت مني مرة نظرة إلى امرأة فجعلت على نفسي أن لا تذوق الماء البارد أيام الدنيا. فقلت: أنغص عليها الحياة. محمد بن مالك بن ضيغم قال: حدثني مولانا أيوب قال: قال لي أبو مالك يوماً: يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك فإني رأيت هموم المؤمنين في الدنيا لا تنقضي، وأيم الله لئن لم تأت الآخرة المؤمن بالسرور لقد اجتمع عليه الأمران: هم الدنيا وشقاء الآخرة. قال قلت: بأبي أنت وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله في دار الدنيا ويدأب؟ قال: يا أبا أيوب فكيف بالقبول وكيف بالسلامة؟ ثم قال: كم من رجل يرى أنه قد أصلح شأنه، قد أصلح قربانه، قد أصلح همته، قد أصلح عمله، يجمع ذلك يوم القيامة ثم يضرب به وجهه. يحبى بن بسطام قال: قلت لجار ضيغم: هل سمعت أبا مالك يذكر من الشعر شيئاً؟ قال: ما سمعته يذكر إلا بيتاً واحداً. قلت: ما هو؟ قال:

قد يخزن الورع التقي لسانه ... حذر الكلام وإنه لمفوه سعيد الوراق قال: حدثني ابن ثعلبة، وكان من العابدين، قال: رأيت ضيغماً في منامي بعد موته فقال لي: يا ابن ثعلبة أما صليت علي؟ قال: فذكرت علة كانت، فقال: أما لو كنت صليت علي لقد كنت ربحت رأسك.

حماد بن سلمة

552 - حماد بن سلمة يكنى أبا سلمة مولى لبني تميم، وهو ابن أخت حميد الطويل. عبد الرحمن بن مهدي قال: لو قيل لحماد بن سلمة إنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً. مقاتل بن صالح الخراساني قال: دخلت على حماد بن سلمة فإذا ليس في البيت إلا حصير، وهو جالس عليه، ومصحف يقرأ فيه، وجراب فيه علمه، ومطهرة يتوضأ منها، فبينما أنا عنده جالس إذ دق داق الباب فقال: يا صبية اخرجي فانظري من هذا؟ فقالت: رسول محمد بن سليمان. قال: قولي له يدخل وحده. فدخل فناوله كتاباً فإذا فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة. أما بعد فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته: وقعت مسألة فأتنا نسألك عنها والسلام. قال: يا صبية هلمي الدواة. ثم قال لي: اقلب الكتاب واكتب: أما بعد وأنت فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته، إنا أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحداً فإن كانت وقعت مسألة فإتنا واسألنا عما بدا لك وإن أتيتني فلا تأتني إلا وحدك ولا تأتني بخيلك ورجلك فلا أنصحك، ولا أنصح نفسي والسلام. فبينا أنا عنده دق داق الباب فقال: يا صبية اخرجي فانظري من هذا؟ فقالت: محمد بن سليمان. قال: قولي له ليدخل وحده، فدخل فسلم ثم جلس بين يديه فقال: ما لي إذا نظرت إليك امتلأت رعباً فقال حماد: سمعت ثابتاً البناني يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله عز وجل هابه كل

_ 552 - هو: حماد بن سلمة بن دينار البصري، أبو سلمة، ثقة عابد أثبت الناس في ثابت وتغير حفظه بآخرة، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين.

شيء، وإذا أراد أن يكتنز به الكنوز هاب من كل شيء" 1 فقال: أربعون ألف درهم تأخذها تستعين بها على ما أنت عليه؟ قال: قال ارددها على من ظلمته بها. قال: والله ما أعطيتك إلا ما ورثته. قال: لا حاجة لي فيها ازوها عني زوى الله عنك أوزارك. قال: فتقسمها. قال: فلعلي إن عدلت في قسمتها أن يقول بعض من لم يرزق منها لم يعدل، ازوها عني زوى الله عنك أوزارك. موسى بن إسماعيل قال: لو قلت لكم إني رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً قط صدقتكم كان مشغولاً بنفسه، إما أن يحدث وإما أن يقرأ وإما أن يسبح، وإما أن يصلي. كان قد قسم النهار على هذه الأعمال. سوار بن عبد الله قال: حدثنا أبي قال: كنت آتي حماد بن سلمة في سوقه فإذا ربح في ثوب حبة أو حبتين شد جونته فلم يبع شيئاً. فكنت أظن أن ذلك يقوته. فإذا وجد قوته لم يزد عليه شيئاً. يونس بن محمد قال: مات حماد بن سلمة في المسجد وهو يصلي. أسند حماد بن سلمة عن خلق لا يحصون من التابعين. وتوفي في سنة ثمان وستين ومائة. أبو عبد الله التميمي عن أبيه قال: رأيت حماد بن سلمة في النوم فقلت: ما فعل بك ربك؟ قال: خيراً. قلت: وماذا؟ قال: قيل لي طال ما كددت نفسك فاليوم أطيل راحتك وراحة المتعوبين في الدنيا، بخ بخ ماذا أعددت لهم.

_ 1 ذكره العلامة الهندي في كنز العمال وعزاه لابن عساكر وابن النجار كنز العمال 46131.

الحسن بن أبي جعفر

553 - الحسن بن أبي جعفر أبو سعيد الجفري. واسم أبي جعفر عجلان. أبو عمران التمار قال: غدوت يوماً قبل الفجر إلى مسجد الجفري فإذا باب المسجد مغلق وإذا حسن جالس يدعو، وإذا ضجة في المسجد وجماعة يؤمنون على دعائه وحسن يدعو. قال: فجلست على باب المسجد حتى فرغ من دعائه فقام فأذن وفتح باب المسجد فلم أر في

_ 553 - هو: الحسن بن أبي جعفر الجفري -بضم الجيم وسكون الفاء - البصري، ضعيف الحديث مع عبادته وفضله، من السابعة مات سنة سبع وستين.

المسجد أحداً، فلما أصبح وتفرق عنه الناس قلت له: يا أبا سعيد إني والله رأيت عجباً. قال: ما رأيت؟ فأخبرته بالذي رأيت وسمعت. فقال: أولئك جن من أهل نصيبين يجيئون فيشهدون معي ختم القرآن كل ليلة جمعة ثم ينصرفون. أسند الجفري عن أبي الزبير وثابت البناني وغيرهما. وتوفي سنة ستين وقيل سنة سبع وستين ومائة.

شداد المجذوم

554 - شداد المجذوم عن مخلد بن الحسين قال: كان بالبصرة رجل يقال له شداد، أصابه الجذام فتقطع فدخل عليه عواده من أصحاب الحسن فقال: كيف تجدك؟ قال: بخير: أما إنه ما فاتني جزئي بالليل، وقد سقطت وما بي إلا أني لا أقدر أن أحضر صلاة الجماعة.

_ 554 - هو: شداد المجذوم، مشهور ومذكور في الراضين من العباد، انظر حلية الأولياء 10/153.

الطبقة السادسة

الطبقة السادسة حماد بن زيد بن درهم ... ومن الطبقة السادسة من أهل البصرة: 555 - حماد بن زيد بن درهم يكنى أبا إسماعيل. عبد الرحمن بن مهدي قال: ما رأيت أحداً أعرف بالسنة من حماد بن زيد. أمية بن بسطام قال: سمعت يزيد بن زريع يقول يوم مات حماد بن زيد: مات اليوم سيد المسلمين. أسند حماد بن زيد عن خلق كثير من التابعين، وتوفي لعشر ليال خلون من رمضان سنة تسع وسبعين ومائة وهو ابن إحدى وثمانين سنة.

_ 555 - هو: حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت فقيه، قيل إنه كان ضريرا ولعله طرأ عليه، لأنه صح أنه كان يكتب، من كبار الثامنة مات سنة تسع وسبعين وله إحدى وثمانون سنة.

يزيد بن زريع

556 - يزيد بن زريع أبو معاوية العيشي، من بني عائش وهم من ولد بكر بن وائل. أبو بكر المروزي قال: سمعت عبد الوهاب يقول: سمعت أبا سليمان الأشقر، وكفاك بأبي سليمان، يقول: تنزه يزيد بن زريع عن خمس مائة ألف من ميراث أبيه فلم يأخذه. وقال المروزي: وسمعت أمية بن بسطام ابن عم يزيد بن زريع يقول: كان يزيد يعمل الخوص، وكان يكون في هذا البيت، وأشار إلى بيت لطيف في المسجد، وسمعت أبا الخطاب يذكر أن زريعاً كان والياً. قال أحمد بن حنبل: يزيد بن زريع كان يعمل الخوص وكان أبوه زريع والي البصرة، ولم يكن يأكل من ماله شيئاً وما أتقنه وما أحفظه، وصدوق متقن. سمع يزيد من أيوب ومن ابن عروبة وغيرهما. وتوفي بالبصرة سنة اثنتين وثمانين وقيل سنة سبع وسبعين ومائة.

_ 556 - هو: يزيد بن زريع -بتقديم الزاي - مصغر - البصري، أبو معاوية ثقة ثبت، من الثامنة، مات سنة اثنتين وثمانين.

يحيى بن سعيد القطان

557 - يحيى بن سعيد القطان يكنى أبا سعيد. عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: حدثني يحيى القطان: وما رأت عيناي مثله. سفيان قال: قال علي: كان يحيى يختم القرآن في يوم وليلة ما بين المغرب والعشاء. يحيى بن معين قال: أقام يحيى بن سعيد عشرين سنة يختم القرآن في كل ليلة ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة، وما رئي يطلب جماعة قط. عمرو بن علي قال: قلت ليحيى في مرضه الذي مات فيه، يعاقبك الله. فقال: أحبه إلي أحبه إلى الله عز وجل. علي بن عبد الله قال: كنا عند يحيى بن سعيد فقال لرجل: اقرأ. فقرأ {حم} الدخان فلما أخذ في القراءة نظرت إلى يحيى بن سعيد يتغير فلما بلغ: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} الدخان صعق يحيى وغشي عليه وارتفع صدره من الأرض وتقوص وانقلب فأصاب الباب فقار ظهره وسال الدم وصرخ النساء. فخرجنا فوقفنا بالباب حتى أفاق بعد كذا وكذا. ثم دخلنا عليه فإذا هو نائم على فراشه وهو يقول: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} قال علي: فما زالت به تلك القرحة حتى مات رحمه الله. أسند يحيى بن سعيد عن كبار الأئمة كالأعمش وابن جريج والثوري ومالك وغيرهم. وتوفي بالبصرة سنة ثمان وتسعين ومائة. علي بن المديني قال: سنح لي ليلة خالد بن الحارث فقلت له: ما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي، إن الأمر شديد. قلت: فما فعل يحيى بن سعيد القطان؟ قال: نراه كما ترون، الكوكب الدري في أفق السماء.

_ 557 - هو: يحيى بن سعيد بن فروخ -بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة - التميمي، أبو سعيد القطان البصري، ثقة متقن حافظ إمام قدوة، من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين وله ثمان وسبعون.

رياح بن عمرو القيسي

558 - رياح بن عمرو القيسي يكنى أبا المعاصر. يحيى بن راشد قال: حدثني محمد بن الحرب بن عبد ربه القيسي، وكان ذا قرابة لرياح، قال: كنت أدخل عليه المسجد وهو يبكي وأدخل عليه البيت وهو يبكي وآتيه في الجبان وهو يبكي، فقلت له يوماً: أنت دهرك في مأتم، فبكى ثم قال: يحق لأهل المصائب والذنوب أن يكونوا هكذا. معاذ بن عون الضرير قال: كنت أكون قريباً من الجبان فكان يمر بي رياح القيسي بعد المغرب إذا خلت الطريق فكنت أسمعه وهو يتشنج بالبكاء وهو يقول: إلى كم يا ليل يا نهار تحطان من أجلي وأنا غافل عم يراد بي؟ إنا لله إن الله. فهو كذلك حتى يغيب عن وجهه. علي بن الحسين بن أبي مريم قال: قال رياح القيسي: لي نيف وأرعون ذنباً قد استغفرت لكل ذنب مائة ألف مرة. عن محمد بن يحيى قال: قال رياح القيسي، كما لا تنظر الأبصار إلى شعاع الشمس، كذلك لا تنظر قلوب محبي الدنيا إلى نور الحكمة أبداً. مالك بن ضيغم قال: جاء رياح القيسي يسال عن أبي بعد العصر فقلنا هو نائم. فقال: أنوم في هذه الساعة؟ أهذا وقت نوم؟ ثم ولى منصرفاً. فأتبعناه رسولاً فقلنا: قل له ألا نوقظه لك؟ قال: فأبطأ علينا الرسول. ثم جاء وقد غربت الشمس فقلنا: أبطأ جداً. فهل قلت له؟ قال: هو كان أشغل من أن يفهم عني شيئاً، أدركته وهو يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه ويقول: قلت: نوم هذه الساعة؟ أفكان هذا عليك؟ ينام الرجل متى شاء. وقلت: هذا وقت نوم؟ وما يدريك أن هذا ليس بوقت نوم؟ تسألين عما لا يعنيك وتتكلمين بما لا يعنيك، أما إن لله علي عهداً لا أنقضه أبداً. ألا أوسدك الأرض لنوم حولاً إلا لمرض حائل أو لذهاب عقل زائل، سوءة لك سوءة لك، أما تستحيين؟ كم توبخين وعن غيك لا تنتهين.

_ 558 - هو: رباح بن عمرو القيسي، رجل سوء قاله أبو داود، قال الذهبي: قلت: هو من زهاد المبتدعة بالكوفة، روى عن مالك بن دينار، وعنه روح بن عبد المؤمن، قال أبو زرعة: صدوق، قال عبيد الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: هو وأبو حبيب وحيان الجريري ورابعة رابعتهم في الزندقة ميزان الاعتدال 3/91 ترجمة 2817.

قال وجعل يبكي وهو لا يشعر بمكاني، فلما رأيت ذلك انصرفت وتركته. محمد بن عبد الله قال: صليت مع رياح القيسي الظهر، فصليت إلى جانبه فجعلت دموعه تقع على البواري مثل الوكف: طق طق. قال وكان رياح ربما أخذ حفنة من تراب ثم يضعها على البوري ويسجد عليها. وربما وجد رياح في بعض السكك، وقد غشي عليه فيحمل إلى أهله مغشياً عليه. محمد بن مسعر قال: كان لرياح القيسي غل من حديد قد اتخذه وكان إذا جنه الليل وضعه في عنقه وجعل يتضرع ويبكي حتى يصبح. عثمان قال: أخبرتني مخة وكانت إحدى العوابد قالت: رأيت رياح بن عمرو القيسي ليلة خلف المقام فذهبت فقمت خلفه حتى أزحفت ثم اضطجعت وهو قائم، وأنا أنظر إليه، فقلت بصوت حزين: سبقني العابدون وبقيت وحدي، والهف نفساه، فإذا رياح قد شهق وانكب على وجهه مغشياً عليه. فامتلأ فمه رملاً، فما زال كذلك حتى أصبحنا ثم أفاق. الحارث بن سعيد قال: أخذ بيدي رياح فقال: هلم يا أبا محمد حتى نبكي على مر الساعات ونحن على هذه الحال. قال وخرجت معه إلى المقابر، فلما نظر إلى القبور صرخ ثم خر مغشياً عليه، قال: فجلست والله عند رأسه أبكي فأفاق فقال: ما يبكيك؟ قلت: لما أرى بك. قال: لنفسك فابك. ثم قال: وانفساه، وانفساه، ثم غشي عليه. قال: فرحمته والله مما نزل به فلم أزل عند رأسه حتى أفاق فوثب وهو يقول: {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} النازعات. ومضى على وجهه وأنا أتبعه لا يكلمني حتى انتهى إلى منزله فدخل وأصفق بابه ورجعت إلى أهلي ولم يلبث بعد ذلك إلا يسيراً حتى مات. أسند رياح عن حسان بن أبي سنان وغيره.

عتبة الغلام وهو عتبة بن أبان بن صمعة

559 - عتبة الغلام وهو عتبة بن أبان بن صمعة وإنما سمي بالغلام لجده واجتهاده لصغر سنه. وكان يفتل الشريط. سوار أبو عبيدة قال: بكى عتبة الغلام في مجلس عبد الواحد بن زيد تسع سنين لا يفتر

_ 559 - هو: عتبة الغلام الزاهد، الخاشع، الخائف، عتبة بن أبان البصري، كان يشبه في حزنه بالحسن البصري انظر أعلام النبلاء 7/51.

بكاء من حين يبتدئ عبد الواحد في الموعظة إلى أن يقوم لا يكاد يسكت عتبة. فقيل لعبد الواحد إنا لا نفهم كلامك من بكاء عتبة. قال: فأصنع ماذا؟ يبكي عتبة على نفسه وأنهاه أنا، لبئس واعظ قوم أنا. سليم الحنيف قال: رمقت عتبة ذات ليلة بساحل البحر فما زاد ليلته تلك حتى أصبح على هذه الكلمات وهو قائم يقول: إن تعذبني فإني لك محب وإن ترحمني فإني لك محب، فلم يزل يرددها ويبكي حتى طلع الفجر. أبو توبة قال: كان عتبة الغلام يأكل خبزاً وملحاً ويقول: العرس في الدار الأخرى. عبد الله بن الفرج العابد قال: كان عتبة يعجن دقيقه ويجففه في الشمس ثم يأكله ويقول: كسرة وملح حتى نهنأ في الدار الأخرى الشواء والطعام الطيب. سلمة الفراء قال: كان عتبة الغلام من نساك أهل البصرة وكان من أصحاب الفلق. وكان قد قوت لنفسه ستين فلقة يتعشى كل ليلة بفلقة ويتسحر بأخرى، وكان يصوم الدهر ويأتي السواحل والجبابين. عن مخلد بن الحسين قال: كان عتبة يجالسنا فقال لنا يوماً: إنه لا يعجبني رجل لا يكون في يده حرفة. فقلنا: ما نراك تحترف. فقال: بلى رأس مالي طسوج أشتري به خوصاً أعمله وأبيعه بثلاثة طساسيج فطسوج رأس مالي وقيراط خبزي. أبو عمر الضرير قال: سمعت رياحاً القيسي يقول: قال لي عتبة: يا رياح إن كنت كلما دعتني نفسي إلى الكلام تكلمت فبئس الناظر لها أنا. يا رياح إن لي موقفاً تغتبط فيه بطول الصمت عن الفضول. مسلمة بن عرفجة العنبري قال: سمعت عنبسة الخواص يقول: كان عتبة الغلام يزورني فربما بات عندي. قال ذات ليلة فبكى من السحر بكاءاً شديداً فلما أصبح قلت له: قد فزعت قلبي الليلة ببكائك. فمم ذاك يا أخي؟ قال: يا عنبسة إني والله ذكرت يوم العرض على الله. ثم مال ليسقط فاحتضنته فجعلت أنظر إلى عينيه تتقلبان قد اشتدت حمرتهما. قال: ثم أزبد وجعل يخور فناديته: عتبة عتبة! فأجابني بصوت خفي: قطع ذكر يوم العرض على الله أوصال المحبين. قال: ثم جعل يحشرج بالبكاء ويردد حشرجة الموت ويقول: تراك مولاي تعذب محبيك وأنت الحي الكريم؟ قال: فلم يزل يرددها حتى والله أبكاني.

داود بن المحبر قال: سمعت عبد الواحد بن زيد يقول: ربما سهرت مفكراً في طول حزن عتبة، وقد كلمته ليرفق بنفسه فبكى وقال: إنما أبكي تقصيري. الخليل بن عمرو البكري قال: سمعت مهدي بن ميمون يقول: خرجت في بعض الليالي إلى الجبان فإذا عتبة الغلام، فقال لي جئت؟ قد دعوت الله أن يجيء بك. قلت: أطعمنا رطباً. قال: فدعا فإذا دوخلة رطب بين أيدينا فأكلنا منه. زيدان قال: قال عتبة الغلام: كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة. عبد الله بن مبشر قال: دعا عتبة الغلام ربه أن يهب له ثلاث خصال في دار الدنيا: دعا الله أن يمن عليه بصوت حزين، ودمع غزير، وغذاء من غير تكلف. قال: فكان إذا قرأ بكى وأبكى، وكانت دموعه جارية دهره، وكان يأوي إلى منزله فيصيب قوته لا يدري من أين يأتيه. الحسن بن دعامة قال: رأيت عتبة الغلام إذا استحسن الطير دعاه فيجيء حتى يسقط على فخذه فيمسه ثم يسيبه فيطير. عن عبد الواحد بن زيد قال: انطلقت أنا وعتبة الغلام في حاجة حتى إذا كنا برحبة القصابين جعلت أنظر إلى عتبة يعرق عرقاً شديداً حتى رشح وذلك في يوم شات شديد البرد فقلت: عتبة ترشح عرقاً في مثل هذا اليوم الشديد البرد؟ فسكت ولم يخبرني فقلت: بالذي بيني وبينك، ولم أزل به، فقال: ذكرت ذنباً أذنبته في هذا الموضع. إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال: سألت يوسف بن عطية فقلت له: ما كان لباس عتبة؟ قال: كان يلبس كساءين يأتزر بواحد ويرتدي بآخر، إذا رأيته قلت بعض الأكرة. قال إبراهيم: كان عتبة عربياً شريفاً من عوذ. قال إبراهيم: وحدثني مضر قال: قال رجل لعبد الواحد بن زيد، تعلم أحداً يمشي في الطريق مشتغلاً بنفسه؟ قال: ما أعرف إلا رجلاً واحداً الساعة يدخل عليكم. فدخل عتبة. قال: وطريقه على السوق فقال له: يا عتبة من تلقاك في الطريق؟ قال: ما رأيت أحداً. قال عبد الواحد: وكان عتبة يسجد السجدة الطويلة على الحصا يوم الجمعة فما أراه يعقل بحره. أحمد بن زهير المروزي قال: ركب عتبة في زورق مع قوم فأراد الملاح أن يعدل ببعضهم

السفينة فلم يجد أحداً منهم أحقر في عينيه من عتبة: فضرب جنبه فقال: استو فقال عتبة: الحمد لله الذي لم ير فيهم أحقر في عينه مني. أبو عبد الله الشحام قال: كان عتبة يبيت عندي. فقلت له: ما كانت عبادته؟ قال: كان يستقبل القبلة فلا يزال في فكر وبكاء حتى يصبح، وربما جاءني مساء فيقول: أخرج إلي شربة من ماء وتمرات أفطر عليها فيكون لك مثل أجري. عبد الخالق العبدي قال: كان لعتبة بيت يتعبد فيه فلما خرج إلى الشام أقفله وقال: لا تفتحوه إلى أن يبلغكم موتي، فلما بلغهم قتله فتحوه فأصابوا فيه قبراً محفوراً وغلاً حديداً. اشتغل عتبة بالعبادة عن الرواية وقتل شهيداً في بعض الغزوات. قدامة بن أيوب، وكان من أصحاب عتبة، قال: رأيت عتبة الغلام في المنام فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: يا قدامة دخلت الجنة بتلك الدعوات المكتوبة في بيتك، فلما أصبحت أتيت إلى بيتي فإذا خط عتبة في الحائط مكتوب: يا هادي المضلين وراحم المذنبين ومقيل عثرات العاثرين، ارحم عبدك ذا الخطر العظيم والمسلمين كلهم أجمعين، واجعلنا مع الأحياء المرزوقين، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين رب العالمين.

بشر بن منصور السليمي

560 - بشر بن منصور السليمي العباس بن الوليد قال: أتينا بشر بن منصور بعد العصر فخرج إلينا وكأنه متغير. فقلت له: يا أبا محمد لعلنا شغلناك عن شيء؟ فرد رداً ضعيفاً ثم قال: ما أكتمكم، أو كلمة نحوها، كنت أقرأ في المصحف فشغلتموني. ثم قال: ما أكاد ألقى أحداً فأربح عليه شيئاً. غسان بن المفضل قال: كان بشر بن منصور من الذين إذا رؤوا ذكر الله وإذا رأيت وجهه ذكرت الآخرة، رجل منبسط ليس بمتماوت ذكي فقيه، وكان بشر رجلاً من العرب وعلم بنيه عمل الخوص. أسيد بن جعفر ابن أخي بشر بن منصور قال: ما رأيت عمي بشر بن منصور ما فاتته التكبيرة الأولى قط ولا رأيته قام في مسجدنا سائل قط فلم يعط شيئاً إلا أعطاه.

_ 560 - هو: بشر بن منصور السليمي -بفتح المهملة وبعد اللام تحتانية - أبو محمد الأزدي البصري، صدوق عابد زاهد من الثامنة، مات سنة ثمانين.

زهير السجستاني قال: سمعت بشر بن منصور يقول: ما جلست إلى أحد ولا جلس إلي فقمت من عنده أو قام من عندي إلا علمت أني لو لم أقعد إليه أو يقعد إلي كان خيراً لي. عبد الخالق أبو همام الزهراني قال: قال بشر بن منصور لرجل: أقلل من معرفة الناس فإنك لا تدري ما يكون، فإن كان شيء، يعني فضيحة في القيامة، كان من يعرفك قليلاً. قال علي بن المديني: بلغني عن عبد الرحمن بن مهدي قال: قال بشر بن منصور: إني لأذكر الشيء من أمر الدنيا ألهي به نفسي عن ذكر الآخرة أخاف على عقلي. عن ابن عيينة قال: قال رجل لبشر بن منصور: عظني، قال: عسكر الموتى ينتظرونك. عبيس بن مرحوم قال: حدثتني عبدة بنت أبي شوال قالت: رأيت رابعة في المنام فقلت: ما فعل ضيغم: قالت: يزور الله عز وجل متى شاء. فقلت: ما فعل بشر بن منصور؟ قالت: بخ بخ أعطي والله فوق ما كان يأمل. أسند بشر عن الثوري وغيره.

عبد العزيز بن سلمان

561 - عبد العزيز بن سلمان ويكنى أبا محمد. أبو طارق التبان قال: كان عبد العزيز بن سلمان إذا ذكر القيامة والموت صرخ كما تصرخ الثكلى ويصرخ الخائفون من جوانب المسجد. قال: وربما رفع الميت والميتان من جوانب مجلسه. مسمع بن عاصم قال: بت أنا وعبد العزيز بن سلمان وكلاب بن جري وسلمان الأعرج على ساحل من بعض السواحل فبكى حتى خشيت أن يموت، ثم بكى عبد العزيز لبكائه. ثم بكى سلمان لبكائهما. وبكيت والله لبكائهم لا أدري ما أبكاهم. فلما كان بعد سألت عبد العزيز فقلت: أبا محمد ما الذين أبكاك ليلتك؟ قال: إني نظرت والله إلى أمواج البحر تموج فذكرت أطباق النيران وزفراتها فذاك الذي أبكاني. ثم سألت كلاباً وسلمان فقالا لي نحواً من ذلك. قال مسمع: ما كان في القوم شر مني، ما كان بكائي إلا لبكائهم رحمة لما يصنعون بأنفسهم.

_ 561 - هو: عبد العزيز بن سلمان، الواله الهيمان، الخوف أضناه، والرجاء أسلاه، حلية الأولياء 6/262.

عن محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال: كان أبي إذا قام من الليل ليتهجد سمعت في الدار جلبة شديدة واستسقاء للماء الكثير. قال فنرى أن الجن كانوا يستيقظون للتهجد فيصلون معه. محمد بن عبد العزيز سلمان العابد البصري قال: سمعت دهثماً، وكان من العابدين، يقول: اليوم الذي كنت لا آتي فيه عبد العزيز كنت مغبوناً فأبطأت عليه ذات يوم ثم أتيته فقال: ما الذي أبطأ بك؟ قلت: خير. قال: على حال. قلت: شغلنا العيال، كنت ألتمس لهم شيئاً. قال: فوجدته لهم؟ قلت: لا. قال: هلم فلندع، قال: فدعا وأمنت ودعوت وأمن. ثم نهضنا لنقوم فإذا والله الدنانير والدراهم تتناثر في حجورنا. فقال: دونكها ومضى ولم يلتفت إلي. قال: فأخذتها فإذا مائة دينار ومائة درهم. قال محمد: فقلت له: ما صنعت بها؟ قال: احتبست قوت عيالي جمعة حتى لا يشغلني عن عبادته وشكره وخدمته فكر في شيء من عرض الدنيا، ثم أمضيتها والله في سبيل الله. قال محمد: يحق والله أن يرزقوا بغير حساب. أحمد بن أبي الحواري قال: أنبأنا عبد العزيز بن عمير قال: قيل لعبد العزيز الراسبي، وكانت رابعة تسميه سيد العابدين، ما بقي مما تلذ به؟ قال: سردان أخلو به فيه. محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال: حدثتني أمي قالت: قال أبوك: ما للعابدين وما للنوم؟ لا نوم والله في دار الدنيا إلا نوم غالب. قال: فكان والله لا يكاد ينام إلا مغلوباً. محمد بن الحسين قال: حدثني محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال: حدثني واقد الصفار قال: دعا عبد العزيز بن سلمان يوماً لمقعد كان في مجلسه وأمن إخوانه، قال: فوالله ما انصرف المقعد إلى أهله إلا ماشياً على رجليه.

مطهر السعدي

562 - مطهر السعدي عبد العزيز بن سلمان العابد، وكان يرى الآيات والأعاجيب. قال: حدثني مطهر السعدي، وكان قد بكى شوقاً إلى الله تعالى ستين عاماً، قال: أريت كأني على ضفة نهر يجري بالمسك الأذفر، حافتاه شجر لؤلؤ وقضبان الذهب، فإذا أنا بجوار مزينات يقلن بصوت واحد: سبحان المسبح بكل لسان، سبحانه، سبحان الموجود بكل مكان، سبحانه، سبحان الدائم في كل الأزمان، سبحانه.

قال: فقلت: من أنتن؟ فقلن: خلق من خلق الرحمن سبحانه فقلت: ما تصنعن ههنا فقلن: ذرانا إله الناس رب محمد ... لقوم على الأطراف بالليل قوم يناجون رب العالمين إلههم ... فتسري هموم الدنيا والناس نوم قال: فقلت: بخ بخ لهؤلاء، من هؤلاء؟ لقد أقر الله أعينكم بكن، فقلن: أو ما تعرفهم؟ قلت: لا والله ما أعرفهم. قلن: بلى هؤلاء المتهجدون أصحاب القرآن والسهر.

كلاب بن جري

563 - كلاب بن جري حكيم بن جعفر قال: كان مسمع يحدثني بحالات كلاب بن جري فأسمع شيئاً ما كنت أرى أن يكون في هذه الأمة مثله، من شدة الخوف وطرب الشوق، فقلت له: يا أبا سيار فكيف كان ليله؟ قال: شهدته ليلة في بعض السواحل وهو يصرخ من أول الليل إلى آخره. فلما كان بعد ذلك قلت له: رحمك الله لقد أويت لك من طول ما كنت فيه ليلتك. قال: فبكى ثم قال: يا أبا سيار فبمن أستغيث إذاً؟ قال: فأبكاني والله.

عبد الله بن ثعلبة الحنفي

564 - عبد الله بن ثعلبة الحنفي محمد بن علي الهاشمي قال: قال عبد الله بن ثعلبة الله يحفظك بأحراسه فإذا أصبحت غدوت على معاصيه خلافاً له؟ فإذا أمسيت أعاد حراسه عليك لا يمنعه ما كان منك. يوسف بن أبي عبد الله قال: سمعت عبد الله بن ثعلبة يقول: تضحك؟ ولعل أكفانك قد خرجت من عند القصار. عن حامد بن عمرو البكراوي قال: سمعت عبد الله بن ثعلبة يقول لسفيان بن عيينة: يا أبا محمد واحزناً على الحزن. فقال سفيان: هل حزنت قط لعلم الله فيك، فقال عبد الله: آه آه تركتني لا أفرح أبداً. أبو الحسن البصري قال: أنا أبو عروة، وكان جاراً لعبد الله بن ثعلبة الحنفي حتى انمحق خداه من الدموع، وكان يقول: لكل أناس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد

_ 564 - هو: التائه الكلفي، عبد الله بن ثعلبة الحنفي، هيمه الحب وتيمه القرب، انظر حلية الأولياء 6/264.

وما إن تزال دار حي قد أخرجت ... وبيت لميت بالفناء جديد فهم جيرة الأموات أما مزارهم ... فدان وأما الملتقى فبعيد ولا نعرف لعبد الله مسنداً.

ناشرة بن سعيد الحنفي

565 - ناشرة بن سعيد الحنفي مسمع بن عاصم قال: انطلقت أنا وعبد العزيز بن سلمان إلى ناشرة بن سعيد الحنفي؛ وكان قد بكى حتى أظلمت عيناه، فاستأذنا عليه فأذن لنا فدخلنا فسلم عليه عبد العزيز، فقال له ناشرة: أبو محمد؟ قال: نعم. قال: ما جاء بك؟ قال: نبكي معك على ما تقدم من سالف الذنوب. قال: فشهق شهقة خر مغشياً عليه، وجلس عبد العزيز يبكي عند رأسه. قال: وتنادى أهله فجعلوا يبكون حوله وهو صريع بينهم. فلما رأيت البكاء قد كثر انسللت فخرجت.

الطبقة السابعة

الطبقة السابعة عبد الرحمن مهدي ... ومن الطبقة السابعة من أهل البصرة: 566 - عبد الرحمن بن مهدي يكنى أبا سعيد العنبري. ويقال: هو مولى للأزد. ولد في سنة خمس وثلاثين ومائة. علي بن المديني قال: كان عبد الرحمن بن مهدي يختم في كل ليلتين، وكان ورده في كل ليلة نصف القرآن. هارون بن سفيان قال: سمعت عبيد الله بن عمر القواريري يقول: أملي علي عبد الرحمن بن مهدي عشرين ألف حديث حفظاً. عبد الرحمن بن عمر قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان يقال إذا لقي الرجل من فوقه في العلم: كان يوم غنيمة، وإذا لقي من هو مثله دارسه وتعلم منه، وإذا لقي من هو دونه تواضع له وعلمه. ولا يكون إماماً في العلم في العلم من يحدث بكل ما سمع ولا يكون إماماً في العلم من يحدث عن كل أحد، ولا يكون إماماً في العلم من يحدث بالشاذ من العلم والحفظ والإتقان. قال: وسمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: لولا أني أكره أن يعصى الله تمنيت أن لا يبقى في هذا المصر أحد إلا وقع في واغتابني، فأي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته يوم القيامة لم يعملها ولم يعلم بها. وسمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول، وأراد أن يبيع أرضاً له فقال الدلال: أعطيت بالجريب خمسين ومائتي دينار ولكن نظر إلى أرض خراب ونخل بادية العروق، فلولا كانت مسمدة رجوت أن أبيع الجريب بفضل خمسين ديناراً وهذا كثير أربعة آلاف دينار؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} المائدة: 100 لا ولا كذا. أظنه قال: ولا مائة ألف.

_ 566 - هو: عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم، أبو سعيد البصري ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث، قال ابن المديني: ما رايت أعلم منه، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين وهو ابن ثلاث وسبعين.

قال عبد الرحمن بم عمر: وحدثني يحيى بن عبد الرحمن بن مهري أن أباه كان يحيى الليل كله. قال عبد الرحمن بن عمر: وسمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: والله لا تجد فقد شيء تركته ابتغاء وجه الله، كنت أنا وأخي شريكين فأصبنا مالاً كثيراً فدخل قلبي من ذلك شيء فتركته لله وخرجت منه فما خرجت من الدنيا حتى رد الله علي ذلك المال عامة إلي وإلى ولدي، زوج أخي ثلاث بنات من بني وزوجت ابنتي من ابنه، ومات أخي فورثه أبي، ومات أبي فورثنه أنا، فرجع ذلك كله إلي وإلى ولدي في الدنيا. أسند عبد الرحمن عن الأئمة كمالك بن أنس والثوري وشعبة والحمادين، وقد أدرك جماعة من التابعين منهم: جرير بن حازم، والمثنى بن سعيد، وصالح بن درهم. وتوفي بالبصرة في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة.

عفان بن مسلم أبو عثمان الصفار

567 - عفان بن مسلم أبو عثمان الصفار جمع بين العلم والتقى. صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي قال: ثنا أبي قال: عفان بن مسلم بصري ثقة ثبت، صاحب سنة، جعل له عشرة آلاف دينار على أن يقف عن تعديل رجل ولا يقول: عدل ولا غير عدل. فأبى وقال: لا أبطل حقاً من الحقوق. حنبل بن إسحاق قال: سمعت عفان يقول: دعاني إسحاق بن إبراهيم فقرأ علي الكتاب الذي كتب به المأمون وإذا فيه: امتحن عفان وادعه إلى أن يقول: القرآن كذا وكذا. فإن قال ذلك فأقرأه على أمره وإن لم يجبك فاقطع عنه الذي يجري عليه وكان يجري عليه خمسمائة درهم كل شهر. قال عفان: فقال لي: ما تقول؟ فقرأت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الإخلاص: 1 حتى ختمتها وقلت: مخلوق هذا؟ فقال: إن أمير المؤمنين يقول إن لم تجبه يقطع عنك ما يجرى عليك فقلت يقول الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} الذاريات فسكت عني، فانصرفت.

_ 567 - هو: عفان بن مسلم بن عبد الله الباهلي، أبو عثمان الصفار، البصري ثقة ثبت، قال ابن المديني: كان إذا شك في حرف من الحديث تركه، وربما وهم، وقال ابن معين: أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة، ومات بعدها بيسير، من كبار العاشرة.

أسند عفان عن جماعة من الأئمة كشعبة والحمادين. وتوفي ببغداد في سنة عشرين ومائتين، وقيل تسع عشرة، وله خمس وثمانون سنة.

زهير بن نعيم الباني

568 - زهير بن نعيم الباني يكنى أبا عبد الرحمن. أحمد بن عصام قال: قال زهير بن نعيم: عن هذا الأمر لا يتم إلا بشيئين: الصبر واليقين، فإن كان يقين ولم يكن معه صبر لم يتم، وإن كان صبر ولم يكن معه يقين لم يتم، وقد ضرب لهما أبو الدرداء مثلاً فقال: مثل اليقين والصبر مثل فدادين يحفران الأرض فإذا جلس واحد جلس الآخر. قال أحمد بن عصام: وسمعت خالي عبد العزيز بن يوسف يقول: أردت الخروج من البصرة فبدأت بيحيى بن سعيد فودعته ثم ودعت عبد الرحمن بن مهدي، ثم ودعت زهيراً فقلت: هل من حاجة؟ فقال: نعم إلا أنها مهمة. قال: ففرحت. فقال: إتق الله، فوالله لأن يتقيه عبد أحب غلي من أن تتحول هذه السواري كلها ذهباً. عبد الرحمن بن عمر قال: انتهى إلينا يوماً رجل من هؤلاء الخبثاء القدرية فقال له: يا أبا عبد الرحمن بلغني انك رجل زنديق. فقال له زهير: أما زنديق فلا، ولكني رجل سوء. عبد الله بن عبد الغفار الكرماني قال: سمعت زهير بن نعيم الباني يقول: لوددت أن جسدي قرض بالمقاريض وأن هذا الخلق أطاع الله. عبد الله بن عبد الغفار الكرماني قال: دخلت على زهير بن نعيم الباني وقد سقط من سطح، وقد تهشم وجهه، وهو مكفوف فقلت: يا أبا عبد الرحمن كيف خبرك قال: هو ذا تراني كيف أنا وهي الدنيا فليجهد جهدها. محمد بن يونس بن موسى قال: سمعت زهير بن نعيم الباني. وقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن توصي بشيء؟ قال: نعم إحذر أن يأخذك الله وأنت على غفلة.

_ 568 - هو: زهير بن نعيم البابي -بموحدتين - السلولي، أبو عبد الرحمن السجستاني، نزيل البصرة عابد من كبار العاشرة مات بعد المائتين. قال الشيخ شعيب: لم يذكر مرتبته، وليس له رواية في الكتب الستة وإنما روى له أبو داود في كتاب الشمائل عن سلام بن أبي مطيع قوله: الجهمية كفار لا يصلى خلفهم ويغلب على الظن أنه إلى الضعف أقرب، التحرير 1/421.

أبو عبد الله الحربي الزاهد

569 - أبو عبد الله الحربي الزاهد إبراهيم بن شبيب بن شيبة قال: كنا نتجالس في الجمعة فأتى رجل عليه ثوب واحد ملتحف به فجلس إلينا فألقى مسألة فما زلنا نتكلم في الفقه حتى انصرفنا. ثم جاءنا في الجمعة المقبلة فأحببناه وسألناه عن منزله فقال: أنزل الحربية فسألناه عن كنيته فقال: أبو عبد الله. فرغبنا في مجالسته ورأينا مجلسنا مجلس فقه. فمكثنا بذلك زماناً ثم انقطع عنا فقال بعضنا لبعض: ما حالنا؟ قد كان مجلسنا عامراً بأبي عبد الله وقد صار موحشاً فوعد بعضنا بعضاً إذا أصبحنا أن نأتي الحربية فنسأل عنه. فأتينا الحربية وكنا عدداً فجعلنا نستحي أن نسأل عن أبي عبد الله فنظرنا إلى صبيان قد انصرفوا من الكتاب فقلنا: أبو عبد الله. فقالوا: لعلكم تعنون الصياد؟ قلنا نعم. قالوا هذا وقته الآن يجيء. فقعدنا ننتظره فإذا هو قد أقبل مؤتزراً بخرقة وعلى كتفه خرقة ومعه أطيار مذبحة وأطيار أحياء. فلما رآنا تبسم إلينا وقال: ما جاء بكم؟ فقلنا: فقدناك وقد كنت غمرت مجلسنا فما غيبك عنا؟ قال: إذاً أصدقكم. كان لنا جار كنت أستعير منه كل يوم ذاك الثوب الذي كنت آتيكم فيه وكان غريباً فخرج إلى وطنه فلم يكن لي ثوب آتيكم فيه هل لكم أن تدخلوا المنزل فتأكلوا مما رزق الله عز وجل؟ فقال بعضنا لبعض: ادخلوا منزله فجاء إلى الباب فسلم ثم صبر قليلاً ثم دخل فأذن لنا فدخلنا فإذا هو قد أتى بقطع من البواري فبسطها لنا فقعدنا فدخل إلى المرأة فسلم إليها الأطيار المذبحة وأخذ الأطيار الأحياء ثم قال: أنا آتيكم إن شاء الله عن قريب فأتى السوق فباعها واشترى خبزاً فجاء وقد صنعت المرأة ذلك الطير وهيأته فقدم إلينا خبزاً ولحم طير فأكلنا فجعل يقوم فيأتينا بالملح والماء فكلما قام قال بعضنا لبعض: رأيتم مثل هذا؟ ألا تغيرون أمره وأنتم سادة أهل البصرة؟ فقال أحدهم: علي خمسمائة. وقال الآخر: علي ثلثمائة. وقال هذا وقال هذا، وضمن بعضهم أن يأخذ له غيره. فبلغ الذي جمعوا في الحساب خمسة آلاف درهم فقالوا: قوموا بنا نذهب فنأتيه بهذا ونسأله أن يغير بعض ما هو فيه. فقمنا فانصرفنا على حالنا ركباناً فمررنا بالمربد فإذا محمد بن سليمان أمير البصرة قاعد في منظرة له فقال: يا غلام ائتني بإبراهيم بن شبيب بن شيبة من بين القوم. فجئت فدخلت عليه فسألني عن قصتنا ومن أين أقبلنا فصدقته الحديث. فقال: أنا أسبقكم إلى بره،

يا غلام ائتني ببدرة دراهم فجاء بها فقال: ائتني بغلام فراش فجاء فقال: احمل هذه البدرة مع هذا الرجل حتى تدفعها إلى من أمرنا. ففرحت ثم قمت مسرعاً فلما أتيت الباب سلمت فاجابني أبو عبد الله ثم خرج إلي. فلما رأى الفراش والبدرة على عنقه كأني سفيت في وجهه الرماد وأقبل علي بغير الوجه الأول فقال: ما لي ولك يا هذا؟ أتريد أن تفتنني؟ فقلت: يا عبد الله اقعد حتى أخبرك أنه من القصة كذا وكذا، وهو الذي تعلم أحد الجبارين، يعني محمد بن سليمان، ولو كان أمري أن أضعها حيث أرى لرجعت إليه فأخبرته إني قد وضعتها. فالله الله في نفسك. فازداد علي غيظاً وقام فدخل منزله وأصفق الباب في وجهي، فجعلت أقدم وأؤخر ما أدري ما أقول للأمير. ثم لم أجد بداً من الصدق فجئت فأخبرته الخبر فقال: حروري والله، يا غلام علي بالسيف. فجاء بالسيف فقال له: خذ بيد هذا الغلام حتى يذهب بك إلى هذا الرجل فإذا أخرجه إليك فاضرب عنقه وائتني برأسه، قال إبراهيم: فقلت أصلح الله الأمير، الله الله، فوالله لقد رأينا رجلاً ما هو من الخوارج ولكني أذهب فآتيك به وما أريد بذلك إلا افتداء منه. قال فضمننيه فمضيت حتى أتيت الباب فسلمت فإذا المرأة تحن وتبكي، ثم فتحت الباب وتوارت فأذنت لي فدخلت فقالت: ما شأنكم وشأن أبي عبد الله؟ فقلت: ما حاله؟ قالت: دخل فمال إلى الركى فنزع منها ماء فتوضأ ثم سمعته يقول: اللهم اقبضني إليك ولا تفتني. ثم تمدد وهو يقول ذلك. فلحقته وقد قضى فهو ذاك ميت. فقلت: يا هذه إن لنا قصة عظيمة فلا تحدثوا فيه شيئاً. فجئت محمد بن سليمان وأخبرته الخبر فقال: أنا أركب فأصلي على هذا. قال: وشاع خبره بالبصرة فشهده الأمير وعامة أهل البصرة. رحمة الله عليه.

وممن تأخر عن هذه الطبقة

وممن تأخر عن هذه الطبقة أبو الحسن البصري ... وممن تأخر عن هذه الطبقات: 570 - أبوا الحسن البصري أصله من مكة وسكن البصرة وإنما يعرف بالمكي. أنبأنا محمد بن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال: كان أبو الحسن المكي يسف الخوص وكان لا يملك إلا داراً فلما ضعف عن سف الخوص باعها على شرط أن يكريه المشتري إياها وأودع الثمن عند المشتري، وكان يأخذ منه في كل شهر خمسة دراهم لنفقته ويعطي المشتري أجرة الدار. فمات قبل أن ينفذ الثمن، وكانت له جبة صوف بيضاء أقامت معه عشرين سنة شتاء وصيفاً ما لبس غيرها، وكانت في نهاية الحسن والنقاء والنظافة والصحة. وكان موته حوالي سنة خمسين وثلثمائة وكانت جنازته عظيمة.

_ 570 - هو: أبو الحسن البصري، علي بن بكار المصيصي،..... صدوق من العاشرة مات في حدود الأربعين.

ذكر المصطفين من عباد البصرة المجاهيل الأسماء

ذكر المصطفين من عباد البصرة المجاهيل الأسماء 571 - عابد عن الحسن قال: احترقت أخصاص بالبصرة وبقي في وسطها خص لم يحترق وأمير البصرة يومئذ أبو موسى الأشعري. فخبر بذلك فبعث إلى صاحب الخص فأتي به فإذا شيخ فقال: يا شيخ ما بال خصك لم يحترق؟ قال: إني أقسمت على ربي أن لا يحرقه فقال أبو موسى: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يكون في أمتي رجال طلس رؤوسهم، دنس ثيابهم، لو أقسموا على الله لأبرهم" 1. 572 - عابد آخر قال إبراهيم بن عبد الله بن المديني: قيل للحسن: ههنا رجل لم نره قط جالساً إلى أحد إنما هو أبداً خلف سارية وحده. فقال الحسن: إذا رأيتموه فأخبروني به. قال فمر به ذات يوم ومعهم الحسن فأشاروا له إليه فقالوا: ذلك الرجل الذي أخبرناك. فقال: امضوا حتى آتيه. فلما جاءه قال: يا عبد الله أراك قد حببت إليك العزلة فما يمنعك من مخالطة الناس؟ قال: ما أشغلني عن الناس. قال: فيأتي هذا الرجل الذي يقال له الحسن فتجلس إليه. قال ما أشغلني عن الحسن وعن الناس. قال: له الحسن: فما الذي شغلك -يرحمك الله - عن الناس وعن الحسن؟ قال: إني أمسي وأصبح بين ذنب ونعمة، فرأيت أن أشغل نفسي عن الناس بالاستغفار للذنب والشكر لله على النعمة. فقال له الحسن: أنت يا عبد الله أفقه عندي من الحسن، الزم ما أنت عليه. 573 - عابد آخر عطية بن سليمان قال: صليت الجمعة ثم انصرف فجلست إلى يونس بن عبيد حتى صلينا العصر فقال: هل لكم في جنازة فلان؟ فمشينا إلى ناحية بني سعد فصلينا على الجنازة ثم قال: هل لكم في فلان العابد نعوده فأتينا رجلاً قد وقعت في فيه الخبيثة حتى أبدت عن أضراسه فكان إذا أراد أن يتكلم دعا بعقب من ماء وبقطنة فيبل لسانه حتى يبتل ثم يتكلم بكلمات يحسن فيهن.

_ 1 أخرجه الديلمي في مسنده انظر كنز العمال 3/158 رقم 5954.

فلما دخلنا عليه دعا بالقدح ليفعل ما كان يفعل، فبينا هو يبل لسانه سقطت حدقتاه في القدح فأخذهما فمر بهما بيده ثم قال: إني لأجد فيهما دسماً وما كنت أظنه بقي فيهما. ثم استقبل القبلة فقال: الحمد لله الذي أعطانيهما وأمتعني بهما شبابي وصحتي حتى إذا أفنيت أيامي وحضر أجلي أخذهما مني ليبدلني بهما إن شاء الله خيراً منهما. فقال له يونس: قد كنا تهيأنا لنعزيك فنحن الآن نهنئك فقال خيراً ودعا. ثم خرجنا من عنده. 574 - عابد آخر محمد بن عبد الرحمن عن الرجل الذي حدثه أنهم كانوا بالبصرة في شدة قحط الناس فيها وغلا سعرهم واحتبس عنهم المطر فخرجوا يستسقون، وخرجت اليهود والنصارى، فاعتزلت اليهود معهم التوراة، واعتزلت النصارى معهم الإنجيل، واعتزل المسلمون، كلهم يدعون وانصرفوا يومهم ذلك. قال: فبينا أنا بعد ذلك أمشي في طريق المريد نظرت فإذا بين يدي فتى عليه أطمار، تقيلة النفس فهو يمشي وأنا خلفه حتى خرج إلى الجبان فدخل بعض تلك المساجد التي بالقرب من المقابر ودخلت خلفه تحول بيني وبينه أركان المسجد فصلى ركعتين ثم رفع يديه يدعو، وقال في دعائه: يا رب استغاث بك عبادك فلم تسقهم، يا رب الآن شمتت بنا اليهود والنصارى، أقسمت عليه يا رب إلا سقيتنا الساعة ولم تردني. قال: فما برح يدعو حتى جاءت السحابة ومطرنا فخرج وخرجت في أثره لأعرف موضعه فجاء إلى دار فيها أخصاص وأكواخ فيها سكان فدخل بيتاً منها فعرفت موضعه. فانصرفت عنه وهيأت دراهم في صرة ثم جئت فاستأذنت عليه فدخلت فإذا ليس في البيت إلا قطعة حصير ومطهرة فيها ماء وإذا هو قاعد يعمل الخوص فسلمت فرحب بي وبش فتحدثت ساعة ثم أخرجت الصرة وقلت: رحمك الله انتفع بهذه فتبسم وقال: جزاك الله خيراً أنا في غنى عنها. فألححت عليه فجعل يدعو ويأبى أن يأخذها. فلما أكثرت عليه تنكر لي وقال: حسبك الآن ليس بي إليها حاجة. قال: فأقبلت عليه وقلت: رحمك الله إن لي عليك حقاً قال: وما هو رحمك الله؟ قلت: كنت أسمع دعاءك حين خرجت إلى الجبان. قال: فاصفر وجهه حتى أنكرته وساءه ما قلت له. ثم خرجت من عنده. فلما كان بعد ذلك بأيام أتيته فلما دخلت الدار جعل سكان الدار يصيحون بقيم الدار: هو

ذا هو قد جاء. فجاء إلي فتعلق بي وقال: يا عدو نفسه ما صنعت بذاك الفتى الذي جئته اليوم الأول؟ أي شيء أسمعته؟ قلت: لا تعجل حتى أخبرك بالحديث، فقال: إنك لما خرجت من عنده قام في الحال فأخذ حصيره ومطهرته وودعنا وخرج ولم يعد إلينا إلى الساعة لا ندري أين توجه؟ 575 - عابد آخر عن مالك بن دينار قال: احتبس علينا المطر بالبصرة فخرجنا يوماً بعد يوم نستسقي فلم نر أثراً لإجابة. فخرجت أنا وعطاء السليمي وثابت البناني ومحمد بن واسع وحبيب الفارسي وصالح المرب وآخرين حتى صرنا إلى المصلى بالبصرة فاستسقينا فلم نر أثراً لإجابة. وانصرف الناس وبقيت أنا وثابت في المصلى فلما أظلم الليل إذا بأسود دقيق الساقين عظيم البطن عليه مئزران من صوف، فجاء إلى ماء فتمسح ثم صلى ركعتين خفيفتين ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: سيدي إلى كم ترد عبادك فيما لا ينقصك أنفد ما عندك؟ أقسمت عليك بحبك لي إلا ما سقيتنا غيثك الساعة الساعة. فما أتم الكلام حتى تغيمت السماء وأخذتنا كأفواه القرب فما خرجنا حتى خضنا الماء. فتعجبنا من الأسود فتعرضت له فقلت: أما تستحيي ما قلت؟ قال: وما قلت؟ قلت قولك: بحبك لي، وما يدريك أنه يحبك؟ قال: تنح عن همتي يا من اشتغل عنه بنفسه أين كنت أنا حين خصني بتوحيده ومعرفته؟ أتراه بدأني بذلك إلا لمحبته لي؟ ثم بادر يسعى. فقلت: ارفق بنا. قال: أنا مملوك علي فرض من طاعة مالكي الصغير. فدخل دار نحاس فلما أصبحنا أتيت النحاس فقلت له: عندك غلام تبيعنيه للخدمة؟ قال: نعم عندي مائة غلام فجعل يخرج إلى واحداً بعد واحد وأنا أقول غير هذا. إلى أن قال: ما بقي عندي أحد فلما خرجنا إذا الأسود قائم في حجرة خربة فقلت: يعني هذا. قال: هذا غلام مشؤوم لا همة له إلا بالبكاء فقلت: ولذلك أريده فدعاه وقال لي: خذه بما شئت بعد أن تبرئني من عيوبه. فاشتريته بعشرين ديناراً. فلما خرجنا قال: يا مولاي لماذا اشتريتني؟ قلت: لنخدمك نحن. قال: ولم ذاك؟ قلت: أليس أنت صاحبنا البارحة في المصلى؟ قال: وقد اطلعت على ذلك فجعل يمشي حتى دخل مسجداً فصلى ركعتين ثم قال: إلهي وسيدي سر كان بيني وبينك أظهرته للمخلوقين، أقسمت عليك إلا قبضت روحي الساعة. فإذا هو ميت فبقبره نستسقي ونطلب الحوائج إلى يومنا هذا.

576 - عابد آخر حصين بن قاسم الوزان قال: كنا عند عبد الواحد وهو يعظ فناداه رجل من ناحية المسجد كف يا أبا عبيدة فقد كشفت قناع قلبي فلم يلتفت عبد الواحد ومر في الموعظة. فلم يزل الرجل يقول: كف يا أبا عبيدة فقد كشفت قناع قلبي وعبد الواحد يعظ ولا يقطع وموعظته حتى والله حشرج الرجل حشرجة الموت، ثم خرجت نفسه. قال: فأنا والله شهدت جنازته يومئذ فما رأيت بالبصرة يوماً أكثر باكياً من يومئذ. 577 - عابد آخر عن يزيد الرقاشي قال: دخلت على عابد بالبصرة وإذا أهل بيته حوله فإذا هو مجهود قد أجهده الاجتهاد. قال: فبكى أبوه فنظر إليه ثم قال: أيها الشيخ، ما الذي يبكيك؟ قال: يا بني أبكي فقدك وما أرى من جهدك. قال: فبكت أمه. فقال: أيتها الوالدة الشفيقة الرفيقة ما الذي يبكيك؟ قال: يا بني أبكي فراقك وما أتعجل من الوحشة بعدك. قال: فبكى أهله وصبيانه. فنظر إليهم ثم قال: يا معشر اليتامى بعد قليل، ما الذي يبكيكم؟ قالوا: يا أبانا نبكي فراقك وما نتعجل من اليتم بعدك. قال: فقال: أقعدوني أقعدوني ألا أرى كلكم يبكي لدنياي أما فيكم من يبكي لآخرتي؟ أما فيكم من يبكي لما يلقاه في التراب وجهي؟ أما فيكم من يبكي لمساءلة منكر ونكير وإياي؟ أما فيكم من يبكي لوقوفي بين يدي الله ربي؟ قال: ثم صرخ صرخة فمات. 578 - عابد آخر عبد الواحد بن زيد قال: خرجت إلى ناحية الحربية فإذا إنسان أسود مجذوم قد تقطعت كل جارحة له بالجذام وعمي وأقعد وإذا صبيان يرمونه بالحجارة حتى دموا وجهه. فرأيته يحرك شفتيه فدنوت منه لأسمع ما يقول فإذا هو يقول: يا سيدي إنك لتعلم أنك لو قرضت لحمي بالمقاريض ونشرت عظامي بالمناشير ما ازددت لك إلا حباً فاصنع بي ما شئت. 579 - عابد آخر فضيل أبو حاتم قال: لما كان حريق عرماز، كان رجل في خص له يسف خوصاً، والنار قد أحدقت به فلم يضره. فقيل له في ذلك فقال: إني عزمت على رب النار أن لا يحرقني بالنار. قيل له فاعزم عليه أن يطفئها. قال: ففعل. فلم تلبث النار أن طفئت.

580 - عباد سبعة عن صالح المري قال: قدم علينا ابن السماك مرة فقال لي: أرني بعض عجائب عبادكم فذهبت به إلى رجل في بعض الأحياء في خص له فاستأذنا عليه فدخلنا، فإذا رجل يعمل خوصاً له فقرأت {إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} غافر فشهق الرجل فإذا هو قد يبس مغشياً عليه. فخرجنا من عنده وتركناه على حاله وذهبنا إلى آخر فاستأذنا عليه فقال: ادخلوا إن لم تشغلونا عن ربنا. فدخلنا فإذا رجل جالس في مصلى له فقرأت: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} إبراهيم فشهق شهقة بدر الدم من منخريه ثم جعل يتشحط في دمه حتى يبس، فخرجنا من عنده وتركناه على حاله، حتى أدرته على ستة أنفس، كل نخرج من عنده وهو على هذه الحالة. ثم أتيت به السابع فاستأذنت فإذا امرأة له من وراء الخص تقول: ادخلوا. فدخلنا فإذا شيخ فان جالس في مصلاة فسلمنا فلم يعقل سلامنا. فقلت بصوت عال: إن للخلق غداً مقاماً. فقال الشيخ بين يدي من ويحك؟ ثم بقي مبهوتاً فاتحاً فاه شاخصاً بصره يصيح بصوت له ضعيف حتى انقطع. فقالت امرأته: اخرجوا عنه فإنكم ليس تنتفعون به الساعة. فلما كان بعد ذلك سألت عن القوم فإذا ثلاثة قد أفاقوا وثلاثة قد لحقوا بالله عز وجل، وأما الشيخ فإنه مكث ثلاثة أيام على حالته مبهوتاً متحيراً لا يؤدي فرضاً فلما كان بعد ثالثة عقل. 581 - عابدان ابن سماك قال: دخلت البصرة فقلت لرجل كنت أعرفه دلني على عبادكم. فأدخلني على رجل عليه لباس الشعر، طويل الصمت لا يرفع رأسه إلى أحد. قال فجعلت أستنطقه الكلام فلا يكلمني. فخرجت من عنده فقال لي صاحبي: ههنا ابن عجوز هل لك فيه؟ قال: فدخلنا عليه فقالت العجوز: لا تذكروا لابني شيئاً من ذكر جنة ولا نار فتقتلوه علي فإنه ليس لي غيره، قال: فدخلنا على شاب عليه من اللباس نحو مما على صاحبه منكس الرأس طويل الصمت فرفع رأسه فنظر إلينا ثم قال: أما إن للناس موقفاً لا بد أن يقفوه قال: فقلت بين يدي من رحمك الله؟ قال: فشهق شهقة فمات، قال ابن السماك فجاءت العجوز فقالت: قتلتم ولدي. قال: فكنت فيمن صلى عليه.

582 - عابد آخر أبو عبد الله خرزي قال قلت لمحمد بن السماك: أخبرني عن أعجب شيء رأيته من الخائفين. قال: اشتقت إلى عباد البصرة فأتيت الربيع بن صبيح فنزلت عليه ثم قلت له: هل تعرف ههنا أحداً من الخائفين؟ قال: نعم ههنا زاهد يقال إنه من الخائفين قلت له فبكر بنا إذا صلينا. قال فبكرنا إلى بعض زوايا البصرة فدق باباً فخرجت عجوز فسلم عليها ثم قال: ما فعل ابنك؟ قالت إن ابني قد نسي الدنيا. قال: أتأذنين لنا أن ندخل عليه؟ قالت: بشرط أن لا تذكروا له القيامة. قال: فأذنت لنا فدخلنا فإذا شاب عليه مدرعة شعر، في عنقه طوق وسلسلة مشدودة بسارية البيت، فإذا قبر محفور وإذا هو جالس على شفير قبره ينظر في لحده فقال الربيع: يا هذا أخوك محمد بن السماك المذكر أتاك زائراً. فالتفت إليه فقال: ما أنت قائل؟ فتلجلج لساني وهنت فجهدت الجهد أن أنطلق فما قدرت. فخرجنا يومئذ ثم عدت في اليوم الثاني فإذا هو على حالته التي رأيناها أمس فالتفت إلي فقال: ما أنت قائل؟ فتلجلج لساني. ثم قلت إن للعباد مقاما. قال: ويحج عند من؟ قلت: عند مالك الملوك. فشهق شهقة فإذا هو ميت في قبره.

من عقلاء المجانين بالبصرة

ومن عقلاء المجانين بالبصرة: 583 - رجل لم يعرف اسمه أبو أحمد بن روح قال حدثني بعض أصحابنا قال: رأيت مجنوناً بالبصرة قد نظر إلى جنازة فأنشأ يقول: وصف الطبيب فهم بما ... وصف الطبيب يعالجونه يرجون صحة جسمه ... هيهات مما يرتجونه قال: ثم غلبه البكاء ومضى.

ذكر المصطفات من عابدات البصرة

ذكر المصطفات من عابدات البصرة معاذة بنت عبد الله العدوية ... ذكر المصطفيات من عابدات البصرة 584 - معاذة بنت عبد الله العدوية وتكنى أم الصهباء. محمد بن فضيل قال: حدثنا أبي قال: كانت معاذة العدوية إذا جاء النهار قالت: هذا يومي الذي أموت فيه، فما تنام حتى تمسي وإذا جاء الليل قالت: هذه ليلتي التي أموت فيها فلا تنام حتى تصبح وإذا جاء البرد لبست الثياب الرقاق حتى يمنعها البرد من النوم. الحكم بن سنان الباهلي قال: حدثتني امرأة كانت تخدم معاذة العدوية قالت: كانت تحيي الليل صلاة فإذا غلبها النوم قامت فجالت في الدار وهي تقول: يا نفس، النوم أمامك لو قدمت لطالت رقدتك في القبر على حسرة أو سرور. قالت: فهي كذلك حتى تصبح. قال عبد الرحمن بن عمرو الباهلي: وحدثتنا دلال ابنة أبي المدل قالت: حدثتني آسية بنت عمرو العدوية قالت: كانت معاذة العدوية تصلي في كل يوم وليلة ستمائة ركعة وتقرأ جزءها من الليل تقوم به. وكانت تقول عجبت لعين تنام وقد عرفت طول الرقاد في ظلم القبور. الحسن بن علي بن مسلم الباهلي قال: سمعت أبا السور العدوي يقول: بنو عدي أشد أهل هذه البلدة اجتهاداً، هذا أبو الصهباء لا ينام ليله ولا يفطر نهاره، وهذه امرأته معاذة ابنة عبد الله لم ترفع رأسها إلى السماء أربعين عاماً. عن زهير السلولي، عن رجل من بني عدي، عن امرأة منهم أرضعتها معاذة ابنة عبد الله قالت: قالت لي معاذة: يا بنية كوني من لقاء الله عز وجل على حذر ورجاء، وإني رأيت الراجي له محقوقاً بحسن الزلفى لديه يوم يلقاه، ورأيت الخائف له مؤملاً للأمان يوم يقوم الناس لرب العالمين ثم بكت حتى غلبها البكاء. حماد بن سلمة قال: أنبأ ثابت البناني أن صلة بن أشيم كان في مغزى له ومعه ابن له، فقال: أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك. فحمل فقاتل حتى قتل ثم تقدم فقتل فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة العدوية فقالت: مرحباً، إن كنتن جئتن لتهنئتي، فمرحباً بكن وإن كنتن جئتن بغير ذلك فارجعن.

_ 584 - هي: معاذة بنت عبد الله، أم الصهباء البصرية، ثقة، من الثالثة.

سلمة بن حسان العدوي قال: أنبأ الحسن أن معاذة لم توسد فراشاً بعد أبي الصهباء حتى ماتت. عمران بن خالد قال: حدثتني أم الأسود بنت زيد العدوية وكانت معاذة قد أرضعتها قالت: قالت لي معاذة لما قتل أبو الصهباء وقتل ولدها والله يا بنية ما محبتي للبقاء في الدنيا للذيذ عيش ولا لروح نسيم، ولكن والله أحب البقاء لأتقرب إلى ربي عز وجل بالوسائل لعله يجمع بيني وبين أبي الصهباء وولده في الجنة. روح بن سلمة الوراق قال: سمعت عفيرة العابدة تقول: بلغني أن معاذة العدوية لما احتضرها الموت بكت ثم ضحكت. فقيل لها: مم بكيت ثم ضحكت فمم البكاء ومم الضحك؟ قالت: أما البكاء الذي رأيتم فإني ذكرت مفارقة الصيام والصلاة والذكر فكان البكاء لذلك، وأما الذي رأيتم من تبسمي وضحكي فإني نظرت إلى أبي الصهباء قد أقبل في صحن الدار وعليه حلتان خضراوان وهو في نفر والله ما رأيت لهم في الدنيا شبهاً فضحكت إليه ولا أراني أدرك بعد ذلك فرضاً. قال فماتت قبل أن يدخل وقت الصلاة. أدركت معاذة عائشة وروت عنها. وروى عن معاذة الحسن البصري وأبو قلابة، ويزيد الرشك.

حفصة بنت سيرين

585 - حفصة بنت سيرين عن عاصم الأحول قال: كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا وتنقبت به فنقول لها: رحمك الله قال الله: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} النور: 60 وهو الجلباب. قال فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} النور: 60 فتقول: هو إثبات الجلباب. هشام بن حسان قال: كانت حفصة تقول لنا: يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم وأنتم شباب فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب. قال: قرأت القرآن وهي ابنة اثنتي عشرة سنة وماتت وهي ابنة تسعين. عن هشام أن حفصة كانت تدخل في مسجدها فتصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء

_ 585 - هي: حفصة بنت سيرين، أم الهذيل الأنصارية، البصرية ثقة من الثالثة، ماتت بعد المائة.

والصبح ثم لا تزال فيه حتى يرتفع النهار وتركع ثم تخرج فيكون عند ذلك وضوءها ونومها، حتى إذا حضرت الصلاة عادت إلى مسجدها إلى مثلها. عن مهدي بن ميمون قال: مكثت حفصة في مصلاها ثلاثين سنة لا تخرج إلا لحاجة أو لقائلة. عن هشام أن ابن سيرين كان إذا أشكل عليه شيء من القراءة قال: اذهبوا فسلوا حفصة كيف تقرأ. هشام بن حسان. قال كان الهذيل بن حفصة يجمع الحطب في الصيف فيقشره ويأخذ القصب. فيفلقه قالت حفصة: وكنت أجد قرة فكان إذا جاء الشتاء جاء بالكانون فيضعه خلفي وأنا في مصلاي ثم يقعد فيوقد بذلك الحطب المقشر وذاك القصب المفلق وقوداً لا يؤذي دخانه ويدفئني. نمكث بذلك ما شاء الله. قالت: وعند من يكفيه لو أراد ذلك. قالت: وربما أردت أنصرف إليه فأقول: يا بني ارجع إلى أهلك ثم أذكر ما يريد فأدعه. قالت حفصة: فلما مات رزق الله عليه من الصبر ما شاء أن يرزق غير أني كنت أجد غصة لا تذهب، قالت: فبينا أنا ذات ليلة أقرأ سورة النحل إذ أتيت على هذه الآية {وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} النحل قالت: فأعدتها فأذهب الله ما كنت أجد. قال هشام: وكانت له لقحة. قالت حفصة: كان يبعث إلى بحلبة بالغداة فأقول: يا بني إنك لتعلم أني لا أشربه، أنا صائمة. فيقول: يا أم الهذيل إن أطيب اللبن ما بات في ضروع الإبل، اسقيه من شئت. عن هشام بن حسان قال: اشترت حفصة جارية أظنها سندية فقيل لها: كيف رأيت مولاتك؟ فذكر إبراهيم كلاماً بالفارسية تفسيره أنها امرأة صالحة إلا أنها أذنبت ذنباً عظيماً فهي الليل كله تبكي وتصلي. عبد الكريم بن معاوية قال: ذكر لي عن حفصة أنها كانت تقرأ نصف القرآن في كل ليلة وكانت تصوم الدهر وتفطر العيدين وأيام التشريق.

عن هشام بن حسان قال: قد رأيت الحسن وابن سيرين وما رأيت أحداً أرى أنه أعقل من حفصة. عن هشام عن حفصة قال: كان لها كفن معد فإذا حجت وأحرمت لبسته وكانت إذا كانت العشر الأواخر من رمضان قامت من الليل فلبسته. عن هشام قال: حدثتني أم سليم بنت سيرين قالت: ربما نور لحفصة بنت سيرين بيتها. عن هشام قال: كانت حفصة بنت سيرين تسرج سراجها من الليل ثم تقوم في مصلاها فربما طفئ السراج فيضيء لها البيت حتى تصبح.

كريمة بنت سيرين

586 - كريمة بنت سيرين أخت حفصة. عن مهدي بن ميمون قال: مكثت كريمة بنت سيرين أخت حفصة بنت سيرين خمس عشرة سنة ما تخرج من مصلاها إلا لقضاء حاجة.

منيبة البصرية وابنتها

587 - منيبة البصرية وابنتها أبو عياش القطان قال: كانت امرأة بالبصرة متعبدة يقال لها منيبة، وكانت لها ابنة أشد عبادة منها. فكان الحسن ربما رآها وتعجب من عبادتها على حداثتها. فبينا الحسن ذات يوم جالس إذ أتاه آت فقال: أما علمت أن الجارية قد نزل بها الموت فوثب الحسن فدخل عليها فلما نظرت الجارية إليه بكت. فقال لها يا حبيبتي ما يبكيك؟ قالت له: يا أبا سعيد التراب يحثى على شبابي ولم أشبع من طاعة ربي يا أبا سعيد انظر إلى والدتي وهي تقول لوالدي: احفر لا بنتي قبراً واسعاً وكفنها بكفن حسن، والله لو كنت أجهز إلى مكة لطال بكائي، كيف أنا أجهز إلى ظلمة القبور ووحشتها وبيت الظلمة والدود؟.

رابعة العدوية

588 - رابعة العدوية عبد الله بن عيسى قال: دخلت على رابعة العدوية بيتها فرأيت على وجهها النور وكانت كثيرة البكاء فقرأ رجل عندها آية من القرآن فيها ذكر النار فصاحت ثم سقطت.

_ 588 - هي: رابعة العدوية البصرية، الزاهدة، العابدة، الخاشعة، أم عمرو، رابعة بنت إسماعيل، ولاؤها للعتكيين، ولها سيرة في جزء لابن الجوزي، توفيت سنة ثمانين ومائة سير أعلام النبلاء 7/508.

ودخلت عليها وهي جالسة على قطعة بوري خلق فتكلم رجل عندها بشيء فجعلت أسمع وقع دموعها على البوري مثل الوكف، ثم اضطربت وصاحت فقمنا وخرجنا. مسمع بن عاصم ورياح القيسي قالا: شهدنا رابعة وقد أتاها رجل بأربعين ديناراً فقال لها: تستعينين بها على بعض حوائجك. فبكت ثم رفعت رأسها إلى السماء فقال: هو يعلم أني أستحيي منه أن أسأله الدنيا وهو يملكها، فكيف أريد أن آخذها ممن لا يملكها؟. محمد بن عمرو قال: دخلت على رابعة وكانت عجوزاً كبيرة بنت ثمانين سنة كأنه الشن تكاد تسقط ورأيت في بيتها كراخة بواري ومشجب قصب فارسي طوله من الأرض قدر ذراعين، وستر البيت جلد وربما كان بورياً، وحب وكو ولبد هو فراشها وهو مصلاها. وكان لها مشجب من قصب عليه أكفانها وكانت إذا ذكرت الموت انتفضت وأصابتها رعدة وإذا مرت بقوم عرفوا فيها العبادة. وقال لها رجل: ادعي، فالتصقت بالحائط وقالت: من أنا يرحمك الله؟ أطع ربك وادعه فإنه يجيب المضطرين. سجف بن منظور قال: دخلت على رابعة وهي ساجدة فلما أحست بمكاني رفعت رأسها فإذا موضع سجودها كهيئة الماء المستنقع من دموعها. فسلمت فأقبلت علي فقالت: يا بني ألك حاجة؟ فقلت: جئت لأسلم عليك، قال: فبكت وقالت: سترك اللهم سترك ودعت بدعوات ثم قامت إلى الصلاة وانصرفت. العباس بن الوليد قال: قالت رابعة: أستغفر الله من قلة صدقي في قولي، أستغفر الله. أزهر بن مروان قال: دخل على رابعة رياح القيسي، وصالح بن عبد الجليل وكلاب، فتذاكروا الدنيا فأقبلوا يذمونها فقالت رابعة: إني لأرى الدنيا بترابيعها في قلوبكم. قالوا: ومن أين توهمت علينا؟ قالت: إنكم نظرتم إلى أقرب الأشياء من قلوبكم فتكلمتم فيه. أبو جعفر المديني، عن شيخ من قريش قال: قيل لرابعة: هل عملت عملاً ترين أنه يقبل منك؟ قالت: إن كان فمخافتي أن يرد علي. جعفر بن سليمان قال: أخذ بيدي سفيان الثوري وقال: مر بنا إلى المؤدبة التي لا أجد من أستريح إليه إذا فارقتها. فلما دخلنا عليها رفع سفيان يده وقال: اللهم إني أسألك السلامة فبكت رابعة. فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: أنت عرضتني للبكاء. فقال: وكيف؟ قالت: أما علمت أن السلامة من الدنيا ترك ما فيها فكيف وأنت متلطخ بها؟.

وقال الثوري بين يدي رابعة: واحزناه، فقالت: لا تكذب. قل: واقلة حزناه، لو كنت محزوناً ما هناك العيش. جعفر بن سليمان قال: سمعت رابعة تقول لسفيان: إنما أنت أيام معدودة، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل وأنت تعلم، فاعمل. عبيس بن مرحوم العطار قال: حدثتني عبدة بنت أبي شوال، وكانت من خيار إماء الله، وكانت تخدم رابعة. قالت: كانت رابعة تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر، فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذلك وهي فزعة: يا نفس كم تنامين؟ وإلى كم تقومين؟ يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور. قالت: فكان هذا دأبها دهرها حتى ماتت. فلما حضرتها الوفاة دعتني قالت: يا عبدة لا تؤذني بموتي أحداً وكفنيني في جبتي هذه، جبة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون. قالت: فكفناها في تلك الجبة وخمار صوف كانت تلبسه. قالت عبدة: رأيتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامي عليها حلة إستبرق خضراء وخمار من سندس أخضر لم أر شيئاً قط أحسن منه. فقلت: يا رابعة: ما فعلت الجبة التي كفناك فيها والخمار الصوف؟ قالت: إنه والله نزع عني وأبدلت به هذا الذي ترينه علي. وطويت أكفاني وختم عليها ورفعت في عليين لكيل لي بها ثوابها يوم القيامة. قالت: فقلت لها: لهذا كنت تعملين أيام الدنيا؟ قالت: وما هذا من كرامة الله عز وجل لأوليائه. قالت فقلت: فما فعلت عبدة بنت أبي كلاب؟ فقالت: هيهات هيهات، سبقتنا والله إلى الدرجات العلى. قالت قلت: وبم وقد كنت عند الناس؟ أي أكثر منها. قالت: إنها لم تكن تبالي على أي حالة أصبحت من الدنيا وأمست. قالت: فقلت: فما فعل أبو مالك؟ تعني ضبغماً. قالت: يزور الله متى شاء. قالت قلت: فما فعل بشر بن منصور؟ قالت: بخ بخ أعطي والله فوق ما كان يأمل. قالت قلت: فمريني بأمر أتقرب به إلى الله عز وجل. قالت عليك بكثرة ذكره، أوشك أن تغتبطي بذلك في قبرك. قلت: اقتصرت ههنا على هذا القدر من أخبار رابعة لأني قد أفردت لها كتاباً جمعت فيه كلامها وأخبارها.

عجردة العمية

589 - عجردة العمية رجاء بن مسلم العبدي قال: كنا نكون عند عجردة العمية في الدار. قال: فكانت تحيي الليل صلاة. وربما قال: تقوم من أول الليل إلى السحر فإذا كان السحر نادت بصوت لها محزون: إليك قطع العابدون دجى الليالي بتبكير الدلج إلى ظلم الأسحار يستبقون إلى رحمتك وفضل مغفرتك، فبك إلهي لا بغيرك أسألك أن تجعلني في أول زمرة السابقين إليك، وأن ترفعني إليك في درجة المقربين، وأن تلحقني بعبادك الصالحين، فأنت أكرم الكرماء، وأرحم الرحماء، وأعظم العظماء، يا كريم. ثم تخر ساجدة فلا تزال تبكي وتدعو في سجودها حتى يطلع الفجر فكان ذلك دأبها ثلاثين سنة، عبد الرحمن بن عمرو الباهلي قال: حدثتني دلال بنت أبي المدل قالت: حدثتني أمي آمنة بنت يعلى بن سهيل قالت: كانت عجردة العمية تغشانا فتظل عندنا اليوم واليومين. قالت: فكانت إذا جاء الليل لبست ثيابها وتقنعت ثم قامت إلى المحراب فلا تزال تصلي إلى السحر ثم تجلس فتدعو حتى يطلع الفجر. قالت: فقلت لها، أو قال لها بعض أهل الدار: لو نمت من الليل شيئاً. فبكت وقالت: ذكر الموت لا يدعني أنام. جعفر بن سليمان قال: حدثني بعض نسائي، أمي أو غيرها من أهلي قالت: رأيت عجردة العمية في يوم عيد عليها جبة صوف، وقناع صوف، وكساء صوف. قالت: فنظرت فإذا هي جلد وعظم. قالت: وسمعتهم يذكرون عنها أنها لم تفطر ستين عاماً.

حبيبة العدوية

590 - حبيبة العدوية عن عبد الله المكي أبي محمد قال: كانت حبيبة العدوية إذا صلت العتمة قامت على سطح فشدت عليها درعها وخمارها. فقالت: إلهي غارت النجوم، ونامت العيون وغلقت الملوك أبوابها، وبابك مفتوح، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك. فإذا كان السحر قالت: اللهم وهذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأهنى أم رددتها علي فأعزى، فوعزتك لهذا دأبي ودأبك أبداً ما أبقيتني، وعزتك لو انتهرتني ما برحت من بابك ولا وقع في قلبي غير جودك وكرمك.

أم الأسود بنت زيد العدوية

591 - أم الأسود بنت زيد العدوية أبو عبد الرحمن السلمي قال: كانت معاذة العدوية أرضعت أم الأسود. وقالت أم

الأسود: قالت لي معاذة العدوية: لا تفسدي رضاعي بأكل الحرام، فإني جهدت جهدي حين أرضعتك حتى أكلت الحلال فاجتهدي أن لا تأكلي إلا حلالاً لعلك أن توفقي لخدمة سيدك والرضا بقضائه. فكانت أم الأسود تقول: ما أكلت شبهة إلا فاتتني فريضة أو ورد من أورادي.

مريم البصرية

592 - مريم البصرية كانت تخدم رابعة العدوية، وكانت إذا سمعت علوم المحبة طاشت فحضرت بعض المذكرين فتكلم في المحبة. فماتت في المجلس. عبد العزيز بن عمير قال: قامت مريم البصرية المتعبدة من أول الليل فقالت: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} الشورى: 19. ثم لم تجزه حتى أصبحت. وقالت مريم: ما اهتممت بالرزق ولا تعبت في طلبه منذ سمعت الله عز وجل يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} الذاريات.

عفيرة العابدة

593 - عفيرة العابدة روح بن سلمة الوراق قال لعفيرة العابدة: بلغني أنك لا تنامين بالليل؛ فبكت، ثم قالت: ربما اشتهيت أن أنام فلا أقدر عليه، وكيف ينام أو كيف يقدر على النوم، من لا ينام عنه حافظاه ليلاً ولا نهاراً؟ قال: فأبكتني والله، وقلت في نفسي: أراني في شيء وأراك في شيء. يحيى بن بسطام قال: دخلت مع نفر من أصحابنا على عفيرة، وكانت قد تعبدت وبكت حتى عميت. فقال بعض أصحابنا لرجل إلى جنبه: ما أشد العمى على من كان بصيراً. فسمعت عفيرة فقالت له: يا عبد الله عمى القلب، والله، عن الله أشد من عمى العين عن الدنيا، والله وددت أن الله وهب لي كنه محبته وأنه لم تبق مني جارحة إلا أخذها. عبد الوهاب بن صالح قال: سمعت محمد بن عبيد يقول: دخلنا على امرأة بالبصرة يقال لها عفيرة، فقيل لها: ياعفيرة ادعي الله لنا. فقالت: لو خرس الخاطئون ما تكلمت عجوزكم، ولكن المحسن أمر المسيء بالدعاء، جعل الله قراكم من بيتي الجنة، وجعل الموت مني ومنكم على بال. مالك بن ضيغم قال: سمعت عفيرة تقول عصيتك بكل جارحة مني على حدتها، والله لئن أعنت لأطيعنك ما استطعت بكل جارحة عصيتك بها.

قال محمد بن الحسين: وحدثني سعيد العمي قال: قلت لعفيرة: أما تسأمين من طول البكاء قال: فبكت ثم قالت: يا بني كيف يسأم ذو داء من شيء يرجو أن له فيه من دائه شفاء قال: ثم بكت. فقمت فخرجت وتركتها. بلغني عن يحيى بن راشد أنه قال: كنا عند عفيرة العابدة فقدم ابن أخ لها كانت طالت غيبته فبشرت به، فبكت فقيل لها: ما هذا البكاء؟ اليوم يوم فرح وسرور، فازدادت بكاء ثم قالت: والله ما أجد للسرور في قلبي مسكناً مع ذكر الآخرة، ولقد أذكرني قدومه يوم القدوم على الله، فمن بين مسرور ومثبور. ثم غشي عليها.

عبيدة بنت أبي كلاب

594 - عبيدة بنت أبي كلاب شعيب بن محرز قال: حدثتني سلامة العابدة قالت: بكت عبيدة بنت أبي كلاب أربعين سنة حتى ذهب بصرها. عن يحيى بن بسطام الأصغر قال: حدثني سلمة الأفقم، وكان ينزل الطفاوة، قال: قلت لعبيدة بنت أبي كلاب ما تشتهين؟ قالت: الموت. قلت: ولم؟ قالت: لأني والله في كل يوم أصبح أخشى أن أجني على نفسي جناية يكون فيها عطبي أيام الآخرة. عبد العزيز بن سلمان قال: اختلفت عبيدة وأبي إلى مالك بن دينار عشرين سنة. قال أبي: فما سمعتها تسأل مالكاً عن شيء قط إلا مرة، قالت: يا أبا يحيى متى يبلغ المتقي الدرجة العليا التي ليس فوقها درجة؟ قال مالك: بخ بخ يا عبيدة إذا بلغ المتقي تلك الدرجة العليا التي ليس فوقها درجة لم يكن شيء أحب إليه من القدوم على الله. قال: فصرخت عبيدة صرخة سقطت مغشياً عليها. داود بن المحبر قال: سمعت البراء الغنوي يقول يوم ماتت عبيدة بنت أبي كلاب: ما خلفت بالبصرة أفضل منها. عبد الله بن رشيد السعدي، وكان قد صحب عبد الواحد بن زيد، قال: رأيت الشيوخ والشباب والرجال والنساء من المتعبدين فما رأيت امرأة ولا رجلاً أفضل ولا أحسن عقلاً من عبيدة بنت أبي كلاب. عبيس بن مرحوم قال: حدثتني عبدة بنت أبي شوال قالت: رأيت رابعة في المنام فقلت: ما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب؟ فقالت: هيهات سبقتنا والله إلى الدرجات العلى، قلت: وبم وقد كنت عند الناس؟ أي أكثر منها. قالت: إنها لم تكن تبالي على ما أصبحت من الدنيا أو أمست.

عمرة امرأة حبيب العجمي

595 - عمرة امرأة حبيب العجمي الحسين بن عبد الرحمن قال: حدثني بعض أصحابنا قال: قالت امرأة حبيب أبي محمد، وانتبهت ليلة وهو نائم؛ فأنبهته في السحر وقالت له: قم يا رجل فقد ذهب الليل وجاء النهار وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ونحن قد بقينا. مسلم بن إبراهيم قال: سمعت سهيلاً أخا حزم قال: كانت لحبيب أبي محمد امرأة يقال لها عمرة، فاشتكت عينها فقيل لها: كيف تجدينك؟ قالت: وجع قلبي أشد من وجع عيني.

بردة الصريمية

596 - بردة الصريمية كانت إذا قيل لها: كيف أصبحت؟ تقول: أصبحنا أضيافاً منتجعين بأرض غربة ننتظر إجابة الداعي. أشرس أبو شيبان، وكان عابداً من البكائين، عن ثابت البناني أن امرأة من الصدر الأول كان يقال لها بردة، وكانت تكثر البكاء حتى فسد بصرها. فقيل لها: اتقي الله، أما تخافين على بصرك أن يذهب؟ قالت: دعوني فإن أكن من أهل النار فأبعدني الله وأبعد بصري، وإن أكن من أهل الجنة فسيبدلني الله عينين خيراً من عيني. عن موسى بن سعيد، أو غيره، قال: قيل للحسن: يا أبا سعيد إن ههنا امرأة يقال لها بردة قد فسدت عيناها من البكاء، فدخل عليها فقال لها: يا بردة إن لبدنك عليك حقاً، وإن لبصرك عليك حقاً. قالت: يا أبا سعيد إن أكن من أهل الجنة فسيبدلني الله بصراً خيراً من بصري، وإن أكن من أهل النار فأبعد الله بصري. عن عطاء بن المبارك قال: كانت بالبصرة امرأة جليلة متعبدة يقال لها بردة، وكانت تقوم الليل، فإذا سكنت الحركات وهدأت العيون نادت بصوت لها حزين: هدأت العيون وغارت النجوم وخلا كل حبيب بحبيبه، وقد خلوت بك يا محبوبي أفتراك تعذبني وحبك في قلبي؟ لا تفعل يا حبيباه. قال القرشي: وقال محمد بن الحسين حدثني شاذ بن فياض قال: حدثني رجل أدرك

الحسين قال: كانت امرأة في زمن الحسن إذا سمعت القرآن صرخت، فربما تكلمت بما لا تريد. فقيل لها في ذلك، فقالت ربما سمعت القرآن فأرى ملك بني مروان قد حوي لي. وكانت تبكي حتى يرحمها من رآها. وذكر محمد بن الحسين أن الحميدي حدثه قال: ذكر سفيان يوماً بردة فقال: رحمها الله ما كان ههنا من أولئك النساء المجاورات أشد اجتهاداً منها بكت حتى ذهب بصرها. قال سفيان: كانت إذا سمعت صوت الصواعق صرخت ولم تزل تصيح حتى يغشى عليها.

أم طلق

597 - أم طلق محمد بن سنان الباهلي قال: سمعت شعبة بن دخان يذكر أن أم طلق كانت تصلي في كل يوم وليلة أربعمائة ركعة، وتقرأ من القرآن ما شاء الله. شيبة بن الأرقم قال: سمعت عاصماً الجحدري يقول: كانت أم طلق تقول: ما ملكت نفسي ما تشتهي منذ جعل الله لي عليها سلطاناً. عن سفيان بن عيينة قال: قالت أم طلق لطلق: ما أحسن صوتك بالقرآن فليته لا يكون عليك وبالاً يوم القيامة. فبكى حتى غشي عليه. عن سلمة الأيهم قال: سمعت عاصماً الجحدري يقول: كانت أم طلق تقول: النفس ملك إن أتبعتها ومملوك إن أتعبتها.

أمة الجليل بنت عمرو العدوية

598 - أمة الجليل بنت عمرو العدوية أبو بكر بن عبيد قال: قرأت في كتاب محمد بن الحسين بخطه: حدثني حليم بن جعفر قال: حدثني مسمع بن عاصم قال: اختلف العابدون عندنا في الولاية، فقال بعضهم إذا استحقها عبد لهم يهم بشيء إلا ناله، في دين كان أو دنيا. وقال الآخر: الولي لا يعصي، غير أنه لا يدرك الشيء الذي يريده من الدنيا بهمته ولا يدركه إلا بطلبه، كأنهم يقولون يدعو فيجاب. وقال آخرون: المستحق للولاية لا يعرض لانتقاص حقه من الآخرة. فتكلموا في ذلك بكلام كثير فأجمعوا على أن يأتوا امرأة من بني عدي يقال لها أمة الجليل بنت عمرو العدوية، وكانت منقطعة جداً من طول الاجتهاد. فأتوها. قال مسمع: وأنا

_ 597 - هي: أم طلق، لا يعرف حالها، من الثانية.

يومئذ مع أصحابنا فاستأذنوا عليها فأذنت، فعرضوا عليها اختلافهم وما قالوا. فقالت: ساعات الولي ساعات شغل عن الدنيا ليس للولي في الدنيا حاجة. ثم أقبلت على كلاب فقالت: بنفسي أنت يا كلاب من حدثك أو أخبرك أن وليه له هم غيره فلا تصدقه. قال مسمع: فما كنت أسمع إلا الصارخ من نواحي البيت.

أم حيان السلمية

599 - أم حيان السلمية عن أبي خلدة قال: ما رأيت رجلاً قط ولا امرأة أقوى ولا أصبر على طول القيام من أم حيان السلمية، إن كانت لتقوم في مسجد الحي كأنها نخلة تصفقها الرياح يميناً وشمالاً. مكي البصري قال: حدثتني سوادة السلمية قالت: كانت أم حيان تقرأ القرآن في كل يوم وليلة، وكانت لا تتكلم إلا بعد العصر فإنها تأمر بالحاجة والشيء تريده.

أم إبراهيم العابدة

600 - أم إبراهيم العابدة عبد المؤمن بن عبد الله القيسي قال: ضربت أم إبراهيم العابدة دابة فكسرت رجلها، فأتاها قوم يعزونها. فقالت: لولا مصائب الدنيا وردنا الآخرة مفاليس. أبو موسى الشواء قال: كنت مع أم إبراهيم العابدة. فلما صرنا عند الجمار رأت الناس قد أقبلوا على الشراء والبيع، فرفعت رأسها إلى السماء وقالت: حبيبي أقبلوا على الدنيا وتركوك. قال: ثم صاحت واجتمع الناس فغطيتها بثوبي. ثم قلت للناس: أصابها شيء وأوهمتهم أن بها علة. قال: ثم أقمت عليها حتى أفاقت فرفعت رأسها فقلت لها: يا أم إبراهيم أي شيء هذه الشهرة؟ فقالت: يا بطال إذا كان هو يقسم الثناء فلمن يتصنع؟

بحرية العابدة

601 - بحرية العابدة رباح بن أبي الجراح قال: رأيت بحرية العابدة تبكي وتقول تركتك وأنا رطبة، وأتيتك وأنا حشفة فاقبل الحشفة على ما كان منها. وكان بها مسحة من جمال، وكان الجرع قد أضر بها ومكثت أربعين يوماً لم تأكل فيها شيئاً إلا شيئاً من حمص وكانت مجتهدة وكان لها مجلس تذكر فيه، وكانت إذا تكلمت اضطربت واقشعرت. أحمد بن أبي الحواري قال: حدثتني عجوز من أهل البصرة قالت: سمعت بحرية تقول: إذا ترك القلب الشهوات ألف العلم واتبعه واحتمل كل ما يرد عليه.

أم الحريش

602 - أم الحريش رياح بن الجراح قال: رأيت أم الحريش، وكانت من عباد الناس، وابتليت بزوج من الجند، فكانت لا تأكل من طعامه، تعد لنفسها شيئاً تأكله، وكان ربما لم يقبل منها حتى تأكل معه، فكانت تقعد تريه أنها تأكل فتضع أصابعها خارج القصعة.

حسنة العابدة

603 - حسنة العابدة عن محمد بن قدامة قال: بلغنا أن امرأة كان يقال لها حسنة تركت نعيم الدنيا فأقبلت على العبادة فكانت تصوم النهار وتحيي الليل وليس في بيتها شيء، كلما عطشت خرجت إلى النهر فشربت بكفيها. وكانت جميلة فقالت لها امرأة: تزوجي فقالت: هات رجلاً زاهداً لا يكلفني من أمر الدنيا شيئاً وما أظنك تقدرين عليه، فوالله ما في نفسي أن أعبد الدنيا ولا أتنعم مع رجال الدنيا، فإن وجدت رجلاً يبكي ويبكيني، ويصوم ويأمرني، ويتصدق ويحضني عليها، فبها ونعمت، وإلا فعلى الرجال السلام.

زجلة العابدة مولاة معاوية

604 - زجلة العابدة مولاة معاوية أحمد بن سهل الأزدي قال: دخل على زجلة العابدة نفر من القراء فكلموها في الرفق بنفسها فقالت: ما لي وللرفق بها؟ فإنما هي أيام مبادرة، فمن فاته اليوم شيء لم يدركه غداً. والله يا إخوتاه لأصلين له ما أقلتني جوارحي، ولأصومن له أيام حياتي، ولأبكين له ما حملت الماء عيناي. ثم قالت: أيكم يأمر عبده بأمر فيحب أن يقصر فيه؟. عباد بن عباد، أبو عتبة الخواص، قال: دخلنا على زجلة العابدة، وكانت قد صامت حتى اسودت، وبكت حتى عمشت، وصلت حتى أقعدت، وكانت صلاتها قاعدة. فسلمنا عليها ثم ذكرناها شيئاً من العفو، أردنا أن نهون عليها الأمر هناك. فشهقت ثم قالت: علمي بنفسي قرح فؤادي، وكلم قلبي. والله لوددت أن الله لم يخلقني ولم أك شيئاً مذكوراً. ثم أقبلت على صلاتها وتركناها فخرجنا من عندها. كليب بن عيسى بن أبي حجير قال: كانت زجلة لا ترفع بصرها إلى السماء، وكانت تخرج إلى الساحل فتغسل ثياب المرابطين. قال كليب: وسمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: ما بالشام ولا بالعراق أفضل من زجلة.

غضنة وعالية

605، 606 - غضنة وعالية أبو الوليد العبدي قال: ربما رأيت غضنة وعالية تقوم إحداهما من الليل فتقرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف في ركعة.

مطيعة العابدة

607 - مطيعة العابدة محمد بن الحسين قال: حدثني صاحب لي من البصريين قال: بكت مطيعة أربعين عاماً، فعوتبت على كثرة البكاء فقالت: لا أزال أبكي حتى أعلم على أي الحالين أنا عند الله؟. محمد بن الحسين قال: دخلنا على مطيعة العابدة في الجبان بالبصرة فجعلنا نذاكرها شيئاً من الخير فلا نستبين كثيراً من كلامها، من كثرة بكائها. فلما رأينا ذلك خرجنا من عندها وتركناها. قال محمد: وسألت مطيعة قلت: منذ كم أنت ههنا في الجبان؟ فبكت ثم قالت: يا بني منذ أربع وخمسين سنة.

كردوية بنت عمرو البصرية

608 - كردوية بنت عمرو البصرية أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين قال: كانت كردوية تخدم شعوانة. فقيل لها: ما الذي أصابك من بركات خدمة شعوانة؟ قالت: ما أحببت الدنيا منذ خدمتها، ولا اهتممت لرزقي، ولا عظم في عيني أحد من أرباب الدنيا لطمع لي فيه، وما استصغرت أحداً من المسلمين قط.

راهبة

609 - راهبة عثمان بن سودة الطفاوي، وكانت أمه من العابدات، يقال لها راهبة، قال: لما احتضرت رفعت رأسها إلى السماء فقالت: يا ذخري وذخيرتي، ويا من عليه اعتمادي في حياتي وبعد موتي، لا تخذلني عند الموت، ولا توحشني في قبري. قال: فماتت. فكنت آتيها في كل جمعة فأدعو لها وأستغفر لها ولأهل القبور. قال: فرأيتها ذات ليلة في منامي فقلت: يا أماه كيف أنت؟ قالت: أي بني إن للموت لكربة شديدة وأنا بحمد الله لفي برزخ محمود نفترش فيه الريحان ونتوسد فيه السندس والإستبرق إلى يوم النشور فقلت: ألك حاجة؟ قالت: نعم. قالت: لا تدع ما أنت عليه من زيارتنا والدعاء لنا فإني لأبشر بمجيئك يوم الجمعة إذا أقبلت من عند أهلك، يقال لي: يا راهبة هذا ابنك قد أقبل من أهله زائراً لك فأسر بذلك ويسر ذلك من حولي من الأموات.

سلمى

610 - سلمى خلف بن الوليد الجوهري قال: قالت سلمى، امرأة بصرية: إلهي علمي بشدة عقوبتك ونكالك قطع عني لذاذة الدنيا ونعيمها، ومعرفتي بسعة رحمتك وسعت علي خلقي فيما بيني وبين عبادك.

مسكينة الطفاوية

611 - مسكينة الطفاوية إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عمار الراهب، وكان والله من العاملين لله في دار الدنيا، قال: رأيت مسكينة الطفاوية في منامي وكانت من المواظبات على حلق الذكر، فقلت: مرحباً يا مسكينة مرحباً. فقالت: هيهات يا عمار ذهبت المسكنة وجاء الغنى الأكبر. قلت: هيه.. قالت: ما تسأل عمن أبيح الجنة بحذافيرها يظل منها حيث يشاء. قال: قلت: وبم ذاك يرحمك الله؟ قالت: بمجالس الذكر والصبر على الحق. قال عمار: وكانت تحضر معنا مجلس عيسى بن زاذان بالأبلة، تنجدر من البصرة حتى تأتيه قاصدة. قال عمار: قلت يا مسكينة ما فعل عيسى؟ فضجت ثم قالت: كسي حلة البهاء، وطافت بأباريق حوله الخدام، ثم حلي وقيل: يا قارئ ارق فلعمري لقد برأك الصيام، وكان عيسى قد صام حتى انحى وانقطع صوته.

غنضكة

612 - غنضكة عن يوسف بن بهلول قال: كانت امرأة بالبصرة يقال لها غنضكة العابدة تصلي عامة الليل، ثم تقول: أعوذ بالله من ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فإذا قضت صلاتها قالت: هذا الجهد مني وعليك التكلان.

وما إن تزال دار حي قد أخرجت

وما إن تزال دار حي قد أخرجت ذكر المصطفيات من عابدات البصرة المعروفات بغيرهن امرأة أبي عمران الجوني ... ذكر المصطفيات من عابدات البصرة المعروفات بغيرهن 613 - امرأة أبي عمران الجوني عويد بن أبي عمران الجوني قال كانت أمي تقوم من الليل تصلي حتى تعصب ساقيها بالخرق فيقول لها أبو عمران الجوني: دون هذا يا هذه، فتقول: هذا عند طول القيام في الموقف قليل فيسكت عنها.

امرأة رياح القيسي

614 - امرأة رياح القيسي أبو يوسف البزاز قال: تزوج رياح القيسي امرأة فبنى بها. فلما أصبح قامت إلى عجينها. فقال: لو نظرت إلى امرأة تكفيك هذا. فقالت: إنما تزوجت رياحاً القيسي ولم أرني تزوجت جباراً عنيداً. فلما كان الليل نام ليختبرها. فقامت ربع الليل ثم نادته: قم يا رياح. فقال: أقوم. فقامت الربع الآخر ثم نادته فقالت: قم يا رياح. فقال: أقوم. فلم يقم. فقامت الآخر ثم نادته فقالت: قم يا رياح فقال أقوم. فقالت: مضى الليل وعسكر المحسنون وأنت نائم، ليت شعري من غرني بك يا رياح. قال: وقامت الربع الباقي. عبد الله بن الحارث قال: زوج شميط بن العجلان رياحاً القيسي امرأة. فبينا هو قاعد معها إذ نظرت إلى السماء فشهقت شهقة فخرت مغشياً عليها. وقال رياح: اغتممت مرة في شيء من أمر الدنيا. فقالت أراك تغتم لأمر الدنيا غرني منكم شميط. ثم أخذت هدبة من مقنعتها فقالت: الدنيا أهون علي من هذه. عن سيار قال: حدثني رياح قال: ذكرت لي امرأة فتزوجتها، فكانت إذا صلت العشاء الآخرة تطيبت وتدخنت ولبست ثيابها ثم تأتيني فتقول: ألك حاجة؟ فإن قلت: نعم، كانت معي، وإن قلت: لا، قامت فنزعت ثيابها ثم صفت بين قدميها حتى تصبح. قال رياح: ففحتني والله.

ابنة أم حسان الأسدية

615 - ابنة أم حسان الأسدية عن سفيان الثوري قال: دخلت على بنت حسان الأسدية وفي جبهتها مثل ركبة العنز من

أثر السجود. فقلت لها: يا بنة أم حسان ألا تأتين عبد الله بن شهاب بن عبد الله؟ فلو رفعت إليه رقعة فلعله أن يعطيك من زكاة ماله ما تغيرين به بعض الحاجة التي أراها بك. فدعت بمعجر فاعتجرت به وقال: يا سفيان قد كان لك في قلبي رجحان كثير فقد أذهب الله برجحانك من قلبي، يا سفيان تأمرني أن أسأل الدنيا من لا يملكها؟. قال سفيان: وكان إذا جن عليها الليل دخلت محراباً لها وأغلقت عليها ثم نادت: إلهي خلا كل حبيب بحبيبه، وأنا خالية بك يا محبوب، فما كان من سخن يسخن من عصاك إلا جهنم، ولا عذاب إلا النار. قال سفيان، فدخلت عليها بعد ثلاث فإذا الجوع قد أثر في وجهها. فقلت لها: يا بنت أم حسان إنك لن تؤتي أكثر مما أوتي موسى والخضر عليهما السلام، إذ أتيا أهل قرية استطعما أهلها. فقالت: يا سفيان قل الحمد لله. فقلت: الحمد لله. فقالت: اعترفت له بالشكر؟ قلت: نعم. قالت: وجب عليك من معرفة الشكر شكر وبمعرفة الشكرين شكر لا ينقضي أبداً. قال سفيان: فقصر، والله علمي وفه لسانه فوليت أريد الخروج. فقالت: يا سفيان كفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه، وكفى بالمرء علماً أن يخشى الله. اعلم أنه لن تنقى القلوب من الردى حتى تكون الهموم كلها في الله هماً واحداً. قال سفيان فقصرت إلي والله نفسي.

مملوكة لإبراهيم النخعي

616 - مملوكة لإبراهيم النخعي أبو الأحوص، عن مغيرة أو غيره، قال: كانت مولاة لإبراهيم تعمد إلى اليوم الشديد الحر فتصومه. فقيل لها: إنك تعمدين إلى أشد الأيام حراً فتصومينه؟ فقالت: إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد.

جارية عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة

617 - جارية عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة عبد الله بن الحسن القاضي العنبري قال: كانت عندي جارية أعجمية وضيئة، وكنت بها معجباً. فكانت ذات ليلة نائمة إلى جنبي فانتبهت فلم أجدها. فالتمستها فإذا هي ساجدة تقول: بحبك لي اغفر لي. فقلت: يا جارية لا تقولي بحبك لي، قول: بحبي لك اغفر لي. فقالت:

يا بطال، حبه لي أخرجني من الشرك إلى الإسلام، فأيقظ عيني وأنام عينك. فقلت: اذهبي فأنت حرة لوجه الله. قالت: يا مولاي أسأت إلي، كان لي أجران فصار لي أجر واحد.

جارية خالد الوراق

618 - جارية خالد الوراق بلغنا عن خالد الوراق أنه قال: كانت لي جارية شديدة الاجتهاد فدخلت عليها يوماً فأخبرتها برفق الله وقبوله يسير العمل. فبكت ثم قالت يا خالد إني لأؤمل من الله تعالى آمالاً لو حملتها الجبال لأشفقت من حملها كما ضعفت عن حمل الأمانة وإني لأعلم أن في كرم الله مستغاثاً لكل مذنب، ولكن كيف لي بحسرة السباق؟ قال: قلت: وما حسرة السباق؟ قالت: غداة الحشر إذا بعثر ما في القبور وركب الأبرار نجائب الأعمال فاستبقوا إلى الصراط. وعزة سيدي لا يسبق مقصر مجتهداً أبداً، ولو حبا المجد حبواً. أم كيف لي بموت الحزن والكمد إذا رأيت القوم يتراكضون وقد رفعت أعلام المحسنين وجاز الصراط المشتاقون ووصل إلى الله المحبون وخلفت مع المسيئين المذنبين؟ ثم بكت وقالت: يا خالد انظر لا يقطعك قاطع عن سرعة المبادرة بالأعمال فإنه ليس بين الدارين دار يدرك فيها الخدام ما فاتهم من الخدمة، فويل لمن قصر عن خدمة سيده ومعه الآمال، فهلا كانت الأعمال توقظه إذا نام البطالون؟

الماوردية

619 - الماوردية ذكر أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن في تاريخه قال: كانت عجوز صالحة زاهدة بالبصرة تعرف بالماوردية قاربت ثمانين سنة، بقيت خمسين سنة لم تفطر ولم تنم بالليل، ولم تأكل خبزاً ولا رطباً ولا تمراً وإنما تطحن لها باقلاً وتخبز لها خبزاً تقتات به، وتأكل التين اليابس دون الرطب، وتنال من الزيت والعنب واللحم الشيء اليسير، وكانت تكتب وتقرأ وتعظ النسوان وكانت كثيرة الخير والبركة. وتوفيت يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة ست وستين وأربعمائة وتبع جنازتها أكثر الناس. ودفنت خارج البلد عند قبور الصالحين.

ذكر المصطفيات من عابدات البصرة المجهولات

ذكر المصطفيات من عابدات البصرة المجهولات 620 - عابدة عن يعلى بن حكيم قال: قال سعيد بن جبير: ما رأيت أرعى لحرمة هذا البيت ولا أحرص عليه من أهل البصرة، ولقد رأيت جارية منهم ذات ليلة تعلقت بأستار الكعبة فجعلت تدعو وتبكي وتتضرع حتى ماتت. 621 - عابدة أخرى عون بن أبي عمارة البصري قال: قال أبو محرز الطفاوي: شكوت إلى جارية لنا ضيق المكسب علي وأنا شاب فقالت لي: يا بني استعن بعز القناعة عن ذل المطالب، فكثيراً، والله ما رأيت القليل عاد سليماً. قال أبو محرز: ما زلت بعد أعرف بركة كلامها في قنوعي. 622 - عابدة أخرى عن عبد الواحد قال: أتينا امرأة متعبدة في ناحية البصرة لنسلم عليها فقيل لنا لا تصلون إليها. قلنا: ولم ذاك؟ قالوا: قد غلقت عليها الباب منذ ثلاث تبكي. قلنا: ولم ذاك؟ قالوا: قتلت نملة. 623 - عابدة أخرى عن سعيد بن عطارد قال: ذكرت لي امرأة بالبصرة متعبدة فأتيتها فوجدتها تصلي فانصرفت. فقالت: ما اسمك؟ فقلت: سعيد. قالت: يا سعيد، كل شيء شغلك عن الله فهو عليك مشوم. ثم أقبلت على صلاتها وتركتني. 624 - عابدة أخرى علي بن الحسن قال: كانت امرأة بالبصرة تقول لقلبها. فقدتك من قلب، ما أنساك! أصبحت لعظمة الله ناسياً إلهي كيف لي بالقرب منك غداً وقاسي القلب منك بعيد؟. 625 - عابدة أخرى عن صالح بن عبد الكريم قال: رأيت امرأة سوداء بالبصرة، والناس مجتمعون عليها، ثم قامت فدخلت داراً فدخلوا معها وأحدقوا بها، فدنوت منها فقلت: يا هذه أما تخافين

العجب؟ فرفعت رأسها فنظرت إلي ثم قالت: كيف يعجب بعمله من لا يدري لعله قد رد عليه؟. 626 - عابدة أخرى الحسين بن جعفر قال: سمعت أبي قال: صليت العيد في الجبان ثم انفردت فإذا أنا بعجوز رافعة يديها وهي تقول: انصرف الناس ولم أشعر قلبي اليأس، يا صاحب الصدقة ها أناذه منصرفة، فليت شعري ما زودتني؟ رب ارحم ضعفي وكبر سني، خرجت أرجوك فلا تخيب حسن ظني بك. وهي تبكي فما انتفعت بنفسي يومي. 627 - عابدة أخرى حماد بن سلمة قال: خرجت في ليلة ظلماء ذات برد وريح ومطر ومعي شوي، قلت: أقسمه في جيراني. قال: فإذا أنا بامرأة قد خرجت وهي تقول: يا رفيق ارفق بنا. قال: قلت: ما لك رحمك الله؟ قالت: يا حماد إنه دخل هذا المطر على يتامى تحت فرشهم فقلت: يا رفيق ارفق بنا، فدخلت فوجدته أيبس مما كان. فقلت: هاك رحمك الله هذا الشيء فأنفقيه على نفسك وعلى أيتامك. فقالت: إليك عني يا حماد فإني إنما أسأل أجود الأجودين. عفان بن مسلم قال: قال لي حماد بن سلمة: ألح المطر علينا سنة من السنين، وفي جواري امرأة من المتعبدات، لها بنات أيتام، فوكف السقف عليهم فسمعتها تقول: يا رفيق ارفق بي. فسكن المطر؛ فأخذت صرة فيها عشرة دنانير وقرعت بابها. فقالت: اجعله حماد بن سلمة. فقلت: أنا حماد، سمعتك وقد تأذيت بالمطر فقلت يا رفيق ارفق بنا، فما بلغ من رفقه بك؟ فقالت: سكن المطر وأدفأ الصبيان وجفف البيت. قال فأخرجت الدنانير وقلت: انتفعي بهذه. فإذا صبية عليها مدرعة من صوف تستبين خروقها، قد خرجت علي وقالت: ألا تسكت يا حماد تعترض بيننا وبين ربنا ومولانا؟ ثم قالت: يا أماه قد علمنا أنا لما شكونا مولانا أنه سيبعث إلينا بالدنيا ليطردنا من بابه ألصقت خدها بالتراب ثم قالت: أما أنا وعزتك لا زايلت بابك وإن طردتني. ثم قالت: يا حماد رد عافاك الله دنانيرك إلى الموضع الذي أخرجتها منه فإنا رفعنا حوائجنا إلى من يقبل الودائع ولا يبخس المعاملين.

عن عبيد الله بن محمد القرشي قال: كانت امرأة من عباد أهل البصرة، وكان لها أولاد فأصابها مطر في بعض الليل فوكف عليها البيت، فجعلت تنقل أولادها من موضع إلى موضع، فلا يزداد الوكف إلا شدة. فلما أذلقها ذلك قالت: يا رفيق ارفق بي. قال: فما أصابها من ذلك المطر قطرة واحدة.

ومن المصطفيات من عاقلات المجانين بالبصرة

ومن المصطفيات من عاقلات المجانين بالبصرة 628 - جارية عن عبد الواحد قال: قال عتبة الغم: خرجت من البصرة فإذا أنا بخباء أعراب قد زرعوا، وإذا أنا بخيمة، وفي الخيمة جارية مجنونة عليها جبة صوف عليها مكتوب: لا تباع ولا تشترى. فدنوت فسلمت عليها فلم ترد علي السلام، ثم وليت. فسمعتها تقول: زهد الزاهدون والعابدونا ... إذ لمولاهم أجاعوا البطونا أسهروا الأعين القريحة فيه ... فمضى ليلهم وهم ساهرونا حيرتهم محبة الله حتى ... علم الناس أن فيهم جنونا هم ألبا عقول ولكن ... قد شجاهم جميع ما يعرفونا قال: فدنوت إليها فقلت: لمن الزرع؟ فقالت: لنا إن سلم، فتركتها وأتيت بعض الأخبية فأرخت السماء كأفواه القرب. فقلت: والله لآتينها فأنظر قصتها في هذا المطر، فإذا أنا بالزرع قد غرق وإذا هي قائمة وهي تقول: والذي أسكن قلبي من طرف صفاء مودة محبته إن قلبي ليوقن منك بالرضا. ثم التفتت إلي فقالت: يا هذا إنه زرعه فأنبته وأقامه فسنبله وركبه فشققه وأرسل عليه غيثاً متغطمطاً فسقاه، واطلع عليه فحفظه فلما دنا حصاده أهلكه. ثم رفعت رأسها نحو السماء فقالت: العباد عبادك، وأرزاقهم عليك، فاصنع ما شئت فقلت لها: كيف صبرك؟ فقالت: اسكت يا عتبة: إن إلهي لغني حميد ... في كل يوم منه رزق جديد الحمد لله الذي لم يزل ... يفعل بي أكثر مما أريد قال عتبة: فوالله ما ذكرت كلامها إلا هيجتني. انتهى ذكر أهل البصرة.

ذكر المصطفين من أهل الأبلة

ذكر المصطفين من أهل الأبلة 629 - عابد أبو إسحاق الهروي قال: كنت مع ابن الخروطي بالبصرة فأخذ بيدي وقال: قم حتى نخرج إلى الأبلة، فلما قربنا ونحن نمشي على شاطئ الأبلة في الليل والقمر طالع، إذ مررنا بقصر لجندي فيه جارية تضرب بالعود، فوقفنا في فناء القصر نستمع وفي جانب القصر الآخر في ظل القمر فقير بخرقتين واقف، فقالت الجارية: كل يوم تتلون ... غير هذا بك أجمل فصاح الفقير وقال: أعيديه فهذا حالي مع الله تعالى، فنظر صاحب الجارية إلى الفقير فقال لها: اتركي العود وأقبلي عليه فإنه صوفي فأخذت تقول، والفقير يقول: هذا حالي مع الله تعالى، والجارية تردد إلى أن زعق الفقير زعقة خر مغشياً عليه فحركناه فإذا هو ميت فقلنا: مات الفقير. فلما سمع صاحب القصر بموته نزل فأدخله القصر فاغتممنا وقلنا: هذا يكفنه من غير وجهه، فصعد الجندي وكسر كل ما كان بين يديه فقلنا: ما بعد هذا إلا خير ومضينا إلى الأبلة وبتنا وعرفنا الناس. فلما أصبحنا رجعنا إلى القصر وإذا الناس مقبلون من كل وجه إلى الجنازة كأنما نودي في البصرة حتى خرج القضاة والعدول وغيرهم، وإذا الجندي يمشي خلف الجنازة حافياً حاسراً حتى دفن. فلما هم الناس بالانصراف قال الجندي للقاضي والشهود: اشهدوا أن كل جارية لي حرة لوجه الله تعالى وكل ضياعي وعقاري حبس في سبيل الله وفي صندوق لي أربعة آلاف دينار وهي في سبيل الله. ثم نزع الثوب الذي كان عليه فرمى به وبقي بسراويله، فقال القاضي: عندي مئزران من وجههما تقبلهما فقال: شأنك. فحملهما إليه فاتزر بواحد واتشح بالآخر، وهام على وجهه فكان بكاء الناس عليه أكثر من بكائهم على الميت.

ذكر المصطفيات من عابدات الأبلة

ذكر المصطفيات من عابدات الأبلة 630 - شعوانة معاذ بن الفضل، أبو عون، قال: بكت شعوانة حتى خفنا عليها العمى، فقلنا لها في ذلك، فقالت: أعمى والله في الدنيا من البكاء أحب إلي من أن أحب أحأعمى في الآخرة من النار. مالك بن ضيغم قال: كان رجل من أهل الأبلة يأتي أبي كثيراً فيذكر له شعوانة وكثرة بكائها فقال له أبي يوماً: صف لي بكاءها. فقال: يا أبا مالك أصف لك، هي والله تبكي الليل والنهار لا تكاد تفتر قال: ليس عن هذا أسألك، كيف تبتدئ بالبكاء؟ قال: نعم يا أبا مالك تسمع الشيء من الذكر فترى الدموع تنحدر من جفونها كالقطر. قال: فمجاري الدموع من المآق الذي على الأنف أكثر أم مؤخر العين مما يلي الصدغ؟ قال يا أبا مالك إن دموعها أكثر من أن يعرف هذا من هذا، ما هي إلا أن تسمع الذكر فتجيء عيناها بأربع نجوماً متبادرة جداً. فبكى أبي وقال: ما أرى الخوف إلا قد أحرق قلبها كله، ثم قال: كان يقال إن كثرة الدموع وقلتها على قدر احتراق القلب، حتى إذا احترق القلب كله لم يشأ الحزين أن يبكي إلا بكى، والقليل من التذكرة يحزنه. قال مالك بن ضيغم: وقال لي أبي يوماً انطلق مع منبوذ حتى تأتي هذه المرأة الصالحة فتنظر إليها، يعني شعوانة، فانطلقت أنا وأبو همام إلى الأبلة ثم غدونا عليها فدخلنا فسلم علياه منبوذ وقال: هذا ابن أخيك ضيغم. فرحبت بي وتحفت وقالت مرحباً بابن من لم نره ونحن نحبه، أما والله يا بني إني لمشتاقة إلى أبيك وما يمنعني من إتيانه إلا أني أخاف أن أشغله عن خدمة سيده، وخدمة سيده أولى به من محادثة شعوانة. قال: ثم قالت: ومن شعوانة؟ وما شعوانة؟ أمة سوداء عاصية. قال: ثم أخذت في البكاء فلم تزل تبكي حتى خرجنا وتركناها. يحيى بن بسطام قال: كنت أشهد مجلس شعوانة كثيراً فكنت أرى ما تصنع بنفسها، فقلت لصاحب لي يقال له عمران بن مسلم: لو أتيناها إذا خلت. قال: فانطلقنا أنا وهو إلى الأبلة فاستأذنا عليها فأذنت لنا فإذا منزل رث الهيئة أثر الجدب عليه بين. فقال لها صاحبي: لو رفقت

بنفسك فقصرت عن هذا البكاء شيئاً كان أقوى لك على ما تريدين. قال: فبكت ثم قالت: والله لوددت أني أبكي حتى تنفد دموعي، ثم أبكي الدماء حتى لا تبقى في جسدي جارحة فيها قطرة من دم، وأنى لي البكاء؟ قال: فلم تزل تردد ذلك حتى انقلبت حدقتاها، ثم مالت ساقطة مغشياً عليها. فقمنا فخرجنا وتركناها على تلك الحال. روح بن سلمة قال: قال لي مضر: ما رأيت أحداً أقوى على كثرة البكاء من شعوانة، ولا سمعت صوتاً قط أحرق لقلوب الخائفين من صوتها إذا هي نشجت ثم نادت: يا موتى وبني الموتى وأخوة الموتى. قال محمد: وقلت لأبي عمر الضرير: أتيت شعوانة؟ قال: قد شهدت مجلسها مراراً ما كنت أفهم ما تقول من كثرة بكائها. قلت: فهل تحفظ من كلامها شيئاً؟ قال: ما حفظت من كلامها شيئاً أذكره الساعة إلا شيئاً واحداً، قلت: وما هو؟ قال: سمعتها تقول: من استطاع منكم أن يبكي فليبك وإلا فليرحم الباكي فإن الباكي إنما يبكي لمعرفته بما أتى إلى نفسه. عن الحارث بن المغيرة قال: كانت شعوانة تنوح بهذين البيتين: يؤمل دنيا لتبقى له ... فوافى المنية قبل الأمل حثيثاً يروَّي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل الحسن بن يحيى قال: كانت شعوانة تردد هذا البيت فتبكي وتبكي النساك معها، تقول: لقد أمن المغرور دار مقامه ... ويوشك يوماً أن يخاف كما أمن عن فضيل بن عياض قال: قدمت شعوانة فأتيتها فشكوت إليها وسألتها أن تدعو بدعاء، فقالت: يا فضيل أما بينك وبين الله ما إن دعوته استجاب لك؟ قال: فشهق الفضيل وخر مغشياً عليه. عن محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال: كانت شعوانة قد كمدت حتى انقطعت عن الصلاة والعبادة فأتاها آت في منامها فقال: أذري جفونك إما كنت شاجية ... إن النياحة قد تشفي الحزينينا جدي وقومي وصومي الدهر دائبة ... فإنما الدوب من فعل المطيعينا فأصبحت فأخذت في الترنم والبكاء وراجعت العمل. إبراهيم بن عبد الملك قال: قدمت شعوانة وزوجها تمكة فجعلا يطوفان فإذا أكل أو أعيا

جلس وجلست خلفه فيقول هو في جلوسه: أنا العطشان من حبك لا أروى. وتقول هي بالفارسية: أنبت لكل داء دواء في الجبال، ودواء المحبين في الجبال لم ينبت. رضي الله عنها.

خشة الأبلية

631 - خشة الأبلية يعقوب بن محمد قال: قالت خشة الأبلية: إن الذنوب أقل في جودك من أن لا تغفرها، من ثم خلا قلبي من الذنوب لمحبتك. رضي الله عنها.

من عقلاء المجانين بالأبلة

ومن عقلاء المجانين بالأبلة: 632 - ريحانة أبو القاسم بن سعيد قال: سمعت صالحاً المري يقول: رأيت ريحانة المجنونة فسلمت عليها فقالت لي: يا صالح اسمع: بوجهك لا تعذبني فإني ... أؤمل أن أفوز بخير دار وأنت مجاور الأبرار فيها ... ولولا أنت ما طاب المزار عن الربيع قال: بت أنا ومحمد بن المنكدر وثابت البناني عند ريحانة المجنونة بالأبلة فقامت أول الليل وهي تقول: قام المحب إلى المؤمل قومة ... كاد الفؤاد من السرور يطير فلما كان جوف الليل سمعتها تقول أيضاً: لا تأنسن بمن توحشك نظرته ... فتمنعن من التذكار في الظلام واجهد وكد وكن في الليل ذا شجن ... يسقيك كأس وداد العز والكرم قال: ثم نادت: واحرباه واسلباه. فقلت: مم ذا؟ فقالت: ذهب الظلام بأنسه وبألفه ... ليت الظلام بأنسه يتجدد انتهى ذكر أهل الأبلة رضي الله عنهم.

ذكر المصطفين من عباد عبادان رضي الله عنهم

ذكر المصطفين من عباد عبادان رضي الله عنهم سعيد بن عطارد ... ذكر المصطفين من عباد عبادان رضي الله عنهم أبو بكر المروزي قال: سمعت عبد الصمد يقول: قال لي بشر بن الحارث: عبادان ميدان العباد. قال المروزي: وقال لي أبو عبد الله بن حنبل: ما زال العباد يأتونها وقد رأيت بها هداباً العابد. محمد بن نعيم بن الهيصم قال: سمعت بشر بن الحارث قال: من أراد الزهد والعمل فليأت عبادان، وددت أني في زاوية من زوايا عبادان في عافية، حرسها الله تعالى. 633 - سعيد بن عطارد رضي الله عنه إسحاق بن عباد قال: سمع سعيد بن عطارد ضجة في مسجد أبي عاصم بالليل، فقام فقال: تذهب بهذا الدرهم السوق تلقيه في هذه الجياد لعل الله عز وجل يتجاوز به. عبد الصمد قال: كان سعيد بن عطارد بكاء. رضي الله عنه.

عابد من بني سعد

634 - عابد من بني سعد أبو عاصم العباداني قال: كان رجل من بني سعد يقدم علينا في أول مااتخذت عبادان فكانت إذ ذاك وبيئة قال: فكان يصلي الليل والنهار لا يكاد يفتر، فإذا كان السحر احتبى واستقبل البحر فجعل يبكي وينوح على نفسه. قال: فإذا أحس بإنسان أمسك. قال: فخرجت ذات ليلة إلى الساحل فإذا أنا بصوته وإذا هو يبكي ويقول في بكائه: ألا يا عين ويحك أسعديني ... بطول الدمع في ظلم الليالي لعلك في القيامة أن تفوزي ... بخير الدهر في تلك العلالي قال فلما أحس أمسك فرجعت وتركته.

عباد مجهولين الأسماء

عباد مجهولين الأسماء ... 635 - عابد آخر سلم بن زرعة بن حماد أبو المرضي، شيخ بعبادان له عبادة وفضل، قال: ملح الماء عندنا منذ ينف وستين سنة وكان ههنا رجل من أهل الساحل له فضل قال: ولم يكن في الصهاريج شيء وحضرت المغرب فهبطت لأتوضأ للصلاة من النهر، وذلك في رمضان وحر

شديد فإذا أنا به وهو يقول: سيدي أرضيت عملي حتى أتمنى عليك أم رضيت طاعتي حتى أسألك؟ سيدي غسالة الحمام لمن عصاك كثير، سيدي لولا أني أخاف غضبك لم أذق الماء ولقد أجهدني العطش. قال: ثم أخذ بكفيه فشرب شرباً صالحاً فتعجبت من صبره على ملوحته فأخذت من الموضع الذي أخذ فإذا هو بمنزلة السكر فشربت حتى رويت. قال أبو المرضي: فقال لي هذا الشيخ يوماً: رأيت فيما يرى النائم كأن رجلاً يقول لي: قد فرغنا من بناء دارك لو رأيتها قرت عيناك وقد أمرنا بنجدها والفراع منها إلى سبعة أيام واسمها السرور، فأبشر بخير فلما كان اليوم السابع وهو يوم الجمعة بكر للوضوء فنزل في النهر وقد مد فزلق فغرق فأخرجناه بعد الصلاة فدفناه. قال أبو المرضي فرأيته بعد ثالثة في النوم وهو يجيء إلى القنطرة وهو يكبر وعليه حلل خضر فقال لي: يا أبا المرضي أنزلني الكريم دار السرور فما أعد لي فيها؟ فقلت: صف لي فقال: هيهات يعجز الواصفون عن أن تنطق ألسنتهم بما فيها، فاكتسب مثل الذي اكتسبت وليت أن عيالي يعلمون أن قد هيئ لهم منازل معي، فيها كل ما اشتهت أنفسهم، نعم وإخواني وأنت معهم إن شاء الله. ثم انتبهت. 636 - عابد آخر العطار قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: رأيت رجلاً على ساحل عبادان قد قطع الجذام يديه ورجليه وقد ذهب بصره فجعلت أنظر إليه وأقول في نفسي: مجذوم مكفوف قال: فصاح وقال: من ذا المتكلف الذي يدخل بيني وبين مولاي قال بشر فأدبني قوله. 637 - عابد آخر علي بن سعيد العطار قال: مررت بعبادان بمكفوف مجذوم وإذا الزنبور يقع عليه فيقطع لحمه فقلت الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفتح من عيني ما أغلق من عينك. قال: بينما أنا أردد الحمد إذ صرخ، فبينا هو يتخبط نظرت إليه فإذا هو مقعد فقلت مكفوف يصرع مقعد مجذوم. قال: فما استتممت حتى صاح: يا متكلف ما دخولك فيما بيني وبين ربي؟ دعه يفعل بي ما شاء. ثم قال: وعزتك وجلالك لو قطعتني إرباً إرباً أو صببت علي البلاء صباً ما ازددت لك إلا حباً رضي الله عنه.

638 - عابد آخر عابد بعبادان قال: مكثت ستة أيام لم أطعم شيئاً. قال: قلت أجرب نفسي على الصبر. فلما كانت الليلة السابعة دخل في قلبي من ذلك سرور، ورأيت أني قد صبرت وعملت شيئاً فإذا بقائل يقول: لم تبلغ كنه الصابرين، إنما الصابرون المستقلون لأعمالهم، الخائفون عليها من فسادها، الوجلون من ردها عليهم، فأولئك هم الصابرون. 639 - عابد آخر أحمد بن محمد البزاز قال: كنت بعبادان وكانت ليلة عاشوراء، فدخلت إلى دار السبيل فرأيت فقيراً جالساً يأكل خبز الشعير وملحاً جريشاً فاحترق قلبي عليه وكان معي ألف دينار للتفرقة بعبادان فسألت عنه فقيل: هو أفضل من ههنا في الزهد ومنازلة الفقر فقلت في نفسي: أعطيه الدنانير التي معي فإني لا أعرف المستحقين. فلما أصبحنا قصدته وسلمت عليه وجلست إليه وباسطني وباسطته فقلت له: رأيت الشيخ البارحة يأكل خبز الشعير وملحاً جريشاً وأعلم أنه كان صائماً فحملت إليه شيئاً ليتحكم فيه. وقدمت إليه الكيس وقلت له: هو ألف دينار فشدد النظر وقال: خذه فإن هذا جزاء من أفشى سره إلى الناس. 640 - عابد آخر أبو الخير الأسود المعروف بالعسقلاني قال: كان بعبادان رجل زنجي مفلفل الشعر يأوي الخربات، فحملت معي شيئاً وطلبته فلما رفع بصره تبسم وأشار بيده إلى الأرض، فرأيت حولي حيث أرى دراهم ودنانير تلمعان. ثم قال لي: هات ما معك فناولته وهربت وهالني أمره. 641 - عابد آخر عبد الله بن محمد قال: كتب إلي إسحاق بن موسى الأنصاري يذكر أن عباد بن كليب حدثهم قال: كنت بعبادان فرأيت شاباً من قريش عليه جبة صوف فسمعته يقول: إن لله عباداً يستروحون إلى الغموم فقلت: يرحمك الله تلبس الصوف؟ فقال: إنما أنا عبد فإذا أعتقت لبست فذكرت ذلك لشريك فقال: ما أكره الصوف لمثل هذا، ما خرج هذا الكلام إلا من كنز.

642 - عابد آخر بحر أبو يحيى العابد قال: رأيت عابداً بعبادان يبكي عامة الليل والنهار فقلت له: يا أخي كم تبكي فازداد بكاء ثم قال لي: فما أصنع إذا لم أبك؟ فما أصنع إذا لم أبك؟ وغشي عليه.

من عابدات عبادان

ومن عابدات عبادان: 643 - عابدة صالح بن عبد الله قال: خرجنا من عبادان منذ نحو من ستين سنة، فلما صرنا عند الجبل في بعض تلك السكك ومعنا قارئ لنا فقرأ فإذا امرأة على سطح فصرخت ثم سقطت من السطح فحملت فأدخلت داراً ثم مما برحنا حتى ماتت. قال: ونودي في أهل البصرة فما رأيت يوماً أحسن ولا أكثر جمعاً من ذلك اليوم. انتهى ذكر أهل عبادان.

ذكر مجنون بمهرجان قذق

644 - ذكر مجنون بمهرجان قذق أبو همام، إسرائيل بن محمد القاضي قال: كان بمهرجان قذق رجل يقال له سابق وكان معتوهاً ذاهب العقل قد توحش فكان مأواه الخربات والغياض والمقابر قال: وكنت أحب أن أكلمه وأسمع جوابه. فقيل لي يوماً: هو في المقابر. فقمت حافياً فدخلت المقابر فإذا أنا به منكس رأسه في قبر، فلم يعلم حتى سلمت فرفع رأسه فقال: وعليكم السلام. قال: وهبته فانقطعت ولم أتكلم، فرأى ذلك في فقال: يا إسرائيل خف الله خوفاً لا يشغلك عن الرجاء فإنك إن ألزمت قلبك الرجاء شغلته عن الخوف، وفر إلى الله ولا تفر منه فإنه مدركك ولن تعجزه، ولا تطع المخلوق في معصية الخالق واعلم أن لله تعالى يوماً تشخص فيه القلوب والأبصار، مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء. قال: ثم قام فتخطى حائطاً ومضى في الخرابات فقلت للذي يحفر القبور: إذا جاء فأتني فأعلمني. فمكث شهراً أو أكثر. قال: وأتاني الرجل فقال: قد دخل الساعة المقابر فقمت إليه في غير نعل ولا رداء، فلما بصر بي ولى وأسرعت فقلت: يا سابق لا أعود إليك بعد اليوم. فوقف فقلت: علمني كلمات أدعو بهن فقال: إن آخذ الكلام للقلوب ما جاء من القلوب وإن أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس. ثم قال: قل اللهم اجعل نظري عبرة، وسكوتي فكرة، وكلامي ذكراً ثم ولى مسرعاً.

ذكر من اصطفي من أهل تستر

ذكر من اصطفي من أهل تستر 645 - سهل بن عبد الله بن يونس التستري يكنى أبا محمد رضي الله عنه. العباس بن أحمد قال: سمعت سهل بن عبد الله يقول: آلة الفقير ثلاثة أشياء: حفظ سره، وأداء فرضه، وصيانة فقره. أبو بكر الجوزي قال: سمعت سهل بن عبد الله يقول: ليس كل من عمل بطاعة الله صار حبيب الله، ولكن من اجتنب ما نهى الله عنه صار حبيب الله ولا يجتنب الآثام إلا صديق مقرب وأما أعمال البر فيعملها البر والفاجر. أخبرنا محمد. قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت أبا بكر محمد بن المنذر يقول: قال سهل بن عبد الله: من دق الصراط عليه في الدنيا عرض عليه في الآخرة، ومن عرض عليه الصراط في الدنيا دق له في الآخرة. أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سلمة قال: سمعت سهل بن عبد الله يقول: استجلب حلاوة الزهد بقصر الأمل، واقطع أسباب الطمع بصحة اليأس، وتعرض لرقة القلب بمجالسة أهل الذكر، واستفتح باب الحزن بطول الفكر، وتزين لله بالصدق في كل الأحوال، وإياك والتسويف فإنه يغرق الهلكى، وإياك والغفلة فإن فيها سواد القلب، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر. أبو حفص بن شاهين قال: قرأت على جعفر بن محمد الثقفي، سمعت سهل بن عبد الله يقول: أول الحجاب الدعوى فإذا أخذوا في الدعوى حرموا. أبو بكر أحمد بن محمد السائح قال: سمعت القاسم بن محمد صاحب سهل يقول: سمعت سهل بن عبد الله يقول: ليس بين العبد وبين الله حجاب أغلظ من الدعوى، ولا طريق أقرب إليه من الافتقار.

_ 645 - هو: سهل بن عبد الله بن يونس، شيخ العارفين، أبو محمد التستري، الصوفي الزاهد، توفي سنة ثلاث وثمانين، ويقال: عاش ثمانين سنة أو أكثر سير أعلام النبلاء 10/649.

علي بن سالم قال: سمعت سهل بن عبد الله، وقيل له: أي شيء أشد على النفس؟ فقال: الإخلاص، لأنه لها فيه نصيب. محمد بن الحسن بن الصباح قال: سمعت سهل بن عبد الله يقول: أمس قد مات، واليوم في النزع، وغد لم يولد. أبو العباس الخواص، جارنا بالدور، قال: كنت عند سهل بن عبد الله وكنت أحب شيئاً من أمره الذي كان يسره، وقد كنت سألت جماعة من أصحابه: من أين يقتات؟ فلم يقف أحد منهم على شيء فيخبرني به، فجئت ليلة إلى مسجده وهو قائم يصلي فوقفت طويلاً وهو لا يرجع حتى جاءت شاة فزحمت باب المسجد وأنا أراها، فلما سمع سهل حركة الباب ركع وسجد وسلم وخرج إلى باب المسجد ففتحه وقدم الشاة إليه ومسح يده عليها، وقد كان أخرج معه قدحاً أخذه من طاق في المسجد فحلب وشرب ثم مسح يده عليها وكلمها بالفارسية فذهبت في الصحراء، ودخل هو إلى المسجد وقام في محرابه. محمد بن الحسن بن الصباح قال: قال سهل بن عبد الله التستري: من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء ويجيء الرجل فيقول: يا فلان أي شيء تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا؟ فيقول: طلقت امرأته، ويجيء آخر فيقول: بم تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا؟ فيقول: ليس يحنث بهذا القول. وليس هذا إلا لنبي أو لعالم فاعرفوا لهم ذلك. أسند سهل عن خاله محمد بن سوار، ولقي ذا النون، وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وقيل ثلاث وسبعين رضي الله عنه.

ومن المصطفين من أهل شيراز

ومن المصطفين من أهل شيراز: 646 - أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ولد في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة، وتفقه على جماعة منهم أبو الطيب الطبري، ودخل بغداد في سنة خمس عشرة وأربعمائة، وسمع الحديث من البرقاني وأبي علي بن

_ 646 - هو: أبو إسحاق الشيرازي، الشيخ الإمام القدوة، المجتهد، شيخ الإسلام، أبو إسحاق، إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي الشيرازي، الشافعي، نزيل بغداد، قيل: لقبه جمال الدين، مولده في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة.

شاذان، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فقال له: يا شيخ فكان يفرح ويقول سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخاً. وقال: كنت أعيد كل درس مائة مرة وإذا كان في المسئلة بيت يستشهد به حفظت القصيدة كلها لأجله، وكان عاملاً بالعلم وصابراً على خشونة العيش. وقال يوماً لبعض أصحابه: وكلتك في أن تشتري لي دبساً بهذا القرص على وجه الآخر. فمضى واشترى وجاء به وشك بأي القرصين اشترى؟ فما أكل الشيخ، وقال: لا أدري هل اشتريت بالقرص الذي وكلتك فيه أم بالآخر؟. وكان يوماً يمشي ومعه بعض أصحابه فعرض في الطريق كلب فزجره الصاحب، فنهاه أبو إسحاق وقال: لم طردته عن الطريق؟ أما علمت أن الطريق بيني وبينه مشترك. وقال أبو الوفاء بن عقيل: شاهدت شيخنا أبا إسحاق لا يخرج شيئاً إلى فقير إلا أحضر النية. ولا يتكلم في المسألة إلا قدم الاستعانة بالله وإخلاص القصد في نصرة الحق دون التحسن للخلق، ولا صنف مسألة إلا بعد أن صلى ركعات، فلا جرم شاع اسمه وانتشرت تصانيفه شرقاً وغرباً هذه بركات الإخلاص. وتوفي أبو إسحاق في سنة ست وسبعين وأربعمائة. ورئي في المنام وعليه ثياب بيض وعلى رأسه تاج فقيل له: ما هذا البياض؟ فقال: شرف الطاعة. قيل: والتاج؟ قال عز العلم. رضي الله عنه.

ومن المصطفين من أهل كرمان

ومن المصطفين من أهل كرمان: 647 - شاه بن شجاع الكرماني يكنى أبا الفوارس كان من أبناء الملوك فتزهد رضي الله عنه. أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت جدي أبا عمرو بن نجيد يقول: كان شاه بن شجاع حاد الفراسة. وقيل: ما أخطأت فراسته. وكان يقول: من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعود نفسه أكل الحلال لم تخط له فراسة.

_ 647 - هو: أبو الفوارس الكرماني شاه بن شجاع، تعرى من الأعراض وتحرز من الأعراض، كان من أبناء الملك، وتشمر للسلوك وتخفف للاستباق، متحققا بالاشتياق، انظر حلية الأولياء 10/252.

ابن الحشا قال: قال شاه الكرماني: من صحبك ووافقك على ما يحب، وخالفك فيما يكره، فإنما يصحب سواه، ومن صحب هواه فهو يطلب راحة الدنيا. أبو علي الأنصاري قال: سمعت شاه بن شجاع الكرماني يقول: لأهل الفضل فضل ما لم يروه، فإذا رأوه فلا فضل لهم، ولأهل الولاية ولاية ما لم يروها، فإذا رأوها فلا ولاية لهم. صحب شاه بن شجاع أبا تراب النخشي وأبا عبيد البسري وغيرهما، ولا نعلمه أسند حديثاً. وحكى السلمي عن عبد الله بن محمد الرازي قال: أظنه مات بعد سبعين ومائتين رضي الله عنه.

ومن المصطفين من أهل أرجان

ومن المصطفين من أهل أرجان: 648 - عابدة عبد ربه الخواص قال: قالت كان بأرجان امرأة فارسية تقول: يا مولاي تدبرت حكمتك في خلقك فإذا العدل منك يقصمهم، ثم رجعت بعد إلى معرفتي بسعة رحمتك. فعلمت أن عفوك يسعهم، مولاي أخرت الخاطئين فلم تعجل عليهم بالعقوبة فلقد أطمعهم حسن إنظارك لهم في حسن عفوك عن جرائم الخاطئين، وما يمنعهم من ذلك وقد تقدم إلى الأمم إحسانك قبل ذلك؟ قال وكانت تنوح على نحو هذا الكلام وتبكي -رضي الله عنها -.

ومن المصطفين من أهل سجستان

ومن المصطفين من أهل سجستان: 649 - أبو داود السجستاني واسمه سليمان بن الأشعث بن إسحاق كان من أكبر أئمة المحدثين وعلمائهم بالنقل وعلله، ولم يسبقه أحد إلى مثل تصنيفه كتاب السنن، وعرضه على أحمد بن حنبل فاستحسنه. وقال إبراهيم الحربي: ألين الحديث لأبي داود كما ألين الحديد لداود، وجمع مع علمه الورع والتقوى. أبو بكر بن راشد قال سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مائة

_ 649 - هو: سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد الأزدي السجستاني، أبو داود، ثقة حافظ مصنف السنن وغيرها، من كبار العلماء، من الحادية عشرة، مات سنة خمس وسبعين.

ألف حديث وانتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب، يعني كتاب السنن، جمعت فيه أربعة ألف وثمان مائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث، إحداها: قوله صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنيات" 1. والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه" 2. والثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه" 3. والرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات ... " 4 الحديث. عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقري قال: أخبرني محمد بن بكر بن عبد الرزاق في كتابه قال: كان لأبي داود السجستاني كم واسع وكم ضيق، فقيل له: يرحمك الله ما هذا؟ قال: الواسع للكتب والآخر لا يحتاج إليه. عن إبراهيم عن علقمة قال: كان عبد الله يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله، وكان علقمة يشبه بعبد الله. وقال جرير بن عبد الحميد: كان إبراهيم يشبه بعلقمة وكان منصور يشبه بإبراهيم. وقال غير جرير: كان سفيان يشبه بمنصور. وقال عمر بن أحمد: قال أبو علي القوهستاني: كان وكيع يشبه بسفيان. وكان أحمد بن حنبل يشبه بوكيع، وكان أبو داود يشبه بأحمد بن حنبل -رضي الله عنهم. أبو بكر بن أبي داود قال: سمعت أبي يقول: الشهوة الخفية حب الرياسة. كتب أبو داود عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والبصريين والجزريين وغيرهم،

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري في بدء الوحي باب "1" الحديث "1" ومسلم في كتاب الإمارة الحديث "155" وأبو داود في الطلاق باب "11". 2 حسن: أخرجه الترمذي في كتاب الزهد حديث "2317" باب "11" وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وابن ماجة في كتاب الفتن باب "12" من حديث أبي هريرة، وأحمد في المسند الحديث "1732". 3 صحيح: أخرجه البخاري في كتاب الإيمان الحديث "13" ومسلم في كتاب الإيمان الحديث "71، 72". 4 صحيح: أخرجه البخاري في الإيمان الحديث "52" باب "39" فضل من استبرأ لدينه، ومسلم في كتاب المساقاة الحديث "107، 108".

وسمع من مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب وخلق لا يحصون، وكتب عنه أحمد بن حنبل حديثاً واحداً واصله من سجستان ثم سكن البصرة وقدم بغداد مراراً. وتوفي بالبصرة سنة خمس وسبعين ومائتين.

من المصطفين من أهل ديبل

من المصطفين من أهل ديبل أبو عبد الله الديبلي ... 650 - أبو عبد الله الديبلي محمد بن منصول الطوسي قال: سمعت أبا عبد الله الديبلي يقول: كلمني بعض إخواني مرة أن أشتري لعيالي داراً فاشتريت لهم داراً وكان الله تعالى قد وهب لي طي الأرض، فقص جناحي، فبعث إلي بعض إخواني: إلقنا الليلة في موضع كذا وكذا على مسافة من الأرض، فبعثت إليهم قد قص جناحي فادعوا لي فبعثوا إلي صلة من الموضع الذي انقص فرجعت فحرقت الصك فرد الله علي ما كان ذهب مني.

ذكر المصطفين من عباد البحرين

ذكر المصطفين من عباد البحرين: 651 - خليفة العبدي هلال بن دارم قال: كان خليفة العبدي جاراً لنا بالبحرين فكان يقوم إذا هدأت العيون فيقول: اللهم إليك قمت أبتغي ما عندك من الخيرات. ثم يعمد إلى محرابه لا يزال يصلي حتى يطلع الفجر. قال: وحدثتني عجوز كانت تكون معه في الدار قالت: كنت أسمعه يدعو في السجود يقول: هب لي إنابة إخبات وإخبات منيب وزيني في خلقك بطاعتك، وحببني لديك بحسن خدمتك، وأكرمني إذا وقد إليك المتقون فأنت خير مسؤول وخير معبود وخير مشكور وخير محمود. وقالت: كنت أسمعه إذا دعا في السحر يقول: قام البطالون وقمت معهم، قمنا إليك ونحن متعرضون لجودك، فكم من ذي جرم عظيم قد صفحت له عن جرمه، وكم من ذي كرب عظيم قد فرجت له عن كربه، وكم من ذي ضر كثير قد كشفت له عن ضره، فبعزتك ما دعانا إلى مسألتك بعد ما انطوينا عليه من معصيتك إلا الذي عرفتنا من جودك وكرمك، فأنت المؤمل لكل خير، والمرجو عند كل نائبة.

بكر بن مصادر قال: قال خليفة العبدي، وكان ممن ينظر بنور الله وينطق بحكمته: أصبح الخلق على خطر من الله عظيم، وهم عن ذاك معرضون فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال: وكان خليفة قد أخلقه الدؤوب والكلال. يحيى بن بسطام قال: قال ضيغم صلى خليفة العبدي حتى انشقت قدماه.

عابدان

عابدان ... 652 - عابد آخر إبراهيم بن عيسى اليشكري قال: دخلت على رجل بالبحرين قد اعتزل الناس وتفرغ لنفسه فذاكرته شيئاً من أمر الآخرة وذكر الموت، قال: فجعل والله يشهق حتى خرجت نفسه وأنا أنظر إليه قال: فدخل الناس عليه فقالوا: يا عبيد الله ما أردت إلى هذا؟ لعلك أن تكون ذاكرته بشيء من أمر الموت. قال: قلت أجل والله لقد كان ذلك. قال: فبكى رجل من جيرانه وقال: رحمك الله لقد خفت أن يقتلك ذكر الموت حتى والله لقد قتلك، قال: ثم جهزناه ودفناه رضي الله عنه. 653 - عابد آخر قال مسمع: سمعت عابداً من أهل البحرين يقول في جوف الليل، ونحن على بعض السواحل، قرة عيني، وسرور قلبي، ما الذي أسقطني من عينك يا مانح العصم قال: ثم صرخ وبكى ثم نادى طوبى لقلوب ملأتها خشيتك واستولت عليها محبتك فمحبتك مانعة لها من كل لذة غير مناجاتك، والاجتهاد في خدمتك، وخشيتك قاطعة لها عن كل معصية خوفاً لحلول سخطك، ثم بكى وقال: يا إخوتاه ابكوا على خوف فوت الآخرة حيث لا رجعة ولا حيلة.

ذكر المصفيات من عابدات البحرين

ذكر المصفيات من عابدات البحرين منيفة بنت أبي طارق ... ذكر المصطفيات من عابدات البحرين 654 - منيفة بنت أبي طارق مسمع بن عاصم المسمعي قال: كانت بالحبرين امرأة عابدة يقال لها منيفة، فكانت إذا هجم الليل عليها قالت: بخ بخ يا نفس قد جاء سرور المؤمن، فتتحزم وتلبس وتقوم إلى محرابها فكأنها الجذع القائم حتى تصبح؛ فإذا أصبحت وأمكنت الصلاة فإنما هي في صلاة حتى ينادى بالعصر، فإذا صلت العصر هجعت إلى غروب الشمس هذا دأبها، قيل لها: لو جعلت هذه النومة في الليل كان أهدأ لبدنك، فقالت: لا والله لا أنام في ظلمة الليل ما دمت في الدنيا. قال أبو سفيان فحدثني رجل من أهلها قال: فمكثت كذلك أربعين سنة ثم ماتت. قال أبو سفيان: فحدثني رجل من البحرين يقال له عامر بن مليك قال: رأيت منيفة بعد موتها في منامي فقلت: يا منيفة ما حال الناس هناك؟ فأقبلت علي وقالت: عن أي حالهم تسأل؟ الدار واحدة لأهل الطاعة يتعالون فيها بالأعمال، ولا تسأل عن حال أهل النار. قال: فبكيت والله من قولها لا تسأل عن حال أهل النار. ثم وليت فأتبعتني صوتاً: يا عامر عليك بالجد والاجتهاد لعلك أن تجري في مساعي السابقين غداً. قال عامر: فمرضت والله من هذه الرؤيا شهراً. قال أبو سيار: وحدثني عامر بن مليك البحراني عن أمة قالت: بت ذات ليلة عند منيفة ابنة أبي طارق فما زادت على هذه الآية من أول الليل إلى آخره ترددها وتبكي وتقول: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} آل عمران.

ماجدة القرشية

655 - ماجدة القرشية المنهال بن يحيى البصري قال: حدثني إياس بن حمزة، رجل من أهل البحرين، قال: قالت امرأة من قريش يقال لها ماجدة، كانت تسكن البحرين: طوى أملي طلوع الشمس وغروبها، فما من حركة تسمع ولا من قدم توضع إلا ظننت أن الموت في أثرها. وكانت تقول: سكان دار أوذنوا بالنقلة وهم حيارى يركضون في المهلة كأن المراد

غيرهم، أن التأذين ليس لهم والمعني بالأمر سواهم، آه من عقول ما أنقصها، ومن جهالة ما أتمها بؤساً لأهل المعاصي ماذا غروا به من الإمهال والاستدراج؟. وكانت تقول: بسطوا آمالهم فأضاعوا أعمالهم، ولو نصبوا الآجال وطووا الآمال خفت عليهم الأعمال. وكانت تقول: لم ينل المطيعون ما نالوا من حلول الجنان ورضا الرحمن إلا بتعب الأبدان لله والقيام لله بحقه في المنشط والمكره. وكانت تقول: كفى المؤمنين طول اهتمامهم بالمعاد شغلاً. وكانت تقول: لو رأت أعين الزاهدين ثواب ما أعد الله لأهل الإعراض عن الدنيا لذابت أنفسهم شوقاً إلى الموت لينالوا من ذلك ما أملوا من تفضله تعالى، رضي الله عنها.

ذكر المصطفيات من عابدات البحرين المجهولات الأسماء

ذكر المصطفيات من عابدات البحرين المجهولات الأسماء 656 - عابدة عن عبد الواحد بن زيد قال: رأيت امرأة بالبحرين تنشج على الآخرة نشيجاً، كلما نشجت نشجة قلت: نفسها خارجة معها، قال: فحرصت على أن أجاريها شيئاً من الخير فلم أقدر على ذلك فكان أول ما حفظت عنها وآخره أن قالت: تشاغل أيها المرء بنفسك، فوالله ما هممت قط بموعظة أعظ بها غيري إلا حال تقصيري فيما بيني وبين ذلك، ولئن كان المرء لا يعظ أحداً حتى يتعظ، لقد أمكن إبليس من نفسه يقوده حيث يشاء، والله ما أنا بحامدة لنفسي في ذلك ولود إبليس أنه قدر على ذلك من جميع الخلق كما قدر عليه مني، فلم يكن أحد يحض على طاعة الله ولكن مر أيها المرء بالبر وإن لم تستطعه، واحذر أن تنهى عن الشر وتأتيه.

ومن المصطفين من أهل اليمامة

ومن المصطفين من أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير مولى لطيء ... ومن المصطفين من أهل اليمامة: 657 - يحيى بن أبي كثير مولى لطيئ كان من أهل البصرة فتحول إلى اليمامة ويكنى أبا نصر. كذا قال البخاري. البخاري قال: قال موسى: سمعت وهيباً يقول: سمعت أيوب يقول: ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير. مسدد قال: سمعت عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال: سمعت أبي يقول: لا يأتي العلم براحة الجسد. مسدد: ثنا عبد الله بن يحيى بن كثير قال: سمعت أبي يقول: ميراث العلم خير من الذهب، والنفس الصالحة خير من اللؤلؤ.

_ 657 - هو: يحيى بن أبي كثير الطائي مولاهم، أبو نصر اليمامي، ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: وقبل ذلك. قال الشيخ شعيب: أرسل عن أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري والحكم بن مينا، وعروة بن الزبير، وأبي أمامة الباهلي وأبي سلام الحبشي، فروايته عن الصحابة منقطعة التحرير 4/99.

حميد الكندي قال: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: تعلم الفقه صلاة، وقراءة القرآن ودراسته صلاة. الأوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: العالم من يخشى الله عز وجل. يحيى بن عبد الله قال: أنبأ يحيى بن أبي كثير قال: يقول الناس: فلان الناسك، وإنما الناسك الورع. عن أبي عمرو، عن يحيى بن أبي كثير قال: ما صلح منطق رجل إلا عرفت ذلك في سائر عمله. الوليد قال: سمعت الأوزاعي يقول: قال يحيى بن أبي كثير: إن ذكرك حسناتك ونسيانك سيئاتك غرة. عن الأوزاعي عن يحيى أنه قال له رجل: إني أحبك، قال: قد عرفت ذلك من نفسي. عامر بن يساف قال: كان يحيى بن أبي كثير حسن اللباس حسن الهيئة، ومات ولم يترك إلا ثلاثين درهماً كفنوه بها. أسند يحيى عن أنس وابن أبي أوفى وغيرهما من الصحابة، وتوفي سنة تسع وعشرين ومائة. قال أبو نعيم الفضل بن دكين: وقال ابن المديني: سنة ثنتين وثلاثين ومائة.

عابدة من البحرين أو اليمامة

658 - عابدة من البحرين أو اليمامة عن ابن يسار يعني مسلماً قال: قدمت البحرين أو اليمامة في تجارة فإذا أنا بالناس مقبلين ومدبرين نحو منزل، فقصدت إليه فإذا أما بامرأة جالسة في مصلى لها، عليها ثياب غليظة وإذا هي كئيبة محزونة قليلة الكلام، وإذا كل ما رأيت ولدها وخولها وعبيدها والناس إليها بالبياعات والتجارات. فقضيت حاجتي ثم أتيتها فودعتها فقالت: حاجتنا إليك أن تأتينا إن عدت إلينا لحاجة فتنزل بنا حاجتك. قال: فانصرفت فلبثت حيناً ثم إني توجهت إلى بلدها في حاجة فلما قدمتها لم أر دون منزلها شيئاً مما كنت رأيت، فأتيت منزلها فلم أر أحداً. فأتيت فاستفتحت فإذا أنا بضحك امرأة وكلامها ففتح لي فدخلت فإذا بها جالسة في بيت وإذا عليها ثياب حسنة رقيقة وإذا الضحك الذي سمعت ضحكها وكلامها، وإذا امرأة معها في بيتها فقط، فاستنكرت وقلت:

لقد رأيتك على حالين فيهما عجب: حالك في قدمتي الأولى وحالك هذه! قالت: لا تعجب فإن الذي رأيت من حالي الأولى أني كنت فيما رأيت من الخير والسعة، وكنت لا أصاب بمصيبة في ولد ولا في خول ولا مال ولا أوجه في تجارة إلا سلمت، ولا يبتاع لي شيء إلا أربح فيه فتخوفت أن لا يكون لي عند الله عز وجل خير، فكنت مكتئبة لذلك، وقلت: لو كان لي عند الله خير ابتلاني. فتوالت علي المصائب في ولدي الذي رأيت، وخولي ومالي، فما بقي لي منه شيء، ورجوت أن يكون الله عز وجل قد أراد بي خيراً فابتلاني، وذكرني ففرحت لذلك وطابت نفسي. قال: فانصرفت فلقيت عبد الله بن عمر فأخبرته خبرها فقال: أرى والله هذه ما فاتها أيوب النبي صلى الله عليه وسلم إلا بقليل، لكني قد تخرق مطرفي هذا، أو كلمة نحوها، فأمرت به أن يصلح فلم يعمل كما كنت أريد فأحزنني ذلك. انتهى ذكر أهل البحرين.

ذكر المصطفين من أهل الدينور

ذكر المصطفين من أهل الدينور: 659 - ممشاد الدينوري رضي الله عنه أبو بكر الرازي قال: قال ممشاد: طريق الحق بعيد والصبر مع الحق شديد. وقال: ما أقبح الغفلة عن طاعة من لا يغفل عن برك، وعن ذكر من لا يغفل عن ذكرك. وقال: صحبة أهل الصلاح تورث في القلب الصلاح، وصحبة أهل الفساد تورث فيه الفساد. صحب ممشاد يحيى الجلاء ونظراءه من المشايخ، وتوفي في سنة تسع وتسعين ومائتين رضي الله عنه.

_ 659 - هو: الدينوري ممشاد، حارس همته العالية، وغارس خطراته الآتية، كان يقول: ما أقبح الغفلة عن طاعة من لا يغفل عن برك، وما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن ذكرك حلية الأولياء 10/377.

أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الصائغ الدينوري

660 - أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الصائغ الدينوري ممشاد قال: خرجت ذات يوم إلى الصحراء فبينما أنا مار إذا أنا بنسر قد فتح جناحه فتعجبت منه فاطلعت فإذا بأبي الحسن الصائغ الدينوري قائم يصلي والنسر يظله. أبو عثمان المغربي قال: لم أر فيمن رأيت من المشايخ أكثر هيبة من أبي الحسن الصائغ. أسند أبو الحسن الحديث وتوفي بمصر سنة ثلاثين وثلاث مائة.

أبو جعفر الدينوري رضي الله عنه

661 - أبو جعفر الدينوري رضي الله عنه أبو بكر الكتاني قال: رأيت كأن القيامة قد قامت، فأول من خرج من عند الله عز وجل أبو جعفر الدينوري وكتائبه بيمينه وهو يضحك، ثم خرج إبراهيم الخواص بعده وكتابه بيمينه وهو يدرس القرآن.

ومن المصطفين من أهل همذان

ومن المصطفين من أهل همذان: 662 - يوسف بن أيوب الهمذاني رضي الله عنه قدم بغداد بعد الستين والأربعمائة، وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي حتى برع في الفقه والنظر، ثم اشتغل بالتعبد فاجتمع في رباطه بمر وخلق زائد على الحد من المنقطعين إلى الله تعالى. وكان يقول: دخلت جبل زر لزيارة عبد الله الخوني فوجدت ذلك الجبل كثير المياه والشجر معموراً بالأولياء، على رأس كل عين واحد من الرجال مشتغل بالمجاهدة، فطفت عليهم ولا أعلم في ذلك الجبل حجراً لم تصبه دمعتي. ثم عاد يوسف ودخل بغداد في سنة ست وخمسمائة ووعظ بها ووقع له القبول التام، فقام إليه رجل متفقه يقال له ابن السقاء، فآذاه في مسألة فقال له: اجلس فإني أجد من كلامك رائحة الكفر ولعلك تموت على غير دين الإسلام. فاتفق بعد مدة أن ابن السقاء خرج إلى بلاد الروم وتنصر. وقام يومئذ إلى يوسف شابان فقيهان فقالا له: إن كنت تتكلم على مذهب الأشعري وإلا فلا تتكلم. فقال: اجلسا لا متعكما بشبابكما. فماتا ولم يبلغا الشيخوخة. ومن المصطفين من أهل قزوين:

_ 662 - هو: يوسف بن أيوب بن يوسف بن حسين بن وهرة، الإمام العالم الفقيه القدوة التقي، شيخ الإسلام أبو يعقوب الهمذاني الصوفي، شيخ مرو، ولد في حدود سنة أربعين وأربعمائة سير أعلام النبلاء 14/542.

من المصطفين من أهل قزوين

من المصطفين من أهل قزوين والان بن عيسى، أبو مريم القزويني رضي الله عنه ... 663 - والان بن عيسى، أبو مريم القزويني رضي الله عنه السري بن يحيى بعبادان، عن والان بن عيسى أبي مريم، عن رجل من أهل قزوين كان من الصالحين قال: غرني القمر ليلة فخرجت إلى المسجد فصليت لما قضى الله لي وسبحت

ودعوت. فغلبتني عيناي، فرأيت جماعة أعلم أنهم ليسوا من الآدميين بأيديهم أطباق عليها أرغفة ببياض الثلج، فوق كل رغيف در أمثال الرمان، فقالوا: كل. قلت: أريد الصوم، قالوا: يأمرك صاحب هذا البيت أن تأكل. فأكلت وجعلت آخذ ذلك الدر لأحتمله فقيل لي: دعه نغرسه لك شجراً ينبت لك خيراً من هذا. فقلت: أين؟ فقيل: في دار لا تخرب، وثمر لا يتغير، وملك لا ينقطع، وثياب لا تبلى، فيها رضى وغنى وقرة العين أزواج وضيئات مرضيات راضيات، لا يغرن ولا يغرن، عليك بالانكماش فيما أنت فيه، فإنما هي غفوة حتى ترتحل فتنزل الدار. فما مكث إلا جمعتين حتى توفي. قال السري بن يحيى، فرأيته في الليلة التي توفي فيها وهو يقول لي: لا تعجب من شيء غرس لي يوم حدثتك وقد حمل. قلت: حمل بماذا؟ قال: لا تسأل بما لا يقدر على صفته أحد، لم ير مثل الكريم إذا حل به مطيع. رضي الله عنه.

ذكر المصطفين من أهل أصبهان

ذكر المصطفين من أهل أصبهان: 664 - محمد بن يوسف بن معدان أبو عبد الله الأصبهاني رضي الله عنه كان ابن المبارك يسميه عروس الزهاد. يحيى بن سعيد القطان قال: ما رأيت رجلاً أفضل من محمد بن يوسف الأصبهاني. وسمعت ابن مهدي يقول: ما رأيت مثل محمد بن يوسف الأصبهاني. يحيى بن سعيد القطان قال: كنت إذا نظرت إلى محمد بن يوسف رأيت رجلاً كأنه قد عاين الموت. قال الدورقي: وسمعت رجلاً من أهل أصبهان يحدث عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كتب أخو محمد بن يوسف إلى محمد بن يوسف يشكو إليه جور العمال، فكتب إليه: يا أخي بلغني كتابك تذكر ما أنتم فيه وإنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية أن ينكر العقوبة وما أرى ما أنتم فيه إلا شؤم الذنوب. عطاء بن مسلم الحلبي قال: كان محمد بن يوسف الأصبهاني يختلف إلي عشرين سنة لم

_ 664 - هو: محمد بن يوسف بن معدان، الزاهد، العابد، القدوة أبو عبد الله الأصبهاني، عروس الزهاد، له حديث واحد، وهو منكر، سير أعلام النبلاء 8/76.

أعرفه، يجيء إلى الباب فيقول: رجل غريب يسأل حتى رأيته يوماً في المسجد فقيل لي: هذا محمد بن يوسف الأصبهاني، فقلت: هذا يختلف إلي منذ عشرين سنة لم أعرفه. أبو حاتم قال: بلغني عن ابن المبارك قال: قلت لابن إدريس: أريد الثغر، فدلني على أفضل رجل به. فقال: عليك بمحمد بن يوسف الأصبهاني. فقلت فأين يسكن؟ قال: المصيصة ويأتي السواحل. فقدم عبد الله بن المبارك المصيصة فسأل عنه فلم يعرف فقال ابن المبارك: من فضلك لا تعرف. يوسف بن زكريا قال: كان محمد بن يوسف لا يشتري زاده من خباز واحد، ولا من بقال واحد، وقال: لعلهم يعرفوني فيحابوني فأكون ممن يعيش بدينه. سعيد بن عبد الغفار قال: قلت لمحمد بن يوسف: أوصني. فقال: إن استطعت أن لا يكون شيء أهم إليك من ساعتك فافعل. أيوب بن معمر قال: حدثوني بالبصرة أن محمد بن يوسف كان يأوي بالليل إلى دار امرأة. قالت: فكان يدخل بعد العشاء ثم يخرج عند طلوع الفجر فلا ينصرف إلى العشاء. قالت: وكان يدخل بيتاً في الدار ويرد على نفسه الباب. قالت: فذهبت ليلة فاطلعت في البيت فرأيت عنده سراجاً يزهر قالت: ولم يكن في البيت سراج قالت: ففطن محمد أنا اطلعنا عليه فخرج من الغد ولم يعد إلينا. قال عبد الرحمن بن مهدي: رأيت محمد بن يوسف في الشتاء والصيف، فلم يكن يضع جنبه. محمد بن أبي رجاء ومحمد بن قتيبة أو أحدهما: أن محمد بن يوسف خرج في جنازة بالمصيصة فنظر إلى قبر أبي إسحاق الفزاري ومخلد بن الحسين، وبينهما موضع قبر. فقال لو أن رجلاً مات فدفن بينهما. قال: فما أنت عليه إلا عشرة أيام أو نحوها حتى دفن في الموضع الذي أشار إليه. أدرك محمد بن يوسف التابعين: فروى عن يونس بن عبيد الأعمش، وقد روى عن الثوري والحمادين وصالح المري وغيرهم إلا أنه لم يكد يسند حديثاً إنما كان يرسل الحديث شغلاً بالتعبد عن الرواية. وتوفي سنة أربع وثمانين ومائة ولم يكمل له أربعون سنة.

أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى الأصبهاني

665 - أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى الأصبهاني كانت عبادته تشبه عبادة الملائكة: قليلة يقوم إلى قريب الفجر ثم يركع ويتمها ركعتين، وليلة يركع إلى قريب الفجر ثم يسجد ويتمها ركعتين، وليلة يسجد إلى قريب الفجر ثم يركع ويتمها ركعتين، ثم يدعو في آخر الليل لجميع الناس، ولجميع الحيوان والبهائم والوحش، ويقول: في اليهود والنصارى: اللهم اهدهم، ويقول في التجار: اللهم سلم تجاراتهم. وصحب معروفاً الكرخي وتوفي سنة تسع وأربعين ومائتين.

_ 665 - هو: إبراهيم بن عيسى الزاهد، صحب معروفا الكرخي، وسمع من أبي داود الطيالسي، ومحمد بن المقرئ توفي سنة تسع وأربعين ومائتين، حلية الأولياء 1/425.

أبو عبيد الله محمد بن يوسف البناء

666 - أبو عبيد الله محمد بن يوسف البناء كان يفتي الناس بالأجرة فيأخذ منها دانقاً لنفقته ويتصدق بالباقي، ويختم كل يوم ختمة. ولقي ستمائة شيخ، وكتب الحديث الكثير. وبلغني عن أبي علي بن شاذان قال: سمعت أبا جعفر محمد بن قتادة يقول: سمعت محمد بن يوسف يقول: كنت بمكة فكنت أدعو الله عز وجل وأقول: يا رب إما أن تدخل قلبي المعرفة أو اقبضني إليك، فلا حاجة لي في الدنيا والحياة بلا معرفة. قال: فرأيت في النوم كأن قائلاً يقول: إن أردت هذا فصم شهراً ولا تكلم أحداً من الناس فيه، ثم ادخل قبة زمزم وسل الحاجة. ففعلت ذلك وختمت كل يوم ختمة. فلما انقضى الشهر على ذلك دخلت قبة زمزم ورفعت يدي ودعوت الله عز وجل، وسألته الحاجة فسمعت من البئر هاتفاً يقول: يا ابن يوسف اختر أيما أحب إليك: العلم مع الغنى والدنيا أم المعرفة مع الفقر والقلب؟ فقلت: المعرفة مع الفقر والقلب. فسمعت من البئر، قد أعطيت، قد أعطيت. وكان محمد بن يوسف من المتدينين الأتقياء، توفي في سنة ست وثمانين ومائتين.

أبو جعفر أحمد بن مهدي بن رستم

667 - أبو جعفر أحمد بن مهدي بن رستم محمد بن حيان قال: كان أحمد بن مهدي ذا مال كثير نحو ثلثمائة ألف درهم، فأنفقه كله على العلم، وذكر أنه لم يعرف له فراش أربعين سنة.

_ 667 - هو: أحمد بن مهد، بن رستم، الإمام القدوة العابد الحافظ المتقن، أبو جعفر الأصبهاني، توفي سنة اثنتين وسبعين ومائتين، سير أعلام النبلاء 10/403.

قال أحمد بن مهدي: جاءتني امرأة ببغداد ليلة من الليالي فذكرت أنها من بنات الناس، وأنها امتحنت بمحنة وسألك بالله أن تسترني. فقلت: وما محنتك؟ فقالت: أكرهت على نفسي، وأنا حبلى، وذكرت للناس أنك زوجي وأن ما بي من الحبل منك، فلا تفضحني، استرني سترك الله. فسكت عنها ومضت. فلم أشعر حتى وضعت وجاء إمام المحلة في جماعة الجيران يهنئوني بالولد فأظهرت لهم التهلل ووزنت في اليوم الثاني دينارين ودفعتهما إلى الإمام فقلت: أبلغ هذا إلى تلك المرأة لتنفقه على المولود فإنه سبق ما فرق بيني وبينها. فكنت أدفع كل شهر دينارين وأوصله إليها بيد الإمام وأقول: هذه نفقة المولود إلى أن أتى على ذلك سنتان ثم توفي المولود فجاءني الناس يعزوني، فكنت أظهر لهم التسليم والرضا فجاءتني المرأة ليلة من الليالي بعد شهر ومعها تلك الدنانير التي كنت أبعث بها بيد الإمام فردتها وقالت: سترك الله كما سترتني. فقلت: هذه الدنانير كانت صلة مني للمولود، وهي لك فإنك ربيته فاعملي فيها ما تريدين. أسند أبو جعفر الحديث الكثير.

علي بن سهل بن الأزهر أبو الحسن الأصبهاني

668 - علي بن سهل بن الأزهر أبو الحسن الأصبهاني كان من المترفين فتزهد فكان يبقى الأيام الكثيرة لا يأكل. أبو حامد أحمد بن عبد الله بن رسته وكان من أصحاب علي بن سهل، قال: قال علي بن سهل: استولى علي الشوق فألهاني عن الأكل. أبو بكر محمد بن عبد الله الطبري قال: سمعت علي بن سهل بن الأزهر يقول: المبادرة إلى الطاعات من علامات التوفيق، والتقاعد عن المخالفات من علامات حسن الرعاية، ومراعاة الأسرار من علامات التيقظ، وإظهار الدعاوى من رعونات البشرية، ومن لم تصح مبادي إرادته لا يسلم في منتهى عواقبه. أحمد بن عبد الله قال: سمعت أبي وغيره من أصحاب علي بن سهل أنه كان يقول: ليس موتي كموتكم بأعلال وأسقام، إنما هو دعاء وإجابة أدعى فأجيب، فكان كما قال: كان يوماً قاعداً في جماعة فقال: لبيك ووقع ميتاً. أبو جعفر الأصبهاني قال: قال علي بن سهل بن أزهر، أستاذي رحمة الله عليه: إني لا أموت كما يموت أحدكم، يمد رجلاً ويرفع أخرى، إنما يصاح بي يا علي بن سهل! فأقول: لبيك.

فبينا هو جالس ذات يوم قال: لبيك، وتمدد فإذا هو ميت أو كما قال. قلت: كان علي بن سهل من أحسن الناس إشارة، وكان يكاتب الجنيد فيقول الجنيد: ما أشبه كلامه بكلام الملائكة، وتوفي سنة سبع وثلاثمائة.

عابد أصبهاني

669 - عابد أصبهاني عن عبد الواح بن زيد قال: خرجنا أنا وفرقد السبخي ومحمد بن واسع ومالك بن دينار نزور أخاص لنا بأرض فارس. فلما جاوزنا مهرمز إذا نحن برجل مجذوم متفطر قيحاً ودماً. فقال له بعضنا: يا هذا لو دخلت هذه المدينة فتداويت وتعالجت من بلائك هذا. فرفع طرفه إلى السماء ثم قال: إلهي أتيت بهؤلاء ليسخطوني عليك؟ لك الكرامة والعتبى بأن لا أخالفك أبداً.

ذكر المصطفين من أهل الري

ذكر المصطفين من أهل الري: 670 - جرير بن عبد الحميد بن جرير الرازي علي بن المديني قال: كان جرير بن عبد الحميد الرازي صاحب ليل، وكان له رسن يقولون: إذا أعيا تعلق به. يريد أنه كان يصلي. سفيان بن عيينة قال: قال لي ابن شبرمة: عجباً لهذا الرازي، يعني جرير بن عبد الحميد، عرضت عليه مائة درهم في الشهر من الصدقة فقال: يأخذ المسلمون كلهم مثل هذا؟ قلت: لا. قال: فلا حاجة لي فيها. ولد جرير سنة عشر ومائة وفيها مات الحسن، ورأى أيوب السختياني وسمع من مغيرة وحسين ومنصور بن المعتمر، في خلق كثير، وتوفي سنة ثمان وثمانين ومائة.

_ 670 - هو: جرير بن عبد الحميد بن قرط -بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة - الضبي الكوفي، نزيل الري وقاضيها ثقة، صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه مات سنة ثمان وثمانين، وله إحدى وسبعون سنة.

المعلى بن منصور الرازي

671 - المعلى بن منصور الرازي يحيى بن معين قال: كان المعلى بن منصور الرازي يوماً يصلي فوقع على رأسه كور الزنابير فما التفت ولا انفتل حتى أتم صلاته فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا من شدة الانتفاخ.

_ 671 - هو: معلى بن منصور الرازي، أبو يعلى، نزيل بغداد، ثقة سني فقيه طلب للقضاء فامتنع، أخطأ من زعم أن أحمد رماه بالكذب، من العاشرة، مات سنة إحدى عشرة على الصحيح.

أبو إسحاق الدولابي

772 - أبو إسحاق الدولابي صاحب كرامات، محمد بن منصور الطوسي قال: جئت مرة إلى معروف الكرخي فعض أنامله وقال: هاه لو لحقت أبا إسحاق الدولابي، كان هنا الساعة يسلم علي فذهبت أقوم فقال لي: اجلس لعله قد بلغ منزله بالري.

أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد الرازي

673 - أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد الرازي كان من كبار الحفاظ وسادات أهل التقوى. عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: ما جاوز الجسر أحفظ من أبي زرعة. أبو عبد الله محمد بن مسلم بن واره يقول: كنت عند إسحاق بن إبراهيم، فقال رجل من أهل العراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسر، وهذا الفتى - يعني أبا زرعة - قد حفظ ستمائة ألف. محمد بن إسحاق الصاغاني قال في حديث ذكره من حديث الكوفة فقال: هذا أفادنيه أبو زرعة. فقال له بعض من حضر: يا أبا بكر أبو زرعة من أولئك الحفاظ الذين رأيتهم، وذكر جماعة من الحفاظ منهم الفلاس. فقال: أبو زرعة أعلاهم لأنه جمع الحفظ مع التقوى والورع، وهو يشبه بأحمد بن حنبل. أبو العباس محمد بن جعفر بن حمدويه الرازي قال: سئل أبو زرعة الرازي عن رجل حلف بالطلاق أن أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل حنث؟ فقال: لا. ثم قال أبو زرعة: أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الإخلاص: 1 وفي المذاكرة ثلاثمائة ألف. أحمد بن سعيد الدارمي قال: صلى أبو زرعة الرازي في مسجده عشرين سنة بعد قدومه من السفر، كان يوم من الأيام قدم عليه قوم من أصحاب الحديث، فنظروا فإذا في محرابه كتابة، قالوا له: كيف تقول في الكتابة والمحاريب؟ فقال: قد كرهه قوم ممن مضى. قالوا له: هو ذا في محرابك كتابة أو ما علمت به؟ قال: سبحان الله، رجل يدخل على الله تعالى ويدري ما بين يديه.

_ 673 - هو: عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ، أبو زرعة الرازي، إمام حافظ ثقة مشهور، من الحادية عشرة مات سنة أربع وستين، وله أربع وستون.

أبو جعفر التستري قال: حضرنا أبا زرعة وكان في السوق، وعنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم والمنذر بن شاذان وجماعة من العلماء، فذكروا حديث التلقين، وقوله عليه السلام: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" 1 فاستحيوا من أبي زرعة وهابوا أن يلقنوه، فقالوا: تعالوا نذكر الحديث فقال محمد بن مسلم أنبأ الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر بن صالح ولم يجاوز، والباقون سكتوا، فقال أبو زرعة وهو في السوق: ثنا بندار قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عبد الحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي غريب، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله ... " وتوفي رحمه الله"2. أسند أبو زرعة عن خلاد بن يحيى، وأبي نعيم، وقبيص، وخلق كثير، وجالس أحمد بن حنبل وذاكره. وكان أحمد إذا ذاكره يترك الشغل ويشتغل بمذاكرته. وتوفي بالري آخر يوم نمن ذي الحجة سنة أربع وستين ومائتين، وكان مولده سنة مائتين. أحمد بن محمد، أبو العباس المرادي قال: رأيت أبا زرعة في المنام فقلت يا أبا زرعة ما فعل الله بك؟ فقال: لقيت ربي عز وجل فقال لي: يا أبا زرعة إني أوتي بالطفل فآمر به إلى الجنة فكيف بمن حفظ السنن على عبادي؟ تبوأ من الجنة حيث شئت.

_ 1 صحيح: أخرجه مسلم في كتاب الجنائز الحديث "917" باب "1 - 10" تلقين الميت، والدعاء له، والبكاء عليه والصبر عند الصدمة الأولى والميت يعذب ببكاء أهله، وأبو داود في كتاب الجنائز حديث "3117" باب في التلقين. 2 صحيح: أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز حديث "3116" باب في التلقين، وأحمد في المسند حديث "22095" والحاكم في المستدرك "1/315" وصححه ووافقه الذهبي.

يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي

674 - يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي يكنى أبا زكريا. نزيل الري، ثم انتقل إلى نيسابور فسكنها وبها مات وكانوا ثلاثة أخوة: إسماعيل ويحيى وإبراهيم، فإسماعيل أكبرهم سناً، ويحيى أوسطهم، وإبراهيم أصغرهم، وكانوا كلهم زهاداً. محمد بن محمود السمرقندي قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: الكلام الحسن

_ 674 - هو: يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي، المادح الشاكر، القانع الصابر الراجي الجآر، الواعظ الذكار، انظر حلية الأولياء 10/53.

حسن، وأحسن من الحسن معناه وأحسن من معناه استعماله وأحسن من استعماله ثوابه، وأحسن من ثوابه رضا من يعمل له. قال: وسمعت يحيى يقول: إلهي حجتي حاجتي وعدتي فاقتي، وسيلتي إليك نعمتك علي، وشفيعي إليك إحسانك إلي. طاهر بن إسماعيل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل، وعلامة التائب إسبال الدمعة، وحب الخلوة، والمحاسبة للنفس عند كل همة. عن أبي عمران قال: سمعت يحيى بن معاذ يدعو: اللهم لا تجعلنا ممن يدعو إليك بالأبدان ويهرب منك بالقلوب، يا أكرم الأشياء علينا لا تجعلنا أهون الأشياء عليك. الحسن بن علويه يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: عمل كالسراب، وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب، ثم تطمع في الكواعب الأتراب؟ هيهات، أنت سكران بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو خالفت هواك. محمد بن إسماعيل بن موسى قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: كيف أمتنع بالذنب من الدعاء ولا أراك تمتنع بذنبي من العطاء؟ أبو بكر بن طاهر قال: كان ليحيى بن معاذ أخ يقال له إسماعيل، وكان أكبر منه، فقال رجل: مع من يريد أن يعيش أخوك يحيى وقد هجر الخلق؟ قال: فذكر ذلك ليحيى فقال له يحيى: ألا قلت له: مع من هجرهم فيه؟ الحسن بن علويه الدامغاني قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: ذنب أفتقر به إليه أحب إلي من طاعة أفتخر بها عليه. عبد الله بن سهل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: ليكن حظ المؤمن منك ثلاثاً: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه. الحسن بن علويه قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: على قناطر الفتن جاوزوا إلى خزائن المنن. وسمعته يقول: إلهي كيف أفرح وقد عصيتك؟ وكيف لا أفرح وقد عرفتك؟ وكيف أدعوك وأنا خاطئ؟ وكيف لا أدعوك وأنت كريم؟ جامع بن أحمد قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: ليكن بيتك الخلوة وطعامك الجوع، وحديثك المناجاة فإما أن تموت بدائك أو تصل إلى دوائك.

مكحول بن الفضل النسفي قال: قال يحيى بن معاذ: مصيبتان لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما: في ماله عند موته. قيل ما هما؟ قال يؤخذ منه كله ويسأل عنه كله. عبد الله بن سهل قال: قال يحيى بن معاذ الكيس من عمال الله يلهج بتقويم الفرائض والجاهل يعني بطلب الفضائل وتقويم الأعمال في تصحيح العزائم. الحسن بن علويه قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: هلم يا ابن آدم إلى دخول جوار الله تعالى بلا عمل ولا نصب ولا عناء، أنت بين ما مضى من عمرك وما بقي، فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم وليس شيئاً عملته بالأركان فإذا أنت إنما هو أمر نويته وتمتنع فيما بقي من الذنوب وامتناعك إنما هو شيء نويته وليس شيئاً عملته بالأركان فإذا أنت نجوت بغير عمل مع القيام بالفرائض وهذا ليس بعمل وهو أكبر الأعمال لأنه عمل القلب والجزاء لا يكون إلا على عمل القلب. الحسن بن علويه قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: دواء القلب خمسة أشياء، قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين. وسمعته يقول: إذا كنت لا ترضى عن الله كيف تسأله الرضا عنك؟ الحسن بن علي بن يحيى قال: قال يحيى بن معاذ: لولا أن العفو من أحب الأشياء إليه ما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه. عبد الله بن سهل الرازي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: كم من مستغفر ممقوت وساكت مرحوم. ثم قال يحيى: هذا أستغفر الله وقلبه فاجر، وهذا سكت وقلبه ذاكر. أحمد بن عبد الجبال المالكي قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء. السري بن سهل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: الناس ثلاثة: رجل شغله معاده عن معاشه، ورجل شغله معاشه عن معاده ورجل مشتغل بهما جميعاً، فالأولى درجة الفائزين، والثانية درجة الهالكين، والثالثة درجة المخاطرين. الحسن بن علويه قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من ربه العفو. عبد الله بن صالح قال: قال يحيى بن معاذ: الزاهدون غرباء الدنيا والعارفون غرباء الآخرة.

محمد بن الحسين بن المعلى البلخي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: يا بن آدم طلبت الدنيا طلب من لا بد له منها، وطلبت الآخرة طلب من لا حاجة له إليها، والدنيا قد كفيتها وإن لم تطلبها، والآخرة بالطلب منك تنالها فاعقل شأنك. عبد الله بن سهل الرازي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب - وسمعته يقول: يا ابن آدم لا يزال دينك متمزقاً ما دام قلبك بحب الدنيا متعلقاً. وسمعته يقول: وقيل له من أي شيء دوام غمك؟ قال: من شيء واحد قيل: ما هو؟ قال: خلقني ولا أدري لم خلقني. وسمعته يقول: لا يفلح من شممت منه رائحة الرياسة. وسمعته يقول: من سعادة المرء أن يكون خصمه فهماً وخصمي لا فهم له. قيل له: ومن خصمك؟ قال: نفسي تبيع الجنة بما فيها من النعيم المقيم بشهوة ساعة. وسمعته يقول: للتائب فخر لا يعادله فخر، فرح الله بتوبته. أبو العباس بن حكمويه الرازي قال: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: لا تستبطئ الإجابة إذا دعوت وقد سددت طرقاتها بالذنوب. وسمعته يقول: إلهي إن كانت ذنوبي عظمت في جنب نهيك فإنها قد صغرت في جنب عفوك. وسمعته يقول: لو سمع الخلق صوت النياحة على الدنيا في الغيب من ألسنة الفناء لتساقطت القلوب منهم حزناً، ولو رأت العقول بعيون الإيمان نزهة الجنة لذابت النفوس شوقاً، ولو أدركت القلوب كنه المحبة لخالقها لانخلعت مفاصلها ولهاً، ولطارت الأرواح إليه من أبدانها دهشاً، سبحان من أغفل الخليقة عن كنه هذه الأشياء، وألهاهم بالوصف عن حقائق هذه الأنباء. الحسن بن علي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: الليل طويل فلا تقصره بمنامك، والنهار نقي فلا تدنسه بآثامك. عبد الله بن سهل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: حفت الجنة بالمكاره وأنت تكرهها، وحفت النار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء، إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علة الضنا.

عبد الله بن محمد بن وهب قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: ألا إن العاقل المصيب من عمل ثلاثاً: ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره قبل أن يدخله، وأرضى ربه قبل أن يلقاه. وسمعته يقول: الدنيا خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها، والآخرة دار عمران، وأعمر منها قلب من يطلبها. وسمعته يقول: أخوك من عرفك العيوب، وصديقك من حذرك من الذنوب. وسمعته يقول: عجبت ممن يحزن على نقصان ماله كيف لا يحزن على نقصان عمره؟. وسمعته يقول: على قدر خوفك من الله يهابك الخلق، وعلى قدر حبك لله يحبك الخلق، وعلى قدر شغلك بالله يشتغل الخلق بأمرك. محمد بن محمود السمرقندي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: إن قال لي يوم القيامة: عبدي، ما غرك بي؟ قلت: إلهي برك بي. وسمعته يقول، وسئل: أرنا عارفاًن قال: وأين أنتم فأريكم؟ عجباً لقوم عموا عن العرفاء يطلبون الخلفاء. وسمعته يقول: استسلم القوم عندما فهموا. وسمعته يقول: من قوة اليقين ترك ما يرى لما لا يرى. وسمعته يقول: أيها المريدون إن اضطررتم إلى طلب الدنيا فاطلبوها ولا تحبوها، وأشغلوا بها أبدانكم وعلقوا بغيرها قلوبكم، فإنها دار ممر وليست بدار مقر، الزاد منها والمقيل في غيرها. وسمعته يقول: رضي الله عن قوم فغفر لهم السيئات، وغضب على قوم فلم يقبل منهم الحسنات. وسمعته يقول: يا ابن آدم، ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت؟ وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت؟ وسمعته يقول: التوحيد في كلمة واحدة، ما تصور في الأوهام فهو بخلافه. وسمعته يقول: طاعة لا حاجة بي إليها لا تمنعني مغفرة لا غناء بي عنها. وسمعته يقول: هو ألقاهم في الذنب يوم سمى نفسه العفو الغفور. وسمعته يقول: ذنب أفتقر به إليه أحب إلي من عمل أدل به عليه.

وسمعته يقول: إلهي كيف لا أرجوك تغفر لي ذنباً رجاؤك ألقاني فيه؟ وسمعته يقول: إن الحكيم يشبع من ثمار فيه. وسمعته يقول: كيف أحب نفسي وقد عصتك؟ وكيف لا أحبها وقد عرفتك؟ وسمعته يقول: إن وضع علينا عدله لم تبق لنا حسنة، وإن أتى فضله لم تبق لنا سيئة. وسمعته يقول: إن غفرت فخير راحم، وإن عذبت فغير ظالم. وسمعته يقول: إلهي ضيعت بالذنب نفسي، فارددها بالعفو علي. وسمعته يقول: إلهي ارحمني لقدرتك علي أو لحاجتي إليك. وسمعته يقول: مسكين من علمه حجيجه ولسانه، وفهمه القاطع لعذره. وسمعته يقول: ذنوب مزدحمة على عاقبة مبهمة. ثم قال: إلهي سلامة إن لم تكن كرامة. وسمعته يقول: وسئل ما العبادة؟ فقال: حرفة حانوتها الخلوة وربحها الجنة. وسمعته يقول: ما من رباني في الطريق ينعمه، وأشار لي في الورود إلى كرمه معرفتي بك دليلي عليك، وحبي لك شفيعي إليك. وسمعته يقولك ما من أعطانا خير ما في خزائنه الإيمان به قبل السؤال، لا تمنعنا عفوك مع السؤال. وسمعته يقول: إلهي إن إبليس لك عدو وهو لنا عدو، وإنك لا تغيظه بشيء هو أنكأ له من عفوك، فاعف عنا يا أرحم الراحمين. وسمعته يقول: يا من يغضب على من لا يسأله، لا تمنع من قد سألك. وسمعته يقول: لا تقع للمؤمن سيئة إلا وهو خائف أن يؤخذ بها، والخوف حسنة فيرجو أن يعفى عنها والرجاء حسنة. وسمعته يقولك إلهي لا تنس لي دلالتي عليك وإشارتي بالربوبية إليك، رفعت إليك يداً بالذنوب مغلولة، وعيناً بالرجاء مكحولة، فاقبلني لأنك ملك لطيف، وارحمني لأني عبد ضعيف. وسمعته يقول: هذا سروري بك خائفاً، فكيف سروري بك آمناً؟ هذا سروري بك في المجالس فكيف سروري بك في تلك المجالس، هذا سروري بك في دار الفناء فكيف يكون سروري بك في دار البقاء؟

عبد الله بن سهل قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: من أحب زينة الدنيا والآخرة فلينظر في العلم ومن أحب أن يعرف الزهد فلينظر في الحكمة، ومن أحب أن يعرف مكارم الأخلاق فلينظر في فنون الآداب، ومن أحب أن يستوثق من أسباب المعاش فليستكثر من الإخوان، ومن أحب أن لا يؤذي فلا يؤذين، ومن أحب رفعة الدنيا والآخرة فعليه بالتقوى. وسمعته يقول: من خان الله عز وجل في السر هتك سره في العلانية. أبو محمد الإسكاف قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: لست آمركم بترك الدنيا، آمركم بترك الذنوب - ترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فريضة، وأنتم إلى إقامة الفريضة أحوج منكم إلى الحسنات والفضائل. الحسن بن علويه يقول: سمعت يحبى بن معاذ يقول: لا تكن ممن يفضحه يوم موته ميراثه، ويوم حشره ميزانه. الحسن بن علويه قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: الدنيا خمر الشيطان، من سكر منها لا يفيق إلا في عسكر الموتى نادماً بين الخاسرين. محمد بن محمود السمرقندي قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول، وقال له بعض الملحدين: أخبرني عن الله ما هو؟ قال: إله واحد. قال كيف هو؟ قال: ملك قادر. قال: أين هو؟ قال: بالمرصاد. قال ليس عن هذا سألتك. قال يحيى: فذاك إذاً صفة المخلوقين، وأما صفة الخالق فما أخبرتك به. سمع يحيى بن معاذ من إسحاق بن إبراهيم الرازي ومكي بن إبراهيم البلخي وعلي بن محمد الطنافسي، وتوفي بنيسابور سنة ثمان وخمسين ومائتين والسلام.

إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الخواص

675 - إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الخواص يكنى أبا إسحاق. أصله من سر من رأى، لكنه أقام بالري ومات بها. جعفر بن محمد الخلدي في كتابه قال: سمعت إبراهيم الخواص يقول: سلكت البادية إلى مكة سبعة عشر طريقاً فيها طريق من ذهب، وطريق من فضة. أبو مسلم السقاء قال: سمعت بعض أصحابنا يحكي عن إبراهيم الخواص أنه قال: كان

_ 675 - هو: إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الخواص، المتبتل المتوكل، أبو إسحاق، له في التوكل الحال المشهور والذكر المنشور حلية الأولياء 10/347.

لي وقت فترة، فكنت أخرج كل يوم إلى شط نهر كبير كان حواليه الخوص، وكنت أقطع شيئاً من ذلك وأسفه قفافاً وأطرحه في ذلك النهر فأتسلى بذلك وكأني كنت مطالباً به، فجرى وقتي على ذلك أياماً كثيرة فتفكرت يوماً وقلت: أمضي خلف ما أطرحه من الماء من القفاف لأنظر أين تذهب فمضيت على شاطئ النهر ساعات ولم أعمل ذلك اليوم فإذا عجوز قاعدة على شط النهر تبكي، قلت: ما لك تبكين؟ فقالت: لي خمسة من الأيتام مات أبوهم فأصابني الفقر والشدة فأتيت يوماً هذا الموضع فجاء على رأس الماء قفاف من الخوص فأخذتها وبعتها وأنفقت عليهم، وأتيت اليوم الثاني والثالث والقفاف تجيء على رأس الماء فكنت آخذها وأبيعها، واليوم ما جاءت. قال إبراهيم: فرفعت يدي إلى السماء وقلت: اللهم لو علمت أن لي خمسة من العيال لزدت في العمل. وقلت للعجوز: لا تغتمي فإني الذي كنت أعمل ذلك. فمضيت معها فكانت فقيرة فقمت بأمرها وبأمر عيالها سنين. أو كما قال. محمد بن زياد المقيم بكلواذي وكان قد بكى حتى ذهبت عيناه. قال: سألت إبراهيم الخواص عن أعجب ما رآه في البادية فقال: كنت ليلة من الليالي في البادية فنمت على حجر فإذا أنا بشيطان قد جاء وقال: قم من ها هنا. فقلت: اذهب. فقال: إني أرفسك فتهلك. فقلت: افعل ما شئت. فرفسني فوقعت رجله علي كأنها خرقة، فقال: أنت ولي الله، من أنت؟ قلت: أنا إبراهيم الخواص. قال: صدقت. ثم قال: يا إبراهيم معي حلال وحرام، فأما الحلال فرمان من الجبل المباح، وأما الحرام فحيتان، مررت على صيادين وهما يصطادان فتخاونا فأخذت الخيانة فكل أنت الحلال ودع الحرام. حامد الأسود قال: كنت مع إبراهيم الخواص في سفر فدخلنا إلى بعض الغياض فلما أدركنا الليل إذا بالسباع قد أحاطت بنا فجزعت لرؤيتها وصعدت إلى شجرة، ثم نظرت إلى إبراهيم وقد استلقى على قفاه فأقبلت السباع تلحسه من قرنه إلى قدميه، وهو لا يتحرك. ثم أصبحنا وخرجنا إلى منزل آخر وبتنا في مسجد فرأيت بقة وقعت على وجه إبراهيم فلسعته، فقال: أخ. فقلت: يا أبا إسحاق أي شيء هذا التأوه؟ أين أنت من البارحة؟ فقال: ذاك حال كنت فيه بالله، وهذا حال أنا فيه بنفسي. علي بن محمد الحلواني قال: كان إبراهيم الخواص جالساً في مسجد الري وعنده جماعة إذ سمع ملاهي من الجيران، فاضطرب من ذلك من كان في المسجد وقالوا: يا أبا

إسحاق ما ترى؟ فخرج إبراهيم من المسجد نحو الدار التي فيها المنكر فلما بلغ طرف الزقاق إذا كلب رابض فلما قرب منه إبراهيم نبح عليه وقام في وجهه. فرجع إبراهيم إلى المسجد وتفكر ساعة ثم قام مبادراً وخرج فمر على الكلب فبصبص الكلب له فلما قرب من باب الدار خرج إليه شاب حسن الوجه وقال: أيها الشيخ لم انزعجت؟ كنت وجهت ببعض من عندك فأبلغ كل ما تريد، وعلي عهد الله وميثاقه لا شربت أبداً وكسر الجميع ما كان عنده من الشراب وآلته وصحب أهل الخير ولزم العبادة، ورجع إبراهيم إلى مسجده فلما جلس سئل عن خروجه في أول مرة ورجوعه، ثم خروجه في الثانية وما كان من أمر الكلب، فقال: نعم، إنما نبح علي الكلب لفساد كان قد دخل علي في عقد بيني وبين الله لم أنتبه له في الوقت، فلما رجعت إلى الموضع ذكرته فاستغفرت الله عز وجل منه. ثم خرجت الثانية فكان ما رأيتم، وهكذا كل من خرج لإزالة منكر فتحرك عليه شيء من المخلوقات فلفساد عقد بينه وبين الله عز وجل، فإذا وقع الأمر على الصحة لم يتحرك عليه شيء. أبو بكر بن محمد بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد الخواص يقول: من لم يصبر لم يظفر، وإن لإبليس وثاقين ما أوثق بنو آدم بأوثق منهما: خوف الفخر والطمع. الأزدي قال: سمعت إبراهيم الخواص يقول: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين. وقال: على قدر إعزاز المرء لأمر الله يلبسه الله من عزه، ويقيم له العز في قلوب المؤمنين. جعفر بن محمد الخلدي قال: سمعت إبراهيم الخواص يقول: من لم تبك الدنيا عليه لم تضحك الآخرة إليه. خير النساج قال: سمعت إبراهيم الخواص وقد رجع من سفره، وكان غاب عني سنين، فقلت له: ما الذي أصابك في سفرك؟ فقال: عطشت عطشاً شديداً حتى سقطت من شدة العطش فإذا أنا بماء قد رش على وجهي فلما أحسست ببرده فتحت عيني فإذا برجل حسن الوجه والزي، وعليه ثياب خضر، على فرس أشهب فسقاني حتى رويت، ثم قال: ارتدف خلفي وكنت بالحاجر. فلما كان بعد ساعة قال: أي شيء ترى؟ قلت: المدينة. فقال انزل

واقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وقل: أخوك الخضر يسلم عليك، وقد رويت لنا هذه الحكاية من طريق آخر وفيها: قل له: رضوان يقرأ عليك السلام كثيراً. عمر بن سفيان المنبجي قال: اجتاز بنا إبراهيم الخواص فقلت له: حدثني بأعجب ما رأيت في أسفارك. قال: لقيني الخضر فسألني الصحبة فخشيت أن يفسد علي سر توكلي بسكوني إليه، ففارقته. محمد بن عبد الله الرازي قال: مرض إبراهيم الخواص بالري في مسجد الجامع وكان به علة القيام. وكان إذا قام يدخل الماء ويغتسل ويعود إلى المسجد فيركع ركعتين. فدخل مرة ليغتسل فخرجت روحه وتوفي وسط الماء. قلت: كان الخواص من أقران الجنيد والثوري، وصحب أبا عبد الله المغربي، ولا نعرف له مسنداً. وتوفي في جامع الري إحدى وتسعين ومائتين، ويقال سنة أربع وثمانين، وتولى أمره في غسله ودفنه يوسف بن الحسين الرازي.

يوسف بن الحسين الرازي

676 - يوسف بن الحسين الرازي يكنى أبا يعقوب. محمد بن موسى الرازي قال: سمعت بن الحسين يقول: علم القوم أن الله يراهم، واستحيوا من نظره أن يراعوا شيئاً سواه. وقال: يتولد الإعجاب بالعمل من نسيان رؤية المنة. فارس البغدادي قال: سمعت يوسف بن الحسين يقول: على قدر خوفك من الله يهابك الخلق، وعلى قدر حبك لله عز وجل يحبك الخلق، وعلى قدر شغلك بأمر الله يشغل الخلق بأمرك. قال أبو الحسن علي بن إبراهيم البغدادي: سمعت أبا عبد الله الخناقاباذي يقول: حضرنا يوسف بن الحسين الرازي وهو يجود بنفسه، فقيل له: يا أبا يعقوب قل شيئاً. فقال: اللهم إني نصحت خلقك ظاهراً وغششت نفسي باطناً، فهب لي غشي لنفسي لنصحي لخلقك. ثم خرجت روحه.

_ 676 - هو: يوسف بن الحسين الرازي، الإمام العارف، شيخ الصوفية أبو يعقوب مات سنة أربع وثلاثمائة انظر سير أعلام النبلاء 11/277.

أبو الحسن علي إبراهيم الرازي قال: حكى لي أبو خلف الوزان عن يوسف بن الحسين أنه رئي في المنام فقيل له: ماذا فعل الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني. فقيل: بماذا؟ قال: بكلمة أو كلمات قلتها عند الموت: قلت: اللهم إني نصحت الناس قولاً وخنت نفسي فعلاً فهب خيانة فعلي لنصح قولي. سمع يوسف بن الحسين من أحمد بن حنبل وذي النون وغيرهما وتوفي سنة أربع وثلثمائة.

أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري

677 - أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري ولد بالري، إلا أنه خرج إلى نيسابور مع شيخه شاه بن شجاع يزوران أبا حفص النيسابوري فزوجه أبو حفص ابنته وتوطن نيسابور ومات بها. أبو عمرو بن نجيد قال: كنت أختلف إلى أبي عثمان مدة في وقت شبابي، وكنت قد حظيت عنده. فقضي من القضاء أني اشتغلت بشيء مما يشتغل به الفتيان، فنقل ذلك إلى أبي عثمان وانقطعت عنه بعد ذلك. وكنت إذا رأيته في الطريق اختفيت فدخلت يوماً سكة من السكك فخرج علي أبو عثمان من عطفة فلم أجد عنه محيصاً، فتقدمت إليه وأنا دهش متشور. فقال لي: يا أبا عمرو لا تثقن بمودة من لا يحبك إلا معصوماً. محمد بن حمدويه الحافظ قال: سمعت أمي تقول: سمعت مريم امرأة أبي عثمان تقول: كنا نؤخر اللعب والضحك والحديث إلى أن يدخل أبو عثمان في ورده من الصلاة فإنه كان إذا دخل الخلوة لم يحس بشيء من الحديث وغيره. محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أمي تقول: سمعت مريم امرأة أبي عثمان تقول: صادفت من أبي عثمان خلوة فاغتنمتها فقلت: يا أبا عثمان أي عملك أرجى عندك؟ فقال: يا مريم لما ترعرت وأنا بالري كانوا يريدونني على التزويج فأمتنع، فجاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان قد أحببتك حباً أذهب نومي وقراري، وأنا أسألك بمقلب القلوب وأتسول به إليك

_ 677 - هو: أبو عثمان الحيري، الشيخ الإمام المحدث الواعظ القدوة شيخ الإسلام، الأستاذ، أبو عثمان، سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور النيسابوري الحيري الصوفي، مولده سنة ثلاثين ومائتين بالري، انظر سير أعلام النبلاء 11/150.

أن تتزوج بي. قلت: ألك والد؟ قالت: نعم، فلان الخياط في موضع كذا وكذا فراسلت أباها أن يزوجها مني ففرح بذلك وأحضرت الشهود فتزوجتها. فلما دخلت بها وجدتها عوراء عرجاء شوهاء الخلق. فقلت: اللهم لك الحمد على ما قدرته لي. وكان أهل بيتي يلومونني على ذلك وأزيدها براً وإكراماً إلى أن صارت بحيث لا تدعني أخرج من عندها. فتركت حضور المجالس إيثاراً لرضاها وحفظاً لقلبها. ثم بقيت معها على هذه الحال خمس عشرة سنة وكأني في بعض أوقاتي على الجمر وأنا لا أبدي لها شيئاً من ذلك، إلى أن ماتت فما شيء أرجى عندي من حفظي عليها ما كان في قلبها من جهتي. أبو عمرو بن حمدان قال: سمعت أبا عثمان الحيري يقول: من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لقوله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} النور: 54. قال ابن حمدان: وقرأت بخط أبي: سمعت أبا عثمان يقول: الخوف من الله يوصلك إليه، والعجب يقطعك عنه، واحتقار الناس في نفسك مرض لا يداوى. وقال أبو عثمان: حق لمن أعزه الله بالمعرفة أن لا يذل نفسه بالمعصية. أبو الحسين الوراق قال: سمعت أبا عثمان يقول، وقد سئل عن الصحبة، فقال: الصحبة مع الله عز وجل بحسن الأدب ودوام الهيبة والمراقبة، والصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنته، ولزوم ظاهر الحكم، والصحبة مع أولياء الله بالاحترام والخدمة، والصحبة مع الأهل والولد بحسن الخلق، والصحبة مع الإخوان بدوام البشر والانبساط ما لم يكن إثماً، والصحبة مع الجهال بالدعاء لهم والرحمة عليهم ورؤية نعمة الله عليك إذ عافاك مما ابتلاهم به. محمد بن أحمد بن يوسف قال: سمعت أبا عثمان يقول: الذكر الكثير أن تذكر في ذكرك أنك لا تصل إلى ذكره إلا به وبفضله. عبد الكريم بن هوران قال: سمعت أبا عثمان السلمي يقول: سمعت عبد الله بن محمد الشيرازي يقول: سمعت أبا عثمان يقول: منذ اربعين سنة ما أقامني الله تعالى في حال فكرهته، ولا نقلني إلى غيره فسخطته. أبو عمرو بن مطر قال: حضرت مجلس أبي عثمان الخيري فخرج ثم قعد على موضعه

الذي كان يقعد فيه للتذكير، فسكت حتى طال سكوته فناداه رجل: ترى أن تقول في سكوتك شيئاً؟ فأنشا يقول: وغير تقي بأمر الناس بالتقى ... طبيب يداوي والطبيب مريض فارتفعت الأصوات بالبكاء والضجيج. عبد الله الرازي قال: لما تغيرت الحال على عثمان وقت وفاته، مزق ابنه أبو بكر قميصاً كان عليه ففتح أبو عثمان عينه وقال: يا بني خلاف السنة في الظاهر من رياء في باطن القلب الباطن. أسند أبو عثمان عن حمدون القصار، وتوفي يوم الثلاثاء لعشر بقين من ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين ومائتين. انتهى ذكر أهل الري.

ومن عباد دامغان

ومن عباد دامغان: 678 - فاطمة بنت عمران كانت كثيرة الاجتهاد. الحسن بن علي قال: قدم علينا أبو محمد الرملي فلقي فاطمة فقال هذه زاهدة وقتها وكانت مستجابة الدعوة مقيمة على تعهد الفقراء إلى أن ماتت.

ذكر المصطفين من أهل بسطام

ذكر المصطفين من أهل بسطام 679 - أبو يزيد البسطامي واسمه طيفور بن عيسى بن سروشان - وكان سروشان مجوسياً فأسلم وكان لعيسى ثلاثة أولاد: أبو يزيد وهو أوسطهم، وآدم، وهو أكبرهم، وعلي وهو أصغرهم، وكانوا كلهم عباداً زهاداً. إبراهيم الهروي قال: سمعت أبا يزيد البسطامي يقول: غلطت في ابتدائي في أربعة أشياء: توهمت أني أذكره، وأعرفه، وأحبه، وأطلبه. فلما انتهيت رأيت ذكره سبق ذكري، ومعرفته تقدمت معرفتي، وطلبه لي أولاً حتى طلبته. قال منصور وسمعت أبا عمران موسى بن عيسى يقول: سمعت أبي يقول: قال أبو يزيد عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئاً أشد علي من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لتعبت، واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد. وقال أبو يزيد: لا يعرف نفسه من صحبته شهوته. إبراهيم الهروي قال: سمعت أبا يزيد البسطامي، وسئل ما علامة العارف؟ قال: أن لا يفتر من ذكره، ولا يمل من حقه، ولا يستأنس بغيره. وقال: إن الله أمر العباد ونهاهم فأطاعوا فخلع من خلعه فاشتغلوا بالخلع عنه، وإني لا أريد من الله إلا الله. وقال منصور: وسمعت موسى بن عيسى يقول: سمعت عمي يقول: سمعت أبا يزيد يقول: لو صفت لي تهليلة ما بليت بعدها بشيء. إبراهيم الهروي قال: سمعت أبا يزيد يقول: هذا فلاحي بك وأنا أخافك فكيف فرحي بك إذ أمنتك؟. وسئل بما نالوا المعرفة؟ قال: بتضييع مالهم والوقوف مع ما له.

_ 679 - هو: أبو يزيد البسطامي، سلطان العارفين، أبو يزيد، طيفور بن عيسى بن شروسان البسطامي، أحد الزهاد أخو الزاهدين: آدم وعلي، وكان جدهم شروسان مجوسيا، فأسلم، توفي أبو يزيد ببسطام سنة إحدى وستين ومائتين، انظر سير أعلام النبلاء 10/483.

وقال: اطلع الله على قلوب أوليائه، فمنهم من لم يكن يصلح لحمل المعرفة صرفاً، فأشغلهم بالعبادة. العباس بن حمزة قال: صليت خلف أبي يزيد البسطامي الظهر، فلما أراد أن يرفع يديه ليكبر لم يقدر إجلالاً لاسم الله، وارتعدت فرائصه حتى كنت أسمع تقعقع عظامه، فهالني ذلك. عن أبي موسى عن أبي يزيد البسطامي قال: ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير؛ بل إنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير. قال: وقال أبو يزيد: لم أزل ثلاثين سنة كلما أردت أن أذكر الله أتمضمض وأغسل لساني إجلالاً لله أن أذكره. قال: وقال أبو يزيد: إن في الطاعات من الآفات ما لا يحتاجون إلى أن يطلبوا في المعاصي. قال: وقال أبو يزيد: ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر. قال: وقال أبو يزيد أشد المحجوبين عن الله ثلاثة بثلاثة، أولهم: الزاهد بزهده، والثاني: العابد بعبادته، والثالث: العالم بعلمه. ثم قال: مسكين الزاهد، لو علم أن الله عز وجل سمى الدنيا كلها قليلاً فكم ملك من الدنيا؟ وفي كم زهد مما ملك؟ وأما العابد فلو رأى منه الله عليه في العبادة عرف عبادته في المنة، وأما العالم فلو علم أن جميع ما أبدى الله عز وجل من العلم سطر واحد من اللوح المحفوظ فكم علم هذا العالم من ذلك السطر؟ وكم عمل مما علم؟. قال: سمعت أبا يزيد يقول: ما ذكروه إلا بالغفلة ولا خدموه إلا بالفترة. وقال: أكثر الناس إشارة إليه أبعدهم منه. وسأله رجل: من أصحب؟ فقال: من لا تحتاج أن تكتمه شيئاً مما علمه الله منك. قال عبيد بن عبد القاهر: قال أبو يزيد، غبت عن الله عز وجل ثلاثين سنة وكانت غيبتي عنه ذكري إياه، فلما خنست عنه وجدته في كل حال: فقال له رجل: ما لك لا تسافر؟ قال: لأن صاحبي لا يسافر، وأنا معه مقيم. فقال السائل: إن الماء القائم قد كره الوضوء منه. فقال أبو يزيد: لم يروا بماء البحر بأساً، هو الطهور ماؤه الحل ميتته. ثم قال: قد ترى الأنهار

تجري لها دوي وخرير حتى إذا دنت من البحر وامتزجت به سكن خريرها وحدتها ولم يحس بها ماء البحر، ولا ظهرت فيه زيادة، ولا إن خرجت منه استبان فيه. قاسم الحداد قال: خرج أبو يزيد البسطامي في بعض سياحته فوقف على دجلة فالتقى به الشيطان فحول وجهه ثم قال: وعزتك إنك تعلم أني ما عبدتك قط لهذا، فلا تحجبني به عنك. عبد الصمت بن محمد عن أبي يزيد أنه صعد ليلة سور بسطام فلم يزل يدور على السور إلى وقت طلوع الفجر، يريد أن يقول لا إله إلا الله فيغلبه ما يريد عليه من هيبة الاسم فلا يستطيع أن يطلق بها لسانه، فلما كان وقت طلوع الفجر نزل فبال الدم. الحسن بن علويه قال: قال أبو يزيد: قعدت ليلة في محرابي فمددت رجلي فهتف بي هافت من يجالس الملوك فينبغي أن يجالسهم بحسن الأدب. الحسن بن علي قال: قال أبو يزيد: أبعد الخلق من الله أكثرهم إشارة إليه. عبيد قال: قال أبو يزيد طلقت الدنيا ثلاثاً بتاتاً لا رجعة لي فيها، وصرت إلى ربي وحدي فناديته بالاستغاثة: إلهي أدعوك دعاء من لم يبق له غيرك. فلما عرف صدق العداء من قلبي، اليأس من نفسي، كان أول ما ورد علي من إجابة هذا الدعاء أن أنساني نفسي بالكلية ونصب الخلائق بين يدي مع إعراضي عنهم. أبو الحسن المروزي قال: سمعت امرأة أبي يزيد تقول: سمعت أبا يزيد يقول: دعوت نفسي إلى الله فأبت علي واستعصت، فتركتها ومضيت إلى الله عز وجل. أبو موسى الديبلي قال: سمعت أبا يزيد يقول: الناس كلهم يهربون من الحساب ويتجافون عنه، وأنا أسأل الله تعالى أن يحاسبني فقيل له: لم؟ قال: لعله أن يقول لي فيما بين ذلك: يا عبدي، فأقول: لبيك. فقوله لي: عبدي أعجب إلي من الدنيا وما فيها. ثم بعد ذلك يفعل بي ما شاء. علي بن المثنى قال: سمعت عمي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا يزيد يقول: رأيت رب العزة تبارك وتعالى في المنام، فقلت: يا بار خدا، كيف الطريق إليك؟ قال: اترك نفسك ثم تعال. أبو موسى الديبلي قال: سمعت رجلاً يسأل أبا يزيد فقال: دلني على عمل أتقرب به إلى

ربي عز وجل، فقال: أحبب أولياء الله تعالى ليحبوك فإن الله تعالى ينظر إلى قلوب أوليائه فلعله أن ينظر إلى اسمك في قلب وليه فيغفر لك. عيسى بن آدم ابن أخي أبي يزيد قال: كان أبو يزيد يعظ نفسه فيصيح عليها فيقول: يا مأوى كل سوء، المرأة إذا حاضت طهرت بثلاثة أيام أو أكثره بعشرة، أنت يا نفس قاعدة منذ عشرين وثلاثين سنة بعد ما طهرت فمتى تطهرين؟ إن وقوفك بين يدي طاهر ينبغي أن يكون طاهراً. أبو موسى الديبلي قال: سمعت أبا يزيد يقول: عرج قلبي إلى السماء فطاف ودار ورجع، فقلت: بأي شيء جئت معك؟ قال: المحبة والرضا. عن أبي موسى الديبلي، عن أبي يزيد قال: نظرت فإذا الناس في الدنيا متلذذون بالنكاح والطعام والشراب، وفي الآخرة بالمنكوح والملذوذ، فجعلت لذتي في الدنيا ذكر الله عز ول وفي الآخرة النظر إلى الله عز وجل. أبو موسى الديبلي قال: قلت لأبي يزيد: من أصحب؟ قال: من إذا مرضت عادك، وإذا أذنبت تاب عليك ومن يعلم منك ما يعلمه الله منك. جعفر بن علي الترمذي أن أحمد بن خضرويه قال: رأيت رب العزة في منامي فقال لي: يا أحمد، كل الناس يطلبون مني غلا أبا يزيد فإنه يطلبني. ذكر أبو نعيم الأصبهاني أنه لا يعرف لأبي يزيد حديث مسند أصلاً إلا حديث واحد رواه أبو الفتح الحمصي بإسناد له عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله" 1. قال أبو نعيم: وهو مركب على أبي يزيد، وليس من حديثه، والحمل فيه على الحمصي فقد عثر منه على غير حديث ركبه. قلت وهذا الحديث الذي أشار إليه أبو نعيم هو الذي ذكره له أبو عبد الرحمن السلمي، ووجدت أنا لأبي يزيد ثلاثة أحاديث أخر مسندة، منها حديثان لا يثبتان فلم أذكرهما، والثالث قريب الحال فاقتصرت عليه.

_ 1 ضعيف: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 10/42 رقم "14460 - 14461" وضعفه السيوطي في الجامع الصغير وتابعه المناوي في فيض القدير 2/539 رقم 2493.

قال أبو موسى الديبلي، ابن أخت أبي يزيد البسطامي، أنبأ أبو يزيد البسطامي، يعني طيفور بن عيسى، قال: أنبأ محمد بن منصور الطوسي، قال: أخبرنا سفيان ابن عيينة عن محمد بن سوقة، عن نافع بن جبير، عم أم سلمة قالت: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش الذي يخسف بهم، فقالت أم سلمة: لعل فيهم المكره. قال: إنهم يبعثون على نياتهم. توفي أبو يزيد سنة إحدى وستين ومائتين، وله ثلاث وسبعون سنة.

أبو محمد البسطامي

680 - أبو محمد البسطامي أبو بكر محمد بن ثوابة المعبر قال: كنت مصاعداً إلى الجبل في باب حلوان أيام الشتاء وعلي دثار وسروالان، أحدهما مبطن، على غاية مما يكون من الشدة، فلقيني رجل عليه خرقتان لا يتوارى بغيرهما. فعارضته مراراً ويروغ مني، فقلت له: لأي شيء تفر مني أنا سبع؟ فقال: لو لقيني سبعون سبعاً كان أهون علي من لقائك. فقلت أنا أمر كذا وأنت تمضي كذا قل لي شيئاً ومر في ودائع الله تعالى. فقال: تسمع؟ فقلت: نعم. فأنشأ يقول: إذا ما عدت النفس ... عن الحق زجرناها وإن مالت إلى الدنيا ... عن الأخرى منعناها تخادعنا ونخدعها ... وبالصبر غلبناها لها خوف من الفقر ... وفي الفقر أنخناها قال: فجئت إبراهيم بن شيبان بعد أربعة أيام أو خمسة، وقد فرقت جميع ما علي من الدثار. فلما دخلت عليه قال: من لقيت فوصفت له. فقال: أبو محمد البسطامي في ذلك اليوم خرج من عندنا. وقال: أي شيء جرى بينك وبينه؟ فحدثته فأمر ابنه إسحاق فكتبها. انتهى ذكر أهل بسطام.

ذكر المصطفين من أهل نيسابور

ذكر المصطفين من أهل نيسابور 681 - يحيى بن يحيى النيسابوري يكنى أبا زكريا. أبو بكر المروزي قال: ذكر أبو عبد الله أحمد بن حنبل يوماً ابن المبارك فقال: ما رفعه الله إلا بخبيئة كانت له، ما أخرجت خراسان مثل ابن المبارك، ولا بعد ابن المبارك، مثل يحيى بن يحيى. قال المروزي: سمعت بعض الخراسانية يقول: إن يحيى بن يحيى شرب شربة دواء، فقالت له امرأته: لو قمت فترددت في الدار. فقال يحيى: ما أدري ما هذه المشية أنا أحارب نفسي منذ أربعين سنة. أبو علي الحسن بن علي بن بندار الزنجاني قال: كان يحيى بن يحيى يحضر مجلس مالك فانكسر قلمه فناوله المأمون قلماً من ذهب أو مقلمة ذهب. فامتنع عن قبوله، فقال له المأمون: ما اسمك؟ قال: يحيى بن يحيى النيسابوري. فقال: تعرفني؟ قال: نعم، أنت المأمون ابن أمير المؤمنين. قال: فكتب المأمون على ظهر جزئه ناولت يحيى بن يحيى النيسابوري قلماً في مجلس مالك فلم يقبله. فلما أفضت الخلافة إليه بعث إلى عامله بنيسابور وأمره أن يولي يحيى بن يحيى القضاء فبعث إليه يستدعيه فقال بعض الناس: إنه يمتنع من الحضور وليته أذن للرسول، فأنفذ إليه كتاب المأمون فقرئ عليه فامتنع من القضاء فرد إليه ثانياً وقال: إن أمير المؤمنين يأمرك بشيء وأنت من رعيته وتأبى عليه؟ فقال: قل لأمير المؤمنين ناولتني قلماً وأنا شاب فلم أقبله فتجبروني الآن على القضاء وأنا شيخ؟ فرفع الخبر إلى المأمون. قال: قد علمت امتناعه ولكن ول القضاء رجلاً تختاره. فبعث إليه العامل في ذلك فاختار رجلاً فولي القضاء، ودخل على يحيى وعليه سواد فضم يحيى فراشاً كان جالساً عليه

_ 681 - هو: يحيى بن بكر بن عبد الرحمن التميمي، أبو زكريا، النيسابوري ثقة ثبت إمام، من العاشرة، مات سنة ست وعشرين على الصحيح.

كراهية أن يجمعه وإياه. فقال: أيها الشيخ ألم تخترني؟ قال: إنما قلت: اختاروه، وما قلت لك: تقلد القضاء. روى يحيى بن يحيى عن مالك والليث بن سعد وغيرهما. وتوفي في يوم الأربعاء سلخ صفر سنة ست وعشرين ومائتين.

إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم

682 - إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم أبو يعقوب الحنظلي ويقال له ابن راهويه، أحد أئمة الإسلام، رحل إلى العراق والحجاز واليمن والشام وعاد فاستوطن نيسابور. محمد بن أسلم الطوسي قال: حين مات إسحاق الحنظلي: ما أعلم أحداً كان أخشى لله من إسحاق، وكان أعلم الناس، ولو كان سفيان الثوري في الحياة لاحتاج إلى إسحاق. قال محمد بن عبد السلام: فأخبرت بذلك محمد بن يحيى الصفار فقال: والله لو كان الحسن البصري في الحياة لاحتاج إلى إسحاق في أشياء كثيرة. الحسن بن عبد الصمد قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: أحفظ سبعين ألف حديث كأنها نصب عيني. أبو عبد الرحمن الجوزجاني قال: سمعت أحمد بن حنبل، وذكر إسحاق، فقال: لا أعلم ولا أعرف لإسحاق بالعراق نظيراً. أبو داود الخفاف قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يعبر الجسر مثل إسحاق. الفضل بن عبد الله الحميري قال: سألت أحمد بن حنبل عن رجال خراسان فقال: أما إسحاق بن راهويه فلم ير مثله. أبو يحيى الشعراني قال: ما رأيت بيد إسحاق كتاباً قط، ما كان يحدث إلا حفظاً. وقال: كنت إذا ذاكرت إسحاق العلم وجدته فيه فرداً فإذا جئت إلى أمر الدنيا رأيته لا رأي له. أسند إسحاق عن جرير بن عبد الحميد، وإسماعيل بن عليه، وسفيان بن عيينة، ووكيع، في خلق لا يحصون. وتوفي بنيسابور ليلة النصف من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين.

_ 682 - هو: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أبو محمد بن راهويه المروزي، ثقة حافظ مجتهد، قرين أحمد بن حنبل، ذكر أبو داود أنه تغير قبل موته بيسير، مات سنة ثمان وثلاثين، وله اثنتان وسبعون.

محمد بن رافع بن أبي يزيد

683 - محمد بن رافع بن أبي يزيد أبو عبد الله النيسابوري القشيري. زكريا بن دلويه قال: بعث طاهر بن عبد الله إلى محمد بن رافع بخمسة آلاف درهم على يد رسوله، فدخل عليه بعد صلاة العصر وهو يأكل الخبز مع الفجل، فوضع الكيس بين يديه فقال: بعث الأمير طاهر بهذا المال إليك لتنفقه على أهلك. فقال: خذ، خذ، لا أحتاج إليه، فإن الشمس قد بلغت رءوس الحيطان إنما تغرب بعد ساعة وقد جاوزت الثمانين، إلى متى أعيش؟ فرد المال ولم يقبل. فأخذ الرسول المال وذهب فدخل عليه ابنه فقال: يا أبة ليس لنا الليلة خبز. قال: فذهب بعض أصحابه خلف الرسول ليرد المال إلى حضرة صاحبه فزعاً من أن يذهب ابنه خلف الرسول فيأخذ المال. قال زكريا: ربما يخرج إلينا محمد بن رافع في الشتاء الشاتي وقد لبس لحافه الذي يلبسه بالليل. كان محمد بن رافع رفيق أحمد بن حنبل، وقد حدث عن عبد الرزاق، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك، ووهب بن جرير وغيرهم. وأخرج البخاري ومسلم عنه في الصحيحين. وتوفي سنة خمس وأربعين ومائتين.

_ 684 - هو: محمد بن رافع القشيري، النيسابوري، ثقة عابد، من الحادية عشرة، مات سنة خمس وأربعين.

أبو حفص النيسابوري

684 - أبو حفص النيسابوري واسمه عمرو بن سلم. وقيل عمرو بن سلمة. وهو من أهل قرية على باب نيسابور يقال لها كورداباذ. الخلدي قال: سمعت الجنيد، وذكر عنده أبو حفص النيسابوري، فقال: كان رجلاً من أهل الحقائق، ولو رأيته لاستغنيت، وقد يتكلم من طور بعيد كان من أهل العلم البالغين، ولقد قال له يوماً رجل من أصحابه: كان من مضى لهم الآيات الظاهرة وليس لك من ذلك شيء،

_ 685 - هو: أبو حفص، النيسابوري، الإمام القدوة الرباني، شيخ خراسان، أبو حفص، عمرو بن سلم، وقيل: عمر وقيل: عمرو بن سلمة، النيسابوري الزاهد، توفي سنة أربع وستين ومائتين، وقيل: سنة خمس، رحمه الله.

فقال له: تعالى فجاء به إلى سوق الحدادين، إلى كؤر محمى عظيم فيه حديدة فأدخل عظيمة يده فأخذها فبردت في يده. فقال له: يجزيك؟ فأعظم ذلك وأكبره ثم مضى. أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الرازي قال: دخلت مع أبي حفص على مريض فقال المريض: آه فقال: ممن؟ فسكت. فقال: مع من؟. أبو عثمان قال: دخل أبو حفص النيسابوري على مريض، فقال المريض: آه. فقال ممن؟ فسكت المريض. فقال: أبو حفص مع من؟ فقال له المريض: كيف أكون وماذا أقول؟ فقال له أبو حفص: لا يكون أنينك شكوى ولا سكوتك تجلداً، ولكن بين ذلك. قال محمش الجلاب: صحبت أبا حفص اثنتين وعشرين سنة ما رأيته ذكر الله عز وجل على حد الغفلة والانبساط، ما كان يذكر إلا على سبيل الحضور والتعظيم والحرمة. وكان إذا ذكر الله تعالى تغيرت عليه حاله حتى كان يرى ذلك منه جميع من حضره. وقال مرة، وقد ذكر الله تعالى وتغيرت عليه حاله، فلما رجع قال: ما أبعد ذكرنا من ذكر المحققين. فما أظن أن محقاً يذكر لله على غير غفلة ثم يبقى بعد ذلك حياً إلا الأنبياء فإنهم أيدوا بقوة، وخواص الأولياء بقوة ولاياتهم. قال السلمي: وسمعت جدي يقول: كان أبو حفص إذا غضب تكلم في حسن الخلق حتى يسكن غضبه، ثم يرجع إلى حديثه. محفوظ بن أحمد قال: قال أبو حفص: حرست قلبي عشرين سنة ثم حرسني قلبي عشرين سنة، ثم وردت حالة صرنا فيها محروسين جميعاً. قال السلمي: وسئل أبو حفص: من الولي؟ قال: من أيد بالكرامات وغيب عنها. وقال: ما ظهرت حالة عالية إلا من ملازمة أصل صحيح. وقال: لا تكن عبادتك لربك سبباً لن تكون معبوداً. أبو علي الثقفي قال: كان أبو حفص يقول: من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة، ولم يتهم خواطره، فلا تعده في ديوان الرجال. أبو أحمد بن عيسى قال: سمعت أبا حفص يقول: حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه".

وسئل من الرجال؟ قال: القائمون مع الله بوفاء العهود، قال الله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الأحزاب: 23. وسئل عن العبودية؟ فقال: ترك مالك والتزام ما أمرت به. أبو محمد المرتعش قال: سمعت أبا حفص النيسابوري يقول: ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء ولا من لمحه بقلبه، وإنما يستحقه من نسيه حتى كأنه لم يعط. أبو عثمان النيسابوري قال: خرجنا جماعة مع أستاذنا أبي حفص النيسابوري إلى خارج نيسابور، فجلسنا، فتكلم علينا الشيخ فطابت أنفسنا. ثم بصرنا بأيل قد نزل من الجبل حتى برك بين يدي الشيخ. فأبكاه ذلك بكاء شديداً. فلما هدأ الشيخ سألناه فقلنا له: يا أستاذ تكلمت علينا وطابت قلوبنا فلما جاء هذا الوحش وبرك بين يديك أزعجك وأبكاك فأحببنا أن نعرف فقه ذلك؟ فقال: نعم رأيت اجتماعكم حولي وقد طابت قلوبكم، فوقع في قلبي لو أن شاة ذبحتها ودعوتهم عليها. فما تحكم هذا الخاطر حتى جاء هذا الوحش فبرك بين يدي فخيل لي أني مثل فرعون الذي سأل ربه أن يجري له النيل، فأجراه له. قلت: فما يؤمنني أن يكون الله تعالى يعطيني كل حظ لي في الدنيا وأبقى في الآخرة فقيراً لا شيء لي؟ فهذا الذي أزعجني. توفي أبو حفص سنة سبعين ومائتين. ويقال سنة سبع وستين، ويقال أربع وستين، ويقال خمس وستين، ولا نعرف له مسنداً إلا أنه قد رافق أحمد بن خضرويه البلخي وغيره من العباد. والسلام.

علي بن شعيب السقاء

685 - علي بن شعيب السقاء حج نيفاً وخمسين حجة. أحرم في كل حجة من نيسابور، وكان يصلي في البادية عند كل ميل ركعتين، ثم يقول: قال اله عز وجل: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} الحج: 28 وهذه منافع حجي والسلام.

أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمارة القصار

686 - أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمارة القصار عبد الله بن مبارك قال: قيل لحمدون بن أحمد: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا،

_ 686 - هو: حمدون القصار، شيخ الصوفية، أبو صالح، حمدون بن أحمد بن عمارة النيسابوري، قدوة الملامتية: وهو تخريب الظاهر وعمارة الباطن، مع التزام الشريعة سير أعلام النبلاء 10/459.

قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق. وقال: كفايتك تساق إليك من غير تعب ولا نصب، وإنما التعب في الفضول. عبد الله بن مبارك قال: سفه رجل على حمدون، فسكت حمدون عنه وقال: يا أخي لو نقصتني كل نقص لم تنتقصني كنقصي عندي. ثم قال: سفه رجل على إسحاق الحنظلي فاحتمله وقال: لأي شيء تعلمنا العلم؟ عبد الله الحجام قال: قال حمدون: إذا رأيت سكراناً فتمايل لئلا تنعي عليه فتبتلى بمثل ذلك. قال السلمي: وقال حمدون: من نظر في سير السلف عرف تقصيره وتخلفه عن درجات الرجال. وقال: لا تفش على أحد ما تحب أن يكون مستوراً منك. وقال: من استطاع منكم أن لا يعمى عن نقصان نفسه فليفعل. أسند حمدون عن إبراهيم الزراد عن ابن نمير، وصحب أبا تراب النخشي، وتوفي سنة إحدى وسبعين ومائتين بنيسابور.

أبو بكر عبد الله بن محمد بن زيد بن واصل النيسابوري

687 - أبو بكر عبد الله بن محمد بن زيد بن واصل النيسابوري جمع بين علم الحديث وافقه والتقوى، وسمع من محمد بن يحيى الذهلي والحسن بن محمد الزعفراني وعباس الدوري، في خلق كثير، وكان من الحفاظ المتقنين. كان الدارقطني يقول: ما رأينا في مشايخنا أحفظ منه للأسانيد والمتون، وكان أفقه المشايخ. أبو بكر النيسابوري قال: أعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل ويتقوت كل يوم بخمس حبات، ويصلي صلاة الغداة على طهارة عشاء الآخرة. ثم قال: أنا هو وهذا كله قبل أن أعرف أم عبد الرحمن، أي شيء أقول لمن زوجني؟ ثم يقول في اثر هذا: ما أراد إلا الخير. توفي أبو بكر النيسابوري في شهر ربيع الآخر من سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.

_ 687 - هو: عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، الإمام الحجة الحافظ العلامة شيخ الإسلام، أبو بكر النيسابوري، مولى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، الأموي الحافظ، صاحب التصانيف انظر سير أعلام النبلاء 11/527.

ذكر المصطفين من عابدات نيسابور

ذكر المصطفين من عابدات نيسابور 688 - فاطمة النيسابورية محمد بن الحسن بن علي بن خلف قال: سمعت ابن ملوك وكان شيخاً كبيراً رأى ذا النون المصري قال: وسألته من أجل من رأيت؟ قال: ما رأيت أجل من امرأة رأيتها بمكة يقال لها فاطمة النيسابورية وكانت تتكلم في فهم القرآن، وتعجبت منها، فسألت ذا النون عنها فقال لي: هي ولية من أولياء الله عز وجل وهي أستاذي. فسمعتها تقول: من لم يكن الله عز وجل منه على بال فإنه يتخطى في كل ميدان ويتكلم لكل لسان، وما كان الله منه على بال أخرسه إلا عن الصدق وألزمه الحياء منه والإخلاص. قال: وقالت فاطمة: الصادق المقرب في بحر تضطرب عليه أمواج، يدعو ربه دعاء الغريق يسأل ربه الخلاص والنجاة. وقالت فاطمة: من عمل لله على المشاهدة فهو عارف، ومن عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلص. قال السلمي: كانت فاطمة النيسابورية من قدماء نساء خراسان أتى إليها أبو يزيد البسطامي، وسألها ذو النون عن مسائل، وكانت مجاورة بمكة، وربما دخلت إلى بيت المقدس ثم رجعت إلى مكة. وقال أبو يزيد البسطامي: ما رأيت في عمري إلا رجلاً وامرأة، والمرأة فاطمة النيسابورية، ما أخبرتها عن مقام من المقامات إلا وكان الخبر لها عياناً. وقال لها ذو النون: عظيني، وقد اجتمعا ببيت المقدس، قالت له: الزم الصدق وجاهد نفسك في أفعالك. ماتت فاطمة بمكة في طريق العمرة سنة ثلاث وعشرين ومائتين.

عائشة بنت أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري النيسابوري

689 - عائشة بنت أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري النيسابوري أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: كانت عائشة بنت أبي عثمان من أزهد أولاد أبي عثمان وأورعهم وأحسنهم حالاً ووقتاً. وكانت مجابة الدعوة، سمعت ابنتها أم

أحمد بنت عائشة تقول: قالت لي أمي: لا تفرحي بفان، ولا تجزعي من ذاهب، وافرحي بالله عز وجل، واجزعي من سقوطك من عين الله عز وجل. وسمعتها تقول: قالت لي أمي: الزمي الأدب ظاهراً وباطناً فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهراً ولا أساء أحد الأدب باطناً إلا عوقب باطناً. وقالت عائشة: من استوحش من وحدته فذاك لقلة أنسه بربه. وقالت من تهاون بالعبد فهو من قلة معرفته بالسيد فمن أحب الصانع أحب صنعته. ماتت عائشة سنة ست وأربعين وثلاثمائة. انتهى ذكر أهل نيسابور بحمد الله ومنه.

ذكر المصطفين من أهل طوس

ذكر المصطفين من أهل طوس 690 - محمد بن أسلم، أبو الحسن الطوسي أبو عبد الله محمد بن القاسم الطوسي، خادم ابن أسلم، قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: لم أسمع بعالم منذ خمسين سنة كان أشد تمسكاً بأثر النبي صلى الله عليه وسلم من محمد بن أسلم. قال أبو عبد الله وكتب إلي احمد بن نصر أن اكتب إلى بحال محمد بن أسلم فإنه ركن من أركان الإسلام. قال أبو عبد الله: وقال لي محمد بن أسلم: يا أبا عبد الله ما لي ولهذا الخلق؟ كنت في صلب أبي وحدي، ثم صرت في بطن أمي وحدي ثم دخلت الدنيا وحدي، ثم يقبض روحي وحدي، ثم أدخل في قبري وحدي، ثم يأتيني منكر ونكير فيسألاني وحدي فإن صرت إلى خير صرت وحدي، ثم يوضع عملي وذنوبي في الميزان وحدي، وإن بعثت إلى الجنة بعثت وحدي، وإن بعثت إلى النار بعثت وحدي فما لي وللناس؟ ثم تفكر ساعة فوقعت عليه الرعدة حتى خشيت أن يسقط. وصحبته نيفاً وعشرين لم أره يصلي حيث أراه ركعتين من التطوع إلا يوم الجمعة، ولا يسبح ولا يقرأ حيث أراه ولم يكن أحد أعلم بسره وعلانيته مني. وسمعته يحلف كذا كذا مرة: لو قدرت أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي لفعلت، ولكني لا أستطيع ذلك خوفاً من الرياء. وكان يدخل بيتاً ويغلق بابه ويدخل معه كوزاً من ماء فلم أدر ما يصنع؟ حتى سمعت ابناً له صغيراً يحكي بكاءه فنهته أمه فقلت لها: ما هذا البكاء؟ فقالت: إن أبا الحسن يدخل هذا البيت فيقرأ القرآن ويبكي فيسمعه الصبي فيحكيه. وكان إذا أراد أن يخرج غسل وجهه واكتحل ولا يرى عليه أثر البكاء. وكان يصل قوماً ويعطيهم ويكسوهم فيبعث إليهم ويقول للرسول: انظر أن لا يعلموا من بعثه إليهم؟ ويأتيهم هو بالليل فيذهب به إليهم، ويخفي نفسه فربما بليت ثيابهم ونفذ ما عندهم

_ 690 - هو: محمد بن أسلم بن سالم بن يزيد، الإمام الحافظ الرباني، شيخ الإسلام، أبو الحسن، الكندي، مولاهم الخراساني، الطوسي، مولده في درود سنة ثمانين ومائة، انظر سير أعلام النبلاء 10/154.

ولا يدرون من الذي أعطاهم؟ ولا أعلم منذ صحبته وصل أحداً بأقل من مائة درهم إلا أن لا يمكنه ذلك، وكنت أخبز له فما نخلت له دقيقاً إلا أن أعصيه. وكان يقول لي: اشتر شعيراً أسود قد تركه الناس فإنه يصير إلى الكنيف، ولا تشتري لي إلا ما يكفيني يوماً بيوم. وكان يقول: والله الذي لا إله إلا هو ما رأيت نفساً تصلي إلى القبلة شراً عندي من نفسي. ودخلت عليه قبل موته بأربعة أيام بنيسابور، فقال: يا أبا عبد اللهتعال أبشرك بما صنع الله بأخيك من الخير، قد نزل بي الموت قد من الله علي أنه ليس عندي درهم يحاسبني الله عليه، وقد علم ضعفي فإني لا أطيق الحساب فلم يدع عندي شيئاً يحاسبني عليه. ثم قال: أغلق الباب ولا تأذن لأحد علي حتى أموت، واعلم أني أخرج من الدنيا وليس أدع ميراثاً غير كسائي ولبدي وإنائي الذي أتوضأ فيه، وكتبي. وكانت معه صرة فيها نحو ثلاثين درهماً فقال: هذا لابني أهداه إليه قريب له ولا أعلم شيئاً أحل له منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنت ومالك لأبيك" 1 فكفنوني منها فإن أصبتم لي بعشرة دراهم ما يستر عورتي فلا تشتروا بخمسة عشر، وابسطوا على جنازتي لبدي وغطوا علي بكسائي، وتصدقوا بإنائي، أعطوه مسكيناً يتوضأ منه. ثم مات اليوم الرابع. سمع أبو الحسن بن أسلم من أصحاب الأعمش وأصحاب الثوري والأوزاعي في آخرين - وتوفي فصلى عليه ألف ألف تقريباً.

_ 1 صحيح: أخرجه ابن ماجه في كتاب التجارات الحديث "2291" باب "64" ما للرجل من مال ولده، وأحمد في المسند الحديث "6902 - 6678" والطبراني في الثلاثة، وانظر الروض الداني 1/23 الحديث "2"، 2/152 الحديث 947، ومجمع الزوائد 4/154 - 155".

أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي

691 - أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي أصله من طوس، لكنه سكن بغداد ومات بها. جعفر بن محمد بن نصير قال: سمعت أبا العباس بن مسروق يقول: قدم علينا شيخ فكان يتكلم علينا بكلام حسن، وكان عذب اللسان جيد الخاطر، فقال لنا في بعض كلامه: كل ما

_ 691 - هو: أبو العباس أحمد بن محمد الطوسي، ابن مسروق، الشيخ الزاهد الجليل، الإمام أبو العباس، البغدادي، شيخ الصوفية، توفي في صفر سنة ثمان وتسعين ومائتين، وعاش أربعا وثمانين سنة رحمه الله.

وقع لكم في خواطركم فقولوا لي. فوقع في قلبي أنه يهودي وكان الخاطر يقوى ولا يزول فذكرت ذلك للحريري فكبر عليه ذلك فقلت: لا بد من أن أخبر الرجل بذلك. فقلت له: تقول كل ما وقع في خاطركم فقولوه لي: إنه يقع لي أنك يهودي. فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال: صدقت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وقال: قد مارست جميع المذاهب، فأنتم على الحق وحسن إسلامه. أبو سعيد بن عطاء قال: إن الجنيد رأى فيما يرى النائم قوماً من الأبدال فسأل: هل ببغداد أحد من الأولياء؟ فقالوا: نعم أبو العباس بن مسروق. قال: فقلت متعجباً: أبو العباس بن مسروق؟ فقالوا: نعم أبو العباس بن مسروق من أهل الأنس بالله عز وجل. علي بن عبد الله بن جهضم قال: أنا المفيد، قال: سمعت أحمد بن مسروق يقول: كانت والدتي إذا كان يوم الجمعة تبكي، تعلم أني لا أنصرف من الجمعة إلا عليلاً لما قد سمعته من الشيوخ وكنت أنظر إلى شيوخي فتكون رؤيتي لهم قوتي من الجمعة إلى الجمعة. جعفر بن محمد بن نصير قال: سئل ابن مسروق ما التوكل؟ قال: اعتماد القلب على الله. قال السلمي: وقال ابن مسروق: من راقب الله في خطرات قلبه عصمه الله في حركات جوارحه. وقال: أنت في هدم عمرك منذ خرجت من بطن أمك. أسند ابن مسروق الكثير، وروى عن محمد بن بكار وشيبان بن فروخ وخلق كثير، وصحب البرجلاني ومحمد بن منصور الطوسي والحارث المحاسبي وسرياً السقطي. وتوفي في صفر سنة ثمان وتسعين ومائتين، ودفن في مقابر باب حرب وبلغ أربعاً وثمانين سنة. انتهى ذكر أهل طوس بحمد الله ومنه.

ذكر المصطفين من أهل هراة

ذكر المصطفين من أهل هراة أبراهيم بن هطمان ... ذكر المصطفين من أهل هراة 692 - إبراهيم بن طهمان ولد بهراة ونشأ بنيسابور ورحل في طلب العلم، وكان حسن الخلق سخياً واسع النفس، مطعم الطعام كل من أتاه من أهل العلم. أبو زرعة قال: سمعت أحمد بن حنبل، وذكر عنده إبراهيم بن طهمان، وكان متكئاً من علة فاستوى جالساً وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون، فيتكأ. ثم قال أحمد: حدثني رجل من أصحاب ابن المبارك قال: رأيت ابن المبارك في المنام، ومعه شيخ مهيب فقلت: من هذا معك؟ قال: أما تعرف هذا؟ هذا سفيان الثوري، فقلت: من أين أقبلتم؟ قال: نحن نزور في كل يوم إبراهيم بن طهمان. قلت: فأين تزورونه؟ قال: دار الصديقين دار يحيى بن زكريا. أسند إبراهيم بن طهمان عن جماعة من التابعين كعبد الله بن دينار وأبي الزبير وأبي حازم وغيرهم، وأقام بمكة حتى توفي بها في سنة ثلاث وستين ومائة. المسعودي قال: سمعت مالك بن سليمان يقولك مات إبراهيم بن طهمان سنة ثلاث وستين بمكة ولم يخلف مثله.

_ 692 - هو: إبراهيم بن طهمان الخراساني، أبو سعيد، سكن نيسابور ثم مكة، ثقة يغرب، وتكلم فيه للإرجاء، ويقال رجع عنه، من السابعة، مات سنة ثمان وستين.

أبو عبيد القاسم بن سلام

693 - أبو عبيد القاسم بن سلام كان أبوه عبداً رومياً لرجل من هراة، وولد أبو عبيد بهراة ورحل في طلب العلم، فسمع من إسماعيل بن جعفر، وشريك، وإسماعيل بن عياش، وهشيم، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن علية، ويزيد بن هارون، في خلق كثير، وكان عالماً بالقراءات واللغة والغريب، وصنف الكتب الكثيرة في فنون، وكان ذا فضل ودين وورع وجود. عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: عرضت كتاب غريب الحديث لأبي عبيد على أبي فاستحسنه وقال جزاه الله خيراً.

_ 692 - هو: إبراهيم بن طهمان الخراساني، أبو سعيد، سكن نيسابور ثم مكة، ثقة يغرب، وتكلم فيه للإرجاء، ويقال رجع عنه، من السابعة، مات سنة ثمان وستين. 693 – هو: القاسمبن سلام -بالتشديد - البغدادي، أبو عبيد الغمام المشهور، ثقة فاضل، مصنف، من العاشرة مات سنة أربع وعشرين، ولم أر له في الكتب حديثا مسندا، بل من أقواله في شرح الغريب.

ابن عرعرة قال: كان طاهر بن عبد الله ببغداد، فطمع في أن يسمع من أبي عبيد وطمع في أن يأتيه في منزله. فلم يفعل أبو عبيد حتى كان هو يأتيه. فقدم علي بن المديني وعياش العنبري فأرادا أن يسمعا غريب الحديث فكان يحمل كل يوم كتابه ويأتيهما في منزلهما فيحدثهما به. أبو بكر بن الأنبازي قال: كان أبو عبيد يقسم الليل أثلاثاً: فيصلي ثلثه، وينام ثلثه، ويضع الكتب ثلثه. أبو حاتم قال: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: مثل الألفاظ الشريفة والمعاني الظريفة مثل القلائد اللائحة في الترائب الواضحة. سمعت إسحاق بن إبراهيم الحظلي يقول: أبو عبيد أوسعنا علماً وأكثرنا أدباً وأجمعنا جمعاً وإنا نحتاج إلى أبي عبيد، وأبو عبيد لا يحتاج إلينا. ثعلب قال: لو كان أبو عبيد في بني إسرائيل لكان عجباً. أحمد بن كامل القاضي قال: كان أبو عبيد القاسم بن سلام فاضلاً في دينه وعلمه ربانياً متفنناً في أصناف علوم الإسلام، من القرآن والفقه والعربية والأخبار، حسن الرواية صحيح النقل لا أعلم أحداً من الناس طعن عليه في شيء من أمره ودينه. عبد الله بن طاهر قال: كان الناس أربعة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والقاسم بن معن في زمانه وأبو عبيد القاسم بن سلام في زمانه. إبراهيم الحربي قال: أدركت ثلاثة لن يرى مثلهم أبداً تعجز النساء أن يلدن مثلهم، رأيت أبا عبيد القاسم بن سلام، ما مثلته إلا بجبل نفخت فيه روح، ورأيت بشر بن الحارث، ما شبهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلاً، ورأيت أحمد بن حنبل فرأيت كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف، يقول ما شاء ويمسك عما شاء. أقام أبو عبيد ببغداد مدة طويلة ثم ولي القضاء بطرسوس ثم خرج إلى مكة في سنة تسع عشرة ومائتين وأقام بها، وتوفي بها في سنة ثلاث وعشرين وقيل أربع وعشرين ومائتين وهو ابن سبع وستين سنة.

إبراهيم بن علي الخراساني الهروي

694 - إبراهيم بن علي الخراساني الهروي إبراهيم الخواص قال: نزلت إلى مشرعة الساج من بغداد وكان الماء مداً والريح تلعب بالموج، فرأيت رجلاً بين الموج يمشي على الماء، فسجدت وجعلت بيني وبين الله تعالى أن لا أرفع رأسي حتى أعلم من الرجل؟ فلم أطل في السجود حتى حركني وقال لي: قم ولا تعاود فأنا إبراهيم بن علي الخراساني. عبد الله الخياط قال: قال إبراهيم الخراساني: احتجت يوماً إلى الوضوء فإذا أنا بكوز من جوهر، وسواك من فضة رأسه ألين من الخز، فأمسكت بالسواك، وتوضأت بالماء وتركتهما وانصرفت. أبو سعيد الخراز قال: قال لنا إبراهيم الهروي: بينما أنا في بعض سياحاتي وقد بقيت أياماً كثيرة لم أر فيها أحداً من الناس ولا طائراً ولا ذا روح، وكنت في تلك الحال مستقلاً بلا طعام ولا شراب، فوقع في نفسي أني في معنى فخرج علي شخص مع الخاطر لا أدري من أين خرج؟ فقال لي: يا إبراهيم، ذلك المرائي تعرفه؟ قلت: أنا هو. قال: وكان إلى جنبي شجرة فقال لي: قل لهذه الشجرة تحمل دنانير. قلت: احملي دنانير. فلم تحمل. ثم قال لها: احملي. فإذا بشماريخ دنانير معلقة فاشتغلت أنظر إليها ثم التفت فلم أر الشخص وذهبت الدنانير من الشجرة. قال أبو سعيد: وسمعته يقول: بينما رجل في مسير له في يوم صائف إذ عدل إلى شعب فأصاب فيه مغارة. قال: فدخلت فيها فما لبثت أن دخل علي ثعبان كأنه النخلة فتطوق في شق المغارة فجعل ينظر إلى فقلت في نفسي: لعلي رزق له، وهالني أمره، فما لبث أن خرج من المغارة. ثم أقبل إلي وفي فيه رغيف حواري قد ذهبت منه عضة، فوضعه عند رأسي ورجع إلى موضعه فتطوق فيه. فقمت فأكلت الرغيف فلما برد النهار خرجت فسرت فلقيني رفقة، فقالوا: من أين جئت؟ قلت: من هذا الشعب. قالوا: هل رأيت ما رأينا؟ قلت: وما هو؟ قالوا: اعترض علينا في الرفقة ثعبان وقام على ذنبه ونفح وكان معنا إنسان ظريف فيه أدب فقال: أظن هذا جائعاً. فرمى إليه رغيفاً حواري فأخذه الثعبان ومضى. فقلت: أنا أكلت الرغيف. ومضيت وخليتهم. انتهى ذكر أهل هراة.

_ 694 – هو: إبراهيم الهروي، أبو إسحاق، يعرف بستنبه، صحب إبراهيم بن أدهم من أقران أبي يزيد، من المذكورين بالتوكل والتجريد، توفي بقزوين، وكان أهل هراة يعظمونه، انظر حلية الأولياء 10/44.

ذكر المصطفين من أهل مرو

ذكر المصطفين من أهل مرو 695 - عبد الله بن المبارك يكنى أبا عبد الرحمن كان أبوه تركياً عند رجل من التجار من بني حنظلة، وكانت أمه تركية خوارزمية. ولد سنة ثماني عشرة ومائة، وقيل تسع عشرة. الحسن قال: كانت أم ابن المبارك تركية، وكان الشبه لهم بيناً فيه، وكان ربما خلع قميصه فلا أرى على صدره وجسده كثير شعر. وأخبرني غير واحد من أهله أنه ما دخل الحمام قط. قال: وكانت دار ابن المبارك بمرو كبيرة صحن الدار نحو خمسين ذراعاً في خمسين ذراعاً، فكنت لا تحب أن ترى في داره صاحب علم أو صاحب عبادة أو رجلاً له مروءة وقدر بمرو إلا رأيته في داره، يجتمعون في كل يوم خلقاً يتذاكرون حتى إذا خرج ابن المبارك انضموا إليه. فلما صار ابن المبارك بالكوفة نزل في دار صغيرة وكان يخرج إلى الصلاة ثم يرجع إلى منزله لا يكاد يخرج منه ولا يأتيه كثير أحد، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن ألا تستوحش ها هنا مع الذي كنت فيه بمرو؟ فقال: إنما فررت من مرو من الذي تراك تحبه، وأحببت ما ها هنا للذي أراك تكرهه لي، فكنت بمرو لا يكون أمر إلا أتوني فيه ولا مسألة إلا قالوا: اسألوا ابن المبارك، وأنا ها هنا في عافية من ذلك. قال: وكنت مع ابن المبارك يوماً فأتينا على سقاية والناس يشربون منها، فدنا منها ليشرب ولم يعرفه الناس فزحموه ودفعوه فلما خرج قال لي: ما العيش إلا هكذا. يعني حيث لم نعرف ولم نوقر. قال: وبينا هو بالكوفة يقرأ عليه كتاب المناسك، انتهى إلى حديث وفيه: قال عبد الله وبه نأخذ. فقال: من كتب هذا من قولي؟ قلت: الكاتب الذي كتبه. فلم يزل يحكه بيده حتى درس. ثم قال: ومن أنا حتى يكتب قولي؟ قال الحسن وكنا على باب سفيان بن عيينة يوماً وأصحاب الحديث وهم يرون أن عنده

_ 695 - هو: عبد الله بن المبارك المروزي، مولى بني حنظلة، ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين وله ثلاث وستون.

بعض هؤلاء الكبار يحدثه. فقال رجل: أعياني أن أرى رجلاً يسوي بين الناس في علمه. فقال له آخر: هذا عبد الله بن المبارك. قال: نعم هات غيره، أتعرف غيره؟ فلما قدمت الكوفة ذكرت لابن المبارك قول الرجل وأنه فلان ولم أعلمه أنهم سموه. فقال أفلا قالوا الفضيل ابن عياض؟ قال الحسن: ورأيت في منزل ابن المبارك حماماً طيارة. فقال ابن المبارك: قد كنا ننتفع بفراخ هذه الحمام فليس ننتفع بها اليوم قلت: ولم ذلك؟ قال: اختلطت بها حمام غيرها فتزاوجت بها فنحن نكره أن ننتفع بشيء من فراخها من أجل ذلك. قال الحسن: وصحبت ابن المبارك من خراسان إلى بغداد فما رأيته أكل وحده. قال: وزوج النضر بن محمد ولده دعي بن المبارك. فلما جاء قام ابن المبارك ليخدم الناس فأبى النضر أن يدعه وحلف عليه حتى جلس. عبيد بن جناد قال: قال عطاء بن مسلم: يا عبيد رأيت عبد الله بن المبارك؟ قلت: نعم قال: ما رأيت مثله ولا يرى مثله. عبد الرحمن بن مهدي قال: ما رأت عيناي مثل سفيان ولا أقدم على عبد الله بن المبارك أحداً. عبد الرحمن بن عبيد الله قال: كنا عند الفضيل فنعي إليه ابن المبارك فقال: رحمه الله أما أنه ما خلف بعده مثله. عبد الرحمن بن مهدي قال: ما رأت عيناي أنصح لهذه الأمة من عبد الله بن المبارك. نعيم بن حماد قال: كان عبد الله بن المبارك يكثر الجلوس في بيته فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ شقيق بن إبراهيم قال: قيل لابن المبارك: إذا صليت معنا لم تجلس معنا؟ قال: أذهب أجلس مع الصحابة والتابعين. قلنا له: ومن أين الصحابة والتابعون؟ قال: أذهب أنظر في علمي فأدرك آثارهم وأعمالهم، ما أصنع معكم؟ أنتم تغتابون الناس، فإذا كانت سنة مائتين فالبعد من كثير من الناس أقرب إلى الله، وفر من الناس كفرارك من أسد، وتمسك بدينك يسلم لك. الحسين بن الحسن المروزي قال: قال عبد الله بن المبارك: كن محباً للخمول كراهية

الشهرة ولا تظهر من نفسك أنك تحب الخمول فترفع نفسك فإن دعواك الزهد من نفسك هو خروجك من الزهد لأنك تجر إلى نفسك الثناء والمدحة. أشعث بن شعبة المصيصي قال: قدم هارون الرشيد الرقة فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة وأشرفت أم ولد أمير المؤمنين من برج من قصر الخشب فلما رأيت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال له عبد الله بن المبارك. فقالت: هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان. سويد بن سعيد قال: رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى منها ثم استقبل الكعبة فقال: اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ماء زمزم لما شرب له" 1 وهذا أشربه لعطش القيامة، ثم شربه. نعيم بن حماد قال: كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق فكأنه بقرة منحورة، من البكاء، لا يجترئ أحد منا أن يدنو منه أو يسأله عن شيء. قال سفيان: إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة واحدة مثل عبد الله بن المبارك فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام. عمران بن موسى الطرسوسي قال: جاء رجل فسأل سفيان الثوري عن مسألة، فقال له من أين أنت؟ قال: من أهل المشرق. قال: أوليس عندكم أعلم أهل المشرق؟ قال: ومن هو يا أبا عبد الله؟ قال: عبد الله بن المبارك. قال: وهو أعلم أهل المشرق؟ قال: نعم وأهل المغرب. قال ابن عيينة: نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم وغزوهم معه. حبان بن موسى قال: عوتب ابن المبارك فيما يقري من المال في البلدان ولا يفعل في أهل بلده كذلك، فقال: إني أعرف مكان قوم لهم فضل وصدق طلبوا الحديث وأحسنوا

_ 1 صحيح: أخرجه ابن ماجة الحديث 3062 والدارقطني في سننه الحديث 2/289 والحاكم في المستدرك 1/473 والخطيب في تاريخ بغداد 3/179 وتلخيص الحبير 2/268.

الطلب، فاحتاجوا، فإن تركناهم ضاع علمهم وإن أعناهم بثوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم. عبد الله بن ضريس قال: قيل لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن إلى متى تكتب هذا الحديث؟ فقال: لعل الكلمة التي أنتفع بها ما كتبتها بعد. الحسين بن الحسن المروزي قال: سمعت ابن المبارك يقول: أهل الدنيا خرجوا من الدنيا قبل أن يتطعموا أطيب ما فيها. قيل له: وما أطيب ما فيها؟ قال: المعرفة بالله عز وجل. قطن بن سعيد قال: ما أفطر ابن المبارك ولا رئي نائماً قط. علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت ابن المبارك يقول: لأن أرد درهماً من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف، حتى بلغ ستمائة ألف. عبد الله بن خبيق قال: قيل لابن المبارك: ما التواضع؟ قال: التكبر على الأغنياء. عياش بن عبد الله قال: قال عبد الله بن المبارك: لو أن رجلاً أبقى مائة شيء ولم يبق شيئاً واحداً لم يكن من المتقين. ولو تورع عن مائة شيء ولم يتورع عن شيء واحد لم يكن ورعاً ومن كان فيه خلة من الجهل كان من الجاهلين. أما سمعت الله تعالى قال لنوح عليه السلام لما قال: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} هود: 45 فقال الله تعالى: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} هود؟. علي بن الحسن قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: لا يقع الكسب على العيال شيء، ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل. عبد الله بن عمر السرخسي قال: قال لي ابن المبارك: ما أعياني شيء كما أعياني أني لا أجد أخاً في الله عز وجل. سليمان بن داود قال: سألت ابن المبارك من الناس؟ قال: العلماء، قلت: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قلت: فمن الغوغاء؟ قال: خزيمة وأصحابه. قلت: فمن السفلة؟ قال: الذين يعيشون بدينهم. فضيل بن عياض قال: سئل ابن المبارك: من الناس؟ قال: العلماء. قال: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قال: فمن السفلة: قال: الذي يأكل بدينه.

أحمد بن جميل المروزي قال: قيل لعبد الله بن المبارك: إن إسماعيل بن علية قد ولي الصدقات. فكتب إليه ابن المبارك: يا جاعل العلم له بازيا ... يصطاد أموال المساكين احتلت للدنيا ولذاتها ... بحيلة تذهب بالدين فصرت مجنونا بها بعد ما ... كنت دواء للمجانين فصرت رواياتك في سردها ... عن ابن عون وابن سيرين؟ أين رواياتك والقول في ... لزوم أبواب السلاطين؟ إن قلت أكرهت فماذا كذا ... زل حمار العلم في الطين فلما قرأ الكتاب بكى واستعفى. محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت أبي يقول: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو فيقولون: نصحبك يا أبا عبد الرحمن فيقول لهم: هاتوا نفقاتكم. فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها ثم يكتري لهم ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلواء. ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا صاروا إلى المدينة قال لكل رجل منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة، من طرفها؟ فيقول: كذا. ثم يخرجهم إلى مكة فإذا وصلوا إلى مكة فقضوا حوائجهم قال لكل رجل منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيقول: كذا وكذا. فيشتري لهم ويخرجهم من مكة. فلا يزال ينفق عليهم حتى يصيروا إلى مكة فإذا وصلوا إلى مرو جصص أبوابهم ودورهم. فإذا كان بعد ثلاثة أيام صنع لهم وليمة وكساهم فإذا أكلوا وشربوا دعا بالصندوق ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صرته بعد أن كتب عليها اسمه. قال أبي: أخبرني خادمه أنه عمل آخر سفرة سافرها دعوة فقدم إلى الناس خمسة وعشرين خواناً فالوذجاً. قال: وبلغنا أنه قال للفضيل بن عياض: لولاك وأصحابك ما اتجرت. قال أبي: وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم. محمد بن عيسى قال: كان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس، وكان ينزل

الرقة في خان، فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه ويسمع منه الحديث. قال: فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب وكان مستعجلاً، فخرج في النفير فلما قفل من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه. فقال عبد الله: وكم مبلغ دينه؟ قالوا عشرة آلاف درهم فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم وحلفه أن لا يخبر أحداً ما دام عبد الله حياً. وقال: إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس. وأدلج عبد الله وأخرج الفتى من الحبس، وقيل له: عبد الله بن المبارك كان ها هنا وكان يذكرك، وقد خرج. فخرج الفتى في أثره فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة، فقال: يا فتى أين كنت؟ لم أرك في الخان؟ قال: نعم يا أبا عبد الرحمن كنت محبوساً بدين. قال: وكيف كان سبب خلاصك؟ قال: جاء رجل وقضى ديني ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس. فقال له عبد الله: يا فتى احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك. فلم يخبر ذلك الرجل أحداً إلا بعد موت عبد الله. سلمة بن سليمان قال: جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك فسأله أن يقضي ديناً عليه، فكتب إلى وكيل له، فلما ورد عليه الكتاب قال له الوكيل: كم الدين الذي سألت فيه عبد الله أن يقضيه عنك؟ قال: سبعمائة درهم، فكتب إلى عبد الله: إن هذا الرجل سألك أن تقضي سبعمائة درهم فكتبت له بسبعة آلاف، وقد فنيت الغلات. فكتب إليه عبد الله: إن كانت الغلات قد فنيت فإن العمر أيضاً قد فني فأجر له ما سبق به قلمي. وقد رويت لنا هذه الحكاية أبسط من هذا. فأخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا: أنبأ أحمد قال أنبأ أحمد بن عبد الله قال نبأ أبي قال: نبأ محمد بن أحمد بن إبراهيم قال: نبأ علي بن محمد بن روح قال: سمعت المسيب بن واضح يقول: كنت عند عبد الله بن المبارك جالساً إذ كلموه في رجل يقضي عنه سبعمائة درهم ديناً. فكتب إلى وكيله: إذا جاءك كتابي هاذ وقرأته فادفع إلى صاحب هذا الكتاب سبعة آلاف درهم. فلما ورد الكتاب على الوكيل وقرأه التفت إلى الرجل فقال: أي شيء قضيتك؟ فقال: كلموه أن يقضي عني سبعمائة درهم ديناً. فقال: قد أصبت في الكتاب غلطاً، ولكن اقعد موضعك حتى أجري عليك من مالي وأبعث إلى صاحبي فأوامره فيك.

فكتب إلى عبد الله بن المبارك: أتاني كتابك وقرأته وفهمت ما ذكرت فيه؛ وسألت صاحب الكتاب فذكر أنه كلمه في سبع مائة درهم وها هنا سبعة آلاف. فإن يكن منك غلط فاكتب إلي حتى أعمل على حسب ذلك. فكتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا وقرأته وفهمت ما ذكرت فيه فادفع إلى صاحب الكتاب أربعة عشر ألفاً. فكتب إليه: إن كان علي هذا الفعال تفعل فما أسرع ما تبيع الضيعة، فكتب إليه عبد الله بن المبارك: إن كنت وكيلي فأنفذ ما آمرك به، وإن كنت أنا وكيلك فتعال إلى موضعي حتى أصير إلى موضعك فأنفذ ما تأمرني به. ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فاجأ من أخيه المسلم فرحة غفر الله له" فأحببت أن أفاجئه فرحة على فرحة. معاذ بن خالد قال: تعرفت إلى إسماعيل بن عياش بعبد الله بن المبارك فقال إسماعل بن عياش: ما على وجه الأرض مثل عبد الله بن المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وجعلها في عبد الله بن المبارك، ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الخبيص، وهو الدهر صائم. عبد الله بن حبيق قال: قال رجل لابن المبارك: أوصني، فقال: اعرف قدرك. سعيد بن يعقوب الطالقاني قال: قال رجل لابن المبارك: هل بقي من ينصح؟ قال فقال: وهل تعرف من يقبل؟ عبدة بن سليمان قال: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثم آخر فقتله؛ ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله؛ فازدحم عليه الناس وكنت فيمن ازدحم عليه فإذا هو ملثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا. أبو وهب قال: مر ابن المبارك برجل أعمى فقال: أسألك أن تدعو الله أن يرد بصري. قال: فدعا الله فرد عليه بصره وأنا أنظر. الحسن بن عرفة قال: قال لي ابن المبارك: استعرت قلماً بأرض الشام فذهب على أن أرده إلى صاحبه فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت يا أبا علي إلى أرض الشام حتى رددته على صاحبه.

شريح بن مسلمة قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين. أبو بكر بن عبد الله بن حسن قال: قال ابن المبارك: طلبنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا. أحمد بن الزبرقان قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: إن الصالحين فيما مضى كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفواً وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي لنا أن نكرهها. عن القاسم بن محمد قال: كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيراً ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي: بأي شيء فضل هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة؟ إن كان يصلي إنا نصلي، ولئن يصوم إنا لنصوم، وإن كان يغزو فإنا لنغزو، وإن كان يحج إنا لنحج. قال: فكنا في بعض مسيرتنا في طريق الشام ليلة نتعشى في بيت إذ طفئ السراج فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يستصبح فمكث هينهة ثم جاء بالسراج فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع، فقلت في نفسي: بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا، ولعله حين فقد السراج فصار إلى الظلمة ذكر القيامة. قال المروزي: وسمعت أبا عبد الله بن حنبل قال: ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبيئة كانت له. قال المروزي: وأخبرت عن داود بن رشيد قال: كان ابن المبارك عند أبي الأحوص فجاء رسول فلان الهاشمي بعض الولاة فقال: يقرئك السلام ويقول: يا أبا الأحوص هذا شهر رمضان وقد وسعنا على عيالنا وهذه ألف درهم توسع بها عليهم في هذا الشهر. قال أبو الأحوص: فعل الله به وفعل به. وقال: قل له يدعها عنده حتى إذا احتجنا إليها بعثنا فأخذناها. قال: وانسل ابن المبارك إلى منزله فجاء بألف فقال: يا أبا الأحوص هذه الألف تنفقها فإني لا آمن أن يكون قد بلغ أهلك فيخاصمونك، وهذه من وجه أرجو أن تكون أطيب فقبلها. الحسن بن الربيع قال: سمعت ابن المبارك حين حضرته الوفاة وأقبل نصير يقول له: يا أبا عبد الرحمن، قل لا إله إلا الله. فقال له: يا نصير قد ترى شدة الكلام علي فإذا سمعتني قلتها فلا تردها علي حتى تسمعني قد أحدثت بعدها كلاماً، فإنما كانوا يستحبون أن يكون آخر كلام العبد ذلك. أدرك ابن المبارك جماعة من التابعين منهم: هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد،

والأعمش، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، وعبد الله بن عون، وخالد الحذاء، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وموسى بن عقبة، في آخرين. وروى عن كبار الأئمة. كالثوري وشعبة والأوزاعي والحمادين في نظرائهم، وكان أحد أئمة المسلمين. وتوفي بهيت منصرفاً من الغزو لثلاث عشة خلت من رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة. محمد بن فضيل بن عياض قال: رأيت عبد الله بن المبارك في المنام فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: الأمر الذي كنت فيه. قلت: الرباط والجهاد؟ قال: نعم - قلت: فأي شيء صنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة وكلمتني امرأة من أهل الجنة أو امرأة من الحور العين.

أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي الفقيه

696 - أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي الفقيه لبث مع أمه ثلاثين شهراً. أبوه مروزي. وولد هو ببغداد، ونشأ بنيسابور، واستوطن سمرقند، وكان عالماً بالحديث والفقه. أبو محمد الثقفي عبد الله بن محمد قال: سمعت جدي يقول: جالست أبا عبد الله المروزي أربع سنين فلم أسمعه طول تلك المدة يتكلم في غير العلم. أبو بكر أحمد بن إسحاق قال: ما رأيت أحسن صلاة من أبي عبد الله المروزي، ولقد بلغني أن زنبوراً قعد على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك. محمد بن نصر قال: خرجت من مصر ومعي جارية لي، فركبت البحر أريد مكة، فغرقت وذهب مني ألفا جزء، وصرت إلى جزيرة أنا وجاريتي ما رأينا فيها أحداً، وأخذني العطش فلم أقدر على الماء، فأجهدت فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلماً للموت فإذا رجل قد جاءني ومعه كوز. فقال لي: هاه. فأخذت وشربت وسقيت الجارية. ثم مضى فما أدري من أين جاء ولا أين ذهب؟. أسند المروزي عن عبدان ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه وخلق كثير يطول ذكرهم، وكان مولده في سنة ثنتين ومائتين، وتوفي سنة أربع وتسعين.

_ 696 - هو: محمد بن نصر المروزي الفقيه، أبو عبد الله، ثقة حافظ إمام جبل، من كبار الثانية عشرة، مات سنة أربع وتسعين.

عبد الله بن أحمد الرباطي المروزي

697 - عبد الله بن أحمد الرباطي المروزي لبث مع أمه خمس سنين وهو الذي يقال له ابن شبويه. سافر مع أبي تراب النخشبي، وكان الجنيد يمدحه ويقول: هو رأس فتيان خراسان. مصعب بن أحمد بن مصعب قال: قدم أبو محمد المروزي إلى بغداد يريد مكة، وكنت أحب أن أصحبه، فأتيته واستأذنته في الصحبة فلم يأذن لي في تلك يكون أحدنا الأمير لا يخالفه الآخر. فقلت أنت الأمير، فقال: لا بل أنت فقتل: أنت أسن وأولى. فقال: لا تعصني. فقلت: نعم. فخرجت معه وكان إذا حضر الطعام يؤثرني فإذا عارضته بشيء قال: ألم أشرط عليك أن لا تخالفني؟ فكان هذا دأبنا حتى ندمت على صحبته لما يلحق نفسه من الضرر. فأصابنا في بعض الأيام مطر شديد ونحن نسير فقال لي: يا أبا أحمد اطلب الميل. ثم قال لي: اقعد في أصله فأقعدني في أصله وجعل يديه على الميل وهو قائم قد حنا علي، وعليه كساء قد تجلل به يظلني من المطر حتى تمنيت أني لم أخرج معه لما يلحق نفسه من الضرر. فلم يزل هذا دأبه حتى دخل مكة رحمة الله عليه.

عبد الله بن المنير المروزي

698 - عبد الله بن المنير المروزي لبث في بطن أمه ما شاء الله. يحيى بن بدر القرشي قال: كان عبد الله بن منير يوم الجمعة قبل الصلاة بقزوين فإذا كان في وقت صلاة الجمعة يرونه في مسجد آمل فكان الناس يقولون: إنه يمشي على الماء. فقيل له: يا أبا محمد إنك تمشي على الماء؟ قال: أما المشي على الماء فلا أدري، ولكن إذا أراد الله عز وجل جمع حافتي النهر حتى يعبر الإنسان. قال: وكان عبد الله بن منير إذا قام من المجلس يخرج إلى البرية مع قوم مع أصحابه يجمع شيئاً مثل الأشنان وغيره فيدخل السوق فيبيع ذلك فيتعيش به. قال: فخرج يوماً مع أصحابه فإذا هو بالأسد رابض على الطريق، فقيل له: هذا الأسد فقال لأصحابه: قفوا. ثم تقدم هو وحده إلى الأسد فلا ندري ما قال له، فمر الأسد، فقال لأصحابه مروا. انتهى ذكر أهل مرو رضي الله عنهم.

_ 698 - هو: عبد الله بن منير – آخره راء - أبو عبد الرحمن المروزي الزاهد، ثقة عابد، من الحادية عشرة، مات سنة إحدى وأربعين، ويقال: بعدها.

ذكر المصطفين من أهل بلخ

ذكر المصطفين من أهل بلخ 699 - الضحاك بن مزاحم الهلالي يكنى أبا القاسم حملت به أمه سنتين، وكان يعلم ولا يأخذ أجرا، أصله من الكوفة ثم أقام ببلخ. قبيصة بن قيس العنبري قال: كان الضحاك بن مزاحم إذا أمسى بكى فيقال له: ما يبكيك؟ فيقول: لا أدري ما صعد اليوم من عملي. توفي الضحاك سنة ثنتين وقيل سنة خمس ومائة.

_ 699 - هو: الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو القاسم، أبو أبي محمد الخراساني، صدوق كثير الإرسال، من الخامسة، مات بعد المائة.

عطاء بن أبي مسلم

700 - عطاء بن أبي مسلم حملت به أمه ثلاث سنين. وفي اسم أبيه قولان: أحدهما ميسرة والثاني عبد الله. وفي كنية عطاء قولان: أحدهما أبو عثمان، والثاني أيوب وأصله من بلخ، وكان من أهل العلم والصلاح. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: كنا نغازي عطاء الخراساني فكان يحيي الليل كله صلاة فإذا ذهب من الليل ثلثه أو نصفه نادانا وهو في فسطاطه يسمعنا: يا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، يا يزيد بن يزيد، يا هشام بن الغاز يا فلان بن فلان، قوموا فتوضؤا وصلوا فإن قيام هذا الليل وصيام هذا النهار أيسر من شرب الصديد ومقطعات الحديد، الوحي الوحي النجاء النجاء ثم يقبل على صلاته. عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر قال: حدثني عمي، يزيد بن يزيد بن جابر، عن عطاء الخراساني أنه كان يقول: إني لا أوصيكم بدنياكم، أنتم بها مستوصون، وأنتم عليها حراص، وإنما أوصيكم بآخرتكم فخذوا من دار الفناء لدار البقاء، واجعلوا الدنيا كشيء فارقتموه، فوالله لتفارقنها، واجعلوا الموت كشيء ذقتموه، فوالله لتذوقنه، واجعلوا الآخرة كشيء نزلتموه فوالله لتنزلنها، وهي دار الناس كلهم ليس من الناس أحد يخرج لسفر إلا أخذ

_ 700 - هو: عطاء بن أبي مسلم، أبو عثمان الخراساني، واسم أبيه ميسرة، وقيل عبد الله، صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدلس، من الخامسة، مات سنة خمس وثلاثين، لم يصح أن البخاري أخرج له.

له أهبته، فمن أخذ لسفره الذي يصلحه اغتبط، ومن خرج إلى سفر له أهبته ندم فإذا ضحي لم يجد ظلاً، وإذا ظمي، لم يجد ماء يتروى به، وإنما سفر الدنيا منقطع، وأكيس الناس من قام يتجهز لسفر لا ينقطع. يزيد بن سمرة أنه سمع عطاء الخراساني يقول: مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام. الأوزاعي قال: حدثني عطاء الخراساني قال: ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت. عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: إن أوثق عملي في نفسي نشري للعلم. عمر بن أبي خليفة قال: سمعت عطاء الخراساني، وصلى معنا المغرب فأخذ بيدي حين انصرفنا، فقال: ترى هذه الساعة ما بين المغرب والعشاء؟ فإنها ساعة الغفلة وهي صلاة الأوابين. أسند عطاء عن ابن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبي هريرة، في آخرين. وتوفي سنة خمس وثلاثين ومائة.

إبراهيم بن أدهم

701 - إبراهيم بن أدهم يكنى أبا إسحاق. يونس بن سليمان البلخي قال: كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف وكان أبوه كثير المال والخدم، فخرج إبراهيم يوماً في الصيد مع الغلمان والخدم والجنائب والبزاة. فبينا إبراهيم في ذلك وهو على فرسه يركضه، إذا هو بصوت من فوقه: يا إبراهيم ما هذا العبث؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} المؤمنون اتق الله وعليك بالزاد ليوم الفاقة. قال: فنزل عن دابته ورفض الدنيا وأخذ في عمل الآخرة. بشير بن المنذر قال: كنت إذا رأيت إبراهيم بن أدهم كأنه ليس فيه روح لو نفخته الريح لوقع قد اسود متدرع بعباء. إبراهيم بن بشار قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ما كان لي مؤونة قط على أصحابي ولا على غيرهم إلا في شيء واحد. فقلت: أي شيء يا أبا إسحاق؟ فقال: ما كنت أحسن

_ 701 - هو: إبراهيم بن أدهم بن منصور العجلي، وقيل: التميمي: أبو إسحاق البلخي الزاهد، صدوق، من الثامنة مات سنة اثنتين وستين.

أكري نفسي في الحصادين، فيحتاجون إلى أن يكروني، ويأخذون لي الأجرة، فهذه كانت مؤونتي عليهم. قال ابن بشار: ومضيت مع إبراهيم بن أدهم إلى مدينة يقال لها طرابلس ومعي رغيفان ما لنا شيء غيرهما وإذا سائل يسأل، فقال لي: ادفع إليه ما معك فتلبثت. فقال لي: ما لك؟ أعطه، فأعطيته وأنا متعجب من فعله، فقال لي: يا أبا إسحاق إنك تلقى غداً ما لم تلقه قط واعلم أنك تلقى ما أسلفت ولا تلقى ما خلفت. فمهد لنفسك فإنك لا تدري متى يفجؤك أمر ربك. قال: فأبكاني كلامه وهون علي الدنيا. فلما نظر إلي أبكي، قال: هكذا فكن. قال ابن بشار: وخرجت أنا وإبراهيم بن أدهم، وأبو يوسف الغسولي، وأبو عبد الله السنجاري، نريد الإسكندرية فمررنا بنهر يقال له نهر الأردن فقعدنا تستريح وكان مع أبي يوسف كسيرات يابسات. فألقاها بين أيدينا فأكلناها وحمدنا الله عز وجل. فقمت أسعى أتناول ماء لإبراهيم فبادر إبراهيم فدخل النهر حتى بلغ الماء إلى ركبتيه. فقال بكفيه في الماء فملأهما ثم قال: بسم الله، وشرب الماء ثم قال: الحمد لله، ثم إنه خرج من النهر فمد رجليه ثم قال: يا أبا يوسف لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا عليه بالسيوف أيام الحياة، فقلت: يا أبا إسحاق طلب القوم الراحة والنعيم فأخطأوا الطريق المستقيم. فتبسم وقال: من أين لك هذا الكلام؟ قال ابن بشار: مررنا مع إبراهيم بن أدهم بمقبرة فتقدم إلى قبر فوضع يده عليه ثم قال: رحمك الله يا فلان، ثم تقدم إلى آخر فقال مثل ذلك، فعل ذلك بسبعة من القبور ثم قام قائماً بين تلك القبور فنادى يا فلان يا فلان، بأعلى صوته، لقد متم وخلفتمونا ونحن بكم سريعاً لاحقون. ثم بكى وغرق في فكره ثم رجع بعد ساعة فأقبل إلينا بوجهه، ودموعه تنحدر كاللؤلؤ الرطب وقال: إخوتي، عليكم بالمبادرة والجد والاجتهاد، سارعوا وسابقوا فإن نعلاً فقدت أختها سريعة اللحاق بها. شقيق بن إبراهيم قال: بينا نحن ذات يوم عند إبراهيم بن أدهم إذ مر به رجل فقال إبراهيم: أليس هذا فلان؟ فقيل: نعم. فقال لرجل: أدركه فقل له قال لك إبراهيم: لم لم تسلم؟ فقال له، فقال: والله إن امرأتي وضعت وليس عندي شيء، فخرجت شبه المجنون، قال: فرجعت إلى إبراهيم فقلت له، فقال؛ إنا لله، كيف غفلنا عن صاحبنا حتى نزل به هذا

الأمر؟ وقال: يا فلان إيت صاحب البستان فاستسلف منه دينارين، فادخل السوق فاشتر له ما يصلحه بدينار، وادفع الدينار الآخر. فدخلت السوق فأوقرت بدينار من كل شيء وتوجهت إليه فدققت الباب فقالت امرأته: من هذا؟ قلت: أنا، أردت فلاناً. قالت: ليس هو ههنا. قلت: فمري بفتح الباب وتنحي. قال: ففتحت الباب فأدخلت ما على البعير وألقيته في صحن الدار وناولتها الدينار. فقالت: على يدي من بعث هذا؟ فقلت: قولي على يد أخيك إبراهيم بن أدهم. فقالت: اللهم لا تنس هذا اليوم لإبراهيم. قال شقيق: وقلت لإبراهيم: يا إبراهيم تركت خراسان. فقال: ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام، أفر بديني من شاهق إلى شاهق، ومن جبل إلى جبل، فمن يراني يقول: هو موسوس، ومن يراني يقول: هو جمال، ثم قال لي: يا شقيق لم ينبل عندنا من نبل بالحج والجهاد إنما نبل من كان يعقل ما يدخل جوفه، يعني الرغيفين، من حله، يا شقيق ماذا أنعم الله على الفقراء؟ لا يسألهم يوم القيامة لا عن زكاة ولا عن حج ولا عن جهاد ولا عن صلة رحم، إنما يسأل هؤلاء المساكين، يعني الأغنياء. أحمد بن داود قال: مر يزيد بإبراهيم بن أدهم وهو ينظر كرماً، فقال: ناولنا من هذا العنب، قال: ما أذن لي صاحبه. قال: فقلت السوط فجعل يقنع رأسه. فطأطأ إبراهيم رأسه وقال: اضرب رأساً طالما عصى الله عز وجل فأعجز الرجل عنه. علي بن بكار قال: كنا جلوساً بالمصيصة وعندنا إبراهيم بن أدهم، فقدم رجل من خراسان فقال: أيكم إبراهيم بن أدهم؟ فقال القوم: هذا، قال: إن إخوتك بعثوني إليك فلما سمع ذكر إخوته قام فأخذ بيديه فنحاه فقال: ما جاء بك؟ فقال: أنا مملوكك، معي فرس وبغلة وعشرة آلاف درهم بعث بها إليك إخوتك. فقال: إن كنت صادقاً فأنت حر، وما معك لك، اذهب فلا تخبر أحداً. فذهب. يحيى بن الكدير بن أسود الكلابي من أهل عسقلان قال: كان إبراهيم بن أدهم أجيراً في بستان لي سنة أبتذله فيما يبتذل الأجير. فزارني إخوان لي في بستاني فقلت لإبراهيم: إيتنا برمان حلو. فجاء برمان لم نحمده. فقلت له: أنت في هذه البستان منذ سنة لا تعرف موضع الجيد الحلو من الحامض؟ قال: فأي موضع هو من البستان؟ فوصفته له فأنكرت أمره، وإذا رجل قد أقبل على نجيب يسأل عن إبراهيم بن أدهم. فأخبر بمكانه عندي. فنزل إليه فرأيته قد

قبل يديه وعظمه. فقال له إبراهيم: ما جاء بك؟ فقال: مات بعض مواليك فجئتك بميراثه ثلاثين ألف ردهم. فقال: ما لكم وأتباعي؟ فقال الرجل: قد تعنيت من بلخ فاقبلها مني. فقال للرجل: ابسط إزارك، وصب عليه ما معك. ففعل، فقال إبراهيم: اقسمه ثلاثة أقسام. فقسمه. فقال: ثلث لك لعنائك من بلخ إلى ها هنا وثلث اقسمه على المساكين ببلخ، وثلث أنت يا يحيى اقسمه في مساكين أهل عسقلان. أبو سليمان الداراني قال: صلى إبراهيم بن أدهم خمس عشرة صلاة بوضوء واحد. عن مخلد بن الحسين قال: ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله فأغتم ثم أتعزى بهذه {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} المائدة: 54. عبد الملك بن سعد الدمشقي قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: أعربنا الكلام فما نلحن، ولحنا في الأعمال فما نعرب. عبد الله بن الفرج العابد قال: اطلعت على إبراهيم بن أدهم بالشام في بستان وهو نائم وعند رأسه أفعى في فيها طاقة نرجس تذب عنه. موسى بن طريف قال: ركب إبراهيم بن أدهم البحر فأخذتهم ريح عاصف فأشرفوا على الهلكة فلف إبراهيم رأسه في عباءة ونام. فقالوا له: ما ترى ما نحن فيه من الشدة؟ فقال: ليس ذا شدة. قالوا: ما الشدة؟ قال: الحاجة إلى الناس. ثم قال: اللهم أريتنا قدرتك فأرنا عفوك. فصار البحر كأنه قدح زيت. خلف بن تميم قال: كنت عند أبي رجاء الهروي في مسجده فأتى رجل على فرس فنزل فسلم عليه وودعه. فأخبرني أبو رجاء عنه أنه كان مع إبراهيم بن أدهم في سفينة في غزاة في البحر، فعصفت عليهم الريح وأشرفوا على الغرق فسمعوا في البحر هاتفاً يهتف بأعلى صوته: تخافون وفيكم إبراهيم؟. إبراهيم بن عبد الله بن محمد البلخي، عن إبراهيم بن أدهم قال: وجدت يوماً راحة فطاب قلبي لحسن صنيع الله بي فقلت: اللهم إن كنت أعطيت أحداً من المحبين لك ما سكنت به قلوبهم قبل لقائك فأعطني ذلك لفقد أضر بي القلق، قال إبراهيم: فرأيت الله تعالى في النوم، فوقفني بين يديه وقال لي: يا إبراهيم ما استحييت مني؟ تسألني أن أعطيك ما تسكن به قلبك قبل لقائي، وهل يسكن قلب المشتاق إلى غير حبيبه؟ أم هل يستريح الحب إلى غير من اشتاق إليه؟ فقلت: يا رب تهت في حبك فلم أدر ما أقول.

اقتصرنا من أخبار إبراهيم على هذا القدر لأنا قد وضعنا كتاباً جمعنا فيه أخباره فكرهنا الإعادة في التصانيف. وقد روى إبراهيم عن جماعة من التابعين: كأبي إسحاق السبيعي وأبي حازم وقتادة ومالك بن دينار وأبان والأعمش وغيرهم، وقد روى عن خلق من تابعي التابعين إلا أنه شافه بعض من روى عنه، وأرسل الرواية عن بعض، وتوفي بالجزيرة، فحمل إلى صور فدفن هنالك.

داود البلخي

702 - داود البلخي لبث مع أمه أربعين شهراً. إبراهيم بن أدهم قال: لقيت أسلم بن زيد الجهني فقلت له: إنس صحبت رجلاً من الكوفة إلى مكة فرأيته إذا مشى يصلي ركعتين ثم يتكلم بكلام خفي بينه وبين نفسه فإذا جفنة بن ثريد عن يمينه وكوز ماء، وكان يأكل ويطعمني، فبكى وقال: يا بني ذاك أخي داود ومسكنه من قرى بلخ بقرية يقال لها المازرة الطيبة، وإنها تفاخر البقاع بكينونة داود فيها، يا غلام: ما قال لك وما علمك؟ قلت: علمني اسم الله الأعظم. قال: وما هو؟ قلت: إنه يتعاظم علي أن أنطق به فإنني سألت به مرة فإذا برجل آخذ بحجرتي فقال: سل تعطه، فراعني ذلك وفزعت فزعاً شديداً فقال: لا روع عليك أنا أخوك الخضر، إن أخي داود علمك اسم الله الأعظم فإياك أن تدعو به على رجل بينك وبينه نزع فتهلكه هلاك الدنيا والآخرة، ولكن ادع الله أن يثبت به قلبك، ويشجع به جبنك، ويقوي به ضعفك ويؤنس به وحشتك، ويؤمن به روعتك.

_ 702 - هو: داود البلخي، من متقدمي شيوخ المشرق، انظر حلية الأولياء 10/46.

شقيق بن إبراهيم البلخي

703 - شقيق بن إبراهيم البلخي لبث في بطن أمه ستة وثلاثين شهراً يكنى أبا علي. أحمد بن عبد الله الزاهد قال: قال علي بن محمد بن شقيق: كان لجدي ثلثمائة قرية ولم يكن له كفن يكفن فيه، قدم ذلك كله بين يديه، وثيابه وسيفه إلى الساعة معلق يتبركون به، وكان قد خرج إلى بلاد الترك لتجارة وهو حدث فدخل إلى بيت أصنامهم، فقال لعاملهم: إن هذا الذي أنت فيه باطل، ولهذا الخلق خالق ليس كمثله شيء رازق كل شيء. فقال له

_ 703 - هو: شقيق بن إبراهيم الأزدي، البلخي، الإمام الزاهد، شيخ خراسان، صحب إبراهيم بن أدهم، قتل شقيق في غزاة كولان سنة أربع وتسعين ومائة، انظر سير أعلام النبلاء 8/200.

الخادم: ليس يوافق قولك فعلك، فقال له شقيق: كيف؟ قال: زعمت أن لك خالقاً قادراً على كل شيء، وقد تعنيت إلى ها هنا لطلب الرزق. قال شقيق: فكان سبب زهدي كلام التركي، فرجع فتصدق بجميع ما ملك وطلب العلم. قال أبو عبد الله: سمعت شقيق بن إبراهيم يقول: خرجت من ثلثمائة ألف درهم وكنت مرابياً ولبست الصوف عشرين سنة وأنا لا أعلم، حتى لقيت عبد العزيز بن أبي رواد، فقال لي: يا شقيق ليس الشأن في أكل الشعير، ولا لباس الصوف والشعر، الشأن في المعرفة، وأن تعبد الله تلا تشرك به. فقتل: فسر لي هذا؟ قال: يكون جميع ما تعمله لله خالصاً. ثم تلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} الكهف. محمد بن أبي عمران قال: سمعت حاتماً الأصم يقول: كنا مع شقيق البلخي ونحن مصافوا الترك في يوم لا أرى فيه إلا رؤوساً تندر، وسيوفاً تقطع، فقال لي شقيق ونحن بين الصفين: يا حاتم كيف ترى نفسك في هذا اليوم؟ تراها مثلها في الليلة التي زفت إليك امرأتك؟ فقلت: لا والله. فقال: لكني والله أرى نفسي في هذا اليوم مثلها في الليلة التي زفت فيها امرأتي. قال: ثم نام بين الصفين ودرقته تحت رأسه، حتى سمعت غطيطه. حاتم الأصم قال لي شقيق البلخي: إصحب الناس كما تصحب النار، خذ منفعتها واحذر أن تحرقك. حاتم قال: سمعت شقيقاً يقول: مثل المؤمن كمثل رجل غرس نخلة وهو يخاف أن تحمل شوكاً ومثل المنافق كمثل رجل زرع شوكاً وهو يطمع أن يحصد تمراً هيهات، كل من عمل حسناً فإن الله لا يجزيه إلا حسناً، ولا ينزل الأبرار منازل الفجار. أسند شقيق عن عباد بن كثير وغيره، وصحب إبراهيم بن أدهم.

704 - حاتم الأصم واختلفوا في اسم أبيه: فقيل حاتم بن عنوان، وقيل حاتم بن يوسف؛ وقيل حاتم بن عنوان بن يوسف. يكنى أبا عبد الرحمن، وهو مولى للمثنى بن يحيى المحاربي، صحب شقيقاً.

_ 704 - هو: حاتم الأصم الزاهد القدوة الرباني، أبو عبد الرحمن، حاتم بن عنوان بن يوسف، البلخي الواعظ الناطق بالحكمة الأصم، له كلام جليل في الزهد والمواعظ والحكم، كان يقال له: لقمان هذه الأمة.

محمد بن أبي عمران قال: سمعت حاتماً الأصم، وسأله رجل على ما بنيت أمرك هذا في التوكل على الله؟ قال: على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله حيث كنت فأنا مستحي منه. رباح بن الهروي قال: مر عاصم بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه فقال: يا حاتم كيف تصلي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر، وأمشي بالسكينة، وأدخل بالنية، وأكبر بالعظمة، وأقرأ بالترتيل والتفكر، وأركع بالخشوع، وأسجد بالتواضع، وأسلم بالسنة وأسلمها بالإخلاص إلى الله عز وجل، وأخاف أن لا تقبل مني. قال تكلم فأنت تحسن تصلي. عبد الله بن سهل قال: سمعت حاتماً الأصم يقول: اختلفت إلى شقيق ثلاثين سنة، فقال لي يوماً: أي شيء تعلمت؟ فقتل: رأيت رزقي من عند ربي فلم أشتغل إلا بربي، ورأيت أن الله تعالى وكل بي ملكين يكتبان علي كل ما تكلمت به فلم أنطق إلا بالحق، ورأيت أن الخلق ينظرون إلى ظاهري والرب تعالى ينظر إلى باطني، فرأيت مراقبته أولى وأوجب، فسقطت عني رؤية الخلق، ورأيت أن الله مستحثاً يدعو الخلق إليه فاستعددت له متى جاءني لا أحتاج يقتلني، يعني ملك الموت. فقال لي: يا حاتم ما خاب سعيك. الحسن بن علي العابد قال: سمعت حاتماً يقول: لو أن صاحب خبر جلس إليك ليكتب كلامك لاحترزت منه، وكلامك يعرض على الله تعالى فلا تحترز. أبو تراب النخشبي قال: سمعت حاتماً يقول: لي أربع نسوة وتسعة من الأولاد، ما طمع الشيطان أن يوسوس لي في شيء من أرزاقهم. حامد اللفاف قال: سمعت حاتماً الأصم يقول: ما من صباح إلا والشيطان يقول لي: ما تأكل؟ وما تلبس؟ وأين تسكن؟ فأقول: آكل الموت وألبس الكفن وأسكن القبر. قال: وقال رجل لحاتم ما تشتهي؟ قال: أشتهي عافية يوم إلى الليل، فقيل له: أليست الأيام كلها عافية؟ قال: إن عافية يومي أن لا أعصي الله فيه. قال: وقال حاتم: تعهد نفسك في ثلاثة مواضع: إذا عملت فاذكر نظر الله إليك، وإذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك، وإذا سكت فاذكر علم الله فيك. عن علي بن الموفق قال: سمعت حاتماً يقول: لقينا الترك وكان بيننا جولة فرماني تركي بوهق فقلبني عن فرسي ونزل عن دابته فقعد على صدري وأخذ بلحيتي هذه الوافرة وأخرج

قال: وسئل أحمد: أي الأعمال أفضل؟ فقال: رعاية السر عن الالتفات إلى شيء غير الله عز وجل. محمد بن حامد قال: كنت جالساً عند أحمد بن خضرويه وهو في النزع الأخير، وكان قد أتى عليه خمس وتسعون سنة فسئل عن مسألة فدمعت عيناه وقال: يا بني باب كنت أدقه خمساً وتسعين سنة هو ذا يفتح لي الساعة، لا أدري أيفتح لي بالسعادة أو بالشقاوة أنى لي أوان الجواب؟. وكان قد ركبه من الدين سبعمائة دينار، وحضره غرماؤه فنظر إليهم فقال: اللهم إنك جعلت الرهون وثيقة لأرباب الأموال وأنت تأخذ عنهم وثيقتهم فأد عني. فدق داق الباب وقال: هذه دار أحمد بن خضرويه؟ فقالوا: نعم. قال: أين غرماؤه؟ قال: فخرجوا فقضى عنه ثم خرجت روحه. أسند أحمد بن خضرويه عن محمد بن عبدة المروزي وتوفي سنة أربعين ومائتين.

حاتم الأصم

من خفه سكيناً ليذبحني. فوحق سيدي ما كان قلبي عنده ولا عند سكينه، إنما كان قلبي عند سيدي أنظر ماذا ينزل به القضاء منه. فقلت: سيدي قضيت علي أن يذبحني هذا فعلى الرأس والعين، إنما أنا لك وملكك فبينا أنا أخاطب سيدي وهو قاعد على صدري آخذ بلحيتي ليذبحني، إذ رماه بعض المسلمين بسهم فما أخطأ حلقه، فسقط عني فقمت أنا إليه فأخذت السكين من يده فذبحته، فما هو إلا أن تكون قلوبكم عند السيد حتى تروا من عجائب لطفه ما لم تروا من الآباء والأمهات. أسند حاتم الحديث ولا أعرف له إلا ما أخبرنا به محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا حمد بن أحمد قال: أنا أحمد بن عبد الله؟ قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن أحمد المؤذن قال: حدثنا محمد بن الحسين بن علي قال: حدثنا محمد بن علويه قال: حدثنا ابن الحارث قال: حدثنا حاتم الأصم قال: حدثنا سعيد بن عبد الله الماهياني قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثنا مالك عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار، وسلم إذا دخلت بيتك يكثر خير بيتك" 1.

_ 1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 8/86 رقم 11445.

أحمد بن الخضر

705- أحمد بن الخضر وهو المعروف بابن خضرويه البلخي. يكنى أبا حامد، صحب أبا تراب النخشبي وحاتماً الأصم، ورحل إلى يزيد وأبي حفص النيسابوري. وقال أبو حفص: ما رأيت أحداً أكبر همة ولا أصدق حالاً من أحمد بن خضرويه. محمد بن الفضل قال: قال أحمد بن خضرويه: القلوب جوالة إما أن تجول حول العرض وإما أن تجول حول الحش .محمد بن حامد الترمذي قال: أحمد بن خضرويه: الصبر زاد المضطرين، والرضا درجة العارفين. قال: وقال رجل لأحمد بن خضرويه، أوصني. فقال: أمت نفسك حتى تحييها. قال: وقال أحمد: لا نوم أثقل من الغفلة، ولا رق أملك من الشهوة، ولولا ثقل الغفلة لم تظفر بك الشهوة.

_ 705 - هو: أحمد بن خضرويه، الزاهد الرباني الشهير، أبو حامد البلخي، من أصحاب حاتم الأصم، توفي سنة أربعين ومائتين، انظر سير أعلام النبلاء 9/634.

محمد بن الفضل بن العباس

706 - محمد بن الفضل بن العباس أبو عبد الله البلخي. أبو بكر محمد بن عبد الله الرازي قال: سمعت محمد بن الفضل يقول: العجب ممن يقطع الأودية والمفاوز والقفار ليصل إلى بيته وحرمه لأن فيه آثار أنبيائه كيف لا يقطع نفسه وهواه حتى يصل إلى قلبه لأن فيه آثار مولاه؟. الحسن بن علويه قال: قال محمد بن الفضل: أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له فيها ولا بد له منها، فإن من ملك نفسه عز، ومن ملكته ذل. إبراهيم الخواص قال: قال لي محمد بن الفضل: ما خطوت أربعين سنة خطوة لغير الله عز وجل، وما نظرت أربعين سنة في شيء أستحسنه حياء من الله عز وجل، وما أمليت على ملكي ثلاثين سنة شيئاً، ولو فعلت ذلك لاستحييت منهما. أسند محمد بن الفضل عن قتيبة بن سعيد، وصحب أحمد بن خضرويه وغيره، وانتقل إلى سمرقند فمات بها في سنة تسع عشرة وثلاثمائة.

_ 706 - هو: محمد بن الفضل بن العباس، واعظ بلخ، الإمام الكبير، شيخ الإسلام، أبو عبد الله، نزيل سمرقند، سير أعلام النبلاء.

أبو بكر الوراق

707 - أبو بكر الوراق واسمه محمد بن عمر، ويقال له الحكيم وأصله من ترمذ لكنه أقام ببلخ. أبو بكر بن أجيد البلخي قال: سمعت أبا بكر الوراق يقول: لو قيل للطمع من أبوك؟ قال: الشك المقدور، ولو قيل: ما حرفتك؟ قال: اكتساب الذل ولو قيل: ما غايتك؟ قال: الحرمان. غيلان السمرقندي قال: دخل رجل على أبي بكر الوراق فقال: إني أخاف من فلان. فقال: لا تخف منه فإن القلب من تخافه بيد من ترجوه. محمد بن حامد قال: قلت لأبي بكر الوراق: علمني شيئاً يقربني إلى الله، ويقربني من الناس. فقال: أما الذي يقربك من الله فمسألته، وأما الذي يقربك من الناس فترك مسألتهم. أسند أبو بكر الوراق الحديث عن موسى بن حزام الترمذي.

عابد بلخي لم يعرف اسمه

708 - عابد بلخي لم يعرف اسمه عبد الوهاب قال: بينا أنا جالس في الحدادين ببلخ إذ مر رجل فنظر إلى النار في الكور فسقط فقمنا فنظرنا إليه فإذا هو قد مات.

عابدة بلخية رضي الله عنها

709 - عابدة بلخية رضي الله عنها أبو بلال الأسود قال: خرجت حاجاً فلما صرت في بعض الطريق إذا أنا بامرأة ليس معها زاد ولا إداوة. فقلت لها: من أين أنت؟ قالت: من بلخ. فقلت لها: ما أرى معك زاداً ولا تحملين فيه الزاد. فقالت: لي: خرج معي من بلخ عشرة دراهم وقد بقي بعضها، فقلت لها: إذا نفذت ما تصنعين؟ فقالت: علي هذه الجبة أبيعها وآخذ دونها وأنفق ما بين ذلك. قلت: إذا فني ما تصنعين؟ قالت: أبيع هذا الخمار وآخذ دونه وأنفق ما بين ذلك. قلت: فإذا فني ما تصنعين؟ قالت: يا بطال أسأله فيعطيني. قلت: ألا سألته قبل ذلك؟ قالت، ويحك إني أستحيي أن أسأله شيئاً من الدنيا ومعي فضل من عرضها. قلت: اعقبي على هذا الحمار عقبة. فقالت: دعه. فتركته معها وتخلفت لحاجة. فلما قضيت حاجتي أسرعت في أثرها فإذا أنا بالحمار واقف والخرج مملوء فرآني حواري لم أر بحسنه فطلبتها بعد ذلك فما رأيتها. انتهى ذكر أهل بلخ بحمد الله ومنه.

_ 707 - هو: الحكيم أبو بكر محمد بن عمر الوراق البلخي، له الكتب في المعاملات، أسند الحديث، انظر حلية الأولياء 10/251.

ذكر المصطفين من أهل ترمذ

ذكر المصطفين من أهل ترمذ 710 - علي بن رزين أبو الحسن خراساني، أصله من ترمذ، ويقال من هراة كان أستاذ أبي عبد الله المغربي. كان علي بن رزين قد صحب الحسن البصري فيما يذكر والله أعلم، وكان يدخل إلى قرميسين فيما بلغني فيكتب عنه، وشاع في الناس ذكره أنه يشرب في كل أربعة أشهر شربة ماء، فسأله رجل من أهل قرميسين عن هذا؟ فقال: نعم وأي شيء في هذا؟ سألت الله عز وجل أن يكفيني مؤونة بطني فكفاني. عاش علي بن رزين مائة وعشرين سنة، وتوفي سنة خمس وعشرين ومائتين، ودفن على جبل الطور، ودفن إلى جانبه صاحبه أبو عبد الله المغربي.

_ 710 - هو: الممكن المكين، أبو الحسن علي بن رزين، كان عن الأطعمة والأشربة معدولا، وفي المشاهدة مقبولا ومحمولا، انظر حلية الأولياء 10/243.

محمد بن علي بن الحسين الترمذي

711 - محمد بن علي بن الحسين الترمذي يكنى أبا عبد الله، من كبار مشايخ خراسان، له التصانيف المشهورة. وكان يقول ما صنفت شيئاً لينسب إلي لكن كنت إذا اشتد علي وقتي أتسلى بمصنفاتي. منصور بن عبد الله قال: قال محمد بن علي الترمذي ليس في الدنيا حمل أثقل من البر لأن من برك فقد أوثقك، ومن جفاك فقد أطلقك. الحسن بن علي قال: سمعت محمد بن علي الترمذي يقول: من جهل أوصاف العبودية فهو بنعت الربوبية أجهل. أبو الحسين الفارسي قال: سمعت محمد بن علي الترمذي يقول: المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، والمنافق حزنه في وجهه وبشره في قلبه. وقال: اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره إليك، واجعل شكرك لمن لا تنقطع عنك نعمته، واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه. أسند محمد بن علي عن محمد بن رزام الأيلي. انتهى ذكر أهل ترمذ بحمد الله ومنه.

_ 711 - هو: الحكيم الإمام الحافظ العارف، الزاهد، أبو عبد الله، محمد بن علي بن الحسن بن بشر، الحكيم الترمذي، انظر سير أعلام النبلاء 11/14.

ذكر المصطفين من أهل بخارى

ذكر المصطفين من أهل بخارى 712 - محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري يكنى أبا عبد الله. أبو جعفر محمد بن أبي حاتم الوراق قال: قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كيف كان بدو أمرك في طلب الحديث؟ قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب. قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك فقال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره. فقال يوماً، فيما كان يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم. فقلت له: يا أبا فلان إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك. فدخل فنظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم. فأخذ القلم مني فأحكم كتابه وقال: صدقت. فقال له بعض أصحابه: أبن كم كنت إذ رددت عليه؟ قال: ابن إحدى عشرة سنة. فلما طعنت في سن ست عشرة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، ثم خرجت مع أمي وأخي إلى مكة فلما حججت رجع أخي وتخلفت بها في طلب الحديث، فلما طعنت في ثمان عشرة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وصنفت كتاب التاريخ عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة. أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن البخاري قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل يقول: لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم من أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر. السعداني قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: قال محمد بن إسماعيل أخرجت هذا الكتاب، يعني الصحيح، من زهاء ستمائة ألف حديث. محمد بن يوسف الفربري قال: قال محمد بن إسماعيل: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين. بكر بن منير قال: كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه فلان. فاجتمع

_ 712 - هو: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، أبو عبد الله البخاري، جبل الحفظ، وإمام الدنيا في فقه الحديث، من الحادية عشرة، مات سنة ست وخمسين في شوال، له اثنتان وستون سنة.

عابد بخاري

713 - عابد بخاري إبراهيم بن أحمد الخواص قال: سلكت البادية ستة عشر طريقاً على غير الجادة، فأعجب ما رأيت رجل ليس له يدان ولا رجلان، وعليه من البلاء أمر عظيم وهو يزحف زحفاً فتحيرت منه وسلمت عليه، فقال لي: وعليك السلام يا إبراهيم. قال: فقلت له: بم عرفتني ولم ترني

قبلها؟ فقال: الذي جاء بك عرف بيني وبينك. فقتل: صدقت، إلى أين تريد؟ فقال: إلى مكة، قلت: ومن أين أنت؟ قال: من بخارى فبقيت متعجباً أنظر إليه. فنظر إلي شزراً وقال: يا إبراهيم تعجب من قوي يحمل ضعيفاً ويرفق به؟ ثم دمعت عيناه وأرسل الدموع فقلت: لا يا حبيبي، فتركته على حاله ومضيت أنا. فلما دخلت مكة رأيته يطوف وهو يزحف زحفاً. انتهى ذكر أهل بخارى.

ومن المصطفين من فرغانة

ومن المصطفين من فرغانة: 714 - أبو بكر بن إسماعيل الفرغاني محمد بن داود قال: ما رأيت في الفقراء أحسن من أبي بكر بن إسماعيل الفرغاني، وكان ممن يظهر الغنى في الفقر، يلبس قميصين أبيضين ورداء وسراويل ونعلاً لطيفة وعمامة، وفي يده مفتاح كبير حسن، وليس له بيت، ينطرح في المساجد، ويطوي الخمس والست دائماً.

ومن المصطفين من نخشب

ومن المصطفين من نخشب أبو تراب النخشبي ... ومن المصطفين من نخشب: 715 - أيوب تراب النخشبي واسمه عسكر بن الحصين، ويقال عسكر بن محمد بن حصين أبو عبد الله الجلاء قال: لقيت ستمائة شيخ ما رأيت فيهم مثل أربعة أولهم أبو تراب. أبو علي الحسن بن خيران الفقيه قال: مر أبو تراب النخشبي بمزين فقال له: تحلق رأسي لله عز وجل؟ فقال له: اجلس، فجلس. ففيما يحلق رأسه مر به أمير من أهل بلده فسأل حاشيته فقال لهم: أليس هذا أبا تراب؟ قالوا: نعم. فقال: أي شيء معكم من الدنانير؟ فقال له رجل من خاصته: معي خريطة فيها ألف دينار. فقال: إذا قام فأعطه واعتذر إليه وقل له: لم يكن معنا غير هذه، فجاء الغلام إليه فقال له: إن الأمير يقرأ عليك السلام وقال لك: ما حضر معنا غير هذه الدنانير. فقال له: ادفعها إلى المزين. فقال المزين: أي شيء أعمل بها؟ فقال: خذها. فقال: لا والله ولو أنها ألفا دينار ما أخذتها. فقال له أبو تراب: مر إليه فقل له إن المزين ما أخذها فخذها أنت فاصرفها في مهماتك. أبو عبد الله الجلاء قال: قدم أبو تراب مرة إلى مكة فقلت له: يا أستاذ أين أكلت؟ قال: جئت بفضولك، أكلت أكلة بالبصرة، وأكلت أكلة بالنباج، وأكلة عندكم.

_ 715 - هو: النخشبي، الإمام، القدوة شيخ الطائفة، أبو تراب عسكر بن الحصين النخشبي، أبو تراب بطريق الحج، انقطع فنهشته السباع في سنة خمس وأربعين ومائتين "السير".

إسماعيل بن نجيد قال: كان أبو تراب يقول: بيني وبين الله عز وجل عهد أن لا أمد يدي إلى حرام إلا قصرت يدي عنه. منصور بن عبد الله قال: سمعت أبا تراب النخشبي يقول: ألفت القلوب الإعراض عن الله عز وجل صحبتها الوقيعة في الأولياء. أبو العباس الشرقي قال: كنا مع أبي تراب النخشبي في طريق مكة فمرض فعدل عن الطريق إلى ناحية فقال له بعض أصحابه: أنا عطشان. قال: فضرب برجله فإذا عين من ماء زلال: فقال الفتى: أحب أن أشربه في قدح، فضرب بيده الأرض فناوله قدحاً من زجاج أبيض كأحسن ما رأيت، فشرب وسقانا وما زال القدح معنا إلى مكة. قال: فقال لي يوماً: ما يقول أصحابك في هذه الأمور التي يكرم الله عز وجل بها عباده؟ فقلت: ما رأيت أحداً إلا وهو يعطى الإيمان بها. فقال: إنما سألتك من طريق الأحوال. قلت: ما أعرف لهم قولاً فيه. فقال: بلى قد زعم أصحابك إنها خدع من الحق وليس الأمر كذلك إنما الخدع في حال السكون إليها، فأما من لم يعرج على الملك في اعتناق الحقائق فتلك مرتبة الربانيين. أسند أبو تراب عن محمد بن نمير ويعمر بن حماد وغيرهما. وتوفي بالبادية نهشته السباع في سنة خمس وأربعين ومائتين.

ومن المصطفين من أهل منجوران وهي قري ببلخ

ومن المصطفين من أهل منجوران وهي قري ببلخ علي بن محمد المنجواني ... ومن المصطفين من أهل منجوران وهي قري ببلخ: 716 - علي بن محمد المنجوراني أحمد بن سهل قال: مات أبو علي المنجوراني فخرجنا نعزي ابنه علي بن محمد فلما رجعنا من دفن أبيه نزع ثيابه ودخل الماء في نهر، وقال: اشهدوا أني لا أملك اليوم شيئاً مما ورثت عن أبي، لأنه يتخالج في صدري، فإن واسيتموني بقميص حتى أخرج من الماء فعلتم قال وكان لنا صديقاً مؤانساً فألقوا إليه قميصاً فخرج من الماء. وكان أبوه ترك مالاً لا يحصى.

ذكر المصطفين من عباد خراسان والمشرق الذين لم تعرف أسماؤهم

ذكر المصطفين من عباد خراسان والمشرق الذين لم تعرف أسماؤهم ... ذكر المصطفين من عباد خراسان والمشرق الذين لم تعرف بلادهم ولا أسماؤهم. 717 - عابد صالح بن عبد الكريم قال: أتى رجل من إخوان فضيل من أهل خراسان فجلس إلى فضيل في المسجد الحرام فحدثه قال: فقام الخراساني يطوف، فسرقت منه دنانير، ستين أو سبعين، قال: فخرج الخراساني يبكي، فقال له فضيل: مالك؟ قال: سرقت الدنانير، قال: عليها تبكي؟ قال: لا، قال الخراساني: مثلتني وإياه بين يدي الله عز وجل فأشرفت على إدحاض حجته فبكيت رحمة له. 718 - عابد آخر صالح بن أحمد قال: جئت يوماً إلى المنزل فقيل لي: قد وجه أبوك أمس في طلبك. فقلت: وجهت في طلبي؟ فقال: جاءني رجل أمس كنت أحب أن تراه، بينا أنا قاعد في نحر الظهيرة إذا أنا برجل يسلم بالباب وكأن قلبي ارتاح فقمت ففتحت الباب فإذا أنا رجل عليه فروة وعلى أم رأسه خرقة، ما تحت فروته قميص ولا معه ركوة ولا جراب ولا عكاز، قد لوحته الشمس، فقلت: ادخل. فدخل الدهليز فقلت: من أين أقبلت؟ قال: من ناحية المشرق، أريد بعض هذه السواحل ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد إلا نويت السلام عليك. قال: قلت: على هذه الحال؟ قال نعم، ما الزهد في الدنيا؟ قلت: قصر الأمل. قال: وجعلت أعجب منه، فقلت في نفسي: ما عندي ذهب ولا فضة، فدخلت البيت فأخذت أربعة أرغفة وخرجت إليه فقلت: ما عندي ذهب ولا فضة وإنما هذا من قوتي. قال: أويسرك أن أقبل ذلك يا أبا عبد الله؟ قلت: نعم. فأخذها فوضعها تحت حضنه وقال: أرجو أن تكفيني هذه زادي إلى الرقة. أستودعك الله. فلم أزل قائماً أنظر إليه إلى أن خرج. وكان يذكره كثيراً. 719 - عابد آخر أحمد بن علي الأخميمي قال: كنا ذات يوم عند ذي النون، وقد ذكر كرامات الله عز وجل لأوليائه، فقال بعض من حضره: أنت رأيت منهم أحداً يا أبا الفيض؟ فقال ذو النون: كان عندي فتى من أهل خراسان أعجمي بقي عندي في المسجد سبعة أيام لا يطعم الطعام، وكنت أعرض عليه الطعام فيأبى، فبينا نحن جلوس ذات يوم دخل سائل يطلب شيئاً، فقال له

الخراساني: لو قصدت الله عز وجل دون خلقه أغناك، فقال السائل: ما لي هذا المكان، فقال له الخراساني: أي شيء تريد؟ فقال: ما سد فاقتي وستر عورتي. فقام الخراساني إلى المحراب وصلى ركعتين ثم أتاه بثوب جديد وطبق فيه فاكهة وأعطاه السائل. قال ذو النون: فقلت له: يا عبد الله لك هذا الجاه عند الله عز وجل وأنت منذ سبعة أيام لم تطعم شيئاً؟ فجثا على ركبتيه وقال: يا أبا الفيض، كيف نبسط الألسن بالمسألة والقلوب ممتلئة بأنوار الرضا عنه؟. قال ذو النون: فقلت له: فالراضون لا يسألون شيئاً. فقال: منهم من يسأل من باب الإدلال، ومنهم من يملؤه غنى به، ومنهم من يستخرج المسألة منه عطفه على غيره. ثم أقيمت الصلاة فصلى معنا العشاء الآخرة وأخذ ركوته وخرج من المسجد كأنه يريد الطهارة. فلم أره بعد ذلك رضي الله عنه وأرضاه. 720 - عابد من وراء النهر عبد الله بن الفرج قال: حدثني إبراهيم بن أدهم بابتدائه كيف كان، قال: كنت يوماً في مجلس لي له منظرة إلى الطريق فإذا أنا بشيخ عليه أطار، وكان يوماً حاراً فجلس في فيء القصر ليستريح فقلت للخادم: اخرج إلى هذا الشيخ فأقرئه مني السلام وسله أن يدخل إلينا فقد أخذ بمجامع قلبي. فخرج إليه فقام فدخل إلي فسلم فرددت عليه السلام واستبشرت بدخوله؛ وأجلسته إلى جانبي وعرضت عليه الطعام فأبى أن يأكل. فقلت له: من أين أقبلت؟ فقال: من وراء النهر. فقتل: أين تريد؟ قال: الحج إن شاء الله. قال وكان ذلك أول يوم من العشر أو الثاني. فقلت: في هذا الوقت؟ قال: يفعل الله ما يشاء. فقلت: فالصحبة؟ فقال: إن أحببت ذلك. حتى إذا كان الليل قال لي: قم فلبست ما يصلح للسفر وأخذ بيدي وخرجنا من بلخ فمررنا بقرية لنا فلقيني رجل من الفلاحين فأوصيته ببعض ما أحتاج إليه فقدم إلينا خبزاً وبيضاً، وسألنا أن نأكل فأكلنا، وجاء بماء فشربنا ثم قال: بسم الله قم، فأخذ بيدي فجعلنا نسير وأنا أنظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنها الموج فمررنا بمدينة بعد مدينة فجعل يقول: هذه مدينة كذا، وهذه مدينة كذا، هذه الكوفة، ثم إنه قال لي: الموعد ها هنا في مكانك هذا في الوقت الفلاني، يعني من الليل. حتى إذا كان الوقت إذا به قد أقبل فأخذ بيدي وقال: بسم الله. باسم الله. قال: فجعل يقول: هذا منزل كذا، هذا منزل كذا، وهذا منزل كذا، وهذه فيدور، هذه المدينة. وأنا أنظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنها الموج. فصرنا إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فزرناه ثم فارقني وقال لي: الوعد في الوقت من الليل في المصلى، حتى

إذا كان الوقت خرجت فإذا به في المصلى فأخذ بيدي ففعل كفعله في الأولى والثانية حتى أتينا مكة في الليل، ففارقني فقبضت عليه فقلت: الصحبة؟ فقال: إني أريد الشام. فقتل: أنا معك. فقال لي: إذا انقضى الحج فالموعد ها هنا عند زمزم. حتى إذا انقضى الحج إذا أنا به عند زمزم فأخذ بيدي فطفنا بالبيت ثم خرجنا من مكة ففعل كفعله الأول والثاني والثالث، فإذا نحن ببيت المقدس. فلما دخل المسجد قال لي: عليك السلام أنا على المقام ههنا إن شاء الله تعالى، ثم فارقني فما رأيته بعد ذلك ولا عرفني اسمه. قال إبراهيم: فرجعت إلى بلدي أسير سير الضعفى منزلاً بعد منزل حتى رجعت إلى بلخ فكان أول أمري. قلت: قد انتهينا بحمد الله ومنه إلى نهاية المشرق ونحن نعود إلى مركزنا وهو مدينة السلام بغداد فنرتقي إلى ديار الشام والمغرب والله الموفق.

ذكر المصطفين من أهل عكبرا

ذكر المصطفين من أهل عكبرا ابو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطه ... فمن المصطفين من أهل عكبراء: 721 - أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة وكان عالماً عابداً. القاضي أبو حامد أحمد بن محمد اللؤلؤي قال: لما رجع أبو عبد الله بن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة فلم ير يوماً منها في السوق ولا رئي مفطراً إلا في يومي الأضحى والفطر، وكان أماراً بالمعروف، ولم يبلغه خبر منكر إلا غيره. أو كما قال. أحمد بن علي قال: أخبرني القطيعي قال: توفي أبو عبيد الله بن بطة في المحرم سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وكان شيخاً صالحاً مستجاب الدعوة.

_ 721 - هو: عبيد الله بن محمد حمدان العكبري الحنبلي، ابن بطة، الإمام القدوة العابد، الفقيه المحدث، شيخ العراق مصنف كتاب "الإبانة الكبرى" في ثلاث مجلدات، انظر سير أعلام النبلاء 12/538.

ذكر المصطفين من أهل الموصل

ذكر المصطفين من أهل الموصل: 722 - المعافى بن عمران أبو مسعود الأزدي جمع العلم والتقوى والورع. علي بن خشرم قال: سمعت بشراً الحافي، وقال له رجل: ألا أراك عاشقاً للمعافى بن عمران، فقال: ما لي لا أعشقه، وكان الثوري يسميه الياقوتة.

_ 722 - هو: المعافى بن عمران الأزدي، أبو مسعود الموصلي، ثقة عابد فقيه، من كبار التاسعة، مات سنة خمس وثمانين، وقيل: سنة ست.

وقال: حضرته يوماً فنعي إليه ابناه، فما حل حبوته قال: ظالمين أو مظلومين؟ قيل: مظلومين. فحل حبوته وخر ساجداً، ثم رفع رأسه وقال: كيف كانت قصتهما؟ بشر بن الحارث قال: قتل للمعافى بن عمران ابنان في وقعة الموصل فجاء إخوانه يعزونه من الغد فقال لهم: إن كنتم جئتم لتعزوني فلا تعزوني ولكن هنئوني. قال فهنئوه، قال: فما برحوا حتى غداهم وغلفهم بالغالية. يعقوب بن يوسف قال: قال بشر: كان المعافى صاحب كمد، أصيب بابنين له قتلا وأصيب بماله، فما رئي عليه أثر حزن ولا سمع في داره صوت. محمد بن مودود الموصلي قال: قيل لمعافى بن عمران: ما ترى في الرجل يقرض الشعر ويقوله؟ قال: هو عمرك فأفنه بما شئت. بشر بن الحارث قال: سمعت المعافى بن عمران يقول: عز المؤمن استغناؤه عن الناس، وشرفه قيامه بالليل. مرداد بن جميل قال: سأل عمرو بن إسماعيل، رجل من أصحاب الحديث، المعافى بن عمران فقال له: يا أبا عمران أي شيء أحب إليك: أسهر وأصلي، أو أكتب الحديث؟ فقال: كتابة حديث واحد أحب إلي من صلاة ليلة. أسند المعافى عن مغيرة بن زياد وأسامة بن زيد وصالح بن أبي الأخضر والثوري، وابن أبي ذئب، ومالك، وابن جريج ومسعر والليث بن سعد وغيرهم، وأكثر ملازمة الثوري وتأدب بآدابه وصنف كتباً في السنن والزهد والأدب وتوفي في سنة أربع وثمانين ومائة. وقيل خمس وثمانين وقيل ست والله أعلم.

فتح بن محمد بن وشاح الأزدي الموصلي

723 - فتح بن محمد بن وشاح الأزدي الموصلي ويكنى أبا محمد. محمد بن الوليد قال: سمعت فتح بن محمد الأزدي يقول في جوف الليل: رب أجعتني وأعريتني، وفي ظلم الليل أجلستني، فبأي وسيلة أكرمتني هذه الكرامة؟ وكان يبكي ساعة ويفرح ساعة.

_ 723 - هو: فتح الموصلي "الكبير" زاهد زمانه، فتح بن محمد بن وشاح الأزدي الموصلي، أحد الأولياء، ويكنى أبا محمد توفي سنة سبعين ومائة، وقيل: سنة خمس وستيني انظر حلية الأولياء 7/265.

المعافى بن عمران قال: دخلت على فتح الموصلي فرأيته قاعداً في الشمس وصبية له عريانة وابن له مريض، فقلت له: ايذن لي حتى أكسو هذه الصبية. قال: لا، قلت: ولم؟ قال: دعها حتى يرى الله عز وجل ضرها وصبري عليها فيرحمني. قال: فتجاوزت إلى الصبي فقعدت عند رأسه فقلت: حبيبي ألا تشتهي شيئاً حتى أحمله؟ قال: ومن أنت؟ قلت: معافى بن عمران فرفع رأسه إلى السماء وقال: مني الصبر ومنك البلاء. أبو غسان المؤذن قال: خرجنا حجاجاً فأردنا غسل ثيابنا بمكة فأرشدنا إلى رجل له صلاح من أهل فارس، يغسل للناس ثيابهم ويتجر على الضعفاء فيغسل ثيابهم بغير أجرة فأتيناه فقال: ممن أنتم؟ قلنا: من أهل الموصل: قال: تعرفون فتحاً؟ قلنا: نعم. قال: ما فعل؟ قلنا: مات، قال: فتوجع عليه وأظهر حزناً، فقلنا: كيف تعرفه وأنت رجل من أهل فارس وهو بالموصل؟ قال: رأيت في منامي عدة ليال أن إيت فتحاً الموصلي فإنه من أهل الجنة. فخرجت من فارس حتى أتيت الموصل فسألت عنه فقيل لي هو على الشط، فأتيته فإذا رجل ملتف بكسائه وقد ألقى شصاً له في الماء فسلمت عليه فرد علي فقلت له: أتيتك زائراً. قال: فلف الشص وقام فدخلنا المسجد وغربت الشمس وصلينا وتفرق الناس. فأتى بطعام فأكلنا ثم نودي بالعشاء الآخرة فصلينا وتفرق الناس وقام فتح في صلاته ورميت بنفسي فإذا رجل قد دخل علينا المسجد فسلم وصلى إلى جنب فتح ركعتين وقعد فسلم عليه فتح رسالة، فقال له الرجل: متى عهدك بأبي السري؟ قال: ما لي به عهد منذ أيام. قال: فقم بنا إليه فإنه معتل. قال: فخرجنا من المسجد وأنا أنظر إليهما حتى مضيا إلى دجلة يمشيا على الماء فقعدت أنظر رجوعهما فجاء أحدهما في آخر الليل فإذا هو فتح فدخلت عليه المسجد فرميت نفسي كأني نائم، فلما أسفر الصبح وصلينا وتفرق الناس قمت إليه فقلت: يا أبا محمد قد قضيت من زيارتك وطراً وقد رأيت الرجل الذي أتاك البارحة وما كان منكما، فجعل يعارضني. فلما علم أني قد علمت الخبر أخذ علي العهود أن لا أعلم بذلك أحداً ما علمت أنه حي، وقال لي: ذاك الخضر وأبو السري حمزة الخولاني، وهو رجل صالح في هذه القرية، وأشار بيده إليها، وقال: اجعل طريقك عليه فالقه وسلم عليه فمضيت إليه وسلمت عليه. ذكر المعافى بن عمران أنه لم يلق أحداً أعقل من فتح هذا. وقال أبو نصر التمار توفي في سنة سبعين ومائة رحمة الله عليه.

فتح بن سعيد الموصلي

724 - فتح بن سعيد الموصلي يكنى أبا نصر، وقد يشتبه هذا بالذي قبله إذا قيل: فتح الموصلي، وهما اثنان معروفان عند أهل العلم وإذا فرق بينهما بالكنية أو باسم الأرب تبايناً. وقد حكي عن هذا نحو الحكاية التي حكيناها عن الأول في حق أولاده ويحتمل أن يكون عن الأول. أبو بكر بن عفان قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: بلغني أن بنتاً لفتح الموصلي عريت فقيل له: ألا تطلب من يكسوها؟ فقال: لا، أدعها حتى يرى الله عز وجل عريها وصبري عليها. قال: فكان إذا كان ليالي الشتاء جمع عياله وقال بكسائه عليهم ثم قال: اللهم أفقرتني وأفقرت عيالي، وجوعتني وجوعت عيالي، وأعريتني وأعريت عيالي؛ فبأي وسيلة توسلتها إليك، وإنما تفعل هذا بأوليائك وأحبائك، فهل أنا منهم حتى أفرح. إبراهيم بن نوح الموصلي قال: رجع فتح الموصلي إلى أهله بعد العتمة وكان صائماً فقال: عشوني، فقالوا: ما عندنا شيء نعشيك به. قال: فما لكم جلوساً في الظلمة؟ قالوا ما عندنا شيء نسرج ولا سراج؟ بأي يد كانت مني؟ فما زال يبكي إلى الصباح. أبو بكر بن عفان قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: بلغني عن فتح الموصلي أنه كان يتجزأ بفلس في اليوم يشتري به نخالة. إبراهيم بن عبد الله قال: صدع فتح الموصلي، ففرح وقال: يا رب ابتليتني ببلاء الأنبياء، فشكر هذا أن أصلي الليلة أربعمائة ركعة. بشر بن حارث قال: قال فتح الموصلي: من أدام النظر بقلبه ورثه ذلك الفرح بالمحبوب، ومن آثره على هواه ورثه ذلك حبه إياه، ومن اشتاق إليه وزهد فيما سواه ورعى حقه وخافه بالغيب، ورثه ذلك النظر إلى وجهه الكريم. أبو جعفر، ابن أخت بشر بن الحارث، قال: كنت يوماً واقفاً ببابنا إذا أقبل شيخ ثائر الشعر ملتف بالعباء فقال لي: بشر في البيت؟ قلت: نعم فقال: ادخل فقل: فتح بالباب. قال: فخرج مسرعاً فصافحه واعتنقه فقال له الشيخ: يا أبا نصر إني ذكرتك البارحة فاشتقت إلى لقائك. قال: فدفع إلي درهماً فقال: خذ بأربعة دوانيق خبزاً، ويكون جيداً، وبدانقين تمراً. قال الشيخ:

_ 724 - هو: فتح الموصلي، الزاهد، الولي العابد، أبو نصر، فتح بن سعيد الموصلي، توفي سنة عشرين ومائتين انظر سير أعلام النبلاء 9/179.

قل له: يكون شهريزاً فجئته به. فقال الشيخ: قل له يأكل معنا. فقال: كل معنا فأكلت معهم. فلما أكلنا أخذ ما فضل في طرف العباء ومضى، فخرج خالي معه يشيعه إلى حرب. فلما رجع قال لي: يا بني. تدري من هذا؟ قلت لا، قال: هذا فتح الموصلي. محمد بن الصلت قال: كنت عند بشر بن الحارث فجاء رجل فسلم على بشر، فقام بشر غليه فقمت لقيامه، فمنعني. فلما سكن الرجل أخرج بشر درهماً صحيحاً وقال: أخرج واشتر خبزاً وزبداً وتمر برني. قال: فخرجت واشتريت وحملته فوضعته بين يديه، فأكل الرجل وحمل الباقي وقام فخرج، فلما خرج قال لي بشر: يا بني تدري لم منعتك عن القيام له؟ قلت لا. قال: لأنه لم يكن بينك وبينه معرفة فكان قيامك لقيامي فأردت أن لا يكون قيامك إلا لله خالصاً، وتدري لماذا دفعت إليك الدرهم وقلت اشتر كذا وكذا؟ قلت: لا. قال: إن طيب الطعام يستخرج خالص الشكر لله تعالى، وتدري لم حمل الباقي؟ قلت لا - قال: عندهم إذا صح التوكل لم يضر الحمل، وهذا فتح الموصلي جاءنا زائراً. عن أحمد بن أبي الحواري أنه قال: سمعت شيخاً من أصحاب فتح الموصلي قال: كانت لفتح الموصلي بضاعة عند أخ له يعمل بها في البر والبحر، فبعث فتح فاستردها وأنفقها وقال: رأيت قلبي يميل إليها فكرهت أن تكون ثقتي سواه. إبراهيم بن موسى قال: رأيت فتحاً الموصلي يوم عيد وقد رأى على الناس الطيالس والعمائم. قال: فقال لي: يا إبراهيم إنما ترى ثوباً وجسداً يأكله الدود غداً، هؤلاء أنفقوا خزائنهم على بطونهم وظهورهم ويقدمون على ربهم مفاليس. عبد الله بن الفرج قال: قال فتح الموصلي: كبرت على خطاياي وكثرت حتى لقد آيستني من عظيم عفو الله عز وجل قال: ثم قال: وإني آيس منك وأنت الذي جدت على السحرة بعد أن غدوا كفرة فجرة؟ وإني آيس منك وأنت ولي كل نعمة وأني آيس منك وأنت المؤمل لكل فضل ومعروف، وأني آيس منك وأنت المغيث عند الكرب ولم يزل يقول: آيس منك، حتى سقط مغشياً عليه. عمران بن موسى الطرسوسي قال: مر فتح الموصل بصبيين مع أحدهما كسرة عليها عسل ومع الآخر كسرة عليها كامخ. فقال الذي معه الكامخ للذي معه العسل: أطعمني من خبزك قال: إن كنت كلباً لي أطعمتك. قال: نعم. فأطعمه من خبزه وجعل في فمه خيطاً وجعل يقوده فقال فتح: لو رضيت بخبزك ما كنت كلباً لهذا. قال أبو موسى: فهكذا الدنيا.

عثمان بن عمارة قال: غبت غيبة فلما قدمت لقيت فتحاً الموصلي في حانوت سالم الدورقي. فقال لي: يا بصري أي شيء رأيت في غيبتك؟ فقلت: رأيت عجائب كثيرة وأخباراً مختلفة. فصاح صيحة. فقلت: أنت تصيح من الخبز، فكيف لو شاهدت القيامة أو شاهدت صاحب القيامة؟ فشهق شهقة ووثب من الحانوت فخر مغشياً عليه فحملناه فأدخلناه الحانوت فما زال مغشياً عليه إلى العصر، فلما صليت العصر تنفس ثم فتح عينيه. رياح بن الجراح العبدي قال: جاء فتح الموصلي إلى منزل صديق له يقال له عيسى التمار فلم يجده في المنزل، فقال للخادمة: أخرجي إلى كيس أخي، فأخرجته فأخذ منه درهمين، وجاء عيسى إلى منزله فأخبرته الجارية بمجيء فتح وأخذه الدرهمين فقال: إن كنت صادقة فأنت حرة. فنظر فإذا هي مصادفة فعتقت. محمد بن عبد الرحمن بن حبيب الطفاوي قال: دخلت على فتح الموصلي وهو يوقد بالآجر. وكان فتح رجلاً من العرب، وكان شريفاً زاهداً. عبد الله بن الفرج العابد قال: كان بالموصل رجل نصراني يكنى أبا إسماعيل. قال: فمر ذات ليلة برجل وهو يتهجد على سطحه وهو يقرأ: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} آل عمران قال: فصرخ أبو إسماعيل صرخة غشي عليه فلم يزل على حاله تلك حتى أصبح فلما أصبح أسلم ثم أتى فتحاً الموصلي فاستأذنه في صحبته فكان يصحبه ويخدمه. قال: وبكى أبو إسماعيل حتى ذهبت إحدى عينيه وعشي من الأخرى، فقلت له ذات يوم: حدثني ببعض أمر فتح الموصلي، قال فبكى ثم قال: أخبرك عنه: كان والله كهيئة الروحانيين، معلق القلب بما هناك، ليست له في الدنيا راحة. قلت: على ذاك قال: شهدت العيد ذات يوم بالموصل ورجع بعد ما تفرق الناس ورجعت معه فنظر إلى الدخان يفور من نواحي المدينة فبكى ثم قال: قد قرب الناس قربانهم، فليت شعري ما فعلت في قرباني عندك أيها المحبوب؟ ثم سقط مغشياً عليه. فجئت بماء فمسحت به وجهه، فأفاق ثم مضى حتى دخل بعض أزقة المدينة رفع رأسه إلى السماء ثم قال: قد علمت طول غمي وحزني وتردادي في أزقة الدنيا، فحتى متى تحبس أيها المحبوب؟ ثم سقط مغشياً عليه فجئت بماء فمسحت على وجهه فأفاق. فما عاش بعد ذلك إلا أياماً حتى مات رحمه الله. إبراهيم بن موسى قال: رأيت فتحاً الموصلي في يوم عيد أضحى وقد شم ريح

القتار، فدخل إلى زقاق فسمعته يقول: تقرب المتقربون بقربانهم وأنا أتقرب إليك بطول حزني يا محبوب، كم تتركني في أزقة الدنيا محبوساً؟ ثم غشي عليه وحمل فدفناه بعد ثلاث. إسماعيل بن هشام، عن بعض أصحاب فتح الموصلي قال: دخلت عليه يوماً وقد مد كفيه يبكي، حتى رأيت الدموع من بين أصابعه تنحدر. فدنوت منه لأنظر إليه فإذا دموعه قد خالطتها صفرة. فقلت: بالله يا فتح بكيت الدم؟ فقال: لولا أنك حلفتني بالله عز وجل ما أخبرتك، بكيت دماً. فقلت: على ماذا بكيت الدموع؟ وعلى ماذا بكيت الدم؟ فقال: بكيت الدموع على تخلفي عن واجب حق الله عز وجل، وبكيت الدم على الدموع خوفاً أن تكون ما صحت لي الدموع. قال الرجل: فرأيت فتحاً بعد موته في المنام. فقلت: ما صنع الله بك؟ فقال غفر لي، قلت: فما صنع في دموعك؟ فقال: قربني ربي عز وجل وقال لي: يا فتح؛ الدمع على ماذا؟ قلت: يا رب على تخلفي عن واجب حقك. قال: فالدم لم بكيت؟ فقلت: يا رب على دموعي خوفاً أن لا تصح لي فقال لي: يا فتح ما أردت بهذا كله؟ وعزتي لقد صعد إلي حافظاك أربعين سنة بصحيفتك ما فيها خطيئة. أدرك فتح عيسى بن يونس وأقرانه وأسند عن عيسى وتوفي سنة عشرين ومائتين.

سباع الموصلي

725 - سباع الموصلي أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت المضاء يقول لسباع الموصلي يا أبا محمد إلى أي شيء أفضى بهم الزهد؟ قال: إلى الأنس به.

_ 725 - هو: سباع الموصلي، له الحفظ النفيس في التمتع برياض التأنيس: انظر حلية الأولياء 10/141.

أحمد الموصلي

726 - أحمد الموصلي عن أحمد الميموني، من ولد ميمون بن مهران، قال: قدم علينا أحمد الموصلي فأتيته فقال لي: يا أحمد إن تعمل فقد عمل العاملون قبلك، وإن تعبد فقد تعبد المتعبدون قبلك، أولئك الذين قربوا الآخرة وباعدوا الدنيا، أولئك الذين ولي الله إقامتهم على الطريق فلم يأخذوا يميناً ولا شمالاً، فلو سمعت نغمة من نغماتهم المختمرة في صدورهم، المتغرغرة في حلوقهم لغيبت عليك عيشك، ولطردت عنك البطالة أيام حياتك.

_ 726 - هو: أحمد الموصلي، كان من عباد الشاميين، شرب شراب المشتاقين، انظر حلية الأولياء 10/139.

ذكر المصطفيات من عابدات الموصل

ذكر المصطفيات من عابدات الموصل 727 - ألوف الموصلية أبو سليمان قال: خطب رجل امرأة من أهل الموصل يقال لها ألوف فقالت للرسول: قل له ما يسرني أنك لي عبد وجميع ما تملكه لي، وأنك شغلتني عن الله عز وجل طرفة عين.

رقية

728 - رقية عبيد الله بن عمر بن عبيد المعمري قال: أنبأ جدي قال: سمعت فتحاً الموصلي يقول: سمعت امرأة متعبدة عندنا تقول: إلهي وسيدي ومولاي لو أنك عذبتني بعذابك كله لكان ما فاتني من قربك أعظم عندي من العذاب، ولو نعمتني بنعيم أهل الجنة كلهم كانت لذة حبك في قلبي أكثر. قلت: هذه العابدة هي رقية. منصور بن محمد قال: قالت رقية الموصلية: إني لأحب ربي حباً شديداً فلو أمر بي إلى النار ما وجدت للنار حرارة مع حبه، ولو أمر بي إلى الجنة لما وجدت للجنة لذة مع حبه، لأن حبه هو الغالب علي. محمد بن كثير المصيصي قال: قالت رقية العابدة، وكانت بالموصل: حرام على قلب فيه رهبانية المخلوقين أن يذوق حلاوة الإيمان، شغلوا قلوبهم بالدنيا عن الله عز وجل ولو تركوها لجالت في الملكوت ورجعت إليهم بطرف الفوائد. وكانت تقول تفقهوا في مذاهب الإخلاص ولا تفقهوا فيما يؤديكم إلى الركوب على القلاص.

أمية بنت أبي المورع

729 - أمية بنت أبي المورع أبو الوليد، رياح بن أبي الجراح العبدي، قال: ما رأيت قط مثل أمية بنت أبي المورع الموصلية، وكانت من الخائفين، وكانت إذا ذكرت النار قالت: أدخلوا النار، وأكلوا من النار، وشربوا من النار، وعاشوا. ثم تبكي، وكان بكاؤها أطول من ذلك، وكانت كأنها جبة على مقلي، وكانت إذا ذكرت النار بكت وأبكت دماً وما رأيت أحداً أشد خوفاً ولا أكثر بكاء منها.

موافقة ويقال موفقة

730 - موافقة ويقال موفقة أبو عبد الله الحصري قال: سمعت فتحاً الموصلي يقول مرت بي امرأة متعبدة يقال لها: موافقة، فعثرت فسقط ظفر إبهامها، فضحكت، فقيل لها يا موافقة يسقط إبهامك وتضحكين؟ فقالت: إن حلاوة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه. عبد الله بن حبيق قال: مرت بفتح الموصلي امرأة يقال لها: موفقة، فعثرت فسقط ظفر إبهامها فضحكت، فقيل لها يا موفقة سقط ظفر إبهامك وتضحكين؟ فقالت: والله إن حلاوة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه. وقد روي أن هذه القصة جرت لامرأة فتح الموصلي. قال زيد بن أبي الزرقاء: عثرت امرأة فتح الموصلي فانقطع ظفرها فضحكت فقيل لها فأين ما تجدينه من حرارة الوجع؟ فقالت: إن لذة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه.

راهبة الموصلية

731 - راهبة الموصلية أحمد بن أبي الحواري قال: حدثتني امرأتي رابعة قالت: دخلت على أخت لي عاتق بالموصل، فقالت لي: هل تدرين ما معنى قوله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} الشعراء؟ قالت: قلت لا، قالت: القلب السليم الذي يلقى الله عز وجل وليس فيه شيء غير الله عز وجل قال أحمد: حدثت بهذا أبا سليمان فقال: ليس هذا كلام الراهبة هذا كلام الأنبياء. انتهى ذكر أهل الموصل بحمد الله ومنه.

ذكر المصطفين من أهل الرقة

ذكر المصطفين من أهل الرقة 732 - ميمون بن مهران يكنى أبا أيوب. مولى بني نصر - وقيل مولى الأزد ولد سنة أربعين. عن جعفر عن ميمون بن مهران قال: قال لي عمر بن عبد العزيز مواليك؟ قلت: كانت أمي مولاة للأزد وكان أبي مكاتباً من لبني نصر. فقال لي عمر: يا ميمون أنت مولى للأزد. خلف بن حوشب قال: تكارينا مع ميمون بن مهران دواب إلى مكان فقال ميمون: لولا أن الدواب بكراء لمررنا على آل فلان. جعفر بن برقان قال: قال ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره. أبو المليح عن ميمون قال: لا تضرب المملوك في كل ذنب، ولكن احفظ ذلك له فإذا عصى الله عز وجل فعاقبه على معصية الله، وذكره الذنوب التي أذنب بينك وبينه. أبو المليح قال: ما رأيت أحداً أفضل من ميمون بن مهران، قال له رجل يوماً: يا أيوب أي شيء تشتكي أراك مصفراً؟ قال: نعم لما يبلغني في أقطار الأرض. عبد الملك الميموني قال: سمعت أبي يقول: سمعت عمي عمر يقول: ما كان أبي يكثر الصيام ولا الصلاة ولكنه كان يكره أن يعصي الله عز وجل. قال: وسمعت أبي يقول: وددت أن إصبعي قطعت من ها هنا وأني لم أل. فقلت: ولا لعمر؟ قال: لا لعمر ولا لغيره. أبو المليح قال: سمعت ميموناً يقول: لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: رجل نائب، ورجل يعمل في الدرجات. جعفر بن برقان قال: سمعت ميمون بن مهران يقول: إن العبد إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا تاب محيت من قلبه فترى قلب المؤمن مجلواً مثل المرآة، ما يأتيه

_ 732 - هو: ميمون بن مهران الجزري، أبو أيوب، أصله كوفي، نزل الرقة، ثقة فقيه، ولي الجزيرة لعمر بن عبد العزيز، وكان يرسل، من الرابعة، مات سنة سبع عشرة.

الشيطان من ناحية إلا أبصره، وأما الذي يتتابع في الذنوب فإنه كلما أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء فلا يزال ينكت في قلبه حتى يسود قلبه فلا يبصر الشيطان من حيث يأتيه. قال: وسمعت ميمون بن مهران يقول: لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه، حتى يعلم من أين مطعمه؟ ومن أين ملبسه؟ ومن أين مشربه؟ أمن حل ذلك أم من حرام؟. أبو المليح عن ميمون قال: الصبر صبران، والذكر ذكران: فذكر الله عز وجل باللسان حسن، وأفضل منه أن تذكر الله عز وجل عندما تشرف عليه من معاصيه، والصبر عند المصيبة حسن وافضل منه أن تصبر نفسك على ما تكره من طاعة الله عز وجل وإن ثقل عليك. قال ميمون: وأدركت من لم يتكلم إلا بحق أو يسكت، وقد أدركت من لم يكن يتكلم بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس إلا بما يصعد، وقد أدركت من لم يملأ عينيه من السماء فرقاً من ربه عز وجل، ولو أن بعض من أدركت نشر حتى يعاينكم ما عرف منكم شيئاً إلا قبلتكم. عيسى بن كثير الأسدي قال: مشيت مع ميمون بن مهران حتى إذا أتى باب داره ومعه ابنه عمرو، فلما أردت أن أنصرف قال له عمرو: يا أبة ألا تعرض عليه العشاء؟ قال ليس ذلك من نيتي. أسند ميمون عن ابن عمر، وابن عباس، وغيرهما. وتوفي في سنة سبع عشرة ومائة.

حناذ القلاء

733 - حناذ القلاء حذيفة المرعشي قال: مررت بالرقة بأصحاب السويق، ورجل يبيع السويق عليه بتة وهو مقبل على غلامين، وعلى رأسه كمة دنسة فقلت: لو ألقيت هذه الكمة. فقال: أصبت قلبي يصلح عليها. قلت: أراك مقبلاً على الغلامين أفمن حبهما؟ قال: إني أجل الله عز وجل أن أشغل قلبي بحب أحد مع حبه، ولكن أرحمهما. حذيفة العابد، صاحب يوسف بن أسباط، قال: لما اصطلح الروم والعرب قلت: فما أصنع الآن في الرباط؟ فخرجت حتى أتيت الرقة فجئت إلى قوم قلائين، فقلت أعمل معكم فتنظرون إلى عمل فتجزون من الكراء بقدر ما أستحقه. قالوا نعم. فجعلت أعمل معهم. وكان ثم شيخ جالس بين يديه زنبيل سويق يبيع، على رأسه قلنسوة سوداء مخرقة وفرو مخرق وبين يديه صبيان يلعبان ويقتتلان، وهو متشاغل بهما يزجرهما وينهاهما. قال: فقلت له: أني أحسبك تحبهما. قال: لا والله ما أحبهما، ولكن أرحمهما، وما أحد أحب إلي من الله عز وجل. قال: فأعجبني قوله وأنست به، وكان ثم شباب رفث بعضهم على بعض فقلت له: ألا تنهى هؤلاء الشباب؟ فقال: إني لأجل الله عز وجل أن أذكره عند

مثل هؤلاء، قال: فأعجبتني مقالته فقلت: كيف حبك لمدحة الناس؟ قال: ما أحب أن لي ملء بيت دنانير وأنه يقع في قلبي حب مدحة الناس لي، فقلت: فما هذه القلنسوة على رأسك؟ قال: وجدت قلبي يصلح عليها. قال حذيفة: فلم أر أحداً إن شاء الله كان أصدق منه. قيل له: أين كان من يوسف بن أسباط؟ قال: ما كان يوسف بن أسباط يصلح إلا شاكرداً لذلك. قال أبو عمر: فذكرت ذلك لبعض الرقيين فقال: ذاك حناذا القلاء.

توبة بن الصمة

734 - توبة بن الصمة عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال: حدثني رجل من قريش، ذكر أنه من ولد طلحة بن عبيد الله، قال: كان توبة بن الصمة بالرقة وكان محاسباً لنفسه، فحسب فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم فصرخ وقال: يا ويلتا: ألقى المليك بأحد وعشرون ألف ذنب، كيف؟ وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب ثم خر مغشياً عليه فإذا هو ميت. فسمعوا قائلاً يقول: يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى رضي الله عنه.

إبراهيم بن داود القصار أبو إسحاق الرقي

735 - إبراهيم بن داود القصار أبو إسحاق الرقي أبو بكر بن شاذان قال: سمعت إبراهيم القصار يقول: المعرفة إثبات الرب عز وجل خارجاً عن كل موهوم. وقال إبراهيم: الأبصار قوية والبصائر ضعيفة. وقال: من اكتفى بغير الكافي افتقر من حيث استغنى. وقال: الكفايات تصل إليك بلا تعب والأشغال والتعب في الفضول. وقال: أضعف الخلق من ضعف عن رد شهواته، وأقوى الخلق من قوي على ردها. إبراهيم بن أحمد بن المولد يقول: سأل رجل إبراهيم القصار فقال: هل يبدي المحب حبه؟ أو هل ينطق به؟ أو هل يطيق كتمانه؟ فأنشأ يقول متمثلاً: ظفرتم بكتمان اللسان فمن لكم ... بكتمان عين دمعها الدهر يذرف حملتم جبال الحب فوقي وإنني ... لأعجز عن حمل القميص وأضعف قال السلمي: إبراهيم بن داود من جلة مشايخ الشام، من أقران الجنيد وابن الجلاء عمر، وصحبه أكثر مشايخ الشام، وكان لازماً للفقر مجرداً فيه، محباً لأهله. توفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة.

_ 735 - هو: إبراهيم بن داود القصار، أبو إسحاق، ذو الهم المخزون والبيان الموزون: انظر حلية الأولياء 10/378.

ذكر المصطفيات من عابدات الرقة

ذكر المصطفيات من عابدات الرقة 736 - عابدة عبيد الله بن الخالق قال: سبى الروم نساء مسلمات، فبلغ الخبر الرقة وبها هارون الرشيد أمير المؤمنين، فقيل لمنصور بن عمار: لو اتخذت مجلساً بالقرب من أمير المؤمنين فحرضت الناس على الغزو، ففعل، فبينا هو يذكرهم ويحرض إذا نحن بخرقة مصرورة مختومة قد طرحت إلى منصور، وإذا كتاب مضموم إلى الصرة ففك الكتاب فقرأه فإذا فيه: إني امرأة من أهل البيوتات من العرب، بلغني ما فعل الروم بالمسلمات، وسمعت تحريضك الناس على الغزو، وترغيبك في ذلك، فعمدت إلى أكرم شيء من بدني وهمنا ذؤابتاي فقطعتهما وصررتهما في هذه الخرقة المختومة، وأناشدك بالله العظيم لما جعلتهما قيد فرس غاز في سبيل الله، فعل الله العظيم أن ينظر إلي على تلك الحال نظرة فيرحمني بها. قال: فبكى وأبكى الناس، وأمر هارون أن ينادى بالنفير، فغزا بنفسه فأنكى فيهم وفتح الله عليهم. قلت: هذه امرأة حسن قصدها وغلطت في فعلها، لأنها جهلت أن ما فعلت منهي عنه، فلينظر إلى قصدها. 737 - عابدة أخرى من أهل الشام نقل عنها مثل هذه. بلغنا عن أبي قدامة الشامي قال: كنت أميراً على الجيش في بعض الغزوات، فدخلت بعض البلدان فدعوت الناس إلى الغزو ورغبتهم في الثواب، وذكرت فضل الشهادة وما لأهلها. ثم تفرق الناس وركبت فرسي وسرت إلى منزلي فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس تنادي: يا أبا قدامة، فقلت: هذه مكيدة من الشيطان. فمضيت ولم أجب. ما هكذا كان الصالحون، فوقفت، فجاءت ودفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة وانصرفت باكية. فنظرت إلى الرقعة فإذا فيها مكتوب: إنك دعوتنا إلى الجهاد ورغبتنا في الثواب، ولا قدرة لي على ذلك فقطعت أحسن ما في، وهما ضفيرتاي وأنفذتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك، لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله فيغفر لي. فلما كانت صبيحة القتال فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل فتقدمت إليه وقلت: يا فتى غلام غر راجل ولا آمن أن تجول الخيل فتطأك بأرجلها فارجع عن موضعك هذا فقال:

أتأمرني بالرجوع؟ وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} الأنفال. فحملته على هجين كان معي فقال: يا أبا قدامة أقرضني ثلاثة أسهم فقلت: أهذا وقت قرض؟ فما زال يلح علي حتى قلت بشرط: إن من الله بالشهادة أكون في شفاعتك، قال: نعم. فأعطيته ثلاثة أسهم فوضع سهماً في قوسه وقال: السلام عليك يا أبا قدامة. ورمى به فقتل رومياً. ثم رمى بالآخر وقال: السلام عليك يا أبا قدامة فقتل رومياً. ثم رمى بالآخر وقال: السلام عليك سلام مودع. فجاءه سهم فوقع بين عينيه فوضع رأسه على قربوس سرجه. فتقدمت إليه وقلت: لا تنسها. فقال: نعم ولكن لي إليك حاجة: إذا دخلت المدينة فأت والدتي وسلم خرجي إليها وأخبرها فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك، وسلم عليها فإنها العام الأول أصيبت بوالدي، وفي هذا العام بي ثم مات. فحفرت له ودفنته. فلما هممنا بالانصراف عن قبره قذفته الأرض فألقته على ظهرها. فقال أصحابي: إنه غلام غر ولعله خرج بغير إذن أمه. فقتل: إن الأرض لتقبل من هو شر من هذا. فقمت وصليت ركعتين ودعوت الله عز وجل فسمعت صوتاً يقول: يا أبا قدامة اترك ولي الله. فما برحت حتى نزلت عليه طيور فأكلته، فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته فلما قرعت الباب خرجت أخته إلي فلما رأتني عادت وقالت: يا أماه هذا أبو قدامة ليس معه أخي، فقد أصبنا في العام الأول بأبي، وفي هذا العام بأخي. فخرجت أمه إلي فقالت: أمعزياً أم مهنئاً؟ فقلت: ما معنى هذا؟ فقالت: إن كان مات فعزني، وإن كان استشهد فهنئني. فقلت: لا بل مات شهيداً. فقالت: له علامة فهل رأيتها؟ قلت: نع لم تقبله الأرض ونزلت الطيور فأكلت لحمه وتركت عظامه فدفنتها فقالت: الحمد لله. فسلمت إليها الخرج ففتحته فأخرجت منه مسحاً وغلاً من حديد، وقالت: إنه كان إذا جنه الليل لبس هذا المسح وغل نفسه بهذا الغل وناجى مولاه، وقال في مناجاته: أحشرني من حواصل الطيور. فقد استجاب الله دعاءه. انتهى ذكر أهل الرقة بحمد الله ومنه.

ذكر المصطفين من أهل الشام

ذكر المصطفين من أهل الشام من الطبقة الأولى من التابعين ومن بعدهم: 738 - عمرو بن الأسود السكوني عن حكيم وضمرة بن حبيب قالا: قال عمر بن الخطاب: من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود1. عن يحيى بن جابر الطائي قال: قال عمرو بن الأسود: لا ألبس مشهوراً أبداً ولا أملأ جوفي من طعام بالنهار أبداً حتى ألقاه. ابن عياش، عن شرحبيل أن عمرو بن الأسود كان يدع كثيراً من الشبع مخافة الأشر، وكان إذا خرج من بيته إلى المسجد قبض يمينه على شماله مخافة الخيلاء. أبو بكر بن عبد الله الغساني، عن المشيخة، أن عمرو بن الأسود يشتري الحلة بمائتين ويصبغها بدينار ويخمرها النهار كله، ويقوم فيها الليل كله. أسند عمرو عن معاذ، وعبادة، والعرباض، في آخرين.

_ 738- هو: عمرو بن الأسود العنسي -بالنون - وقد يصغر، يكنى أبا عياض، حمصي سكن داريا، مخضرم ثقة عابد، من كبار التابعين، مات في خلافة معاوية. 1 أخرجه الإمام أحمد في المسند رقم 115.

أبو عبد الله الصنابحي واسمه: عبد الرحمن بن عسيلة

739 - أبو عبد الله الصنابحي واسمه: عبد الرحمن بن عسيلة عن محمود بن الربيع قال: كنا عند عبادة بن الصامت فأقبل الصنابحي فقال عبادة: من سره أن ينظر إلى رجل كأنما رقي به فوق سبع سموات فعمل ما عمل على ما رأى فلنظر إلى هذا، أسند الصنابحي عن أبي بكر الصديق، ومعاذ، وعبادة في آخرين.

_ 739 - هو: عبد الرحمن بن عسيلة -بمهملتين - مصغر، المرادي، أبو عبد الله الصنابحي، ثقة، من كبار التابعين، قدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام، مات في خلافة عبد الملك.

يزيد بن الأسود يكنى أبا الأسود الجرشي

740 - يزيد بن الأسود يكنى أبا الأسود الجرشي عن سليم بن عامر الخبائري أن الشام قحطت فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل دمشق

_ 740 - هو: الجرشي، يزيد بن الأسود، ويقال: أبو عمرو الجرشي من سادة التابعين بالشام، يسكن بالغوطة، بقرية زبدين أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وله دار بداخل باب شرقي، انظر سير أعلام النبلاء 5/156.

يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فناداه الناس، فأقبل يتخطى، فأمره معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه. فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود، يا يزيد ارفع يديك إلى الله. فرفع يديه ورفع الناس، فما كان أوشك أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس وهبت لها ريح فسقتنا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم. عن علي بن أبي جملة قال: أصاب الناس قحط بدمشق، وعلى الناس الضحاك بن قيس الفهري، فخرج بالناس يستسقي، فقال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فلم يجبه أحد، ثم قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فلم يجبه أحد، ثم قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فلم يجبه أحد ثم قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ عزمت عليه إن كان يسمع كلامي إلا قام وعليه برنس فاستقبل الناس بوجهه ورفع جانبي برنسه على عاتقيه ثم رفع يديه، ثم قال: اللهم يا رب إن عبادك تقربوا إليك فاسقهم، قال: فانصرف الناس وهم يخوضون الماء. فقال: اللهم إنه قد شهرني فأرحني منه. قال: فما أتت عليه جمة حتى قتل الضحاك.

شرحبيل بن السمط بن الأسود أبو يزيد الكندي

741 - شرحبيل بن السمط بن الأسود أبو يزيد الكندي بكر بن سوادة قال: كان رجل يعتزل الناس، إنما هو وحده، فجاءه أبو الدرداء فقال: أنشدك الله عز وجل ما يحملك على أن تعتزل الناس؟ قال: إني أخشى أن أسلب ديني وأنا لا أشعر. فحدثت بذلك رجلاً من أهل الشام فقال: ذاك شرحبيل بن السمط. قلت: ذكر محمد بن سعد شرحبيل بن السمط في التابعين بعد يزيد بن الأسود، وقد قال البخاري: له صحبة.

_ 741 - هو: شرحبيل بن السمط -بكسر المهملة وسكون الميم - الكندي، الشامي، جزم بن سعد بأن له وفادة - ثم شهد القادسية وفتح حمص، وعمل عليها لمعاوية ومات سنة أربعين أو بعدها.

كعب الأحبار بن ماتع

742 - كعب الأحبار بن ماتع يكنى أبا إسحاق، وهو من حمير من آل ذي رعين. كان يهودياً فأسلم وقدم المدينة ثم خرج إلى الشام فسكن حمص. عبد الله بن بريدة قال: قال كعب الأحبار: ما كرم عبد على الله عز وجل إلا زاد البلاء

_ 742 - هو: كعب بن ماتع الحميري، أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار، ثقة من الثانية مخضرم، كان من اليمن، فسكن الشام، مات في آخر خلافة عثمان، وقد زاد على المائة، وليس له في البخاري إلا حكاية لمعاوية فيه، وله في مسلم رواية لأبي هريرة، عنه، من طريق الأعمش عن أبي صالح.

عليه شدة، وما أعطى رجل زكاة فنقصت من ماله، ولا حبسها فزادت في ماله، ولا سرق سارق إلا حسب له من رزقه. عن عبد الله بن شقيق قال: قال كعب: إن لسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، دوياً حول العرش كدوي النحل، يذكرن بصاحبهن والعمل الصالح في الخزائن. عن عبد الله بن الحارث، عن كعب قال: ما استقر لعبد ثناء في الأرض حتى يستقر في السماء. عن أبي العوام، عن كعب الأحبار، قال: جاء رجلان فوقفا بباب المسجد فدخل أحدهما ولم يدخل الآخر وقال: مثلي لا يدخل بيت الله وقد عصيته، فأوحى الله إلى نبي من أنبياء إسرائيل أنني قد جعلته صديقاً بإزرائه على نفسه. عن يزيد بن قودر، عن كعب أنه قال: مؤمن عالم أشد على إبليس وجنوده من مائة ألف مؤمن عابد، لأن الله يعصم بهم من الحرام. عن عبد الله بن شقيق العقيلي، عن كعب قال: لأن أبكي من خشية الله حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بوزني ذهباً، والذي نفس كعب بيده ما بكى عبد من خشية الله حتى تقع قطرة من دموعه إلى الأرض فتمسه النار أبداً حتى يعود قطر السماء الذي وقع إلى الأرض من حيث جاء، ولن يعود أبداً. عن علقمة بن مرثد، عن كعب قال: من يعبد الله عز وجل حيث لا يراه أحد يعرفه خرج من ذنوبه كما يخرج من ليلته، عن الأعمش، عن زياد عن كعب: قال: المتخلق إلى أربعين يوماً ثم يعود إلى خلقه الذي هو خلقه. عن كرز بن وبرة قال: بلغني أن كعباً قال: إن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يصلون بالليل في بيوتهم كما تنظرون أنتم إلى نجوم السماء. أسند كعب عن عمر بن الخطاب وصهيب وعائشة. وتوفي بحمص سنة ثنتين وثلاثين في خلافة عثمان.

يزيد بن مرثد أبو عثمان الهمداني

743 - يزيد بن مرثد أبو عثمان الهمداني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: قلت ليزيد بن مرثد: ما لي أرى عينيك لا تجف؟

_ 743 - هو: يزيد بن مرثد، أبو عثمان الهمداني، الصنعاني، من صنعاء دمشق، ثقة من الثالثة، وله مراسيل. قال الشيخ شعيب: بل مقبول في المتابعات والشواهد فقد روى عنه ثلاثة فقط، وذكره ابن حبان وحده في الثقات انظر تحرير تقريب التهذيب 4/119.

قال: وما مسألتك عنه؟ قلت: عسى الله عز وجل أن ينفعني به. قال: يا أخي إن الله عز وجل قد توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار، والله لو لم يتواعدني أن يسجنني إلا في الحمام لكنت حرياً أن لا تجف لي عين. قال: فقلت له: فهكذا أنت في خلواتك؟ قال: وما مسألتك عنه؟ قلت: عن الله عز وجل أن ينفعني به. قال: والله إن ذلك ليعرض لي حين أسكن إلى أهلي فيحول بيني وبين ما أريد، وإنه ليوضع الطعام بين يدي فيعرض لي فيحول بيني وبين أكله، حتى تبكي امرأتي ويبكي صبياننا، ما يدرون ما أبكانا؟ ولربما أضجر ذلك امرأتي فتقول: يا ويحها ما خصت به من طول الحزن معك في الحياة الدنيا، ما تقر لي معك عين. عن الوضين بن عطاء قال: أراد الوليد بن عبد الملك أن يولي يزيد بن مرثد فبلغ ذلك يزيد فلبس فروة وقلبها فجعل الجلد على ظهره والصوف خارجاً وأخذ بيده رغيفاً وعرقاً وخرج بلا رداء ولا قلنسوة ولا نعل ولا خف، وجعل يمشي في الأسواق ويأكل. فقيل للوليد: إن يزيد قد اختلط. وأخبر بما فعل فتركه. أسند يزيد بن مرثد عن معاذ، وأبي الدرداء، وغيرهما.

عبد الله بن محيريز، أبو محيريز

744 - عبد الله بن محيريز، أبو محيريز عن بشير بن صالح قال دخل ابن محيريز حانوتاً بدانق وهو يريد أن يشتري ثوباً، فقال رجل لصاحب الحانوت: هذا ابن محيريز فأحسن بيعه فغضب ابن محيريز وخرج، وقال: إنما نشتري بأموالنا، لسنا نشتري بديننا. عن رجاء بن حيوة قال: أتانا نعي ابن عمر، ونحن في مجلس ابن محيريز فقال ابن محيريز: والله إن كنت لأعد بقاء ابن عمر أماناً لأهل الأرض، وقال رجاء بن حيوة بعد موت ابن محيريز: وأنا والله إن كنت لأعد بقاء ابن محيريز أماناً لأهل الأرض. وعن ضمرة، عن رجاء قال: كان ابن محيريز يجيء بالكتاب إلى عبد الملك فيه النصيحة فيقرئه إياه ثم لا يقره في يده. أيوب بن سويد قال: نبأ أبو زرعة أن عبد الملك بن مروان بعث إلى ابن محيريز بجارية،

_ 744 - هو: عبد الله بن محيريز، بمهملة وراء آخره زاي -مصغر، ابن جنادة بن وهب الجمحي - بضم الجيم وفتح الميم بعدها مهملة المكي، كان يتيما في حجر أبي محذورة بمكة، ثم نزل بيت المقدس، ثقة عابد، من الثالثة، مات سنة تسع وتسعين، وقيل: قبلها.

فترك ابن محيريز منزله فلم يكن يدخله، فقيل له: يا أمير المؤمنين تغيب ابن محيريز عن منزله. قال: ولم؟ قيل: من أجل الجارية التي بعثت بها إليه. قال: فبعث عبد الملك فأخذها. عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال: كان ابن محيريز إذا مدح قال: وما يدريك؟ وما علمك؟. وعن ضمرة عن عمر بن عبد الرحمن بن محيريز قال: كان جدي ابن محيريز يختم في كل سبع. عن عبد الله بن عوف القارئ قال: لقد رأيتنا برودس وما في الجيش أحد أكثر صلاة من ابن محيريز في العلانية ثم أقصر عن ذلك حين شهر وعرف. وعن ضمرة، عن الأوزاعي، قال: كان ابن زكريا يقدم فلسطين فيلقى ابن محيريز فتتقاصر إليه نفسه لما يرى من فضل ابن محيريز. عبد الواحد بن موسى قال: سمعت ابن محيريز يقول: اللهم إني أسألك ذكراً خاملاً. عن خالد بن دريك قال: كانت في ابن محيريز خصلتان ما كانتا في أحد ممن أدركت في هذه الأمة: كان أبعد الناس أن يسكت عن حق بعد أن يتبين له، يتكلم فيه غضب من غضب، ورضي من رضي، وكان من أحرص الناس أن يكتم من نفسه أحسن ما عنده. عبد الله بن المبارك عن طليق قال: سمعت أن ابن محيريز يقول: من مشى بين يدي أبيه فقد عقه، إلا أن يمشي فيميط له الأذى عن طريقه، ومن دعا أباه باسمه أو بكنيته فقد عقه إلا أن يقول: يا أبه. أسند ابن محيريز عن أبي سعيد الخدري، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبي محذورة وفضالة بن عبيد وغيرهم - وتوفي في ولاية الوليد بن عبد الملك.

أبو مسلم الخولاني

745 - أبو مسلم الخولاني واسمه عبد الله بن ثوب. طرحه الأسود العنسي المتنبي باليمن في النار فلم تضره فكان يشبه بالخليل عليه السلام.

_ 745 - هو: أبو مسلم الخولاني، الزاهد الشامي، اسمه: عبد الله بن ثوب -بضم المثلثة وفتح الواو بعدها موحدة - وقيل: بإشباع الواو وقيل: ابن أثوب، بمثلثة، وزن أحمر، ويقال: ابن عوف أو ابن منشكم، ويقال: اسمه يعقوب بن عوف، ثقة عابد من الثانية، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدركه وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية.

عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: تنبأ الأسود بن قيس العنسي باليمن فأرسل إلى أبي مسلم فقال له: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: فتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. قال: فتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع. قال: فأمر بنار عظيمة فأججت وطرح فيها أبو مسلم فلم تضره فقال له أهل مملكته: إن تركت هذا في بلادك أفسدها عليك. فأمره بالرحيل فقدم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر. فقام إلى سارية من سواري المسجد يصلي فبصر به عمر بن الخطاب، فقال: من أين الرجل؟ قال: من اليمن - قال: فما فعل عدو الله بصاحبنا الذي حرقه بالنار فلم تضره؟ قال: ذاك عبد الله بن ثوب. قال: نشدتك بالله عز وجل أنت هو؟ قال: اللهم نعم. قال: فقبل ما بين عينيه، ثم جاء به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن، عليه السلام. عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم أبو مسلم الخولاني، فإنه لم يكن يجالس أحداً يتكلم في شيء من أمر الدنيا إلا تحول عنه، فدخل ذات يوم المسجد فنظر إلى نفر قد اجتمعوا فرجا أن يكونوا على ذكر الله تعالى، فجلس إليهم وإذا بعضهم يقول: قدم غلامي فأصاب كذا وكذا. وقال آخر: جهزت غلامي، فنظر إليهم وقال: سبحان الله أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ كمثل رجل أصابه مطر غزير وابل فالتفت فإذا هو مبصراعين عظيمين فقال: لو دخلت هذا البيت حتى يذهب هذا المطر، فدخل فإذا البيت لا سقف له. جلست إليكم وأنا أرجو أن تكونوا على ذكر وخير فإذا أنتم أصحاب دنيا، قال: وقال له قائل، حين كبر ورق: لو قصرت عن بعض ما تصنع. فقال: أرأيتم لو أرسلتم الخيل في الحلبة ألستم تقولون لفارسها دعها وارفق بها حتى إذا رأيتم الغاية لم تستبقوا منها شيئاً؟ قالوا: بلى، قال: فإني قد أبصرت الغاية وإن لكل ساعة غاية، وغاية كل ساعة الموت، فسابق ومسبوق. أبو بكر بن أبي مريم قال: حدثني عطية بن قيس أن ناساً من أهل دمشق أتوا أبا مسلم الخولاني في منزله وهو غاز بأرض الروم، فوجدوه قد احتقر في فسطاطه جوبة ووضع في الجوبة نطعاً وأفرغ فيه ماء يتصلق فيه وهو صائم، فقالوا له: ما يحملك على الصيام وأنت مسافر وقد رخص لك في الفطر في السفر؟ فقال: لو حضر قتال لأفطرت وتقويت للقتال، إن الخيل لا تجري إلى الغايات وهي بدن إنما تجري وهي ضمر، إن بين أيدينا أياماً لها نعمل.

عن شرحبيل بن مسلم أن رجلين أتيا أبا مسلم الخولاني في منزله فقال بعض أهله: هو في المسجد، فأتياه فوجداه يركع فانتظرا انصرافه وأحصيا ركوعه، فأحصى أحدهما أنه ركع ثلثمائة والآخر أربعمائة قبل أن ينصرف فقالا له: يا أبا مسلم كنا قاعدين خلفك ننتظرك، قال أما إني لو علمت مكانكما لانصرفت إليكما، وما كان لكما أن تحفظا علي صلاتي، فأقسم لكما إن كثرة السجود خير ليوم القيامة. حميد قال: قال أبو مسلم الخولاني: ما عملت عملاً أبالي من رآه إلا أن يخلو الرجل بأهله أو يقضي حاجة غائط. محمد بن زياد عن أبي مسلم أنه كان إذا غزا أرض الروم فمروا بنهر قال: أجيزوا بسم الله. قال: ويمر بين أيديهم. قال: فيمرون بالنهر الغمر، فربما لم يبلغ من الدواب إلا إلى الركب، أو بعض ذلك أو قريباً من ذلك، فإذا جازوا قال للناس: هل ذهب لكم من شيئ؟ من ذهب له شيء فأنا له ضامن. قال: فألقى بعضهم مخلاة عمداً فلما جازوا قال الرجل: مخلاتي وقعت في النهر. قال له: اتبعني، فإذا المخلاة تعلقت ببعض أعواد النهر. عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: قالت امرأة أبي مسلم يعني الخولاني: يا أبا مسلم ليس لنا دقيق. قال: عندك شيء؟ قالت: درهم بعنا به عزلاً، قال: ابغينيه وهاتي الجراب، فدخل السوق فوقف على رجل يبيع الطعام. فوقف عليه سائل فقال: يا أبا مسلم تصدق علي، فهرب منه فأتى حانوتاً آخر فتبعه السائل فقال: يا أبا مسلم، فهرب منه فأتى حانوتاً آخر فتبعه السائل فقال: تصدق علي، فلما أضجره أعطاه الدرهم، ثم عمد إلى الجراب فملأه نجارة النجارين مع التراب ثم أقبل إلى باب منزله فنقر الباب وقلبه مرعوب من أهله، فلما فتحت الباب رمى بالجراب وذهب، فلما فتحته إذا هي بدقيق حواري، فعجنت وخبزت. فلما ذهب من الليل الهوي جاء أبو مسلم لنقر الباب فلما دخل وضعت بين يديه خواناً وأرغفة. فقال: من أين لكم هذا؟ قالت له يا أبا مسلم من الدقيق الذي جئت به، فجعل يأكل ويبكي. عن عثمان بن عطاء، عن أبيه قال: كان أبو مسلم الخولاني إذا انصرف من المسجد إلى منزله كبر على باب منزله فتكبر امرأته فإذا كان في صحن داره كبر فتجيبه امرأته، فإذا بلغ إلى باب بيته كبر فتجيبه امرأته فانصرف ذات ليلة فكبر عند باب داره فلم يجبه أحد، فلما كان في الصحن كبر فلم يجبه أحد، فلما كان في باب بيته كبر فلم يجبه أحد، وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه ونعليه ثم أتته بطعامه قال: فدخل فإذا البيت ليس فيه سراج وإذا امرأته جالسة منكسة تنكت بعود معها. فقال لها مالك؟ فقالت: أنت لك منزلة من معاوية وليس لنا

خادم فلو سألته فأخدمنا وأعطاك، فقال: اللهم من أفسد امرأتي فأعم بصره، قال: وقد جاءتها امرأة قبل ذلك فقالت: زوجك له منزلة من معاوية فلو قلت له يسأل معاوية أن يخدمه ويعطيه عشتم، قال: فبينا تلك المرأة جالسة في بيتها إذ أنكرت بصرها فقالت: ما لسراجكم طفئ؟ قالوا: لا. فعرفت ذنبها، فأقبلت إلى أبي مسلم تبكي وتسأله أن يدعو الله عز وجل لها يرد عليها بصرها. قال: فرحمها أبو مسلم فدعا الله عز وجل لها فرد عليها بصرها. الحسن قال: قال أبو مسلم الخولاني، وكان ذا أمثال: أرأيتم نفساً إذا أكرمتها وودعتها ونعمتها ذمتني غداً عند الله وإن أنا أهنتها وأنصبتها وأعملتها مدحتني عند الله غداً؟ قالوا: من تيك يا أبا مسلم؟ قال تيك والله نفسي. عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي مسلم الخولاني، أنه كان إذا وقف على خربة قال: يا خربة أين أهلك؟ ذهبوا وبقيت أعمالهم، وانقطعت الشهوة، وبقيت الخطيئة، ابن آدم! ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة. أبو بكر بن أبي الأسود قال: قال أبو مسلم الخولاني: ما طلبت شيئاً من الدنيا قط فولي لي، حتى لقد ركبت مرة حماراً فلم يمش فنزلت عنه وركبه غيري فعدا. قال: فأريت في منامي كأن قائلاً يقول لي: لا يحزنك ما زوي عنك من الدنيا وإنما يفعل ذلك بأوليائه وأحبائه وأهل طاعته. قال: فسري عني. روى شرحبيل بن مسلم، عن عمير بن سيف، أنه سمع أبا مسلم الخولاني يقول: لأن يولد لي مولود يحسن الله عز وجل نباته حتى إذا استوى على شبابه وكان أعجب ما يكون إلي، قبضه مني، أحب إلي من أن تكون لي الدنيا وما فيها. عن عثمان بن أبي العاتكة قال: كان من أمر أبي مسلم الخولاني أن علق سوطاً في مسجده ويقول: أنا أولى بالسوط من الدواب، فإذا دخلته فترة مشق ساقه سوطاً أو سوطين. وكان يقول: لو رأيت الجنة عياناً ما كان عندي مستزاد، ولو رأيت النار عياناً ما كان عندي مستزاد. بلال بن كعب قال: ربما قال الصبيان لأبي مسلم الخولاني: ادع الله أن يحبس علينا هذا الطائر، فيدعو الله عز وجل فيحبسه، فيأخذوه بأيديهم. أدرك أبو مسلم أبا بكر وعمر، وأسند عن معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وتوفي في خلافة يزيد بن معاوية - كذا قال محمد بن سعد. وقال البخاري توفي في خلافة معاوية.

من الطبقة الثالثة

ومن الطبقة الثالثة: 746 - رجاء بن حيوة أبو المقدام الكندي عن مطر الوراق قال: ما رأيت شامياً أفضل من رجاء بن حيوة. أبو أسامة قال: كان ابن عون إذا ذكر من يعجبه ذكر رجاء بن حيوة. ابن عون قال: ثلاثة لم أر مثلهم كأنهم التقوا فتواصوا: ابن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، ورجاء بن حيوة بالشام. عبيد بن السائب قال: أنبأ أبي قال: ما رأيت أحداً أحسن اعتدالاً في صلاته من رجاء بن حيوة. عن عبد الرحمن بن عبد الله أن رجاء بن حيوة قال لرجلين وهو يعظهما: انظرا الأمر الذي تحبان أن تلقيا الله عز وجل عليه، فخذا فيه الساعة، وانظرا الأمر الذي تكرهان أن تلقيا الله عز وجل عليه فدعاه الساعة. أسند رجاء عن عبد الله بن عمرو، وأبي الدرداء، وأبي أمامة، ومعاوية، وجابر، وكان يصحب الخلفاء ويأمرهم بالمعروف. فلما مات عمر بن عبد العزيز انقطع عن صحبتهم. فسأله يزيد بن عبد الملك أن يصحبه فأبى واستعفاه. فقيل له: نخاف عليك من هؤلاء. فقال: يكفينهم الذي تركتهم له.

_ 746 - هو: رجاء بن حيوة -بفتح المهملة وسكون التحتانية وفتح الواو - الكندي، أبو المقدام، ويقال: أبو نصر، الفلسطيني، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة.

عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية

747 - عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: كان عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية خلاً لعبد الملك بن مروان، فلما مات عبد الملك بن مروان وتصدع الناس عن قبره وقف عليه فقال: أنت عبد الملك الذي كنت تعدني فأرجوك، وتوعدني فأخافك، أصبحت وليس معك من ملكك غر ثوبيك، وليس لك منه غير أربعة أذرع في عرض ذراعين. ثم انكفأ إلى أهله واجتهد في العبادة حتى صار كأنه شن بال فدخل عليه بعض أهله فعاتبه

_ 747 - هو: عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، صدوق من الثالثة، أرسل حديثا، مات على رأس المائة.

في نفسه وإضراره فقال للقائل: أسألك عن شيء تصدقني عنه؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن حالتك التي أنت عليها أترضاها للموت؟ قال: اللهم لا، قال: أفعزمت على انتقال منها إلى غيرها؟ قال: ما انتصحت رأيي في ذلك، قال: أفتأمن من أن يأتيك الموت على حالك التي أنت عليها؟ قال: اللهم لا، قال: حال ما أقام عليها عاقل. ثم انكفأ إلى مصلاه. روى عبد الرحمن عن ثوبان.

خالد بن معدان الكلاعي. يكنى أبا عبد الله

748 - خالد بن معدان الكلاعي. يكنى أبا عبد الله عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان قال: إياكم والخطران فإنه قد تنافق يد الرجل من سائر جسده. قيل: وما الخطران؟ قال: ضرب الرجل بيده إذا مشى. عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان قال: ما من عبد إلا وله أربع أعين: عينان في وجهه يبصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة، فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح عينيه اللتين في قلبه فيبصر بهما ما وعد بالغيب. قال: وهما غيب فآمن الغيب بالغيب، وإذا أراد الله بعبد غير ذلك تركه ما هو عليه ثم قرأ: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} محمد. عبد الله بن واقد، عن أم عبد الله، عن أبيها قال: خلقت القلوب من طين وإنها تلين في الشتاء. صفوان بن عمرو قال: كان خالد بن معدان إذا عظمت حلقته قام فانصرف. قلت لصفوان: ولم كان يقوم؟ قال: كان يكره الشهرة. أسند خالد بن معدان عن أبي عبيدة ومعاذ وعبادة وأبي ذر وغيرهم. محمد بن سعد قال: أنبأ يزيد بن هارون قال: مات خالد وهو صائم، قال ابن سعد: وتوفي سنة ثلاث ومائة وقال عفير بن معدان: توفي خالد سنة أربع ومائة، والسلام.

_ 748 - هو: خالد بن كعدان الكلاعي الحمصي، أبو عبد الله، ثقة عابد يرسل كثيرا من الثالثة، مات سنة ثلاث ومائة وقيل: بعد ذلك.

عبادة بن نسي الكندي

749 - عبادة بن نسي الكندي توفي سنة ثمان عشرة ومائة. عن رجاء قال: كان بين رجل وبين عبادة بن نسي منازعة فأسرع إليه الرجل فلقي رجاء بن

_ 749 - هو: عبادة بن نسي -بضم النون وفتح المهملة الخفيفة - الكندي أبو عمر الشامي، قاضي طبرية، ثقة فاضل، من الثالثة، مات سنة ثماني عشرة.

حيوة عبادة فقال: بلغني أن فلاناً كان منه إليك فأخبرني، فقال: لولا أن تكون غيبة مني لأخبرتك بما كان منه.

عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي

750 - عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي كان صاحب غزو من أهل دمشق. عن الأوزاعي قال: لم يكن بالشام رجل يفضل على عبد الله بن أبي زكريا. قال: عالجت لساني عشرين سنة قبل أن يستقيم لي. علي بن أبي جملة قال: قال عبد الله بن أبي زكريا الدمشقي: عالجت الصمت عما لا يعنيني عشرين سنة قبل أن اقدر منه على ما أريد. قال: وكان لا يدع أحداً يغتاب في مجلسه أحداً. يقول: إن ذكرتم الله أعناكم وإن ذكرتم الناس تركناكم. عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن عبد الله بن أبي زكريا كان يقول: لو خيرت بين أن أعمر مائة سنة في طاعة الله أو أن أقبض في يومي هذا أو في ساعتي هذه لاخترت أن أقبض شوقاً إلى الله عز وجل وإلى رسوله وإلى الصالحين من عباده. الوليد بن سليمان الدمشقي قال: سمعت أبي بكر يذكر قال: كان عبد الله بن أبي زكريا إذا خاض جلساؤه في غير ذكر الله كأنه ساه، وإذا خاضوا في ذكر الله كان من أحسن الناس استماعاً. أسند عبد الله عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء في آخرين، وتوفي سنة سبع عشرة ومائة.

_ 750 - هو: عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي، أبو يحي الشامي، واسم أبيه إياس، وقيل: زيد، ثقة فقيه عابد، من الرابعة، مات سنة تسع عشرة.

ومن الطبقة الرابعة

ومن الطبقة الرابعة: 751 - بلال بن سعد عبد الله بن المبارك قال: كان محل بلال بن سعد بالشام ومصر كمحل الحسن بالبصرة. الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد يقول: واحزناه على أني لا أحزن. الأوزاعي عن بلال بن سعد قال: إن الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا أهلها وإذا أظهرت فلم تغير ضرت العامة. عن الأوزاعي قال: سمعت بلالاً يقول: لا تكن ولياً لله تعالى في العلانية وعدوه في السر. قال: وسمعت بلالاً يقول في مواعظه: يا أهل الخلود ويا أهل البقاء، إنكم لم تخلقوا للفناء وإنما خلقتم للخلود والأبد، ولكنكم تنقلون من دار إلى دار. عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال: إن الله يغفر الذنوب، ولكن لا يمحوها من الصحيفة حتى يقفه عليها يوم القيامة وإن تاب. سعيد بن عمرو قال: قال بلال بن سعد: ذكرك حسناتك ونسيانك سيئاتك غرة. الأوزاعي قال: هلك ابن لبلال بن سعد فجاء رجل يدعي عليه ببضعة وعشرين ديناراً فقال له بلال: ألك بينة؟ قال: لا. قال: فلك كتاب؟ قال: لا. قال: فتحلف؟ قال: نعم. قال: فدخل منزله فأعطاه الدنانير، فقال: إن كنت صادقاً فقد أديت عن ابني، وإن كنت كاذباً فهي عليك صدقة. الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد يقول: رب مسرور مغبون يأكل ويشرب ويضحك وقد حق له في كتاب الله عز وجل أنه من وقود النار. الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد يقول: أخ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله خير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك ديناراً. عن الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد يقول: لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر من عصيت.

_ 751 - هو: بلال بن سعد بن تميم الأشعري، أو الكندي، أبو عمرو أو أبو زرعة، الدمشقي، ثقة عابد فاضل من الثالثة مات في خلافة هشام.

سعيد بن عبد العزيز قال: قال بلال بن سعد: الذك رذكران: ذكر لله عز وجل باللسان حسن جميل، وذكر الله أحل وحرم أفضل. الضحاك بن عبد الرحمن قال: سمعت بلال بن سعد يقول: يا أولي الألباب ليتفكر متفكر فيما يبقى له وينفعه، أما ما وكلكم الله عز وجل به فتضيعون، وأما ما تكفل لكم به فتطلبون، ما هكذا نعت الله عباده المؤمنين، أذوو عقول في طلب الدنيا وبله عما خلقتم له؟ فكما ترجون الله بما تؤدون من طاعته فكذلك أشفقوا من عذاب الله بما تنتهكون من معاصيه. قال: وسمعت بلال بن سعد يقول: عباد الله، اعلموا أنكم تعملون في أيام قصار لأيام طوال، وفي دار زوال لدار مقام، وفي دار نصب وحزن لدار نعيم وخلد، ومن لم يعمل على اليقين فلا يتعن، عباد الرحمن، هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئاً من أعمالكم تقبل منكم أو شيئاً من أعمالكم تغفر لكم؟. عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال: أدركتهم يشتدون بين الأغراض، ويضحك بعضهم إلى بعض فإذا كان الليل كانوا رهباناً. أسند بلال عن أبيه سعد بن تميم السكوتي وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله في آخرين.

عمير بن هانئ أبو الوليد الشامي

752 - عمير بن هانئ أبو الوليد الشامي قال البخاري: سمع من ابن عمر، وزعم آل عمير أنه أدرك ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. سعيد بن عبد العزيز قال: قلت لعمير بن هانئ: أرى لسانك لا يفتر من ذكر الله عز وجل فكم تسبح كل يوم؟ قال: مائة ألف إلا أن تخطئ الأصابع.

_ 752 - هو: عمير بن هانئ العنسي –بسكون النون ومهملتين - أبو الوليد الدمشقي الدارني، ثقة، من كبار الرابعة، قتل سنة سبع وعشرين وقيل: قبل ذلك.

أبو عبد رب واسمه عبيدة بن المهاجر

753 - أبو عبد رب واسمه عبيدة بن المهاجر عن ابن جابر أن أبا عبد رب كان من أكثر أهل دمشق مالاً فخرج إلى أذربيجان في تجارة فأمسى إلى جانب مرعى ونهر فنزل به. قال: فسمعت صوتاً يكثر حمد الله عز وجل في ناحية فاتبعه فرأيت رجلاً في حفير من الأرض، ملفوفاً في حصير، فسلمت عليه وقلت: من أنت؟

_ 753 - هو: الزاهد المفارق للمشاجر، المسابق للمتاجر، أبو عبد رب عبيدة بن مهاجر، انظر حلية الأولياء 5/183.

قال: رجل من المسلمين. فسألته أن يقوم معي إلى المنزل فأبى، فانصرفت وقد تقاصرت إلي نفسي ومقتها أني لم أخلف بدمشق رجلاً في العين يكاثرني وأنا ألتمس الزيادة فقلت: اللهم إني أتوب إليك من سوء ما أنا فيه، فبت ولم يعلم إخواني بما قد أجمعت عليه فلما كان السحر رحلوا فركبت دابتي وضربتها إلى دمشق فقال: ما أنا بصادق التوبة إن مضيت في متجري. قال ابن جابر: فلما قدم تصدق بصامت ماله وجهز به في سبيل الله عز وجل. قال ابن جابر فحدثني بعض إخواني قال: ما كست صاحب عباء بدانق من عباء أعطيته ستة وهو يقول: سبعة. فلما أكثرت قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل دمشق. قال ما تشبه شيخاً وفد علي أمس يقال له أبو عبد رب اشترى مني سبعمائة كساء بسبعة سبعة ما سألني أن أضع له درهماً وما زال يفرقها بين فقراء الجيش فما دخل إلى منزله منها بكساء. قال ابن جابر: وكان أبو عبد رب تصدق بصامت ماله وباع عقدة فتصدق بها، إلا داراً بدمشق ثم باعها بمال وفرقه. ثم مات فما وجدوا من ثمنها إلا قدر الكفن. وكان يقول: والله لو أن نهركم هذا سال ذهباً وفضة، من شاء خرج إليه فأخذ، ما خرجت إليه، ولو قيل: من مس هذا العود مات لسرني أن أقوم إليه شوقاً إلى الله عز وجل وإلى رسوله. أسند أبو عبد رب عن معاوية بن أبي سفيان.

ومن الطبقة الخامسة

ومن الطبقة الخامسة: أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني بقية قال: خرجنا إلى أبي بكر بن أبي مريم نسمع منه في ضيعته، وكانت كثيرة الزيتون، فخرج علينا نبطي من أهلها فقال لي: من تريدون؟ فقلنا: نريد أبا بكر بن أبي مريم فقال: الشيخ؟ فقلنا: نعم، فقال: ما في هذه القرية شجرة من زيتون إلا وقد قام إليها ليلته جمعاء. يزيد بن هارون قال: كان أبو بكر من العباد المجتهدين، فحضره الموت وهو صائم، فلم يزل يجهد حتى قشروا له تفاحة فأفطر عليها وقيل لامرأته ألا تفلين ثيابه؟ قالت: أية ساعة أفليها؟ ما يلقيها عنه ليلاً ولا نهاراً. تقول لاشتغاله بالصلاة. الحسن بن علي بن مسلم السكوني قال: كان لأبي بكر بن أبي مريم في خديه مسلكان من الدموع، يزيد بن عبد ربه قال: عدت أبا بكر بن أبي مريم وهو في النزع فقلت له: رحمك الله لو جرعت جرعة ماء. فقال بيده: لا ثم جاء الليل فقال: أذن؟ فقلت: نعم. فقطرنا في فمه قطرة ماء ثم مات، أسند أبو بكر عن عبد الله ابن بسر وغيره.

_ 754 - هو: أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي، وقد ينسب إلى جده قيل اسمه بكير، وقيل: عبد السلام، ضعيف، وكان قد سرق بيته فاختلط من السابعة مات سنة ست وخمسين.

يصاحب في سفره ولا يعان في حاجته، وركعتان يستن فيهما العبد خير من سبعين ركعة لا يستن فيها. أسند حسان عن أنس وشداد بن أوس، وأرسل عن ابن مسعود وأبي ذر وحذيفة في خلق كثير.

يصاحب في سفره ولا يعان في حاجته، وركعتان يستن فيهما العبد خير من سبعين ركعة لا يستن فيها. أسند حسان عن أنس وشداد بن أوس، وأرسل عن ابن مسعود وأبي ذر وحذيفة في خلق كثير.

حسان بن عطية يكنى ابا بكر

755 - حسان بن عطية يكنى أبا بكر عن الأوزاعي قال: ما رأيت أحداً أكثر عملاً منه في الخير. يعني حسان بن عطية. عن الأوزاعي قال: كان حسان بن عطية يتنحى إذا صلى العصر في ناحية المسجد، فيذكر الله عز وجل حتى تغيب الشمس. عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: من أطال قيام الليل يهون عليه طول القيام يوم القيامة. الأوزاعي قال: حدثني حسان قال: يعذب الله الظالم بالظالم ثم يدخلهما النار جميعاً. وحدثني حسان قال: إن العبد إذا عمل سيئة وقف الملك فلم يكتبها ثلاث ساعات، فإن لم يستغفر كتبت وإن استغفر لم تكتب. وإن الرجل إذا سافر يوم الجمعة دعي عليه أن لا

_ 755 - هو: حسان بن عطية المحاربي، مولاهم، أبو بكر الدمشقي، ثقة فقيه عابد، من الرابعة، مات بعد العشرين ومائة.

امية الشامى

756 - أمية الشامي عن سفيان بن عيينة قال: كان أمية رجلاً من أهل الشام يقوم فيصلي هناك مما يلي باب بني سهم، فينتحب ويبكي حتى يعلو صوته وحتى تسيل دموعه على الحصى. قال: فأرسل إليه الأمير: إنك تفسد على المصلين صلاتهم بكثرة بكائك وارتفاع صوتك، فلو أمسكت قليلاً. فبكى ثم قال: إن حزن يوم القيامة ورثني دموعاً غزاراً، فأنا أستريح إلى ذريها أحياناً. وكان أمية يقول: ألا إن المطيع لله ملك في الدنيا والآخرة. وكان يدخل الطواف فيأخذ في البكاء والنحيب، وربما سقط مغشياً عليه.

_ 757 - هو: أبو سليمان الداراني الإمام الكبير، زاهد العصر، أبو سليمان عبد الرحمن بن أحمد، وقيل: عبد الرحمن بن عطية، وقيل ابن عسكر العنسي الداراني، ولد في حدود الأربعين ومائة، انظر: سير أعلام النبلاء 8/472.

ومن الطبقة السادسة

ومن الطبقة السادسة: 757 - أبو سليمان الداراني واسمه عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العنسي، ودارياً قرية من قرى دمشق، وقيل ضيعة إلى جنب دمشق. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان عبد الرحمن بن أحمد العنسي يقول: مفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع، وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله، وإن الله يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب، وإن الجوع عنده في خزائن مدخرة، ولا يعطي إلا من أحب خاصة، ولأن أدع من عشائي لقمة أحب إلي من أن آكلها وأقوم أول الليل إلى آخره. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا، وما أحب البقاء في الدنيا لتشقيق الأنهار ولا لغرس الأشجار. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: سمعت أبا جعفر يبكي في خطبته

_ 757 - هو: أبو سليمان الداراني الإمام الكبير، زاهد العصر، أبو سليمان عبد الرحمن بن أحمد، وقيل: عبد الرحمن بن عطية، وقيل ابن عسكر العنسي الداراني، ولد في حدود الأربعين ومائة، انظر: سير أعلام النبلاء 8/472.

يوم الجمعة، فاستقبلني الغضب وحضرتني نية أن أقوم فأعظه بما أعرف من فعله إذا نزل. قال: فتفكرت أن أقوم إلى الخليفة فأعظه والناس جلوس يرمقوني بأبصارهم. فيعرض لي تزين فيأمر بي فأقتل على غير تصحيح. فجلست وسكت. قال أحمد: وسمعت أبا سليمان يقول: كنت بالعراق أعمل، وأنا بالشام أعرف. قال أحمد: فحدثت به ابنه سليمان فقال: إنما معرفة أبي بالله تعالى بالشام لطاعته بالعراق، ولو ازداد لله بالشام طاعة لازداد لله معرفة. ابن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: كل ما شغلك عن الله عز وجل من أهل ومال أو ولد فهو عليك مشوم. مسعود بن أبي جميل قال: سمعت أبا سليمان يقول: إنما عصى الله عز وجل من عصاه لهوانهم عليه، ولو كرموا عليه لحجزهم عن معاصيه. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: كلما ارتفعت منزلة القلب كانت العقوبة إليه أسرع. أحمد بن أبي الحواري قال: قال لي أبو سليمان: من أي وجه أزال العاقل اللائمة عمن أساء إليه؟ قلت: لا أدري، قال: من أنه قد علم أن الله تعالى هو الذي ابتلاه به. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول كنت ليلة باردة في المحراب فأفاقني البرد فخبأت إحدى يدي من البرد وبقيت الأخرى ممدودة، فغلبتني عيني فهتف بي هاتف: يا أبا سليمان قد وضعنا في هذه ما أصابها، ولو كانت الأخرى لوضعنا فيها ما أصابها. فآليت لا أدعو إلا ويداي خارجتان. أحمد بن أبي الحواري قال: قال لي أبو سليمان الداراني: يا أحمد إني محدثك بحديث فلا تحدث به أحداً حتى أموت: نمت ذات ليلة عن وردي فإذا أنا بحوراء تنبهني وتقول: يا أبا سليمان تنام وأنا أربى لك في الخدور منذ خمسمائة عام؟. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: بينا أنا ساجد إذ ذهب بي النوم فإذا أنا بها، يعني الحوراء، قد ركضتني برجلها فقالت: حبيبي أترقد عيناك والملك يقظان ينظر إلى المتهجدين في تهجدهم؟ بؤساً لعين آثرت لذة النوم على لذة مناجاة العزيز، قم فقد دنا الفراغ ولقي المحبون بعضهم بعضاً، فما هذا الرقاد؟ حبيبي وقرة عيني، أترقد عيناك وأنا أربي لك في الخدور منذ كذا وكذا؟ فوثبت فزعاً وقد عرقت استحياء من توبيخها إياي وإن حلاوة منطقها لفي سمعي وقلبي.

أحمد بن أبي الحواري يقول: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: ما ضرك في غرك إذا أعقبك ما سرك. موسى بن عمران قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: إن النفس إذا جاعت وعطشت صفا القلب ورق، وإذا شبعت ورويت عمي القلب. موسى بن عمران قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: ما يسرني أن لي من أول الدنيا إلى آخرها أنفقه في وجوه البر وأني أغفل عن الله عز وجل طرفة عين. عن أحمد بن أبي الحواري قال: قال سليمان الداراني: لو أن الدنيا كلها في لقمة ثم جاءني أخ لي لأحببت أن أضعها في فيه. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: إذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا تزحمها، وإذا كانت الدنيا في القلب لم تزحمها الآخرة، لأن الآخرة كريمة والدنيا لئيمة. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: من حسن ظنه بالله عز وجل ثم لا يخاف الله فهو مخدوع. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: أرجو أن أكون قد رزقت من الرضا طرفاً لو أدخلني النار لكنت بذلك راضياً. محمد بن هشام قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: يوحي الله عز وجل إلى جبريل عليه السلام: اسلب عبدي ما رزقته من لذة طاعتي فإن افتقدها فردها عليه، وإن لم يفتقدها فلا تردها عليه أبداً. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول في مناجاته: إنك إن طالبتني بشري طالبتك بكرمك، وإن أخذتني بذنوبي أتيتك بتوحيدك، وإن أسكنتني النار بين أعدائك لأخبرنهم بحبي لك. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: كنت أنظر إلى الأخ من إخواني بالعراق فأعمل على رؤيته شهراً. وسمعته يقول: إنما الأخ الذي تعظك رؤيته قبل أن يعظك بكلامه. أحمد بن أبي الحواري قال: بات أبو سليمان ذات ليلة فلما انتصف الليل قام ليتهيأ، فلما أدخل يده في الإناء بقي على حالته حتى انفجر الصبح، وكان وقت الإقامة. فخشيت أن تفوته الصلاة فقلت: الصلاة يرحمك الله. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم قال:

يا أحمد أدخلت يدي في الإناء فعارضني معارض من سري: هب أنك غسلت بالماء ما ظهر منك فبماذا تغسل قلبك؟ فبقيت متفكراً حتى قلت بالغموم والأحزان فيما يفوتني من الأنس بالله عز وجل. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: ما يسر العاقل أن الدنيا له منذ خلقت إلى أن تفنى، يتنعم فيها حلالاً لا يسأل عنه يوم القيامة وأنه حجب عن الله عز وجل ساعة واحدة، فكيف بمن حجب أيام الدنيا وأيام الآخرة؟. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: ربما مثل لي رأسي بين جبلين من نار، وربما رأيتني أهوي فيها حتى أبلغ قرارها وكيف تهنئ الدنيا من كانت هذه صفته؟ وسمعته يقول: إنما ارتفعوا بالخوف، فإن ضيعوا نزلوا وينبغي لعاقل وإن بلغ أعلى درجة أن يفزع قلبه بأسفل درجة من ذكر الموت والمقابر والبعث. وقلت لأبي سليمان إني قد غبطت بني إسرائيل. قال: بأي شيء ويحك؟ قلت: بثمانمائة سنة بأربعمائة ينن حتى يصيروا كالشنان البالية وكالأوتار. قال: ما ظننت إلا أنك قد جئت بشيء، لا والله لا يريد الله عز وجل منا أن تيبس جلودنا على عظامنا ولا يريد منا إلا صدق النية فيما عنده، هذا إذا صدق في عشرة أيام نال ما نال ذاك في عمره. وسمعت أبا سليمان، وذكر له رجل، فقال: لقد وقع على قلبي ولكن صف لي حاله. فقلت: إنه نشأ في الصوف والقرآن وأكل الملة. فقال: قد كنت أحب أن يكون ممن وجد طعم الدنيا ثم تركها، لأنه إذا وجد طعمها ثم تركها لم يغتر بها، وإذا كان ممن لم يجد طعمها لم آمن عليه إذا وجد طعمها أن يرجع إليها. وسمعت أبا سليمان يقول: لأهل الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، ولولا اللل ما أحببت البقاء في الدنيا. وسمعت أبا سليمان يقول: لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على لذة ما فاته من الطاعة فيما مضى، كان ينبغي له أن يبكيه حتى يموت. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: ما عمل داود عليه السلام عملاً قط كان أنفع له من خطيئته، ما زال منها خائفاً هارباً حتى لحق بربه عز وجل. قال: ورأيت أبا سليمان أراد أن يلبي فغشي عليه. فلما أفاق قال: يا أحمد بلغني أن الرجل إذا حج من غير حله فقال: لبيك اللهم لبيك، قال له الرب: لا لبيك ولا سعديك حتى ترد ما في يديك، فما يؤمنني أن يقال لي هذا؟ ثم لبى.

وسمعت أبا سليمان يقول: أقمت عشرين سنة لم أحتلم. فدخلت مكة فأحدثت بها حدثاً، فما أصبحت حتى احتلمت. فقلت له: فأي شيء كان ذلك الحدث؟ قال: تركت صلاة العشاء في المسجد الحرام في الجماعة، والاحتلام عقوبة. وسمعته يقول: حيل بيني وبين قيام الليل - قال أحمد: كان الذكر يغلب عليه - وإني لأمرض فأعرف الذنب الذي أمرض به. وسمعته يقول: ما حجوا ولا رابطوا ولا جاهدوا إلا فراراً من البيت، وما يرون ما تقر به أعينهم إلا في البيت. أحمد بن أبي الحواري قال: قال أبو سليمان: لو اجتمع الخلق جميعاً على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي ما قدروا على ذلك. أحمد بن أبي الحواري قال: قال أبو سليمان الداراني: من صفي صفي له ومن كدر كدر عليه. أخبرنا ابن ناصر قال: أنبأ علي بن خلف قال: أنبأ أبو عبد الرحمن السلمي قال: أنبأ عبد الله بن محمد الرازي قال أنبأ إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي. قال: سمعت أبا سليمان يقول: من أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن صدق في ترك الشهوة ذهب الله بها من قلبه، والله أكرم من أن يعذب قلباً بشهوة تركت له. الجنيد قال: قال أبو سليمان الداراني: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: وقد دخلت عليه وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال لي: يا أحمد ولم لا أبكي، وإذا جن الليل ونامت العيون، وخلا كل حبيب بحبيبه، وافترش أهل المحبة أقدامهم، وجرت دموعهم على خدودهم، وقطرت في محاريبهم، أشرف الجليل سبحانه، فنادى جبريل عليه السلام بعيني من تلذذ بكلامي، فلم لا ينادي فيهم ما هذا البكاء؟ هل رأيتم حبيباً يعذب أحبابه؟ أم كيف يجمل بي أن أعذب قوماً إذا جنهم الليل تملقوني، فبي حلفت إذا وردوا علي القيام لأكشفن لهم عن وجهي الكريم حتى ينظروا إلي وأنظر إليهم. أحمد بن أبي الحواري قال: قال لي أبو سليمان: ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يفت لك، ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد، ولا خير في قلب يتوقع قرع الباب يتوقع إنساناً يجيئه يعطيه شيئاً.

قال: وقلت لأبي سليمان: سهرت ليلة في ذكر النساء إلى الصباح. قال: فتغير وجهه وغضب علي وقال: ويحك أما استحييت منه؟ يراك ساهراً في ذكر النساء؟ ولكن كيف تستحيي ممن لا تعرف. قال: وسمعت أبا سليمان يقول: إذا لذت لك القراءة فلا تركع ولا تسجد، وإذا لذ لك السجود فلا تركع ولا تقرأ، الزم الأمر الذي يفتح لك فيه. وسمعت أبا سليمان يقول: من كان يومه مثل أمس فهو في نقصان وسمعت أبا سليمان يقول: ما أتي من إبليس وقارون وبلعم إلا أن أصل نياتهم غش فرجعوا إلى الغش الذي في قلوبهم، والله أكرم من أن يمن على عبد بصدق ثم يسلبه إياه. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: إذا ذكرت الخطيئة لم أحب الموت وقلت: أبقى لعلي أتوب. أبو عمران، موسى بن عيسى الجصاص قال: قال أبو سليمان رد سبيل العجب بمعرفة النفس، وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخلطاء، وتعرض لرقة القلب بمجالسة أهل الخوف، واستجلب نور القلب بدوام الحزن، والتمس باب الحزن بدوام الفكرة، والتمس وجوه الفكرة في الخلوات، وتحرز من إبليس بمخالفة هواك، وتزين الله بالإخلاص والصدق في الأعمال، وتعرض للعفو بالحياء منه والمراقبة، واستجلب زيادة النعم بالشكر، واستدم النعم بخوف زوالها، ولا عمل كطلب السلامة، ولا سلامة كسلامة القلب، ولا عقل كمخالفة الهوى، ولا فقر كفقر القلب، ولا غنى كغنى النفس، ولا قوة كرد الغضب، ولا نور كنور اليقين، ولا يقين كاستصغار الدنيا، ولا معرفة كمعرفة النفس، ولا نعمة كالعافية من الذنوب، ولا عافية كمساعدة التوفيق، ولا زهد كقصر الأمل، ولا حرص كالمنافسة في الدرجات، ولا طاعة كأداء الفرائض، ولا تقوى كاجتناب المحارم، ولا عدم كعدم العقل، ولا فضيلة كالجهاد، ولا جهاد كمجاهدة النفس، ولا ذل كالطمع، ومن لم يحسن رعاية نفسه أسرع به هواه إلى الهلكة، ولا ينفع الهالك نجاة المعصوم، ومرارة التقوى اليوم حلاوة في ذلك اليوم، والهالك من هلك في آخر سفره وقد قارب المنزل، والخاسر من أبدى للناس صالح عمله وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: وسأله رجل فقال: يا أبا سليمان

ما أقرب ما تقرب به إليه؟ ثم قال: مثلي يسأل عن هذا؟ أقرب ما تقرب به إليه أن يطلع من قلبك على أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو. وسمعت أبا سليمان يقول: ربما أقمت في الآية الواحدة خمس ليال ولولا أني أدع الفكر فيها ما جزتها أبداً ولربما جاءت الآية من القرآن تطير العقل فسبحان الذي رده إليهم، قال أحمد: وقلت لأبي سليمان: إن فلاناً وفلاناً لا يقعان على قلبي. قال: ولا على قلبي، ولكن لعلنا أتينا من قلبي وقلبك فليس فينا خير وليس نحب الصالحين. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: إذا اعتقدت النفوس ترك الآثام جالت في الملكوت وعادت بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علماً. قلت سمع أبو سليمان الداراني الحديث الكثير ولقي سفيان الثوري وغيره، ولكنه اشتغل بالتعبد عن الرواية إلا أنني وجدت له ثلاثة أحاديث مسندة: الحديث الأول: أبو سليمان الداراني قال: سمعت علي بن الحسن بن أبي الربيع الزاهد يقول: سمعت إبراهيم ابن أدهم يذكر عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى قبل الظهر أربعاً غفر له ذنوب يومه ذلك" 1. قال الخطيب: لا أحفظ لأبي سليمان حديثاً مسنداً غيره. الحديث الثاني: أبو سليمان الداراني قال: أنبأ علي بن الحسن بن أبي الربيع قال حدثنا إبراهيم بن أدهم قال: سمعت محمد بن عجلان يذكر عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تواضع لله عز وجل رفعه الله" 2. الحديث الثالث: أبو سليمان الداراني قال: حدثني شيخ بساحل دمشق يقال له علقمة بن يزيد بن سويد الأزدي قال: حدثني أبي عن جدي سويد بن الحارث قال: وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة من قومي، فلما دخلنا عليه وكلمنا أعجبه ما رأى من سمتنا وزينا. فقال: "ما أنتم؟ " قلنا مؤمنون، فتبسم وقال: "إن لكل قول حقيقة فما حقيقة قولكم وإيمانكم؟ " قال سويد: قلنا خمس عشرة خصلة: خمس منها أمرتنا رسلك أن نؤمن بها، وخمس منها أمرتنا رسلك أن نعمل بها، وخمس منها تخلفنا بها في الجاهلية، فنحن عليها إلا أن تكره منها

_ 1 أخرجه ابن أبي شيبة 11/42 - 43 وانظر إتحاف السادة 9/327 وكنز العمال 36989. 2 ضعيف: أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 8/48 رقم 11339 والتبريزي في مشكاة المصابيح رقم 5119 ومجمع الزوائد 8/82 والخطيب في تاريخ بغداد 2/110.

شيئاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما الخمس التي أمرتكم رسلي أن تؤمنوا بها؟ " قلنا: أمرتنا رسلك أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت. قال: "وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها؟ " قلنا: أمرتنا رسلك أن نقول: لا إله إلا الله ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونصوم رمضان ونحج البيت من استطاع إليه سبيلا. قال: "وما الخمس التي تخلقتم بها أنتم في الجاهلية؟ " قلنا: الشكر عند الرجاء، والصبر عند البلاء، والصدق في مواطن اللقاء، والرضا بمر القضاء، والصبر عند شماتة الأعداء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "علماء حكماء كادوا من صدقهم أن يكونوا أنبياء". ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وأنا أزيدكم خمساً فتتم لكم عشرون خصلة: إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه تزولون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون، وارغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون". قال أبو سليمان: وقال لي علقمة بن يزيد: فانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظوا وصيته وعملوا بها، ولا والله يا أبا سليمان ما بقي من أولئك النفر ولا من أولادهم أحد غيري. قال وما بقي إلا أيام قلائل ثم مات رحمه الله. توفي أبو سليمان الداراني سنة خمس ومائتين وقال أبو عبد الرحمن السلمي سنة خمس عشرة. والأول أصح.

عبد العزيز بن عمير

758 - عبد العزيز بن عمير أصله من خراسان لكنه سكن دمشق. أحمد بن محمد بن أبي موسى الأنطاكي قال: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: سمعت عبد العزيز بن عمير يقول: ترى نور الجلال عليهم وأثر الخدمة بين أعينهم. ثم قال عبد العزيز: إن الرجل لينقطع إلى بعض ملوك أهل الدنيا فيرى أثره عليه، فكيف بمن ينقطع إلى الله عز وجل كيف لا يرى أثره عليه. قال أحمد بن وديع: سمعت عبد العزيز بن عمير يقول: الصيام سجن المؤمن عن الدنيا. أبو خزيمة قال: سمعت عبد العزيز بن عمير يقول: النفس أمارة بالسوء، فإذا جاء العزم من الله عز وجل كانت هي التي تنازعك إلى الخير.

مروان بن محمد

759 - مروان بن محمد أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت مروان بن محمد يقول: إني أخبرك بشيء يا أحمد ما كلمت به أحداً قط قبلك: ما أنا لشيء أخوف مني من أن يختم لي بكفر.

ومن الطبقة السابعة

ومن الطبقة السابعة: 760 - مضاء بن عيسى أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت مضاء بن عيسى يقول: خف الله يلهمك، واعمل له لا يلجئك إلى دليل. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت مضاء بن عيسى يقول: إذا وصلوا إليه لم يرجعوا عنه، إنما رجع من رجع من الطريق. قاسم الجوعي قال: سمعت مضاء بن عيسى يقول: من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه، ومن أحب شيئاً آثره على غيره. أسند مضاء عن شعبة. وسمع من غيره رضي الله عنه.

_ 760 - هو: مضاء بن عيسى الشامي، كان من العاملين، اجتذبه الحب، واستلبه الخوف، انظر حلية الأولياء 9/338.

أبو كريمة العبدي

761 - أبو كريمة العبدي عيسى بن الهذيل قال: سمعت أبا كريمة، وكان من عباد أهل الشام، يقول: ابن آدم ليس لما بقي من عمرك ثمن.

_ 762 - هو: بشير الطبري، سكن الشام، كان محفوظا فيما امتحن مستسلما فيما ابتلي به، انظر حلية الأولياء 10/135.

بشير الطبري

762 - بشير الطبري سكن الشام أبو عمرو الكندي قال: أغارت الروم على جواميس لبشير الطبري نحواً من أربعمائة جاموس، فركبت معه أنا وابن له فلقينا عبيده الذين كانت معهم الجواميس معهم عصيهم فقالوا: يا مولانا ذهبت الجواميس فقال: وأنتم أيضاً اذهبوا معها فأنتم أحرار لوجه الله تعالى. فقال له ابنه: يا أبه أفقرتنا. قال: اسكت إن ربي اختبرني فأردت أن أزيده.

_ 762 - هو: بشير الطبري، سكن الشام، كان محفوظا فيما امتحن مستسلما فيما ابتلي به، انظر حلية الأولياء 10/135.

ومن الطبقة الثامنة

ومن الطبقة الثامنة: 763 - القاسم بن عثمان الجوعي أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت القاسم الجوعي الكبير يقول: شبع الأولياء بالمحبة عن الجوع ففقدوا لذاذة الطعام والشهوات ولذات الدنيا لأنهم تلذذوا بلذة ليس فوقها لذة فقطعتهم عن كل لذة، وإنما سميت قاسماً الجوعي لأن الله تعالى قواني على الجوع، فلو تركت ما تركت ولم أوت بالطعام لم أبال رضت نفسي حتى لو تركت شهراً وما زاد لم تأكل ولم تشرب، لم تبال، أنا عنها راض أسوقها حيث شئت، اللهم أنت فعلت بي ذلك فأتمه علي. أحمد بن عبد الله الحافظ قال: كان القاسم يقول: حب الرياسة أصل كل موبقة، وقليل العمل مع المعرفة خير من كثير العمل بلا معرفة، ورأس الأعمال الرضا عن الله عز وجل والورع عماد الدين، والجوع مخ العبادة، والحصن الحصين ضبط اللسان. سعيد بن عبد العزيز الحلبي قال: سمعت قاسماً الجوعي يقول: أصل الدين الورع، وأفضل العبادة مكابدة الليل، وأفضل طرق الجنة سلامة الصدر. عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي قال: دخلت دمشق على كتبة الحديث فمررت بحلقة قاسم الجوعي فرأيت نفراً جلوساً حوله وهو يتكلم عليهم، فهالني منظرهم، فتقدمت إليه فسمعته يقول: اغتنموا من زمانكم خمساً: إن حضرتم لم تعرفوا، وإن غبتم لم تفتقدوا، وإن شهدتم لن تشاوروا وإن قلتم شيئاً لم يقبل قولكم، وإن عملتم شيئاً لم تعطوا به. أوصيكم بخمس أيضاً، إن ظلمتم لم تظلموا، وإن مدحتم لم تفرحوا، وإن ندمتم لم تجزعوا، وإن كذبتم فلا تغضبوا، وإن خانوكم فلا تخونوا. قال: فجعلت هذا فائدتي في دمشق. أسند قاسم عن سفيان بن عيينة وغيره.

_ 763 - هو: الجوعي، الإمام، القدوة الولي المحدث، أبو عبد الملك القاسم بن عثمان العبدي الدمشقي، شيخ الصوفية انظر: سير أعلام النبلاء 10/79.

أحمد بن أبي الحواري

764 - أحمد بن أبي الحواري يكنى أبا الحسن. واسم أبي الحواري: ميمون، سكن دمشق وكان له ابن يقال له عبد

_ 764 - هو: أحمد بن عبد الله بن ميمون بن العباس بن الحارث التغلبي –بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام - يكنى أبا الحسن بن أبي الحواري - بفتح المهملة والواو الخفيفة وكسر الراء - ثقة زاهد، من العاشرة، مات سنة ست وأربعين.

الله من الزهاد، وأخ يقال له محمد يشبهه في الورع والزهد. وأبوه أبو الحواري من أهل الورع أيضاً. فبيتهم بيت الورع والزهد. وكان الجنيد يقول: أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام. يحيى بن معين، وذكر أحمد بن أبي الحواري فقال: أظن أهل الشام يسقيهم الله الغيث به. محمود بن خالد، وذكر أحمد بن أبي الحواري فقال: ما أظنه بقي على وجه الأرض مثله. العباس بن حمزة قال: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: من أحب أن يعرف بشيء من الخير أو يذكر به فقد أشرك في عبادته، ومن عبد على المحبة لا يحب أن يرى خدمته سوى محبوبه. وقال: إني لأقرأ القرآن فأنظر في آية آية فيحار عقلي فيها فأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الرحمن؟ أما لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحاً بما رزقوا. العباس بن حمزة قال: قال أحمد بن أبي الحواري: كلما ارتفعت منزلة القلب كانت العقوبة إليه أسرع. أسند أحمد بن أبي الحواري عن حفص بن غياث وأبي معاوية ووكيع ونظرائهم. وتوفي في سنة ثلاثين ومائتين.

محمد بن سمرة السائح

765 - محمد بن سمرة السائح يوسف بن أسباط قال: كتب إلي محمد بن سمرة السائح بهذه الرسالة: أي أخي، إياك وتأمير التسويف على نفسك وإمكانه من قلبك فإنه محل الكلال وموئل التلف، وبه تقطع الآمال وفيه تنقطع الآجال، فإنك إن فعلت ذلك أدلته من عزمك فاجتمع وهواك عليك فغلبا واسترجعا من بدنك من السآمة ما قد ولي عنك، فعند مراجعته إياك لا تنتفع نفسك من بدنك بنافعة، وبادر يا أخي فإنك مبادر بك، وأسرع فإنك مسروع بك، وجد فإن الأمر جد، وتيقظ من رقدتك وانتبه من غفلتك، وتذكر ما أسلفت وقصرت، وأفرطت وجنيت وعملت فإنه

مثبت محصي، وكأنك بالأمر قد بغتك فاغتبطت بما قدمت وندمت على ما فرطت، فعليك بالحياء والمراقبة والاعتزال وقلة الملاقاة. فإن السلامة في ذلك موجودة - وفقنا الله وإياك لأرشد الأمور ولا قوة بنا وبك إلا بالله وصلى الله على سيدنا محمد نبينا وعلى آله الطاهرين.

أبو عباد الشامي

766 - أبو عباد الشامي إبراهيم بن منصور بن عمار قال: سمعت أبي يقول: قال لي رجل بالشام: يا أبا السري عندنا رجل من العباد من أهل واسط العراق لا يأكل إلا من كد يديه، وقد دبرت من سف الخوص صفحة يديه ولو رأيته لوقذك النظر إليه، فهل لك أن تمضي بنا إليه؟ قلت: نعم فأتيناه فدققنا عليه بابه فخرج إلى الباب فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك ممن جاء ليشغلني عما أتلذذ به من مناجاتك، ثم فتح الباب فدخلنا فإذا رجل ترى به الآخرة، وإذا قبر محفور ووصيته قد كتبها في الحائط، وكساؤه قد أعده لكفنه. فقلت أي موقف لهذا الخلق؟ فقال: بين يدي من؟ قال: ثم صاح وخر لوجهه. ثم أفاق من غشيته فقال له صاحبي: يا أبا عباد هذا أبو السري منصور بن عمار، فقال لي: مرحباً يا أخي ما زلت إليك مشتاقاً. أعلمك أن بي داء قد أعيا المتطببين قبلك قديماً، فهل لك أن تتأتى له برفقك وتلصق عليه بعض مراهمك لعل الله أن ينفع بك؟. قال: قلت: وكيف يعالج مثلي مثلك وجري أنغل من جرحك؟ قال: وإن كان كذلك فإني مشتاق إلى ذلك. قال: قلت: إن كنت تمسكت باحتفار قبرك في بيتك وبوصية رسمتها بعد وفاتك وبكفن أعددته ليوم موتك، فإن لله عز وجل عباداً اقتطعهم خوفه عن النظر إلى قبورهم. قال: فصاح صيحة ووقع في قبره، وجعل يفحص برجليه، وبال فعرفت ذهاب عقله. فخرجت إلى طحان على بابه فقلت ادخل فأعنا على هذا الشيخ، فاستخرجناه من قبره وهو في غشيته فقال لي الطحان: ويحك ما صنعت؟ فخرجت وتركته صريعاً، فلما كان الغد عدت إليه فإذا بسلخ في وجهه، وإذا بشريط قد شد به رأسه لصداع وجده. فلما رآني قال: يا أبا السري المعاودة رحمك الله، فقلت له: أين بلغت أيها المتعبد من أحزانك بالله؟ لكأني أنظر إلى آكل الفطير والصابر على خبز الشعير، يأكل ما اشتهى ويسعى عليه بلحم طير، ويسقى من الرحيق المختوم فشهق شهقة فحركته فإذا هو قد فارق الدنيا.

علي بن الفتح الحلبي

767 - علي بن الفتح الحلبي أبو زرعة الدمشقي قال: خرج علي بن الفتح الحلبي يوم النحر، فرأى الناس يتقربون إلى الله تعالى. فقال: يا رب أرى الناس يتقربون إليك بألوان الذبائح وإني تقربت إليك بحزني، ثم غشي عليه فأفاق، ثم قال: إلهي، إلى متى ترددني في دار الدنيا محزوناً؟ فاقبضني إليك. فوقع من ساعته ميتاً.

علي بن عبد الحميد الغضائري

768 - علي بن عبد الحميد الغضائري محمد بن الحسن اليقطيني، ومحمد بن إبراهيم، يقولان: سمعنا علي بن عبد الحميد الغضائري يقول: دققت على السري بن مغلس بابه فسمعته يقول: اللهم من شغلني عنك فاشغله بك عني. فكان من بركة دعائه أني حججت من حلب ماشياً على قدمي أربعين عاماً. وكان يعد من الأبدال. أسند الغضائري الحديث عن سوار بن عبد الله.

_ 768 - هو: الغضائري، الإمام الثقة العابد، أبو الحسن، علي بن عبد الحميد بن عبد الله بن سليمان الغضائري، محدث حلب ومسند الشام، توفي في شوال سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، انظر سير أعلام النبلاء 11/400.

جابر الرحبي

769 - جابر الرحبي أبو جعفر الخصاف قال: حدثني جابر الرحبي قال: أكثر علي أهل الرحبة ينكرون علي ما يعطي الله عز وجل أولياءه، فخرجت إلى خارج فركبت السبع ودخلت إلى الرحبة وأنا أقول: أين الذين يكذبون أولياء الله عز وجل؟ فكفوا عني بعد ذلك. وقال أبو جعفر الخصاف: قال لي جابر يوماً وأنا أماشيه مر بنا نتسابق، مر أنت هكذا حتى أمر أنا هكذا. قال: فمررت أنا على الجسر. فلما حصلت على الجسر التفت فإذا هو يمشي على الماء. فلما التقينا قلت: من لا يحسن مثل هذا؟ أمشي أنا على الجسر وتمشي أنت على الماء. قال: فقال: وقد رأيتني؟ قلت: نعم. قال: أنت رجل صالح.

_ 769 - هو: جابر الرحبي، له الأحوال الرفيعة، والألطاف البديعة، انر حلية الأولياء 10/174.

أبو عبيد البسري

770 - أبو عبيد البسري وبسرى فوق دمشق، عن محمد، غلام أبي عبيد، قال: ودعت أبا عبيد حين أردت

الحج. فقال لي: معك شيء؟ قلت: لا، ليس معي غير هذه الركوة. فقال: إذا أردت شيئاً أو جعت أو عطشت فصل ركعتين واجعلها على يمينك، فإذا سلمت رأيت كل ما تحب، قال: فجئت إلى بعض المنازل وليس فيه ماء، والناس يصيحون: العطش. فقلت في نفسي: قد قال أبو عبيد ما قال وهو صادق. فأخذت الركوة فرميت بها في مصنع وصليت ركعتين، فما سلمت إلا والرياح تذهب بها وتجيء على رأس الماء. فنزلت فأخذت الركوة ثم صحت بالناس فجاءوا واستقوا حتى رووا. أبو بكر بن معمر قال: سمعت ابن أبي عبيد البسري يحدث عن أبيه أنه غزا سنة من السنين، فخرج في السرية. فمات المهر الذي كان تحته وهو في السرية فقال: يا رب أعرنا إياه حتى نرجع إلى بسرى يعني قريته. فإذا المهر قائم. قال: فلما غزا ورجع إلى بسرى، قال: يا بني خذ السرج عن المهر. قال: قلت يا أبه هو عرق. فقال لي: يا بني هو عارية فلما أخذت السرج وقع المهر ميتاً. أبو زرعة قال: كان أبو عبيد البسري بعرفة وإلى جانبه ابنه. فقال له: يهنئك الفارس، فقال له: يا أبه وأي فارس؟ فقال له: ولد لك الساعة غلام، فلما صرنا إلى بسرى وجدت زوجتي قد ولدت غلاماً يوم عرفة. عبد الله غلام لأبي عبيد قال: كنت معه يوماً قاعداً بدمشق أنا وجماعة من إخوانه، إذ مر رجل على دابة وخلفه غلام له يعدو، وقدامه بيده غاشية. فلما حاذى أبا عبيد قال: اللهم أعتقني وأرحني منه. ثم قال: ادع الله عز وجل لي. فقال أبو عبيد: اللهم أعتقه من النار ومن الرق. فعثرت الدابة بمولاه فسقط إلى الأرض. فالتفت إلى الغلام وقال له: أنت حر لوجه الله عز وجل. قال: فرمى بالغاشية إليه وقال: يا مولاي أنت لم تعتقني وإنما أعتقني هؤلاء. فصحب أصحابنا وتوفي بينهم. ابن أبي حسان قال: قال لي أبو عبيد البسري يوماً: يا أبا حسان ما غمي ولا أسفي إلا أن يجعلني مما عفا عنه. فقلت: يا أخي، الخلق على العفو تذابحوا. فقال: أجل. ولكن أي شيء اقبح بشيخ مثلي يوقف غداً بين يدي الله عز وجل، فيقال له: شيخ سوء كنت، اذهب فقد عفوت عنك؟ إنما أنا أملي في الله عز وجل أن يهب لي كل من أحبني.

أبو بكر الهلالي

771 - أبو بكر الهلالي محمد بن علي الصوري قال: سمعت أبا القاسم الحسن بن عبد الله بن أحمد بن هاشم الشيخ الصالح قال: سمعت أبا بكر الهلالي يقول: من عني بمجاهدة الأسرار اشتغل عن الحكايات والأخبار. وسمعته يقول، رموا بهممهم إلى أعلى الفضائل، وضيعوا الفرائض، فلا إلى هممهم وصلوا، ولا قاموا بقليل ما به وكلوا، ومن قام بقليل ما وكل به اؤتمن على الكثير، ومن لم يقم بقليل ما وكل به لم يؤتمن على قليل ولا كثير. وسمعته يقول: وأشار إلى شجرة في منزله فقال: هذه الشجرة ما نظرت إليها نظرة فرجع طرفي إلا بعقوبة أو توبيخ في سري، يقال لي: تكون بين أيدينا وتنظر إلى سوانا؟. وسمعته يقول: كنت أتمنى على الله أن يريني أبا العباسي الخضر عليه السلام. فلما كان بعد مدة إذا أنا بالباب يدق علي. فقلت: من هذا؟ فقال لي: أنا الذي تتمناني على الله عز وجل أنا لاخضر. فقلت له: الذي طلبناك له قد وجدناه. ارجع إلى حال سبيلك.

ذكر المصطفين من عباد بيت المقدس

ذكر المصطفين من عباد بيت المقدس 772 - إدريس بن أبي خولة الأنطاكي عمر بن واصل، عن سهل بن عبد الله قال: مرض رجل من أولياء الله عز وجل مرضاً مشكلاً. فكان الناس إذا رأوه قالوا: به جنة فأكثر عليه القول فلما عظم كلام من تكلم في أمره قالوا له: نعالجك؟ فقال لهم: يا قوم اعلموا أن لي طبيباً إن سألته داوى كل عليل، لكني أنا لا أسأله أن يداويني، فقيل له: ولم ذاك وأنت تحتاج إلى الدواء؟ فقال: أخشى إن برأت من هذه العلة طغيت. فقيل له: فإن لنا مجنوناً فسل طبيبك هذا أن يداويه. فقال: نعم إيتوني به، فأتوه برجل في عنقه غل عظيم ويداه مشدودة إلى عنقه في قيد ثقيل، قد استمكنت منه العلة. فقال لهم: خلوني معه. فعمد جهال القوم إلى يده فحلواها وأدخلوه معه في البيت الذي كان فيه، وأغلقوا عليه الباب وهم يظنون أن سيفضي إليه بمكروه، فلما كان بعد ساعة صاحوا به فأجابهم وخرج إليهم وكلمهم كلام عاقل وهو يبكي بكاء شديداً. فقالوا له: خبرنا بقصتك وما كان، فقال: دخلت على هذا الرجل وأنا على ما قد علمتم من علتي لا أعقل شيئاً كما رأيتموني، فقربني منه وأدناني وجعل يده على صدري والأخرى على رأسي، فأحسست بطعم البرء يدب في جسمي حتى زال ما بي. فقالوا له: ادخل معنا إليه فسله يدعو الله عز وجل لنا، فدخل مع القوم إليه فلم يجدوه في البيت وستره الله عز وجل عنهم، فمن عقل منهم عظمت ندامته وكثر أسفه. قال سهل: وهذا الرجل من بيت المقدس يقال له إدريس بن أبي خولة الأنطاكي.

عبد العزيز المقدسي

773 - عبد العزيز المقدسي أبو بكر بن شاذان قال: سمعت عبد العزيز المقدسي يقول: وكان من الأبدال: لما بلغت الحلم أخذت على نفسي أن أروضها وأمنعها من الآثام واستوفقت الله تعالى فوفقني، واستعنت به فأعانني. ولقد حاسبت نفسي من يوم بلوغي إلى يومي هذا فإذا زلاتي لا تجاوز ستة وثلاثين زلة. ولقد استغفرت الله عز وجل لكل زلة مائة ألف مرة، وصليت لكل زلة ألف ركعة، ختمت في كل رجعة منها ختمة، وإني مع ذلك غير آمن سطوة ربي عز وجل أن يأخذني بها وأنا على خطر قبول التوبة.

ذكر المصطفين من العباد المقدسيين المجهولين الأسماء

ذكر المصطفين من العباد المقدسيين المجهولين الأسماء 774 - عباد ثلاثة بشر بن بشار المجاشعي، وكان من العابدين، قال: لقيت عباداً ثلاثة ببيت المقدس، فقلت لأحدهم: أوصني قال: ألق نفسك مع القدر حيث ألقاك، فهو أحرى أن يفرغ قلبك ويقل همك، وإياك أن تسخط ذلك فيحل بك السخط وأنت منه في غفلة لا تشعر به. وقلت للآخر: أوصني، قال: ما أنا بمستوص فأوصيك - قلت: على ذاك عسى الله عز وجل أن ينفع بوصيتك. قال: أما إذ أبيت إلا الوصية فاحفظ عني: التمس رضوانه في ترك مناهيه فهو أوصل لك إلى الزلفى لديه. قال: فقلت للآخرة: أوصني فبكى واستحر سفحاً للدموع ثم قال: أي أخي لا تبتغ من أمرك تدبيراً غير تدبيره فتهلك فيمن هلك، وتضل فيمن يضل. 775 - عباد سبعة أحمد بن محمد الصوفي قال: قال لي أستاذي أبو عبد الله بن أبي شيبة: كنت ببيت المقدس وكنت أحب أن أبيت في المسجد وما كنت أترك. فلما كان في بعض الأيام بصرت في الرواق بحصر قائمة، فلما أن صليت العتمة وراء الإمام أتيت الحصر فاختبأت وراءها، وانصرف الناس والقوام، ثم خرجت إلى الصحن فلما سمعت غلق الأبواب وقعت عيني على المحراب فنظرت إليه وقد انشق ودخل منه رجل وثاني وثالث إلى أن تم سبعة واصطف القوم وزال عقلي، فلم أزل واقفاً في موضعي شاخصاً زائل العقل إلى أن انفجر الصبح فخرج القوم على الطريق الذي دخلوا. 776 - عابد آخر كلاب بن جري قال: رأيت شاباً ببيت المقدس قد عمش من طول البكاء، فقلت له: يا فتى كم تكون العين سليمة على هذا البكاء؟ قال: فبكى ثم قال: كما شاء ربي فلتكن، وإذا شاء سيدي فلتذهب فليست أكرم علي من بدني، إنما أبكي رجاء السرور والفرح في الآخرة، وإن تكن الأخرى فهو والله شقاء الدهر وحزن الأبد والأمر الذي كنت أخافه وأحذره على نفسي، وإني احتسبت على الله عز وجل غفلتي عن نفسي وتقصيري عن حظي، ثم غشي عليه.

777 - عابد آخر عباد بن عباد، أبو عتبة الخواص، قال: رأيت شيخاً في مسجد بيت المقدس كأنه قد احترق بالنار، عليه مدرعة سوداء، وعمامة سوداء، طويل الصمت، كريه المنظر، كثير الشعر، شديد الكآبة. فقلت: رحمك الله لو غيرت لباسك هذا، فقد علمت ما في البياض. فبكى ثم قال: هذا أشبه بلباس أهل المصيبة، فإنما أنا وأنت في الدنيا في حداد، وكأني بي وبك قد دعينا. قال: فما تم كلامه حتى غشي عليه. 778 - عابد آخر أبو مدرك عثمان بن وكيع العبدي قال: جاء رجل إلى بيت المقدس فمد كساءه في ناحية المسجد فكان فيه الليل والنهار، طعيمه خلف ذلك الكساء الذي قد مده. قال: فيبيت ليله أجمع يصلي فإذا طلع الفجر مد بصوت له: عند الصباح يغبط القوم السرى. قال: وكان يقال له: ألا ترفق بنفسك؟ فيقول: إنما هي نفسي أبادرها أن تخرج. 779 - عابد آخر ذو النون قال: نظرت إلى رجل في بيت المقدس قد استفرغه الوله فقلت له: ما الذي أثار منك ما أرى؟ قال: ذهب الزهاد والعباد بصفو الإخلاص وبقيت في كدر الانتقاص، فهل من دليل مرشد أو من حكيم موقظ؟. 780 - عابد آخر سمنون قال: كنت ببيت المقدس في برد شديد، وعلي جبة وكساء، وأنا أجد البرد والثلج يسقط، فرأيت شاباً عليه خرقتان في الصحن يمشي، فقلت: يا حبيبي لو استترت ببعض هذه الأروقة فيكنك من البرد. فقال لي: يا أخي سمنون: ويحسن ظني أنني في فنائه ... وهل أحد في كنه يجد البردا

ومن عقلاء المجانين ببيت المقدس

ومن عقلاء المجانين ببيت المقدس: 781 - شاب بلغنا عن أبي الجوال المغربي قال: كنت ببيت المقدس جالساً مع رجل صالح وإذا قد طلع علينا شاب والصبيان حوله يقذفونه بالحجارة ويقولون: مجنون فدخل المسجد وهو ينادي اللهم أرحني من هذه الدار. فقلت له: هذا كلام حكيم فمن أين لك هذه الحكمة؟ فقال: من أخلص له في الخدمة أورثه طرائف الحكمة وأيده بأسباب العصمة، وليس بي جنون وولق؛ بل قلق وفرق. ثم جعل يقول: هجرت الورى في حب من جاد بالنعم ... وعفت الكرى شوقاً إليه فلم أنم وموهت دهري بالجنون عن الورى ... لأكتم ما بي من هواه فما انكتم فلما رأيت الشوق والحب بائحاً ... كشفت قناعي ثم قلت: نعم نعم فإن قيل: مجنون فقد جنني الهوى ... وإن قيل: مسقام فما بي من سقم وحق الهوى والحب والعهد بيننا ... وحرمة روح الأنس في حندس الظلم لقد لامني الواشون فيك جهالة ... فقلت لطرفي أفصح العذر فاحتشم فعاتبهم طرفي بغير تكلم ... وأخبرهم أن الهوى يورث السقم فبالحلم يا ذا المن لا تبعدنني ... وقرب مزاري منك يا بارئ النسم فقلت له: أحسنت لقد غلظ من سماك مجنوناً، فنظر إلي وبكى وقال: أولا تسألني عن القوم كيف وصلوا فاتصلوا؟ فقلت: بلى أخبرني؟ فقال: طهروا له الأخلاق، ورضوا منه بيسير الأرزاق، وهاموا من محبته في الآفاق، وائتزروا بالصدق، وارتدوا بالإشفاق، وباعوا العاجل الفاني بالآجل الباقي، وركضوا في ميدان السباق، وشمروا تشمير الجهابذة الحذاق، حتى اتصلوا بالواحد الرزاق، فشردهم في الشواهق وغيبهم عن الخلائق، لا تؤويهم دار ولا يقرهم قرار، فالنظر إليهم اعتبار، ومحبتهم افتخار، وهم صفوة الأبرار، ورهبان أخيار، مدحهم الجبار ووصفهم النبي المختار، إن حضروا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن ماتوا لم يشهدوا. ثم أنشأ يقول: كن من جميع الخلق مستوحشاً ... من الورى تسري إلى الحق واصبر فبالصبر تنال المنى ... وارض بما يجري من الرزق واحذر من النطق وآفاته ... فآفة المؤمن في النطق

وجد في السير ممراً كما ... شمر أهل السبق للسبق أولئك الصفوة ممن سما ... وخيرة الله من الخلق قال: فأنسيت الدنيا عند حديثه، ثم ولى هارباً فأنا متأسف عليه.

ذكر المصطفيات من عابدات بيت المقدس

ذكر المصطفيات من عابدات بيت المقدس 782 - طافية عن عطاء الخراساني قال: كانت امرأة عابدة يقال لها طافية تأتي بيت المقدس تتعبد فيه، وكان وهب بن منبه يقول: يا طافية ما أشد العمل عليك؟ فتقول: ما أجدني أجد شيئاً أشد علي من طول الفكر. قال: وكيف ذلك؟ قالت: إني إذا تفكرت في عظمة الله عز وجل وأمر الآخرة طاش عقلي وأظلم علي بصري، واسترخت لذلك مفاصلي. فقال لها وهب بن منبه: إذا أنت وجدت ذاك فافزعي إلى قراءة القرآن في المصحف. 783 - لبابة محمد بن روح قال: قالت لبابة المتعبدة في بيت المقدس: إني لأستحي منه أن يراني مشتغلة بغيره. محمد بن رواح قال: قالت لبابة المتعبدة: ما زلت مجتهدة في العبادة حتى صرت أستروح بها، وإذا تعبت من لقاء الخلق آنسني بذكره، وإذا أعياني الخلق روحني التفرغ لعبادة الله عز وجل والقيام إلى خدمته. وقال لها رجل: هو ذا أريد الحج فماذا أدعو بالموسم؟ فقالت: سل الله تعالى شيئين: أن يرضى عنك ويبلغك منزل الراضين عنه، وأن يجعل ذكرك فيما بين أوليائه.

ذكر المصطفيات من المجهولات الأسماء

ذكر المصطفيات من المجهولات الأسماء 784 - عابدة عن أبي جعفر السائح قال: رأيت عجوزاً في بيت المقدس تقول: حججت ماشية اثنتي عشرة حجة ما ركبت فيها، أشتري كل سنة بأربعة دراهم سقطاً فيكون زادي في ذهابي ومنصرفي. قال: فقلت لها: في بيت المقدس مثلك من المتعبدات؟ قال فذكرت نسوة يفعلن مثل ما تفعل. قالت: فإذا رجعنا حملنا مغازلنا إلى المسجد فلا نخرج منه إلا لحدث أو لحاجة. قلت: وكم بقي اليوم من هذه الصفة؟ قالت: نحو من عشرة. قلت: فمن أعبدكن؟ قالت: امرأة من قريش ما نراها تكلم أحد إنما هي في الصلاة قائمة وراكعة وساجدة يأتيها أهلها بما يصلحها. 785 - عابدة أخرى عن أبي سليمان الداراني قال: حدثني سعيد الإفريقي قال: كنت ببيت المقدس مع أصحاب لي فيالمسجد فإذا أنا بجارية عليها درع شعر وخمار من صوف، فإذا هي تقول: إلهي وسيدي ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله وأوحش خلوة من لم تكن أنيسه. فقلت: يا جارية ما قطع الخلق عن الله عز وجل؟ قالت: حب الدنيا إلا أن لله عز وجل عباداً أسقاهم م نحبه شربة فولهت قلوبهم فلم يحبوا مع الله عز وجل غيره. ثم قالت تنشد: تزود قريناً من فعالك إنما ... قرين الفتى في القبر ما كان يعمل ألا إنما الإنسان ضيف لأهله ... يقيم قليلاً عندهم ثم يرحل 786 - عابدة أخرى عن أبي جعفر السائح قال: رأيت امرأة في بيت المقدس في متعبد لها عليها مدرعة من شعر وخمار من شعر، وسوار من حديد، وكان لها سلسلة تعلق بها نفسها بالليل. فقلت لها: منذ متى أخذت فيما أنت فيه؟ قالت: منذ ثمان سنين. قال: ورأيت نسوة كثيرة عليهم مدارع صوف وخمر، معتكفات في المسجد لا يتكلمن بالنهار.

787 - عابدة أخرى عثمان الرجاني قال: خرجت من بيت المقدس أريد بعض القرى في حاجة فلقيتني عجوز عليها جبة صوف وخمار صوف. فسلمت عليها فردت علي السلام. ثم قالت: يا فتى من أين أقبلت؟ فقلت: من هذه القرية. قالت: وأين تريد؟ قلت: إلى بعض القرى في حاجة. قالت: كم بينك وبين أهلك ومنزلك؟ قلت: ثمانية عشر ميلاً. قالت: ثمانية عشر ميلاً في حاجة؟ إن هذه لحاجة مهمة، قلت: أجل. قالت: فما اسمك؟ قلت: عثمان. فقالت: يا عثمان ألا سألت صاحب القرية أن يوجه إليك بحاجتك ولا تتعنى؟ قال: ولم أعلم الذي أرادت، قلت: يا عجوز ليس بيني وبين صاحب القرية معرفة، قالت: يا عثمان وما الذي أوحش بينك وبين معرفته وقطع بينك وبين الاتصال به؟ فعرفت الذي أرادت فبكيت، فقالت: من أي شيء تبكي؟ من شيء كنت فعلته ونسيته أو من شيء أنسته وذكرته؟ قلت: لا بل من شيء كنت أنسيته وذكرته. قالت: يا عثمان أحمد الله عز وجل الذي لم يتركك في حيرتك، أتحب الله عز وجل؟ قلت: نعم. قالت: فاصدقني، قلت: إي والله إني لأحب الله عز وجل. قالت: فما الذي أفادك من طرائف حكمته إذ أوصلك إلى محبته؟ قالت: فبقيت لا أدري ما أقول؟ فقالت: يأبى الله عز وجل أن يدنس طرائف حكمته وخفي معرفته ومكنون محبته بممارسة قلوب البطالين. قلت: رحمك الله لو دعوت الله عز وجل أن يشغلني من محبته. فنفضت يديها في وجهي. فأعدت القول أقتضي الدعاء. فقالت: يا عبد الله امض لحاجتك، فقد علم المحبوب ما ناجاه الضمير من أجلك. ثم ولت وقالت: لولا خوف السلب لبحث بالعجب. ثم قالت أوه من شوق لا يبرأ إلا بك، ومن حنين لا يسكن إلا إليك، فأين لوجهي الحياء منك؟ وأين لعقلي الرجوع إليك؟. قال عثمان: فوالله ما ذكرت إلا بكيت وغشي علي.

ذكر المصطفين من أهل جبلة

ذكر المصطفين من أهل جبلة مالك بن قيس الجبلي ... ذكر المصطفين من أهل جبلة 788 - مالك بن القاسم الجبلي عبد العزيز الأهوازي قال: قال لي سهل بن عبد الله: مخالطة الولي للناس ذل، وتفرده عز، قلما رأيت ولياً لله إلا منفرداً، إن عبد الله بن صالح كان رجلاً له سابقة جليلة وموهبة جزيلة وكان يفر من الناس من بلد إلى بلد حتى أتى مكة فطال مقامه فيها، فقلت له: لقد طال مقامك بها. فقال لي: لم لا أقيم بها ولم أر بلداً ينزل فيه من الرحمة والبركة أكثر من هذا البلد؟ فأحببت أن أكون فيه مقيماً والملائكة تغدو فيه وتروح وإني أرى فيه أعاجيب كبيرة وأرى الملائكة يطوفون به على صور شتى لا يقطعون ذلك. ولو قلت: كل ما رأيت لصغرت عنه عقول قوم ليسوا بمؤمنين. فقلت له: أسألك إلا خبرتني بشيء من ذلك؟ فقال: ما من ولي لله تعالى صحت ولايته إلا وهو يحضر في هذا البلد في كل ليلة جمعة لا يتأخر عنه، فمقامي ها هنا لأجل من أراه منهم، ولقد رأيت رجلاً يقال له: مالك بن القاسم، جبلي، وقد جاء ويده غمرة، فقلت له: إنك قريب العهد بالأكل؟ فقال لي: أستغفر الله فإنني منذ أسبوع لم آكل، ولكن أطعمت والدتي وأسرعت لألحق صلاة الفجر. وبينه وبين الموضع الذي جاء منه سبعمائة فرسخ، فهل أنت مؤمن بذلك؟ فقلت: نعم. فقال: الحمد لله الذي أراني مؤمناً موقناً.

إبراهيم الجبلي

789 - إبراهيم الجبلي عبد الواحد بن محمد بن أبان الفارسي قال: لقيت إبراهيم الجبي بمكة بعد رجوعه إلى وطنه وتزويجه بابنة عمه وكان قد قطع البادية حافياً. فحدثني أنه لما رجع إلى بلده وتزوج شغف بابنة عمه شغفاً شديداً حتى ما كان يفارقها لحظة. قال: فتفكرت ليلة في كثرة ميلي إليها وشغفي بها فقلت: ما يحسن بي أن أرد القيامة وفي قلبي هذه، فتطهرت وصليت ركعتين وقلت: سيدي رد قلبي إلى ما هو أولى. فلما كان من الغد أخذتها الحمى وتوفيت يوم الثالث ونويت الخروج حافياً من وقتي إلى مكة.

ذكر المصطفين من أهل العواصم والثغور

ذكر المصطفين من أهل العواصم والثغور 790 - أبو عمرو الأوزاعي واسمه عبد الرحمن بن عمرو، والأوزاع بطن من همدان. كذلك ذكره محمد بن سعد. وقال البخاري في تاريخه: الأوزاع: قرية بدمشق إذا خرجت من باب الفراديس. ولد سنة ثمان وثمانين وسكن بيروت وبها مات. يحيى بن عبد الملك بن أبي عتبة، قال: كتب الأوزاعي إلى أخ له: أما بعد، فإنه قد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يسار بك في كل يوم وليلة فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به والسلام. عباس بن الوليد قال: أخبرني أبي قال: سمعت الأوزاعي يقول: ليس ساعة من ساعات الدنيا إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة يوماً فيوماً وساعة فساعة، ولا تمر به ساعة لم يذكر الله فيها إلا وتقطعت نفسه عليها حسرات، فكيف إذا مرت به ساعة مع ساعة ويوم إلى يوم؟. عن ضمرة عن الأوزاعي قال: الناس عندنا أهل العلم. عن الهقل بن زياد، عن الأوزاعي أنه وعظ فقال في موعظته: أيها الناس، تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فإنكم في دار الثواء فيها قليل وأنتم فيها مؤجلون خلائف من بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا أنفها وزهرتها فهم كانوا أطول منكم أعماراً وأمد أجساماً وأعظم آثاراً فخددوا الجبال وجابوا الصخور ونقبوا في البلاد مؤيدين ببطش شديد وأجسام كالعماد فما لبثت الأيام والليالي أن طوت مددهم وعفت آثارهم وأخوت منازلهم وأنست ذكرهم، فما تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزاً، كانوا بلهو الأمل آمنين لبيات قوم غافلين أو لصباح قوم نادمين، ثم إنكم قد علمتم الذي نزل بساحتهم بياتاً من عقوبة الله عز وجل فأصبح كثير منهم في ديارهم جاثمين وأصبح الباقون ينظرون في آثار نقمة وزوال نعمة ومساكن خاوية فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم وعبرة لمن يخشى، وأصبحتم من بعدهم من أجل منقوص وديناً مقبوضة في زمان قد ولى عفوه

_ 790 - هو: عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي، أبو عمرو، الفقيه، ثقة جليل، من السابعة، مات سنة سبع وخمسين.

وذهب رخاؤه فلم تبق منه إلا حمة شر وصبابة كدر، وأهاويل عبر، وعقوبات غير وأرسال فتن، وتتابع زلازل ورذالة خلف بهم ظهر الفساد في البر والبحر، فلا تكونوا أشباهاً لمن خدعه الأمل وغر بطول الأجل وتبلغ بالأماني. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن وعي نذره وانتهى، وعقل سراه فمهد لنفسه. عن موسى بن أعين قال: قال لي الأوزاعي: يا أبا سعيد كنا نمزح ونضحك فأما إذ صرنا يهتدي بنا ما أرى يسعنا التبسم. بشر بن الوليد قال: رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع. عبد الملك بن محمد قال: كان الأوزاعي لا يكلم أحداً بعد صلاة الفجر حتى يذكر الله فإن كلمه أحد أجابه. أحمد بن أبي الحواري قال: بلغني أن نصرانياً أهدى إلى الأوزاعي جرة عسل وقال له: يا أبا عمرو، تكتب إلى والي بعلبك، فقال: إن شئت رددت الجرة وكتبت لك وإلا قبلت الجرة ولم نكتب لك. قال: فرد الجرة وكتب له فوضع عنه ثلاثين ديناراً. عن أبي أيوب الزيادي، عن الأوزاعي. قال: العافية عشرة أجزاء، تسعة منها صمت، وجزء منها الهرب من الناس. مروان بن محمد قال: قال الأوزاعي: من أطال قيام الليل هون عليه موقفه يوم القيامة. قال أحمد: قال لي مروان: ما أحسب الأوزاعي أخذه إلا من هذه الآية: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} الإنسان: 26 إلى قوله: {يَوْماً ثَقِيلاً} الإنسان: 27. أبو حفص عمرو بن أبي سلمة، عن الأوزاعي قال: من أكثر ذكر الموت كفاه اليسير، ومن علم أن منطقه من عمله قل كلامه. يوسف بن موسى القطان يحدث أن الأوزاعي قال: رأيت رب العزة في المنام، فقال لي: يا عبد الرحمن أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قلت: بفضلك يا رب. فقلت: يا رب أمتني على الإسلام. فقال: وعلى السنة. المعافي بن عمران، عن الأوزاعي قال: كان يقال يأتي على الناس زمان أقل شيء في ذلك الزمان أخ مؤنس أو درهم من حلال أو عمل في سنة. مسلمة بن علي، عن الأوزاعي قال: كان السلف إذا صدع الفجر أو قبله بشيء كأنما على

رؤوسهم الطير مقبلين على أنفسهم حتى لو أن حميماً لأحدهم غاب عنه حيناً ثم قدم ما التفت إليه، فلا يزالون كذلك حتى يكون قريباً من طلوع الشمس ثم يقوم بعضهم إلى بعض فيتحلقون، وأول ما يفيضون فيه أمر معادهم وما هم صائرون إليه ثم يتحلقون إلى الفقه والقرآن. أسند الأوزاعي عن محمد بن علي بن الحسين، ويحيى بن أبي كثير، والزهري، ومحمد بن المنكدر وأبي الزبير وغيرهم. وتوفي ببيروت سنة سبع وخمسين ومائة في خلافة أبي جعفر وهو ابن سبعين سنة. كذلك قال محمد ابن سعد. وقال علي بن المديني وتوفي الأوزاعي سنة إحدى وخمسين ومائة. عن يزيد بن مذكور قال: رأيت الأوزاعي في منامي فقلت: يا أبا عمرو دلني على أمر أتقرب به إلى الله تعالى. فقال لي: ما رأيت هناك درجة أرفع من درجة العلم. فقلت: ثم من بعدها؟ قال: درجة المحزونين.

أبو إسحاق الفزاري

791 - أبو إسحاق الفزاري واسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث. كان صاحب سنة وعزو. الفضيل بن عياض قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وإلى جنبه فرجة، فذهبت لأجلس فيها. فقال: هذا مجلس أبي إسحاق الفزاري. فقلت لأبي أسامة: أيهما كان أفضل؟ فقال: كان فضيل رجل نفسه وكان أبو إسحاق رجل عامة. محمد بن هارون، أبو نشيط، قال: قال أبو صالح، يعني الفراء: لقيت الفضيل ابن أبي عياض فعزاني في أبي إسحاق وقال: لربما اشتقت إلى المصيصة ما بي فضل الرباط إلا أرى أبا إسحاق. أبو صالح قال: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: إن من الناس من يحسن عليه الثناء، وما يساوي عند الله جناح بعوضة. عباد الغنوي عن أبي إسحاق الفزاري قال: من قال: الحمد لله على كل حال فإن كانت نعمة كان لها كفاء وإن كانت مصيبة كان لها عزاء. أبو يحيى قال: سمعت أبا عبيد يقول لما مات أبو إسحاق الفزاري بكى عطاء ثم قال: ما دخل على الإسلام من موت أحد ما دخل عليه من أبي إسحاق.

_ 791 - هو: إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصين بن حذيفة الفزاري الإمام، أبو إسحاق، ثقة حافظ له تصانيف، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين، وقيل: بعدها.

أسند الفزاري عن عبد الملك بن عمير، وإسماعيل بن أبي خالد، وعطاء بن السائب، والعمش، وهشام بن عروى في خلق كثير من التابعين، وحدث عن الفزاري سفيان الثوري والأوزاعي، وتوفي بالمصيصة سنة ثمان وثمانين ومائة، وقيل خمس وثمانين.

عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي

792 - عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي من همدان، يكنى أبا عمرو وهو من الكوفة تحول إلى الثغر فنزل الحديث. عن جعفر بن يحيى بن خالد قال: ما رأينا في القراء أحداً مثل عيسى بن يونس، أرسلنا إليه فأتانا بالرقة فاعتل قبل أن يرجع. فقلت: يا أبا عمرو قد أمر لك بعشرة آلاف فقال: هي، فقلت: هي خمسون ألفاً. قال: لا حاجة لي فيها. فقلت: لم؟ أما والله لأهنئنكها هي والله مائة ألف. قال: لا والله لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنة ثمناً، ألا كان هذا قبل أن ترسلوا إلي؟ فأما على الحديث فلا والله ولا شربة ماء ولا هليلجة. أبو بكر المروزي قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل، وذكر ورع عيسى بن يونس، قال: قدم فأمر له بمائة ألف، أو قال: بمال، فلم يقبل، وتدري ابن كم كان عيسى؟ أراد أنه كان حدث السن. محمد بن المنكدر قال: حج الرشيد فدخل الكوفة فركب الأمين والمأمون إلى عيسى بن يونس فحدثهما، فأمر له المأمون بعشرة آلاف درهم. فأبى أن يقبلها فظن أنه استقلها. فأمر له بعشرين ألفاً. فقال عيسى: لا والله ولا إهليلجة ولا شربة ماء على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو ملأت لي هذا المسجد ذهباً إلى السقف. الحداني قال: قال ابن المبارك لرجل: اكتب نفس هذا الشيخ، يعني عيسى بن يونس. رأى عيسى بن يونس جده أبا إسحاق إلا أنه لم يسمع منه شيئاً، وسمع من إسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن عروة، والأعمش وخلق كثير، وتوفي بالحدث من أرض الثغر في شعبان سنة سبع وثمانين، وقيل ثمان وثمانين ومائة. وقيل: إحدى وتسعين.

_ 792 - هو: عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي -بفتح المهملة وكسر الموحدة - أخو إسرائيل، كوفي نزل الشام مرابطا، ثقة مأمون، من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين.

يوسف بن أسباط

793 - يوسف بن أسباط من قرية يقال لها شيح عبد الله بن حبيق قال: قال لي يوسف بن أسباط: عجبت كيف تنام عين مع المخافة، أو

_ 793 - هو: يونس بن أسباط الزاهد، من سادات المشايخ، له مواعظ وحكم، انظر سير أعلام النبلاء 8/106.

يغفل قلب مع اليقين بالمحاسبة؟ من عرف وجوب حق الله عز وجل على عباده لم تستحل عيناه أبداً إلا بإعطاء المجهود من نفسه، خلق الله تعالى القلوب مساكن الذكر فصارت مساكن للشهوات، الشهوات مفسدة للقلوب وتلف للأموال، وإخلاق للوجوه، ولا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق. شعيب بن حرب قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: الزهد في الرياسة أشد من الزهد في الدنيا. موسى بن طريف قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: لي أربعون سنة ما حك في صدري شيء إلا تركته. قال ابن حبيق: وقال ابن بشار: قال لي يوسف بن أسباط: تعلموا صحة العمل من سقمه فإني تعلمته في اثنتين وعشرين سنة. قال ابن حبيق: وقال يوسف، خرجت من شيح راجلاً حتى أتيت المصيصة، وجرابي على عنقي، فقام ذا من حانوته يسلم علي، وذا يسلم، فطرحت جرابي ودخلت المسجد أصلي ركعتين فأحدقوا بي، واطلع رجل في وجهي، فقلت في نفسي: كم بقاء قلبي على هذا؟ فأخذت جرابي ورجعت بعرقي وعنائي إلى شيح فما رجع إلي قلبي إلى سنتين. عبد الله بن حبيق قال: قال يوسف بن أسباط: إني أخاف أن يعذب الله الناس بذنوب العلماء. وقال: الأشياء ثلاثة، حلال بين، وحرام بين، وشبهات بين ذلك، فالمؤمن إذا لم يجد الحلال تناول من الشبهات ما يقيمه. قال ابن حبيق: وسمعت يوسف بن أسباط يقول: كان يقال: اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كتب له. وسمعت يوسف يقول: لي أربعون سنة ما ملكت قميصين. وسمعته يقول: لا يقبل الله عز وجل عملاً فيه مثقال حبة من رئاء. وكان يوسف يقول: اللهم عرفني نفسي، ولا تقطع رجاءك من قلبي. قال ابن حبيق: وقال أبو جعفر الحذاء: كتبت إلى يوسف بن أسباط أشاوره في التحويل إلى الحجاز. فكتب إلي: أما ما ذكرت من تحويلك إلى الحجاز فليكن همك خبزك، وما أرى موضعك إلا أضبط للخبز من غيره، وما أحسب أحداً يفر من شر إلا وقع في أشر منه، وإنما يطيب الموضع بأهله، فقد ذهب من يؤنس به ويستراح إليه، وإذا علم الله منك الصدق رجوت أن لا يضيع لك، وإن كان الصدق قد رفع من الأرض.

قال حذيفة المرعشي: كتب إلي يوسف بن أسباط: أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله، والعمل بما علمك الله عز وجل، والمراقبة حيث لا يراك أحداً إلا الله عز وجل، والاستعداد لما ليس لأحد فيه حيلة، ولا تنفع الندامة عند نزوله، فاحسر عن رأسك قناع الغافلين، وانتبه من رقدة الموتى، وشمر للسباق غداً فإن الدنيا ميدا المتسابقين، ولا تغتر بمن أظهر النسك، وتشاغل بالوصف، وترك العمل بالموصوف واعلم يا أخي أنه لا بد لي ولك من المقام بين يدي الله عز وجل، يسألنا فيه عن الدقيق الخفي وعن الجليل الجافي، ولست آمن أن يسألني وإياك عن وساوس الصدور، ولحظات العيون، وإصغاء الأسماع، وما عسى أن يعجز مثلي عن صفته، واعلم أنه مما وصف به منافقو هذه الأمة أنهم خالطوا أهل الدنيا بأبدانهم وطابقوهم عليها بأهوائهم، وخضعوا لما طمعوا من نائلهم، وداهن بعضهم بعضاً في القول والفعل، فأشر وبطر قولهم، ومر خبيث فعلهم، تركوا باطن العمل بالتصحيح فحرمهم الله تعالى بذلك الثمن الربيح، واعلم يا أخي أنه لا يجزي من العمل القول، ولا من البذل العدة، ولا من التقوى ولا من التوقي التلاوم، وقد صرنا في زمان هذه صفة أهله فمن كان كذلك فقد تعرض للمقت وصد عن سواء السبيل. وفقنا الله عز وجل وإياك لما يحب ويرضى. عبد الله بن حبيق قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: يرزق الصادق ثلاث خصال: الحلاوة والملاحة والمهابة. المسيب بن واضح قال: قدم ابن المبارك فاستأذن على يوسف فلم يأذن له، فقلت له: ما لك لم تأذن له؟ قال: إني إن أذنت له أردت أن أقوم بحقه ولا أفي به. ابن حبيق قال: قال يوسف بن أسباط: إذا رأيت الرجل قد أشر وبطر فلا تغبطه فليس للعظة فيه موضع. افقرقساني قال: أتى يوسف بن أسباط بباكورة ثمرة فقبلها ثم وضعها بين يديه وقال: إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها وإنما خلقت لينظر بها إلى الآخرة. أبو جعفر الحذاء قال: سألت شعيب بن حرب عن يوسف بن أسباط فقال: ما أقدم عليه أحداً من هذه الأمة. البر عشرة أجزاء تسعة منها في طلب الحلال وسائر البر في جزء واحد، وقد أخذ يوسف التسعة وشرك الناس في العاشر. تميم بن سلم قال: قلت ليوسف بن أسباط: ما غاية الزهد؟ قال: لا تفرح بما أقبل، ولا تأسف على ما أدبر، قلت: فما غاية التواضع؟ قال: أن تخرج من بيتك فلا تلقى أحداً إلا رأيت أنه خير منك.

عبد الله بن حبيق عن أبيه قال: قال لي يوسف بن أسباط: خرجت سحراً لأؤذن، فإذا علي ليل. فقعدت فإذا أسود مقبل وفي يده حجر يريد أن يضربني ووراءه شيء أبيض، بيده حجر يريد أن يصرفه عني فصرفه. فقلت: هذان شيطانان يريدان أن يرياني أني رجل صالح. فقلت: كلاكما شيطانان. فطارا. أدرك يوسف بن أسباط حبيب بن حسان، ومحل بن خليفة، والسري بن إسماعيل، وعابد بن شريح والثوري في آخرين. وقالت زوجته: كان يقول: أشتهي من ربي ثلاث خصال. قلت: وما هن؟ قال: أشتهي أن أموت حين أموت وليس في ملكي درهم، ولا يكون علي دين، ولا على عظمي لحم. قالت: فأعطي ذلك كله. ولقد قال لي في مرضه: أبقي عندك نفقة؟ فقلت: لا. قال: فماذا ترين؟ قلت: أخرج هذه الخابية للبيع. فقال: يعلم الناس بحالنا ويقولون ما باعوها إلا وثم حاجة شديدة. فأخرج إلي شيئاً كان أهداه إليه بعض إخوانه فباعه بعشرة دراهم، وقال: اعزلي منها درهماً لحنوطي وأنفقي باقيها. فمات وما بقي غير الدرهم. وتوفي يوسف بن أسباط قبل المائتين بسنة.

مخلد بن الحسين

794 - مخلد بن الحسين يكنى أبا محمد. كان من أهل البصرة فتحول فنزل المصيصة. عبدة بن عبد الله قال: قال مخلد بن الحسين: ما تكلمت بكلمة أريد أن أعتذر منها، منذ خمسين سنة. محمد بن بشير الدعاء قال: ذكر عند مخلد بن الحسين أخلاق من أخلاق الصالحين فقال: لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم ... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد سنيد بن داود قال: ثنا مخلد بن الحسين قال: ما ندب الله تعالى العباد إلى شيء إلا اعترض فيه إبليس بأمرين ما يبالي بأيهما ظفر: إما غلواً فيه وإما تقصيراً عنه. أسند مخلد عن هشام بن حسان وتوفي بالمصيصة سنة إحدى وتسعين ومائة. والله أعلم.

_ 794 - هو: مخلد بن الحسين: بالضم، الأزدي المهلبي، أبو محمد البصري نزيل المصيصة، ثقة فاضل، من كبار التاسعة، مات سنة إحدى وتسعين.

علي بن بكار البصري

795 - علي بن بكار البصري يكنى أبا الحسن، سكن المصيصة مرابطاً وكان فقيهاً، موسى بن طريف قال: كانت

_ 794 - هو: مخلد بن الحسين: بالضم، الأزدي المهلبي، أبو محمد البصري نزيل المصيصة، ثقة فاضل، من كبار التاسعة، مات سنة إحدى وتسعين. 795 - هو: علي بن بكار البصري، الزاهد، نزيل الثغر مرابطا، صدوق عابد، من التاسعة، مات قبل المائتين أو بعدها.

الجارية تفرش لعلي بن بكار، فيلمسه بيده ويقول: والله إنك لطيب، والله إنك لبارد، والله لا علوتك الليلة، فكان يصلي الغداة بوضوء العتمة. أبو الحسن بن أبي الورد قال: قال رجل: أتينا علي بن بكار فقلنا له: حذيفة المرعشي يقرأ عليك السلام، فقال: عليكم وعليه السلام، إني لأعرفه يأكل الحلال منذ ثلاثين سنة، ولأن ألقى الشيطان أحب إلي من أن ألقاه. قلت له في ذلك، فقال: أخاف أن أتصنع له فأتزين لغير الله فأسقط من عين الله عز وجل. يوسف بن مسلم قال: بكى علي بن بكار حتى عمي، وكان قد أثرت الدموع في خديه. فيض بن إسحاق قال: جئت إلى علي بن بكار وأنا أريد الخروج فقلت: أوصني فقال: اتق الله وألزم بيتك، وأمسك لسانك، واترك مخالطة الناس تنزل عليك الحكمة من فوقك. يحيى زكريا قال: كنا عند علي بن بكار فمرت سحابة. فسألته عن شيء؟ فقال اسكت أما تخشى أن تكون فيها حجارة. أبو عبد الله قال: خرج أبو إسحاق الفزاري وعلي بن بكار يحتطبان. فأبطأ علي بن بكار على أبي إسحاق فدار أبو إسحاق في الجبل خلفه فجاء فنظر إليه وهو متربع وفي حجره رأس سبع وهو نائم يذب عنه، فقال له أبو إسحاق: ما قعودك ههنا؟ فقال: لجأ إلي فرحمته فأنا أنتظره لينتبه فألحقك. وقد بلغنا عن علي بن بكار أنه طعن في بعض مغازيه فخرجت أمعاؤه على قربوس سرجه فردها إلى بطنه وشدها بالعمامة وقاتل حتى قتل ثلاثة عشر علجاً. أسند علي بن بكار عن هشام بن حسان وأبي إسحاق الفزاري، وأبي خلدة في آخرين، وصحب إبراهيم بن أدهم. وتوفي بالمصيصة سنة تسع وتسعين ومائة.

حذيفة بن قتادة المرعشي

796 - حذيفة بن قتادة المرعشي عبد الله بن خبيق قال: قال حذيفة: إن لم تخش أن يعذبك الله على أفضل عملك فأنت هالك، وقال حذيفة: لو نزل علي ملك من السماء يخبرني أني لا أرى النار بعيني، وأني أصير إلى الجنة إلا أني أقف بين يدي ربي تعالى يسائلني ثم أصير إلى الجنة، لقلت: لا أريد الجنة ولا أقف ذلك الموقف، ولو جاءني رجل فقال لي: والله الذي لا إله إلا هو، ما عملك عمل

_ 796 - هو: حذيفة بن قتادة المرعشي، العابد المتواضع، الخاضع المتوادع، حذيفة بن قتادة، صحب سفيان الثوري وسمع منه، انظر حلية الأولياء 8/295.

من يؤمن بيوم الحساب لقلت له: يا هذا لا تكفر عن يمينك فإنك لم تحنث، وسمعت حذيفة يقول: إني لأستغفر الله من كلامكم إذا خرجتم من عندي خمسين مرة. قال ابن خبيق: وقال لي حذيفة: إنما هي أربعة، عيناك، ولسانك، وهواك، وقلبك، فانظر عينيك لا تنظر بهما إلى ما لا يحل لك، وانظر لسانك لا تقل به شيئاً يعلم الله خلافه من قلبك، وانظر قلبك لا يكن فيه غل ولا دغل على أحد من المسلمين، وانظر هواك لا تهوى شيئاً، فما لم تكن فيك هذه الأربع الخصال فالرماد على رأسك. موسى بن المعلى قال: قال حذيفة: يا موسى، ثلاث خصال إن كن فيك لم ينزل من السماء خير إلا كان لك فيه نصيب: يكون عملك لله عز وجل وتحب للناس ما تحب لنفسك، وهذه الكسرة تحر فيها ما قدرت. عن عبد الله بن عيسى الرقي قال: قال لي حذيفة: هل لك أن أجمع لك الخير كله في حرفين؟ قتل: ومن لي بذلك؟ قال: مداراة الخبز من حله وإخلاص العمل لله عز وجل حسبك. يوسف بن أسباط قال: سمعت حذيفة بن قتادة المرعشي يقول: لو أصبت من يبغضني على حقيقة في الله لأوجبت على نفسي حبه. يوسف بن أسباط قال: قال لي حذيفة المرعشي: ما أصيب أحد بمصيبة أعظم من قساوة قلبه. قال يوسف: وقال حذيفة: كان يقال: إذا رأيتم الرجل قد جلس وحده فانظروا لأي شيء جلس؟ فإن كان جلس ليجلس إليه فلا تجلسوا إليه. عن بشر بن الحارث قال: سمعت المعافي بن عمران يقول: كان عشرة ممن مضى من أهل العلم ينظرون في الحلال النظر الشديد لا يدخلون بطونهم إلا ما يعرفون من الحلال، وإلا استفوا التراب، منهم حذيفة المرعشي. الفيض بن إسحاق قال: ذكر عند حذيفة المرعشي الوحدة وما يكره منها. فقال: إنما يكره ذلك للجاهل، فأما عالم يعرف ما يأتي فلا. وقال: ما أعلم من أعمال البر أفضل من لزومك بيتك، ولو كانت لك حيلة لهذه الفرائض لكان ينبغي لك أن تحتال لها. عبد الله بن حبيق قال: قال حذيفة المرعشي إياكم وهدايا الفجار والسفهاء فإنكم إن قبلتموها ظنوا أنكم قد رضيتم فعلهم.

بشر بن الحارث قال: كتب حذيفة إلى يوسف بن أسباط: يا أخي إني أخاف أن يكون بعض محاسننا أضر علينا في القيامة من مساوئنا. قال: وكتب إليه أيضاً: لا حتى تكون في موضع إذا جئت إلى البقال فقلت أعطني مطهرتك قال: هات كساءك. ابن أبي الدرداء قال: قلت لحذيفة: أوصني، قال: انظر خبزك من أين تأكل، ولا تجالس من يرخص لك ويعطيك، ثم قال: إن أطعت الله في السر أصلح قلبك، شئت أو أبيت. نبهان بن المغلس قال: أخبرني حذيفة بن قتادة المرعشي قال: كنت في المركب فكسر بنا، فوقعت أنا وامرأة على لوح من ألواح المركب فمكثنا سبعة أيام. فقالت المرأة: أنا عطشى، فسألت الله تعالى أن يسقينا. فنزلت علينا من السماء سلسلة فيها كوز معلق فيه ماء. فشربت، رفعت رأسي إلى السلسلة فرأيت رجلاً جالساً في الهواء متربعاً فقلت: من أنت؟ قال: من الأنس. قلت: فما الذي بلغك هذه المنزلة؟ قال: آثرت مراد الله عز وجل على هواي فأجلسني كما تراني. لا نحفظ لحذيفة مسنداً، وكان مشغولاً بالرعاية عن الرواية. وقد صحب الثوري. وتوفي سنة سبع ومائتين.

أبو معاوية الأسود

797 - أبو معاوية الأسود واسمه اليمان: نزل طرسوس. أحمد بن وديع قال: قال أبو معاوية الأسود: إخواني كلهم خير مني. قيل له: وكيف ذلك يا أبا معاوية؟ قال: كلهم يرى الفضل لي على نفسه، ومن فضلني على نفسه فهو خير مني. أحمد بن فضيل العتكي قال: غزا أبو معاوية الأسود. فحصر المسلمون حصناً فيه علج لا يرمي بحجر ولا نشاب إلا أصاب. فسكوا إلى أبي معاوية فقرأ {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} الأنفال: 17. ثم قال: استروني منه. فلما وقف قال: أين تريدون بإذن الله؟ قالوا: المذاكير قال: يا رب سمعت ما سألوني فأعطني ما سألوني. بسم الله، ثم رمى فمر السهم حتى إذا قرب من الحائط ارتفع حتى أخذ العلج مذاكيره فوقع. فقال: شأنكم به.

_ 797 - هو: أبو معاوية الأسود، من كبار أولياء الله، صحب سفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم، وغيرهما، وكان يعد من الأبدال وقيل: إنه ذهب بصره، فكان إذا أراد التلاوة في المصحف أبصر بإذن الله، انظر سير أعلام النبلاء 8/43.

جعفر بن محمد بن الحسين بن زيد بن مسلم الرامهرمزي قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا معاوية الأسود يقول، وهو على سور طرسوس، من جوف الليل، يبكي ويقول: ألا من كانت الدنيا من أكبر همه طال في القيامة غداً همه. ومن خاف ما بين يديه ضاق في الدنيا ذرعه. ومن خاف الوعيد، لهي من الدنيا عما يريد، يا مسكين إن كنت تريد لنفسك الزيل، فأقلل نومك بالليل إلا القليل، أقبل من اللبيب الناصح، إذا أتاك بأمر واضح، لا تهتمن بأرزاق من تخلف، فلست أرزاقهم تكلف، وطن نفسك للمقال، إذا وقفت بين يدي رب العزة للسؤال، قدم صالح الأعمال، ودع عنك كثرة الأشغال، بادر ثم بادر، قبل نزول ما تحاذر، إذا بلغ روحك التراقي، وانقطع عنك من أحببت أن تلاقي، كأني بها وقد بلغت الحلقوم، وأنت في سكرات الموت مغموم، وقد انقطعت حاجتك إلى أهلك، وأنت تراهم حولك. وبقيت مرتهناً بعملك، الصبر ملاك الأمر، وفيه أعظم الأجر، فاجعل ذكر الله من جل شأنك، واملك فيما سوى ذلك لسانك. ثم بكى أبو معاوية بكاء شديداً. ثم قال: أوه من يوم يتغير فيه لوني، ويتلجلج فيه لساني، ويجف فيه ريقي، ويقل فيه زادي. فقيل له: يا أبا معاوية من قال هذا الكلام؟ فقال لحكيم. أبو حمزة، نصير بن الفرج الأسلمي، وكان خادماً لأبي معاوية الأسود قال: كان أبو معاوية قد ذهب بصره، فكان إذا أراد أن يقرأ فتش المصحف وفتحه فيرد الله عليه بصره، وإذا أطبق المصحف ذهب بصره. عن أبي الزاهرية قال: قدمت طرسوس، فدخلت على أبي معاوية الأسود وهو مكفوف البصر، وفي منزله مصحف معلق. فقلت: رحمك الله مصحف وأنت لا تبصر؟ قال: تكتم علي يا أخي حتى أموت؟ قال: قلت: نعم. قال: إني إذا أردت أن أقرأ القرآن فتح لي بصري. عبد الرحمن بن عبد الله قال: استطال رجل على أبي معاوية الأسود فقال له رجل: مه. فقال أبو معاوية: دعه يشتفي. ثم قال: اللهم اغفر الذنب الذي سلطت علي به هذا. أبو موسى المغازلي قال: كنت أسمع أبا معاوية الأسود إذا قام من الليل يستقي الماء، يقول: ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا. جبر الله لهم كل مصيبة بالجنة. يحيى بن المعين قال: رأيت معاوية السود وهو يلتقط الخرق من المزابل فيلفقها ويغسلها، فقيل له: يا أبا معاوية إنك تكسي. فقال: ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا، جبر الله عز وجل لهم بالجنة كل مصيبة. قال أبو علي فرأيت يحيى يبكي. لا نعرف لأبي معاوية مسنداً.

سليمان الخواص

798 - سليمان الخواص مضاء بن عيسى قال: مر سليمان الخواص بإبراهيم بن أدهم، وهو عند قوم قد أضافوه وأكرموه فقال: نعم الشيء هذا يا إبراهيم إن لم تكن تكرمة على دين. أحمد بن وديع قال: قال سليمان الخواص: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة. ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه. يزيد بن سعيد قال: دخل سعيد بن عبد العزيز على سليمان الخواص فقال له: أراك في ظلمة، قال: ظلمة القبر أشد من هذا، قال: أراك وحدك، قال: إن للصاحب على الصاحب حقاً فخفت أن لا أقوم بحق صاحبي، قال: فأخرج سعيد صرة فيها شيء، فقال له: تنفق هذا وأنا أحلف لك بين يدي الله تعالى أنه حلال، قال: لا حاجة لي فيها. فقال له يرحمك الله ما ترى ما الناس فيه دعوى! قال: فصرخ سليمان صرخة ثم قال: ما لك يا سعيد فتنتني بالدنيا وتفتنني بالدين؟ ما لي والدعاء؟ من أنا؟ فخرج سعيد فأخبر بما كان الأوزاعي. فقال الأوزاعي: دعوا سليمان، لو كان سليمان من الصحابة كان مثلاً. لا نعلم لسليمان مسنداً، كان مشغولاً بالعبادة.

_ 798 - هو: سليمان الخواص، من العابدين الكبار بالشام، وهو الفطن الخواص، انظر سير أعلام النبلاء 7/466 وحلية الأولياء 8/305.

سلم بن ميمون الخواص

799 - سلم بن ميمون الخواص من أهل طبرية. وبها مات. إسماعيل بن أبي سلمة قال: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأن منادياً ينادي: ألا ليقم السابقون. فقام سفيان الثوري ثم نادى الثانية: ألا ليقم السابقون فقام سلم الخواص. ثم نادى الثالثة: ألا ليقم السابقون. فقام إبراهيم بن أدهم. أحمد بن ثعلبة قال: سمعت سلماً الخواص يقول: كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة. فقلت لنفسي: اقرئيه كأنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فجاءت حلاوة قليلة، ثم قلت لنفسي: اقرئيه كأنك سمعته من جبريل يخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فازددت الحلاوة. قال: ثم قلت لها اقرئيه كأنك سمعته منه حين يتكلم به. فجاءت الحلاوة كلها.

_ 799 - هو: سلم بن ميمون الخواص: هو أصغر من سليمان الخواص، قال ابن حبان: كان من كبار عباد أهل الشام، غلب عليه الصلاح حتى غفل عن حفظ الحديث وإتقانه، فلا يحتج به، انظر سير أعلام النبلاء 7/466.

قاسم الجوعي قال: جئت سلماً الخواص فقدم إلي نصف بطيخة ونصف رغيف وقال لي: كل يا قاسم، نزلت على أخ لي فقدم لي نصف خيارة ونصف رغيف وقال لي: كل يا سلم فإن الحلال لا يحتمل السرف، ومن درى من أين يكسب دري كيف ينفق. أسند سلم عن مالك بن أنس وابن عيينة وأقرانهما.

أبو عبيدة الخواص واسمه عباد بن عباد

800 - أبو عبيدة الخواص واسمه عباد بن عباد وقد اشتهر بأبي عبيدة وإنما هو أبو عتبة، كذلك ذكره البخاري وغيره. أبو موسى الصوري قال: كتب بن عباد الخواص إلى إخوانه يعظهم: إنكم في زمان قد رق فيه الورع وقل فيه الخشوع، وحمل العلم مفسدوه فأحبوا أن يعرفوا بحمله، وكرهوا أن يعرفوا بإضاعة العمل به، فنطقوا فيه بالهوى ليزينوا ما دخلوا فيه من الخطر، فذنوبهم ذنوب لا يستغفر منها، وتقصيرهم تقصير لا يعترف به. أحبوا الدنيا وكرهوا منزلة أهلها فشاركوهم في العيش وزايلوهم بالقول. أبو عبيد العسقلاني قال: رأيت أبا عبيدة الساحلي لم يضحك أربعين سنة. فقيل له: لم لا تضحك؟ فقال: كيف أضحك أنا وفي أيدي المشركين من المسلمين أحد. عبد الأعلى بن سليمان قال: رأيت أبا عبيدة الخواص على سرته خرقة، وعلى رقبته خرقة وهو يمشي في طريق البصرة. وهو يقول واشوقاه إلى من يراني ولا أراه. أحمد بن الحواري قال: دخل عباد الخواص على إبراهيم بن صالح وهو أمير فلسطين، فقال له: يا شيخ عظني؟ فقال: بم أعظك أصلحك الله؟ بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى، فانظر ما يعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عملك. فبكى حتى سالت الدموع من لحيته. عن بشر بن الحارث قال: رأيت على جبال عرفة رجلاً قد ولع به الوله وهو يقول: سبحان من سجدنا بالعيون له ... على شبا الشوك والمحمى من الإبر لم نبلغ العشر من معشار نعمته ... ولا العشير ولا عشراً من العشر هو الرفيع فلا الأبصار تدركه ... سبحانه من مليك نافذ القدر سبحان من هو أنسي إذ خلوت به ... في جوف ليلي، وفي الظلماء والسحر أنت الحبيب وأنت الحب يا أملي ... من لي سواك ومن أرجوه يا ذخري

_ 800 - هو: عباد بن عباد الرملي، الأرسوفي -بمهملة وفاء - أبو عتبة الخواص، صدوق يهم، أفحش ابن حبان فقال: سيتحق الترك، من التاسعة.

ثم أنشد أيضاً: كم قد زللت فلم أذكرك في زللي ... وأنت يا سيدي في الغيب تذكرني كم اكشف الستر جلاً عند معصيتي ... وأنت تلطف بي حقاً وتسترني لأبكين بدمع العين من أسف ... لأبكين بكاء الوله الحزن قال: ثم غاص من خلال الناس فلم أره فسألت عنه فقيل: هذا أبو عبيدة الخواص منذ سبعين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عز وجل. عقبة بن فضالة قال: سمعت أبا عبيدة الخواص بعد ما كبروا هو آخذ بلحيته يبكي ويقول: قد كبرت فأعتقني. أسند عباد عن الأوزاعي، وأبي بكر بن أبي مريم، وغيرهما.

أبو يوسف الغسولي

801 - أبو يوسف الغسولي جنيد قال: سمعت سرياً يذكر أن أبا يوسف الغسولي كان يلزم الثغر ويغزو، وكان إذا غزا مع الناس ودخلوا بلاد الروم أكل أصحابه من ذبائح الروم ومن فواكههم، وكان أبو يوسف لا يأكل فيقال له: يا أبا يوسف تشك أنه حلال؟ فيقول هو حلال. فيقال له: فكل من الحلال. فيقول: إنما الزهد في الحلال. حرمي بن يونس قال: سمعت أبا يوسف الغسولي يقول: أنا أتفقه في مطعمي من ستين سنة. قال المروزي: وسمعت بعض المشيخة يقول: سمعت أبا يوسف الغسولي يقول: إنه ليكفيني في السنة اثنا عشر درهماً، في كل شهر درهم، وما يحملني على العمل إلا ألسنة هؤلاء القراء. يقولون: أبو يوسف من أين يأكل؟ قال المروزي: وسمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: أبو يوسف الغسولي قد خلف ابن إدريس. يعني في الورع.

أحمد بن عاصم الأنطاكي

802 - أحمد بن عاصم الأنطاكي يكنى أبا علي. ويقال أبا عبد الله. من متقدمي مشائخ الثغور وكان يقال له جاسوس القلوب.

_ 802 - هو: أحمد بن عاصم الأنطاكي، أبو عبد الله، صاحب مواعظ وسلوك، انظر حلية الأولياء 9/293.

أحمد بن أبي الحواري قال: أنا أحمد بن عاصم الأنطاكي قال: إذا صارت المعاملة إلى القلب استراحت الجوارح. قال: وسمعته يقول: هاه غنيمة باردة أصلح فبما بقي يغفر لك ما قد مضى. وسمعته يقول: ما أغبط أحداً إلا من عرف مولاه واشتهى أن لا أموت حتى أعرفه معرفة العارفين الذي يستحبونه لا معرفة التصديق. أحمد بن عبد الله قال: سمعت أبي يقول: سمعت خالي عثمان بن محمد بن يوسف يقول: سمعت أبي يقول: قال أحمد بن عاصم: أنفع اليقين ما عظم في عينيك ما به أيقنت وأنفع الخوف ما حجزك عن المعاصي، وأطال منك الحزن على ما فات، وألزمك الفكر في بقية عمرك وخاتمة أمرك، وأنفع الصدق أن تقر لله عز وجل بعيوب نفسك، وأنفع الحياء أن تستحيي أن تسأله ما تحب وتأتي ما يكره، وأنفع الصبر ما قواك على خلاف هواك وأفضل الجهاد مجاهدتك نفسك لتردها إلى قبول الحق، وأوجب الأعداء منك مجاهدة أقربهم منك دنوا وأخفاهم عنك شخصاً وأعظم لك عداوة وهو إبليس. قلت: فما ترى في الأنس بالناس؟ قال: إن وجدت عاقلاً مأموناً فأنس به واهرب من سائرهم كهربك من السباع. قلت: فما أفضل ما أتقرب به إلى الله عز وجل؟ قال: ترك معاصيه الباطنة - قلت: فما بال الباطنة أولى من الظاهرة؟ قال: لأنك إذا اجتنبت الباطنة بطلت الظاهرة والباطنة، قلت: فما أضر الطاعات لي؟ قال: ما نسيت بها مساوئك، وجعلتها نصب عينيك إدلالاً بها وأمناً. قال: وسمعته يقول: استكثر من الله عز وجل لنفسك قليل الرزق تخلصاً إلى الشكر، واستقلل من نفسك لله عز وجل كثير الطاعة إزراء على النفس وتعرضاً للعفو، واستجلب شدة التيقظ بشدة لاخوف؛ وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة، واقطع أسباب الطمع بصحة اليأس؛ وسد سبيل العجب بمعرفة النفس، وطلب راحة البدن بإجمام القلب، وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخلطاء، وتعرض لرقة القلب بدوام مجالسة أهل الذكر، وبادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة، وأحذرك سوف. قلت: لأحمد بن عاصم كلام كثير انتخبنا منه ما ذكرنا ولا نعلم له مسنداً.

أبو عبد الله النباجي

803 - أبو عبد الله النباجي واسمه سعيد بن يزيد. قال محمد بن أبي الورد: قال أبو عبد الله النباجي من خطرت الدنيا بباله لغير القيام بأمر الله حجب عن الله. وقال ابن أبي الورد: صلى أبو عبد الله النباجي يوماً بأهل طرسوس فصيح النفير، فلم يخفف الصلاة، فلما فرغوا قالوا: أنت جاسوس. قال: ولم؟ قالوا: صيح بالنفير وأنت في الصلاة فلم تخفف. قال: ما حسبت أن أحداً يكون في الصلاة فيقع في سمعه غير ما يخاطبه الله عز وجل. الحسين بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله النباجي قال: قال لي قائل في منامي: أو يحسن بالحر المريد أن يتذلل للعبيد، وهو واجد عند مولاه كل ما يريد؟ أحمد بن أبي الحواري عن أبي عبد الله النباجي قال: إن في خلق الله عز وجل خلقاً يستحيون من الصبر لو يعلمون أقداره تلقفوها تلقفاً. أحمد بن محمد بن بكر القرشي قال: سمعت أبا عبد الله النباجي يقول: اطلبوا النظر في الرضا عن الله عز وجل وتساءلوا عنه بينكم إنكم إن ظفرتم منه بشيء علوتم به الأعمال كلها، قال: وسمعته يقول: لا تستكثروا الجنة للمؤمن، فإنه قد وافى بأعظم قدر عنده من الجنة: معرفة الله والإيمان به. وسمعته يقول: الذي جعل الله عز وجل المعرفة عنده يتنعم مع الله عز وجل في كل أحواله. أبو عبيد الله الإمام قال: سمعت أبا عبد الله النباجي يقول: إذاكان عندك ما أعطى الله عز وجل نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم لا تراه شيئاً وإنما تريد ما أعطى الله نمرود وفرعون وهامان فمتى تفلح؟. لا نعرف للنباجي مسنداً، وإنما كان مشغولاً بالزهد والتعبد، وقد حكى عن الثوري والفضيل وغيرهما.

_ 803 - هو: العجاج الناجي، أبو عبد الله الساجي سعيد بن يزيد، كان يعج من نفسه إلى ربه عجيجا، ويشتاق إليه شاكيا أنينا وضجيجا، انظر حلية الأولياء 9/223.

عبد الله بن خبيق بن سابق

804 - عبد الله بن خبيق بن سابق أبو محمد. أصله من الكوفة. ثم سكن أنطاكية واستفاد من يوسف بن أسباط. محمد بن المسيب الأرغياني قال: أنا عبد الله بن خبيق قال: أنت لا تطيع من يحسن إليك فكيف تحسن إلى من يسيء إليك. عمر بن عبد الله الهجري قال: سمعت عبد الله بن خبيق يقول: لا تغتم إلا من شيء يضرك غداً، ولا تفرح بشيء لا يسرك غداً، وأنفع الخوف ما حجزك عن المعاصي وأطال منك الحزن على ما فاتك، وألزمك الفكرة في بقية عمرك. أسند ابن خبيق عن يوسف بن أسباط وغيره.

_ 804 - هو: عبد الله بن خبيق بن سابق، الصادق الواثق المشمر اللاحق، تخرج على يوسف بن أسباط فأعرض عن الشبهات وأماط، سكن من الثغور أنطاكية، انظر حلية الأولياء 10/176.

أبو الحارث الأولاسي

805 - أبو الحارث الأولاسي واسمه فيض بن الخضر كان شاباً يغني في أول أمره وقال: بينا أنا في غفلتي رأيت عليلاً مطروحاً على قارعة الطريق، فدنوت منه فقلت: هل تشتهي شيئاً؟ قال: نعم رماناً. فجئته برمان فلما وضعته بين يديه رفع بصره وقال: تاب الله عليك. فما أمسيت حتى تغير قلبي عما كنت عليه، وخرجت إلى الحج وأنا أسير بالليل إذا بقوم يشربون، فما رأوني ذهلوا فأجلسوني وعرضوا علي الطعام والشراب. فقلت: أحتاج إلى البول فذهبت فوقعت في غابة فإذا سبع. فقلت: اللهم إنك تعلم ما تركت ومماذا خرجت وفيما ذا خرجت فاصرف عني شر هذا السبع، فولى السبع ودخلت مكة فلقيت بها من انتفعت به، منهم إبراهيم بن سعد العلوي. الحسن بن خلف قال: قال لي أبو الحارث الأولاسي فيض بن الخضر: رأيت إبليس له جمة شعر فأقبلت أتملقه واقول: ويحك ما أنا في هذا الخلق؟ خلني وربي. فقال: هيهات هيهات، كيف أخليك وفيك وفي أبيك هلكت، لا أو تهلكوا معي. قال: فأخذت برأسه فجعلته على حجر وأخذت بحلقه أخنقه ثم قلت: كيف أقدر على قتله وقد أخره الله عز وجل إلى يوم القيامة؟ ولكن أرفق به فجعلت أتملقه وهو يأبى. فقلت له: دلني على ما ينفعني؟ فقال: أدلك على السكر والحملان والجوذابات والدنانير والدراهم أن تكثر منها. فقلت له: يا ملعون أنا أسألك أن تدلني على شيء ينفعني في أمر آخرتي، تدلني على الدنيا وما أصنع أنا بهذا

وما حاجتي إليه؟ فقال: من ههنا صار رأسي وحلقي في يدك تقلبه كيف شئت وتلعب به. قلت: أفدتني علماً، لا جرم إني لأرجو أن لا أنال منها شيئاً إلا ما لا غنى بي عنه فقال: إن تركتك فاصعد العقبة وسأستعين عليك بولد جنسك الذين زينت في أعينهم ما قبح في عينك فأجابوني إليه فبهم أستعين عليك فيأتوك من مأمنك. توفي أبو الحارث بطرسوس سنة سبع وتسعين ومائتين.

أبو الخير التيناتي

806 - أبو الخير التيناتي أصله من المغرب وسكن تينات، وهي قرية من قرى أنطاكية. ويقال له الأقطع، لأنه كان مقطوع اليد. وكان سبب ذلك أنه كان في جبال أنطاكية وحواليها يطلب المباح وينام بين الجبال وأنه عاهد الله تعالى أن لا يأكل من ثمر الجبال إلا ما طرحته الريح. فبقي أياماً لم تطرح إليه الريح شيئاً. فرأى يوماً شجرة كمثرى فاشتهى منها فلم يفعل. فأمالتها الريح إليه فأخذ واحدة. واتفق أن لصوصاً قطعوا هنالك الطريق وجلسوا يقتسمون. فوقع عليهم السلطان فأخذهم وأخذ معهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وقطعت يده، فلما هموا بقطع رجله عرفه رجل فقال للأمير: أهلكت نفسك، هذا أبو الخير. فبكى الأمير وسأله أن يجعله في حل. ففعل وقال: أنا أعرف ذنبي. منصور بن عبد الله قال: قال أبو الخير: الدعوى رعونة لا يحتمل القلب إمساكها، فليلقها إلى اللسان فتنطق بها ألسنة الحمقى. قال: وسمعته يقول: دخلت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا بفاقة فأقمت خمسة أيام ما ذقت ذوماأ فتقدمت إلى القبر فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وقلت أنا ضيفك الليلة يا رسول الله وتنحيت فنمت خلق المنبر فرأيت في النوم النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن شماله، وعلي ابن أبي طالب بين يديه. فحركني علي وقال لي: قم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت إليه وقبلت بين عينيه، فدفع إلي رغيفاً فأكلت نصفه وانتبهت وإذا في يدي نصف رغيف. إبراهيم بن محمد المراغي قال: سمعت أبا الخير التيناتي يقول: بقيت بمكة سنة فأصابني ضر وفاقة، فكلما أردت أن أخرج إلى المسألة هتف بي هاتف يقول: الوجه الذي يسجد لي تبذله لغيري؟.

_ 806 - هو: أبو الخير الأقطع التيناتي، له الآيات، توفي بعد الأربعين، كان الهوام والسباع يأنسون بمجالسته ويأوون إليه، كان ينسج الخوص إحدى يديه، انظر حلية الأولياء 10/407.

أخبرنا المحمدان بن عبد الملك وابن ناصر قال أنبأ أحمد بن الحسن بن خيرون قال: قرأت على أبي الحسين علي بن محمود الصوفي أخبركم علي بن المثنى، وأخبرنا أبو بكر العامري قال: أنبأ علي بن أبي صادق قال: أنا ابن باكويه قال: أخبرني إبراهيم بن أحمد المراغي قالا: سمعنا أبا الخير التيناتي الأقطع يقول: ما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلا بملازمة الموافقة ومعانقة الأدب وأداء الفرائض وصحبة الصالحين وخدمة الفقراء الصادقين. محمد بن الفضل قال: خرجت من أنطاكية ودخلت تينات ودخلت على أبي الخير الأقطع على غفلة منه بغير إذن فإذا هو ينسج زنبيلاً بيديه، تعجبت، فنظر إلي وقال: يا عدو نفسه، ما الذي حملك على هذا؟ فقلت: هيجان الوجد لما بي من الشوق إليك. فضحك ثم قال لي: اقعد لا تعد إلى شيء من هذا بعد اليوم. ثم قال: استر علي في حياتي، ففعلت. قال ابن باكويه، وسمعت إبراهيم بن محمد السباك برها يقول: كنا نطلع على أبي الخير التيناتي من الخوخة وهو يسف الخوص بيديه فإذا خرج رأيناه أقطع. أبو الحسن البغراسي قال: قال لي أبو الخير التيناتي: إياك وكثرة السفر فإنه يقسي القلب ويذهب بالدين. أبو بكر المصري قال: سمعت بعض أصحابنا فقيراً يعرف بالأنصاري يقول: دخلت على أبي الخير فناولني تفاحتين فجعلتهما في جيبي وقلت: لا أتناولهما وأتبرك بهما لموضع الشيخ عندي فكانت تجري علي فاقات لا أتناولهما فأجهدتني الفاقة فأخرجت واحدة أكلتها وأدخلت يدي لأخرج الثانية إذا التفاحتان مكانهما، فما زلت آكل منهما حتى دخلت الموصل فجزت على خراب وإذا بعليل ينادي من الخراب: يا ناس أشتهي تفاحة، ولم يكن وقت التفاح، فأخرجت التفاحتين فناولتهما إياه فأكل وخرجت روحه من وقته. فعلمت أن الشيخ أعطاني من أجل ذلك العليل. صحب أبو الخير التيناتي أبا عبد الله بن الجلاء وغيره من المشايخ. ولا نعلمه أسند شيئاً من الحديث. وتوفي بعد الأربعين وثلاث مائة.

ذكر المصطفين من عباد الثغور المجهولي الأسماء

ذكر المصطفين من عباد الثغور المجهولي الأسماء 807 - عابد طوسوسي أبو سليمان المغربي قال: كنت أحمل الحطب من الجبل وأتقوت منه، وكان طريقي فيه التوقي والتحري، قال: فرأيت جماعة من البصريين في النوم، منهم الحسن ومالك بن دينار وفرقد السبخي، فسألتهم عن علم حالي فقلت: أنتم أئمة المسلمين دلوني على الحلال الذي ليس لله فيه تبعة ولا للخلق فيه منه، فأخذوا بيدي فأخرجوني من طرسوس إلى مرج فيه خبازي فقالوا لي: هذا الحلال الذي ليس لله عز وجل فيه تبعة ولا للمخلوق فيه منه. قال: فمكثت آكل منه نصف سنة، ثلاثة أشهر في دار السبيل، وكنت آكله نياً ومطبوخاً فصار لي حديث، فقلت: هذه فتنة. فخرجت من دار السبيل فكنت آكله ثلاثة أشهر أخر. فأوجدني الله عز وجل قلباً طيباً حتى قلت: إن كان أهل الجنة بهذا القلب الذي لي فهم والله في شيء طيب، وما كنت آنس بكلام الناس، فخرجت يوماً من باب قلمية إلى صهريج يعرف بالمدنف فجلست عنده فإذا أنا بفتى قد أقبل من ناحية لامش يريد طرسوس وقد بقي معي قطيعات من ثمن الحطب الذي كنت أجيء به من الجبل فقلت: أنا قد قنعت بهذا الخبازي، أعطي هذه القطع هذا الفقير إذا دخل طرسوس اشترى بها شيئاً وأكله، فلما دنا مني أدخلت يدي إلى جيبي حتى أخرج الخرقة فإذا أنا بالفقير قد حرك شفتيه وإذا كل ما حولي من الأرض ذهب يتقد حتى كاد يخطف بصري، ولبسني منه هيبة فجاز ولم أسلم عليه من هيبته. قال الشيخ أبو بكر: وزادني أبو الفرج بن أبان في هذه الحكاية قال: فقلت له: فرأيته بعد ذلك؟ فقال: نعم، خرجت يوماً خارج طرسوس إذا بالفتى جالس تحت برج من الأبرجة وبين يديه ركوة فيها ماء فسلمت عليه ثم استدعيت منه موعظة فمد رجله فقلب الماء، ثم قال لي: كثرة الكلام تنشف الحسنات كما أنشفت الأرض هذا الماء. قم يكفيك. 808 - عابد آخر علي بن الحسن بن موسى قال: قال رجل: لأمتحنن أهل البلاء. قال: فدخلت على رجل بطرسوس وقد أكلت الآكلة أطرافه. فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والله وكل عرق

وكل عضو يألم على حدته من الوجع، وإن ذلك لبعين الله أحبه إلي أحبه إلى الله، وما قدر ما أخذ ربي مني؟ وددت أن ربي قطع مني الأعضاء التي اكتسبت بها الإثم، وأنه لم يبق مني إلا لساني يكون له ذاكراً. قال: فقال له رجل: متى بدأت بك هذه العلة؟ فقال: الخلق كلهم عبيد الله وعياله، فإذا نزلت بالعباد علة فالشكوى إلى الله ليس يشتكى إلى العباد. 809 - عابد مصيصي علي بن الحسن قال: كان رجل بالمصيصة ذاهب نصفه الأسفل لم يبق منه إلا روحه في بعض جسده، ضرير على سرير مثقوب فدخل عليه داخل فقال له: كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: ملك الدنيا، منقطع إلى الله عز وجل ما لي إليه من حاجة إلا أن يتوفاني على الإسلام. 810 - عابد من أهل بيروت أبو عبد الرحمن الأزدي قال: كنت أدور على حائط بيروت فمررت برجل متدلي الرجلين في البحر وهو يكبر. فاتكأت على الشرافة التي إلى جنبه فقلت: يا شاب مالك جالساً وحدك؟ قال: اتق الله ولا تقل لي إلا حقاً، ما كنت قط وحدي منذ ولدتني أمي، إن معي ربي حيث ما كنت، ومعي ملكان يحفظان علي، وشيطان ما يفارقني فإذا عرضت لي حاجة إلى ربي عز وجل سألته إياها ولم أسأله بلساني، فجاءني بها. ومن المصطفيات من عابدات الثغور: 811 - زينب الطبرية هارون بن الحسن قال: سمعت سلماً الخواص يقول: كانت عندنا جارية يقال لها زينب، وكانت تحسن خدمة مولاها، فذهبت أسلم عليها فقالت: يا أبا محمد كنت منذ ليال قائمة أخدم مولاي فغلبتني عيني فسمعت قائلاً يقول: صلاتك نور والعباد رقود ... قومي فصلى للغفور الودود قال: وخرجت يوماً في حاجة فعثرت فانقطع إصبع من أصابعها قال: فاجتمعنا رجالاً ونساء نعزيها في إصبعها، فقالت: يا إخوتي وأخواتي أنساني لذة ثوابها وجعها فوهب الله لي ولكم الرضا والعفو عما مضى، قوموا حتى نخدم من الطريق عليه غداً.

ذكر المصطفين من عباد أهل الشام المجهولي الأسماء

ذكر المصطفين من عباد أهل الشام المجهولي الأسماء 812 - عابد يقال له الديلمي محمد بن المبارك الصوري قال: سمعت الوليد بن مسلم يقول: غزا المسلمون غزوة فيهم الديلمي، فأسرته الروم وصلبوه على الدقل، لما رآه المسلمون مصلوباً حملوا على الروم حملة فأخذوا المركب الذي فيه الشيخ فأنزلوه عن الدقل. فقال لهم: أعطوني ماء أصب علي. فقالوا: لم تصب عليك؟ فقال: إني جنب، لأنهم لما صلبوني أخذتني نعسة فرأيت نفسي كأني على نهر فيه وصائف فمددت يدي إلى واحدة منهن فافترعتها فأصابتني جنابة. 813 - عابد آخر عن معروف الكرخي قال: رأيت رجلاً في البادية شاباً حسن الوجه، له ذؤابتان حسنتان، وعلى رأسه رداء قصب وعليه قميص كتان، وفي رجله نعل طاق. قال معروف: فتعجبت منه في مثل ذلك المكان ومن زيه فقلت: السلام عليك ورحمة الله وبركاته. فقال: وعليك السلام ورحمة الله يا عم، فقلت: الفتى من أين؟ فقال: من مدينة دمشق. قلت: ومتى خرجت منها؟ قال: ضحوة النهار. قال معروف: فتعجبت وكان بينه وبين الموضع الذي رأيته فيه مراحل كثيرة فقلت له: وأين المقصد؟ فقال: مكة، فعلمت أنه محمول فودعته ومضى ولم أره. حتى مضت ثلاث سنين. فلما كان ذات يوم وأنا جالس في منزلي أتفكر في أمره وما كان منه إذا بإنسان يدق الباب فخرجت إليه فإذا أنا بصاحبي فسلمت عليه وقلت: مرحباً وأهلاً. وأدخلته المنزل فرأيته منقطعاً والهاً تالفاً عليه زرمانقة حافياً حاسراً فقلت: هيه أي هيه أي شيء الخبر؟ فقال: يا أستاذ لاطفني حتى أدخلني الشبكة ورماني، فمرة يلاطفني ومرة يهددني، ويجيعني مرة ويكرمني أخرى، فليته وقفني على بعض أسرار أوليائه ثم ليفعل بي ما شاء. قال معروف: فأبكاني كلامه فقلت له: فحدثني ببعض ما جرى عليك منذ فارقتني. فقال: هيهات أن أبديه وهو يريد أن نخفيه، ولكن بدياً ما فعل، في طريقي إليك، مولاي وسيدي، ثم استفرغه البكاء فقلت: وما فعل بك؟ قال: جوعني ثلاثين يوماً ثم جئت إلى قرية فيها مقثأة قد نبذ منها المدود وطرح، فقعدت آكل منه فبصر بي صاحب المقثأة فأقبل إلي بضرب ظهري وبطني، ويقول: يا لص ما خرب مقثأتي غيرك، منذ كم أنا أرصدك حتى وقعت عليك؟ فبينا

هو يضربني إذ أقبل فارس نحوه مسرعاً إليه وقلب السوط في رأسه وقال: تعمد إلى ولي من أولياء الله عز وجل فتقول له: يا لص؟ فأخذ صاحب المقثأة بيدي فذهب بي إلى منزله فما أبقى من الكرامة شيئاً إلا عمله واستحلني وجعل مقثأته لله عز وجل ولأصحاب معروف فقلت له: صف لي معروفاً، فوصف لي فعرفتك بما قد كنت شاهدته من صفتك. قال معروف؛ فما استتم كلامه حتى دق صاحب المقثأة الباب ودخل إلي وكان موسراً فأخرج جميع ماله وأنفقه على الفقراء وصحب الشاب سنة وخرجا إلى الحج فماتا بالربذة. 814 - عابد آخر داود بن رشيد قال: حدثني الصبيح والمليح، شابان كانا يتعبدان بالشام، سميا الصبيح والمليح لحسن عبادتهما، قالا: جعنا أياماً، فقلت لصاحبي، أو قال لي: أخرج بنا إلى الصحراء، لعلنا نرى رجلاً نعلمه بعض دينه، لعل الله عز وجل أن ينفعنا به. فلما أصحرنا استقبلنا أسود على رأسه حزمة حطب. فدنونا منه فقلنا له: يا هذا - من ربك؟ فرمى الحزمة عن رأسه وجلس عليها وقال: لا تقولا لي من ربك؟ ولكن قولا لي: أين محل الإيمان من قلبك فنظرت إلى صاحبي ونظر إلي صاحبي، ثم قال: سلا، سلا، فإن المريد لا تنقطع مسائله، فلما رآنا لا نحير جواباً قال: اللهم إن كنت تعلم أن لك عباداً كلما سألوك أعطيتهم فحول حزمتي هذه ذهباً، فرأيناها قضبان ذهب تلتمع، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم لك عباداً الإخمال أحب إليهم من الشهرة فردها حطباً. فرجعت والله حطباً. ثم حملها على رأسه ومضى فلم نجترئ أن نتبعه. 815 - عابد آخر عن عبد السلام بن حرب قال: ذكر الحسن بن حي رجلاً من أهل الشام فذكر عبادته، قال له خلف بن حوشب: فكيف كانت رقته؟ قال: ذهبت رقته، أما رأيت الثكلى تكمد؟ 816 - عابد آخر بكر العابد قال: كان عابد من أهل الشام قد حمل على نفسه في العبادة. فقالت له أمه: يا بني عملت ما لم يعمل الناس أما تريد أن تهجع؟ فأقبل يردد عليها ويقول: ليتك كنت لي عقيماً، إن لبنيك في القبر حبساً طويلاً. 817 - عابد آخر أبو بكر الكتاني وجماعة من المشايخ. قالوا: كان لأبي جعفر الدينوري أخ يكون بالشام،

وكان لا يقيم في قرية ولا بمدينة أكثر من ليلة أو يوم ثم يخرج، فدخل إلى قرية فاعتل فيها سبعة أيام لم يأكل ولم يشرب ولم يكلمه أحد، فمات فأصبح القوم في اليوم الثامن فوجدوه ميتاً فغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلوا عليه، وحملوه ليدفنوه، فجاء الناس من كل قرية إليهم وقالوا: سمعنا صائحاً يصيح: من أراد أن يحضر جنازة ولي من أولياء الله عز وجل فليحضر قرية كذا وكذا. قال: فصلوا عليه ودفنوه. فلما كان من الغد وجدوا الكفن والحنوط مصروراً في محرابهم ومعه كتاب فيه مكتوب: لا حاجة لنا في كفنكم هذا، يقيم بين أظهركم ولي من أولياء الله عز وجل سبعة أيام، لا عدتموه ولا عللتموه ولا أطعمتموه ولا سقيتموه ولا كلمتموه؟ قال الكتاني: فجعل أهل تلك القرية فيها بيتاً للضيافة.

من عقلاء مجانين الشام

من عقلاء مجانين الشام: 818 - عابد عبد الواحد بن زيد قال: خرجت إلى الشام في طلب العباد فجعلت أجد الرجل بعد الرجل شديد الاجتهاد حتى قال لي رجل: قد كان ها هنا رجل من النحو الذي تريد، ولكنا فقدنا من عقله، فلا ندري، يريد أن يحتجب من الناس بذلك أم هو شيء أصابه؟ قلت: وما أنكرتم منه؟ قال: إذا كلمه أحد قال: الوليد وعاتكة، لا يزيده عليه. قال: قلت فكيف لي به؟ قال: هذه مدرجته. فانتظرته فإذا برجل واله، كريه الوجه، كريه المنظر، وافر الشعر، متغير اللون وإذا الصبيان حوله وخلفه وهو ساكت يمشي، وهم خلفه سكوت يمشون وعليه أطمار دنسة. قال: فتقدمت إليه فسلمت عليه، فالتفت إلي فرد علي السلام. فقلت: يرحمك الله إني أريد أن أكلمك. فقال: الوليد وعاتكة. قلت: قد أخبرت بقصتك. فقال الوليد وعاتكة، ثم مضى حتى دخل المسجد ورجع الصبيان الذين كانوا يتبعونه فاعتزل إلى سارية فركع فأطال الركوع ثم سجد، فدنوت منه فقلت: رحمك الله، رجل غريب يريد أن يكلمك ويسألك عن شيء، فإن شئت فأطل وإن شئت فأقصر، فلست ببارح حتى تكلمني. قال وهو في سجوده، يدعو ويتضرع، ففهمت عنه، وهو يقول: سترك سترك، قال: فأطال السجود حتى سئمت فدنوت منه فلم أسمع له نفساً ولا حركة. قال: فحركته فإذا هو ميت كأنه قد مات من دهر طويل. قال فخرجت إلى صاحبي الذي دلني عليه فقلت: تعال فانظر إلى الذي زعمت أنك أنكرت من عقله. وقصصت عليه قصته. قال فهيأناه ودفناه.

ذكر المصطفيات من عابدات الشام

ذكر المصطفيات من عابدات الشام 819 - أم الدرداء واعلم أن أم الدرداء اثنتان: فالكبرى تسمى خيرة بنت أبي حدرد، زوجة أبي الدرداء، لها صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال إنها ماتت قبل أبي الدرداء. وأم الدرداء الصغرى: اسمها هجيمة بنت حيي الوصابية، قبيلة من حمير، وهي زوجة أبي الدرداء أيضاً. ويقال فيها جهيمة وهي التي خطبها معاوية بعد موت أبي الدرداء فأبت أن تتزوجه. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: الكبرى لها صحبة، وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث، والصغرى لا صحبة لها، روت عن أبي الدرداء وكلتاهما زوجة أبي الدرداء. وقال أبو القاسم الطبري: يروي عن الصغرى: إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر، وزيد بن أسلم، وطلحة ابن عبد الله بن كريز، وصفوان بن عبد الله بن صفوان، وعثمان بن حيان الدمشقي، وسالم بن أبي الجعد، ويونس بن ميسرة بن حلبس. قلت: وكان لأبي الدرداء بنت تسمى الدرداء، وليست من هذه ولا من هذه، بل من امرأة أخرى على ما ذكر محمد بن سعد. وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث صفوان بن عبد الرحمن قال: قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت: أتريد الحج العام: فقلت: نعم. قالت: فادع لنا بخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل". قال: فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم في كتاب الدعاء. وأخرج متصلاً به ليدل على أن الحديث من روايتها عن أبي الدرداء، من حديث طلحة بن عبد الله ابن كريز، قال: حدثتني أم الدرداء قالت: حدثني سيدي، يعني أبا الدرداء، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به: ولك بمثل". قال أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي: قال أبو بكر البرقاني: وهذه أم الدرداء الصغرى التي روت هذا الحديث وليس لها صحبة ولا سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من مسند أبي الدرداء. فأما أم الدرداء الكبرى فلها صحبة وليس لها في الكتابين حديث والله أعلم.

_ 819 - هي: أم الدرداء زوج أبي الدرداء، اسمها هجيمة، وقيل: جهيمة، الأوصابية، الدمشقية، وهي الصغرى، وأما الكبرى فاسمها خيرة، والصغرى ثقة فقيهة من الثالثة، ماتت سنة إحدى وثمانين.

قلت: فإذ قد كشفنا عن هاتين الكنيتين على ما يوجبه النظر في النقل فالأخبار التي نوردها عن الصغرى لا عن الكبرى والله أعلم. عبد الله بن أحمد قال: حدثتني خديجة أم محمد، وكانت تجيء إلى أبي تسمع منه ويحدثها، قالت: حدثنا إسحاق الأزرق قال: حدثنا المسعودي عن عون بن عبد الله قال: كنا نجلس إلى أم الدرداء فنذكر الله عندها فقالوا: لعلنا قد أمللناك قال: تزعمون أنكم قد أمللتموني؟ فقد طلبت العبادة في كل شيء فما وجدت شيئاً أشفى لصدري ولا أحرى أن أصيب به الذي أريد من مجالس الذكر. عن عون بن عبد الله قال كنا نأتي أم الدرداء فنذكر الله عندها. قال: فاتكأت ذات يوم. فقيل لها: لعلنا أن نكون قد أمللناك يا أم الدرداء، فجلست فقالت: رعمتم أنكم قد أمللتموني؟ فقد طلبت العبادة بكل شيء فما وجدت أشفى لصدري ولا أحرى أن أدرك منه ما أريد من مجالسة أهل الذكر. عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: قلت لأم الدرداء ادعي لنا قالت: أو بلغت أنا ذلك؟. عن ميمون بن مهران قال: ما دخلت على أم الدرداء في ساعة صلاة إلا وجدتها مصلية. يونس بن ميسرة بن حلبس قال: كنا نحضر أم الدرداء وتحضرها نساء متعبدات يقمن الليل كله حتى إن أقدامهن قد انتفخت من طول القيام. شيخ من بني تميم قال: حدثني هزان قال: قالت لي أم الدرداء: يا هزان هل تدري ما يقول الميت على سريره؟ فقلت: لا. قالت: فإنه يقول يا أهلاه ويا جيراناه وياحملة سريراه، لا تغرنكم الدنيا كما غرتني، ولا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي فإن أهلي لا يحملون عني من وزري شيئاً، ولو حاجوني عند الجبار لحجوني. ثم قالت أم الدرداء الدنيا أسحر لقلوب العابدين من هاروت وماروت، وما آثرها عبد قط إلا أضرعت خده. عن أبي عمران الأنصاري قال: كنت أقود دابة أم الدرداء فيما بين بيت المقدس ودمشق فقالت لي: يا سليمان أسمع الجبال وما وعدها الله عز وجل فأرفع صوتي بهذه الآية: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ....} الكهف: 47. سعيد بن عبد العزيز قال: أشرفت أم الدرداء على وادي جهنم ومعها إسماعيل بن عبيد الله فقالت: يا إسماعيل اقرأ فقرأ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا

لا تُرْجَعُونَ} المؤمنون فخرت أم الدرداء على وجهها وخر إسماعيل على وجهه فما رفعا رؤوسهما حتى ابتل ما تحت وجوههما من دموعهما. عن خالد بن ذكوان قال: أخبرتني أمي أن ابنة لأبي الدرداء توفيت فصلت عليها أم الدرداء ثم رجعت فدعت بالمجمر فوضعته تحت ثيابها ثم ناولتنيه. وقال يحيى بن معين: ماتت الدرداء قبل أم الدرداء، فلام دفنتها قالت: اذهبي إلى ربك وأذهب إلى ربي. فدخلت المسجد. عن ميمون بن مهران قال: خطب معاوية أم الدرداء فأبت أن تزوجه وقالت سمعت أبا الدرداء يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المرأة في آخر أزواجها" أو قال: "لآخر أزواجها" أو كما قال ولست أريد بأبي الدرداء بدلاً. عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء قالت: إنما الوجل في قلب ابن آدم كاحتراق السعفة، أما تجد لها قشعريرة؟ قال: بلى. قالت: فادع الله إذا وجدت ذلك، فإن الدعاء يستجاب عند ذلك.

عثامة

820 - عثامة عن محمد بن سليمان أن عثامة كف بصرها. وكانت متعبدة. قال الجروي: حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن عبد العزيز قال: ما نعلم أحداً أحنث في مشي فمشى إلا عثامة فإنها حنثت فمشت إلى مكة فأنفقت خمسمائة دينار. محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء أن أمه عثامة كف بصرها فدخل عليها ابنها يوماً وقد صلى، فقالت: أصليتم أي بني؟ قال: نعم. فقالت: عثام مالك لاهيه ... حلت بدارك داهية أبكي الصلاة لوقتها ... إن كنت يوماً باكية وأبكي القرآن إذا تلي ... قد كنت يوماً تالية تتلينه بتفكر ... ودموع عينك جارية فاليوم لا تتلينه ... إلا وعندك تاليه لهفي عليك صبابة ... ما عشت طول حياتيه

أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أخت عمر

821 - أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أخت عمر عن علي بن أبي جملة قال: سمعت أم البنين ابنة عبد العزيز بن مروان تقول: أف للبخل، لو كان قميصاً ما لبسته، ولو كان طريقاً ما سلكته.

سعيد بن مسلمة بن هشام الأموي قال: كانت أم البنين ابنة عبد العزيز بن مروان تبعث إلى نسائها فيجتمعن ويتحدثن عندها وهي قائمة تصلي ثم تنصرف إليهن فتقول: أحب حديثكم فإذا قمت في صلاتي لهوت عنكن ونسيتكن. قال: وكانت تكسوهن الثياب الحسنة وتعطيهن الدنانير وتقول: الكسوة لكن والدنانير اقسمنها بين فقرائكن. وكانت تقول: جعل لكل قوم نهمة في شيء، وجعلت نهمتي في البذل والإعطاء، والله للصلة والمواساة أحب إلي من الطعام الطيب على الجوع، ومن الشراب البارد على الظمأ، وكانت تقول: وهل ينال الخير إلا باصطناعه؟ وكانت تقول: ما حسدت أحداً قط على شيء، إلا أن يكون ذا معروف فإني كنت أحب أن أشركه في ذلك. أحمد بن سهل قال: حدثني منصور، مولى بني أمية، قال: كانت أم البنين تعتق في كل جمعة رقبة، وتحمل على فرس في سبيل الله عز وجل. قال محمد: وحدثني يوسف بن الحكم قال حدثني مروان بن محمد بن عبد الملك بن مروان قال: دخلت عزة على أم البنين. فقالت لها: يقول كثير: قضى كل ذي دين علمت غريمه وعزة ممطول معنى غريمها ما كان هذا الدين يا عزة؟ فاستحيت. فقالت: علي ذلك. قالت: كنت وعدته قبلة فتحرجت منها. فقالت أم البنين: أنجزيها له وإثمها علي. قال محمد: وقال لي يوسف بن الحكم: حدثني رجل من بني أمية يكنى أبا سعيد قال: بلغني أن أم البنين أعتقت لكلمتها هذه أربعين رقبة وكانت إذا ذكرتها بكت وقالت: ليتني خرست ولم أتكلم بها. قال يوسف: وحدثني سعيد بن مسلمة بن هشام بن عبد الملك قال: حدثتني امرأة من أهلي قالت: سمعت أم البنين تقول: ما تحلى المتحلون بشيء أحسن عليهم من عظم مهابة الله في صدورهم.

عبدة أخت أبي سليمان الداراني

822 - عبدة أخت أبي سليمان الداراني أبو سليمان قال: وصفت لأختي عبدة قنطرة من قناطر جهنم، فأقامت يوماً وليلة في صيحة واحدة ما تسكت. ثم انقطع عنها بعد. فكلما ذكرت لها صاحت. قلت: من أي شيء كان صياحها؟ قال: مثلت نفسها على القنطرة وهي تكفأ بها. وقد روى أحمد بن الحواري عن أبي سليمان أنه قال: سمعت أختي تقول: الفقراء كلهم أموات إلا من أحياه الله تعالى بعز القناعة والرضا بفقره.

وذكر أبو عبد الرحمن السلمي أنه كان لأبي سليمان أختان: عبدة وآمنة قال: وكانتا من العقل والدين بمحل عظيم.

رابعة بنت إسماعيل زوجة أحمد بن أبي الحواري

823 - رابعة بنت إسماعيل زوجة أحمد بن أبي الحواري كذا نسبها أبو بكر بن أبي الدنيا. وقد ذكر أبو عبد الرحمن السلمي أن رابعة العدوية تشارك هذه في اسمها واسم أبيها وعموم ما يأتي في الحديث عن زوجة أحمد أنها رابعة بالباء، والعدوية بصرية وهذه شامية، وقد أخبرنا ابن ناصر قال: أنبأ أبو الغنائم بن النرسي قال: رابعة بالباء بنقطة من تحتها بصرية، ورابعة بالياء باثنتين من تحتها شامية. أحمد بن أبي الحواري قال: قلت لرابعة، وهي امرأتي وقد قامت بليل: قد رأينا أبا سليمان وتعبدنا معه، ما رأينا من يقوم من أول الليل. فقالت: سبحان الله مثلك يتكلم بهذا؟ إنما أقوم إذا نوديت. قال: وجلست آكل وجعلت تذكرني. فقلت لها: دعينا يهنينا طعامنا. قالت: ليس أنا وأنت ممن يتبغص عليه الطعام عند ذكر الآخرة. أحمد بن أبي الحواري قال: قالت لي رابعة: أي أخي أعلمت أن العبد إذا عمل بطاعة الله أطلعه الجبار على مساوئ عمله فيتشاغل به دون خلقه؟. عن أحمد بن أبي الحواري قال: كانت لرابعة أحوال شتى فمرة يغلب عليها الحب، ومرة يغلب عليها الأنس، ومرة يغلب عليها الخوف فسمعتها تقول في حال الحب: حبيب ليس يعدله حبيب ... ولا لسواه في قلبي نصيب حبيب غاب عن بصري وشخصي ... ولكن عن فؤادي ما يغيب وسمعتها في حال الأنس تقول: ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي ... وأبحت جسمي من أراد جلوسي فالجسم مني للجليس مؤانس ... وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي وسمعتها في حال الخوف تقول: وزادي قليل ما أراه مبلغي ... أللزاد أبكي أم لطول مسافتي؟ أتحرقني بالنار يا غاية المنى ... فأين رجائي فيك؟ أين محبتي؟ أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت رابعة تقول: إني لأضن باللقمة الطيبة أن أطعمها نفسي، وإني لأرى ذراعي قد سمن فأحزن. قال: وربما قلت لها: أصائمة أنت اليوم؟ فتقول: ما مثلي يفطر في الدنيا. قال: وربما نظرت إلى وجهها ورقبتها فيتحرك قلبي على رؤيتها ما لا

يتحرك مع مذاكراتي أصحابنا من أثر العبادة. وقالت لي: لست أحبك حب الأزواج إنما أحبك حب الإخوان، وإنما رغبت فيك رغبة في خدمتك، وإنما كنت أحب وأتمنى أن يأكل ملكي ومالي مثلك ومثل إخوانك. قال أحمد: وكانت لها سبعة آلاف درهم فأنفقتها علي. فكانت إذا طبخت قدراً قالت: كلها يا سيدي فما نضجت إلا بالتسبيح. وقالت لي: لست أستحل أن أمنعك نفسي وغيري، اذهب فتزوج. قال: فتزوجت ثلاثاً، وكانت تطعمني اللحم وتقول: اذهب بقوتك إلى أهلك. وكنت إذا أردت جماعها نهاراً قالت: أسألك بالله لا تفطرني اليوم، وإذا أردتها بالليل قالت: أسألك بالله لما وهبتني لله الليلة. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت رابعة تقول: ما سمعت الأذان إلا ذكرت منادي القيامة، ولا رأيت الثلج إلا رأيت تطاير الصحف، ولا رأيت جراداً إلا ذكرت الحشر. أحمد بن أبي الحواري قال: قالت لنا رابعة: نحوا عني ذلك الطست، فإنما عليه مكتوب: مات أمير المؤمنين هارون الرشيد. قال أحمد: فنظروا فإذا هو مات ذلك اليوم. أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت رابعة تقول: ربما رأيت الجن يذهبون ويجيئون، وربما رأيت الحور العين يستترن مني بأكمامهن. وقالت بيدها على رأسها. قال أحمد: ودعوت رابعة فلم تجبني، فلما كان بعد ساعة أجابتني وقالت: إنما منعني من أن أجيبك أن قلبي قد كان امتلأ فرحاً بالله، فلم أقدر أن أجيبك.

أم هارون

824 - أم هارون عبد العزيز بن عمير قال: قالت أم هارون، وكانت من الخائفين العابدين: قد أنزلت الدنيا منزلتها. وكانت تأكل الخبز وحده. قالت: بأبي الليل لما أطيبه، إني لأغتم بالنهار حتى يجيء الليل، فإذا جاء الليل قمت أوله، فإذا جاء السحر دخل الروح قلبي. قال أحمد بن أبي الحواري: وخرجت أم هارون من قريتها تريد موضعها. فصاح صبي بصبي خذوه. فسقطت أم هارون فوقعت على حجر فدميت، فظهر الدم من مقنعتها. قال: وقال أبو سليمان: من أراد أن ينظر إلى صعق صحيح فلينظر إلى أم هارون. وقال أبو سليمان: ما كنت أرى أنه يكون بالشام مثلها. قال أحمد بن أبي الحواري: وقالت لي رابعة: ما دهنت أم هارون رأسها منذ عشرين سنة. فإذا كشفنا رؤوسنا كان شعرها أحسن من شعورنا.

وبالإسناد قال أبو بكر القرشي: وبلغني عن القاسم الجوعي قال: مرضت أم هارون فأتينا نعودها أنا وصاحب لي، فدخلنا عليها وهي على طرف الدرجة فسألناها عن حالها. فقلت لها: أم هارون أيكون من العباد من يشغله خوف النيران عن الشوق إلى الجنان؟ فقالت: آه وسقطت عن الدرجة مغشياً عليها. قال قاسم: وكانت أم هارون تأتي بيت المقدس من دمشق كل شهر مرة على رجليها. فدخلت عليها فقالت: يا قاسم كنت أمشي ببيسان فإذا قد عرض لي هذه الكلب الأسد فمشى نحوي. فلما قرب مني نظرت إليه فقتل: تعال يا كلب، إن كان لك رزق فكل. فلما سمع كلامي أقعى ثم ولى راجعاً. أحمد بن أبي الحواري قال: قلت لأم هارون: أتحبين الموت؟ قالت: لا. قلت: ولم؟ قالت: لو عصيت آدمياً ما أحببت لقاءه، فكيف أحب لقاء الله وقد عصيته.

ثويبة بنت بهلول

825 - ثويبة بنت بهلول ابن أبي الحواري قال: سمعت ثويبة بنت بهلول، وكانت زاهدة دمشق، تقول قرة عيني ما طابت الدنيا والآخرة إلا بك فلا تجمع علي فقدك والعذاب.

حمادة الصوفية

826 - حمادة الصوفية علي بن أبي الحر قال: دخلت أنا وخشيش الموصلي من باب الجابية وفي يدي كتاب جاءني من حمادة الصوفية. فقرأت فيه: أبلغ كل مخزون بالشام عني السلام. فانتحب خشيش على رؤوس الناس.

البيضاء بنت المفضل

827 - البيضاء بنت المفضل أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أسماء الرملية، وكانت من العابدات، تقول: سألت البيضاء بنت المفضل، فقلت: يا أختي هل للمحب لله دلائل يعرف بها؟ قالت: يا أختي والمحب للسيد يخفى؟ لو جهد المحب للسيد أن يخفى ما خفي. قلت: صفيه لي. قالت: لو رأيت المحب لله عز وجل لرأيت عجباً عجيباً من واله ما يقر على الأرض، طائر مستوحش أنسه في الوحدة، قد منع الراحة، طعامه الحب عند الجوع، وشربه الحب عند الظمأ، لا يمل من طول الخدمة لله تعالى.

آمنة الرملية

828 - آمنة الرملية جعفر بن محمد، صاحب بشر، قال: اعتل بشر بن الحارث فعادته آمنة الرملية من

الرملة. فإنها لعنده إذ دخل أحمد بن حنبل يعوده. فقال: من هذه؟ فقال: هذه آمنة الرملية. بلغها علتي فجاءت من الرملة تعودني. قال: فسلها تدعو لنا. فقالت: اللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيرانك من النار فأجرهما. قال أحمد: فانصرفت فلما كان من الليل طرحت إلي رقعة مكتوب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. قد فعلنا ولدينا مزيد.

التجار إليه بالعشية فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم. فقال لهم: انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم فردهم وقال: إني نويت البارحة أن أدفع إليهم بما طلبوا، يعني الذين طلبوا أول مرة، ففعل وقال: لا أحب أن أنقض نيتي. مسبح بن سعيد قال: كان محمد بن إسماعيل البخاري إذا كان في أول ليلة من رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم فيقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال، ويقول عند كل ختمة: دعوة مستجابة. علي بن محمد بن منصور قال: سمعت أبي يقول: كنا في مجلس أبي عبد الله محمد بن إسماعيل، فرفع إنسان من لحيته قذاة فطرحها على الأرض، فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس فلما غفل الناس رأيته مد يده فرفع القذاة من الأرض فأدخلها في كمه. فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها فطرحها على الأرض. محمد بن أبي حاتم قال: كنت أرى أبا عبد الله يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري ناراً ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها ثم يضع رأسه. وكان يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بواحدة. بكر بن منير قال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً. قلت: فضائل البخاري كثيرة، وحفظه للحديث حفظ غزير قد شهد له الأكابر به حتى قال أحمد بن حنبل: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل. وكان نحيف الجسم ليس بالطويل ولا بالقصير. ولد يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة. وتوفي ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر وذلك لغرة شوال من سنة ست وخمسين ومائتين وقبره بخرتنك.

ذكر المصطفيات من عابدات الشام المجهولات الأسماء

ذكر المصطفيات من عابدات الشام المجهولات الأسماء 829 - مولاة لأبي أمامة - شامية عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثتني مولاة أبي أمامة قالت: كان أبو أمامة يحب الصدقة ويجمع لها، ولا يرد سائلاً ولو ببيضة، ولو بتمرة أو بشيء مما يؤكل، فأتاه سائل ذات يوم وقد أقفر من ذلك كله وما عنده إلا ثلاثة دنانير. فسأله فأعطاه ديناراً. ثم أتاه سائل فأعطاه ديناراً. ثم أتاه سائل فأعطاه ديناراً. قالت: فغضبت وقلت: لم تترك لنا شيئاً. قالت: فوضع رأسه للقائلة. قالت: فلما نودي الظهر أيقظته فتوضأ ثم راح إلى مسجده. قالت: فرققت عليه وكان صائماً، فاقترضت ما جعلت له عشاء وسرجت له سراجاً وجئت إلى فراشه لأمهد له فإذا بذهب فعددتها فإذا ثلثمائة دينار. قالت قلت: ما صنع الذي صنع إلا ولقد وثق بما خلف. فأقبل بعد العشاء فلما رأى المائدة والسراج تبسم وقال: هذا خير من غيره. قالت: فقمت على رأسه حتى تعشى، فقلت: رحمك الله خلفت هذه النفقة في سبيل مضيعة ولم تخبرني فأرفعها؟ قال: وأي نفقة؟ ما خلفت شيئاً. قالت: فرفعت الفراش فلما أن رآه فرح واشتد تعجبه. قالت: فقمت فقطعت زناري وأسلمت. قال ابن جابر: فأدركتها في مسجد حمص وهي تعلم النساء القرآن والسنن والفرائض وتفقههن في الدين. 830 - عابدة أخرى أحمد بن أبي الحواري يقول: بينا أنا ذات يوم في بلاد الشام في قبة من قباب المقابر ليس عليها باب، إلا كساء قد أسبلته. فإذا أنا بامرأة تدق الحائط، فقلت: من هذا؟ قالت: امرأة ضالة، دلني على الطريق رحمك الله، قلت: عن أي الطريق تسألين؟ فبكت ثم قالت: عن طريق النجاة، قلت: هيهات، إن بيننا وبين طريق النجاة عقاباً وتلك العقاب لا تنقطع إلا بالسير الحثيث، وتصحيح المعاملة، وحذف العلائق الشاغلة من أمر الدنيا والآخرة. قال: فبكت بكاءً شديداً ثم قالت: يا أحمد سبحان من أمسك عليك جوارحك فلم تنقطع، وحفظ عليك فؤادك فلم يتصدق، ثم خرت مغشياً عليها. فقلت لبعض النساء: انظرن أي شيء حال هذه الجارية؟ فقمن إليها ففتشنها فإذا وصيتها في جيبها: كفنوني في أثوابي هذه فإن كان لي

عند الله خير فهو أسور لي، وإن كان غير ذلك فبعداً لنفسي. وحركوها فإذا هي ميتة. فقلت: لمن هذه الجارية؟ قالوا جارية قرشية كانت تشكو إلينا وجعاً بجوفها فكنا نصفها لمتطيبي الشام، فكانت تقول: خلوا بيني وبين الطبيب الراهب، تعني أحمد بن أبي الحواري، أشكو إليه بعض ما أجد من بلائي، لعله يكون عنده شفائي. 831 - عابدة أخرى محمد بن سعد التيمي قال: رأيت جارية سوداء في بعض مدن الشام وبيدها خوص تسفه، وهي تقول مع سفها: لك علم بما يجن فؤادي ... فارحم اليوم ذلتي وانفرادي فقلت: يا سوداء ما علامة المحب؟ فإذا رجل قد صرع بالقرب منها. فنظرت إلي وإلى الرجل وقالت: يا بطال، علامة المحب الصادق لله في حبه أن يقول لهذا المجنون قم فيقوم. فإذا الرجل قد قام وإذا الجنية تقول لها على لسانه: وحق صدق حبك لربك لا رجعت إليه أبداً. انتهى ذكر أهل الشام بحمد الله ومنه.

ومن المصطفين من أهل عسقلان

ومن المصطفين من أهل عسقلان: 832 - آدم بن أبي إياس العسقلاني واسم أبي إياس ناهية، وقال البخاري: هو آدم بن عبد الرحمن بن محمد. ويكنى أبا الحسن، مولى. أصله من خراسان ومنشؤه ببغداد وبها طلب العلم، وكتب عن شيوخها ثم رحل إلى الكوفة والبصرة والحجاز والشام واستوطن عسقلان فعرف بالعسقلاني، وكان من الصالحين متمسكاً بالسنة. أبو علي المقدسي قال: لما حضرت آدم بن أبي إياس الوفاة ختم القرآن وهو مسجى، ثم قال: بحبي لك رفقت بي في هذا المصرع كنت آملك لهذا اليوم كنت أرجوك. ثم قال: لا إله إلا الله. ثم قضى نحبه. أسند آدم عن شعبة والليث بن سعد وخلق كثير، وتوفي سنة عشرين ومائتين.

ذكر المصطفين من أهل مصر

ذكر المصطفين من أهل مصر 833 - حيوة بن شريح، أبو يزيد النجيبي وقال أبو زرعة: سمع من عقبة بن مسلم، وروى عنه الليث. خالد بن الفزر قال: كان حيوة بن شريح دعاء، من البكائين، وكان ضيق الحال جداً. فجلست إليه ذات يوم وهو متخل وحده يدعو. فقلت: رحمك الله لو دعوت الله عز وجل فوسع عليك في معيشتك. قال: فالتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً فأخذ حصاة من الأرض فقال: اللهم اجعلها ذهباً. قال: فإذا هي والله تبرة في كفه، ما رأيت أحسن منها. قال: فرمى بها إلي وقال: ما خير في الدنيا إلا الآخرة. ثم التفت إلي فقال: هو أعلم بما يصلح عباده. فقلت: ما أصنع بهذه؟ قال: استنفقها. فهبته والله أن أراده.

_ 833 - هو: حيوة –بفتح أوله وسكون التحتانية وفتح الواو - ابن شريح بن صفوان التجيبي، أبو زرعة المصري، ثقة ثبت فقيه زاهد، من السابعة، مات سنة ثمان وقيل: تسع وخمسين.

سليم بن عتر

834 - سليم بن عتر عن الحارث بن يزيد أن سليم بن عتر كان يقرأ القرآن كل ليلة ثلاث مرات.

_ 834 - هو: سليم بن عتر، الإمام الفقيه قاضي مصر، وواعظها وقاصها وعابدها أبو سلمة التجيبي المصري، وكان يدعى الناسك لشدة تألهه، توفي سليم سنة خمس وسبعين، انظر سير أعلام النبلاء 5/153.

الليث بن سعد

835 - الليث بن سعد يكنى أبا الحارث، مولى لقيس. ولد سنة ثلاث وتسعين، واستقل بالفتوى والكرم بمصر. أبو صالح قال: كنا على باب مالك بن أنس فامتنع علينا. فقلنا: ليس يشبه صاحبنا قال: فسمع مالك كلامنا فأدخلنا عليه فقال لنا: من صاحبكم؟ قلنا: الليث بن سعد. فقال: تشبهوني برجل كتبنا إليه في قليل عصفر نصبغ به ثياب صبياننا وثياب جيراننا فأنفذ إلينا ما صبغنا به ثيابنا وثياب صبياننا وثياب جيراننا وبعنا الفضلة بألف دينار؟.

_ 835 - هو: الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث، المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من السابعة، مات في شعبان سنة خمس وسبعين.

محمد بن موسى الصائغ قال: سمعت منصور بن عمار يقول: تكلمت في جامع مصر يوماً فإذا رجلان قد وقفا على الحلقة فقالا: أجب الليث. فدخلت عليه فقال: أنت المتكلم في المسجد؟ قلت: نعم: قال رد علي الكلام الذي تكلمت به. فأخذت في ذلك المجلس بعينه. فرق وبكى حتى رحمته. ثم قال: ما اسمك؟ قلت: منصور، قال: ابن من؟ قلت: ابن عمار. قال: أنت أبو السري؟ قلت: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك. ثم قال: يا جارية. فجاءت فوقفت بين يديه فقال لها: جيئي بكيس كذا وكذا فجاءت بكيس فيه ألف دينار فقال: يا أبا السري خذ هذا إليك وصن هذا الكلام أن تقف به على أبواب السلاطين، ولا تمدحن أحداً من المخلوقين بعد مدحتك لرب العالمين، ولك علي في كل سنة مثلها. فقلت: رحمك الله إن الله قد أحسن إلي وأنعم. قال: لا ترد علي شيئاً أصلك به، فقبضتها وخرجت. قال: لا تبطئ علي، فلما كان في الجمعة الثانية أتيته فقال لي: اذكر شيئاً فتكلمت، فبكا وكثر بكاؤه فلما أردت أن أقوم قال: انظر ما في ثني هذه الوسادة وإذا خمسمائة دينار. فقلت: عهدي بصلتك بالأمس. قال: لا تردن علي شيئاً أصلك به. متى رأيتك؟ قلت: الجمعة الداخلة. قال: كأنك فتت عضواً من أعضائي. فلما كانت الجمعة الداخلة أتيته مودعاً فقال لي: خذ في شيء أذكرك به، فتكلمت، فبكا وكثر بكاؤه. ثم قال لي: يا منصور انظر ما في ثني الوسادة، إذا ثلثمائة دينار قد أعدها للحج. ثم قال: يا جارية هاتي ثياب إحرام منصور، فجاءت بإزار فيه أربعون ثوباً. قلت: رحمك الله أكتفي بثوبين. فقال لي: أنت رجل كريم ويصحبك قوم فأعطهم. وقال للجارية التي تحمل الثياب معه: وهذه الجارية لك. سليم بن منصور قال: سمعت أبي يقول: دخلت على الليث بن سعد يوماً فإذا على رأسه خادم، فغمزه فخرج، ثم ضرب الليث بيده إلى مصلاة فاستخرج من تحته كيساً فيه ألف دينار، ثم رمى بها إلي. ثم قال: يا أبا السري لا تعلم ابني فتهون عليه. الحسن بن عبد العزيز قال: قال لي الحارث بن مسكين اشترى قوم من الليث بن سعد ثمرة استغلوها فاستقالوه فأقالهم. ثم دعا بخريطة فيها أكياس فأمر لهم بخمسين ديناراً، فقال له الحارث ابنه في ذلك، فقال: اللهم غفراً إنهم كانوا قد أملوا فيها أملاً فأحببت أن أعوضهم عن أملهم بهذا.

سعيد الآدم قال مررت بالليث بن سعد فتنحنح لي فرجعت إليه، فقال لي يا سعيد خذ هذا الفنداق، فاكتب لي فيه من يلزم المسجد ممن لا بضاعة له ولا غلة. قال: فقلت: جزاك الله خيراً يا أبا الحارث. وأخذت منه الفنداق ثم صرت إلى المنزل، فلما صليت أوقدت السراج وكتبت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثم قلت: فلان بن فلان. ثم قلت: فلان. فبينا أنا على ذلك إذ أتاني آت فقال: ها الله يا سعيد تأتي إلى قوم عاملوا الله عز وجل سراً فتكشفهم لآدمي؟ مات الليث ومات شعيب بن الليث، أليس مرجعهم إلى الله الذي عاملوه؟ قال فقمت ولم أكتب شيئاً، فلما أصبحت أتيت الليث بن سعد فلما رآني تهلل وجهه فناولته الفنداق فنشره فأصاب فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ثم ذهب ينشره. فقلت له: ما فيه غير ما كتبت فقال لي: يا سعيد وما الخبر؟ فأخبرته بصدق عما كان. فصاح صيحة، فاجتمع عليه الخلق فقالوا: يا أبا الحارث أليس خيراً؟ فقال: ليس إلا خير. ثم أقبل علي فقال: يا سعيد تبينتها وحرمتها صدقت - مات الليث أليس مرجعهم إلى الله؟. قال علي بن محمد: سمعت مقدام بن داود يقول: سعيد الآدم هذا يقال إنه من الأبدال، وقد كان رآه مقدام. عبد الملك بن يحيى بن بكير قال: سمعت أبي يقول: وصل الليث بن سعد ثلاثة أنفس بثلاثة آلاف دينار: احترقت دار ابن لهيعة فبعث إليه بألف دينار، وحج فأهدى إليه مالك بن أنس رطباً على طبق فرد إليه على الطبق ألف دينار، ووصل منصور بن عمار بألف دينار، وقال: لا يسمع بهذا ابني فتهون عليه، فبلغ ذلك شعيب بن الليث فوصله بألف دينار إلا ديناراً، وقال: إنما نقصتك هذا الدينار لئلا أساوي الشيخ في العطية. محمد بن رمح قال: كان دخل الليث بن سعد في كل سنة ثمانين ألف دينار وما وجب الله تعالى عليه زكاة قط. سليم بن منصور قال: سمعت أبي يقول: كان الليث بن سعد يستغل في كل سنة خمسين ألف دينار فيحول عليه الحول وعليه دين. أسند الليث عن خلق كثير من التابعين كعطاء، ونافع، وأبي الزبير، والزهري. وقيل إنه أدرك نيفاً وخمسين تابعياً.

وتوفي يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شعبان من سنة خمس وسبعين ومائة ودفن بعد الجمعة.

المفضل بن فضالة القتباني

836 - المفضل بن فضالة القتباني وقتبان من اليمن. قاضي مصر سمع عقيل بن خالد - كذا ذكره البخاري. ابن رغبة قال كان مفضل بن فضالة قاضياً علينا، وكان مجاب الدعوة، وكان مع ضعفه طويل القيام، وحدثني من أثق به أنه دعا الله عز وجل أن يذهب عنه الأمل، فذهب عنه فلم يصبر فدعا الله أن يرده عليه.

_ 836 - هو: المفضل بن فضالة بن عبيد بن ثمامة القتباني -بكسر القاف وسكون المثناة بعدها موحدة - المصري، أبو معاوية القاضي، ثقة فاضل عابد أخطأ ابن سعد في تضعيفه، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين.

عبد الله بن وهب مولى لقريش

ومن الطبقة التي تلي هؤلاء: 837 - عبد الله بن وهب مولى لقريش أحمد بن سعيد الهمداني قال: دخل ابن وهب الحمام فسمع قارئاً يقرأ: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} غافر: 47 فسقط مغشياً عليه فغسلت عنه النورة وهو لا يعقل. خالد بن خداش قال: قرئ على عبد الله بن وهب كتاب أهوال القيامة فخر مغشياً عليه. فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد ذلك بأيام، وذلك بمصر سنة سبع وتسعين ومائة. أسند ابن وهب عن الأئمة كالثوري ومالك وشعبة.

_ 837 - هو: عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري الفقيه، ثقة حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة سبع وتسعين، وله اثنتان وسبعون سنة.

أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي

838 - أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي أبو الوليد بن أبي الجارود قال: كان أبو يعقوب البويطي جاري. قال: فما كنت أنتبه ساعة من الليل إلا سمعته يقرأ ويصلي. قال الربيع: كان أبو يعقوب أبداً يحرك شفتيه، يذكر الله عز وجل أو نحو ما قال. الربيع بن سليمان قال: رأيت البويطي على بغل في عنقه غل، وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة حديد فيها طوبة وزنها أربعون رطلاً، وهو يقول: والله لأموتن في حديدي هذا حتى يأتي من بعدي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم، ولئن أدخلت إليه لأصدقنه. يعني الواثق. أسند البويطي عن عبد الله بن وهب والشافعي وغيرهما. وكان قد جمع بين الفقه والتقوى وامتحن فلم يجب. علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى المصري قال: حدثنا أبي قال: حمل البويطي من مصر أيام الفتنة والمحنة بالقرآن إلى العراق فأرادوه على الفتنة فامتنع فسجن ببغداد وقيد وأقام مسجوناً إلى أن توفي في السجن والقيد ببغداد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين - وقال غيره: سنة أحدى وثلاثين.

_ 838 - هو: يوسف بن يحيى القرشي مولاهم، أبو يعقوب البويطي صاحب الشافعي، ثقة فقيه، من أهل السنة، مات في المحنة ببغداد سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين.

ذو النون المصري ابن إبراهيم، أبو الفيض

839 - ذو النون المصري ابن إبراهيم، أبو الفيض أصله من النوبة وكان من قرية من قرى صعيد مصر يقال لها إخميم. نزل مصر ويقال اسمه الفيض. ويقال ثوبان، وذو النون لقب. وكان أبوه إبراهيم مولى لإسحاق بن محمد الأنصاري، كان له أربعة بنين: ذو النون، وذو الكفل، وعبد الباري، والهميسع. ابن الجلاء قال: لقيت ستمائة شيخ ما لقيت فيهم مثل أربعة: أحدهم ذو النون. أبو بكر محمد بن خلف المؤدب قال: رأيت ذا النون المصري على ساحل البحر فلما جن الليل خرج فنظر إلى السماء والماء فقال: سبحان الله ما أعظم شأنكما، بل شأن خالقكما أعظم منكما ومن شأنكما. لما تهور الليل لم يزل ينشد هذه الأبيات إلى أن طلع عمود الصباح: اطلبوا لأنفسكم ... مثل ما وجدت أنا قد وجدت لي سكناً ... ليس في هواه عنا إن بعدت قربني ... أو قربت منه دنا يوسف بن الحسن يقول: سمعت ذا النون يقول: بصحبة الصالحين تطيب الحياة والخير مجموع في القرين الصالح إن نسيت ذكرك، وإن ذكرت أعانك. إسرافيل قال: حضرت ذا النون في الحبس، وقد دخل الجلواز بطعام له فقام ذو النون فنفض يده فقيل له: إن أخاك جاء به. فقال: إنه على يدي ظالم. قال: وسمعت رجلاً سأل ذا النون فقال: رحمك الله ما الذي أنصب العباد وأضناهم؟ فقال له: ذكر المقام، وقلة الزاد، وخوف الحساب. ولم لا تذوب أبدان العمال وتذهل عقولهم، والعرض على الله أمامهم وقراءة كتبهم بين أيديهم، والملائكة وقوف بين يدي الجبار ينتظرون أمره في الأخيار والأشرار؟ ثم قال: مثلوا هذا في نفوسهم وجعلوه نصب أعينهم. قال: وسمعت رجلاً يسأل ذا النون: متى تصح عزلة الخلق؟ فقال: إذا قويت على عزلة النفس. يوسف بن الحسين قال: قلت لذي النون في وقت مفارقتي له: من أجالس؟ قال: عليك

_ 739 - هو: ذو النون المصري، الزاهد، شيخ الديار المصرية، ثوبان بن إبراهيم، وقيل: فيض بن أحمد، وقيل: فيض بن إبراهيم النوبي، الإخميمي، يكنى أبا الفيض، ويقال: أبو الفيض ولد في أواخر أيام المنصور، انظر سير أعلام النبلاء 10/17.

بصحبة من تذكرك الله عز وجل رؤيته، وتقع هيبته على باطنك، ويزيد في عملك منطقة، ويزهدك في الدنيا عمله، ولا تعصي الله ما دمت في قربه، يعظك بلسان فعله، ولا يعظك بلسان قوله. وسمعت ذا النون يقول سقم الجسد في الأوجاع، وسقم القلوب في الذنوب، فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه، كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب. وسمعته يقول: من لم يعرف قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم. يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول: ما خلع الله عز وجل على عبد من عبيده خلعة من العقل، ولا قلده قلادة أجمل من العلم، ولا زينه بزينة أفضل من الحلم، وكمال ذلك كله التقوى. عبد القدوس بن عبد الرحمن قال: سمعت ذا النون يقول: إلهي لو أصبت موئلاً في الشدائد غيرك، أو ملجأ في النوازل سواك لحق لي أن لا أعرض إليه بوجهي عنك، ولا أختاره عليك لقديم إحسانك إلي وحديثه، وظاهر منتك علي وباطنها، ولو تقطعت في البلاء إرباً إرباً أو انصبت علي الشدائد صباً صباً ولا أجد مشتكى لبثي غيرك ولا مفرجاً لما بي سواك، فيا وارث الأرض ومن عليها، ويا باعث جميع من فيها ورث آملي فيك مني أملي، وبلغ همتي فيك منتهى وسائلي. محمد بن أحمد بن سلمة النيسابوري قال: سمعت ذا النون يقول: احذر أن تنقطع عنه فتكون مخدوعاً. قلت: فكيف ذلك؟ قال: لأن المخدوع من ينظر إلى عطاياه فينقطع عن النظر إليه بالنظر إلى عطاياه. ثم قال: تعلق الناس بالأسباب تعلق الصديقون بولي الأسباب. ثم قال: علامة تعلق قلوبهم بالعطايا طلبهم منه العطايا، ومن علامة تعلق قلب الصديق بولي العطايا انصباب العطايا عليه وشغله عنها به. ثم قال: ليكن اعتمادك على الله عز وجل في الحال، لا على الحال مع الله. ثم قال: اعقل فإن هذا من صفة التوحيد. محمد بن أحمد بن سلمة قال: سمعت ذا النون يقول، وقد سألته عند الفراق أن يوصيني فقال: لا يشغلنك عيوب الناس عن عيب نفسك، لست عليهم برقيب. ثم قال: إن أحب عباد الله إلى الله عز وجل أعقلهم عنه، وإنما يستدل على تمام عقل الرجل وتواضعه في عقله بحسن استماعه للمحدث إن كان به عالماً وسرعة قبوله للحق وإن كان ممن هو دونه، وإقراره على نفسه بالخطأ إذا جاء منه.

سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: من ذكر الله على حقيقة نسي في جنبه كل شيء، ومن نسي في جنب الله كل شيء حفظ الله عز وجل عليه كل شيء، وكان له عوضاً من كل شيء. قال: وسمعته يقول: أكثر الناس إشارة إلى الله في الظاهر أبعدهم من الله، قال: وسمعته يقول: إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي. وسئل عن الآفة التي يخدع بها المريد عن الله عز وجل فقال: برؤية الكرامات. قيل فبم يخدع قبل وصوله إلى هذه الدرجة؟ قال: بوطء الأعقاب وتعظيم الناس له. قال: وسمعته يقول: من ذبح الحنجرة الطمع بسيف اليأس، وردم خندق الحرص؛ ظفر بكيمياء الخدمة، ومن استقى بحل الزهد على دلو المعروف؛ استقى من جب الحكمة، ومن سلك أودية الكمد جنى حياة الأبد، ومن حصد عشب الذنوب بمنجل الورع أضاءت له روضة الاستقامة، ومن قطع لسانه بشفرة الصمت وجد عذوبة الراحة، ومن تدرع درع الصدق قوي على مجاهدة عسكر الباطل، ومن فرح بمدحة الجاهل ألبسه الشيطان ثوب الحماقة. أبو عثمان، سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون يقول: ما طابت الدنيا إلا بذكره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنة إلا برؤيته. يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول: دوام الفقر إلى الله تعالى مع التخليط أحب إلي من دوام الصفاء مع العجب. محمد بن عبد الملك قال: سمعت ذا النون يقول: ما أعز الله وجل عبداً بعز هو أعز له من أن يدله على ذل نفسه، وما أذل الله عز وجل عبداً بذل هو أذل له من أن يحجبه عن ذل نفسه. هلال بن العلاء قال: قال ذو النون: من تطأطأ لقط رطباً ومن تعالى لقي عطباً. سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون يقول: لا تثقن بمودة من لا يحبك إلا معصوماً. وقال: من صحبك ووافقك على ما تحب، وخالفك فيما تكره فإنما يصحب هواه، ومن صحب هواه فإنما هو طالب راحة الدنيا. وسمعته يقول: كل مطيع مستأنس، وكل عاص مستوحش، وكل محب ذليل، وكل خائف هارب، وكل راج طالب. يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول: أنت ملك مقتدر وأنا عبد مفتقر،

أسألك العفو تذللاً فأعطنيه تفضلاً. وسمعته يقول: من المحال أن يحسن منك الظن ولا يحسن منه المن. أبو عثمان، سعيد بن عثمان الخياط، يقول: سمعت ذا النون يقول: لم أر شيئاً أبعث لطلب الإخلاص مثل الوحدة، لأنه إذا خلا لم ير غير الله، فإذا لم ير غير الله لم يحركه إلا حكم الله، ومن أحب الخلوة فقد تعلق بعمود الإخلاص. قال الفتح بن شخرف: دخلت على ذي النون عند موته فقلت له: كيف تجدك؟ فقال: أموت وما ماتت إليك صبابتي ... ولا رويت من صدق حبك أوطاري مناي المنى كل المنى أنت لي منى ... وأنت الغني كل الغنى عند إقتاري وأنت مدى سؤلي وغاية رغبتي ... وموضع آمالي ومكنون إضماري تضمن قلبي منك ما لك قد بدا ... وإن طال سري فيك أو طال إظهاري وبين ضلوعي منك ما لا أبثه ... ولم أبد باديه لأهل ولا جار سرائر لا يخفى عليك خفيها ... وإن لم أبح حتى التنادي بأسراري فهب لي نسيماً منك أحيا بروحه ... وجدلي بيسر منك يطر إعساري أنرت الهدى للمهتدين ولم يكن ... من العلم في أيديهم عشر معشار وعلمتهم علماً فباتوا بنوره ... وبانت لهم منه معالم أسرار معاينة للغيب حتى كأنها ... لما غاب عنها منه حاضرة الدار وأبصارهم محجوبة وقلوبهم ... تراك بأوهام حديدات أبصار جمعت لهم الهم المفرق والتقى ... على قدر والهم يجري بمقدار ألست دليل القوم إن هم تحيروا؟ ... وعصمة من أمسى على جرف هار قال الفتح بن شخرف: فلما ثقل قلت له: كيف تجدك؟ فقال: ومالي سوى الإطراق والصمت حيلة ... ووضعي على خدي يدي عند تذكاري وإن طرقتني عبرة بعد عبرة ... تجرعتها حتى إذا عيل تصباري أفضت دموعاً جمة مستهلة ... أطفي بها حراً تضمن أسراري فيا منتهى سؤل المحبين كلهم ... أبحني محل الأنس مع كل زوار ولست أبالي فائتاً بعد فائت ... إذا كنت في الدارين يا واحدي جاري أسند ذو النون أحاديث كثيرة من مالك والليث بن سعد وسفيان بن عيينة والفضيل

ابن عياض وابن لهيعة وغيرهم. وتوفي بالجيزة وحمل في مركب إلى الفسطاط خوفاً عليه من زحمة الناس على الجسر، ودفن في مقابر أهل المعافر، وذلك في يوم الاثنين لليلتين خلتا من ذي القعدة من سنة ست وأربعين ومائتين.

الحسن بن الخليل بن مرة

940 - الحسن بن الخليل بن مرة أحمد بن صالح قال: سمعت عبد الله بن وهب، وذكر الحسن بن الخليل بن مرة، فقال: ذاك رجل صدق قد شغلته العبادة. قال الحسن بن محمد بن باذا: وثنا عبد الله بن صالح قال: ما رأيت بمصر من أفضله على الحسن بن الخليل في زهده وورعه، ولقد رأيته يحمل دقيقاً في جراب للناس بأجرة يتقوت بها في كل جمعة يحمل يوماً، ثم زاد أمره فلم يكن يدخر لوقت يأتي، وعليه مدرعة قيمتها أقل من درهم، وأجمع أهل مصر أنه مستجاب الدعوة. قال الحسين: وسمعت محمد بن رمح يقول: أتيت الحسن بن الخليل لأسمع منه شيئاً فإذا هو يقرأ سورة [ق] ويبكي. ثم غشي عليه. فتركته وقمت وكان قد شغلته العبادة عن الحديث. وعدت إليه غير مرة فلم يكن فيه فضل، وكان مصفر اللون كثير البكاء. قال الحسين: وحدثنا يحيى بن بكير قال: اعتل الحسن بن الخليل فجاء الليث بن سعد يعوده ونحن معه فقرأ على رأسه ثم قمنا من عنده فقال هذا أعبد من رأيت. موسى بن هارون قال: رأيت الحسن بن الخليل بن مرة بعرفات وكلمته. ثم رأيته يطوف بالبيت قلت: ادع الله لي أن يقبل حجي. فبكى ودعا لي، ثم أتيت مصر فقلت: إن الحسن كان معنا بمكة. فقالوا: ما حج العام. وقد كان يبلغني أنه يمر إلى مكة في كل ليلة، فما كنت أصدق، حتى رأيته فعاتبني وقال: شهرتني، ما كنت أحب أن تحدث بها عني، فلا تعد بحقي عليك.

محمد بن عمرو الغزي

841 - محمد بن عمرو الغزي أبو زرعة قال: كان يأتي على محمد بن عمرو الغزي ثمانية عشر يوماً لا يذوق فيها ذواقاً ولا طعاماً ولا شراباً. ما رأيت بمصر أصلح منه.

_ 841 - هو: محمد بن عمرو الغزي، العابد الزاهد، روى عن: القطاف بن خالد، والوليد بن مسلم، وجماعة، انظر سير أعلام النبلاء 9/618.

إبراهيم بن أبي أيوب قال: حدثنا محمد بن عمرو الغزي، وكان يأكل في كل شهر رمضان أكلتين من غير تكلف، يأكل في كل خمسة عشر يوماً مرة. أسند الغزي عن الوليد بن مسلم وعثمان بن سعيد وعطاف بن خالد في آخرين.

أبو علي الحسن بن أحمد

842 - أبو علي الحسن بن أحمد المعروف بابن الكاتب من كبار الصالحين من مشايخ المصريين. أحمد بن علي بن جعفر قال: سمعت أبا علي الكاتب يقول: إذا انقطع العبد إلى الله تعالى بالكلية فأول ما يفيده الله عز وجل الاستغناء به عمن سواه. وكان يقول: قال الله عز وجل: من صبر علينا وصل إلينا. وكان يقول: إذا سكن الخوف في القلب لم ينطق اللسان إلا بما يعنيه. أبو القاسم المصري قال: قال أبو علي ابن الكاتب إن الله عز وجل يرزق العبد حلاوة ذكره، فإن فرح به وشكره آنسه بقربه، وإن قصر في الشكر أجرى الذكر على لسانه وسلبه حلاوته. صحب أبو علي ابن الكاتب أبا علي الروذباري وغيره وتوفي بعد الأربعين والثلاثمائة، والله أعلم.

_ 842 - هو: الحسن بن أحمد بن أبي علي المعروف بابن الكاتب من شيوخ المصريين، انظر حلية الأولياء 10/385.

ذكر المصطفين من عباد مصر المجهولي الأسماء

ذكر المصطفين من عباد مصر المجهولي الأسماء 843 - عابد يوسف بن الحسين قال: كنت قاعداً بين يدي ذي النون وحوله ناس، وهو يتكلم عليهم، والناس يبكون، وشاب يضحك. فقال له ذو النون: ما لك أيها الشاب؟ الناس يبكون وأنت تضحك. فأنشأ يقول: كلهم يعبدون من خوف نار ... ويرون النجاة حظاً جزيلا ليس لي في الجنان والنار رأي ... أنا لا أبتغي بحبي بديلاً فقيل له: فإذا طردك فماذا تفعل؟ فأنشأ يقول: فإذا لم أجد من الحب وصلاً ... رمت في النار منزلاً ومقيلا ثم أزعجت أهلها ببكائي ... بكرة في ضرامها وأصيلا معشر المشركين نوحوا علي ... أنا عبد أحببت مولى جليلا لم أكن في الذي ادعيت محقاً ... فجزاني به العذاب الطويلا يوسف بن الحسين قال: كان شاب يحضر مجلس ذي النون بن إبراهيم المصري مدة. ثم انقطع عنه زماناً. ثم حضر عنده وقد اصفر لونه ونحل جسمه وظهرت آثار العبادة والاجتهاد عليه فقال ذي النون: يا فتى، ما الذي أكسبتك خدمة مولاك واجتهادك من المواهب التي منحك بها فوهبها لك واختصك بها؟ فقال الفتى: يا أستاد وهل رأيت عبداً اصطنعه مولاه من بين عبيده واصطفاه وأعطاه مفاتيح الخزائن ثم أسر إليه سراً أيحسن أن يفشي ذلك السر؟ ثم أنشأ يقول: من شاوروه فأبدى السر مجتهداً ... لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا وباعدوه فلم يسعد بقربهم ... وأبدلوه من الإيناس إيحاشا لا يصطفون مذيعاً بعض سرهم ... حاشا ودادهم من ذالكم حاشا

844 - عابد آخر عبد الملك بن هاشم قال: قلت لذي النون صف لنا من خيار من رأيت فذرفت عيناه وقال: ركبنا مرة البحر نريد جدة، معنا فتى من أبناء نيف وعشرين سنة قد ألبس ثوباً من الهيبة، فكنت أحب أكلمه فلم أستطع فبينا نراه مصلياً نراه قارئاً ونراه مسبحاً. إلى أن رقد ذات يوم ووقعت في المركب تهمة فجعل الناس يفتش بعضهم بعضاً إلى أن بلغوا إلى الفتى النائم. فقال صاحب الصرة: لم يكن أحد أقرب إلي من هذا الفتى النائم. فلما سمعت ذلك قمت فأيقظته، فما كلمني حتى توضأ للصلاة وصلى أربع ركعات، ثم قال: يا فتى ما تشاء؟ فقلت: إن تهمة وقعت في المركب وإن الناس لم يزل يفتش بعضهم بعضاً حتى بلغوا إليك فالتفت إلي صاحب الصرة فقال: أكما يقول: فقال: نعم لم يكن أحد أقرب إلي منك، فرفع الفتى يديه يدعو وخفت على أهل المركب من دعائه فيخيل إلينا أن كل حوت في البحر، قد خرجت في فم كل حوت درة، فقام الفتى إلى جوهرة في في حوت فأخذها فألقاها إلى صاحب الصرة وقال: في هذه عوض مما ذهب منك وأنت في حل. وقد رويت لنا هذه الحكاية على وجه آخر: يوسف بن الحسين قال: لما استأنست بذي النون المصري قلت: أيها الشيخ ما كان بدو شأنك وما أنت فيه؟ قال: كنت شاباً صاحب لهو ولعب، ثم إني تبت وتركت ذلك كله وخرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام ومعي بضيعة فركبت في المركب مع تجار من مصر، وركب معنا شاب صبيح كأنه يشرق وجهه. فلما توسطنا فقد صاحب المركب كيساً فيه مال، فأمر بحبس المركب وفتش من فيه وأتعبهم. فلما وصلوا إلى الشاب ليفتش، وثب وثبة من المركب حتى جلس على موج من أمواج البحر، وقام له الموج سرير على مثال وهو جالس عليه ننظر إليه من المركب. ثم قال: يا مولاي إن هؤلاء اتهموني وإني أقسم يا حبيب قلبي أن تأمر كل دابة في هذا المكان أن تخرج رؤوسها وفي أفواهها جوهر. قال ذو النون: فما تم كلامه حتى رأينا دواب البحر أمام المركب وحواليه قد أخرجت رؤوسها وفي فم كل واحدة منها جوهر مضيء يتلألأ ويلمع، ثم وثب الشاب من الموج إلى البحر وجعل يتبختر على متن الماء ويقول {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} حتى غاب عن عيني.

845 - عابد آخر حكيم من الحكماء قال: مررت بعريش من مصر وأنا أريد الرباط، فإذا أنا برجل في مظلة قد ذهبت عيناه ويداه ورجلاه، وبه أنواع البلاء وهو يقول: الحمد لله حمداً يوافي محامد خلقك بما أنعمت علي وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً. فقلت: لأنظرن أشيء علمه أم ألهمه الله إلهاماً؟ فقلت: على أي نعمة من نعمه تحمده؟ أم على أي فضيلة تشكره؟ فوالله ما أرى شيئا من البلاء إلا وهو بك، فقال: ألا ترى ما قد صنع بي؟ فوالله لو أرسل السماء علي ناراً فأحرقتني، وأمر الجبال فدكدتني، وأمر البحار فغرقتني ما ازددت له إلا حمداً وشكراً وإن لي إليك حاجة: بنية لي كانت تخدمني وتتعاهدني عند إفطاري انظر هل تحس بها؟ وقال عبد الوهاب بني كان لي فقلت: والله إني لأرجو أن يكون لي في قضاء حاجة هذا العبد الصالح قربة إلى الله عز وجل. فخرجت أطلبها بين تلك الرمال فإذا السبع قد أكلها. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، من أين آتي هذا العبد الصالح أخبره بموت ابنته؟ فأتيته فقلت له: أنت أعظم عند الله منزلة أم أيوب عليه السلام؟ ابتلاه الله في ماله وولده وأهله وبدنه حتى صار عرضاً للناس؟ فقال: لا بل أيوب. قلت: فإن ابنتك التي أمرتني أن أطلبها أصبتها وإذا السبع قد أكلها. فقال: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا وفي قلبي منها شيء. فشهق شهقة فمات. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، من يعينني على غسله ودفنه؟ فإذا أنا بركب يريدون الرباط، فأشرت إليهم فأقبلوا إلي فأخبرتهم بالذي كان من أمره فغسلناه وكفناه ودفناه في مظلته تلك، ومضى القوم. وبت ليلتي في مظلته آنساً به حتى إذا مضى من الليل قد ثلثه إذا أنا به في روضة خضراء، وإذا عليه حلتان خضراوان، وهو قائم يتلو القرآن. فقلت ألست صاحبي بالأمس؟ فقال: بلى. فقلت: فما صيرك إلى ما أرى؟ قال: وردت من الصابرين على درجة لم ينالوها إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء. 846 - عابد آخر عمرو بن عثمان المكي قال: لقيت رجلاً بين قرى مصر يدور. فقلت: ما لي أراك لا تقر بمكان؟ قال: وكيف يقر مطلوب؟ فقلت له: أو ليس أنت في قبضته في كل مكان؟ قال: بلى، ولكن أخاف أن أستوطن الأوطان فيأخذني على غرة الاستيطان مع المغرورين.

847 - عابد آخر أبو بكر المصري قال: خرجت من عينونة أريد الرملة. فبينا أنا أمشي إذا بفقير يمشي حافي القدمين حاسر الرأس، وعليه خرقتان متزر بإحداهما مرتد بالأخرى ليس معه زاد ولا ركوة فقلت في نفسي لو كان مع هذا ركوة وحبل، فإذا ورد الماء توضأ وصلى كان خيراً له. فلحقت به وقد اشتدت الهاجرة فقلت له: يا فتى لو جعلت هذه الخراقة التي على كتفيك على رأسك تتوقى بها الشمس كان خيراً لك، فسكت ومشى، فلما كان بعد ساعة قلت له: أنت حاف، أي شيء ترى في نعل تلبسها ساعة وأنا ساعة؟ فقال: أراك كثير الفضول لم تكتب الحديث؟ قلت: بلى. قال: فلم تكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" فسكت ومشى. وعطشت وأنا على ساحل البحر فالتفت إلي فقال: أنت عطشان؟ فقلت: لا. فمشى ساعة وقد كظني العطش ثم التفت إلي فقال: أنت عطشان؟ فقلت: نعم، وما تقدر أن تعمل في مثل هذا الموضع؟ فأخذ الركوة مني ودخل البحر وعرف الماء وجاءني به، وقال: اشرب. فشربت ماء أعذب من ماء النيل وأصفى لوناً وفيه حشيش، فقلت في نفسي هذا ولي الله ولكني أدعه حتى إذا وافينا المنزل سألته الصحبة. فوقف وقال: أيما أحب إليك تمشي أو أمشي؟ فقلت: إن تقدم فاتني ولكن أتقدم أنا وأجلس في بعض المواضع، فإذا جاء سألته الصحبة. فقال: يا أبا بكر إن شئت تقدم واجلس وإن شئت تأخر فإنك لا تصحبني، ومضى وتركني، دخلت المنزل وكان لي به صديق وعندهم عليل فقلت لهم: رشوا عليه من هذا الماء. فرشوا عليه فبرأ وسألتهم عن الشخص فقالوا: ما رأيناه. 848 - عابد آخر عبد العزيز بن عمير قال: كان في خرابات القبائل بمصر رجل مجذوم وكان شاب من أهل مصر يختلف إليه ويتعاهده ويغسل خرقه ويخدمه. فتقرأ فتى من أهل مصر فقال للذي كان يخدمه: إنه بلغني أنه يعرف اسم الله الأعظم فأنا أحب أن أجيء معك إليه فأتاه فسلم عليه وقال: يا عم إنه بلغني أنك تعرف اسم الله الأعظم فلو سألته أن يكشف ما بك؟ فقال: يا بن أخي، هو الذي أبلاني فأنا أكره أن أراده.

ومن عقلاء المجانين بمصر

ومن عقلاء المجانين بمصر: 849 - رجل من أصحاب ذي النون أبو الحسن الفارسي قال: بلغنا أن رجلاً من أصحاب ذي النون أصيب بعقله فكان يطوف ويقول: آه أين قلبي؟ أين قلبي؟ من وجد قلبي؟ من وجد قلبي؟ والصبيان قد أولعوا به يرمونه من كل جانب. فقضي أنه دخل يوماً بعض سكك مصر وقد هرب من الصبيان فجلس يستريح ساعة إذ سمع بكاء صبي تضربه والدته ثم أخرجته من الدار وأغلقت دونه الباب. فجعل الصبي يلتفت يميناً وشمالاً لا يدري أين يذهب؟ وإلى أين يقصد؟ فلما سكن ما به عاد ناكصاً على عقبيه حتى رجع إلى باب دار والدته فوضع رأسه على عتبة الدار فذهب به النوم. ثم انتبه فجعل يبكي ويقول: يا أماه من يفتح لي الباب إذا أغلقت عني بابك؟ ومن يدنيني من نفسه إذا طردتني من نفسك؟ ومن الذي يربيني بعد أن غضبت علي؟ قال: فرحمته أمه فقامت فنظرت من خلل الباب فوجدت ولدها تجري الدموع على خديه متمعكاً في التراب. ففتحت الباب وأخذته حتى وضعته في حجرها وجعلت تقبله وتقول: يا قرة عيني ويا عزيز نفسي، أنت الذي حملتني على نفسك، وأنت الذي تعرضت لما حل بك، لو كنت أطعتني لم تلق مني مكروهاً. قال: فتواجد الفتى وصاح حتى اجتمع عليه الخلق فقالوا: ما الذي أصابك؟ فقال: قد وجدت قلبي، قد وجدت قلبي. فلما بصر بذي النون قال: يا أبا الفيض قد وجدت قلبي في سكة كذا وكذا عند فلانة. وسماها. ثم لم يزل إذا تواجد يقول ذلك.

ذكر المصطفيات من عابدات مصر

ذكر المصطفيات من عابدات مصر 850 - فاطمة بنت عبد الرحمن بن عبد الغفار الحراني علي بن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى المصري قال: أنبأ أبي قال: فاطمة بنت عبد الرحمن تكنى أم محمد، مولدها ببغداد، وقدم بها إلى مصر وهي حدثة. سمعت من أبيها وطال عمرها حتى جاوزت الثمانين، وكانت تعرف بالصوفية لأنها أقامت تلبس الصوف ولا تنام إلا في مصلاها بلا وطاء فوق ستين سنة. توفيت سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.

أم أيمن بنت علي

851 - أم أيمن بنت علي امرأة أبي علي الروذباري واسمها عزيزة. أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: كانت عزيزة امرأة أبي علي تقول: كيف لا أرغب في تحصيل ما عندك وإليك مرجعي؟ وكيف لا أحبك وما لقيت خيراً إلا منك؟ وكيف لا أشتاق إليك وقد شوقتني إليك؟. وحكي عنها أنها قالت: لا ينتفع العبد بشيء من أفعاله كما ينتفع بطلب قوته من حلال. قال: وخرجت يوماً من مصر وقت خروج الحاج والجمال تمر بها وهي تبكي وتقول: واضعفاه. وتنشد على أثره وتقول: فقلت: دعوني وأتباعي ركابكم ... أكن طوع أيديكم كما يفعل العبد وما بال رغمي لا يهون عليهم ... وقد علموا أن ليس لي منهم بد وتقول: هذه حسرة من انقطع عن الوصول إلى البيت، فكيف ترى حسرة من انقطع عن الوصول إلى رب البيت؟

تحية النوبية

852 - تحية النوبية أبو عبد الرحمن محمد بن الحسن السلمي قال: سمعت الماليني الصوفي يقول: دخلت على تحية زائراً فسمعتها من داخل البيت وهي تناجي وتقول في مناجاتها: يا من يحبني وأحبه. فدخلت إليها وسلمت عليها وقلت: يا تحية إنك تحبين الله تعالى فمن أين تعلمين أنه يحبك؟ فقالت: نعم إني كنت في بلد النوبة وأبواي كانا نصرانيين، وكانت أمي تحملني

إلى الكنيسة وتجيء بي عند الصليب وتقول: قبلي الصليب، فإذا هممت بذلك أرى كفاً تخرج فترد وجهي حتى لا أقبله. فعلمت أن عنايته بي قديمة.

ومن المجهولات الأسماء

ومن المجهولات الأسماء: 853 - عابدة أبو عبد الله، محمد بن شجاع الصوفي قال: كنت بمصر أيام سياحتي فتاقت نفسي إلى النساء فذكرت ذلك لبعض إخواني فقال لي: ههنا امرأة صوفية لها ابنة مثلها جميلة قد ناهزت البلوغ. قال: فخطبتها وتزوجتها، فلما دخلت إليها وجدتها مستقبلة القبلة تصلي. قال: فاستحييت أن تكون صبية في مثل سنها تصلي وأنا لا أصلي. فاستقبلت القبلة وصليت ما قدر لي حتى غلبتني عيني فنمت في مصلاي ونامت في مصلاها. فلما كان في اليوم الثاني كان مثل ذلك أيضاً، فلما طال علي قلت: يا هذه ألاجتماعنا معنى؟ قال: فقالت لي: أنا في خدمة مولاي ومن له حق فما أمنعه. قال: فاستحييت من كلامها وتماديت على أمري نحو الشهر. ثم بدا لي في السفر، فقلت لها: يا هذه. قالت: لبيك. قلت: إني قد أردت السفر. قالت: مصاحباً بالعافية. فقمت فلما صرت عند الباب قامت فقالت لي: يا سيدي كان بيننا في الدنيا عهد لم يقض بتمامه عسى في الجنة إن شاء الله. فقلت لها: عسى. فقالت لي: أستودعك الله خير مستودع. قال: فتودعت منها وخرجت. قال: ثم عدت إلى مصر بعد سنين فسألت عنها فقيل لي: هي على أفضل مما تركتها عله من العبادة والاجتهاد. انتهى ذكر أهل مصر.

ذكر المصطفين من عباد الإسكندرية

ذكر المصطفين من عباد الإسكندرية 854 - أسلم بن زيد الجهني إبراهيم بن أدهم قال: لقيت رجلاً بالإسكندرية يقال له أسلم بن زيد الجهني. فقال: من أنت يا غلام؟ فقلت: شاب من أهل خراسان. قال: ما حملك على الخروج من الدنيا؟ فقلت: زهداً فيها ورجاء ثواب الله تعالى. فقال: إن العبد لا يتم رجاؤه لثواب الله تعالى حتى يحمل نفسه على الصبر. فقال له رجل ممن كان معه: وأي شيء الصبر؟ فقال: إن أدنى منازل الصبر أن يروض العبد نفسه على احتمال مكاره الأنفس. قال: قلت ثم مه؟ قال: إذا كان محتملاً للمكاره أورث الله عز وجل قلبه نوراً، قلت: فماذا النور؟ قال: سراج يكون في قلبه يفرق بين الحق والباطل والمتشابه. ثم قال: يا غلام إياك إذا صحبت الأخيار وجاريت الأبرار أن تغضبهم عليك، لأن الله تعالى يغضب لغضبهم ويرضى لرضاهم، وذلك أن الحكماء هم العلماء، هم الراضون عن الله إذا سخط الناس. يا غلام احفظ عني واعقل واحتمل، ولا تعجل، إياك والبخل. قلت: وما البخل؟ قال: أما البخل عند أهل الدنيا فهو أن يكون الرجل ضنيناً بماله، وأما عند أهل الآخرة فهو الذي يضن بنفسه عن الله. ألا وإن العبد إذا جاد بنفسه لله أورث الله قلبه الهدى والتقى، وأعطي السكينة والوقار والحلم الراجح والعقل الكامل.

عابد آخر

855 - عابد آخر العباس بن يوسف الشكلي قال: دخلت الإسكندرية فسألت: هل بها أحد من الزهاد؟ فقالوا: فتى قد كان يصوم النهار ويقوم الليل فإذا أفطر على الشهوات، فرأى رؤيا هالته فأخذ في التقلل وصار فطره في خمسة عشر يوماً مرة. فقلت فعلى أي شيء يفطر إذا أفطر؟ فقيل لي: على شيء من الكسب وتمرات يعجنها فهي فطره من الوقت إلى الوقت. فقلت: فما الرؤيا التي رآها؟ قالوا: رأى فتى وقف عليه فقال له: تجوع فإن الجوع يورث أهله ... مصادر بر خيرها الدهر دائم ولا تك ذا بطن رغيب وشهوة ... فتصبح في الدنيا وقلبك هائم

عابدة

856 - عابدة عن حجاج بن ربان قال: دخلت أنا ابن أبي رفاعة مسجد الإسكندرية فإذا أنا بامرأة قد اعتزلت عن النساء وجعلت حولها حظيرة من حجارة، فتقدم إليها ابن أبي رفاعة فقال لها: ما لي أراك قد اعتزلت النساء وجعلت حولك هذه الحجارة؟ فقالت: يا أبا عبد الرحمن كلمة من هذه، وكلمة من هذه، وقد ذهب الصيام قال: فالتفت إلي ابن أبي رفاعة فقال: أترى هذه سمعت من مالك بن أنس شيئاً؟ يعني أن الله تعالى هو الذي بصرها.

ومن المصطفين من أهل أيلة

ومن المصطفين من أهل أيلة 857 - أبو صخر يزيد بن أبي سمية الأيلي محمد بن عمر قال: كان أبو صخر من العباد، وكان يصلي ليله أجمع ويبكي. وكانت معه في الدار امرأة يهودية ساكنة تبكي رحمة له، فقال ليلة في دعائه: اللهم إن هذه اليهودية قد بكت رحمة لي ودينها مخالف لديني فأنت أولى برحمتي. وكان يوافي الموسم عام مع محمد بن المنذر وصفوان بن سليم ويزيد بن خصيفة وأبي حازم، فيلقون عمر بن ذر فيقص عليهم ويذكرهم أمر الآخرة. فلا يزالون كذلك حتى ينقضي الموسم ثم لا يلتقون بعد إلا في كل موسم.

_ 857 - هو: أبو صخر، يزيد بن أبي سمية، بمهملة مصغرة، أبو صخر الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتانية، مقبول من الرابعة.

ذكر المصطفين من أهل المغرب

ذكر المصطفين من أهل المغرب 858 - أبو عبد الله المغربي واسمه محمد بن إسماعيل إبراهيم بن شيبان قال: سمعت أبا عبد الله المغربي يقول: ما رأيت ظلمة منذ سنين كثيرة. قال إبراهيم: وذلك أنه كان يتقدمنا بالليل المظلم ونحن نتبعه وهو حاف حاسر، وكان إذا عثر أحدنا يقول يميناً وشمالاً، ونحن لا نرى ما بين أيدينا، فإذا أصبحنا نظرنا إلى رجله كأنها رجل عروس خرجت من خدرها. وكان يقعد لأصحابه يتكلم عليهم فما رأيته انزعج إلا يوماً واحداً: كنا على الطور وهو قد استند إلى شجرة خروب وهو يتكلم علينا. فقال في كلامه لا ينال العبد مراده حتى ينفرد فرداً بفرد. فانزعج واضطرب ورأيت الصخور قد تدكدكت، وبقي في ذلك ساعات فلما أفاق كأنه نشر من تبر. إبراهيم بن شبيان قال: سمعت أبا عبد الله المغربي يقول: أفضل الأعمال عمارة الأوقات في الموافقات. وقال: أغظم الناس ذلاً فقير داهن غنياً وتواضع له. أسند أبو عبد الله المغربي الحديث عن عمرو بن أبي غيلان وتوفي على جبل الطور في سنة تسع وتسعين، وقيل تسع وسبعين ومائتين، وأوصى أن يدفن إلى جانب أستاذه علي بن رزين. وعاش كل واحد منهما عشرين ومائة سنة. وفهما على جبل الطور، وكان المغربي أستاذ إبراهيم الخواص.

_ 858 - هو: أبو عبد الله المغربي: كان من المعمرين، صحب علي بن رزين، قيل: إنه توفي عن مائة وعشرين سنة، وقبره بجبل طور سينا، عند قير استاذه علي بن رزين، كان من المحققين، له النكت الوثيقة والاستغاثة على الطريقة.

ذكر المصطفين من عباد المغرب المجهولي الأسماء

ذكر المصطفين من عباد المغرب المجهولي الأسماء 859 - عابد سعيد بن عثمان قال: سمعت ذا النون قال: بينا أنا سائر في بلاد المغرب إذا أنا برجل على عريش من البلوط وعنده عين ماء تجري فأقمت عليه يوماً وليلة أريد أن أسمع كلامه. فأشرف علي بوجهه، فسمعته يقول: شهد قلبي لله بالنوازل، وكيف لا يشهد قلبي بذلك؟ هيهات هيهات لقد خاب لديك المقصرون، سيدي ما أحلى ذكرك، أليس قصدك مؤملوك فنالوا ما أملوا، وجدت لهم بالزيادة على ما طلبوا؟ فقلت له: يا حبيبي إني مقيم عليك منذ يوم وليلة أريد أن أسمع كلامك. فقال لي: قد رأيتك يا بطال حين أقبلت، ولكن ما ذهب روعك من قلبي إلى الآن. فقلت له: ولم ذلك؟ وما الذي أفزعك مني فقال: بطالتك يوم عملك وتركك الزاد ليوم معادك، ومقامك على المظنون. فقلت له: يا حبيبي ما ها هنا فتية تستأنس بهم، فقال: بلى، ها هنا فتية متفرقون في رؤوس الجبال. قلت: فما طعامهم في هذا المكان؟ قال: أكلهم الفلق من خبز البلوط، ولباسهم الخرق من الثياب، قد يئسوا من الدنيا ويئست الدنيا منهم، أعطوا المجهود من أنفسهم، فلما دبرت المفاصل من الركوع وقرحت الجباه من السجود وتغيرت الألوان من السفر ضجوا إلى الله عز وجل بالاستغاثة. 860 - عابد آخر يوسف بن الحسين قال: قال ذو النون، وصف لي رجل بالمغرب وذكر لي من حكمته وكلامه ما حملني على لقائه، فرحلت إليه إلى المغرب فأقمت على بابه أربعين صباحاً على أن يخرج من منزله إلى المسجد ويقعد، فكان يخرج وقت كل صلاة يصلي، ويرجع كالواله لا يكلم أحداً فقلت له يوماً: يا هذا إني مقيم ها هنا منذ أربعين صباحاً لا أراك تكلمني. فقال لي: يا هذا لساني سبع إن أطلقته أكلني. فقلت له: عظني رحمك الله بموعظة أحفظها عنك. قال: وتفعل؟ قلت: نعم إن شاء الله، قال: لا تحب الدنيا وعد الفقر والغنى والبلاء من الله نعمة، والمنع من الله عطاء، والوحدة مع الله أنساً، والذل عزاً والطاعة حرفة والتوكل معاشاً والله تعالى لكل شديدة عدة.

ثم مكث بعد ذلك شهراً لا يكلمني، فقلت له: رحمك الله إني أريد الرجوع إلى بلدي فإن رأيت أن تزيدني في الموعظة فقال: اعلم أن الزاهد في الدنيا قوته ما وجد ومسكنه حيث أدرك ولباسه ما ستر الخلوة مجلسه، والقرآن حديثه، والله الجبار العزيز أنيسه والذكر رفيقه، والصمت جنته، والخوف سجيته، والشوق مطيته، والنصيحة نهمته والصبر وساده، والصديقون إخوانه والحكمة كلامه، والعقل دليله، والجوع أدمه والبكاء دأبه، والله عز وجل عدته. قلت بما تتبين الزيادة من النقصان؟ قال: عند المحاسبة للنفوس. 861 - عابدة من أهل إفريقية محمد بن حفص قال: مررت على أخ لي من أهل مصر ونحن بالثغر، فأخرج إلي شكالاً. فقال: انظر من أي شيء هذا الشكال؟ فنظرت فإذا شكال من شعر، كأنه من صفائه وشدة سواده قد دهن بالدهن. فقلت: هذا عندي من أعراف الخيل العتاق الكرام. فقال: لا. والله، ولكنه من شعر امرأة من أهل إفريقية جعلت منه شكالاً، ثم أرسلت به إلي فقالت: اجعله شكال فرس غاز في سبيل الله عز وجل فإني طالما تمتعت به في غير طاعة الله قلت: إنما ينظر إلى ذل هذه المرأة لله تعالى وقصدها لا إلى صورة فعلها لأنها جهلت أن هذا الفعل لا يجوز.

ذكر المصطفين من عباد الجبال

ذكر المصطفين من عباد الجبال ذكر المصطفين من عباد جبل اللكام إسحاق بن إبراهيم الجمال ... ذكر المصطفين من عباد الجبال الجبال على ضربين: جبال مسماة معروفة، وجبال غير مسماة. فنبدأ بالمعرفة. ذكر المصطفين من عباد جبل اللكام وهم قسمان: من يعرف اسمه، ومن لا يعرف. فمن المعرفين: 862 - إسحاق بن إبراهيم الجمال كان ينزل جبل اللكام عبد الله بن محمد الزنجاني قال: دخلت جبل اللكام فغلطت فوقعت على شيخ متزر بجلد متشح بمسح فقال: الله أكبر، جني أم إنسي؟ قلت: بل إنسي. قال: ضللت الطريق؟ قلت: نعم. قال: فعلمني كليمات. ودفع إلي عصا وقال: خذ هذه العصا فإنها تدلك على الطريق فإذا بلغت مرادك فألق العصا، فمشيت قليلاً فإذا أنا على باب أنطاكية فألقيت العصا. فلا أدري كيف كان ذلك؟ فرآني قوم فقالوا: من أين؟ قلت: من اللكام، ضللت الطريق فوقعت على شيخ فدلني وعلمني كلمات وقال لي: منذ ثلاثين سنة ما رأيت إنسياً. قالوا: نعم، كان ها هنا أخوان يقطعان الطريق فوقعا على هذا الشيخ فدعا لهما فتابا فليس اليوم في هذه النواحي أصلح منهما. وهذا الشيخ إسحاق بن إبراهيم الجمال.

من لا يعرف اسمه من عباد جبل اللكام

القسم الثاني: من لا يعرف اسمه من عباد جبل اللكام: 863 - عابد أبو سليمان الداراني قال: مررت في جبل اللكام في جوف الليل فسمعت رجلاً يقول في دعائه: يا سيدي وأملي ومؤملي ومن به تم عملي أعوذ بك من بدن لا ينتصب بين يديك، وأعوذ بك من قلب لا يشتاق إليك، وأعوذ بك من دعاء لا يصل إليك، وأعوذ بك من عين لا تبكي عليك فعلمت أنه عارف فقلت له: يا فتى إن للعارفين مقامات، وللمشتاقين علامات. قال: وما هي؟ قلت: كتمان المصيبات، وصيانة الكرامات، فقال لي عظني. فقلت: اذهب فلا ترد الدنيا، واتخذ الفقر غنى، والبلاء من الله عز وجل شفاء، والتوكل معاشاً، والجوع جرفة، واتخذ الله لكل شدة عدة صعق صعقة فتركته. 864 - عابد آخر جعفر بن محمد سهل السامري قال: سمعت ذا النون يقول: بينا أنا سائر في جبل اللكام مررت على واد كثير الأشجار والنبات. فبينا أنا واقف أتعجب من حسن زهرته ومن خضرة العشب في جنباته إذ سمعت صوتاً أهطل مدامعي وهيج بلابل حزني، فاتبعت الصوت حتى وقفني بباب مغار في سفح ذلك الوادي، فإذا الكلام يخرج من جوف المغار فاطلعت فيه فإذا أنا برجل من أهل التعبد والاجتهاد. فسعته يقول: سبحان من أخرج قلوب المشتاقين في رياض الطاعة بين يديه، سبحان من أوصل الفهم إلى عقول ذوي البصائر فهي لا تعتمد إلا عليه، سبحان من أورد حياض المودة نفوس أهل المحبة فهي لا تحن إلا إليه. ثم أمسك فقلت: السلام عليك يا حليف الأحزان وقرين الأشجان. فقال: وعليك السلام، ما الذي أوصلك إلي من قد أفرده خوف المسألة عن الأنام، واشتغل بمحاسبة نفسه من التنطع في الكلام؟ قلت: أوصلني إليك الرغبة في التصفح والاعتبار. فقال: يا فتى إن لله عز وجل عباداً قدح في قلوبهم زندا الشغف نار الومق فأرواحهم لشدة الاشتياق تسرح في الملكوت، وتنظر إلى ما ذخر لها في حجب الجبروت. قلت: صفهم لي. قال: أولئك قوم آووا إلى كنف رحمته. ثم قال: يا سيدي بهم فألحقني. ولأعمالهم فوفقني. قلت: ألا توصيني

بوصية؟ قال: أحب الله عز وجل شوقاً إلى لقائه فإن له يوماً يتجلى فيه لأوليائه. وأنشأ يقول: قد كان لي دمع فأفنيته ... وكان لي جفن فأدميته وكان لي جسم فأبليته ... وكان لي قلب فأضنيته وكان لي يا سيدي ناظر ... أرى به الجو فأعميته عبدك أضحى سيدي موثقاً ... لو شئت قبل اليوم داويته 865 - عابد آخر يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول: مررت برجل بجبل اللكام وهو ساجد يقول في سجوده: إلهي، بك عرفتك فما حاجتي إلى غيرك. 866 - عابد آخر أبو إبراهيم الزهري قال: كنت جائياً من المصيصة، فمررت باللكام فأحببت أن أراهم، يعني المتعبدين، هناك فقصدتهم ووافيت صلاة الظهر، وأحسبه رآني فيهم إنسان عرفني. فقلت له: فيكم رجل تدلوني عليه؟ فقالوا: هذا الشيخ الذي يصلي بنا. فحضرت معهم صلاة الظهر والعصر. فقال له ذلك الرجل: هذا رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف وجده أبو أمه سعد بن معاذ. قال: فبش بي وسلم علي كأنه كان يعرفني قال: فقلت له: من أين تأكل؟ فقال لي: أنت مقيم عندنا قلت: أما الليلة فأنا عندكم. قال: ثم مضيت معه فجعل يحدثني ويؤانسني حتى جاء إلى كهف جبل فقعدت ودخل فأخرج قعباً يسع رطلاً ونصفاً، قد أتى عليه الدهور. فوضعه وقعد يحدثني حتى إذا كادت الشمس تغرب اجتمعت حواليه ظباء فاعتقل منها ظبية فحلبها حتى ملأ ذلك القدح، ثم أرسلها. فلما سقط القرص حساه. ثم قال: ما هو غير ما ترى، وربما احتجت إلى الشيء من هذا فتجتمع حولي هذه الظباء فآخذ حاجتي وأرسلها. قلت: أبو إبراهيم اسمه أحمد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، معروف بالعلم والزهد، وكان أحمد بن حنبل إذا رآه قام قائماً. 867 - عابد آخر أبو صالح الدمشقي قال: كنت أدور في جبل اللكام أطلب الزهاد والعباد فرأيت رجلاً عليه مرقعة جالساً على حجر مطرقاً إلى الأرض، فقلت له: يا شيخ ما تصنع ها هنا؟ قال أنظر

وأرعى. فقلت له: ما أرى بين يديك إلا الحجارة، فما الذي تنظر وترعى؟ قال: فتغير لونه ثم نظر إلي مغضباً وقال: أنظر خواطر قلبي، وأرعى أوامر ربي وبحق الذي أظهرك علي إلا جزت عني. فقلت: كلمني بشيء أنتفع به حتى أمضي. فقال: من لزم الباب أثبت في الخدم، ومن أكثر ذكر الذنوب أكثر من الندم، ومن استغنى بالله أمن العدم. ثم تركني ومضى. 868 - عابد آخر سري السقطي قال: مكثت أربعين سنة أسأل الله عز وجل أن يريني ولياً من أوليائه، قال: فلم أر أحداً. فخرجت إلى الثغر وصعدت جبل اللكام بينما أنا أمشي في المحجة إذ رأيت قوماً جلوساً نحو ثلاثين نفساً مرضى، عليهم ثياب خلقان، فسلمت عليهم ووقفت فقلت: لأي شيء أنتم جلوس في هذا القفر؟ قالوا: نحن من هذه المدينة التي في أسفل الجبل إذا كان رأس كل شهر في مثل هذا اليوم في مثل هذا الموضع نجلس، فإذا كان الظهر أقبل علينا رجل من هذا الموضع فنقوم إليه فيدعو الله لنا. فقعدت معهم. قال: فلما أن كان الظهر أقبل رجل أسمر شديد السمرة عليه مئزر صوف، فقرأ على كل واحد قال: فلحقته قلت له: قف علي يرحمك الله أكلمك. فالتفت إلي وقال: يا سري لا تعامل غيره فتسقط من عينه. 869 - عابد آخر بلغنا عن بعض السلف أنه قال: مضيت إلى جبل اللكام فما رأيت أعبد من شاب أصفر اللون، كان يصف قدميه فيصلي ركعتين من أول الليل إلى آخره فيختم فيها القرآن ثم يجلس فيعتذر إلى الصباح.

ومن عقلاء المجانين بجبل اللكام

870 - ومن عقلاء المجانين بجبل اللكام بلغنا عن ذي النون المصري قال: وصف لي رجل من أهل المعرفة في جبل اللكام، فقصدته فلقيني جماعة من المتعبدين فسألتهم عنه؟ فقالوا: يا ذا النون تسأل عن المجانين؟ فقلت: وما الذي رأيتم من جنونه؟ قالوا: نراه في أكثر أوقاته هائماً ساهياً يكلم فلا يجيب، ويتكلم فلا نفقه ما يقول، وينوح في أكثر أوقاته على نفسه ويبكي فقلت في نفسي: ما أحسن أوصاف هذا المجنون. ثم قلت لهم: دلوني عليه. فقالوا: إنه يأوي في الوادي الفلاني. انطلقت إلى الوادي فأشرفت على واد وعر، فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا أنا بصوت محزون شج من وجد قلب وهو يقول:

يا ذا الذي أنس الفؤاد بذكره ... أنت الذي ما إن سواه أريد تفنى الليالي والزمان بأسره ... وهواك غض في الفؤاد جديد قال ذو النون: فاتبعت الصوت فإذا أنا بفتى حسن الوجه حسن الصوت، وقد ذهبت تلك المحاسن وبقيت رسومها، نحيل قد اصفر واحترق وهو شبيه بالواله الحيران. فسلمت عليه فرد السلام وبقي شاخصاً يقول: أعميت عيني عن الدنيا وزينتها ... فأنت والروح شيء غير مفترق إذا ذكرتك وافى مقلتي أرق ... من أول الليل حتى مطلع الفلق وما تطابقت الأجفان عن سنة ... إلا رأيتك بين الجفن والحدق ثم قال: يا ذا النون ما لك وطلب المجانين؟ قلت: أومجنون أنت؟ قال: قد سميت به. فقلت: مسألة؟ فقال: سل، قلت: أخبرني ما الذي حبب إليك الانفراد وقطعك عن المؤانسين وهيمك في الأودية؟ قال: حبي له هيمني، وشوقي إليه هيجني، ووجدي به أفردني. ثم قال: يا ليت شعري يا فتى إلى متى تتركني مقلقلاً في محبتي؟ فقلت: أخبرني أين محل الحب منك؟ وأين مسكن الشوق فيك؟ فقال: مسكن الحب سواد الفؤاد. قلت: فما الذي تجد في خلوتك؟ قال: الحق سبحانه. قلت: كيف تجده؟ قال: بحيث لا حيث. ثم قال: يا ذا النون أعجبك كلام المجانين؟ قلت: إي والله وأشجاني، ثم قلت له: ما صدق وجدانك للحق تعالى؟ فصرخ صرخة ارتج لها الجبل. ثم قال: يا ذا النون هكذا موت الصادقين. ثم سقط إلى الأرض ميتاً فتحيرت في أمره، لا أدري ما أصنع به، وإذا به قد غاب عني فلا أدري أين ذهب.

ذكر المصطفين من عباد جبل لبنان

ذكر المصطفين من عباد جبل لبنان علي الجرجرائي ... ذكر المصطفين من عباد جبل لبنان وهم على ضربين: معروف ومجهول فنبدأ بالمعروف: 871 - علي الجرجرائي كان من أستاذي بشر الحافي. وكان ينزل جبل لبنان. القاسم بن القاسم قال: بلغني أن بشراً الحافي لقي علياً الجرجرائي بجبل لبنان على عين ماء. قال: فلما أبصرني قال: بذنب مني لقيت اليوم إنسياً. فعدوت خلفه وقلت: أوصني. فالتفت إلي وقال: أمستوص أنت؟ عانق الفقر، وعاشر الصبر، وعاد الهوى، وعاف الشهوات، واجعل بيتك أحلى من لحدك يوم تنقل إليه، على هذا طاب المسير إلى الله عز وجل.

_ 871 - هو: المتخلي من الشهوات، والمتحلي بالخلوات، تخلى من الجزع والهلع واستحلى الفزع والضرع، علي الجرجرائي، من قدماء المتعبدين، انظر حلية الأولياء 10/113.

ذكر المصطفين من المجهولين الأسماء من عباد جبل لبنان

ذكر المصطفين من المجهولين الأسماء من عباد جبل لبنان 872 - عابد محمد بن حسان قال: بينا أنا أدور في جبل لبنان إذ خرج علي شاب قد أحرقته السموم والرياح، عليه طمر رث، وقد سقط شعر رأسه على حاجبيه. فلما نظر إلي ولى هارباً مستوحشاً. فقلت له: يا أخي، موعظة لعل الله عز وجل أن ينفعني بها. فالتفت إلي وهو مار فقال: يا أخي، احذر الحق فإنه غيور، ولا يحب أن يرى في قلب عبده سواه. 873 - عابد آخر إبراهيم بن الجنيد قال: حدثني أبو فروة السائح قال: بينا أنا أسح في جبل لبنان إذ جن الليل علي وأنا في بعض أوديته، فإذا بصوت محزون وهو يقول: يا من آنسني بقربه، وأوحشني من خلقه، وكان عند مسرتي ارحم اليوم عبرتي، فدنوت منه فإذا شيخ قد سقط حاجباه على عينيه. فلما أحس بي نفر وقال: إنسي أنت؟ قلت: إنسي. قال: إليك عني، فمنك فررت. 874 - عابد آخر يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون يقول: بينا أنا أسير على جبل لبنان في جوف الليل إذا أنا بعريش من ورق البلوط، وإذا شاب قد أخرج رأسه من العريش بوجه أحسن من القمر. فقال: شهد لك قلبي في النوازل بمعرفة درجة الفضل لك، وكيف لا يشهد لك قلبي بذلك ولا يحسن بقلبي أن يألف غيرك؟ هيهات لقد خاب لديك المقصرون عنك. ثم أدخل رأسه في عريشه وفاتني كلامه، فلم أزل واقفاً إلى أن طلع الفجر ثم أخرج رأسه فنظر إلى القمر فقال: إلهي أشرقت بنورك السموات، وأنارت بنورك الظلمات، وحجبت جلالك عن العيون فوصلت به معارف القلوب، ثم قال: بالتجائي إليك في حزني انظر إلي نظرة من ناديته فأجاب، فوثبت إليه فسلمت عليه فرد علي السلام. فقلت: رحمك الله أسألك عن مسألة؟ قال: لا. قلت: ولم ذاك؟ قال: ما خرج روعك من قلبي. قلت: حبيبي وما الذي أفزعك مني؟ قال: بطالتك في يوم شغلك، وتركك الزاد ليوم معادك، ووقوفك على الظنون يا ذا

النون. فوقعت مغشياً علي. فما أفقت إلا بحر الشمس. ثم رفعت رأسي فلم أره ولا العريش. فقمت فسرت وفي منه حسرة. 875 - عابد آخر عن أبي الحارث الأولاسي قال: بلغني أن بجبل لبنان رجلاً تطوى له الأرض من يومه إلى بيت المقدس، ووصف لي مكانه فصرت إليه فإذا هو رجل قد ألبس سلامة. فسألته من أين المطعم؟ فدعا بظبية كانت قريباً منه في الجبل فجاء بها إلى صخرة فيها نقرة فحلبها وسقاني من اللبن.

ومن عقلاء المجانين بجبل لبنان

ومن عقلاء المجانين بجبل لبنان: 876 - شيبان المصاب محمد بن أحمد بن سلمة قال: حدثني سالم قال: بينا أنا سائر مع ذي النون في جبل لبنان إذا قال لي: مكانك يا سالم حتى أعود إليك. فغاب عني في الجبل ثلاثة أيام وأنا أنتظره، إذا هاجت علي النفس أطعمتها من نبات الأرض وسقيتها من ماء الغدران، فلما كان بعد الثالث رجع إلي متغير اللون ذاهب العقل، فقلت له بعد أن رجعت إليه نفسه: يا أبا الفيض أسبع عارضك؟ فقال: لا. دعني من تخويف البشرية، إني دخلت كهفاً من كهوف هذا الجبل فرأيت رجلاً أبيض الرأس واللحية أشعث أغبر نحيفاً نحيلاً كأنما أخرج من قبره، ذا منظر مهول وهو يصلي، فسلمت عليه بعد ما سلم. فرد علي السلام وقام إلى الصلاة فما زال راكعاً وساجداً حتى صلى العصر واستند إلى حجر حذاء المحراب يسبح، لا يكلمني. فبدأته بالكلام فقلت له: رحمك الله توصيني بشيء، ادع الله عز وجل لي بدعوة؟ فقال: يا بني آنسك الله تعالى بقربه. ثم سكت. فقلت: زدني. فقال: يا بني من آنسه الله بقربه أعطاه أربع خصال: عزاً من غير عشيرة، وعلماً من غير طلب، وغنى من غير مال، وأنساً من غير جماعة. ثم شهق شهقة فلم يفق إلا بعد ثلاثة أيام حتى توهمت أنه ميت، فلما كان بعد ثلاثة أيام قام فتوضأ من عين ماء إلى جنب الكهف وقال لي: يا بني كم فاتني من الفرائض؟ صلاة أو صلاتان أو ثلاث؟ قلت: قد فاتتك صلاة ثلاثة أيام بلياليهن فقال: إن ذكر الحبيب هيج شوقي ... ثم حب الحبيب أذهب عقلي وقد استوحشت من ملاقاة المخلوقين، وقد أنست بذكر رب العالمين، انصرف عني بسلام. فقلت له: يرحمك الله وقفت عليك ثلاثة أيام رجاء الزيادة. وبكيت فقال: أحبب مولاك ولا ترد بحبه بدلاً، فالمحبون لله تعالى هم تيجان العباد وعلم الزهاد، وهم أصفياء الله وأحباؤه. ثم صرخ صرخة فحركته فإذا هو قد فارق الدنيا. فما كان إلا هنية وإذا بجماعة من العباد منحدرين من الجبل حتى واروه تحت التراب. فسألت: ما اسم هذا الشيخ؟ قالوا: شيبان المصاب. قال سالم: فسألت أهل الشام عنه فقالوا: كان مجنوناً خرج من أذى الصبيان،

قلت: تعرفون من كلامه شيئاً؟ قالوا: نعم، كلمة واحدة كان يغني بها إذا ضجر: إذا بك لم أجن يا حبيبي فبمن؟ قال سالم: فقلت عمي والله عليكم. 877 - عباس المجنون عن ابن المبارك قال: صعدت جبل لبنان فإذا برجل عليه جبة صوف مفتقة الأكمام، عليها مكتوب، لا تباع ولا تشترى، قد ائتزر بمئزر الخشوع، واتشح برداء القنوع. فلما رآني اختفى وراء شجرة. فناشدته بالله فظهر فقلت: إنكم معاشر العباد تصبرون على الوحدة، وتقاسون هذه القفار الموحشة، فضحك ووضع كمه على رأسه وأنشأ يقول: يا حبيب القلوب من لي سواكا ... ارحم اليوم مذنباً قد أتاكا أنت سؤلي ومنيتي وسروري ... قد أبى القلب أن يحب سواكا ليس سؤلي من الجنان نعيم ... غير أني أريدها لأراكا قال: ثم غاب عني فتعاهدت ذلك الموضع سنة لأقع عليه فلم أره. فلقيني غلام أبي سليمان الداراني فسألته عنه وأعطيته صفته فبكى وقال: واشوقاه إلى نظرة أخرى منه. فقلت: من هو؟ قال: ذاك عباس المجنون، يأكل في كل شهر أكلتين من ثمار الشجر ونبات الأرض، يتعبد منذ ستين سنة.

_ 877 - هو: عباس المعروف بالمجنون، في الشوق مضنون، وعن الخلق مخزون، كان لمحبوبه ساهرا، وعن بني جنسه سائرا، انظر حلية الأولياء 10/152.

ومن عباد جبل الطور

ومن عباد جبل الطور: 878 - عابد سهل بن عيسى الجبلي قال: كنت عند إبراهيم بن شيبان فسألوه عن وصف العارف؟ فقال: كنت على جبل الطور مع شيخي أبي عبد الله المغربي ومعنا نحو من سبعين رجلاً، أقل أو أكثر. فأتانا ذات يوم شاب عليه أثر الخشوع فكنا إذا صلينا قام فصلى معنا، وإذا تجارينا العلم قعد يستمع إلينا فبينا نحن ذات يوم قعود تحت شجرة في مكان فيه عشب، وكانت أيام الربيع، فتكلم الشيخ علينا في علوم المعارف فرأيت الشاب يتنفس، فاحترق ما بين يديه من العشب. ثم غاب فلم أره بعد ذلك. فقال الشيخ: هذا هو العارف، وهذا وصفه.

ومن عباد جبال بيت المقدس

ومن عباد جبال بيت المقدس: 879 - عابد: محمد بن أحمد النيسابوري قال: سمعت ذا النون يقول: بينا أنا في بعض جبال بيت المقدس سمعت صوتاً وهو يقول: ذهبت الآلام عن أبدان الخدام وولهت بالطاعة عن الشراب والطعام، وألفت أبدانهم طول القيام بين يدي الملك العلام. فتبعت الصوت فإذا شاب أمرد قد علا وجهه اصفرار يميل ميل الغصن إذا ميلته الريح، وعليه شملة قد اتزر بها، وأخرى قد اتشح بها. فلما رآني توارى عني بالشجر فقلت له: أيها العالم، الجفاء ليس من أخلاق المؤمنين. فكلمني وأوصني. فخر ساجداً وجعل يقول: هذا مقام من لاذ بك واستجار بمعرفتك، وألف محبتك فيا إله القلوب وما تحويه من جلال عظمتك احجبني عن القاطعين لي عنك. قال ذو النون: ثم غاب عني فلم أره.

ومن عابدات جبال بيت المقدس

ومن عابدات جبال بيت المقدس: 880 - عابدة محمد المبارك الصوري قال: بينما أنا أجول في بعض جبال بيت المقدس إذا أنا بشخص منحدر من جبل، فإذا هي امرأة عليها مدرعة من صوف وخمار من صوف. فسلمت فردت فقالت: يا هذا من أين أقبلت؟ فقلت: رجل غريب. قالت: يا سبحان الله، وهل تجد مع سيدك وحشة الغربة وهو مؤنس الغرباء ومحدث الفقراء؟ فبكيت، فقالت: مم بكاؤك، ما أسرع ما وجدت طعم الدواء؟ فقلت: أو لا يبكي العليل إذا وجد طعم العافية؟ قالت: لا. قلت: لم؟ قالت: لأنه ما خدم القلب خادم هو أحب إليه من البكاء، ولا خدم البكاء خادم هو أحب إليه من الشهيق والزفير في البكاء. قلت: علميني رحمك الله فإني أراك حكيمة. فأنشأت تقول: دنياك غرارة فذرها ... فإنها مركب جموح دون بلوغ الجهول منها ... منيته، نفسه تطيح لا تركب الشر واجتنبه ... فإنه فاحش قبيح والخير فاقدم عليه ترشد ... فإنه واسع فسيح فقلت: زيديني. فقالت: أحبب ربك شوقاً إلى لقائه، فإن له يوماً يتجلى فيه لأوليائه.

ومن عقلاء المجانين

ومن عقلاء المجانين مجنونة في جبل من جبال بيت المقدس يقال لها: 881 - زهراء الوالهة محمد بن سلمة قال: سمعت ذا النون المصري يقول: بينا أنا في بعض أودية بيت المقدس إذ سمعت صوتاً يقول: يا ذا الأيادي التي لا تحصى، ويا ذا الجود والبقاء متع بصر قلبي من الجولان في بساتين جبروتك، واجعل همتي متصلة بجود لطفك يا لطيف، وأعذني من مسالك المتحيرين بجلال بهائك يا رؤوف، واجعلني لك في جميع الحالات خادماً وطالباً، وكن لي يا منور قلبي وغاية طلبي في الفضل صاحباً. قال ذا النون: فطلبت الصوت حتى ظهر لي، فإذا امرأة كأنها العود المحترق، وعليها درع من الصوف، وخمار من الشعر أسود قد أضناها الجهد وأفناها الكمد وذوبها الحب، وقتلها الوجد. فقلت لها: السلام عليك. فقالت: وعليك السلام يا ذا النون فقلت: لا إله إلا الله كيف عرفت اسمي ولم تريني؟ قالت: كشف عن سري الحبيب فرفع عن قلبي حجاب العمى فعرفني اسمك. فقلت: ارجعي إلى مناجاتك. فقالت: أسألك يا ذا البهاء أن تصرف عني شر ما أجد فقد استوحشت من الحياة. ثم خرت ميتة. فبقيت متحيراً متفكراً. فأقبلت عجوز كالوالهة فنظرت إليها ثم قالت: الحمد لله الذي كرمها. قلت: من هذه؟ فقالت: ألم تسمع بزهراء الوالهة؟ هذه ابنتي توهم الناس منذ عشرين سنة أنها مجنونة وإنما قتلها الشوق إلى ربها.

ومن عباد جبال المغرب

ومن عباد جبال المغرب: 882 - عابد عن ذي الكفل أخي ذي النون قال: سمعت ذا النون يقول: بينا أنا في جبال المغرب إذ وقعت على رجل عابد في رأس جبل، فسلمت عليه؛ فأطرق إلى الأرض ثم رفع رأسه وقال: عليكم السلام. قال ذو النون فقلت له: ما مقامك في هذا المكان؟ فقال: معي بضيعة قد هربت بها من الأسواق وقد جئت بها لأدفنها في هذا المكان. قلت: وما بضاعتك هذه؟ قال: عقد توحيدي وخالص ضمير مكنوني قلت: لو أنست بالناس. قال: منهم هربت، وقد قصدت إلى من قصده غيري من الراجين. فوجدوه مؤنساً. ثم رفع طرفه نحو السماء ثم قال: أنت أنت. قال ذو النون: فرفعت طرفي في موضع رفع طرفه ورددت طرفي فلم أره.

ومن عباد جبال الإسكندرية

ومن عباد جبال الإسكندرية: 883 - عابد جعفر بن النعمان الرازي قال: قال إبراهيم بن أدهم ذات يوم: يا أهل الشام تعجبون مني؟ وإنما العجب من الرجل الإسكندراني، فإني طلبته في جبال الإسكندرية حتى وقعت عليه بعد ثمانية أيام وهو يصلي كأنه مدهوش. ثم حانت منه التفاتة إلي فقال لي: من أنت؟ قلت: رجل أعرابي. قال: هل عندك حديث تحدثنا به؟ قال: فحدثته بخمسة أحرف فغشي عليه وأنا أنظر، ثم أفاق فقال: خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ههنا. فطلبته بعد فلم أقدر عليه.

ومن عباد جبل المقطم

ومن عباد جبل المقطم: 884 - يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون المصري يقول: وصف لي رجل في جبل المقطم فقصدته فرأيت رجلاً متعبداً، فمكثت معه أربعين يوماً لا أكلمه. ثم استخرت الله تعالى يوماً في كلامه، وسألت الله أن يوفقه لي، فقلت: أيها الشيخ فما النجاة؟ فقال: في التقوى والمراقبة. فقلت: زدني، فقال: فر من الخلق ولا تستأنس بهم. فقلت له: زدني. فقال: إن لهل عباداً نظروا إلى باطن الدنيا لما نظر الخلق إلى ظاهرها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم؟ إنهم قوم صافوه بالعقول ودققوا له الفطن فسقاهم كأساً من محبته فهم في عطشهم أروياء، وفي ربهم عطاش. قال: فقلت له: زدني. فقال: إنهم أقوياء في توكلهم.

من عباد جبل الأقرع

من عباد جبل الأقرع: 885 - عابد قال بشر بن الحارث: كنت ماراً في جبال الشام فأتيت على رجل يقال له الأقرع، فإذا أنا بشاب قد نحل جسمه ورق جلده، وعليه ثوب من صوف، فسلمت عليه فرد علي. فقلت في نفسي: أقول له عظني وأبلغ. فقال لي قبل أن أكلمه فأجاب عن سري: عظ نفسك بنفسك، وفك نفسك من حبسك، ولا تشتغل بموعظة غيرك من جنسك، واذكر الله في الخلوات يقك السيئات، وعليك بالجد والاجتهاد. ثم بكى وجعل يقول: شغلت النفوس بالقليل الفاني ونحبت الأبدان بالتسويف والأماني. ثم قال: يا بشر، وما رآني وما عرفني قبل ذلك، إن لله عباداً خالط قلوبهم الحزن، فأسهر ليلهم وأظمأ نهارهم، وأبكى عيونهم، كما وصفهم ربهم في كتابه: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الذاريات.

ذكر المصطفين من عباد جبال الشام المجهولة الأسماء

ذكر المصطفين من عباد جبال الشام المجهولة الأسماء 886 - حميد بن جابر، الأمير الشامي إبراهيم بن بشار قال: كنت يوماً ماراً مع إبراهيم بن أدهم في صحراء إذ أتينا على قبر مسنم فترحم عليه وبكى، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا قبر حميد بن جابر أمير هذه المدن كلها، كان غرقاً في بحار الدنيا ثم أخرجه الله عز وجل منها فاستنقذه. لقد بلغني أنه سر ذات يوم بشيء من ملاهي ملكه ودنياه وغروره وفتنته. قال: ثم نام في مجلسه ذلك مع من يخصه من أهله. قال: فرأى رجلاً واقفاً على سريره وبيده كتاب فناوله ففتحه فإذا فيه كتاب بالذهب مكتوب: لا تؤثرن فانياً على باق، ولا تغترن بملكك وقدرتك وسلطانك وخدمك وعبيدك ولذاتك وشهواتك، فإن الذي أنت فيه جسيم لولا أنه عديم، وهو ملك لولا أن بعده هلك وهو فرح وسرور لولا أنه لهو وغرور، وهو يوم لو كان يوثق له بغد، فسارع إلى أمر الله عز وجل فإن الله قال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران] . قال: فانتبه فزعاً وقال: هذا تنبيه من الله عز وجل وموعظة. فخرج من ملكه لا يعلم به، وقصد هذا الجبل فتعبد فيه. فلما بلغتني قصته وحدثت بأمره قصدته فسألته فحدثني ببدو أمره وحدثته ببدو أمري، فما زلت أقصده حتى مات ودفن ههنا. فهذا قبره رحمه الله. 887 - عابد آخر بشر بن الحارث قال: استقبلني رجل في طريق الشام وعليه عباءة قد عقدها مستوفزاً كأنه وحشي. فقلت له: رحمك الله من أين جئت؟ قال لي: جئت من عنده. فقلت: وإلى أين تذهب؟ فقال: غليه فقلت له: ففيم النجاة رحمك الله؟ قال: في التقوى والمراقبة لمن أنت له مبتغ، قلت: فأوصني. قال: لا أراك تقبل. قلت: أرجو أن أقبل إن شاء الله. قال: فر منهم ولا تأنس بهم واستوحش من الدنيا فإنها تعرضك للعطب. ثم قال: من عرف الدنيا لم يطمئن إليها ومن أبصر ضررها أعد لها دواءها، ومن عرف الآخرة ألح في طلبها، ومن توهمها اشتاق إلى ما فيها فهان عليه العمل.

ثم قال: فكيف لو توهمت من يملكها ومن زخرفها ومن قال لها: فكانت وتزيني فتزينت؟ والتشوق إلى مالكها أولى بقلوب المشتاقين، وأطيب لعيش المستأنسين. ثم قال: قد أنسوا بربهم فالأمر فيما بينهم سليم، صافوه بالعقول، ودققوا له الفطن، فسقاهم من كأس حبه شربة فظلوا في عطشهم أروياء، وفي ربهم عطاشاً. ثم قال: يا هذا أتفهم ما أقول وإلا فلا تتبعني؟ قلت: بلى رحمك الله إني أفهم جميع ما قلت. قال: الحمد لله الذي فهمك. قال: ورأيت في وجهه السرور ثم قال: خذ إليك نعم هم الذين لا يملون كاساته من تحفه، فالحكمة إلى قلوبهم سائلة متواصلة، لأنهم الأكياس الذين لم تدنسهم المطامع ولم تقطعهم عن الله عز وجل القواطع، ليوث في تعززهم، أغنياء في توكلهم، أقوياء في تقلبهم، قد قطعتهم الخشية وولهتهم الغربة، نعيمهم اليقين، وروحهم السكون، ألين الخلق عريكة وأشده حياء، وأشرفه مطلباً. لا يركنون إلى الدنيا جزعاً. ولا يتطاولون ولا يتماوتون، فهم صفوة الله عز وجل من خلقه، وضائن من خالص عباده. ثم قال لي أن القلوب الحية من دون هذا لها مقنع. نفعنا الله وإياك بما علمنا وسلمنا وإياك بما علمنا، السلام عليك ورحمة الله. قال بشر: فطلبت إليه فأبى علي وقال: لست أنساك فلا تنسني. ثم مضى وتركني. قال بشر: فلقيت عيسى بن يونس فحدثته بقصته فقال لي: لقد أنس بك ذلك الرجل الصالح، إنه رجل من خيار الناس يأوي في الجبل وإنما يدخل إلى المدينة في كل جمعة لصلاة الجمعة ويبيع في ذلك اليوم حطباً يكفيه إلى الجمعة الأخرى، وعجباً له كيف كلمك؟ لقد حفظت عنه كلاماً حسناً. 888 - عابد آخر ابن مسروق قال: سمعت سرياً يقول: بينا نحن نسير في بلاد الشام ملنا عن الطريق ناحية جبل عليه عابد، فقال رجل من القوم: إنا قد ملنا عن الطريق، وها هنا عابد فميلوا بنا إليه نسأله، لعل الله عز وجل يوفقه يكلمنا. فملنا إليه فوجدناه يبكي. قال سري: فقلت له ما أبكى العابد؟ قال: ما لي لا أبكي؟ وقد توعرت الطرق وقل السالكون فيها، وهجرت الأعمال وقل الراغبون فيها، وقل الحق ودرس هذا الأمر فلا أراه إلا في لسان كل بطال ينطق بالحكمة، ويفارق الأعمال، قد افترش الرخصة وتمهد التأويل، واعتل بزلل العاصين ثم صاح صيحة وقال: كيف سكنت قلوبهم إلى روح الدنيا، وانقطعت عن روح ملكوت السماء؟ ثم جعل

يقول: واغماه من فتنة العلماء، واكرباه من حيرة الأدلاء. وجال جولة ثم قال: أين الأبرار من العلماء؟ بل أين الأخيار من الزهاد؟ ثم بكى وقال: شغلهم والله ذكر طول الوقوف، وهم الجواب عن ذكر الجنة والنار والثواب. ثم قال: أنا أستغفر الله من شهوة الكلام. تنحوا عني. فخليناه يبكي وقد ملئنا منه غماً وهماً. 889 - عابد آخر محمد بن أحمد الشمشاطي قال: سمعت ذا النون يقول: بينا أنا سائر بين جبال الشام إذا بشيخ على تلعة من الأرض قد تساقطت حاجباه على عينيه كبراً. فتقدمت إليه فسلمت عليه فرد علي السلام ثم جعل يقول: يا من دعاه المذنبون فوجدوه قريباً، ويا من قصده الزاهدون فوجدوه حبيباً، ويا من استأنس به المجتهدون فوجدوه مجيباً ثم أنشأ يقول: وله خصائص مصطفون لحبه ... اختارهم في سالف الأزمان اختارهم من قبل فطرة خلقه ... فهم ودائع حكمة وبيان 890 - عابد آخر أبو عثمان سعيد بن الحكم قال: سمعت ذا النون يقول: بينا أنا أسير في بلاد الشام فإذا أنا بعابد قد خرج من بعض الكهوف فلما نظر إلي استتر بين تلك الأشجار. ثم قال: أعوذ بك سيدي ممن يشغلني عنك، يا حبيب التوابين، ومعين الصادقين، وغاية أمل المحبين، ثم صاح: واغماه من طول البكاء وطول الحزن واكرباه من طول المكث في الدنيا. ثم قال: سبحان من أذاق قلوب العارفين به حلاوة الانقطاع إليه، فلا شيء ألذ عندهم من ذكره والخلوة بمناجاته. ثم مضى وهو يقول: قدوس قدوس قدوس. فناديته: أيها العابد قف لي. فوقف وهو يقول: اقطع عن قلبي كل علاقة، واجعل شغله بك دون خلقك. فسلمت عليه ثم سألته أن يدعو الله لي فقال: خفف الله عليك مؤن نصب السير إليه، وأداك إلى رضاه حتى لا يكون بينك وبينه علاقة. ثم سعى بين يدي كالهارب من السبع.

ومن عابدات جبال الشام: 891 - عابدة عبد الملك بن هاشم قال: سمعت ذا النون يقول: كنت سائراً في بعض جبال الشام فإذا أنا بكوخ فقصدته فإذا أنا بعجوز قد عميت من البكاء. فدنوت منها فسلمت وقلت: يا عجوز حدثيني ما الغنى؟ قالت: الزهد في الدنيا. قلت: فما الزهد في الدنيا؟ قالت ترك طلب المفقود حتى يفقد الموجود.

ذكر المصطفين من عباد جبال غير معروفة المكان

ذكر المصطفين من عباد جبال غير معروفة المكان 892 - عابد في جبل عن مسعر أن عابداً كان يتعبد في جبل، يؤتى بقوته كل يوم قرصين. قال سفيان: وقال غير مسعر: كان يأتيه طير أبيض. قال فأتاه ذات يوم بقوته فجاءه سائل فأعطاه أحد القرصين. ثم أتاه سائل آخر فكسر القرص الثاني نصفين فأعطاه النصف وبقي النصف لنفسه، ثم قال والله: ما هذا النصف بالذي يغني عن هذا شيئاً، ولا هذا النصف بالذي يكفيني، ولأن يشبع واحد خير من أن يجوع اثنان. فسلم القرص كله للسائل وبات طاوياً، فأتي في منامه فقيل له: سل. فقال: أسأل المغفرة. فقيل له: هذا شيء قد أعطيته فسل. قال أسأل أن يغاث الناس. قال: وكان عام جدب فأغيثوا. 893 - عابد آخر على جبل أبو الهيثم عن عبد الله بن غالب أنه حدثه قال: خرجت إلى الجزيرة فركبت السفينة فأرفت بنا إلى ناحية قرية عادية في سفح جبل خراب ليس فيها أحد. قال: فخرجت فطوفت في ذلك الخراب أتأمل آثارهم وما كانوا فيه إذ دخلت بيتاً يشبه أن يكون مأهولاً. قال فقلت: إن لهذا البيت لشأناً. قال: فرجعت إلى أصحابي فقلت: إن لي إليكم حاجة. قالوا: وما هي؟ قلت: تقيمون علي ليلة. قالوا: نعم. قال: فدخلت ذلك البيت، فقلت: إن يكن له أهل فسيأوون إليه إذا جاء الليل. فلما أن جاء الليل سمعت صوتاً قد انحط من رأس الجبل، يسبح الله ويحمده ويكبره. فلم يزل الصوت يدنو كذلك حتى دخل البيت. قال: ولم أر في ذلك البيت شيئاً إلا جرة ليس فيها شيء، ووعاء ليس فيه طعام. فصلى ما شاء الله أن يصلي، ثم انصرف إلى ذلك الوعاء فأكل منه طعاماً، ثم حمد الله تعالى. ثم أتى تلك الجرة فشرب منها شراباً. ثم قام فصلى حتى أصبح. فلما أصبح أقام الصلاة فصليت معه فقال: رحمك الله دخلت بيتي بغير إذني؟ قال: قلت رحمك الله لم أرد إلا الخير. وقلت: رأيتك أتيت هذا الوعاء فأكلت منه طعاماً وقد نظرت قبل ذلك فلم أر فيه شيئاً، وأتيت تلك الجرة فشربت منها شراباً وقد نظرت قبل ذلك فلم أر فيها

شيئاً. قال: أجل ما من طعام أريده من طعام الناس إلا أكلته من هذا الوعاء، ولا شراب أريده من شراب الناس إلا شربته من هذه الجرة. قال: قلت: وإن أردت السمك الطري؟ قال: وإن أردت السمك الطري. فقلت: رحمك الله إن هذه الأمة لم تؤمر بالذي صنعت، أمرت بالصلاة في الجماعة وعيادة المريض، واتباع الجنائز. فقال: ههنا قرية فيها كل ما ذكرت وأنا منتقل إليها. قال: فكاتبني حيناً ثم انقطع عني كتابه فظننت أنه مات. وكان عبد الله بن غالب لما مات وجد من قبره ريح المسك. 894 - عابد آخر على جبل قال محمد بن الحسين: حدثني أحمد بن سهل قال: حدثني أبو فروة السائح، وكان والله من العاملين لله عز وجل بمحبته، قال: بينا أنا أطوف في بعض الجبال إذ سمعت صدى جبل فقلت: إن ها هنا لأمراً ما. فاتبعت الصوت فإذا أنا بهاتف يهتف: يا من آنسني بذكره وأوحشني من خلقه، وكان لي عند مسرتي. ارحم اليوم عبرتي وهب لي من معرفتك ما أزداد به تقرباً إليك. يا عظيم الصنيعة إلى أوليائه اجعلني اليوم من أوليائك المتقين. قال: ثم سمعت صرخة ولم أر أحداً. فأقبلت نحوها فإذا أنا بشيخ مغشي عليه قد بدا بعض جسده، فغطيته ثم لم أزل عنده حتى أفاق، فقال: من أنت رحمك الله؟ قلت: رجل من بني آدم. قال: إليكم عني فمنكم هربت، قال: ثم بكى وقام، فانطلق وتركني. فقلت: رحمك الله دلني على الطريق. فأومأ بيده إلى السماء. 895 - عابد آخر على جبل محمد بن أبي عبد الله الخزاعي قال: حدثني رجل من أهل الشام أنه دخل كهف جبل في ناحية عن طريق الناس. فإذا هو بشيخ مكتوب على وجهه، وإذا هو يقول: إن كنت تطيل جهدي في دار الدنيا وتطيل شقائي في الآخرة فلقد أهملتني وأسقطتني من عينك أيها الكريم، قال: فسلمت فرفع رأسه فإذا دموعه قد بلت الأرض. فقال: ألم تكن الدنيا لكم واسعة وأهلها لكم أناساً؟ فلما رأيت من عقله ما رأيت قلت له: رحمك الله اعتزلت الناس واغتربت في هذا الموضع؟ فقال: وأنت يا أخي، فحيثما ظننت أنه أقرب لك إلى الله عز وجل فابتغ إلى ذلك سبيلاً فلن يجد مبتغوه من غيره عوضاً. قال: قلت: فالمطعم؟ قال: أقل ذلك عند الحاجة إليه إذا أردنا ذلك: فنبت الأرض وقلوب الشجر. قال: فقلت: ألا أخرجك من هذا الموضع فآتي

بك أرض الريف والخصب؟ قال: فبكى ثم قال: إنما الريف والخصب حيث يطاع الله عز وجل، وأنا شيخ كبير أموت الآن، لا حاجة لي بالناس. 896 - عابد آخر في جبل أبو حفص عمر بن عبد الله المؤذن قال: قال قاسم الجرعن: خرجت حاجاً على طريق الشام، فبينا أنا أسير في الليل إذ غلطت الطريق فسمعت صيحة فإذا أنا بجماعة قد مسهم من الغلط مثل الذي مسني، وقد وقفوا على رجل من المتعبدين في جبل وهو يبكي ويقول في بكائه: أترى بكائي نافعي عندك ومنقذ رقبتي من حكمك؟ أتراك آخذاً من نفسي بحقك وموبخها على رؤوس الأشهاد بما ضيعت من أمرك؟ ثم صاح: آوه لكشف سترك عني، آوه لوقوفي بين يديك يا سيداه، فقال له بعض القوم: إنا غلطنا الطريق. فقال: وأنا أيضاً قد غلطت الطريق، فمن لي ولكم بالاستقامة على وجهها؟ ثم قال: يا دليل الأدلاء دلني ودلهم ولا تحيرني وإياهم. قال: فكشف لنا عن الطريق فسلكناها وتركناه واقفاً في صومعته. 897 - عابد آخر في جبل بلغنا عن أبي الحارث أحمد بن الحارث الأولاشي أنه قال: رأيت رجلاً على رأس جبل كأنه شن بال شاخصاً ببصره نحو السماء لا يفتر عن الذكر. فسألته المقام معه. فقال: إن أطقت ما طوقت فأقم وإلا فامض عني، قلت: وما هو؟ قال: يكون الذهب والفضة عندك كالحصى والمدر، والسباع والهوام كالطير والأنعام، وخوفك من جنسك كخوفك من السباع، وخوفك من صحبتهم على دينك كخوفك من الشطان، فلعلك تنال ما تريد، ومتى كان الذهب والفضة أكبر في قلبك فإنك ستميل إلى الأكبر، ومتى هبت السباع أوشك أن تبعد إلى الأمن، ومتى أنست بالمخلوقين أوشك أن تهرب من الوحشة. وثلاثة أشياء هن تمام الأمر: أن تعلم أنك مبتلي لا محالة، وأن لك رزقاً مقسوماً وكذلك أجل معلوم، والثالث: أن تقصر الأمل، فهنالك لا تبالي أين حللت من البلاد ولا من شاهدت من العباد فتقدم إن شئت على بصيرة وإلا فتأخر على علم بضعف وعجز. قلت: صف لي ما يزيد في صبري. قال: تعلم أن الله عز وجل ناظر إليك، قد روي في بعض الأخبار: بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي، وما يكابد المكابدون في طلب مرضاتي فإذا علمت أن صبرك يرضي مولاك صبرت. قلت: فما السبيل إلى الرضاء؟ قال: علم القلب بأن المولى عادل في قضائه غير متهم

فيما حكم. قلت: فما معنى الرضاء؟ قال: سرور القلب بمر القضاء؟ ثم قال: لا تنم إلا نوم يقظان، وكيف يأمن من لم يأته الأمان؟ وبادر قبل الفوت، واستعن على تصفية الطعمة بالقلة والتمس الصمت بقلة الخلطاء، واتبع قول الرسول صلى الله عليه وسلم وقول السلف، ولا تميلن إلى محدثات الأمور، فكل محدثة بدعة، واعلم أن الله يراك فاتقه، وقم له بالقسط على نفسك، وتفرد بالفرد إذ كنت له عبداً، وتجرد من الهموم الشاغلة، واجعل الهم واحداً تروح في العاجلة والآجلة. 898 - عابد آخر في جبل بلغنا عن بعض السلف أنه قال: رأيت في بعض الجبال شاباً أصفر اللون غائر العينين، مرتعش الأعضاء، لا يستقر على الأرض، كأن به وخز الأسنة، ودموعه تتحادر. فقلت له: من أنت؟ فقال: آبق من مولاه. قلت: فتعود وتعتذر. فقال: العذر يحتاج إلى إقامة حجة فكيف يعتذر المقصر؟ فقلت: تتعلق بمن يشفع فيك. فقال: كل الشفعاء يخافون منه؟ قلت: فمن هو قال: مولاي رباني صغيراً فعصيته كبيراً، شرط لي فوفاني، وضمن لي فأعطاني، فخنته في ضماني، وعصيته وهو يراني، فواحيائي من حسن صنعه وقبيح فعلي. فقلت: أين هذا المولى؟ فقال: أين توجهت لقيت أعوانه، وأيت استقرت ف قدمك ففي داره. فقلت: ارفق بنفسك فربما أحرقك هذا الخوف. فقال: الحريق بنار خوفه - لعله يرضى - أحق وأولى. ثم أنشأ يقول: لم يبق خوفك لي دمعاً ولا جلداً ... لا شك أني بهذا ميت كمدا عبد كئيب أتى بالعجز معترفاً ... وناره تحرق الأحشاء والكبدا ضاقت مساكنه في الأرض من وجل ... فهب لي منك لطفاً إن لقيت غدا فقلت: يا غلام، الأمر أسهل مما تظن. فقال: هذا من فتنة البطالين، هبه تجاوز وعفا، أين آثار الإخلاص والصفاء؟ ثم صاح صيحة، فخرجت عجوز من كهف الجبل، عليها ثياب رثة. فقالت: من أعان على البائس الحيران؟ فقلت: يا أمة الله دعوته إلى الرجاء؟ فقالت: قد دعوته إلى ذلك فقال: الرجاء بلا صفاء شرك. قلت: من أنت منه؟ قالت: والدته. فقلت: أقيم عندك أعينك عليه؟ فقالت: خله ذليلاً بين يدي قاتله عساه يراه بعين معين فيرحمه. فلم أدر مما ذا أعجب؟ من صدق الغلام في خوفه أو من قول العجوز وصدقها. انتهى ذكر عباد الجبال بحمد الله ومنه.

ذكر المصطفين من عباد الجزائر

ذكر المصطفين من عباد الجزائر 899 - عابد عبيد الله بن أبي نوح قال: لقيت رجلاً من العباد في بعض الجزائر منفرداً فقلت: يا أخي ما تصنع ها هنا وحدك؟ أما تستوحش؟ قال: الوحشة في غير هذا الموضع أعم. قلت: مذ كم أنت ها هنا؟ قال: منذ ثلاثون سنة. قلت: فمن أين المطعم؟ قال: من عند المنعم. قلت: فها هنا في القرب منك شيء تعول عليه إذا احتجت إليه من المطعم رجعت إليه. قال: ما أكرثك بما قد كفيته وضمن لك. قلت: أخبرني بأمرك. قال: ما لي أمر غير ما ترى، غير أني أظل في هذا الليل والنهار متكلاً على كرم من لا تأخذه سنة ولا نوم. قال: ثم صاح صيحة أفزعني فوثبت وسقط مغشياً عليه. فتركته على تلك الحال ومضيت. 900 - عابد آخر بلغنا عن عبد الواحد بن زيد أنه قال: ركبنا في مركب فطرحتنا الريح إلى جزيرة، فإذا فيها رجل يعبد صنماً، فقلنا له: من تعبد؟ فأومأ إلى الصنم. فقلنا: إن معنا في المركب من يسوي مثل هذا. ليس هذا بإله يعبد. قال: فأنتم لمن تعبدون؟ قلنا: الله عز وجل قال: وما الله؟ قلنا: الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي الأحياء والأموات قضاؤه فقال: كيف علمتم به؟ قلنا: وجه هذا الملك إلينا رسولاً كريماً فأخبرنا بذلك. قال: فما فعل الرسول؟ قلنا: لما أدى الرسالة قبضه الله. قال: فما ترك عندكم علامة؟ قلنا: بلى ترك عندنا كتاب الملك. قال: أروني كتاب الملك، فينبغي أن تكون كتب الملوك حساناً. فأتيناه بالمصحف فقال: ما أعرف هذا. فقرأنا عليه سورة من القرآن فلم نزل نقرأ ويبكي حتى ختمنا السورة. فقال: ينبغي لصاحب هذا الكلام أن لا يعصى. ثم أسلم وحملناه معنا وعلمناه شرائع الإسلام وسوراً من القرآن. فلما جن علينا الليل وصلينا العشاء أخذنا مضاجعنا. فقال لنا: يا قوم هذا الإله الذي دللتموني عليه إذا جن عليه الليل ينام؟ قلنا: لا يا عبد الله، هو عظيم قيوم لا ينام. قال: بئس العبيد أنتم، تنامون ومولاكم لا ينام. فأعجبنا كلامه. فلما قدمنا عبادان قلت لأصحابي: هذا قريب عهد بالإسلام فجمعنا له دراهم وأعطيناه فقال: ما هذه؟

قلنا: تنفقها، قال لا إله إلا الله، دللتموني على طريق ما سلكتموها، أنا كنت في جزائر البحر أعبد صنماً من دونه ولم يضيعني - يضيعني وأنا أعرفه. فلما كان بعد أيام قيل لي: إنه في الموت. فأتيته فقلت: هل من حاجة؟ فقال: قضى حوائجي من جاء بكم إلى جزيرتي. قال عبد الواحد: فحملتني عيني فنمت عنده. فرأيت مقابر عبادان روضة وفيها قبة وفي القبة سرير عليه جارية لم نر أحسن منها. فقالت: سألتك بالله إلا ما عجلت به فقد اشتد شوقي إليه، فانتبهت فإذا به قد فارق الدنيا فغسلته وكفنته وواريته. فلما جن الليل نمت فرأيته في القبة مع الجارية وهو يقرأ: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد] .

ذكر المصطفين من عباد السواحل

ذكر المصطفين من عباد السواحل 901 - عابد بسيراف سعيد بن ثعلبة الوراق قال: بينا أنا ذات ليلة مع رجل من العابدين على الساحل بسيراف فأخذ في البكاء، فلم يزل يبكي حتى خفنا طلوع الفجر، ولم يتكلم بشيء. ثم قال: جرمي عظيم، وعفوك كثير، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم. قال: فتصارخ الناس من كل ناحية. 902 - عابد آخر أحمد بن فارس قال: حدثني أبو بكر الكتاني قال: كنت أنا وأبو سعيد الخراز، وعباس بن المهتدي، وآخر، نسير بالشام على ساحل البحر. إذا شاب يمشي معه محبرة ظننا أنه من أصحاب الحديث. فقال له أبو سعيد: يا فتى على أي طريق تسير؟ فقال: ليس أعرف إلا طريقين: طريق الخاصة وطريق العامة. فأما طريق العامة الذي أنتم عليه. وأما طريق الخاصة فباسم الله. وتقدم إلى البحر ومشى حيالنا على الماء فلم نزل نراه حتى غاب عن أبصارنا. 903 - عابد آخر عباد، أبو عتبة الخواص، قال: حدثني رجل من الزهاد ممن يسيح في الجبال قال: لم تكن لي همة في شيء من الدنيا ولا لذة إلا في لقياهم، يعني الأبدال والزهاد. قال فبينا أنا ذات يوم على ساحل من سواحل البحر ليس يسكنه الناس ولا ترقى إليه السفن إذا أنا رجل قد خرج من تلك الجبال. فلما رآني هرب وجعل يسعى واتبعته أسعى خلفه فسقط على وجهه وأدركته، فقلت: ممن تهرب رحمك الله؟ فلم يكلمني. فقلت: إني أريد الخير فعلمني. فقال: عليك بلزوم الحق حيث كنت، فوالله ما أنا بحامد لنفسي فأدعوك إلى مثل عملها. ثم صاح صيحة فسقط ميتاً فمكثت لا أدري كيف أصنع به؟ قال: وهجم الليل علينا فتنحيت فنمت ناحية عنه. فرأيت في منامي أربعة نفر هبطوا عليه من السماء على خيل فحفروا له وكفنوه وصلوا عليه ثم دفنوه. فاستيقظت فزعاً للذي رأيت. فذهبت عني وسنة النوم بقية الليل. فلما أصبحت انطلقت إلى موضعه فلم أره فيه. فلم أزل أطلب أثره وأنظره حتى رأيت قبراً جديداً فظننت أنه القبر الذي رأيت في منامي.

904 - عابد آخر أبو عبد الرحمن المغازلي قال: قال رجل ببلاد الشام في بعض تلك السواحل: لو بكى العابدون على الإشفاق حتى لم يبق في أجسادهم جارحة إلا أدت ما فيها من الدم والودك دموعاً جارية، وبقيت الأبدان يبساً خالية تتردد فيها الأرواح إشفاقاً ووجلاً من يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت. لكانوا محقوقين بذلك. ثم غشي عليه. 905 - عابد آخر إسرافيل قال: سمعت ذا النون يقول: سمعت بعض المتعبدين بساحل بحر الشام يقول: إن لله تعالى عباداً عرفوه بيقين من معرفته فشمروا وقصدوا إليه، احتملوا فيه المصائب لما يرجون عنده من الرغائب، صحبوا الدنيا بالأشجان، وتنعموا فيها بطول الأحزان، فما نظروا إليها بعين راغب، ولا تزودوا منها إلا كزاد الراكب، خافوا البيات فأسرعوا، ورجوا النجاة فأزمعوا، بذلوا مهج أنفسهم في رضا سيدهم، نصبوا الآخرة نصب أعينهم، وأصغوا إليها بآذان قلوبهم، فلو رأيتهم رأيت قوماً ذبلاً شفاههم، خمصاً بطونهم، حزينة قلوبهم، ناحلة أجسامهم، باكية أعينهم، لم يصحبهم التعليل والتسويف وقنعوا من الدنيا بقوات طفيف، لبسوا من اللباس أطماراً بالية، وسكنوا من البلاد قفراً خالية، وهربوا من الأوطان، واستبدلوا الوحدة من الأخدان، فلو رأيتهم لرأيت قوماً قد ذبحهم الليل بسكاكين السهر، وفصل الأعضاء منهم بخناجر التعب، خمصاً لطول السرى، شعثاً لفقد الكرى، قد وصلوا الكلال بالكلال، وتأهبوا للنقلة والارتحال. 906 - عابد آخر محمد بن إبراهيم الأخرم قال: خرجت من مصر وأنا على ساحل البحر، فرأيت امرأة خرجت من برية. فقلت: إلى أين يا أمة الله؟ قالت: إلى صومعة ها هنا لي فيها ابن، فمشيت معها فسمعت صوتاً من صومعة يقول: ومشتاق وليس له قرار ... نفور ليس يملكه العذار ومؤنس قلبه ليل طويل ... يلذ به ويوحشه النهار قضى وطراً به فأفاد علماً ... فنهمته التعبد والفرار ألا صبراً على دنياك صبراً ... فكل أمورها فيها اعتبار فقلت لها: منذ كم صار ابنك ها هنا؟ قالت: منذ وهبته منه وقبله مني.

907 - جماعة من العباد في السواحل عن عبد الرحمن بن زيد قال: لم أر مثل قوم رأيتهم. هجمنا مرة على نفر من العباد في بعض سواحل البحر، فتفرقوا حين رأونا فبتنا تلك الليلة وارفينا في تلك الجزيرة، ما كنت أسمع عامة الليل إلا الصراخ والتعوذ من النار. فلما أصبحنا طلبناهم واتبعنا آثارهم فلم نر منهم أحداً.

ذكر المصطفيات من عابدات السواحل

ذكر المصطفيات من عابدات السواحل 908 - عابدة محمد بن جعفر القنطري قال: قال ذو النون بينا أنا أسير على ساحل البحر إذ بصرت بجارية عليها أطمار شعر وإذا هي ذابلة ناحلة، فدنوت منها لأسمع ما تقول، فرأيتها متصلة الأحزان بالأشجان، وعصفت الرياح فاضطربت المواج فصرخت، ثم سقطت إلى الأرض فلما أفاقت نحبت ثم قالت: يا سيدي بك تفرد المتفردون في الخلوات، ولعظمتك سبحت النينان في البحار الزاخرات، ولجلال قدسك اصطفقت الأمواج المتلاطمات، أنت الذي سجد لك سواد الليل وضوء النهار والفلك الدوار، والبحر الزخار، والقمر النوار، وكل شيء عندك بمقدار. يا مؤنس الأبرار في خلوتهم ... يا خير من حطت به النزال فقلت: زيدينا من هذا. فقالت: إليك عني، ثم رفعت طرفها نحو السماء وقالت: أحبك حبين حب الوداد ... وحب لأنك أهل لذاكا فأما الذي هو حب الوداد ... فحب شغلت به عن سواكا وأما الذي أنت أهل له ... فكشفك للحجب حتى أراكا فما الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا ثم شهقت شهقة فإذا هي قد فارقت الدنيا. فبقيت أتعجب مما رأيت منها فإذا أنا بنسوة قد أقبلن عليهن مدارع الشعر فاحتملنها فغيبنها عني فغسلنها ثم أقبلن بها في أكفانها فقلن لي: تقدم فصل عليها. فتقدمت فصليت عليها وهن خلفي ثم احتملنها ومضين. 909 - عابدة أخرى محمد بن أحمد السوسي الشمشاطي. قال: سمعت ذا النون المصري يقول: بينا أنا أسير على شاطئ النيل إذا أنا بجارية تدعو وتقول: يا من هو عند ألسن الناطقين، ويا من هو عند قلوب الذاكرين، ويا من هو عند فكر الجامدين، قد علمت ما كان مني يا أمل المؤملين. ثم صرخت وخرت مغشياً عليها.

ذكر المصطفين من عباد البوادي والفلوات

ذكر المصطفين من عباد البوادي والفلوات 910 - أبو حبيب البدوي عن الثوري قال: أتيت أبا حبيب البدوي أسلم عليه، ولم أكن رأيته، فقال لي أنت سفيان الثوري الذي يقال؟ قال: قلت نعم نسأل الله تعالى بركة ما يقال. قال: فقال لي: يا سفيان ما رأينا خيراً قط إلا من ربنا. قلت: أجل، قال: فما لنا نكره لقاء من لم نر خيراً قط إلا منه. ثم قال: يا سفيان منع الله عز وجل إياك عطاء منه لك، وذاك أنه لم يمنعك من بخل ولا عدم، وإنما منعه نظر منه واختبار، يا سفيان إن فيك لأنساً ومعك شغل، قال: ثم اقبل على غنيمته وتركني.

_ 910 - هو: الغريب الشجوي أبو حبيب البدوي، حلية الأولياء 8/318.

شيبان الراعي

911 - شيبان الراعي عن محمد بن حمزة الربضي قال: كان شيبان الراعي إذا أجنب وليس عنده ماء دعا ربه فجاءت سحابة فأظلته فاغتسل منها. وكان يذهب إلى الجمعة فيخط على غنمه فيجيء فيجدها على حالتها لم تتحرك. زيد بن العباس قال: لما حج هارون الرشيد قيل له: يا أمير المؤمنين قد حج شيبان العام. قال: اطلبوه لي، فطلبوه فأتوه به فقال له: يا شيبان عظني؟ قال: يا أمير المؤمنين أنا رجل ألكن لا أفصح بالعربية فجئني بمن يفهم كلامي حتى أكلمه، فأتي برجل يفهم كلامه فقال له بالنبطية: قل له: يا أمير المؤمنين إن الذي يخوفك قبل أن تبلغ المأمن أنصح لك من الذي يؤمنك قبل أن تبلغ الخوف. فقال: قل له: أي شيء تفسير هذا؟ قال: قل له: الذي يقول لك: يا هذا اتق الله عز وجل فإنك رجل من هذه الأمة، استرعاك الله عليها وقلدك أمورها وأنت مسئول عنها فاعدل في الرعية واقسم بالسوية، وانفر في السرية، واتق الله في نفسك، هذا الذي يخوفك فإذا بلغت المأمن أمنت، هو أنصح لك ممن يقول: أنتم أهل بيت مغفور لكم، وأنتم قرابة نبيكم

_ 911 - هو: المنيب الواعي، أبو محمد الراعي، كان في العبادة فائقا، وبالتوكل على ربه عز وجل واثقا، حلية الأولياء 8/354.

وفي شفاعته، فلا يزال يؤمنك حتى إذا بلغت الخوف عطبت. قال: فبكى هارون حتى رحمه من حوله. ثم قال: زدني. قال: حسبك. ثم خرج. عبد الله بن عبد الرحمن قال: حج سفيان الثوري مع شيبان الراعي فعرض لهم سبع، فقال له سفيان الثوري: أما ترى هذا السبع؟ قال: فقال: لا تخف. قال: فلما سمع السبع كلام شيبان بصبص، فأخذ شيبان أذنه فعركها فبصبص وحرك ذنبه. قال سفيان: ما هذه الشهرة؟ قال: أو هذه شهرة؟ لولا مكان الشهرة ما وضعت زادي إلا على ظهره. سيار قال: قرأ رجل على شيبان الراعي: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} الزلزلة قال: فذهب على وجهه فلم ير سنة. فلما كان بعد الحول لقيه رجل فقال له: من أين؟ فقال: من ذلك الحساب الدقيق {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} .

ذكر المصطفين من عباد البوادي والفلوات المجهولين الأسماء

ذكر المصطفين من عباد البوادي والفلوات المجهولين الأسماء 912 - عابد عن سعيد بن أبي عروبة قال: حج الحجاج فنزل بعض المياه بين مكة والمدينة ودعا بالغداء فقال لحاجبه: انظر من يتغدى معي وأسأله عن بعض الأمر. فنظر نحو الجبل فإذا هو بأعرابي بين شملتين من شعر، نائم. فضربه برجله وقال: إيت الأمير. فأتاه فقال له الحجاج: اغسل يديك وتغد معي. فقال: إنه دعاني من هو خير منك فأجبته. قال: ومن هو؟ قال: الله تبارك وتعالى، دعاني إلى الصوم فصمت. قال: في هذا الحر الشديد؟ قال: نعم صمت ليوم أشد حراً من هذا اليوم. فقال: فأفطر وصم غداً. قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد. قال: ليس ذاك إلي. قال: فكيف تسألني عاجلاً بآجل لا تقدر عليه؟ قال: إنه طعام طيب. قال: لم تطيبه أنت ولا الطباخ، إنما طيبته العافية. 913 - عابد آخر سعيد بن سالم قال: نزل روح بن زنباع منزلاً بين مكة والمدينة في حر شديد. فانقض عليه راع من جبل. فقال: يا راعي هلم إلى الغداء. قال: إني صائم. قال: وإنك لتصوم في هذا الحر الشديد؟ قال: أفأدع أيامي تذهب باطلاً؟ قال روح: لقد ضنت بأيامك يا راع إذ جاد بها روح بن زنباع. 914 - عابد آخر السري بن يحيى قال: حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير قال: خرجت مع أبي فكنا في أرض فلاة. فرفع لنا سواد فظنناه شجرة. فلما دنونا إذا رجل قائم يصلي، فانتظرناه لينصرف فيرشدنا إلى القرية التي نريد، فلما لم ينصرف قال له أبي: إنا نريد قرية كذا وكذا فأوم لنا قبلها بيدك. قال ففعل. قال: فإذا له حوض محوض يابس ليس فيه ماء وإذا قربه يابسة. فقال له أبي: إنا نراك بأرض فلاة وليس عندك ماء، أفنجعل في قربتك من هذا الماء الذي عندنا؟ فأومأ أن لا، فلم نبرح حتى جاءت سحابة فمطرت فامتلأ حوضه ذلك. فلما أن دخلنا القرية ذكرناه لهم فقالوا: نعم ذاك فلان لا يكون في موضع إلا سقي. قال: فقال أبي: كم من عبد لله عز وجل صالح لا نعرفه.

915 - عابد آخر أحمد بن أبي الحواري قال: حججت أنا وسليمان فبينا نحن نسير إذ سقطت السطيحة مني، وكان برد عظيم. فلما افتقدت السطيحة قلت: بقينا بلا ماء. فأخبرت أبا سليمان فقال: سلم وصل على محمد صلى الله عليه وسلم وقل: يا راد الضالة ويا هادياً من الضلالة رد الضالة فإذا بواحد ينادي: من ذهبت له سطيحة فأخذتها منه فقال لي أبو سليمان: لا يتركنا بلا ماء. فبينا نحن نسير إذا برجل عليه طمران رثان وقد تدرعنا بالفراء من شدة البرد، وهو يرشح عرقاً. فقال له أبو سليمان: ألا ندثرك ببعض ما معنا؟ فقال الرجل: يا داراني الحر والبرد خلقان لله تعالى إن أمرهما أن يغشياني أصاباني وإن أمرهما أن يتركاني تركاني، يا داراني تصف الزهد وتخاف من البرد؟ أنا أسيح في هذه البرية منذ ثلاثين سنة ما انتفضت ولا ارتعدت، يلبسني في البرد فيحا من محبته، ويلبسني في الصيف مذاق برد محبته. ثم ولى وهو يقول: يا داراني تبكي وتصيح وتستريح إلى الترويح؟ فكان أبو سليمان يقول: لم يعرفني غيره. 916 - عابد آخر قال الأصمعي: حدثنا شبيب بن شيبة قال: كنا بطريق مكة وبين أيدينا سفرة لنا نتغدى في يوم قائظ، فوقف علينا أعرابي ومعه جارية له زنجية. فقال: يا قوم أفيكم أحد يقرأ كلام الله عز وجل حتى يكتب لنا كتاباً؟ قال: قلت له: أصب من غدائنا حتى نكتب حتى نكتب لك ما تريد. قال: إني صائم. فعجبنا من صومه في البرية، فلما فرغنا من غدائنا دعونا به فقلنا: ما تريد؟ فقال: أيها الرجل إن الدنيا قد كانت ولم أكن فيها، وستكون ولا أكون فيها. وإني أردت أن أعتق جاريتي هذه لوجه الله عز وجل ثم ليوم العقبة، تدري ما يوم العقبة؟ قول الله تعالى: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ، فَكُّ رَقَبَةٍ} البلد اكتب ما أقول لك، ولا تزيدن علي حرفاً: هذه فلانة خادم فلان قد أعتقها لوجه الله عز وجل ليوم العقبة. قال شبيب: فقدمت البصرة وأتيت بغداد فحدثت بهذا الحديث المهدي فقال: مائة نسمة تعتق على عهد الأعرابي. 917 - عابد آخر بهيم العجلي قال: ركب معنا شاب من بني مرة من أهل البدو في البحر، فجعل يبكي الليل والنهار. فعاتبه أهل المركب على ذلك وقالوا: إرفق بنفسك قليلاً. فقال: إن أقل ما ينبغي أن

يكون لنفسي عندي أن أبكيها وأبكي عليها أيام الدنيا لعلمي بما يمر عليها غداً. قال: فما بقي في المركب أحد إلا بكى. 918 - عابد آخر من بني تيم الله. مسكين بن دينار قال: كان في بني تيم الله شيخ متعبد يجتمع إليه فتيان الحي ونساكهم قال: فيذكرهم، فإذا أرادوا أن يتفرقوا قال: يا إخوتاه قوموا قيام قوم قد يئسوا من المعاودة لمجلسهم خوفاً من خطفات الموكل بالنفوس. قال: فيبكي والله ويبكي. 919 - عابد آخر الأصمعي قال: كنت بالبادية أعلم القرآن فإذا أنا بأعرابي بيده سيف يقطع الطريق، لما دنا مني ليأخذ ثيابي قال لي: يا حضري، ما أدخلك البدو؟ قلت: أعلم القرآن، قال: وما القرآن؟ قلت: كلام الله. قال: ولله كلام؟ قلت: نعم. قال: فأنشدني منه بيتاً فقلت: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} الذاريات قال: فرمى بالسيف من يده وقال: أستغفر الله، رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض، ثم لقيته بعد سنة في الطواف فقال: ألست صاحبك بالأمس؟ قلت: بلى. قال: فأنشدني بيتاً آخر فقلت: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} الذاريات قال: فوقف وبكى وجعل يقول: ومن ألجأه إلى اليمين؟ فلم يزل يرددها حتى سقط ميتاً. 920 - عابد آخر الأصمعي قال: قال أعرابي إني لبمضلة من الأرض إذ بصرت بأعرابي قد افترس الأسد ابنه ونفر به بعيره فدق فخذه وذلك بعد أن نازل الأسد فجد له فسمعته يقول: لله درك من مصيبة جللت فلطفت وكبرت فصغرت، لئن كنت أحللت قلبي ترحاً لقد أورثتني فرحاً، وكيف لا تكونين كذلك وقد زوي بك عني عظيم وقد أورثتني صبراً جسيماً؟ فقلت: الله يا أعرابي ما رأيت أربط منك جأشاً ولا أصعب منك مراساً. فقال: يا هذا إن الصبر والجزع ضدان أحدهما بصيرة بنجدة والآخر تهور بغرة، وليس بحزم تتبع ما فات تطلبه وعزت أوبته. ثم أنشأ يقول: وكذا أشتهي لحادث ريب الد ... هر إذ كان أن يكون عظيماً

921 - عابد آخر عبد الرحمن بن أبي نوح قال: ذكر لي عن رجل من العرب فهم وخير، فقصدت له في بعض البوادي حتى أصبته يسنو على بعير له. فقلت: قل لي كلاماً أحفظه عنك يرحمك الله. قال: لا تطلق لسانك فإن الفعل أولى بك من القول. قلت: رحمك الله إن دليل العمل القول ومفتاحه المعرفة. فأعجب بقولي. ثم أقبل علي فقال: يا أخي إن الشفقة لم تزل بالمؤمن حتى أوفدته على خير حال، وإن الغفلة لم تزل بالفاجر حتى أسلمته إلى شر حال، وما خير عمر امرئ لا يدري ما عاقبة أمره، وما خير عيش لا يكمل ما حفظ منه، ولئن كانت الرغبة في الدنيا هي المستولية على قلوبنا كما استولت على أبداننا لقد خبنا غداً في القيامة وخسرنا. 922 - عابد آخر يحيى بن معاذ قال: كنت في سياحتي، فبينا أنا في بعض الفلوات إذ لاح لي كوخ من قصب، فقصدت نحوه فإذا أنا بشيخ مبتلي، قد أكل الدود لحمه، فوقع له في قلبي رحمة، فقلت له: يا شيخ أتحب أن أسأل الله تعالى أن يبرئك؟ قال: فرفع رأسه وهو أعمى فنظر إلي وقال: يا يحيى بن معاذ الرازي وإن لك عنده هذه الدالة فلم لا تسأله أن يبغض إليك شهوة الرمان؟ قال يحيى: وكنت قد اعتقدت مع الله عز وجل ترك الشهوات ما خلا الرمان فلم أقدر على تركه لحبي له. ثم نظر إلي وقال لي: يا يحيى بن معاذ احذر أن تتعرض لأولياء الله فتفتضح عندهم. 923 - عابد آخر أبو القاسم النصر آباذي قال: سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: بقي إبراهيم سنة في البادية ما أكل ولا شرب ولا اشتهى شيئاً. فقال: عارضتني نفسي أن لي عند الله عز وجل رتبة فلم أشعر أن كلمني رجل عن يميني فقال: يا إبراهيم ترائي الله في سرك؟ فنظرت إليه فقلت: قد كان ذلك. فقال: بحمد الله كم لي ههنا لم آكل ولم أشرب ولم أشته شيئاً وأنا زمن مطروح؟ قلت: الله أعلم. قال: ثمانين يوماً وأنا أستحي من الله عز وجل أن يقع لي خاطرك، ولو أقسمت على الله عز وجل أن يجعل هذا الشجر ذهباً لجعله، فكانت بركة رؤيته تنبيهاً لي ورجوعاً إلى حالتي الأولى.

924 - عابد آخر حجازي أبو عبد الرحمن المغازلي قال: دخلت على رجل مبتلى بالحجاز فقلت: كيف تجدك؟ قال: أجد عافيته أكثر مما ابتلاني به، وأجد نعمه علي أكثر من أن أحصيها. قلت: أتجد لما أنت فيه ألماً شديداً؟ فبكى ثم قال: سلي نفسي ألم ما بي: ما وعد عليه سيدي أهل الصبر من كمال الأجور في شدة يوم عسير. قال: ثم غشي عليه. فمكث ملياً ثم أفاق فقال: إني لأحسب أن لأهل الصبر غداً في القيامة مقاماً شريفاً لا يتقدمه من ثواب الأعمال شيء، إلا ما كان من الرضا عن الله تعالى. 925 - عابد آخر الخلدي قال: خرجت سنة من السنين إلى البادية فبقيت أربعة وعشرين يوماً لم أطعم فيها طعاماً، فلما كان بعد ذلك رأيت كوخاً وفيه غلام فقصدت الكوخ فرأيت الغلام قائماً يصلي فقلت في نفسي: بالعشي يجيء إلى هذا طعام فآكل معه. فبقيت تلك الليلة والغد وبعد غد، ثلاثة أيام لم يجئه أحد بطعام ولا رأيت أحداً. فقلت: هذا شيطان ليس هذا من الناس. فتركته وانصرفت. فلما كان بعد أشهر، أنا قاعد في منزلي إذا داق يدق الباب. قلت: من هذا؟ أدخل، فدخل الغلام وقال لي: يا جعفر أنت كما سميت، جاع فر.

ذكر المصطفيات من عابدات العرب وأهل البادية

ذكر المصطفيات من عابدات العرب وأهل البادية 926 - خنساء بنت عمرو النخعية عن عبد الرحمن بن مغراء الدوسي، عن رجل من خزاعة قال: لما اجتمع الناس بالقادسية دعت خنساء بنت عمرو النخعية بنيها الأربعة فقالت: يا بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم والله ما نبت بكم الدار ولا أقحمتكم السنة، ولا أرداكم الطمع، والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم؛ ولا غيرت نسبكم ولا أوطأت حريمكم، ولا أبحت حماكم فإذا كان غداً إن شاء الله، فاغدوا لقتال عدوكم مستنصرين الله، مستبصرين، فإذا رأيتم الحرب قد أبدت ساقها وقد ضربت رواقها فتيمموا وطيسها وجالدوا خميسها، تظفروا بالمغنم والسلامة، والفوز والكرامة في دار الخلد والمقامة، فانصرف الفتية من عندها وهم لأمرها طائعون، وبنصحها عارفون فلما لقوا العدو شد أولهم وهو يقول: يا إخوتا إن العجوز الناصحة ... قد أشربتنا إذ دعتنا البارحة نصيحة ذات بيان واضحة ... فباكروا الحرب الضروس الكالحة فإنما تلقون عند الصائحة ... من آل ساسان كلاباً نابحة قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة ... فأنتم بين حياة صالحة أو ميتة تورث غنماً رابحة ثم شد الذي يليه وهو يقول: والله لا نعصي العجوز حرفا ... قد أمرتنا حدباً وعطفا منها وبراً صادقاً ولطفاً ... فباكروا الحرب الضروس زحفا حتى تكفوا آل كسرى كفا ... وتكشفوهم عن حماكم كشفا إنا نرى التقصير عنهم ضعفا ... والقتل فيهم نجدة وعرفا ثم شد الذي يليه وهو يقول: لست لخنساء ولا للأخزم ... ولا لعمرو ذي السناء الأقدم

إن لم تزر في آل جمع الأعجم ... جمع أبي ساسان جمع رستم بكل محمود اللقاء ضيغم ... ماض على الهول خضم خضرم إما لقهر عاجل أو مغنم ... أو لحياة في السبيل الأكرم نفوز فيها بالنصيب الأعظم ثم شد الذي يليه وهو يقول: إن العجوز ذات حزم وجلد ... والنظر الأوفق والرأي السدد قد أمرتنا بالصواب والرشد ... نصيحة غنها وبراً بالولد فباكروا الحرب نماء في العدد ... إما لقهر واحتياز للبلد أو ميتة تورث خلداً للأبد ... في جنة الفردوس في عيش رغد فقاتلوا جميعاً حتى فتح الله عز وجل للمسلمين، وكانوا يعطون ألفين يجيئون بها فيصبونها في حجرها فتقسم ذلك بينهم حفنة حفنة، فما يغادر واحد من عطائه درهماً. 927 - منفوسة بنت زيد الفوارس الأصمعي قال: حدثني رجل من بني ثعل قال: كنت ببعض نواحي نجد فرفعت لي فيه قبة من أدم فقصدتها فإذا أصوات نساء معولات، فدنوت منهن وسألتهن عن شأنهن؟ فقلن: منفوسة بنت زيد الفوارس أصيبت بابنها، وإذا هو في حجرها وهي تقول: والله لتقدمك أمامي أحب إلي من تأخرك ورائي، ولصبري عنك أجدى من جزعي عليك، وما حظ مصيبة تحل من التلف محلك، وتورث من العطب مثل مضجعك، ولئن كان فراقك حسرة إن توقع أجرك لخيرة. ثم قالت: لله در عمرو بن معدي كرب حيث يقول: وإنا لقوم لا تفيض دموعنا ... على هالك منا وإن قصم الظهرا 928 - عاتكة المخزومية إبراهيم بن محمد المخزومي قال: بكت امرأة من بني مخزوم يقال لها عاتكة حتى ذهب بصرها. فعوتبت في ذلك وقيل لها: ما بعد ذهاب البصر شيء؟ فقالت: ما ينبغي للمخوف بالنار أن تجف له دمعة حتى يعرف موقع الأمان من ذلك. فلم تزل على ذلك البكاء حتى ماتت عليه.

929 - منيرة السدوسية وبالإسناد حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثني محمد بن الحسين قال: حدثني عبد الله بن محمد بن حميد بن أبي الأسود قال: حدثني أبو سلمة، رجل من بني سدوس، قال: كانت لنا عجوز في الحي لم ندركها نحن، أدركها أشياخنا يقال لها: منيرة، فكانت تقول إذا جاء الليل: قد جاء الهول، قد جاءت الظلمة، قد جاء الخوف ما أشبه هذا بيوم القيامة. ثم تقوم فلا تزال تصلي حتى تصبح. 930 - طلحة العدوية وبالإسناد حدثنا القرشي قال: حدثنا عبد الله بن عيسى الطفاوي قال: أرسلني أبي إلى طلحة العدوية. فدخلنا عليها وبين يديها زنبيلان أحدهما فيه زبيب ونبق وباقلي، فقيل لي: إنها تسبح به وتأكل منه أحياناً. 931 - أم سالم الراسبية وبالإسناد حدثنا القرشي قال: قال محمد بن الحسين: حدثني أبو سمير، رجل من الأزد، قال: أتيت أم سالم الراسبية بين الظهر والعصر، فاستأذنت عليها فأذنت لي، فدخلت عليها وإذا هي تصلي قائمة فلم تنفتل من صلاتها ولم تلتفت إلي حتى نودي بصلاة العصر فخرجت فصليت ثم دخلت عليها فقالت: إذا كانت لك حاجة فلا تأتني في هذا الوقت فإن الذي يدع الصلاة في هذا الوقت فإنما يضيع حظ نفسه. 932 - أم نهار العدوية عن عتبة بن صالح الهلالي قال: شهدت أعرابية بالجفر، جفر بني عدي، يقال لها أم نهار العدوية واقفة على قبر رجل ونحن ندفنه. فقالت: أيها الناس إنكم من الله عز وجل في نعمة ستر، ومن الناس بمحل تزكية، فإياكم ومصاداة زخاريف الرخاء فإنها ليست من صفة الألباء فأجلوا شماذير الغفلة عن قلوبكم، وتأملوا أهل هذه العرصات الخرس والربوع الصموت وارجعوها صوراً بوهمكم: تتنسمون روح الحياة فنادوهم يسمعوا واسألوهم يخبروا. فاحيوا بموتهم وتيقظوا لغفلاتهم وخذوا خوفكم من أمنهم، وحذركم من غرورهم، وانظروا بهم إلى أثر البلى في أجسامكم، والخراب في مساكنكم، وكيف حكم فيهم التراب إذ ولي الحكم

_ 931 - هي: أم سالم بنت مالك الراسبية، مقبولة، من الثالثة.

فيهم، فأبدلهم بالنطق خرساً وبالسمع صمماً وبالحركات سكوناً. رحم الله امرءاً أبصر فتدبر، واتعظ فاعتبر، وعمل ليوم الحساب وخشي وقت العقاب. ثم قالت: الموت يفني ولا يبقي على أحد ... ما أحسب الموت يبقي جدة الأبد يا موت كم من كريم قد فجعت به ... من أقربيه ومن أهل ومن ولد ثم قالت: تغمدكم الله بالرحمة وبلغ بكم شرف الهمة. 933 - عاتكة الغنوية وبالإسناد حدثنا القرشي قال: ذكر محمد بن الحسين قال: حدثني عبيد الله بن محمد التيمي قال: حدثني جليس لنا كان يقال له ضرار الطفاوي، قال: لقيتني امرأة من غني عابدة يقال لها عاتكة. فقالت: يا ضرار توسل إلى مولاك بجميع ما يمكنك من الوسائل، فإنك تجد ذلك لك موفراً عند حلول الأمور الجلائل، وانقطع إليه في حوائجك لديه يأت لك عليها على غير تعب منك ولا نصب. واعلم أنه لن ينال المطيعون في الدنيا لذة أحلى في صدورهم من الازدياد لله في طاعته بقربه، ولحلاوة ساعة من مطيع ألذ في قلوب المريدين من جميع ما أخرج إلى الدنيا من زهرة ولذة، ولن يجد المريد؟ فقد شيء تركه رجاء ثواب الله. فجد أي أخي قبل أن لا يمكنك الجد، وبادر قبل فوات المبادرة فإن الدنيا لا تطيب لعارفها وإنما تورطها أهل الغرة وعما قليل فسوف يعلمون. قال: أمسكت فقامت. 934 - عليلة بنت الكميت أبو خالد القرشي قال: استأذنا على عليلة بنت الكميت وكانت من العابدات قال: وذلك وقت الظهر. فقالوا: هي تصلي فلم نزل ننتظرها إلى العصر فلما صلت العصر أذنت لنا، فدخلنا عليها فقلنا: رحمك الله لم نزل عقوداً منذ الظهر ننتظرك. قالت: سبحان الله قعوداً لم تصلوا بين الظهر والعصر؟ قلنا لا. قالت: ما ظننت أن أحداً لا يصلي بين الظهر والعصر؟ قال: وانقبضت عنا انقباضاً شديداً. 935 - هنيدة عامر بن أسلم الباهلي، عن أبيه قال: كانت لنا جارية في الحي يقال لها: هنيدة فكانت تقوم إذا مضى من الليل ثلثه أو نصفه فتوقظ ولدها وزوجها وخدمها فتقول لهم: قوموا فتوضأوا وصلوا فستغتبطون بكلامي هذا، فكان هذا دأبها معهم حتى ماتت. فرأى زوجها في

منامه: إن كنت تحب أن تزوجها هناك فاخلفها في أهلها بمثل فعلها، فلم يزل دأب الشيخ حتى مات، فأتى أكبر ولده في منامه فقيل له: إن كنت تحب أن تجاور أبويك في درجتهما من الجنة فاخلفهما في أهلهما بمثل عملهما. قال: فلم يزل ذلك دأبه حتى مات. فكانوا يدعون القوامين.

ذكر المصطفيات من عابدات العرب وأهل البادية المجهولات الأسماء

ذكر المصطفيات من عابدات العرب وأهل البادية المجهولات الأسماء 936 - عابدة من بني عبد القيس عن أبي بكر الهذلي قال: كانت عجوز من بني عبد القيس متعبدة. فكانت تقول: عاملوا الله على قدر نعمه عليكم وإحسانه إليكم، فإن لم تطيقوا فعلى قدر ستره، فإن لم تطيقوا فعلى الحياء منه فإن لم تطيقوا فعلى الرجاء لثوابه، فإن لم تطيقوا فعلى خوف عقابه. عن أبي بكر الهذلي قال: كانت عجوز في عبد القيس متعبدة فكان إذا جاء الليل تحرمت ثم قامت إلى المحراب. وكانت تقول المحب لا يسأم من خدمة حبيبه، فإذا جاء النهار خرجت إلى القبور. فبلغني أنها عوتبت في كثرة إتيانهاالمقابر، فقالت: إن القلب القاسي إذا جفا لم يلينه إلا رسوم البلى، وإني لآتي القبور فكأني أنظر وقد خرجوا من بين أطباقها، وكأني أنظر إلى تلك الوجوه المتعفرة وإلى تلك الأجسام المتغيرة وإلى تلك الأكفان الدسمة. فيا له من منظر كريه لو أشربه العباد قلوبهم ما أثكل مرارته للأنفس وأشد إتلافه للأبدان. 937 - عابدة أخرى الأصمعي قال: مات ابن لأعرابية فما زالت تبكي حتى خد الدمع في خدها. ثم استرجعت فقالت: اللهم إنك قد علمت فرط حنو الوالدين على ولدهما فلذلك لم تأمرهما ببره، وقد علمت قدر عقوق الولد لوالديه من أجل ذلك حضضته على طاعتهما، وألزمته برهما. وقد كان ولدي من البر بوالديه على ما يكون الوالدان بولدهما، فأجره بذلك مني صلاة ولقه سروراً ونضرة. فقال لها أعرابي: نعم ما دعوت له، لولا أنك شبته من الجزع بما لا يجدي عليه. فقالت: إذا وقعت الضرورات لم يجر عليها حكم المكتسبات، وجزعي على ابني غير ممكن في الطاقة صرفه، ولا في القدرة منعه، والله ولي عذري بفضله فقد قال عز وجل: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} البقرة. 938 - عابدة أخرى أبو عبد الرحمن القرشي، عن رجل من بني ثعلب، قال: شهدت امرأة من أهل البادية توصي ابناً لها وأراد سفراً فقالت: يا بني أوصيك بتقوى الله، فإن قليلها أجدى عليك من كثير عقلك وإياك والنمائم فإنها تزرع الضغائن وتفرق بين المحبين، ومثل لنفسك ما تستحسنه

من غيرك مثالاً ثم اتخذه إماماً واعلم أنه من جمع بين الحياء والسخاء فقد استجاد الحلة إزارها ورداءها. 939 - عابدة أخرى الصلت بن حكيم قال: حدثني ابن السماك أن نفراً وردوا على عجوز في بعض البوادي يسألونها بيع شاة. فقالت: ما كنت لأبيع ابن السبيل شيئاً، ولكن خذوها على ما عند الله، ثم بكى أبو العباس يعني ابن السماك، وقال: رحمها الله فقهت في بدوها. 940 - عابدة أخرى أبو بكر الشيرازي قال: تهت في بادية العراق أياماً كثيرةً فلم أجد شيئاً أرتفق به، فلما كان بعد أيام رأيت في الفلا خباء شعر مضروباً فقصدته فإذا بيت وعليه ستر مسبل، فسلمت فردت علي عجوز من داخل الخباء وقالت: يا إنسان من أين أقبلت؟ قلت: من مكة قالت: وأين تريد؟ قلت: الشام. فقالت: أرى شبح إنسان بطال ألا لزمت زاوية تجلس فيها إلى أن يأتيك اليقين؟ ثم تنظر هذه الكسرة من أين تأكلها؟ ثم قالت: تقرأ القرآن؟ قلت: نعم فقالت: اقرأ علي آخر سورة الفرقان فقرأتها فشهقت وأغمي عليها فلما أفاقت بعد هوي قرأت هي الآيات فأخذت مني قراءتها أخذاً شديداً. ثم قالت: يا إنسان اقرأها ثانية فقرأتها فلحقها مثل ما لحقها في الأول، وصبرت أكثر من ذلك ولم تفق، فقلت: أستكشف حالها ماتت أم لا؟ فتركت البيت على حاله ومشيت أقل من نصف ميل فأشرفت على واد فيه أعراب فأقبل إلي غلامان معهما جارية، فقال أحد الغلامين: يا إنسان أتيت البيت في الفلاة؟ قلت: نعم، قال: وتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قال: قتلت العجوز ورب الكعبة. فمشيت مع الغلامين حتى أتينا البيت فدخلت الجارية فكشفت عنها فإذا هي ميتة. فأعجبني خاطر الغلام فقلت للجارية: من هذان الغلامان؟ فقالت: هذان جعافرة وهذه أختهم منذ ثلاثين سنة ما تستأنس بكلام الناس، إذا نزلنا تواري بيتها في الفلاة تأكل في كل ثلاثة أيام أكلة وشربة. 941 - عابدة أخرى عن هشام، يعني ابن حسان، قال خرجنا حجاجاً فنزلنا منزلاً في بعض الطريق فقرأ رجل كان معنا هذه الآية {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} الحجر فسمعت امرأة فقالت: أعد رحمك الله. فأعادها. فقالت: خلفت لي في البيت سبعة أعبد أشهدكم أنهم أحرار، لكل باب واحد منهم.

942 - عابدة أخرى مسمع قال: قالت امرأة من العرب ذات عقل ودين: سبحانك إلهي، إمهالك المذنبين أطمعهم في حسن عفوك عنهم، سبحانك إلهي، لم يزل قلبي يشهد برضاك لمن نال عفوك، سبحانك إلهي تفضلاً منك وامتناناً على خلقك. 943 - عابدة أخرى ابن عائشة قال: نظرت أعرابية إلى فتى حسن الوجه بضه فقالت إني لأرى وجهاً ما غضنه بدد وضوء السحر. 944 - عابدة أخرى الأصمعي قال: قال أعرابي: خرجت في ليلة ظلماء فإذا أنا بجارية كأنها علم، فأردتها فقالت: ويلك أما لك زاجر من عقل إذ لم يكن لك ناه من دين؟ فقلت: إيها والله ما يرانا إلا الكواكب. فقالت: وأين مكوكبها؟ 945 - عابدة أخرى محمد بن سلام الجمحي قال: سمعت خارجة بن زياد، رجلاً من بني سليم، يذكر قال: هويت امرأة من الحي فكنت أتبعها إذا خرجت إلى المسجد فعرفت ذلك مني فقالت لي ذات ليلة: ألك حاجة؟ قلت: نعم. قالت: وما هي؟ قلت: مودتك قالت: دع ذلك ليوم التغابن قال: فأبكتني والله فما عدت إلى ذلك. 946 - عابدة أخرى بلغنا عن أبان بن تغلب أنه قال: رأيت أعرابية تمرض ابناً لها وهو لما به. فلما فاظ أغمضته ثم تنحت عن مقعدها عند رأسه ورجعت إلى مجلسها تجاهه فقالت: يا فلان ما حق من ألبس العافية وأسبغت عليه النعمة وأطيلت له النظرة أن يعجز عن التوثق لنفسه قبل حل عقدته والحلول بعقوبته، والحيال بينه وبين نفسه قال: فأجابها أعرابي: إنا لم نزل نسمع أن الجزع إنما هو للنساء فلا يجز عن رجل بمصيبة بعدك ولقد كرم صبرك، وما أشبهت النساء. فأقبلت عليه بوجهها ثم قالت: ما ميز رجل بين الصبر والجزع إلا أصاب بينهما منهجين بعيدي التفاوت في حاليهما، أما الصبر فحسن العلانية محمود العاقبة، وأما الجزع فغير معوض مع مأثمه، ولو كانا رجلين في صورة، كان أولاهما بالغلبة وحسن الصورة مع كرم الطبيعة في عاجله من الدين وآجله من الثواب، وكفى ما وعد الله عز وجل فيه لمن ألهمه إياه. انتهى ذكر أهل البوادي.

ذكر المصطفين من العباد الذين لم يعرف لهم مستقر وإنما لقوا في أماكن

ذكر المصطفين من العباد الذين لم يعرف لهم مستقر وإنما لقوا في أماكن ذكر المصطفين ممن لقي منهم في طريق مكة: 947 - عابد أبو يوسف عبيد الله بن أبي نوح، وكان من العابدين، قال: صحبت شيخاً في بعض طريق مكة فأعجبتني هيئته. فقلت: إني أحب أن أصحبك. قال: أنت وما أحببت. قال: فكان يمشي بالنهار فإذا أمسى أقام في منزل كان أو غيره، قال: فيقوم الليل يصلي، وكان يصوم في شد ذلك الحر فإذا أمسى عمد إلى جريب معه فأخرج منه شيئاً فألقاه إلى فيه مرتين أو ثلاثاً. وكان يدعوني فيقول هلم فأصب من هذا فأقول في نفسي والله ما هذا بمجزيك أنت، فكيف أشركك فيه؟ فلم يزل على ذلك ودخلت له في قلبي هيبة عندما رأيت من اجتهاده وصبره. قال: فبينا نحن في بعض المنازل إذ نظر إلى رجل يسوق حماراً فقال لي: انطلق فاشتر ذلك الحمار، فانطلقت وأنا أقول في نفسي: والله ما معي ثمنه ولا أعلم معه ثمنه فكيف أشتريه؟ قال: فأتيت صاحب الحمار فساومته به فأبى أن ينقصه من ثلاثين ديناراً، قال: فجئت إليه وقلت: قد أبى أن ينقصه من ثلاثين ديناراً قال خذه. واستخر الله قلت: الثمن؟ قال: سم الله ثم أدخل يدك في الجراب فخذ الثمن فأعطه. قال: فأخذت الجراب ثم قلت: بسم الله وأدخلت يدي فيه فإذا صرة فيها ثلاثون ديناراً لا تزيد ولا تنقص. قال: فدفعتها إلى الرجل وأخذت الحمار وجئت به فقال لي: اركب فقلت له: أنت أضعف مني فاركب أنت. قال فلم يرادني الكلام، وركب فكنت أمشي مع حماره فحيث أدركه الليل أقام. فإنما هو راكع وساجد حتى أتينا عسفان، فلقيه شيخ فسلم عليه ثم خلوا فجعلا يبكيان. فلما أراد أن يتفرقا قال صاحبي للشيخ: أوصني، قال: نعم، ألزم التقوى قلبك وانصب دكر المعاد أمامك. قال: زدني. قال: استقبل الآخرة بالحسنى من عملك، وباشر عوارض الدنيا بالزهد من قلبك، واعلم أن الأكياس هم الذين عرفوا عيب الدنيا حين عمي على أهلها والسلام عليكم ورحمة الله. قال: ثم افترقا فقلت لصاحبي: من هذا الشيخ رحمك الله، فما رأيت أحسن كلاماً منه؟ فقال: عبد من عبيد الله. قال فخرجنا من عسفان حتى أتينا مكة فلما انتهينا إلى الأبطح نزل

عن حماره وقال لي: اثبت مكانك حتى أنظر إلى بيت الله نظرة ثم أعود إليك إن شاء الله. قال: فانطلق وعرض لي رجل فقال: تبيع الحمار؟ قلت: نعم. قال: بكم؟ قلت: بثلاثين ديناراً. قال: قد أخذته منك. قلت: يا هذا والله ما هو لي وإنما هو لرفيق لي وقد ذهب إلى المسجد ولعله أن يجيء الآن قال: فإني لأكلمه إذ طلع الشيخ فقمت إليه فقلت: إني قد بعت الحمار بثلاثين ديناراً. قال أما إنك لو كنت استزدته لزادك إن شاء الله فأما إذا بعت فأوجر. فأخذت من الرجل ثلاثين ديناراً ودفعت الحمار إليه وجئت بالدنانير فقلت: ما أصنع بها؟ قال: هي لك فأنفقها. قلت: لا حاجة لي بها، قال: فألقها في الجراب. قال: فألقيتها في الجراب. قال: فطلبنا منزلاً بالأبطح فنزلناه فقال أبغني دواة وقرطاساً. فأتيته بدواة وقرطاس. قال: فكتب كتابين ثم شدهما إلي وقال: انطلق به إلى عباد بن عباد وهو نازل في موضع كذا وكذا فادفعه إليه وأقرئه مني السلام ومن المسلمين. ثم دفع الآخر إلي وقال: ليكن هذا معك فإذا كان يوم النحر فاقرأه إن شاء الله. قال: فأخذت الكتاب فأتيت به عباد بن عباد وهو قاعد يحدث وعنده خلق كثير، فسلمت ثم قلت: رحمك الله، كتاب بعض إخوانك إليك، فأخذ الكتاب فإذا فيه، بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد يا عباد فإني أحذرك الفقر يوم يحتاج الناس إلى الذخر، فإن فقر الآخرة لا يسده غنى وإن مصاب الآخرة لا تجبر مصيبته أبداً، وأنا رجل من إخوانك وأنا ميت الساعة إن شاء الله فاحضرني لتليني وتول الصلاة علي وإدخالي حفرتي وأستودعك الله وجميع المسلمين، واقرأ السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليكم جميعاً السلام ورحمة الله. قال فلما قرأ عباد الكتاب قال: يا هذا أين هذا الرجل؟ قلت: بالأبطح. قال: فمريض هو؟ قلت: لا، تركته الساعة صحيحاً قال: فقام وقام الناس معه حتى دخل عليه فإذا هو مستقبل القبلة ميت مسجى، عليه عباءة. فقال لي عباد: وهذا صاحبك؟ قلت: نعم. تركته الساعة صحيحاً؟ قال: فجلس يبكي عند رأسه ثم أخذ في جهازه وصلى عليه ودفنه. قال: واحتشد الناس في جنازته، فلما كان يوم النحر قلت: والله لأقرأن الكتاب كما أمرني ففتحته فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: وأنت يا أخي فنفعك الله بمعروفك يوم يحتاج الناس إلى صالح أعمالهم، وجزاك عن صحبتنا خيراً فإن صاحب المعروف تجده لجنبه يوم القيامة مضطجعاً وأن حاجتي إليك إذا قضى الله نسكك أن تنطلق إلى بيت المقدس فتدفع ميراثي إلى وارثي والسلام عليك ورحمة الله. قال: فقلت في نفسي كل أمرك رحمك الله

عجب وهذا من أعجب أمرك. كيف آتي بيت المقدس ولم تسم لي أحداً ولم تصف لي موضعاً، ولا أدري إلى من أدفعه؟ قال: وخلف قدحاً وجرابه ذلك وعصاً كان يتوكأ عليها، قال: وكفناه في ثوبي إحرامه ولففنا العباء فوق ذلك. قال: فلما انقضى الحج قلت: والله لأنطلقن حتى أتيت بيت المقدس، فدخلت المسجد، وثم حلق قوم فقراء مساكين. قال؛ فبينا أنا أدور لأتصفح الناس، لا أدري عمن أسأل، إذ ناداني رجل من بعض تلك الحلق باسمي: يا فلان. فالتفت إليه فإذا شيخ كأنه صاحبي قال: هات ميراث فلان. قال: فدفعت إليه العصا والقدح والجراب ثم وليت قال: فوالله ما خرجت من المسجد حتى قلت لنفسي: تضرب من مكة إلى بيت المقدس وقد رأيت من الشيخ الأول ما رأيت، ورأيت من هذا الشيخ الثاني ما رأيت، ولا تسأل هؤلاء القوم أي شيء قصتهم وتسألهم عن أمرهم ومن هم؟ قال: فرجعت ومن رأيي أن لا أفارق هذا الشيخ الآخر حتى يموت أو أموت. قال: فجعلت أدور الحلق وأجهد على أن أعرفه أو أقع عليه فلم أقع عليه. قال: وجعلت أسأل عنه، وأقمت أياماً ببيت المقدس أطلبه وأسأل عنه، فلم أجد أحداً يدلني عليه. فرجعت منصرفاً إلى العراق. 948 - عابد آخر محمد بن سهل بن عسكر البخاري قال: كنت أمشي في طريق مكة إذ رأيت رجلاً مغربياً على بغل، وبين يديه مناد ينادي: من أصاب همياناً له ألف دينار قال: وإذا إنسان أعرج عليه أطمار رثة خلقان يقول للمغربي: أي شيء علامة الهميان؟ قال: كذا وكذا. وفيه بضائع لقوم وأنا أعطي من مالي ألف دينار. فقال الفقير: من يقرأ الكتابة؟ قال ابن عسكر: فقلت: أنا. فقال: إعدلوا بنا ناحية من الطريق. فعدلنا فأخرج الهميان فجعل المغربي يقول: حبتان لفلانة ابنة فلان بخمسمائة دينار، وحبة لفلانة بمائة دينار وجعل يعدد فإذا هو كما قال: فحل المغربي هميانة وقال: خذ ألف الدينار التي وعدت على وجادة الهميان. فقال الأعرج: لو كانت قيمة الهميان الذي أعطيتك عندي بعرتين ما كنت تراه، فكيف آخذ منك ألف دينار على ما هذا قيمته؟ وقام ومضى ولم يأخذ منه شيئاً. 948 - عابد آخر أبو الحسن اللؤلؤي، وكان خيراً فاضلاً قال: كنت في البحر فانكسر المركب وغرق كل ما

فيه، وكان في وطائي لؤلؤ قيمته أربعة آلاف دينار. وقربت أيام الحج وخفت الفوات، فلما سلم الله عز وجل روحي ونجاني مشيت، فقال لي جماعة كانوا في المركب: لو توقفت عسى يجيء من يخرج شيئاً فيخرج لك من رحلك شيئاً. فقلت: قد علم الله عز وجل ما م رمني، وكان في وطائي شيء قيمته أربعة آلاف دينار وما كنت بالذي أوثره على وقفة بعرفة. فقالوا: وما الذي ورثك هذه المنزلة؟ فقلت: أنا رجل مولع بالحج، أطلب الربح والثواب، حججت في بعض السنين وعطشت عطشاً شديداً فأجلست عديلي في وسط المحمل، ونزلت أطلب الماء والناس معطشون أيضاً. فلم أزل أسأل رجلاً رجلاً ومجمعاً مجمعاً: أمعكم ماء؟ والناس شرع واحد حتى صرت في ساقة القافلة بميل أو ميلين فمررت بمصنع مصهرج وإذا رجل فقير جالس في أرض المصنع وقد غرز عصاه في أرض المصنع، والماء ينبع من موضع العصا وهو يشرب فنزلت إليه وشربت حتى رويت وجئت إلى القافلة والناس قد نزلوا، فأخرجت قربة ومضيت فملأتها ورجعت. فلما رآني الناس والقربة على كتفي مملوءة فكأنه نودي فيهم أن الماء وراءكم فتبادروا إليه بالقرب. فلما روي الناس عن آخرهم وسارت القافلة جئت لأنظر فإذا البركة ملأى تلتطم بأمواجها والناس يرمون الدلاء ويرتجزون عليه فموسم يحضره مثل هؤلاء، يقولون: اللهم اغفر لمن حضر الموقف ولجماعة المسلمين أوثر عليه أربعة آلاف دينار؟ لا والله ولا الدنيا بأسرها وترك اللؤلؤ وجميع ما فيه، قال الشيخ: فبلغني أن قيمة ما كان غرق له خمسون ألف دينار. 950 - عابد آخر لقي بين الثعلبية والخزيمية. إبراهيم بن المهلب، أبو الأشهب السائح، قال: رأيت بين الثعلبية والخزيمية غلاماً قائماً يصلي عند بعض الأميال. قد انقطع عن الناس. فانتظرته حتى قطع صلاته ثم قلت له: ما معك مؤنس؟ قال: بلى. قلت: وأين هو؟ قال: أمامي وخلفي ومعي وعن يميني وعن شمالي وفوقي. فعلمت أن عنده معرفة. قلت: أما معك زاد؟ قال: بلى. قلت: وأين هو؟ قال: الإخلاص لله عز وجل، والتوحيد والإقرار بنبيه صلى الله عليه وسلم وإيمان صادق، وتوكل واثق. قلت: هل لك في مرافقتي؟ قال: الرفيق يشغل عن الله عز وجل ولا أحب أن أرافق أحداً فأشتغل به عنه طرفة عين فيقطعني عن بعض ما أنا عليه. قلت: أما تستوحش في هذه البرية وحدك؟ قال: إن الأنس بالله عز وجل قطع عني كل وحشة حتى لو كنت بين السباع ما خفتها

ولا استوحشت منها. قلت: فمن أين تأكل؟ فقال: الذي غذاني في ظلم الأحشاء والأرحام صغيراً قد تكفل برزقي كبيراً. قلت: ففي أي وقت تجيئك الأسباب؟ قال: لي حد معلوم ووقت مفهوم إذا احتجت إلى الطعام أصبته في أي موضع كنت، وقد علم ما يصلحني وهو غير غافل عني. قلت: ألك حاجة؟ قال: نعم. قلت: وما هي؟ قال: إن رأيتني فلا تكلمني ولا تعلم أحداً أنك تعرفني. قلت: لك ذلك، فهل حاجة غيرها؟ قال: نعم. قلت: وما هي؟ قال: إن استطعت أن لا تنساني في دعائك عند الشدائد إذا نزلت بك فافعل، قلت: كيف يدعو مثلي لمثلك وأنت أفضل مني خوفاً وتوكلاً؟ قال: لا تقل هذا إنك قد صليت لله عز وجل وصمت قبلي ولك حق الإسلام والمعرفة الإيمان. قلت: فإن لي أيضاً حاجة. قال: وما هي؟ قلت: ادع الله لي. فقال: حجب الله طرفك عن كل معصية، وألهم قلبك الفكر فيما يرضيه حتى لا يكون لك هم إلا هو. قلت: يا حبيبي متى ألقاك؟ وأين أطلبك؟ فقال: أما في الدنيا فلا تحدث نفسك بلقائي فيها وأما الآخرة فإنها مجمع المتقين فإياك أن تخالف الله فيما أمرك وندبك إليه، وإن كنت تبتغي لقائي فاطلبني مع الناظرين إلى الله تبارك وتعالى في زمرتهم. قلت: وكيف علمت ذاك؟ قال: بغض طرفي له عن كل محرم، واجتنابي فيه كل منكر ومأثم، وقد سألته أن يجعل جنتي النظر إليه. ثم صاح وأقبل يسعى حتى غاب عن بصري. 951 - عابد آخر صالح بن عبد الكريم قال: رأيت غلاماً أسوداً في طريق مكة عند ميل يصلي فقلت له: عبد أنت؟ قال: نعم. قلت: فعليك ضريبة؟ قال: نعم. قلت: أفلا أكلم مولاك أن يضع عنك؟ قال: وما الدنيا كلها فأجزع من ذلها؟ قال: فاشتريته وأعتقته. فقعد يبكي وقال لي أعتقتني؟ قلت: نعم. قال: أعتقك الله يوم القيامة. وقعد يبكي ويقول: اشتد علي الأمر. فناولته دنانير فأبى أن يأخذها. قال: فحججت بعد ذلك بأربع سنين فسألت عنه فقالوا: غاب عنا فمذ غاب قحطنا وصار إلى جدة. 952 - عابد آخر جعفر الخلدي قال: حججت سنة من السنين فصحبني بعض الصوفية، وكان ممن يشار إليه بالعلم والمعرفة. فأضافنا الطريق إلى جبل، وكنا جماعة فاستسقيناه ماء ولم يكن في

القرب ماء، فأخذ ركوة وأومأ بها إلى الجبل فسمعت خرير الماء يأذني حتى امتلأت الركوة فسقى الجماعة. وكانت عيني إلى الموضع فلا أرى للماء أثراً ولا شقاً في الجبل. قال أبي: فسألت جعفراً عن هذا فقال: كرامة الله عز وجل لأوليائه. 953 - عابد آخر محمد بن المبارك الصوري قال: خرجنا حجاجاً فإذا نحن بشاب ليس معه زاد ولا راحلة. فقلت: حبيبي، في مثل هذا الطريق بلا زاد ولا راحلة. فقلت: حبيبي، في مثل هذا الطريق بلا زاد ولا راحلة؟ فقال لي: تحسن تقرأ؟ قلت: نعم. فقرأت: بسم الله الرحمن الرحيم {كهيعص} مريم فشهق شهقة خر مغشياً عليه، ثم أفاق فقال: ويحك تدري ما قرأت؟ كاف من كاف، وهاء من هاد، وعين من عليم، وصاد من صادق، فإذا كان معي كاف وهاد وعليم وصادق ما أصنع بزاد وراحلة؟ ثم ولى وهو يقول: يا طالب العلم ها هنا وهنا ... ومعدن العلم بين جنبيكا إن كنت ترجو الجنان تسكنها ... فمثل العرض نصب عينيكا إن كنت ترجو الحسان تخطبها ... فأسبل الدمع فوق خديكا وقم إذا قام كل مجتهد ... وادعه كيما يقول لبيكا 954 - عابد آخر وبالإسناد قال عمر بن بحر: وسمعت أبا الفيض يقول: كنت في تيه بني إسرائيل أريد الحج فرأيت غلاماً أمرد على المحجة يؤم البيت العتيق بلا زاد ولا راحلة. فقلت لرفيقي: إن كان مع هذا الغلام يقين وإلا هلك. فلحقته فقلت: يا فتى. فقال: لبيك. فقلت: في مثل هذا الموضع، في هذا الوقت، بلا زاد ولا راحلة؟ قال: فنظر إلي ثم قال: يا شيخ ارفع رأسك، انظر هل ترى غيره؟ فقلت: يا حبيبي اذهب إلى حيث شئت. 955 - عابد آخر قال ذو النون: حججت سنة إلى بيت الله الحرام فضللت عن الطريق ولم يكن معي ماء ولا زاد فأشرفت على الهلكة، فلاحت لي أشجار كثيرة ومحراب، فطرحت نفسي في ظل شجرة. فلما غربت الشمس إذا أنا بشاب متغير اللون نحيل يؤم المحراب، فركل برجله ربوة من الأرض فظهرت عين تبض بماء عذب. فشرب وتوضأ وقام في محرابه فقمت إلى العين فشربت ماء عذباً وتوضأت وقمت أصلي بصلاته، حتى برق عمود الصبح، فلما رأى الصبح

وثب قائماً على قدميه ونادى بأعلى صوته: ذهب الليل بما فيه، وأقبل النهار بدواهيه ولم أقض من خدمتك وطراً، آه، خسر من أتعب، لغيرك بدنه، وألجأ إلى سواك هممه. فلما أراد أن يمضي ناديته: بالذي منحك لذيذ الرغب وأذهب عنك ملال التعب إلا خفضت لي جناح الرحمة فإني غريب أريد البيت الحرام وقد ضللت. فقال: يا بطال وهل قطع بوفده دون البلوغ إليه؟ ثم قال: اتبعني فرأيت الأرض تطوى من تحت أرجلنا حتى رأيت المحجة وسمعت ضجة فقال: ها قومك. ثم أنشأ يقول: من عامل الله بتقواه ... وكان في الخلوة يرعاه سقاه كأساً من صفا حبه ... يسلبه لذة دنياه فأبعد الخلق وأقصاهم ... وانفرد العبد بمولاه ومن المصطفين الذين لقوا عند الإحرام: 956 - عابد عبد الله بن الجلاء قال: كنت بذي الحليفة وأنا أريد الحج والناس يحرمون، فرأيت شاباً قد صب عليه الماء يريد الإحرام وأنا أنظر إليه. فقال: يا رب أريد أن أقول: لبيك اللهم لبيك، وأخشى أن تجيبني لا لبيك ولا سعديك. وبقي يردد هذا القول مراراً كثيراً وأنا أتسمع عليه. فلما أكثر قلت له: ليس لك بد من الإحرام فقل فقال: يا شيخ أخشى إن قلت لبيك اللهم لبيك أجابني بلا لبيك ولا سعديك. فقلت له: أحسن ظنك وقل معي: لبيك اللهم لبيك. فقال: لبيك اللهم. وطولها، وخرجت نفسه مع قوله اللهم، فسقط ميتاً. ذكر المصطفين من العباد الذين لقوا بعرفة: 957 - عابدان عن ثابت البناني قال: إنا لوقوف بجبل عرفة فإذا شابان عليهما العباء القطواني، نادى أحدهما صاحبه: يا حبيب، فأجابه الآخر: لبيك أيها المحب. قال ترى الذي تحاببنا فيه وتواددنا فيه معذبنا غداً في القيامة: قال: فسمعنا منادياً، سمعته الآذان ولم تره الأعين، يقول: لا، ليس بفاعل.

958 - عابد آخر يحيى بن كامل القرشي قال: أخبرني سفيان الثوري قال: سمعت أعرابياً وهو متعلق بعرفة، وهو يقول: إلهي من أولى بالزلل والتقصير مني، وقد خلقتني ضعيفاً؟ من أولى بالعفو عني منك وعلمك في سابق، وأمرك بي محيط؟ أطعتك بإذنك والمنة لك علي، وعصيتك بعلمك والحجة لك، فأسألك بوجوب حجتك وانقطاع حجتي، وبفقري إليك وغناك عني أن تغفر لي وترحمني، إلهي لم أحسن حتى أعطيتني، ولم أسيء حتى قضيت علي. اللهم إنا أطعناك بنعمتك في أحب الأشياء إليك. شهادة أن لا إله إلا الله ولم نعصك في أبغض الأشياء إليك، الشرك بك، فاغفر لي ما بينهما، اللهم سري إليك مكشوف، وأنا إليك ملهوف، إذا أوحشتني الغربة آنسني ذكرك، وإذا صببت علي الهموم لجأت إليك استجارة بك، علماً بأن أزمة الأمور بيدك وأن مصدرها عن قضائك. 959 - عابد آخر أحمد بن أبي الحواري قال: دخلت على أبي سليمان الداراني فقال لي: يا أحمد، لي أيام ما بكيت. فقلت له: حدثني محمود بن خلف أنه رأى رجلاً عشية عرفة على رأس جبل، فلما دنا الانصراف سمعه يقول: الأمان الأمان قد دنا الانصراف، ليت شعري ما صنعت في حاجة المساكين؟ قال: فبكى حتى جعلت الدموع تثب من عينيه ولا تسيل على خده. 960 - عابد آخر أبو الأديان قال: ما رأيت خائفاً إلا رجلاً واحداً: كنت بالموقف فرأيت شاباً مطرقاً منذ وقف الناس إلى أن سقط القرض فقلت: يا هذا ابسط يديك بالدعاء. فقال لي: ثم وحشة. قلت له: فهذا يوم العفو عن الذنوب. قال: فبسط يده، ففي بسط يده وقع ميتاً. 961 - عابدة لقيت بعرفة عبد الله بن داود الواسطي قال: بينا أنا واقف بعرفات إذ أنا بامرأة وهي تقول: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فما له من هاد. فقلت: امرأة ضالة. فنزلت عن بعيري وقلت لها: يا هذه ما قصتك؟ فقالت: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء] فقلت في نفسي: حرورية لا ترى كلامنا: فقلت لها: من أين أنت؟ فقرأت: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ

الْأَقْصَى} الإسراء: 1. فأركبتها بعيري وقفلت بها أريد رحال المقدسيين. فلما توسطت قلت لها: يا هذه لمن أصوت؟ فقرأت: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} ص: 26، {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} مريم: 7. {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} مريم: 12. فناديت: يا زكريا، يا يحيى، يا داود. فخرج غلي ثلاثة فتيان من بين الرجال فقالوا: أمنا ورب الكعبة ضلت منذ ثلاث، وأنزلوها وأكرموني. فقلت لهم: ما لها لا تتكلم؟ قالوا: ما تكلمت، منذ ثلاثين سنة مخافة أن تزل. قلت: هذه امرأة صالحة المقصد إلا أنها لقلة علمها لم تدر أن هذا الفعل منهي عنه لأنها استعملت القرآن فيما لم يوضع له. قال ابن عقيل: لا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام لأنه استعمال له في غير ما وضع له، كما لو أراد استعمال المصحف في الوزن به أو توسده. قال: ويكره الصمت إلى الليل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صمت يوم إلى الليل. ذكر المصطفين من عباد لقوا في الطواف: 962 - عابد قاسم بن عثمان يقول: رأيت في الطواف رجلاً لا يزيد على قوله: إلهي قضيت حوائج المحتاجين وحاجتي لم تقض، فقلت له: ما لك لا تزيد على هذا الكلام؟ فقال: أحدثك، كنا سبعة أنفس من بلدان شتى، ترافقنا وغزونا أرض العدو. فاستؤسرنا كلنا. فاعتزل بنا بطريق إلى موضع ليضرب رقابنا، فنظرت إلى السماء فإذا سبعة أبواب مفتوحة في السماء، عليها سبع جوار من الحور العين، على كل باب جارية. فقدم رجل منا فضربت عنقه. فرأيت جارية في يدها منديل قد هبطت إلى الأرض حتى ضربت أعناق الستة وبقيت أنا وبقي باب واحد فلما قدمت لتضرب رقبتي استوهبني بعض رجاله فوهبني له. فسمعتها هي تقول: أي شيء فاتك يا محروم؟ وأغلقت الباب. فأنا يا أخي متحسر على ما فاتني. قال قاسم الجوعي: أراه أفضلهم لأنه رأى ما لم يروا وترك يعمل على الشوق. 963 - عابد آخر عمار بن عثمان قال: سمعت هداباً يقول: رأيت رجلاً يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول في بكائه: تمن على ذي العرش ما شئت إنه ... غني كريم لا يخيب سائلا

قال: ثم شهق شهقة حتى ظننت أن نفسه ستخرج. قال: فقلت له: ما شأنك رحمك الله؟ قال أعظم الشأن شأني، إني ندبت إلى أمر فقصرت عنه. قال: ثم غشي عليه. 964 - عابد آخر عن محمد بن صالح قال: بينا أنا في الطواف إذ نظرت إلى أعرابي بدوي متعلق بأستار الكعبة، وقد شخص بصره نحو السماء، وهو يقول: يا خير من وفد الأنام إليه، ذهبت أيامي، وضعفت قوتي، وقد وردت إلى بيتك المعظم المكرم بذنوب كثيرة لا تسعها الأرض ولا تغسلها البحار، مستجيراً بعفوك منها، وحططت رحلي بفنائك، وأنفقت مالي في رضاك، فماذا الذي يكون من جزائك يا مولاي؟ ثم أقبل على الناس بوجهه فقال: يا معشر الناس ادعوا لمن وكزته الخطايا وغمرته البلايا. ارحموا أسير ضر وغريب فاقة. سألتكم بالذي عمتكم الرغبة إليه، إلا سألتم الله تعالى أن يهب لي جرمي ويغفر لي ذنوبي. ثم عاود فتعلق بأستار الكعبة وقال: إلهي وسيدي، عظيم الذنب مكروب، وعن صالح الأعمال مردود، وقد أصبحت ذا فاقة إلى رحمتك يا مولاي. قال محمد بن صالح: ثم رأيته بعرفات وقد وضع يساره على أم رأسه يصرخ ويبكي ويشهق ويقول: إلهي وسيدي ومولاي أضحكت الأرض بالزهر، وأمطرت السماء بالرحمة، والذي أعطيت الموحدين إن نفسي لواثقة لي ولهم منك بالرضا، وكيف لا يكون كذلك، وأنت حبيب من تحبب إليك، وقرة عين من لاذ بك وانقطع إليك؟ يا مولاي حقاً حقاً أقول؛ لقد أمرت بمكارم الأخلاق فاجعل وفودي إليك عتق رقبتي من النار. 965 - عابد آخر إبراهيم الخواص قال: رأيت شاباً في الطواف متزراً بعباءة، متشحاً بأخرى كثير الطواف والصلاة. فوقع في قلبي محبته ففتح علي بأربعمائة درهم فجئت بها إليه وهو جالس خلف المقام فوضعتها على طرف عبائه وقلت له: يا أخي اصرف هذه القطيعات في بعض حوائجك. فقام وبددها في الحصا وقال: يا إبراهيم اشتريت هذه الجلسة من الله تعالى بسبعين ألف دينار عين، تريد أن تخدعني عن الله عز وجل بهذا الوسخ؟ قال إبراهيم: فما رأيت أعز منه وهو ينظر، وأذل مني وأنا أجمعها من بين الحصى. ثم قام وذهب. 966 - عابد آخر أبو عبد الله بن طاهر قال: رأيت في الطواف شيخاً أعجمياً والناس يتضرعون ويدعون وهو ساكت. فقلت له: ألا تدعو؟ فمد يده ورفع بها شيبته قال: يا خداه شيخ، ولم يزد على ذلك.

ومن عقلاء المجانين الذين لقوا في الطواف: 967 - ولهان المجنون أبو عبد الله المغربي قال: كنت في الطواف فرأيت ولهان المجنون وهو يقول: حبك قتلني، وشوقك أيقظني، والاتصال بك أسقمني، فعدمت قلباً يحب غيرك وثكلت خواطر أنست بسواك. ذكر المصطفيات من عابدات رئين في الطواف 968 - عابدة مالك بن دينار قال: بينا أنا أطوف بالبيت إذا أنا بجويرية متعبدة، فإذا هي تقول: يا رب كم شهوة قد ذهبت لذتها وبقيت تبعتها، يا رب ما كان لك عقوبة ولا أدب إلا النار. قال: فوالله ما زال ذلك مقامها حتى طلع الفجر. قال مالك، فوضعت يدي على رأسي ثم صرخت وجعلت أقول: ثكلت مالكاً أمه وعدمته، جويرية منذ الليلة قد بطلته. 969 - عابدة أخرى عن محمد بن يزيد بن حبيش قال: قال وهيب بن الورد: بينما امرأة في الطواف ذات يوم وهي تقول: يا رب ذهبت اللذات وبقيت التبعات، يا رب سبحانك، وعزتك إنك لأرحم الراحمين: يا رب مالك عقوبة إلا النار. فقالت صاحبة لها كانت معها: يا أخية دخلت بيت ربك اليوم؟ قالت: والله ما أرى هاتين القدمين، وأشارت إلى قدميها، أهلاً للطواف حول بيت ربي، فكيف أراهما أهلاً أطأ بهما بيت ربي؟ وقد علمت حيث مشتا وإلى أين مشتا؟ 970 - عابدة أخرى عن الحسن قال: رأيت بدوية دخلت الطواف فقالت: يا حسن الصحبة، جئتك من بعيد، أقبلت أسألك سترك الذي لا تخرقه الرماح ولا تزيله الرياح. 971 - عابدة أخرى عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: دخل قوم حجاج ومعهم امرأة تقول: أين بيت ربي؟ فيقولون: الساعة ترينه. فلما رأوه قالوا: هذا بيت ربك أما ترينه؟ فخرجت تشتد وتقول: بيت ربي بيت ربي حتى وضعت جبهتها على البيت. فوالله ما رفعت إلا ميتة.

972 - عابدة أخرى إبراهيم بن مسلم المخزومي قال: وقفت امرأة متعبدة في جوف الليل فتعلقت بأستار الكعبة: ثم بكت وقالت: يا كريم الصحبة، ويا حسن المعونة، أتيتك من شقة بعيدة متعرضة لمعروفك الذي وسع خلقك، فأنلني من معروفك معروفاً تغنيني به عن معروف من سواك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة. قال: ثم صرخت صرخة سقطت لوجهها فحملت مغشياً عليها. 973 - عابدة أخرى عن سعيد الأزرق الباهلي أنه قال: دخلت الطواف ليلاً، فبينا أنا أطوف وإذا بامرأة في الحجر ملتزمة للبيت قد علا نشيجها، فدنوت منها وهي تقول: يا من لا تراه العيون ولا تخالطه الأوهام والظنون، ولا تغيره الحوادث ولا يصفه الواصفون، يا عالماً بمثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد قطر الأمطار، وورق الأشجار، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، لا تواري منه سماء سماء، ولا أرض أرضاً، ولا جبل ما في وعر، ولا بحر ما في قعره، أسألك أن تجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك، وخير ساعاتي مفارقة الأحياء من دار الفناء إلى دار البقاء التي تكرم فيها من أحببت من أوليائك، وتهين فيها من أبغضت من أعدائك أسألك إلهي عافية جامعة لخير الدنيا والآخرة منا منك علي وتطولاً يا ذا الجلال والإكرام. ثم صرخت وغشي عليها. 974 - عابدة أخرى محمد بن زيد قال: سمعت ذا النون يقول: خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام فبينا أنا في الطواف إذ أنا بشخص متعلق بأستار الكعبة يبكي ويقول في بكائه: كتمت بلائي من غيرك، وبحت بسري إليك، واشتغلت بك عمن سواك، عجبت لمن عرفك كيف يسلو عنك؟ ولمن ذاق حبك كيف يصبر عنك؟ ثم أقبل على نفسه فقال: أمهلك فما ارعويت، وستر عليك فما استحييت، وسلبك حلاوة المناجاة فما باليت، ثم قال: عزيزي ما لي إذا قمت بين يديك ألقيت علي النعاس ومنعتني حلاوة الخدمة؟ لم قرة عيني لمه؟ ثم أنشأ يقول: روعت قلبي بالفراق فلم أجد ... شيئاً أمر من الفراق وأوجعا حسب الفراق بأن يفرق بيننا ... ولطالما قد كنت منه مفزعا قال: فلم أتمالك أن أتيت الكعبة مستخفياً فلما أحس بي تجلل بخمار كان عليه ثم قال: يا ذا النون غض بصرك فإني حرام. فعلمت أنها امرأة فقلت: والله قد شغلني قولك عن كثير

مما كنت فيه. فقالت: ولم عافاك الله؟ أما علمت أن لله عباداً لا يشغلهم سواه ولا يميلون إلى ذكر غيره؟. 975 - عابدة أخرى عن ذي النون المصري قال: كنت في الطواف فسمعت صوتاً حزيناً وإذا بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول: أنت تدري يا حبيبي ... من حبيبي أنت تدري ونحول الجسم والدمع ... يبوحان بسري يا عزيزي قد كتمت الحب ... حتى ضاق صدري قال ذو النون: فشجاني ما سمعت حتى انتحبت وبكيت. ثم قالت: إلهي وسيدي ومولاي، بحبك لي إلا ما غفرت لي. قال: فتعاظمني ذلك وقلت: يا جارية أما يكفيك أن تقولي: بحبي لك، حتى تقولي بحبك لي؟ فقالت: إليك عني يا ذا النون، أما علمت أن لله عز وجل قوماً يحبهم قبل أن يحبوه؟ أما سمعت الله عز وجل يقول: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} المائدة: 54. فسبقت محبته لهم قبل محبتهم له؟ فقلت: من أين علمت أني ذو النون؟ فقالت: يا بطال جالت القلوب في ميدان الأسرار فعرفتك. ثم قالت: انظر من خلفك. فأدرت وجهي، فلا أدري السماء اقتلعتها أم الأرض ابتلعتها. 976 - عابدة أخرى أبو عبد الملك قال: رأيت امرأة متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول: اللهم إني أستعديك على نفسي. 977 - عابدة أخرى أبو الأشهب السائح قال: بينا أنا في الطواف إذا بجويرية قد تعلقت بأستار الكعبة وهي تقول: يا وحشتي بعد الإنس، ويا ذلي بعد العز، ويا فقري بعد الغنى. فقلت لها: ما لك؟ أذهب لك مال أو أصبت بمصيبة؟ قالت: لا ولكن كان لي قلب ففقدته، قلت: هذه مصيبتك؟ قالت: وأي مصيبة أعظم من فقد القلوب وانقطاعها عن المحبوب؟ فقلت لها: إن حسن صوتك قد عطل على من سمع الكلام الطواف. فقالت: يا شيخ، البيت بيتك أم بيته؟ قلت: بل بيته. قالت: فالحرم حرمك أم حرمه؟ فقلت: بل حرمه، قالت: فدعنا نتدلل عليه على قدر ما استزارنا إليه. ثم قالت: بحبك لي إلا رددت علي قلبي. قال: فقلت من أين

تعلمين أنه يحبك؟ فقالت: جيش من أجلي الجيوش وأنفق الأموال وأخرجني من دار الشرك وأدخلني في التوحيد، وعرفني نفسه بعد جهلي إياه، فهل هذا إلا لعناية، قلت: كيف حبك له؟ قالت: أعظم شيء وأجله، قلت: وتعرفين الحب؟ قالت: فإذا جهلت فأي شيء أعرف؟ إنه الحلو المجتنى ما اقتصر، فإذا أفرط عاد خبلاً قاتلاً، أو فساداً معطلاً، وهو شجرة غرسها كريه ومجناها لذيذ. ثم ولت. وأنشأت تقول: وذي قلق لا يعرف الصبر والعزا ... له مقلة عبرى أضر بها البكا وجسم نحيل من شجى لاعج الهوى ... فمن ذا يداوي المستهام من الضنا ولا سيما والحب صعب مرامه ... إذا عطفت منه العواطف بالفنا 978 - عابدة أخرى الجنيد قال: حججت على الوحدة فجاورت بمكة، فكنت إذا جن الليل دخلت الطواف. فإذا أنا بجارية تطوف وتقول: أبى الحب أن يخفى وكم قد كتمته ... فأصبح عنيد قد أناخ وطنبا إذا اشتد شوقي هام قلبي بذكره ... وإن رمت قرباً من حبيبي تقربا ويبدو فأفنى ثم أحيا به له ... ويسعدني حتى ألذ وأطربا قال: فقلت لها: يا جارية أما تتقين الله تعالى في مثل هذا المكان تتكلمين بمثل هذا الكلام؟ فالتفتت إلي وقالت: يا جنيد: لولا التقى لم ترني ... أهجر طيب الوسن إن التقى شردني ... كما ترى عن وطني أفر من وجدي به ... فحبه هيمني ثم قالت: يا جنيد تطوف بالبيت أم برب البيت؟ فقلت: أطوف بالبيت. فرفعت رأسها إلى السماء وقالت: سبحانك ما أعظم مشيئتك في خلقك، خلق كالأحجار يطوفون بالأحجار. ثم أنشأت تقول: يطوفون بالأحجار يبغون قربة ... إليك وهم أقسى قلوباً من الصخر وتاهوا فلم يدروا من التيه من هم ... وخلوا محل القرب في باطن الفكر فلو أخلصوا في الود غابت صفاتهم ... وقامت صفات الود للحق بالذكر قال الجنيد: فغشي علي من قولها. فلما أفقت لم أرها.

ومن المصطفين الذين لقوا عند المقام: 979 - عابد أيوب بن محمد اليمامي قال: حدثني أبو عبد الرحمن العجلي أنه رأى رجلاً قائماً خلف المقام يصلي. فافتتح القرآن فلم يزل يقرأ حتى أتى على آخر القرآن ونودي النداء الأول فجلس فسلم ثم قام فركع ركعة، قال: حسبتها وتره. ثم قال وهو يرى أنه لا يسمعه أحد: عند ورود المنهل يغبط الركب الدلجة. قال: ثم تنحى من مكانه فاختلط بالناس. ومن المصطفين الذين لقوا بين مكة والمدينة: 980 - عابد الخلدي قال: حج عبد الله الأقطعع على فرد قدم. قال: فلما بلغت بين المسجدين وقع في سري أنه لم يحج مثلي فإذا أنا بمقعد يحبو فوقفت عليه أعجب منه. فقال لي: ما لك تتعجب من قوي يحمل ضعيفاً. ذكر المصطفين ممن لقي في طريق الغزاة 981 - عابد عبد الله بن قيس، أبو أمية الغفاري قال: كنا في غزاة لنا فحضر عدوهم، فصيح في الناس فهم يثوبون إلى مصافهم، إذا رجل أمامي رأس فرسي عند عجز فرسه، وهو يخاطب نفسه ويقول: أي نفس ألم أشهد مشهد كذا وكذا؟ فقلت لي: أهلك وعيالك، فأطعتك ورجعت؟ ألم أشهد مشهد كذا وكذا فقلت أهلك وعيالك فأطعتك ورجعت؟ والله لأعرضنك اليوم على الله، أخذك أو تركك. فقلت: لأرمقنه اليوم. فرمقته فحمل الناس على عدوهم فكان في أوائلهم، ثم إن العدو حمل على الناس فانكشفوا فكان في حماتكم ثم إن الناس حملوا فكان في أوائلهم، ثم حمل العدو وانكشف الناس فكان في حماتهم. قال: فوالله ما زال ذلك دأبه حتى رأيته صريعاً. فعددت به وبدابته ستين أو أكثر من ستين طعنة. 982 - عابد آخر عن شقيق قال: خرجنا في غزاة لنا في ليلة مخوفة، فإذا رجل نائم فأيقظناه، فقلنا: تنام في مثل هذا المكان؟ فرفع رأسه فقال: إني لأستحيي من ذي العرش أن يعلم أني أخاف شيئاً دونه، ثم ضرب برأسه فنام.

983 - عابد آخر أبو غالب قال: صحبنا شيخ في بعض المغازي، فكان يحيي الليل حيث كان على ظهر دابته أو على الأرض وكان إذا نظر إلى الفجر قد لمع ضوؤه نادى: يا إخوتاه عند بلوغ الماء يفرح الواردون بتعجيل الرواح، هنالك تنقطع كل همة. 984 - عابد آخر اسمه سعيد عباس بن يوسف قال: قال ميسرة الخادم: غزونا في بعض الغزوات فصادفنا العدو، فإذا بفتى إلى جانبي مقنع في الحديد، فحمل على الميمنة حتى ثناها، وحمل على الميسرة حتى ثناها، وحمل على القلب حتى ثناه. ثم أنشأ يقول: أحسن بمولاك سعيد ظنا ... هذا الذي كنت له تمنى تنح يا حور الجنان عنا ... ما لك قاتلنا ولا قتلنا لكن إلى سيدنا اشتقنا ... قد علم السر وما أعلنا قال: فحمل فقاتل فقتل منهم عدداً، ثم رجع إلى مصافه فتكالب عليه العدو فإذا به قد حمل على الناس وأنشأ يقول: قد كنت أرجو، ورجائي لم يخب ... أن لا يضيع اليوم كدي والتعب يا من ملا تلك القصور باللعب ... لولاك ما طابت ولا طاب الطرب فحمل فقتل منهم عدداً ثم رجع إلى مصافه فتكالب عليه العدو فحمل الثالثة وأنشأ يقول: يا لعبة الخلد قفي ثم اسمعي ... ما لك قاتلنا فكفي واربعي ثم ارجعي إلى الجنان فأسرعي ... لا تطمعي، لا تطمعي، لا تطمعي قال: فحمل فقاتل حتى قتل.

ذكر المصطفين من عباد لقوا في طريق سفر وطريق سياحة

ذكر المصطفين من عباد لقوا في طريق سفر وطريق سياحة 985 - عابد عن ابن جابر أن أبا عبد رب كان أكثر أهل دمشق مالاً، فخرج إلى أذربيجان في تجارة فأمسى إلى جانب مرعى ونهر فنزل به، قال أبو عبد رب: فسمعت صوتاً يكثر حمد الله في ناحية فاتبعته فرأيت رجلاً في حفير من الأرض ملفوفاً في حصير فسلمت عليه وقلت: من أنت يا عبد الله؟ قال: رجل من المسلمين. قلت: وما حالك هذه؟ قال: حال نعمة يجب علي حمد الله عز وجل فيها، قال: قلت: وكيف وإنما أنت في حصير؟ قال: ومالي لا أحمد الله أن خلقني فأحسن خلقي، وجعل مولدي ومنشئي في الإسلام، وألبسني العافية في أركاني وستر علي ما أكره نشره؟ فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه قلت: رحمك الله إن رأيت أن تقوم معي إلى المنزل فإنا نزول على النهر ها هنا. قال: ولمه؟ قال: قلت: لتصيب من الطعام، ونعطيك ما يغنيك عن لبس الحصير. قال: فأبى. قال الوليد: فحسبت أنه قال: إن لي في أكل العشب كفاية، قال أبو عبد رب: فأردته أن يتبعني فأبى وقال: ما لي به من حاجة. فانصرفت وقد تقاصرت إلي نفسي. فذكر أنه رجع من تجارته وتصدق بماله. 986 - عابد آخر ذو النون قال: رأيت رجلاً في البرية يمشي حافياً وهو يقول: المحب مجروح الفؤاد لا راحة له. فسلمت عليه فقال: وعليك السلام يا ذا النون. فقلت: عرفتني قبل هذا؟ قال: لا. قلت، فمن أين لك هذه الفراسة؟ فقال: ممن يملكها. ليست مني، هو الذي نور قلبي بالفراسة حتى عرفني إياك من غير معرفة سبقت لي، يا ذا النون قلبي عليل وجسمي مشغول، وأنا سائح في البرية أسير فيها منذ عشرين سنة ما أعرف بيتاً، ولا يكنني سقف يسترني من الشمس إذا كظت، ويحفظني من الرياح إذا هبت، فصف لي بعض ما أنا فيه إن كنت وصافاً. فقلت: القلب إذا كان عليلاً جالت الأحزان والأسقام فيه، ليس للقلب مع ذلك دواء. فصرخ صرخة ثم قال: ما لي وللشكوى؟ ثم قال: ما صحبت صاحباً منذ صحبته. أصحبك اليوم. فقلت: قم بنا. فقمنا جميعاً نسير بلا زاد، فلما أوغلنا في البرية وطوينا ثلاثاً قال لي: قد جعت؟ قلت: نعم، قال: فأقسم عليه حتى يطعمك. قلت: لا، والذي فلق الحبة وبراً النسمة لا سألته شيئاً، إن شاء أطعم وإن شاء ترك. فتبسم وقال: إمض الآن، فلقد أفيض علينا من أطايب

الأطعمة ولذيذ الأشربة حتى دخلنا مكة سالمين. ثم فارقني وفارقته. فكان ذو النون كلما ذكره بكى وتأسف على صحبته. 987 - عابد آخر ذو النون قال: بينا أنا سائر في بعض الطرق فإذا فتى حسن الوجه، أثر التهجد بين عينيه. فقلت: حبيبي من أين قدمت؟ فقال: من عنده. فقلت: وإلى أين؟ فقال: إلى عنده. قال: فعرضت عليه النفقة فنظر إلي مغضباً ثم ولى وأنشأ يقول: وكافر بالله أمواله ... تزداد أضعافاً على كفره ومؤمن ليس له درهم ... يزداد إيماناً على فقره لا خير فيمن لم يكن عاقلاً ... يمد رجليه على قدره 988 - عابد آخر عن طاهر المقدسي قال: خرجت من عسقلان أريد غزة في طلب البدلاء، فإذا أنا فتى عليه أطمار رثة ماراً على ساحل البحر. قال: فكأني لم أعبأ به. فالتفت إلي فقال: لا تنب عني بأن ترى خلقي ... فإنما الدر داخل الصدف علمي جديد وملبسي خلق ... ومنتهى اللبس منتهى الصلف 989 - عابد آخر محمد بن الحسين الآجري قال: حدثني بعض أصحابنا عن أبي الفضل الشكلي قال: رأيت شاباً في بعض الطريق، وعليه خلق فكأني لم أحفل به، فالتفت إلي ثم قال: لا تنب عني بأن ترى خلقي ... فإنما الدر داخل الصدف علمي جديد وملبسي خلق ... ومنتهى اللبس منتهى الصلف قال: فجعلت ألوذ به وأنست به. 990 - عابد آخر بلغنا عن محمد بن رافع قال: أقبلت من بعض بلاد الشام فبينا أنا في بعض الطريق رأيت فتى عليه جبة من صوف، وبيده ركوة، فقلت: أين تريد؟ فقال: لا أدري. قلت: فمن أين جئت؟ قال: لا أدري، فظننته موسوساً فقلت: من خلقك؟ فاصفر حتى خلته صبغ بالزعفران، ثم قال: خلقني من لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فقلت: رحمك الله أنا من إخوانك وممن يأنس إلى أمثالك فلا تنقبض مني. فقال: كيف لا؟ إني والله أود لو جاز لي ترك الجماعات حتى أنفرد في شاهق منيف صعب المرتقى، أو في غار

موحش لعلي أجد قلبي ساعة يسلو عن الدنيا وأهلها. فقلت: وما جنت عليك الدنيا حتى استحقت هذا البغض منك؟ فقال: جناياتها العمى عن جناياتها. فقلت: هل من دواء أتعالج به من هذا العمى الذي قد حجب عني ما يراد بي؟ قال: ما أراك تقدر على العلاج فاستعمل من الدواء أيسره. قلت: صف لي دواء لطيفاً. قال: فما داؤك؟ قلت: حب الدنيا. فتبسم وقال: أي قرحة أعظم من هذه؟ ولكن اشرب السموم الطرية والمكاره الصعبة. قلت: ثم ماذا؟ قال: مر الصبر الذي لا جزع فيه والتعب الذي لا راحة فيه، قلت: ثم ماذا؟ قال السلو عما تريد والصبر عما تحب، فإن أردت فاستعمل هذا وإلا فتأخر واحذر الفتن كأنها قطع الليل المظلم. قلت: فدلني على عمل يقرب إلى الله عز وجل. فقال: يا أخي قد نظرت في جميع العبادات فلم أر أنفع من الفرار من الناس وترك مخالطتهم، يا أخي رأيت القلوب عشرة أجزاء، فتسعة مع الناس وجزء مع الدنيا. فمن قوي على الانفراد حاز تسعة أجزاء من القلب. ثم غاب عني فلم أره.

ذكر المصطفيات من عابدات لقين في طريق السياحة

ذكر المصطفيات من عابدات لقين في طريق السياحة 991 - عابدة ذو النون المصري قال: بينا أنا سائر في البادية إذ رأيت امرأة متعبدة، فلما أن دنت مني سلمت علي فرددت عليها السلام، فقالت: من أين أقبلت؟ فقلت: من عند حكيم لا يوجد مثله، فصاحت وقالت: ويحك كيف فارقته وهو أنيس الغرباء؟ فأوجع قلبي كلامها فبكيت، فقالت لي: مم بكاؤك؟ قلت: وقع الدواء على الداء، فأسرع في نجاحه، قالت: فإن كنت صادقاً فلم بكيت؟ قلت: والصادق لا يبكي؟ قالت: لا، لأن البكاء راحة القلب وهذا نقص عند ذوي العقول يا بطال، قلت: علميني شيئاً ينفعني الله به. قالت: ويحك ما أفادك الحكيم من الفوائد ما تستغني به عن طلب الزوائد؟ فقلت: إن رأيت أن تعلميني شيئاً فعلت، فقالت: اخدم مولاك شوقاً إلى لقائه. فإن له يوماً يتجلى فيه لأوليائه وإنه تعالى سقاهم في الدنيا من محبته كأساً لا يظمئون بعدها أبداً، ثم أقبلت تبكي وتقول: سيدي إلى كم تدعني في دار لا أجد فيها من يساعدني على بلائي؟ ثم مضت وهي تقول: إذا كان داء العبد حب مليكه ... فمن دونه يرجو طبيباً مداوياً؟

قلت: وقد رويت لنا هذه الحكاية بألفاظ أخر: أنبأ عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أنبأ أحمد بن علي بن ثابت قال: أنبأ القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن محمد البجلي قال: أنبأ جعفر بن محمد الخلدي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال: سمعت ذا النون المصري قال: بينا أنا في بعض مسيري لقيتني امرأة فقالت لي: من أين أقبلت؟ قلت: رجل غريب. فقالت لي: ويحك وهل توجد مع الله أحزان الغربة وهو مؤنس الغرباء ومعين الضعفاء؟ فبكيت، فقالت لي: ما يبكيك؟ قلت: وقع الدواء علي داء قد قرح فأسرع في نجاحه، قالت: إن كنت صادقاً فلم بكيت؟ قلت: والصادق لا يبكي؟ قالت: لا، قلت: ولم؟ قالت: إن البكاء راحة القلب وملجأ يلجأ إليه، وما كتم القلب شيئاً أحق من الشهيق والزفير، فإذا أسبلت الدمعة استراح القلب، وهذا ضعف عند الأولياء يا بطال، فبقيت متعجباً من كلامها، فقالت لي: ما لك؟ قلت: تعجباً من هذا الكلام. قالت: وقد أنسيت القرحة التي سألت عنها؟ قلت: لا، علميني شيئاً ينفعني الله به. قالت: وما أفاد الحكيم في مقامك هذا من الفوائد ما تستغني به عن طلب الزوائد؟ قلت لا، ما أنا بمستغن عن طلب الزوائد. قالت: صدقت، أحبب ربك واشتق إليه فإن له يوماً يتجلى فيه على كرسي كرامته لأوليائه وأحبائه فيذيقهم من محبته كأساً لا يظمئون بعدها أبداً. قال: ثم أخذت في البكاء والزفير والشهيق وهي تقول: سيدي إلى كم تخلفني في دار لا أجد فيها أحداً يسعدني على البكاء أيام حياتي، ثم تركتني ومضت. 992 - عابدة أخرى ذو النون قال رأيت امرأة بنحو أرض البجة. قال: فناديتها. فقالت: وما للرجال أن يكلموا النساء؟ لولا ضعف عقلك لرميتك بشيء، فقلت لها: بالله كيف تعرفين الزيادة؟ قالت: بتفقد الأحوال انصرف. قال: فما ناطقتها بعد ذلك. 993 - عابدة أخرى ذو النون بن إبراهيم قال: كنت في تيه بني إسرائيل ومعي صاحب لي، فرأيت امرأة عليها مدرعة من شعر وخمار من صوف، وفي كفها عكاز من حديد فقلت: السلام عليك ورحمة الله. فقالت: وعليك السلام، ما للرجال وخطاب النساء عافاك الله؟ فقلت: أخوك ذو النون المصري. فقالت: مرحباً حياك الله بالسلام. قلت: ما تصنعين ها هنا؟ قالت: كلما أتيت إلى بلدة يعصى فيها الحبيب ضاق علي ذلك البلد، فأنا أطلب بقعة طاهرة أخر عليها ساجدة أناجيه بقلب ذاب من شدة الشوق إلى لقائه. فقلت: ما سمعت أحداً يذكر الحبيب أحسن من ذكرك،

فأي شيء المحبة؟ قالت: سبحان الله أنت الحكيم الواعظ وتسألني؟ أول المحبة يبعث على الكد الدائم، حتى إذا وصلت أرواحهم إلى أعلى الصفا جرعهم من محبته لذيذ الكؤوس، ثم صرخت وخرت مغشياً عليها فأفاقت وهي تقول: أحبك حبين حب الرضا ... وحب لأنك أهل لذاكا فأما الذي هو حب الرضا ... فذكر شغلت به عن سواكا وأما الذي أنت أهل له ... فكشفك للحجب حتى أراكا فما الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا 994 - عابدة أخرى ذو النون المصري قال: بينا أنا أسير في جبال أنطاكية فإذا أنا بجارية كأنها مجنونة وعليها جبة من صوف، فسلمت عليها فردت علي السلام، ثم قالت: ألست ذا النون المصري؟ قلت: عافاك الله كيف عرفتني؟ فقالت: عرفتك بمعرفة حب الحبيب، ثم قالت: أسألك عن مسألة، قلت: سلي، فقالت: أي شيء السخاء؟ قلت: البذل والعطاء. قالت: هذا سخاء في الدنيا فما السخاء في الدين؟ قلت: المسارعة إلى طاعة الله تعالى. قالت: فإذا سارعت إلى طاعة الله فهو أن يطلع على قلبك وأنت لا تريد منه شيئاً، ويحك يا ذا النون إني أريد أن أطلب منه شهوة منذ عشرين سنة، فأستحيي منه مخافة أن أكون كأجير السوء، إذا عمل طلب الأجر، ولكن اعمل تعظيماً لهيبته وعز جلاله ومرت وتركتني. 995 - عابدة أخرى ذو النون المصري قال بينما أنا أسير في تيه بني إسرائيل إذا أنا بجارية سوداء قد استلبها الوله من حب الرحمن، شاخصة ببصرها نحو السماء. فقلت: السلام عليك يا أختاه فقالت: وعليك السلام يا ذا النون. فقلت لها: من أين عرفتني يا جارية؟ فقالت: يا بطال إن الله عز وجل خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ثم أدارها حول العرش، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فعرفت روحي روحك في ذلك الجولان. قلت: إني لأراك حكيمة، علميني شيئاً مما علمك الله عز وجل، فقالت: يا أبا الفيض ضع على جوارحك ميزان القسط حتى يذوب كل ما كان لغير الله، ويبقى القلب مصفى ليس فيه غير الرب عز وجل، فبعد ذلك يقيمك لي الباب ويوليك ولاية جديدة ويأمر الخزان لك بالطاعة. فقلت: يا أختاه زيديني، فقالت: يا أبا الفيض خذ من نفسك لنفسك وأطع الله عز وجل إذا خلوت يجيبك إذا دعوت.

ذكر المصطفين من عباد لم يعرفوا باسم ولا مكان

ذكر المصطفين من عباد لم يعرفوا باسم ولا مكان 996 - عابد عن شقيق قال: كنت في زرع لي إذ أقبلت سحابة ترهيأ قال: فسمعت فيها صوتاً: أمطري زرع فلان قال: فأتيت الرجل فسألته: ما تصنع بزرعك؟ قال: أبذر ثلثه، وآكل ثلثه، وأتصدق بثلثه. 997 - عابد آخر مضر القاري قال: كان رجل من العباد قلما ينام من الليل قال: فغلبته عينه ذات ليلة فنام عن جزئه، فرأى فيما يرى النائم كأن جارية وقفت عليه، كأن وجهها القمر المستتم قال ومعها رق فيه كتاب. فقالت: أتقرأ أيها الشيخ؟ قلت: نعم. قالت: فاقرأ هذا الكتاب. قال فأخذته من يدها ففتحته فإذا فيه مكتوب: ألهتك لذة نومة عن خير عيش ... مع الخيرات في غرف الجنان تعيش مخلداً لا موت فيها ... وتنعم في الجنان مع الحسان تيقظ من منامك إن خيراً ... من النوم التهجد بالقرآن قال: فوالله ما ذكرتها قط إلا ذهب عني النوم. 998 - عابد آخر عن البختري بن حارثة قال: دخلت على عابد مرة فإذا بين يديه نار قدأججها وهو يعاتب نفسه. فلم يزل يعاتبها حتى مات. 999 - عابد آخر عن رياح القيسي قال: كان عندنا رجل يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة حتى أعقد من رجليه. وكان يصلي جالساً ألف ركعة فإذا صلى العصر احتبى واستقبل القبلة ويقول: عجبت للخليقة كيف أنست بسواك، بل عجبت للخليقة كيف استنارت قلوبهم بذكر سواك. 1000 - عابد آخر عن ميمون بن سياه قال: كنت أنا وخالد الربعي ونفر من أصحابنا نذكر الله، فوقف علينا رجل أسود فقال: هل ذكرتم الموت فيما كنتم فيه؟ قلنا: إنا لنذكره كثيراً وما ذكرناه يومنا هذا،

قال: فبكى وقال: لقد أغفلتم ما لا يغفلكم، ونسيتم ما تحصى عليكم الأنفاس لقدومه عليكم. قال: ثم مال ليسقط وسانده رجل من القوم فخرجت نفسه وإنا لننظر إليه. قال: فنظرنا لم نجد أحداً يعرفه. قال: فغسلناه وحنطناه وكفناه ودفناه. 1001 - عابد آخر أسلم بن عبد الملك، وكان شيئاً عجيباً، قال: صحب رجل رجلاً شهرين فلم يره نائماص بليل ولا نهار، فقال له: ما لي لا أراك تنام؟ قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي، ما أخرج من أعجوبة إلا وقعت في غيرها. 1002 - عابد آخر عبد الله بن داود قال: حدثني رجل منذ خمسين سنة أو نحو خمسين سنة قال: كان مملوك لامرأة فكان يصلي الليل كله، فقالت له: ليس تدعنا ننام الليل؟ فقال لها: لك النهار ولي الليل، إذا ذكرت النار طار نومي، وإذا ذكرت الجنة طال حزني. 1003 - عابد آخر شعيب بن حرب قال: صحبني رجلان في سفينة فأخذ أحدهما حبة من حنطة فألقاها في فيه، فقال له صاحبه: مه أي شيء صنعت؟ قال: سهوت. قال: لأن تأكلني السباع أحب إلي من أن أصحب رجلاً يسهو عن الله عز وجل. قال: ثم قال: يا ملاح قرب. قال: فخرج. قال شعيب: فسمعنا زئير الأسد من الغيضة فما ندري ما حال الرجل. قال شعيب: فالتفت إلي صاحبه فقال: إن هذا صاحبي منذ أربعين سنة أو نيف وأربعين سنة ما رأى علي زلة قبلها. 1004 - عابد آخر عن أيوب الحمال قال: كان فتى ينتحل التوكل، وكان عزيزاً عند الأخذ من الناس، وكان إذا احتاج إلى قوته وجده موضوعاً. فقيل له: احذر لا يكون الشيطان يخدعك. فقال: أنا إلى الله تعالى ناظر ومنه آخذ ما رزقني، فإن كان عدوي قد سخر لي فلا فرج الله عنه، وأي شيء أحسن مني؟ يخدمني عدوي وأنا أسكن إلى الله عز وجل لا إليه. 1005 - عابد آخر قال ممشاد الدينوري: رأيت في بعض أسفاري شيخاً توسمت فيه الخير. فقلت له: يا سيدي كلمة تزودني بها. قال: همتك فاحفظها فإن الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراءها من الأعمال والأحوال.

1006 - عابد آخر حيدرة بن عبيد قال: دخلنا على رجل من العباد نعوده فقلنا له: كيف تجدك؟ فقال: ذنوب كثيرة ونفس ضعيفة وحسنات قليلة وسفرة طويلة وغاية مهولة، قال: فقلنا: ما معك من الزاد لما ذكرت؟ قال: معي الأمل في السيد الكريم. ثم قال: اللهم لا تقطع يمؤملك في تلك الغمرات، وارحمه في تلك الحيرة والحسرات إذا انخلعت القلوب يوم الندامات. وجعل يتشهد حتى مات. 1007 - عابد آخر عن أبي عبد الله الدينوري أنه كان يوماً جالساً فدخل عليه فقير عليه آثار الضر، قال: فطالبتني نفسي أن أجيئه بشيء، فهممت أن أرهن نعلي فمنعتني نفسي وقالت: كيف تتم لك طهارة مع الحفا؟ فقلت: أرهن ركوتي. فمنعتني أيضاً وقالت: بأي شيء تتوضأ، فهممت أن أرهن منديلي فمنعتني وقالت: تبقى مكشوف الرأس. فقلت وما في ذلك؟ وجعلت أراجعها في ذلك؟ فقام الفقير فشد وسطه وأخذ عصاه بيده ثم التفت إلي وقال: يا خسيس احفظ منديلك فإني خارج، فاعتقدت مع الله عز وجل أني لا آكل الخبز حتى ألقاه. فقيل: إنه أقام ثلاثين سنة لم يأكل الخبز.

ذكر المصطفيات من العابدات اللواتي لم يعرفن باسم ولا مكان

ذكر المصطفيات من العابدات اللواتي لم يعرفن باسم ولا مكان 1008 - عابدة عن الوليد بن مسلم قال: كانت امرأة من التابعين تقول: اللهم أقبل بما أدبر من قلبي، وافتحخ ما أقفل منه حتى تجعله هشاً مرتاحاً لذكرك. 1009 - عابدة أخرى وبالإسناد: حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثنا الحارث بن محمد التيميمي قال: حدثنا علي بن محمد القرشي، عن جويرية ابن أسماء أن إخوة ثلاثة من بني قطيعة شهدوا يوم تستر فاستشهدوا. فخرجت أمهم يوماً إلى السوق لبعض شأنها فتلقاها رجل قد حضر أمر تستر فعرفته فسألته عن بنيها فقال: استشهدوا. فقالت: أمقبلين أم مدبرين؟ فقال: مقبلين. فقالت: الحمد لله نالوا الفوز وحاطوا الذمار، بنفسي هم وأبي وأمي. 1010 - عابدة أخرى عن القاسم بن معن أنه أتته امرأة فقالت: أنا امرأة فلان ما أتيك حتى خفت أن يضيق علي أن لا آتيك، فقال القاسم لبعض أصحابه: بقي من ذلك المال شيء؟ قال: مائتي درهم. قال: ادفعه إليها، فأخذته وانصرفت، وقال له: إذا جاءني شيء فأذكرنيها. قال: فجاءه مال ففرقه فذكرها وقد بقي منه سبعمائة درهم. فقال: اذهب به إليها وسل عنها أهل المسجد الذي خلف منزلها والمسجد الذي دونه، ففعل فأخبر بعفاف عنها وعن بنات لها. قال: فأتيتها فقلت: رسول القاسم بن معن. فقالت: مرحباً بالقاسم وبرسوله. حاجتك قلت: هذه السبعمائة درهم أرسل بها إليك القاسم. فقالت: أقرئه السلام وقله له: قد أخذنا تلك المائتين فنحن نغزل منها ونبيع وقد عشنا بها واستغنينا فلا حاجة لنا في هذه. فأتيت القاسم فأخبرته فقال: ويحك ألا سيبتها في باب الدار؟ وقال بيده هكذا. ثم حول وجهه إلى القبلة وقال: اللهم إن بلوتني بخلف فاجعله هكذا. 1011 - عابدة أخرى أبو جعفر السائح قال: بلغنا عن امرأة متعبدة كانت تصلي الضحى مائة ركعة كل يوم، وكانت تقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} بالنهار عشرة آلاف مرة. وكانت تصلي بالليل لا تستريح. وكانت

تقول لزوجها: قم ويحك إلى متى تنام؟ قم يا غافل قم يا بطال، إلى متى أنت في غفلتك؟ أقسمت عليك أن لا تكسب معيشتك إلا من حلال، أقسمت عليك أن لا تدخل النار من أجلي، بر أمك، صلا رحمك، لا تقطعهم فيقطع الله بك. 1012 - عابدة أخرى الحسين بن جعفر قال: سمعت أبي قال: صليت العيد في الجبان ثم تفردت، فإذا أنا بعجوز رافعة يديها وهي تقول: انصرف الناس ولم أشعر قلبي اليأس يا صاحب الصدقة، ها أناذه منصرفة فليت شعري ما زودتني، رب ارحم ضعفي وكبر سني، خرجت أرجوك فلا تخيب ظني بك. وهي تبكي فما انتفعت بنفسي يومي كله. 1013 - عابدة أخرى أبو عياش القطان بلغنا أنه كان ملك كثير المال وكانت له ابنة لم يكن له ولد غيرها، وكان يحبها حباً شديداً. وكان يلهيها بصنوف اللهو. فمكث كذلك زماناً، وكان إلى جانب الملك عابد، فبينا هو ليلة يقرأ إذ رفع صوته وهو يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} التحريم: 6 فسمعت الجارية قراءته فقالت لجواريها: كفوا. فلم يكفوا وجعل العابد يردد الآية والجارية تقول لهم: كفوا. فلم يكفوا. فوضعت يدها في جبيها فشقت ثيابها فانطلقوا إلى أبيها فأخبروه بالقصة. فأقبل إليها فقال: يا حبيبتي ما حالك منذ الليلة؟ ما يبكيك؟ وضمها إليه. فقالت: أسألك بالله يا أبه، لله عز وجل دار فيها نار وقودها الناس والحجارة؟ قال: نعم. قالت: وما يمنعك يا أبه أن تخبرني؟ والله لا أكلت طيباً ولا نمت على لين حتى أعلم أين منزلي في الجنة أو النار؟ 1014 - عابدة أخرى سعيد أبو عثمان، ثقة من أهل العلم، قال: نظر رجل إلى امرأة فقال: ما رأيت مثل هذا الحسن وهذه النضارة، وما ذاك إلا من قلة الحزن. فقالت: يا عبد الله، والله إني ليذبحني الحزن ما يشركني فيه أحد. قال: وكيف؟ قالت: ذبح زوجي شاة مضحياً، ولي صبيان يلعبان، فقال أكبرهما للأصغر: أريك كيف صنع أبي بالشاة؟ فعلقه فذبحه فما شعرنا به إلا متشحطاً، فلما استعلت الضجة هرب الغلام ناحية الجبل فرهقه ذئب، فأكله، ونحن لا نعلم، وابتعه أبوه يطلبه فمات عطشاً، فأفردني الدهر، قال: فكيف صبرك؟ قالت: لو رأيت في الجزع مدركاً ما اخترت عليه.

1015 - عابدة أخرى أبو بكر بن عبيد قال: حدثني عبيد الله بن محمد أنه سمع امرأة من المتعبدات تقول وبكت: والله لقد سئمت من الحياة حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته شوقاً إلى الله وحباً للقائه. قال: قلت لها: أفعلى ثقة أنت من عملك؟ قالت: لا والله، ولكن لحبي إياه وحسن ظني به، أفتراه يعذبني وأنا أحبه؟ 1016 - عابدة أخرى عن الحسن بن جعفر أنه سمع أباه يقول: مررت بدار فإذا أنا بعجوز مكفوفة تبكي وتقول: يا حليم تقرب الناس إليك بالأعمال يدعونك بها، فكيف أدعوك بالذنوب ولا عمل أرضاه؟ يا رب هب لي من حلمك ما تكفيني به وتنجيني من عذابك. قال: فوقفت عليها فوعظتها وقلت: هل لك ولد؟ قالت: لا. قلت: من معك في دارك؟ قالت: سبحان الله. معي من أناجيه، فهل علي وحشة معه وهو أنيسي؟ قال: فأبكتني، فقلت لها: ما معاشك؟ قالت: دع عنك ما لا تحتاج إليه بلغت السن فما أحوجني إليك ولا إلى غيرك، أما تقرأ القرآن: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} الشعراء فقلت: إيذني لي في زيارتك. فقالت: أعزم عليك إن فعلت أو ذكرت لي اسماً. ثم أجافت الباب. 1017 - عابدة أخرى عن العباس بن سهم أن امرأة من الصالحات أتاها نعي زوجها وهي تعجن، فرفعت يدها من العجين وقالت: هذا طعام قد صار لنا فيه شركاء. 1018 - عابدة أخرى وبالإسناد عن ابن روح عن بعض أهل العلم أن امرأة أتاها نعي زوجها والسراج يقد فأطفأت السراج وقالت: هذا زيت قد صار لنا فيه شريك. 1019 - عابدة أخرى عبد الملك بن شبيب، عن رجل من ولد عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: دخلت على امرأة وأنا أقرأ سورة هود، فقالت لي: يا عبد الرحمن هكذا تقرأ سورة هود؟ والله إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها.

1020 - عابدة أخرى أبو الوليد القاضي قال: سمعت امرأة تقول: فقدتك من قلب أصبحت قاسياً ولعظمة الله ناسياً كيف تقر عيني وقد أخبرني أن قاسي القلب مني بعيد؟ 1021 - عابدة أخرى سري السقطي قال: بلغني أن امرأة كانت إذا قامت من الليل قالت: اللهم إن إبليس عبد من عبيدك، ناصيته بيدك، يراني من حيث لا أراه، وأنت تراه من حيث لا يراك، اللهم إنك تقدر على أمره كله، وهو لا يقدر من أمرك على شيء، اللهم إن أرادني بشر فأرده، وإن كادني فكده، أدرأ بك في نحره، وأعوذ بك من شره. ثم بكت حتى ذهبت إحدى عينيها، فقيل لها: اتقي الله لا تذهب الأخرى. فقالت: إن كانت عيني من عيون أهل الجنة فسيبدلني بها ما هو أحسن منها، وإن كانت من عيون أهل النار فأبعدهما الله تعالى. 1022 - عابدة أخرى عن بكر بن عبد الله المزني قال: كانت امرأة متعبدة، فكانت إذا أمست قالت: يا نفس، الليلة ليتلك لا ليلة لك غيرها، فاجتهدي. فإذا أصبحت قالت: يا نفس اليوم يومك لا يوم لك غيره فاجتهدي.

ذكر المصطفيات من بنيات صغار تكلمن بكلام العابدات الكبار

ذكر المصطفيات من بنيات صغار تكلمن بكلام العابدات الكبار 1023 - صبية زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده أسلم، قال: بينا أنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعس المدينة إذ عيي فاتكأ إلى جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: يا ابنتاه قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء. فقالت لها: يا أماه أو ما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عزمته يا بنية؟ قالت: إنه أمر مناديه فنادى أن لا يشاب اللبن بالماء. فقالت لها: يا بنية قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء فإنك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر، فقالت الصبية لأمها: يا أمتاه والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء. 1024 - صبية أخرى عفان بن مسلم قال: قال لي حماد بن سلمة: ألح علينا المطر سنة من السنين وفي جواري امرأة من المتعبدات لها بنات أيتام، فوكف السقف عليهم، فسمعتها تقول: يا رفيق ارفق بي. فسكن المطر فأخذت صرة فيها دنانير وقرعت بابها. فقالت: اللهم اجعله حماد بن سلمة. قلت: أنا حماد بن سلمة، وأخرجت الدنانير وقلت لها: انتفعي بهذه، فإذا صبية عليها مدرعة من صوف تستبين خروقها قد خرجت علي وقالت: ألا تسكت يا حماد؟ تعترض بيننا وبين ربنا؟ ثم قالت: يا أماه قد علمنا أنا لما شكونا مولانا أنه سيبعث إلينا بالدنيا ليطردنا عن بابه. ثم ألصقت خدها على التراب وقالت: أما أنا وعزتك لا زايلت بابك وإن طردتني، ثم قالت: يا حماد رد دنانيرك عافاك الله إلى الموضع الذي أخرجتها منه فإنا رفعنا حوائجنا إلى من يقبل الودائع ولا يبخس العاملين. 1025 - صبية أخرى بشر بن الحارث يقول: أتيت باب المعافي بن عمران فدققت الباب فقيل: من ذا؟ فقلت: بشر الحافي، فقالت له بنية له من داخل: لو اشتريت نعلاً بدانقين ذهب عنك هذا الاسم.

1026 - صبية أخرى عبد الله بن محمد بن وهب قال: كان ليحيى بن معاذ ابنة صغيرة السن جداً، فطلبت من أبيها شيئاً فقال لها: يا بنتي اطلبي ذاك من الله. فقالت: يا باه أوما أستحيي من الله أن أتقدم إليه في شيء يؤكل؟ 1027 - صبية أخرى أبو العباس بن مسروق قال: كنت باليمن فرأيت صياداً يصطاد السمك على بعض السواحل، وإلى جنبه ابنة له. فكلما اصطاد سمكة فتركها في دوخلة معه ردت الصبية السمكة إلى الماء، فالتفت الرجل فلم ير شيئاً، فقال لابنته: أي شيء عملت بالسمك؟ فقالت: يا أبي أليس سمعتك تروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقع سمكة في شبكة إلا إذا غفلت عن ذكر الله عز وجل" فلم أحب أن نأكل شيئاً غفل عن ذكر الله تعالى. فبكى الرجل ورمى الصنارة. 1028 - صبية أخرى بلغنا أن أمير بلدة حاتم الأصم اجتاز على باب حاتم فاستسقى ماء فلما شرب رمى إليهم شيئاً من المال، فوافقه أصحابه، ففرح أهل الدار سوى بنية صغيرة فإنها بكت. فقيل لها: ما يبكيك؟ قالت: مخلوق نظر إلينا فاستغنينا فكيف لو نظر إلينا الخالق سبحانه وتعالى؟ 1029 - صبية أخرى خزيمة أبو محمد قال: قال بنات رجل لأبيهن: يا أبه لا تطعمنا إلا الحلال فإن الصبر على الجوع أيسر من الصبر على النار. فبلغ ذلك سفيان الثوري فقال: ما لهن رحمهن الله؟

ذكر المصطفين من عباد الجن

1030 - ذكر المصطفين من عباد الجن سهل بن عبد الله قال: كنت ناحية ديار عاد إذ رأيت مدينة من حجر منقور، في وسطها قصر من حجارة، منقورة سقوفه وأبوابه تأويه الجن، فدخلت معتبراً فإذا شيخ عظيم الخلق يصلي نحو الكعبة وعليه جبة صوف فيها طراوة، فلم أتعجب من عظم خلقه كتعجبي من طراوة جبته، فسلمت عليه فرد علي السلام وقال: يا سهل إن الأبدان لا تخلق الثياب وإنما تخلقها روائح الذنوب ومطاعم السحت، وإن هذه الجبة علي منذ سبعمائة سنة بها لقيت عيسى بن مريم ومحمداً صلى الله عليه وسلم فآمنت به. فقلت له: من أنت؟ قال: أنا الذي نزلت فيك: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} الجن: 1. سلمة بن شبيب قال: عزمت على النقلة إلى مكة فبعت داري، فلما فرغتها وسلمتها وقفت

على بابها فقلت: يا أهل الدار جاورناكم فأحسنتم جوارنا جزاكم الله خيراً، وقد بعنا الدار ونحن على النقلة إلى مكة فعليكم السلام ورحمة الله. قال: فأجابني من الدار مجيب فقال: وأنتم جزاكم الله خيراً ما رأينا منكم إلا خيراً ونحن على النقلة أيضاً، فإن الذي اشترى الدار رافضي يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. سري بن إسماعيل يذكر عن يزيد الرقاشي أن صفوان بن محرز المازني كان إذا قام إلى تهجده من الليل قام معه سكان داره من الجن، فصلوا بصلاته واستمعوا لقراءته. قال السري فقلت ليزيد: وأنى علم؟ قال: كان إذا قام سمع لهم ضجة فاستوحش لذلك فنودي: لا ترع أبا عبد الله فإنما نحن إخوانك نقوم للتهجد كما تقوم فنصلي بصلاتك، قال: فكأنه أنس بعد ذلك إلى حركتهم. يحيى بن عبد الرحمن العصري قال: حدثتني امرأة خليد عن خليد قال: كنت قائماً أصلي فقرأت هذه الآية {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: 35] فرددتها مراراً، فناداني مناد من ناحية البيت: كم تردد هذه الآية؟ فلقد قتلت بها أربعة نفر من الجن لم يرفعوا رؤوسهم إلى السماء حتى ماتوا من تردادك هذه الآية. قالت: فوله خليد بعد ذلك ولهاً شديداً. وأنكرناه حتى كأنه ليس الذي كان. مهدي بن ميمون قال: كان واصل مولى أبي عيينة جاراً لي، وكان يسكن في غرفة، فكنت أسمع قراءته من الليل، وكان لا ينام من الليل إلا يسيراً، قال: فغاب غيبة إلى مكة وكنت أسمع القراءة من غرفته على نحو من صوته كأني لا أنكر من الصوت شيئاً. قال: وباب الغرفة مغلق، فلم يلبث أن قدم من سفره فذكرت له ذلك، فقال: وما أنكرت من ذلك؟ هؤلاء سكان الدار يصلون بصلاتنا ويسمعون لقراءتنا. قال: قلت: أفتراهم؟ قال لا. ولكني أحس بهم وأسمع تأمينهم عند الدعاء، وربما غلب علي النوم فيوقظوني. قال القرشي: وحدثني خلف قال: كان فتى من أهل الكوفة متعبداً يقال له عرفجة، وكان يحيي الليل صلاة. قال: فاستزاره بعض إخوانه ذات ليلة فاستأذن أمه في زيارته فأذنت له: قالت العجوز: فلما كان الليل إذا أنا في منامي برجال قد وقفوا علي فقالوا: يا أم عرفجة! لم أذنت لإمامنا الليلة؟ أبو عمران التمار قال: غدوت يوماً قبل الفجر إلى مسجد الحسن الحفري فإذا باب المسجد مغلق، وإذا الحسن جالس يدعو، وإذا ضجة في المسجد وجماعة يؤمنون على دعائه،

فجلست على باب المسجد حتى فرغ من دعائه ثم قام فأذن وفتح باب المسجد فدخلت فلم أجد في المسجد أحداً، فلما أصبح وتفرق من عنده قلت له: يا أبا سعيد إني والله رأيت عجباً، قال: وما رأيت؟ فأخبرته بالذي رأيت وسمعت. فقال: أولئك جن من أهل نصيبين يجيئون يشهدون معي ختم القرآن كل ليلة جمعة ثم ينصرفون. محمد بن عبد العزيز بن سلمان العابد قال: كان أبي إذا قام من الليل يتهجد سمعت في الدار جلبة شديدة واستسقاء للماء كثيراً. قال: فنرى أن الجن كانوا يتيقظون لتهجده فيصلون معه. سري السقطي قال: بدوت يوماً من الأيام وأنا حدث فطاب وقتي وجن علي الليل وأنا بفناء جبل لا أنيس به فناداني مناد من جوف الجبل: لا تدور القلوب في الغيوب حتى تذوب النفوس من مخافة فوت المحبوب. قال: فتعجبت وقلت جني يناديني أم إنسي؟ قال: بل جني مؤمن بالله عز وجل ومعي إخواني، قال: قلت فهل عندهم ما عندك؟ قال: نعم وزيادة. قال: فناداني الثاني منهم: لا تذهب من البدن الفترة إلا بدوام الغربة، قال: فقلت في نفسي: ما أبلغ كلامهم. فناداني الثالث منهم: من أنس به في الظلام لا يبقى له اهتمام. قال: فصعقت، فما أفقت إلا برائحة الطيب فإذا أترجة على صدري فشممتها فأفقت فقلت: وصية يرحمكم الله جميعاً؟ فقالوا جميعاً أبى الله أن تحيا به إلا قلوب المتقين، فمن طمع في غير ذلك فقد طمع في غير مطمع، ومن تبع طبيباً مريضاً دامت علته، وودعوني ومضوا وقد أتى علي حين ولا أزال أرى بركة كلامهم موجودة في خاطري. وبلغني عن أبي الفتح محمد بن محمد الخزيمي قال: قال أبو علي الدقاق: كنت بنيسابور مقيماً للوعظ فظهر بي رمد فاشتقت إلى أولادي فرأيت ليلة من الليالي في المنام كأن شخصاً دخل علي فقال: أيها الشيخ ما يمكنك الرجوع بهذه السرعة فإن جماعة من شباب الجن يحضرون مجلسك ويستمعون منك، وهم بعد في بدو الإرادة فما لم ينتهوا إلى إرادتهم لا يمكنك أن تفارقهم فلعل الله عز وجل أن يحييهم فأصبحت وكأنه ما بعيني رمد. 1031 - ومن متعبدات الجن صالح بن عبد الكريم قال: كنت أحب أن ألقى شيئاً من الجن فأكلمه، فرأيت امرأة فتعلقت بها فقلت: عظيني. قالت: اكتب: تقول غزالة: اشتغل بأولى الأمور بك ولا تغفل عن ساعة إن فاتتك لم تدركها.

آخر كتاب صفة الصفوة، والحمد لله وحده، وصلواته على خير خلقه محمد وآله وصحبه. كتبه لنفسه، ثم لمن شاء الله يعده، فقير رحمة ربه إبراهيم بن يحيى بن حسن بن طرخان بن تميم العسقلاني الخبيلي، عفا الله عنهم بكرمه، في مدة آخرها يوم الخميس بين الصلاتين بالقاهرة المحروسة بالوراقين، الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من سنة سبع وسبعين وستمائة، أحسن الله خاتمتها. والحمد لله وحده، وسلام على عباده الذين اصطفى.

§1/1