صدقة التطوع في الإسلام
سعيد بن وهف القحطاني
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في ((صدقة التطوع في الإسلام)) بيَّنت فيها: مفهوم صدقة التطوع، وفضائلها العظيمة، وأفضل صدقات التطوع، والإخلاص شرط في قبول التطوع، وآداب الصدقة، وإطعام الطعام، وثواب الصدقة به، والصدقة على الحيوان، وصدقة القرض الحسن، والصدقة الجارية والوقف، وأن الصدقات من صفات المؤمنين، وصدقة الوصية بعد الموت، وأنّ الهدية، والعطية، والهبة تكون صدقات بالنية، ثم بيَّنت أنواع صدقات التطوع على حسب أنواعها، وذكرت مبطلات الصدقات، وبيَّنت موضوعات متنوعة في الصدقات، وذكرت فضل صدقة إعتاق الرقاب المسلمة، وبيّنت وصول ثواب الصدقات المهداة إلى أموات المسلمين، ثم ذكرت القناعة والعفّة، ثم أنواع المسألة الجائزة والممنوعة, وذكرت الزهد والورع. وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله وغفر له -.
وكذلك استفدت كثيراً من تخريجات العلاّمة المحدّث ناصر الدين الألباني للأحاديث رحمه الله, وغفر له. واللهَ أسأل أن يجعل هذا العمل مباركاً, نافعاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه - سبحانه وتعالى - خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف/ أبو عبد الرحمن الفقير إلى الله تعالى سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر قُبيل مغرب يوم الخميس 25/ 4/1426هـ الرياض
أولا: مفهوم صدقة التطوع: لغة واصطلاحا
صدقة التطوع في الإسلام أولاً: مفهوم صدقة التطوع: لغة واصطلاحاً. الصدقة لغة: جمع صدقات، وتَصَدَّقتُ: أعطيتُهُ صدقةً، والفاعل مُتصَدِّقٌ، [وهو الذي يُعطي الصدقة]، ومنهم من يخفف بالبدل والإدغام فيقال: مُصَّدِّقٌ، والمتصدِّقُ: المُعطي، وفي التنزيل: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} (¬1). وقد جاء المتصدِّقُ والمصَّدِّقُ في القرآن العظيم: {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} (¬2). و {الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} (¬3). وأما المُصَدِّق بتخفيف الصاد: فهو الذي يأخذ صدقات النَّعَم)) (¬4). والذي يُصدِّقك في حديثك (¬5) فالصدقة: العطية. والصدقة اصطلاحاً: العطية التي يُبتغى بها الثواب عند الله تعالى (¬6). قال العلامة الأصفهاني: ((الصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، كالزكاة، لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوَّع به، والزكاة للواجب, وقد يُسمَّى الواجب صدقةً إذا تحرَّى صاحبها الصدق في فعله)) (¬7). ¬
والعطية:
والعطية: الشيء المُعطى، والجمع: العطايا، ويقال: رجل مِعطاءٌ: كثير العطاء، والمعاطاة: المناولة، والإعطاء: الإنالة (¬1). والعطية اصطلاحاً: ما أعطاه الإنسان من ماله لغيره، سواء كان يريد بذلك وجه الله تعالى، أو يريد التودُّد، أو غير ذلك، فهي أعمّ من الزكاة، والصدقة، والهبة، ونحو ذلك (¬2). التطوع لغة: التنفُّل، والنافلة، وكل متنفِّل خير متطوع، قال الله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} (¬3). وقد تدغم التاء في الطاء فيقال: المطوِّع: أي المتطوع (¬4). والتطوع اصطلاحاً: ما تبرع به المسلم من ذات نفسه، مما لا يلزمه فرضه (¬5). وقيل: المتطوع هو الذي يفعل الشيء تبرعاً من نفسه، وهو تفعلٌ من الطاعة (¬6)، والتعريف الأول أشمل. ثانياً: فضل صدقة التطوع، لها فضائل كثيرة جداً، منها ما يأتي: 1 - صدقة التطوع تكمِّل زكاة الفريضة وتجبر نقصها؛ لحديث تميم ¬
2 - تطفئ الخطايا وتكفرها
الداري - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمَّها كتبت له تامة، وإن لم يكن أتمها قال الله - عز وجل - لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوِّعٍ فتكملون بها فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)) (¬1). 2 - تُطفئ الخطايا وتكفرها؛ لحديث معاذ - رضي الله عنه - مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: ((والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)) (¬2). وفي حديث حذيفة - رضي الله عنه -: ((فتنة الرجل: في أهله، وولده، وجاره، تكفرها الصلاة، والصوم، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (¬3). 3 - من أسباب دخول الجنة والعتق من النار؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءتنى مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة؛ لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت ¬
4 - الصدقة تدخل الجنة ولو بشق تمرة،
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار)) (¬1). 4 - الصدقة تدخل الجنة ولو بشق تمرة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليَّ امرأة معها ابنتان لها تسأل؟ فلم تجد عندي شيئاً غير تمرةٍ، فأعطيتها إيَّاها، فقَسَمَتْها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامت وخرجت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال: ((من ابتُلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنَّ له ستراً من النار)) (¬2). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الجمع بين الحديثين السابقين: ((ويمكن الجمع بأن مرادها بقولها في حديث عروة: فلم تجد عندي غير تمرة واحدة: أي أخصها بها، ويحتمل أنها لم تكن عندها في أول الحال سوى واحدة, فأعطتها, ثم وجدت ثنتين، ويحتمل تعدد القصة)) (¬3). 5 - من أسباب النجاة من حرِّ يوم القيامة؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس)). أو قال: ((يحكم بين الناس)) (¬4). وفي لفظ: ((إن ظل المؤمن يوم القيامة صدقته)) (¬5). قال يزيد- أحد رواة الحديث: ((وكان أبو الخير- ¬
6 - الصدقة من أسباب النصر، والرزق
راوي الحديث عن عقبة لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء، ولو كعكة، أو بصلة، أو كذا)) (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحد السبعة الذين يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله: (( ... ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) (¬2). 6 - الصدقة من أسباب النصر، والرزق؛ لحديث سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم)) (¬3). قال ابن بطال رحمه الله: ((تأويل الحديث: أن الضعفاء أشد إخلاصاً في الدعاء، وأكثر خشوعاً في العبادة؛ لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا)) (¬4). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان أخوان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان أحدهما يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم -، والآخر يحترف، فشكى المحترفُ أخاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لعلك تُرزق به)) (¬5). 7 - الصدقة تعوِّد المسلم على صفة الجود والكرم، والعطف على ذوي الحاجات، والرحمة للفقراء. 8 - الصدقة تحفظ النفس عن الشُّح، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬6). ¬
9 - الصدقة تجلب البركة والزيادة والخلف من الله تعالى
9 - الصدقة تجلب البركة والزيادة والخلف من الله تعالى، قال الله سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم، أنفق عليك)). وقال: ((يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاءُ الليلَ والنهار)). وقال: ((أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟؛ فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان، يخفض ويرفع)). ولفظ مسلم: ((يمين الله ملأى ... )) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه)) (¬3). ومما يدل على فضل الصدقة، وفضل الإحسان إلى المساكين وأبناء السبيل، وفضل أكل الإنسان من كسبه والإنفاق على العيال (¬4) وأن من فعل ذلك يبارك الله له في ماله ويحصل له الأجر العظيم، حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بينما رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة: أسقِ حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرَّة (¬5) ¬
10 - تشرح الصدر وتدخل السرور على المنفق المتصدق
فإذا شَرْجَة من تلك الشِّراج (¬1) قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبَّع الماء, فإذا رجل قائم في حديقته يُحوِّل الماء بمسحاته فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله: لم تسألني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقة فلانٍ لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أمَّا إذا قلت: هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثُلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأردُّ فيها ثلثه)) وفي لفظ: ((وأجعل ثلثه في المساكين، والسائلين، وابن السبيل)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا مَلَكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)) (¬3). 10 - تشرح الصدر وتدخل السرور على المنفق المتصدق، فالمتصدق إذا أحسن إلى الخلق، ونفعهم بما يملكه من المال، وأنواع الإحسان، انشرح صدره؛ فالكريم المحسن أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً، والبخيل الذي لا يحسن أضيق الناس صدراً، وأنكدهم عيشاً، وأكثرهم همّاً وغمّاً، لكن لا بد من العطاء بطيب نفس، ويخرج المال من قلبه قبل أن يخرج من يده (¬4). 11 - الصدقة تُلحق المسلم بالمؤمن الكامل؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬
12 - الصدقة يحصل بها قضاء الحاجات، وتفريج الكربات
قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه - أو قال - لجاره ما يحب لنفسه)) (¬1). فكما أن المسلم يحب أن يُبذل له المال الذي يسد به حاجته، فهو يحب أن يحصل لأخيه المحتاج مثل ذلك، فيكون بذلك كامل الإيمان. 12 - الصدقة يحصل بها قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والستر في الدنيا ويوم القيامة؛ لما فيها من قضاء حاجات المحتاجين، وتفريج كربات المكروبين، والستر على المعسرين؛ لأن الجزاء من جنس العمل؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نفَّس عن مؤمن كُربَة من كُرب الدنيا نفَّس الله عنه كُربةً من كُربِ يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ... )) (¬2)؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه: ((ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)) (¬3). 13 - الصدقة من أسباب رحمة الله تعالى للعبد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)) (¬4). ¬
14 - الصدقة من الإحسان، والله يحب المحسنين
14 - الصدقة من الإحسان، والله يحب المحسنين؛ لقوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬1). وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} (¬2).وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (¬3). 15 - يترتب على الصدقة الأجر العظيم الذي يربيه الله تعالى ويضاعفه لصاحبه؛ لقول الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (¬4). وقال - عز وجل -: {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (¬5)؛ ولقوله تعالى: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (¬6)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من تصدَّق بعدل (¬7) تمرة، من كسب طيب (¬8) ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبَّلها بيمينه ثم يربيها ¬
16 - المتصدق ابتغاء مرضاة الله تعالى، يفوز بثناء الله عليه
لصاحبها كما يربي أحدكم فلوّه (¬1)، حتى تكون مثل الجبل)) وفي لفظ مسلم: ((حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوّه أو فصيله)) (¬2). وفي رواية لمسلم: ((لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب ... )) (¬3). 16 - المتصدِّق ابتغاء مرضاة الله تعالى، يفوز بثناء الله عليه، وما وعد به المتصدقين من الأجر العظيم، وانتفاء الخوف والحزن؛ لقول الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬4). 17 - المتصدق يحصل على مضاعفة الأجر على حسب إخلاصه لله تعالى؛ لقول الله - سبحانه وتعالى -: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬5)؛ ولحديث أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لك ¬
18 - الصدقة تجعل المجتمع المسلم كالأسرة الواحدة، يرحم القوي الضعيف
بها يوم القيامة سَبْعمائة ناقةٍ كلها مخطومة)) (¬1). 18 - الصدقة تجعل المجتمع المسلم كالأسرة الواحدة، يرحم القوي الضعيف، ويعطف القادر على العاجز، ويحسن الغني إلى المعسر، فيشعر صاحب المال بالرغبة في الإحسان؛ لأن الله أحسن إليه، قال الله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (¬2). 19 - بذل المال خير للمتصدق إذا كان زائداً عن كفايته؛ لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا ابن آدم إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تُمسكه شرٌّ لك، ولا تُلامُ على كفاف (¬3)، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى)) (¬4). 20 - صدقة السر تطفئ غضب الرب، وصنائع المعروف تنجي من مصارع السوء؛ لحديث معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - , عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: ((إن صدقة السر تطفئ غضب الرب)) (¬5)؛ ولحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر)) (¬6). ¬
21 - الصدقة دواء للأمراض
21 - الصدقة دواء للأمراض (¬1). ثالثاً: أفضل صدقات التطوع على النحو الآتي: 1 - من أفضل الصدقات التصدق بسقي الماء؛ لحديث سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، قال: قلت: يا رسول الله، إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: ((نعم)). قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: ((سقي الماء)) فتلك سقاية سعدٍ بالمدينة)). وفي لفظ لأبي داود: ((فحفر بئراً وقال: هذه لأم سعدٍ)) (¬2). ولكن يتحرى المتصدق حاجة الناس فيتصدق بما تدعو إليه الحاجة، سواء كانت في الماء أو في غيره (¬3). 2 - الصدقة على ذي الرحم الذي يضمر العداوة في باطنه من أفضل الصدقات؛ لحديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه -، أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصدقات أيُّها أفضل؟ قال: ((على ذي الرحم الكاشِح)) (¬4) (¬5). وعن أم كلثوم ¬
3 - أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، فيغتنم حياته قبل موته
بنت عقبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح)) (¬1). 3 - أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، فيغتنم حياته قبل موته، وصحته قبل مرضه، فينفق ولا يبخل، قال الله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَال} (¬2)، ومعنى ((خلال)) لا خلة ولا صداقة (¬3). قال العلامة السعدي رحمه الله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ} أي لا ينفع فيه شيء، ولا سبيل إلى استدراك ما فات، لا بمعاوضة ببيع وشراء، ولا بهبة خليل وصديق، فكل امرئ له شأن يغنيه، فليقدِّم العبد لنفسه، ولينظر ما قدمه لغدٍ؛ وليتفقَّد أعماله، ويحاسب نفسه قبل الحساب الأكبر)) (¬4). وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ ¬
الظَّالِمُونَ} (¬1). وهذا من فضل الله ولطفه بعباده أن أمرهم بتقديم شيء مما رزقهم؛ ليكون لهم ذخراً وأجراً في يوم يحتاج فيه العاملون إلى مثقال ذرة من الخير، فلا بيع فيه، ولو افتدى الإنسان نفسه بملء الأرض ذهباً ليفتدي به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منه، ولم ينفعه خليل ولا صديق: لا بوجاهة, ولا بشفاعة (¬2). وقال - سبحانه وتعالى -: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: ((أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح, تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلانٍ كذا, ولفلانٍ كذا، وقد كان لفلان)) (¬4). الشح عام غالب في حال الصحة، فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره، بخلاف من أشرف على الموت وأيس من الحياة، ورأى مصير المال لغيره؛ فإن صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة والشح رجاء البقاء وخوف الفقر، وهو يطمع في الغنى (¬5)، ¬
4 - ومن أفضل الصدقة جهد المقل الذي هو قدر ما يحتمله حال قليل المال
وهو في حال الصحة يصعب عليه إخراج المال غالباً؛ لما يخوفه به الشيطان، ويزين له من إمكان طول العمر والحاجة إلى المال؛ ولهذا قال بعض السلف عن بعض أهل الترف: يعصون الله في أموالهم مرتين: يبخلون بها وهي في أيديهم - يعني في الحياة - ويسرفون فيها إذا خرجت عن أيديهم - يعني بعد الموت (¬1). وذُكِرَ في الخبر عن أبي الدرداء مرفوعاً: ((مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما يشبع)) (¬2). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول عن الصدقة في حال الصحة والشح: ((وهذا يدل على أن الصدقة في حال الصحة والشح أفضل، وهذا يدل على قوة الرغبة فيما عند الله، أما المريض فإنه يجود في حال مرضه؛ لأنه أيس من حياته، وصدقته مقبولة، لكن الأفضل أن تكون في حال الصحة)) (¬3). 4 - ومن أفضل الصدقة جهد المقل الذي هو قدر ما يحتمله حال قليل المال، فيكون من أفضل الصدقات؛ لحديث عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمان لا شك فيه، ¬
وجهاد لا غلول فيه، وحجة مبرورة)). قيل: فأيُّ الصلاة أفضل؟ قال: ((طول القنوت)). قيل: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقلِّ)) (¬1). قيل: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: ((من هجر ما حرم الله - عز وجل -)). قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: ((من جاهد المشركين بماله ونفسه)). قيل: فأيُّ القتل أشرف؟ قال: ((من أهريق دمه وعُقِر جواده)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((سبق درهم مائة ألف [درهم])) قالوا: يا رسول الله وكيف؟ قال: ((رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به، ورجل له مالٌ كثير فأخذ من عُرضِ ماله مائة ألف [درهم] فتصدق بها)) (¬3). وظاهر الأحاديث أن الأجر على قدر حال المعطي لا على قدر المال المعطى، فصاحب الدرهمين أعطى نصف ماله، في حال لا يعطي فيها إلا الأقوياء, يكون أجره على قدر همته بخلاف الغني؛ فإنه ما أعطى نصف ماله، ولا في حال لا يعطي فيها عادة)) (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله! أيُّ الصدقة أفضل؟ قال: ((جُهْدُ المقلِّ، وابدأ بمن تعول)) (¬5). ¬
5 - من أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى
5 - من أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى؛ لحديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغني يغنه الله)). ولفظ مسلم: ((أفضل الصدقة أو خير الصدقة عن ظهر غنىً، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى: وابدأ بمن تعول)) (¬2). ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى)) أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنياً بما بقي معه، وتقدير: أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنىً يعتمده صاحبها, ويستظهر به على مصالحه، وحوائجه، وإنما كانت هذه أفضل الصدقة بالنسبة إلى من تصدق بجميع ماله؛ لأن من تصدق بالجميع يندم غالباً، أو قد يندم إذا احتاج، ويودُّ أنه لم يتصدق بخلاف من بقي بعدها مستغنياً، فإنه لا يندم عليها بل يُسرُّ بها (¬3) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((والمعنى أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية)) (¬4) (¬5). ¬
6 - ومن أفضل الصدقة ما يعطى الأقارب
6 - ومن أفضل الصدقة ما يعطى الأقارب؛ لحديث سلمان بن عامر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة, وصلة)) (¬1). ¬
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (¬1)، قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحبَّ أموالي إليَّ بَيرُحاء (¬2) وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بَخٍ (¬3)، ذلك مال رابح (¬4) ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)). فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه)). وفي لفظ: ((فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب)) (¬5). قال الإمام النووي رحمه الله: ((وفي هذا الحديث من الفوائد ... أن الصدقة على الأقارب أفضل من الأجانب إذا كانوا محتاجين، وفيه أن القرابة يرعى ¬
حقها في صلة الأرحام, وإن لم يجتمعوا إلا في أبٍ بعيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا طلحة أن يجعل صدقته في الأقربين, فجعلها في أبي بن كعب وحسان ابن ثابت، وإنما يجتمعان معه في الجد السابع)) (¬1). وعن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لو أعطيتيها أخوالك كان أعظم لأجرك)) (¬2). قال الإمام النووي رحمه الله: ((فيه فضيلة صلة الرحم، والإحسان إلى الأقارب، وأنه أفضل من العتق ... وفيه الاعتناء بأقارب الأم إكراماً بحقها، وهو زيادة في برها، وفيه جواز تبرع المرأة بمالها بغير إذن زوجها)) (¬3). وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - في قصة زينب امرأة ابن مسعود: أنها قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق بها، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحقُّ من تصدقت به عليهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صدق ابن مسعود: زوجك وولدك أحقّ من تصدقت به عليهم)) (¬4)؛ ولحديث زينب الآخر, وفيه: أنها أرسلت بلالاً يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: ¬
7 - أفضل النفقات النفقة على العيال والأهل والأقربين
أيجزئ عني أن أنفق على زوجي، وأيتام في حجري؟ فسأله فقال: ((نعم، ولها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة)). وفي لفظ مسلم: ((لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة))؛ لأنها كان معها امرأة من الأنصار حاجتها حاجتها (¬1). قال الإمام النووي رحمه الله: ((فيه الحث على الصدقة على الأقارب وصلة الأرحام، وأن فيها أجرين)) (¬2). 7 - أفضل النفقات النفقة على العيال والأهل والأقربين: قال الله سبحانه: {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (¬3). فأولى الناس بالإنفاق من الخير وأحقهم بالتقديم أعظمهم حقًّا عليك، وهم الوالدان الواجب برهما، والمحرم عقوقهما، ومن أعظم برهما النفقة عليهما، ومن أعظم العقوق ترك الإنفاق عليهما؛ ولهذا كانت النفقة عليهما واجبة على الولد الموسر، ومن بعد الوالدين: الأقربون على اختلاف طبقاتهم: الأقرب، فالأقرب، على حسب القرب والحاجة، فالإنفاق عليهم صدقة وصلة (¬4). وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ¬
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} (¬1). وقال سبحانه: {وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} (¬2). وقال تعالى: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (¬3). وقال تعالى: {فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} (¬4). وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} (¬5). وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل دينارٍ ينفقه الرجل: دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله)). قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال، ثم قال: أبو قلابة: وأيُّ رجل أعظم أجراً من رجلٍ ينفق على عيالٍ صغارٍ، يعفُّهم أو ينفعهم الله به، ويغنيهم)) (¬6). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته ¬
على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك)) (¬1). وعن عبد الله بن عمرو أنه قال لخازنه: أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال: لا, قال: فانطلق فأعطهم، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته)) (¬2). ولفظ أبي داود: ((كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت)) (¬3). وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أعتق رجل من بني عُذْرة - من الأنصار - عبداً له عن دُبرٍ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((ألك مال غيره؟)) فقال: لا، فقال: ((من يشتريه مني؟)) فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعها إليه، ثم قال: ((ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فَضَلَ شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا، وهكذا)) يقول: فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك)) (¬4). قال الإمام النووي رحمه الله: ((في هذا الحديث فوائد منها: الابتداء بالنفقة بالمذكور على هذا الترتيب، منها: أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الأوكد فالأوكد، ومنها أن الأفضل في صدقة التطوع أن ينوعها في جهات الخير، ووجوه البر بحسب المصلحة، ولا ينحصر في جهة بعينها ... )) (¬5). ¬
وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله! هل لي أجر في بني أبي سلمة، أنفق عليهم ولست بتاركتهم، هكذا وهكذا، إنما هم بني؟ فقال: ((نعم لك فيهم أجر ما أنفقت عليهم)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تصدقوا)) فقال رجل: يا رسول الله! عندي دينار، قال: ((تصدق به على نفسك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على زوجتك))، قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على ولدك))، قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على خادمك))، قال: عندي آخر: قال: ((أنت أبصرُ به)) (¬2). وعن بهز بن حكيم قال: حدثني أبي عن جدي، قال: قلت يا رسول الله، من أبرُّ؟ قال: ((أمك))، قال: قلت: ثم مَن؟ قال: ((أمك))، قال: قلت: ثم مَنْ؟ قال: ((أمك))، قلت: ثم مَنْ؟ قال: ((أباك))، قال: قلت: ثم مَنْ؟ قال: ((ثم الأقرب فالأقرب)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: يا رسول الله! من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك)) (¬4). ¬
رابعا: الإخلاص شرط في قبول الصدقات:
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستفتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله! قدمت عليَّ أمي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: ((نعم، صلي أمَّكِ)) (¬1). رابعاً: الإخلاص شرط في قبول الصدقات: فلا تقبل الصدقة إلا إذا أريد بها وجه الله والدار الآخرة للأدلة المذكورة على النحو الآتي: 1 - الإخلاص أعظم ما أمر الله به، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} (¬2). 2 - الإخلاص شامل لأنواع العبادات، قال - عز وجل -: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (¬3). 3 - إسلام الوجه لله: هو الإخلاص، قال الله سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} (¬4).فإسلام الوجه إخلاص القصد والعمل لله، والإحسان فيه متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته (¬5). 4 - الإخلاص يحصل به الأجر العظيم، قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ ¬
5 - الإخلاص تجارة رابحة
مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬1). 5 - الإخلاص تجارة رابحة، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (¬2). 6 - الإخلاص تُوفَّى به الأجور، قال سبحانه: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (¬3). 7 - مضاعفة الحسنات للمنفقين المخلصين، قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬4). 8 - الجزاء بأحسن من العمل، قال - سبحانه وتعالى - فيمن ينفقون النفقات إخلاصاً لله تعالى: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬5). 9 - إنما الأعمال بالنيات، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ... )) (¬6). ¬
10 - احتساب الرجل نفقة أهله صدقة
10 - احتساب الرجل نفقة أهله صدقة، عن أبي مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة)) (¬1). 11 - بالإخلاص يحصل الأجر على فعل المباح، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: ((إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك)) (¬2). 12 - إنما الدنيا لأربعة، عن أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه)) قال: ((ما نقص مالُ عبدٍ من صدقةٍ، ولا ظُلِمَ عبدٌ مظلمةً فصبر عليها إلا زاده الله عزًّا، ولا فتح عبدٌ باب مسألةٍ إلا فتح الله عليه باب فقرٍ)) أو كلمة نحوها ((وأحدثكم حديثاً فاحفظوه))، قال: ((إنما الدنيا لأربعة نفرٍ: عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهو بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلانٍ، فهو بنيَّته، فأجرهما سواءٌ، وعبدٍ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأخبث المنازل, وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي مالاً، لعملت فيه ¬
13 - يكتب للعبد المسلم ما نوى
بعمل فلانٍ، فهو بنيَّته، فَوِزْرُهما سواء)) (¬1). 13 - يكتب للعبد المسلم ما نوى، من فضل الله على عبده المؤمن أنه يكتب له ما نوى من الصدقات وغيرها إذا أخلص في النية؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك: ((لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من وادٍ، إلا وهم معكم فيه))، قالوا: يا رسول الله! كيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ فقال: ((حبَسَهُمُ العذر)) (¬2). 14 - إحسان الله العظيم إلى عباده المؤمنين؛ فإنه يكتب لهم الحسنات بمجرد العزيمة والهم الصادق حتى ولو لم يعمل المسلم؛ قال - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ... )) (¬3). خامساً: آداب الصدقة: للصدقة آداب عظيمة منها ما يأتي: 1 - الاحتساب في كل ما ينفقه المسلم؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة)) (¬4). ¬
2 - الإنفاق من المال الحلال الطيب
قال الإمام النووي رحمه الله: ((فيه بيان أن المراد بالصدقة والنفقة المطلقة في باقي الأحاديث إذا احتسبها، ومعناه إذا أراد بها وجه الله تعالى، فلا يدخل فيه من أنفقها ذاهلاً، ولكن يدخل المحتسب)) (¬1). وطريقة الاحتساب: أن ينفق بنية أداء ما أمره الله به من الإحسان إليهم، وبنية القيام بالواجب الذي أمره الله تعالى به، ابتغاء مرضاة الله، يرجو ثوابه عند مولاه الكريم، الذي أمدَّه بالمال، ثم يثيبه إذا أنفقه في طاعته، بنية صالحة. 2 - الإنفاق من المال الحلال الطيب؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك)) (¬2). قال الإمام النووي رحمه الله: (( ... فيه الحث على الإنفاق من الحلال، والنهي عن الإنفاق من غيره، وفيه: أن المأكول, والمشروب, والملبوس، ينبغي أن يكون حلالاً خالصاً لا شبهة فيه، وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره)) (¬3). ¬
3 - لا يحقرن من الصدقة شيئا
3 - لا يحقرن من الصدقة شيئاً، ولو شق تمرة، ولو فرسن شاة، وجاء في ذلك أحاديث، منها ما يأتي: الحديث الأول: حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربُّهُ، ليس بينه وبينه ترجمان [ولا حجاب يحجبه] فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة [ولو بكلمة طيبة])) (¬1). وفي لفظ: ذكر لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النار، فأعرض، [وأشاح بوجهه] ثم قال: ((اتقوا النار))، ثم أعرض وأشاح [بوجهه] حتى ظننا أنه كأنما ينظر إليها، ثم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)). وفي لفظ للبخاري: ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - النار، فتعوذ منها وأشاح بوجهه، ثم ذكر النار، فتعوذ منها وأشاح بوجهه [ثلاثاً] ثم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة)) (¬2). وذكر النووي رحمه الله: أن شق تمرة: نصفها، وجانبها، وفيه الحث على الصدقة، وأنه لا يُمتنع منها لقلتها، وأن قليلها سبب للنجاة من النار، وأن الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار، وهي الكلمة التي فيها تطييب قلب ¬
الحديث الثاني
الإنسان إذا كانت مباحة أو طاعة (¬1) (¬2). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وفيه الحث على الصدقة، وقبول الصدقة، ولو قلَّت, وقد قُيِّدَت في الحديث بالكسب الطيب، وفيه إشارة إلى ترك احتقار القليل من الصدقة وغيرها)) (¬3). الحديث الثاني: حديث أم بجيد رضي الله عنها، وكانت ممن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنها قالت: يا رسول الله! صلى الله عليك، إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئاً أعطيه إيَّاه؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لم تجدي له شيئاً تعطينه إيَّاه إلا ظلفاً (¬4) محرقاً فادفعيه إليه في يده)) (¬5). الحديث الثالث: حديث أبي ذر - رضي الله عنه -، قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْقٍ)) (¬6). ¬
الحديث الرابع
الحديث الرابع: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ((يا نساء المسلمات! لا تحقرن جارةٌ لجارتها ولو فِرسِنِ (¬1) شاةٍ)) (¬2). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير، وقبوله، لا إلى حقيقة الفرسن؛ لأنه لم تجرِ العادة بإهدائه، أي لا تمنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها؛ لاستقلاله، بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر، وإن كان قليلاً، وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير؛ لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت)) (¬3). الحديث الخامس: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لو دعيت إلى كُراعٍ لأجبت، ولو أُهدي إليَّ كُراعٌ لقبلت)) (¬4). الحديث السادس: حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬
الحديث السابع
فقال: ((إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار)) (¬1). الحديث السابع: حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدر النهار، قال: فجاء قومٌ حفاةٌ، عراةٌ مجتابي النمار (¬2) أو العباءَ، متقلدي السيوف، عامتهم من مُضَر، فتمعَّر وجهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لما رأى ما بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: (({يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى آخر الآية: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا})) (¬3). والآية التي في سورة الحشر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (¬4). تصدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاعِ بُرِّه، من صاع تمره، حتى قال: ((ولو بشق تمرة)) قال فجاء رجل من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفُّهُ تعجزُ عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كَوْمين من طعام، وثياب، حتى رأيت وجْهَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتهلَّلُ كأنهُ مُذْهَبَةٌ (¬5)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنةً فله أجرُهَا، وأجرُ من عمل بها بعده، من غير أن يَنْقُصَ من ¬
الحديث الثامن
أجورهم شيءٌ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ من عَمِلَ بها من بعده، من غير أن ينقُصَ من أوزارهِمْ شيء)) (¬1). وفيه من الفوائد: جمع الناس للأمور المهمة، ووعظهم، وحثهم على مصالحهم, وتحذيرهم من القبائح، وفيه سرور النبي - صلى الله عليه وسلم - بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله تعالى، وبذل أموالهم لله، وامتثال أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين، وشفقة المسلمين بعضهم على بعض، وتعاونهم على البر والتقوى، وفيه الحث على الابتداء بالخيرات، وسن السنن الحسنات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات، وسبب هذا الكلام في آخر الحديث أنه قال في أوله: فجاء رجل بصرة كادت يده أن تعجز عنها، فتتابع الناس وكان الفضل العظيم للبادئ بهذا الخير، والفاتح لباب هذا الإحسان (¬2). الحديث الثامن: حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: لما نزلت آية الصدقات كنا نُحامِلُ، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مرائي، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا، فنزلت: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} (¬3). وفي رواية: ((لما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل (¬4) فجاء أبو عقيل [فتصدق] بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه فقال ¬
4 - المسارعة والمسابقة في إخراج الصدقة؛ للأحاديث الآتية:
المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياءً، فنزلت: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} (¬1). وفي هذا الحديث من الفوائد: التحريض على الاعتناء بالصدقة، وأن المسلم إذا لم يكن له مال يتوصل إلى تحصيل ما يتصدق به: من حملٍ، أو غيره من الأسباب (¬2)، وفيه أنه لا ينبغي أن تحتقر الصدقة بالقليل، ولا يعاب على من تصدق بما يستطيع ولو كان قليلاً، وأن من عاب عليه يتصف بصفة من صفات المنافقين، وفيه فضل الصحابة - رضي الله عنهم -، وحرصهم على الخير، حتى بالحمل على ظهورهم؛ ليتصدقوا بذلك. 4 - المسارعة والمسابقة في إخراج الصدقة؛ للأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث عتبة بن الحارث - رضي الله عنه -، قال: صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة العصر، فسلم، ثم قام مسرعاً، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجر نسائه، ففزِعَ الناسُ من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم عجبوا من سرعته، فقال: ((ذكرت [وأنا في الصلاة] شيئاً من تِبْرٍ (¬3) عندنا، فكرهت أن يحبسني [وفي رواية]: أن يمسي أو يبيت عندنا، فأمرت ¬
الحديث الثاني
بقسمته)) (¬1). وفي هذا الحديث من الفوائد: أن الخير ينبغي أن يُبادر به، فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود، والإسراع: أبرأ للذمة، وأنفى للحاجة، وأبعد من المطل المذموم، وأرضى للرب، وأمحى للذنب (¬2)، وأعظم للأجر. الحديث الثاني: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كان لي مثل أُحدٍ ذهباً ما يسرني ألا يمرُّ عليَّ ثلاث وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين)) (¬3). الحديث الثالث: حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أحب أن أُحداً ذاك عندي ذهبٌ أمسي ثالثة عندي منه دينار, إلا ديناراً أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله: هكذا)) حثا بين يديه ((وهكذا)) عن يمينه ((وهكذا)) عن شماله، ... ((إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال: هكذا، وهكذا، وهكذا)) مثل ما صنع في المرة الأولى ... )) (¬4). 5 - الإنفاق سرًّا وعلانية رجاء الأجر الكبير من الله تعالى، وينوي ¬
الآيات القرآنية
بصدقة العلانية دفع غيره؛ ليقتدي به، فيحصل على مثل أجره، وقد جاءت الآيات القرآنية تبين ذلك، وفيها الحث على الصدقة في السر والعلانية، ومنها، الآيات الآتية: الآية الأولى: قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (¬1). الآية الثانية: قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬2). الآية الثالثة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} (¬3). الآية الرابعة: قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ} (¬4). الآية الخامسة: قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ ¬
الآية السادسة
يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬1). الآية السادسة: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} (¬2). فهذه الآيات فيها الثناء على من أنفق حيث دعت الحاجة سرًّا وعلانية، من النفقات الواجبة، والمستحبة، والزكاة الواجبة، والصدقات المستحبة، والله تعالى أعلم (¬3). وأما الأحاديث في الإنفاق في السر والعلانية وفي الليل والنهار، فهي كثيرة، ومنها، الأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه -، وفيه: أن قوماً أتوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: حفاة عراة، فتمعَّر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لما رأى ما بهم من الحاجة، ثم أمر بالأذان والإقامة، وصلَّى، ثم خطب الناس، وأمرهم بالصدقة على حسب طاقتهم، فتصدق كل إنسان على حسب قدرته، وتصدق رجل بصرِّة عظيمة كادت أن تعجز عنها يده، فتتابع الناس في الصدقة، بعدما رأوا هذا الرجل وصدقته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ... )) (¬4). ¬
الحديث الثاني
الحديث الثاني: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) (¬1). الحديث الثالث: حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) (¬2). الحديث الرابع: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في السبعة الذين يظلهم الله في ظله، وفيه:: ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) (¬3). الحديث الخامس: حديث معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:: ((إن صدقة السر تطفئ غضب الرب)) (¬4). الحديث السادس: حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسرّ بالقرآن كالمسرِّ بالصدقة)) (¬5). ¬
6 - الإنفاق مما يحب المتصدق؛ للأدلة الآتية:
6 - الإنفاق مما يحب المتصدق؛ للأدلة الآتية: الدليل الأول: قول الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (¬1). الدليل الثاني: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (¬2). الدليل الثالث: حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه -، قال: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وبيده عصا وقد علَّق رجل قِنو حشفٍ، فجعل يطعن بالعصا في ذلك القنو وقال: ((لو شاء رب هذه الصدقة تصدَّق بأطيب منها)) وقال: ((إن رب هذه الصدقة يأكل حشفاً يوم القيامة)) (¬3). الدليل الرابع: حديث وائل بن حجر، وفيه أن رجلاً أعطى في الصدقة بعيراً مهزولاً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله)) فبلغ ذلك الرجل فجاء بناقة حسناء، فقال: أتوب إلى الله - عز وجل - وإلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم بارك فيه وفي إبله)) (¬4). وهذا الحديث وإن كان في زكاة الفريضة، ولكن ¬
الدليل الخامس
ينبغي الإنفاق من الطيب. الدليل الخامس: قصة أبي طلحة - رضي الله عنه -، وأنه تصدق بأحب أمواله إليه، وهي بيرحاء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بخ ذلك مال رابح, ذلك مال رابح)) (¬1). 7 - عدم الإيكاء، لمنع الصدقة، ولا يعدها، فيستكثرها، وعدم الجمع للأموال بدون نفقة؛ لحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا توكي فيُوكى عليك)) (¬2). وفي رواية: ((لا تحصي فيحصي الله عليك)) (¬3). وفي رواية: ((لا توعي فيوعي الله عليك، ارضخي ما استطعتِ)) (¬4). وفي رواية أنها قالت: يا رسول الله! ما لي مالٌ إلا ما أدخل علي الزبير فأتصدق؟ قال: ((تصدقي، ولا توعي فيوعي الله عليك)) (¬5). وفي رواية: ((أنفقي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك)) (¬6). وفي رواية لمسلم: ((انفحي، أو انضحي، أو أنفقي، ولا تحصي فيُحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك)) (¬7) (¬8). ¬
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا توكي فيوكى عليك)) الإيكاء: شد رأس الوعاء بالوكاء، وهو الرباط الذي يربط به. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحصي)) الإحصاء معرفة قدر الشيء: وزناً, أو عدًّا، وهو من باب المقابلة, والمعنى النهي عن منع الصدقة خشية النفاد؛ فإن ذلك أعظم لأسباب قطع مادة البركة؛ لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب, ومن لا يحسب عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء، ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يُعطي ولا يحسب، وقيل: المراد بالإحصاء عدّ الشيء؛ لأن يدخر ولا ينفق منه، وأحصاه الله: قطع البركة عنه، أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه في الآخرة (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا توعي فيوعي الله عليك)) والمعنى: لا تجمعي في الوعاء وتبخلي بالنفقة فتجازي بمثل ذلك (¬2). قوله: - صلى الله عليه وسلم -: ((ارضخي ما استطعت)) الرضخ: العطاء اليسير، فالمعنى: أنفقي بغير إجحاف، مادمت قادرة مستطيعة (¬3). قوله في رواية مسلم: ((انفحي)) النفح الضرب والرمي بالعطاء (¬4). قال النووي رحمه الله: ((ولا تحصي فيحصي الله عليك ويوعي عليك)) ومعناه: يمنعك كما منعتِ، ويقتر عليك كما قترتِ، ويمسك ¬
8 - عدم الحرص على المال، وحطام الدنيا الزائلة؛ للأحاديث الآتية:
فضله عليك كما أمسكتيه، وقيل: معنى ((لا تحصي)) أي: لا تعديه فتستكثريه فيكون سبباً لانقطاع إنفاقك (¬1). وفيه: الحث على النفقة في العطاء، والنهي عن الإمساك والبخل، وعن ادخار المال في الوعاء، وعن الإحصاء لمقدار الصدقة وعدها (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((الإحصاء هو عدّ ما أظهره من الصدقة)) (¬3). 8 - عدم الحرص على المال، وحطام الدنيا الزائلة؛ للأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قلب الشيخ شاب على حبِّ اثنتين: طول الحياة، وحب المال)) (¬4). الحديث الثاني: حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يهرم ابن آدم وتشبُّ منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر)). ولفظ البخاري: ((يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان: حب المال وطول العمر)) (¬5). الحديث الثالث: حديث أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لو كان لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)). وفي لفظ لمسلم: ((لو كان لابن آدم ¬
الحديث الرابع
واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)) (¬1). الحديث الرابع: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)).وفي لفظ للبخاري: ((ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ... )).ولفظ عند مسلم: ((ولا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب ... )) (¬2). في الأحاديث السابقة من الفوائد: أن قلب الشيخ الكبير كامل الحب للمال محتكم في ذلك كاحتكام قوة الشباب في شبابه، وفيها ذم الحرص على الدنيا وحب المكاثرة بها، والرغبة فيها، ولايزال حريصاً على الدنيا حتى يموت (¬3). فإذا مات كان من شأنه أن يدفن، فإذا دفن صُبَّ عليه التراب، فملأ تراب قبره جوفه، وفاه، وعينيه، ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب، والله المستعان (¬4). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول في تقريره على هذه الأحاديث: ((والمقصود من هذا كله: الحذر من الانشغال بالمال، والفتنة بالمال، وأن المؤمن ينبغي أن يكون أكبر همه العمل للآخرة، وألا يُشغل ¬
الحديث الخامس
بالدنيا وشهواتها؛ فهو لم يخلق لها، [إنما] خلق، ليعمل فيها للآخرة، فلا ينبغي أن يُشغل بها عمَّا خلق له)) (¬1). الحديث الخامس: حديث عمرو بن عوف الأنصارى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صالح أهل البحرين وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمالٍ من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافت (¬2) صلاة الصبح مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما صلى بهم الفجر انصرف، فتعرَّضوا له، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم, وقال: ((أظنُّكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء)) قالوا: أجل يا رسول الله، قال: ((فأبشروا وأمِّلُوا (¬3) ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها (¬4) كما تنافَسُوها، وتُهلككم كما أهلكتهم)) (¬5). وفي رواية للبخاري: ((وتُلهيكم كما ألهتهم)) (¬6). ¬
ظهر في مفهوم هذا الحديث التحذير من التنافس في الدنيا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم))، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث: ((وفيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين)) (¬1)، ((لأن المال مرغوب فيه فترتاح النفس لطلبه، فتمنع منه، فتقع العداوة المقتضية للمقاتلة، المفضية إلى الهلاك)) (¬2). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وتلهيكم كما ألهتهم))، دليل على أن الانشغال بالدنيا فتنة، قال الإمام القرطبي رحمه الله: ((تلهيكم)) أي تشغلكم عن أمور دينكم وعن الاستعداد لآخرتكم (¬3)، كما قال الله - عز وجل -: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ*حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} (¬4). وهذا يؤكد للمسلم أن التنافس في الدنيا والانشغال بها شرٌّ وخطرٌ؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض))، قيل: وما بركات الأرض؟ قال: ((زهرة الدنيا))، ثم قال: ((إن هذا المال خَضِرةٌ حُلوةٌ ... من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع)) وفي لفظ لمسلم: (( ... إن هذا المال خضِرٌ حلوٌ، ونعم صاحب المسلم هو, لمن أعطى منه المسكين واليتيم، وابن السبيل))، أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ((وإنه من ¬
يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع, [ويكون عليه شهيداً يوم القيامة])) (¬1). وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((نعم المال الصالح للمرء الصالح)) (¬2). وعن قيس بن حازم قال: دخلنا على خباب - رضي الله عنه - نعوده ... فقال: ((إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعاً إلا التراب، ولولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن ندعو بالموت لدعوتُ به))، ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطاً له فقال: ((إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب)) (¬3). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((أي الذي يوضع في البنيان، وهو محمول على ما زاد على الحاجة)) (¬4)، وذكر رحمه الله آثاراً كثيرة في ذم البنيان ثم قال: ((وهذا كله محمول على ما لا تمس الحاجة إليه مما لا بد منه للتوطن وما يقي البرد والحر)) (¬5). ¬
وقد بين الله - عز وجل - حقيقة الدنيا: فقال - عز وجل -: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬1). وقال - عز وجل -: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬2). وقال - عز وجل -: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا* الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (¬3). ولا شك أن الإنسان إذا لم يجعل الدنيا أكبر همه وفقه الله وأعانه، فعن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غِنىً وأملأ يديك رزقاً، يا ابن آدم لا تباعد عني فأملأ قلبك فقراً وأملأ يديك شغلاً)) (¬4). ¬
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت يديك شغلاً ولم أسد فقرك)) (¬1). قال ذلك عندما تلا: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ} (¬2). ولا شك أن كل عمل صالح يُبتغى به وجه الله فهو عبادة. وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من كانت الدنيا همه فَرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِبَ له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة)) (¬3). وقد ذم الله الدنيا إذا لم تستخدم في طاعة الله - عز وجل -، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكرُ الله، وما والاهُ، وعالمٌ، أو متعلمٌ)) (¬4)، وهذا يؤكد أن الدنيا مذمومة مبغوضة من الله وما فيها، مبعدة من رحمة الله إلا ما كان طاعة لله - عز وجل - (¬5)؛ ¬
الحديث السادس
ولهوانها على الله - عز وجل - لم يبلِّغ رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها وهو أحب الخلق إليه، فقد مات - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير (¬1)، ومما يزيد ذلك وضوحاً وبياناً حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - يرفعه: ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)) (¬2). فينبغي للداعية أن لا ينافس في الدنيا، ولا يحزن عليها، وإذا رأى الناس يتنافسون في الدنيا، فعليه تحذيرهم، وعليه مع ذلك أن ينافسهم في الآخرة. والله المستعان. الحديث السادس: حديث مطرف عن أبيه - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قال: ((يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك من مالك يا ابن آدم إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت)) (¬3). الحديث السابع: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يقول العبد: مالي، مالي، إنما له من ماله ثلاثة: ما أكل فأفنى، أو لبس ¬
الحديث الثامن
فأبلى، أو أعطى فأقنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس)) (¬1). الحديث الثامن: حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أيكم مال وارثه أحبُّ إليه من ماله؟)) قالوا: يا رسول الله! ما منا أحد إلا ماله أحبُّ إليه، قال: ((فإن ماله ما قدَّم، ومال وارثه ما أخَّر)) (¬2). الحديث التاسع: حديث عائشة رضي الله عنها: أنهم ذبحوا شاةً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا بَقيَ منها؟)) قالت: ما بقيَ منها إلا كَتِفُهَا, قال - صلى الله عليه وسلم -: ((بَقِيَ كُلُّها غَيرَ كَتِفِهَا)) (¬3). 9 - التوسط في الصدقة: فلا إسراف، ولا تقتير؛ لقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (¬4). فإذا أنفقوا النفقات الواجبة، أو المستحبة، لم يسرفوا بأن يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير، وإهمال الحقوق الواجبة، ولم يقتروا فيدخلوا في باب البخل والشح، ولكن إنفاقهم بين الإسراف والتقتير، يبذلون في الواجبات، من الزكوات، والكفارات، والنفقات الواجبة والمستحبة، وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي، من غير ضرر ولا ضرار، وهذا من عدلهم واقتصادهم (¬5). ¬
سادسا: صدقة إطعام الطعام ثوابها عظيم: وهي على النحو الآتي:
وقال تعالى: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا* وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا * وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (¬1). سادساً: صدقة إطعام الطعام ثوابها عظيم: وهي على النحو الآتي: 1 - الإطعام لوجه الله تعالى ثوابه كبير، قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (¬2). 2 - اقتحام العقبة من أسبابه إطعام المساكين، قال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ *فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (¬3). 3 - إطعام الجائع فيه الثواب العظيم، عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فكُّوا العاني - يعني الأسير - وأطعموا الجائع، وعودوا المريض)) (¬4). 4 - إطعام الطعام من أسباب دخول الجنة، عن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة انجفل الناس قِبَلَه، وقيل: قدم رسول ¬
5 - أعد الله الغرف العاليات، لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام
الله - صلى الله عليه وسلم -، قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثلاثاً، فجئت في الناس؛ لأنظر، فلما تبيَّنتُ وجهه عرفتُ أن وجه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته أن قال: ((يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)) (¬1). 5 - أعد الله الغرف العاليات، لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وألان الكلام، وتابع الصيام المشروع، وصلى بالليل؛ لحديث أبي مالك الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله لمن: أطعم الطعام، [وأفشى السلام]، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام))] (¬2)، وهذا الحديث العظيم فيه حث على هذه الخصال الكريمة، منها: إطعام الطعام: للأضياف، والعيال، والفقراء، ونحوهم (¬3). 6 - خير الإسلام إطعام الطعام وإفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف؛ لحديث عبد الله بن عمرو، أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الإسلام خير؟ قال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم ¬
7 - ثواب إطعام الطعام عند الله تعالى يوم القيامة
تعرف)) (¬1). 7 - ثواب إطعام الطعام عند الله تعالى يوم القيامة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - عز وجل - يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا ربِّ كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي)) (¬2). 8 - خصال دخول الجنة في يومٍ، منها إطعام المسكين؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أصبح اليوم منكم صائماً؟)) قال أبو بكر: أنا. قال: ((فمن اتبع منكم اليوم جنازة؟)) قال أبو بكر: أنا. قال: ((فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟)) قال أبو بكر: أنا. قال: ((فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟)) قال أبو بكر: أنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)) (¬3). ولفظ البخاري في الأدب المفرد: ((ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة)) (¬4). ¬
9 - إطعام الجائع وإسقاء الظمآن من أسباب دخول الجنة
9 - إطعام الجائع وإسقاء الظمآن من أسباب دخول الجنة؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! علمني عملاً يدخلني الجنة, قال: ((إن كنت أقْصَرْتَ الخطبة لقد أعْرضت المسألة: أعتق النّسمة، وفُكَّ الرقبة، فإن لم تُطِق ذلك، فأطعم الجائع، وأسْقِ الظمآن)) الحديث (¬1). 10 - إدخال السرور على المؤمن المسكين بإطعامه سبب لدخول الجنة؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إدخالك السرور على مؤمن؛ أشبعت جوعته، أو كسوت عورته، أو قضيت له حاجة)) (¬2). وغير ذلك كثير في فضل إطعام الطعام. سابعاً: الصدقة على الحيوان، بالسقي والإطعام، والإحسان، فيه أحاديث منها ما يلي: 1 - دخل رجل الجنة بسقي كلب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث (¬3) يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي، فنزل البئر فملأ خُفَّهُ ماءً ثم أمسكه بفيه ثم رَقِيَ فسقى الكلب فشكر الله له، فغفر له)) قالوا: يا ¬
2 - دخلت امرأة بغي الجنة بسقي كلب
رسول الله! وإن لنا في البهائم أجراً؟ قال: ((في كلِّ كَبِدٍ رطبةٍ أجر)) (¬1). وفي لفظ للبخاري: ((فشكر الله له فأدخله الجنة)) (¬2). 2 - دخلت امرأة بغي الجنة بسقي كلب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن امرأة بغيًّا رأت كلباً في يوم حارٍّ يُطيف ببئرٍ قد أدلع لسانه من العطش, فنزعت له بموقها، فغفر لها)) (¬3). وفي لفظ البخاري: ((غُفِر لامرأةٍ مومِسَةٍ مرت بكلب على رأس رَكيٍّ كاد يقتله العطش، فنزعت خفها فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء فَغُفِر لها بذلك)) (¬4). 3 - دخلت امرأة النار بحبس هرة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عُذِّبت امرأة في هرة لم تطعهما ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض)) (¬5). ومن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((عُذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خُشاش الأرض)) (¬6). ¬
4 - ثواب كبير لمن غرس غرسا فأكل منه
4 - ثواب كبير لمن غرس غرساً فأُكل منه؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلم يغرس غرساً أو زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان، أو بهيمة إلا كان له به صدقة)) (¬1). ثامناً: صدقة القرض الحسن والعارية والمنيحة: على النحو الآتي: 1 - أجر القرض مثل إعتاق الرقبة؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من مَنحَ منيحةَ لبنٍ (¬2) أو وَرِق (¬3)، أو هَدَى زُقاقاً (¬4) كان له مِثل عِتقِ رقبةٍ)) (¬5). 2 - كل قرض صدقة؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كلُّ قرض صدقة)) (¬6). ¬
3 - القرض يضاعف أضعافا في الأجر
3 - القرض يضاعف أضعافاً في الأجر؛ لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((دخل رجل الجنة فرأى على بابها مكتوباً: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر)) (¬1). 4 - من أقرض مسلماً مرتين كان كصدقة بهذا المال مرة؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة)) (¬2). 5 - الأجر العظيم لمن منح منيحة ابتغاء وجه الله تعالى؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((ألا رجل يمنع أهل بيت ناقة تغدو بعسٍّ وتروح بعسٍّ (¬3)، إن أجرها لعظيم)) (¬4). وعنه - رضي الله عنه - يرفعه: ((من منح منيحة غدت بصدقة, وراحت بصدقة: صبوحها (¬5) وغبوقها)) (¬6). وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها ¬
6 - التنفيس عن المعسر أو الوضع عنه ينجي الله به من كرب يوم القيامة
وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة)) قال حسان - أحد رواة الحديث - فعددنا ما دون منيحة العنز من: رد السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق، ونحوه، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة)) (¬1). وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الهجرة؟ فقال: ((ويحك إن الهجرة شأنها شديد، فهل لك من إبل؟)) قال: نعم، قال: ((فتعطي صدقتها؟)) قال: نعم، قال: ((فهل تمنح منها شيئاً؟)) قال: نعم، قال: ((فتحلبها يوم وردها؟)) قال: نعم، قال: ((فاعمل من وراء البحار؛ فإن الله لن يترك من عملك شيئاً)) (¬2). وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى أرضٍ تهتزُّ زرعاً فقال: ((لمن هذه؟)) فقالوا: اكتراها فلان، فقال: ((أما إنه لو منحها إيَّاه كان خيراً له من أن يأخذ عليها أجراً معلوماً)) (¬3). 6 - التنفيس عن المعسر أو الوضع عنه ينجي الله به من كرب يوم القيامة؛ لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفِّس عن معسر، أو يضع عنه)) (¬4)؛ ولحديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: ¬
7 - إنظار المعسر أو الوضع عنه يظل الله به في ظل عرشه
أعملت من الخير شيئاً؟ قال: كنت آمر فتياني أن ينظروا، ويتجاوزوا عن الموسر, قال: ((فتجاوزوا عنه)) وفي لفظ: ((أُنظِر الموسر وأتجاوز عن المعسر)). وفي لفظ: ((فكنت أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور))، قال: ((تجاوزوا عن عبدي)) وفي لفظ: ((أنا أحق بذلك منك, تجاوزوا عن عبدي)). وفي لفظ: (( ... فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الله الجنة)) (¬1). 7 - إنظار المعسر أو الوضع عنه يُظِلُّ الله به في ظل عرشه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أنظر معسراً أو وضع عنه، أظله الله يوم القيامة في ظلِّ عرشه يوم لا ظلَّ إلا ظِلُّه)) (¬2). وعن بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من أنظر معسراً فله كل يوم صدقة قبل أن يحلَّ الدين، فإذا حل الدين فأنظره بعد ذلك فله كل يوم مثليه صدقة)) (¬3). تاسعاً: الصدقة الجارية والوقف لله تعالى: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) فتصدق عمر أنه لا ¬
عاشرا: الصدقة من صفات المؤمنين المتقين المحسنين:
يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث [ولكن ينفق ثمره] في الفقراء، والمساكين، والقربى, والرقاب، وفي سبيل الله، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متموّل فيه)) (¬1). ومعنى أنفس: النفيس: الكريم على أهله العزيز عندهم، وحبس: الحبس: الوقف، يريد أن يقف أصل الملك، وسبَّل يسبِّل الثمرة: أي يجعلها مباحة لمن وقفها عليه (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له)) (¬3). عاشراً: الصدقة من صفات المؤمنين المتقين المحسنين على النحو الآتي: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (¬4). 2 - وقال سبحانه: {(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ¬
3 - وقال تعالى: {وبشر المخبتين*الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم}
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬1). 3 - وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ*الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (¬2). 4 - وقال تعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (¬3). 5 - وقال سبحانه: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} (¬4). 6 - وقال تعالى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (¬5). 7 - وقال سبحانه: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (¬6). 8 - وقال تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (¬7). الحادي عشر: صدقة الوصية بعد الموت: للأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما حقُّ امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه، يبيت لليلتين إلا ووصيته ¬
الحديث الثاني
مكتوبة عنده)) (¬1). الحديث الثاني: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم)) (¬2). الحديث الثالث: حديث سعد، لا يزيد على الثلث؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: (( ... الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)). وفي لفظ: ((الثلث والثلث كثير: إن صدقتك من مالك صدقة، وإن نفقتك على عيالك صدقة، وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة، وإنك إن تدع أهلك بخير - أو قال بعيش - خير من أن تدعهم يتكففون الناس)) وقال: ((بيده)) (¬3). الثاني عشر: الهدية، والعطية، والهبة صدقات بالنية، فإذا احتسبها المسلم يرجو ثوابها عند الله تعالى كانت صدقات تطوع. العطيَّة: جمع عطايا وعطيات: وهي ما يُعطى بغير عوضٍ: سواء: كانت هبة، أو هدية، أو صدقة (¬4). الهبة: مصدر وهب يهب هبة؛ والجمع هبات، وهي: تمليك في الحياة ¬
الهدية
بغير عوض (¬1). وقال ابن الأثير: العطية الخالية عن الأعواض والأغراض (¬2). الهدية: مصدر: أهدى، يهدي، هدية، وهي العطية بغير عوضٍ: تقرباً إلى المهدى إليه، أو صلة أو إكراماً (¬3). فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تهادوا تحابوا)) (¬4). الوصية: جمع وصايا، الوصل: وهي تمليك للغير مضاف لما بعد الموت (¬5). الصدقة: العطية التي يبتغى بها المثوبة عند الله تعالى (¬6). وهذه التبرعات تكون صدقة بالنية، فإذا أعطاها المسلم بنية التقرب لله تعالى كانت صدقة تطوع يثاب عليها. وهناك فروق بين هذه التبرعات على النحو الآتي: 1 - العطية: تشمل هذه الأسماء كلها إلا الوصية، فالعطية: ما يُعطى في الحياة بغير عوض، سواء كانت: هبة، أو هدية، أو صدقة. 2 - كل ما جاز عقد البيع عليه، جازت هبته والوصية به. 3 - الهبة أو العطية أو الهدية: التبرع بماله حال الحياة والصحة، ¬
4 - الهبة والعطية والهدية يعتبر لها القبول حال الحياة
والوصية التبرع به بعد الوفاة. 4 - الهبة والعطية والهدية يعتبر لها القبول حال الحياة، أما الوصية فمحل قبولها وردها بعد الموت. 5 - الوصية تكون من الثلث فأقل لغير وارث، أما العطية وما يدخل تحت مسماها من الهدية والهبة فتجوز بجميع ماله إلا أنه يجب عليه أن يسوِّي في عطيته بين أولاده بقدر إرثهم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) (¬1). 6 - صحة وصية الصغير المميز دون هبته؛ لأن الهبة امتنعت منه لحفظ ماله، أما الوصية فإنما تثبت بعد موته وفيه مصلحة محضة له. 7 - العطية في مرض الموت المخوِّف تشارك الوصية في أكثر الأحكام، وإنما تفارقها بأمر يعود إلى نفس العقد، من اشتراط قبولها حينها، ومن تقديم الأوَّل على الثاني عند المزاحمة. 8 - أحكام الهدية، والهبة، والصدقة، والعطية متفقة إلا إذا كانت في مرض الموت فكما تقدم، ويفرق بينها بفروق لطيفة: فما قصد به إكرام المُعطى ومحبته فهو الهدية، وما قصد به ثواب الآخرة المجرد فهو الصدقة، والغالب فيها: أن المُعطى يكون محتاجاً، بخلاف: الهدية، والهبة، والعطية، والله أعلم (¬2). ولا يجوز أن يعود في الصدقة، أو الهدية، أو الهبة، أو العطية؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((العائد في هبته كالكلب يقيءُ ثم يعود في قَيْئهِ)). ولفظ للبخاري: ((ليس لنا مثل السَّوء ¬
الثالث عشر: أنواع صدقات التطوع
الذي يعود في هبته، كالكلب يقيء ثم يرجع في قَيْئه)). وفي لفظ لمسلم: ((إن مثل الذي يتصدق بصدقة ثم يعود في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يأكل قَيْئه)) (¬1). أما الأولاد فيجوز الرجوع فيما يعطيهم الوالد؛ لحديث عبد الله بن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية أو يهب الهبة ثم يرجع فيها, إلا الوالد فيما يعطي ولده, كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء، ثم عاد في قَيْئه)) (¬2). الثالث عشر: أنواع صدقات التطوع: كثيرة على النحو الآتي: 1 - الصدقة بالمال على حسب أنواعه، والحاجة إليه، وما يحتسبه الإنسان من النفقات، والهبات يرجو ثوابها عند الله - عز وجل -، وتقدمت الأحاديث الكثيرة في ذلك. 2 - جميع أنواع المعروف تكون صدقة؛ لحديث حذيفة - رضي الله عنه -، قال: قال نبيكم - صلى الله عليه وسلم -: ((كل معروف صدقة)) (¬3)، كل معروف له حكم الصدقة في الثواب، فلا يحتقر شيئاً من المعروف، ولا يبخل به (¬4). ¬
3 - التسبيح، والتهليل، والتكبير، والتحميد، من الصدقات
3 - التسبيح، والتهليل، والتكبير، والتحميد، من الصدقات؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن ناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور (¬1) بالأجور يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: ((أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بِضع أحدكم صدقة)) قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر)) (¬2). 4 - خُلِقَ الإنسانُ على ثلاثمائة وستين مفصلٍ على كل مفصل صدقة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله - عز وجل -، وعزل حجراً عن طريق الناس، أو شوكة، أو عظماً عن طريق الناس، وأمر بمعروفِ، أو نهى عن منكر، عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار)) (¬3). 5 - الإمساك عن الشر صدقة؛ لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((على كل مسلم صدقة)) قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ¬
6 - العدل بين الناس، وإعانتهم، والكلمة الطيبة، صدقات
((فليعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق)) قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: ((يعين ذا الحاجة الملهوف)) قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ((فليأمر بالخير)) أو قال: ((بالمعروف))، قال: فإن لم يفعل؟ قال: ((فليمسك عن الشر فإنه له صدقة)) (¬1). 6 - العدل بين الناس، وإعانتهم، والكلمة الطيبة، صدقات؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل سلامى (¬2) من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة)) (¬3). 7 - صلاة الضحى تُجزيء عن ثلاثمائة وستين صدقة؛ عن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يصبح على كل سلامى (¬4) من أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، ¬
8 - التسبيح والتكبير، والتحميد في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة
وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويُجزىءُ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) (¬1). وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل بصدقة)). قالوا: ومن يطيق ذلك يا نبي الله؟ قال: ((النخاعةُ في المسجد تدفنها، والشيء تُنحّيه عن الطريق؛ فإن لم تجد فركعتا الضحى تُجزئك)) (¬2). 8 - التسبيح والتكبير، والتحميد في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة يجزئ عن الصدقات بأموال كثيرة، لمن لم يجد المال؛ لحديث أبي هريرة في قصة فقراء المهاجرين وأنهم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب أهل الدثور (¬3) من الأموال بالدرجات العلى، والنعيم المقيم [فقال: ((وما ذاك؟)) قالوا:] يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون، فقال: ((أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((تسبحون، وتكبرون، وتحمدون في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة)) فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) (¬4). ¬
9 - الدلالة على فعل الصدقات صدقات مثلها
9 - الدلالة على فعل الصدقات صدقات مثلها؛ لحديث أبي مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) (¬1). 10 - لا يترك الله تعالى من العمل شيئاً؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... فاعمل من وراء البحار, فإن الله لن يترك من عملك شيئاً)) (¬2). الرابع عشر: مبطلات الصدقات على النحو الآتي: 1 - الرياء يبطل الصدقة إذا قارنها؛ فقد ذم الله تعالى من فعل ذلك, فقال: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا * وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} (¬3). وقال تعالى: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (¬4). وقال سبحانه: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ¬
2 - المن والأذى يبطل الصدقات
ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (¬1). ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) (¬2). 2 - المن والأذى يبطل الصدقات؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} (¬3). وقد مدح الله الذين ينفقون أموالهم إخلاصاً لله، ولا يتبعون ذلك بأي أذى فقال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} (¬4). وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم)) قال: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات، قال: أبو ذرٍّ: خابوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله؟ قال: ((المسبل إزاره، والمنَّان، والمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب)) (¬5). ¬
3 - الغلول لا تقبل الصدقة منه
3 - الغلول لا تقبل الصدقة منه؛ لحديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) (¬1). الخامس عشر: موضوعات متنوعة في الصدقات، منها: 1 - المبادرة بالصدقة واغتنام إمكانها قبل أن يحال بين المسلم وبينها؛ لحديث حارثة بن وهب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((تصدقوا فيوشك الرجل يمشي بصدقته فيقول الذي أعطيها لو جئتنا بها بالأمس قبلناها، فأما الآن فلا حاجة لي بها فلا يجد من يقبلها)) (¬2). وعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بصدقته من الذهب ثم لا يجد أحداً يأخذها منه، ويُرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به (¬3) من قلة الرجال وكثرة النساء)) (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)) (¬5). ¬
2 - ضرب المثل للمنفق والبخيل
قال النووي رحمه الله: ((حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)) معناه والله أعلم: ((أنهم يتركونها ويعرضون عنها فتبقى مهملة لا تزرع ولا تسقى من مياهها؛ وذلك لقلة الرجال وكثرة الحروب، وتراكم الفتن، وقرب الساعة، وقلة الآمال، وعدم الفراغ لذلك، والاهتمام به)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قُطعت يدي، ثم يدعونه ولا يأخذون منه شيئاً)) (¬2). قال النووي رحمه الله: ((ومعنى الحديث: التشبيه: أي تخرج ما في جوفها من القطع المدفونة فيها، والأسطوان بضم الهمزة، وهي جمع أسطوانة، وهي السارية والعمود، وشبهه بالأسطوان؛ لعظمه وكثرته)) (¬3). 2 - ضرب المثل للمنفق والبخيل، يرغب في الصدقة ويحذر عن البخل؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مثل البخيل والمنفق [وفي رواية البخيل والمتصدق] كمثل رجلين عليهما جُبَّتان [وفي رواية: جنتان] من حديد [قد اضطرت أيديهما] من ثُديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وفَرَتْ على جلده حتى تخفي بنانه، وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كلُّ حلقة مكانها [وانضمت يداه إلى تراقيه] فهو [يجتهد أن] يوسعها ولا تتسع)) ¬
قال [أبو هريرة - رضي الله عنه -: فأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بإصبعه: هكذا في جيبه، فلو رأيته يوسعها ولا تتسع))] (¬1). قيل: هو تمثيل لنماء المال بالصدقة والإنفاق، والبخل بضد ذلك. وقيل: هو تمثيل لكثرة الجود والبخل، وأن المعطي إذا أعطى انبسطت يداه بالعطاء وتعوّد ذلك، وإذا أمسك صار ذلك عادة له. وقيل: معنى يمحو أثره: أي يذهب بخطاياه ويمحوها, والحديث جاء على التمثيل لا على الخبر عن كائن. وقيل: ضرب المثل بهما؛ لأن المنفق يستره الله تعالى بنفقته، ويستر عوراته في الدنيا والآخرة، كستر هذه الجنة لابسها، والبخيل كمن لبس جبة إلى ثدييه، فيبقى مكشوفاً بادي العورة مفتضحاً في الدنيا والآخرة (¬2). وقيل: هذا مثل ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - للبخيل والمتصدق، فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعاً يستتر به من سلاح عدوِّه، فصبها على رأسه ليلبسها، والدرع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميها، فجعل المنفق كمن لبس درعاً سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه، وهو معنى قوله: ((حتى تعفوَ أثره)) أي تستر جميع بدنه. وجعل البخيل كمثل رجل غُلَّت يداه إلى عنقه, كلما أراد لبسها اجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته، وهو معنى قوله: ((قلصت)) أي: تضامت واجتمعت، والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة ¬
3 - ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها
انفسح لها صدره وطابت نفسه، فتوسعت في الإنفاق، والبخيل إذا حدَّث نفسه بالصدقة شحت نفسه فضاق صدره وانقبضت يداه {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا مثل عظيم لانشراح نفس المنفق ومحبته [للنفقة] ومثل لضيق صدر البخيل الممسك، والعلاج: أن يذكر أن الله الذي أعطاه المال، ويسأل ربه أن يشرح صدره)) (¬3). وسمعته في موضع آخر يقول: ((البخيل كلما أراد أن يتصدق ضاق صدره ومنعه الشحّ، وخوفه من المستقبل، والكريم كلما أراد أن يتصدق انشرح صدره، وزاده ثقة بالله)) (¬4). 3 - ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق الليلة على زانية، قال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيٍّ، فأصبحوا يتحدثون، تُصُدِّق على غني، قال: اللهم لك الحمد على غني، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تُصدِّق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد: على زانية، ¬
4 - إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر
وعلى غني، وعلى سارق، فأُتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت: أما الزانية فلعلها تستعفف بها عن زناها، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق يستعفف بها عن سرقته)) (¬1). قال النووي رحمه الله: (( ... فيه ثبوت الثواب في الصدقة وإن كان الآخذ فاسقاً وغنياً ... وهذا في صدقة التطوع، وأما الزكاة فلا يُجزىء دفعها إلى غني)) (¬2). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((واختلف الفقهاء في الإجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض، ولا دلالة في الحديث على الإجزاء ولا على المنع)) (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((والظاهر أن صدقته تجزئ عن الفرض؛ لأنه لم يتعمد مخالفة الشرع؛ ولأن الله - عز وجل - قبل صدقته، والزانية والسارق إذا كانا فقيرين تدفع لهما الزكاة)) (¬4). 4 - إذا تصدَّق على ابنه وهو لا يشعر، فعن معن بن يزيد - رضي الله عنه - قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنا، وأبي، وجدي، وخطب عليَّ فأنكحني (¬5) وخاصمت إليه (¬6) وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند ¬
5 - صدقة الخازن إذا تصدق بأمر صاحب المال
رجل في المسجد، فجئتُ فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إيَّاك أردت. فخاصمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لك ما نويتَ يا يزيد، ولك ما أخذتَ يا معن)) (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذه صدقة تطوع، ولعل ابنه كان فقيراً، ولا تلزم والده نفقته؛ لأنه لا يستطيع الإنفاق عليه؛ لأنه معطل عن الكسب)) (¬2). 5 - صدقة الخازن إذا تصدق بأمر صاحب المال؛ لحديث أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الخازن المسلم، الأمين الذي ينفذ - وربما قال: يعطي - ما أُمر به كاملاً، موفَّراً طيباً به, فيدفعه إلى الذي أُمر له به أحد المتصدقين)) (¬3). 6 - أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسدٍ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت, ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعضٍ شيئاً)) (¬4). ¬
7 - أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة
7 - أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة، لها أجرها، وله مثله، وللخازن مثل ذلك، له بما كسب ولها بما أنفقت)) (¬1). قال الإمام النووي رحمه الله: ((واعلم أنه لا بد للعامل وهو الخازن، وللزوجة، والمملوك من إذن المالك في ذلك، فإن لم يكن أذِنَ أصلاً فلا أجر لأحد من هؤلاء الثلاثة, بل عليهم وزر بتصرفهم في مال غيرهم بغير إذنه، والإذن ضربان: أحدهما: الإذن الصريح في النفقة والصدقة، والثاني: الإذن المفهوم من اطراد العرف، والعادة، كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به، واطرد العرف فيه، وعُلِمَ بالعرف رضاء الزوج والمالك به، فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلم، وهذا إذا علم رضاه، لاطراد العرف، وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك والرضا به، فإن اضطرب العرف وشك في رضاه أو كان شخصاً يشح بذلك، وعلم من حاله ذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه)) (¬2). 8 - صدقة العبد بإذن مواليه؛ لحديث عمير مولى أبي اللخم قال: كنت مملوكاً فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أأتصدق من مال مواليِّ بشيء؟ قال: ((نعم، والأجر بينكما نصفان)) (¬3). ¬
9 - من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة
قال الإمام النووي رحمه الله: ((هذا محمول على ما سبق أنه استأذن في الصدقة بقدر يعلم رضا سيده به)) (¬1). قال النووي رحمه الله: ((والأجر بينكما نصفان أي لكل منكما أجر, وليس المراد أن أجر نفس المال يتقاسمانه)) (¬2). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه، وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له)) (¬3). قال الإمام النووي رحمه الله: ((معناه من غير إذنه الصريح في ذلك القدر المعين, ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره ... )) (¬4). وسمعت شيخنا رحمه الله يقول في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا تصدقت المرأة من طعام زوجها ... الحديث)): ((هذا إذا أمر الزوج [بذلك] أو كان عليه العرف، وإذا علم لم يمنع)) (¬5). 9 - من أنفق زوجين في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل ¬
10 - صدقة كفالة اليتيم
الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة)) قال أبو بكر - رضي الله عنه - عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة؟ فهل يُدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلِّها؟ قال: ((نعم، وأرجو أن تكون منهم)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((والمراد بالزوجين: إنفاق شيئين من أي صنف من أصناف المال من نوع واحد)) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يذكر أن الزوجين: كثوبين، أو درهمين، أو شاتين، والمراد نوعين من المال، والظاهر أنه زوجين من مال واحد، ولعل الأقرب من المراد بقوله ((في سبيل الله)) أنه طاعة الله، وإذا كان في الجهاد فهو أولى، وقُرئ عليه وأنا أسمع: قال العيني في شرح البخاري: ((الزوجان: إن كان صاحب إبل فبعيرين، وإن كان صاحب بقر فبقرتين، وإن كان صاحب خيل ففرسين))، فقال شيخنا: ((والمقصود أن فضل الله واسع)) (¬3). 10 - صدقة كفالة اليتيم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة)) وأشار مالك بالسبابة والوسطى (¬4). ¬
11 - الساعي على الأرملة والمسكين، له الأجر العظيم
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أُحرِّج (¬1) حق الضعيفين: اليتيم والمرأة)) (¬2). 11 - الساعي على الأرملة والمسكين، له الأجر العظيم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار)). وفي لفظ للبخاري: ((وأحسبه قال - يشك القعنبيُّ: ((كالقائم لا يفتر، والصائم لا يفطر))، وفي لفظ للبخاري: ((أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل)). ولفظ مسلم: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله - وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر)) (¬3). 12 - الصدقة الخالصة سماها الله قرضاً حسناً؛ لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (¬4). وقال تعالى: {وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (¬5). وقال تعالى: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ ¬
13 - لا يشتري المسلم صدقته
لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} (¬1). قال العلامة السعدي رحمه الله في القرض الحسن: ((وهي النفقة الطيبة، التي تكون خالصة لوجه الله، موافقة لمرضاة الله، من مال حلال طيب، طَيِّبةً به نفسه، وهذا من كرم الله تعالى حيث سماه قرضاً، والمال ماله، والعبد عبده، ووعد بالمضاعفة عليه أضعافاً كثيرة، وهو الكريم الوهاب، وتلك المضاعفة محلها وموضعها يوم القيامة، يوم كلّ يتبيَّن فقره ويحتاج إلى أقل شيء من الجزاء الحسن)) (¬2). وقال في موضع آخر عن القرض الحسن: ((كل نفقة كانت من الحلال إذا قصد بها العبد وجه الله تعالى، وطلب مرضاته ووضعها في موضعها)) (¬3). قال الله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاء} (¬4). وقال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (¬5). وقال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (¬6). 13 - لا يشتري المسلم صدقته؛ لحديث عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - قال: ¬
14 - الشفاعة في الصدقة
حملت (¬1) على فرس عتيقٍ في سبيل الله فأضاعه صاحبه (¬2)، فظننت أنه بائعه برُخصٍ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: ((لا تبتعه ولا تعد في صدقتك؛ [وإن أعطاكه بدرهم] فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)) (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((الحاصل أن النهي عن شراء الصدقة عام, فلا يجوز شراء الصدقة التي تصدق بها مطلقاً: لا بنية الصدقة, [بها] , ولا غيرها؛ لأن البائع يتسامح مع المتصدق، والنهي يعم الصدقة والهبة جميعاً)) (¬4). 14 - الشفاعة في الصدقة؛ لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءه السائل أو طُلبت إليه حاجته قال: ((اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)) (¬5). قال النووي رحمه الله: ((فيه استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة، سواء كانت الشفاعة إلى سلطان ووالٍ ونحوهما, أم إلى واحد من الناس، وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كفِّ ظلم، أو إسقاط تعزير، أو في تخليص عطاءٍ لمحتاج، أو نحو ذلك، وأما الشفاعة في الحدود ¬
15 - صدقة الكافر يثاب عليها إذا أسلم ومات على الإسلام
فحرام، وكذلك الشفاعة في تتميم باطل أو إبطال حق, ونحو ذلك فهي حرام)) (¬1). قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} (¬2). قال البخاري رحمه الله: {كِفْلٌ} نصيب، قال أبو موسى {(كِفْلَيْنِ} (¬3): أي: أجرين بالحبشية)) (¬4). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (( ... أراد المصنف أن الكفل يُطلق ويراد به النصيب، ويُطلق ويراد به الأجر، وأنه في آية النساء بمعنى الجزاء، وفي آية الحديد بمعنى الأجر)) (¬5). 15 - صدقة الكافر يثاب عليها إذا أسلم ومات على الإسلام؛ لحديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله! أرأيت أموراً كنت أتحنَّث (¬6) بها في الجاهلية: من صدقةٍ، أو عتاقةٍ، أو صلة رحم، فهل فيها من أجر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أسلمت على ما أسلفت من خير)). وفي لفظ: ((أسلمت على ما سلف من خير)) (¬7). 16 - الصدقة على السائل ولو أفحش في المسألة؛ لحديث عمر بن ¬
17 - الصدقة إذا بلغت محلها جازت لمن حرمت عليه
الخطاب - رضي الله عنه -، قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسماً، فقلت: والله يا رسول الله لغير هؤلاء كان أحقَّ به منهم؛ قال: ((إنهم خيَّروني بين أن يسألوني بالفحش أو يبخِّلوني فلست بباخل)) (¬1). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه رداءٌ نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة نظرت إلى صفحة عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فضحك ثم أمر له بعطاء)) (¬2). 17 - الصدقة إذا بلغت محلها جازت لمن حُرِّمت عليه؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها، قالت: بعث إليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة من الصدقة فبعثتُ إلى عائشة منها بشيء، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عائشة قال: ((هل عندكم شيء؟)) قالت: لا، إلا أن نُسيبَةَ بعثتْ إلينا من الشاة التي بعثتم بها إليها قال: ((إنها قد بلغت محِلَّها)). وفي لفظ للبخاري: ((هل عندكم شيء؟)) فقالت: لا، إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة من الشاة التي بعَثْتَ بها من الصدقة، فقال: ((إنها قد بلغت محلَّها)) (¬3). ¬
18 - الصدقة في عشر ذي الحجة
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: أهدت بريرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لحماً تُصدِّق به عليها، فقال: ((هو لها صدقة، ولنا هدية)) (¬1). 18 - الصدقة في عشر ذي الحجة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر -)) قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)) (¬2). 19 - الصدقة في رمضان؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس [بالخير] و [كان] أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل - عليه السلام - يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة (¬3))) (¬4). 20 - الصدقة على الجيران؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت ¬
21 - فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه ليورثنَّه)) (¬1). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورِّثه)) (¬2). 21 - فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. فكل صدقة يقدمها المسلم لله تعالى يثاب عليها, ولو كانت وزن ذرة من الخير؛ ولهذا جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار ... )) الحديث وفيه: قيل: يا رسول الله! فالحُمْر؟ قال: ((ما أنزل عليَّ في الحُمُر شيء, إلا هذه الآية الفاذَّة الجامعة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (¬3) (¬4))). 22 - مصارف صدقة التطوع مصارف عامة، تشمل أصناف أهل الزكاة الثمانية، والأصناف التي لا يصح دفع الزكاة إليهم: من الكفار غير الحربيين، وآل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: وهم بنو هاشم ومواليهم، والمماليك، والأغنياء، والمرأة الفقيرة التي تحت غني منفق، ومن تلزم نفقتهم: من الأصول وإن علوا، والفروع وإن نزلوا، والزوجة والزوج، وأصحاب ¬
السادس عشر: صدقة إعتاق الرقاب:
المعاصي الذين يستخدمونها في طاعة الله، والجهات الخيرية. كبناء المساجد، وإصلاح الطرق، وتجهيز الأموات، والإنفاق على دور وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وطباعة المصاحف، والكتب العلمية النافعة، وغير ذلك من جهات الخير. فصدقة التطوع لا تحصر في أشخاص بعينهم، ولا في جهات محددة، إنما تصرف في كل ما يحبه الله تعالى من وجوه الخير، حتى في الإحسان إلى الحيوانات، والطيور. وغير ذلك. والله تعالى الموفق للصواب. السادس عشر: صدقة إعتاق الرقاب: قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((وقد ورد في ثواب الإعتاق، وفك الرقبة أحاديث كثيرة، وأن الله يعتق بكل عضوٍ عضواً من معتقها، حتى الفرج بالفرج، وما ذاك إلا؛ لأن الجزاء من جنس العمل {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬1) (¬2) ومن الأدلة التي ترغب في الإعتاق وفضله ما يأتي: 1 - قال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (¬3). {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} فهلا أنفق ماله فيما يجوز به العقبة: من فك الرقاب وإطعام السغبان، فيكون خيراً له من عداوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، هذا قول ابن زيد وجماعة، وقيل: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أي لم يقتحمها ولا جاوزها، ¬
2 - لعظيم أجر عتق الرقاب
والاقتحام الدخول في الأمر الشديد، وذكر العقبة هنا مثل ضربه الله لمجاهدة: النفس، والهوى، والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة، تقول: لم يحمل على نفسه المشقة, بعتق الرقبة والإطعام، وهذا معنى قول قتادة، وقيل: إنه شبه ثقل الذنوب على مرتكبها بعقبة، فإذا أعتق رقبة, وأطعم كان كمن اقتحم العقبة، وجاوزها، وقيل غير ذلك (¬1) قال العلامة السعدي رحمه الله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أي لم يقتحمها ويعبر عليها؛ لأنه متبع لشهواته، وهذه العقبة شديدة عليه، ثم فسر [هذه] العقبة بقوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ} أي فكها من الرق, بعتقها, أو مساعدتها على أداء كتابتها، ومن باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار) (¬2) وقال قتادة: إنها عقبة شديدة فاقتحموها بطاعة الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} ثم أخبر تعالى عن اقتحامها, فقال: {فَكُّ رَقَبَةٍ} (¬3). 2 - لعظيم أجر عتق الرقاب جعل الله تعالى إعتاقها من: كفارة القتل (¬4) وكفارة اليمين (¬5) وكفارة الظهار (¬6). وجعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - من كفارة الوطء في نهار رمضان (¬7). 3 - جعلها الله تعالى من أعمال البر والتقوى (¬8). ¬
4 - جاءت فيها الأحاديث الكثيرة جدا:
4 - جاءت فيها الأحاديث الكثيرة جدًّا منها ما يأتي: الحديث الأول: عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -، قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: ((لئن أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة: أعتق النسمة، وفك الرقبة)) فقال: يا رسول الله! أو ليستا واحدة؟ فقال: ((لا، عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها ... )) (¬1). الحديث الثاني: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)) (¬2). الحديث الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضوٍ منه عُضْواً من النار، حتى فرجه بفرجه)). قال سعيد بن مرجانة: فانطلقت به إلى علي بن الحسين فعمد علي بن الحسين رضي الله عنهما إلى عبدٍ له قد أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار فأعتقه)) (¬3). ¬
الحديث الرابع
الحديث الرابع: عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيما امرئ مسلمٍ أعتق امرأً مسلماً كان فكاكه من النار، يجزىء كل عضوٍ منه عضواً منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزىء كل عضوٍ منهما عضواً منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار، يجزىء كل عضوٍ منها عضواً منها)) (¬1). الحديث الخامس: عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله وجهاد في سبيله)) قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: ((أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها)) قلت: فإن لم أفعل؟ قال: ((تعين صانعاً أو تصنع لأخرق)) قال: فإن لم أفعل؟ قال: ((تدع الناس من شرك؛ فإنها صدقة تصدَّق بها على نفسك)) (¬2). السابع عشر: المنافسة العظيمة في الصدقات: 1 - صدقات أبي بكر - رضي الله عنه -، عندما أسلم أبو بكر - رضي الله عنه - كان من أثرى أثرياء قريش، فكانت عنده أموال كثيرة، وقد كان في منزلهِ يوم أسلم أربعون ألف درهم أو دينار، فاستخدم أمواله كلها في طاعة الله، ومن ذلك ما يأتي: ¬
الصدقة الأولى: إنفاق ماله في إعتاق الرقاب:
الصدقة الأولى: إنفاق ماله في إعتاق الرقاب: أعتق - رضي الله عنه - رقاباً كثيرة، حُفِظَ منها سبع رقاب: بلال، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، والهندية, وبنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار، وجارية بني مؤمل، وأم عبيس، رضي الله عن الجميع. وقد كانت هذه الرقاب يُعذّب معظمها على إسلامها، فأنقذها الله بأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - , وأخذ - رضي الله عنه - ينفق أمواله في خدمة الإسلام والمسلمين (¬1). الصدقة الثانية: إنفاق جميع ماله في الهجرة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. حمل الباقي من ماله عندما هاجر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ولم يبق لأهله شيئاً، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر معه ماله كله، خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، فانطلق بها معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت: قلت: كلا يا أبت، قد ترك لنا خيراً كثيراً، قالت: فأخذت أحجاراً فجعلتها في كوة (¬2) في البيت - كان أبي يجعل فيها ماله - ثم جعلت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده فقلت: ضع يا أبت يدك على هذا المال، قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إن ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا لكم بلاغ، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئاً، ولكن أردت أن أسكِّن الشيخ بذلك)) (¬3). ¬
الصدقة الثالثة: تصدقه بماله كله وعمر بالنصف في غزوة تبوك:
الصدقة الثالثة: تصدُّقه بماله كله وعمر بالنصف في غزوة تبوك: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أبقيت لأهلك؟)) قلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر - رضي الله عنه - بكل ما عنده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أبقيت لأهلك؟)) قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: والله لا أسبقه إلى شيء أبداً)) (¬1). وأبو بكر ره أولى الأمة بقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (¬2). 2 - صدقات عثمان - رضي الله عنه -: كان عثمان - رضي الله عنه - من الأغنياء الذين أغناهم الله - عز وجل -، وكان صاحب تجارة وأموال طائلة؛ ولكنه استخدم هذه الأموال في طاعة الله - عز وجل - ابتغاء مرضاته وما عنده، وصار سبَّاقاً لكل خير، ينفق ولا يخشى الفقر. ومما أنفقه - رضي الله عنه - من نفقاته الكثيرة على سبيل المثال ما يأتي: ¬
الصدقة الأولى: عندما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل
الصدقة الأولى: عندما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة)) (¬1). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من حفر بئر رومة فله الجنة)) (¬2). وقد كانت رومة قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة لا يشرب منها أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تبيعنيها بعين في الجنة؟)) فقال: يا رسول الله! ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان - رضي الله عنه - فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال: ((نعم))، قال: قد جعلتها للمسلمين (¬3). وقيل: كانت رومة ركيَّة ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل (¬4). الصدقة الثانية: توسعته لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بعد أن بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجده في المدينة فصار المسلمون يجتمعون فيه، ليصلوا ¬
الصدقة الثالثة: الصدقة العظيمة الكثيرة في غزوة تبوك
الصلوات الخمس، ويحضروا خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - التي يُصدر إليهم فيها أوامره ونواهيه، ويتعلمون في المسجد أمور دينهم، وينطلقون منه إلى الغزوات ثم يعودون بعدها؛ ولذلك ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد؛ لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة))، فاشتراها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - من صلب ماله (¬1) بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألف، ثم أضيفت للمسجد (¬2). ووسع على المسلمين - رضي الله عنه - وأرضاه (¬3). الصدقة الثالثة: الصدقة العظيمة الكثيرة في غزوة تبوك عندما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرحيل إلى غزوة تبوك حث الصحابة الأغنياء على البذل؛ لتجهيز جيش العسرة، الذي أعده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغزو الروم، فأنفق أهل الأموال من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلٌّ على حسب طاقته وجهده. أما عثمان بن عفان فقد أنفق نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها، فقد ثبت أنه أنفق في هذه الغزوة ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، وجاء بألف دينار فنثرها في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقلّبها في حجره، ويقول: ((ما ضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم؟)) قالها مراراً (¬4). ¬
الثامن عشر: وصول ثواب الصدقات عن الأموات إليهم لما يأتي:
وهذه نفقة عظيمة جداً تدل على صدق عثمان وقوة إيمانه، ورغبته فيما عند الله تعالى وإيثار الآخرة على الدنيا، فرضي الله عنه وأرضاه، فقد حصل على الثواب العظيم والجزاء الذي ليس بعده جزاء: ((من جهز جيش العسرة فله الجنة)) (¬1). الثامن عشر: وصول ثواب الصدقات عن الأموات إليهم لما يأتي: 1 - ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة، فإن لوالديه مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء؛ لأن الولد من سعيهما وكسبهما، والله - عز وجل - يقول: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (¬2). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه)) (¬3). 2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رجلاً قال: إن أمي افتلتت (¬4) نفسها [ولم تُوصِ]، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجرٌ إن تصدقتُ عنها ¬
3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن سعد بن عبادة - أخا بني ساعدة - توفيت أمه وهو غائب عنها
[ولي أجر]؟ قال: ((نعم))، [فتصدَّق عنها])) (¬1). 3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن سعد بن عبادة - أخا بني ساعدة - توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت، وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: ((نعم))، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف (¬2) صدقةٌ عليها)) (¬3). 4 - عن سعد بن عبادة قال: قلت: يا رسول الله: إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: ((نعم)) قلت: فأي صدقة أفضل؟ قال: ((سقي الماء)) فتلك سقاية سعد بالمدينة (¬4). ¬
5 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أبي مات وترك مالا ولم يوص
5 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أبي مات وترك مالاً ولم يُوصِ فهل يُكفِّر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: ((نعم)) (¬1) (¬2). التاسع عشر: القناعة والعفة: 1 - مفهوم القناعة: هي الرضا بما قسم الله تعالى وراحة القلب بذلك (¬3). 2 - مدح القناعة والعفة جاء في ذلك أحاديث منها ما يأتي: الحديث الأول: حديث عبد الله بن محصن الخطمي عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أصبح منكم آمناً في سربه (¬4) معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما أحيزت (¬5) له الدنيا)) [بحذافيرها (¬6)] (¬7). ¬
الحديث الثاني
الحديث الثاني: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه)) (¬1). الحديث الثالث: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده قال: ((ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله، ومن يتصبَّر يصبره الله، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)) (¬2). الحديث الرابع: حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو أنكم كنتم توكلون على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً (¬3)، وتروح بطاناً (¬4)) (¬5). الحديث الخامس: حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رجل يا رسول الله! أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: ((اعقلها وتوكل)) (¬6). ¬
3 - غنى النفس
قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬1). وقال - عز وجل -: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (¬2). 3 - غنى النفس؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس الغنى عن كثرة العَرَض (¬3)، ولكن الغنى غنى النفس)) (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس المسكين الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان)). وفي رواية: ((الأكلةُ والأكلتان (¬5) والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه [ويستحي، أو] لا يقوم فيسأل الناس [إلحافاً] وفي لفظ: ((إنما المسكين الذي يتعفف))، واقرَؤُا إن شئتم: يعني قوله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (¬6) (¬7). 4 - الرضى بالقليل؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم, ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ¬
العشرون: أنواع المسألة: الجائزة والممنوعة: على النحو الآتي:
أن لا تزدروا (¬1) نعمة الله عليكم)). وفي لفظ: ((إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخَلْقِ، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فُضِّل عليه)) (¬2). العشرون: أنواع المسألة: الجائزة والممنوعة: على النحو الآتي: 1 - المسألة المذمومة وردت في أحاديث منها: الحديث الأول: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحم)) (¬3). الحديث الثاني: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سأل الناس أموالهم تكثراً، فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو يستكثر)) (¬4). الحديث الثالث: حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المسألة كدٌّ يكدُّ بها الرجل وجهه, إلا أن يسأل الرجل سُلطاناً، أو في أمر لا بد منه)) (¬5). ولفظ أبي داود والنسائي: ((المسائل كدوح (¬6) (¬7) يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك، إلا أن ¬
الحديث الرابع
يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بُدًّا)) (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا يدل على أن مسائل السلطان لا بأس بها؛ لأنه ولي بيت مال المسلمين، ولكن التعفف أفضل: ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله)) (¬2). الحديث الرابع: حديث الزبير بن العوام - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره، فيبيعها، فيكف الله بها وجهه خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)) (¬3). الحديث الخامس: حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: ((يا حكيم إنَّ هذا خَضِرَةٌ (¬4) حُلوةٌ فمن أخذه بسخاوة نفس بُورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسٍ لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، اليدُ العليا خير من اليد السفلى)) فقال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ (¬5) أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر - رضي الله عنه - يدعو حكيماً إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر - رضي الله عنه - دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئاً فقال ¬
الحديث السادس
[عمر]: إني أشهدكم معشر المسلمين على حكيمٍ أني أعرض عليه حقهُ من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيمٌ أحداً من الناس بعد رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] حتى توفي)) (¬1). الحديث السادس: حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تسعة أو ثمانية، أو سبعة فقال: ((ألا تبايعون رسول الله؟)) -وكنا حديثَ عهدٍ ببيعة - قلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ((ألا تبايعون رسول الله؟)) فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ((ألا تبايعون رسول الله؟)) قال: فبسطنا أيدينا, وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلامَ نبايعك؟ قال: ((على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً, والصلوات الخمس، [وتسمعوا] وتطيعوا)) وأسر كلمة خفية، ((ولا تسألوا الناس شيئاً)) , فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً [أن] يناوله إيَّاه)) (¬2). الحديث السابع: حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً وأتكفَّلُ له بالجنة؟)) فقال ثوبان: أنا؛ فكان لا يسأل أحداً شيئاً)) (¬3). الحديث الثامن: حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسدّ فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له ¬
2 - المسألة الجائز وردت في أحاديث:
بالغنى، إما بموت عاجل، أو غنى عاجل)) (¬1). 2 - المسألة الجائز وردت في أحاديث منها: الحديث الأول: حديث قبيصة بن مخارق الهلالي - رضي الله عنه - قال: تحملتُ حمالة (¬2)، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: ((أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)) ثم قال: ((يا قبيصة إن المسألة لا تحلُّ إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمَّل حمالةً فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً (¬3) من عيش - أو قال - سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة (¬4) حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا (¬5) من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة, فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال - سداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً (¬6) يأكلها صاحبها سحتاً)) (¬7). الحديث الثاني: حديث سمرة - رضي الله عنه - وفيه: (( ... إلا أن يسأل الرجل ذا سلطانٍ، أو في أمر لا يجد منه بُدًّا)) (¬8). ¬
3 - لا يسأل بوجه الله إلا الجنة
3 - لا يسأل بوجه الله إلا الجنة؛ لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سُئل بوجه الله ثم منع سائله، ما لم يسأل هجراً (¬1))) (¬2). وعن رفاعة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سُئل بوجه الله فمنع سائله)) (¬3). وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه)) (¬4). وفي حديث معاوية بن حيدة - رضي الله عنه -: ((وإني أسألك بوجه الله - عز وجل - بما بعثك ربك إلينا؟ قال: ((بالإسلام)) الحديث (¬5). ¬
4 - قبول العطاء من غير مسألة ولا إشراف
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا لا بأس به، والسؤال بوجه الله لا يسأل به إلا الجنة، أو ما يقرب إليها، وهذا مما يقرب إليها)) (¬1). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟)) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله - عز وجل - حتى يموت أو يقتل، وأخبركم بالذي يليه؟)) قلنا: نعم يا رسول الله، قال: ((رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل شرور الناس، وأخبركم بشر الناس؟)) قلنا: نعم يا رسول الله، قال: ((الذي يُسأل بالله - عز وجل - ولا يعطى به)) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يذكر أن هذا فيمن سأل حقاً له؛ كأن يقول: أسألك بالله أن تقضيني ديني الذي عندك، أو يقول: أسألك بالله أن لا تؤذيني، أو غير ذلك، أما من سأل بالله بغير حق فلا تجب إجابته, كأن يقول: أسألك بالله أن تعطيني أموالك، أو غير ذلك فيما لا حق له فيه. 4 - قبول العطاء من غير مسألة ولا إشراف؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال: قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه منِّي، حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف (¬3) ولا سائل، ¬
الحادي والعشرون: الزهد والورع:
فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك)) وفي لفظ: ((خذه فتموَّله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا (¬1) فلا تتبعه نفسك)) قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يردُّ شيئاً أُعطيه)) (¬2). الحادي والعشرون: الزهد والورع: الورع: هو الكف عما لا ينبغي، ثم استعير للكف عن المباح والحلال (¬3). ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن الزهد: ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع: ترك ما يُخاف ضرره في الآخرة (¬4). قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ((وهذه العبارة من أحسن ما قيل: في الزهد، والورع، وأجمعها)) (¬5). وقال الإمام أحمد رحمه الله: ((الزهد على ثلاثة أوجه: ¬
الأول: ترك الحرام، وهو زهد العوام
الأول: ترك الحرام، وهو زهد العوام. والثاني: ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواص. الثالث: ترك ما يشغل عن الله، وهو زهد العارفين (¬1). ولا يُعلِّقُ المؤمن قلبه بالدنيا؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)) (¬2). قال الإمام النووي رحمه الله: ((ومعناه أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا: من الشهوات المحرمة، والمكروهة، مكلف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا، وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له، من النعيم الدائم، والراحة الخاصة، من النقصان، وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته، وتكديره بالمنغصات، فإذا مات صار إلى العذاب الدائم، وشقاء الأبد)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رُبَّ أشعث مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره)) (¬4). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما في رفي من شيء يأكله ذو كبدٍ إلا شطر شعير (¬5) في رفٍّ لي، فأكلت منه حتى طال عليَّ، ¬
أما الأدلة من الكتاب الكريم العزيز:
فكلته، ففني)) (¬1). وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: ((ألستم في طعام وشراب ما شئتم، لقد رأيت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ما يجد من الدَّقل (¬2) ما يملأ به بطنه)) (¬3). وفي لفظ عن عمر: ((لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلاً يملأ به بطنه)) (¬4). وينبغي للعبد المسلم أن يعلم بأن الدنيا فانية وزائلة, وكل ما فيها يتغير ويزول؛ لأنها إلى الآخرة طريق، وهي مزرعة للآخرة على التحقيق، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة على النحو الآتي: أما الأدلة من الكتاب الكريم العزيز: 1 - فقال الله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ*وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} (¬5). 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ ¬
3 - وقال - عز وجل -: {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء}
نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬1). 3 - وقال - عز وجل -: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} (¬2). 4 - وقال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (¬3). 5 - وقال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (¬4). 6 - وقال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (¬5). 7 - وقال الله تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (¬6). 8 - وقال سبحانه: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (¬7). ¬
9 - وقال الله - عز وجل -: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب}
9 - وقال الله - عز وجل -: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (¬1). 10 - وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬2). 11 - وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (¬3). 12 - وقال تعالى عن مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} (¬4). وأما الأدلة من السنة المطهرة، فقد زهَّد النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس في الدنيا، ورغَّبهم في الآخرة، بفعله وقوله - صلى الله عليه وسلم -. 1 - أما فعله فمنه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يشبع من خبز الشعير)) (¬5). ¬
2 - وقالت: ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر
2 - وقالت: ((ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر)) (¬1). 3 - وقالت: ((إنا كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلَّة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار، فقال عروة: ما كان يقيتكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء)) (¬2). 4 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كان لي مثل أُحد ذهباً ما يسرني أن لا يمر عليَّ ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصُدُهُ لدَيْن)) (¬3). 5 - وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه اضطجع على حصير فأثَّر في جنبه، فدخل عليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ولما استيقظ جعل يمسح جنبه فقال: يا رسول الله لو أخذت فراشاً أوثر من هذا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها)) (¬4). 6 - وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: ((ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض)) (¬5). والمقصود أنهم لم يشبعوا ثلاثة أيام متوالية، والظاهر أن سبب عدم شبعهم غالباً كان بسبب قلة الشيء عندهم، على أنهم قد ¬
7 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أدم وحشوه ليف
يجدون, ولكن يؤثرون على أنفسهم (¬1). 7 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أدَم وحشوُهُ ليف)) (¬2). 8 - ومع هذا كله يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)) (¬3). 9 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافاً, وقنَّعَه الله بما آتاه)) (¬4). وأما قوله في التزهيد في الدنيا والتحذير من الاغترار بها، فكثير، ومنه: 10 - دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - السوق يوماً فمرَّ بجدي صغير الأذنين ميت، فأخذه بأذنه ثم قال: ((أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟)) قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: ((أتحبون أنه لكم؟)) قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيباً فيه؛ لأنه أسكٌّ (¬5) فكيف وهو ميت؟ فقال: ((فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم)) (¬6). 11 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه؛ جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه ¬
12 - عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من أحب دنياه أضر بآخرته
شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له)) (¬1). 12 - عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أحب دنياه أضرَّ بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى)) (¬2). 13 - عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه لما حضرته الوفاة قال: يا معشر الأشعريين، ليبلغ الشاهد الغائب، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((حلاوة الدنيا مرةُ الآخرة، ومرةُ الدنيا حلاوة الآخرة)) (¬3) (¬4). 14 - أول من يدخل الجنة: الأتقى الأزهد في الدنيا: على المسلم أن يعلم أن الداخلين إلى الجنة يكون أسبقهم إليها دخولاً أتقاهم لله تعالى، وأعلمهم به - عز وجل -، وأزهدهم في الدنيا على النحو الآتي: 1 - أول من يدخل الجنة: محمد - صلى الله عليه وسلم -. عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول محمد، فيقول: بك أُمِرتُ لا أفتحُ لأحدٍ قبلك)) (¬5). ¬
2 - أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة)) (¬1). 2 - أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بيد أنهم أُوتوا الكتاب من قبلنا وأُوتيناه من بعدهم فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه، هدانا الله له (قال: يوم الجمعة) فاليوم لنا، وغداً لليهود، وبعد غد للنصارى)) (¬2). 3 - الفقراء: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، نصف يوم)) (¬3). وفي لفظ للترمذي: ((يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام)) (¬4). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يدخل فقراء المسلمين قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً)) (¬5). ¬
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً)) (¬1). والجمع بين الحديثين والله أعلم: أن الفقراء منهم من يسبق الأغنياء بخمسمائة عام، ومنهم من يسبق بأربعين عاماً، بحسب أحوال الفقراء والأغنياء, كما يتأخر مكث العصاة الموحدين بسبب أحوالهم. ولا يلزم من سبق الفقراء في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم؛ بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وإن سبقه غيره في الدخول، فالغني إذا حوسب على غناه فوُجِدَ قد شكر الله تعالى فيه، وتقرب إليه بأنواع البر، والخير، والصدقة، والمعروف كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول، ولم يكن له تلك الأعمال، ولاسيما إذا شاركه الغني في أعماله وزاد عليه فيها، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. فالمزية مزيتان: السبق، والرفعة، وقد يجتمعان وينفردان، فيحصل لواحد السبق والرفعة، ويعدمهما آخر، ويحصل لآخر السبق دون الرفعة، ولآخر الرفعة دون السبق، وهذا بحسب المقتضى للأمرين أو لأحدهما وعدمه وبالله التوفيق (¬2). وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. ¬