صحيح السيرة النبوية للعلي

إبراهيم العلي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

صحيح السيرة النبوية

الطبعة الأولى 1415 هـ - 1995 م حقوق الطبع محفوظة دار النفائس للنشر والتوزيع العبدلي - مقابل عمارة جوهرة القدس هاتف: 693940 - فاكس: 693941 ص. ب: 211511 عمان 11121 الأردن

كلمة مقدم الكتاب

ددد لو الأخ اللي راجع الكتاب كان حد اشتكى منه قبل كده في التقفيل بالنسبة للترميز ابقى نبه عليه تاني ميبقاش بخيل ويرمز على طول أي حاجة في وشه إحنا نتفحت في التفريع مش إشكال الكتاب مش هيأخر في التفريع زي الترميز من الأول البوك كان جاي 162 عنوان، بعد الترميز المفصل عدوا الـ 700 ددد كلمة مقدم الكتاب د. عمر سليمان الأشقر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى من سار على دربه واتبع هداه، وبعد: فقد فاجأني الشيخ إبراهيم العلي كثيرًا وسرني كثيرًا عندما أخبرني أنّه أنهى مشروعه في جمع صحيح السيرة النبوية من كتب السنة النبوية. وكان عظم المفاجأة وعظيم السرور لأن إتمام مشروع صحيح السيرة كان أملًا لطلبة العلم والعلماء، فإن السيرة النبوية الينبوع الثرّ الذي تستقي منه الأجيال، وتتربى عليه، وتستلهم منه الهداية والرشد، ويعتمد عليه العلماء والدعاة والوعاظ. وطالما هششنا وفرحنا عندما كان يبلغنا أن فلانًا من أهل العلم عازم على إخراج هذا العمل والقيام به، أو أن فلانًا بدأ هذا العمل ومضى فيه، ولكن مضى وقت طويل قبل أن يتحقق الأمل، ويخرج هذا العمل إلى حيز الوجود، وفي حدود علمي فإن باحثًا واحدًا من المعاصرين سبق الشيخ إبراهيم العلي إلى مثل عمله الذي تقدم له. إن كتب السنة النبوية تحوي كمًّا هائلًا من سيرة المصطفى، والمعلومات المبثوثة في كتب السنة تمتاز بالدقة والوضوح، وقد استطاع الباحث في هذا المؤلف أن يجمع شتات هذا الكم الكبير من مرويات السيرة النبوية، كما نجح في التأليف بين هذه المرويات بتقسيمها إلى موضوعات متناسقة، والميزة الكبرى لهذا المؤلف أنه

اقتصر فيه على الصحيح من الروايات، وابتعد عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة، التي جعلت بعض أحداث السيرة شبيهة بالخرافة والأسطورة. إن تنقية السيرة مما شابها واجب كفائي مناط بالعلماء، فالمسلمون كانوا وما يزالون يرجعون إلى كتب السير، وفيها الصحيح والضعيف والموضوع، ويأخذون تلك الروايات أخذ المصدق بها المذعن لها، ونتج عن هذا أن ينسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله ولم يفعله، ولم يحدث في زمانه. وانتشرت روايات السيرة التي ضمتها كتب السيرة صحيحة وضعيفة في مؤلفات العلماء، وحدث بها الدعاة والوعاظ، واستدل بها العوام وطلبة العلم، وكل هذا أحدث خللًا كبيرًا عند هؤلاء جميعًا، ومن هنا كانت الحاجة كبيرة وملحة لتنقية السيرة مما شابها، تصحيحًا للمسار، ونصحًا لله ولرسوله والمؤمنين، وإعانة للعلماء وطلبة العلم والدعاة والوعاظ، فجزى الله المؤلف خير جزائه، وأثابه على حسن صنيعه، ووفقه في طبعات قادمة إلى أن يستكمل ما فاته من صحيح الروايات، وتسديد ما لم يصب فيه، فالنقص من طبيعة البشر، وسعي المرء إلى بلوغ الكمال هو المقدور المستطاع. وقد أذن لي المؤلف جزاه الله خيرًا في إجراء ما أراه مناسبًا، فقسمت موضوعات الكتاب إلى أواب وفصول ومباحث وعدلت في العناوين التي وضعها المؤلف وصوبت الأخطاء التي وقعت عليها العين وأدركها العقل، خدمة لكتاب يبحث في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ولا يفوتني في هذه المقدمة أن أنوه بباعث الفكرة وغارسها وراعيها حتى أينعت وأثمرت، فضيلة الشيخ الدكتور همام سعيد، فالدال على الخير كفاعله. نفع الله بهذا السفر عباده في كل مكان، والحمد لله رب العالمين. د. عمر سليمان الأشقر كلية الشريعة- الجامعة الأردنية عمان- الأردن

كلمة مراجع الكتاب

كلمة مراجع الكتاب إن الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد: فقد جاء كتاب صحيح السيرة النبوية ثمرة معاناة يشعر بها دارس السيرة النبوية ومدرسها عندما يرواح بين منهجين: منهج المؤرخين ورواة السير، ومنهج المحدثين. فقد عرف عن المؤرخين وأصحاب السير التساهل في الرواية حيث يذكرون الأخبار الضعيفة والمنقطعة، مراعاة لإكمال الصورة التاريخية المتصلة الأحداث، بينما اتبع المحدثون منهج النقد الذي يميز الروايات الصحيحة من غيرها، ولو أدى الأمر إلى بتر الصورة التاريخية، وإن سلم منها أجزاء غير مكتملة. وكنت أتمنى أن أجد الوقت لاستقراء كتب الحديث وجمع مرويات السيرة فيها، وترتيبها على نسق كتب السير وفق التتابع الزمني. ولقد نقلت هذه الفكرة إلى تلميذي وأخي الشيخ إبراهيم العلي، الذي صحبني سنوات عديدة صحبة الباحث الشغوف بطلب العلم، وكان يعرض عليّ إنجازه في

هذا المضمار، وكان حفظه الله يستجيب للملاحظات والإضافات، فجاء هذا الجهد بعد سنوات طوال من العمل والجهد والمثابرة، فجمع الشوارد من أخبار السيرة مع ذكر الأحكام الحديثية على كثير من هذه الأحاديث، وبيان غريبها، ويمكنني القول بأن هذا الجهد سيكون إحدى البدايات المهمة في كتابة السيرة من وجهة نظر المحدثين. أسأل الله تعالى أن يجعل هذا الجهد جهدًا خالصًا لوجهه، وأن يكون نافعًا لطلاب العلم، وأن ينفع صاحبه وقارئه. والحمد لله رب العالمين الدكتور همام عبد الرحيم سعيد أستاذ الحديث في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية سابقًا

مقدمة المحقق

مقدمة المحقق إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد؛ فالتاريخ الإسلامي يتميز بميزة خاصة عن بقية تاريخ الأمم، إذ أن كل شيء مهما بلغ من شأن يظل دائما مرتبطا بنقطة البداية التي انطلق منها أولًا. ونقطة البداية في التاريخ الإِسلامي مرتبطة بحياة نبي الإسلام وسيرته، فسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي المدخل الطبيعي لدراسة تاريخ الاسلام، وبقدر ما يحيط الدارس علمًا بهذه السيرة، ويفهم أسرارها وأخبارها بقدر ما يستطيع أن يفهم التاريخ الإسلامي في جميع مراحله في كل زمان ومكان. وأضرب مثلًا لتوضيح هذا الأمر: فشخصية النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الفذة لا تقاس بالإنجازات التي تمت في عصره فقط، ولكن بما نتج عن هذه الإنجازات وما تحقق بعده، بقيام الفتوحات الكبرى التي تمت في عهد الخلفاء، وتأسيس دولة الإسلام العظمى الممتدة من حدود الصين شرقا إلى جبال فرنسا غربا. ولقد كان أثر هذا وما زال كبيرًا للغاية على البشر وحضاراتهم وثقافاتهم وأوضاعهم الاجتماعية والعقدية والسياسية والحربية. ولقد بنى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أمة جديدة، فتربية محمد - صلى الله عليه وسلم - تظهر جلية واضحة في أستاذيته حين أخرج العرب الممزقين الغارقين في ظلام الجهل، وعبادة غير الله، إلى نور التوحيد الذي جمعهم به بعد تمزق، ووحدهم به بعد تفرق، وأخرج من هذه الأمة قادة عظامًا، وجعل من الإنسان المسلم متحضرًا بعقله وإيمانه وحسن أخلاقه ومثله وأمانته، لقد صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على تربية أصحابه حتى هيأ

مجموعة من الناس عندهم القدرة على إدارة الدولة الكبرى التي ستقام بعد وفاته. إن الدارس والمتعرف على الإسلام وتاريخه وحضارته، بشكل علمي ونزيه، سيلاحظ بكل إكبار وإعجاب التأثير البالغ لمحمد عليه الصلاة والسلام في كل خلجة وحركة تمت في تاريخ المسلمين، وسيسلم بداهة -مع الأخذ بعين الاعتبار والتقدير تفاوت الأزمان والنوايا والإخلاص مع درجة الفهم- أن المحرض الأساس المسبب لكل حادث في هذا التاريخ هو الإسلام، وأن كل شيء قام بعد قيام الإسلام، إنما قام باسمه وبسببه. وما دامت سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - مفتاحا للتاريخ الإسلامي فهي أجدر العلوم بالاهتمام والتوثيق لتقديمها في أنصع صورة وأجملها، في وقت كثرت فيه الدعوات الأرضية، واشتد فيه الظلام وظهر الباطل على الحق ظهورا آنيا، وسيطرت المادية على الإنسان فغيرت كثيرا من قيمه وجعلته لا يستقر على حال، وحتى يجد الإنسان في سيرة هذا النبي السلوك المثالي الذي تتساقط عنده دعاوى المغرضين والزائفين، ولعله يجد فيها الصورة المشرقة الحية للإنسانية الحقة، وليجد فيها الصورة المشرقة للإنسان الذي يمارس إنسانيته بكل أبعادها، ويتفاعل مع الواقع بكل معطياته، وليدرك الإنسان أيضًا إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - الذي وصل إلى قمة الكمال الإنساني كان في كل أحواله غير بعيد عن بشريته، بل عاش مشاعر هذه البشرية، شابًّا مستقيمًا في سلوكه، داعيا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأبا حانيًا، وزوجًا مثاليًا، وقائدًا حربيًّا، فقيرًا وغنيًّا، إمامًا وحكمًا مسلمًا جامعًا بين العبادة والتبتل لربه، والمعاشرة لأهله وأصحابه. وإذا كانت هذه الدراسة للسيرة ضرورية للإنسان بشكل عام، فإنها اشتد ضرورة للإنسان المسلم المعذب الحائر بين القيم التي تغزو عقله وفكره ومجتمعه، لأن السيرة إنما هي تجسيد حي لتعاليم الإسلام كما أرادها الله أن تطبق في عالم الواقع، لأن تعاليم الإسلام إنما أنزلت لتطبق في واقع الإنسان ومجتمعه، هذه الأوامر والتعاليم هي التي ينشأ الإنسان في ظلها في بحبوحة من العيش، واعتراف كامل بإنسانيته حيث تهديه هذه التعاليم في كل جانب من جوانب حياته وترشده إلى ما فيه خيره وصلاحه. ومحمد - صلى الله عليه وسلم - هو الذي كان يجسد تعاليم الإسلام في كل حادثة وظرف في شخصه حتى يكون قدوة لأصحابه ولمن يأتون بعده {لقد كان لكم في رسول الله

مصادر السيرة النبوية المطهرة

أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}. من أجل كل ما سبق ذكره كانت هذه الدراسة التوثيقية عن سيرته - صلى الله عليه وسلم - من خلال مصدر رئيسي من مصادر السيرة، هذا المصدر هو كتب الحديث ومصنفاته التي عرضت جوانب كبيرة من سيرته العطرة - صلى الله عليه وسلم -. مصادر السيرة النبوية المطهرة: إن كل من كتب في السيرة النبوية اعتمد في كتابته على مصدر أو أكثر من المصادر التالية: 1 - القرآن الكريم. 2 - كتب الحديث ومصنفاته. 3 - كتب المغازي والسير والدلائل والشمائل. 4 - كتب الأدب واللغة والشعر. ولقد أعتمدتُ في جمع هذه الدراسة على المصدر الثاني كمصدر رئيسي وأصيل في كل الأحداث. وعلى المصدر الثالث حين يتعذر عليّ أن أجد في كتب الحديث ومصنفاته ما يسد ثغرة الحديث الذي أبحث عنه. قاعدة: ما جاء في كتب الحديث الصحيحة من روايات للسيرة مقدمٌ على ما جاءَ في كتب المغازي: إن المطلوب هو اعتماد الروايات الصحيحة وتقديمها في بناء الصورة الناصعة لسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم الروايات الحسنة، ثم ما يعضدها من الضعيف، وعند التعارض يقدم الأقوى دائما، أما الروايات الضعيفة فيمكن الاعتماد عليها في إثبات حوادث تاريخية لا ينبني عليها أي حكم شرعي أو أمر في جانب العقيدة، لأن الأحكام الشرعية والأمور العقدية لا تثبت إلا بالأحاديث الصحيحة. إن السيرة النبوية مليئة بالأحكام الشرعية والتي يستفاد منها في كثير من جوانب الحياة، ولذا فيجب أن تكون ثابته بالأحاديث الصحيحة حتى يعتمد عليها، وكتب الحديث تحتوي على مادة السيرة الموثقة حسب منهج المحدثين، فلذلك يجب الاعتماد عليها وتقديمها على روايات كتب المغازي والسير والتواريخ العامة،

ضرورة الإسناد في قبول الرواية التاريخية وخاصة في روايات السيرة النبوية

وخاصة إذا أوردتها كتب الحديث الصحيحة، لأنها ثمرة جهود جبارة قدمها المحدثون عند تمحيص الحديث ونقده سندًا ومتنا، هذا النقد والتدقيق الذي حظي به الحديث لم تحظ به الكتب التاريخية، والمعلوم أن للمحدثين مناهج وطرقًا في نقد الأحاديث ومعرفة الصحيح من الضعيف من حيث التدقيق في عدالة الرواة الذين رووا الأحاديث أو أي حادثة من الحوادث التي يعتمدونها، ويشترطون في الرواة شروطا محددة لابد من توفرها حتى تثبت عدالة الرواة فتصح روايتهم. وهذه الشروط لا تتوفر في مناهج المؤرخين في رواياتهم التاريخية فهم يتساهلون في تعاملهم مع الروايات التاريخية، ولذلك نجدهم يروون عن رواة لم تثبت عدالتهم عند المحدثين من أمثال الكلبي، وسيف بن عمر التميمي والواقدي وغيرهم من الضعفاء عند المحدثين. لذلك فقد اعتمدت هذه الدراسة على أصح الروايات، ومصنفات الحديث تحتوي على ثروة كبيرة من الأحاديث الصحيحة تكوِّن عند قارئها صورة كاملة من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لذلك كنت أقدم الرواية الموجودة في كتب الحديث على الرواية الموجودة في كتب المغازي والسير وما في الصحيح أصح. ضرورة الإسناد في قبول الرواية التاريخية وخاصة في روايات السيرة النبوية: الإسناد لا بد منه في كل أمر من أمور الدين، وعليه الاعتماد في الأحاديث النبوية وفي الأحكام الشرعية وفي المناقب والفضائل والمغازي والسير، وغير ذلك من أمور الدين المتين والشرع المبين، فشيء من هذه الأمور لا ينبغي عليه الاعتماد، ما لم يتأكد بالإسناد لا سيما بعد القرون المشهود لها بالخير. والإسناد: -هو سلسلة الرواة إلى المتن، والمتن: ما ينتهى إليه من الكلام. وقد شدد سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، على ضرورة الإسناد، وأنه مطلوب في الدين، وأنه من خصائص أمة الإسلام. أخرج مسلم في مقدمة صحيحه "1/ 87" عن عبد الله بن المبارك قوله: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء". وعن ابن المبارك أيضًا قال: "مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم" ذكره الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية ص "393".

ولهذا وصف الإمام الشافعي الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب الليل" يقول رحمه الله: "مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب الليل" جاء هذا في شرح المواهب اللدنية "5/ 453". وحاطب الليل لا يعمل على بصيرة من أمره، وإنما يسير على غير هدى، فلا يدري ما الذي يجمعه، وهذا الأمر كان موجودا في رواة الأمم السابقة الذين كانوا يفتقدون الأمانة في النقل، وينقلون الأحداث بلا إسناد، وإذا كان هذا الأمر مقبولا عند الأمم السابقة، فإنه لا يقبل في تاريخ أمتنا التي ميزها الله عزَّ وجلَّ بميزة نقل الثقات عن الثقات، حتى الوصول إلى تاريخ الحدث والذين شاهدوه مشاهدة عيانية. جاء في خلاصة الطيبي "ص 55": "الإسناد خصيصة هذه الأمة، وسنة من السنن البالغة، وطلب العلو فيه سنة أيضًا ولذلك استحبت فيه الرحلة". ولو قايسنا تاريخ أمة الإسلام بتاريخ الأمم الأخرى مثل اليهود والنصارى في النقل عن أنبيائهم لوجدنا فرقا واضحا وجليًّا، يقول ابن حزم الظاهري في كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل" "2/ 81 - 82": "نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الاتصال، خص الله به المسلمين دون سائر الملل، وأما مع الإرسال والإعضال فيوجد في كثير من اليهود، ولكن لا يقربون فيه من موسى قربنا من محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل يقفون بحيث يكون بينهم وبين موسى أكثر من ثلاثين عصرًا، وإنما يبلغون إلى شمعون ونحوه" ثم يقول: "وأما أقوال الصحابة والتابعين فلا يمكن أن يبلغ اليهود إلى صاحب نبي أصلًا، ولا إلى تابع له، ولا يمكن النصارى أن يصلوا إلى أعلى من شمعون وبولص". فإذا كان هذا الامر مقبولا عند الأمم السابقة في نقلهم للأحداث التاريخية دون ذكر أسانيدها، أو مجرد التأكد من صحة الحدث أو كذبه، فإن هذا الأمر لا يقبل البتة في أمة الإسلام، وإن الإنسان أو الكاتب الذي يقبل الأحداث التاريخية دون التأكد من وجود أسانيد لها يدخل عند المحدثين في طائفة الزمنى "المرضى" على حد تعبير عبد الله بن طاهر.

جاء عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: "كان عبد الله بن طاهر إذا سألني عن حديث فذكرته له بلا إسناد، سألني عن إسناده وقال: رواية الحديث بلا إسناد من عمل الزمنى، فإن إسناد الحديث كرامة من الله تعالى لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -" شرح المواهب اللدنية للزرقاني "5/ 453". والإسناد فرض من فروض الكفاية التي لا بد منها كما يقول الشيخ علي القاري في شرحه على شرح النخبة "194": "أصل الإسناد خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة، وسنة بالغة من السنن المؤكدة، بل من فروض الكفاية وطلب العلو فيه أمر مطلوب وشأن مرغوب". وقد اهتمت كتب ومصنفات الحديث عظيم الاهتمام بالأسانيد واتصالها وعدالة رجالها، وجاءت مادة السيرة من مضمون هذه الكتب والمصنفات الحديثية بنفس الطرق والأسانيد الموثقة التي جاءت بها الأحكام الشرعية في الفقه والعبادات والمعاملات وغيرها من محتوى كتب الحديث. إن أهمية الإسناد في نقل الروايات التاريخية وخاصة السيرة النبوية عظيمة، لا ينكرها إلا غر جاهل، فلولاه لما تميز الصادق المستقيم عن الأفاك الأثيم، وإذا كان الإسناد مجموعة من الرجال، والرجال يعتريهم الخطأ والنسيان والغلط، وأحيانا تعمد الكذب والاختلاق والتزوير والافتراء، فإن علم الجرح والتعديل قد عرض لكل ما يخطر في البال من هذه الأمور التي تتعلق بأحوال الرواة، والتي يمكن أن تقدح في صحة الرواية أو الإسناد، وكما وضع علماء الجرح والتعديل شروطا لصحة وعدالة الرواة في أسانيدهم، فقد وضعوا شروطا يسبرون من خلالها صحة المتون وعدم شذوذها، فقد يصح الإسناد إلا أن المتن يكون ضعيفا، فلا تعتبر الرواية، فنشأ من كل هذه الأمور ومجموعها ما يسمى بنقد المتن. إن الإسناد الصحيح وموازينه الدقيقة يعتبر من المرتكزات الأساسية لتصحيح الخبر والرواية التاريخية، وليس هناك خبر جاء بإسناد صحيح غير معلول، لا يقبله أو يرفضه الواقع، اللهم إلا عقول أولئك الذين أغلقوها ووضعوا مفاتيحها في صناديق يملكها آخرون.

أهمية كتب المغازي والسير

أهمية كتب المغازي والسير: ومع كل الاهتمام بمصادر الحديث ومصنفاته وما تحتويه من ثروة عظيمة من أحاديث السيرة فإنه لا ينبغي التقليل من دور كتب المغازي والسير، فإنها تلي القرآن الكريم والحديث الشريف، مما يعطيها قيمة علمية كبيرة، إن أوائل مصنفات السيرة قد كتب في عصر مبكر، الصحابة لا زال الكثير منهم على قيد الحياة، والصحابة على علم دقيق وواسع بالسيرة النبوية، لأنهم عاشوا أحداثها وشاركوا فيها، هذا التبكير في الكتابة قلل -إلى حد كبير- من احتمال تعرضها للتحريف أو المبالغة والتهويل أو الضياع. فسيرة موسى بن عقبة الذي توفي في عام "140" هـ وهو محدث ثقة من تلاميذ الزهري أثنى الإمام مالك رحمه الله تعالى على كتابة السيرة النبوية واعتبره أصح كتاب في المغازي يقول رحمه الله "عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي"، "سير أعلام النبلاء: 6/ 115" ويقول أيضًا: "عليكم بمغازي موسى، فإنه رجل ثقة طلبها على كبر السنن، ليقيد من شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكثر كما أكثر غيره". ويقول الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء" 6/ 116": "وأما مغازي موسى بن عقبة، فهي في مجلد ليس بالكبير، سمعناها وغالبها صحيح، ومرسل جيد، لكنها مختصرة تحتاج إلى زيادة وتتمة". وقال يحيى بن معين: "كتاب موسى بن عقبة عن الزهري أصح هذه الكتب" يعني في المغازي، انظر سير أعلام النبلاء "6/ 117". إضافة إلى أهميتها التي ذكرنا، يضاف إليها ميزة أخرى، وهي أنها أوردت الكثير من الأحداث والروايات يتقدمها الأسانيد، ومعظم رواة السيرة هم من الرواة والمحدثين الذين نجد تراجم لهم في كتب الرجال، وأوضحت هذه الكتب أحوالهم، وبينت ما قيل فيهم من جرح وتعديل مما يسهل على الباحث معرفة قوة الرواية أو الحدث التاريخي أو ضعف هذا الحدث، ولذلك جاء اعتمادي على هذه الكتب في الدرجة الثانية، حين لا أجد الحدث التاريخي في كتب الحديث ومصنفاته.

منهجي في جمع وتصنيف هذه الدراسة

منهجي في جمع وتصنيف هذه الدراسة: وضعت لنفسي خطة في أثناء جمعي لهذه الدراسة ألخصها في النقاط التالية: 1 - ترتيب الأحداث التاريخية للسيرة النبوية: اعتمدت في ترتيب الأحداث التاريخية للسيرة النبوية على ترتيب إمام المغازي ابن إسحاق لها في مغازيه، كما أورد ذلك ابن هشام في اختصاره لها كمصدر رئيسي، إلا إنني قد أخالف ابن إسحاق في ترتيب الأحداث التاريخية حين يثبت لي ما يخالف هذا الترتيب في مصنفات الحديث، ولتوضيح هذا الأمر أضرب مثلًا على ذلك: غزوة ذات الرقاع جاء في سيرة ابن إسحاق وجماعة من أهل المغازي أنها كانت في جمادى الأولى بعد غزوة بني النضير بشهرين، وذلك في السنة الرابعة للهجرة كما جاء في سيرة ابن هشام "3/ 151"، إلا أنني رجحت ما جاء في صحيح البخاري أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد غزوة خيبر كما في فتح الباري 7/ 416 كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع، وأيده في ذلك ابن كثير في سيرته "3/ 161"، وابن حجر كما في الفتح "7/ 418"، وابن القيم في زاد المعاد "3/ 253". 2 - رتبت الأحداث التاريخية تحت عناوين جانبية تسهل على القارئ الوصول إلى ما يريد بسرعة وسهولة. 3 - اعتمدت في نقل نص الحدث التاريخي لفظ الحديث الأكثر فائدة والأجمع للمعاني الغزيرة من خلال انتقاء هذا اللفظ من روايات الحديث الكثيرة، فبعض هذه الروايات قد يكون مختصرًا، وبعضها مطولا حسب مراد المصنف الذي أورد ذلك اللفظ. وكنت إذا وجدت هذا اللفظ في صحيح البخاري لم أتعداه إلى غيره من المصنفات، وإلا فمسلم وأصحاب السنن. 4 - خرَّجت كل الأحاديث التي ذكرتها في هذه الدراسة، وهي تزيد على التسعمائة حديث، فما كان في الصحيحين أكتفي بتخريج الحديث منهما، وقد أزيد في التخريج إذا وجدت سعة من الوقت، فأخرج الحديث من غيرهما من المصادر.

5 - ما لم يكن من هذه الروايات في الصحيحين فإني أخرجه من المصنفات الحديثية الأخرى، وأحكم عليه صحة أو ضعفا بناء على قواعد المحدثين، هذا إن لم أجد حكما على هذا الحديث لأحد من الأئمة السابقين، فإذا وجدت ذلك الحكم فإنني أكتفي به، ولا اتعداه مخالفا له إلا إذا تبين لي غير ذلك الحكم. 6 - إذا لم أجد الحدث التاريخي في مصادر السنة، فإني أبحث عنه في كتب المغازي والسير وأبين صحته بناء على قواعد المحدثين. 7 - في بعض الأحداث التاريخية التي لا يثبت بها حكم شرعي والتي لم أجد فيها إلا مرسل تابعي كنت أثبت ذلك النص المرسل، وأحكم عليه صحة وضعفا إلى التابعي. 8 - كنت أذكر الفوائد المستنبطة من بعض الأحاديث كما ذكرها العلماء في شروحاتهم على المصنفات الحديثية. 9 - كنت أشرح الغريب من الألفاظ الصعبة مما يسهل فهمها على القارئ في غالب الأحيان.

شكر وتقدير

شكر وتقدير جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم يقول: (لا يشكُرُ الله من لا يشكُرُ الناسَ) (¬1). ولذلك أنبه على أن نواة هذه الدراسة كانت فكرة من أفكار أستاذي وشيخي الدكتور همام عبد الرحيم سعيد حفظه الله ونفع بعلمه، فقمت بتنفيذها، وأعلمت أستاذي بعزمي على القيام بهذا العمل، فشجعني على الاستمرار، وما بخل علي بنصحه وتوجيهاته ومكتبته العامرة بالمصادر، فجزاه الله عني خير الجزاء. ولكل من أعانني بكلمة تشجيع أو نصيحة علمية الشكر والتقدير، سائلًا المولى عَزَّ وَجلَّ أن يجزيهم عني أحسن الجزاء. وبعد، فإنني أقدم هذ الدراسة جهدا متواضعا في خدمة السنة النبوية العطرة، وسيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، مع علمي بقلة بضاعتي، ووعورة الطريق، وكثرة الصعاب، إلا أن الله أعانني ووفقني لإتمام هذه الدراسة بفضله وتوفيقه، مع رجائي لكل من قرأ وكان عنده ملاحظة أو نصيحة أو فائده علميه فاتتني أن يرسلها لي، وله مني كل الشكر، وأن لا يبخل عليّ بإرسالها. وختامًا أسأل الله أن يجعل هذه الدراسة في ميزان أعمالي يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. والحمد لله رب العالمن. إبراهيم محمد العلي عمان- الأردن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم: (218) وأبو داود في الأدب، باب في شكر المعروف رقم: (4811)، والترمذي في البر والصلة، باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك رقم: (1955)، والطيالسي رقم: (2491)، وأحمد (2/ 258، 303، 388، 461، 492)، البيهقي في السنن (6/ 182) والحديث صحيح.

الباب الأول أحداث ما قبل البعثة

الباب الأول أحداث ما قبل البعثة الفصل الأول نسب الرسول صلى الله عليه وسلم ومكانته في قومه قال الإمام البخاري رحمه الله: "هو أبو القاسم، محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن مالك بن النضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس، بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان" (¬1). وقال البغوي في شرح السنة بعد ذكر النسب إلى عدنان: "ولا يصح النسب فوق عدنان" (¬2). وقال ابن القيم: بعد ذكر النسب إلى عدنان أيضًا: "إلى هاهنا معلوم الصحة، متفق عليه بين النسابين، ولا خلاف ألبتة، وما فوق عدنان مختلف فيه، ولا خلاف بينهم أنَّ عدنان من ولد إسماعيل - عليه السلام - " (¬3). وقد جاء عن ابن سعد في طبقاته: "الأمر عندنا الإمساك عما وراء عدنان إلى إِسماعيل" (¬4). وعن عروة بن الزبير أنه قال: "ما وجدنا من يعرف ما وراء عدنان ولا ¬

_ (¬1) رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار: باب مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فتح الباري: 7/ 162، قبل رقم: 3851، شرح السنة: 13/ 193، الذهبي: السيرة النبوية: ص 1. (¬2) شرح السنة: 13/ 193. (¬3) زاد المعاد: 1/ 71. (¬4) ابن سعد: 1/ 58.

قحطان إلا تخرصًا" (¬1). قال الذهبي رحمه الله في كتابه السيرة النبوية: "وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام بإجماع الناس، لكن اختلفوا فيما بين عدنان وإِسماعيل من الآباء" (¬2). أما عن نسبه - عليه السلام - في قومه فقد كان في خيرهم قبيلة، وكان أشرَفهم أرومة كما جاء في الصحيح من حديثه عليه الصلاة والسلام: 1 - فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) (¬3). 2 - ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بعثتُ من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنًا، حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه) (¬4). 3 - ومن حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال: أتى أناس من الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إنا لنسمع من قومك حتى يقول القائل منهم إنما مثل محمَّد مثل نخلة نبتت في كباء (¬5)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أيها الناس من أنا؟ قالوا أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: أنا محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب -قال فما سمعناه، قط ينتمي قبلها- إلا إن الله -عَزَّ وَجَلَّ - خلق خلقه، فجعلني من خير خلقه، ثم فرقهم فرقتين، فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل، فجعلني من خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتًا، فجعلني من خيرهم بيتًا، وأنا ¬

_ (¬1) ابن سعد: 1/ 58. (¬2) الذهبي في السيرة النبوية: ص1. (¬3) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل: باب فضل نسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم: 2776، شرح السنة: 3613، والترمذي في سننه، أبواب المناقب: باب ما جاء في فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم: 3606 وقال حسن صحيح، انظر الفتح الرباني: 20/ 179، وانظر أحمد في المسند: 4/ 107، والخطيب في تاريخ بغداد: 13/ 64. (¬4) أخرجه البخاري في المناقب، باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم: (3557)، وأحمد في المسند: 5/ 373، 417 وابن سعد: 1/ 25. (¬5) الكباء: الكناسة.

خيركم بيتًا، وخيركم نفسًا) (¬1). 4 - ومن حديث الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد، ولا يروني إلا أفضلهم، فقلت: يا رسول الله! ألستم منا؟ فقال: (نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمنا، ولا ننتفي من أبينا) فكان الأشعث يقول: "لا أوتى برجل نفى قريشًا من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد" (¬2). 5 - ومن حديث أبي سفيان رضي الله عنه حين سأله هرقل وقال له: "كيف نسبه فيكم، قلت: هو فينا ذو نسب". وقول هرقل: "وسألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في أبواب المناقب: باب ما جاء في فضل النبي رقم 3607 - 3608، وأحمد في المسند: 4/ 166، من طريق عبد الله بن الحارث بن نوفل به، وقال الهيثمي في المجمع: 8/ 215 - 216: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح". والحديث صحيح. (¬2) أخرجه ابن ماجه في الحدود: باب من نفى رجلًا من قبيلة: 2612، وأحمد في المسند: 5/ 211، 212 من طريق حماد بن سلمة، عن عقيل بن طلحة السلمي، عن مسلم بن هيضم، عن الأشعث بن قيس به، وقال البوصيري في الزوائد: إسناد صحيح، رجاله ثقات، لأن عقيل بن طلحة وثقه ابن معين والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال السند على شرط مسلم. قلت: وفي السند قوله: (لا يرون أني أفضلهم) من غير إلا وفيه تصحيف، والعبارة الصحيحة ما أثبتناه. لا نقفو أمنا: أي لا نتهمها، ولا نقذفها (¬3) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، حديث رقم: (7)، وسيأتي تخريجه في رسائل الرسول إلى الملوك والقياصرة.

الفصل الثاني البشارة بالرسول صلي الله عليه وسلم

الفصل الثاني البشارة بالرسول صلي الله عليه وسلم المبحث الأول: صفته في التوراة وتبشير اليهود به 6 - عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فقلت: "أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة، فقال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن: "يا أيها النبيّ إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بِفظ، ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا" (¬1). 7 - ومن حديث كعب الأحبار قال: "إني أجد في التوراة مكتوبًا: محمَّد رسول الله، لا فظ ولا غليظ، ولا سَخَّاب في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، أمته الحمادون، يحمدون الله في كل منزلة، ويكبِّرونه على كل نجد، يأتزرون إلى أنصافهم، ويوضئون أطرافهم، صفُّهم في الصلاة، وصفُّهم في القتال سواء، مناديهم ينادي في جو السماء، لهم في جوف الليل دوي كدوي النحل، مولده بمكة، ومهاجره بطابة، وملكه بالشام" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب البيوع في الأسواق: 2125، وفي التفسير حديث: 4838، وأخرجه أيضًا في كتاب الأدب المفرد حديث: 246، 247، والبيهقي في دلائل النبوة: 1/ 374 - 375، من طريق هلال بن علي، عن عطاء بن يسار. حرزًا للأميين: حافظًا لهم، والسخاب: رفع الصوت بالخصام. حتى يقيم به الملة العوجاء: ملة إبراهيم التي غيرتها العرب عن استقامتها. (¬2) أخرجه الدارمي في المقدمة: 1/ 4 - 5 من طريق الأعمش عن أبي صالح قال: قال كعب: ورجاله ثقات، وجاء في دلائل النبوة للبيهقي: 1/ 377، عن أم الدرداء قالت: قلت لكعب الأحبار -وذكر شبيهًا بهذا البيهقي وقد جاء عند الدارمي: 1/ 6، من طريق معاوية بن صالح عن أبي فروة، عن ابن عباس، أنه سأل كعب الأحبار.

8 - ومن حديث سلمة بن سلامة بن وقش رضي الله عنه: وكان من أصحاب بدر قال: "كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال: فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بيسير، فوقف على مجلس عبد الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنًّا عليَّ بردة مضطجعًا فيها بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان، لا يرون أن بعثًا كائن بعد الموت. فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائنًا أنَّ الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار، ويجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم، والذي يحلف به، وَلوَدَّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه، ثم يدخلونه إياه، فيطبق به عليه، وأن ينجو من تلك النار غدًا. قالوا له: ويحك، وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمن. قالوا: ومتى تراه؟ قال: فنظر إليَّ -وأنا من أحدثهم سنًّا- فقال: إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه". قال سلمة: "فوالله ما ذهب الليل والنهار، حتى بعث الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهو حيٌّ بين أظهرنا، فآمنا به، وكفر به بغيًا وحسدًا، فقلنا: ويلك يا فلان، ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى: وليس به" (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن هشام في السيرة: 1/ 212 من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عرف، عن محمود بن لبيد، عن سلمة به، فصرح ابن إسحاق بالتحديث فانتفت شبهة التدليس". ومن طريق ابن إسحاق أخرجه أحمد في المسند: 3/ 467، والطبراني في الكبير حديث: 6327، والبخاري في التاريخ الكبير: 2/ 2 / 68 - 69، وأبو نعيم في الدلائل:191، والحاكم في المستدرك: 3/ 417 - 418، والبيهقي في الدلائل: 2/ 78 - 79 وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في المجمع: 8/ 230. رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع". فالحديث صحيح. يأسها من بعد إنكاسها: يأسها من الاستماع في السماع، أو استراق السمع بعد أن كانت قد ألفته، فانقلبت عن الاستراق، وقد يئست من السماع. القلاص: جمع قلوص: وهي الفيتة من النياق. جليح: الوقح المكافح بالعداوة.

المبحث الثاني: أخبار الكهان عن بعثته

المبحث الثاني: أخبار الكهان عن بعثته 9 - من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "ما سمعت عمر بشيء قط يقول: إني لأظنه كذا، إلا كان كما يظنُّ. بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل، فقال عمر: "لقد أخطأ ظني أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، عليَّ الرجل، فدعي، له، فقال له ذلك. فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم. قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني. قال: كنت كاهنهم في الجاهلية. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينما أنا يومًا في السوق، جاءتني أعرف منها الفزع، فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها ... ويأسها من بعد إنكاسها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها قال: صدق، بينما أنا نائم عند آلهتهم، إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ لم أسمع صارخًا قط أشد صوتًا منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله. فقمت، فما نشبنًا أن قيل: هذا نبي" (¬1). 10 - ومن حديث جابر رضي الله عنه قال: "أن أول خبر قدم علينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة كان لها تابع قال: فأتاها في صورة طير، فوقع على جذع لهم، قال: فقالت: ألا تنزل فنخبرك وتخبرنا، قال: إنه قد خرج رجل بمكة حرم علينا الزنا، ومنع منا القرار" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة، باب إسلام عمر: 3653، ومناقب الأنصار: 3866 والبيهقي في الدلائل: 2/ 248. وابن أبي خثيمة في تاريخه، والروياني في مسنده، كما عزاه إليهما ابن حجر في الإصابة: (2/ 95). (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 356، عن طريق إبراهيم بن أبي العباس أبو المليح، حدثنا عبد الله بن محمَّد بن عقيل به، وأبو نعيم في الدلائل: 1/ 107 حديث: 56، وابن سعد في الطبقات: 1/ 189، وقال الهيثمي في المجمع: 8/ 243: رواه أحمد والطبراني في الأوسط، ورجاله وثقوا.

المبحث الثالث تبشير النبيين به وكيف كان أول أمره

المبحث الثالث تبشير النبيين به وكيف كان أول أمره 11 - من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: "قلت يا نبي الله ما كان أول بدء أمرك؟ " قال: (دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي نورًا أضاءت منه قصور الشام) (¬1). 12 - ومن حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإنَّ آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، وكذلك ترى أمهات النبيين صلوات الله عليهم) (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 262. والطبراني في المعجم الكبير: 7729. والبيهقي في الدلائل: 1/ 84 وابن سعد في الطبقات: 1/ 102 من طريق فرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي أمامة. وقال الهيثمي في المجمع: 8/ 222 وإسناد أحمد حسن، وله شواهد تقويه". قلت: ومن هذه الشواهد الحديث الذي يليه عن العرباض بن سارية رقم: 12، وحديث عتبه بن عبد السلمي برقم: 24 ومن حديث خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر شبيهًا بهذا بزيادة، أخرجه الحاكم: 2/ 600، والبيهقي في الدلائل: 1/ 84، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في البداية: 2/ 256 صرح ابن إسحاق بالتحديث فيها، وهذا إسناد جيد قوي. قلت: فالحديث حسن لشواهده. (¬2) أخرجه أحمد: 4/ 127، 128، والطبراني في الكبير: 18/ 252، والبيهقي في الدلائل: 1/ 80، والبزار كما في كشف الأستار: 3/ 112 - 113. حديث: 2365 من طريق سعيد بن سويد، عن عبد الأعلى بن هلال، عن العرباض به. وأخرجه الحاكم: 2/ 600 من طريق سعيد بن سويد، وعنده رجل ضعيف هو ابن أبي مريم. وقال الهيثمي في المجمع: 8/ 223 رواه أحمد، والطبراني نحوه، والبزار وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد، ووثقه ابن حبان. وللحديث شواهد انظرها في الحديث الذي قبله، ومن حديث ميسرة: أخرجه أحمد: 5/ 59، والحاكم: 2/ 608 - 609، والبيهقي في الدلائل: 1/ 84 - 85.

الفصل الثالث حالة المجتمع الجاهلي قبل البعثة النبوية

الفصل الثالث حالة المجتمع الجاهلي قبل البعثة النبوية 13 - حديث أم سلمة رضي الله عنها في قصة الهجرة إلى الحبشة ومحاورة جعفر رضي الله عنه للنجاشي وقوله: "أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنَّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان. وأمر بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة" (¬1). 14 - حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن، الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة" (¬2). 15 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "إن النكاح في الجاهلية كان على أربع أنحاء: فنكاح منها نكاح اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته، فيصدقها ثم ينكحها. ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا، حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ¬

_ (¬1) الحديث صحيح انظر حديث رقم: 94. (¬2) أخرجه مسلم في الجنائز، باب التشديد في النياحة، حديث: 934. وأحمد: 5/ 342، 343، 344، والبيهقي في السنن: 4/ 63، والحاكم في المستدرك: 1/ 383، وقد جاء من حديث أبي هريرة شبيهًا بهذا الحديث، وأخرجه الترمذي: 1004، والطيالسي: 2395، وأحمد: 2/ 291، 414، 415، 455، 526، 531، والبزار، وقال الهيثمي في المجمع: 3/ 13، رواه البزار، وإسناده حسن.

ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع. ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت، ووضعت، ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه، فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع به الرجل. والنكاح الرابع: يجتمع الناس الكثير، فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها، وهنَّ البغايا كن ينصبن علي أبوابهن رايات تكون علمًا، فمن أرادهنَّ دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطه به، ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك. فلما بُعث محمد بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم" (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في النكاح، باب من قال لا نكاح إلا بولي: رقم: 5127، وأبو داود في الطلاق، باب في وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية: 2272، والبيهقي في سننه: 7/ 110، 190.

الباحثون عن الدين الحق في الجاهلية

الباحثون عن الدين الحق في الجاهلية زيد بن عمرو بن نُفيل 43 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالمًا من اليهود فسأله عن دينهم فقال: إني لعليّ أن أدين دينكم فأخبرني، فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. قال زيد: ما أفرُّ إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئًا، وأنَّى أستطيعه؛ فهل تدلني على غيره؟ قال ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديًّا ولا نصرانيًّا، ولا يعبد إلا الله. فخرج زيد فلقي عالمًا من النصارى فذكر مثله، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله. قال: ما أفرُّ إلا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئًا أبدًا، وأنَّى أستطيع؟ فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا. قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديًّا ولا نصرانيًّا، ولا يعبد إلا الله، فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السلام خرج، فلما برز رفع يديه، فقال: اللهم إني أشهد أني على دين إبراهيم" (¬1). 44 - من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: "رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائمًا مسندًا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش، والله ما منكم على دين إبراهيم غيري، وكان يحيي الموؤودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها، أنا أكفيك مؤونتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤنتها" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري في مناقب الأنصار، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، رقم: 3827، فتح الباري: 7/ 142. (¬2) رواه البخاري في مناقب الأنصار، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل رقم: 3828 فتح الباري: 7/ 143 معلقًا، ووصله الحاكم في المستدرك: 3/ 440، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، بل أخرجاه كما سبق ذكر.، وقال الحافظ: وصله جماعة ذكرهم في الفتن.

45 - أ - ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي زيد ابن عمرو بن نفيل بأسفل بَلدح قبل أن ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي، فَقُدِّمت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل ما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه. وإن زيد بن عمرو بن نفيل كان يعيب على قريش ذبائحهم، ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله، إنكارًا لذلك وإعظامًا له" (¬1). 45 - ب - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: "كنت من أهل فارس من أهل أصبهان، من قرية يقال لها جَيٌّ، وكان أبي دِهْقَان أرضه، وكان يحبني حبًّا شديدًا لم يحبه شيئًا من ماله ولا ولده، فما زال به حبُّه إيّايَ حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية. واجتهدت في المجُوسِيَّة حتى كنت قطن النَّار (الذي يُوقدُهَا) ولا يَتْرُكُها تَخْبُو ساعة، فكنت كذلك لا أعلم من أمر الناس شيئًا إلا ما أنا فيه، حتَّى بنى أبي بنيانًا له، وكانت له ضيعة فيها بعض العمل، فدعاني فقال: أي بني، إنه قد شغلني ما ترى من بنياني عن ضيعتي هذه، ولا بدَّ لي من إطلاعها، فانطلق إليها فأمرهم بكذا وكذا ولا تحتبسنَّ عنِّي، فإنك إن احتبست عنِّي شغلتني عن كلِّ شيءٍ. فخرجت أريد ضَيعته، فمررت بكنيسة النصارى، فسمعت أصواتهم فيها، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: هؤلاء النصارى يصلون. فدخلت أنظر فأعجبني ما رأيت من حالهم. فوالله ما زلت جالسًا عندهم حتى غربت الشمس. وبعث أبي في طلبي في كل وجهة حتى جئته حين أمسيت ولم أذهب إلى ضيعته، فقال أبي: أين كنت؟ ألم أكن قلت لك؟ فقلت: يا أبتاه مررت بناس يقال لهم النَّصارى، فأعجبني صلواتهم ودعاؤهم، فجلست أنظر كيف يفعلون. فقال: أيْ بُنَي دينك ودين آبائك خيرٌ من دينهم. فقلت: لا والله ما هو بخير من دينهم، هؤلاء قومٌ يعبدون الله ويدعونه ويصلون له، ونحن إنما نعبد نارًا نوقدها بأيدينا، إذا تركناها ماتت. فخافني، فجعل في رجْليَّ حديدًا، وحبسني في بيت عندَهُ، فبعثتُ إلى النصارى، فقلت لهم: أين أصْلُ هذا الدين الذي أراكم ¬

_ (¬1) رواه البخاري في مناقب الأنصار، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل رقم: 3826، فتح الباري: 7/ 142.

عليه؟ فقالوا: بالشام. فقلت: فإذا قدم عليكم من هناك ناسٌ فآذنُونِي، قالوا: نفعل. فقدم عليهم ناسٌ في تجارتهم. فبعثوا إليَّ أنَّه قد قدم علينا تجار من تجارنا. فبعثت إليهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فآذِنُوني. فقالوا: نفعل. فلما قضوا حوائجهم وأرادوا الرَّحيل بعثوا إليَّ بذلك، فطرحت الحديد الذي في رجليَّ ولحقت بهم، فانطلقت معهم حتى قدمت الشام. فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ فقالوا: الأسقُف صاحب الكنيسة. فجئته، فقلت له: أحببت أن أكون معك في كنيستك، وأعبد الله معك، وأتعلم منك الخير. قال: فكن معي. قال: فكنت معه، وكان رجل سَوْءٍ؛ كان يأمرهم بالصَّدقة ويرغِّبهم فيها. فإذا جَمعوها إليه اكْتَنَزَهَا ولم يعطها المساكين. فأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيت من حاله، فلم ينْشَب أن مات، فلما جاءُوا ليدفنوه قلت لهم: إن هذا رجل سَوْءٍ؛ كان يأمركم بالصدقة ويرغِّبكم فيها، حتى إذا جمعتموها إليه اكتَنَزَها ولم يعطها المساكين. فقالوا: وما علامة ذلك؟ فقلت: أنا أخرج لكم كنزه. فقالوا: فهاته. فأخرجت لهم سبع قلالٍ مملوءَة ذهبًا وَوَرِقًا. فلمَّا رأوا ذلك قالوا: والله لا يدفن أبدًا. فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة، وجاءُوا برجل آخر فجعلوه مكانه. فلا والله يا ابن عبَّاس، ما رأيتُ رجلًا قط لا يصلي الخمس أرى أنَّه أفضَل منه أشدَّ اجتهادًا، ولا أزْهَدَ في الدُّنيا، ولا أدأب ليلًا ولا نهارًا منه. ما أعلمني أحببت شيئًا قط، قبله، حُبَّه. فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة. فقلت: يا فلان، قد حضرك ما ترى من أمر الله، وإني والله ما أحببت شيئًا، قط، حُبَّك، فماذا تأمرني؟ إلى من توصيني؟ فقال: أي بني، والله ما أعلمه إلا رجلًا بالموُصل فائته، فإنك ستجده على مثل حالي. فلما مات (وغُيِّب) لحقت بالموصل، فأتيت صاحبها، فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزَّهادَة في الدنيا، فقلت له: إن فلانًا أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك. قال: فأقم أي بني. فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه، حتى حضرته الوفاة. فقلت له: إنَّ فلانًا أوصاني إليك وقد حَضَرَك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصيني، فقال: والله ما أعلمه، أي بني، إلا رجلٌ بنصيبين وهو على مثل ما نحن عليه، فالحقْ به، فلما دفناه. لحقت بالآخر فقلت له: يا فلان، إن فلانًا أوصاني إلى فلان، وفلان أوصاني إليك. قال: فأقم يا بني.

فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضرته الوفاة. فقلت له: يا فلان، إنَّه قد حضرك من أمر الله ما ترى، وقد كان فلانٌ أوصاني إلى فلانٍ، وأوصاني فلانٌ إلى فلان، وأوصاني فلان إليك، فإلى من توصيني؟ قال لي: أي بنيّ، والله ما أعلم أحدًا على مثل ما نحن عليه إلا رجل بعمُّورية من أرض الرُّوم، فأتِهِ، فإنك ستجده على مثل ما كنا عليه. فلما وَارَيْتُهُ، خرجت حتى قدمت على صاحب عَمُّوريَّة، فوجدته على مثل حالهم، فأقمت عنده، واكتسبت حتى كان لي غنَيمةٌ وبقرات. ثم حضرته الوفاة. فقلت: يا فلان، إن فلانًا كان أوصاني إلى فلان، وفلانٌ إلى فلان، وفلان إليك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله تعالى، فإلي من توصيني؟ قال: أي بني، والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه. ولكنَّه قد أظلك زمان نَبي يبعث من الحرم، مُهاجَرُهُ بين حَرَّتيْن، إلى أرض سِبِخةٍ ذات نخيل، وإنَّ فيه علامات لا تخفى: بين كتفيه خاتم النبوَّة، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة. فإن استطعت أن تَخْلص إلى تلك البلاد فافعل، فإنه قد أظلك زمانه. فلما واريناه، أقمت حتى مَرَّ رجالٌ من تجار العرب من كَلبٍ، فقلت لهم: تحملوني معكم حتى تقدموا بي أرض العرب، وأعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي؟ قالوا: نعم. فأعطيتهم إياها، وحملوني حتى إذا جاءُوا بي وادي القرى ظلموني فباعوني عَبدًا من رجل من يهود، بوادي القُرى. فوالله لقد رأيت النخل، وطمعت أن تكون البلد الذي نَعَتَ لي صاحبي وما حقت عندي، حتى قدم رجل من بني قُريظة، من يهود وادي القرى، فابتاعني من صاحبي الذي كنت عنده، فخرج بي حتى قدم المدينة. فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفت نعمته، فأقمت في رِق مع صاحبي. وبعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم -، بمكة لا يذكر لي شيئًا من أمره مع ما أنا فيه من الرِّق حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُباء، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له. فوالله إني لفيها إذ جاءَ ابن عم له، فقال: يا فلان قاتل الله بني قَيْلة، ووالله إنهم الآن لفي قُباءَ مجتمعون على رجل من مكة، يزعمون أنه نبي، فوالله ما هو إلا أن سمعتها، فأخذتني "العُرَوَاءُ" -يقول "الرِّعدة"- حتى ظننت لأسقطن على صاحبي. ونزلت أقول: ما هذا الخبر؟ ما هو؟ فرفع مولاي يده، فلكمني

لكمة شديدة، وقال: ما لك ولهذا؟ أقبل قِبَلَ عملك. فقلت: لا شيء، إنما سمعت خبرًا فأحببت أن أعلمه. فلمَّا أمسيت، وكان عندي شيءٌ من طعام، فحملته وذهبت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو بِقُباء، فقلت: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، وأن معك أصحابًا لك غرباء، وقد كان عندي شيء للصدقة، فرأيتكم أحقَّ مَنْ بهذه البلاد (به) فها هو ذا فكل منه. فأمسك رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - بيده، وقال: لأصحابه: كُلوا، ولم يأكل. فقلت في نفسي هذه خلة مما وصَفَ لي صاحبي. ثم رجعت، وتحوَّل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، إلى المدينة فجمعت شيئًا كان عندي ثم جئته به، فقلت: إن قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة. فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسول-، وأكل أصحابه. فقلت: هذه خلتان. ثم جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي وهو فى أصحابه، فاستدرت به لأنظر إلى الخاتم في ظهره، فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، اسْتَدْبَرْتُه عَرَفَ أني أسْتَتْبِتُ شيئًا قد وُصف لي، فوضع رداءَه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي فأكْبَبْتُ عليه أقبله وأبكي. فقال: تحوَّل يا سلمان هكذا. فتحولت فجلست بين يديه. وأحب أن يُسْمِع أصحَابه حديثي عنه. فحدَّثته يا ابن عباس كما حدَّثتك. فلما فرغت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كاتب يا سلمان. فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها، وأربعين أوقية. وأعانني أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بالنخل: ثلاثين وَدِيَّة (¬1). وعشرين وَديَّة، وَعَشْرٍ، كل رجل منهم على قدر ما عنده. فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فقِّرْ لها (¬2) فإذا فرغت فآذني حتى أكون الذي أضعها بيدي. ففقرتها وأعانني أصحابي -يقول حَفَرْتُ لها حيث توضع- حتى فرغنا منها. ثم جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله، قد فرغنا منها فخرج معي حتى جاءَها، وكنا نحمل إليه الوَديَّ، ويضعه بيده، ويُسَوَّي عليها. فوالذي بعثه بالحق ما ماتت منها وَدِيَّة واحدةٌ. وبقيت عليَّ الدراهم. فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل البَيْضة من الذهب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أين الفارس المسلم المكَاتب؟ فَدعِيتُ له، فقال: خذ هذه يا سلمان، فأدها مما عليك. فقلت: يا ¬

_ (¬1) الودية: النخلة الصغيرة. (¬2) فقر لها: أي أحفر.

رسول الله، وأين تقع هذه مما علي؟ قال: فإن الله تعالى سيؤدي بها عنك. فوالذي نفس سلمان بيده لوَزَنْتُ لهم منها أربعين أوقيَّة، فأدَّيتها إليهم وعتق سلمان. وكان الرِّق قد حبسني حتى فاتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بدْرٌ وأحُدٌ، ثم عتقت فشهدت الخندَق، ثم لم يفتني معه مشهد (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 441 - 444، وابن هشام في السيرة: 1/ 228 - 235، والبيهقي في الدلائل: 2/ 92 - 97 والخطيب في التاريخ: 1/ 164 - 169، وأبو نعيم في دلائل النبوة: 199، وابن سعد في الطبقات: 4/ 75 - 80، والطبراني في الكبير برقم: 6065، جميعًا من طريق ابن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن ابن عباس عن سلمان به. وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فزالت شبهة التدليس والإسناد حسن.

الفصل الرابع قصة حفر زمزم

الفصل الرابع قصة حفر زمزم 16 - من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه- قال: "قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال لي: احفر طيبة. قلت: وما طيبة؟ قال: ثم ذهب عني. قال: فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر برَّة، قال: قلت وما برَّة؟ قال: ثم ذهب عني. فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني. فقال: احفر المضنونة. قال: قلت: وما المضنونة؟ قال: ثم ذهب عني. فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه. فجاءني فقال: احفر زمزم. قال: قلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزف أبدًا، ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، عند نقرة الغراب الأعصم، عند قرية النمل. قال: فلما بين شأنها، ودلَّ على موضعها، وعرف أنه قد صدق، غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب، وليس معه يومئذ ولد غيره، فحفر فيها، فلما بدا لعبد المطلب الطيُّ كبَّرَ، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته، فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل، وإنَّ لنا فيها حقًّا، فأشركنا معك فيها. قال: ما أنا بفاعل، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم، وأعطيته من بينكم. قالوا له: فأنصفنا، فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه. قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم، قال: نعم، وكانت بأشراف الشام. فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أمية، وركب من كل قبيلة من قريش نفر، فخرجوا والأرض إذ ذاك مفاوز، حتى إذا كانوا ببعضها نفد ماء عبد المطلب وأصحابه، فعطشوا حتى استيقنوا بالهلكة، فاستسقوا من كانوا معهم فأبوا عليهم،

وقالوا: إنا بمفازة وإنا نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم. فقال عبد المطلب: إني أرى أن يحفر كلُّ رجل منكم حفرته لنفسه بما لكم الآن من القوة، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه، حتى يكون آخرهم رجلًا واحدًا، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعه. فقالوا: نعم ما أمرت به. فحفر كل رجل لنفسه حفرة، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشًا. ثمَّ إنَّ عبد المطلب قال لأصحابه: والله إنَّ إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا ضرب في الأرض، ولا نبتغي لأنفسنا لعجز، فعسى الله أن يرزقنا ماءً ببعض البلاد، ارتحلوا. فارتحلوا حتى إذا بعث عبد المطلب راحلته انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب، فكبَّر عبد المطلب، وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه، واستسقوا حتى ملأوا أسقيتهم، ثم دعا قبائل قريش -وهم ينظرون إليهم في جميع هذه الأحوال- فقال: هَلمُّوا إلى الماء فقد سقانا الله، فجاءوا فشربوا، واستقوا كلهم، ثم قالوا: قد والله قضى لك علينا، والله ما نخاصمك في زمزم أبدًا، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشدًا. فرجع ورجعوا معه، ولم يصلوا إلى الكاهنة، وخَلَّوا بينه وبين زمزم". قال ابن إسحاق: فهذا ما بلغني عن علي بن أبي طالب في زمزم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه ابن إسحاق بسنده، فقال: حدثني يزيد بن حبيب المصري، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن عبد الله بن زرير أنه سمع علي بن أبي طالب، فذكره .... انظر السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 142 - 155. والسير والمغازي لابن إسحاق صفحة: 24 - 25 تحقيق سهيل زكار. والبيهقي في الدلائل: 1/ 93 - 95، من طريق ابن إسحاق، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع، فسنده صحيح، وله شاهد من مرسل الزهري عند عبد الرزاق في المصنف، حديث رقم: 9718، 5/ 314، ورواه ابن سعد في طبقاته: 1/ 83 - 85 من طريق الواقدي، وهو ضعيف. فالحديث بهذا صحيح من طريق البيهقي وابن هشام.

الفصل الخامس أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة

الفصل الخامس أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة المبحث الأول: مولده صلى الله عليه وسلم ولد في ربيع الأول يوم الإثنين بلا خلاف، والأكثرون على أنه ليلة الثاني عشر منه (¬1). وقال خليفة بن خياط: والمجمع عليه أنه - عليه السلام - ولد عام الفيل (¬2). 17 - من حديث قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رضي الله عنه قال: "ولدت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل، فنحن لِدَّان، ولدنا مولدًا واحدًا" (¬3). 18 - ومن حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه عن صوم يوم الاثنين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ذاك يوم ولدت فيه، ولوم بعثت أو أنزل عليَّ فيه) (¬4). 19 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، وخرج مهاجرًا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، ورفع الحَجَرَ الأسود يوم الاثنين" (¬5) 20 - ومن حديث ابن عباس وجابر رضي الله عنهم أنهما قالا: "ولد رسول ¬

_ (¬1) انظر سيرة ابن هشام: 1/ 158، تاريخ الطبري: 2/ 154 - 157، الاستيعاب: 1/ 30 - 31، البداية والنهاية: 2/ 259 - 262، دلائل النبوة لأبي نعيم: 1/ 40، دلائل النبوة للبيهقي: 1/ 89 - 94. (¬2) السيرة النبوية لابن كثير: 1/ 203. (¬3) أحمد: 4/ 215، والترمذي في المناقب باب ما جاء في ميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم - بزيادة: 3619 وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمَّد بن إسحاق، وقد صرح بالتحديث، فانتفت الشبهة في التدليس" قلت وبذلك يصح الحديث. (¬4) مسلم: كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر: 1162 وأبو داود في الصيام، باب في صوم الدهر تطوعًا رقم: 2426. (¬5) أخرجه أحمد: 1/ 277، والطبراني في الكبير: 12984 من طريق ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني به، ومن الرواة عن ابن لهيعة عمرو بن خالد عند الطبراني، وقد سمع من ابن لهيعة قبل اختلاطه، فالحديث بهذا حسن، وله شواهد، انظر ما بعده:20. وقال الهيثمي في المجمع: 1/ 196، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات من أهل الصحيح.

المبحث الثاني: مرضعاته عليه الصلاة والسلام

الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات". هذا هو المشهور عند الجمهور. والله أعلم (¬1). 21 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل" (¬2). المبحث الثاني: مرضعاته عليه الصلاة والسلام ثويبة مولاة أبي لهب مولاة بني هاشم 22 - من حديث زينب ابنة أبي سلمة أنَّ أمَّ حبيبة رضي الله عنها أخبرتها أنها قالت: "يا رسول الله، انكح أختي بنت أبي سفيان، فقأل: أو تحبين ذلك؟ فقالت: نعم، لست لك بِمُخْلِيةً، وأحَبُّ من شاركني في خير أختي". فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ ذلك لا يحلُّ لي. قلت: فإنا نُحَدَّثُ أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة. قال: بنت أم سلمة؟ قلت: نعم. فقال: لو أنَّها لم تكن ربيبتي في حجري ما حَلَّت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تَعْرضَنَّ عليَّ بناتكن، ولا أخواتكن) (¬3). ¬

_ (¬1) ابن أبي شيبة في مصنفه، وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، انظر السيرة النبوية، لابن كثير: 1/ 199. (¬2) رواه الطبراني في الكبير: 12432، والبيهقي في دلائل النبوة: 1/ 10، والبزار كما في كشف الأستار: 1/ 121، حديث: 226 عن طريق يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن سعيد بن جبير به. وقال الهيثمي في المجمع: 1/ 196: رواه البزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون. (¬3) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} رقم: 5101، فتح الباري: 9/ 140، مسلم: 1449، الرضاع، باب تحريم الربيبة وأخت المرأة، وأبو داود: 2056 النكاح، وباب يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وابن ماجه: 1939كتاب النكاح، باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، والنسائي في النكاح، باب تحريم الجمع بين الأختين: 6/ 96، وابن سعد في الطبقات: 1/ 108. قمراء: القمرة لون البياض إلى الخضرة. وأدمت: حدثت في ركبها جروح دامية باصطكاكها، والشارف: الناقة المسنة. وبض: سال منه الماء شبه العرق أي قليلًا قليلًا، شهباء: مجدبة لا خضرة فيها ولا مطر.

حليمة السعدية

حليمة السعدية 23 - من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما: قال: "لما وُلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدمت حليمة بنت الحارث، في نسوة من بني سعد بن بكر يلتمسون الرضعاء بمكة. قالت حليمة: فخرجت في أوائل النسوة على أتان لي، قمراء، ومعي زوجي الحارث بن عبد العزى، أحد بني سعد بن بكر، ثم أحد بني ناضرة، قد أدمت أتاننا، ومعي بالركب شارف والله ما تبض بقطرة لبن، في سنة شهباء. قد جاع الناس حتى خلص إليهم الجهد، ومعي ابن لي، والله ما ينام ليلنا، وما أجد في يدي شيئًا أعلله به، إلا أنا نرجوا الغيث، وكانت لنا غنم، فنحن نرجوها. فلما قدمنا مكة فما بقي منا أحد إلا عرض عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَكَرهَتْهُ، فقلنا: إنه يتيم، وإنما يكرم الظئر، ويحسن إليها الوالد، فقلنا: ما عسى أن تصنع بنا أمه أو عمه أو جده، فكلُّ صواحبي أخذ رضيعًا، فلما لم أجد غيره، رجعت إليه، وأخذته، والله ما أخذته إلا إني لم أجد غيره، فقلت لصاحبي: والله لآخذنَّ هذا اليتيم من بني عبد المطلب، فعسى الله أن ينفعنا به، ولا أرجع من بين صواحبي ولا آخذ شيئًا، فقال: قد أصبت. قالت: فأخذته، فأتيت به الرَّحْلَ، فوالله ما هو إلا أن أتيت به الرَّحْلَ، فأمسيت أقبل ثدياي باللبن، حتى أرويته، وأرويت أخاه، وقام أبوه إلى شارفنا تلك يلمسها، فإذا هي حافل، فحلبها، فأرواني وروي، فقال: يا حليمة، تعلمين والله لقد أصبنا نسمة مباركة، ولقد أعطى الله عليها ما لم نتمنَّ، قالت: فبتنا بخير ليلة، شباعًا، وكنا لا ننام ليلنا مع صبينا. ثم اغتدينا راجعين إلى بلادنا أنا وصواحبي، فركبت أتاني القمراء، فحملته معي، فوالذي نفس حليمة بيده لقطعَتْ الركب حتى أن النسوة ليقلن: أمسكي علينا، أهذه أتانك التي خرجت عليها؟ فقلت: نعم، فقالوا: إنها كانت أدمت حين أقبلنا فما شأنها؟ قالت، فقلت: والله حملت عليها غلامًا مباركًا. قالت: فخرجنا، فما زال يزيدنا الله في كل يوم خيرًا، حتى قدمنا والبلاد سِنَةٌ، ولقد كان رعاتنا يسرحون ثم يريحون، فتروح أغنام بني سعد جياعًا، وتروح غنمي شباعًا، بِطانًا، حفلًا، فنحتلب، ونشرب، فيقولون: ما شأن

غنم الحارث بن عبد العزى، وغنم حليمة تروح شباعًا حفلًا، وتروح غنمكم جياعًا؟ ويلكم اسرحوا حيث تسرح غنم رعاؤهم، فيسرحون معهم، فما تروح إلا جياعًا، كما كانت، وترجع غنمي كما كانت. قالت: وكان يُنسب شبابًا ما يشبه أحد من الغلمان، يشب في اليوم شباب الغلام في الشهر، ويشب في الشهر شباب السنة، فلما استكمل سنتين أقدمناه مكة، أنا وأبوه، فقلنا: والله لا نفارقه أبدًا ونحن نستطيع، فلما أتينا أمه، قلنا: أي ظئر! والله ما رأينا صبيًّا قط أعظم بركة منه، وإنا نتخوف عليه وباء مكة وأسقامها، فدعيه نرجع به حتى تبرئي من دائك، فلم نزل بها حتى أذنت، فرجعنا به، فأقمنا أشهرًا ثلاثة أو أربعة. فبينما هو يلعب خلف البيوت هو وأخوه في بُهْم له، إذ أتى أخوه يشتدُّ، وأنا وأبوه في البدن، فقال: إن أخي القرشي، أتاه رجلان عليهما ثياب بيض، فأخذاه واضطجعاه، فشقَّا بطنه، فخرجت أنا وأبوه يشتدُّ، فوجدناه قائمًا، قد انتقع لونه، فلما رآنا أجهش إلينا، وبكى، قالت: فالتزمته أنا وأبوه، فضممناه إلينا، فقلنا: ما لك بأبي أنت؟ فقال: أتاني رجلان وأضجعاني، فشقا بطني، وصنعا به شيئًا، ثم رداه كما هو، فقال أبوه: والله ما أرى ابني إلا وقد أصيب، إلحقي بأهله، فرديه إليهم قبل أن يظهر له ما نتخوف منه. قالت: فاحتملناه، فقدمنا به على أمه، فلما رأتنا أنكرتْ شأننا، وقالت: ما رجعكما به قبل أن أسألكماه، وقد كنتما حريصين على حبسه؟ فقلنا: لا شيء إلا أن قد قض الله الرضاعة وسرّنا ما نرى، وقلنا: نؤويه كما تحبون أحبَّ إلينا، قال: فقالت: إن لكما شأنًا فأخبراني ما هو، فلم تدعنا حتى أخبرناها، فقالت: كلا والله، لا يصنع الله ذلك به، إن لابني شأنًا، أفلا أخبركما خبره، إني حملت به، فوالله ما حملت حملًا قط، كان أخف علي منه، ولا أيسر منه، ثم أريت حين حملته خرج مني نور أضاء منه أعناق الإبل ببصري -أو قالت: قصور بصرى- ثم وضعته حين وضعته، فوالله ما وقع كما يقع الصبيان، لقد وقع معتمدًا بيديه على الأرض رافعًا رأسه إلى السماء فدعاه عنكما فقبضه وانطلقنا" (¬1). ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان كما في الموارد: 512، 513، والطبراني في الكبير: 24/ 212 - 215، والبيهقي في الدلائل: 1/ 133 - 136، والسيرة النبوية بشرح الخشني: 1/ 214 وإسحاق بن راهويه في مسنده كما في المطالب العالية: 4/ 167 - 171، وأبو يعلى كما في مجمع الزوائد: 8/ 221 جميعًا من طريق بن إسحاق، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع في رواية السيرة، وقال الهيثمي في المجمع: 8/ 227، رواه =

المبحث الثالث: شق صدره وذر السكينة على قلبه

المبحث الثالث: شق صدره وذر السكينة على قلبه سبق ذكرها في الحديث السابق 24 - من حديث عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه: "أنَّ رجلًا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال: (كانت حاضتني من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بُهْم لنا، ولم نأخذ معنا زادًا. فقلت: يا أخي، اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا. فانطلق أخي، ومكثت عند البهم، فأقبل طيْرَان أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم، فأقبلا يبتدراني، فأخذاني، فبطحاني إلى القفا، فشقَّا بطني، ثم استخرجا قلبي، فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه: -قال: يزيد في حديثه- أفتني بماء ثلج، فغسلا به جوفي، ثم قال: أئتني بماء برد، فغسلا به قلبي، ثم قال: أئتني بالسكينه، فَذَرَّاها في قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خِطه، فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة. فقال أحدهما لصاحبه: اجعله في كِفَّةٍ، واجعل ألفًا من أمته في كفة، فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي، أشفق أن يخرَّ عليَّ بعضهم، فقال: لو أن أمته وزنت به لمال بهم، ثم انطلقا وتركاني. وفَرقَتُ فرقًا شديدًا، ثم انطلقت إلى أمي، فأخبرتها بالذي لقيته، فأشفقت عليَّ أن يكون ألبس بي قالت: أعيذك بالله، فرحَّلت بعيرًا لها، فجعلتني أو فحملتني على الرحل، وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي فقالت: أديت أمانتي وذمتي، وحدثتها بالذي لقيت، فلم يرعها ذلك، فقالت لي: رأيت خرج مني نور، أضاءت منه قصور الشام) (¬1). ¬

_ = أبو يعلى، والطبراني بنحوه إلا أنه قال: حليمة بنت أبي ذؤيب، ورجالهما ثقات، قلت ولكثير من مقاطع الحديث شواهد تقويها ولذلك فالحديث حسن لشواهده. وناقة حافل: كثير لبنها. لقطعت: سبقت. (¬1) رواه أحمد في المسند: 4/ 184 - 185، والحاكم في المستدرك: 2/ 616 - 617، والطبراني في الكبير ددد 17/ 131،ددد والدارمي في المقدمة، باب كيف كان أول شأن النبي: 1/ 8، جميعًا من طريق بقية، حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان، عن ابن عمرو السلمي، عن عتبة بن عبد السلمي، وقد صرح بقية بالتحديث عندهم جميعًا إلا عند الدارمي، وبقية إذا روى عن بحير فهو معتد به، ومقبول وموثق، =

المبحث الرابع: وفاة أمه - عليه السلام - وزيارته قبرها بعد البعثة

25 - وقد جاء من حديث أنس رضي الله عنه باختصار أكثر فقال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل - صلى الله عليه وسلم - وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشقَّ عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظُّ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه "يعني ظئره" فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه، وهو منتقع اللون". قال أنس: "وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره" (¬1). وقد حدثت أيضًا حادثة شقِّ الصدر مرة أخرى في رحلة الإسراء والمعراج، وسيأتي تفصيلها هناك فانظرها. المبحث الرابع: وفاة أمه - عليه السلام - وزيارته قبرها بعد البعثة 26 - قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: "أنَّ أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفيت وهو ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة. كانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم، فماتت وهي راجعة به إلى مكة" (¬2). 27 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت" (¬3). ¬

_ = وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي. وقال الهيثمي في المجمع: 8/ 222 إسناد أحمد حسن، وللحديث شواهد سبق ذكرها تحت رقمي: 11 - 12، فالحديث صحيح. (¬1) رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقم: 261، أحمد في المسند:3/ 121، 149، 228، والحاكم في المستدرك: 2/ 116 - 117، والبيهقي في الدلائل: 2/ 7 - 8، والدارمي في المقدمة، باب كيف كان أول شأن النبي: 1/ 8 - 9. ومعنى منتفع اللون: متغير اللون. والمخيط: الإبرة. لأمه: جمعه، وضم بعضه إلى بعض. (¬2) ابن هشام في السيرة: 1/ 168، عن ابن إسحاق، ورجاله ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه، ابن كثير: 1/ 235. (¬3) رواه مسلم في الصحيح، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه - عزَّ وجلَّ - في زبارة قبر أمه الحديث رقم: 976، 2/ 671.

المبحث الخامس: كفالة جده وحبه له

المبحث الخامس: كفالة جده وحبه له 28 - من حديث كندير بن سعيد عن أبيه قال: حججت في الجاهلية فهذا رجل يطوف بالبيت وهو يرتجل يقول: رب رد راكبي محمدًا ... رده لي واصطنع عندي يدًا قلت: من هذا يعني؟ قال: عبد المطلب بن هاشم ذهبت إبل له، فأرسل ابن ابنه في طلبتها، فاحتبس عليه، ولم يرسله في حاجة قط إلا جاء بها، قال: فما برحت حتى جاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجاء بالإبل فقال: يا بني، لقد حزنت عليك كالمرأة حزنًا لا يفارقني أبدًا" (¬1). المبحث السادس: رعيه الغنم وعصمة الله له من الزلل 29 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) (¬2). 30 - ومن حديث جابر رضي الله عنه: قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نجتني الكباث، فقال: (عليكم بالأسود منه، فإنه أطيبه قال: قلنا: وكنت ترعى الغنم يا رسول الله؟ قال: (نعم، وهل من نبيّ إلا قد رعاها) (¬3). 31 - من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمُّون به، إلا مرتين من الدهر، كلتيهما يعصمني الله منهما، قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في الكبير: 5524، والبيهقي في دلائل النبوة: 2/ 20 - 21 وابن سعد في الطبقات: 1/ 111، والحاكم في المستدرك: 2/ 603، 604، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: 2/ 3 / 173، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في "المجمع: 8/ 224: رواه أبو يعلى، والطبراني، وإسناده حسن. وعزاه السيوطي في الخصائص: 1/ 81 إلى البخاري في تاريخه، وابن عدي وأبو نعيم، وابن مندة. (¬2) رواه البخاري في كتاب الإجارة، باب: رعى الغنم على قراريط، فتح البارى: 4/ 441، رقم 2262، وابن ماجه في سنته، كتاب التجارات، باب الصناعات، رقم: 2149، وابن سعد: 1/ 145. (¬3) أخرجه البخاري في الأطعمة، باب الكباث، حديث: 5453، ومسلم في الأشربة، باب فضيلة الأسود من الكبات، حديث: 2050.

المبحث السابع: قصة بحيرا الراهب

أغنام لأهله يرعاها: (أبصر إلى غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة، كما يسمر الفتيان، قال: نعم، فخرجت، فجئت أدنى دار من دور مكة، سمعت غناء، وضرب دفوف، ومزامير، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: فلان تزوج فلانة، لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش، فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا حر الشمس، فرجعت فقال: ما فعلت؟ فأخبرته. ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل، فخرجت، فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مسُّ الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي فقال: فما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئًا. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته" (¬1). المبحث السابع: قصة بحيرا الراهب 32 - من حديث أبي موسى الأشعري: قال: "خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي - صلى الله عليه وسلم - في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا، فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يسيرون، فلا يخرج إليهم، ولا يلتفت. قال: فهم يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء، فأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرَّ ساجدًا، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة. ثم رجع فصنع لهم طعامًا، فلما أتاهم به، وكان هو في رعية الإبل قال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى ¬

_ (¬1) أخرجه أبو نعيم في الدلائل: 128، والبيهقي في الدلائل: 2/ 33، والبزار كما في الكشف برقم: 2403، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان: 8/ 56، رقم: 6239، وانظر المطالب العالية: 4/ 178. رقم 4259. وقال البوصيري: رواه إسحاق بن راهويه بإسناد حسن، وابن حبان في صحيحه، وهكذا رواه محمد بن إسحاق في السيرة، وقال ابن حجر: هذه الطريق حسنة جليلة، وما روي في شيء من المسانيد الكبار إلا في مسند إسحاق، هذا وهو حديث حسن فصل، ورجاله ثقات. وقال الهيثمي في للجمع: 8/ 226 رواه البزار ورجاله ثقات. وأخرجه الحاكم في المستدرك: 4/ 245. وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه. قال: فبينما هو قائم عليهم، وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إذا عرفوه بالصفة فيقتلونه، فالتفتَ فإذا سبعة قد أقبلوا من الروم، فاستقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جاءنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس، وإنا قد أخبرنا خبره، بعثنا إلى طريقك هذا، فقال: هل خلفكم أحد هو خير منكم؟ قالوا: إنما اخترنا خيره لك لطريقك هذا، قال: أفرأيتم أمرًا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا. قال: فبايعوه وأقاموا معه. قال: أنشدكم الله أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه (أبا بكر وبلالًا) وزوده الراهب من الكعك والزيت" (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي فى المناقب، باب ما جاء في بدء نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -: 3620، وابن أبي شيبة في مصنفه: 18390، وأعلام النبوة للماوردي: 155 - 156، وأبو نعيم في الدلائل: 51 - 54، والطبري في تاريخه: 2/ 277 - 279، والبيهقي في دلائل النبوة: 1/ 307 - 312 والحاكم في المستدرك: 2/ 615، والسيرة النبوية، للذهبي ص: 28. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخبن، ولم يخرجاه. وقال الذهبي: أظنه موضوعًا وبعضه باطل. وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وانظر نقد ابن كثير لهذا الحديث في السيرة النبوية له: 1/ 243، وقد تكلم عليه الذهبي في السيرة النبوية له ص: 28. وقال: حديث منكر جدًّا، وذكر مجموعة من الأسباب التي توضح قوله هذا. وتكلم عليه شبيها بما قال الذهبي، ابن سيد الناس في عيون الأثر ص: 55، وقال ابن حجر في الإصابة: رجاله ثقات، وذِكْرُ أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ، ونقل الشيخ الألباني تصحيحه عن الجرزي ومال إلى تصحيحه في تعليقه على فقه السيرة (ص: 68)، قلت: وسنده صحيح رجاله ثقات، وذكر بلال وأبي بكر فيه غلط واضح كما قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: (1/ 76) ولعلها مدرجة فيه ووهم من أحد الرواة كما قال الحافظ ابن حجر.

المبحث الثامن: مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حلف الفضول

المبحث الثامن: مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حلف الفضول 33 - من حديث عبد الرحمن بن عوف قال - عليه السلام -: شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم، وأني أنكثه) (¬1). وحلف الفضول هو كما قال محمد بن إسحاق: وتداعت قبائل من قريش إلى حلف، فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان، لشرفه وسنه. وكان حلفهم عنده بنو هاشم وبنو عبد المطلب وبنو أسد بن عبد العزى، وزهرة ابن كلاب، وتيم بن مرة. فتعاهدوا وتعاقدوا على أن لا يجدوا مظلومًا من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا كانوا معه، وكانوا على من ظلمه حتى يردوا عليه مظلمته. فسَمَّت قريشًا ذلك الحلف حلف الفضول" المبحث التاسع: زواجه من خديجة وبيان عظم منزلتها 34 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر خديجة، وكان أبوها يرغب عن أن يزوجه، فصنعت طعامًا وشرابًا، فدعت أباها وزُمَرًا من قريش، فطعموا وشربوا حتى ثملوا، فقالت خديجة لأبيها: "إن محمد ابن عبد الله يخطبني فزوجني إياه، فزوجها إياه، فخلقَتْهُ، وألبسته حلة، وكذلك كانوا يفعلون بالآباء، فلما سرى عنه سكره نظر، فإذا هو مخلَّق، وعليه حلَّة، فقال ما شأني؟ ما هذا؟ فقالت: زوجتني محمد بن عبد الله، قال: أزوج يتيم أبي طالب، لا لعمري. فقالت خديجة: أما تستحي، تريد أن تسفه نفسك عند قريش، تخبر الناس أنك كنت سكران؟ فلم تزل به حتى رضي) (¬2). 35 - ويؤيده ما جاء من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه بنحو اللفظ ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد: 1/ 190، 193، وأبو يعلى رقم: 844، 845، 846، والبزار كما في كشف الأستار: 1914، 3308. وقال الهيثمي في المجمع: 8/ 172: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، ورجال حديث عبد الرحمن بن عوف رجال الصحيح". وقال الشيخ الساعاتي في الفتح الرباني: 21/ 9 الحديث إسناده صحيح. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 312 والبيهقي في الدلائل: 2/ 73، مختصرًا والطبراني في الكبير رقم: 12838. وقال الهيثمي: 9/ 220: رواه أحمد، والطبراني، ورجال أحمد والطبراني رجال الصحيح.

السابق ببعض زياده (¬1). وهذا يردُّ ما جاء عن المؤملي أن الذي زوج خديجة هو عمها عمرو بن أسد، لأن المؤملي متروك، لا يعتد بكلامه ... (¬2). 36 - وعن الزهري قال: "لم يتزوج رسول الله على خديجة حتى ماتت" (¬3). 37 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأرض أربعة خطوط، فقال: (أتدرون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، ومريم بنة عمران، وآسية بنة مزاحم امرأة فرعون) (¬4). 38 - ومن حديث علي بن أبي طالب قال - عليه السلام -: (خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة) (¬5). 39 - ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى جبريل - عليه السلام - النبي فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام وطعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صَخَبَ فيه، ولا نَصَب" (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في الكبير برقم: 1858، والبزار كما في الكشف رقم: 2657 قال الهيثمي في المجمع: 9/ 222: أخرجه الطبراني والبزار، ررجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي خالد الوالبي، وهو ثقة، ورجال البزار أيضًا رجال الصحيح غير أحمد بن يحيى الصوفي، وهو ثقة، لكنه ليس من رجال الصحيح، وقال ابن حجر: وكذا شيخ الطبراني، فكان ينبغي أن يقول: ورجالهما رجال الصحيح سوى شيخيهما وأبي خالد الوالبي. (¬2) مجمع الزوائد: 9/ 221. (¬3) قال الهيثمي في المجمع: 9/ 220: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (¬4) أخرجه أحمد: 1/ 316، 322، والطبراني في الكبير: 11928، والحاكم: 1853، وأبو يعلى في مسنده رقم: 2722، وأحمد في فضائل الصحابة: 1339، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه الحافظ ابن حجر في الفتح: 7/ 133. وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 221 رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، ورجالهم رجال الصحيح. (¬5) رواه البخاري في مناقب الأنصار، باب تزويج النبي خديجة: 3815، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين: 2430، والترمذي في المناقب، باب خديجة: 3877، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف: 7/ 395، وأحمد في المسند: 1/ 161، 132، 143، وفي فضائل الصحابة: 1563. (¬6) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب تزويج خديجة وفضلها، فتح الباري رقم: 3820، 7/ 133 - 134، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين: 2432، والترمذي في المناقب، باب فضل خديجة رقم: 3876، وأحمد في المسند: 2/ 231، والحاكم في المستدرك:3/ 185، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي فيه، وليس الأمر كما قالاه، فقد أخرجه الشيخان كما ترى.

المبحث العاشر: مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم في بناء الكعبة

المبحث العاشر: مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم في بناء الكعبة 40 - من حديث أبي الطفيل رضي الله عنه قال: "كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم، وكانت قدر ما يفتحها العناقة، وكانت غير مسقوفة، إنما توضع ثيابها عليها ثم تسدل سدلًا عليها، وكان الركن الأسود موضوعًا على سورها تأدبًا، وكانت ذات ركنين كهيأة الحلقة. فأقبلت سفينة من أرض الروم، حتى إذا كانوا قريبًا من جدة، تكسرت السفينة، فخرجت قريش ليأخذوا خشبها، فوجدوا روميًّا عندها، فأخذوا الخشب أعطاهم إياه. وكانت السفينة تريد الحبشة، وكان الرومي الذي في السفينة نجارًا، فقدموا، وقدموا بالرومي، فقالت قريش: نبني بهذا الخشب الذي في السفينة بيت ربنا. فلما أرادوا هدمه، إذا هم بحية على سور البيت مثل قطعة الحائر، سوداء الظهر، بيضاء البطن، فجعلت كلما دنا أحد إلى البيت ليهدمه أو يأخذ من حجارته، سعت إليه فاتحة فاها. فاجتمعت قريش عند المقام، فعجُّوا إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- فقالوا: ربنا لم ترع، أردنا تشريف بيتك، فإن كنت ترضى بذلك، وإلا فافعل ما بدا لك. فسمعوا خوارًا في السماء، فهذا بطائر أسود الظهر، أبيض البطن والرجلين، أعظم من البشر، فغرز مخاليبه في رأس الحية، حتى انطلق بها يجر ذنبها، أعظم من كذا وكذا ساقطًا، فانطلق نحو أجياد، فهدمتها قريش، وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي تحملها قريش على رقابها، فرفعوها في السماء عشرين ذراعًا. فبينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يحمل حجارة من أجياد، وعليه نمرة، فضاقت عليه النمرة، فذهب يضع النمرة على عاتقه، فتُرَى عورتُه من صغر النمرة، فنودي يا محمد، خَمِّر عورتك، فلم ير عريانًا بعد ذلك، وكان يرى بين بناء الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين، وبين مخرجه وبنيانها خمس عشرة سنة" (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في الكبير بطوله، وأحمد طرفًا منه، ورجالهما رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع:3/ 289. انظر المطالب العالية: 4/ 182 برقم: 4266، والفتح الرباني: 20/ 198 - 199 والرضم: الصخور، والنمرة: الكساء المخطط.

المبحث الحادي عشر: تحكيم قريش الرسول صلى الله عليه وسلم في رفع الحجر

41 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي، لو حللت إِزارك، فجعلته على منكبك، دون الحجارة؛ قال: فحلَّه، فجعله على منكبه، قال: فسقط مغشيًّا عليه، فما رؤي بعد ذلك اليوم عريانًا" (¬1). المبحث الحادي عشر: تحكيم قريش الرسول صلى الله عليه وسلم في رفع الحجر 42 - من حديث عليّ قال: "لما أرادوا أن يرفعوا الحجر "يعني قريشًا" اختصموا فيه، فقالوا: يحكم بيننا أول رجل يخرج من هذه السكة، قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول من خرج عليهم، فجعلوه في مرط، ثم رفعه جميع القبائل كلها، ورسول الله يومئذ رجل شاب يعني قبل البعثة" وفي رواية قال: "لما رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد دخل قالوا: قد جاء الأمين" (¬2). المبحث الثاني عشر: تسليم الحجر عليه قبل النبوة 46 - من حديث جابر بن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنّي لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصلاة، باب كراهية التعري في الصلاة. وغيرها، حديث: 364، وفي الحج باب فضل مكة وبنيانها حديث: 1582، وفي مناقب الأنصار، باب بنيان الكعبة حديث: 3829، ومسلم في الحيض، باب الاعتناء بحفظ العورة حديث:340، وأحمد في المسند: 3/ 310 - 313 كلهم من طريق عمرو بن دينار عن جابر. (¬2) المطالب العالية رقم: 4267، وفي مجمع الزوائد: 8/ 229، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، عمير بن حفص بن عمر الضرير، وخالد بن عرعره كلاهما ثقة. ويشهد له حديث السائب بن عبد الله عند أحمد: 3/ 425، وقال الهيثمي فيه: 3/ 292،291 "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير هلال بن خباب، ومو ثقة وفيه كلام" ورواه أيضًا الحاكم، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. (¬3) رواه مسلم في الصحيح، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة رقم: 2277.

الباب الثاني البعثة النبوية

الباب الثاني البعثة النبوية الفصل الأول الوحي المبحث الأول: بدء الوحي في سن الأربعين أوحي إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فنزل عليه الوحي في غار حراء بالرسالة السماوية الخالدة. 47 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين، وكان بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشرًا، فمات وهو ابن ثلاث وستين" (¬1). 48 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لخديجة رضي الله عنها: (إني أرى ضوءًا، وأسمع صوتًا، وإني أخشى أن يكون بي جنون). قالت: "لم يكن الله ليفعل ذلك بك يا ابن عبد الله: ثم أتت ورقة بن نوفل، فذكرت ذلك له فقال: "إن يكن صادقًا فإنَّ هذا ناموس مثل ناموس موسى، فإن بعث وأنا حي فسأعزره، وأنصره، وأؤمن به" (¬2). 49 - ومن حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح (¬3)، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنَّث فيه "وهو تعبد الليالي ذوات العدد" قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى ¬

_ (¬1) رواه البخاري في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة إلى المدينة، رقم: 3902، فتح الباري: 7/ 227، ومسلم في كتاب الفضائل، باب كم أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة رقم: 2351، وأحمد في المسند، انظر الفتح الرباني: 20/ 209، وانظر شرح السنة للبغوي: 3733. (¬2) رواه أحمد في المسند: 1/ 312، وقال الهيثمي في المجمع: 8/ 255: رواه أحمد متصلًا ومرسلًا، والطبراني بنحوه، وزاد: ورجال أحمد رجال الصحيح، وصححه أحمد شاكر برقم: 2846. (¬3) فلق الصبح: ضياء الصبح، وهذا يقال في الشيء الواضح البين.

خديجة، فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء. فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني (¬1) حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} (¬2) فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني (¬3)، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع (¬4)، فقال لخديجة، وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ (¬5)، وتكسب المعدوم (¬6)، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق (¬7)، فانطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ما ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى: فقال له ورقة: هذا الناموس (¬8) الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا (¬9)، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أو مخرجيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا (¬10)، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي". ¬

_ (¬1) غطني: عصرني وضمني، الجهد: المشقة. (¬2) (العلق: 1 - 3). (¬3) زملوني: غطوني بالثياب ولفوني بها. (¬4) الفزع: الخوف. (¬5) تحمل الكل: تنفق على الضعيف واليتيم والعيال، والكل: أصله الثقل والإعياء. (¬6) تكسب المعدوم: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الأخلاق. (¬7) تعين على نوائب الحق: أنك لا يصيبك مكروه لما جعل الله فيك من مكارم الأخلاق وكرم الشمائل. (¬8) الناموس: هو جبريل - عليه السلام -، ومعنى الناموس: صاحب سر الخير. (¬9) الجذع: الشاب القوي. (¬10) نصرًا مؤزرًا: قويًّا بالغًا.

المبحث الثاني: فترة الوحي

المبحث الثاني: فترة الوحي وعند الإِمام أحمد زيادة لطيفة في شدة حزن النبي لفتور الوحي، تقول الزيادة "وفتر الوحي حتى حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه، تبدى له جبريل - عليه السلام - فقال له: يا محمَّد إنك رسول الله حقًّا، فيسكن ذلك جأشه، وتقرُّ نفسه عليه الصلاة والسلام، فيرجع، فإذا طالت عليه، وفتر الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل - عليه السلام - فقال له مثل ذلك" (¬1). 50 - من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث عن فترة الوحي: (بينما أنا واقف، فرفعت رأسي إلى السماء، فهذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسيه بين السماء والأرض، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فَجُئِثتُ منه فرقًا، فرجعت، فقلت: زملوني زملوني دثروني، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (¬2). ثم تتابع الوحي (¬3). فيكون أول ما أنزل من القرآن ابتداءً {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، وأول ما نزل من القرآن بعد فترة الوحي وعودة جبريل للنزول على النبي - صلى الله عليه وسلم - {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} والله أعلم. 51 - ومن حديث جندب بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال: "اشتكى ¬

_ (¬1) رواه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب حدثنا يحيى بن بكير رقم: 3 فتح الباري: 1/ 22 في كتاب الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى}، وفي التفسير، باب تفسير صورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} رقم: 4953، فتح الباري: 8/ 715، وفي التعبير، باب أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة. ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بدء الوحي رقم: 160، وأحمد في المسند: 6/ 233، وانظر الفتح الرباني: 20/ 207 - 209. (¬2) (المدثر 1 - 5). (¬3) رواه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب: 4، حديث رقم: 4، فتح البارى: 1/ 27 وفي التفسير، باب تفسير سورة العلق، رقم: 4959 فتح الباري: 8/ 715، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي، حديث رقم: 161، وفي كتاب الفضائل باب عرق النبي - صلى الله عليه وسلم - في البرد، وحين يأتيه الوحي، حديث رقم: 2333، وأحمد في المسند: 3/ 325، 377، والموطأ: 1/ 202،203، في القرآن باب ما جاء في القرآن. جئثت: ذعرت.

المبحث الثالث: كيف كان يأتي الوحي الرسول صلى الله عليه وسلم

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلة أو ليلتين أو ثلاثًا فقالت امرأة: ما أرى شيطانك إلا تركك، فأنزل الله {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (¬1) (¬2). المبحث الثالث: كيف كان يأتي الوحي الرسول صلى الله عليه وسلم 52 - من حديث عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الحارث بن هشام سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحيانًا يأتيني في مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليَّ، فينفصم عني، وقد وعيت ما قال: وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا، فيكلمني فأعي ما يقول، قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشاتي الشديد البرد، فينفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقًا" (¬3). المبحث الرابع: تصديق ورقة بن نوفل بالرسول صلى الله عليه وسلم 53 - من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا تسبوا ورقة، فإني رأيت له جنة أو جنتين) (¬4). 54 - ومن حديث عائشة أن خديجة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ورقة بن نوفل فقال: (قد رأيته فرأيت عليه ثياب بياض، فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بياض) (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري، في فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي: 4983، ومسلم في الجهاد والسير، باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأذى: 1797، والترمذي في تفسير القرآن، باب سورة الضحى: 3349، والطيالسي: 2/ 25، وأحمد في المسند: 4/ 311، 312، 313، والحميدي في منده: 2/ 342، والطبراني في الكبير: 1709 - 1712. الصلصة: صوت الحديد إذا وقع بعضه على بعض. ينفصم عنه: يقلع عنه. (¬2) سورة الضحى: 1 - 3. (¬3) رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب رقم: 2، حديث رقم: 2، ومسلم في الفضائل، باب عرق النبي - صلى الله عليه وسلم - في البرد وحين يأتيه الوحي، رقم: 2333. (¬4) رواه الحاكم في المستدرك: 2/ 609، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وواففه الذهبي وهو كما قالا، وقال ابن كثير في السيرة: 4/ 398 وإسناده جيد، وانظر صحيح الجامع الصغير: 7197، والأحاديث الصحيحة: 405، وقال: صحيح. (¬5) وقال ابن كثير في السيرة: 1/ 397 هذا إسناد حسن، لكن رواه الزهري وهشام عن عروة مرسلًا.

الفصل الثاني أول الناس إسلاما

الفصل الثاني أول الناس إسلامًا 55 - من حديث بريدة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: "أوحي إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين وصلى عليّ يوم الثلاثاء" (¬1). 56 - ومن حديث عفيف الكندي - رضي الله عنه - قال: "كنت امرءًا تاجرًا، فقدمت الحج، فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة، وكان امرءًا تاجرًا، فوالله إني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه، فنظر إلى الشمس، فلما رآها مالت، قام يصلي، ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج ذلك الرجل منه، فقامت خلفه تصلي، ثم خرج غلام حين ناهز الحلم من ذلك الخباء، فقام معه يصلي. قال: فقلت للعباس: يا عباس ما هذا؟ قال: هذا محمَّد ابن أخي عبد الله بن عبد المطلب قال: قلت: من هذه المرأة قال: هذه امرأته خديجة ابنة خويلد. قال: فقلت من هذا الفتى قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عمه. قال: قلت: فما هذا الذي يصنع؟ قال: يصلي، وهو يزعم أنه نبي، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى، وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر. قال: فكان عفيف وهو ابن عم الأشعث بن قيس يقول -وأسلم بعد فحسن إسلامه: لو كان الله رزقني الإِسلام يومئذ، فكون ثانيًا مع علي بن أبي طالب" (¬2). 57 - ومن حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أول من صلى مع النبي ¬

_ (¬1) رواه الحاكم في المستدرك: 3/ 112، وصححه، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (¬2) رواه أحمد: 1/ 209 - 210، والحاكم في المستدرك: 3/ 183، فقال صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وابن سعد في الطبقات، والنسائي في الخصائص: 17 - 18، وذكره الحافظ في الإصابة، وعزاه للبغوي وأبي يعلى، ورواه الطبري في تاريخه: 2/ 212 - 213، والبخاري في التاريخ الكبير: 4/ 1 / 74 - 75، وابن عبد البر في الاستيعاب، وقال ابن عبد البر: حديث حسن جدًّا، وقال الهيثمي: 9/ 103 رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه، والطبراني ورجال أحمد ثقات: انظر أبا يعلى رقم: 1547.

- صلى الله عليه وسلم - بعد خديجة علي" (¬1). 58 - ومن حديث سلمان - رضي الله عنهما - قال: "أول هذه الأمة ورودًا على نبيها - صلى الله عليه وسلم - أولها إسلامًا علي بن أبي طالب" (¬2). 59 - ومن حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنهما - قال: "أول من صلى (وفي لفظ) أول من أسلم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي" (¬3). 60 - من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنهما - في قصة ما حصل بين أبي بكر وعمر من الخصومة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟) (¬4). 61 - من حديث عمار - رضي الله عنه - قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما معه إلا خمس أعبد، وامرأتان، وأبو بكر". وفي هذا الحديث أن أبا بكر أول من أسلم من الأحرار مطلقًا (¬5). وهو قول ابن عباس، وإبراهيم النخعي، ومحمد بن كعب، ومحمد بن سيرين، وسعد بن إبراهيم، وهو المشهور عند جمهور أهل السنة (¬6). ولا منافاة في ذلك، "فإن أبا بكر أول من أسلم من الرجال، وعليًّا أول من أسلم من الصييان، وخديجة أول من أسلم من النساء، وزيد بن حارثة أول ¬

_ (¬1) رواه الترمذي: 3734 في المناقب، باب مناقب علي، والطيالسي: 2753، وأحمد: 330/ 1 - 331، وقال الساعاتي في الفتح: 20/ 214، وسنده جيد. (¬2) قال الهيثمي: 9/ 102: رواه الطبراني: 6174 ورجاله ثقات، والحاكم في المستدرك: 3/ 136. (¬3) رواه الترمذي: 3735 في المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب، وأحمد: 4/ 368 - 371، والطيالسي: 678، والحاكم: 3/ 136، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالوا، وقد وقع في آخره عند الترمذي: "قال عمرو بن مرة: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فأنكره، وقال: أول من أسلم أبو بكر الصديق". ويشهد له حديث ابن عباس السابق. (¬4) رواه البخاري في "فضائل الصحابة" باب قول النبي: (لو كنت متخذًا خليلًا) رقم: 3661 فتح الباري: 7/ 18. (¬5) رواه البخاري في "فضائل الصحابة" باب قول النبي: (لو كنت متخذًا خليلًا) رقم: 7660، فتح الباري: 7/ 18. (¬6) سيرة ابن كثير: 1/ 435، فتح الباري: 7/ 24.

من أسلم من الموالي". وهذا قول أبي حنيفة - رضي الله عنه - (¬1). أما الأعبد الذين ذكروا في حديث عمار فهم بلال بن رباح، وزيد بن حارثة، وعامر بن فهيرة، مولى أبي بكر، فإنه أسلم قديمًا مع أبي بكر، وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية، وشقران مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -. والمرأتان فخديجة، والأخرى أم أيمن أو سمية (¬2). وقد كان من أوائل من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابي عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - عنه. 62 - عن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه -: قال: قلت: "يا رسول الله، من معك على هذا الأمر؟ قال: (حر وعبد) قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال، ثم قال له: (ارجع إلى قومك حتى يمكن الله -عَزَّ وَجَلَّ- لرسوله) قال: وكان عمرو بن عبسة يقول: "لقد رأيتني وإني لربع الإِسلام" (¬3). ¬

_ (¬1) سيرة ابن كثير: 1/ 437، والترمذي في المناقب، باب مناقب علي رقم: 3735، وقال: كذا قال بعض أهل العلم. (¬2) فتح الباري: 7/ 24. (¬3) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب إسلام عمرو بن عسة، رقم: 832 مطولًا، والإمام أحمد في مناقب عمرو بن عبسة في "فضائل الصحابة" انظر الفتح الرباني: 20/ 215.

الفصل الثالث الجهر بالدعوة

الفصل الثالث الجهر بالدعوة 63 - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (¬1) خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحا، فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: (أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلًا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جَرَّبنا عليك كذبًا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد). قال أبو لهب: تبا لك ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام، فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} (¬2). 64 - ومن حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا فاطمة بنت محمَّد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئًا، سلوني من مالي ما شئتم) (¬3). 65 - ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزل عليه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قال: (يا معشر قريش، أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمَّد، سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئًا) (¬4). ¬

_ (¬1) (سورة الشعراء: 214). (¬2) رواه البخاري في التفسير، سورة الشعراء، باب: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} رقم: 4770 فتح الباري: 8/ 501، وفي سورة تبت رقم: 4971، 4972 فتح الباري: 8/ 737، وفي الأنياء، باب من انتسب إلى آبائه في الإِسلام والجاهلية، وفي الجنائز، باب ذكر شرار الموتي، ومسلم في الصحيح، كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} رقم: 208، أحمد في مسنده: 1/ 281، الفتح الرباني: 20/ 216، وابن جرير في التاريخ: 2/ 216. (¬3) مسلم في الصحيح، كتاب الإيمان، باب قوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} رقم: 205. (¬4) البخاري في التفسير، سورة الشعراء باب {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} رقم:4771 فتح الباري: 8/ 551، وفي الأنبياء، باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية، وفي الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب.

الفصل الرابع موقف قريش مما جاءهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم -

الفصل الرابع موقف قريش مما جاءهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - المبحث الأول: قريش تطلب من أبي طالب الحد من نشاط الرسول 66 - من حديث عقيل بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: "جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إنَّ ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا، فقال: يا عقيل، انطلق فأتني بمحمد، فاستخرجته من كنس، أو قال خنس، يقول: بيت صغير، فجاء به في الظهيرة في شدة الحر. فلما أتاهم قال: إنَّ بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فاتته عن أذاهم. فحلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببصره إلى السماء فقال: (ترون هذه الشمس). قالوا: نعم، قال: (فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشعلوا منه بشعلة) وفي رواية: (والله ما أنا بأقدر أن أدع ما بعثت به من أن يشعل أحد من هذه الشمس شعلة من نار). فقال أبو طالب: "والله ما كذب ابن أخي قط، فارجعوا راشدين" (¬1). ¬

_ (¬1) المطالب العالية: 4278، ورواه أبو يعلى وإسناده صحيح، والطبراني في الأوسط والكبير. وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 15: رواه أبو يعلى باختصار يسير من أوله، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.

المبحث الثاني: الوليد بن المغيرة وقوله في القرآن

المبحث الثاني: الوليد بن المغيرة وقوله في القرآن 67 - من حديث عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن الوليد بن المغيرة جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقد له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم، إنَّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالًا فقال: لِمَ؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدًا لتعرض ما قبله. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالًا. قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك إنك منكر له. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجنَّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، والله إنَّ لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله؛ لأنه ليعلو ولا يعلى؛ لأنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرض عنك قومك حتى تقول فيه. قال: قف عني حتى أفكر فيه، فلما فكَّر، قال: إن هذا إلا سحر يؤثر. يأثره عن غيره، فنزلت: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا} (¬1) (¬2). المبحث الثالث: صور من أذى قومه له وسيأتي تفصيل أكثر ولكن نذكر بعضه هنا لمناسبته للأحداث في هذا المبحث. 68 - من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: "حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يومًا في الحِجْر، فذكروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا. ¬

_ (¬1) سورة المدثر: (11 - 13). (¬2) رواه الحاكم في المستدرك: 2/ 507، وقال صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وانظر: البداية والنهاية: 3/ 60، والبيهقي في دلائل النبوة: 1/ 556.

قال. فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مرَّ بهم طائفًا بالبيت، فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضي، فلما مرَّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها، فقال: (تسمعون يا معشر قريب، أما والذي نفس محمَّد بيده لقد جئتكم بالذبح)، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدَّهم فيه وصاة من قبل ذلك ليرفأه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدًا، فوالله ما كنت جهولًا. قال: فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم في ذلك إذ طلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا، كما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم، قال: فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (نعم أنا الذي أقول ذلك)، قال: فلقد رأيت رجلًا منهم أخذ بمجمع ردائه، قال: وقام أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - دونه يقول وهو يبكي: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله؟ ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأشدُّ ما رأيت قريشًا بلغت منها" (¬1). وقوله "فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشًا بلغت منه" لا يعني أن النبي لم يؤذ أشد من ذلك، ولكن قال ذلك لما رأى هو، وليس لما رأى غيره. ¬

_ (¬1) رواه أحمد في المسند: 2/ 218 بإسناد صحيح، صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، وأخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب لو (كنت متخذًا خليلًا) رقم: 3678 فتح الباري: 7/ 22 مختصرًا، وأشار البخاري إلى رواية ابن إسحاق هذه، وقال: وصله أحمد من طريق إبراهيم بن سعد، والبزار من طريق بكر بن سليمان، كلاهما عن ابن إسحاق بهذا السند، وانظر أطرافه عند البخاري: 3856، 4815، وقال الهيمثي في المجمع: 6/ 16 رواه أحمد، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع، وبقية رجاله رجال الصحيح وقال أيضًا: في الصحيح، طرف منه.

المبحث الرابع: الدخول في الإسلام على الرغم من الأذى

المبحث الرابع: الدخول في الإسلام على الرغم من الأذى 1 - إسلام حمزة - رضي الله عنه - جاء في قصة إسلامه عليه رضوان الله عليه آثار مرسلة بأسانيد رجالها ثقات: 69 - عن محمَّد بن كعب القرظي قال: "كان إسلام حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - حَمِيَّةً، وكان يخرج من الحرم فيصطاد، فإذا رجع مر بمجلس قريش، وكانوا يجلسون عند الصفا والمروة، فيمر بهم فيقول: رميت كذا وكذا، وصنعت كذا وكذا، ثم ينطلق إلى منزله، فأقبل من رميه ذات يوم، فلقيته امرأة فقالت: يا أبا عمارة، ماذا لقي ابن أخيك من أبي جهل بن هشام! شتمه، وتناوله، وعمل وفعل. فقال: هل رآه أحد؟ قالت: أي والله، لقد رآه ناس. فأقبل حتى انتهى إلى ذلك المجلس عند الصفا والمروة، فإذا هم جلوس وأبو جهل فيهم. فاتكأ على قوسه، وقال: رميت كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا، ثم جمع يديه بالقوس، فضرب بها بين أذني أبي جهل فوق سنتها، ثم قال: خذها بالقوس، وأخرى بالسيف: وأشهد أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه جاء بالحق من عند الله. قالوا: يا أبا عمارة إنه سبَّ آلهتنا، وإن كنت أنت، وأنت أفضل منه، ما أقررناك وذاك، وما كنت يا أبا عمارة فاحشًا" (¬1). وقد جاء من حديث ابن إسحاق عن رجل من أسلم، فذكر القصة أطول مما ذكرت هنا (¬2). ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 9/ 267، رواه الطبراني مرسلًا، ورجاله رجال الصحيح، وقد جاء بنحوه عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق حليف بني زهرة، وقال الهيثمي: 9/ 267 رواه الطبراني مرسلًا، ورجاله ثقات. ومجموع الطرق المرسلة تفيد الحديث قوة وصحة. (¬2) رواه الحاكم في المستدرك:3/ 192 - 193، وابن كثير في السيرة: 1/ 445 - 446، وقال: وهكذا رواه البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق فذكره، انظر دلائل النبوة للبيهقي: 2/ 213 - 214 والسيرة النبوية لابن هشام:1/ 360.

2 - إسلام أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -

2 - إسلام أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - 70 - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لما بلغ أبا ذر مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني. فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلامًا ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني مما أردت. فتزود، وحمل سنة له فيها ماء، حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه بعض الليل (اضطجع)، فرآه علي فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحدًا صاحبه عن شيء حتى أصبح، قام احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظلَّ ذلك اليوم، ولا يراه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به عليٌّ فقال: أما آن للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه، فذهب به معه، لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالث فعاد علي على مثل ذلك، فأقام معه، فقال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا لترشدني فعلت. ففعل، فأخبره. قال: فإنه حقٌّ، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئًا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل، فانطلق يقفوه (¬1)، حتى دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري. قال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم. فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ثم قام القوم فضربوه حتى أوجعوه. وأتى العباس فأكب علي، قال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام؟ فأنقذه منهم. ¬

_ (¬1) يقفو: يتبعه.

3 - إسلام ضماد الأزدي

ثم عاد من الغد لمثلها، فضربوه وثاروا إليه، فأكب العباس عليه" (¬1). وقد جاءت قصة إسلامه مبسوطة أكثر عند مسلم (¬2) من حديث عبد الله بن الصامت، وفيها زيادات كثيرة، فانظر التوفيق بين الروايتين في فتح الباري (¬3) للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى. 3 - إسلام ضماد الأزدي 71 - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "إن ضمادًا قدم مكة، وكان من أزد شنوءه، وكان يرقى من هذه الريح، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدًا مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي، قال: فلقيه، فقال: يا محمَّد، إني أرقي من هذه الريح، وإن الله يشفي على يدي من شاء، فهل لك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله. أما بعد) قال: "فقال: أعد عليَّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن قاموس البحر. قال: فقال: (هات يدك أبايعك على الإِسلام)، قال: فبايعه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وعلى قومك)، قال: وعلى قومي. قال: فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فمروا بقومه، فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئًا؟ فقال: رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة، فقال: ردها فإنَّ هؤلاء قوم ضماد (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري في مناقب الأنصار، باب إسلام أبي ذر، رقم: 3861، فتح البارى: 7/ 173، ورواه مسلم في كتاب "فضائل الصحابة" باب فضائل أبي ذر رقم: 2474. (¬2) رواه مسلم كتاب "فضائل الصحابة" باب فضائل أبي ذر، رقم: 2474. (¬3) فتح الباري: 7/ 174 - 275، مناقب الأنصار، باب إسلام أبي ذر، رقم: 3861. (¬4) رواه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم: 868، ورواه أحمد في المسند: 1/ 302، 350،393، 432، 3/ 371، والحاكم: 3/ 54 - 55 وصححه، ووافقه الذهبي، وابن سعد: 1/ 299، وسنده قوي، وابن هشام: 2/ 573 - 575، والفتح الرباني: 21/ 208. =

المبحث الخامس: عتبة يعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم المناصب والمال والنساء

المبحث الخامس: عتبة يعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم المناصب والمال والنساء 72 - من حديث جابر بن عبد الله: قال: "اجتمعت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه، ولينظر ما يرد عليه. قالوا: ما نعلم أحدًا غير عتبة بن ربيعة. قالوا: أنت يا أبا الوليد، فأتاه عتبة، فقال: يا محمَّد أنت خير أم عبد الله؟ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك، قد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، أما والله ما رأينا سخطة أشأم على قومك منك، فرقَّت جماعتنا، وشَتَّتتَ أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى طار فيهم أنَّ في قريش ساحرًا، وأن في قريش كاهنًا، ما ينتظر إلا مثل صيحة الحبلى بأن يقوم بعضنا لبعض بالسيوف حتى نتفانى. أيها الرجل، إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنى قريش رجلًا، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش فنزوجك عشرًا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفرغت، قال: نعم، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حتى بلغ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فقال عتبة: حسبك ما عندك غير هذا. قال: لا. فرجع إلى قريش، فقالوا: ما وراءك. فقال: ما تركت شيئًا أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته، قالوا: هل أجابك، قال: نعم، قال: والذي نصبها بنية ما فهمت شيئًا مما قال غير أنه قال: أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، قالوا: ويلك يكلمك بالعربية، فلا تدري ما قال. ¬

_ = ومعنى يرقي: من الرقية، وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة. والمراد بالريح هنا: الجنون، ومس الجنون ومس الجن. وقوله فهل لك؟: أي فهل لك رغبة في رقيتي، وهل تميل إليها؟ قاموس البحر: وسطه، وقال ابن دريد: لجته.

المبحث السادس: قريش وطلبهم الآيات والمعجزات

قال: لا والله، ما فهمت مما قال غير ذكر الصاعقة (¬1). المبحث السادس: قريش وطلبهم الآيات والمعجزات وقال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إلا بَشَرًا رَسُولًا} (¬2). 73 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (قالت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبًا ونؤمن بك. قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم. قال فدعا: فأتاه جبريل فقال: إن ربك -عَزَّ وَجَلَّ- يقرأ عليك السلام، ويقول: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبًا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم أبواب التوبة والرحمة. فقال: بل باب التوبة والرحمة. فأنزل الله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلا تَخْوِيفًا} (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو يعلى في مسنده: 1818، وابن هشام في السيرة: 1/ 293 - 294، والبيهقي في الدلائل: 1/ 230 - 231، وأبو نعيم في دلائل النبوة برقم: 182، وابن أبي شيبة في المصنف: 14/ 295 - 296، وعبد بن حميد كما في المنتخب: 1123، والحاكم، في المستدرك: 2/ 253. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال الهيمثي في المجمع: 6/ 19 - 20 رواه أبو يعلى، وفيه الأجلح الكندي، وثقه ابن معين وغيره وضعفه النسائي وغيره، وبقية رجاله ثقات. قلت: الأجلح ضعفه أبو حاتم، والنسائي وأحمد، ووثقه ابن معين والعجلي، ورضيه ابن عدي فهو حسن الحديث إن شاء الله. (¬2) (سورة الإسراء: 90 - 93). (¬3) (سورة الإسراء: 95). (¬4) رواه أحمد في المسند: 1/ 258، والحاكم في المستدرك: 2/ 362، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير في تفسيره: رواه الإِمام أحمد، وابن مردويه، والحاكم في مستدركه من حديث سفيان الثوري، وعزاه في البداية والنهاية: 3/ 52، للنسائي، وقال: إن سنده جيد، وذكر في السيرة: 1/ 483 إسنادين له: ثم قال: هذان إسنادان جيدان. وقال الهيثمي في المجمع: 7/ 50: بعد ذكر روايتين للإمام أحمد: ورجال الروايتين رجال الصحيح، إلا أنه وقع في أحد طرقه عمران بن الحكم، وهو وهم، وفي بعضها عمران أبو الحكم وهو ابن الحرث، وهو الصحيح =

المبحث السابع: اشتداد إيذاء قريش للنبي

74 - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أيضًا قال: "قالت قريش لليهود أعطونا شيئًا نسأل عنه الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فنزلت: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا}. قالوا: نحن لم نؤت من العلم إلا قليلًا، وقد أوتينا التوراة فيها حكم الله، ومن أوتي التوراة، فقد أوتي خيرًا كثيرًا، فنزلت: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (¬1) (¬2). المبحث السابع: اشتداد إيذاء قريش للنبي 1 - أبو جهل بن هشام يزعم أنه يطأ عنق الرسول 75 - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "قال أبو جهل: هل يعفر محمَّد وجهه بين أظهركم؟. قال: فقيل: نعم. فقال: واللات والعزى! لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرنَّ وجهه في التراب. قال فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه. قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا) (¬3). 76 - ومن حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قال أبو جهل لئن رأيت محمدًا يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه، قال: فقال - عليه السلام -: (لو فعل لأخذته الملائكة عيانًا، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ورأوا مقاعدهم في ¬

_ = وابن جرير الطبري في التفسير:15/ 108 وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند برقم: 2333. (¬1) سورة الكهف: 109. (¬2) رواه أحمد في المسند: 1/ 255، والترمذي في التفسير، باب سورة بني إسرائيل رقم: 3140، وقال: حسن صحيح غريب، والحاكم في المستدرك: 2/ 531، وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي، وصححه أحمد شاكر برقم: 2309. (¬3) رواه مسلم في كتاب صفات المنافقين، باب قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى} رقم: 2797، وأحمد: 2/ 370، وابن كثير في تفسيره: 4/ 529، وقال: رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم، وابن جرير في التفسير: 30/ 256، والبيهقي دلائل النبوة: 1/ 438. يعفر وجهه: أي يسجد ويلصق وجهه بالعفر وهو التراب. فجأهم: بغتهم. ينكص على عقبيه: رجع يمشي إلى ورائه.

2 - فعل أبي لهب

النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله لرجعوا لا يجدون مالًا ولا أهلًا) (¬1). 77 - ومن حديث ابن عباس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فجاء أبو جهل: فقال: "ألم أنهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فزبره، فقال: أبو جهل: إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني، فأنزل الله تعالى {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}. قال ابن عباس: لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله" (¬2). 2 - فعل أبي لهب 78 - من حديث ربيعة بن عباد الديلي: وكان جاهليًّا أسلم قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول: يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ويدخل في فجاجها والناس متقصفون عليه، فما رأيت أحدًا يقول شيئًا، وهو لا يسكت يقول: يا أيها الناس، قولوا لا إله الله تفلحوا، إلا أن وراءه رجلًا أحول وضيء الوجه ذو غديرتين يقول: إنه صابىء كاذب، فقلت من هذا؟ قالوا: محمَّد بن عبد الله، وهو يذكر النبوة. قلت: ومن هذا الذي يكذبه، قالوا عمه أبو لهب. قلت: "يعني ابن أبي الزناد إنك كنت يومئذ صغيرًا؟ قال: لا والله، إني يومئذ لأعقل". وفي رواية أخرى: "قال: إني لمع أبي، رجل شاب أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء ذو جمة، يقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على القبيلة ويقول: (يا بني فلان، إني رسول الله إليكم آمركم، أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تصدقوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به). فإذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مقالته قال الآخر من خلفه: يا بني فلان، إن هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى، وحلفاءكم من الجن بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه. فقلت لأبي من هذا؟ قال: عمه أبو لهب" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري في التفسير: تفسير سورة العلق، باب: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ}، رقم: 4958، فتح الباري: 8/ 724 والترمذي: 3348 في التفسير: تفسير سورة العلق، وقال: حسن صحيح غريب، وأحمد، انظر الفتح الرباني: 20/ 23، وقال الهيثمي: 8/ 228: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. (¬2) رواه الترمذي في التفسير، باب تفسير سورة العلق رقم: 3349، وقال حسن صحيح غريب، وابن جرير في التفسير:30/ 256، وقال الهيثمي في المجمع: 7/ 139 رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (¬3) رواه أحمد في المسند:3/ 491 - 492،493، 4/ 341، وسنده حسن، وقال الشيخ الساعاتي في الفتح =

3 - إيذاء عقبة بن أبي معيط للرسول صلى الله عليه وسلم

وقد سبق ذكر حديث الجهر بالدعوة، وإيذاء أبي لهب للنبي أمام قريش بقوله: تبًّا لك، ألهذا جمعتنا؟ فانظره هناك. 3 - إيذاء عقبة بن أبي معيط للرسول صلى الله عليه وسلم 79 - من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه، فظل في كتفي محمَّد إذا سجد. فانبعث شقي القوم فأخذه، فلما سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعه بين كتفيه، قال فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والنبي ساجد، ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة. فجاءت، وهي جويرية، فطرحته عنه، ثم أقبلت تشتمهم، فلما قضى النبيُّ صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم. وكان إذا دعا، دعا ثلاثًا، وإذا سأل، سأل ثلاثًا، ثم قال: (اللهم عليك بقريش) ثلاث مرات. فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال: (اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة (¬1)، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط). وذكر السابع ولم أحفظه، فوالذي بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالحق! لقد رأيت الذين سمَّى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب: قليب بدر) (¬2). ¬

_ = الرباني: 20/ 216 - 217 سنده جيد، رواه البيهقي والطبراني. وله شاهد من حديث طارق به عبد الله المحاربي، أخرجه أبو بكر بن شيبة، انظر المطالب العالية: 4277، قال البوصيري: رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح، وأبو يعلى وابن حبان والحاكم والنسائي وابن ماجه مختصرًا، صحيح ابن حبان موارد: 1683، والطبراني في الكبير: 4583، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند: 4/ 342 وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 22، رواه أحمد وابنه، والطبراني في الكبير نحوه، والأوسط باختصار وبأسانيد، وأحد أسانيد عبد الله بن أحمد رجاله ثقات. (¬1) في صحيح مسلم: الوليد بن عقبة، وصوابه ما أثبتناه، انظر فتح الباري: 7: 165. (¬2) رواه مسلم في الجهاد والسير، باب ما لقي النبي من أذى المشركين والمنافقين، رقم: 1794، والبخاري في كتاب الصلاة، باب المرأة تطرح عن المصلى شيئًا من الأذى، رقم: 520 فتح الباري: 1/ 594، وكتاب مناقب الأنصار، باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المشركين، رقم: 3854 فتح الباري: 7/ 165 وأحمد، انظر الفتح الرباني: 20/ 218. =

وأما السابع ففي رواية البخاري: (عمارة بن الوليد) (¬1). 80 - ومن حديث عبد الله بن مسعود أيضًا قال: "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد وأبو جهل بن هشام، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف، ورجلان آخران كانوا سبعة، وهم في الحجر، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فلما سجد وأطال السجود، فقال أبو جهل: أيكم يأتي جزور بني فلان فيأتينا بفرثها، فنكفئه على محمد - صلى الله عليه وسلم -، فانطلق أشقاهم عقبة بن أبي معيط، فأتى به فألقاه على كتفيه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساجد قال ابن مسعود: وأنا قائم لا أستطيع أن أتكلم، ليس عندي منعة تمنعني، فأنا أذهب إذ سمعتُ فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبلت حتى ألقت ذلك عن عاتقه، ثم استقبلت قريشًا تسبهم، فلم يرجعوا إليها شيئًا. ورفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه كما كان يرفع عند تمام السجود، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: (اللهم عليك بقريش ثلاثًا، عليك بعتبة وعقبة وأبي جهل وشيبة)، ثم خرج من المسجد، فلقيه أبو البختري بسوط يتخصر به، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنكر وجهه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: خل عني، قال: علم الله لا أخلي عنك أو تخبرني ما شأنك، فلقد أصابك شيء، فلما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه غير مخلّ عنه أخبره، فقال: (إن أبا جهل أمر فطرح عليّ فرث)، قال أبو البختري: هلَّم إلى المسجد. فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو البختري فدخلا المسجد، ثم أقبل أبو البختري إلى أبي جهل فقال: يا أبا الحكم أنت الذي أمرت بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فطرح عليه الفرث قال: نعم. قال فرفع السوط فضرب به رأسه، قال: فثار الرجال بعضها إلى بعض، قال: وصاح أبو جهل: ويحكم هي له، إنما أزاد محمَّد أن يلقي بيننا العداوة، ¬

_ = جزور: ناقة. سلا: اللفافة: التي يكون فيها الولد في بطن الناقة، وسائر الحيوان، وهي من الآدمي المشيمة. أشقى القوم: عقبة بن أبي معيط. استضحكوا: حملوا أنفسهم على الضحك والسخرية، ثم أخذهم الضحك جدًّا، فجعلوا يضحكون، ويميل بعضهم على بعض. جويرية: شابة لم تكبر بعد. القليب: هي البئر التي لم تطو. (¬1) رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى، رقم: 520، فتح الباري: 1/ 594.

4 - اجتماع الملأ من قريش وضربهم الرسول

وينجو هو وأصحابه" وفي رواية: فلما رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه: (حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد اللهم عليك الملأ من قريش) (¬1). 4 - اجتماع الملأ من قريش وضربهم الرسول 81 - من حديث أسماء بنت أبي بكر أنهم قالوا لها: ما أشد ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: "كان المشركون رفعوا في المسجد عمدًا ليروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يقول في آلهتهم، فبينما هم كذلك، إذ أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاموا إليه بأجمعهم، فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقالوا: أدرك صاحبك، فخرج من عندنا، وإن له لغدائر أربع، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلًا يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟ قال: فَلهَوْا عن رسول - صلى الله عليه وسلم -، وأقبلوا على أبي بكر - رضي الله عنه -، قالت: فرجع إلينا أبو بكر، فجعل لا يمس من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام" (¬2). 82 - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر، فتعاقدوا باللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، ونائلة وإساف، لو قد رأينا محمدًا لقد قمنا إليه قيام رجل واحد، فلم نفارقه حتى نقتله، فأقبلت ابنته فاطمة - رضي الله عنها - تبكي حتى دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقد قاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك، فقال: يا بنية أريني وَضُوءًا، فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هوذا، وخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصرًا، ولم يقم إليه رجل، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قام على رؤسهم، فأخذ قبضة من التراب، فقال: شاهت الوجوه، ثم ¬

_ (¬1) قال الهيثمي: 6/ 18: حديث ابن مسعود في الصحيح باختصار قصة أبي البختري، رواه البزار والطبراني في الأوسط, وفيه الأجلح بن عبد الله الكندي، وهو ثقة عند ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وغيره, وحديثه حسن إن شاء الله، انظر التعليق على حديث رقم: 75. (¬2) رواه الحميدي في مسنده رقم: 324، وقال الحافظ في الفتح: رواه أبو يعلى بإسناد حسن: 7/ 117. وقال البوصيري رواه الحميدي وأبو يعلى بإسناده رواته ثقات، وأخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق الحميدي: 1/ 31 انظر المطالب العالية رقم: 4279، وله شاهد حديث: 68.

المبحث الثامن: عدوان المشركين على مستضعفي المسلمين

حصبهم بها فما أصاب رجلًا منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافرًا" (¬1). المبحث الثامن: عدوان المشركين على مستضعفي المسلمين 83 - من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمار بن ياسر، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه فأعطوه الولدان، وأخذوا يطوفون به شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد" (¬2). 84 - من حديث عثمان بن عفان قال: "أقبلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذًا بيدي نتمشى بالبطحاء، حتى أتى على آل عمار بن ياسر، فقال أبو عمار: يا رسول الله الدهر هكذا؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: اصبر، ثم قال: اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلت" (¬3). وفي رواية قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأبي عمار وأم عمار وعمار: (اصبروا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة) (¬4). 85 - ومن حديث جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بعمار بن ياسر وبأهله ¬

_ (¬1) رواه أحمد في المسند: 1/ 303،368 وابن حبان في صحيحه: موارد: 1691، وقال الهيثمي في المجمع: 8/ 228 أخرجه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح، وصححه أحمد شاكر برقم:2762. (¬2) ابن ماجه: المقدمة، فضل سلمان وأبي ذر والمقداد رقم: 150، وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه: إسناده ثقات، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك: 3/ 384 من طريق عاصم بن أبي النجود، وحدثيه حسن، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه أبو نعيم في الحلية: 1/ 139، وابن سعد في الطبقات:3/ 1 / 166، وإسناده حسن. (¬3) قال الهيثمي في المجمع: 9/ 293 رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وانظر المسند: 1/ 62 وابن سعد في الطبقات:31/ 1 / 177، وله شاهد من الحديث الذي يليه. (¬4) قال الهيثمي في المجمع: 9/ 293 رواه الطبراني ورجاله ثقات.

يعذبون في الله -عَزَّ وَجَلَّ- فقال: (أبشروا آل ياسر، موعدكم الجنة) (¬1). 86 - عن خباب بن الأرت - رضي الله عنه -: "قال أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو في ظل الكعبة متوسدًا بردة له، فقلنا: يا رسول الله، ادع الله -تبارك وتعالى- لنا، واستنصره. قال: فاحمر لونه أو تغير، فقال: (لقد كان من كان قبلكم يحفر له حفرة ويجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق، ما يصرفه عن دينه، ويمشي بأمشاط من الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب، ما يصرفه عن دينه، -وليتمَّن الله -تبارك وتعالى- هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضر موت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون) (¬2). 87 - من حديث خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: (كنت رجلًا قينًا، وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه، فقال لي: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، قال: قلت: لن أكفر به حتى تموت، ثم تبعث. قال: وإني لمبعوث من بعد الموت؟ فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد. قال فنزلت: {أفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} " (¬3). 88 - من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "لقد ضربوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة حتى غشي عليه، فقام أبو بكر - رضي الله عنه - فجعل ينادي ويلكم أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله! فقالوا: من هذا؟ فقالوا: أبو بكر المجنون". وزاد البزار في رواية: "فتركوه، وأقبلوا على أبي بكر" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه الحاكم في المستدرك: 3/ 388، وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 293 رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن عبد العزيز المقدم وهو ثقة. (¬2) رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب ما لقي النبي وأصحابه من المشركين بمكة رقم: 3852 فتح الباري: 7/ 165 وأبو داود: 2649 في الجهاد، باب في الأسير يكره على الكفر، والفتح الرباني 20/ 222. (¬3) رواه البخاري في التفسير: تفسير سورة مريم، باب: 3، 4، 5، 6 وأرقام الأحاديث:4732 - 4735، ومسلم في كتاب صفات المنافقين، باب سؤال اليهود عن الروح رقم: 2795، وأحمد في المسند: 5/ 111 والترمذي في التفسير: تفسير سورة مريم، حديث رقم: 3162، وقال: حسن صحيح، والطيالسي: 2/ 21، وابن جرير في تفسيره: 16/ 121. (¬4) أخرجه أبو يعلى في مسنده رقم: 3691، والحاكم في المستدرك: 3/ 67، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وانظر المطالب العالية رقم: 3905، وصححه ابن حجر في المطالب وفي الفتح: 7/ 169، وقال الهيمثي في المجمع: 6/ 17: رواه أبو يعلى والبزار، ورجاله رجال الصحيح.

المبحث التاسع: ما فعله الرسول وأصحابه بأصنام المشركين

المبحث التاسع: ما فعله الرسول وأصحابه بأصنام المشركين 89 - من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: "كنت أنطلق أنا وأسامة بن زيد إلى أصنام قريش التي حول الكعبة، فنأتي بالعذرات، فنأخذ (حريراق) بأيدينا، فننطلق به إلى أصنام قريش فنلطخها، فيصيحون، يقولون: من فعل بآلهتنا؟ فينطلقون إليها، ويغسلونها باللبن والماء" (¬1). 90 - من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: "انطلقت أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أتينا الكعبة، فقال: لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجلس، وصعد على منكبي، فذهبت لأنهض به، فرأى مني ضعفًا، فنزل وجلس لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: اصعد على منكبي. قال: فنهض بي، قال: فإنه يخيل إليَّ أني لو شئت لنلت أفق السماء، حتى صعدت على البيت، وعليه تمثال صفر أو نحاس، فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه، حتى استمكنت منه، فقال لي رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - اقذف به، فقذفت به، فتكسر كما تتكسر القوارير، ثم نزلت، فانطلقت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نستبق، حتى توارينا بالبيوت، خشية أن يلقانا أحد من الناس). وفي رواية: (كان على الكعبة أصنام، فذهبت أحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم أستطع، فحملني فجعلت أقطعها، ولو شئت لنلت السماء). وزاد البزار (بعد قوله حتى استترنا بالبيوت، فلم يوضع عليها بعد يعني شيئًا من تلك الأصنام) (¬2). 91 - من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: (دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة، فرأى فيها تصاوير، فقال لي: ابتغ لي ماء، فأتيته بماء في دلو، فجعل يبل به الثوب، ثم يضرب به الصور، يقول: قاتل الله أقوامًا يصورون ما لا يخلقون) (¬3). ¬

_ (¬1) المطالب العالية: 4275: وعزاه لإسحاق بن راهويه وقال الحافظ: إسناده صحيح، وتابعه البوصيري. (¬2) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 23 رواه أحمد وابنه وأبو يعلى والبزار ورجال الجميع ثقات. انظر مسند أحمد: 1/ 84 وزوائد المسند: 1/ 151 وأبو يعلى: 292. (¬3) المطالب العالية: 4276 وعزاه لإسحاق بن راهويه، وقال الحافظ: وإسناده حسن.

الفصل الخامس الهجرة إلى الحبشة

الفصل الخامس الهجرة إلى الحبشة 92 - من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي، ونحن نحوًا من ثمانين رجلًا، فيهم عبد الله بن مسعود، وجعفر، وعبد الله بن عرفطة، وعثمان بن مظعون، وأبو موسى، فأتوا النجاشي) (¬1). 93 - ومن حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه ليلى قالت: "كان عمر ابن الخطاب من أشد الناس علينا في إسلامنا، فلما تهيأنا للخروج إلى أرض الحبشة، فأتى عمر بن الخطاب، وأنا على بعيري، وأنا أريد أن أتوجه، فقال: أين أم عبد الله؟ فقلت: آذيتمونا في ديننا، فنذهب في أرض الله حيث لا نؤذى، فقال: صحبكم الله، ثم ذهب، فجاء زوجي عامر بن ربيعة فأخبرته بما رأيت من رقة عمر، فقال: ترجين أن يسلم؟ والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب" (¬2). 94 - من حديث أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: "لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، أمنا على ديننا وعبدنا الله وحده، لا نؤذى، ولا نسمع شيئًا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشًا، ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا النجاشي هدايا ما يستطرف من متاع مكة، وكان أعجب ما يأتيه منها الأدم، فجمعوا له أدمًا كثيرًا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا له هدية، وبعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا ¬

_ (¬1) الفتح الرباني 20/ 224 - 225، وقال الهيثمي: 6/ 24: رواه الطبرني وفيه حديج بن معاويه وثقه أبو حاتم وقال في بعض حديثه ضعف وضعفه ابن معين وغيره وبقية رجاله ثقات وقال الحافظ في التقريب: 1/ 156 صدوق يخطيء- وقال ابن كثير في السيرة:2/ 10 - 11 وعزاه للإمام أحمد وقال: هذا إسناد جيد قوي وسياق حسن، انظر مسند أحمد: 1/ 461. (¬2) قال الهيثمي: 6/ 24 رواه الطبراني، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع فهو صحيح. والبطريق: الحاذق بالحرب وأمورها بلغة الروم، وهو ذو نصب عندهم.

للنجاشي هداياه، ثم اسألوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم. قالت: فخرجا، فقدما على النجاشي، ثم قالا: لكل بطريق منهم: إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا، ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلم بهم عيبًا، وأعلم بما عابوا عليهم. فقالوا لهما: نعمًا، ثم قربوا هداياهم إلى النجاشي، فقبلها منهم، ثم كلماه. فقالوا له: أيها الملك، قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأبنائهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فلهم أعلم بهم عيبًا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعايبوهم فيه. ولم يكن أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم. فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك قومهم أعلم بهم عيبًا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهم، فليردهم إلى بلادهم وقومهم. فغضب النجاشي وقال: لا هيم الله إذ لا أسلمهم إليهما ولا أكاد، قومًا جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على مَنْ سواي، حتى أدعوهم فأسالهم عما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما، وأحتسب جوارهم ما جاوروني. قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا فقالوا: بعضهم لبعض ما تقولون في الرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم - كائن في ذلك ما هو كائن، فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم: فقال: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش،

ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئًا، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. قالت: فعدد عليه أمور الإِسلام، فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده لا نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا، وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. قال: فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم قالت: فقال له النجاشي: فاقرأه، فقرأ عليه صدرًا من (كهيعص) قالت: فبكى النجاشي، حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته، حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم. ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم، ولا أكاد". قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده، قال: عمرو بن العاص: والله لأتينه غدًا أعيبهم عنده بما أستاصل به خضراءهم. فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحامًا، وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم - عليه السلام - عبد. قالت: ثم غدا عليه، فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه.

قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثلها، واجتمع القوم، فقال بعضهم لبعض، ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا - صلى الله عليه وسلم -، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. قال: فضرب النجاشي بيده إلى الأرض، فأخذ منها عودًا، ثم قال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقة حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي -والسيوم الآمنون- من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ثم من سَبكُم غرم، ما أحب أن لي دبرًا ذهبًا وإني آذيت رجلًا، "والدبر: بلسان الحبشة: الجبل" ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي منهما، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد عليَّ ملكي، فآخذ فيه الرشوة، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه. فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده في خير دار مع خير جار. فوالله إنه لعلى ذلك إذ نزل به من ينازعه في ملكه، قالت: والله ما علمنا حزنًا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوفًا أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف. قالت: وسار النجاشي، وبينهما عرض النيل، قالت: فقال: أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْ رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا؟ فقال: الزبير بن العوام: أنا. قالت: وكان من أحدث القوم سنًّا. قالت: فنفخوا له قربة، فجعلوها في صدره، فسبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم. قالت: ودعونا - الله عَزَّ وَجَلَّ - للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين في بلاده، واستوسق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة" (¬1). ¬

_ (¬1) رواه أحمد: 5/ 290، 1/ 202 - 292 من طريق ابن إسحاق بسند صحيح عن زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 24 - 27 "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع". فالحديث بهذا صحيح، وأخرجه ابن هشام في السيرة: 1/ 344 وأبو نعيم في الحلية: 1/ 115 وسنده صحيح، وقد صححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند، حديث رقم: 1740 =

وقد جاء عند أبي نعيم في الدلائل، أن قريشًا بعثت إلى النجاشي في أمر المهاجرين مرتين. الأولى: مع عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد، والثانية: مع عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، وكانت البعثة الثانية بعد وقعة بدر، قال الزهري: لينالوا من هناك ثأرًا، فلم يجبهم النجاشي - رضي الله عنه - إلى شيء مما سألوا. فالبعثة الثانية: هي ما جاء في حديث أم سلمة الطويل السابق، وهي بعثة عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة. والبعثة الأولى: هي ما جاء في حديث أبي موسى الأشعري اللاحق، وهي بعثة عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد. 95 - من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: (أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى النجاشي، فبلغ ذلك قريشًا، فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد، وجمعا للنجاشي هدية، وقدما على النجاشي فأتياه بالهدية فقبلها وسجدا له، ثم قال عمرو بن العاص: إن ناسًا من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك، فقال لهم النجاشي: في أرضي قالوا: نعم. فبعث إلينا، فقال لنا جعفر: لا يتكلم أحد منكم أنا خطيبكم اليوم. فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلس وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره والقسيسون والرهبان جلوس سماطين، وقد قال له عمرو وعمارة إنهم لا يسجدون لك، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان: اسجدوا للملك. فقال جعفر: إنا لا نسجد إلا لله. قال له النجاشي: وما ذاك؟ قال إن الله بعث إلينا رسولًا، وهو الرسول الذي بشرنا به عيسى - عليه السلام - {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئًا، وأمرنا أن نقيم الصلاة، وأن نؤتي الزكاة، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر. فأعجب النجاشي قوله، فلما رأى ذلك عمرو قال: أصلح الله الملك، إنهم يخالفونك في ابن مريم. فقال النجاشي: ما يقول صاحبكم في ابن مريم؟ قال: ¬

_ = والطيالسي: 2/ 89 - 90.

يقول فيه قول الله، هو روح الله وكلمته، أخرجه من العذراء البتول التي لم يقربها بشر، ولم يفترضها ولد. فتناول النجاشي عودًا من الأرض فرفعه فقال: يا معشر القسيسين والرهبان، ما يزيد هؤلاء على ما يقولون في ابن مريم ما يزن هذه، مرحبًا بكم وبمن جئتم من عنده، وأشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبل نعليه، امكثوا في أرضي ما شئتم، وأمر لنا بطعام وكسوة. وقال: ردوا على هذين هديتهما، وكان عمرو بن العاص رجلًا قصيرًا؛ وكان عمارة رجلًا جميلًا، وكانا أقبلا إلى النجاشي فشربوا -يعني خمرًا- ومع عمرو بن العاص امرأته، فلما شربوا من الخمر قال عمارة لعمرو: مر امرأتك فلتُقَبِّلني فقال له عمرو: ألا تستحي، فأخذ عمارة عمرًا فرمى به في البحر، فجعل عمرو يناشد عمارة حتى أدخله السفينة، فحقد عمرو على ذلك، فقال عمرو للنجاشي: إنك إذا خرجت خلفت عمارة في أهلك، فدعا النجاشي عمارة فنفخ في إحليله فطار مع الوحش) (¬1). ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 30 - 31 قلت: روى أبو داود منه مقدار سطر في الجنائز - رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

الفصل السادس وقائع مهمة بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء

الفصل السادس وقائع مهمة بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء المبحث الأول: إسلام عمر بن الخطاب دعاء النبي لعمر بن الخطاب قبل إسلامه وقصة إسلامه: شدته على المسلمين قبل الإِسلام 96 - من حديث سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: (والله! لقد رأيتني وأن عمر - رضي الله عنه - لموثقي على الإِسلام، قبل أن يسلم عمر - رضي الله عنه -) وفي رواية أخرى (لو رأيتني موثقي عمر على الإِسلام أنا وأخته وما أسلم) (¬1). 97 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اللهم أعز الإِسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب، فكان أحبهما إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- عمر بن الخطاب) (¬2). دعاء النبي لعمر بعد إسلامه: 98 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب صدر عمر بيده من أسلم ثلاث مرات وهو يقول: (اللهم أخرج ما في صدر عمر من غل وأبدله إيمانًا) يقول ذلك ثلاث مرات (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب إسلام سيد بن زيد وباب إسلام عمر بن الخطاب رقم: 3862، 3867 فتح الباري: 7/ 177، 179. (¬2) أخرجه أحمد انظر الفتح الرباني: 20/ 230 والمسند:2/ 95، الترمذي: 3682 - 3684 المناقب باب اللهم أعز الإِسلام بأبي جهل أو بعمر، ابن ماجه المقدمة: باب فضائل الصحابة: رقم 105، والبيهقي في الدلائل: 2/ 215 - 216، وقال الترمذي حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر، ورواه ابن سعد في الطبقات 3/ 267، الحاكم في المستدرك: 3/ 83 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي وذكره الحافظ في الفتح: صححه ابن حبان برقم:6842. (¬3) قال الهيثمي في المجمع: 9/ 65 رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

عمر يشهر إسلامه والعاص يجيره من أذى قريش

99 - ومن حديث شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب: خرجت أبغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، قال: فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش، قال فقرأ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} قلت كاهن قال {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلى آخر السورة، قال فوقع الإِسلام من قلبي كل موقع) (¬1). قلت: وأما الروايات الأخرى في قصة إسلام عمر فلم أجد فيها رواية صحيحة غير مطعون فيها، فمنها الشاذ والمنكر، ومنها ما في إسنادها ضعفاء وغير ذلك، وهذه الرواية التي ذكرت أقرب الروايات إلى الصحة، ومع ذلك فهي مرسلة وإسنادها كل رجاله ثقات وشريح بن عبيد الذي أرسل هذه القصة ثقة كما جاء في ترجمته في (تهذيب التهذيب، والتقريب) (¬2). عمر يشهر إسلامه والعاص يجيره من أذى قريش 100 - من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: (لما أسلم عمر قال: أي قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي، فغدا عليه. قال عبد الله: وغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت. حتى جاءه فقال له: أعلمت يا جميل أني أسلمت، ودخلت في دين محمَّد - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر، واتبعته أنا، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، وهم في أنديتهم حول الكعبة. ألا أن ابن الخطاب قد صبا. قال: يقول عمر من خلفه: كذب، ولكني قد أسلمت، وشهدت أن لا إله ¬

_ (¬1) قال الهيثمي: 9/ 62: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات إلا أن شريح بن عبيد لم يدرك عمر أحمد في المسند. (¬2) التقريب: 1/ 349 التهذيب: 4/ 328.

عزة المسلمين بإسلام عمر - رضي الله عنه -

إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وثاروا إليه، فما برح يقاتلهم ويقاتلونه، حتى قامت الشمس على رؤوسهم، قال: وطلع فقعد، وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا. قال: فبينما هم على ذلك، إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى، حتى وقف عليهم. فقال: ما شأنكم به؟ فقالوا: صبأ عمر. قال: فمه، رجل اختار لنفسه أمرًا فما تريدون؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟ خلوا عن الرجل. قال: فوالله لكأنما كانوا ثوبًا كشط عنه. قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبت، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك. قال: ذاك أي بني، العاص بن وائل السهمي) (¬1). 101 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (لما أسلم عمر اجتمع الناس إليه عند داره وقالوا: صبأ عمر وأنا غلام فوق ظهر بيتي، فجاء رجل عليه قباء من ديباج، فقال: صبأ عمر فما ذاك فأنا له جار، قال: فرأيت الناس تصدعوا عنه. فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا العاص بن وائل) (¬2). عزة المسلمين بإسلام عمر - رضي الله عنه -: 102 - من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: قال: (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -) (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادته على فضائل الصحابة: 372، وابن حبان كما في الإحسان رقم: 6840، وابن هشام في السيرة: 1/ 373 - 374، وأخرجه مختصرًا كل من البزار رقم: 2494، والحاكم: 3/ 85، وصححه ووافقه الذهبي. وانظر السيرة النبوية الذهبي: ص 104، 105 وقال: رواه ابن حبان في صحيحه: 6879 من حديث جرير بن حازم عن ابن إسحاق، ابن كثير في سيرته:2/ 38 - 39 وقال: وهذا إسناد جيد قوي وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 65 رواه البزار والطبراني باختصار، ورجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس، قلت وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث وإسناده صحيح. * طلح: تعب وأعيي. (¬2) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب إسلام عمر بن الخطاب رقم: 3864، 3865، فتح الباري: 7/ 177. (¬3) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب عمر رقم: 3684 فتح الباري:7/ 41 مناقب الأنصار =

المبحث الثاني: المقاطعة

المبحث الثاني: المقاطعة 103 - من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: قلت يا رسول الله أين تنزل غدًا؟ في حجته قال: وهل ترك لنا عقيل منزلًا، ثم قال: نحن نازلون غدًا -إن شاء الله بخيف بني كنانة (يعني المحصب) حيث قاسمت قريش على الكفر، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشًا علي بني هاشم، أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤوهم، ثم قال عند ذلك: (لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر) واللفظ لأحمد. قال الزهري: الخيف: الوادي (¬1). 104 - ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن بمنى (نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر) وذلك إن قريشًا وبني كنانة تحالفت علي بني هاشم وبني المطلب، أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يعني بذلك المحصب) (¬2). وقال الحافظ في الفتح: (7/ 193) ولما لم يثبت عند الإِمام البخاري شيء من هذه القصة اكتفى بإيراد حديث أبي هريرة لأن فيه دلالة على أصل القصة، لأن الذي أورده أهل المغازي من ذلك كالشرح لقوله في الحديث (تقاسموا على الكفر) (¬3). ¬

_ = باب إسلام عمر رقم: 3863 فتح الباري: 7/ 177 ابن أبي شيبة: 12/ 22، وابن سعد: 3/ 270، والطبراني في الكبير:8821، والبيهقي في الدلائل: 2/ 215، وأبو نعيم في الحلية: 8/ 211 والحاكم: 3/ 84، وابن حبان رقم:6841". (¬1) أخرجه البخاري في الفرائض باب لا يرث المسلم الكافر رقم: 6764 فتح الباري: 12/ 50 مسلم الفرائض: 1614 أول كتاب الفرائض، أبو داود: 2909كتاب الفرائض باب هل يرث المسلم الكافر، الترمذي كتاب الفرائض باب ما جاء في إبطال الميراث بين المسلم والكافر: 2107، ابن ماجه كتاب الفرائض حديث: 2729،2730 والدارمي: 2/ 370 أحمد:5/ 200، 202، 208، 209. (¬2) أخرجه البخاري في الحج باب نزول النبي مكة رقم: 1589،1590، فتح الباري: 3/ 252 وفي مناقب الأنصار باب تقاسم المشركين على النبي رقم:3882، فتح الباري: 7/ 192، مسلم كتاب الحج باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر والصلاة فيه رقم: 1314. (¬3) أخرجه البخاري في الحج باب نزول النبي مكة رقم: 1589، 1590 فتح الباري:3/ 252، وفي مناقب الأنصار باب تقاسم المشركين على النبي رقم:3882 فتح الباري: 7/ 192، مسلم كتاب الحج باب =

المبحث الثالث: انتقام الله لرسوله من المستهزئين

المبحث الثالث: انتقام الله لرسوله من المستهزئين 105 - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: في قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} قال: المستهزئون: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث الزهري، وأبو زمعة الأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى، والحارث بن عيطل السهمي، والعاص بن وائل، فأتاه جبريل فشكاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه، فأراه الوليد وأومأ جبريل إلى أبجله فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته، ثم أراه الأسود فأومأ جبريل إلى عينه فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته، ثم أراه أبا زمعة فأومأ إلى رأسه فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته ثم أراه الحارث فأومأ إلى رأسه أو بطنه وقال: كفيته، ومر به العاص فأومأ إلى أخمصه وقال: كفيته. فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبالًا، فأصاب أبجلة فقطعها، وأما الأسود فعمي، وأما ابن عبد يغوث فخرج في رأسه تروح فمات منها، وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منها، وأما العاص فدخل في رأسه شبرقة حتى امتلات فمات منها، وقال غيره: أنه ركب إلى الطائف حمارًا فربض به على شوكة، فدخلت في أخمصه فمات منها) (¬1). صور من استهزاء المشركين بالنبي - عليه السلام - 106 - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "إن العاص بن وائل أخذ عظمًا من البطحاء ففته بيده، ثم قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيحيي الله هذا بعد ما أرم؟ فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم، يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم) ¬

_ = استحباب النزول بالمحصب يوم النفر والصلاة فيه: 1314. (¬1) الذهبي في السيرة النبوية: ص 143 وقال: حديث صحيح، السيرة النبوية ابن كثير: 2/ 85، ونسبه إلى البيهقي، وانظر الببهقي في الدلائل: 2/ 316، وفي السنن: 9/ 8، ورجاله ثقات إلا عمر بن عبد الله بن رزين وهو صدوق. والأبجل: عرق في باطن الذراع وقيل هو عرق غليظ في الرجل فيما بين العصب والعظم. شبرقة: نبت حجازي له شوك.

قال: ونزلت الآيات من آخر يس" (¬1). 107 - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: (أن أبا معيط كان يجلس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة لا يؤذيه، وكان رجلًا سليمًا، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام، فقالت قريش: صبأ أبو معيط، وقدم خليله من الشام ليلًا فقال لامرأته: ما فعل محمَّد مما كان عليه؟ فقالت: أشد مما كان أمر، فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبأ. فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه فلم يرد عليه التحية. فقال: ما لك لا ترد عليَّ تحيتي؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟ فقال: أو قد فعلتها قريش؟ قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ فقال: تأتيه في مجلسه وتبزق في وجهه، وتشتمه بأخبث ما تعلمه من الشتم، ففعل فلم يزد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن مسح وجهه من البزاق، ثم التفت إليه فقال: إن وجدتك خارجًا من جبال مكة، أضرب عنقك صبرًا. فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه، أبي أن يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا. قال: قد وعدني هذا الرجل، إن وجدني خارجًا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرًا". فقالوا: لك جمل أحمر، لا يُدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه، فخرج معهم فلما هزم الله المشركين، وحَّل به جمله في جدد من الأرض. فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسيرًا في سبعين من قريش، وقدم إليه أبو معيط فقال: تقتلني من بين هؤلاء؟ قال: نعم بما بزقت في وجهي، فأنزل الله في أبي معيط {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} إلى قوله {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم: 2/ 429 من طريق عمرو بن عون عن هُشيم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال ابن كثير في التفسير: 3/ 581، أخرجه ابن أبي حاتم. (¬2) الدر المنثور: 5/ 68 وقال أخرجه ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل رقم: 401 بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، وفي رواية عبد الرزاق المرسلة- عقبة أبي معيط. والوحل: الطين الرقيق ووحل الرجل أي وقع في الوحل.

المبحث الرابع: قصة الأعمى ابن أم مكتوم

المبحث الرابع: قصة الأعمى ابن أم مكتوم 108 - من حديث عائشة - رضي الله عنهما -: (أنزلت عبس وتولى في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض عنه، ويقبل على الآخر ويقول: ترى بما أقول بأسًا، ففي هذا نزلت {عَبَسَ وَتَوَلَّى}) (¬1). المبحث الخامس: دعاء النبي - عليه السلام - على قريش 109 - عن مسروق قال: قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (إنما كان هذا لأن قريشًا لما استعصوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم بسنين كسنين يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله تعالى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}. قال: فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل: يا رسول الله: استسق الله لمضر، فإنها قد هلكت، قال: (لمضر؟ إنك لجريء) فاستسقى فسقوا فنزلت {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}. فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم، حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} قال يعني يوم بدر) (¬2). المبحث السادس: قصة الرهان بين أبي بكر وقريش 110 - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} قال: غلبت وغُلبت، كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم؛ لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في تفسير القرآن ومن سورة عبس رقم: 3331 وقال: حديث حسن غريب، وروى بعضهم هذا الحديث عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: نزل عبس وتولى في ابن أم مكتوم ولم يذكر عائشة، وقال العراقي في تخريج الأحياء: 4/ 244 رجاله رجال الصحيح، وابن حبان رقم: 1769، وابن جرير تفسير: 30/ 50، والحاكم: 2/ 54 وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فقد أرسله جماعه عن هشام بن عروة، قال الذهبي: وهو الصواب. وله شاهد من حديث أنس أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو يعلى انظر في ذلك فتح القدير للشوكاني: 5/ 386. (¬2) أخرجه البخاري في التفسير سورة الدخان باب يغشى الناس هذا عذاب أليم رقم: 4821، 4822 فتح الباري 8/ 571، 572، مسلم كتاب صفات المنافقين وأحكامهم باب الدخان رقم: 2798، أحمد:1/ 381. والسنة: الجدب والقحط.

المبحث السابع: وفاة أبي طالب

على فارس لأنهم أهل كتاب، فذكروه لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: أما أنهم سيغلبون، فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلًا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين فلم يظهروا. فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا جعلته إلى دون (قال) أراه العشر، قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر، قال: ثم ظهرت بعد. قال: فذلك قوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ}، إلى قوله {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر) (¬1). المبحث السابع: وفاة أبي طالب 111 - من حديث المسيب - رضي الله عنه - قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية ابن المغيرة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا عم قل لا إله إلا الله. كلمة أشهد لك بها عند الله). فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب! ترغب عن ملة عبد المطلب! فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم، هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال رسول - صلى الله عليه وسلم - (أما والله! لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) فأنزل الله تعالى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (¬2) وأنزل الله تعالى في أبي طالب فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (¬3) (¬4). 112 - ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمه ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي كتاب التفسير باب من سورة الروم حديث رقم: 3193 وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب إنما نعرفه من حديث سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة. قلت: وإسناد الترمذي رجاله رجال الصحيح. (¬2) سورة التوبة: 113. (¬3) سورة القصص: 56. (¬4) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب قصة أبي طالب حديث رقم: 3884، فتح الباري:7/ 193، مسلم كتاب الإيمان باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت حديث رقم: 24، النسائي: 4/ 90 - 91 الجنائز باب النهي عن الاستغفار للمشركين، أحمد:5/ 433 ابن جرير في التفسير: 11/ 41.

مصير أبي طالب

(قل لا إله إلا الله، أشهد لك بها يوم القيامة). قال: لولا أن تعيرني قريش، يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك، فأنزل الله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (¬1) (¬2). 113 - ومن حديث علي بن أبي طالب: "أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبا طالب مات فقال له - صلى الله عليه وسلم -: (اذهب فواره). فقال: إنه مات مشركًا فقال: (اذهب فواره)، فلما واريته رجعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: (اغتسل) (¬3). مصير أبي طالب 114 - ومن حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر عنده عمه فقال: (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه) (¬4). 115 - ومن حديث العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه -: قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أغنيت عن عمك فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال (هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) (¬5). ¬

_ (¬1) سورة القصص: 56. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت حديث رقم: 25، الترمذي في كتاب التفسير باب ومن سورة القصص حديث رقم: 3188 وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث، يزيد بن كيسان، أحمد: 2/ 441 ابن خزيمة: 343 - 344 البيهقي في شعب الإيمان: 1/ 106 رقم: 91. (¬3) أخرجه أحمد:1/ 95، 103، 130، 131 أبو داود رقم:3214 الجنائز باب الرجل يموت له قرابة مشرك، النسائي في الطهارة باب الغسل من مواراة المشرك: 1/ 110، الجنائز باب مواراة المشرك: 4/ 79 - 80 - وقال الذهبي في السيرة النبوية: 150، هذا حديث حسن متصل. وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 20/ 235: أخرجه أحمد والنسائي وأبو بكر بن أبي شيبة والبزاز، والبيهقي. قال الحافظ رواته ثقات: وقال الساعاتي: وإن تكلم فيه بعضهم فكلامه لا يؤثر فقد قال: الشوكاني: ذكر الماوردي أن بعض أصحاب الحديث خرج هذا الحديث مائة وعشرين طريقًا. ولا يخفى أن كثرة الطرق تقوي الحديث الضعيف فما بالك بحديث رواته ثقات. (¬4) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب قصة أبي طالب رقم:3885، فتح الباري: 7/ 193 مسلم كتاب الإيمان باب شفاعة النبي لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه رقم: 210. (¬5) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب قصة أبي طالب رقم:3885 فتح الباري:7/ 193، مسلم كتاب الإيمان باب شفاعة النبي لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه رقم: 209.

المبحث الثامن: وفاة خديجة وزواج الرسول بعائشة وسودة

المبحث الثامن: وفاة خديجة وزواج الرسول بعائشة وسودة 116 - من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: (توفيت خديجة قبل مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بثلاث سنين، فلبث سنتين أو قريبًا من ذلك، ونكح عائشة وهي بنت ست سنين، ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين) (¬1). 117 - من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "لما توفيت خديجة قالت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون: يا رسول الله ألا تزوج؟ قال: (نعم، فما عندك؟) قالت: بكر وثيب. البكر بنت أحب خلق الله إليك عائشة، والثيب سودة بنت زمعة. فدخلت على أبي بكر فقال: إنما هي ابنة أخيه، قال: (قولي له أنت أخي في الإِسلام، وابنتك تصلح لي فجاءه فأنكحه) ثم دخلت على سودة فقالت لها: أخبري أبي، فذكرت له فزوجه" (¬2). 118 - وقد جاء من سياق آخر أطول من حديث عائشة - رضي الله عنها - قال أبو سلمة ويحيى: (لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت: يا رسول الله ألا تزوج قال: (من؟) قالت: إن شئت بكرًا، وإن شئت ثيبًا". قال: (فمن البكر؟) قالت: ابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر. قال: (ومن الثيب؟) قالت: سودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك. قال: (فاذهبي فاذكريهما علي). فدخلت بيت أبي بكر فقالت: يا أم رومان ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب تزويج النبي عائشة وقدومها المدينة، وبنائه بها رقم: 3896 فتح الباري: 7/ 223. (¬2) قال الحافظ في الفتح: 7/ 225: رواه أحمد والطبراني: 23/ 23، رقم: 57، وإسناد حسن. وانظر السيرة النبوية ابن كثير: 2/ 142 - 143 - وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 225، رجاله رجال الصحيح غير محمَّد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث.

قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخطب عليه عائشة قالت: انظري أبا بكر حتى يأتى. فجاء أبو بكر فقلت: يا أبا بكر ماذا أدخل عليك من الخير والبركة! قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخطب عليه عائشة. قال: وهل تصلح له؟ إنما هي ابنة أخيه. فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له قال: ارجعي إليه فقولي له: (أنا أخوك، وأنت أخي في الإِسلام، وابنتك تصلح لي) فرجعت فذكرت ذلك له قال: انتظري، وخرج. قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي قد ذكرها على ابنه، ووالله ما وعد أبو بكر وعدًا فأخلفه. فدخل أبو بكر - رضي الله عنه - على مطعم بن عدي وعنده امرأته أم الصبي فقالت: يا ابن أبي قحافة لعلك مصبئ صاحبنا تدخله في دينك الذي أنت عليه أن تزوج إليك؟. فقال أبو بكر للمطعم بن عدي: "أقول هذه تقول! قال: إنها تقول ذلك. فخرج من عنده وقد أذهب الله ما كان في نفسه من عدته التي وعد. فرجع فقال لخولة: ادعي لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعته فزوجها إياه، وعائشة يومئذ بنت ست سنين. ثم خرجت فدخلت على سودة بنت زمعة فقالت: ما أدخل الله عليك من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخطبك إليه. قالت: وددت، ادخلي إلى أبي فاذكري ذلك له. وكان شيخًا كبيرًا قد أدركه السنن قد تخلف عن الحج، فدخلت عليه فحييته بتحية الجاهلية. فقال: من هذه؟ قالت: خولة بنت حكيم. قال: فما شأنك؟ قالت: أرسلني محمَّد بن عبد الله أخطب عليه سودة. فقال: كفء كريم، ما تقول صاحبتك؟ قالت: تحب ذلك. قال: ادعيها

إلي. فدعتها قال: أي بنيه، إن هذه تزعم أن محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبك وهو كفء كريم، أتحبين أن أزوجك به؟ قالت: نعم. قال ادعيه لي، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزوجها إياه. فجاء أخوها عبد بن زمعة من الحج، فجاء يحثي على رأسه التراب، فقال بعد أن أسلم: لعمرك إني لسفيه يوم أحثي في رأسي التراب، أن تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سودة بنت زمعة. قالت عائشة: فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج في السنح. قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل بيتنا، واجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء، فجاءتني أمي وإني لفي أرجوحة بين عذقين يرجح لي، فأنزلتني من الأرجوحة ولي جميمة، ففرقتها ومست وجهي بشيء من ماء، ثم أقبلت تقودني حتى وقفت بي عند الباب، وإني لأنهج حتى سكن من نفسي، ثم دخلت بي، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار فأجلستني في حجره، ثم قالت: هؤلاء أهلك، فبارك الله لك فيهم، وبارك لهم فيك، فوثب الرجال والنساء فخرجوا، وبنى بي رسول الله في بيتنا ما نحرت جزور، ولا ذبحت علي شاة، حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بجفنة كان يرسل بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دار إلى نسائه، وأنا يومئذ ابنة تسع سنين" (¬1). ¬

_ (¬1) أحمد في المسند: 6/ 210،211 وقال ابن كثير في سيرته: 2/ 142 هذا السياق كأنه مرسل وهو متصل، وقال الذهبي في السيرة: 184، إسناده حسن. وقال الساعاتي في الفتح:20/ 237 - 239، أورده الهيثمي وقال في الصحيح طرف منه رواه أحمد بعضه فيه الاتصال عن عائشة وأكثره مرسل وفيه محمَّد بن عمرو بن علقمة وثقه غير واحد ورجاله رجال الصحيح. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: 7/ 176 إسناده حسن. وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 225 رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمَّد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث. وأخرجه ابن سعد في الطبقات: 8/ 57.

المبحث التاسع: رد أبي بكر وعثمان بن مظعون جوار من أجارهما من أهل الشرك

المبحث التاسع: رد أبي بكر وعثمان بن مظعون جوار من أجارهما من أهل الشرك 119 - من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: (لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفي النهار: بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون، فخرج أبو بكر مهاجرًا نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك الغماد لقيه ابن الدُغنة وهو سيد القاره، قال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي. قال ابن الدغنة: فإن مثلك -يا أبا بكر- لا يَخرج، ولا يُخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع، وارتحل معه ابن الدغنة، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يَخرج مثله، ولا يُخرج. أتخرجون رجلًا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر، فليعبد ربه في داره، فليصل فيها، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فأنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا. فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدًا بفناء داره، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه، وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلًا بكاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى ألا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا بمقرين لأبي بكر الاستعلان.

قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلى ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له. فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله، عَزَّ وَجَلَّ (¬1). وقد كان عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - فيمن رجع من مؤمني قريش الذين هاجروا إلى الحبشة فلم يستطع دخول مكة لاشتداد المشركين فيها على من آمن بالإِسلام، فدخل في جوار الوليد بن المغيرة، فلم يستطع أحد إيذاءه. 120 - من حديث ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف عمن حدثه عن عثمان قال: "لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النبلاء، وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة، قال: والله إن غدوي ورواحي آمنًا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي. فمشى إلى الوليد بن المغيرة، فقال له: يا أبا عبد شمس، وفت ذمتك، قد رددت إليك جوارك، فقال له: لم يا ابن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي، قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله، ولا أريد أن أستجير بغيره. قال: فانطلق إلى المسجد، فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية. قال: فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري، قال: صدق، قد وجدته وفيًّا كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره، ثم انصرف عثمان، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب في مجلس من قريش ينشدهم فجلس معهم عثمان، فقال لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة رقم: 3905، فتح الباري: 7/ 230 - 231 وعبد الرزاق في المصنف: 9743 والبيهقي في الدلائل: 2/ 471 - 472 وأحمد في المسند: 6/ 346 وابن سعد في الطبقات: 8/ 250 والطبري في تاريخه: 2/ 375 - 378.

قال عثمان: صدقت. قال لبيد: وكل نعيم لا محالة زائل. قال عثمان: كذبت نعيم الجنة لا يزول. قال لبيد بن ربيعة: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه، قد فارقوا ديننا، فلا تجدن في نفسك من قوله، فرد عليه عثمان حتى شري أمرهما، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضرها، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان، فقال: أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية، لقد كنت في ذمة منيعة، قال: يقول عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله، وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس، فقال له الوليد: هلم يا ابن أخي إن شئت فعد إلى جوارك، فقال: لا" (¬1). 121 - ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم) (¬2). وقال الحافظ في الفتح معلقًا على هذا الحديث: وفي إيراد البخاري هذا الحديث في هذا الباب تلميح بما وقع لعثمان بن مظعون بسبب هذا البيت مع ناظمه لبيد بن ربيعة قبل إسلامه والنبي يومئذ بمكة وقريش في غاية الأذية للمسلمين". ثم ذكر الحافظ رواية ابن إسحاق الآنفة الذكر عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن هشام في السيرة: 1/ 370 - 371 وقد صرح ابن إسحاق بالسماع وسنده منقطع وأخرجه أبو نعيم في الحلية: 1/ 103 - 104من طريق ابن إسحاق، وأخرجه البيهقي في الدلائل: 2/ 292 من طريق موسى بن عقبة والطبراني في الكبير: 9/ 21 - 24 مرسلًا، من طريق عروة وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 32 - 34 وفيه ابن لهيعة. وصالح بن عبد الرحمن بن عوف، هو أبو عبد الرحمن المدني ثقه من الخامسة التقريب: 1/ 358 شري: زاد وعظم. (¬2) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب أيام الجاهلية رقم: 3849 فتح الباري: 7/ 149، ومسلم في كتاب الشعر رقم: 2256، والترمذي في الأدب باب في إنشاد الشعر: 2849 وقال حسن صحيح، وابن ماجه في الأدب باب الشعر رقم: 3757، وأحمد: 2/ 248، 291، 293، 444، 458،470، 481. (¬3) الفتح: 7/ 153.

الفصل السابع الإسراء والمعراج وآياتهما

الفصل السابع الإسراء والمعراج وآياتهما 122 - من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أتيت بالبراق "وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه" قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال: فربطه بالحلقة (¬1) التي يربط بها الأنبياء. قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل - عليه السلام - بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن، فقال جبريل - عليه السلام -: اخترت الفطرة (¬2) (فذكر الحديث) (¬3). 123 - من حديث مالك بن صعصعة - رضي الله عنه - والذي رواه عنه أنس - رضي الله عنه -: قال مالك: إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حدثهم عن ليلة أسري به، قال: (بينما أنا في الحطيم -وربما قال في الحجر- مضطجعًا إذ أتاني آت، فقد قال: وسمعته يقول: فشق ما بين هذه إلى هذه، فقلت للجارود -وهو إلى جنبي-: "ما يعني به؟ " قال: "من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول: (من قصه إلى شعرته، فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيمانًا، فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض) فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم، يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه. (فانطلق بي جبريل حتى أتيت السماء الدنيا فاستفتح. قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ ¬

_ (¬1) الحلقة: المراد باب مسجد بيت المقدس. (¬2) الفطرة: الإِسلام، والاستقامة. (¬3) أخرجه مسلم في الصحيح كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله وفرض الصلوات رقم الحديث: 162، وقد جاء اختيار النبي - عليه السلام - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند البخاري في كتاب الأشربة باب شرب اللبن وفي الأنبياء باب هل أتاك حديث موسى، وصحيح مسلم الإيمان باب الإسراء برسول الله إلى السموات رقم: 168.

قال: نعم. قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، فهذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح، والنبي الصالح. ثم صعد لي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح: قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى، وهما ابنا خالة، قال: هذا يحيى وعيسى، فسلم عليهما. فسلمت، فردا، ثم قالا: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد لي إلى السماء الثالثة، فاستفتح: قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعبم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح: قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: أوقد أرسل إليه قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت فهذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح: قيل: من هذا، قال: جبريل: قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد - صلى الله عليه وسلم -. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت فإذا هارون، قال: هذا هارون، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح: قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء. فلما خلصت: فهذا موسى، قال: هذا موسى فسلم عليه، فرد ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح، والنبي الصالح. فلما تجاوزت بكى. قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي.

ثم صعد إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل: قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبًا به ونعم المجيء جاء، فلما خلصت فهذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلم عليه، قال فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار، نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات. ثم رفع لي البيت المعمور. ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك. ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى فقال: بما أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فأرجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت، فوضع عني عشرًا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرًا، فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت. فوضع عني عشرًا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم. فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم. قال: فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي) (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب في المعراج حديث رقم: 3887، فتح الباري: 7/ 201 - 202، مسلم في الصحيح كتاب الإيمان باب الإسراء حديث رقم: 164، أحمد في المسند: 4/ 208، 210، النسائي في الصلاة باب فرض الصلاة: 1/ 217.

124 - من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لما عرج بي إلى السماء بينما أنا أسير في الجنة إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف. قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعده ربك، فهذا طينه مسك أذفر) (¬1). 125 - ومن حديث سليمان الشيباني قال: سألت زرًّا عن قوله -عَزَّ وَجَلَّ- {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (¬2). قال: أخبرنا عبد الله: أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رأى جبريل له ستمائة جناح (¬3). 126 - من حديث عبد الله بن مسعود: قال: "لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، فيقبض منها، قال: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}، قال: فراش من ذهب، قال: فأعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئًا المقحمات" (¬4). 127 - من حديث ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} (¬5). قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به إلى بيت المقدس قال: (والشجرة الملعونة في القرآن) قال: هي شجرة الزقوم. وكانت حادثة الإسراء والمعراج قبل هجرته - عليه السلام - بسنة" هكذا قال القاضي عياض في الشفا (¬6) (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الرقاق باب في الحوض رقم: 6581 فتح الباري: 11/ 463 وفي التفسير سورة إنا أعطيناك الكوثر باب رقم: 4964 فتح الباري: 8/ 731 أو الترمذي كتاب التفسير باب ومن سورة الكوثر رقم: 3360 وقال حسن صحيح. (¬2) سورة النجم: 9. (¬3) أخرجه البخاري في التفسير، تفسير سورة النجم باب قوله تعالى فأوحى إلى عبده ما أوحى، رقم: 4856، فتح الباري: 8/ 610 ومسلم: 174. (¬4) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب في ذكر سدرة المنتهى حديث رقم:173. والمقحمات: الذنوب العظام التي تقحم أصحابها في النار. (¬5) سورة الإسراء: 60. (¬6) الشفا بحقوق المصطفى: 1/ 108. (¬7) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب في المعراج حديث رقم: 3888 فتح الباري: 7/ 202 - 203.

الفصل الثامن وقائع مهمة بين الإسراء والهجرة النبوية

الفصل الثامن وقائع مهمة بين الإسراء والهجرة النبوية المبحث الأول: ذهابه - عليه السلام - إلى الطائف 128 - من حديث محمَّد بن كعب القرظي: قال: لما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف، عمد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومسعود بن عمرو بن عمير، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاهم إلى الله، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإِسلام، والقيام على من خالفه من قومه، فقال له أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدًا يرسله غيرك! وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا، لئن كنت رسولًا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله، ما ينبغي لي أن أكلمك. فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقال لهم فيما ذكر لي: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني، وكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم ذلك عليه، فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، وألجؤوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد إلى ظل حبلة من عنب، فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف، وقد لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر المرأة التي من بني جمح فقال لها: ماذا لقينا من أحمائك؟) (¬1). ¬

_ (¬1) أخرج القصة بطولها ابن هشام: 1/ 419 والطبري في التاريخ: 2/ 344 - 346 والطبراني كما في مجمع الزوائد: 6/ 35، بسند صحيح عن ابن إسحاق عن محمَّد بن كعب القرظي مرسلًا- مضافًا إليها قصة عداس وانكبابه على يدي الرسول بدون الدعاء فقد جاء بغير سند، والبيهقي في الدلائل: 2/ 415 - 417 من مرسل الزهري، فيتقوى به، وله شاهد من الحديث الذي يليه برقم: 129. ويذئرهم عليه: يثيرهم عليه ويجرئهم.

التوجه إلى الله بالشكوى

129 - من حديث خالد العدواني: "أنه أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مشرق ثقيف وهو قائم على قوس، أو عصا حين أتاهم يبتغي عندهم النصر، قال: فسمعته يقرأ: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} حتى ختمها، قال: فوعيتها في الجاهلية: وأنا مشرك، ثم قرأتها في الإِسلام قال: فدعتني ثقيف فقالوا: ماذا سمعت من هذا الرجل؟ فقرأتها عليهم، فقال من معهم من قريش: نحن أعلم بصاحبنا لو كنا نعلم ما يقول حقًّا لاتبعناه" (¬1). التوجه إلى الله بالشكوى: 130 - من حديث عبد الله بن جعفر - رضي الله عنه - قال: "لما توفي أبو طالب خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف ماشيًا على قدميه، يدعوهم إلى الإِسلام فلم يجيبوه، فانصرف فأتى ظل شجرة فصلى ركعتين ثم قال: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين، إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بوجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي غضبك، أو يحل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا قوة إلا بالله) (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 335 وقال الساعاتي: 20/ 243 في الفتح: وسنده جيد. وقال الحافظ في الإصابة: 1/ 402 رواه أحمد وابن أبي شيبة وابن خزيمة في صحيحه والطبراني رقم: 4126، وابن شاهين فذكر الحديث وقال الهيثمي: 7/ 136، رواه أحمد والطبراني وعبد الرحمن ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد وبقية رجاله ثقات. (¬2) قال الهيمثي في المجمع: 6/ 35 رواه الطبراني وفيه ابن إسحاق مدلس ثقة وبقية رجاله ثقات، وأخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي: 2/ 275 رقم: 1839. وله شاهد في ذهابه إلى الطائف من الحديثين السابقين.

المبحث الثاني: قصة عداس النصراني

المبحث الثاني: قصة عداس النصراني من حديث محمَّد بن كعب القرظي السابق قال: "فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة، وما لقي، تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانيًّا يقال له عداس، فقالا له: خذ قطفًا من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه، ففعل عداس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال له: كل. فلما وضع رسول الله عليه وسلم فيه يده، قال: باسم الله، ثم أكل، فنظر عداس في وجهه، ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟ قال: نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى، فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذاك أخي، كان نبيًّا وأنا نبي، فأكب عداس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل رأسه ويديه وقدميه. قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاءهما عداس قالا له: ويلك يا عداس! ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي، قالا له: ويحك يا عداس، لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه". شدة الأذى الذي لقيه - عليه السلام - من أهل الطائف 131 - من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: نعم لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت منهم،

المبحث الثالث: استماع الجن القرآن

فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمَّد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا) (¬1). المبحث الثالث: استماع الجن القرآن 132 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: قال: "ما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجن وما رآهم، انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطن وبين خبر السماء، وأرسلت عليها الشهب، فرجعت الشياطن إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. قال: وما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إنا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرشد فآمنا به، فأوحى الله إلى نبيه {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} (¬2) (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء ووافقت إحداهما الأخرى رقم: 3231 فتح الباري: 6/ 312،313 , مسلم في الصحيح كتاب الجهاد والسير باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من أذى المشركين والمنافقين رقم: 1795. الأخشبين: الأخشب من الجبال: الخشن الغليظ. (¬2) سورة الجن: 1. (¬3) أخرجه البخاري في التفسير باب سورة قل أوحي إلى حديث: 4921، وفي الأذان باب الجهر بالقرآن في صلاة الفجر: 733، مسلم في الصلاة باب الجهر بالقراءة في الصبح: 449، والترمذي في التفسير باب ومن سورة الجن: 3340، وأحمد في المسند: 1/ 274 وأبو يعلى: 2369 والطبري في التفسير: 29/ 102.

المبحث الرابع: عرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه على القبائل

المبحث الرابع: عرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه على القبائل من حديث ربيعة بن عباد الديلي: وقد سبق ذكره رقم (78) 133 - من حديث الحارث بن الحارث: قال: قلت لأبي: ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم الذين اجتمعوا على صابئ لهم، قال: فنزلنا فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو الناس إلى توحيد الله -عَزَّ وَجَلَّ- والإيمان, وهم يردون عليه ويؤذونه حتى انتصف النهار، وانصدع الناس عنه، أقبلت امرأة قد بدا نحرها، تحمل قدحًا ومنديلًا، فتناوله منها فشرب وتوضأ، ثم رفع رأسه فقال: يا بنية خمري عليك نحرك، ولا تخافي على أبيك، قلنا: من هذه؟ قالوا: هذه زينب بنته" (¬1). 134 - من حديث مدرك قال: "حججت مع أبي فلما نزلنا مني إذا نحن بجماعة فقلت لأبي: ما هذه الجماعة، قال: هذا الصابئ فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) (¬2). 135 - عن رجل من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوق ذي المجاز يتخللها يقول: (يا أيها الناس تولوا لا إله إلا الله تفلحوا)، قال: وأبو جهل يحثي عليه التراب ويقول: لا يغوينكم هذا عن دينكم، فإنما يريد لتتركوا آلهتكم، وتتركوا اللات والعزى، وما يلتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: انعت لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: بين بردين أحمرين، مربوع كثير اللحم، حسن الوجه، شديد سواد الشعر، أبيض شديد البياض، سابغ الشعر" (¬3). 136 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: هل من رجل يحملني إلى قومه، ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 21 رواه الطبراني ورجاله ثقات، انظر الطبراني في الكبير: 3372، 22/ 422، رقم: 1052، والبخاري في التاريخ: 2/ 262 وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم: 2403. (¬2) أخرجه الطبراني في الكبير: 20/ 343 رقم: 806، وأبو نعيم في معرفة الصحابة: 2/ 208، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني: 2404، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 21 رواه الطبراني ورجاله ثقات. (¬3) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 63 , 5/ 372 , وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 20/ 265 - 266، سنده جيد. قال الهيثمي في المجمع: 6/ 22 رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

قدوم الأنصار وعرض الإسلام عليهم

فإن قريشًا منعوني أن أبلغ كلام ربي، عَزَّ وَجَلَّ، فأتاه رجل من همذان فقال: ممن أنت؟ فقال الرجل: من همذان. فقال: هل عند قومك من منعة؟ قال: نعم، ثم إن الرجل خشي أن يخفره قومه. فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فقال: آتيهم أخبرهم، ثم آتيك من قابل، قال: نعم، فانطلق وجاء وفد الأنصار في رجب) (¬1). قدوم الأنصار وعرض الإِسلام عليهم: 137 - من حديث محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل: قال: "لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة، ومعه فتية من بني عبد الأشهل، منهم إياس بن معاذ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاهم فجلس إليهم فقال: هل لكم إلى خير مما جئتم إليه؟ قالوا: وما ذاك؟ قال: أنا رسول الله بعثني إلى العباد، أدعوهم إلى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وأنزل علي كتابًا ثم ذكر الإِسلام وتلا عليهم القرآن. قال: فقال إياس بن معاذ، وكان غلامًا حدثًا أي قومي، هذا والله خير مما جئتم إليه. قال: فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من البطحاء، فضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانصرفوا إلى المدينة، فكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، قال: ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك قال محمود بن لبيد: فأخبرني من حضره من قومي أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات، فما كانوا يشكون أنه قد مات مسلمًا، لقد كان استشعر الإِسلام في ذلك المجلس، حين سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سمع" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد: 3/ 322، 339، أبو داود كتاب السنة باب في القرآن رقم الحديث: 4737، والترمذي فضائل القرآن باب: 24 حديث رقم: 2925، وقال حديث غريب، ابن ماجه في المقدمة باب فيما أنكرت الجهمية رقم: 201، الدارمي ص: 428، الحاكم: 2/ 113 وصححه على شرط سلم، وابن حبان في صحيحه: 1686، موارد الظمآن، والبخاري في أفعال العباد ص: 77 وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 35 رواه أحمد ورجاله ثقات. (¬2) أخرجه أحمد: 5/ 427، ابن هشام في السيرة: 1/ 427 , 428، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 36 رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات وسنده حسن، انظر الفتح الرباني: 20/ 266، والبيهقي في الدلائل: 2/ 420 - 421، والطبري في التاريخ: 2/ 352 - 353، جميعًا من طريق ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث، وقال ابن حجر في الإصابة: 1/ 102 رواه جماعة عن ابن إسحاق هكذا وهو صحيح من حدثه.

المبحث الخامس: إسلام الأنصار واستجابتهم لله ولرسوله

المبحث الخامس: إسلام الأنصار واستجابتهم لله ولرسوله 1 - بدء إسلام الأنصار 138 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يوم بعاث يومًا قدمه الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد افترق ملؤهم، وقتلت سرواتهم وجرحوا، فقدمه الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في دخولهم في الإِسلام" (¬1) قال ابن إسحاق: (فلما أراد الله -عَزَّ وَجَلَّ- إظهار دينه، وإعزاز نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وإنجاز موعده له، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، وهم فيما يزعمون ستة فيهم جابر بن عبد الله بن رئاب" (¬2). 139 - قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قالوا: "لما لقيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: (من أنتم؟) قالوا: نفر من الخزرج قال: (أمن موالي يهود؟) قالوا: نعم قال: (أفلا تجلسون أكلمكم؟) قالوا: بلى. فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، وعرض عليهم الإِسلام وتلا عليهم القرآن. قال: وكان مما صنع الله بهم في الإِسلام، أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا قد عَزُّوهم ببلادهم (¬3)، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم: إن نبيًّا مبعوث الآن، قد أظل زمانه، نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولئك النفر ودعاهم إلى الله. قال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإِسلام. وقالوا: إنا قد تركنا قومنا, ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب مناقب الأنصار حديث رقم: 3777 فتح الباري: 7/ 110 أحمد في المسند: 6/ 61 وانظر الفتح الرباني: 20/ 67. (¬2) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 42 رواه الطبراني ورجاله ثقات، السيرة النبوية: 2/ 81. (¬3) عَزّوهم: معناه: غلبوهم، ومنه قوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} (ص: آية 23).

2 - بيعة العقبة الأولى

أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك. ثم انصرفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعين إلى بلادهم، وقد آمنوا وصدقوا" (¬1). 2 - بيعة العقبة الأولى 140 - من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلًا فبايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيعة النساء، وذلك قبل أن يفترض الحرب، على أن لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا, ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا, ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئًا فأمركم إلى الله إن شاء عذبكم، وإن شاء غفر لكم" (¬2). 3 - إرسال الرسول مصعبًا إلى المدينة وانتشار الإِسلام فيها 141 - من طريق ابن إسحاق قال: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث مصعبًا حين كتبوا إليه أن يبعثه إليهم، وكان يصلي بهم، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض رضي الله عنهم أجمعين" (¬3). 142 - قال ابن إسحاق: حدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب، وعبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم: أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل، ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ بن النعمان ¬

_ (¬1) أخرجه ابن هشام في السيرة: 1/ 428 , 429، والبيهقي في الدلائل: 2/ 433، 435، وأبو نعيم في الدلائل رقم: 323، وإسناده حسن رجاله ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، وابن كثير في السيرة: 2/ 176 - 177، ورواه ابن سعد في الطبقات: 1/ 218 - 219، من طريق فيها الواقدي وأسامة بن زيد من غير طريق ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل: 2/ 433 - 435 من طريق ابن إسحاق، ورواها الطبراني مرسلة وفي سندها ابن لهيعة وفيه ضعف، وهو حسن الحديث، وبقية الرجال ثقات انظر المجمع: 6/ 40 - 42 ورواه أبو نعيم في الدلائل ص: 104. (¬2) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب وفود الأنصار وبيعة العقبة رقم: 3893 فتح الباري: 7/ 219، مسلم كتاب الحدود باب الحدود كفارات لأهلها رقم الحديث: 1709، أحمد في المسند: 5/ 323، وانظر الفتح الرباني: 20/ 269، وابن هشام في السيرة: 1/ 433 عن ابن إسحاق بسند صحيح، وابن كثير في السيرة: 2/ 179، وانظر النسائي في البيعة باب البيعة على الجهاد: 7/ 141 - 142. (¬3) ابن كثير: 2/ 180 ونسبه إلى البيهقي وسنده حسن رجاله ثقات، سيرة ابن هشام: 1/ 434 - انظر دلائل النبوة للبيهقي: 2/ 437 - 438. * عبد الله بن المغيرة بن معيقب؛ قال في التقريب: 1/ 539 صدوق من الرابعة. عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم: قال في التقريب: 1/ 405 ثقة من الخامسة.

ابن امرئ القيس بن زبير بن عبد الأشهل ابن خالة أسعد ابن زرارة، فدخل به حائطًا من حوائط بني ظفر يقال لها: بئر مرق. فجلسا في الحائط، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم، وسعد بن معاذ وأسيد ابن حضير يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه، فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: لا أبالك، انطلق إلى هذين الرجين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا، فازجرهما وأنههما عن أن يأتيا دارينا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك، هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدمًا. قال: فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا سيد قومه قد جاءك، فاصدق الله فيه؛ قال مصعب: إن يجلس أكلمه. قال: فوقف عليهما متشتمًا، فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة. فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره، قال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإِسلام وقرأ عليه القرآن، فقالا: فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإِسلام قبل أن يتكلم، في إشراقه وتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام، وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي، فقام فاغتسل، وطهر ثوبيه، وتشهد شهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلًا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن، سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا، قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأسًا وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك، ليخفروك. قال: فقام سعد مغضبًا مبادرًا، تخوفًا للذي ذكر له من بني حارثة، فأخذ الحربة من يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئًا، ثم خرج إليهما، فلما

رآهما سعد مطمئنين، عرف سعد أن أسيدًا إنما أراد منه أن يسمع منهما، فوقف عليهما متشمتًا، ثم قال لأسعد ابن زرارة: يا أبا أمامة، (أما والله) لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارينا بما نكره -وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير: أي مصعب، جاءك والله سيد من وراءه من قومه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان- قال: فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع، فإن رضيت أمرًا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره. قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإِسلام، وقرأ عليه القرآن، قالا: فعرفنا والله في وجهه الإِسلام قبل أن يتكلم، لإشراقه وتسهله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين، قال: فقام فاغتسل وطهر ثوبيه، وتشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين، ثم أخذ حربته، فأقبل عامدًا إلى نادي قومه، ومعه أسيد بن حضير. قال: فلما رآه قومه مقبلًا: قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا (وأوصلنا) وأفضلنا رأيًا، وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله. قالا: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلمًا ومسلمة، ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة، فأقام عنده يدعو الناس إلى الإِسلام، حتى لم يتبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد، وخطمه، ووائل، وواقف، وتلك أوس الله، وهم من الأوس بن حارثة، وذلك أنهم كان فيهم أبو قيس ابن الأسلت، واسمه صيفي، وكان شاعرًا لهم قائدًا يستمعون فيه ويطيعونه فوقف بهم عن الإِسلام حتى كان بعد الخندق" (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن إسحاق في السيرة انظر سيرة ابن هشام: 1/ 435 - 437 والطبري في التاريخ: 2/ 357، 359، وسنده حسن، وهو مرسل، وانظر ابن كثير في السيرة: 2/ 181 - 185، السيرة النبوية للذهبي: 198 - 200، وقد جاء من طريق عروة بن الزبير في المجمع: 6/ 40 - 41 وقال الهيثمي: رواه الطبراني مرسلًا وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وهو حسن الحديث وبقية رجاله ثقات، والبيهقي في الدلائل: 2/ 438 - 440 من طريق موسى بن عقبة مرسلًا فيكون الحديث بمجموع هذه الطرق حسنًا.

4 - بيعة العقبة الثانية

4 - بيعة العقبة الثانية 143 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي الموسم بمنى يقول: من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مصر كذا قال: فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش، لا يفتنك، وهو يمشي بين رحالهم، وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله من يثرب فآويناه، وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به، ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين، يظهرون الإِسلام، ثم ائتمروا جميعًا. فقلنا: حتى متى نترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطرد في جبال مكة ويخاف. فرحل إليه سبعون رجلًا منا حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدنا شعب العقبة، فاجتمعوا عندها من رجل ورجلين، حتى توافينا فقلنا: يا رسول الله على ما نبايعك؟ قال: (تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا لله، لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن أن تنصروني فتمنعوني، إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة) قال: فقمنا إليه فبايعناه. وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغرهم فقال: رويدًا يا أهل يثرب، فإنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، إما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإما أنتم تخافون من أنفسكم خبيئة فتبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله. قالوا: أمط عنا يا أسعد, فوالله لا ندع هذه البيعة أبدًا، ولا نسلبها أبدًا، فبايعناه فأخذ علينا، وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة" (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد: 3/ 394،329،322 والبيهقي في السنن: 9/ 9، من طريق ابن خيثم عن أبي الزبير ورجاله ثقات، ابن حبان: 1686، الحاكم: 2/ 624 - 625 وصححه ووافقه الذهبي، كشف الأستار عن زوائد البزار: 1756 ورجاله رجال الصحيح، قال الحافظ في الفتح: 7/ 220 رواه أحمد بإسناد حسن وصححه الحاكم، وقال ابن كثير في السيرة: 2/ 196، هذا إسناد جيد على شرط مسلم، وانظر المطالب العالية باخصار: 4290، وقال رواه أبو بكر بن أبي شيبة وهو صحيح، وأبو يعلى وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 46 رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح، واللفظ لأحمد.

144 - ومن حديث كعب بن مالك رضي الله عنه وسياقه أطول وتفصيله أكثر: وكان ممن شهد العقبة وبايع رسول الله قال: "خرجنا في حجاج قومنا من المشركين، وقد صلينا وفقهنا، معنا البراء بن معرور، كبيرنا وسيدنا، فلما توجهنا لسفرنا، وخرجنا من المدينة، قال البراء لنا: يا هؤلاء إني قد رأيت رأيًا، وإني والله ما أدري توافقوني عليه أم لا؟ قلنا له: وما ذاك؟ قال: إني قد رأيت أن أدع هذه البنية حتى تظهر، يعني الكعبة، وأن أصلي إليها، قال: فقلنا والله بلغنا أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه، قال: فقال: إني لمصل إليها. قال: فقلنا له: لكنا لا نفعل قال: فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام وصلى هو إلى الكعبة، حتى قدمنا مكة. قال: وكنا قد عتبنا عليه، وأبي إلا الإقامة عليه، فلما قدم مكة قال لي: يا ابن أخي انطلق بنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء، لما رأيت من خلافكم إياي فيه. قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكنا لا نعرفه، ولم نره قبل ذلك فلقينا رجلًا من أهل مكة، فسألناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل تعرفانه؟ فقلنا: لا قال: فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه؟ قال: قلنا: نعم، قال: وقد كنا نعرف العباس -كان لا يزال يقدم علينا تاجرًا قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس. قال: فدخلنا المسجد فهذا العباس جالس، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس معه، فسلمنا ثم جلسنا إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس: هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك. قال: فوالله ما أنسى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الشاعر؟ قال: نعم، فقال له البراء بن معرور: يا نبي الله إني خرجت في سفري هذا، وقد هداني الله للإسلام، فرأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر، فصليت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها. قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصلى معنا إلى الشام. قال: وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة

حتى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم. قال: وخرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعقبة من أوسط أيام التشريق، قال: فلما فرغنا من الحج، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، أخذناه معنا، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه وقلنا له: يا أبا جابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبًا للنار غدًا، ثم دعوناه إلى الإِسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيانا العقبة. قال: فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبا. قال: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى إذا اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاث وسبعون رجلًا، ومعنا امرأتان من نسائنا نسيبه بنت كعب أم عمارة -إحدى نساء بني مازن بن النجار، وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي، إحدى نساء بني سلمة، وهي أم منيع. قال: فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى جاءنا ومعه (عمه) العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب، فقال: يا معشر الخزرج -وكانت العرب، إنما يسمون هذا الحي من الأنصار: الخزرج خزرجها وأوسها- إن محمدًا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده. قال: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت. قال: فتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتلا القرآن، ودعا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، ورغب

في الإِسلام، ثم قال: (أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم). قال: فأخذ البراء بن معرور بيده، ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق نبيًّا، لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة (¬1)، ورثناها كابرا عن كابر. قال: فاعترض القول، والبراء يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو الهيثم بن التيهان، فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالًا، وإنا قاطعوها -يعني اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: (بل الدم الدم، والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أخرجوا لي اثنى عشر نقيبًا منكم يكونون على قومهم، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا منهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس). - وأما معبد بن مالك حديثه عن أخيه عن أبيه كعب بن مالك -قال: كان أول من ضرب على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البراء بن معرور، ثم بايع بعد القوم، فلما بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل الحباحب -المنازل- هل لكم في مذمم والصباة معه، قد اجتمعوا على حربكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هذا أزب العقبة، هذا ابن أزيب -أتسمع أي عدو الله، أما والله لأفرغن لك). ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ارفضوا إلى رحالكم). قال: فقال له العباس بن عبادة بن فضله: والله الذي بعثك بالحق: إن شئت لنميلن على أهل منى غدًا بأسيافنا؟ قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لم نؤمر، بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم). قال: فرجعنا إلى مضاجعنا، فنمنا عليها حتى أصبحنا. ¬

_ (¬1) الحلقة: السلاح. الهدم الهدم: أي ذمتي ذمتكم، وحرمتي حرمتكم. مذمم: المذموم جدًّا، الصباة: جمع صابئ، وكان يقال للرجل إذا أسلم في زمن النبي صابئ أزب العقبة: اسم شيطان. ارفضوا: تفرقوا.

قال: فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش، حتى جاءونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا, لأنه والله ما من حي من أحياء العرب أبغض إلينا، إن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم. قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء، وما علمناه، قال: وقد صدقوا، لم يعلموه. قال: وبعضنا ينظر إلى بعض. قال: ثم قام القوم، ومنهم الحارث بن هشام ابن المغيرة، وعليه نعلان جديدان، قال: فقلت كلمة كأني أشرك القوم بها فيما قالوا: ما تستطيع يا أبا جابر، وأنت سيد من ساداتنا أن تتخذ نعلين مثل نعلي هذا الفتى من قريش، قال: فسمعها الحارث، فخلعهما من رجليه، ثم رمى بهما إلى، وقال: والله لتنتعلنهما. قال: يقول أبو جابر: أحفظت والله الفتى، اردد عليه نعليه، قال: فقلت: والله لا أردهما قال: قال والله صالح، لئن صدق الفأل لأسلبنه" (¬1). 145 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "حملني خالي جد ابن قيس في السبعين راكبًا الذين وفدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل الأنصار ليلة العقبة، فخرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعه عمه العباس بن عبد المطلب فقال: يا عم خذ على أخوالك، فقال له السبعون: يا محمَّد سل لربك، ولنفسك ما شئت. فقال: (أما الذي أسألكم لربي فتعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأما الذي أسألكم لنفسي فتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم). قالوا فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ (قال: الجنة) (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد: 3/ 460, 462، الطيالسي: 2/ 90 - 94 رقم الحديث: 2333، من طريق ابن إسحاق، السيرة النبوية ابن هشام: 1/ 440 , 448 ابن جرير في التاريخ: 2/ 90 - 93 بسند صحيح، وصححه ابن حبان كما في الفتح: 5/ 425 الموارد ص: 408، السيرة النبوية ابن كثير: 2/ 192 - 194، السيرة النبوية للذهبي: 203 - 206، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 42 - 45: رواه أحمد والطبراني بنحو. ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. ورواه البيهقي في الدلائل: 5/ 445 - 449 وفي السنن: 9/ 9، والحاكم في المستدرك: 2/ 624 - 625، وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال الذهبي صحيح. (¬2) الطبراني في الكبير: 1757 والصغير: 2/ 110 والأوسط قال الهيثمي في المجمع: 6/ 48 - 49 ورجاله ثقات.

أسماء النقباء على الأنصار

146 - عن أنس عن ثابت عن قيس رضي الله عنه: خطب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا فما لنا يا رسول الله؟ قال: (لكم الجنة). قالوا: رضينا" (¬1). أسماء النقباء على الأنصار: كما في رواية كعب بن مالك السابقة: "زادهم الطبراني في روايته": كان نقيب بني النجار أسعد بن زرارة، وكان نقيب بني سلمة البراء بن معرور وعبد الله ابن عمرو بن حرام، وكان نقيب بني ساعدة سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو، وكان نقيب بني زريق رافع بن مالك بن العجلان، وكان نقيب بني الحارث بن الخزرج عبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع، وكان نقيب بني عوف بن الخزرج عبادة بن الصامت، ونقيب بني عبد الأشهل أسيد بن حضير وأبو الهيثم بن التيهان، وكان نقيب بني عمرو بن عوف سعد بن خيثمة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو يعلى برقم: 3772، قال الهيثمي في المجمع: 6/ 48 رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح، وأخرجه الحاكم في المستدرك: 4/ 234، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي, وعزاه الحافظ في الإصابة: 2/ 14 لابن السكن.

الباب الثالث الهجرة إلى المدينة رؤيا الرسول عليه الصلاة والسلام لموطن الهجرة

الباب الثالث الهجرة إلى المدينة رؤيا الرسول عليه الصلاة والسلام لموطن الهجرة 147 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قد رأيت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان) " فخرج من كان مهاجرا قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين" (¬1). 148 - ومن حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي (¬2) إلى أنها اليمامة أو هجر، فهذا هي يثرب) (¬3). الفصل الأول ما يذكر من هجرة أصحاب الرسول قبل هجرته المبحث الأول: السابقون إلى الهجرة من الصحابة إلى المدينة 149 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "أول من قدم علينا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئاننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به، حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاء" (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 6/ 198 بسند صحيح، والحاكم في المستدرك: 2/ 3 - 4 وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه البخاري تعليقًا في كتاب الكفالة باب جوار أبي بكر. (¬2) وهلي: اعتقادي هجر: مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين. (¬3) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب هجرة النبي وأصحابه، وفي المغازي باب من قتل من المسلمين يوم أحد رقم: 4081، مسلم في الرؤيا باب رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم: 2272. (¬4) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب مقدم النبي وأصحابه رقم: 3924 - 3925، الطيالسي رقم: 2334: 2/ 94، أحمد في المسند انظر الفتح الرباني: 20/ 276، وأخرجه ابن سعد: 4/ 1/ 151، والحاكم: 3/ 634 ورجاله ثقات.

المبحث الثاني: ما أصاب أبا سلمة وآله

المبحث الثاني: ما أصاب أبا سلمة وآله 150 - عن ابن إسحاق قال حدثني أبي إسحاق بن يسار، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة، عن جدته، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت: "لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج لي يقود بي بعيره فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة، فقالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنوا المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي، حتى أمسي سنة أو قريبًا منها حتى مر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها! قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت. قالت: ورد بنو عبد الأسد إلى عند ذلك ابني. قالت: فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خلق الله، قالت: فقلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، أخا بني عبد الدار، فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلت: أريد زوجي في المدينة. قال: أوما معك أحد؟ قالت: لا والله، إلا الله وبني هذا. قال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعيم، فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلًا من العرب قط، أرى أنه وإن أكرم منه، وإن إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني, حتى إذا نزلت استأخر بعيري، فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى عني إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فهذا دنا

المبحث الثالث: قصة عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص وإعادتهم

الرواح، قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني، وقال: اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقاده، حتى ينزل بي، يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء. قال: زوجك في هذه القرية -وكان أبو سلمة نازلًا فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعًا إلى مكة. قال: فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإِسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة" (¬1). المبحث الثالث: قصة عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص وإعادتهم 151 - من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "اجتمعنا للهجرة أوعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص الميضاة، ميضاة بني غفار فوق شرف، وقلنا: أيكم لم يصبح عندها فقد احتبس فليمض صاحباه، فحبس عنا هشام بن العاص، فلما قدمنا منزلنا في بني عمرو بن عوف، وخرج أبو جهل ابن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة وكان ابن عمهما، وأخاهما لأمهما، حتى قدما علينا المدينة فكلماه فقالا له: إن أمك نذرت أن لا تمس رأسها مشط حتى تراك، فرق لها. فقلت له: يا عياش والله إن يُردكَ القوم إلا عن دينك فاحذرهم، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة أحسبه قال لامتشطت، قال: إن لي هناك مالًا فآخذه قال: قلت: والله إنك لتعلم أني من أكثر قريش مالًا ذلك نصف مالي، ولا تذهب معهما، فأبى إلا يخرح معهما، فقلت له: لما أبي علي: أما إذ فعلت فخذ ناقتي هذه، فإنها ناقة ذلول فالزم ظهرها فإن رابك من القوم ريب فانخ عليها. فخرج معهما عليها حتى إذا كان ببعض الطريق قال أبو جهل بن هشام: والله لقد استبطأت بعيري هذا، أفلا تحملني على ناقتك هذه. قال: بلى فأناخ وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عديا عليه فأوثقاه، ثم أدخلاه مكة وفتناه فافتتن، قال: فكنا نقول: والله لا يقبل الله ممن افتتن صرفا ولا عدلًا، ولا يقبل ¬

_ (¬1) ابن هشام في السيرة: 1/ 469 - 470 من طريق ابن إسحاق وقد صرح بالسماع وعنده رجاله ثقات، فالحديث صحيح.

توبة قوم عرفوا الله، ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم. قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيهم وفي قولنا لهم وقولهم لأنفسهم {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} إلى قوله {وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}. قال عمر: فكتبتها في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاص قال هشام: فلم أزل أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه حتى فهمتها، قال: فألقي في نفسي أنها إنما نزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، فرجعت فجلست على بعيري، فلحقت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة" (¬1). ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 61 رواه البزار ورجاله ثقات. كشف الأستار رقم: 1746: 2/ 302، ابن هشام في السيرة: 1/ 474 - 475، بسند رجاله ثقات صرح في ابن إسحاق بالتحديث فقال حدثني نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ورواه البيهقي في الدلائل: 2/ 461 - 462، والبيهقي في السنن: 9 / ص 13 - 14، من طريق ابن إسحاق. فالحديث صحيح.

الفصل الثاني هجرة رسول الله إلى المدينة

الفصل الثاني هجرة رسول الله إلى المدينة المبحث الأول: الإذن للرسول عليه الصلاة والسلام بالهجرة 152 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة فأمر بالهجرة وأنزل عليه {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} (¬1) (¬2). المبحث الثاني: التخطيط للهجرة والرعاية الربانية 1 - صحبة أبي بكر للرسول عليه الصلاة والسلام 153 - من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل: (من يهاجر معي؟ قال: أبو بكر الصديق) (¬3). 154 - ومن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (بينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحو الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقنعًا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر فدى له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي لأبي بكر: أخرج من عندك" فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: فإني قد أذن لي في الخروج" فقال أبو بكر: الصحابة (¬4) بأبي أنت يا رسول الله، قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بالثمن" (¬5). ¬

_ (¬1) سورة الإسراء: 80. (¬2) أخرجه الترمذي في سننه التفسير وفي سورة بني إسرائيل رقم: 3139 وقال حديث حسن صحيح، والحاكم في المستدرك: 3/ 3 وقال صحيح في الإسناد ووافقه الذهبي. وفي سنده قابوس بن أبي ظبيان لينه الحافظ في التقريب ومع ذلك صححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي. (¬3) الحاكم في المستدرك: 3/ 5 وقال صحيح الإسناد والمتن ووافقه الذهبي وقال صحيح غريب. (¬4) الصحابة: أريد المصحابة. (¬5) الحديث صحيح انظر حديث رقم: 119.

2 - نوم علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة

2 - نوم علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة 155 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "شرى علي نفسه، ولبس ثوب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم نام مكانه: وكان المشركون يرمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان رسول الله عليه وآله وسلم ألبسه بردة، وكانت قريش تريد أن تقتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعلوا يرمون عليًّا، ويرونه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد لبس برده، وجعل علي رضي الله عنه يتضور، فهذا هو علي، فقالوا: إنك للئيم إنك لتتضور، وكان صاحبك لا يتضور، ولقد استنكرناه منك" (¬1). 156 - وقد جاء تفصيل قصة مكوثهم على باب الرسول عليه الصلاة والسلام، ووضعه عليه الصلاة والسلام التراب على رؤوسهم وخروجه دون أن يروه، عن ابن إسحاق في السيرة فقال: حدثني يزيد بن زياد عن محمَّد بن كعب القرظي قال: "لما اجتمعوا له، وفيهم: أبو جهل بن هشام فقال: وهم على بابه: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره، كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنات كجنات الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم، ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها. قال: وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ حفنة من التراب في يده، ثم قال: (أنا أقول ذلك، أنت أحدهم)، وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه، فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)} إلى قوله: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} حتى فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب. فأتاهم آت فيمن لم يكن معهم، فقال: ما تنظرون ها هنا؟ قالوا: محمدًا، قال: خيبكم الله! قد والله خرج عليكم محمَّد، ثم ما ترك منكم رجلًا إلا ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 4 وقال: هذ حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد رواه أبو داود الطيالسي وغيره عن أبي عوانة بزيادة ألفاظ، ووافقه الذهبي. وأخرجه أحمد كما في الفتح الرباني: 20/ 279.

3 - لجوء الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر إلى الغار

وضع على رأسه ترابًا، وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟ قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيًّا بِبُرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائمًا، عليه برده. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا" (¬1). 3 - لجوء الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر إلى الغار 157 - من حديث محمَّد بن سيرين قال: ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه، فكأنهم فضلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما، قال: فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فقال: والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر، وليوم من أبي بكر، خير من آل عمر، لقد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (يا أبا بكر ما لك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي؟) فقال: يا رسول الله! أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك، فقال: (يا أبا بكر، لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني)، قال: نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من ملمة إلا أن تكون لي دونك، فلما انتهيا إلى الغار، قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى استبرئ لك الغار، فدخل واستبرأ حتى إذا كان في أعلاه، ذكر أنه لم يستبرئ الحجرة، فقال: مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الحجرة، فدخل واستبرأ ثم قال: انزل يا رسول الله، فنزل فقال عمر: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن هشام في السيرة: 1/ 483 وإسناده رجاله ثقات وهو مرسل حسن، وأخرجه الطبري في تاريخه: 2/ 373، وأبو نعيم في الدلائل ص: 64، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، وله شاهد من حديث ابن عباس رقم: 155، 158، وبه يكون الحديث حسنًا. (¬2) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 6 وقال: حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين لولا إرسال فيه لم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال: صحيح مرسل، والحافظ في الفتح: 7/ 237 عن دلائل النبوة للبيهقي من مرسل محمَّد بن سيرين وقال: وذكره أبو القاسم البصري من مرسل ابن أبي مليكة نحوه، وذكر ابن هشام من زياداته عن الحسن البصري بلاغًا نحوه.

4 - نسج العنكبوت على باب الغار

4 - نسج العنكبوت على باب الغار 158 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: في قوله تعالى {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} قال: تشاورت قريش ليله بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق -يريدون النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله -عَزَّ وَجَلَّ- نبيه على ذلك، فبات علي على فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة، وخرج النبي حتى لحق بالغار, وبات المشركون يحرسون عليًّا يحسبونه النبي - صلى الله عليه وسلم -. فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوه عليًّا رد الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل، خلط عليهم، فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال" (¬1). تعمية أبصار المشركين عن إبصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر في الغار: 159 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: (ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما) (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 348، عبد الرزاق في المصنف: 5/ 389، وذكره الحافظ في الفتح: 7/ 236 وقال سنده حسن، وحسن إسناده أيضًا ابن كثير في السيرة: 2/ 239، وقال: إسناد حسن وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار"، ورواه الطبراني مطولًا ذاكرًا تفاصيل الهجرة وإسناده مرسل، وفيه ابن لهيعة وفيه كلام وحديثه حسن، انظر مجمع الزوائد: 6/ 52 - 53، وزاد صاحب فتح القدير عزوه إلى: عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وغيرهم، انظر فتح القدير: 2/ 304، وقد رواه عبد الرزاق: 5/ 389 متقطعًا عن مقسم وقتادة، ومرة موصولا عن عائشة، ورواه الطبري في التاريخ: 2/ 372، ويشهد له مرسل الحسن أخرجه أبو بكر المروزي في مسند أبي بكر، وجاء من حديث أنس عند البزار، انظر كشف الأستار: 2/ 299، وابن سعد في الطبقات: 1/ 299، والبيهقي في الدلائل: 2/ 473، وبهذا يكون الحديث حسنًا. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب مناقب المهاجرين وفضلهم منهم أبو بكر رقم: 3653، فتح الباري: 7/ 8، وفي مناقب الأنصار باب هجرة النبي رقم: 3917، فتح الباري: 7/ 255، مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بكر الصديق: 2381.

5 - كيف كانا يحصلان على أخبار قريش والزاد واتفاقهما مع الدليل

5 - كيف كانا يحصلان على أخبار قريش والزاد واتفاقهما مع الدليل 160 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (ثم لحق رسول الله وأبو بكر بغار في جبل ثور، ممم فأقمنا أو فمكثنا ممم فكمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرًا يكتادان (¬1) به إلا وسماه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحه من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رَسْل -وهو لبن منحتهما ورضيفهما (¬2) - حتى ينعق عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. واستأجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رجلًا من بني الديل، وهو من بني عبد ابن عدي هاديًا خريتًا -والخريت الماهر بالهداية- قد غمس حلفًا في آل العاص بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل، فأخذ بهما طريق السواحل" (¬3). ¬

_ (¬1) يكتادان: يطلب لهما فيه المكروه، وهو من الكيد. (¬2) رضيفهما: اللبن الموضوف: أي الذي وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس والنار لينعقد وتزول رخاوته. (¬3) سبق تخريجه رقم الحديث: 119 - وقد رواه البخاري.

المبحث الثالث: ما يذكر عن أسماء في الهجرة

المبحث الثالث: ما يذكر عن أسماء في الهجرة 1 - ذات النطاق 161 - قالت عائشة رضي الله عنها: "فجهزناهما (الراحلتين) احث الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاق" (¬1). 2 - قصة أسماء مع جدها وتعليله بالحجارة عن النقود 162 - من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: "لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج معه أبو بكر احتمل أبو بكر ماله كله معه، خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، قالت: وانطلق بها معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه. قالت: قلت كلا يا أبت إنه قد ترك خيرًا كثيرا، قالت: فأخذت أحجارًا فتركتها فوضعتها في كوة ببيت كان أبي يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوبًا ثم أخذت بيده فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا المال، قالت: فوضع يده عليه فقال: لا بأس إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا لكم بلاغ، قالت: لا والله ما ترك لنا شيئًا، ولكني أردت أن أسكن الشيخ" (¬2). المبحث الرابع: في الطريق إلى المدينة 1 - استراحة في القائلة وشربة لبن 163 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "اشترى أبو بكر رضي الله عنه من عازب رحلًا بثلاثة عشر درهما، فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمل إليَّ رحلي، فقال عازب: لا، حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرجتما من مكة والمشركون يطلبونكم. ¬

_ (¬1) الحديث السابق. (¬2) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 5 - 6، وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وأحمد انظر الفتح الرباني: 20/ 282، وابن هشام في السيرة ورجاله ثقات: 1/ 488، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 59 رواه أحمد والطبراني رجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.

قال: ارتحلنا من مكة فأحيينا -أو سرينا- ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا، وقام قائم الظهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوي إليه، فإذا صخرة أتيتها، فنظرت بقية ظل لها فسويته، ثم فرشت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، ثم قلت له: اضطجع يا نبي الله، فاضطجع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم انطلقت أنظر ما حولي: هل أرى من الطلب أحدا؟ فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا، فسألته، لمن أنت يا غلام؟ فقال لرجل من قريش سماه فعرفته، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت: فهل أنت حالب لنا. قال: نعم، فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه، فقال: هكذا، ضرب إحدى كفيه بالأخرى فحلب لي كثبة من لبن. وقد جعلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أداوة على فمها خرقها، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، فانطلقت به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت، ثم قلت: قد آن الرحيل يا رسول الله، قال: (بلى) فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له: فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله، فقال: (لا تحزن، إن الله معنا) (¬1). 164 - ومن حديث قيس بن النعمان رضي الله عنه قال: "لما انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر مستخفين مرا بعبد يرعى غنمًا، فاستسقياه من اللبن، فقال: ما عندي شاة تحلب غير أن ها هنا عناقا حملت أول الشتاء، وقد أخدجت وما بقي لها لبن، فقال: (ادع بها) فدعا بها، فاعتقلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسح ضرعها ودعا حتى أنزلت، قال: وجاء أبو بكر رضي الله عنه بمجن فحلب فسقى أبا بكر، ثم حلب فشرب، فقال الراعي: بالله من أنت؟ فوالله ما رأيت مثلك قط! قال: (أوتراك تكتم علي حتى أخبرك؟) قال: نعم. قال: (فإني محمَّد رسول الله). فقال: أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ، قال (إنهم ليقولون ذلك). قال: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب مناقب المهاجرين وفضلهم ومنهم أبو بكر رقم: 3652، فتح الباري: 7/ 8، وانظر: 3439، 3615, 3917، مسلم في صحيحه كتاب الزهد باب في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل رقم: 2009 صفحة: 4/ 2309 - 2310، وأحمد في المسند: 1/ 2 - 3. * أخدجت: ألقت ولدها.

2 - حديث سراقة بن مالك

فأشهد أنك نبي، وأشهد أن ما جئت به حق، وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي، وأنا متبعك، قال: (إنك لا تستطيع ذلك يومك، فإذا بلغك أني قد ظهرت فأتنا) (¬1). 2 - حديث سراقة بن مالك 165 - من حديث سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه قال: "جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذا أقبل رجل منهم، حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفًا أسودة بالساحل أراهما محمدًا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانًا وفلانًا انطلقوا بأعيننا. ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي -وهي من وراء أكمة- فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض، وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسي، فركبتها، فرفعتها تقرب لي، حتى دنوت فعثرت بي فرسي فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره. فركبت فرسي -وعصيت الأزلام- تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها، فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عنان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 8 - 9، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال: صحيح، المطالب العالية رقم: 4295، رواه أبو يعلى بإسناد رواته ثقات كذا قال البوصيري، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 58 رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، كشف الأستار عن زوائد البزار: 1743.

ذكاء أبي بكر حين سئل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني، ولم يسألاني إلا أن قال: (أخف عنا). فسألته أن يكتب لي كتاب أمن, فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم, ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ذكاء أبي بكر حين سئل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: 166 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: (أقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبي الله - صلى الله عليه وسلم - شاب لا يعرف، قال فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، قال فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر فهذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (اللهم اصرعه)، فصرعه الفرس، ثم قامت تحمحم، فقال: يا نبي الله مرني بما شئت. قال: (فقف مكانك لا تتركن أحدًا يلحق بنا)، قال فكان أول النهار جاهدًا على نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان آخر النهار مسلمة له" (¬2). 3 - حديث أم معبد الخزاعية 167 - من حديث هشام بن حبيش عن أبيه حبيش بن خالد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من مكة مهاجرًا إلى المدينة، وأبو بكر رضي الله عنه ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة برزة جلدة، تحتبي بفناء الخيمة، ثم تسقي وتطعم. فسألوها لحمًا وتمرًا ليشتروا منها فلم يصيبوا عندها شيئًا من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: (ما ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 3906، فتح الباري: 7/ 238، ومسلم في الزهد باب حديث الهجرة: 2009، وابن سعد في الطبقات مختصرًا: 1/ 232، وأحمد في المسند: 4/ 176، وعبد الرزاق في المصنف: 5/ 392 - 394. والبيهقي في الدلائل: 2/ 484، والحاكم في المستدرك: 3/ 6 - 7. وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاء وأقره الذهبي. وأشار إلى أن البخاري ومسلم قد أخرجاه، وابن هشام في السيرة: 1/ 489. (¬2) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 3911 فتح الباري: 7/ 249، وأحمد كما في الفتح الرباني: 20/ 288.

هذه الشاة يا أم معبد؟) قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم. قال: (هل بها من لبن؟) قالت: هي أجهد من ذلك، قال: (أتأذنين لي أن أحلبها؟) قالت: بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبًا فاحلبها. فدعا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسح بيده ضرعها، وسمى الله تعالى ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت، فاجترت (¬1) فدعا بإناء يربض (¬2) الرهط، فحلب فيه ثجًّا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم حتى أراضوا (¬3) ثم حلب فيه الثانية على بدء حتى ملا الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها -يعني على الإِسلام- ثم ارتحلوا عنها، فقل ما لبثت حتى جاءها زوجها أبو معبد يسوق أعنزًا عجافًا، يتساوكن هزالا مخهن قليل. فلما رأى أبو معبد اللبن أعجبه قال: "من أين لك هذا يا أم معبد، والشاء عازب حائل ولا حلوب في البيت؟ " قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال: "صفيه لي يا أم معبد؟ ". قالت: "رأيت رجلًا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه، حسن الخلق لم تعبه تجلة، ولم تزريه صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته سهل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد, وأحسنه وأجمله من قريب. حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر، كان منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا تشنأه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، وأحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفون به، إن قال سمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند. قال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر، ولقد هممت أن أصاحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلًا، وأصبح صوت بمكة عاليًا، يسمعون الصوت، ولا يدرون صاحبه، وهو يقول: ¬

_ (¬1) تفاجت: فرجت رجليها للحلب. (¬2) يربض الرهط: يبالغ في ريهم ويقلهم حتى يلصقهم بالأرض. (¬3) أراضوا: كرروا الشوب حتى بالغوا في الري.

كسوة الزبير رضي الله عنه للنبي وأبي بكر رضي الله عنه

جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلاها بالهدى واهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمَّد فيا لقصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجازى وسؤدد ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد وليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت ... عليه صريما ضرة الشاة مزبد فغادره رهنا لديها لحالب ... يرددها في مصدر بعد مورد (¬1) (¬2) كسوة الزبير رضي الله عنه للنبي وأبي بكر رضي الله عنه: 168 - قال ابن شهاب الزهريّ أخبرني عروة بن الزبير "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارًا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثياب بياض" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 9 - 10 وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وواففه الذهبي، وقال صحيح" وعزاه ابن حجر في الإصابة: 1/ 309 للبغوي وابن شاهين وابن السكن وابن منده وغيرهم، وأخرجه الطبراني في الكبير: 3605 وأبو نعيم في الدلائل: ص 282 - 287. واللالكائي في اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1434 - 1437. وللحديث شواهد من حديث جابر رواه البزار كما في كشف الأستار: 1742. وأبي معبد الخزاعي رواه البيهقي ذكرهما الحافظ ابن كثير في السيرة: 2/ 258 - 262 ابن سعد في الطبقات: 1/ 230 - 232. وله شاهد ثالث من حديث أبي بكر دون ذكر اسم أم معبد ذكره البيهقي في الدلائل: 2/ 491، وإسناده حسن، كما قال ابن كثير، وقال البيهقي. هذه القصة شبيهة بقصة أم معبد والظاهر أنها هي والله أعلم قلت: وبهذه الشواهد يكون الحديث حسنًا إن شاء الله تعالى. (¬2) انظر شرح غريب الحديث في السيرة النبوية لابن هشام تعليق الخشني تحقيق الدكتور همام سعيد، ومحمد أبو صعليك: 2/ 146 - 150. (¬3) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -: 3906، وقال الحافظ: وصورته مرسل لكن وصله الحاكم من طريق معمر عن الزهريّ: 3/ 11 قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال: أخرجه البخاري، وأخرجه ابن هشام في السيرة: 1/ 492.

الباب الرابع المرحلة المدنية

الباب الرابع المرحلة المدنية الفصل الأول الأحداث والوقائع من قدوم النبي المدينة إلى غزوة بدر المبحث الأول: قدوم النبي صلى الله عليه وسلم - المدينة 169 - من حديث ابن شهاب عن عروة بن الزبير: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارًا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله وأبا بكر ثياب بياض، ويسمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة، فكانوا يفدون كل غداة إلى الحرة، فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانطلقوا أيضًا بعدما أطالوا انتظارهم. فلما آووا إلى بيوتهم، أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله وأصحابه مبيضين، يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول. فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامتًا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك. فلبث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدًا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بركت به راحلته: هذا إن شاء الله المنزل، ثم دعا

المبحث الثاني: نزوله بفناء أبي أيوب وبناء المسجد

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدًا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله ثم بناه مسجدًا، وطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقل معهم اللبن في بنيانه، ويقول -وهو ينقل اللبن: هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر ويقول: اللهم إن الأجر أجر الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي". قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات (¬1). المبحث الثاني: نزوله بفناء أبي أيوب وبناء المسجد 170 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة نزل في علو المدينة، في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، قال: فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى ملأ بني النجار، قال: فجاءوا متقلدي سيوفهم، قال: وكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب، قال: فكان يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم. قال: ثم إنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ بني النجار فجاءوا. فقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. قال: فكان فيه ما أقول لكم: كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خرب، وكان فيه نخيل. فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبور المشركين وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطعت، قال: فصفوا النخل قبلة المسجد، قال وجعلوا عضادتيه حجارة، وجعلوا ينقلون الصخر، وهم يرتجزون ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم يقولون: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة (¬2) ¬

_ (¬1) قد جاء جزء منه حديث رقم: 165 وحديث رقم: 168، فانظر تخريجه هناك -وقد جاء من حديث عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة محمد ابن هشام في السيرة بإسناد رجاله ثقات نحو هذا: 1/ 492. (¬2) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب مقدم النبي وأصحاب إلى المدينة رقم: 3932 فتح الباري: 265/ 7، وفي المساجد باب هل تنبش قبور مشركي الجاهية ويتخذ مكانها مساجد، وفي فضائل المدينة باب =

المبحث الثالث: فرح أهل المدينة بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم

المبحث الثالث: فرح أهل المدينة بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم 1 - خروج الناس لاستقبال الرسول - عليه السلام - حين قدم المدينة 171 - من حديث البراء عن أبي بكر في حديث الهجرة فقال: (فقدمنا المدينة ليلًا، فتنازعوا أيهم ينزل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أنزل علي بني النجار، أخوال عبد المطلب، أكرمهم بذلك) فصعد الرجال والنساء فوق البيوت وتفرق الغلمان والخدم في الطرق ينادون: يا محمَّد! يا رسول الله! يا محمَّد! يا رسول الله" (¬1). 2 - إضاءة المدينة لمقدمه صلى الله عليه وسلم وإظلامها لوفاته 172 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "فما رأيت يومًا قط أنور ولا أحسن من يوم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر المدينة، وشهدت وفاته فما رأيت يومًا قط أظلم ولا أقبح من اليوم الذي توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فيه" (¬2). 3 - لعب الحبشة بحرابها فرحًا بالرسول صلى الله عليه وسلم 173 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله لعبت الحبشة بحرابهم فرحًا لقدومه" (¬3). ¬

_ = حرم المدينة، وفي البيوع باب صاحب السلعة أحق بالسوم، ومسلم في المساجد باب ابتناء مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم: 524 - أبو داود في الصلاة باب بناء المسجد: 454، النسائي في المساجد باب نبش القبور واتخاذ أراضيها مساجد: 2/ 39 - 40، ابن ماجه في المساجد باب أين يجوز بناء المساجد. 742، وأحمد في المسند انظر الفتح الرباني: 21/ 5 - 6، ابن سعد في الطبقات: 1/ 239 - 241، البيهقي في الدلائل: 2/ 539 - 540، الطيالسي في المسند في منحة المعبود: 2/ 94 - 95. (¬1) أخرجه البخاري في مناقب الصحابة باب مناقب المهاجرين: 3652 فتح الباري: 7/ 8، وفي الأنبياء باب علامات النبوة في الإِسلام، وفي الأشربة باب شرب اللبن، وفي اللقطة: باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان، ومسلم: 2009، 4/ 2309 في الزهد والرقائق: باب في حديث الهجرة. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 122، والدارمي: 1/ 41 في المقدمة وإسناده صحيح، والحاكم في المستدرك: 3/ 12، وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 59 - 60، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (¬3) أخرجه أبو داود في الأدب باب في الغناء: 4923، الفتح الرباني: 20/ 290 - 291 وسنده صحيح رجاله رجال الصحيح.

المبحث الرابع: مسائل عبد الله بن سلام حبر اليهود وإسلامه

المبحث الرابع: مسائل عبد الله بن سلام حبر اليهود وإسلامه 174 - من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل عليه، فنزل النبي في السفل وأبو أيوب في العلو. قال: فانتبه أبو أيوب ليلة فقال: نمشي فوق رأس رسول الله، فتنحوا، فباتوا في جانب، ثم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (السفل أرفق) فقال: لا أعلو سقيفة أنت تحتها، فتحول النبي - صلى الله عليه وسلم - في العلو وأبو أيوب في السفل. فكان يصنع للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاما. فإذا جيء به إليه سأل عن موضع أصابعه، فيتتبع موضع أصابعه، فصنع له طعاما فيه ثوم، فلما رد إليه سأل عن موضع أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقيل له: لم يأكل ففزع وصعد إليه. فقال: أحرام هو؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا ولكني أكرهه) قال: فإني أكره ما تكره، أو ما كرهت، قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤتى؟!! " (¬1). 175 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني به جبريل آنفًا. قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال: أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إلى أمه. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإِسلامي، فجاءت اليهود. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك. فخرج إليهم عبد الله. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. قالوا: شرنا وابن شرنا، وتنقصوه، قال: هذا ما كنت أخاف يا رسول الله" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب إباحة أكل الثوم وأنه ينبغي لمن أراد خطاب الكبار تركه رقم: 2053 - الترمذي كتاب الأطعمة باب كراهة أكل الثوم: 1807، أحمد في المسند: 5/ 94 - 95، 96، 103، 106، البيهقي في الدلائل: 10/ 509 - 510. (¬2) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب كيف آخى النبي بين أصحابه رقم 3938 فتح الباري: 7/ 272، وكتاب مناقب الأنصار باب الهجرة رقم: 3911 فتح الباري: 7/ 249 - 250.

المبحث الخامس: أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم

المبحث الخامس: أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن إسحاق قال: "نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباء على كلثوم بن الهدم أخي بني عمرو بن عوف، ويقال بل نزل على سعد بن خيثم، فأقام في بني عمرو بن عوف وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلى الجمعة الكبرى في المسجد ببطن الوادي، قال ابن إسحاق: ثم نزل رسول الله على أبي أيوب، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببناء مسجده في تلك السنة" (¬1). المبحث السادس: متى دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة 176 - من حديث عاصم بن عدي رضي الله عنه قال: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين لاثنتي عشرة لية خلت من ربيع الأول فأقام بالمدينة عشر سنين" (¬2). المبحث السابع: المشاركة في بناء المسجد 177 - من حديث سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، جاء أبو بكر رضي الله عنه بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هؤلاء ولاة الأمر من بعدي) (¬3). 178 - من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فينفض التراب عنه ويقول: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار). قال: يقول عمار: أعوذ باللهِ من الفتن" (¬4). ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 62 - 63، رواه الطبراني ورجاله ثقات: وانظر السيرة النبوية بتعليق الخشني: 2/ 159. (¬2) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 63 رواه الطبراني ورجاله ثقات، الطبراني في الكبير: 17/ 172. (¬3) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 13، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاء ووافقه الذهبي وقال صحيح. (¬4) أخرجه البخاري في الصلاة باب التعاون في بناء المسجد رقم: 447 فتح الباري: 1/ 541 ورقم: 2812 في الجهاد. وانظر الفتح الرباني: 23/ 274 - مسلم في الفتن رقم: 2915 - أحمد في المسند: 3/ 5 البيهقي في الدلائل: 2/ 548.

صفة مسجده

صفة مسجده: 179 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبنيًّا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل" فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا، وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باللبن والجريد وأعاد عمده خشبًا، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج" (¬1). المبحث الثامن: ما أصاب المهاجرين من حمى المدينة 180 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "قدمنا المدينة وهي وبيئة، فاشتكى أبو بكر، واشتكى بلال، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شكوى أصحابه قال: (اللهم حبب إلينا المدينة، كما حببت مكة أو أشد وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وحول حماها إلى الجحفة) (¬2). 181 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعك أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر رضي الله عنه إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي أذخر وجليل وهل أردن يومًا مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل قالت عائشة فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فقال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصلاة باب بنيان المسجد رقم: 446 فتح الباري: 1/ 540، وانظر الفتح الرباني: 23/ 276. (¬2) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب مقدم النبي وأصحابه المدينة رقم: 3926 فتح الباري: 7/ 262 وفي الدعوات باب الدعاء برفع الوباء والوجع، وفي فضائل المدينة باب حدثنا مسدد عن يحيى عن عبد الله بن عمر، وفي المرض باب عيادة النساء الرجال، وباب من دعا برفع الوباء والحمى، ومسلم في صحيحه الحج باب الترغيب في سكنى المدينة رقم: 1376، والفتح الرباني: 21/ 12 - 13.

مرض عائشة بالحمى

فاجعلها بالجحفة). وفي رواية للبخاري: "أن بلالًا قال بعد شعره "اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة). قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، قالت: فكان بطحان يجري نجلا، تعني ماء آجنًا" (¬1). 182 - من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (رأيت كان امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة، حتى قامت بهيعة وهي الجحفة، فأولت أن وجاء المدينة نقل إليها) (¬2). مرض عائشة بالحمى: 183 - من حديث البراء عن أبي بكر رضي الله عنهما قال البراء: "فدخلت مع أبي بكر على أهله فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى، فرأيت أباها يقبل خدها، وقال: كيف أنت يا بنية" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل المدينة باب حدثنا مسدد عن يحيى عن عبيد الله بن عمر رقم: 1889 وانظر التعليق السابق. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب التعبير باب إذا رأى أنه أخرج الشيء من كوة وأسكنها موضعًا آخر، وباب المرأة السوداء: 12/ 425 - 426، رقم 7038، 7039، 7040، والترمذي كتاب الرؤيا باب ما جاء في رؤيا النبي الميزان والدلو رقم: 2290: وقال حسن صحيح غريب، وابن ماجه في التعبير باب تعبير الرؤيا رقم: 3924. (¬3) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب هجرة النبي وأصحابه رقم: 3918 فتح الباري: 7/ 255.

المبحث التاسع: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

المبحث التاسع: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار قال السهيلي: "آخى بين أصحابه ليذهب عنهم وحشة الغربة، ويتأنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة، ويشد بعضهم أزر بعض، فلما عز الإِسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة أبطل المواريث، وجعل المؤمنين كلهم إخوة، وأنزل {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} يعني في التوادد وشمول الدعوة، واختلفوا في ابتدائها: فقيل بعد الهجرة بخمسة أشهر، وقيل: بتسعة، وقيل: وهو يبني المسجد" (¬1). 184 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "قد حالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين قريش والأنصار في داري" (¬2). 185 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - على كل بطن عقوله ثم كتب (أنه لا يحل لمسلم أن يتولى مولى رجل مسلم بغير إذنه) ثم أخبرت أنه لعن في صحيفته من فعل ذلك (¬3). 186 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم، وأن يفدوا عانيهم بالمعروف، والإصلاح بين المسلمين" (¬4). 187 - عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قال: ورثة {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قال: كان المهاجرين لما قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ورث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى النبي ¬

_ (¬1) فتح الباري: 7/ 270. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الكفالة، باب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} رقم: 2294، وجاء أيضًا بأرقام: 6083، 7340، ومسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب مؤاخاة النبي بين أصحابه رقم: 2528. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب العتق باب تحريم تولي العتيق غير مواليه رقم: 1507، النسائي في القسامة باب صفة شبه العمد: 8/ 52، أحمد في المسند:3/ 321، 349،342. * معاقلهم: المعاقل: الديات، العاني: الأسير، عقوله: العقول: الديات، والهاء ضمير البطن. (¬4) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 271، 2/ 204، الفتح الرباني: 21/ 10، وقال الساعاتي: لم أقف عليه لغير الإِمام أحمد وسنده صحيح، وأورده الحافظ في تاريخه وقال: تفرد به أحمد، السيرة ابن كثير: 2/ 320 قلت: فيه حجاج بن أرطأة صدوق كثير الخطأ يدلس فالحديث إذن ليس كما قال الشيخ الساعاتي وإنما هو يشاهده عن جابر حسن. وأحاديث عمرو بن شعيب جلها حسنة إذا صح الإسناد إليه.

- صلى الله عليه وسلم - بينهم، فلما نزلت {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسخت. ثم قال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} إلا النصر والرفادة والنّصيحة -وقد ذهب الميراث- ويوصي له" (¬1). 188 - من حديث أنس رضي الله عنه: قال: (قالت المهاجرون: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن بذلًا من كثير، ولا أحسن مواساة في قليل، قد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ، فقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كلا ما أثنيتم عليهم به، ودعوتم الله -عَزَّ وَجَلَّ- لهم) (¬2). 189 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قالت الأنصار: اقسم بيننا وبينهم النخيل، قال: (لا). قال: يكفوننا المئونة، ويشركوننا في الثمر، قالوا: سمعنا وأطعنا" (¬3). 190 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق، فربح شيئًا من أقط وسمن، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أيام وعليه وضر من صفرة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مهيم يا عبد الرحمن؟) قال: يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار، قال: (فما سقت فيها؟) فقال: وزن نواة من ذهب. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أولم ولو بشاة) " (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري الكفالة باب قوله تعالى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} رقم: 2292 وأرقام: 4580، 6747. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 204 وهو من ثلاثياته وسنده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه الترمذي في صفة القيامة برقم: 2487، وأبو داود في الأدب باب في شكر المعروف: 4812، والبيهقي في السنن: 6/ 183، وقال الترمذي حسن صحيح غريب من هذا الوجه. (¬3) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار رقم: 3782. (¬4) أخرجه البخاري في منافب الأنصار باب إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار رقم: 3781، وباب كيف آخى النبي بين أصحابه رقم: 3937، مسلم النكاح رقم: 1427، أبو داود في النكاح باب قلة المهر: 2109، الترمذي في البر والصلة باب ما جاء في مواساة الأخ: 1934، والنسائي في النكاح باب الهدية لمن عرس: 6/ 137، والبيهقي في السنن: 7/ 236، 237، وعبد الرزاق: 10410، وابن ماجة في النكاح باب الوليمة: 1907، والدرامي: 2/ 143 والحميدي: 1218. أحمد في المسند: 3/ 152، 3/ 190، 204، 271، وقد جاء من حديث إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده عند البخاري رقم: 3780 باب إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار.

المبحث العاشر: الوثيقة التي كتبها النبي في المدينة

191 - من حديث أنس قال: "آخى النبي بين أبي عبيدة وبين أبي طلحة" (¬1). 192 - "آخى النبي سلمان وأبي الدرداء" من حديث أبي جحيفة (¬2). 193 - ومن حديث الزبير بن العوام قال: أنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ - فينا خاصة معشر قريش والأنصار {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان، فواخيناهم، ووارثناهم، فآخى أبو بكر رضي الله عنه خارجة بن زيد، وآخى عمر رضي الله عنه فلانًا، وآخى عثمان بن عفان رضي الله عنه رجلًا من بني زريق بن سعد الزرقي، ويقول بعض الناس غيره، قال الزبير رضي الله عنه: وآخيت أنا كعب بن مالك، فجئته فابتعلته، فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى فوالله، يا بني لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري، حتى أنزل الله تعالى هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة فرجعنا إلى مواريثنا" (¬3). المبحث العاشر: الوثيقة التي كتبها النبي في المدينة لقد نظم النبي - صلى الله عليه وسلم - العلاقات بين سكان المدينة، وكتب في ذلك كتابًا أوردته المصادر التاريخية، واستهدف هذا الكتاب أو الصحيفة توضيح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة، وتحديد الحقوق والواجبات، وقد سميت في المصادر القديمة بالكتاب أو الصحيفة، وأطلقت عليها الأبحاث الحديثة لفظ الدستور والوثيقة. أ - طرق ورود الوثيقة "الصحيفة": ونظرًا لأهمية الوثيقة التشريعية إلى جانب أهميتها التاريخية، فلا بد من تحكيم مقاييس أهل الحديث فيها لبيان درجة قوتها أو ضعفها، وما ينبغي أن يتساهل فيها كما يفعل مع الروايات والأخبار التاريخية الأخرى. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب مؤخاة النبي بين أصحابه رقم: 2528 - وأحمد في المسند: 3/ 152، وأبو يعلى: 3320. (¬2) أخرجه البخاري في الصوم باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع رقم: 1968، وفي الأدب باب صنع الطعام والتكلف للضيف: 6139، والترمذي في الزهد باب أعط كل ذي حق حقه: 2415، وأبو يعلى: 898. (¬3) تفسير ابن كثير: 3/ 468 في سورة الأحزاب آية: 6 عن ابن أبي حاتم بسنده إلى الزبير وإسناده حسن.

ب - مدى صحة الوثيقة

أن أقدم من أورد نص الوثيقة كاملًا هو محمَّد بن إسحاق لكنه أوردها دون إسناد، ونقلها عنه ابن كثير وابن سيد الناس، وقد ذكر البيهقي إسناد ابن إسحاق للوثيقة التي تحدد العلاقات بين المهاجرين والأنصار دون البنود التي تتعلق باليهود، لذلك لا يمكن الجزم بأنه أخذها من نفس الطريق أيضًا. وقد ذكر ابن سيد الناس أن ابن أبي خيثمة أورد الكتاب (الوثيقة)، فأسنده بهذا الإسناد، وحدثنا أحمد بن خباب أبو الوليد، حدثنا عيسى بن يوسف، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني، عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب كتابًا بين المهاجرين والأنصار فذكر بنحوه -أي بنحو الكتاب الذي أورده ابن إسحاق، ولكن يبدو أن الوثيقة وردت في القسم المفقود من تاريخ ابن أبي خيثمة إذ لا وجود لها فيما وصل إلينا منه. كذلك وردت الوثيقة في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام بإسناد آخر هو حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير، وعبد الله بن صالح، قالا: حدثنا الليث ابن سعد، قال: حدثنا عقيل بن خالد، عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب هذا الكتاب ..) وسرده. كما وردت الوثيقة في كتاب الأموال لابن زنجويه من طريق الزهريّ أيضًا. هذه هي الطرق التي وردت منها الوثيقة بنصها الكامل، والتطابق الكبير بين سائر الروايات سوى بعض التقديم والتأخير في العبارات، أو اختلاف بعض المفردات، أو زيادة بنود قليلة، ولا يؤثر هذا الاختلاف على مضمونها العام. ب - مدى صحة الوثيقة: اعتمد عدد من الباحثين المعاصرين على الوثيقة فبنوا عليها دراساتهم، في حين ذهب الأستاذ يوسف العش إلى أن الوثيقة موضوعة فهو يقول: إنها لم ترد في كتب الفقه والحديث الصحيح رغم أهميتها التشريعية، بل رواها ابن إسحاق بدون إسناد، ونقلها عنه ابن سيد الناس، وأضاف أن كثير بن عبد الله بن عمرو والمزني روى هذا الكتاب عن أبيه عن جده، وقد ذكر ابن حبان البستي: أن كثير المزني روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب، ولا الرواية عنها إلا على جهة التعجب" ويرى العش أن ابن إسحاق اعتمد على رواية كثير لكنه تعمد حذف الإسناد.

لقد ذهب الأستاذ العش إلى ذلك لأنه تصور أن الوثيقة لم يروها غير ابن إسحاق، ولم يعبر على إسناد لها سوى ما ذكر ابن سيد الناس من رواية ابن أبي خيثمة لها من طريق كثير المزني. لكن أبا عبيد القاسم بن سلام أورد الوثيقة من طريق الزهريّ وهي طريق مستقلة لا صلة لها بكثير المزني. ونظرًا لكون ابن إسحاق من أبرز تلاميذ الزهريّ، فإن ثمة احتمال لأن يكون أورد الوثيقة من طريقه، لولا أن البيهقي ذكر إسناد ابن إسحاق للوثيقة التي تحدد العلاقات بين المهاجرين والأنصار دون أن تتناول البنود المتعلقة بيهود، ولا يمكن الجزم بأن ابن إسحاق أخذ البنود المتعلقة بيهود من هذه الطريق أو من طريق أخرى. قال البيهقي: "أخبرني أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمَّد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عثمان بن محمَّد بن المغيرة بن الأخنس بن شريق قال: أخذت من آل عمر بن الخطاب هذا الكتاب كان مقرونا بكتاب الصدقة". والحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن عثمان تحملها وجادة، وفي الإسناد رجال فيهم ضعف مثل عثمان، فهو صدوق له أوهام، ويونس بن بكير يخطئ، والعطار ضعيف وتحمله للسيرة صحيح، فالرواية على ضعفها صالحة للاعتبار وقد توبعت وأن هذا النص يهدم الأساس الذي بنى عليه الأستاذ العش رأيه. كما أنه لا يمكن الحكم على الوثيقة بأنها موضوعة لأن كتب الحديث لم ترو نصًّا كاملًا!! فقد أوردت كتب الحديث مقتطفات كثيرة منها تغطي عددًا كبيرًا من بنودها. وبذلك يتبين أن الحكم بوضع الوثيقة مجازفة، ولكن الوثيقة لا ترقى بمجموعها إلى مرتبة الأحاديث الصحيحة. فابن إسحاق في سيرته رواها دون إسناد مما يجعل روايته ضعيفه، وأوردها البيهقي من طريق ابن إسحاق أيضًا بإسناد فيه سعد بن المنذر وهو مقبول فقط، وابن أبي خيثمة أوردها من طريق كثير بن عبد الله المزني وهو يروي الموضوعات وأبو عبيد القاسم بن سلام رواها بإسناد منقطع يقف عند الزهريّ، وهو من صغار التابعين فلا يحتج بمراسيله". ولكن نصوصًا من الوثيقة وردت في كتب الأحاديث بأسانيد متصلة وبعضها أوردها البخاري ومسلم، فهذه النصوص هي من الحديث الصحيح وقد احتج بها

ميثاق التحالف الإسلامي

الفقهاء وبنوا عليها أحكامهم. كما أن بعضها ورد في مسند الإِمام أحمد، وسنن أبي داود، وابن ماجه والترمذي، وهذه النصوص جاءت من طرق مستقلة عن الطرق التي وردت منها الوثيقة. وإذا كانت الوثيقة بمجموعها لا تصلح للاحتجاج بها في الأحكام الشرعية، سوى ما ورد منها من كتب الحديث الصحيح، فإنها تصلح أساسًا للدراسة التاريخية التي لا تتطلب درجة الصحة التي تقتضيها الأحكام الشرعية، خاصة وأن الوثيقة وردت من طرق عديدة تتضافر في إكسابها القوة، كما وأن الزهريّ علم كبير من الرواد الأوائل في كتابة السيرة النبوية، ثم إن أهم كتب السيرة والمصادر التاريخية ذكرت موادعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهود، وكتابته بينه وبينهم كتابًا، كما ذكرت كتابته كتابًا بين المهاجرين والأنصار. وقد جاء عند ابن كثير في البداية والنهاية: 4/ 103 - 104 نقلًا عن موسى ابن عقبة: (وفيه أن بني قريظة مزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد". والأثر موقوف عليه بدون إسناد، ولكن مجموع الآثار يتقوى بعضها ببعض وتصل إلى درجة الحسن لغيره. كذلك فإن أسلوب الوثيقة ينم عن أصالتها، فنصوصها مكونة من جمل قصيرة بسيطة وغير معتدة التركيب، ويكثر فيها التكرار، وتستعمل كلمات وتعابير كانت مألوفة في عصر الرسول - عليه السلام -، ثم قل استعمالها فيما بعد حتى أصبحت مغلقة على غير المتعمقين في دراسة تلك الفترة، وليس في هذه الوثيقة نصوص تمدح، أو تقدح فردًا، أو جماعة، أو تخص بالإطراء، أو الذم، لذلك يمكن القول بأنها وثيقة أصلية وغير مزورة، ثم إن التشابه الكبير بين أسلوب الوثيقة، وأساليب كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - الأخرى يعطيها توثيقًا آخر" (¬1). ميثاق التحالف الإِسلامي: وكما سبق ذكره تبين لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عقد حلفًا بين المهاجرين والأنصار، وسأذكر بنود هذا الحلف من خلال الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الحلف: ¬

_ (¬1) المجتمع المدني في عهد النبوة للدكتور أكرم ضياء العمري من صفحة: 107 - 112 بتصرف قليل.

194 - من حديث علي رضي الله عنه من روايات متعددة عنه من طرق عن عدد من التابعين وكل واحد منهم روى بعضها وكل ما ذكروه وارد فيها "الوثيقة أو الحلف". من طريق إبراهيم التيمي، عن أبيه يزيد التيمي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (المدينة حرام ما بين عائر إلى كذا، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل) وقال: (وذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن تولى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل" (¬1). 195 - ومن طريق أبي جحيفة عن علي قال: فيها (الصحيفة) العقل وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر) (¬2). 196 - ومن طريق أبي حسان الأعرج "بعد أن ذكر الحديث زاد (المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد بعهده) وزاد أحمد: (إن إبراهيم حرم مكة؛ وإني أحرم ما بين حرتيها وحماها كله، لا يختلي خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها, ولا يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره، ولا يحمل فيها السلاح لقتال) (¬3). 197 - ومن طريق أبي الطفيل (لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثا) (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في فضائل المدينة باب حرم المدينة رقم: 1870، 3172, 3176، 6755، 7300, ومسلم في الحج باب ضل المدينة: 1370، أبو داود: المناسك باب في تحريم المدينة: 2034، والترمذي في الولاء باب ما جاء فيمن تولى غير مواليه: 2128 وأحمد في المسند: 1/ 81، 126. (¬2) أخرجه البخاري في العلم باب كتابة العلم: 111، الجهاد , باب فكاك الأسير: 3047، الديات باب لا يقتل المسلم بالكافرة: 6915، 6755 الترمذي الديات باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر: 1412، وابن ماجه: في الديات: 2658، النسائي في القسامة باب سقوط القود من المسلم للكافر: 8/ 24، والحميدي رقم: 40، وأحمد: 1/ 79، والطحاوي شرح معاني الآثار: 3/ 192. (¬3) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 119، والثاثي القسامة باب القود بين المماليك والأحرار: 8/ 20 بدون قوله: إن إبراهيم). (¬4) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي باب تحريم الذبح لغير الله ولعن فاعله حديث رقم: 1978.

جـ - نص الوثيقة

198 - ومن طريق لإبراهيم التيمي قال: (فيها الجراحات وأسنان الإبل) (¬1). يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: والجمع بين هذه الأخبار أن الصحيفة المذكورة كانت مشتملة على مجموع ما ذكره، فنقل كل راو بعضها، وأتمها سياقًا طريق أبي حسان كما ترى والله أعلم (¬2). ومن الواضح أن هذه المقتطفات معظمها يطابق -نصًّا- ما ورد في الوثيقة: كما أنها تغطي معظم بنود الوثيقة المتعلقة بالتزامات المسلمين من المهاجرين والأنصار بعضهم تجاه بعض، ولكن ليس فيها إشارة إلى البنود المتعلقة بموادعة اليهود، مما يرجح أن الوثيقة في الأصل وثيقتان، وأن الصحيفة التي كانت معلقة بسيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم صارت عند علي رضي الله عنه هي نفس الكتاب بين المهاجرين والأنصار (¬3). وهكذا يتبين أن الرسول - عليه السلام - قد حالف بين الأنصار والمهاجرين في وثيقة خاصة بهم، ووادع اليهود في وثيقة أخرى، الأولى بعد بدر حدد فيها التزاماتهم بعضهم تجاه بعض، والثانية قبل بدر أول قدوم النبي المدينة، لكن المؤرخين جمعوا بين الوثيقتين" (¬4). وسأنقل نص الوثيقة كاملة وقد سبق التكلم عن صحتها وقوتها: جـ - نص الوثيقة: 1 - هذا كتاب من محمَّد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تابعهم فلحق بهم وجاهد معهم. 2 - إنهم أمة واحدة من دون الناس. 3 - المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب الجزية والموادعة باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة رقم: 3172. (¬2) فتح الباري: 4/ 85. (¬3) المجتمع المدني: 4/ 85. (¬4) المصدر السابق: ص 117 ببعض التصرف.

4 - وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 5 - وبنو الحارث "بن الخزرج" على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف. 6 - وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 7 - وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 8 - وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 9 - وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 10 - بنو النّبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 11 - وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 12 - وإن المؤمنين لا يتركون مفرحًا (¬1) بينهم أن يعطوه بالمعروف من فداء أو عقل. (12 ب) وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه. 13 - وأن المؤمنين المتقين (أيديهم) على كل من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم (¬2)، أو إثما، أو عدوانا أو فسادًا بين المؤمنين، وإن أيديهم عليهم جميعًا، ولو كان ولد أحدهم. 14 - ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرًا على مؤمن. 15 - وإن ذمة الله واحدة يجير أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس. 16 - وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصرة والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر ¬

_ (¬1) المفرح: المثقل بالدين وكثير العيال. (¬2) دسيعة ظلم: الدسيعة هي العطية وهي ما يخرج من حلق البعير إذا رغا ومعناه ما: ما ينال فهم من ظلم.

عليهم. 17 - وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم. 18 - وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضًا. 19 - وإن المؤمنين يبيء (¬1) بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله. 20 - وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه. 20 ب - وأنه لا يجير مشرك مالًا لقريش ولا نفسًا ولا يحول دونه على مؤمن. 21 - لأنه من اعتبط (¬2) مؤمنًا قتلًا عن بينة فإنه قود به، إلا أن يرضى ولي المقتول (بالعقل)، وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه. 22 - وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثًا أو يؤويه، وأن من نصره فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل. 23 - وإنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمَّد. 24 - وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. 25 - وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمن دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم نفسه وأثم لا يوتغ (¬3) إلا نفسه وأهل بيته. 26 - وإن يهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف. 27 - وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف. 28 - وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف. 29 - وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف. 30 - وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف. 31 - وإن ليهود بني ثعلبة ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته. 32 - وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم. ¬

_ (¬1) يبيء: يمنع ويكف. (¬2) اعتبط: قتل مؤمنًا من غير شيء يوجب قتله. (¬3) يرتغ: يهلك.

33 - وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف وأن البر دون الإثم. 34 - وإن موالي ثعلبة كأنفسهم. 35 - وإن بطانة يهود كأنفسهم. 36 - وإنّه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمَّد. 36 ب - وإنه لا ينحجز على ثار جرح؛ لأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظلم وأن الله على أبر هذا. 37 - وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والبر دون الإثم. 37 ب - وإنه لا يأثم أمر بحليفه وإن النصر للمظلوم. 38 - وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. 39 - وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة. 40 - وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم. 41 - وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها. 42 - وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث، أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره. 43 - وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها. 44 - وإن بينهم النصر على من دهم يثرب. 45 - وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين. 45 ب - على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم. 46 - وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره. 47 - وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم, وإن الله جار عن بر وتقي، ومحمد

المبحث الحادي عشر: عبد الله بن الزبير "أول مولود بعد الهجرة"

رسول الله (¬1). ولقد حلل الأستاذ أكرم ضياء العمري حفظه الله هذه الوثيقة تحليلًا طيبًا، وكتب حولها بحثًا قيمًا في كتابه المجتمع المدني نقلت جزءًا كبيرًا منه لنفاسته وجودته، والله الموفق. المبحث الحادي عشر: عبد الله بن الزبير "أول مولود بعد الهجرة" 199 - من حديث أسماء رضي الله عنها أنها حملت بعبد الله بن الزبير، قالت: فخرجت وأنا متم، فأتيت المدينة، فنزلت بقباء فولدته بقباء، ثم أتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضعته في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حنكه بتمرة، ثم دعا له وبرك عليه، وكان أول مولود ولد في الإِسلام" (¬2). دخوله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها 200 - من حديث عائشة رضي الله عنها: "تزوجني النبي وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج، فوعكت فتمزق شعري، فوفي جميمة، فأتتني أمي أم رومان -وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي، فصرخت بي فأتيتها, لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذت شيئًا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى، فأسلمتني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين" (¬3). 201 - وقد دخل النبي في شوال كما جاء ذلك عنها (¬4). ¬

_ (¬1) المجتمع المدني: ص 119 - 122. (¬2) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب هجرة النبي وأصحابه رقم: 3909، ومسلم في الأدب باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته حديث: 2146 وقد جاء أيضًا من حديث عائشة عند البخاري رقم: 3910 ومسلم: 2148. (¬3) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب تزويج النبي عائشة رقم: 3894 وجاء بأرقام: 3896، 5133، 5134، 5156، 5158، 5160، ومسلم في النكاح باب تزويج الأب البكر الصغيرة: 1422. (¬4) أخرجه مسلم في النكاح باب استحباب التزويج في شوال: 1423، الترمذي النكاح باب ما جاء في =

المبحث الثاني عشر: قصة الأذان ومشروعيته

المبحث الثاني عشر: قصة الأذان ومشروعيته 202 - من حديث عبد الله بن زيد قال: "لما أمر رسول الله وسلم بالناقوس ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسًا: فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ فقلت: بلى فقال: تقول الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: وتقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فلما أصبحت أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما رأيت، فقال: (إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال، فألق عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى صوتًا منك). وزاد أحمد في رواية "فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه، ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فلله الحمد) (¬1). ¬

_ = الأوقات التي يستحب فيها النكاح رقم: 1093، وابن ماجه النكاح باب متى يستحب البناء بالنساء: 1990. (¬1) أخرجه أبو داود في الصلاة باب كيف الأذان: 499 الدارمي: 1/ 269، الصلاة باب في بدء الأذان، ابن ماجه الأذان باب بدء الأذان رقم: 706، البيهقي 1/ 391، أحمد في المسند: 4/ 43، الترمذي في الصلاة باب ما جاء في بدء الأذان رقم: 189 وقال حسن صحيح، والبخاري في خلق أفعال العباد ص: 34 - 35، وابن الجارود: 158، والدارقطني: 1/ 341، والسيرة النبوية لابن هشام: 2/ 177، 178، وابن خزيمة: 371، وعبد الرزاق: 1787. وقد صححه جماعة من الأئمة كالبخاري والذهبي والنووي وغيرهم- انظر نصب الراية: 1/ 259 - 260.

المبحث الثالث عشر: عبد الله بن أبي وإيذاؤه للنبي صلى الله عليه وسلم

المبحث الثالث عشر: عبد الله بن أبي وإيذاؤه للنبي صلى الله عليه وسلم 203 - من حديث أسامة بن زيد قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب حمارًا، عليه إكاف تحته قطيفة فدكيه، وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر، حتى مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فيهم عبد الله بن أبي، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمَّر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا. فسلم عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن. فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء! لا أحسن من هذا، إن كان ما تقول حقًّا، فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا، فإنا نحب ذلك، قال: فاستب المسلمون والمشركون واليهود، حتى هموا أن يتواثبوا. فلم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم، ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال: (أي سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟) -ويريد عبد الله بن أبي- (قال كذا وكذا) قال: اعف عنه يا رسول الله واصفح. فوالله! لقد أعطاك الله الذي أعطاك ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة أن يتوجوه، فيعصبوه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاكه، شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت، فعفا عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التفسير باب ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب ... رقم: 4566، ومسلم في الجهاد والسير باب في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وصبره على أذى المنافقين رقم: 1798. * أكاف: هو للحمار بمنزلة السرج للفرس، قطيفة: دثار مخمل. * عجاجة الدابة: ما ارتفع من غبار حوافرها. خمَّر أنفه: غطاه. يخفضهم: يسكنهم ويسهل الأمر بينهم شرق بذلك: غص ومعناه حسد النبي.

المحبث الرابع عشر: الإذن بالقتال

المحبث الرابع عشر: الإذن بالقتال 204 - قال الزهري أول آية نزلت في القتال كما أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} (¬1). 205 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم، إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن، فأنزل الله -عزَّ وجلَّ - {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} (¬2) وهي أول آية نزلت في القتال" (¬3). المبحث الخامس عشر: غزوة الأبواء قال البخاري رحمه الله: "قال ابن إسحاق أول ما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأبواء ثم بواط ثم العشيرة" (¬4). الأبواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة ثلاثة وعشرون ميلًا (¬5). أو ودان: قرية جامعة من أمهات القرى من عمل الفرع (¬6). والأبواء وودان: مكانان متقاربان ليس بينهما إلا ستة أميال أو ثمانية أميال. وكان خروجه - عليه السلام - إلى الأبواء في صفر على رأس اثني عشر شهرًا من مهاجره (¬7). وقبل هذ الغزوة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل بعض السرايا وهي: ¬

_ (¬1) فتح الباري: 7/ 280، وقال أخرجه النسائي وإسناده صحح، انظر السنن الكبرى، للنسائي التفسير باب قوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} رقم: 11346. (¬2) سورة الحج: 39. (¬3) أخرجه الترمذي في التفسير باب سورة الحج رقم: 3170، والنسائي الجهاد باب وجوب الجهاد: 6/ 2، وفي الكبرى رقم: 11345، أحمد في المسند: 1/ 216، الحاكم في المستدرك: 2/ 66، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (¬4) أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة العشيرة أو العسيرة. 3949 من ضمن الترجمة للباب. (¬5) دلائل النبوة للبيهقي: 3/ 9. (¬6) السيرة النبوية ابن هشام: 1/ 591. (¬7) السيرة ابن هشام: 1/ 591.

1 - سرية حمزة بن عبد المطلب إلى سيف البحر من جهينه، فلقوا أبا جهل بن هشام فحجز بينهم مخشي بن عمرو الجهني وكان حليفًا للفريقين (¬1). 2 - سرية عبيدة بن الحارث حتى بلغ ثنية المرة، فوجد هناك جمعًا للمشركين، ولم يكن بينهم قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمي في الإسلام، وفي هذه السرية فر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو، وعتبة بن غزوان وكانا قد حبسا من قبل المشركين (¬2). واختلف أهل السير: أي البعثين كان أول: أبعث حمزة، أو بعث عبيدة. فقال ابن إسحاق أول راية عقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأول سرية بعثها عبيدة بن الحارث (¬3)، قال ابن إسحاق: وبعض الناس يزعمون أن راية حمزة أول راية عقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). وقال المدائني " أول سرية بعثها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حمزة بن عبد المطلب في ربيع الأول من سنة اثنتين إلى سيف البحر من أرض جهينة" (¬5). ويقول ابن إسحاق: "ويقول بعض الناس: كانت راية حمزة أول راية عقدها - صلى الله عليه وسلم - لأحد من المسلمين، وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معًا، فشبه ذلك على الناس" (¬6). ¬

_ (¬1) ابن هشام: 1/ 595، ابن سعد: 2/ 6، الطبري: 2/ 259، 260، ابن كثير: 2/ 338 ابن سيد الناس: 1/ 224. (¬2) ابن هشام: 1/ 591 ابن سعد: 2/ 7 ابن كثير: 2/ 338، 339، ابن جرير: 2/ 261. (¬3) أخرجه ابن هشام: 1/ 591. (¬4) ابن هشام: 1/ 595. (¬5) دلائل النبوة للبيهقي: 3/ 10 نقلا عن المدائني، ابن هشام: 2/ 228 - 230، بينما هي في المغازي في رمضان من السنة الأولى للهجرة: مغازي الواقدي: 1/ 2 البيهقي الدلائل: 3/ 15. (¬6) أخرجه ابن هشام: 1/ 595 - 596.

المبحث السادس عشر: غزوة بواط

المبحث السادس عشر: غزوة بواط 207 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "سرنا مع رسول - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بطن بواط، وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني، وكان الناضح يعقبه منا الخمسة والستة والسبعة، فدار عقبة رجل من الأنصار على ناضح له، فأناخه فركبه ثم بعثه فتلدن عليه بعض التلدن، فقال له: شأ لعنك الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من هذا اللاعن بعيره) فقال: أنا يا رسول الله. قال: (أنزل عنه، فلا تصحبنا بملعون، لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم) (¬1). وهي على رأس ثلاثة عشر شهرًا من مهاجره. المبحث السابع عشر: غزوة العشيرة 208 - عن أبي إسحاق قال: "كنت إلى جنب زيد بن أرقم، فقيل له: كم غزا النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة؟ قال: تسع عشرة، قال: كم غزوت أنت معه؟ قال سبع عشرة. قلت فأيهم كان أول؟ قال: العشير أو العشيرة، فذكرت ذلك لقتادة فقال العشيرة" (¬2). وعند الإمام أحمد لفظ آخر" عن أبي إسحاق قال: سألت زيد بن أرقم رضي الله عنه كم غزا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: تسع عشرة غزوة وغزوت معه سبع عشرة وسبقني بغزوتين" (¬3). قال الحافظ في الفتح: 7/ 280 - 281: كذا قال، ومراده الغزوات التي خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بنسفه سواء قاتل أو لم يقاتل، لكن روى أبو يعلى من طريق أبي ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق باب حديث جابر الطويل رقم: 3009. * بطن بواط: قال القاضي رحمه الله قال أهل اللغة وهو بالضم وهي رواية أكثر المحدثين، وهو جبل من جبال جهينة، الناضح: البعير الذي يستقى عليه. يعقبه: يركبه. التلدن: التوقف التلكأ. شأ: كلمة زجر للبعير. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي: باب غزوة العشيرة أو العسيرة: رقم: 3949، ومسلم: 1254 في الجهاد والسيرة باب غزاوات النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) الفتح الرباني: 21/ 22 وقال الساعاتي أخرجه الشيخان وغيرهما.

المبحث الثامن عشر: سرية عبد الله بن جحش

الزبير عن جابر أن عدد الغزوات إحدى وعشرون، وأصله في مسلم: 1813، فعلى هذا ففات زيد بن أرقم ذكر ثنتين منها ولعلهما الأبواء وبواط، وكأن ذلك خقي عليه لصغره، ويؤيد ما قلته ما وقع عند مسلم بلفظ "قلت ما أول غزوة غزاها؟ قال: ذات العشير أو العشيرة" والعشيرة كما تقدم هي الثالثة. وأما قول ابن التين: يحمل قول زيد بن أرقم على أن العشيرة أول ما غزا هو أي زيد بن أرقم، والتقدير: فقلت: ما أول غزوة غزاها أي وأنت معه؟ قال: العشير فهو محتمل أيضًا، ويكون قد خفي عليه ثنتان مما بعد ذلك، أو عد الغزوتين واحدة، فقد قال موسى بن عقبة: قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه في ثمان: بدر، ثم أحد ثم الأحزاب، ثم المصطلق، ثم خيبر، ثم مكة، ثم حنين، ثم الطائف وأهمل غزوة قريظة لأنه ضمها إلى الأحزاب، فكونها كانت في إثرها وأفردها غيره لوقوعها منفردة بعد هزيمة الأحزاب، وكذا وقع لغيره عن الطائف وحنين واحدة لتقاربهما، فيجتمع على هذا أقوال زيد بن أرقم وقول جابر. المبحث الثامن عشر: سرية عبد الله بن جحش 209 - عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه: "عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بعث رهطًا وبعث عليهم أبا عبيدة فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجلس، فبعث عليهم عبد الله بن جحش مكانه، وكتب له كتابًا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا، وقال: (لا تكرهن أحدًا من أصحابك على المسير معك). فلما، قرأ الكتاب، استرجع وقال: سمعًا وطاعة لله ولرسوله، فخبرهم الخبر، وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان، ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى، فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام، فأنزل الله -عزَّ وجلَّ - {يسألونك عن الشهر الحرام} الآية، فقال بعضهم: إن لم يكونوا أصابوا وزرًا فليس لهم أجر فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم} (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي: 9/ 11 - 12 والطبري في التفسير: 2/ 349 - 350، وأبو يعلى: 1534 والطبراني في الكبير: 1670، وقال البيهقي: سنده صحيح إن كان الحضرمي هو ابن لاحق. وذكره الهيثمي في مجمع الزواند: 6/ 198، وقال رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. =

المبحث التاسع عشر: حادثة تحويل القبلة

المبحث التاسع عشر: حادثة تحويل القبلة 210 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده -أو قال أخواله- من الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مكة، فداروا -كما هم- قبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس، وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك". قال زهير، حدثنا إسحاق عن البراء في حديثه هذا: أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} (¬1). 211 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم} الآية" (¬2). 212 - ومن حديث أنس قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول ¬

_ = وقد جاء من حديث سعد بن أبي وقاص أخرجه ابن أبي شيبة: 14/ 351 وأحمد في المسند كما في الفتح الرباني: 21/ 25 - 26، وقال أبو زرعة: فيه زياد بن علاقة لم يسمع من سعد بن أبي وقاص شيئًا كما في المراسيل: 57 فيكون سند أحمد منقطعًا، وأخرجه البيهقي في الدلائل: 3/ 17 - 21 مرة من طريق ابن إسحاق مرسلًا عن عروة وقد صرح بالسماع، ومرة عن الزهري مرسلًا عن عروة أيضًا وأخرجه في السنن: 9/ 55 - 59 وابن سعد في الطبقات: 2/ 10 - 11. (¬1) أخرجه البخاري في الإيمان باب الصلاة من الإيمان حديث رقم: 40، وجاء بأرقام: 399، 4486، 4492، 7252، الترمذي حديث: 2962 وقال حسن صحيح، ابن ماجه: 1010، أحمد: 4/ 274 أبو داود والطيالسي: 1/ 85، مسلم في الصحيح كتاب المساجد باب تحويل القبلة رقم: 525. (¬2) أخرجه الترمذي في كتاب التفسير باب ومن سورة البقرة حديث: 2964، وقال حسن صحيح، الطيالسي: 1944، والحاكم: 2/ 269، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وجهك شطر المسجد الحرام} (¬1) فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة: فنادى ألا إن القبلة قد حولت. فمالوا كما هم نحو القبلة" (¬2). 213 - ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة" (¬3). ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 144. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة رقم: 527. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب المساجد باب تحويل القبلة رقم: 526، قلت: والظاهر أن القول والتحويل قد تكرر من عده رجال كما جاء من مجموع هذه الأحاديث.

الفصل الثاني غزوة بدر الكبرى

الفصل الثاني غزوة بدر الكبرى المبحث الأول: تاريخ الغزوة وأسبابها 214 - حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: "التمسوها (يعني ليلة القدر) في سبع عشرة، وتلا هذه الآية (يوم التقى الجمعان) يوم بدر، قال: أو تسع عشرة، أو إحدى وعشرين" (¬1). 215 - ومن حديث ابن مسعود أيضًا: قال في ليلة القدر (تحروها لإحدى عشرة يبقين صبيحتها يوم بدر). قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "أما غزوة بدر فمتفق عليه بين أهل السير: ابن إسحاق وموسى بن عقبة وأبو الأسود وغيرهم، واتفقوا على أنها كانت في رمضان، قال ابن عساكر: والمحفوظ أنها كانت في يوم الجمعة، وروي أنها كانت في يوم الاثنين وهو شاذ، ثم الجمهور على أنها كانت سابع عشرة، وقيل ثاني عشرة، وجمع بينهما بأن الثاني ابتداء الخروج والسابع عشر يوم الوقعة" (¬2). قلت: وخلاصة الأمر كما جاء في قول ابن حجر أن الخروج كان في الثاني عشر، والسابع عشر يوم الوقفة، والتاسع عشر كما في قول ابن مسعود الثاني هو انتهاء الغزوة وخاصة أن الرسول - عليه السلام - كان يقيم في عرصة أي قوم يغزوهم ثلاثًا، وكذا فعل في بدر كما سيأتي بيانه". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في الصلاة باب من روى أنها ليلة سبع عشرة: 1384 والبيهقي: 4/ 310 وابن أبي شيبة: 3/ 75 - 76، والطبراني في الكبير: 9074: 9579، وعبد الرزاق في المصنف: 7697 والطحاوي: 2/ 54، وابن نصر المروزي في مختصر قيام رمضان ص: 108، والحاكم في المستدرك 3/ 20 - 21 وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وأخرجه الطبري في التاريخ: 2/ 266 بإسناده صحيح، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: 6/ 376، إلى سعيد بن منصور وابن مردويه. (¬2) التلخيص الحبير: 4/ 89 رقم الحديث: 1826.

المبحث الثاني: مرحلة ما قبل المعركة

المبحث الثاني: مرحلة ما قبل المعركة 1 - إرسال العيون للتجسس على قوافل قريش 216 - من حديث أنس: قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبسة عينًا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان، فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه) قال: فحدثه الحديث قال: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتكلم فقال: (إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضرًا فليركب معنا) فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة فقال: (لا إلا من كان ظهره حاضرًا) (¬1). 2 - المشاورة الأولى من الرسول لأصحابه في المدينة 217 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة، فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا، قال: فندب رسول الله الناس فانطلقوا ..) الحديث (¬2). 3 - دعوة الرسول - عليه السلام - الناس للخروج 218 - من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "لما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي سفيان مقبلًا من الشام: ندب المسلمين إليهم وقال: (هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها، فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقى حربًا. وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان خوفًا على أمر الناس، حتى أصاب خبرًا من بعض الركبان: أن محمدًا استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك. فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد رقم: 1901 أحمد في المسند: 3/ 136. * يعني الخيل أي لو أمرتنا بإدخال خيولنا في البحر وغشيتنا إياها فيه لفعلنا. (¬2) أخرجه مسلم في الجهاد والسير باب غزوة بدر رقم: 1779 وأحمد في المسند: 3/ 188، 3/ 100، 4/ 228، 6/ 29.

4 - قلة المراكب من الجمال والخيول

فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشًا فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدًا قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعًا إلى مكة (¬1). 4 - قلة المراكب من الجمال والخيول 219 - من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، كان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وقال: وكانت عقبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فقالا: نحن نمشي عنك. فقال: (ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما) (¬2). 220 - ومن حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "قال: لقد أتينا ليلة بدر وما فينا إلا نائم إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان يصلي إلى شجرة ويدعو، وما كان فينا فارس إلا المقداد" (¬3). 5 - عدد المسلمين في غزوة بدر 221 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "كنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلاثمائة" (¬4). 222 - ومن حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كان عدة أهل بدر عدة أصحاب طالوت يوم جالوت ثلثمائة وسبعة عشر" (¬5). 223 - ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "خرج ¬

_ (¬1) أخرجه ابن هشام من طريق ابن إسحاق: 2/ 606 - 607، بسند صحيح فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 411، طبعة لبنان رقم: 3901، طبعة أحمد شاكر، ابن حبان: 1688، والحاكم: 3/ 20، وقال حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 69، رواه أحمد والبزار وفيه عاصم بن بهدلة وحديث حسن وبقية رجال أحمد رجال الصحيح، وحسنه الشيخ أحمد شاكر. (¬3) الفتح الرباني: 21/ 36 والطيالسي: 2342 وأبو يعلى والحديث سنده صحيح. (¬4) أخرجه البخاري في المغازي باب عدة أصحاب بدر رقم: 3958، الترمذي في السير باب ما جاء في عدة أصحاب بدر رقم: 1598 وقال حديث حسن صحيح. (¬5) كشف الأستار عن زوائد البزار رقم: 1784 وقال الهيثمي: 6/ 93 رواه البزار ورجاله ثقات.

6 - عدم السماح لمن لم يبلغ بالخروج

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر في ثلاثمائة وخمسة عشر رجلًا من أصحابه .. فذكر الحديث" (¬1). وهذه الرواية لا تنافي التي قبلها لاحتمال أن تكون هذه الرواية لم يعد فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الرجل الذي لحق بهم. 6 - عدم السماح لمن لم يبلغ بالخروج 224 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر، وكان المهاجرون يوم بدر نيفًا على ستين، والأنصار نيفًا وأربعين ومائتين" (¬2). 225 - ومن حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى عمير بن أبي وقاص، فاستصغره حين خرج إلى بدر، ثم أجازه قال سعد: فيقال: أنه خانه سيفه قال عبد الله بن جعفر قتل يوم بدر" (¬3). 7 - رفضه الاستعانة بالمشركين 226 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: جئت لأتبعك وأصيب معك، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تؤمن بالله ورسوله؟). قال: لا: قال: (فارجع فلن أستعين بمشرك). قالت: ثم مضى، حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل. فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال أول مرة: قال: (فارجع فلن أستعين بمشرك) قال: ثم رجع فأدركه بالبيداء. فقال له كما قال أول مرة: (تؤمن بالله ورسوله) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب في نفل السرية تخرج من العسكر رقم: 2747، والحاكم: 2/ 145 وقال صحيح على شرط مسلم، والبيهقي: 9/ 57، وحسنه الحافظ في الفتح: 7/ 292 والحديث حسن والله أعلم. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب عدة أصحاب بدر رقم: 3956. (¬3) كشف الأستار عن زوائد البزار: 1770 قال الهيثمي في المجمع: 6/ 69، رواه البزار ورجاله ثقات.

8 - رؤيا عاتكة وإنذار ضمضم لقريش

قال: نعم. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فانطلق) (¬1). 8 - رؤيا عاتكة وإنذار ضمضم لقريش سبق وأن ذكرت في حديث ابن عباس رقم: 218، أن أبا سفيان كان يتحسس الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأنه كان يخاف أن يقوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بقطع الطريق على قافلته، وسلب ما معه من أموال قريش. فلما سمع من بعض الركبان بخروج رسول الله وأصحابه لاعتراض القافلة، استأجر رجلًا من بني غفار واسمه ضمضم بن عمرو الغفاري لينذر قريشًا من أجل أن تخرج لحماية قافلتها، وقبل أن يصل النذير مكة رأت عاتكة بنت عبد المطلب رؤيا أولت بأن مصابًا سيحل في مكة، سيؤدي إلى قتل عدد من زعماء قريش، مما أثار حفيظة بعض زعماء الشرك، ولنترك المجال لراوي الحدث ليخبرنا بالتفصيلات: 227 - قال ابن إسحاق وحدثني يزيد بن رومان (¬2) عن عروة بن الزبير قال: "وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب رضي الله عنها قبل قدوم ضمضم (الغفاري) مكة بثلاث ليال، رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب، فقالت له: يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة، فاكتم عني ما أحدثك به، فقال لها: وما رأيت؟ قالت: رأيت راكبًا أقبل على بعير له، حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا يالغُدُر لمصارعكم في ثلاث، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة، ثم صرخ بمثلها، ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس، فصرخ بمثلها. ثم أخذ صخرة فأرسلها، فأقبلت تهوي، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت، فما بقي بيت من بيوت مكة، ولا دار إلا ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في الجهاد والسير باب كراهة الاستعانة في الغزو بالكافر رقم: 1817، أبو داود في الجهاد والسير باب في المشرك يسهم له:2732، والترمذي في السير ما جاء في أهل الذمة يغزون مع المسلمين هل يسهم لهم: 1558، وقال حسن غريب، والدارمي: 2/ 233 وأحمد: 6/ 67، 49. يحتمل أن عائشة كانت مع المودعين فرأت ذلك، ويحتمل أنها أرادت بقولها: كنا، كان المسلمون، كذا قال النووي في شرح مسلم: 12/ 198 - 199. (¬2) يزيد بن رومان ثقة من الخامسة، تقريب: 2/ 364.

دخلتها منها فلقه، قال العباس: والله إن هذه لرؤيا! وأنت فاكتميها، ولا تذكريها لأحد. ثم خرج العباس، فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة، وكان له صديقًا، فذكرها له، واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، ففشا الحديث بمكة، حتى تحدثت به قريش في أنديتها. قال العباس: فغدوت لأطوف بالبيت، وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة، فلما رآني أبو جهل قال: يا أبا الفضل، إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا. فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم، فقال لي أبو جهل: يا بني عبد المطلب، متى حدثت فيكم هذه النبّية؟ قال: قلت: وما ذاك؟ قال: تلك الرؤيا التي رأت عاتكة، قال: فقلت: وما رأت؟ قال: يا بني عبد المطلب، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساءكم! قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث، فسنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يك حقًّا ما تقول فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء، نكتب عليكم كتابًا أنكم أكذب أهل بيت في العرب. قال العباس: فوالله ما كان مني إليه كبير، إلا أني جحدت ذلك، وأنكرت أن تكون رأت شيئًا قال: ثم تفرقنا. فلما أمسيت، لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني، فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، ثم لم يكن عندك غيرٌ لشيء مما سمعت!، قال: قلت: قد والله فعلت، ما كان مني إليه من كبير، وأيم الله لأتعرضن له، فإن عاد لأكفيَّنكُنَّه. قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة، وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه. قال: فدخلت المسجد فرأيته، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به، وكان رجلًا خفيفًا، حديد الوجه، حديد اللسان، حديد النظر. قال: إذ خرج نحو باب المسجد يشتد. قال: فقلت في نفسي ما له لعنه الله! أكل هذا فرقٌ مني أن أشاتمه! قال: وإذا هو قد سمع ما لم أسمع: صوت ضمضم بن عمرو الغفاري، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفًا على بعيره، قد جدع بعيره، وحول رحله، وشق

9 - إجارة الشيطان قريشا

قميصه وهو يقول: يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث: قال: فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر" (¬1). 9 - إجارة الشيطان قريشًا 228 - قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، قال: "لما أجمعت قريش المسير ذكرت ما كان بينها وبين بني بكر، فكاد ذلك يثنيهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة، فقال لهم: أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعًا" (¬2). 10 - تخوف بعض أئمة الكفر من الخروج أمية بن خلف وقصته مع سعد بن معاذ. 229 - من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حدث عن سعد بن معاذ أنه قال: "كان صديقًا لأمية بن خلف، وكان أمية إذا مر بالمدينة نزل على سعد، وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة انطلق سعد معتمرًا، فنزل على أمية بمكة، فقال لأمية: انظرني ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت، فخرج به قريبًا من نصف النهار، فلقيهما أبو جهل فقال: يا أبا صفوان من هذا معك؟ فقال: هذا سعد. فقال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمنًا وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينوهم. أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما ¬

_ (¬1) أخرجه ابن هشام في السيرة: 1/ 607، وسنده صحيح إلا أنه مرسل، وقد جاءت حادثة عاتكة من طرق متعددة -من حديث ابن عباس عد الحاكم: 3/ 19 إلا أن سنده ضعيف، ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما مرسل، والآخر مرفوع من حديث مصعب بن عبد الله وفيهما ابن لهيعة وحديثه حسن كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 732، وله سند آخر عند ابن إسحاق عن ابن عباس ولكنه ضعيف"، وأورده ابن منده بسنده عن عاتكة بنت عبد المطلب وسنده ضعيف كما قال ابن حجر في الإصابة: 4/ 347 وبهذه الطرق يقوى الحديث فيرتفع الحديث إلى درجة الحسن لغيره والله أعلم. * أفظعتني: اشتدت علي. * يا لغدر: يا أهل غدر، يا آل غدر، مثل به: قام به، أرفضت: تفتتت، جدع بعيره: قطع أنفه، اللطيمة: الإبل التي تحمل البر والطيب. (¬2) ابن هشام في السيرة: 1/ 612، وسنده صحيح لكنه مرسل، ابن كثير من طريقه: 2/ 432.

11 - عدد المشركين في بدر

رجعت إلى أهلك سالمًا، فقال له سعد -ورفع صوته عليه-: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه: طريقك على المدينة، فقال له أمية: لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم سيد أهل الوادي. فقال سعد: دعنا عنك يا أمية، فوالله لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إنهم قاتلوك). قال: بمكة؟ قال: لا أدري، ففزع لذلك أمية فزعًا شديدًا. فلما رجع أمية إلى أهله قال: يا أم صفوان، ألم تري ما قال لي سعد؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أن محمدًا أخبرهم أنهم قاتلي. فقلت له: بمكة؟ قال: لا أدري. فقال أمية: والله لا أخرج من مكة. فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس قال: أدركوا عيركم، فكره أمية أن يخرج، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى ما يراك الناس قد تخلفت، وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك، فلم يزل به أبو جهل حتى قال: أما إذا غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة. ثم قال أمية: يا أم صفوان جهزيني. فقالت له: يا أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: لا ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبًا. فلما خرج أمية أخذ لا يترك منزلًا إلا عقل بعيره. فلم يزل بذلك حتى قتله الله -عزَّ وجلَّ- ببدر" (¬1). 11 - عدد المشركين في بدر 230 - من حديث أنس رضي الله عنه، وهو تتمة لما جاء في حديث المشورة رقم: 217: قال: "فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرًا، ووردت عليهم روايا قريش، وفيهم غلام أسود لبني الحجاج، فأخذوه، فكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه: فيقول: ما لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف، فهذا قال ذلك ضربوه، فقال: نعم: أنا أخبركم هذا أبو سفيان، فهذا تركوه فسألوه فقال: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في أناس، فإذا قال هذا أيضًا ضربوه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي، فلما رأى ذلك انصرف وقال: والذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب ذكر النبي من يقتل ببدر رقم: 3950، وأحمد في المسند: (1/ 400) انظر الفتح الرباني: (21/ 42). (¬2) انظر حديث: 217، وتخريجه هناك.

12 - تحديد مصارع القوم

231 - ومن حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: "لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فاجتويناها، فأصابنا بها وعك، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخبر عن بدر، فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، وبدر بئر، فسبقنا المشركون إليها، فوجدنا فيها رجلين منهم رجل من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط، فأما القريشي فانفلت، وأما مولى عقبة فأخذناه، فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول: هم والله كثير عددهم، شديد بأسهم، فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه، حتى انتهوا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كم القوم؟)، فقال: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم، فجهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخبره فأبى، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله: كم ينحرون من الجزر؟ قال: عشر لكل يوم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (القوم ألف كل جزور لمائة ونيفها) (¬1). 12 - تحديد مصارع القوم 232 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال" ... إلى أن قال: "ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول (هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله) قال: فقال عمر: فوالذي بعثه بالحق! ما أخطؤوا الحدود التي حد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). 13 - الاستشارة الثانية من الرسول - عليه السلام - لأصحابه وقد استشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه رضوان الله عليهم المرة الثانية ليبين للأمة الإسلامية أهمية مبدأ الشورى في الإسلام، ولأن الأنصار رضوان الله عليهم كانوا يشكلون الغالبية العظمى من جيشه - صلى الله عليه وسلم -، وبذلك يبنى القرار الذي يتخذ على رأيهم وأكثريتهم، ولأنهم أصحاب الأرض التي انطلقت منها القوة المؤمنة فلا بد ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 117، وأبو داود: 2665، في الجهاد باب في المبارزة من حديث علي وإسناده صحيح، وأخرجه الحاكم: 3/ 187 - 188، عن ابن عباس وسنده حسن وقال الهيثمي في حديث علي: 6/ 76 أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح غير حارثة بن مضرب وهو ثقة وانظر كشف، الأستار: 1761. * اجتويناها: أصابهم الجوى وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها، ما واستوخموها. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه رقم: 2873، وأحمد في المسند: 1/ 26، والنسائي في الجنائز باب أرواح المؤمنين: 4/ 108.

من أخذ رأيهم وسأنقل وصف مشهد المشاورة كما وصفها الصحابة رضوان الله عليهم. 233 - من طريق ابن إسحاق بسنده الصحيح إلى ابن عباس في رواية أحداث بدر يقول ابن عباس رضي الله عنهما: " ... وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار الناس، وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر الصديق، فقال وأحسن. ثم قام عمر بن الخطاب، فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امضي لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو إسرانيل لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله خيرًا، ودعا له به. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أشيروا علي أيها الناس)، وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس، وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله: إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فهذا وصلت إلينا، فأنت في ذمتنا، نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو في بلادهم. فلما قال ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: (أجل). قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فسرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول سعد ونشطه ذلك، ثم قال: (سيروا وابشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم) (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن هشام في السيرة: 1/ 614 - 615، بإسناد صحيح وقد صرح ابن إسحاق بالسماع، وأخرجه الطبراني وإسناده حسن كما في المجمع: 6/ 73، والبيهقي في دلائل النبوة: 3/ 32، وقال ابن =

14 - الانشقاق في صفوف المشركين حين وصولهم بدر

234 - حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: "شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا، لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به، أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى {اذهب أنت وربك فقاتلا} ولكنا نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، وبين يديك وخلفك، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أشرق وجهه وسر. يعني قوله" (¬1). ويقول الحافظ في فتح الباري: "ويمكن الجمع بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استشارهم في غزوة بدر مرتين: الأولى: وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان، وذلك بين في رواية مسلم ولفظه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان والثانية كانت بعد أن خرج" (¬2). 14 - الانشقاق في صفوف المشركين حين وصولهم بدر 235 - ومن حديث علي كرم الله وجهه في تكملة حديث رقم: 231 قال رضي الله عنه: "فلما دنا القوم منا وصاففناهم إذا رجل منهم على جمل أحمر، يسير في القوم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا علي ناد حمزة)، وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الأحمر وماذا يقول لهم، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن يكن في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر)، قال: هو عتبة بن ربيعة، وهو ينهى عن القتال، ويقول لهم: يا قوم: إني أرى قومًا مستميتين لا تصلون إليهم، وفيكم خير، يا قوم، اعصبوها اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة بن ربيعة، وقد علمتم أني لست بأجبنكم، فسمع ذلك أبو جهل فقال: أنت تقول هذا، والله لو غيرك يقول لأعضضته، قد ملات رئتك جوفك ¬

_ = كثير في البداية: 3/ 262 - 263 هكذا رواه ابن إسحاق رحمه الله، وله شواهد من وجوه كثيرة من، ذلك رواية البخاري والنسائي وأحمد. (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب قوله تعالى {إذ تستغيثون ربكم} رقم: 3952، أحمد في المسند: 390 - 428، الحاكم في المستدرك: 3/ 349، وصححه ووافقه الذهبي. وقد جاء مثل هذا القول دون ذكر اسم المقداد من حديث عتبة بن عبد السلمي قال الهيثمي في المجمع: 6/ 75، رواه أحمد ورجاله ثقات، وجاء أيضًا من حديث أبي أيوب الأنصاري عند الطبراني بإسناد حسن كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 73 - 74. (¬2) فتح الباري: 7/ 288.

15 - مناجاة ودعاء، ومطر ونقاء

رعبًا، فقال عتبة: إياي تعني يا مصفر إسته، ستعلم اليوم أينا الجبان" (¬1). 236 - وقد جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما نزل المسلمون وأقبل المشركون، نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتبة بن ربيعة وهو على جمل أحمر فقال: (إن يكن عند أحد من القوم خير فهو عند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا) وهو يقول: "يا قوم أطيعوني في هؤلاء القوم، فإنكم إن فعلتم لن يزال ذلك في قلوبكم، ينظر كل رجل إلى قاتل أخيه، وقاتل إليه، فاجعلوا حقها برأسي وارجعوا، فقال أبو جهل: انتفخ والله سحره حين رأى محمدًا وأصحابه، إنما محمد وأصحابه كأكلة جزور ولو قد التقينا، فقال عتبة: ستعلم من الجبان المفسد لقومه، أما والله إني لأرى قومًا يضربونكم ضربًا، أما ترون كأن رؤسهم الأفاعي، وكأن وجوههم السيوف، ثم دعا أخاه وابنه، فخرج يمشي بينهما ودعا بالمبارزة" (¬2). 15 - مناجاة ودعاء، ومطر ونقاء 237 - من حديث علي السابق الذكر رقم: 231: قال: " أصابنا من الليل طش من المطر -يعني الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر- فانطلقنا تحت الشجر والحجف، نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو ربه ويقول: (اللهم إن تهلك هذه الفئة لا تعبد) قال: فلما تطلع الفجر نادى: (الصلاة عباد الله) فجاء الناس من تحت الشجر والحجف فصلى بنا رسول الله وحض على القتال" (¬3). 238 - من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لما كان يوم بدر نظر رسول الله إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام ¬

_ (¬1) انظر تخريج الحديث رقم: 231. (¬2) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 76 رواه البزار ورجاله ثقات، وانظر كشف الأستار: 1762، والحاكم: 3/ 187، 188، وسنده حسن. * الطش: المطر الضعيف وهو فوق الرذاذ، الجحفة: الترس الصغير. (¬3) انظر التخريج حديث رقم: 231. * يهتف بربه: يصيح ويستغيث بالله بالدعاء.

16 - استفتاح أبي جهل ودعاؤه يوم بدر

لا تعبد في الأرض)، فما زال يهتف بربه، مادًّا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: "يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} (¬1) فأمده الله بالملائكة" (¬2). 238 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر (اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد) فأخذ أبو بكر بيده، فقال حسبك فخرج وهو يقول: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) (¬3). 239 - ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر في ثلاثمائة وخمسة عشر رجلًا من أصحابه، فلما انتهى إليها قال (اللهم إنهم جياع فأشبعهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم) ففتح الله له يوم بدر، فانقبوا حين انقلبوا، وما منهم رجل إلا وقد رجع يحمل أو حملين واكتسوا وشبعوا" (¬4). 16 - استفتاح أبي جهل ودعاؤه يوم بدر 240 - أ - من حديث عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: "كان المستفتح يوم بدر أبا جهل قال: اللهم "أقطعنا للرحم وآتانا بما لم يُعرف فأحنه الغداة" فبينما هم على تلك الحال، وقد شجع الله المسلمين على لقاء عدوهم، وقللهم في أعينهم حتى طمعوا فيهم، خفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خفقة في العريش ثم انتبه فقال: (أبشر يا أبا بكر هذا جبريل معتجر بعمامته، آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع، أتاك نصر الله وَعِدتُه) (¬5). ¬

_ (¬1) سورة الأنفال: 9. (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجهاد باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر رقم: 1763، وأحمد في المسند: 1/ 30 - 32. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب: (إذ تستغيثون ربكم ...) رقم: 3953. (¬4) انظر تخريج الحديث رقم: 223. (¬5) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 431، الحاكم في المستدرك: 2/ 328، وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي، ابن كثير في السيرة: 2/ 434 وسنده حسن، وفي التفسير: 296/ =

17 - نزول جبريل عليه السلام يوم بدر

240 - ب - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزلت (¬1): {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} (¬2) (¬3). 17 - نزول جبريل عليه السلام يوم بدر 241 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر: (هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب) (¬4). 18 - أسلوب القتال 242 - من حديث أبي طلحة رضي الله عنه قال: "غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم بدر" (¬5). وهذا المبدأ "قتال الصف" قرره الإسلام وحث عليه في قول الله تعالى: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيان مرصوص} (¬6). فأسلوب القتال هذا الذي ذكره القرآن يعطي القائد القدرة الفائقة للسيطرة على الجند. ¬

_ = 2 وعزاه للنسائي، وانظر سيرة ابن هشام: 1/ 626 - 627، البيهقي في الدلائل: 3/ 74. (¬1) الآية: 32 سورة الأنفال. (¬2) سورة الأنفال آية:33. (¬3) أخرجه البخاري في تفسير سورة الأنفال باب وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم رقم: 4649 فتح الباري: 3098، مسلم في صحيحه كتاب صفة القيامة والجنة والنار باب قوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}، الآية حديث رقم: 2796. (¬4) أخرجه البخاري في المغازب باب شهود الملائكة بدرًا رقم: 3995. (¬5) أخرجه أحمد في المسند الفتح الرباني: 21/ 43، وإسناده صحيح كما قال شاكر في تحقيقه للمسند: 4/ 39 حديث رقم: 2197 - 2198 ورجال هذا الإسناد ثقات، وقد جاء أيضًا من حديث أبي أسيد الساعدي أخرجه أبو داود: 2663 بسند حسن. (¬6) سورة الصف: 4.

19 - تسويته الصفوف وقصته مع سواد

19 - تسويته الصفوف وقصته مع سواد 243 - من حديث محمد بن علي بن الحسين أبي جعفر الباقر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتخطى بعرجون فأصاب به سواد بن غزية الأنصاري فقال: "يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني"، فكشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بطنه فقال: (استقد) قال: فاعتنقه فقبل بطنه، فقال: (ما حملك على هذا يا سواد؟). قال يا رسول الله: "حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يحس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخير، وقال له خيرًا" (¬1). 20 - عريش القيادة النبوية يوم بدر ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له عريش يدير منه المعركة يوم بدر، وقد شارك أيضًا صلوات الله عليه في الحرب والمعركة ونزل إلى ساحة القتال. 244 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في قبة له يوم بدر .. وذكر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 245 - ومن طريق ابن إسحاق: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حرض أصحابه على القتال، ورمى المشركين بما رماهم به من التراب، وهزمهم الله تعالى صعد إلى العريش أيضًا ومعه أبو بكر، ووقف سعد بن معاذ ومن معه من الأنصار على باب العريش، ومعهم السيوف خشية أن تكر راجعة من المشركين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

_ (¬1) الإصابة في تمييز الصحابة: 2/ 95، وسنده حسن إلا أنه مرسل، ويسنده ما جاء عن عبد الله بن جبير الخزاعي في مجمع الزوائد: 6/ 289، وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات على ما في عبد الله بن جبير من ضعف كما جاء في التهذيب: 5/ 168. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب إذ تستغيثون ربكم ... رقم: 3953 من طرق متعددة. (¬3) البداية والنهاية: 3/ 284، وانظر سيرة ابن هشام: 1/ 620، والطبري في التاريخ: 2/ 440، والبيهقي في الدلائل: 3/ 44، جميعًا من طريق ابن إسحاق من مرسل عبد الله بن أبي بكر.

المبحث الثالث: المرحلة الثانية: أحداث المعركة

المبحث الثالث: المرحلة الثانية: أحداث المعركة 1 - المبارزة بين المسلمين والمشركين 246 - من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة، وقال قيس بن عبادة: وفيهم أنزلت {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: هم الذين تبارزوا يوم بدر، حمزة، وعلي، وعبيدة، أو أبو عبيدة بن الحارث، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة" (¬1). 247 - ومن طريق ابن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: "ثم خرج عتبة بن ربيعة، بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة، وهم عوف، ومعوذ، أبناء الحارث -وأمهما عفراء- ورجل آخر يقال: هو عبد الله بن رواحة فقالوا: من أنتم؟ فقالوا: رهط من الأنصار. قالوا: ما لنا بكم من حاجة. ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة، قم يا علي، فلما قاموا ودنوا منهم. قالوا: من أنتم؟ قال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال علي: علي، قالوا: نعم، أكفاء كرام. فبارز عبيدة -وكان أسن القوم، عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارز علي الوليد بن عتبة. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، وكر حمزة وعلي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب قتل أبي جهل حديث رقم: 3965، وقد جاء هذا الحديث أيضًا من طريق أبي ذر رضي الله عنه عند البخاري في المغازي باب قتل أبي جهل رقم: 3966، ومسلم بشرح النووي: 18/ 166، وابن ماجه برقم: 2835، الطيالسي: 2/ 21، والطبراني في الكبير: 3/ 164، وقال الحاكم: 2/ 386 عن حديث علي: لقد صح الحديث بهذه الروايات من طريق علي، كما صح من طريق أبي ذر.

2 - أوامر القائد الأعلى بالنضح بالنبل

بأسيافهما على عتبة فذففا عليه، واحتملا صاحبهما، فحازاه إلى أصحابه (¬1). 248 - من حديث علي بن أبي طالب قال: "تقدم يعني عتبة بن ربيعة، وتبعه ابنه وأخوه، فنادى من يبارز فانتدب له شباب من الأنصار، فقال: من أنتم؟ فأخبروه فقال: لا حاجة لنا فيكم، إنما أردنا بني عمنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيده بن الحارث) فأقبل حمزة إلى عتبة، وأقبلت إلى شيبة، واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم ملنا على الوليد فقتلناه، واحتملنا عبيدة" (¬2). وقد وافقت رواية حديث علي هذه بأنه قتل شيبة وحمزة قتل عتبة ثم أعانا عبيدة على الوليد ما رواه الطبراني بإسناد حسن عن علي قال: "أعنت أنا وحمزة عبيدة بن الحارث على الوليد بن عتبة، فلم يعب النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك علينا" (¬3). وقال ابن حجر (بعد أن ذكر حديث علي الذي رواه أبو داود): وهذا أصح الروايات، لكن الذي في السير أن الذي بارز علي هو الوليد، وهو المشهور، وهو اللائق بالمقام لأن عبيدة وشيبة كانا شيخين كعتبة وحمزة، بخلاف الوليد وعلي فكانا شابين (¬4). ولمن أراد زيادة تفصيل في هذا الأمر فليراجع كتاب مرويات غزوة بدر ومناقشة الأقوال في بيان من بارز كل واحد من الثلاثة من المشركين الثلاثة أيضًا، والأظهر والله أعلم ما جاء في حديث أبي داود عن علي كرم الله وجهه؛ لأنه أصح الروايات كما قال ابن حجر رحمه الله تعالى. 2 - أوامر القائد الأعلى بالنضح بالنبل 249 - من حديث أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: "قال لنا رسول الله ¬

_ (¬1) أخرجه ابن هشام في السيرة بإسناد حسن عن ابن إسحاق: 1/ 625 ولكنه مرسل، وفتح الباري: 7/ 298، وقد أخرجه الإمام أحمد بتحقيق أحمد شاكر: 2/ 193 من حديث علي وإسناده صحيح. * فذففا: أسرعا قتله. (¬2) أخرجه أبو داود في الجهاد باب في المبارزة رقم: 2665 وإسناده صحيح كما قال ابن حجر في فتح الباري: 7/ 298، وأحمد: 1/ 117، وأخرجه الحاكم: 3/ 187 - 188، عن ابن عباس وسنده حسن وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (¬3) فتح الباري: 7/ 298. (¬4) فتح الباري: 7/ 298.

3 - وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى

- صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: (إذا أكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم) " (¬1). وفي رواية أبي داود زيادة (إذا اكثبوكم فارموهم بالنبل، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم" (¬2). 3 - وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى 250 - من حديث ابن عباس قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي: (ناولني كفًّا من حصى) فناوله، فرمى بها وجوه القوم، فما بقى أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء، فنزلت {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} (¬3). 251 - ومن حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: "لما كان يوم بدر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ كفًّا من الحصى، فاستقبلنا به فرمى بها وقال: (شاهت الوجوه) فانهزمنا فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} (¬4). 4 - مشاهد وأحداث من المعركة أ - عمير بن الحمام والتمرات: 252 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " ... فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لا يقدمَنَّ أحد منكم إلى شيء، حتى أكون أنا دونه) فدنا المشركون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض). قال: يقول عمير ابن الحمام الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: "نعم" قال: بخ بخ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما يحملك على قولك بخ بخ؟) قال: لا. والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب من شهد بدرًا رقم: 3984، 3985 أحمد انظر الفتح الرباني: 21/ 42 والبيهقي في الدلائل: 3/ 70. (¬2) أخرجه أبو داود في السنن طبعة الساعاتي: 2/ 48 وسكت عنه المنذري والإسناد ضعيف والله أعلم، وفي إسناده إسحاق بن نجيح قال في التقريب: 1/ 61، مجهول، ومالك بن حمزة بن أبي أسيد: التقريب: 2/ 224، مقبول، ولكنه أخرجه بإسناده آخر وهو سند حسن في نفس الصفحة. (¬3) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 84 رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح انظر الطبراني: 11750. (¬4) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 84 رواه الطبراني وسنده حسن، انظر الطبراني في الكبير: 3127، 3128، ورواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع البحرين: 237.

ب - مصرع أبي جهل لعنه الله

أهلها، قال: (فإنك من أهلها) فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل" (¬1). ب - مصرع أبي جهل لعنه الله: 253 - من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: قال: "بينما أنا واقف في الصف يوم بدر، نظرت عن يميني وشمالي، فهذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده، حتى يموت الأعجل منا. قال: فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال مثلها. قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه، فقال: (أيكما قتله؟) فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: (هل مسحتما سيفيكما؟) قالا: لا: فنظر في السيفين فقال: (كلاكما قتله)، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح. والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء" (¬2). 254 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: (من ينظر ما صنع أبو جهل؟) فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضرباه! أبناء عفراء حتى برد، فأخذ بلحيته فقال: أنت أبو جهل، قال: وهل فوق رجل قتله قومه أو قال: قتلتموه" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد: رقم: 1901، أحمد في المسند: 3/ 136 - 137، والحاكم في المستدرك:3/ 426 - وابن سعد في الطبقات: 2/ 25، والبيهقي في السنن: 9/ 43. * بخ بخ: كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمة في الخير. قرنه: جعبة النشاب. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب فضل من شهد بدرًا رقم: 3988، ومسلم في الجهاد والسيرة باب استحقاق القائل سلب القتيل: 1752، الحاكم: 3/ 425 - والطبري في التاريخ: 2/ 454 - 455، والبيهقي في الدلائل: 3/ 83 - 85. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب قتل أبو جهل رقم: 3963، مسلم في الجهاد، باب قتل أبي جهل =

جـ - مصرع أمية بن خلف

255 - ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: "أدركت أبا جهل يوم بدر صريعًا، فقلت: أي عدو الله قد أخزاك الله؟ قال: وبما أخزاني: من رجل قتلتموه، ومعي سيف لي، فجعلت أضربه ولا يحتك فيه شيء، ومعه سيف له جيد، فضربت يده فوقع السيف من يده فأخذته، ثم كشفت المغفر عن رأسه فضربت عنقه، ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فقال: (الله الذي لا إله إلا هو). قلت: الله الذي لا إله إلا هو. قال: فانطلق فاستثبت فانطلقت وأنا أسعى مثل الطائر، ثم جئت وأنا أسعى مثل الطائر أضحك فأخبرته. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (انطلق) فانطلقت معه فأريته، فلما وقف عليه - صلى الله عليه وسلم - قال: (هذا فرعون هذه الأمة) (¬1). جـ - مصرع أمية بن خلف: 256 - من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: "كاتبت أمية بن خلف كتابًا بأن يحفظني في صاغيتي (¬2) بمكة، وأحفظه في صاغيته بالمدينة، فلما ذكرت "الرحمن" قال: لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية، فكاتبته (عبد عمرو). فلما كان في يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزَه حين نام الناس، فأبصره بلال، فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار، فقال: أمية بن خلف لا نجوت إن نجا أمية، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لأشغلهم فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا -وكان رجلًا ثقيلًا ¬

_ = رقم: 1800، أبو داود في الجهاد باب خصة في السلاح يقاتل به في المعركة رقم: 2709، أحمد في المسند: 3/ 115، 129، 236. (¬1) أخرجه الهيثمي في المجمع: 6/ 79 وقال رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن وهب بن أبي كريمة وهو ثقة، قال عنه في التقريب: 2/ 216، صدوق من العاشرة فيكون الحديث حسنًا والله أعلم، وانظر الطبراني من حديث: 8468 - 8476، والبيهقي في الدلائل: 2/ 261 - 262، والبزار كلما في الكشف: 1/ 288 - أحمد كما في الفتح الرباني: 21/ 38. (¬2) الصاغية: صاغية الرجل: ما يميل إليه، ويطلق على الأهل والمال.

د - مصرع عبيد بن سعيد بن العاص على يد الزبير

- فلما أدركونا قلت له: ابرك، فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فتجللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه، وكان عبد الرحمن ابن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه" (¬1). 257 - ومن حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: "كان أمية بن خلف لي صديقًا بمكة، وكان اسمي عبد عمرو فتسميت حين أسلمت عبد الرحمن، ونحن بمكة، فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول: يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماك أبوك؟ قال: فأقول: نعم. قال: فإني لا أعرف الرحمن، فاجعل بيني وبينك شيئًا أدعوك به، أما أنت فلا تجبني باسمك الأول، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف!. قال: وكان إذا دعاني يا عبد عمرو لم أجبه، قال: فقلت: يا أبا علي اجعل ما شئت، قال: فأنت عبد الإله، قال: قلت نعم. قال: فكنت إذا مررت به قال: يا عبد الإله فأجبته فأتحدث معه، حتى إذا كان يوم بدر، مررت به وهو واقف مع ابنه علي، وهو آخذ بيده قال: ومعي أدراع لي قد استلبتها، فأنا أحملها، فلما رآني قال: يا عبد عمرو فلم أجبه، فقال: يا عبد الإله، فقلت: نعم، قال: هل لك فيَّ فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك؟ قال: قلت: نعم ها الله؟ قال: فطرحت الأدراع من يدي، وأخذت بيده وبيد ابنه وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن؟ ثم خرجت أمشي بهما. قال ابن هشام: يريد باللبن أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن" (¬2). د - مصرع عبيد بن سعيد بن العاص على يد الزبير: 258 - من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: "لقيت يوم بدر عبيد ابن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه، وهو يكنى أبا ذات ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب الوكالة باب إذا وكل المسلم حربيًّا في دار الحرب رقم: 2301، فتح الباري: 4/ 480، ابن هشام في السيرة، 1/ 632، بإسناد حسن والطبري في التاريخ: 2/ 451 - 453، مسلم برقم:1752. (¬2) السيرة النبوية ابن هشام: 1/ 631، وسنده صحيح وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث.

هـ - استشهاد حارثة بن سراقة

الكرش، فقال: أنا أبو ذات الكرش، فحملت عليه فطعنته في عينه فمات". قال هشام، فأخبرت أن الزبير قال: "لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطأت فكان الجهد أن نزعتها وقد انثنى طرفاها". قال عروة: "فسأله إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاه، فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها، ثم طلبها أبو بكر فأعطاه، فلما قبض أبو بكر سأله إياها عمر فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها، ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها، فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي، فطلبها عبد الله بن الزبير، فكانت عنده حتى قتل" (¬1). هـ - استشهاد حارثة بن سراقة: 259 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع؟. فقال: (ويحك -أوهبلت- أوجنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس) (¬2). و- عوف بن الحارث وسؤاله: ما يضحك الرب من عبده: 260 - قال ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة: "أن عوف بن مالك وهو الحارث بن عفراء، قال: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده؟ قال: (غمسه يده في العدو حاسرًا)، فنزع درعًا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل" (¬3). ز - شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم: 261 - من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "قال: لقد رأيتنا يوم بدر، ونحن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أقربنا من العدو، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه في المغازي باب شهود الملائكة بدرًا حديث رقم: 3998. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب فضل من شهد بدرًا حديث رقم: 3982. (¬3) أخرجه ابن هشام في السيرة: 1/ 627 - 628 والبيهقي في السنن: 6/ 99 - 100، الطبري في التاريخ: 2/ 448 - 449 من طريق ابن إسحاق وصرح ابن إسحاق بالتحديث فسنده حسن ولكنه مرسل.

حـ - مشاركة الملائكة يوم بدر

وكان من أشد الناس يومئذ بأسًا" (¬1). 262 - ومن حديث أنس رضي الله عنه قال: "فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يقومن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه ...) فذكر الحديث وفيه قصة عمير بن الحمام (¬2). حـ - مشاركة الملائكة يوم بدر: 263 - من حديث ابن عباس قال: "بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم. فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيًا، فنظر إليه فهذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة) (¬3). 264 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر: (هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب) (¬4). 265 - من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: "فجاء رجل من الأنصار قصير بالعباس بن عبد المطلب أسيرًا، فقال العباس: يا رسول الله إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهًا على فرس أبلق ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله فقال: (اسكت فقد أيدك الله بملك كريم) (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 86، وأبو الشيخ في أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -: ص: 57، من طريق وكيع حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب به، وهذا إسناد صحيح فقد صحح الشيخان رواية إسرائيل عن جده، وانظر مجمع الزوائد: 9/ 12، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند: 2/ 228، ويشهد له حديث البراء عند مسلم: 1776، الجهاد باب في غزوة حنين. (¬2) انظر تخريج الحديث: 252، فإنه قطعة منه. * خطم: الخطم الأثر على الأنف. حيزوم: اسم الفرس الذي يركبه الملك. (¬3) أخرجه مسلم في الجهاد باب الإمداد بالملائكة من حديث عمر الذي حدثه ابن عمر رقم: 1763. انظر شرح مسلم للنووي: 12/ 85 - 86. (¬4) رواه البخاري في المغازي باب فضل من شهد بدرًا رقم: 3995. (¬5) تقدم تخريجه حديث رقم: 248.

ط - قتال سعد بن أبي وقاص

266 - ومن حديث أبي داود المازني: قال: "إني لأتبع رجلًا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قتله غيري" (¬1). 267 - ومن حديث البراء قال: "جاء رجل من الأنصار بالعباس قد أسره، فقال العباس، يا رسول الله ليس هذا من أسرني، أسرني رجل في القوم أنزع من هيئته كذا وكذا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قد آزرك الله بملك كريم) (¬2). 268 - ومن حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: "قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولأبي بكر يوم بدر (مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في الصف) (¬3). قال الحافظ في الفتح: "قال الشيخ تقي الدين السبكي: "سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه؟ فقلت: وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي وأصحابه، وتكون الملائكة مددًا على عادة مدد الجيوش، رعاية لصورة الأسباب وسنتها التي أجراها الله تعالى في عباده، والله تعالى هو فاعل الجميع والله أعلم" (¬4). ط - قتال سعد بن أبي وقاص: 269 - من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كان سعد يقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر، قتال الفارس والراجل" (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن هشام: 1/ 633، وأحمد في المسند: 5/ 450 من طريق ابن إسحاق حدثني أبي إسحاق بن يسار عن رجال من بني مازن عن أبي داود المازني وسنده حسن -والبيهقي في الدلائل: 3/ 56، والطبري في التاريخ: 2/ 451. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 6/ 83، رواه أحمد وفيه رجل لم يسم. (¬2) قال الهيثمي: 6/ 85، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (¬3) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 82، رواه أحمد بنحوه والبزار واللفظ له ورجالهما رجال الصحيح، ورواه أبو يعلى" كشف الأستار رقم: 1467، 1762، أحمد: 1/ 147، أبو يعلى رقم: 340، الحاكم: 3/ 134، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والحديت بإسناده صحيح. (¬4) فتح الباري: 7/ 313، في التعليق على حديث رقم: 3995. (¬5) كشف الأستار: 1768 - 1769، وكان الهيثمي في المجمع: 6/ 82، رواه البزار بإسنادين أحدهما متصل والآخر مرسل ورجالهما ثقات.

ك - شدة بأس علي بن أبي طالب يوم بدر

ك - شدة بأس علي بن أبي طالب يوم بدر: 270 - من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: "كنت على بئر فكنت يوم بدر أميح وأمتح منه، فجاءت ريح شديدة، ثم جاءت ريح شديدة، فلم أر ريحًا أشد منها إلا التي كانت قبلها، ثم جاءت ريح شديدة، فكانت الأولى ميكائيل في ألف من الملائكة عن يمين النبي - صلى الله عليه وسلم -، والثانية إسرافيل في ألف من الملائكة عن يسار النبي - صلى الله عليه وسلم -، والثالثة جبريل في ألف من الملائكة، وكان أبو بكر عن يمينه، وكنت عن يساره، فلما هزم الله الكفار حملني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فرسه، فلما استويت عليه حمل لي، فصرت على عنقه فدعوت الله فثبتني عليه، فطعنت برمحي حتى بلغ الدم إبطي" (¬1). ل - الريح العقيم التي أرسلت على المشركين يوم بدر: 271 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أخذتهم ريح عقيم يوم بدر" (¬2). م - قذف قتلى أئمة الكفر في القليب: 272 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، عن أبي طلحة رضي الله عنه: "أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش، فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث: أمر براحلته فشدت عليها رحلها، ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفى الركي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: (يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا). قال: فقال: عمر يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها. فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول ¬

_ * متح الدلو جذبها متسقيا لها. (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 77، رواه أبو يعلى ورجاله ثقات. (¬2) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 78 رواه البزار ورجاله ثقات، وانظر كشف الأستار رقم: 1782.

منهم). قال قتادة: "أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخًا وتصغيرًا ونقيمة وحسرة وندمًا" (¬1). 273 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - على قليب بدر فقال: (هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟) ثم قال: (إنهم الآن يسمعون)، فذكر لعائشة، فقالت: إنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق). ثم قرأت {إنك لا تسمع الموتى} حتى قرأتْ الآية .. (¬2). 274 - ومن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك قتلى بدر ثلاثًا، ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال: (يا أبا جهل بن هشام! يا أمية بن خلف! يا عتبة بن ربيعة! يا شيبة بن ربيعة! أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًّا) فسمع عمر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله كيف يسمعوا وأنَّى يجيبوا وقد جيفوا قال: (والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا) ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدرًا" (¬3). ولمن أراد التوسع في هذه المسألة والآراء المعروضة فيها فليراجع فتح الباري وأقوال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في تعليقه على حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق وقول ابن كثير رحمه الله في التفسير: (3/ 438) فإن في ذلك فائدة جيدة والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب قتل أبي جهل حديث رقم: 3976، مسلم في الجنة باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه رقم: 2874 - 2875، والنسائي: 4/ 109 - 110، وأحمد في المسند: 3/ 104 - 182 من طريق حميد به. الركى: البئر. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب قتل أبي جهل حديث رقم: 3980 - 3981، النسائي: 4/ 111، أحمد في المسند: 2/ 131، ورجال أحمد رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 91. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها رقم: 2874، وأحمد في المسند: 3/ 287. * جيفوا: أنتنوا وصاروا جيفًا.

ن - أسرى بني عبد المطلب وخروجهم كرها

ن - أسرى بني عبد المطلب وخروجهم كرهًا: 274 - من حديث علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: (إن استطعتم أن تأسروا من بني عبد المطلب فإنهم خرجوا كرهًا) (¬1). س - إقامة الرسول - عليه السلام - في بدر ثلاثًا: وقد ثبت في الصحيح أنه مكث ثلاثة أيام في بدر. من حديث أنس رقم: 272، وهو في الصحيح" أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال .. ". 275 - ومن حديث أبي طلحة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ظهر على قوم أقام بعرصتهم ثلاثًا" (¬2). ع - عدد القتلى من المشركين والشهداء من المسلمين: 276 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرماة يوم أحد عبد الله بن جبير، فأصابوا منا سبعين، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسيرًا وسبعين قتيلًا، قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال" (¬3). 277 - من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إن الثمانية عشر الذين قتلوا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر جعل الله أرواحهم في الجنة في طير خضر تسرح في الجنة، فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم اطلاعة فقال: يا عبادي ماذا تشتهون؟، فقالوا: يا ربنا هل فوق هذا شيء؟ قال: فيقول: عبادي ماذا تشتهون؟، فيقولون في الرابعة: ترد أرواحنا في أجسادنا فنقتل كما قتلنا" (¬4). ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه رقم: 248. (¬2) أخرجه الترمذي في السير باب في البيات والغارات وقال حسن صحيح رقم: 1551. (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه في المغازي باب: حديث رقم: 3986. (¬4) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 90، رواه الطبراني ورجاله ثقات، وانظر الطبراني في الكبير: 10466.

المبحث الرابع: أحداث ما بعد المعركة

المبحث الرابع: أحداث ما بعد المعركة 1 - الغنائم: 278 - من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فشهدت معه بدرًا، فالتقى الناس فهزم الله تبارك وتعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، فأكبت طائفة على المعسكر يحوونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق بها منا، نفينا العدو وهزمناهم، وقال الذي أحدقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لستم بأحق بها منا، نحن أحدقنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخفنا أن يصيب العدو منه غرة واشتغلنا به فنزلت {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا وأصلحوا ذات بينكم} فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وفاق بين المسلمين" (¬1). 279 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أتى مكان كذا وكذا فله كذا وكذا، أو فعل كذا وكذا فله كذا وكذا)، فتسارع إليه الشبان وبقي الشيوخ عند الرايات فلما فتح الله عليهم، جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا فأنزل الله تعالى {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 324، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 92 رجاله ثقات، وفي: 7/ 26، قال رجال الطريقين ثقات وابن حبان رقم: 1693، موارد، وابن جرير في التفسير: 9/ 172، والحاكم: 2/ 326،136،135، وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي في الموضعين، والبيهقي في السنن: 6/ 292، وهذا لفظ أحمد. وقال الساعاتي: 14/ 73، قال الترمذي هذا حديث صحيح، ثم قال: وأورده الهيثمي وقال رجال أحمد ثقات، ورواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه أبو داود في السنن الجهاد باب في النفل رقم: 2737، وابن حبان في الموارد رقم: 1743، والحاكم في المستدرك: 2/ 132، 221، 326، وصححه في المواضع الثلاث ووافقه الذهبي، وابن جرير: 13/ 367،368، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه الكتاب، والبيهقي: 6/ 315 وابن كثير في التفسير: 2/ 284، وزاد نسبته إلى النسائي وابن مردويه.

2 - الاختلاف في الأسرى

280 - ومن حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: لما كان يوم بدر جئت بسيف فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قد شفى صدري من المشركين أو نحو هذا، هب لي هذا السيف فقال: (هذا ليس لي ولا لك)، فقلت: عسى أن يعطى هذا من لم يبلي بلائي، فجاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (إنك سألتنى وليس لي، وإنه قد صار لي وهو لك) قال: فنزلت {يسألونك عن الأنفال} الآية (¬1). 281 - ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما كان يوم بدر تعجل الناس إلى الغنائم فأصابوها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الغنيمة لا تحل لأحد سود الرؤوس غيركم) وكان النبي وأصحابه إذا غنموا غنيمة جمعوها ونزلت نار فأكلتها، فأنزل الله هذه الآية {لولا كتاب من الله سبق} إلى آخر الآيتين" (¬2). 2 - الاختلاف في الأسرى: 282 - من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما قال: فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين قال أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا بكر وعلي وعمر ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: لا والله، يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب الأنفال رقم: 1748، وأبو داود الطيالسي في مسنده: 1/ 238 - 239 رقم: 2066، والحاكم: 2/ 132، وصححه ووافقه الذهبي، وأحمد في المسند: 1/ 181، 186، وأبو نعيم: 8/ 312، والبيهقي: 6/ 229. (¬2) أخرجه الترمذي في التفسير تفسير سورة الأنفال رقم: 3085، وقال حديث حسن صحيح غريب، وأبو داود الطيالسي في مسنده: 2/ 19، وابن حبان في الموارد:1668، والبيهقي: 6/ 290 وهو كما قال الترمذي.

3 - زيد يحمل بشارة النصر إلى المدينة المنورة

(نسيبًا لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت. فلما كان من الغد جئت فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر قاعدان يبكيان. قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما". فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة) - شجرة قريبة من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عزَّ وجلَّ {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} إلى قوله: {فكلوا مما غنمتم حلالًا طيبًا} فأحل الله الغنيمة لهم" (¬1). 283 - ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسارى أبا بكر فقال: قومك وعشيرتك فخل سبيلهم، فاستشار عمر فقال: اقتلهم، قال: ففداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله عزَّ وجلَّ {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} إلى قوله: {فكلوا مما غنمتم حلالًا طيبًا}، قال: فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر قال: (كاد أن يصيبنا بلاء في خلافك) (¬2). 284 - وقد جاء من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بإسناد صحيح ببعض زيادة في وصف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما الذي وصفهما به رسول الله فمن أحب الزيادة فلينظر الحديث في مكانه (¬3). 3 - زيد يحمل بشارة النصر إلى المدينة المنورة: 285 - من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلف ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في الصحيح كتاب الجهاد والسيرة باب الإمداد بالملائكة حديث رقم: 1763، أحمد في المسند: 1/ 30 - 31، والطبري في التفسير: 10/ 44. (¬2) أخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 329، وقال الحاكم حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي قلت: على شرط مسلم. (¬3) أخرجه الترمذي في سننه كتاب الجهاد باب في المسؤرة: 4/ 213، وفي تفسير سورة الأنفال رقم: 3084، 5/ 271، وفي مسند أحمد: 1/ 383، والحاكم في المستدرك: 3/ 22، وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال ابن حجر في الإصابة: 2/ 91 معلقًا عليه: رواه الطبراني بإسناد صحيح عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود، وسبب إرساله أن ابا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه. وقال شاكر بإسناده منقطع: 5/ 229، حديث رقم: 3634.

4 - قتل عقبة بن أبي معيط في الطريق إلى المدينة

عثمان بن عفان، وأسامة بن زيد على بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء زيد بن حارثة على العضباء ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبشارة قال أسامة: فسمعت الهيعة، فخرجت فهذا زيد قد جاء بالبشارة، فوالله ما صدقت حتى رأينا الأسارى وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان سهمه" (¬1). 286 - ومن حديث عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة رضي الله عنهما: قال: "قدم بالأسارى حين قدم بهم المدينة، وسودة بنت زمعة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء، وذلك قبل أن يضرب الحجاب. قالت سودة: فوالله إني لعندهم إذ أتينا، فقيل هؤلاء الأسارى قد أتى بهم، فرجعت إلى بيتي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، فإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة ويداه مجموعتان إلى عنقه بحبل، فوالله ما ملكت حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت: "أبا يزيد أعطيتم بأيدكم ألا مِتم كرامًا". فما انتبهت إلا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البيت: (يا سودة على الله وعلى رسوله)، فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما ملكت حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه بالحبل أن قلت ما قلت" (¬2). 4 - قتل عقبة بن أبي معيط في الطريق إلى المدينة: 287 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فأدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسارى بدر، وكان فداء كل رجل منهم أربعة آلاف، وقتل عقبة بن أبي معيط قبل الفداء قام إليه علي بن أبي طالب فقتله صبرًا، قال: من للصبية يا رسول الله؟ قال: (النار) (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي: 9/ 174، بسند صحيح، والحاكم في المستدرك: 3/ 217، 218، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي، والبيهقي في الدلائل: 3/ 130 - 131، والطبري في التاريخ: 2/ 458، وقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 14/ 368، مرسلًا عن عروة، والحاكم: 3/ 48، عن الزهري مرسلًا، وانظر السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 642. * الهيعة: الصوت الذي تفرع منه وتخاف. (¬2) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 22، وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وابن جرير في التاريخ: 2/ 460، وابن هشام في السيرة: 1/ 645، وسنده صحيح. (¬3) أخرجه الهيثمي في المجمع: 6/ 89 وقال رواه الطبراني في الكبير: 12152 ورجاله رجال الصحيح وانظر عبد الرزاق في المصنف: 9394.

5 - كيف تلقت قريش نبأ الهزيمة

288 - وعن مسروق أنه قال: -لابن أبي معيط- حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وكان غير كذاب: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بعنق أبيك أن تضرب صبرًا، ثم مر به فقال: من للصبية بعدي؟ قال: (لهم النار)، حسبك ما رضي لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). 5 - كيف تلقت قريش نبأ الهزيمة: 289 - وقال ابن إسحاق رحمه الله قال: وكان أول من قدم بمكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعي فقالوا له: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية ابن خلف، وزمعة بن الأسود، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وأبو البحتري بن هشام، فلما جعل يعدد أشراف قريش قال صفوان بن أمية: والله إن يعقل هذا فسلوه علي؟ فقالوا: ما فعل صفوان بن أمية؟ قال: هو ذاك جالس في الحجر، قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا" (¬2). 6 - عمير يريد قتل الرسول فيكشف الرسول سرّه فيسلم: 290 - من حديث عروة بن الزبير مرسلًا قال: "جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية في الحجر، بعد مصاب أهل بدر بيسير وكان عمير ابن وهب شيطانًا من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ويلقون منه عناء وهو بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر، فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: "والله إن في العيش بعدهم خير". قال له عمير: صدقت، أما والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه وعيال ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في سنة الجهاد باب في قبل الأسير صبرًا رقم: 2686، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 59 رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. وسند أبي داود حسن. (¬2) إن كان أخرجه ابن إسحاق بسنده الصحيح الوارد في بداية غزوة بدر فالحادثة صحيحة والله أعلم وإلا فالحادثة بلا سند انظر سنده (ابن هشام في السيرة: 1/ 606).

أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي فيهم علة ابني أسير في أيديهم. قال: فاغتنمها صفوان بن أمية فقال: عليَّ دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم، فقال له عمير: فاكتم علي شأني وشأنك. قال: سأفعل. قال: ثم أمر عمير سيفه، فشُحذ وسم، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، وما أراهم في عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب وقد أناخ راحلته على باب المسجد متوشحًا سيفه، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، ما جاء إلا لشرّ وهو الذي حرش بيننا، وحزرنا للقوم يوم بدر. ثم دخل عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحًا سيفه. قال: فأدخله علي، قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها، وقال لمن كان معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون. ثم دخل به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: (أرسله يا عمر، ادن يا عمير). فدنا ثم قال: انعموا صباحًا، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم، فقال رسول الله (قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة). فقال: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد. قال: (فما جاء بك يا عمير؟) قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه. قال: (فما بال السيف في عنقك؟) قال: قبحها الله من سيوف! وهل أغنت عنا شيئًا؟

7 - عمليات الافتداء للأسرى

قال: (اصدقني، ما الذي جئت له؟) قال: ما جئت إلا لذلك. قال: (بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين عليَّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدًا، فتحمل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك، على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك). قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فقهوا أخاكم في دينه، وعلموه القرآن، وأطلقوا أسيره ففعلوا). ثم قال: يا رسول الله، إني كنت جاهدًا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله -عزَّ وجلَّ-، وأنا أحب أن تأذن لي، فأقدم مكة، فأدعوهم إلى الله، وإلى رسوله، وإلى الإِسلام، لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم. قال: فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلحق بمكة. وكان صفوان بن أمية حين خرج عمير بن وهب، يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام، تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكب فأخبره بإسلامه، فحلف أن لا يكلمه أبدًا، ولا ينفعه بنفع أبدًا" (¬1). 7 - عمليات الافتداء للأسرى: 291 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فأدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسارى بدر، وكان فداء كل رجل منهم أربعة آلاف" (¬2). ¬

_ (¬1) ابن هشام في السيرة: 1/ 661 - 663 عن ابن إسحاق بسند صحيح مرسلًا، وقال ابن حجر في الإصابة: 3/ 36 قال موسي بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب مرسلًا وذكر قصة عمير، وقد أخرجه ابن منده من وجه آخر موصولًا، من طريق أبي الأزهر عن عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني عن أنس أو غيره وإسناد ابن مندة ظاهره أنه حسن. (¬2) مجمع الزوائد: 6/ 90، وقال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح.

8 - أبو العاص بن الربيع وعفو الرسول عنه وإطلاقه

292 - من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "كانت قريش ناحت قتلاها ثم ندمت، وقالوا: لا تنوحوا عليهم، فيبلغ ذلك محمدًا وأصحابه فيشمتوا بكم، وكان في الأسرى أبو وداعة بن صبرة السهمي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن له بمكة ابنًا تاجرًا كيسا، ذا مال، كأنكم قد جاءكم في فداء أبيه) فلما قالت قريش في الفداء ما قالت: قال المطلب: صدقتم والله لئن صدقتم ليثاربن عليكم، ثم انسل في الليل، فقدم المدينة ففدى أباه بأربعة آلاف درهم" (¬1). 8 - أبو العاص بن الربيع وعفو الرسول عنه وإطلاقه: 293 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت لخديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها، قال: فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رق لها رقة شديدة وقال: (إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فافعلوا)، فقالوا: "نعم يا رسول الله فأطلقوه وردوا عليها الذي لها". وهذا لفظ أحمد وفي رواية أبي داود زيادة نوردها فيما يلي: "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ عليه، أو وعده، أن يخلي سبيل زينب إليه، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة ورجلًا من الأنصار فقال: (كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها) (¬2). 9 - تكليف من لا يجد فداء بتعليم أبناء المسلمين: 294 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، قال: فجاء يومًا غلام يبكي إلى أبيه فقال: ما شأنك؟ ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 90، رواه الطبراني ورجاله ثقات. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 6/ 376، وأبو داود في الجهاد باب في فداء الأسير بالمال: 2692، الحاكم في المستدرك: 3/ 336، وسكت عليه الحاكم والذهبي، وابن هشام في السيرة: 1/ 653 وسنده صحيح رجاله كلهم ثقات، وابن إسحاق صرح بالتحديث، وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 14/ 100، أخرجه ابن إسحاق في سيرته وإسناده جيد.

10 - حفظ النبي لجوار المطعم بن عدي في الأسرى

قال: ضربني معلمي". قال: الخبيث يطلب بذحل بدر والله لا تأتيه أبدًا" (¬1). 10 - حفظ النبي لجوار المطعم بن عدي في الأسرى: 295 - من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأسارى بدر: (لو كان مطعم بن عدي حيًّا، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له) (¬2). 11 - العباس وقصته في الفداء: 296 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إنَّ رجالًا من الأنصار استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه، قال: (والله لا تذرون منه درهما) (¬3). 297 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال العباس: فيَّ نزلت: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلامي، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذت معي، فأعطاني بها عشرين عبدًا كلهم قد تاجر بمال في يده، مع ما أرجو من مغفرة الله تعالى" (¬4). 12 - منزلة من شهد بدرًا من الصحابة رضوان الله عليهم: 298 - من حديث رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال: "جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: (من أفضل المسلمين) - ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 47، تحقيق أحمد شاكر وقال: إسناده صحيح وقال البناني الفتح الرباني: لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وفي إسناده علي بن عاصم فيه كلام لكن وثقه الإمام أحمد، ذحل بدر: ثأر بدر. (¬2) أخرجه أبو داود في الجهاد باب المن على الأسير رقم: 2689، وإسناده صحيح البخاري في المغازي باب: 12 حديث رقم: 4024. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب 12، حديث رقم: 4018. (¬4) المطالب العالية: 4300 وقال ابن حجر: هذا إسناد صحيح، رواه ابن مردويه في التفسير والمسند، عن أحمد بن الحسن عن عبد الله بن محمد عن ابن إسحاق هكذا، وأخرجه الطبراني من حديث يزيد بن هارون عن ابن إسحاق، وقال البوصيري: رواه ابن راهويه بسند صحح، وابن مردويه في تفسيره، والطبراني" قلت: وأخرجه ابن جرير الطبري في التفسير: 14/ 73، تحقيق أحمد شاكر، وإسناد هذا الحديث صحيح، وقال الهيثمي في المجمع: 7/ 28، رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ورجال الأوسط رجال الصحيح، غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.

13 - أسماء من شهد بدرا من الصحابة

وكلمة نحوها- قال: (وكذلك ما شهد بدرًا من الملائكة) (¬1). 299 - من حديث علي بن أبي طالب الطويل في قصة حاطب بن بلتعة قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم) فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم" (¬2). 300 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لن يدخل النار رجل شهد بدرًا أو الحديبية) (¬3). 13 - أسماء من شهد بدرًا من الصحابة: قال الحافظ في الفتح: قلت فجملة من ذكر من أهل بدر هنا أربعة وأربعون رجلًا، وقد سبق البخاري إلى ترتيب أهل بدر على حروف المعجم وهو أضبط لاستيعاب أسمائهم، ولكنه اقتصر على ما وقع عنده منهم، واستوعبهم الحافظ ضياء الدين المقدسي في (كتاب الأحكام)، وبين اختلاف أهل السير في بعضهم اختلاف غير فاحش، وأورد ابن سيد الناس أسماءهم في (عيون الأثر)، لكن على القبائل كما صنع ابن إسحاق وغيره، واستوعب ما وقع له من ذلك فزادوا -على ثلاثمائة وثلاثة عشر- خمسين رجلًا قال: وسبب الزيادة الاختلاف في بعض الأسماء. قلت: ولولا خشية التطويل لسردت أسماءَهُم مفصلًا مبينا للراجح، لكن في هذه الإشارة كفاية والله المستعان" (¬4). قلت: وانظر أيضًا سيرة ابن كثير رحمه الله فقد أورد أسماءهم هناك (¬5). وذكرهم الهيثمي أيضًا في مجمع الزوائد: (6/ 93 - 106) وبين مواضع ذكرهم وأسانيده في ذلك مرتبًا لتلك الأسانيد من صفحة: (93 - 97) بإسناد واحد إلى ابن شهاب الزهري ورجاله رجال الصحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب شهود الملائكة بدرًا رقم: 3992. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب فضل من شهد بدرًا رقم: 3983. (¬3) أخرجه الترمذي في المناقب حديث: 3864، 5/ 697، وقال حسن صحيح، ومسلم في فضائل الصحابة، باب أهل الشجرة رقم: 2496، وابن ماجه رقم: 4281. (¬4) فتح الباري: 7/ 328 - 329 في التعليق على الباب الثالث عشر من المغازي باب تسمية من سمى من أهل بدر. (¬5) سيرة ابن كثير 2/ 489.

الفصل الثالث الأحداث ما بين بدر واحد

الفصل الثالث الأحداث ما بين بدر واحد المبحث الأول: زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفصه بنت عمر 301 - من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوفي في المدينة، فقال عمر "أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة بنت عمر، قال: فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالٍ، ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر رضي الله عنه فلم يرجع إليَّ شيئًا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان. فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال عمر: نعم، قال: فإنه لم يمنعنى أن أرجع إليك فيما عرضت علي، إلا أني كنت علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلتها" (¬1). المبحث الثاني: زواج علي وفاطمة رضوان الله عليهما 302 - من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: "كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ، فلما أردت أن أبتني بفاطمة عليها السلام بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -، واعدت رجلًا صواغًا في بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر، فأردت أن أبيعه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في النكاح باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير الحديث: 5122، فتح الباري: 9/ 175 - 176، النسائي: 2/ 75 - 76 - 77، وأحمد في المسند رقم: 74، تحقيق أحمد شاكر.

جهاز فاطمة عليها رضوان الله عليها

من الصواغين فنستعين به في وليمة عرسي، فبينما أنا أجمع لشارفيَّ من الأقتاب والغرائر والحبال، وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار حتى جمعت ما جمعت، فهذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتهما، وبقرت خواصرهما، وأخذت من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأيت المنظر قلت: من فعل هذا. قالوا: حمزة بن عبد المطلب ... " فذكر الحديث (¬1). 303 - من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. قال: (خطبت فاطمة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت مولاة لي: هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: لا، قالت: فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيزوجك. فقلت: وعندي شيء أتزوج به! فقالت: إنك إن جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجك. قال: فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أن قعدت بين يديه أفحمت، فوالله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما جاء بك؟ ألك حاجة؟) فسكت، فقال: (لعلك جئت تخطب فاطمة؟) فقلت: نعم، فقال: (وهل عندك من شيء تستحلها به؟) فقلت: لا والله يا رسول الله. فقال: (ما فعلت درع سلحتكها)؟. فوالذي نفس على بيده إنها لحطمية ما قيمتها أربعة دراهم، فقلت: عندي. فقال: (قد زوجتكها فابعث إليها بها فاستحلها بها) فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). جهاز فاطمة عليها رضوان الله عليها 304 - من حديث علي كرم الله وجهه قال: "جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب 12 حديث رقم: 4003، مسلم في أول كتاب الأشربة حديث رقم: 1979، والفتح الرباني: 31/ 45 - 47. * الشارف: الناقة. (¬2) أخرجه البيهقي في الدلائل: 3/ 160، وإسناده حسن وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، سيرة ابن كثير: 2/ 544.

المبحث الثالث: إجلاء بني قينقاع

خميل وقربة ووسادة أدم حشوها إذخر" (¬1). وقد روى البيهقي عن ابن منده في كتاب المعرفة "أن عليا تزوج فاطمة بالمدينة بعد سنة من الهجرة، وابتنى بها بعد ذلك بنحو من سنة، وولدت لعلي الحسن، والحسن، ومحسنًا، وأم كلثوم الكبرى، وزينب الكبرى (¬2). وعلق على ذلك ابن كثير رحمه الله فقال: "قلت: فعلى هذا يكون دخوله بها في أوائل السنة الثالثة من الهجرة، فظاهر سياقه حديث الشارفين يقتضي أن ذلك عقب وقعة بدر بيسير، فيكون ذلك كما ذكرناه في آخر السنة الثانية والله أعلم" (¬3). المبحث الثالث: إجلاء بني قينقاع 305 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان من حديث بني قينقاع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمعهم بسوق بني قينقاع ثم قال: يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم قالوا: يا محمد إنك ترى أنا قومك، لا يغرنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس. ثم قال ابن عباس: فأنزل هؤلاء الآيات إلا فيهم {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} (¬4) (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 14، ابن ماجه في السنن والزهد باب ضجاع آل محمد رقم: 4152، البيهقي في الدلائل: 3/ 161، والحديث إسناده صحيح. * خميل: القطيفة: الأدم: الجلد. الأذخر: خشيشة رطبة طيبة الرائحة. (¬2) أخرجه البيهقي في الدلائل: 3/ 162. (¬3) السيرة النبوية ابن كثير: 2/ 545. (¬4) آل عمران آية: 12 - 13. (¬5) أخرجه أبو داود في كتاب الخراج باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة رقم: 3001، وابن هشام في السيرة: 2/ 47، بسند ابن إسحاق، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري: 7/ 332.

المبحث الرابع: موقف عبد الله بن أبي زعيم المنافقين من أوليائه اليهود

المبحث الرابع: موقف عبد الله بن أبي زعيم المنافقين من أوليائه اليهود من طريق ابن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة: "أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحاربوا فيما بين بدر وأحد، فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا على حكمه، فقام عبد الله بن أبي ابن سلول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أمكنه الله تعالى منهم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي) فأعرض عنه، فأدخل يده في حبيب درع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أرسلني) وغضب حتى رؤي لوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظلال، فقال له: (ويحك أرسلني). فقال: والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، أي والله إني لامرؤ أخشى الدوائر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هم لك) (¬1). 306 - ومن طريق ابن إسحاق أيضًا قال: حدثني أبي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: "لما حاربت بنو قينقاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي، وقام دونهم، فمشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أحد بني عوف بن الخزرج لهم من حلفهم مثل الذي لهم من حلف عبد الله بن أبي، فخلعهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبرأ إلى الله وإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حلفهم، فقال: "يا رسول الله أتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم. ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} -إلى قوله- {فترى الذين في قلوبهم مرض} يعني عبد الله بن أبي لقوله: إني أخشى الدوائر، {يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة} -حتى بلغ قوله- {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} لقول عبادة: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا وتبريه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم إلى قوله {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} " (¬2). ¬

_ (¬1) السيرة النبوية ابن هشام: 2/ 48 وإسناده صحيح وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث ولكنه مرسل، ودلائل البيهقي: 3/ 174، الطبري في التاريخ: 2/ 480. (¬2) السيرة النبوية ابن هشام: 2/ 49 - 50، وإسناده صحيح وقد صرح بالتحديث وهو مرسل، ودلائل =

المبحث الخامس: مقتل كعب بن الأشرف

المبحث الخامس: مقتل كعب بن الأشرف 307 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله). فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: (نعم). قال: فأذن لي رسول الله أن أقول شيئًا. قال: (قل). فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، وإنه قد عنَّانا، وإني قد أتيتك أستسلفك، قال: وأيضًا والله لتملنه. قال: إنا قد اتبعناه، فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا وسقًا أو وسقين -وحدثنا عمرو غير مرة فلم يذكر (وسقا أو وسقين) فقلت له: فيه (وسقًا أو وسقين)، فقال: أرى فيه (وسقًا أو وسقين) فقال: نعم أرهنوني، قالوا: أي شيء تريد؟ قال: أرهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: أرهنوني أبناءكم، قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا، ولكنا نرهنك اللامة .. قال سفيان: يعني السلاح. فواعده أن يأتيه فجاءه ليلًا ومعه أبو نائلة -وهو أخو كعب من الرضاعة- فدعاهم إلى الحصن، فنزل إليهم فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة. وقال غير عمرو: قالت أسمع صوتًا كأنه يقطر منه الدم. قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لودعي إلى طعنة بليل لأجاب. قال: ويُدخل محمد بن مسلمة معه رجلين -قيل لسفيان: سماهم عمرو؟ قال: سمى بعضهم قال عمرو: جاء معه برجلين وقال غير عمرو: أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس، وعباد بن بشر- قال عمرو جاء معه برجلين. فقال: إذا ما جاء فإني قائل بشعره فأشمه، فهذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه، قال مرة: ثم أشِمُّكم، فنزل إليهم متوشحًا وهو ينفخ منه ريح الطيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحًا -أي أطيب - وقال غير عمرو قال: عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب. قال عمرو فقال: أتأذن لي أن أشم رأسك ¬

_ = البيهقي: 3/ 174 - 175، الآيات من: 51 - 56، سورة المائدة.

تشييع النبي للصحابة الذين ذهبوا لقتل كعب بن الأشرف

قال: نعم فشمه، ثم أشم أصحابه ثم قال: أتأذن لي؟ قال: نعم فلما استمكن منه قال: دونكم، فقتلوه، ثم أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه" (¬1). تشييع النبي للصحابة الذين ذهبوا لقتل كعب بن الأشرف: 308 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - مشى معهم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم فقال: (انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم) (¬2). وذكر في بقية الحديث كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. سبب قتله: إيذاء كعب بن الأشرف للمسلمين بهجائه لهم في شعره: 309 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، قال: "إن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرًا وكان يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحرض عليه كفار قريش في شعره، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم المشركون الذين يعبدون الأوثان، ومنهم اليهود، وهم أهل الحلقة والحصون، وهم حلفاء للحيين الأوس والخزرج، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم، وكان الرجل يكون مسلمًا وأبوه مشرك، والرجل يكون مسلمًا وأخوه مشرك. وكان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أشد الأذى، فأمر الله تعالى رسوله والمسلمن بالصبر على ذلك، والعفو عنهم، ففيهم أنزل الله جل ثناؤه {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب قتل كعب بن الأشرف رقم: 4037، فتح الباري: 7/ 336 - 337 مسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب قتل كعب بن الأشرف حديث رقم: 1801، ص: 1425 - 1426 وأبو داود في سننه كتاب الجهاد باب في العدو يؤخذ على حين غرة حديث رقم: 2768 والبيهقي في الدلائل: 3/ 195 - 196. ابن هشام في السيرة: 2/ 51 - 58، وابن كثير: 3/ 9 - 17، ابن سعد: 2/ 31 - 34. (¬2) المطالب العالية: 4312، وقال أخرجه إسحاق بن راهوية وإسناده حسن متصل، وأحمد في المسند انظر الفتح الرباني: 21/ 49، البزار كما في كشف الأستار: 2/ 330 - 331، والطبراني في الكبير: 11/ 221 برقم: 11554، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 196، رواه أحمد والبزار، والطبراني وفيه ابن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله ثقات، قلت: وحسن إسناده أيضًا الحافظ ابن حجر في الفتح: 7/ 338، وقال: وعند ابن إسحاق بسند حسن، وابن هشام في السيرة: 2/ 55 - 56، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فزال التدليس.

مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} (¬1). وفيهم أنزل الله {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (¬2). فلما أبي كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأذى المسلمين. وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ أن يبعث رهطًا ليقتلوه، فبعث إليه سعد ...). وذكر نحوًا من حديث جابر (¬3). وهكذا طويت صفحة من صفحات الغدر، ممثلة في هذا اليهودي الخبيث، وارتاح المسلمون من عدو من ألد أعدائهم، وأشدهم تحريضًا على الإِسلام وأهله. ¬

_ (¬1) الآية الكريمة: 186 من سورة آل عمران. (¬2) الآية الكريمة: 109 من سورة البقرة. (¬3) أخرجه أبو داود في الخراج والإمارة والفيء (3000)، والهيثمي في المجمع: 6/ 195 - 196، وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، فتح الباري: 7/ 337، وعزاه إلى أبي داود والترمذي.

الفصل الرابع غزوة أحد

الفصل الرابع غزوة أُحد المبحث الأول: أحداث ما قبل المعركة 1 - تاريخ الغزوة: 310 - من طريق محمَّد بن إسحاق قال: (وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة حين صلى الجمعة، فأصبح بالشعب من أحد، فالتقوا يوم السبت في النصف من شوال" (¬1). 2 - مشاورة النبي للصحابة للخروج وإخبارهم عن رؤياه: 311 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرًا منحرة، فأولت أن الدرع الحصينة المدينة، وأن البقر هو الله خير) قال: فقال لأصحابه: (لو أنا أقمنا بالمدينة فإن دخلوا علينا فيها قاتلناهم؟ فقالوا: يا رسول الله، والله ما دخل علينا فيها في الجاهلية، فكيف يدخل علينا فيها في الإِسلام؟ قال عفان في حديثه: فقال: (شأنكم إذًا)، قال: فلبس لأمته قال: فقالت الأنصار رددنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءوا فقالوا: يا نبي الله شأنك إذًا فقال: (إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل) (¬2). 312 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "تنفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، فقال: (رأيت في سيفي ذي الفقار فلًا، فأولته فلًا يكون فيكم "أي انهزامًا" ورأيت أني مردف ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 124، رواه الطبراني ورجاله ثقات. * البقر المذبوحة: يعني استشهاد أصحابه - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 351، الدارمي: 2/ 129 - 130، وعلق البخاري بعضه فتح الباري: 13/ 284، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 107، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وقد جاء من مرسل عروة عند عبد الرزاق في المصنف:5/ 364 ومن مرسل الزهري وموسى بن عقبة في دلائل النبوة للبيهقي: 3/ 208. * ذا الفقار: سمي بذلك لأنه كانت فيه حفر حسان صغار، والسيف المفقر الذي فيه حزوز مطمئنة عن متنه. الفل: الثلم في السيف.

3 - مظاهرة النبي بين درعين وأخذه بالأسباب

كبشًا، فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة، فأولتها المدينة، ورأيت بقرًا تذبح، فَبَقرٌ والله خير، فَبَقرٌ والله خير) فكان الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). 313 - ومن حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (رأيت في رؤياي أني هززت سيفًا فانقطع صدره، فهذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء به الله من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرًا والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد) (¬2). 3 - مظاهرة النبي بين درعين وأخذه بالأسباب: 314 - من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد أخذ درعين كأنه ظاهر بينهما" (¬3). 315 - ومن حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ذهب لينهض إلى الصخرة وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ظاهر بين درعين فلم يستطع أن ينهض ... وذكر الحديث" (¬4). 316 - وقد جاء أيضًا من طريق رجل من بني تيم يقال له معاذ: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهر يوم أحد بين درعين" (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي كتاب السير في النفل ضمن حديث رقم: 1561، وقال حديث حسن غريب، وابن ماجه في الجهاد باب السلاح رقم: 2808، وأحمد في المسند: 1/ 271، والحاكم: 28/ 128 - 221 وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي كما في البداية والنهاية: 4/ 11، بسند حسن، وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 17/ 221: وسنده صحيح. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب من قتل من المسلمين يوم أحد حديث رقم: 4081، ومسلم في كتاب الرؤيا باب رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 2272، وابن ماجه في سننه كتاب تعبير الرؤيا باب تعبير الرؤيا حديث رقم: 3921، وقد أورده البخاري مقطعًا أيضًا: في كتاب المناقب -باب علامات النبوة، والتعبير باب إذا رأى بقرًا تنحر، وأخرجه الدارمي: 2/ 129، كتاب الرؤيا باب رؤية الرب، والبيهقي في الدلائل: 3/ 203. * ظاهر: لبسهما فوق بعضهما. (¬3) أخرجه أبو داود في الجهاد باب لبس الدرع رقم: 2590، وابن ماجه في الجهاد باب في السلاح رقم: 2806 وقال البوصيري في الزوائد وإسناده صحيح على شرط البخاري، قلت: ورجال ابن ماجه كلهم ثقات. (¬4) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 25، وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والبيهقي في سننه: 9/ 46. (¬5) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 108، رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.

4 - رجوع المنافقين وانخذالهم من أول الطريق

4 - رجوع المنافقين وانخذالهم من أول الطريق: 317 - من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة أحد رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرقتين، فرقة تقول نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم. فنزلت {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} وقال: (إنها طيْبَةٌ تنفي الذنوب، كما تنفي النار خبث الفضة) (¬1). 318 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نزلت هذه الآية فينا {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} (¬2) بني سلمة وبني حارثة وما أحب أنها لم تنزل والله يقول {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} " (¬3). 319 - وقد جاء من طريق ابن إسحاق قال: حدثني الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة، وحصين بن عبد الرحمن ... فذكر حديث الرؤيا حتى قال: "حتى خرج في ألف من أصحابه حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد، انخذل عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس وقال: أطاعهم وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس! فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام يقول: "يا قوم، أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عند من حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال، قال: فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف: قال: أبعدكم الله، أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه" (¬4). 5 - إعادة الكتيبة اليهودية التي خرجت لمساعدة المسلمين: 320 - من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد حتى إذا خلف ثنية الوداع نظر وراءه فإذا كتيبة خشناء (¬5) (قال: من ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازى باب غزوة أحد رقم: 4050، ومسلم في صحيحه كتاب صفات المنافقين وأحكامهم حديث رقم: 2776، والترمذي: 4/ 89، وقال حسن صحيح، وأحمد: 5/ 184 - 187. (¬2) سورة آل عمران: 22. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا رقم: 4051، مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل الأنصار رقم: 2505. (¬4) ابن هشام: 2/ 60 - 64 وسنده حسن وهو مرسل. (¬5) خشناء كثيرة السلاح خشنة.

6 - التنافس في الخروج بين صغار الشباب

هذا؟ قال: هو عبد الله بن أبي بن سلول في مواليه من اليهود من بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام فقال: أوقد أسلموا؟ فقال: إنهم على دينهم قال: قل لهم فليرجعوا، فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) (¬1). 6 - التنافس في الخروج بين صغار الشباب: استعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشباب يوم خروجه إلى أحد، فرد من استصغره منهم مثل ابن عمر والبراء وغيرهما، وأجاز من رآه مطيقًا منهم مثل رافع بن خديج وسمرة ابن جندب، وقيل إنما أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجاز لإطاقته، ورد من رد لعدم إطاقته، والصحيح أنه أجاز من أجاز لبلوغه بالسن خمس عشرة سنة، ورد من رد لصغره عن سن البلوغ. 321 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرضني يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشرة سنة فأجازني" (¬2). 7 - وضع الرماة على الجبل: 322 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - جيشًا من الرماة، وأمر عليهم عبد الله وقال: (لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا)، فلما لقينا هربوا، حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن، فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة فقال: عبد الله عهد إليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا تبرحوا، فأبوا، فلما أبوا صرف وجوههم ... فذكر الحديث" وسيأتي بقيته في مواطن أخرى يشار إليها هناك. وقد جاء في لفظ أبي داود عنه "جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الرماة يوم أحد -وكانوا خمسين رجلًا- عبد الله بن جبير قال: ووضعهم موضعًا، وقال: (إن ¬

_ (¬1) المطالب العالية: 4319، وعزاء الحافظ ابن حجر لإسحاق بن راهويه وحسن إسناده، وقال البوصيري: رواه إسحاق بإسناد حسن. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4097، مسلم في الإمارة باب بيان سن البلوغ رقم: 1868، أبو داود في سننه رقم: 2957، 4406، الترمذي رقم: 1711، 1361، ابن ماجه رقم: 2543، النسائي: 6/ 155 - 156، أحمد في المسند: 2/ 17، الطحاوي في شرح معاني الآثار: 2/ 125.

8 - من يأخذ هذا السيف بحقه

رأيتمونا تخطفنا الطير، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم) (¬1). 8 - من يأخذ هذا السيف بحقه: 323 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ سيفًا يوم أحد، فقال: (من يأخذ مني هذا السيف بحقه؟) فبسطوا أيديهم كل إنسان فيهم يقول: أنا أنا، فقال: (من يأخذه بحقه؟) فأحجم القوم فقال له سماك أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، قال فأخذه ففلق به هام المشركين" (¬2). 324 - وقد جاء من حديث الزبير رضي الله عنه قال: عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيفًا يوم أحد فقال: (من يأخذ هذا السيف بحقه؟) فقمت فقلت: أنا يا رسول الله، فأعرض عني، ثم قال: (من يأخذ هذا السيف بحقه؟) فقمت فقلت: أنا يا رسول الله فأعرض عني ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقه، فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه؟ قال: (ألا تقتل به مسلمًا ولا تغربه عن كافر)، قال: فدفعه إليه وكان إذا أراد القتال أعلمَ بعصابة، قال: "لأنظرن إليه اليوم كيف يصنع، قال: فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه وأفراه، حتى انتهى إلى نسوة في سفح جبل معهن دفوف لهن، فيهن امرأة وهي تقول: نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق إن تقبلوا نعانق ... ونبسط النمارق إن تدبروا نفارق ... فراق غير وامق قال: فأهوى بالسيف إلى امرأة ليضربها، ثم كف عنها، فلما انكشف القتال قلت له: كل عملك قد رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة، ثم لم تضربها، قال: أي والله أكرمت سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقتل به امرأة" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي غزوة أحد رقم: 4043، أحمد: 4/ 293 - 294، وأبو داود في الجهاد في الكمناء رقم: 2662، والبيهقي في الدلائل: 2293 - 230 وقد جاء نحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند أحمد: 1/ 287 - 288، والحاكم: 2/ 296، 297، وصححه ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل أبي دجانة حديث رقم: 2470، أحمد في المسند: 3/ 123 والحاكم في المستدرك: 3/ 230، وابن سعد في الطبقات: 3/ 556، والبيهقي في الدلائل: 3/ 232 - 233. (¬3) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة: 3/ 233، والبزار انظر كشف الأستار رقم: 1787، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 109 رواه البزار، ورجاله ثقات.

المبحث الثاني: مشاهد من المعركة

المبحث الثاني: مشاهد من المعركة 1 - هزيمة المشركين في بداية المعركة: 325 - من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: "والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه، وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من خلفنا، وصرخ صارخ ألا إن محمَّد قتل، فانكفأنا، وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء، حتى ما يدنوا منه أحد من القوم" (¬1). وقد جاء بزيادة في رواية إسحاق بن راهوية عن الزبير فقال: "والله إني لأنظر يومئذ إلى خدم النساء مشمرات يسعين حين انهزم القوم، وما أرى دون أخذهن شيئًا، وإن لنحسبهم قتلى ما يرجع إلينا منهم أحد، ولقد أصيب أصحاب اللواء، وصبروا عنده حتى صار إلى عبد لهم حبشي يقال له (صواب)، ثم قتل صواب، فطرح اللواء فلم يقربه أحد من خلق الله، حتى وثبت إليه عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته لهم، وثاب إليه الناس، قال: الزبير: فوالله إنا لكذلك قد علوناهم وظهرنا عليهم، إذ خالفت الرماة عن أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا يأخذون الأمتعة، فأتتنا الخيل فحطمتنا، وكر الناس منهزمين، فصرخ صارخ يرون أنه الشيطان: ألا إن محمدًا قد قتل. فأعظم الناس وركب بعضهم بعضًا فصاروا أثلاثًا: ثلثًا جريحًا، وثلثًا مقتولًا، وثلثًا منهزمًا، قد بلغت الحرب، وقد كانت الرماة اختلفوا فيما بينهم، فقالت طائفة: روا الناس وقعوا في الغنائم، وقد هزم الله المشركين وأخذ المسلمون الغنائم، فماذا تنتظرون؟ وقالت طائفة: قد تقدم إليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونهاكم أن تفارقوا مكانكم إن كانت عليه أوله، فتنازعوا في ذلك، ثم إن الطائفة الأولى من الرماة أبت أن تلحق بالعسكر، فتفرق القوم، وتركوا مكانهم، فعند ذلك حملت خيل المشركين" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن إسحاق بإسناد صحيح انظر سيرة ابن هشام: 2/ 77، والبيهقي في الدلائل: 3/ 228، والطبري في تاريخه: 2/ 513 عن طريق ابن إسحاق به. * خدم: الخلاخيل روا: فعل أمر من رأى أي انظروا. (¬2) أخرجه إسحاق بن راهويه كما في المطالب العالية رقم: 4313، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله هذا إسناد صحيح له شاهد من حديث البراء في الصحيح.

2 - استشهاد حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله

2 - استشهاد حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله: 326 - من حديث وحشي بن حرب الذي رواه عنه: جعفر بن عمرو بن أمية الضمْري قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى الشام فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله: هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم، وكان وحشي يسكن حمص، قال: فسألنا عنه فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت. قال: فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير، فسلمنا، فرد السلام، قال: وعبيد الله معتجر بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه، فقال عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ قال: فنظر إليه ثم قال: لا والله، إني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص، فولدت له غلامًا بمكة فكنت أسترضع له، فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فلكأني أنظر إلى قدميك، قال: فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم؟ إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار، فقال لي مولاي جبير ابن مطعم، إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر، قال: فلما أن خرج الناس عام عينين -وعينين جبل بحيال أحد- وبينه وبينه واد -خرجت مع الناس إلى القتال. فلما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فقال: يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قال: ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب. قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذاك العهد به، فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإِسلام، ثم خرجت إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسلًا، فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل، قال: فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآني قال: (أنت وحشي)، قلت: نعم، قال: (أنت قتلت حمزة؟) قلت: قد كان من الأمر ما بلغك. قال: (فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟). قال: فخرجت، فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج مسيلمة الكذاب، قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس،

سؤال النبي عمن رأى مقتل حمزة

فكان من أمره ما كان، قال: فهذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال فرميته بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته" (¬1). قال: قال عبد الله بن الفضل، فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: "فقالت جارية على ظهر بيت، أمير المؤمنين قتله العبد الأسود". سؤال النبي عمن رأى مقتل حمزة: 327 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال يوم أحد: (من رأى مقتل حمزة؟) فقال رجل أعزل: أنا رأيت مقتله، قال: (فانطلق أرناه) فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حتى وقف على حمزة، فرآه وقد شق بطنه، وقد مثل به، فقال: يا رسول الله، مثل به والله، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينظر إليه، ووقف بين ظهراني القتلى فقال: (أنا شهيد على هؤلاء، كفنوهم في دمائهم فإنه ليس جرح يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يدمى، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، قدموا أكثرهم قرآنًا فاجعلوه في اللحد) (¬2). تألم النبي - صلى الله عليه وسلم - لمقتل حمزة: 328 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل حمزة بكى فلما نظر إليه شهق" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب قتل حمزة بن عبد المطلب رقم: 4072، وأحمد في المسند: 3/ 501، ودلائل النبوة للبيهقي: 3/ 241 أو الطبري في تاريخه مختصرًا: 2/ 516 - 517. (¬2) المطالب العالية رقم: 4325، ونسبه إلى أبي بكر من أبي شيبة، وقال البوصيري فيه: رواته ثقات كما في التعليق عليه، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 119، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح - ومقطع الحديث (أنا شهيد على هؤلاء) أخرجه البخاري في المغازي باب من قتل من المسلمين بأحد: 4079 وأبو داود في الجنائز باب في الشهيد يغسل: 3138 الترمذي في الجنائز باب ترك الصلاة على الشهيد: 1036، والنسائي في الجنائز باب ترك الصلاة عليهم: 3/ 62، وابن ماجه في الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الشهداء: 1514، من حديث جابر به. (¬3) كشف الأستار: 1794، وقال الهيثمي: 6/ 118، رواه البزار وفيه عبد الله بن محمَّد ابن عقيل وهو حسن الحديث على ضعفه.

تكفين حمزة رضي الله عنه

تكفين حمزة رضي الله عنه: 329 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قتل حمزة يوم أحد وقتل رجل من الأنصار، فجاءته صفية بنت عبد المطلب بثوبين ليكفن فيهما حمزة، فلم يكن للأنصاري كفن فأسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الثوبين، ثم كفن كل واحد منهما في ثوب" (¬1). 330 - من حديث أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: "أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر حمزة بن عبد المطلب، فجعلوا يجرون النمرة (¬2) على وجهه فينكشف قدماه، ويجرونها على قدميه فينكشف وجهه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اجعلوها على وجهه واجعلوا على قدميه من هذا الشجر) قال فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه فإذا أصحابه يبكون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يصبر على لأوائها (¬3) وشدتها أحد إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة) (¬4). صبر صفية: 331 - من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: "إنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى كادت أن تشرف على القتلى، قال فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تراهم فقال: المرأة المرأة. قال الزبير فتوسمت أنها صفية قال: فخرجت أسعى إليها، قال فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى. قال: فلدمت في صدري وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك عني لا أرض لك، فقلت، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزم عليك. ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 120، رواه الطبراني ورجاله ثقات، انظر الطبراني في المعجم الكبير: 12152. * النمرة الثوب المخطط من مآزر الأعراب. (¬2) لدمت: ضربت ودفعت. (¬3) لأوائها: شدتها وضيق المعيشة فيها. (¬4) المطالب العالية رقم: 4322، وعزاه إلى أبي بكر بن أبي شيبة وسكت عنه البوصيري وقال في المجمع: 6/ 119 رواه الطبراني ورجاله ثقات.

قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله، فكفنوه فيهما قال فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل فعل به كما فعل بحمزة، قال: فوجدنا غضاضة وخنى أن يكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له، فقلنا لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له" (¬1). 332 - من حديث ابن عمر وأنس بن مالك رضي الله عنهم قالا: "لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحد سمع نساء الأنصار يبكين فقال: (لكن حمزة لا بواكي له) فبلغ ذلك نساء الأنصار فبكين حمزة فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استيقظ وهن يبكين فقال: (يا ويحهن ما زلن يبكين منذ اليوم فليبكين، ولا يبكين على هالك بعد اليوم) (¬2). 333 - من حديث وحشي قال: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: (وحشي) قلت: نعم، قال: (قتلت حمزة؟)، قلت: نعم، والحمد لله الذي أكرمه بيدي ولم يهني بيده، فقالت له قريش: أتحبه وهو قاتل حمزة؟ فقلت: يا رسول الله فاستغفر لي، فتفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأرض ثلاثة، ودفع في صدري ثلاثة وقال: (وحشي أخرج فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله) (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 165، والبزار كما في كشف الأستار رقم: 1797 وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 118: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف وقد وثق" وأخرجه البيهقي في السنن: 4/ 401 - 402، وفي الدلائل: 3/ 290 وأبو يعلى الموصلي رقم: 686، وإسناد هذا الحديث حسن فابن أبي الزناد قال ابن معين فيه: أثبت الناس في هشام بن عروة، وقال ابن المديني: ما حدث بالمدينة فصحيح وما حدث ببغداد أفسده البغداديون. تهذيب التهذيب: 6/ 171 - 172. (¬2) أخرجه ابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في البكاء على الميت: 1591، وأحمد في المسند انظر الفتح الرباني: 7/ 106 - 107 وقال الساعاتي سنده جيد قال الهيثمي في المجمع: 6/ 120 رواه أبو يعلى بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح قلت: وإسناد ابن ماجه على شرط مسلم. (¬3) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 121: رواه الطبراني وإسناده حسن، انظر الطبراني في الكبير: 22/ 139 رقم: 370.

3 - أنس بن النضر وشجاعته

3 - أنس بن النضر وشجاعته: 334 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "عَمَّي الذي سميت به (¬1) لم يشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرًا. قال: فشق عليه. قال: أول مشهد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غُيبت عنه، وإن أراني الله مشهدًا، فيما بعد، مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليراني الله ما أصنع، قال: فهاب أن يقول غيرها (¬2). قال: فشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد قال: فاستقبل سعد بن معاذ فقال له: يا أبا عمرو أين؟ واهًا لريح الجنة أجده دون أحد. فقاتلهم حتى قتل. قال: فوجد في جسمه بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، قال: فقالت أخته عمتي الربيع بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه، ونزلت هذه الآية {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (¬3). فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه" وهذا لفظ مسلم (¬4). وفي لفظ البخاري زيادة أذكرها للفائدة: "فلقي يوم أحد فهزم الناس فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني المسلمين- وأبرأ إليك مما جاء به المشركون -فتقدم بسيفه، فلقي سعد بن معاذ فقال: أين يا سعد؟ إني أجد ريح الجنة دون أحد فمضى فقتل، فما عرف حتى عرفته أخته بشامة -أو ببنانه- وبه بضع وثمانون: من طعنة وضربة ورمية بسهم". 335 - ومن طريق ابن إسحاق قال: وحدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار: "قال انتهى أنس بن النضر، عم أنس بن مالك، إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله، في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قتل) (¬5). ¬

_ (¬1) عمي الذي سميت به: أي بإسمه وهو أنس بن النضر. (¬2) مخافة أن يقول شيئًا يعجز عن فعله. (¬3) الأحزاب آية: 23. (¬4) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة أحد رقم: 4048، مسلم في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد رقم: 1903، الترمذي رقم: 3198، 3199، وقال حسن صحيح، وأحمد في المسند: 3/ 194، 201، 253، والطيالسي: 2/ 22، وأبو نعيم في الحلية: 1/ 121، ابن جرير الطبري في التفسير: 21/ 147، وابن كثير في التفسير: 3/ 475. (¬5) أخرجه ابن هشام في السيرة: 2/ 83، وصرح ابن إسحاق بالتحديث، والقاسم بن عبد الرحمن ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 7/ 13، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وأخرجه الطبري في تاريخه: 2/ 517 والبيهقي في الدلائل: 3/ 245 من طريق ابن إسحاق به.

4 - أبو عامر الفاسق وتحريضه على المسلمين يوم أحد

4 - أبو عامر الفاسق وتحريضه على المسلمين يوم أحد: 336 - من طريق ابن إسحاق قال: وحدثني عاصم بن قتادة: "أن أبا عامر، عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان، أحد بني ضبيعة، وقد كان خرج حين خرج إلى مكة مباعدًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، معه خمسون غلامًا من الأوس، وبعض الناس كان يقول: كانوا خمسة عشرة رجلًا، وكان يعد قريشًا أن لو قد لقي قومه لم يختلف عليه منهم رجلان، فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم الله بك عينًا يا فاسق -وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية: الراهب، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الفاسق- فلما سمع ردهم عليه، قال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتلهم قتالًا شديدًا، ثم راضخهم بالحجارة (¬1). 5 - رجل يستطيل حياته: 337 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رجل يوم أحد: يا رسول الله إن قتلت فأين أنا؟ قال: (في الجنة)، فألقى ثمرات في يده وقاتل حتى قتل (¬2). قال الحافظ في الفتح "وزعم ابن بشكوال أنه عمير بن الحمام، وسبقه إلى ذلك الخطيب، واحتج بما أخرجه مسلم من حديث أنس (أن عمير بن الحمام أخرج ثمرات فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل ثمراتي هذه إنها لحياة طويلة، ثم قاتل حتى قتل. قلت: لكن وقع التصريح في حديث أنس أن ذلك كان يوم بدر، والقصة التي في الباب وقع التصريح في حديث جابر أنها كانت يوم أحد، فالذي يظهر أنهما قصتان وقعتا لرجلين، والله أعلم، وفيه (الحديث) ما كان عليه الصحابة من حب نصر الإِسلام، والرغبة في الشهادة ابتغاء مرضاة الله" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن هشام: 2/ 67 والطبري في تاريخه: 2/ 512 وسنده حسن ورجاله ثقات، وصرح ابن إسحاق بالتحديث والحديث مرسل. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة أحد رقم: 4046، مسلم في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد رقم: 1899، النسائي في الجهاد باب ثواب من قتل في سبيل الله عَزَّ وَجَلَّ: 6/ 33، أحمد في المسند: 3/ 308، الحميدي برقم: 1249، دلائل النبوة للبيهقي: 3/ 243. (¬3) فتح الباري: 7/ 354.

6 - كافر تصيبه دعوته

6 - كافر تصيبه دعوته: 338 - من حديث بريدة رضي الله عنه قال: "أن رجلًا قال يوم أحد اللهم إن كان محمدًا على الحق فاخسف بي قال فخسف به" (¬1). 7 - حنظلة الغسيل: 339 - من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عند قتل حنظلة بن أبي عامر بعد أن التقى هو وأبو سفيان حين علاه شداد بن الأسود بالسيف فقتله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن صاحبكم تغسله الملائكة فسألوا صاحبته) فقالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جنب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لذلك غسلته الملائكة) (¬2). 340 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أصيب حمزة بن عبد المطلب، وحنظلة بن الراهب، وهما جنب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (رأيت الملائكة تغسلهما) (¬3). 8 - جرح الرسول عليه الصلاة والسلام يوم أحد: 341 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيهم -يشير إلى رباعيته-، اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬4). 342 - من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "حين سئل عن جرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد -جرح وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكسرت رباعيته، ¬

_ (¬1) كشف الأستار عن زوائد البزار رقم: 1799، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 122، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. (¬2) أخرجه الحاكم: 3/ 204 - 205 وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، والبيهقي: 4/ 15 من حديث ابن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده وسنده صحيح ورواه الطبراني في الكبير وفي لفظه اختلاف انظر مجمع الزوائد: 3/ 23، وقال الهيثمي: وإسناده حسن، وله شاهد من حديث ابن عباس يأتي بعد. (¬3) قال الهيثمي في المجمع: 3/ 23، رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. (¬4) أخرجه البخاري في المغازي باب ما أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجراح يوم أحد رقم: 4073، مسلم في الجهاد والسير باب اشتداد غضب الله تعالي على من قتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقم: 1793، وأحمد في المسند: 2/ 255.

حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يمسح الدم

وهشمت البيضة على رأسه، فكانت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تغسل الدم، وكان علي بن أبي طالب يسكب عليها بالمجن، فلما رأت فاطمة الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة من حصير فأحرقته حتى صار رمادًا ثم ألصقته بالجرح، فاستمسك الدم" اللفظ لمسلم (¬1). 343 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسرت رباعيته يوم أحد وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول: (كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله) فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- (ليس لك من الأمر شيء) (¬2) (¬3). وقد جاء أيضًا من حديث ابن عباس عند البخاري رقم: (4074، 4076)، وابن عمر رحمهما الله تعالى عند البخاري رقم: (4069، 4070). حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يمسح الدم 344 - من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيًّا من الأنبياء ضربه قومه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) (¬4). 9 - شهيد لم يصل لله ركعة: 345 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن عمرو بن أقيش كان له ربًا في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه فجاء يوم أحد، فقال: أين بنو ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب ما أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجراح يوم أحد رقم: 4075، مسلم في الجهاد والسيرة غزوة أحد رقم: 1790، وأحمد في المسند: 5/ 330، 534، ابن ماجه في سننه كتاب الطب باب دواء الجراحة رقم: 3464. (¬2) آل عمران: 128. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب ليس لك من الأمر شيء في ترجمة الباب معلقًا فتح الباري: 7/ 365، مسلم في الجهاد والسير باب غزوة أحد رقم: 1791، والترمذي في كتاب التفسير باب ومن سورة آل عمران رقم: 3001، 3002 وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجه برقم: 4027، وأحمد في المسند: 3/ 99، 178، 201، 206، 253، 288. (¬4) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء باب 54، باب حديث بينما امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب رقم: 3477، مسلم في الجهاد باب غزوة أحد رقم: 1792، ابن ماجه في الفتن باب الصبر على البلاء رقم: 4025.

10 - مقتل اليمان والد حذيفة على يد المسلمين خطأ

عمي؟ قالوا: بأحد قال: أين فلان قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد. فلبس لأمته وركب فرسه، ثم توجه قبلهم فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جرح، فحمل إلى أهله جريحًا، فجاء سعد بن معاذ، فقال لأخته: سليه حمية لقومك، أو غضبًا لهم، أم غضبًا منه عَزَّ وَجَلَّ، قال: بل غضبًا لله -عَزَّ وَجَلَّ- ورسوله، فمات فدخل الجنة وما صلى لله صلاة" (¬1). 10 - مقتل اليمان والد حذيفة على يد المسلمين خطأ: 346 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما كان يوم أحد هزم المسلمون، فصرخ إبليس لعنة الله عليه: أي عباد الله، أخراكم، فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم، فبصر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال: أي عباد الله أبي أبي. قال: قالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، قال عروة: فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله" (¬2). وقد جاء زيادة عند ابن هشام عن ابن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد فقال حذيفة: (قتلتم أبي! قتلتم أبي! قالوا: والله ما عرفناه وصدقوا، فقال حذيفة: يغفر الله لكم فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده ذلك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرًا) (¬3). 11 - عبد الله بن جحش وسعد ودعوتان مستجابتان: 347 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد ألا تدعو الله، فخلوا في ناحية فدعا سعد فقال: يا رب إذا لقيت ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في الجهاد باب فيمن يسلم ويقتل مكانه في سبيل الله عَزَّ وَجَلَّ رقم: 2537، وأحمد في المسند 5/ 428 - 429 والبيهقي في الدلائل: 3/ 247 - 248وابن هشام: 2/ 90، وسنده حسن، وقد رواه أحمد وابن هشام بسند آخر عن أبي هريرة عن ابن إسحاق قال حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبي سفيان مولى أبي أحمد عن أبي هريرة هذا السند رجاله ثقات، وقال الحافظ في الإصابة: 2/ 519: هذا إسناد حسن. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا رقم: 4065، وفي المناقب الأنصار باب ذكر حذيفة بن اليمان رقم: 3724، ابن سعد: 2/ 45، والحاكم في المستدرك: 3/ 379: والبيهقي في الدلائل: 3/ 230 - 231. (¬3) أخرجه ابن هشام: 2/ 87 - 88 والطبري في تاريخه: 2/ 530 من طريق ابن إسحاق، وسنده حسن رجاله ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فسنده متصل.

12 - عمرو بن الجموح ورجاؤه أن يطأ في الجنة بعرجته

العدو، فلقيني رجلًا شديدًا بأسه، شديدًا حرده، أقاتله ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، فأمن عبد الله بن جحش، ثم قال: اللهم ارزقني رجلًا شديدًا حرده، شديدًا بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلت: من جدع أنفك وأذنك، فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول صدقت: قال سعد: يا بني كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط (¬1). 12 - عمرو بن الجموح ورجاؤه أن يطأ في الجنة بعرجته: 348 - من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: (أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ وكانت رجله عرجاء، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم)، فقتلوا يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم، فمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة) فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد" (¬2). وقد جاء بلفظ آخر من طريق ابن إسحاق قال: وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن أشياخ من بني سلمة: أن عمرو بن الجموح كان رجلًا أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشاهد، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا له: إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد عذرك، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه، والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما أنت فقد عذرك الله؛ فلا جهاد عليك) وقال لبنيه: (ما عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة) فخرج معه فقتل يوم أحد" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم: 3/ 199 - 2، وقال صحيح على شرطهما لولا إرساله، ووافقه الذهبي وقال: صحيح مرسل وابن سعد: 3/ 63، وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 301 - 302: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وله شواهد متصلة من طريق إسحاق بن سعد بن أبي وقاص كما في الإصابة ترجمة رقم: 4583، والبيهقي في السنن الكبرى: 6/ 307 - 308 موصولًا من حديث إسحاق بن سعد. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 299 وحسن إسناده الحافظ في الفتح، وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 315: رجاله رجال الصحبح غير يحيي بن نصر الأنصاري وهو ثقة. (¬3) أخرجه ابن هشام في السيرة: 2/ 90 - 19 والبيهقي في الدلائل: 3/ 246، وسنده حسن إن كان الأشياخ من الصحابة وإلا فهو مرسل ورجاله ثقات.

13 - سعد بن الربيع ووصيته

13 - سعد بن الربيع ووصيته: 349 - من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد لطلب سعد بن الربيع، وقال لي: (إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تجدك؟) قال: فجعلت أطوف بين القتلى فأصبته، وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم فقلت له: يا سعد! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ عليك السلام ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟ قال: على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليك السلام، قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيكم شفر (¬1) يطرف، قال: وفاضت نفسه رحمه الله" (¬2). 14 - سعد بن أبي وقاص ودفاعه عن النبي يوم أحد: 350 - من حديث أبي عثمان النهدي قال: "لم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الأيام التي كان يقاتل بها رسول الله غير طلحة وسعد عن حديثهما" (¬3). 351 - من حديث علي كرم الله وجهه: قال: "ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك، فإني سمعته يقول يوم أحد: (يا سعد ارم فداك أبي وأمي) (¬4). 352 - من حديث سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "نثل لي النبي - صلى الله عليه وسلم - كنانته يوم أحد فقال: (ارم فداك أبي وأمي) (¬5). ¬

_ (¬1) شفر: العين. (¬2) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 201، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي من غير طريق ابن إسحاق، وقد جاء في سيرة ابن هشام: 2/ 94 - 15 والطبري في تاريخه: 2/ 528 والبيهقي في الدلائل:3/ 248، من طريق ابن إسحاق وقال حدثني محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني أخو بني النجار والإسناد صحيح إلا أنه مرسل، وقد جاء في المطالب العالية رقم: 4317، عن عمرو بن يحيى المازني وعزاه لإسحاق بن راهويه وصحح إسناده البوصيري إلا أنه مرسل وجاء أيضًا من مرسل يحيى بن سعيد أخرجه مالك في الجهاد وباب الترغيب في الجهاد: 2/ 21 بهامش تنوير الحوالك، ومن طريقه أخرجه ابن سعد في الطبقات: 3/ 523 وبهذه الطرق يكون الحديث صحيحًا. (¬3) أخرجه البخاري في الفضائل: 3723، وفي المغازي باب غزوة أحد رقم: 4060، 4061، ومسلم في الفضائل رقم: 2414. (¬4) أخرجه البخاري رقم: 2905، وفي المغازي إذ همت طائقان منكم أن تفشلا أرقام: 4058، 4059، وجاء أيضًا برقم: 6184، مسلم في الفضائل رقم: 2411، الترمذي: 3756، وابن ماجه رقم: 129، المقدمة، وأحمد في المسند: 1/ 29، 124، 136، 137. (¬5) أخرجه البخاري في المغازي باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا رقم: 4055. نثل: استخرج ما فيها من السهام. الكنانة: جعبة السهام.

15 - طلحة بن عبيد الله ودفاعه عن رسول الله يوم أحد

353 - من حديث سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص قال: "جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد أبويه كليهما -يريد حين قال: (فداك أبي وأمي) - وهو يقاتل" (¬1). 15 - طلحة بن عبيد الله ودفاعه عن رسول الله يوم أحد: 354 - من حديث قيس قال: (رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي يوم أحد شلاء" (¬2). 355 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: "لما كان يوم أحد، وولى الناس، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناحية في اثنى عشر رجلًا منهم طلحة، فأدركهم المشركون فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من للقوم؟) قال: طلحة: أنا، قال: (كما أنت)، فقال رجل: أنا، قال: (أنت)، فقاتل حتى قتل، ثم التفت فإذا المشركون، فقال: (من لهم؟) قال طلحة: أنا، قال: (كما أنت)، فقال رجل من الأنصار: أنا، قال: (أنت) فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى بقي مع نبي الله طلحة، فقال: (من للقوم؟) قال: طلحة: أنا، فقاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى قطعت أصابعه، فقال: حسس، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لو قلت باسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون) ثم رد الله المشركين (¬3). 356 - من حديث الزبير رضي الله عنه قال: "كان على النبي يوم أحد درعان، فنهض إلى الصخرة فلم يستطع، فقعد طلحة تحته حتى استوى على الصخرة، قال الزبير فسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أوجب طلحة) (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الفضائل رقم: 3725، وفي المغازي إذ همت طائفان منكم أن تفشلا رقم: 4055، 4056، 4057، ومسلم في الفضائل رقم: 2412، الترمذي: 3755، وابن ماجه رقم: 130 في المقدمة، وأحمد في المسند: 1/ 174 - 180. (¬2) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب طلحة رقم: 3724، وفي المغازي باب إذ همت طائفان رقم: 4063، وابن ماجه في المقدمة رقم: 128، وأحمد في المسند: 1/ 161. (¬3) أخرجه النسائي: 6/ 29 - 30 في الجهاد باب ما يقول من يطعنه العدو، ورجاله ثقات كما قال الذهبي وأخرج الحاكم معنا: 3/ 369. (¬4) أخرجه الترمذي في الجهاد باب ما جاء في الدرع: 1692، وفي المناقب باب مناقب طلحة رقم: 3739، وقال حسن غريب، وأحمد: 1/ 165، وصححه الحاكم: 3/ 374، ووافقه الذهبي وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث في رواية أحمد، فزالت شبهته تدليسه فالحديث بذلك صحيح والله أعلم.

16 - أبو طلحة الأنصاري ودفاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

16 - أبو طلحة الأنصاري ودفاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: 357 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "لما كان يوم أحد انهزم ناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو طلحة بين يديه مجوبًا عليه بحجفة، وكان راميًا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل، فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (انثرها لأبي طلحة)، ثم يشرف إلى القوم. فيقول أبو طلحة: يا نبي الله بأبي أنت، لا تشرف ألا يصيبك سهم، نحري دون نحرك" (¬1). 17 - مصعب بن عمير رضي الله عنه وعدم توفر كفن لدفنه: 358 - من حديث خباب رضي الله عنه قال: "هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نبتغي وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى بسبيله لم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد، ولم يترك إلا نمرة، كنا إذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه من الأذخر)، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها" (¬2). 359 - من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه "أتى بطعام، وكان صائمًا، فقال: قتل مصعب بن عمير، وهو خير مني، كفن في بردة، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا -وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في فضائل الأنصار باب مناقب أبي طلحة رقم: 3811، وفي المغازي باب إذ همت طائفتان أن تفشلا رقم: 4064، مسلم في الجهاد والسير باب غزوة النساء مع الرجال رقم: 1811، وأحمد في المسند: 3/ 105، 256، 286 وعنده قوله أبو طلحة للنبي "إني جلد". (¬2) أخرجه البخاري في الجنائز باب إذا لم يجد كفنًا إلا ما يوارى رأسه أو قدميه رقم: 1286، في مناقب الأنصار باب هجرة النبي: 3897، 3914، وفي المغازي باب غزوة أحد: 4047، باب من قتل من المسلمين يوم أحد رقم: 4082، وفي الرقاق باب ما يحذر من زهرة الدنيا رقم: 6432، باب فضل الفقر: 6448، مسلم في الجنائز باب كفن الميت رقم: 940، أبو داود: 3155، في الجنائز الترمذي في المناقب: 3852، والنسائي في الجنائز، باب القميص من الكفن: 4/ 28، أحمد في المسند: 5/ 112. (¬3) أخرجه البخاري في الجنائز باب الكفن من جميع المال رقم: 1274، 1275، وفي المغازي باب غزوة أحد رقم: 4045.

18 - عبد الله بن عمرو بن حرام وإظلال الملائكة له

360 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه، ودعا له، ثم قرأ هذه الآية {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (¬1). ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي يبده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه" (¬2). 18 - عبد الله بن عمرو بن حرام وإظلال الملائكة له: 361 - من حديث جابر بن عبد الله قال: "لما قتل أبي يوم أحد، جعلت أكشف عن وجهه وأبكي، وجعل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهوني وهو لا ينهاني وجعلت عمتي تبكيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تبكيه، أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه" (¬3). استخراجه وإعادة دفنه بعد ستة أشهر: 362 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال أبي: (أرجو أن أكون في أول من يصاب غدًا، فأوصيك ببناتي خيرًا، فأصيب، فدفنته مع آخر، فلم تدعني نفسي حتى استخرجته ودفنته وحده بعد ستة أشهر، فإذا الأرض لم تأكل منه شيئًا إلا بعض شحمة أذنه" (¬4). تكليم الله تعالى لعبد الله بن حرام كفاحًا: 363 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحًا، فقال: يا عبدي! سلني أعطك، قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانيًا، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا ¬

_ (¬1) الأحزاب: 23. (¬2) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 200، وقال هذا حيث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (¬3) أخرجه البخاري في الجنائز باب الدخول على الميت بعد الموت رقم: 1244، وفي المغازي باب من قتل من المسلمين يوم أحد رقم: 4080، مسلم في الفضائل باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام رقم: 2471، والنسائي في الجنائز باب في البكاء على الميت: 4/ 13، وأحمد في المسند: 3/ 298، 307. (¬4) أخرجه البخاري في الجنائز باب هل يخرج الميت من القبر وللحد لعلة رقم: 1351، 1352، الحاكم في المستدرك: 3/ 203، وصححه ووافقه الذهبي، وابن سعد: 3/ 2 / 106.

19 - الأنصار السبعة الذين ضحوا بأنفسهم لحماية رسول الله صلى الله عليه وسلم

يرجعون. قال: يا رب! فأبلغ من ورائي، فأنزل الله {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (¬1) (¬2). 19 - الأنصار السبعة الذين ضحوا بأنفسهم لحماية رسول الله صلى الله عليه وسلم: 364 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش فلما رهقوه (¬3)، قال: (من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة)، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضًا، فقال: (من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة) فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك، حتى قتل السبعة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحبيه: (ما أنصفنا أصحابنا)) (¬4). 20 - بطل إلى النار: 365 - من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم -وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه- فقيل: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما إنه من أهل النار)، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه. قال فخرج معه كلما وقف، وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: (وما ذاك؟). ¬

_ (¬1) آل عمران: 169. (¬2) أخرجه الترمذي في التفسير باب ومن سورة آل عمران رقم: 3013، وقال حديث حسن، وابن ماجه في المقدمة باب ما أنكرت الجهمية رقم: 190، وفي الجهاد باب فضل الشهادة في سبيل الله رقم: 2800، والحاكم في المستدرك: 3/ 204 وصححه ووافقه الذهبي وابن جرير بسند صحيح في التفسير: 4/ 173، وفي التاريخ: 3/ 36. (¬3) رهقوه: نمشوه وقربوا منه. (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب غزوة أحد رقم: 1789، وقد جاء من حديث جابر رضي الله عنه في قتال طلحة بن عبد الله برقم: 355، فانظره هناك. رهقوه: غشوه وقربوا منه وأدركوه.

قال: الرجل الذي ذكرت آنفًا من أهل النار فأعظم الناس ذلك. فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جرح جرحًا شديدًا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة) (¬1). وقد جاء عند ابن هشام في سيرته التصريح بأن هذا الرجل هو قزمان، وأنه قتل نفسه يوم أحد، كما ورد من طريق ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة والإسناد حسن ورجاله ثقات، إلا أنه مرسل وهو يعتد به كشاهد للمتابعة والله أعلم (¬2). وقال الحافظ في الفتح (جزم ابن الجوزي في مشكلة بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد، قال: واسم الرجل قزمان الظفري، وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء، فخرج حتى صار في الصف الأول، فكان أول من رمى بسهم، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار، فمر به قتادة بن النعمان فقال له: هنيئا لك الشهادة، قال: والله إني ما قاتلت على دين، وإنما قاتلت على حسب قومي، ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه". وعقب الحافظ على ذلك بقوله: "قلت وهذا الذي نقله أخذه من مغازي الواقدي، وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف" (¬3). قلت: وقد سبق من طريق ابن إسحاق عند ابن هشام التصريح بأنه قزمان وبأنه قتل نفسه يوم أحد، وقول الحافظ لا يعارض ذلك المروي خاصة وأنه مرسل وإسناده ثقات، فالظاهر هو كما قال ابن الجوزي وابن إسحاق إمام أهل السير والله أعلم". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر رقم: 4202، ومسلم في الإيمان باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه رقم: 112 - وفي رواية عند مسلم وقع أن الغزوة "حنين" وفي رواية أخرى أبهمت، وأخرجه أحمد في المسند: 4/ 135، وفيه أن الغزوة هي خيبر. (¬2) ابن هشام في السيرة: 2/ 88. (¬3) فتح الباري: 7/ 473، في التعليق على حديثه سهل السابق.

21 - تصحيح الشعارات حتى في أحلك المواطن

21 - تصحيح الشعارات حتى في أحلك المواطن: 366 - من حديث عقبة مولى جبر بن عتيك الأنصاري رضي الله عنه قال: "شهدت أحدًا مع مولاي، فضربت رجلًا من المشركين، فلما قتلته، قلت: خذها مني وأنا الرجل الفارسي، فبلغت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ألا قال: خذها وأنا الرجل الأنصاري، فإن مولى القوم من أنفسهم) " (¬1). 22 - قتال الملائكة دفاعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: 367 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "رأيت رجلين عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويساره يوم أحد عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد" (¬2). 23 - تغشية النعاس المسلمين يوم أحد: 368 - من حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال: "غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد، حدَّث أنه فيمن غشيه النعاس يومئذ قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط من يدي فآخذه، والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم أجبن قوم وأرعبه، وأخذله للحق" وهذا اللفظ للترمذي (¬3). وفي لفظ آخر لأبي طلحة قال: "رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس، فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} (¬4) ". 369 - من حديث الزبير رضي الله عنه قال: "لقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 295، أبو داود في الأدب: 5123، باب في العصبية، وابن ماجه في الجهاد باب النية في القتال: 2784، وإسناده حسن وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 115، رواه أبو يعلى ورجاله ثقات، وانظر المطالب العالية رقم: 4324. (¬2) أخرجه البخاري في اللباس باب الثياب البيض رقم: 5826، وفي المغازي باب قوله تعالى {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ} رقم: 4054، مسلم في الفضائل باب قتال جبريل وميكائيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد رقم: 2306، وأحمد في المسند: 1/ 171، 177. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب ثم أنزل عليكم من بعد الغم نعاسًا رقم: 4068، والترمذي في سننه كتاب تفسير سورة آل عمران رقم: 3008، وقال حديث حسن صحيح وأحمد في المسند: 4/ 29. (¬4) أخرجه الترمذي في تفسير القرآن باب ومن تفسير آل عمران رقم: 3007، وقال حديث حسن صحيح.

24 - الحرب خدعة

يوم أحد حين اشتد علينا الخوف، وأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا وذقنه -أو قال- ذقنه في صدره، فوالله إني لأسمع كالحلم قول معتب بن قشير "لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا" فحفظتها، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا}، إلى قوله: {مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} لقول معتب بن قشير، قال: {لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ} حتى بلغ {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (¬1) ". 24 - الحرب خدعة: 370 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "لما كان يوم أحد وصرنا إلى الشعب كنت أول من عرفته فقلت: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأشار إلى بيده أن اسكت، ثم ألبسني لامته، ولبس لأمتي، فلقد ضربت حتى جرحت عشرين جراحة أو قال بضعة وعشرين جرحًا كل من يضربني يحسبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). 25 - ظن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رفع: 371 - من حديث علي كرم الله وجهه قال: "لما انجلى الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد نظرت إلى القتلى فلم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم، فقلت: والله ما كان ليفر وما أراه في القتلى، ولكن أرى الله غضب علينا بما صنعنا فرفع نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فما فيَّ خير من أن أقاتل حتى أقتل، فكسرت جفن سيفي، ثم حملته على القوم فأفرجوا لي، فإذا أنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم" (¬3). ¬

_ (¬1) المطالب العالية رقم: 4315، ونسبه إلى إسحاق بن راهويه وسكت عليه البوصيري وإسناده جيد، وقال الترمذي معلقًا على إسناده في تخريج الحديث السابق: 3007 وجاء في حديث الزبير وقال حديث حسن صحيح. (¬2) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 112، رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ورجال الأوسط ثقات، ورواه أبو نعيم في الدلائل: 2/ 482 من طريق ابن إسحاق وقد صرح عنده بالسماع وسنده متصل، فالحديث صحيح. * لامته: درعه. (¬3) المطالب العالية: 4323، قال البوصيري رواه أبو يعلى برقم: 546، بإسناد حسن، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 6/ 112 فيه محمَّد بن مروان العقيلي وثقه أبو داود وابن حبان وضعفه أبو زرعة وغيره" وإسناده حسن كما قال البوصيري والله أعلم.

26 - فخر أبي سفيان بعد المعركة

26 - فخر أبي سفيان بعد المعركة: 372 - من حديث البراء رضي الله عنه قال: "جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الرماة يوم أحد وكانوا خمسين رجلًا -عبد الله بن جبير قال: ووضعهم موضعًا، وقال: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، إن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم)، قال: فهزموهم. قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل وقد بدت سوقهن وخلاخلهن- رافعات ثيابهن فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة، أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنظرون؟ قال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذلك الذي يدعوهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أخراهم، فلم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير اثني عشر رجلًا، فأصابوا منا سبعين رجلًا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسيرًا، وسبعين قتيلًا. فقال أبو سفيان: أفي القوم محمَّد؟ أفي القوم محمَّد؟ أفي القوم محمَّد؟ ثلاثًا، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ ثم أقبل على أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم، فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك، فقال: يوم بيوم بدر والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها، ولم تسؤني ثم أخذ يرتجز: أعل هبل. أعل هبل. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا تجيبونه؟) قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال: (قولوا الله أعلى وأجل)، قال: أن العزى لنا ولا عزى لكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا تجيبونه؟) قالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال: (قولوا الله مولانا ولا مولى لكم) (¬1) ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة أحد رقم: 4043، وأبو داود في الجهاد باب في الكمناء رقم: 2662، وأحمد في المسند: 4/ 293، أبو داود الطيالسي رقم: 2345، 2/ 98 - 99.

27 - رواية ابن عباس في أحد

27 - رواية ابن عباس في أحد: 373 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما نصر الله تبارك وتعالى في موطن كما نصر في يوم أحد فقال (ابن عتبة) فأنكرنا ذلك، فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله تبارك وتعالى، إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول في يوم أحد: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ}، يقول ابن عباس والحس القتل {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} -إلى قوله- {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، عني بهذا الرماة، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقامهم في موضع ثم قال: (احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا). فلما غنم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأباحوا عسكر المشركين أكب الرماة جميعًا، فدخلوا العسكر ينتهبون، وقد التقت صفوف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهم كذا وشبك بين أصابع يديه والتبسوا، فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فضرب بعضهم بعضًا والتبسوا، وقتل من المسلمين ناس كثير. وقد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أول النهار، حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة، وجال المسلمون جولة نحو الجبل، ولم يبلغوا حيث يقول الناس الغار، وإنما كانوا تحت المهراس (¬1) وصاح الشيطان: قتل محمَّد فلم يشك فيه أنه حق، فما زلنا كذلك نشك أنه قد قتل حتى طلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين السعدين (¬2) نعرفه بتكفئه إذا مشى، قالوا: ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا. قال: فرقى نحونا وهو يقول: (اشتد غضب الله على قوم دمّوا وجه رسوله)، قال ويقول مرة أخرى: (اللهم أنه ليس لهم أن يعلونا) حتى انتهى إلينا فمكث ساعة فهذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل: اعل هبل مرتين يعني آلهته، أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: يا رسول الله ألا أجيبه؟ قال: بلى، قال: فلما قال: اعل هبل، قال عمر: الله أعلى وأجل، قال: فقال أبو سفيان يا ابن الخطاب إنه قد أنعمت عينها فعاد عنها أو فعال عنها، فقال: أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ¬

_ (¬1) المهراس: ماء بجبل أحد دفن بجواره حمزة عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) السعدين: مكانان في ذاك الموضع والله أعلم.

28 - دور المسلمات في أحد

ابن الخطاب؟ فقال عمر: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أبو بكر، وهذا أنا عمر. قال: فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، الأيام دول وإن الحرب سجال (¬1) قال: فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، قال: إنكم لتزعمون ذلك، لقد خبنا إذا وخسرنا، ثم قال أبو سفيان: أما إنكم سوف تجدون في قتلاكم مثلًا (¬2) ولم يكن ذاك عن رأي سراتنا (¬3) قال: ثم أدركته حمية الجاهلية قال: فقال: أما إنه قد كان ذاك ولم نكرهه" (¬4). 28 - دور المسلمات في أحد: وقد سبق من حديث أنس في دفاع أبي طلحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانظره هناك وقد جاء أيضًا: 374 - من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال ثعلبة بن أبي مالك: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطًا بين نساء من نساء أهل المدينة، فبقي منها مرط جيد، فقال له بعض من عنده يا أمير المؤمنين: "أعط هذا بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي عندك -يريدون أم كلثوم بنت علي، فقال عمر: أم سليط أحق منها، وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد" (¬5). 29 - ثناء النبي على ربه ودعاؤه بعد انتهاء المعركة: 375 - من حديث عبيد الله بن رفاعة الزرقي رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (استووا حتى أثني على ربي، فصاروا خلفه صفوفًا فقال: اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت، ¬

_ (¬1) سجال: أي مرة لنا ومرة علينا. (¬2) مثل: أنكل بالقتل بجدع الأنف أو قطع الأذن. (¬3) السراة: الأشراف والكبراء. (¬4) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 287، 288، 463، والحاكم في المستدرك: 2/ 296، 297 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (¬5) أخرجه البخاري في المغازي باب ذكر أم سليط رقم: 4071.

30 - ردوا القتلى إلى مضاجعهم

اللهم ابسط علينا من بركاتك، ورحمتك، وفضلك، ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك النعيم يوم الغلبة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا، وشر ما منعت منا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم زجرك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتو الكتاب، إله الحق) (¬1). 376 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول يوم أحد (اللهم إنك إن تشأ لا تعبد في الأرض) " (¬2). 30 - ردوا القتلى إلى مضاجعهم: 377 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: "إن قتلى أحد حملوا من مكانهم فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أن ردوا القتلى إلى مضاجعها) (¬3) ". 378 - وقد جاء عنه بلفظ آخر فقال: "استشهد أبي بأحد، فأرسلتني أخواتي إليه بناضح (¬4) لهن، فقلن: اذهب فاحتمل أباك على هذا الجمل فادفنه في مقبرة بني سلمة، قال: فجئته وأعوان لي، فبلغ ذلك نبي الله وهو جالس بأحد فدعاني وقال: (والذي نفسي بيده لا يدفن إلا مع إخوته فدفن مع أصحابه بأحد) (¬5) ". ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 414، والحاكم في المستدرك: 1/ 507، 3/ 23، 24، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وقد وافق الذهبي الحاكم في موطن على التصحيح، وقال في موطن آخر: والحديث مع نظافة إسناده منكر -والحديث صحيح فقط فيه عبيد بن رفاعة لم يخرج له الشيخان، وليس لقول الذهبي في تعليله وجه. وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 121، 122 رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب استجاب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو رقم: 1743. (¬3) أخرجه أحمد في المسند 3/ 308، أبو داود في الجنائز باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض: 3165، والنسائي في الجنائز باب أين يدفن الشهيد: 4/ 79، والترمذي في الجهاد باب ما جاء في دفن الشهداء: 1717، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم: 1516، وقال الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان: 196، وسنده صحيح. (¬4) الناضح: البعير الذي يحمل الماء يسقي الزرع. (¬5) انظر التخريج في الحديث السابق، وقال الشيخ الساعاتي: 8/ 150 أخرجه الأربعة وغيرهم وصححه الترمذي.

31 - صلاة النبي على شهداء أحد

31 - صلاة النبي على شهداء أحد: 379 - من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: (إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها)، قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). قال الحافظ ابن حجر في الفتح (والخلاف في الصلاة على قتيل معركة الكفار مشهور، قال الترمذي: (قال بعضهم يصلى على الشهيد وهو قول الكوفيين وإسحق، وقال بعضهم لا يصلى عليه وهو قول المدنيين والشافعي وأحمد، وقال الشافعي في الأم: (جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على قتلى أحد، وما روي أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه" انتهى، ثم إن الخلاف في ذلك في منع الصلاة عليهم على الأصح عند الشافعية، وفي وجه أن الخلاف في الاستحباب وهو المنقول عن الحنابلة. قال الماوردي عن أحمد: الصلاة على الشهيد أجود، وإن لم يصلوا عليه أجزأ، وقال الطحاوي: "معنى صلاته - صلى الله عليه وسلم - عليهم لا يخلو من ثلاثة معان: إما أن يكون ناسخًا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم، أو يكون من سنتهم أن لا يصلي عليهم إلا بعد هذه المدة المذكورة، أو تكون الصلاة عليهم جائزة بخلاف غيرهم فإنها واجبة، وأيها كان فقد ثبت بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء، ثم كان الكلام بين المختلفين في عصرنا، إنما هو في الصلاة عليهم قبل دفنهم، وإذا ثبتت الصلاة عليهم بعد الدفن كانت قبل الدفن أولى" انتهى (¬2). وقد وردت الأحاديث والسنن الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على الصلاة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجنائز باب الصلاة على الشهيد رقم: 1344، وفي المغازي باب غزوة أحد رقم: 4042، وله أطراف أرقام: 3596، 4085، 6426، 6590، مسلم في صحيحه في الفضائل باب إثبات حوض نبينا - صلى الله عليه وسلم - رقم: 2296، وأبو داود رقم: 3223، 3224، والنسائي: 4/ 61، 62 أحمد: 4/ 149، 153، 154، البيهقي: 4/ 14. (¬2) فتح الباري على صحيح البخاري: 3/ 210 - 211، في التعليق على حديث عقبة بن عامر المذكور آنفًا، وانظر قول الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 504.

على الشهداء، أورد بعضها هنا: 380 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما كان يوم أحد مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحمزة بن عبد المطلب وقد جدع ومثل به، فقال: لولا أن تجد صفية في نفسها تركته حتى تأكله العافية (¬1)، حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع، فكفنه في نمرة، وكانت إذا خمرت رأسه بدت رجلاه، وإذا خمرت رجلاه بدا رأسه، فخمر رأسه، ولم يصل على أحد من الشهداء غيره" (¬2). 381 - من حديث عبد الله بن الزبير قال: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم أحد بحمزة فسجي ببردة، ثم صلى عليه، فكبر تسع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى يصفون، ويصلي عليهم، وعليه معهم" (¬3). وقد جاء من حديث ابن عباس (¬4) وغيره انظرها في التعليق، ولا يعارض هذان الحديثان وشواهدهما بحديث جابر بأنه لم يصل على شهداء أحد لأنه ناف، والمثبت مقدم على النافي، نفي هذين الحديثين وشواهدهما ثبتت مشروعية الصلاة على الشهداء لا على سبيل الإيجاب؛ لأن كثيرًا من الصحابة استشهدوا يوم بدر، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عليهم، ولو فعل ذلك لنقل إلينا، فدل ذلك على أن الصلاة عليهم غير واجبة، ولذلك قال ابن القيم: "والصواب في المسألة أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها، لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين، وهذا إحدى الروايات عن الإِمام أحمد، وهو الأليق بأصوله ومذهبه" (¬5). ¬

_ (¬1) العافية: السباع والطير التي تقع على الجيف فتأكلها. (¬2) أخرجه أبو داود حديث رقم: 3137، وأحمد في المسند: 3/ 128، والبيهقي في السنن: 4/ 10، 11، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 502 - 503، والحاكم في المستدرك: 1/ 365، وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ورواه ابن أبي شيبة في المصنف: 14/ 391، 392، وقال النووي في المجموع: 5/ 265، وعزاه لأبي داود وحده وقال: إسناده حسن أو صحيح. (¬3) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 503، وإسناده حسن رجاله كلهم ثقات وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث. (¬4) أخرجه الحاكم: 3/ 198، والحديث حسن الإسناد، وابن ماجه في الجنائز. باب ما جاء في الصلاة على الشهيد رقم: 1513، وهناك شواهد من حديث ابن مسعود، أخرجه أحمد في المسند: 1/ 463، وسنده حسن، ومن حديث شداد بن الهاد وأخرجه النسائي: 4/ 506 والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 506 البيهقي: 4/ 15، 16، وسنده صحيح الحاكم: 3/ 595 - 596، وصححه ووافقه الذهبي. (¬5) تهذيب السنن: 4/ 295.

32 - طريقة دفن الشهداء في أحد وتقديم الأحفظ للقرآن

32 - طريقة دفن الشهداء في أحد وتقديم الأحفظ للقرآن: 382 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: (أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟) فإذا أشير له إلى أحد قدمه في اللحد، وقال: (أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة) وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم ولم يغسلوا" (¬1). 383 - حديث هشام بن عامر رضي الله عنه قال: "شكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجراحات يوم أحد فقال: (احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، وقدموا أكثرهم قرآنًا) فمات أبي فقدم بين رجلين" (¬2). 384 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: " ... وكثرت القتلى وقلت الثياب، قال: وكان يجمع الثلاثة والاثنين في قبر واحد، ويسأل أيهم أكثر قرآنًا فيقدم في اللحد، وكفن الرجلين والثلاثة في الثوب الواحد" (¬3). 33 - الشهداء أحياء عند ربهم: 385 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله -عَزَّ وَجَلَّ- أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتهوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم، ومأكلهم وحسن منقلبهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عَزَّ وَجَلَّ: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- هؤلاء الآيات على رسوله {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} (¬4) ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجنائز باب الصلاة علي الشهداء رقم: 1343، وفي المغازي باب من قتل من المسلمين يوم أحد رقم: 4079 وجاء بأرقام: 1347،1346،1345، 1348، 1353، الترمذي في الجنائز باب ما جاء في ترك الصلاة على الشهيد: 1036، وأبو داود في الجنائز في الشهيد يغسل: 3138 والنسائي في الجنائز باب ترك الصلاة عليهم: 4/ 62، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في الصلاة على الشهيد: 1514، وأحمد في المسند: 5/ 431. (¬2) أخرجه الترمذي في الجهاد باب دفن الشهيد رقم: 1713 وقال حديث حسن صحيح وأبو داود في الجنائز باب تعميق القبر: 3215، والنسائي في الجنائز باب ما يستحب في توسيع القبر: 4/ 18، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في حفر القبر: 1560 والحديث إسناده صحيح. (¬3) سبق تخريجه حديث رقم: 389. (¬4) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 265، أبو داود في الجهاد باب فضل الشهادة رقم: 2520، وعبد بن حميد رقم: 667، وابن أبي شيبة: 5/ 294 - 295، والطبري في التفسير: 14/ 113 =

34 - عدد شهداء المسلمين

386 - ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه. قال مسروق: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، قال: أما إنا سألنا عن ذلك فقال: (أرواحهم كطير خضر تسرح في أيها شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، قال: فبينما هم كذلك، إذ اطلع عليهم ربهم اطلاعة، فقال: سلوني ما شئتم؟! فقالوا: يا ربنا! وما نسألك، ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا، فلما رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا، قالوا: نسألك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا، حتى نقتل في سبيلك، قال: فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا تركوا) (¬1). 34 - عدد شهداء المسلمين: 387 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الرماة يوم أحد ... فذكر الحديث إلى أن قال: فأصابوا منا سبعين، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قد أصابوا من المشركين، أراه قال: يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرًا وسبعين قتيلًا" (¬2). 387 - من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "إنه أصيب من الأنصار يوم أحد أربعة وستون، وأصيب من المهاجرين ستة فيهم حمزة، فمثلوا بقتلاهم فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يومًا من الدهر لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة، نادى رجل لا يعرف: لا قريش بعد اليوم، مرتين فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- على نبيه - صلى الله عليه وسلم - {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كفوا عن القوم) " (¬3). ¬

_ = والآجري في الشريعة: 392، والبيهقي في عذاب القبر رقم: 129، والحاكم في المستدرك: 2/ 88، 297، وقال في الموضعين صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد فزالت شبهة التدليس، فالحديث صحيح. (¬1) أخرجه مسلم في الإمارة باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون رقم: 1887، الترمذي في التفسير باب ومن تفسير آل عمران رقم: 3011 وقال حسن صحيح، ابن ماجه في الجهاد باب فضل الشهادة في سبيل الله رقم: 2801، وابن أبي شيبة: 5/ 308، والدرامي: 2/ 206، والطبري في التفسير: 4/ 113 - 114. (¬2) سبق تخريجه حديث رقم: 372. (¬3) أخرجه الترمذي في التفسير باب من تفسير سورة النحل رقم: 3129 وقال حديث حسن غريب وأحمد في المسند: 5/ 135، وابن حبان في الموارد رقم: 1695، ص: 411، والطبراني في الكبير: 3/ 157، والحاكم في المستدرك: 2/ 446،359، وقال في الموضعين صحيح الإسناد وأقره الذهبي.

35 - أحد جبل يحبنا ونحبه

35 - أحد جبل يحبنا ونحبه: 389 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلع له أحد فقال: (هذا جبل يحبنا ونحبه، اللهم إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت ما بين لابتيها) " (¬1). 36 - أمنية النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شهداء أحد: 390 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر أصحاب أحد قال: (والله لوددت أني غودرت مع أصحاب فحص الجبل) يقول: قتلت معهم - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). 37 - من أحسن القتال يوم أحد من المسلمين: 391 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء علي رضي الله عنه بسيفه يوم أحد قد انحنى، فقال لفاطمة رضي الله عنها: هاكي السيف حميدًا، فإنها قد شفتني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لئن كنت أجدت الضرب بسيفك، لقد أجاده سهل بن حنيف، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت بن الأقلح، والحارث بن الصمة) " (¬3). 38 - أسماء من استشهد يوم أحد: ذكر الهيثمي أسماءهم في المجمع: (6/ 123 - 124)، بسند الطبراني إلى ابن شهاب، ورجاله رجال الصحيح، فمن أحب الاستزاده في معرفة أسمائهم فليرجع إلى المجمع. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب أحد جبل يحبنا ونحبه رقم: 4084، ومسلم في الحج باب فضل المدينة ودعاء النبي فيها بالبركة: 1365. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 375، وفي سيرة ابن كثير: 3/ 89، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 123، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع فالحديث بذلك صحيح. (¬3) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 24، وقال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 123، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

39 - كل مصيبة بعدك جلل

39 - كل مصيبة بعدك جلل: 392 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحد، فلما نعوا لها، قالت: فما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه؟، قال: فأشير لها إليه، حتى إذا رأته، قالت: كل مصيبة بعدك جلل! تريد صغيرة" (¬1). ¬

_ (¬1) ابن هشام في السيرة: 2/ 99 والبيهقي في الدلائل: 3/ 302، والطبري في تاريخه: 2/ 533، بسند ابن إسحاق إلى سعد بن أبي وقاص وسنده حسن وقد صرح بالحديث فزالت شبهة تدليسه.

الفصل الخامس الأحداث والوقائع بين أحد والخندق

الفصل الخامس الأحداث والوقائع بين أحد والخندق المبحث الأول: غزوة حمراء الأسد قال ابن إسحاق: "كان يوم أحد، يوم بلاء ومصيبة وتمحيص، اختبر الله به المؤمنين، ومحن به المنافقين، فمن كان يظهر الإيمان بلسانه، وهو مستخف بالكفر في قلبه، ويومًا أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته" (¬1). وبعد انتهاء غزوة أحد، ورحيل قريش جاءت الأخبار إلى المدينة بأن قريشًا تريد العودة لتستأصل المسلمين في مدينتهم، فما كان من القائد القدوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إلا أن دعا أصحابه للخروج لتعقب قريش، وزرع الخوف في قلب من يفكر بالاعتداء على المدينة الآمنة الطيبة، وشرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يخرج معه إلا من خرج معه لأحد، وهنا وفي هذا المقام تتجلى صور التضحية والبذل، حيث يخرج أصحاب النبي، والكثير منهم قد أصيب بالجراحات المتعددة، ولكن في سبيل الله تهون كل المصاعب، ولندع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يروون بعض هذه المشاهد: 392 - من حديث عائشة رضي الله عنها: كما روى عنها عروة بن الزبير في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، قال: (من يذهب في إثرهم؟) فانتدب منهم سبعون رجلًا، قال: كان فيهم أبو بكر والزبير (¬2). وقال ابن كثير عقب ذكر هذا الحديث: "وهذا السياق غريب جدًّا، فإن المشهور عند أصحاب المغازي أن الذين خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراء الأسد كل ¬

_ (¬1) سيرة ابن هشام: 2/ 105. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب الذين استجابوا لله والرسول رقم: 4077، مسلم في صحيحه في فضائل الصحابة باب من فضائل طلحة والزبير: 2418، باختصار، وابن ماجه في المقدمة وفي فضائل الزبير رقم: 124، والحاكم في المستدرك: 4/ 298 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

المبحث الثاني: آثار غزوة أحد

من شهد أحد، وكانوا سبعمائة قتل منهم سبعون وبقي الباقون" (¬1). وقال الشامي: "والظاهر أنه لا تخالف بين قولي عائشة وأصحاب المغازي؛ لأن معنى قولها فانتدب لها سبعون أنهم سبقوا غيرهم، ثم تلاحق الباقون" (¬2). 393 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما انصرف أبو سفيان والمشركون عن أحد وبلغوا الروحاء قال أبو سفيان: لا محمدًا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، شر ما صنعتم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فندب الناس فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد -أو بئر بني عيينة- فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} وذلك أن أبا سفيان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا، فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة، فأتوه فلم يجدوا به أحدًا، وتسوقوا فأنزل الله -عز وجل- ذكره {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} (¬3) ". المبحث الثاني: آثار غزوة أحد طمع الأعراب والمنافقين واليهود في المسلمين لقد كان لغزوة أحد من الآثار الشيء الكثير إذ انتقض على الإِسلام وأهله كثير ممن هادنهم أو مالأهم خوفًا منهم، وعلى الرغم مما فعله النبي - عليه السلام - وأصحابه من الخروج إلى حمراء الأسد وما أظهروه من مظاهر البأس، إلا أن ما حدث في أحد جعل الأعراب يتجرأون ويبدأون بمحاولة مهاجمة المدينة والإغارة عليها ونهب أموالها وخيراتها. ولقد جرأت الحادثة أيضًا اليهود في المدينة ليظهروا حقدهم الدفين على الإِسلام وأهله، ويسخرون من المسلمين علانية، ويكررون محاولاتهم الغادرة للكيد للإسلام وأهله، ولقد جرأت الحادثة أيضًا المنافقين ليظهروا نفاقهم، وينبثوا بين صفوف المسلمين يشيعون الشائعات والدسائس محاولين بذلك تمزيق الصف الإِسلامي. ¬

_ (¬1) سيرة ابن كثير: 3/ 101. (¬2) زاد المعاد: 3/ 243. (¬3) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 6/ 121، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمَّد بن منصور الجواز وهو ثقة وقال السيوطي في لباب النقول (ص: 61) أن سنده صحيح، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: 8/ 228: أخرجه النسائي وابن مردويه ورجاله رجال الصحيح إلا أن المحفوظ إرساله عن عكرمة ليس فيه عن ابن عباس، ومن الطريق المرسلة أخرجه ابن أبي حاتم وغيره.

1 - اغتيال المسلمين لابن سفيان الهذلي لحشده لقتال المسلمين

1 - اغتيال المسلمين لابن سفيان الهذلي لحشده لقتال المسلمين: 394 - من حديث عبد الله بن أنس رضي الله عنه قال: "دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إنه قد بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح يجمع لي الناس ليغزوني، وهو بعرنة فأته فاقتله)، قال: قلت: يا رسول الله انعته حتى أعرفه، قال: (إذا رأيته وجدت له قشعريرة). قال: فخرجت متوشحًا بسيفي، حتى وقعت عليه بعرنة مع ظعن يرتاد لهن منزلًا، وحين كان وقت العصر، فلما رأيته وجدت ما وصف لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من القشعريرة، فأقبلت نحوه، وخشيت أن يكون بيني وبينه محاولة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي الركوع والسجود. فلما انتهيت إليه قال: من الرجل، قلت: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك لهذا، قال: أجل أنا في ذلك، قال: فمشيت معه شيئًا، حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف حتى قتلته، ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه، فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرآني فقال: (أفلح الوجه)، قال: قلت: قتلته يا رسول الله، قال: (صدقت)، قال: ثم قام معي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل في بيته فأعطاني عصا، فقال: (أمسك هذه عندك يا عبد الله بن أُنيس). قال: فخرجت بها على الناس، فقالوا: ما هذه العصا؟، قال: قلت: أعطانيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمرني أن أمسكها، قالوا: أولا ترجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتسأله عن ذلك؟ قال: فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا؟، قال: (آية بيني وبينك يوم القيامة، إن أقل الناس المختصرون (¬1) يومئذ يوم القيامة)، فقرنها عبد الله بسيفه فلم تزل معه، حتى إذا مات أمر بها، فضمت معه في كفنه، ثم دفنا جميعًا" (¬2). ¬

_ (¬1) المختصرون: أو المتخصرون: المتكئون على المخاصر: جمع مخصرة وهي ما يمسكه الإنسان بيده من عصا وغيرها. والمراد هنا: الذين يأتون يوم القيامة ومعهم أعمال صالحة يتكئون عليها. (¬2) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب صلاة الطالب حديث رقم: 1249، بإختصار أحمد في المسند: 3/ 496 البيهقي في السنن: 3/ 256، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 1/ 295، إسناده جيد، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: 2/ 350، إسناده حسن، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 203 - 204رواه الطبراني ورجاله ثقات، واللفظ لأحمد.

2 - قصة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرجيع

2 - قصة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرجيع: 395 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة عينًا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب، حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزلٍ نزلوه. فقالوا: تمر يثرب فاتبعوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا أيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا. فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم، أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، ثم قال: اللهم أخبر عنا نبيك - صلى الله عليه وسلم -، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها. قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة -يريد القتلى- فجروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم (فقتلوه)، فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبًا -وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر- فلبث خبيب عندهم أسيرًا حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدبها، فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. قالت: والله ما رأيت أسيرًا، قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنب في يده، وإنه لموثق بالحديد، وما بمكة من ثمرة. وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، فقال:

3 - قصة أصحاب رسول الله في بئر معونة

والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا، ثم أنشأ يقول: فلست أبالي حين أقتل مسلمًا ... على أي جنب كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب سن لكل مسلم قتل صبرًا الصلاة، وأخبر -يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف -وكان قتل رجلًا عظيمًا من عظمائهم- فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا" (¬1). وقد أورد ابن إسحاق رحمه الله في السيرة أن عددهم كان ستة وأن أميرهم كان مرثد بن أبي مرثد الغنوي، والمقدم عندنا ما في الصحيح أن عددهم كان عشرة وأن أميرهم كان عصام بن ثابت الأنصاري والله أعلم. 3 - قصة أصحاب رسول الله في بئر معونة: أ - سبب خروج القراء من أصحاب رسول الله: 396 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "إن رعلًا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عدو، فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار، ويصلون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقنت شهرًا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب، على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب فضل من شهد بدرًا رقم: 3989، وباب غزوة الرجيع ورعل وذكوان رقم: 4086، أبو داود في الجهاد باب في الرجل يستأسر رقم: 2660، 2661، وعبد الرزاق في المصنف رقم: 9730، وأحمد في المسند: 2/ 295 - 315 والبيهقي في الدلائل: 3/ 323 - 325 والطبري في تاريخه: 2/ 538 - 541، وأبو داود الطيالسي رقم: 2349، 2/ 101. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة بني الرجيع: 4090، وقد جاء أيضًا في الوتر باب القنوت قبل الركوع وبعده، الجهاد، باب دعاء الإمام على من نكث عهدًا، الدعوات باب الدعاء على المشركين، مسلم في المساجد باب استحباب القنوت في جميع الصلاة، إذا نزلت بالمسلمين نازلة رقم: 677، وأحمد في المسند: 3/ 167، 255، ابن سعد في الطبقات: 2/ 51 - 54 والبيهقي في الدلائل: 3/ 338 - 344 والطبراني ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 126 - 127.

ب - جوار ملاعب الأسنة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

ب - جوار ملاعب الأسنة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: 397 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء ملاعب الأسنة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بهدية، فعرض عليه الإِسلام فأبى أن يسلم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فإني لا أقبل هدية من مشرك، قال: فأبعث إلى أهل نجد من شئت فأنا لهم جار، فبعث إليهم بقوم فيهم المنذر بن عمرو، وهو الذي يقال له -المعتق ليموت -أو -أعتق عند الموت-، فاستجاش (¬1) عليهم عامر بن الطفيل بني عامر فابوا أن يطيعوه، وأبوا أن يخفروا ملاعب الأسنة، فاستجاش عليهم بني سليم، فأطاعوه، فاتبعهم بقريب من مائة رجل رام فأدركهم ببئر معونة، فقتلوهم إلا عمرو بن أمية" (¬2). 398 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "جاء ناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أن ابعث معنا رجالًا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلًا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام، يقرأون القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فعرضوا لهم فقتلوهم، قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا، أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا، قال: وأتى رجل حرامًا خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم! بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك، فرضينا عنك ورضيت عنا) (¬3) ". ¬

_ (¬1) استجاش: طلب لهم الجيش وجمعه. (¬2) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: 9741، والطبراني في الكبير: 19/ 70 - 72 رقم: 138، 139، 140، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 126 - 127، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (¬3) أخرجه مسلم في صحيحه في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد رقم: 677، ص: 1511 طبعة فؤاد عبد الباقي، وأبو نعيم في الدلائل: ص: 513، والبيهقي في الدلائل: 3/ 347.

جـ - قصة عامر بن فهيرة يوم بئر معونة

جـ - قصة عامر بن فهيرة يوم بئر معونة: 399 - من حديث عائشة رضي الله عنها: (... فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة، وعن أبي أسامة قال: قال هشام بن عروة فأخبرني أبي قال: لما قتل الذين ببئر معونة وأسر عمرو بن أمية الضمري، قال له عامر بن الطفيل: من هذا؟ فأشار إلى قتيل، فقال له عمرو بن أمية: هذا عامر بن فهيرة. فقال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض، ثم وضع، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرهم فنعاهم فقال: (إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا ورضيت عنا فأخبرهم عنهم) وأصيب يومئذ عروة بن أسماء بن الصلت فسمي عروة به، ومنذر بن عمرو سمي به منذرًا) (¬1). د - دعاء النبي على قتلة القراء في دعاء القنوت ثم تركه عندما جاؤوا تائبين مسلمين: 400 - وقد سبق من حديث أنس في سبب خروج القراء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فانظر تخريجه هناك (¬2). 401 - وقد جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح، في دبر كل صلاة، إذا قال: (سمع الله لمن حمده) من الركعة الأخيرة، يدعو على أحياء من بني سليم، على رعل وذكوان وعصية، ويؤُمِّن من خلفه" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت ونجيب وأصحابه رقم: 4093، وفي مناقب الأنصار باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة رقم: 3900، وأبو نعيم في الدلائل: ص: 513، والبيهقي في الدلائل: 3/ 353 وأبو نعيم في الحلية: 1/ 110، وقد سبق جزء منه برقم: 119. (¬2) انظر حديث رقم: 396. (¬3) أخرجه أبو داود في الصلاة باب القنوت في الصلوات: 1443، وأحمد في المسند: 1/ 301 وصححه الحاكم في المستدرك: 1/ 225 ووافقه الذهبي، واللفظ لأبي داود.

المبحث الثالث: غزوة بني النضير

المبحث الثالث: غزوة بني النضير وقت الغزوة: قال الزهري عن عروة: (كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد (¬1)، وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة وأحد (¬2)، وقد وافق ابن إسحاق جل أهل المغازي كما قال الحافظ في الفتح (¬3). وقد ذهب إلى تأييد الرأي الثاني ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد فقال: "وزعم محمَّد بن شهاب الزهري أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وهذا وهم منه أو غلط عليه، بل الذي لا شك فيه أنها كانت بعد أحد، والتي كانت بعد بدر بستة أشهر هي غزوة بني قينقاع، وقريظة بعد الخندق، وخيبر بعد الحديبية، وكان له مع اليهود أربع غزوات، أولها: غزوة بني قينقاع بعد بدر، والثانية: بني النضير بعد أحد، والثالثة: قريظة بعد الخندق، والرابعة: خيبر بعد الحديبية" انتهى، وقد ذهب ابن حزم في جوامع السير هذا المذهب قبل ابن القيم والله أعلم (¬4). سبب نزول سورة الحشر: 402 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: سورة التوبة قال: التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل حتى ظنوا أنها لم تبق أحدًا منهم إلا ذكر فيها، قال: قلت: سورة الأنفال، قال: نزلت في بدر قال: سورة الحشر قال: نزلت في بني النضير" (¬5). ¬

_ (¬1) علقه البخاري في المغازي باب حديث بني النضير قبل الحديث رقم: 4028، ووصله عبد الرزاق في مصنفه رقم: 9732، عن معمر عن الزهري أتم من هذا، وهو في حديثه عن عروة. (¬2) علقه البخاري في المغازي باب حديث بني النضير قبل الحديث رقم: 4028. (¬3) فتح الباري: 7/ 330 - 331. (¬4) زاد المعاد: 3/ 249، جوامع السير ص: 181. (¬5) أخرجه البخاري في المغازي حديث بني النضير حديث رقم: 4029 مسلم في صحيحه كتاب التفسير باب في سورة براءة والأنفال والحشر حديث رقم: 3031.

قطع الشجر وتحريقه

قطع الشجر وتحريقه: 403 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (حرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فنزلت {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} وفي لفظ آخر له "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير، قال: ولها يقول حسان بن ثابت: وهان على سراء بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير قال فأجابه أبو سفيان بن الحارث: أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق في نواحيها السعير ستعلم أينا منها بنزه ... وتعلم أي أرضينا تضير (¬1) 404 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت غزوة بني النضير، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من غزوة بدر، وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل والأمتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح -فأنزل الله فيهم {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا}، فقاتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى صالحهم على الجلاء، فأخلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي، وأما قوله: {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} فكان ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام" (¬2). والناظر في حديث عائشة رضي الله عنها يرى أنه مؤيد للرأي القائل أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر كما قال الزهري رحمه الله، وهو في سند حديث عائشة، فالجواب عنه ما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في ذلك من الخطأ في النقل عن الزهري، أو هو وهم من الزهري رحمه الله والله أعلم". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة بني النضير رقم: 4031، 4032، مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها رقم: 1746، الترمذي في الجهاد والسير باب في التحريق والتخريب رقم: 1552، وفي التفسير باب ومن سورة الحشر رقم: 3302 وقال حسن صحيح، وأبو داود في الجهاد باب في الحرق في بلاد العدو رقم: 2615. (¬2) الحاكم في المستدرك: 2/ 483، وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي والبيهقي في دلائل النبوة: 2/ 444، والحديث صحيح إلا أنه ليس على شرط الشيخين لأنهما لم يخرجا لزيد بن المبارك ومحمد بن ثور وكلاهما ثقة.

المبحث الرابع: غزوة بدر الثانية

المبحث الرابع: غزوة بدر الثانية 405 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما انصرف أبو سفيان والمشركون عن أحد وبلغوا الروحاء قال أبو سفيان: لا محمَّد قتلتم، ولا الكواكب أردفتم، شر ما صنعتم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فندب الناس فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد -أو بئر بني عيينة فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}، وذلك أن أبا سفيان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا، فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة فأتوه فلم يجدوا به أحدًا وتسوقوا فأنزل الله -عز وجلَّ- ذكره. {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} " (¬1). المبحث الخامس: غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع 1 - وقت الغزوة: اختلف العلماء في ذلك وانحصرت أقوالهم فيها في ثلاثة أقوال، فمن قائل أنها سنة ست، قال بذلك ابن إسحاق إمام المغازي، وتبعه على ذلك خليفة بن خياط، وابن جرير الطبري، وابن حزم، وابن عبد البر، وابن العربي، وابن الأثير، وابن خلدون، فقد صرح كل منهم بأن غزوة بني المصطلق كانت في شعبان من السنة السادسة للهجرة (¬2). ولابن حزم رأي آخر، وافقه عليه عدد من العلماء، منهم مالك بن أنس وموسى بن عقبة، والبخاري، وابن قتيبة ويعقوب بن سفيان الفسوي والنووي، وابن خلدون أنها كانت في شعبان من العام الرابع للهجرة (¬3). وذهبت طائفة إلى أنها كانت في شعبان من السنة الخامسة للهجرة وذهب إلى هذا القول: موسى بن عقبة، وابن سعد، وابن قتيبة، والبلاذري، والذهبي، ¬

_ (¬1) قد سبق تخريجه في حديث رقم: 393 في غزوة حمراء الأسد فانظره هناك. (¬2) تاريخ خليفة ص 80، جوامع السير ابن حزم ص: 206، الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر ص: 200 - 202، عارضه الأحوذي لابن العربي: 12/ 49، تاريخ ابن خلدون: 2/ 29، الكامل لابن الأثير: 2/ 192، تاريخ الطبري: 2/ 604. (¬3) البداية والنهاية ابن كثير: 4/ 93 - 94، وفتح الباري: 7/ 428، والمعرفة والتاريخ للفسوي: 3/ 257، شرح صحيح مسلم للنووي: 4/ 532، وابن خلدون في تاريخه: 2/ 29، المعارف ابن قتيبة ص 70.

وابن القيم وابن حجر العسقلاني، وابن كثير رحمهم الله ومن المحدثين الخضري بك، والغزالي، والبوطي، وأبو شهبة والشيخ الساعاتي، وهذا القول هو الأصح والأظهر، والله أعلم؛ لأن الأدلة كلها متظاهرة ومتفقة على تأييد هذا القول، ومن هذه الأدلة: أ - روى البيهقي عن عروة، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري أنه قال: "ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس" (¬1). ب - قال ابن كثير: قال موسى بن عقبة عن الزهري: "هذه مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي قاتل فيها، يوم بدر في رمضان سنة ثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق -وهو يوم الأحزاب وبني قريظة- في شوال أربع، ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس". ثم أورد ابن كثير قول البخاري عن موسى بن عقبة "أنها سنة أربع" (¬2) وعقب عليه بقوله: هكذا رواه البخاري عن مغازي موسى بن عقبة أنها سنة أربع، والذي حكاه موسى بن عقبة، عن الزهري وعن عروة أنها كانت في شعبان سنة خمس (¬3). وعقب ابن حجر العسقلاني في فتح الباري على قول البخاري "وقال موسى ابن عقبة سنة أربع" بقوله: "كذا ذكره البخاري، وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس، فكتب سنة أربع، والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق، أخرجها الحاكم، وأبو سعيد النيسابوري، والبيهقي في الدلائل وغيرهم سنة خمس. ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب ثم قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني ¬

_ (¬1) البداية والنهاية: 3/ 242، 4/ 156، طبقات ابن سعد: 2/ 63، المعارف لابن قتيبة ص: 70، أنساب الأشراف البلاذري ص: 341، 343، العبر في خبر من غبر: 1/ 7، تاريخ الإِسلام: 2/ 272 وكلاهما للذهبي، ابن القيم رحمه الله (زاد المعاد: 3/ 256، نور اليقين: ص: 152، فقه السيرة الغزالي: 316، فقه السيرة البوطي القسم الثاني: 93، السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة: 196، الفتح الرباني ترتيب مسند أحمد الشيباني: 14/ 109، فتح الباري: 7/ 430. (¬2) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 9/ 54: 130 البخاري في المغازي باب غزوة بني المصطلق فتح الباري: 7/ 428. (¬3) البداية والنهاية: 3/ 242، 4/ 156.

2 - سبب غزوهم

المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس) ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد (عن ابن عمر أنه غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق في شعبان سنة أربع) ولم يؤذن له في القتال؛ لأنه إنما أذن له فيه في الخندق كما تقدم، وهي بعد شعبان سواء قلنا أنها كانت خمس أو سنة أربع). وقال الحاكم في الإكليل: قول عروة وغيره أنها كانت في سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق. قلت: ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك: أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك كما سيأتي، فلو كانت المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك كان فيها، لكان ما وقع في الصحيح من ذكره سعد بن معاذ غلطًا، لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة، وكانت سنة خمس على الصحيح كما تقدم تقريره، وإن كانت كما قيل سنة أربع. فيظهر أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان، لتكون قد وقعت قبل الخندق؛ لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس أيضًا، فتكون بعدها، فيكون سعد بن معاذ موجودًا في المريسيع ورُميَ بعد ذلك بسهم ومات من جراحته في قريظة، ويؤيده أيضًا أن حديث الإفك كان سنة خمس، إذ الحديث فيه التصريح بأن القصة وقعت بعد نزول الحجاب، والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة، فيكون المريسيع بعد ذلك فيرجح أنها سنة خمس" (¬1). 2 - سبب غزوهم: كان لذلك أسبابًا عدة منها: 1 - تأييد هذه القبيلة لقريش وتكتلها معها في معركة أحد ضد المسلمين، وذلك ضمن كتلة الأحابيش (¬2) التي كانت في الجيش المكي. 2 - سيطرة هذه القبيلة على الخط الرئيسي المؤدي إلى مكة، فكانت حاجزًا منيعًا ¬

_ (¬1) فتح الباري: 7/ 430، في المغازي باب غزوة بني المصطلق وغزوة أنمار. (¬2) الأحابيش: هم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة، وسمو بذلك لأنهم تحالفوا وتعاقدوا مع قريش على أنهم يد على من سواهم، وكان ذلك عند جبل بأسفل مكة يقال له حبشي فنسبوا إليه، وقيل سموا بذلك لتجمعهم والتحبش التجمع، والحباشة الجماعة، لسان العرب ابن منظور: 8/ 166، القاموس المحيط الفيروز آبادي: 2/ 267.

من نفوذ المسلمين إلى مكة. 3 - من أهم الأسباب في هذه الغزوة أن قبيلة بني المصطلق أخذت تجمع المجموع لغزو المدينة المنورة، وقد أطمعها في التفكير في غزو المدينة والتصميم على ذلك انتصار المشركين في غزوة أحد، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أعد عدته، واتخذ التدابير المناسبة، وباغتهم في مكانهم، وهزمهم شر هزيمة. 406 - قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان، كل قد حدثني ببعض حديث بني المصطلق قال: "بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن بني المصطلق يجمعون له ... " فذكر الحديث (¬1). 407 - من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن ابن عون قال: كتبت إلى نافع فكتب إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغار علي بني المصطلق، وهم غارون وأنعامهم تسقي على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية، حدثني به ابن عمر وكان في ذلك الجيش" لفظ البخاري، وفي لفظ مسلم، قال ابن عون: "كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، قال: فكتب إلي إنما كان ذلك في أول الإِسلام، قد أغار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبي سبيهم" الحديث فذكر بقية الحديث" (¬2). ترك الشيخ محمَّد الغزالي رواية البخاري ومسلم المتفق عليها في طريقة غزوه - صلى الله عليه وسلم - لبني المصطلق وأثبت أثرًا مخالفًا، وعلل ذلك بقوله "وفي الوقت الذي فسحت مكانًا لهذا الأثر -على ما به- صددت عن إثبات رواية البخاري ومسلم مثلًا للطريقة التي تمت بها غزوة بني المصطلق، فإن رواية الصحيحين تشعر بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - باغت القوم وهم غارون، ما عرضت عليهم دعوة الإِسلام، ولا ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في المجمع 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله ثقات، وانظر سيرة ابن هشام: 2/ 290، وسنده صحيح. (¬2) أخرجه البخاري في العتق باب من ملك من العرب رقيقًا فوهب وباع رقم: 2541، وسلم في كتاب الجهاد باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام رقم:1730، أبو داود في الجهاد باب في دعاء المشركين: 2632، وأحمد في المسند: 2/ 31، 32، 51، شرح معاني الآثار للطحاوي كتاب السير: 3/ 209، السنن الكبرى للبيهقي: 9/ 54، 9/ 107، كتاب الأموال لأبي عبيد ص: 175.

3 - أحداث الغزوة

بدا من جانبهم نكوص، ولا عرف من أحوالهم ما يقلق ... " إلى آخر كلامه (¬1) وقد جانب الشيخ الصواب لأسباب عدة منها: 1 - صحة حديث ابن عمر وصراحته في ذلك، وهو ثابت في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها، فلا يرده رأي يراه أي إنسان أو قول يحب أن ينصره. 2 - صرح كثير من العلماء بأن من بلغته الدعوة العامة إلى الإِسلام وقربت داره، أو حاول النيل من المسلمين أنه يجوز مباغتته على غرة (¬2). 3 - أن المستند الذي استند عليه الشيخ الغزالي حفظه الله لم تثبت صحته، في أثناء ذكره لسياق حديث غزوة بني المصطلق، وهو لا يقاوم الحديث الصحيح المسند المتفق على صحته إن كان صحيحًا فما بالك وهو ضعيف. 4 - ذكر الدكتور أكرم ضياء العمري حفظه الله أنه "لا يمكن معارضة آية قرآنية، أو حديث صحيح، برواية من كتب التاريخ والأدب. وقال في موطن آخر "ولا شك أن مادة السيرة في كتب الحديث موثقة يجب الاعتماد عليها، وتقديمها على روايات كتب المغازي والتواريخ العامة، وخاصة إذا أوردتها كتب الحديث الصحيحة؛ لأنها ثمرة جهود جبارة قدمها المحدثون عند تمحيص الحديث ونقده سندًا ومتنًا. وهذا التدقيق والنقد الذي حظي به الحديث، لم تحظ به الكتب التاريخية". 3 - أحداث الغزوة: 408 - وعن محمَّد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله ابن أبي بكر ومحمد بن يحيى ابن حبان كل قد حدثني ببعض حديث بني المصطلق قال: "بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار، أبو جويرية بنت الحارث، زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إليهم، حتى لقيهم على ماء لهم يقال له: المريسيع، من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا، فهزم الله ¬

_ (¬1) فقه السيرة محمَّد الغزالي ص: 10 تحت عنوان حول أحاديث هذا الكتاب. (¬2) صحيح مسلم بشرح النووي: 4/ 343، شرح معاني الآثار للطحاوي: 3/ 207 - 210 المدونة الكبرى لمالك: 2/ 2 تحفة الأحوذي: 5/ 155 - 156، فتح الباري: 6/ 112، 7/ 340،445.

4 - شعار المسلمين في غزوة بني المصطلق

بني المصطلق (وقتل الحارث بن أبي ضرار أبا جويرية)، وقتل من قتل منهم، ونفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبناءهم ونساءهم وأموالهم. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصاب منهم سبيًا كثيرًا، قسمه بين المسلمين (وكان فيما أصاب يومئذ جويرية بنت أبي ضرار سيدة قومها). وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر، يقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت، وهو يرى أنه من العدو فقتله خطأ، وقد وفد مقيس بن صبابة من مكة مسلمًا فيما يظهر، فقال: يا رسول الله جئتك مسلمًا، وجئت أطلب دية أخي، قتل خطأ. فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدية أخيه هشام بن صبابة، فأقام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدًا، وأصيب من بني المصطلق يومئذ ناس، وقتلَ علي بن أبي طالب منهم رجلين مالكًا وابنه، وقتل عبد الرحمن بن عوف رجلًا من فرسانهم يقال له: أحمر، أو أحيمر" (¬1). وليس بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر في الصحيح تعارض، فقد جمع ابن حجر رحمه الله بينهما بقوله: "ويحتمل أن يكون لما دهم المسلمون بني المصطلق وهم على الماء ثبتوا قليلًا وقاتلوا، ولكن وقعت الغلبة عليهم" (¬2). 4 - شعار المسلمين في غزوة بني المصطلق: 409 - من حديث سنان بن وبرة قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة المريسيع غزوة بني المصطلق فكان شعارهم: "يا منصور أمت أمت" (¬3). ¬

_ (¬1) ابن هشام في السيرة: 290 - 293، وسنده صحيح إلى ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله ثقات، ومدار الحديث على ابن إسحاق ورجاله ثقات وهم رجال الصحيح غير أنه مرسل، ويشهد له حديث عبد الله بن عمر فإنه صريح في وجود القتل والسبي وبذلك يكون الحديث حسنًا لغيره. (¬2) فتح الباري: 7/ 430 - 431، في التعليق علي حديث غزوة بني المصطلق في المغازي. (¬3) مجمع الزوائد: 6/ 142، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وإسناده حسن، وهو كما قال الهيثمي وإن كان فيه الحارث بن رافع الجهني قال فيه في التقريب مقبول عملًا بقاعدة تحسين الحديث للمستور إذا كان من التابعين كما هو مذهب ابن كثير وابن رجب رحمهما الله تعالى.

5 - قصة جويرية بنت الحارث وزواج النبي - عليه السلام - بها

5 - قصة جويرية بنت الحارث وزواج النبي - عليه السلام - بها: 410 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عم له، وكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستعينه في كتابتها. قالت: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي، فكرهتها وعرفته أنه سيرى منها ما رأيت، فدخلت عليه، فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عمه له، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابي. قال: (فهل لك خير من ذلك؟) قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: (أقضي كتابتك وأتزوجك)، قالت: نعم يا رسول الله، قال: (قد فعلت). قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسلوا ما بيديهم، قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها" (¬1). 6 - محاولة المنافقين إثارة الفتنة بين المسلمين في هذه الغزوة: 411 - من حديث جابر بن عبد الله قال: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة، قال: يرون أنها غزوة بني المصطلق، فكسع (¬2) رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ما بال دعوى جاهلية؟) قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال: (دعوها فإنها منتنة). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 6/ 277، والحاكم: 4/ 26، وسكت عنه هو والذهبي وأخرجه ابن هشام في السيرة النبوية وقد صرح ابن إسحاق بالسماع وسنده متصل: 2/ 294 والطبراني في الكبير: 24/ 61 وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 14/ 109 - 110 سنده جيد. أبو داود في كتاب العتق باب في بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة: 3931 وسنده حسن- وقد صرح ابن إسحاق بالسماع وسنده متصل. (¬2) كسع: ضرب دبره أخرجه بيد أو رجل أو سيف.

قول زعيم المنافقين (لا تنفقوا على من عند رسول الله ...) ونقل زيد بن أرقم ذلك إلى النبي

فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال: فعلوها؟ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدموا المدينة ثم أن المهاجرين كثروا بعدا" (¬1). قول زعيم المنافقين (لا تنفقوا على من عند رسول الله ...) ونقل زيد بن أرقم ذلك إلى النبي: 412 - من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله". وقال: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله, فاجتهد يمينه ما فعل، قالوا: كذب زيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقع في نفسي ما قالوا شدة حتى أنزل الله -عزَّ وجلَّ- تصديقي في قوله: {إذا جاءك المنافقون} فبعث إليَّ النبي فقرأ فقال: (إن الله قد صدقك يا زيد) (¬2). كيف عالج رسول الله عليه الصلاة والسلام: 413 - من طريق محمَّد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان، كل قد حدثني حديث بني المصطلق وساق الحديث، وذكر قصة الأنصار والمهاجرين والخصومة بينهما إلى أن قال: (... فغضب عبد الله بن أبي بن سلول، وعنده رهط من قومه فيهم: زيد ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في التفسير باب قوله {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} رقم: 4905، 4907، مسلم كتاب البر والآداب والصلة باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا رقم: 2584، والترمذي في التفسير باب ومن سورة المنافقين حديث رقم: 3315، وقال حسن صحح أحمد في المسند: 3/ 392 - 393، والطيالسي: 2/ 76 رقم: 2272، والحميدي: 1239، واللفظ لأحمد. (¬2) أخرجه البخاري في التفسير سورة المنافقين باب إذا جاءك المنافقون رقم: 4900، 4901، 4902، 4903، 4904، مسلم أول صفات المنافقين رقم: 2772، الترمذي في التفسير باب ومن سورة المنافقين حديث رقم: 3312، وقال حسن صحيح: 3313 وقال حسن صحيح: 3314 وقال حسن صحح، وأحمد في المسند: 4/ 369، 373.

بن أرقم غلام حدث! فقال: أو قد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدّنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حصره من قومه، فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم. فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك عند فراغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عدوه، فأخبره الخبر، وعنده عمر بن الخطاب، فقال: مر به عباد بن بشر فليقتله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه! لا, ولكن أذن بالرحيل) وذلك في ساعة لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتحل فيها، فارتحل الناس وقد مشى عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه، فحلف بالله، ما قلت ما قال، ولا تكلمت به -وكان في قومه شريفًا عظيمًا- فقال من حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار من أصحابه: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل، حدبًا على ابن أبي بن سلول، ودفعًا عنه. فلما استقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسار، لقيه أسيد بن حضير، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه، ثم قال: يا نبي الله، والله لقد رحت في ساعة منكرة، ما كنت تروح في مثلها، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أوما بلغك ما قال صاحبكم؟) قال: وأي صاحب يا رسول الله؟ قال: (عبد الله بن أبي)، قال: وما قال: قال: (زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال: فأنت يا رسول الله، والله تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل، وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى إنك قد استلبته ملكًا. ثم مشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدد يومهم ذلك، حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نيامًا، وإنما فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشتغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس، من حديث عبد الله بن أبي" إلى أن قال: وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه

موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي من أبيه

ويعنفونه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم: (كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت (¬1) له أنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته). قال: قال عمر: "قد والله علمت لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم بركة من أمري" (¬2): موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي من أبيه: 414 - في رواية الترمذي لحديث جابر السابق الذكر عن غزوة بني المصطلق ومحاولة المنافقين إثارة الفتنة زيادة لطيفة ليست عند البخاري ومسلم حيث قال الترمذي بعد قول النبي لعمر: (دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه)، وقال غير عمرو (يعني ابن دينار): فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله: والله لا تنفلت حتى تقر أنك الذليل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - العزيز ففعل (¬3). وقد جاء موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي من أبيه واستئذانه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أربعة أحاديث كلها منقطعة، ولكن رجالها ثقات عند الحميدي (¬4) من طريق أبي هارون، وعند الطبراني من طريق عروة بن الزبير، قال فيه الهيثمي (¬5) رجاله رجال الصحيح، ومن طريق عاصم بن عمر بن قتادة عند ابن جرير الطبري وابن هشام في السيرة (¬6)، ومن طريق عكرمة وابن زيد عند ابن كثير في التفسير والتاريخ (¬7). ولكن مجموع هذه الطرق يؤيد بعضها بعضًا، وترتقي إلى درجة الحسن ¬

_ (¬1) لأرعدت له أنف: انتفخت واضطربت أنوفهم حمية وعصبية. (¬2) سيرة ابن هشام: 2/ 290 - 292 والحديث رجاله ثقات ولكنه مرسل، وابن جرير الطبري في تاريخه: 2/ 605، وله شاهد مرسل من طريق عروة عند ابن أبي حاتم قال فيه ابن حجر، أنه مرسل جيد فتح الباري: 8/ 649، وأصله في الصحيحين كما سبق من حديث زيد بن أرقم، وجابر بن عبد الله وبهذا يكون الحديث حسنًا لغيره. (¬3) سبق تخريجه دون هذه الزيادة من حديث جابر رقم: 411، فانظر هناك. (¬4) مسند الحميدي: 2/ 520. (¬5) مجمع الزوائد: 9/ 318. (¬6) سيرة ابن هشام: 2/ 292 - 293، ابن جرير التاريخ: 2/ 608 تفسير: 28/ 116. (¬7) تفسير ابن كثير: 4/ 372، تاريخ البداية والنهاية: 4/ 158.

هبوب ريح شديدة لموت عظيم من المنافقين

لغيره، ويقويها رواية الترمذي السابقة الذكر، وقد جاء أيضًا ما يقويها من حديث أبي هريرة دون ذكر أنها كانت في غزوة بني المصطلق. 415 - من حديث أبي هريرة قال: "مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بي أبي وهو في ظل أطم (¬1) فقال: عبر علينا ابن أبي كبشة (يعني بذلك رسول الله) فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله: يا رسول الله، والذي أكرمك لئن شئت لآتينك برأسه، فقال: (لا ولكن بر أباك وأحسن صحبته) " (¬2). هبوب ريح شديدة لموت عظيم من المنافقين: 416 - من حديث ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قفل من غزوة بني المصطلق سلك بالناس طريق الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع يقال له نقعاء، فلما راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هبت على الناس ريح شديدة آذتهم، وتخوفوها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تخافوها، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار، فلما قدموا المدينة، وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بن قينقاع، وكان عظيمًا من عظماء يهود، وكهفًا للمنافقين، مات في ذلك اليوم ...) " (¬3). وقد وصله الإِمام مسلم، وعبد بن حميد، وأحمد من طريق آخر عن جابر دون ذكر أن الريح كانت في غزوة بني المصطلق وسأكتفي هنا بإيراد رواية مسلم. 417 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم من سفر، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب، فزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (بعثت هذه الريح لموت منافق، فلما قدم المدينة، فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات) (¬4). وبهذا الشاهد يعلم أن حديث ابن إسحاق يصبح حسنًا لغيره. ¬

_ (¬1) أطم: بناء مرتفع. (¬2) قال الهيثمي في المجمع: 9/ 318، رواه البزار ورجاله ثقات. (¬3) سيرة ابن هشام: 2/ 292 وهو مرسل رجاله ثقات وصرح ابن إسحاق بالتحديث. (¬4) أخرجه مسلم في كتاب صفة المنافقين رقم: 2782 أحمد في المسند: 3/ 315، 341، 346 وأبو يعلى في مسنده: 4/ 201، والطبري في تاريخه: 2/ 607 والبيهقي في الدلائل: 4/ 61.

المبحث السادس: حادثة الإفك

المبحث السادس: حادثة الإفك 418 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، (¬1) فخرج فيها سهمي، فخرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك بعد ما أنزل الله الحجاب، فانا أحمل في هودجي، وأنزل فيها مسيرنا، حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوه، وقفل ودنونا من المدينة آذن (¬2) ليله بالرحيل". 1 - سبب تأخر عائشة عن الجيش: فقمت حين آدنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري فهذا عقدي من جزع (¬3) ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي (¬4)، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه. قالت: وكان النساء إذ ذاك خفافًا، لم يُهَبَّلنَ (¬5)، ولم يغشهن اللحم (¬6)، إنما يأكلن العلقة (¬7) من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل (¬8) الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السنن, فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. ¬

_ (¬1) غزوة غزاها: هي غزوة بني المصطلق كما هو في رواية أبي يعلى في مسنده عن عائشة: 4/ 450. (¬2) آذن: اعلم. (¬3) جزع ظفار: خرز يماني. (¬4) هودج: مركب النساء. (¬5) يهبلن: لم يكثر عليهن اللحم والشحم. (¬6) يغشهن: يغط اللحم بعضه بعضًا. (¬7) العلقة: القليل من الطعام. (¬8) في رواية الليث عن يونس (فلم يستنكر القوم خفة الهودج).

2 - انتشار الإفك في المدينة

فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكراني قد عرس (¬1) من وراء الجيش فأدلج (¬2)، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليَّ، فاستيقظت باسترجاعه (¬3) حين عرفني، فخمرت (¬4) وجهي بجلبابي، والله ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقول في الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحو الظهيرة (¬5)، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول. 2 - انتشار الإفك في المدينة: فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرًا، والناس يفيضون (¬6) في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني (¬7) في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف (¬8) الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ فذاك يريبني، ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت (¬9)، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع (¬10) هو متبرزنا, ولا نخرج إلا ليلًا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف (¬11) قريبًا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه (¬12)، وكنا ¬

_ (¬1) عرس: التعريس هو نزول المسافر آخر الليل نزله للنوم والاستراحة. (¬2) أدلج: صار آخر الليل. (¬3) الاسترجاع: قوله إنا لله وإنا إليه راجعون. (¬4) خمرت: غطيت. (¬5) موغرين: النازل في وقت الوغرة وهو شدة الحر. (¬6) يفيضون: يخوضون. (¬7) يربيني: أوهمه وشكله. (¬8) اللطف: البر والرفق. (¬9) نقهت: برأت وافقت. (¬10) المناصع: مواضع قضاء الحاجة. (¬11) الكنف: جمع كنيف المكان الساتر المعد لقضاء الحاجة. (¬12) التنزه: البعد لقضاء لحاجة.

3 - استشارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه عند تأخر الوحي

نتأذى (¬1) بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا. فعثرت أم مسطح في مرطها (¬2). فقالت: تعس (¬3) مسطح، فقلت لها: أتسبين رجلًا قد شهد بدرًا؟! قالت: آي هنتاه (¬4)؟ ألم تسمعي ما قال: قلت: وماذا قال قالت: فأخبرتني يقول أهل الإفك فازددت مرضًا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: (كيف تيكم؟) قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجئت أبوي، فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس، فقالت: يا ابنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة (¬5)، عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن (¬6) عليها، قالت: قلت: سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي. 3 - استشارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه عند تأخر الوحي: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرًا، وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عيك في ¬

_ (¬1) نتأذى: نتقذر (¬2) عثرت في مرطها: وطئته برجلها فسقطت. (¬3) تعس: إذا أعثر وانكب لوجهه وهو دعاء عليه بالهلاك. (¬4) هنتاه: يا بلهاء كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكائد الناس وشرورهم. (¬5) وضيئة: حسنة مبهجة جميلة. (¬6) كثرن عليها: القول في عيبها.

4 - آثار فتنة الإفك

النساء كثيرًا، وإن تسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة فقال: (أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟). قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرًا قط أغمصه (¬1) عليها، أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن (¬2) فتأكله، قالت: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فاستعذر (¬3) من عبد الله بن أبي بن سلول. قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر: (يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي) فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. 4 - آثار فتنة الإفك: قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان رجلًا صالحًا، ولكن اجتهلته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تفتله، ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكتوا، وسكت. قالت وبكيت يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي، قالت: فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. ¬

_ (¬1) أغمصه: أعيبها به وأطعن فيها به. (¬2) الداجن: الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم. (¬3) استعذر أي قال من يقوم بعذري إن كافأت على سوء صنيعه فلا يلومني.

5 - مفاتحة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعائشة وجوابها له

5 - مفاتحة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعائشة وجوابها له: وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: (أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا (¬1). فإن كنت بريثة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه). قالت: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته، قلص دمعي (¬2) حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال، فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن، إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم، وصدقتم به، فإن قلت لكم: إني بريئة -والله يعلم أني بريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر -والله يعلم أني بريئة- لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلًا إلا كما قال أبو يوسف: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}. قالت: ثم تحولت فاضجعت على فراشي، قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببرائتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله -عَزَّ وَجَلَّ- في بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها. 6 - نزول الوحي ببراءة عائشة: قالت: فوالله ما رام (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فأخذه ما كان يأخذه من ¬

_ (¬1) كذا وكذا: كناية عما رميت به من الإفك. (¬2) قلص دمعي: ارتفع وذهب. (¬3) ما رام: ما برح وما فارق مجلسه.

البرحاء (¬1) عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان (¬2) من العرق في اليوم الشات من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سرى (¬3) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك، فكان أول كملة تكلم بها أن قال: (أبشري يا عائشة، أما الله فقد برأك) فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله هو الذي برأني. قالت: فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} عشر آيات فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- هؤلاء الآيات ببراءتي، قالت: فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} ... إلى قوله {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} ". قال حبان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله. "فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال لا أنزعها منهُ إبدًا. قالت عائشة: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل زينب بنت جحش زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أمري (ما علمت؟ وما رأيت؟) فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، (¬4) والله ما علمت إلا خيرًا. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني (¬5) من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعصمها الله بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها، فهلكت فيمن هلك، قال الزهريّ: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط" (¬6). وهذا اللفظ لمسلم. ¬

_ (¬1) البرحاء: شدة الكرب من ثقل الوحي. (¬2) الجمان: هو اللؤلؤ الصغار. (¬3) سرى: انكشف عنه ما يجده من الهم والقتل. (¬4) أحمي سمعي وبصري: أي أمنعهما من أن أنسب إليهما ما لم يدركاه، ومن العذاب لو كذبت عليهما. (¬5) تساميني: تعاليني وتفاخرني تطاولني عنده - صلى الله عليه وسلم -. (¬6) أخرجه البخاري في المغازي باب حديث الإفك رقم: 4141، مسلم في صحيحه كتاب التوبة باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف رقم: 2770، الترمذي في التفسير باب ومن سورة النور حديث رقم: 3180، وأبو يعلى في منده: 4397، 4927، أحمد في المسند: 6/ 59، وانظر الفتح الرباني: 21/ 73 - 75 وعبد الرزاق في المصنف: 5/ 410 - 419.

7 - الذي تولى كبر الإفك

7 - الذي تولى كبر الإفك: 419 - من حديث عائشة: قالت: "وكان الذي يتكلم فيه مسطح وحسان بن ثابت والمنافق عبد الله بن أبي، وهو الذي كان يستوشيه (¬1) وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة" (¬2). 8 - إقامة الحد على القاذفين: 420 - من حديث عائشة قالت: "لما نزل عذري قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم" (¬3). 421 - من حديث أبي هريرة قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأصاب عائشة القرعة في غزوة بني المصطلق ... " الحديث (¬4). وفيه "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجيء فيقوم على الباب فيقول: (كيف تيكم؟) حتى جاء يومًا فقال: (أبشري يا عائشة فقد أنزل الله عذرك، فقالت: بحمد الله لا بحمدك، وأنزل الله -عزَّ وجلَّ- في ذلك عشر آيات {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} قال: فحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسطحًا وحمنة وحسان". وكذا جاء من حديث عائشة عن ابن إسحاق في السيرة وسنده في ذلك صحيح، وقد صرح بالتحديث كما جاء في سيرة ابن هشام (¬5). 9 - موقف صفوان بن المعطل من حسان بن ثابت: 422 - قال ابن إسحاق: حدثني محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: أن ثابت ابن قيس بن الشماس وثب على صفوان بن المعطل، حين ضرب حسان، فجمع ¬

_ (¬1) يستوشيه: يستخرجه الحديث .. والسؤال والبحث عه. (¬2) أخرجه البخاري في تفسير سورة النور باب قوله {إن الذي يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا} رقم: 4757، مسلم في كتاب التوبة باب حديث الإفك رقم: 2770 الترمذي تفسير سورة النور حديث رقم:3180. (¬3) أخرجه الترمذي في التفسير باب ومن سورة النور حديث رقم: 3181 وقال حسن غريب ابن ماجه كتاب الحدود باب حد القذف حديث رقم: 2765، أبو داود حديث رقم: مصنف عبد الرزاق: 5/ 19، وأحمد: 6/ 61. (¬4) قال الهيثمي في المجمع: 9/ 230 رواه البزار وفيه محمَّد بن عمرو حسن الحديث وبقية رجاله ثقات. (¬5) سيرة ابن هشام: 2/ 297 - 300.

يديه إلى عنقه بحبل، ثم انطلق به إلى دار بني الحارث بن الخزرج: فلقيه عبد الله بن رواحة فقال: ما هذا؟ قال: أما أعجبك ضرب حسان بالسيف! والله ما أراه إلا قد قتلته، قال له عبد الله بن رواحة: هل علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء مما صنعت؟ قال: لا والله، قال: لقد اجترأت، أطلق الرجل، فأطلقه، ثم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكروا ذلك له، فدعا حسان وصفوان بن المعطل، فقال ابن المعطل: يا رسول الله آذاني وهجاني، فاحتملني الغضب، فضربته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان: (أحسن يا حسان، أتشوفت على قومي، أن هداهم الله للإسلام)، ثم قال: (أحسن يا حسان في الذي أصابك) قال: هي لك يا رسول الله" (¬1). ¬

_ (¬1) سيرة ابن هشام: 2/ 305، ابن جرير: 2/ 618 البيهقي في الدلائل: 4/ 74 - 75 وقال ابن حجر في تعجيل المنفعة: ص 128 سنده صحيح وقد وصلها موسى بن عقبة في مغازيه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وانظر مجمع الزوائد: 9/ 234 - 236. وقال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

الفصل السادس غزوة الأحزاب

الفصل السادس غزوة الأحزاب المبحث الأول: أحداث ما قبل المعركة 1 - وقت الغزوة وسببها: اختلف في وقتها وتاريخها على قولين أحدهما قول ابن إسحاق أنها في سنة خمس: 423 - عن محمَّد بن إسحاق قال: كانت الخندق في شوال سنة خمس وفيها مات سعد بن معاذ رضي الله عنه (¬1) قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (وكانت في سنة خمس من الهجرة في شوال على أصح القولين إذ لا خلاف أن أحدًا كانت في شوال سنة ثلاث، وواعد المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العام المقبل وهو سنة أربع ثم أخلفوه، لأجل جدب تلك السنة، فرجعوا، فلما كانت سنة خمس جاءوا لحربه، هذا قول أهل السير والمغازي (¬2). وذهب إلى هذا القول ابن سعد في الطبقات, والبيهقي في السنن وقطع به الذهبي، واعتمده الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وأبي عبيد في كتاب الأموال (¬3). وقال ابن كثير: وقد كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة نص على ذلك ابن إسحاق وعروة ابن الزبير وقتادة والبيهقي وغير واحد من العلماء سلفًا وخلفًا، وقد صرح الزهريّ بأن الخندق قد كانت بعد أحد بسنتين، ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله ثقات، سيرة ابن هشام: 2/ 214. (¬2) زاد المعاد: 3/ 269. (¬3) السيرة النبوية ابن هشام: 2/ 214، طبقات ابن سعد: 2/ 65، المغازي النبوية ص: 79، كتاب الأموال ص: 135، فتح الباري: 7/ 393، المغازي باب غزوة الخندق، دلائل النبوة للبيهقي: 3/ 393 - 397.

ولا خلاف أن أحدًا في شوال سنة ثلاث" (¬1). والقول الآخر: أنها كانت في شوال سنة أربع للهجرة، قال بذلك موسى بن عقبة في مغازيه، وتابعه على ذلك مالك بن أنس، ومال البخاري إلى ذلك، وقد رد ابن حجر في فتح الباري على القائلين بهذا القول، وبين ضعفه، وبأنه غير معتمد، وناقش ذلك حجة بحجة ودليلًا بدليل فانظره (¬2). 424 - قال ابن إسحاق حدثنا يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن كعب بن مالك، ومحمد بن كعب القرظي، والزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم من علمائنا، كلهم قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق قالوا: "إنه كان الذين حزبوا الأحزاب نفرًا من اليهود، وكان منهم سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، فلما قدموا على قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: إنا سنكون معكم عليه، حتى نستأصله. فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا يختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله فيهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) سيرة ابن كثير: 3/ 180 وانظر الرد على القائلين بغير القول عند ابن إسحاق. (¬2) فتح الباري: 7/ 393، المغازي باب غزوة الخندق وهو غزوة الأحزاب. (¬3) الآيات من سورة النساء: 51 - 54. (¬4) السيرة النبوية ابن هشام: 2/ 214 - 215 بإسناده ورجاله ثقات وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث ولكنه مرسل، وقد وصله السيوطي من رواية ابن إسحاق عن ابن عباس في لباب النقول، لأسباب النزول ص: 17، رواه الطبراني في الكبير: 11/ 251، وقال الهيثمي في المجمع: 7/ 6 وفيه يونس بن سليمان الجمال ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح.

2 - حفر الخندق

2 - حفر الخندق: 425 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق فإذا المهاجرين والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال: (اللهم إن العيش عيش الآخرة فأغفر للأنصار والمهاجرة) فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدًا وفي لفظ آخر قال: "جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة، وينقلون التراب على متونهم وهم يقولون: نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الإِسلام ما بقينا أبدًا قال يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يجيبهم (اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة، فبارك في الأنصار والمهاجرة) قال: يؤتون بملء كفي من الشعير، فيصنع لهم بإهالة (¬1) سنخ توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن" (¬2). 426 - من حديث البراء بن عازب قال: "لما كان يوم الأحزاب، وخندق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رأيته ينقل من تراب الخندق، حتى وارى عني التراب جلدة بطنه -وكان كثير الشعر- فسمعنه يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل من التراب يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزل سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا قال: ثم يمد صوته بآخرها" (¬3). ¬

_ (¬1) الإهالة: الدهن الذي يؤتدم به سواء كان زيتًا أو سمنًا أو شحمًا. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4099 - 4100، مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب وهي الخندق حديث رقم: 1805، الفتح الرباني: 21/ 77. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4106، 4104، مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب رقم: 1803، الفتح الرباني: 21/ 77، وكذلك جاء شبيهًا بالحديثين من حديث سهل بن سعد الساعدي عند البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4098، ومسلم رقم:1804.

3 - معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب

3 - معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب: أ - إبصاره قصور الملوك وإعطاؤهُ مفاتيح ملكهم: 427 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "لما كان حين أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءنا فأخذ المعول فقال: (بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية، فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض، ثم ضرب الثالثة، وقال: بسم الله فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة) " (¬1). ب - تكثيره الطعام: 428 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "احتفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق، وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (هل دللتم على أحد يطعمنا أكلة) قال رجل: نعم، قال: (أما لا فتقدم فدلنا عليه). فانطلقوا إلى رجل فإذا هو في الخندق يعالج نصيبه فيه، فأرسلت إليه امرأته أن جيء فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أتانا فجاء الرجل يسعى. فقال: بأبي وأمي، وله معزة وجديها فوثب إليها, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الجدي من ورائنا) فذبح الجدي، وعمدت امرأته إلى طحينة لها فعجنتها وخبزت، ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 303 والنسائي في الجهاد باب غزوة الترك: 6/ 43 - 44، والبيهقي في الدلائل: 3/ 417 - 418 ,وحسن إسناده الحافظ في الفتح 7/ 397، حيث قال ووقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسناد حسن عن البراء فذكر الحديث وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 130 - 131 رواه أحمد وفيه ميمون أبو عبد الله وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات. وللحديث شواهد من حديث ابن عباس عند الطبراني كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 131 - 132، سنورد تخريجه في الحديث التالي برقم: 428، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال الهيثمي في المجمع: 6/ 131، رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما حيي بن عبد الله وثقه ابن معين وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح، وله شاهد من حديث جابر في الصحيحين سيأتي ذكره وبهذا يكون الحديث كما قال الحافظ أو أكثر. * السمت: الدعاء.

وأدركت وتردت، فقربتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصبعه فيها فقال: (بسم الله، اللهم بارك فيها، اللهم بارك فيها اطعموا) فأكلوا منه حتى صدروا, ولم يأكلوا إلا ثلثها وبقى ثلثاها، فسرح أولئك العشرة الذين كانوا معه أن اذهبوا، وسرحوا إلينا نغديكم، فذهبوا وجاء أولئك العشرة مكانه، فأكلوا منها حتى شبعوا، ثم قام ودعا لربة البيت وسمَّت عليها وعلى أهلها، ثم مشوا إلى الخندق فقالوا: اذهبوا بنا إلى سلمان، وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها، فقال النبي لأصحابه: (دعونى فأكون أول من ضربها فقال: بسم الله) فضربها فوقعت فلقة ثلثها فقال: (الله أكبر قصور الروم ورب الكعبة)، ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة فقال: (الله أكبر قصور فارس ورب الكعبة)، فقال عندها المنافقون: نحن نخندق وهو يعدنا قصور فارس والروم (¬1). 429 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: "لما حفر الخندق رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصًا (¬2) فانكفأت (¬3) إلى امرأتي، فقلت لها: هل عندك شيء؛ فإني رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصًا شديدًا، فأخرجت لي جرابًا (¬4) فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة (¬5) داجن (¬6)، قال: فذبحتها وطحنت، ففزعت إلى فراغي، فقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت: لا تفضحني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه، قال: فجئته فساررته، فقلت: يا رسول الله! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعًا من شعير كان عندنا، فتعال أنت في نفر معك، فصاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: (يا أهل الخندق! إن جابرًا قد صنع لكم سورًا (¬7) فحيهلا بكم). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم، حتى أجيء) فجئت وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقدم الناس، حتى جئت امرأتي. فقالت: بك ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 131 - 132 رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد ابن حنبل ونعيم العنبري وهما ثقتان. (¬2) خمصًا: خلاء البطن من الطعام. (¬3) انكفأت: فرجعت وانقلبت. (¬4) الجراب: الوعاء من الجلد. (¬5) البهيمة: السخلة الصغيرة من ولاد المعز. (¬6) داجن: ما ألف البيوت. (¬7) السور: الطعام الذي يدعى إليه.

4 - منزل المشركين في الخندق

وبك (¬1)، فقلت: قد فعلت الذي قلت لي. فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيه وبارك، ثم قال: (ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي في برمتكم (¬2) ولا تنزلوها) وهم ألف. فأقسم بالله إلا أكلوا حتى تركوه وانحرفوا (¬3)، وإن برمتنا لتغط (¬4) كما هي، وإن عجينتنا -أو كما قال الضحاك- لتخبز كما هو" (¬5). 4 - منزل المشركين في الخندق: 430 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر} قالت: كان ذاك يوم الخندق" (¬6). وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه كما قال الحافظ في الفتح تفسير آخر قال: "وعند ابن مردويه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما {إذ جاءوكم من فوقكم} قال: عيينة بن حصن {ومن أسفل منكم} أبو سفيان بن حرب" (¬7). وقد بين ابن إسحاق بسنده الذي ذكره في بداية غزوة الخندق ورجاله ثقات، وقد صرح هو بالتحديث، لكن الحديث مرسل ولذا فإنه يستأنس به تحديد الموقع الذي نزل فيه المشركون قال: (نزلت قريش بمجمع السيول في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وتهامة، ونزل عيينة في غطفان ومن معهم من أهل نجد إلى جانب أحد بباب نعمان، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف، والخندق بينهم وبين القوم، وجعل ¬

_ (¬1) بك وبك: ذمته ودعت عليه. (¬2) اقدحي في برمتكم: أي اغرفي. (¬3) تركوا، وانحرفوا: شبعوا وانصرفوا. (¬4) لتغط: تغلي ويسمع غلبانها. (¬5) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4102 ورقم: 4101، مسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه حديث رقم: 2039، الفتح الرباني: 22/ 60، والحاكم في المستدرك: 3/ 30 - 31، وأحمد في المسند: 3/ 30 مختصرًا والدارمي في المقدمة باب ما أكرم به النبي في بركة طعامه: 1/ 19 - 12 والطبراني في الأحاديث الطوال برقم: 51، 25/ 302. (¬6) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4103. (¬7) فتح الباري على صحيح البخاري في التعليق على الحديث السابق: 7/ 440.

5 - شعار المسلمين يوم الخندق

النساء والذراري في الأطام" (¬1). وقد جاء تحديد موضع الخندق من حديث عمرو بن عوف المزني: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خط الخندق من أحمر السبختين طرف بني حارثة عام حرب الأحزاب، حتى بلغ المداحج فقطع لكل عشرة أربعين ذراعًا" (¬2). والحديث يستأنس به في هذا الموطن لأنه ليس فيه إثبات حكم شرعي أو غير ذلك، وإنما هو تحديد مكان تاريخي ألا وهو مكان الخندق. 5 - شعار المسلمين يوم الخندق: 431 - عن المهلب بن أبي صفرة قال: سمعت من يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وهو يخاف أن يبيته أبو سفيان فقال: (إن بيتم فادعو حم لا ينصرون) (¬3). ¬

_ (¬1) انظر تخريج السند أولًا في حديث رقم: 424 والحديث في السيرة لابن هشام: 2/ 315 - 316. وانظر فتح الباري: 7/ 400. (¬2) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 130، رواه الطبراني وفيه كثير بن عبد الله المزني وقد ضعفه الجمهور وحسن الترمذي حديثه وبقية رجال ثقات. (¬3) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 65، 289، 5/ 377، الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب ما جاء في الشعار حديث رقم: 1682 أبو داود في الجهاد باب في الرجل ينادي بالثمار وصححه الحاكم: 2/ 107، وقد وصله من حديث البراء حيث قال في هذه الرواية: صحيح الإسناد على شرط الشيخين إلا أنه فيه إرسال فهذا الرجل الذي لم يسمه المهلب بن أبي صفرة البراء بن عازب" وقد أخرجه الحاكم أيضًا في نفس الصفحة عن البراء بن عازب بإسناد المهلب وصرح فيه باسم البراء.

المبحث الثاني: من مشاهد المعركة

المبحث الثاني: من مشاهد المعركة 1 - رجل المهمات الصعبة: 432 - من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الأطم (¬1) الذي فيه نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أطم حسان، فكان يرفعني وأرفعه، فهذا رفعني عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة، وكان يقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق فقال: (من يأتي بني قريظة فيقاتلهم؟) فقلت له حين رجع: يا أبت تالله إن كنت لأعرفك حين تمر ذاهبًا إلى بني قريظة فقال: "يا بني أما والله إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليجمع لي أبويه جميعًا يفديني بهما، يقول: (فداك أبي وأمى) (¬2). 433 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال: "اشتد الأمر يوم الخندق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا رجل يأتينا بخبر بني قريظة؟ فانطلق الزبير فجاء بخبرهم، ثم اشتد الأمر أيضًا فذكر ثلاث مرات فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن لكل نبي حواري والزبير حواري) (¬3). 2 - إشغال المشركين المسلمين عن الصلاة: لقد ضيق أهل الكفر حصارهم على رسول الله وأصحابه في المدينة المنورة يوم الخندق حتى شغلوهم عن الصلاة، واستبسل الصحابة وأبدوا من ضروب الشجاعة الشيء الكثير أيضًا، وقد جاءت قصة إشغال المشركين النبي وأصحابه عن الصلاة من رواية عدة من الصحابة، وأجمع الروايات ما ثبت من: 434 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل "وفي رواية -قبل أن ينزل صلاة الخوف فرجالًا أو ركبانًا" فلما كفينا القتال وذلك قوله: ¬

_ (¬1) الأطم: بناء مرتفع كالحصن. (¬2) أخرجه البخاري في مناقب الصحابة باب مناقب الزبير رقم: 3720، مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل طلحة والزبير رقم: 2416، أحمد فى المسند: 1/ 164، 166. (¬3) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب الزبير رقم: 3719، مسلم في الفضائل باب فضائل طلحة والزبير حديث رقم: 2415، الترمذي في المناقب باب مناقب الزبير: 3745، ابن ماجه في المقدمة باب فضائل الزبير: 122، الحميدي رقم: 1231، أحمد في المسند: 3/ 307 ,314 ,338 ,365.

3 - مفاوضة الرسول زعيم بني غطفان لتخفيف الحصار

{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالًا فأقام الظهر فصلاها كما يصليها في وقتها" (¬1). 435 - من حديث علي كرم الله وجهه: "عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوم الخندق: (ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارًا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس) (¬2). 436 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "إن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله، ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والله ما صليتها)، فنزلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بطحان، فتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب" (¬3). 3 - مفاوضة الرسول زعيم بني غطفان لتخفيف الحصار: 437 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء الحارث الغطفاني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمَّد شاطرنا تمر المدينة فقال - صلى الله عليه وسلم -: (حتى أستأمر السعود) فبعث إلى سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وسعد بن مسعود، وسعد بن خيثمة، فقال: (إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وأن الحارث سألكم أن تشاطروه تمر المدينة، فإن أردتم أن تدفعوه عامكم هذا في ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في كتاب الأذان باب الأذان للفائت من الصلوات: 2/ 17، أحمد في المسند: 3/ 25، 49، 67، البيهقي في السنن: 1/ 402، والشافعي في الأم: 1/ 75، الدرامي في السنن: 1/ 358 وصححه ابن حبان: 285، وغير ابن حبان وإسناده صحيح، وقال ابن سيد الناس (هذا إسناد صحيح جليل)، ورواه الطيالسي برقم: 2231، وصححه ابن السكن كما قال ابن حجر في التلخيص ص: 73. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4111، مسلم في المساجد باب التغليظ في تفويت صلاة العصر رقم: 627، أبو داود في الصلاة باب في وقت الصلاة حديث رقم: 409، النسائي كتاب الصلاة باب المحافظة على صلاة العصر: 1/ 236، ابن ماجه في الصلاة باب المحافظة على صلاة العصر حديث رقم: 684، أحمد: 1/ 79، 81، 113، 122، 126، 135، 137، 146 ,150، 152. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4112، مسلم في المساجد باب الدليل لمن قال أن الصلاة الوسطى صلاة العصر حديث رقم: 631، الترمذي الصلاة باب في الرجل إذا فاته الصلوات بأيهن يبدأ رقم: 180، وقد جاء شبيها بما سبق من حديث ابن مسعود عند مسلم برقم: 628 المساجد باب التغليظ في تفويت صلاة العصر، الترمذي الصلاة باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيهن يبدأ رقم: 179، ابن ماجه الصلاة باب المحافظة على صلاة العصر رقم: 686، أحمد في المسند: 1/ 404، 456.

4 - قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبدود العامري

أمركم بعد) فقالوا: يا رسول الله أوحي من السماء، فالتسليم لأمر الله أو عن رأيك وهواك فرأينا نتبع هواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء، ما ينالون منا ثمرة إلا شراء أو قرى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هوذا تسمعون ما يقولون)، قالوا: غدرت يا محمَّد، فقال حسان بن ثابت رضي الله عنه: يا جار من يغدر بذمة جاره ..... منكم فإن محمدًا لا يغدر وأمانة المري حين لقيتها ... كسر الزجاجة صدعها لا يجبر إن تغدروا فالغدر من عاداتكم ... واللؤم ينبت في أصول السخبر (¬1) 4 - قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبدود العامري: 438 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قتل رجل من المشركين يوم الخندق فطلبوا أن يواروه فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أعطوه الدية، وقتل من بني عامر بن لؤي عمرو بن عبدود، قتله علي بن أبي طالب مبارزة" (¬2). وقد جاءت قصة مبارزة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعمرو بن عبدود العامري مفصلة عند ابن إسحاق في السيرة مستقصاة ومستوفاة، إلا أنها مرسلة، ولم يصل بها ابن إسحاق إلى صحابي روى هذا الحديث، ولذلك لم أورد التفاصيل هنا، واقتصرت على ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه، من أن قاتل عمرو بن عبدود العامري هو علي بن أبي طالب كما مر في الحديث السابق، الذي أوردناه. هذا ما وصلت إليه بعد بذل الجهد فقد بحثت عن إسناد لهذا الحديث مفصلًا فلم أصل إلى ذلك، فاقتصرت على ما مضى، والله تعالى أعلم، فليس كل ما أورده أهل السير وأخذ مأخذ المسلمات ثبت عند أهل الحديث والمحدثين، فاعلم هذا أخي القارئ بارك الله فيك. ¬

_ (¬1) كشف الأستار عن زوائد البزار رقم: 1803 وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 132 رواه البزار والطبراني ورجال البزار والطبراني فيهما محمَّد بن عمرو وحدثه حن وبقية رجاله ثقات، والسخبر: شجر تألفه الحيات فتسكن في أصوله. (¬2) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 32 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقد جاء أيضًا من حديث ابن شهاب الزهري وهو مرسل عند الحاكم: 3/ 32 وقال إسناد هذا المغازي صحيح على شرط الشيخين، قد أورد الآثار عن ابن إسحاق الحاكم: 3/ 23 - 34، فانظر هناك إن أحببت الاستزادة.

5 - سعد بن أبي وقاص يرمي رجلا فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم

5 - سعد بن أبي وقاص يرمي رجلًا فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم: 439 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "لما كان يوم الخندق ورجل يتترس جعل يقول بالترس هكذا، فوضعه فوق أنفه، ثم يقول هكذا يسفله، بعد قال: فأهويت إلى كنانتي، فأخرجت منها سهمًا مدمى، فوضعته في كبد القوس، فلما قال هكذا تسفل الترس رميت، فما نسيت وقع القدح على كذا وكذا من الترس، مال وسقط فقال برجله هكذا، فضحك نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أحسبه قال حتى بدت نواجذه، قال قالت: لم فعل، قال كفعل الرجل" (¬1). 6 - إصابة سعد بن معاذ رضي الله عنه: 440 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجت يوم الخندق أقفوا آثار الناس قالت: فسمعت وئيد (¬2) الأرض ورائي يعني حس الأرض، قالت: فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ، ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة (¬3) قالت: فجلست إلى الأرض، فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد، قالت: وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم، قالت: فمر وهو يرتجز ويقول: لبث قليلًا يدرك الهيجا جمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت: فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه سبغة يعني له مغفرًا (¬4). فقال عمر: ما جاء بك، لعمري والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 135 - 136، رواه أحمد والبزار إلا أنه قال كان رجل معه ترسان وكان سعد راميًا فكان يقول كذا وكذا بالترسين يغطي جبهته فنزع له سعد بسهم فلما رفع رأسه رماه فلم يخط هذه منه يعني جبهته والباقي بنحوه ورجالهما رجال الصحيح غير محمَّد بن محمَّد بن الأسود وهو ثقة، وانظر كشف الأستار: 1808. (¬2) وئيد: صوت شدة الوطء على الأرض سمع كالدوي من بعد. (¬3) المجنة: الترس. (¬4) مغفر: هو ما يلبسه الدارع على رأسه من الزرد.

7 - محاولة فاشلة عند حصون النساء

أو يكون تحوز (¬1)، قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ فدخلت فيها، قالت: فرفع الرجل السبغة عن وجهه، فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: يا عمر ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم: وأين التحور أو الفرار إلا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، قالت: ويرمي سعدًا رجل من المشركين من قريش يقال له ابن العرقة بسهم له فقال له: "خذها وأنا ابن العرقة" فأصاب أكحله (¬2) فقطعه فدعا الله -عَزَّ وَجَلَّ- سعد فقال: "اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة" قالت: وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية، قالت: فرقى كلمه (¬3) وبعث الله -عَزَّ وَجَلَّ- الريح على المشركين فكفى الله -عَزَّ وَجَلَّ- المؤمنين القتال، وكان الله قويًّا عزيزًا، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن حصن ومن معه بنجد (¬4). 7 - محاولة فاشلة عند حصون النساء: 441 - من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال: "لم يكن حصن أحصن من حصن بني حارثة، فجعل النبي في النساء والصبيان والذراري فيه، وقال: (إن ألم بكن أحد فألمعن بالسيف) فجاءهن رجل من بني ثعلبة بن سعد يقال له نجدان أحد بني حشاش على فرس، حتى كان في أصل الحصين ثم جعل يقول للنساء: انزلن إلى خير لكن، فحركن السيف فأبصره أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فابتدر الحصين قوم فيهم رجل من بني الحارثة يقال له: ظهير بن رافع، فقال: يا نجدان ابرز، فبرز إليه، فحمل على فرسه، فقتله وأخذ رأسه فذهب به إلى الني - صلى الله عليه وسلم -" (¬5). 442 - من حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأحزاب فقال: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم ¬

_ (¬1) تحوز: حرب أو أسر. (¬2) الأكحل: عرق في وسط الذراع في كل عضو منه شعبة إذا قطع لم يرقأ الدم. (¬3) الكلم: الجرح والكليم: الجريح. (¬4) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 136 - 138رواه أحمد وفيه محمَّد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث وبقية رجاله ثقات، وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 21/ 81 - 83 أورده الحافظ ابن كثير في تاريخه ثم قال هذا الحديث إسناده جيد، وله شواهد من وجوه كثير سيرة ابن كثير: 3/ 238. (¬5) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 133، رواه الطبراني ورجاله ثقات.

8 - عدم صحة ما يروى من جبن حسان

وزلزلهم) (¬1). 443 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده) (¬2). 8 - عدم صحة ما يروى من جبن حسان: من حديث ابن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: "كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع، حصن حسان بن ثابت، وكان حسان بن ثابت معنا فيه مع النساء والصبيان حين خندق النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت صفية: فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة أو قطعت ما بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمون في نحور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم، إذ أتانا آت، فقلت لحسان بن ثابت إن هذا اليهودي يطيف بالحصن كما ترى، ولا آمنه أن يدل على عورتنا من ورائنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فانزل إليه فاقتله. فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت صفية: فلما قال ذلك، احتجزت عمودًا ثم نزلت من الحصين إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصين، فقلت يا حسان أنزل فاستلبه، فإنه لم يمنعني أن أستلبه إلا أنه رجل، فقال: ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4115 مسلم في الجهاد والسير استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو حديث رقم: 1742/ 21، الترمذي كتاب فضائل الجهاد باب ما جاء في الدعاء عند القتال: 1678، أبو داود الجهاد باب فى كراهية تمني لقاء العدو رقم: 2631. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4114 مسلم في الذكر والدعاء باب التحوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل حديث رقم: 2724. (¬3) ابن هشام في السيرة: 2/ 228، وقد جاء من طريق الزبير بن العوام وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 133 - 134، وقال: رواه البزار وأبو يعلى باختصار وإسنادهما ضعيف، ومن حديث عروة وقال: 6/ 134، رواه الطبراى ورجاله إلى عروة رجال الصحيح، ولكنه مرسل فالحديث ضعيف.

9 - تحسس الأخبار عن المشركين

وهذا الخبر لا يصح لأمرين: الأول: من حيث الإسناد، فالخبر ليس مسندًا، وقد علمنا علماؤنا أنه لا يؤخذ من الأخبار إلا إذا كان له إسناد، ولا يؤخذ الخبر المسند إلا إذا كان إسناده صحيحًا. وهذا الخبر ساقط لا يصح ولا يجوز أن يروى، فيساء إلى صحابي من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان ينافح عن الدعوة الإِسلامية، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمره كله. الثاني: لو كان حسان بن ثابت رضي الله عنه معروفًا بالجبن الذي ذكر عنه لهجاه أعداؤه ومبغضوه بهذه الخصلة الذميمة لا سيما الذين كان يهاجيهم، فلم يسلم من هجاته أحد من زعماء الجاهلية". والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يؤيده ويدعو له، ويشجعه على هجاء زعماء المشركين (¬1). 9 - تحسس الأخبار عن المشركين: 444 - من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: فعن محمَّد بن كعب القرظي قال: "قال فتى منا من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله لقد رأيتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد (¬2). قال: والله لو أدركنا ما تركناه يمشي على الأرض، ولجعلناه على أعناقنا، قال: فقال حذيفة: يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخندق، وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل هويًا (¬3)، ثم التفت إلينا فقال: (من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم، يشترط له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يرجع، أدخله الله الجنة)، فما قام رجل، ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هويًا، ثم التفت إلينا فقال: (من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع، يشرط له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجعة، ¬

_ (¬1) غزوة الأحزاب الدكتور أبو فارس ص: 197 - 198. (¬2) نجهد: في مشقة شديدة. (¬3) هويًا: الحين الطويل من الزمان.

أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة)، فما قام رجل من القوم من شدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد. فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن لي بد في القيام حين دعاني فقال: (يا حذيفة فاذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون ولا تحدثن شيئًا حتى تأتينا)، قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل ما تفعل، لا تقر لهم قدر، ولا نار، ولا بناء، فقام أبو سفيان بن حرب فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ إلى جليسه، فقال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي جنبي، فقلت: من أنت؟ قال: أنا فلان بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع (¬1) وأخلفتنا بنو قريظة، بلغنا منهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، والله ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه ثم ضربه فوثب على ثلاث، فما أطلق عقله، إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله لا تحدث شيئًا حتى تأتيني ثم شئت لقتلته بسهم. قال حذيفة، ثم رجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم يصلي في مرط (¬2) لبعض نسائه مرجل (¬3)، فلما رآني أدخلني إلى رحله، وطرح عليه طرف المرط، ثم ركع وسجد وإنه لفيه، فلمّا سلم أخبرته الخبر، وسمعت غطفان بما فعلت قريش وانشمروا إلى بلادهم). هذا اللفظ لأحمد وفي لفظ مسلم بعض الزيادة أذكرها هنا لاكتمال المعنى والفائدة فبعد أن ذكر حذيفة استنفار الرسول - عليه السلام - للصحابة ثلاثًا ثم قوله قم يا حذيفة قال: (... فمضيت كأنما أمشي في حمام (¬4) حتى أتيتهم، فهذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار فوضعت سهمي في كبد قوسي (¬5) وأردت أن أرميه، ثم ذكرت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تذعرهم علي) ولو رميته لأصبته، قال: ¬

_ (¬1) الكهل: اسم لجميع الخيل. (¬2) مرط: كساء من صوف أو خز يؤتزر به وتتلفع به المرأة. (¬3) مرجل: فيه خطوط وأرقام. (¬4) كأنما أمشي في حمام: أي أنه لم يجد من البرد ما يجد الناس. (¬5) كبد القوس: مقبضه.

10 - نصر الله رسوله بريح الصبا

فرجعت كأنما أمشي في مثل الحمام، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أصابني البرد حين فرغت وقررت (¬1). فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألبسني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائمًا حتى الصبح، فلما أن أصبحت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قم يا نومان) " (¬2). 10 - نصر الله رسوله بريح الصبا: 445 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أتت الصبا الشمال ليلة الأحزاب، فقالت: مري حتى ننصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت الشمال: إن الحرة لا تسري بالليل، فكانت الريح التي نصر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبا" (¬3). 446 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور) (¬4). 11 - تحول ميزان القوة بعد معركة الأحزاب: 447 - من حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول حين جلى الأحزاب عنه: (الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم) (¬5). 448 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الأحزاب وقد جمعوا له جموعًا كثيرة فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا ¬

_ (¬1) قررت: بردت. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 392 - 393، مسلم في كتاب الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب رقم: 1788، الحاكم في المستدرك: 3/ 31، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن: 9/ 159 والدلائل: 3/ 449 - 454، وأبو نعيم في الدلائل: 2/ 500 - 501، وقد جاء في المطالب العالية برقم: 4329، ونسبه إلى أبي بكر بن أبي شيية وحسن إسناده، وقال الهيثمي: 6/ 136 ورواه البزار ورجاله ثقات، وقال البوصيري: رواه ابن أبي شيبة والبزار وأصله في الصحيح وفي هذا زيادة ظاهرة، قلت: وفي لفظه اختلاف عما في الصحيح فالمقدم ما في الصحيح والله أعلم. (¬3) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 1349 - 140: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، كشف الأستار: 1811 وقال البزار: رواه جماعة عن داود عن عكرمة مرسلًا، ولا نعلم أحدًا وصله إلا حفص ورجل من أهل البصرة وكان ثقة يقال له: خلف بن عمرو. (¬4) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - نصرت بالصبا حديث رقم: 1035، مسلم في كتاب صلاة الاستسقاء باب في ريح الصبا والدبور حديث رقم: 900، وقد جاء من حديث أنس عند الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله ثقات كما قال الهيثمي: 6/ 65. (¬5) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4109، 4110، وأحمد: 4/ 262.

12 - وضع النبي صلى الله عليه وسلم السلاح بعد رحيل المشركين

يغزوكم بعدها أبدًا ولكن نغزوهم) (¬1). 12 - وضع النبي صلى الله عليه وسلم السلاح بعد رحيل المشركين: 449 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من طلب الأحزاب، فنزل المدينة وضع لامته، واغتسل، واستجمر (¬2) ". 13 - من استشهد من المسلمين يوم الخندق: 450 - من حديث ابن شهاب الزهريّ قال: "استشهد يوم الخندق من الأنصار أنس بن معاذ بن أوس بن عبد عمرو، ومن الأنصار ثم من بني سلمة: ثعلبة بن عثمة" (¬3). ¬

_ (¬1) كشف الأستار: 1810، وقال الهيثمي: 6/ 139: رواه البزار ورجاله ثقات، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: 7/ 405 إسناده حسن. (¬2) المطالب العالية رقم: 4328، ونسبه لإسحاق بن راهويه، وقال ابن حجر: هذا إسناد حسن، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 140: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات". (¬3) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح قلت: وهو من مرسلات ابن شهاب الزهريّ رحمه الله تعالى.

الفصل السابع غزوة بني قريظة وما بعدها من أحداث حتى الحديبية

الفصل السابع غزوة بني قريظة وما بعدها من أحداث حتى الحديبية المبحث الأول: غزوة بني قريظة 1 - أمر جبريل النبي عليهما السلام بالخروج إلى بني قريظة: 451 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخندق، ووضع السلاح، واغتسل أتاه جبريل - عليه السلام -، فقال: قد وضعت السلاح، والله ما وضعناه، فاخرج إليهم، قال: (فإلي أين؟) قال: ها هنا، وأشار إلى قريظة، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم" (¬1). 452 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من طلب الأحزاب رجع، فوضع لامته، واستجمر "زاد دحيم في حديثه" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فنزل جبريل - عليه السلام - فقال: عذيرك من محارب، ألا أراك قد وضعت اللأمة، وما وضعناها بعد)، فوثب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزعًا، فعزم على الناس ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، فلبسوا السلاح، وخرجوا فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس، واختصم الناس في صلاة العصر فقال بعضهم: صلوا، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرد أن تتركوا الصلاة، وقال بعضهم: عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة، وإنما نحن في عزيمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فليس علينا إثم، فصلت طائفة العصر إيمانًا واحنسابًا، وطائفة لم يصلوا حتى نزلوا بني قريظة بعد ما غربت الشمس فصلوها إيمانًا واحتسابًا، فلم يعنف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدة من الطائفتين" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي، باب مرجع النبي من الأحزاب، ومخرجه إلى بني قريظة رقم: 4117، مسلم في الجهاد والسير باب جواز قتال من نقض العهد حديث رقم: 1769، أحمد في المسند: 6/ 56، 131، 141، 280 البيهقي في الدلائل: 4/ 5 وابن سعد في الطبقات: 2/ 76. (¬2) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 140: رواه الطبراني: 19/ 79 - 80 رقم: 160، ورجاله رجال الصحيح غير ابن أبي الهذيل، وهو ثقة.

2 - مشاركة جبريل - عليه السلام - في محاربة بني قريظة

2 - مشاركة جبريل - عليه السلام - في محاربة بني قريظة: 453 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كأني أنظر إلى الغبار ساطعًا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني قريظة" (¬1). 3 - حث النبي الصحابة على المسير إلى بني قريظة: 454 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتينهم، وقال بعضهم: بل نصلي، فلم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يعنف أحدًا منهم" (¬2). 4 - سبب الغزوة: 455 - من حديث سعيد بن المسيب رضي الله عنه "في سياق قصة الأحزاب": فبينما هم كذلك إذ جاءهم نعيم بن مسعود الأشجعي، وكان يأمنه الفريقان، كان موادعًا لهما، فقال: إني كنت عند عيينة (بن حصن) وأبي سفيان إذ جاءهم رسول بني قريظة: أن اثبتوا فإنا سنخالف المسلمين إلى بيضتهم ... ، إلى أن قال: ... فناداهم: (يا إخوة القردة والخنازير!) فقالوا: يا أبا القاسم! ما كنت فاحشًا ... " وذكر الحديث (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخارى في المغازي باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب حديث رقم: 4118. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب حديث رقم: 4119، مسلم في الجهاد والسير باب المبادرة بالغزو حديث رقم: 1770، وعبد الرزاق في المصنف: 5/ 369 - 370، وابن سعد في الطبقات: 2/ 74، والبيهقي في الدلائل: 4/ 6 - 7. وقد جاء من حديث عائشة رضي الله عنها عند الحاكم في المستدرك: 3/ 34 - 35، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فإنهما قد احتجا بعبد الله بن عمر العمري في الشواهد، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي. (¬3) انظر مصنف عبد الرزاق رقم: 9737, 5/ 368، من مرسل سعيد بن المسيب، مراسيله أصح المراسيل، والرواية صالحة للاحتجاج بها مع المتابعة، وأبو نعيم من مراسيل سعيد دلائل النبوة: 2/ 504 - 505، وقد ذكر ابن إسحاق وموسى بن عقبة سبب نقضهم بدون إسناد فانظره في سيرة ابن هشام: 3/ 325، وقد جاء من حديث عائشة، وأخرجه البيهقي في الدلائل: 4/ 1008، والحاكم في المستدرك: 3/ 34 - 35، وقال صحيح على شرط الشيخين فإنهما قد احتجا بعبد الله بن عمر العمرى في الشواهد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي وقال ابن كثير في البداية: 4/ 8 - 10، ولهذا الحديث طرق جيدة عن عائشة وغيرها، وبهذا يكون الحديث حسنًا.

5 - حامل راية المسلمين يوم بني قريظة

فسبب غزوهم إذن هو نقضهم للعهد الذي كان بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، في أحلك الظروف وأصعبها على المسلمين، في أثناء حصار الأحزاب للمدينة، وهذا السبب قد ثبت بطرق قابلة بمجموعها للاحتجاج بها، وقد ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل الزبير بن العوام لاستطلاع خبرهم كما جاء ذلك في الصحيح (¬1). 5 - حامل راية المسلمين يوم بني قريظة: 456 - من حديث عروة قال: "وبعث عليًّا على المقدمة، ودفع إليه اللواء، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إثره" (¬2). 6 - مدة الحصار وكم استمرت: 457 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: في حديث طويل سبق ذكر جزء منه في إصابة سعد بن معاذ " .... قالت: فلبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته (¬3)، وأذن في الناس بالرحيل أي يخرجوا، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمر على بني غنم، وهي جيران المسجد حوله فقال: من مر بكم؟ فقالوا: مر بنا دحية الكلبي، وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل - عليه السلام -، فقالت: فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة ... " (¬4). 7 - قصة أبي لبابة: 458 - من حديث عائشة السابق قولها: " ... فحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة، فلما اشتد حصرهم، واشتد البلاء، قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر، فأشار إليهم أنه الذبح" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر حديث رقم: 434، وتخريجه هناك من حديث عبد الله بن الزبير. (¬2) البيهقي في الدلائل: 3/ 14 ونسبه الحافظ في الفتح: 7/ 413 إلى الحاكم والبيهقي، وقال الدكتور أكرم العمري في المجتمع المدني ص: 154: وقد وردت آثار مرسلة تتقوى ببعضها إلى رتبة الحسن لغيره تفيد أنه بعث علي على المقدمة برايته. (¬3) لامته: آلة الحرب من السلاح. (¬4) سبق تخريجه حديث رقم: 440. (¬5) انظر تخريج الحديث السابق.

8 - حكم سعد بن معاذ في بني قريظة

8 - حكم سعد بن معاذ في بني قريظة: 459 - من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد، فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد قال للأنصار: (قوموا إلى سيدكم -أو خيركم- فقال: هؤلاء نزلوا على حكمك)، فقال: تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريهم قال: (قضيت بحكم الله، وربما قال: بحكم الملك" (¬1). 460 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة، رماه في الأكحل، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخندق، وضع السلاح، واغتسل، فأتاه جبريل - عليه السلام -، وهو ينفض رأسه من الغبار فقال: قد وضعت السلاح والله ما وضعته، اخرج إليهم، قال النبي: (فأين؟) فأشار إلى بني قريظة، فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنزلوا على حكمه، فرد الحكم إلى سعد. قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية، وأن تقسم أموالهم، قال هشام: فأخبرني أبي عن عائشة أن سعدًا قال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب، فافجرها، واجعل موتتي فيها، فانفجرت من لبته، فلم يرعهم، وفي المسجد خيمة من بني غفار -إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دمًا، فمات منها رضي الله عنه" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب، ومخرجه إلى بني قريظة حديث رقم: 4121، وقد جاء بأرقام عدة عنده: 3043، 3804، 6262، ومسلم في الجهاد والسير باب الحكم فيمن حارب ونقض العهد رقم: 1768 , أبو داود في الأدب باب ما جاء في القيام: 5215، 5216، وأبو يعلى: 1188، أحمد في المسند: 3/ 22، 71 والبيهقي في الدلائل: 4/ 18، وابن سعد في الطبقات: 2/ 75، وأبو نعيم في الحلية: 3/ 171، الطبراني في الكبير رقم: 5323. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة الأحزاب رقم: 4122، وقد جاء بأرقام عدة: 463، 3901، 4117، مسلم في الجهاد باب جواز قتال من نقض العهد رقم: 1769، الترمذي في السير باب ما جاء في النزول على الحكم رقم: 1582 وجاء مختصرًا عند أحمد: 6/ 56، أبو داود في الجنائز باب في العياده مرارًا رقم: 3101، النسائي: 2/ 45، في المساجد، باب ضرب الخباء في المساجد.

9 - كيف ميز النبي بين الصغار والبالغين من بني قريظة

461 - من حديث عائشة قالت: في الحديث الطويل الذي اجتزأنا منه أجزاء سابقة " ... قالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنزلوا على حكم سعد بن معاذ)، فنزلوا، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد بن معاذ، فأتى به على حمار عليه إكاف من ليف قد حمل عليه وحف به قومه، فقالوا: يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية، ومن قد علمت قالت: وأني (¬1) لا يرجع إليهم شيئًا، ولا يلتفت إليهم حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد أنى (¬2) لي أن لا أبالي في الله لومة لائم. قال: قال أبو سعيد: فلما طلع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (قوموا إلى سيدكم فأنزلوه) فقال عمر: سيدنا الله عَزَّ وَجَلَّ، قال: (أنزلوه)، فأنزلوه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (احكم فيهم) فقال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لقد حكمت فيهم بحكم الله عَزَّ وَجَلَّ وحكم رسوله ...) (¬3). وقد جاءت قصة نزول بني قريظة على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه من حديث جابر بن عبد الله، وسيأتي بلفظه في بيان عدد المقتولين من بني قريظة فانظر تخريجه هناك. 9 - كيف ميز النبي بين الصغار والبالغين من بني قريظة: 462 - من حديث عطية القرظي، قال: (كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت" وفي رواية أخرى زاد (فكشفوا عانتي، فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي" (¬4). ¬

_ (¬1) وأنى: أبطأ في الجواب وسكت عنهم، فلم يرد عليهم. (¬2) أنى: آن لي أن لا أبالي فيهم. (¬3) انظر تخريج الحديث رقم: 440، فإن هذا الحديث جزء منه. (¬4) أخرجه أبو داود في الحدود باب في الغلام يصيب الحد رقم: 4404، 4405، الترمذي في الجهاد والسير باب ما جاء في النزول على الحكم رقم: 1584 وقال: حسن صحيح، النسائي في الطلاق باب متى يقع الطلاق: 6/ 155، وابن ماجه في الحدود باب من لا يجب عليه الحد رقم: 2541، وأحمد في المسند: 4/ 310، 383، 5/ 311، 312 والحديث سنده حسن.

10 - عدد بني قريظة الذين قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

10 - عدد بني قريظة الذين قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: 463 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "رمي يوم الأحزاب سعد بن معاذ، فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنار، فانتفخت يده، فحسمه أخرى، فانتفخت يده، فنزفه، فلما رأى ذلك، قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة، فاستمسك عرقه، فنما قطرة قطرة، حتى نزلوا على حكم سعد، فأرسل إليه، فحكم أن تقتل رجالهم، ويستحيى نساؤهم وذراريهم، يستعين بهم المسلمون، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أصبت حكم الله فيهم)، وكانوا أربعمائة، فلما فرع من قتلهم، انفتق عرقه فمات" (¬1). وقال الحافظ في الفتح " واختلف في عدتهم، فعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستمائة، وبه جزم أبو عمرو في ترجمة سعد بن معاذ، وعند ابن عائذ من مرسل قتادة وكانوا سبعمائة، وقال السهيلي: المكثر يقول إنهم ما بين الثمانمائة إلى التسعمائة، وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل، فيحتمل في طريق الجمع أن يقال إن الباقين كانوا أتباعًا، وقد حكى ابن إسحاق أنه قيل: إنهم كانوا تسعمائة" (¬2). 11 - قصة المرأة التي قتلت من بني قريظة: 464 - من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: قالت: "لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت: والله إنها لعندي تتحدث معي تضحك ظهرًا وبطنًا (¬3) ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقتل رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف باسمها: أين فلانة؟ قالت: أنا والله، قالت: قلت: ويلك وما لك؟ قالت: أقتل، قالت: قلت: ولم؟ قالت: حدثًا أحدثته (¬4)، قالت: فانطلق بها، فضربت عنقها، وكانت عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها تقول: والله ما أنسى عجبي من طيب نفسها، وكثرة ضحكها، وقد عرفت أنها تقتل" (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 350، الدارمي كتاب السير باب نزول أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ: 2/ 238، الترمذي في السير باب ما جاء في النزول على الحكم رقم: 1582، وقال: حديث حسن صحيح، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح: 7/ 414. (¬2) فتح الباري: 7/ 414. (¬3) ظهرًا وبطنًا: لا يبدو على ملامحها أثر الحزن. (¬4) الحدث الذي أحدثته، طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته، فقتلها رسول الله به. (¬5) أخرجه أحمد في المسند: 6/ 277، أبو داود في السنن رقم: 2671، والبيهقي في السنن: 9/ 82، وابن هشام في السيرة: 2/ 242، والحاكم في المستدرك: 3/ 35 - 36، وقال: صحيح على شرط مسلم: ولم يخرجاه، والطبري في التاريخ: 2/ 589، جميعًا من طريق ابن إسحاق، وقد صرح =

12 - إسلام بعض يهود بني قريظة وتقسيم أموال بني قريظة بين المسلمين

12 - إسلام بعض يهود بني قريظة وتقسيم أموال بني قريظة بين المسلمين: 465 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "حاربت قريظة والنضير، فأجلى بني النضير، وأقر قريظة، ومن عليهم حتى حاربت قريظة، فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين، إلا بعضهم لحقوا بالنبي فأمنهم، وأسلموا، وأجلى يهود المدينة كلهم: بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام، ويهود بني حارثة، وكل يهود المدينة" (¬1). 13 - موت سعد بن معاذ رضي الله عنه: 466 - من حديث عائشة الطويل الذي سبق ذكر أجزاء متفرقة منه قالت: " ... ثم دعا سعد قال: "اللهم إن كنت أبقيت على نبيك - صلى الله عليه وسلم - من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك، قالت: فانفجر كلمه (¬2) وكان قد برئ حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص (¬3) ورجع إلى قبتة التي ضرب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت عائشة: فحضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر، قالت: فوالذي نفس محمَّد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {رحماء بينهم} قال علقمة: قلت: أي أمه، فكيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد، ولكنه كان إذا وجد (¬4) فإنما هو آخذ بلحيته" (¬5). ¬

_ = بالسماع فسنده صحيح، وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 21/ 85، سنده صحيح ورجاله ثقات. (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب حديث بني النضير رقم: 4028، مسلم في الجهاد باب إجلاء اليهود من الحجاز رقم: 1766، أبو داود في سننه كتاب الخراج والإمارة .. باب في خبر النفير حديث رقم:3005. (¬2) كلمه: جرحه. (¬3) الخرص: الحلقة الصغيرة من الحلية, وهو حلي الأذن والمعنى أنه لم يبق من جرح سعد إلا مثل حلقة الخرص في قلة ما بقي منه. (¬4) وجد: حزن. (¬5) انظر تخريجه حديث: 440.

14 - مشاركة الملائكة في حمله

14 - مشاركة الملائكة في حمله: 467 - من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: "لما أصيب أكحل سعد، فثقل، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة تداوي الجرحى، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذا مر به يقول: (كيف أمسيت، وكيف أصبحت؟) فيخبره حتى كانت الليلة التي نقله قومه فيها وثقل، فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم، وجاء رسول الله فقيل: انطلقوا به، فخرج وخرجنا معه، وأسرع حتى تقطعت شسوع نعالنا، وسقطت أرديتنا، فشكا ذلك إليه أصحابه، فقال: (إني أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة، فتغسله كما غسلت حنظلة) فانتهى إلى البيت وهو يغسل، وأمه تبكيه وتقول: ويل أم سعد سعدًا ... حزامة وجدًا فقال: (كل باكية تكذب إلا أم سعد) "ثم خرج به، قال: يقول له القوم: ما حملنا يا رسول الله ميتًا أخف علينا منه، قال: (ما يمنعه أن يخف، وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم يهبطوا قط قبل يومهم، قد حملوه معكم) (¬1). 15 - شهادة الرسول - عليه السلام - لسعد بالخير: 468 - من حديث عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال: "دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سعد وهو يكيد نفسه فقال: (جزاك الله خيرًا من سيد قوم، فقد أنجزت ما وعدته، ولينجزنك الله ما وعدك) (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن سعد: 3/ 2 / 7 - 8 من طريق الفضل بن دكين قال: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان الغسيل عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد، وإسناده حسن، وقد جاء حمل الملائكة لجنازته من حديث أنس، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم: 20414، والترمذي في المناقب باب مناقب سعد بن معاذ رقم: 3938، وقال صحيح غريب، والحاكم في المستدرك: 7/ 203، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي، والطبراني في الكبير: 6/ 12 - 13، رقم: 5345، وهو صحيح. (¬2) أخرجه ابن سعد في الطبقات: 3/ 2 / 9 ورجاله ثقات.

16 - القبر ضم سعد بن معاذ

16 - القبر ضم سعد بن معاذ: 469 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا منها سعد) (¬1). 17 - اهتزاز العرش لموت سعد: 470 - من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اهتز عرش الرحمن لموت سعد) (¬2). 18 - مناديل سعد في الجنة: 471 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - جبة سندس، وكان ينهى عن الحرير، فعجب الناس منها فقال: (والذي نفس محمَّد بيده، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا) (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: (6/ 55، 98) والبيهقي في إثبات عذاب القبر: من 82، والطحاوي في مشكل الآثار: 1/ 107. وللحديث شواهد من حديث ابن عمر عند ابن سعد في الطبقات: 3/ 430، والحاكم: 3/ 206، وصححه ووافقه الذهبي، والنسائي: 4/ 100 - 101، وسنده صحيح، ومن حديث ابن عباس؛ أخرجه الطبراني في الكبير رقم: 10827، 12975، وقال الهيثمي في المجمع: 3/ 46 - 47، رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون". قلت: فيكون إسناده صحيح لغيره. (¬2) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب مناقب سعد رقم: 3803، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضائل سعد بن معاذ رقم: 2466، والترمذي في المناقب باب مناقب سعد رقم: 3748 وابن ماجه في المقدمة باب مناقب سعد رقم: 158، وأحمد: 3/ 327، وابن سعد في الطبقات: 3/ 430، والنسائي في فضائل الصحابة: ص: 36، والبيهقي في الدلائل: 4/ 29. والحديث متواتر جاء عن عشرة من الصحابة. انظر نظم المتناثر في الحديث المتواتر ص: 126. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة رقم: 3248، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضائل سعد بن معاذ رقم: 2469، والترمذي رقم: 1777، والنسائي: 8/ 199، أحمد فى المسند: 3/ 111، 121، 206، 209، 229، 234، 238، 251، 277.

المبحث الثاني: زواجه عليه الصلاة والسلام بزينب بنت جحش

المبحث الثاني: زواجه عليه الصلاة والسلام بزينب بنت جحش 1 - إرسال زيد بن حارثة لخطبتها للرسول عليه الصلاة والسلام: 472 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "لما انقضت عدة زينب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد (فاذكرها علي) قال: فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها (¬1) قال: فلما رأيتها عظمت في صدري (¬2) حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي، فقلت: يا زينب! أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل عليها بغير إذن. قال: فقال: ولقد رأيتنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار، فخرج الناس، وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتبعته، فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن، ويقلن: يا رسول الله! كيف وجدت أهلك، قال: فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبرني. قال: فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه، فألقي الستر بيني وبينه، ونزل الحجاب. قال: ووعظ القوم بما وعظوا به" لفظ مسلم (¬3). وفي لفظ آخر عند مسلم من حديث أنس رضي الله عنه: "أن أم سليم أهدت إلى رسول الله طعامًا يوم زواج زينب فيقول: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل بأهله، قال: فصنعت أمي أم سليم حيسًا، فجعلته في تور (¬4) فقالت: يا أنس، اذهب بهذا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقل: بعثت بهذا إليك أمي، وهي تقرئك السلام. وتقول: إن هذا لك منا قليل، يا رسول الله! قال؛ فذهبت بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: إن أمي تقرئك السلام وتقول: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله! ¬

_ (¬1) تخمر عجينها: تجعل منها الخمر. (¬2) عظمت في صدري: هبتها من أجل إرادة رسول الله الزواج منها. (¬3) أخرجه مسلم في النكاح باب زوج زينب بنت جحش رقم: 1428 - 89 والنسائي في النكاح باب صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها: 6/ 79 - 80، الفتح الرباني للساعاتي: 21/ 87 - 88. وأما اللفظ الثاني فقد أخرجه البخاري في النكاح باب الهدية للعروس رقم: 5163، ومسلم في النكاح باب زواج زينب بنت جحش رقم: 1428/ 94. (¬4) التور: الإناء.

2 - نزول الحجاب

فقال: (ضعه)، ثم قال: (اذهب، فادع لي فلانًا وفلانًا وفلانًا، ومن لقيت) وسمى رجالًا قال: فدعوت من سمى، ومن لقيت". قال: قلت لأنس: عدد كم كانوا؟ قال: زهاء ثلاثمائة. وقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا أنس! هات التور) قال: فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ليتحلق عشرة عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه) قال: فأكلوا حتى شبعوا. قال: فخرجت طائفة، ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم، فقال لي: (يا أنس! ارفع). قال: فرفعت، فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت. قال: وجلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، وزوجته مولية وجهها إلى الحائط، فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم -، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسلم على نسائه، ثم رجع، فلما رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رجع ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه، قال: فابتدروا الباب، فخرجوا كلهم، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أرخى الستر، ودخل، وأنا جالس في الحجرة، فلم يلبث إلا يسيرًا حتى خرج عليَّ، وأنزلت هذه الآية. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرأهن على الناس: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} إلى آخر الآية. قال الجعد: قال أنس بن مالك: أنا أحدث الناس عهدًا بهذه الآيات وحجبن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -". 2 - نزول الحجاب: 473 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "أنا أعلم الناس بالحجاب، لقد كان أبي بن كعب يسألني عنه قال أنس: أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عروسًا بزينب بنت جحش. قال: وكان تزوجها بالمدينة، فدعا الناس للطعام بعد ارتفاع النهار، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجلس معه رجال بعد ما قام القوم، حتى قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمشى، فمشيت معه حتى بلغ باب حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه، فإذا هم جلوس مكانهم، فرجع فرجعت الثانية،

3 - مفاخرة السيدة زينب

حتى بلغ حجرة عائشة، فرجع فرجعت، فإذا هم قد قاموا فضرب بيني وبينه بالستر، وأنزل الله آية الحجاب" (¬1). 3 - مفاخرة السيدة زينب: 474 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش، وأطعم عليها يومئذ خبزًا ولحمًا، وكانت تفخر على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت تقول: إن الله أنكحني في السماء" (¬2). 4 - شكوى زيد بن حارثة ومقالة رسول الله له قبل طلاقها منه: 475 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (اتق الله، وأمسك عليك زوجك) قال أنس: لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتمًا شيئًا لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الأطعمة باب قوله تعالى {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} حديث رقم: 5466، مسلم في النكاح باب زواج زينب بنت جحش رقم: 1428/ 93. (¬2) أخرجه البخاري في التوحيد باب وكان عرشه على الماء رقم: 7421، النسائي في النكاح باب صلاة المرأة واستخارتها ربها إذا خطبت: 6/ 79 - 80. (¬3) أخرجه البخاري في التوحيد باب وكان عرشه على الماء رقم: 7420.

المبحث الثالث: مقتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق

المبحث الثالث: مقتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق 476 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطًا إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلًا، وهو نائم فقتله" (¬1). 477 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي رافع اليهودي رجالًا من الأنصار، فأمر عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه، وقد غربت الشمس، وراح الناس بسرحهم، فقال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي أن أدخل، فأقبل حتى دنا من البواب، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة، وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب، فدخلت، فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علق الأغاليق (¬2) على عود. قال: فقمت إلى الأقاليد (¬3) فأخذتها، ففتحت الباب، وكان أبو رافع يُسْمَرُ عنده، وكان في علالي له، فلما ذهب عنه أهل سمره، صعدت إليه فجعلت كلما فتحت بابًا أغلقت علي من داخل، قلت: إن القوم نذروا لي لم يخلصوا إلى حتى أقتله، فانتهيت إليه، فهذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، فقلت: أبا رافع؟ قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت، فأضربه ضربة بالسيف، وأنا دهش فما أغنيت شيئًا، وصاح، فخرجت من البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويل، إن رجلًا في البيت ضربني قبل بالسيف، قال: فأضربه ضربة أثخنته، ولم أقتله، ثم وضعت خبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابًا بابًا حتى انتهيت إلى درجة له فوضعت رجلي، وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته أم لا، فلما صاح الديك قام الناعي على السور، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق، ويقال سلام بن أبي الحقيق كان بخيبر ويقال في حصن له بأرض الحجاز حديث رقم: 4038. (¬2) الأغاليق: جمع غلق ما يغلق به الباب وهو المفتاح. (¬3) الأقاليد: جمع إقليد وهو المفتاح.

المبحث الرابع: قصة ثمامة بن أثال الحنفي

فقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النجاء، فقد قتل الله أبا رافع، فانتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته، فقال لي: (ابسط رجلك)، فبسطت رجلي فمسحها، فكأنها لم أشتكها قط" (¬1). الفوائد المأخوذة من هذا الحديث: 1 - جواز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصر على الكفر. 2 - قتل من أعان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده أو ماله أو لسانه. 3 - جواز التجسس على أهل الحرب وتطلب غرتهم. 4 - الأخذ بالشدة في محاربة المشركين. 5 - جواز إبهام القول للمصلحة. 6 - جواز تعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين. 7 - الحكم بالدليل والعلامة لاستدلال ابن أبي عتيك على أبي رافع بصوته، واعتماده على صوت الناس بموته (¬2). المبحث الرابع: قصة ثمامة بن أثال الحنفي 478 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلًا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ماذا عندك يا ثمامة؟) فقال: عندي يا محمَّد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم، تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان من الغد، فقال: (ما عندك يا ثمامة؟) قال: ما قلت لك. إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت". فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان بعد الغد فقال: (ماذا عندك! يا ثمامة؟) فقال: عندي ما قلت لك، إن تنعم، تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق حديث رقم: 4039. (¬2) فتح الباري: 7/ 345.

فوائد من قصة ثمامة

فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أطلقوا ثمامة) فانطلق إلى نخيل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، يا محمَّد! والله! ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله! ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا ولكني أسلمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا، والله! لا يأتيكم من اليمامة حبَّة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). واللفظ لمسلم. فوائد من قصة ثمامة: 1 - جواز ربط الكافر في المسجد. 2 - جواز المن على الأسير الكافر، وتعظيم أمر العفو عن المسيء, لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حبًّا في ساعة واحدة لما أسداه النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه من العفو والمن بغير مقابل. 3 - الاغتسال عند الإِسلام كما فعل ثمامة حين أسلم. 4 - الإحسان يزيل البغض وينبت الحب. 5 - يشرع للكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم أن يستمر في عمل ذلك الخير. 6 - الملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام، ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه" (¬2). 7 - الإِسلام يغير سلوك المؤمن حي يضع المسلم قدراته تحت تصرف الإِسلام والمسلمين كما فعل ثمامة بعدم إرساله القمح لأهل مكة إلا بإذن من الرسول - عليه السلام -. 8 - ينبغي أن يخلع المؤمن على عتبة الإيمان وعند تركه للكفر كل علاقاته السابقة، والتزامه بأوامر رب العالمين بعد إيمانه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب وفد بني حنيفة، حديث ثمامة بن أثال: رقم: 4372، مسلم في الجهاد والسير باب ربط الأسير وحبسه، وجواز المن عليه رقم: 1764، أبو داود في السنن الجهاد باب في الأسير يوثقه رقم: 2679، النسائي في الطهارة باب تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم: 1/ 109 - 110 باختصار، وأحمد في المسند كما في الفتح الرباني: 21/ 88 - 89. (¬2) فتح الباري: 8/ 88 - 89.

المبحث الخامس: غزوة بني لحيان

المبحث الخامس: غزوة بني لحيان كانت في أوائل السنة السادسة للهجرة على الصحيح كما قاله ابن كثير (¬1). وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه صلاة الخوف لأول مرة بعسفان كما جاء في: 479 - حديث أبي عياش الزرقي رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعسفان، فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم. قال: فنزل جبريل - عليه السلام - بهذه الآيات بين الظهر والعصر {وإذا كنت فيه فأقمت لهم الصلاة} قال: فحضرت، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذوا السلاح، قال: فصففنا صفين، قال: ثم ركع، فركعنا جميعًا، ثم رفع، فرفعنا جميعًا، ثم سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون، فسجدوا في مكانهم، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء قال: ثم ركع فركعوا جميعًا، ثم رفع فرفعوا جميعًا، ثم سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما جلس، جلس الآخرون فسجدوا فسلم عليهم ثم انصرف، قال: فصلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين، مرة بعسفان ومرة بأرض بني سليم" (¬2). 480 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل بين ضجنان وعسفان، فقال المشركون: إن لهم صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم، وهي العصر، فأجمعوا أمركم، فميلوا عليهم ميلة واحدة، وإن جبريل - عليه السلام - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يقسم أصحابه شطرين، فيصلي ببعضهم، وتقوم الطائفة الأخرى وراءهم ليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ثم تأتي الأخرى فيصلون معه، ويأخذ هؤلاء حذرههم وأسلحتهم، لتكون لهم ركعة ركعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتان) (¬3). ¬

_ (¬1) السيرة النبوية ابن كثير: 3/ 285. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 59 - 60، أبو داود في الصلاة باب صلاة الخوف رقم: 1236، النسائي في الصلاة صلاة الخوف: 3/ 176 - 178، والحاكم في المستدرك: 1/ 337 - 338 وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. (¬3) أخرجه أحمد في المسند: 2/ 522، الترمذي في التفسير سورة النساء حديث رقم: 3038، وقال الترمذي حسن صحيح، النسائي: 3/ 174 كتاب صلاة الخوف.

المبحث السادس: قصة العرنيين

المبحث السادس: قصة العرنيين 481 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "إن ناسًا من عكل وعرينة قدموا المدينة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكلموا بالإِسلام فقالوا: يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة، فأمر لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذود وراع, وأمرهم أن يخرجوا فيه، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فانطلقوا، حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستاقوا الذود، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبعث الطلب في آثارهم، فأمر بهم، فسمروا أعينهم، وقطعوا أيديهم، وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم). واللفظ للبخاري. وأما رواية مسلم "أن نفرًا من عكل، ثمانية، قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبايعوه على الإِسلام، فاستوخموا الأرض، وسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبون من أبوالها وألبانها؛ فقالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا، فقتلوا الراعي وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبعث في آثارهم، فأدركوا فجيء بهم، فأمر فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا) (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب قصة عكل وعرينة حديث رقم: 4192، وقد أورده في مواطن أخرى كثيرة تبلغ أربعة عشر موضعًا، مسلم في صحيحه في القسامة باب حكم المحاربين والمرتدين حديث رقم: 1671، أبو داود في الحدود باب ما جاء في المحاربة حديث رقم: 4364، والترمذي في الطهارة باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه حديث رقم: 72، والنسائي في كتاب التحريم: 7/ 94، 95، 97، 98، وابن ماجه في الحدود حديث رقم: 2578، وأحمد في المسند: 3/ 107، 163، 170، 177، 198، 205، 233.

الفصل الثامن الأحداث من غزوة الحديبية إلى فتح مكة

الفصل الثامن الأحداث من غزوة الحديبية إلى فتح مكة المبحث الأول: غزوة الحديبية 1 - وقتها: كانت غزوة الحديبية سنة ست للهجرة في ذي القعدة، وهذا هو الصحيح، وهو قول الزهريّ، ونافع مولى ابن عمر، وقتادة، وموسى بن عقبة، ومحمد ابن إسحاق وغيرهم وهذا هو رأي الجمهور في ذلك (¬1). وقد جاء هذا التصريح من حديث أنس، وعائشة، والبراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما اعتمر إلا في ذي القعدة. وأورد هنا حديث أنس رضي الله عنه لأنه أكثرها وضوحًا وتصريحًا بذلك: 483 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عُمر كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته، عمرة من الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته" (¬2). وقد شذ عن الجمهور في رواية عنه عروة بن الزبير فيما روى عنه ابنه هشام ابن عروة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الحديبية في رمضان وكانت الحديبية في شوال". وقد قال الحافظ ابن كثير فيما ذهب إليه عروة: وهذا غريب جدًّا عن عروة، وقال ابن القيم: هذا وهم، وقد جاء عن عروة من طريق أبي الأسود عنه: أنها كانت في ذي القعدة، وهذا هو الصواب. والله أعلم (¬3). ¬

_ (¬1) زاد المعاد: (3/ 286) دلائل النبوة للبيهقي: 4/ 90، السيرة النبوية ابن كثير: 3/ 312. (¬2) أخرجه البخاري في الحج باب كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم: 1780، وفي المغازي باب غزوة الحديبية رقم: 4148، ومسلم في الحج باب بيان عدد عُمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم: 1253 وأبو داود في الحج باب العُمر: 1994، والترمذي في الحج، باب ما جاء في كم حج النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم: 815 وأحمد في المسند: 3/ 134، 256. (¬3) السيرة النبوية ابن كثير: 3/ 312 زاد المعاد: 3/ 287.

2 - عدد المسلمين مع النبي صلى الله عليه وسلم

2 - عدد المسلمين مع النبي صلى الله عليه وسلم: جاءت الروايات في عددهم على ثلاثة أوجه: فمن قائل إنهم كانوا ألفًا وثلاثمائة، ومن قائل أنهم كانوا ألفًا وأربعمائة، ومن قائل أنهم كانوا ألفًا وخمسمائة، وكلها في الصحيح نذكر بعض هذه الروايات، ثم نحرر الخلاف بينها ووجه الجمع بين هذه الأقوال: أ - أنهم كانوا ألفًا وثلاثمائة: 484 - من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: كان أصحاب الشجرة ألفًا وثلاثمائة وكانت أسلم ثمن المهاجرين" (¬1). ب - أنهم كانوا ألفًا وأربعمائة: 485 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية أنتم خير أهل الأرض وكنا ألفًا وأربعمائة، ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة" (¬2). جـ - أنهم كانوا ألفًا وخمسمائة: 486 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: "لو كنا مائة ألف لكفانا (¬3): كنا خمس عشرة مائة" (¬4). قال الحافظ رحمه الله تعالى: "والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال ألفًا وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال ألفًا وأربعمائة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية حديث رقم: 4155، ومسلم في الإمارة باب استحباب مبايعة الإِمام رقم: 1857. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية حديث رقم: 4155، ومسلم في الإمارة باب استحباب مبايعة الإِمام رقم: 1856، 71 وأحمد في المسند: 3/ 396. (¬3) معناه أن الصحابة لما وصلوا الحديبية وجدوا بئرًا تنز مثل الشراك فبصق - صلى الله عليه وسلم - فيها ودعا بالبركة فجاشت بالماء، فقال جابر: لو كنا مائة ألف لكفانا. (¬4) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية حديث رقم: 4152، ومسلم في الإمارة باب استحباب بيعة الإِمام رقم: 1856، 73.

ألغاه، ويؤيده قوله في الرواية الثالثة من حديث البراء وألفًا وأربعمائة أو أكثر" واعتمد هذا الجمع النووي. وأما البيهقي فمال إلى الترجيح، وقال إن رواية من قال ألف وأربعمائة أصح، ثم ساقه من طريق أبي الزبير ومن طريق أبي سفيان كلاهما عن جابر كذلك، ومن رواية معقل بن يسار وسلمة بن الأكوع، والبراء بن عازب. ومن طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه. قلت: ومعظم هذه الطرق عند مسلم، ووقع عند ابن سعد في حديث معقل ابن يسار زهاء ألف وأربعمائة وهو ظاهر في عدم التحديد، وأما قول عبد الله بن أبي أوفى ألفًا وثلاثمائة فيمكن حمله على ما اطلع هو عليه واطلع غيره على زيادة ناس لم يطلع هو عليهم، والزيادة من الثقة مقبولة، ويمكن أن يقال: العدد الذي ذكره جملة من ابتدأ الخروج من المدينة والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك، أو العدد الذي ذكره هو عدد المقاتلة والزيادة عليها من الأتباع من الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم. وأما قول ابن إسحاق أنهم كانوا سبعمائة فلم يوافق عليه, لأنه قاله استنباطًا من قول جابر "نحرنا البدنة عن عشرة" وكانوا نحروا سبعين بدنة، وهذا لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن، مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلًا، وفي حديث المسور ومروان أنهم خرجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بضع عشرة مائة، فيجمع أيضًا بأن الذين بايعوا كانوا كما تقدم، وما زاد على ذلك كانوا غائبين عنها كمن توجه مع عثمان إلى مكة، على أن لفظ البضع يصدق على الخمس والأربع فلا تخالف. وجزم موسى بن عقبة بأنهم كانوا ألفًا وستمائة، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند ابن أبي شيبة ألفًا وسبعمائة، وحكى ابن سعد أنهم كانوا ألفًا وخمسمائة وخمسة وعشرين، وهذا إن ثبت تحرير بالغ، ثم وجدته موصولًا عن ابن عباس عند ابن مردويه، وفيه رد على ابن دحية حيث زعم أن سبب الاختلاف في عددهم أن الذي ذكر عددهم لم يقصد التحرير وإنما ذكره بالحدس والتخمين" (¬1). ¬

_ (¬1) فتح الباري: 7/ 440 - 441.

3 - إحرام الرسول - عليه السلام - من ذي الحليفة

3 - إحرام الرسول - عليه السلام - من ذي الحليفة: 487 - من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق حديث كل منهما حديث صاحبه قالا: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمان الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة (¬1) قلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الهدي وأشعره (¬2)، وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينًا (¬3) له من خزاعة يخبره عن قريش" (¬4). 4 - استعداد قريش لمحاربته - عليه السلام -: " وسار النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريب من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال: إني قد تركت كعبَ بن لؤي وعامر بن لؤي -لفظ البخاري (إن قريشًا جمعوا لك جموعًا) قد جمعوا لك الأحابيش (¬5)، وجمعوا لك جموعًا وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أشيروا علي، أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم، فإن قعدوا، قعدوا موتورين محروبين، وإن نجوا - (قال: قال يحيى بن سعيد عن ابن المبارك) نجوا محزونين، وإن يجيئوا تكن عنقًا قطعها الله، أوترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟) فقال أبو بكر: الله ورسوله أعلم يا نبي الله إنما جئنا معتمرين، ولم نجىء نقاتل أحدًا، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فروحوا إذًا) " واللفظ لأحمد. ¬

_ (¬1) ذي الحليفة: ماء لبني جشم على سنة أميال عن المدينة وهو ميقات أهل المدينة للحج وهو ما يمسى آبار علي. (¬2) أشعار الهدي: شق أحد جنبي سنام البدنة حتى يسيل دفها ويجعل ذلك علامة لها لتعرف بأنها هدي. (¬3) العين: الجاسوس. (¬4) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبة حديث رقم: 4178، 4179، 4180، 4181، وأبو داود في الجهاد باب صلح العدو: 2765، وفي السنة باب في الخلفاء: 4655، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف: 8/ 372، والبيهقي في السنن: 5/ 215، 7/ 170، 9/ 144 و 218، 221، 10/ 109، والطبري: 28/ 71، 97، 101، وعبد الرزاق في المصنف: 9720، والطبراني في الكبير: 20/ 13، 14، 15، 842، والبيهقي في الدلائل: 4/ 99، 108. وأحمد في المسند: 4/ 328 - 331، 331، 334. (¬5) الأحابيش: جماعات من قبائل شتى حلفاء لقريش، تألفوا عند جبل يمسى حبيش فسموا بذلك.

5 - اعتراض خالد بن الوليد المسلمين، وخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن طريقه

5 - اعتراض خالد بن الوليد المسلمين، وخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن طريقه: 488 - من حديث مروان والمسور السابق: " .... فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن خالد بن الوليد بالغميم (¬1)، في خيل لقريش طليعة (¬2)، فخذوا ذات اليمين)، فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة (¬3) الجيش، فانطلق يركض نذيرًا لقريش، وسار النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان بالثنية (¬4) التي يهبط عليهم منها، بركت راحلته، فقال الناس: "حل حل (¬5) " فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ما خلاف القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل) " (¬6) (¬7). 489 - من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا كنا بعسفان قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن عيون المشركين الآن على ضجنان فأيكم يعرف طريق الحنظل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أمسى: (هل من رجل فينزل فيسعى بين يدي الركاب؟) فقال رجل: أنا يا رسول الله فنزل: فجعلت الحجارة تنكبه (¬8)، والشجر يتعلق بثيابه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اركب)، ثم نزل آخر، فجعلت الحجارة تنكبه، والشجر يعلق بثيابه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اركب)، ثم وقعنا على الطريق حتى سرنا في ثنية يقال لها الحنظل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما مثل هذا الثنية إلا كمثل الباب الذي دخل فيه بنو إسرائيل، قيل لهم: ادخلوا الباب سجدًا، وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم، لا يجوز أحد الليلة هذه الثنية إلا غفر له)، فجعل الناس يسرعون ويجوزون، وكان آخر من جاز قتادة بن النعمان في آخر القوم، قال: فجعل ¬

_ (¬1) الغميم: موضع قريب من مكة بين رابغ والجحفة. (¬2) طليعة: مقدمة الجيش لاستكشاف العدو. (¬3) قترة الجيش: غبار الجيش. (¬4) الثنية: هي ثنية المرار موضع بين مكة والمدينة من طريق الحدبيبة. (¬5) حل حل: لفظ يزجر به الدابة إذا حملت على السير. (¬6) حبسها: حابس الفيل: حبسها الله عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها. (¬7) أخرجه البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط رقم: 2731، 2732، بلفظ أطول من لفظه في المغازي، وأحمد في المسند: 4/ 328 - 331. (¬8) تنكبه: تناله وتصيبه.

6 - استعداد النبي صلى الله عليه وسلم للمفاوضة

الناس يركب بعضهم بعضًا حتى تلاحقنا، قال: فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزلنا" (¬1). 6 - استعداد النبي صلى الله عليه وسلم للمفاوضة: 490 - من حديث مروان والمسور السابق: " ... فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل)، ثم قال: (والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطبة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها). ثم زجرها فوثبت. قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء" (¬2). 7 - تفجير الماء من البئر الذي نضب في الحديبية ببركته صلى الله عليه وسلم: 491 - من الحديث السابق قال: "فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضًا، فلم يُلبثه الناس حتى نزحوه، وشكى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العطش، فانتزع سهمًا من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه" (¬3). وقد جاء أيضًا تفجر الماء من البئر من حديث البراء بن عازب، ومن حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنهما نوردهما لزيادة الفائدة: 492 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحًا، ونحن نعد الفتح: بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع عشرة مائة، والحديبية بشر فنزحناها، فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتى فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء منها، فتوضأ، ثم مضمض، ودعا، ثم صبه فيها، فتركها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا نحن وركائبنا". وفي رواية أخرى قال بدل (إناء من ماء منها)، (ائتوني بدلو من مائها) ¬

_ (¬1) أخرجه البزار كما في كشف الأستار: 1812، 2/ 377 - 338، وقال الهيمثي في المجمع: 6/ 144، رواه البزار ورجاله ثقات. (¬2) سبق تخريجهما حديث رقم: 487، 488، فإنهما قطعتين منه. (¬3) سبق تخريجهما حديث رقم: 487، 488، فإنهما قطعتين منه.

8 - تكثيره صلى الله عليه وسلم الطعام

وقال بدل (فتركها غير بعيد) (دعوها ساعة) (¬1). 493 - ومن حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "قدمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديبية ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جبا الركية (¬2)، فإما دعا وإما بزق فيها، فجاشت (¬3) فسقينا، واستقينا" (¬4). 8 - تكثيره صلى الله عليه وسلم الطعام: 494 - من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة، فأصابنا جهد (¬5) حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا، فأمر نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فجمعنا مزاودنا (¬6) فبسطنا له نطعًا (¬7)، فاجتمع زاد القوم على النطع، قال: فتطاولت لأحزره (¬8) كم هو؟ فحزرته كربضة العنز (¬9) ونحن أربع عشرة مائة، قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعًا، ثم حشونا جربنا (¬10) " (¬11). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية حديث: 4150، 4151. (¬2) جبا الركية: ما حول البئر، والركي: البئر. (¬3) جاشت: ارتفعت وفاضت. (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه الجهاد باب غزوة ذي قرد حديث رقم: 1807 وأبو داود في الجهاد باب في السرية ترد على أهل العسكر: 2752، وابن سعد: 2/ 81 - 84، وأحمد في المسند: 4/ 52 - 54، والطبري في التاريخ: 2/ 596 - 600، والبيهقي في الدلائل: 4/ 182، وابن أبي شيبة في المصنف: 14/ 533 - 538. (¬5) الجهد: المشقة. (¬6) مزاودنا: جمع مزود وهو الوعاء الذي يحمل في الزاد. (¬7) بسطنا له نطعًا: وضعنا له بساطًا أي لما معنا من الزاد. (¬8) تطاولت لأحزره: أي لأقدره وأخمته. (¬9) ربضة العنز: مبركها أو كقدرها وهي رابضة. (¬10) جربنا: جمع جراب: الوعاء من الجلد يجعل في الزاد. (¬11) أخرجه البخاري في الشركة باب الشركة في الطعام والنهد والعروض رقم: 2484، 2482، مسلم في اللقطة باب استحباب خلط الأزواد إذا قلت والمؤاساة فيها حديث رقم: 1729، 3/ 1354، والطبراني في الكبير رقم: 6244.

9 - نصيحة بديل بن ورقاء الخزاعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم

9 - نصيحة بديل بن ورقاء الخزاعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: 495 - من حديث مروان والمسور الذي سبق بعضه " ... فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة -وكانوا عيبة نصح (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية (¬2)، ومعهم العوذ المطافيل (¬3)، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنا لم نجيء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشًا قد نهكتهم الحرب، وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة، ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا (¬4)، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري حتى تنفرد سالفتي. ولينفذن الله أمره)، فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. قال: فانطلق حتى أتى قريشًا قال: إنا جئناكم من هذا الرجل، وسمعناه يقول قولًا: فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول: قال: سمعته يقول: كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " (¬5). 10 - وفود عروة بن مسعود الثقفي ومفاوضته لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من حديث مروان والمسور السابق: " ... فحدثهم بما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد (¬6)؟ قالوا: بلى، قال: أولست ¬

_ (¬1) عيبة نصح: موضع الأمانة والسر والنصيحة. (¬2) نزلوا أعداد مياه الحديبية: الماء الذي لا انقطاع له، وهذا يدل على أنه كان بالحديبية ماء كثير، ولكن سبقت إليه قريش ولذلك عطش المسلمون حين نزلوا على الثمد. (¬3) العوذ المطافيل: العوذ جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن، والمطافيل: الأمهات اللائي معهن أولادها: كناية أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان يتزودوا بألبانها ولا ويرجعوا حتى يمنعوه. (¬4) جموا: استراحوا من القتال. (¬5) انظر التعليق على الحديث رقم: 487، 488، فقد سبق تخريجه هناك. (¬6) ألستم بالوالد: مثل الأب في الشفقة لولده.

بالولد؟ (¬1) قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني، قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي (¬2) جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد اقبلوها، ودعوني آته، قالوا: ائته، فأتاه، فجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمَّد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإني والله لا أرى وجوهًا (¬3) وإني لأرى أشوابًا (¬4) من الناس خليقًا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: امصص بظر اللات (¬5)، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد (¬6) كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، قال: وجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكلما تكلم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعه السيف، وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي - صلى الله عليه وسلم -، ضرب يده بنعل السيف، وقال له: أخر يدك عن لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر (¬7) ألست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أما الإِسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء)، ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعينه، قال: فوالله ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له. ¬

_ (¬1) أولست بالولد: مثل الابن في النصح لأبيه. (¬2) بلحوا علي: امتنعوا وعجزوا. (¬3) وجوهًا: الوجوه: يعني الأعيان والأشراف. (¬4) الأشواب: الأخلاط. (¬5) امصص بظر اللات: البظر ما تقطعه الخافضة من بظر المرأة عند الختان وكان هذا يستعمل عند العرب للشتم، لكن بلفظ الأم فاستعار الصديق ذلك مبالغة في سب عروة وإهانة لمعبوده، الذي حمله على ذلك نسبة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه إلى الفرار. (¬6) اليد: النعمة. (¬7) غدر: يا غادر.

11 - إرسال عثمان بن عفان إلى قريش

فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت مليكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا أخفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له؛ وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها" (¬1). 496 - من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: "إنه كان قائمًا على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعروة بن مسعود يكلمه، فقال له المغيرة: لتكفن يدك أو لا ترجع إليك يدك، والمغيرة متقلد سيفًا، فقال عروة: من هذا؟ قال: ابن أخيك المغيرة، فقال: يا غدر ما غسلت رأسي من غدرتك" (¬2). 11 - إرسال عثمان بن عفان إلى قريش: من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة قالا: " ... وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة، وحمله على جمل له يقال له الثعلب، فلما دخل مكة عقرت به قريش، وأرادوا قتل خراش، فمنعهم الأحابيش حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا عمر ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشًا على نفسي، وليس بها من بني عدي أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو أعز مني، عثمان بن عفان. قال: فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وأنه جاء زائرًا لهذا البيت معظمًا لحرمته، فخرج عثمان حتى أتى مكة، ولقيه أبان ابن سعيد بن العاص فنزل عن دابته، وحمله بين يديه، وردف خلفه، وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أرسله به، فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) انظر التعليق على الحديث رقم: 488. (¬2) المطالب العالية: 2064، 4347، ونسبه لأبي بكر بن أبي شيبة وقال: إسناده في نهاية الصحة، ورواه ابن حبان في صحيحه: 1696.

12 - بيعة الرضوان

فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين أن عثمان قد قتل" (¬1). وهذه رواية للحديث من طريق أخرى عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم من طريق محمَّد بن إسحاق قال حدثني الزهريّ محمَّد بن مسلم بن شهاب عن عروة بن الزبير عنهما. 12 - بيعة الرضوان: لما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عثمان رضي الله عنه قتل، دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه إلى مبايعته على قتال المشركين، ومناجزتهم، وها نحن نثبت هنا وصفًا لتلك البيعة وأحداثها كما يرويها من حضرها من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أ - قيام معقل بن يسار برفع أغصان الشجرة لئلا تصطدم بالرسول - عليه السلام -: 497 - من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: "لقد رأيتني يوم الشجرة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع الناس، وأنا رافع غصنًا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة، قال: لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه أن لا نفر" (¬2). ب - أول من بايع الرسول - عليه السلام -: 498 - قال الحافظ في الإصابة: أخرج الحاكم أبو أحمد من طريق عاصم الأحول عن الشعبي قال: "أتاني عامري وأسدي يعني كانا متفاخرين، فقلت: كان لبني أسد ست خصال ما كانت لحي من العرب أول من بايع بيعة الرضوان أبو سنان عبد الله بن وهب الأسدي قال: يا رسول الله ابسط يدك أبايعك قال: (على ماذا؟) قال: على ما في نفسي قال: (فتح وشهادة) قال: نعم، فبايعه قال: فخرج الناس يبايعون على بيعة أبي سنان" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 323 - 326، وابن هشام: 3/ 308 المجلد الثاني وابن سعد في الطبقات: 2/ 96 - 97، والطبرى في تاريخه: 2/ 631، جميعًا من طريق ابن إسحاق بسند صحيح قد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، وهو قطعة من حديث طويل في صلح الحديبية؛ وهو جزء من حديث رقم: 495. (¬2) أخرجه مسلم في الإمارة باب استحباب مبايعة الإِمام الجيش عند إرادة القتال رقم: 1858/ 76 - وأحمد في المسند انظر الفتح الرباني: 21/ 106. (¬3) الإصابة: 4/ 96 ترجمة رقم: 571، وقال أخرجه الحسن بن علي الحلواني، ومحمد بن إسحاق والسراج من طرفه عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، وأخرجه ابن مندة من طرق عن عاصم عن زر بن حبش ممم حبيش ممم قال: أول من بايع تحت الشجرة أبو سنان بن وهب" انتهى. قلت: وقد جاء أيضًا في دلائل البيهقي: 4/ 137، من طريق ابن أبي خالد عن الشعبي.

جـ - من تخلف عن البيعة

جـ - من تخلف عن البيعة: 499 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "قال أبو الزبير أنه سمع جابرًا يسأل: كم كانوا يوم الحديبية قال: كنا أربع عشر مائة، فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة (¬1)، فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري، اختبأ تحت بطن بعيره" (¬2). د - مبايعة سلمة بن الأكوع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: 500 - من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه " ... قال: ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعانا إلى البيعة في أصل الشجرة فبايعه أول الناس، ثم بايع وبايع، حتى إذا كان في وسط الناس قال: (بايعني يا سلمة) قال: قلت: يا رسول الله قد بايعتك أول الناس، قال: (وأيضًا)، قال: ورآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزلًا (¬3)، فأعطاني جحفة أو درقة (¬4)، ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال: (ألا تبايع يا سلمة؟) قال: قلت: يا رسول الله قد بايعتك في أول الناس وأوسطهم، قال: (وأيضًا) فبايعته الثالثة فقال: (يا سلمة أين جحفتك أو درقتك التي أعطيتك؟) قال: قلت: يا رسول الله لقيني عامر عزلًا فأعطيتها إياه، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: (إنك كالذي قال الأول (¬5)، اللهم ابغني (¬6) حبيبًا هو أحب إليَّ من نفسي) (¬7). هـ - مبايعة النبي - عليه السلام - نفسه عن عثمان رضي الله عنه: 501 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما كما رواه عنه عثمان بن وهب قال: "جاء رجل حج للبيت، فرأى قومًا جلوسًا فقال: من هؤلاء القعود؟ قالوا: هؤلاء قريش. قال: من الشيخ؟ قالوا: ابن عمر. فأتاه فقال: إني ¬

_ (¬1) سمرة: شجر الطلع. (¬2) أخرجه مسلم في الإمارة باب استحباب بابعة الإِمام الجيش عند إرادة القتال رقم: 1856/ 76. (¬3) عزلًا: الذي لا سلاح معه. (¬4) الحجفة أو الدرقة: الترس. (¬5) إنك كالذي قال الأول: إن شأنك مع عمك يشبه فحوى القول الذي قال الرجل المتقدم زمانه. (¬6) ابغني: أعطني. (¬7) قد تقدم جزء من هذا الحديث رقم: 493، فانظر تخريجه هناك.

و - بيعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

سائلك عن شيء أتحدثني؟ قال: أنشدك بحرمة هذا البيت، أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد؟ قال: نعم، قال: فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: فكبر. قال ابن عمر: تعال لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه: أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه، وأما تغيبه يوم بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت مريضة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه)، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان، فإنه لو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه، فبعث عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمن: (هذه يد عثمان) فضرب بها على يده فقال: (هذه لعثمان)، اذهب بها الآن معك) (¬1). و- بيعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: 502 - قال نافع: "إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار يأتي به ليقاتل عليه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبايع عند الشجرة، وعمر لا يدري بذلك، فبايعه عبد الله، ثم ذهب إلى الفرس، فجاء به إلى عمر، وعمر يستلئم للقتال، فأخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبايع تحت الشجرة قال: فانطلق، فذهب معه". وفي رواية أخرى من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن الناس كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية تفرقوا في ظلال الشجر، فإذا الناس محدقون بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا عبد الله انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوجدهم يبايعون، فبايع، ثم رجع إلى عمر، فخرج، فبايع" (¬2). قال الحافظ ابن حجر: "ويمكن الجمع بينهما بأنه بعثه يحضر له الفرس، ورأى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب قول الله: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ...} حديث رقم: 4066، الترمذي في المناقب باب مناقب عثمان بن عفان حديث رقم: 3706، وقال: حسن صحيح، وأحمد في المسند: 1/ 59، والحاكم في المستدرك: 3/ 98، وقال صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي من طريق حبيب بن أبي مليكة" قلت: وقد أخرجه البخاري كما سبق من طريق عثمان بن موهب. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية رقم: 4186، ومعلقا رقم: 4187.

ز- علام بايع الصحابة رسول الله يوم الحديبية

الناس مجتمعين فقال له: انظر ما شأنهم؟ فبدأ بكشف حالهم، فوجدهم يبايعون، فبايع، وتوجه إلى الفرس، فأحضرها، وأعاد حينئذ الجواب على أبيه" (¬1). ز- علام بايع الصحابة رسول الله يوم الحديبية: اخنلف الصحابة في ذلك على ثلاثة أقوال: الأول: قالوا بايعنا على الموت، وهو قول سلمة بن الأ كوع، وعبد الله بن زيد بن عاصم. 503 - حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن يزيد بن أبي عبيد -رحمه الله- قال: "قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية؟ قال: على الموت" (¬2). 504 - وحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: "أتاه آت فقال: هذاك ابن حنظلة يبايع الناس، فقال: على ماذا؟ قال: على الموت. قال: لا أبايع على هذا أحدًا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان شهد معه الحديبية" (¬3). الثاني: قالوا أنه بايعوه على عدم الفرار وهو قول جابر بن عبد الله ومعقل بن يسار. 505 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنا يوم الحديبية الفًا وأربع مائة، فبايعناه، وعمر رضي الله عنه آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة قال: بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت" (¬4) وحديث معقل بن يسار تقدم رقم: 497. ¬

_ (¬1) فتح الباري: 7/ 456. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية رقم: 4169، ومسلم في الإمارة باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال رقم: 1860. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية رقم: 4167، ومسلم في الإمارة باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال رقم: 1861. (¬4) أخرجه مسلم في الإمارة باب استحباب مبايعة الجيش عند إرادة القتال حديث: 1856/ 67، والترمذي في السير باب ما جاء في بيعة النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 1594، وقال حسن صحيح وانظر حديث رقم: 499.

الثالث: أنهم بايعوه على الصبر، وقد جاء هذا من حديث ابن عمر. 506 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رجعنا من العام المقبل، فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها" كانت رحمة من الله فسألنا نافعًا: على أي شيء بايعهم؟ على الموت؟ قال: لا، بل بايعهم على الصبر" (¬1). وفي التوفيق بين هذه الأقوال الثلاثة أسوق قولين للإمام النووي وابن حجر العسقلاني رحمهما الله تعالى وبين يدي قوليهما أقول: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكررت منه البيعة للصحابة رضوان الله عليهم في مواطن عديدة كان هذا الموطن من بينها، فتارة كان يبايع الصحابة على الجهاد كما حصل يوم الخندق، وتارة على الإِسلام والجهاد كما حصل مع مجاشع بن مسعود يوم فتح مكة، وتارة على النصح لكل مسلم كما حصل مع جرير بن عبد الله البجلي، وتارة على عدم الفرار، وعلى الموت، وعلى الصبر كما حصل يوم الحديبية فقد بايع قسمًا من الصحابة على عدم الفرار، والآخرون على الموت، وقسم على الصبر". يقول الإِمام النووي رحمه الله تعالى: "قوله في رواية جابر ومعقل بن يسار بايعناه يوم الحديبية على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت. وفي رواية سلمة: أنهم بايعوه يومئذ على الموت، وهو معنى رواية عبد الله بن زيد بن عاصم، وفي رواية مجاشع بن مسعود: البيعة على الهجرة والبيعة على الإِسلام والجهاد، وفي حديث ابن عمر وعبادة بايعنا على السمع والطاعة، وأن لا ننازع الأمر أهله، وفي رواية ابن عمر في غير صحيح مسلم: البيعة على الصبر. قال العلماء: هذه الرواية تجمع المعاني كلها، وتبين مقصود كل الروايات، فالبيعة على أن لا تفر معناه الصبر حتى نظفر بعدونا أو نقتل، وهو معنى البيعة على الموت، أي نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت، لا إن الموت مقصود في نفسه، وكذا البيعة على الجهاد أي والصبر فيه والله أعلم" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجهاد باب البيعة في الحرب أن لا يفروا، وقال بعضهم على الموت حديث رقم: 2958. (¬2) شرح صحيح مسلم للنووي: 13/ 2 - 3.

13 - إرسال سيد الأحابيش للتفاوض مع النبي

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "إن المبايعة فيها مطلقة، وقد أخبر سلمة بن الأكوع، وهو ممن بايع تحت الشجرة أنه بايع على الموت، فدل ذلك على أنه لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت، وعلى عدم الفرار، لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله (بل بايعهم على الصبر) أي على الثبات وعدم الفرار سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا، والله أعلم" (¬1). ويقول في موطن آخر: "وحاصل الجمع أن من أطلق أن البيعة كانت على الموت أراد لازمها؛ لأنه إذا بايع على أن لا يفر لزم من ذلك أن يثبت، والذي يثبت إما أن يغلب وإما أن يؤسر، والذي يؤسر إما أن ينجو وإما أن يموت، ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الراوي، وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة، والآخر حكى ما تؤول إليه" (¬2). وقال الإِمام الترمذي في سننه في تعليقه على الحديث رقم: 1593: ومعنى كلا الحديثين صحيح قد بايعه قوم من أصحابه على الموت وإنما قالوا: لا نزال بين يديك حتى نقتل وبايعه آخرون فقالوا: لا نفر) (¬3). 13 - إرسال سيد الأحابيش للتفاوض مع النبي: 507 - من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم الآنف الذكر " ... فقال رجل من بني كنانة دعوني آتيه؟ فقالوا: ائته، فلما أشرف على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هذا فلان: وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له)، فبعثت له، واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت: فما أرى أن يصدوا عن البيت" (¬4). وقد صرح ابن إسحاق - رحمه الله - في روايته لهذا الحديث باسم ذلك الرجل، وإسناد ذلك الحديث صحيح، وها أنذا أسوق لفظه ذلك قال ابن إسحاق ¬

_ (¬1) فتح الباري: 6/ 118، في كتاب الجهاد باب البيعة في الحرب على أن لا يفروا. (¬2) فتح الباري: 7/ 450، المغازي باب غزوة الحديبية، في التعليق على حديث سلمة رقم: 4169. (¬3) سنن الترمذي السير باب بيعة النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 1593. (¬4) انظر التعليق على الحديث 488 فإنه جزء منه.

14 - تحذير النبي الصحابة من إيقاد النار في الليل

" ... ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زبان، وكان يومئذ سيد الأحابيش، وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن هذا من قوم يتألهون (¬1)، فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه)، فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي (¬2) في قلائده (¬3) وقد أكل أوباره من طول الجس عن محله (¬4)، رجع إلى قريش، ولم يصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إعظامًا لما رأى فقال لهم ذلك. قال: فقالوا له: اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك". قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر: "أن الحليس غضب عند ذلك وقال: يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أيصد عن بيت الله من جاء معظمًا له! والذي نفس الحليس بيده، لتخلن بين محمَّد وبين ما جاء له، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد، قال: فقالوا له: صه، كف عنا يا حيس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى" (¬5). 14 - تحذير النبي الصحابة من إيقاد النار في الليل: 508 - من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان يوم الحديبية قال: (لا توقدوا نارًا بليل، فلما كان بعد ذلك قال: أوقدوا واصطنعوا، فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم) (¬6). 15 - أسر رجال من المشركين حاولوا الاعتداء على المسلمين: 509 - من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ضمن حديث طويل سبق ذكر أجزاء منه قال: " ... أتيت شجرة فكسحت شوكها (¬7)، واضطجعت في ¬

_ (¬1) يتألهون: يتجدون ويعظمون أمر الإله. (¬2) عرض الوادي: جانبه. (¬3) القلائد: ما يعلق في أعناق الهدي ليعلم أنه هدي. (¬4) محله: موضعه الذي ينحر فيه من الحرم. (¬5) سيرة ابن هشام: 3/ 312، المجلد الثاني من طريق ابن إسحاق بسند صحيح صرح فيه بالتحديث وهو قطعة من حديث طويل في صلح الحديبية. (¬6) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 26، قال الهيمثي في المجمع: 6/ 145، رواه أحمد، ورجاله ثقات: وأخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 36، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (¬7) كسحت شوكها: كنست ما تحتها من الشوك.

أصلها، فأتاني أربعة من أهل مكة من المشركين، فجعلوا يقعون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأبغضتهم، فتحولت إلى شجرة أخرى، وعلقوا سلاحهم واضطجعوا. فبينما هم كذلك، إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين، قتل ابن زنيم قال: فاخترطت سيفي (¬1) ثم شددت (¬2) على هؤلاء الأربعة، وهم رقود، فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثًا (¬3) في يدي. قال: ثم قلت: والذي كرم وجه محمَّد! لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه (¬4) قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: وجاء عمي عامر برجل من العبلات (¬5) يقال له مكرز يقوده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، على فرس مجفف (¬6) في سبعين من المشركين، فنظر إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (دعوهم. يكن لهم بدء الفجور وثناه (¬7)) فعفا عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل الله: (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) (¬8) (¬9). 510 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن ثمانين رجلًا من أهل مكة هبطوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جبل التنعيم متسلحين، يريدون غرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فأخذهم سلمًا، فاستحياهم، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} (¬10). ¬

_ (¬1) اخترطت سيفي: سللته. (¬2) شددت: حملت وكررت. (¬3) ضغثًا: الضغث: الحزمة. (¬4) الذي فيه عينيه: رأسه. (¬5) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش وهم أمية الصغرى، والنسبة إليهم عبلى: ترك إلى الواحد. (¬6) مجفف: عليه نجفاف: وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. (¬7) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء، وأما ثناه فمعناه عودة تائبة. (¬8) سورة الفتح: 24 الآية كلها. (¬9) سبق تخريجه في الحديث رقم: 493. (¬10) أخرجه مسلم في الجهاد والسير باب قوله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم} الآية رقم: 1808، أبو داود في الجهاد باب في المن على الأسير بغير فداء: 2688، الترمذي في التفسير باب ومن سورة الفتح رقم: 3264، وقال حسن صحيح، وأحمد في المسند: 3/ 122، 125، وابن جرير في التفسير: 26/ 94، البيهقي في الدلائل: 4/ 141.

16 - نزول المطر على المسلمين يوم الحديبية

وقد جاء من حديث عبد الله بن مغفل ما يدل على أن هذا الأمر حصل أثناء كتابة الصلح بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين سهيل بن عمرو، وأن رسول الله دعا على الذين حاولوا مهاجمة المسلمين، فأخذ الله أبصارهم، فقبض عليهم المسلمون، وكان عدد هؤلاء ثلاثين شابًا من قريش، ثم أطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراحهم، فلعل ذلك حصل مرة أخرى والله أعلم. 511 - حديث عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله عز وجل في القرآن، وكان يقع في أغصان الشجرة على ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلي بن أبي طالب وسهيل بن عمرو بين يديه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اكتب هذا ما صالح عليه محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب، وأنا رسول الله، فكتب فبينما نحن كذلك فخرج علينا ثلاثون شابًا عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ الله أبصارهم، فقمنا إليهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هل جئتم في عهد أحد وهل جعل لكم أمانًا؟) قالوا: لا، فخلى سبيلهم، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} (¬1). 16 - نزول المطر على المسلمين يوم الحديبية: 512 - من حديث زيد بن خالد الأنصاري رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية، فأصابنا مطر ذات ليلة، فصلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح، ثم أقبل علينا فقال: (أتدرون ماذا قال ربكم؟) قلنا: الله ورسوله أعلم، فقال: (قال الله: أصبح من عبادي مؤمن وكافر بي، فأما من قال مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله، فهو مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنجم كذا، فهو مؤمن بالكوكب كافر بي) (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 87، وقال الهيثمي في: مجمع الزوائد: 6/ 145، رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، والحاكم: 2/ 461، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، والبيهقي في السنن: 6/ 319، وابن جرير في التفسير: 26/ 94. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية رقم: 4147، مسلم في الإيمان باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء حديث رقم: 71، مالك في الموطأ: 1/ 192، أبو داود في السنن رقم: 3906، والنسائي: 3/ 156، وأحمد في المسند: 4/ 117.

17 - إرسال مكرز بن حفص لمفاوضة الرسول - عليه السلام -

17 - إرسال مكرز بن حفص لمفاوضة الرسول - عليه السلام -: 513 - من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم الطويل الذي سبق أجزاء منه" .. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته، فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هذا مكرز، وهو رجل فاجر) فجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). 18 - إرسال النبي - عليه السلام - خراش بن أمية الخزاعي لمفاوضة قريش: 514 - من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم من رواية الإِمام أحمد وابن إسحاق بسند صحيح وسبق أجزاء منه " ... وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة، وحمله على جمل يقال له الثعلب، فلما دخل مكة عقرت به قريش، وأرادوا قتل خراش، فمنعهم الأحابيش، حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). 19 - إرسال سهيل بن عمرو لمفاوضة الرسول - عليه السلام -: 515 - من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم السابق: " ... أن قريشًا بعثوا سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي فقالوا: أثبت محمدًا فصالحه، ولا يكون في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدًا" (¬3). 516 - من حديث المسور بن مخرمة ومروان عند البخاري: " ... فبينما هو يكلمه (¬4) إذ جاء سهيل بن عمرو قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة: أنه لما جاء سهيل بن عمرو قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قد سهل الله أمركم) قال معمر قال الزهريّ في حديثه: "فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينك كتابًا، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الكاتب" (¬5). ¬

_ (¬1) انظر التعليق على الحديث رقم: 488. (¬2) انظر التعليق على الحديث رقم: 496، فإن هذا الحديث قطعة من ذلك الحديث الطويل. (¬3) انظر التعليق على الحديث رقم: 496. (¬4) مكرز بن حفص وهو يكلم النبي - عليه السلام -. (¬5) انظر التعليق على الحديث رقم: 488.

20 - كاتب صلح الحديبية

20 - كاتب صلح الحديبية: 517 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "كتب علي بن أبي طالب الصلح بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين يوم الحديبية" (¬1). وقد جاء عن عدد من الصحابة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان هو كاتب الصلح: من حديث أنس رضي الله عنه عند مسلم (¬2)، ومن حديث المسور ابن مخرمة ومروان بن الحكم عند أحمد وأبي داود (¬3)، ومن حديث ابن عباس عند إسحاق بن راهويه (¬4). 21 - اعتراض عمر بن الخطاب على كتابة الصلح: 518 - من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه من طريق أبي وائل عنه قال: "قام سهل بن حنيف يوم صفين فقال: أيها الناس! اتهموا أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية، ولو نرى قتالًا لقاتلنا، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين، فجاء عمر بن الخطاب فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: (بلى)، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: (بلى)، قال: ففيم نعطي الدنية (¬5) في ديننا، ونرجع، ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: (يا ابن الخطاب إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبدا) قال: فانطلق عمر فلم يصبر متغيظًا، فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر! ألسنا على حق، وهم على باطل؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا ونرجع، ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟. فقال: يا ابن الخطاب إنه رسول الله، ولن يضيعه الله أبدًا. قال: فنزل ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصلح باب كيف يكتب، وهذا ما صالح عليه فلان بن فلان .. حديث رقم: 2698، مسلم في الجهاد والسير باب صلح الحديبية حديث رقم: 1783/ 90، أبو داود في الحج باب المحرم يحمل السلاح حديث رقم: 1832. (¬2) أخرجه مسلم في السير باب صلح الحديبية حديث رقم: 1784. (¬3) أحمد في المسند: 4/ 325، أبو داود في السنن: 2766، ورجاله ثقات. (¬4) المطالب العالية رقم: 4345، وقال ابن حجر: هذا إسناد صحيح له شاهد في الصحيحين من حديث المسور وغيره. (¬5) الدنية: النقيصة والحالة الناقصة.

22 - محاورة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين سهيل بن عمرو حول كتابة الكتاب

القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفتح. فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه. فقال: يا رسول الله!! أو فتح هو؟ قال: (نعم)، فطابت نفسه ورجع) (¬1). وقد جاءت قصة عمر هذه أيضًا من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم الوارد في الصحيحين كما سبق التعليق عليه (¬2). وقد كان موقف بعض الصحابة شبيهًا بموقف عمر بن الخطاب، ولكنهم لم يستطيعوا التعبير عن أنفسهم كما عبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما يتضح لنا من موقف سهل بن حنيف رضي الله عنه في الحديث الذي سأسوقه لاحقًا: 519 - من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: بصفين: "أيها الناس! اتهموا رأيكم والله لقد رأيتني يوم أبي جندل، ولو أني أستطيع أن أرد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرددته، والله! ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر قط، إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه إلا أمركم هذا" (¬3). 22 - محاورة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين سهيل بن عمرو حول كتابة الكتاب: 520 - من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم الذي في الصحيح والذي سبق أجزاء منه " ... فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينك كتابًا، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الكاتب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هي، ولكن اكتب باسمك اللهم" كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اكتب (باسمك اللهم)، ثم قال: (هذا ما قاض عليه محمَّد رسول الله) فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب الجزية باب 18، حدثنا عبدان حديث رقم: 3182، ومسلم في الجهاد والسير باب صلح الحديبية حديث رقم: 1785/ 94، وأحمد في المسند: 3/ 486، وابن جرير في التفسير: 26/ 70. (¬2) انظر التعليق على الحديث رقم: 488. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الجزية باب: 18، حدثنا عبدان حديث رقم: 3181، وفي المغازي باب غزوة الحديبية رقم: 4189، مسلم في الجهاد والسير باب صلح الحديبية حديث رقم: 1875/ 95، وانظر حديث رقم: 518.

23 - اعتذار علي عن محو الشهادة للنبي بالرسالة وقيام النبي بذلك

البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمَّد بن عبد الله". فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمَّد بن عبد الله) قال الزهريّ: وذلك لقوله: (لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به)، فقال سهيل: "والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك -إلا رددته إلينا، قال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلمًا" (¬1). 23 - اعتذار علي عن محو الشهادة للنبي بالرسالة وقيام النبي بذلك: 521 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "كتب علي بن أبي طالب الصلح بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين يوم الحديبية، فكتب "هذا ما كاتب عليه محمَّد رسول الله، فقالوا: لا تكتب رسول الله فلو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي: (امحُهُ) فقال: ما أنا بالذي أمحاه، فمحاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده" (¬2). 24 - شروط الصلح وبنوده: وقد جاءت شروط الصلح وبنوده مستوفاة تقريبًا في حديث المسور به مخرمة ومروان بن الحكم في مسند أحمد، ومن طريق ابن إسحاق كما في السيرة النبوية لابن هشام، وهذا لا يعني أنها ليست موجودة في كتب الحديث الأخرى، بل وجدت هذه الشروط مفرقة في أحاديث متعددة، وعن طرق عن صحابة متعددين، ولكن وجودها في حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم بصورة جامعة يجعلني أقدم هذه الرواية، وقد أخرجت بعض ذلك الحديث مفرقًا في عدة مواطن من حديثنا عن غزوة الحديبية كما أشرت إلى ذلك في التعليقات عليه، وها أنذا أسوق هذه البنود كما جاءت في ذلك الحديث مع حذف بعض الجمل المعترضة خلالها. ¬

_ (¬1) انظر تخريجه في الحديث رقم: 488، فإنه جزء منه. (¬2) سبق تخريجه حديث: 517.

25 - دخول خزاعة في عهد النبي وبنو بكر في عهد قريش

522 - من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم " .. باسمك اللهم هذا ما صالح عليه محمَّد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه بغير إذن وليّه رده عليهم، ومن أتى قريشًا ممن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يردوه عليه، وإن بيننا عيبة (¬1) مكفوفة (¬2)، وأنه لا إسلال (¬3)، ولا إغلال (¬4)، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وإنك ترجع عنا عامنا هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك، فتدخلها بأصحابك، وأقمت فيها ثلاثًا معك سلاح الراكب، لا تدخلها بغير السيوف في القرب (¬5) " (¬6). وقد جاءت بعض هذه الشروط من حديث البراء بن عازب عند البخاري ومسلم (¬7) ومن حديث أنس عند مسلم (¬8)، ومن حديث ابن عمر عند البخاري (¬9). 25 - دخول خزاعة في عهد النبي وبنو بكر في عهد قريش: 523 - من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم: "أنه من أحب أن يدخل في عقد محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن مع عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم" (¬10). ¬

_ (¬1) عيبة: مستودع الثياب، والعرب تكني عن القلوب والصدور بالعياب لأنها مستودع السرائر، ويريد بذلك أن بينهم صدرًا نقيًّا من الغل والخداع مطويًّا على الوفاء بالصلح. (¬2) مكفوفة: المشدودة، وقيل أراد أن بينهم موادعة ومكافة عن الحرب تجريان مجرى المودة التي تكون بين المتخاصمين. (¬3) إسلال: السرقة الخفية. (¬4) إغلال: الحقد والشحناء. (¬5) القرب: ما يوضع فيه السيف وهو الغمد. (¬6) انظر التعليق على الحديث: 496. (¬7) أخرجه البخاري في الصلح باب الصلح مع المشركين حديث رقم: 2700، مسلم حديث رقم: 1783. (¬8) أخرجه مسلم حديث رقم: 1784. (¬9) أخرجه البخاري في الصلح باب: الصلح مع المشركين حديث رقم: 2701. (¬10) انظر تخريجه حديث رقم: 496.

26 - قصة أبي جندل بن سهيل بن عمرو

26 - قصة أبي جندل بن سهيل بن عمرو: 524 - من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة الذي في الصحيح، وسبقت منه أجزاء متعددة في أماكن شتى من هذه الغزوة وأشير إليها في أمكنتها، ومما جاء فيها أنهم في أثناء كتابتهم لبنود الاتفاقية جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فطالب والده برده التزامًا بالشروط " ... فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرصف في قيوده (¬1)، وقد خرج من أسفل الكعبة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمَّد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنا لم نقض الكتاب بعد) (¬2)، قال: فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدًا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فأجزه لي)، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: (بلى فافعل)، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين قد جئت مسلمًا؟ ألا ترون ما لقيت؟ وكان قد عذب عذابًا شديدًا في الله" (¬3). وفي الطريق الآخر عند الإِمام أحمد وابن إسحاق زيادة لطيفة أوردها هنا، وهي أيضًا من طريق مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة " ... فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكتب الكتاب إذا جاءه أبو جندل بن سهيل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: وقد كان أصحاب رسول الله خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأوها رأوا من الصلح والرجوع، وما تحمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نفسه دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا أن يهلكوا، فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه ثم قال: "يا محمَّد قد لجت القضية (¬4) بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا"، قال: (صدقت)، فقام إليه، فأخذ بتلبيبه (¬5). قال: وصرخ أبو جندل بأعلى صوته يا معاشر المسلمين أتردونني إلى أهل ¬

_ (¬1) يرصف في قيوده: يمشي بطيئًا بسبب قيوده. (¬2) إنا لم نقض الكتاب بعد: أي لم نفرغ من كتابته. (¬3) انظر تخريجه حديث رقم: 488. (¬4) لجت القضية: وجبت. (¬5) تلبيبة: يقال أخذت بتلبيب فلان: إذا جمعت عليه ثوبه الذي هو لابسه وقبضت عليه ....

27 - مشورة أم سلمة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحلق والنحر

الشرك فيفتنوني في ديني، قال: فزاد الناس شرًّا إلى ما بهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، فأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عليه عهدًا، وإنا لن نغدر بهم). قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل، فجعل يمشي إلى جنبه، وهو يقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، قال: ويدني قائم السيف منه، قال: يقول: رجوت أن يأخذ السيف، فيضرب به أباه قال: فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية) (¬1). 27 - مشورة أم سلمة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحلق والنحر: 525 - من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم الذي في الصحيح جاء ما يلي: " ... قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (قوموا، فانحروا، ثم احلقوا)، قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا يكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك: نحو بدنه ودعا حالقه، فلما رأوا ذلك قاموا، فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا" (¬2). 28 - الشجرة التي بويع النبي تحتها وشأنها: 526 - من حديث طارق بن عبد الرحمن قال: "انطلقت حاجًّا فمررت بقوم يصلون، قلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب، فأخبرته: فقال سعيد: حدثني أبي "أنه كان فيمن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إن أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لم يعلموها، وعلمتموها أنتم؟ فأنتم أعلم" (¬3). ¬

_ (¬1) انظر الحديث رقم: 496. (¬2) انظر تخريجه حديث رقم: 488. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية حديث رقم: 4163، مسلم في الإمارة باب استحباب بايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال حديث رقم: 1859/ 77.

29 - قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية ...}

29 - قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ ...}: 527 - من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية، ونحن محرمون، وقد حصرنا المشركون، قال: وكانت لي وفرة، فجعلت الهوام تساقط من رأسي، فمر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أيؤذيك هوام رأسك؟) قلت: نعم: وأنزلت هذه الآية {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} (¬1) (¬2). 30 - منزلة أهل الحديبية: 528 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة فقال لنا النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وأنتم اليوم خير أهل الأرض) وقال جابر: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة" (¬3). 529 - ومن حديث جابر أيضًا قال: "أن عبدًا لحاطب جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكو حاطبًا فقال: يا رسول الله! ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كذبت لا يدخلها، فإنه شهد بدرًا والحديبية) (¬4). 530 - ومن حديث جابر بن عبد الله أيضًا قال: أخبرتني أم مبشر، أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول عند حفصة (لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها) قالت: بلى يا رسول الله! فانتهرها. فقالت: حفصة: {وإن منكم إلا واردها} (¬5) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قد قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيًّا}) (¬6). ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 196. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية أحاديث رقم: 4159، 4190، 4191، ومسلم رقم: 1201، وأبو داود رقم: 1856، 1857، 1859، 1860، والترمذي رقم: 953، 2973، 2974، والنسائي رقم: 2851، وأحمد في المسند: 4/ 241، 242، 243، 244، ومالك في الموطأ: 1/ 417. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية حديث رقم: 4154، مسلم في الصحيح كتاب الإمارة باب استجاب مبايعة الإِمام للجيش محمد إرادة القتال حديث رقم: 1856/ 71. (¬4) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أهل بدر حديث رقم: 2495، والترمذي في المناقب باب 59، حديث رقم: 3864، وأحمد في المسند: 2/ 325، 349، والحاكم: 3/ 301، والبيهقي في الدلائل: 3/ 153، 4/ 144. (¬5) مريم: 71. (¬6) أخرجه مسلم في الصحيح كتاب فضائل الصحابة باب عن فضائل أصحاب الشجرة حديث رقم: 2496، =

31 - فتيان الصحابة يستقون الماء

31 - فتيان الصحابة يستقون الماء: 531 - من حديث جابر رضي الله عنهما قال: "أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية حتى إذا كنا بالسقيا (¬1)، قال معاذ: من يسقينا في أسقيتنا؟ قال: فخرجت في فتيان معي حتى أتينا الأثاية (¬2)، فأسقينا، واستقينا، قال: فلما كان بعد عتمة الليل، إذا رجل ينازعه بعيره الماء، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذت راحلته فأنختها، قال: فتقدم فصلى العشاء، وأنا عن يمينه، ثم صلى ثلاث عشرة ركعة" (¬3). 32 - الفتح هو صلح الحديبية: 532 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحًا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية" (¬4). 533 - من حديث مجمع بن جارية رضي الله عنه قال: "شهدنا الحديبية فلما انصرفنا وجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقفًا عند كراع الغميم، وقد جمع الناس قرأ عليهم: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} الآية، فقال رجل: يا رسول الله أوفتح هو؟ قال: أي والذي نفسي بيده إنه لفتح) (¬5). وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر في الفتح: "وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم، والتحقيق أنه يختلف ذلك باختلاف المراد من الآيات، فقوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} المراد بالفتح هنا الحديبية؛ لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين، لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن، ورفع الحرب، وتمكن من ¬

_ = وابن ماجه رقم: 4281، وابن أبي عاصم رقم: 860، 861 وابن سعد في الطبقات: 8/ 336، وأحمد في المسند: 6/ 285، 362، 420 والطبري في التفسير: 16/ 85، والبيهقي في الدلائل: 4/ 143، والطبراني في الكبير: 25 / رقم: 265، 266، 269. (¬1) السقيا: قرية على بعد مائة ميل إلا أربعة أميال عن المدينة نحو مكة. (¬2) الأثاية: موضع بطريق الجحفة بينه وبين المدينة 75 ميلًا، وفيه بئر وعليها مسجد. (¬3) المطالب العالية رقم: 4346، وقال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن، وقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، ووافقه البوصيري على ذلك. (¬4) سبق تخريجه حديث رقم: 492. (¬5) أخرجه أبو داود في الجهاد باب فيمن أسهم له سهمًا حديث: 2736، والحاكم: 2/ 459، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه وقال الذهبي: ولم يخرج مسلم لمجمع ولا لأبيه شيئًا، هما ثقتان، وابن جرير: في التفسير: 26/ 71.

يخشى الدخول في الإسلام، والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما، ثم تبعت الأسباب بعضها بعضًا إلى أن كمل الفتح. وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي عن الزهريّ قال: لم يكن في الإِسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه، إنما كان الكفر حيث القتال، فلما أمن الناس كلهم، كلم بعضهم بعضًا، وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكن أحد في الإِسلام يعقل شيئًا إلا بادر إلى الدخول فيه، فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الإِسلام قبل ذلك أو أكثر. قال ابن هشام: ويدل عليه أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرة آلاف" انتهى. وهذه الآية نزلت منصرفه عليه السلام من الحديبية، وأما قوله تعالى في هذه السورة: {وأثابهم فتحًا قربيًا}، فالمراد بها فتح خيبر على الصحيح؛ لأنها هي التي وقعت فيها المغانم الكثيرة للمسلمين. وقد روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمع بن حارثة قال: شهدنا الحديبية، فلما انصرفنا وجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقفًا عند كراع الغميم، وقد جمع الناس قرأ عليهم: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} الآية فقال رجل: يا رسول الله أوفتح هو؟ قال: (أي والذي نفسي بيده إنه لفتح). ثم قسمت خيبر على أهل الحديبية. وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الشعبي في قوله: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} قال: صلح الحديبية، وغفر له ما تقدم وما تأخر، وتبايعوا بيعة الرضوان، وأطعموا نخيل خيبر، وظهرت الروم على فارس، وفرح المسلمون بنصر الله. أما قوله تعالى: {فجعل من دون ذلك فتحًا قريبًا} فالمراد الحديبية، وأما قوله: {إذا جاء نصر الله والفتح} وقوله: (لا هجرة بعد الفتح)، فالمراد بها فتح مكة باتفاق، فبهذا يرتفع الإشكال وتجتمع الأقوال. بعون الله تعالى" (¬1). ¬

_ (¬1) فتح الباري: 7/ 442، في التعليق على حديث البراء رقم: 4150.

33 - نزول سورة الفتح أثناء الرجوع من صلح الحديبية

33 - نزول سورة الفتح أثناء الرجوع من صلح الحديبية: 534 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} قال: الحديبية. قال أصحابه: هنيئًا مريئًا، فما لنا؟ فأنزل الله {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار} قال شعبة فقدمت الكوفة، فحدثت بهذا كله عن قتادة، ثم رجعت فذكرت له، فقال: أما {إنا فتحنا} فعن أنس بن مالك وأما "هنيئًا مريئًا" فعن عكرمة"، واللفظ للبخاري. وفي رواية مسلم بعض الزيادة اللطيفة أوردُها لتمام الفائدة فعن قتادة أن أنس ابن مالك حدثهم قال: "لما نزلت: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله} -إلى قوله: {فوزًا عظيمًا} (¬1) مرجعه من الحديبية، وهم يخالطهم الحزن والكآبة، وقد نحر الهدي بالحديبية، فقال: (لقد أنزلت علي آية هي أحب إليَّ من الدنيا جميعًا) (¬2). 535 - من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال زيد بن أسلم عن أبيه: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسير في بعض أسفاره -وعمر بن الخطاب يسير معه ليلًا، فسأله عمر بن الخطاب عن شيء، فلم يجبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم سأله، فلم يجبه. وقال عمر بن الخطاب: ثكلتك أمك يا عمر، نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام المسلمين، وخشيت أن ينزل فيَّ قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخًا يصرخ بي، قال: فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل فيَّ قرآن، وجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه، فقال: (لقد أنزلت علي الليلة سورة أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس)، ثم قرأ: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الفتح: 1 - 5. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية رقم: 4172، مسلم في الصحيح الجهاد والسير باب صلح الحديبية في الحديبية رقم: 1786، الترمذي في السنن تفسير سورة الفتح: 3263، وأحمد في المسند: 3/ 122، 134، 153، 193، 215، 252، وابن حبان في مرارد الظمآن: 436 والحاكم: 2/ 459 وقال صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الحديبية رقم: 4177، وقد جاء أيضًا بأرقام: 4833، 5012، الترمذي في التفسير باب ومن سورة الفتح حديث رقم: 3262، وقال: حسن صحيح غريب، وأحمد في المسند: 1/ 31.

المبحث الثاني: إسلام أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهجرتها

المبحث الثاني: إسلام أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهجرتها 536 - من حديث مروان والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما يخبران عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يأتيك منا أحد -وإن كان على دينك، إلا رددته إلينا، وخليت بيننا وبينه، فكره المؤمنون ذلك، وامتعضوا منه، وأبي سهيل إلا ذلك، فكاتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة، وإن كان مسلمًا. وجاءت المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ، وهي عاتق، فجاء أهلها يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجعها إليهم، فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ -إلى قوله: وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (¬1) (¬2). المبحث الثالث: مبايعته صلى الله عليه وسلم للنساء 537 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمتحن يقول الله عَزَّ وَجَلَّ. {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} (¬3)، إلى آخر الآية. قالت عائشة: فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (انطلقن فقد بايعتكن)، ولا والله: ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط. غير أنه يبايعن بالكلام. قالت عائشة: والله ما أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النساء قط، إلا بما أمره الله تعالى، وما مست كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كف امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن: (قد بايعتكن) كلامًا" اللفظ لمسلم (¬4). ¬

_ (¬1) الممتحنة: آية رقم: 12. (¬2) أخرجه البخاري في الشروط باب ما يجوز من الشروط في الإِسلام والأحكام والمبايعة رقم: 2711، 2712. (¬3) سورة الممتحنة: 12. (¬4) أخرجه البخاري في الطلاق باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي رقم: 5288، =

المبحث الرابع: قصة أبي بصير رضوان الله عليه

المبحث الرابع: قصة أبي بصير رضوان الله عليه 538 - من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة الوارد في الصحيح في قصة صلح الحديبية والذي أخرجه البخاري في كتاب الشروط " ... ثم رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم (وقال يحيى عن ابن المبارك) فقدم عليه أبو بصير بن أسيد الثقفي مسلمًا مهاجرًا. فاستأجر الأخنس بن شريق رجلًا كافرًا من بني عامر بن لؤي ومولى معه، وكتب معهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله الوفاء، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فيه، فدفعه إلى الرجلين. فخرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة، فنزلوا يكون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك يا فلان هذا جيدًا، فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد لقد جربت به، ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه به حتى برد (¬1)، وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لقد رأى هذا ذعرًا) (¬2). فلما انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ويل أمه (¬3) مسعر حرب لو كان له أحد) (¬4) فلما عرف ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر (¬5) قال: وينفلت أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت فيهم عصابة (¬6). ¬

_ = مسلم في الإمارة باب كيفية بيعة النساء رقم: 1866، الترمذي في تفسير القرآن باب ومن سورة الممتحنة: 3306، وقال: حسن صحيح وابن ماجه في الجهاد باب بيعة النساء رقم: 2875، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف رقم: 16647. (¬1) برد: مات. (¬2) ذعرًا: خوفًا. (¬3) ويل أمه: كلمة ذم تقولها العرب ولا يقصدون معنى لها من الذم لأن الويل الهلاك كقولهم لأمه الويل. والمراد هنا التعجب من إقدامه إلى الحرب والنهوض لها وإسعار نارها. (¬4) لو كان له أحد ينصره ويؤازره على إيقاد نار الحرب لأثار الفتنة وأفسد الصلح. (¬5) سيف البحر: ساحل البحر وهو طريق قريش إلى الشام. (¬6) عصابة: الجماعة وهي ما بين العشر إلى الأربعين.

المبحث الخامس: غزوة ذي قرد أو غزوة الغابة

قال: فوالله لا يسمعون بعير (¬1) خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} حتى بلغ الحمية حمية الجاهلية) (¬2). وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقروا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وحالوا بينهم وبين البيت" (¬3). المبحث الخامس: غزوة ذي قرد أو غزوة الغابة (¬4) 1 - وقتها: اختلف في وقتها على قولين: 1 - قول للإمام البخاري بأنها قبل خيبر بثلاث -يعني ليال- أي بعد الحديبية، وجزم بذلك، ورجح ذلك الإمام ابن حجر العسقلاني في الفتح، وأيده في ذلك البيهقي في "الدلائل" وابن القيم في زاد المعاد (¬5). 2 - أما أصحاب المغازي والسير فيذكرون أنها قبل الحديبية، وعلى ذلك ابن إسحاق، وابن سعد، ومحمد بن عمر الواقدي. وما في الصحيح أصح من قول أصحاب المغازي والسير؛ لأن له مستند من حديث سلمة بن الأكوع الذي أخرجه مسلم من طريقه فقال: "فرجعنا أي من الغزوة إلى المدينة، فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر". قال الحافظ ابن حجر في الفتح "ومستنده في ذلك حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، فإنه قال في آخر الحديث الطويل الذي أخرجه مسلم من طريقه: "قال فرجعنا -أي من الغزوة- إلى المدينة فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال ¬

_ (¬1) العير: الغافلة. (¬2) الفتح: آية: 24. (¬3) انظر تخريجه حديث رقم: 488. (¬4) ذي قرد: ماء على نحو يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان. (¬5) فتح الباري: 7/ 460، البيهقي في الدلائل: 4/ 178، زاد المعاد: 3/ 279.

حتى خرجنا إلى خيبر" أما ابن سعد فقال كانت غزوة ذي قرد في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية، وقيل في جمادى الأولى" وعن ابن إسحاق في شعبان منهما فإنه قال: "كانت بنو لحيان في شعبان سنة ست، فلما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة فلم يقم بها إلا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاحه". قال القرطبي شارح مسلم في الكلام على حديث سلمة بن الأكوع: لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية، فيكون ما وقع في حديث سلمة ابن الأكوع من وهم بعض الرواة، قال: ويحتمل أن يجمع بأن يقال: يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أغزى سرية فيهم سلمة بن الأكوع إلى خيبر قبل فتحها، فأخبر سلمة عن نفسه، وعمن خرج معه يعني حيث قال: خرجنا إلى خيبر، قال ويؤيده أن ابن إسحاق ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرتين. انتهى. قال الحافظ "وسياق الحديث يأبى هذا الجمع، فإن فيه بعد قوله وحين خرجنا إلى خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل عامر يرتجز بالقول، وفيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - مَنْ السائق؟)، وفيه مبارزة علي لمرحب، وقتل عامر، وغير ذلك مما وقع في غزوة خيبر حين خرج إليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعلى هذا ما في الصحيح من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح مما ذكره أهل السير، ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح وقعت مرتين الأولى التي ذكرها ابن إسحاق، وهي قبل الحديبية، والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر، وكان رأس الذين أغاروا عبد الرحمن بن عيينة كما في سياق سلمة عند مسلم. ويؤيده أن الحاكم ذكر في (الإكليل) أن الخروج إلى ذي قرد تكرر، ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد، وفي الثانية خرج إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في ربيع الآخر سنة خمس، والثالثة هذه المختلف فيها. انتهى. فإذا ثبت هذا قوي هذا الجمع الذي ذكرته، والله أعلم" (¬1). ¬

_ (¬1) فتح الباري: 7/ 461 - 461.

2 - أحداثها

2 - أحداثها: 539 - من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه من طريق يزيد بن أبي عبيد: قال: "سمعت سلمة بن الأكوع يقول خرجت قبل أن يؤذن بالأولى (¬1). وكانت لقاح (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترعى بذي قرد قال: فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال: أخذت لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: من أخذها؟ قال: غطفان، قال: فصرخت ثلاث صرخات: يا صباحاه! قال: فأسمعت ما بين لابتي المدينة (¬3)، ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم بذي قرد، وقد أخذوا يسقون من الماء فجعلت أرميهم بنبلي، وكنت راميًا وأقول: أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع (¬4) فارتجز، حتى استنقذت (¬5) اللقاح منهم، واستلبت منهم ثلاثين بردة، قال: وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس، فقلت: يا نبي الله! إني قد حميت (¬6) القوم الماء، وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة. فقال: (يا ابن الأكوع! ملكت فاسجح) (¬7)، قال: ثم رجعنا، ويردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقته حتى دخلنا المدينة" (¬8). 540 - ومن حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه: في حديث طويل سبق ذكر أجزاء منه في صلح الحديبية سأشير إلى رقمها في التعليق على الحديث " ... قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينة، فنزلنا منزلًا، بيننا وبين بني لحيان جبل، ¬

_ (¬1) قبل أن يؤذن بالأولى: أي الصلاة الأولى يريد بها صلاة الصبح. (¬2) لقاح: وأحدها لقحة وهي ذات اللبن قريبة العهد بالولادة. (¬3) ما بين لابتي المدينة: اللابة: أكرة الأرض ذات الحجاره السوداء، والمدينة واقعة بين حرتين عظيمتين يريد أنه أسمع بصرخاته جميع أهل المدينة. (¬4) يوم الرضع: معناه اليوم يوم هلاك اللئام. (¬5) استنفذت: أنقذت. (¬6) حميت القوم: منعتهم الماء. (¬7) اسجح: احسن وارفق، والسجاحة السهولة. (¬8) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة ذات القرد رقم: 4194، ومسلم في الجهاد والسير باب غزوة ذي قرد وغيرها حديث رقم: 1806، وأبو داود في السنن رقم: 2752، وأحمد في المسند: 4/ 48، والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم: 978، والبيهقي في دلائل النبوة: 4/ 180 - 181، وفي السنن: 10/ 236، والطبراني في الكبير: 6284.

وهم المشركون (¬1). فاستغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن رقي هذا الجبل الليلة، كأنه طليعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثًا. ثم قدمنا المدينة، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهره (¬2) مع رباح غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه، وخرجت معه بفرس طلحة، أنديه (¬3) مع الظهر، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستاقه أجمع، وقتل راعيه، قال: فقلت: يا رباح خذ هذا الفرس، فأبلغه طلحة بن عبيد الله، وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثم قمت على أكمة فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثًا: يا صباحاه، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل. وأرتجز. أقول: أنا ابن الأكوع .... واليوم يوم الرضع فألحق رجلًا منهم. فأصك سهمًا في رحله، حتى خلص نصل السهم إلى كتفه، قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع قال: فوالله! ما زلت أرميهم وأعقر بهم" (¬4) فهذا رجع إلى فارس أتيت شجرة، فجلست في أصلها ثم رميته، فعقرت به. حتى إذا تضايق الجبل، فدخلوا في تضايقه (¬5)، علوت الجبل، فجعلت أرديهم بالحجارة (¬6). قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم أتبعتهم أرميهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحًا، يستخفون (¬7) ولا يطرحون شيئًا إلا جعلت عليه آرامًا من ¬

_ (¬1) وهم المشركون: همّ أمر المشركين النبي - صلى الله عليه وسلم - خوف أن يبيتوهم ويغيروا عليهم لقربهم منهم. (¬2) ظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال. (¬3) أنديه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقي قليلًا ثم ترسل إلى المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلًا ثم ترد إلى المرعى. (¬4) أعقر بهم: أقتل رواحلهم. (¬5) دخلوا في تضايقه: التضايق ضد الاتساع أي دخلوا في تضايقه أي المحل المتضايق منه بحيث استتروا به عنه فصار لا بيلغهم ما يرميهم به من السهام. (¬6) أرديهم بالحجارة: أسقطهم عن رواحلهم بضربهم بالحجارة من أعلى الجبل. (¬7) يستخفون: يطلبون الخفة.

الحجارة، يعرفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، حتى أتوا متضايقًا من ثنية (¬1)، فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري فجلسوا يتضحون (يعني يتغذون) وجلست على رأس قرن (¬2) فقال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح (¬3). والله ما فارقنا منذ غليس. يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم. أربعة. قال: فصعد إلى منهم أربعة في الجبل. قال: فلما أمكنوني من الكلام. قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة بن الأكوع والذي كرم وجه محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لا أطلب رجلًا منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظن. قال: فرجعوا. فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخللون الشجر (¬4). قال: فهذا أولهم الأخرم الأسدي، على إثره أبو قتادة الأنصاري وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولوا مدبرين. قلت: يا أخرم! احذرهم. لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليته. فالتقى هو وعبد الرحمن، قال فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول على فرسه. ولحق أبو قتادة، فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الرحمن فطعنه فقتله، فوالذي كرم وجه محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لتبعتهم أعدو على رجلي، حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ولا غبارهم، شيئًا، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء، يقال له ذو قرد، ليشربوا منه وهم عطاش، قال: فنظروا إلى أعدو وراءهم، فحليتهم عنه (¬5) (يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدون في ثنية. قال: فأعدو فألحق رجلًا منهم، فأصكه ¬

_ (¬1) الثنية: العقبة والطريق في الجبل. (¬2) القرن: جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير. (¬3) البرح: الشدة. (¬4) يتخللون الشجر: يدخلون من خلالها. (¬5) حليتهم عنه: طردتهم عنه.

بسهم في نغض كتفه (¬1). قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرضع، قال: يا ثكلته أمه! أكوعه بكرة (¬2). قال: قلت: نعم يا عدو نفسه! أكوعك بكرة. قال: وأرْدَوْا فرسين على ثنية. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن (¬3)، وسطيحة فيها ماء، فتوضأت وشربت. ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على الماء الذي حلأتهم عنه (¬4)، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ تلك الإبل، وكل شيء استنقذت من المشركين، وكل رمح وبردة، وإذا بلال نحو ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم، وإذا هو يشوي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كبدها وسنامها قال: قلت: يا رسول الله! خلني فأنتخب من القوم مائة رجل. فاتبع القوم، فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته. قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجده (¬5) في ضوء النار. فقال: (يا سلمة أتراك كنت فاعلًا؟) قلت: نعم. والذي أكرمك! فقال: (إنهم الآن ليقرون (¬6) في أرض غطفان)، قال: فجاء رجل من غطفان فقال: نحو لهم فلان جزورًا، فلما كشفوا جلدها رأوا غبارًا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين، فلما أصبحنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة) قال: ثم أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سهمين: سهم الفارس وسهم الراجل. فجمعها لي جميعًا) ثم أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراءه على العضباء. راجعين إلى المدينة". ¬

_ (¬1) فغض: العظم الرقيق على طرف الكتف. (¬2) يا ثكلته أمه، أكوعه بكرة: ثكلته أمه، فقدته، وقوله أكوعه بكرة: أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار، ولهذا قال: نعم. (¬3) سطيحة فيها مذقة من لبن: إناء من جلود سطح بعضها على بعض والمذقة قليل من لبن ممزوج بماء. (¬4) حلأتهم: أبعدتهم. (¬5) نواجده: أنيابه. (¬6) يقرون: يضافون. القرى: الضيافة.

3 - سباق بين سلمة ورجل من الأنصار

3 - سباق بين سلمة ورجل من الأنصار: " قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدًّا (¬1)، قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك قال: فلما سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريمًا ولا تهاب شريفًا؟ قال: لا. إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: قلت: يا رسول الله بأبي وأمي ذرني فلأسابق الرجل. قال: (إن شئت). قال: قلت: أذهب إليك. وثنيت رجلي فطفرت (¬2) فعدوت. قال: فربطت عليه شرفًا أو شرفين أستبقي نفسي (¬3)، ثم عدوت في إثره، فربطت عليه شرفًا أو شرفين، ثم إني رفعت حتى ألحقه (¬4). قال: فأصكه بين كتفيه. قال: قلت: قد سبقت والله! قال: أنا أظن. قال: فسبقته إلى المدينة" (¬5). 4 - قصة المرأة المسلمة التي أسرت مع ناقة رسول الله العضباء: 541 - من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: "كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأسر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء (¬6). فأتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الوثاق. قال: يا محمَّد! فأتاه فقال: (ما شأنك؟) قال: بم أخذتني، وبم أخذت سابقة الحاج (¬7)؟ فقال: (إعظامًا لذلك): (أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف) ثم انصرف عنه فناداه، فقال: يا محمَّد! يا محمَّد! ¬

_ (¬1) شدًّا: عدوا على الرجلين. (¬2) طفرت: وثبت وقفزت. (¬3) ربطت شرفًا أو شرفين أستبقي نفسي: ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد والشرف ما ارتفع من الأرض، أستبقي نفسي: أي لئلا يقطعني البهر. (¬4) رفعت حتى ألحقه: أسرعت. (¬5) أخرجه مسلم في الجهاد باب غزوة ذي قرد وغيرها رقم: 1807، وأبو داود في الجهاد باب في السرية ترد على أهل العسكر رقم: 2752، وابن أبي شيبة في المصنف: 14/ 533، 358، والبيهقي في الدلائل: 4/ 182، 186، وابن سعد في الطبقات: 2/ 81، 84، والطبري في التاريخ: 2/ 596، 600، وأحمد في المسند: 4/ 52، 54، وقد سبق أجزاء من الحديث تحت رقم: 493، 500، 509، فانظرها. (¬6) العضباء: ناقة نجية كانت لرجل من بن عقيل ثم انتقلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬7) سابقة الحاج: أراد بها العضباء فإنها كانت لا تسبق، ولا تكاد تسبق. معروفة بذلك.

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا رقيقًا، فرجع إليه فقال: (ما شأنك؟). قال: إني مسلم. قال: (لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح) ثم انصرف فناداه فقال: يا محمد! يا محمَّد! فأتاه فقال: (ما شأنك؟) قال: إني جائع فأطعمني، وظمآن فاسقني قال: (هذه حاجتك)، ففدى الرجلين. قال: وأسرت امرأة من الأنصار، وأصيبت العضباء، فكانت المرأة في الوثاق. وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم. فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل. فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه. حتى تنتهي إلى العضباء. فلم ترغ. قال: وناقة منوقة (¬1) فقعدت في عجزها، ثم زجرتها، فانطلقت ونذروا بها (¬2)، فطلبوها، فأعجزتهم، وقال: ونذرت لله! إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس. فقالوا: العضباء ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -. فقالت: إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها. فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكروا ذلك له فقال: (سبحان الله! بئسما جزتها، نذرت لله إن نجاها عليها لتنحرنها. لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد) (¬3). ¬

_ (¬1) وناقة منونة: مذللة. (¬2) نذروا بها: علموا وأحسوا بهربها. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب النذور باب لا وفاء لنذر في معصية الله رقم: 1641، أحمد في المسند: 4/ 433 - 434، الدارمي في السنن كتاب الشر باب إذا أحرز العدو من مال المسلمين: 2/ 236.

المبحث السادس: غزوة خيبر

المبحث السادس: غزوة خيبر 1 - وقتها: اختلف أهل السير في وقتها على قولين: الأول: قول ابن إسحاق في المغازي وموسى بن عقبة بأنها كانت في آخر شهر المحرم من السنة السابعة للهجرة، وقال ابن القيم: والجمهور على أنها في السابعة، وأيده أيضًا الحافظ ابن حجر في الفتح. ويؤيد هذا القول ما أورده ابن إسحاق في المغازي قال: حدثني الزهريّ، عن عروة، عن مروان بن الحكم، والمسور بن مخرمة أنهما قالا: "انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية، فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة، فأعطاه الله فيها خيبر بقوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} (¬1) يعني خيبر فقدم المدينة في ذي الحجة، فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم"، ورجاله ثقات، وسنده حسن (¬2). ويؤيده أيضًا ما جاء في حديث سلمة بن الأكوع أنها كانت بعد غزوة ذي قرد بثلاث ليال كما جاء في نص الحديث بقوله "قال فسبقته إلى المدينة. قال: فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". الثاني: قول مالك بأنها كانت في السنة السادسة وأيده ابن حزم في ذلك. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "وهذه الأقوال متقاربة، والراجح منها ما ذكره ابن إسحاق، ويمكن الجمع بينها بأن من أطلق سنة ست بناء على أن ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الأول" (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الفتح: 20. (¬2) فتح الباري: 7/ 464، دلائل النبوة للبيهقي: 4/ 197، زاد المعاد: 3/ 317، السيرة النبوية لابن كثير: 3/ 244. (¬3) فتح الباري: 7/ 464.

2 - استخلاف النبي سباع بن عرفطة الغفاري أثناء غيابه

2 - استخلاف النبي سباع بن عرفطة الغفاري أثناء غيابه: 542 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال الهيثم بن عراك عن أبيه: "أن أبا هريرة قدم المدينة في رهط من قومه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، وقد استخلف سباع ابن عرفطه على المدينة (¬1) قال: فانتهيت إليه، وهو يقرأ في صلاة الصبح في الركعة الأولى بكهيعص، وفي الثانية ويل للمطففين قال: فقلت لنفسي: ويل لفلان إذا اكتال! اكتال بالوافي، وإذا قال قال بالناقص، قال: فلما صلى زودنا شيئًا حتى أتينا خيبر، قال فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين فأشركونا في سهامهم" (¬2). 3 - حداء عامر بن الأكوع بجيش المسلمين: 543 - من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر، فسرنا ليلًا، فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ وكان عامر رجلًا شاعرًا فنزل يحدو بالقوم يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأغفر فداءَ لك ما اتقينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا وألقين سكينة علينا ... إنا إذا صيح بنا أبينا وبالصياح عولوا علينا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من هذا السائق؟) قالوا: عامر بن الأكوع، قال: (يرحمه الله). قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله، لولا أمتعتنا به ... " (¬3). وفي رواية أخرى لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه انفرد بها الإِمام مسلم في ¬

_ (¬1) في السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 328، أنه استعمل نميلة بن عبد الله الليثي، فالمقدم عندنا ما في رواية أبي هريرة، لأن الخبر عند ابن هشام روي بغير إسناد بل هو مقطوع. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 2/ 345 - 346، وقال الشيخ الساعاتي: إسناده جيد، وأخرجه البيهقي في الدلائل: 4/ 198، الطيالسي: 2/ 105، رقم: 2363، والحاكم في المستدرك: 3/ 36 - 37، وقال: صحيح، ووافقه الذهبي، والبخاري في التاريخ الصغير: 1/ 18، وأشار الحافظ ابن حجر في الإصابة: 2/ 13، أن حديث أبي هريرة هذا رواه ابن خزيمة والبخاري في التاريخ الصغير والطحاوي. (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4196، مسلم في الصحيح الجهاد باب غزوة خيبر رقم: 1802.

صحيحه من ضمن حديث طويل، ذكر فيه سلمة قصة غزوة الحديبية، وغزوة ذي قرد، وغزوة خيبر، وقد سبق أجزاء منه في مواطن متعددة أشرنا إليها في أمكنتها قال سلمة بعد مسابقته للأنصاري وسبقه له " ... قال: فسبقته إلى المدينة. قال: فوالله! ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم: تالله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينة علينا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من هذا؟) قال: أنا عامر، قال: (غفر لك ربك) قال: وما استغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإنسان يخصه إلا استشهد، قال: فنادى عمر بن الخطاب، وهو على جمله: يا نبي الله؟ لولا ما متعتنا بعامر ... " (¬1). 544 - وقد جاء من حديث دهر الأسلمي رضي الله عنه "أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع، وهو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، وكان اسم الأكوع سنان: (أنزل يا ابن الأكوع، فخذ لنا من هناتك)، قال: فنزل يرتجز برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا إنا إذا قوم بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا زاد الطبري في روايته "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يرحمك الله) فقال عمر: وجبت والله يا رسول الله، لو أمتعتنا به، فقتل يوم خيبر شهيدًا" (¬2). ¬

_ (¬1) انظر التعليق على حديث رقم: 540. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 431، وابن هشام في السيرة: 3/ 455. قال الهيثمي في المجمع: 6/ 148 - 149، رواه أحمد والطبراني، ورجالهما ثقات.

4 - طعام جيش المسلمين في طريقهم إلى خيبر

4 - طعام جيش المسلمين في طريقهم إلى خيبر: 545 - من حديث سويد بن النعمان رضي الله عنه: "أنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء -وهي من أدنى خيبر- صلى العصر ثم دعا بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثري، فأكل وأكلنا، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ" (¬1). 5 - مفاجاة المسلمين لأهل خيبر وقوله - عليه السلام - (الله أكبر خربت خيبر): 546 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا خيبر قال: فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما دخل القرية قال: (الله أكبر! خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) قالها ثلاث مرار. قال: وقد خرج القوم إلى أعمالهم فقالوا: محمَّد -قال عبد العزيز، وقال بعض أصحابنا: والخميس، قال: وأصبناها عنوة" لفظ مسلم. وأما لفظ البخاري فيقول: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى خيبر ليلًا -وكان إذا أتى قومًا بليل لم يقربهم حتى يصبح- فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيبهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا: محمَّد والله، محمَّد والخميس. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) (¬2). 547 - ومن حديث أبي طلحة رضي الله عنه قال: "كنت رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسكت عنهم حتى إذا كان عند السحر، وذهب ذو الضرع إلى ضرعه، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الوضوء باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ حديث رقم: 209، وقد جاء بأرقام عدة عند البخاري: 215، 2981، 4175، 4195، 5384، 5390، 5454، 5455، وعبد الرزاق: 691، الحميدي: 437، وابن أبي شيبة: 1/ 48، وأحمد في المسند: 3/ 462، والطبراني رقم: 6455، 6463، وأخرجه ابن ماجه في السنن الطهارة باب الرخصة في ذلك يعني عدم الوضوء مما مست النار، حديث رقم: 492، والسويق: دقيق يتخذ من الشعير أو القمح. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر رقم: 4197، 4198، مسلم في الجهاد باب غزوة خيبر رقم: 1365، صفحة: 1426/ 3، مالك 2/ 468، الترمذي في التفسير باب البيات والغارات رقم: 1550، وقال حسن صحيح، النسائي: 1/ 272، وأحمد: 3/ 102، 161، 164، 168، 206، 246،263".

6 - حملة راية النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر

وذو الزرع إلى زرعه أغار عليهم، وقال: (إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) (¬1). 6 - حملة راية النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: أ - أبو بكر رضي الله عنه: 548 - من حديث بريدة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما أخذته الشقيقة (¬2) فيلبث اليوم واليومين لا يخرج، فلما نزل بخيبر أخذته الشقيقة، فلم يخرج إلى الناس، وإن أبا بكر رضي الله عنه أخذ راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم نهض فقاتل قتالًا شديدًا ثم رجع" (¬3). ب - عمر بن الخطاب رضي الله عنه: 549 - من حديث علي رضي الله عنه قال: (سار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر، فلما أتاها بعث عمر رضي الله تعالى عنه، وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم، فقاتلوهم، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاءوا يجبنونه ويجبنهم، فسار النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم ... الحديث" (¬4). جـ - علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 550 - من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر: (لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله). قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم: أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يرجو أن يعطاها؟، فقال: (أين علي ابن أبي طالب؟) فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 28، 29، والطبراني برقم: 4703، 4704، 4705، قال الهيثمي في المجمع: 6/ 148: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح" وقال أيضًا: 6/ 149، رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجال أحمد رجال الصحيح. (¬2) الشقيقة: الصداع. (¬3) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 37، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والبيهقي في الدلائل: 4/ 240، وقد جاء أيضًا من حديث علي وسلمة بن الأكوع محمد الحاكم: 3/ 37، وصححها، ووافقه الذهبي. (¬4) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 37، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

7 - قتل علي مرحب اليهودي

قال: (فأرسلوا إليه)، فأتى به، فبصق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عينيه، ودعا له خيرًا حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإِسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه) فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم) (¬1). 7 - قتل عليّ مرحب اليهودي: 551 - من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: (... قال: فلما قدمنا خيبر قال: خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب قال: وبرز له عمي عامر فقال: قد علمت خيبر أني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفل له فرجع سيفه على نفسه، فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه. قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه. قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله! بطل عمل عامر؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من قال ذلك؟) قلت: ناس من أصحابك قال: (كذب من قال ذلك. بل له أجره مرتين). ثم أرسلني إلى علي وهو أرمد، فقال: (لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله، أو يحبه الله ورسوله). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر رقم: 4210، مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل علي رقم: 2406، وأحمد في المسند: 5/ 333، من حديث سهل، وأخرجه سلم 2404، والترمذي: 2726، وأحمد: 1/ 185، من حديث سعد بن أبي وقاص، وأخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4209، ومسلم رقم: 1807، 2407، وأحمد: 4/ 52، من حديث سلمة بن الأكوع، ومحمد مسلم رقم: 2405، من حديث أبي هريرة، ومحمد البخاري رقم: 3702، من حديث علي بن أبي طالب، وأخرجه أحمد في مسنده، ورجاله ثقات من حديث أبي سعيد الخدري مجمع الزوائد: 6/ 151، ومن حديث بريدة عند أحمد، ورجاله رجال الصحيح مجمع الزوائد: 6/ 150 - 151.

قال: فأتيت عليًّا، فجئت به أقوده وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبصق في عينيه فبرأ، وأعطاه الراية وخرج مرحب فقال: قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فقال علي: أنا الذي سمتني أمي حيدرة (¬1) ... كليث غابات كريه المنظرة أوفيهم بالصاع كيل السندرة (¬2). قال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه" (¬3). قال الحاكم في المستدرك: "الأخبار متواترة بأسانيد كثيرة أن قاتل مرحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ووافقه الذهبي على ما قال" (¬4). قلت: هذا هو الراجح، لا أن الذي قتله محمَّد بن مسلمة الأنصاري جاء من حديث جابر في عبد الله رضي الله عنه، وأخرجه أحمد والحاكم وابن إسحاق كما جاء في السيرة وإسناده صحيح (¬5). قال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات ما نصه: "اختلفوا في قاتل مرحب، فقيل علي بن أبي طالب، وقال ابن عبد البر في كتابه الدرر في مختصر السير، قال محمَّد بن إسحاق: أن محمَّد بن مسلمة هو الذي قتل مرحبًا اليهودي بخيبر، قال وخالفه غيره، فقال: بل قتله علي بن أبي طالب، قال ابن عبد البر: هذا هو الصحيح عندنا، ثم روى ذلك بإسناده عن بريدة وسلمة بن الأكوع. وقال الشافعي في المختصر نفل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر محمَّد بن مسلمة سلب ¬

_ (¬1) حيدرة: اسم للأسد. (¬2) السندرة: مكيال واسع. (¬3) أخرجه مسلم في الجهاد والسير باب غزوة ذي قرد حديث رقم: 1807، وقد تقدم في مواطن متعددة انظر رقم: 540. (¬4) 3/ 437. (¬5) أخرجه أحمد: 3/ 385، والحاكم: 3/ 436، وابن هشام: 2/ 333 - 334، وإسناده صحيح وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 150، رواه أحمد، وأبو يعلى، ورجال أحمد ثقات.

8 - قصة الأعرابي الشهيد

مرحب، ذكره في أول باب جامع السير، وهذا تصريح منه بأن قاتله محمَّد بن مسلمة، وقال ابن الأثير: الصحيح الذي عليه أكثر أهل السير والحديث أن عليًّا هو قاتله، قال المصنف رحمه الله: قلت: وفي صحيح مسلم بإسناده عن سلمة ابن الأكوع التصريح بأن عليًّا هو قاتله" أ. هـ. قلت: وقد يحتمل الجمع بين حديث جابر وحديث سلمة بما ذكره الواقدي من أن محمدًا بن مسلمة قطع رجليه وأن عليًّا أجهز عليه" (¬1). قلت: ما في صحيح مسلم مقدم على حديث جابر من وجهين: الأول: أنه أصح إسنادًا، وأوثق رجالًا. الثاني: أن جابرًا لم يشهد خيبر كما ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما، وقد شهدها سلمة وبريدة وأبو رافع رضي الله عنهم، وهم أعلم ممن لم يشهدها، وما قيل من أن محمَّد بن سلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما، ولم يجهز عليه، ومر به علي فأجهز عليه يأباه حديث سلمة وأبي رافع، والله أعلم. سيف علي في أسنان مرحب: 552 - من حديث أم سلمة رضي الله عنها، وكانت في غزوة خيبر قالت: (سمعت وقع السيف في أسنان مرحب) (¬2). 8 - قصة الأعرابي الشهيد: 553 - من حديث شداد بن الهاد رضي الله عنه: "أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فآمن به، واتبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه، فلما كانت غزوة (خيبر أو حنين) (¬3)، غنم النبي - صلى الله عليه وسلم - سبيًا، فقسم، وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذه، فجاء به إلى ¬

_ (¬1) الفتح الرباني: 21/ 121. (¬2) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 152، رواه الطبراني، ورجاله ثقات. (¬3) ما بين الخاصرتين من رواية الحديث: 3/ 595.

9 - بطل إلى النار

النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما هذا؟ قال: (قسمته لك)، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا، وأشار إلى حلقه بسهم، فأموت، فأدخل الجنّة. فقال: (إن تصدق الله يصدقك)، فلبثوا قليلًا، ثم نهضوا في قتال العدو، فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أهو هو؟) قالوا: نعم. قال: (صدق الله، فصدقه)، ثم كفنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في جبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: (اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك، فقتل شهيدًا أنا شهيد على ذلك). (¬1) لفظ النسائي. 9 - بطل إلى النار: 554 - من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون، فاقتتلوا. فلما مال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عسكره، مال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل لا يدع لهم شاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما إنه من أهل النار)، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدًا. قال: فخرج معه، كما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال فجرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت فوضع نصل السيف بالأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: (وما ذاك؟) قال: الرجل الذي ذكرت آنفًا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه حتى جرح جرحًا شديدا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في كتاب الجنائز باب الصلاة على الشهداء: 4/ 60، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 291، والبيهقي في السنن: 4/ 15 - 16 والحاكم في المستدرك: 3/ 595 - 596، وسكت عليه ووافقه الذهبي، قلت: وإسناده صحيح.

10 - إصابة سلمة بن الأكوع وعلاج النبي صلى الله عليه وسلم له

للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة) (¬1). وقد جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنفس المعنى وجاء التصريح فيه بأن الغزوة كانت غزوة خيبر (¬2) وكانت غزوة خيبر أول الغزوات التي حضرها، مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 10 - إصابة سلمة بن الأكوع وعلاج النبي صلى الله عليه وسلم له: 555 - من حديث يزيد بن أبي عبيد قال: "رأيت أثر ضربة في ساق (ابن الأكوع) فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟ فقال: هذه ضربة أصابتها يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيت حتى الساعة" (¬3). 11 - قصة الرجل الذي غل في سبيل الله: 556 - من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: "أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي يوم خيبر، فذكروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (صلوا على صاحبكم)، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: (إن صاحبكم غل في سبيل الله) ففتشنا متاعه فوجدنا خرزًا من خرز يهود لا يساوي درهمين" (¬4) اللفظ لأبي داود. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4202، 4207، مسلم في صحيحه كتاب الإيمان باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه حديث رقم: 112. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر رقم: 4203، مسلم في الإيمان باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه حديث رقم: 111. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم ت 4206، أبو داود في الطب، باب كيف الرقى حديث رقم: 3894. (¬4) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب في تعطيم الغلول حديث رقم: 2710، النسائي في كتاب الجائز باب الصلاة على من غل: 4/ 64، وابن ماجه في الجهاد باب الغلول حديث رقم: 2848، مالك في الموطأ الجهاد باب ما جاء في الغلول حديث رقم: 23، 2/ 458، أحمد في المسند: 4/ 114، 5/ 192، البيهقي في السنن: 9/ 101، الحاكم في المستدرك: 2/ 127، وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، إسناده صحيح.

12 - تحريم الحمر الأهلية

12 - تحريم الحمر الأهلية: 557 - من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن كل لحوم الإنسية" (¬1). قلت: وقد جاء الحديث في النهي عن أكل لحوم الأهلية من طريق أكثر من صحابي، فقد جاء من حديث أنس بن مالك، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وابن أبي أوفى والبراء بن عازب، وابن عباس وكل ذلك في الصحيح من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انظر صحيح البخاري، كتاب المغازي باب غزوة خيبر الأحاديث من رقم: 4215، 4227، فتح الباري. 13 - قصة إصابة عبد الله بن مغفل جراب الشحم: 558 - من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه في الصحيحين قال: "أصبت جرابًا من شحم يوم خيبر، قال: فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئًا، قال: فالتفت فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبتسمًا) واللفظ لمسلم، وفي اللفظ المتفق عليه، "رمي إلينا جراب فيه طعام، شحم يوم خيبر، فوثبت لآخذه، قال: فالتفت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستحييت منه" (¬2). 14 - عاقبة يهود خيبر: 559 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى مقرهم، فغلب على الأرض والنخل والزرع، فصالحوه على أن يجلوا منها، ولهم ما حملت ركابهم، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفراء والبيضاء (والحلقة)، ويخرجون منها. فاشترط عليهم أن لا يكتموا شيئًا، ولا يغيبوا شيئًا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عصمة، فغيبوا مسكًا فيه مال وحليًّا لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر رقم: 4216، ومسلم في النكاح باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه حديث رقم: 1405، الترمذي حديث رقم: 1121، الموطأ: 2/ 542، النسائي: 6/ 125 - 126، ابن ماجه: 1961، الدارمي: 2/ 140، أحمد: 1/ 79. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4214، مسلم في الجهاد والسير باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب حديث رقم: 1772، أبو داود في الجهاد باب إباحة الطعام في أرض العدو: 2702.

خيبر حين أجليت النضير، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعم حيي (سعية): (ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير؟) فقال: أذهبته النفقات والحروب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (العهد قريب، والمال أكثر من ذلك). فدفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الزبير فمسه بعذاب، وكان حيي قبل ذلك قد دخل خربة، فقال: قد رأيت حييًا يطوف في خربة ها هنا، فذهبوا، فطافوا، فوجدوا المسك في الخربة، فقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابني أبي الحقيق، وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب، وسبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم منها، فقالوا: يا محمَّد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها، ونقوم عليها، ولم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يتفرغون أن يقوموا عليها. فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل نخل وزرع وشيء ما بدا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام يخرصها عليهم، ويضمنهم الشطر، قالوا: فشكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شدة خرصه، وأرادوا أن يرشوه، فقال: يا أعداء الله أتطعموني السحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليّ، ولأنتم أبغض الناس إلي من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي إياكم، وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض". قال: ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعين صفية خضرة فقال: (يا صفية ما هذه الخضرة؟) فقالت: كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة، فرأيت كأن قمرًا وقع في حجري، فأخبرته بذلك فلطمني، وقال: تمنين ملك يثرب؟ قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبغض الناس إلى قتل زوجي وأبي، فما زال يعتذر إلى ويقول: إن أباك ألب علي العرب وفعل، وفعل حتى ذهب ذلك من نفسي. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقًا من تمر كل عام، وعشرين وسقًا من شعير، فلما كان زمان عمر بن الخطاب غشوا المسلمين، وألقوا ابن عمر من فوق بيت، ففدغوا يديه، فقال عمر بن الخطاب: من كان له سهم من خيبر، فليحضر حتى نقسمها بينهم، فقسمها بينهم وقال رئيسهم: لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، فقال عمر: لرئيسهم: أتراه سقط عني قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كيف بك إذا رقصت بك

15 - تثبيت اليهود في أرضهم لزراعتها مقابل شطر الإنتاج

راحلتك تخوم الشام يومًا ثم يومًا ثم يومًا)، وقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية" (¬1). اللفظ لابن حبان. 15 - تثبيت اليهود في أرضهم لزراعتها مقابل شطر الإنتاج: 560 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر اليهود أن يعملوها، ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها" (¬2). وقد سبق شيء من التفصيل في ذلك من حديث ابن عمر السابق لهذا الحديث، والذي أخرج أبو داود في سننه مقطعًا منه، وأورده كاملًا البيهقي وابن حبان كما بينته. وقد جاء في صحيح الإمام مسلم مقاطع كاملة من ذلك الحديث الطويل، فانظرها في أول كتاب المساقاة، باب المساقاة والمعاملة بجزء من التمر والزرع: 3/ 1186 - 1188، الحديث رقم: 1551. 16 - سبي صفية بنت حيي وزواج النبي منها: أ - الرؤيا التي رأتها قبل مجيء النبي إلى خيبر: 561 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان بعيني صفية خضرة فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما هذه الخضرة بعينيك)، قالت: قلت لزوجي إني رأيت فيما يرى النائم كان قمرًا وقع في حجري، فلطمني، وقال: أتريدين ملك يثرب، قالت: وما كان أبغض إلي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل أبي وزوجي، فما زال يعتذر إلي، وقال: يا صفية أن أباك ألب علي العرب، وفعل، وفعل، وفعل حتى ذهب ذلك من نفسي" (¬3). ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه أبو داود منه الشطر الأول في كتاب الخراج باب ما جاء في حكم أرض خيبر حديث رقم: 3006، موارد الظمآن حديث رقم: 1697، المغازي باب ما جاء في خيبر وفي سنن البيهقي: 6/ 114، وفي دلائل البيهقي: 4/ 229 - 231، والحديث إسناده صحيح وقد أخرجه مختصرًا أحمد: 2/ 17، 22، 37، البخاري: 328، ومسلم برقم: 1551، وأبو داود برقم: 3408، الترمذي برقم: 1383، وابن ماجه برقم: 2467. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الإجارة باب إذا استأجر أرضًا فمات أحدهما رقم: 2285، وقد جاء بأرقام أخرى: 2328، 2329، 2331، 2338، 2499، 2720، 3152، 4248، ومسلم في الصحيح أول كتاب المساقاة حديث رقم: 1551، وأبو داود برقم: 3007. (¬3) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 9/ 251، رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، وقد سبق هذا الحديث كمقطع من حديث ابن عمر رقم: 559.

ب - زواجه منها

ب - زواجه منها: 562 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قدمنا خيبر، فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قُتل زوجها، وكانت عروسًا، فاصطفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه، فخرج بها، حتى بلغنا سد الصهباء، حلت، فبنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم صنع حيسًا في نطع صغير، ثم قال لي: (آذن من حولك)، فكانت تلك وليمته على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يحوي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب" (¬1). 563 - وقد جاء هذا الحديث بلفظ آخر من حديث أنس أكثر تفصيلًا، "صارت صفية لدحية في مقسمه، وجعلوا يمدحونها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: ويقولون: ما رأينا في السبي مثلها، قال: فبعث إلى دحية، فأعطاه بها ما أراد، ثم دفعها إلى أمي فقال: (أصلحيها). قال: ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر، حتى إذا جعلها في ظهره نزل، ثم ضرب عليها القبة. فلما أصبح قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من كان عنده فضل زاد فليأتنا به) قال: فجعل الرجل يجيء بفضل التمر، وفضل السويق، حتى جعلوا من ذلك سوادًا حيسًا (¬2)، فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء، قال: فقال أنس: فكانت تلك وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها. قال: فانطلقنا، حتى إذا رأينا جدر المدينة هششنا (¬3) إليها، فرفعنا مطينا (¬4) ورفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطيته، قال: وصفية خلفه قد أردفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فعثرت مطية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصرع وصرعت: قال: فليس أحد من الناس ينظر إليه ولا إليها، حتى قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسترها، قال: فأتيناه فقال: لم تضر، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4211، وتفرد به دون مسلم. (¬2) سوادًا حيسًا: كومًا مرتفعًا فخلطوه وجعلوه حيسًا. (¬3) هششنا: نشطنا وخففنا. (¬4) رفعنا مطينا: أسرعنا بها.

جـ - مهرها

قال: فدخلنا المدينة، فخرج جواري نسائه يترأينها، ويشمتن بصرعتها (¬1) " (¬2). 564 - ومن حديث أنس أيضًا قال: "أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يُبني عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بلالًا بالأنطاع، فبسطت، فألقى عليها التمر والأقط والسمن، فقال المسلمون: إحدى إمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه؟ قالوا: إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحل واطأ خلفه، ومد الحجاب" (¬3). جـ - مهرها: 566 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "سبى النبي - صلى الله عليه وسلم - صفية، فأعتقها، وتزوجها، فقال ثابت لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها فأعتقها" (¬4). 17 - وضع السم للنبي في الشاة التي قدمت له هدية: 567 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن امرأة يهودية أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألها عن ذلك، قالت: أردت لأقتلك، فقال: (ما كان ليسلطك على ذلك، أو عليَّ)، قال: قالوا: ألا تقتلها، قال: لا، فما زالت أعرفها في لهوات (¬5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬6). 568 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما فتحت خيبر، أهديت ¬

_ (¬1) يشمتن بصرعتها: يظهرن السرور بوقعتها. (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها، حديث رقم: 1365، 2/ 1047 - 1048، وقد جاء بزيادات يسيرة انظرها في هذا الرقم عند مسلم. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4213، وقد تفرد به دون مسلم. (¬4) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4201، وقد انفرد به البخاري من هذا الوجه. (¬5) لهوات: جمع لهاة، اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك، كأنه بقى للسم علامة، سوادًا وغيره. (¬6) أخرجه البخاري في الهبة باب قبول الهدية من المشركين حديث رقم: 2617، مسلم في السلام باب اسم حديث رقم: 2190، أبو داود في الديات رقم: 4508.

شدة تأثره عليه السلام بالسم

لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجمعوا لي من ها هنا من اليهود). فجمعوا له، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه؟) فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أبوكم؟) قالوا: أبونا فلان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كذبتم بل أبوكم فلان) فقالوا: صدقت وبررت. فقال: (هل أنتم صادقوني عن شيء إن أنا سألتكم عنه؟) فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كما عرفته في أبينا، فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (من أهل النار؟) فقالوا: نكون فيها يسيرًا، ثم تخلفونا فيها، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اخسؤوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدًا). ثم قال لهم: (هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه؟) فقالوا: نعم، فقال: (هل جعلتم في هذه الشاة سمًّا؟) فقالوا: نعم، فقال: (ما حملكم على ذلك؟) فقالوا: أردنا إن كنت كذابًا أن نستريح منك، وإن كنت نبيًّا لم يضرك" (¬1). وهذا يثبت أن المرأة ما فعلت فعلتها إلا بأمر من رؤساء اليهود وزعمائهم وبإقرار منهم كما جاء في هذا الحديث الصحيح. شدة تأثره عليه السلام بالسم: 569 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرضه الذي مات فيه: (يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا آوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الطب باب ما يذكر في سم النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم: 5777، وأبو داود في سننه الديات باب فيمن سقى رجلًا سمًّا حديث رقم: 4509، وأحمد في المسند: 2/ 451. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته برقم: 4428، معلقًا، أحمد في المسند: 6/ 18، والدارمي: 1/ 32، 33 والحاكم: 3/ 19، قال يونس عن الزهري قال عروة قالت عائشة. وقال الحافظ في الفتح: "وقد وصله البزار والحاكم والإسماعيلي من طريق عتبة بن خالد عن يونس بهذا الإسناد، وقال البزار: تفرد به عنبسة عن يونس أي بوصله، وإلا فقد رواه موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري لكنه أرسله، وله شاهدان مرسلان أيضًا أخرجهما إبراهيم الحربي في غرائب الحديث" وقد أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 209، عن أم بشر بن البراء بن معرور قريبًا من هذا الحديث، وقال. صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، ومن حديث أبي هريرة عند ابن سعد.

هل قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة التي وضعت السم

هل قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة التي وضعت السم: قال القاضي عياض: واختلفت الآثار والعلماء هل قتلها النبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا، فوقع في مسلم أنهم قالوا ألا نقتلها؟ قال: (لا) ومثله عن أبي هريرة وجابر، وعن جابر من رواية أبي سلمة أنه قتلها، وفي رواية ابن عباس أنه دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور، وكان أكل منها، فمات بها، فقتلوها، وفي لفظ قتلها وصلبها، وفي جامع معمر عن الزهري لما أسلمت تركها، قال معمر كذا قال الزهري أسلمت، والناس يقولون قتلها ولم تسلم. وقال السهيلي قيل: إنه صفح عنها، قال القاضي وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها حين اطلع على سمها، وقيل له: اقتلها فقال: لا، فلما مات بشر بن البراء بن معرور من ذلك سلمها لأوليائه، فقتلوها قصاصًا، فصح قولهم لم يقتلها أي في الحال، ويصح قولهم قتلها أي بعد ذلك والله أعلم" (¬1). 18 - تقسيم الغنائم يوم خيبر: أ - كيفية القسمة: 570 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهمًا، قال: فسره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم" (¬2). 571 - من حديث بشير بن أبي حثمة قال: "قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر نصفين نصفًا لنوائبه وحاجته، ونصفًا بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهمًا" (¬3). ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم: 14/ 179. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4228، مسلم في الجهاد والسير باب كيفية القسمة الغنيمة بين الحاضرين حديث رقم: 1762، مالك في الموطأ: 2/ 456، الجهاد باب القسم للخيل في الغزو، أبو داود في الجهاد باب في سهمان الخيل حديث رقم: 2733، الترمذي في السير باب في سهم الخيل رقم: 1554، وأحمد في المسند: 2/ 2، 62، 72، 80. (¬3) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الخراج والفيء .. باب ما جاء في حكم خيبر حديث رقم: 3010، سنده حسن.

ب - سهم ذوي القربى

ب - سهم ذوي القربى: 572 - من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه: "أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قسم الخمس بين بني هاشم وبني المطلب، فقلت: يا رسول الله قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئًا، وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب واحد) قال جبير: ولم يقسم لبني عبد شمس، ولا لبني نوفل من ذلك الخمس، كما قسم لبني هاشم وبني المطلب، قال: وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم، قال: وكان عمر بن الخطاب يعطيهم منه، وعثمان بعده" (¬1) اللفظ لأبي داود. جـ - إعطاء العبيد من الغنائم وعدم الإسهام لهم: 573 - من حديث عمير مولى أبي اللحم قال: "شهدت خيبر مع سادتي، فكلموا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمرني فقلدت سيفًا، فإذا أنا أجُرُّهُ، فأخبر أني مملوك، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع (¬2) " (¬3). د - إعطاء النبي عليه السلام للنساء من الغنائم والإسهام لهن من الثمار: 574 - من حديث ثابت بن الحارث الأنصاري قال: "قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر لسهلة بنت عاصم بن عدي، ولابنة لها ولدت" (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر رقم: 4229، أبو داود في الخراج والإمارة والفيء باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوي القربي حديث: 2978 - 2980، النسائي في كتاب قسم الفيء: 7/ 130، وابن ماجة حديث رقم: 2881، وأحمد في المسند:4/ 81،83، 85، البيهقي: 6/ 341، أبو عبيد في الأموال: 842. (¬2) خرثي المتاع: أثاث البيت كالقدر ونحوه. (¬3) أخرجه أبو داود في الجهاد باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة حديث رقم: 2730، الترمذي في السير باب هل يسهم للعبد: 1557، وقال حسن صحيح، ابن ماجة حديث رقم: 2855، ابن حبان: 1661، الدارمي: 2/ 226، البيهقي: 6/ 332، والحاكم: 2/ 131، وقال صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. (¬4) أخرجه الطبراني برقم: 1369، الهيمثي في المجمع: 6/ 7: رواه الطبراني، وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، وحديثه حسن، وقد أخرجه الطبراني في الكبير: برقم: 1369، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز الحسن بن الربيع الكوفي عن ابن المبارك عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن ثابت ... ورواية العبادلة عن ابن لهيعة صحيحة فسند الحديث صحيح رجاله ثقات.

هـ - قصة أبي هريرة مع أبان بن سعيد بن العاص في قسمة الغنائم

575 - من حديث زينب بنت أبي معاوية الثقفية "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاها بخيبر خمسين وسقًا تمرًا، وعشرين وسقًا شعيرًا بالمدينة" (¬1). هـ - قصة أبي هريرة مع أبان بن سعيد بن العاص في قسمة الغنائم: 576 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبان على سرية من المدينة قبل نجد، قال أبو هريرة: فقدم أبان وأصحابه على النبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر بعدما افتتحها، وإن حزم خيلهم لليف، قال أبو هريرة: قلت يا رسول الله، لا تقسم لهم، قال أبان: وأنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضأن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا أبان اجلس فلم يقسم له) " (¬2). قلت: وإن كان ورد أن القائل: "لا تعطه من الغنائم أبان بن سعيد"، وأن السائل هو أبو هريرة رضي الله عنه، وهذا أيضًا في الصحيح، والراجح عندي، والله أعلم- أن الذي سأل أن يعطى من الغنائم هو أبان بن سعيد، وأن القائل: لا تعطه من الغنائم هو أبو هريرة. ويؤيد ما ذهبت إليه أن أبا هريرة صرح بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أعطاه، ومن جاء معه من الغنائم يوم خيبر، وذلك في حديثه الذي بين فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وقد سبق الإشارة إلى هذا الحديث الذي أخرجه أحمد بسند جيد في بداية الحديث عن غزوة خيبر برقم: 542، فانظره هناك. 19 - حديث الحجاج بن علاط مع أهل مكة: 577 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: قال: "لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر قال الحجاج بن علاط: يا رسول الله! إن لي بمكة مالًا، وإن لي بها أهلًا، وإني أريد أن آتيهم، فأنا في حل إن أنا نلت منك؟ وقلت شيئًا؟ فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول ما شاء، فأتى امرأته حين قدم، فقال: اجمعي لي ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في الكبير: 24/ 287 - 288، رقم: 732، قال الهيثمي في المجمع: 6/ 7: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر تعليقًا رقم: 4238، ووصله أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش في الجهاد باب فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له حديث رقم: 2723، ووصلها أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل بن عياش أيضًا، ومن طريق عبد الله بن سالم، كلاهما عن الحميدي كما أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح: 7/ 491.

ما كان عندك، فإني أريد أن أشتري من غنائم محمَّد وأصحابه، فإنَّهم قد استبيحوا، أو أصيبت أموالهم، قال: ففشا ذلك في مكة فانقمع المسلمون، وأظهر المشركون فرحًا وسرورًا، قال: وبلغ الخبر العباس (رضي الله عنه) فعقر، وجعل لا يستطيع أن يقوم. قال معمر: فأخبرني عثمان الجزري عن مقسم قال: فأخذ ابنًا له يشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال له قثم، فاستلقى فوضعه على صدره وهو يقول: حبِّي قثم، حبِّي قثم ... شبيه ذي الأنف الأشم نبي رب ذي النعم ... برغم أنف من رغم قال ثابت عن أنس: ثم أرسل غلامًا له إلى الحجاج: ويلك ما جئت به؟ وماذا تقول؟ فما وعد الله خير مما جئت به، قال: فقال الحجاج بن علاط لغلامه: أقرأ على أبي الفضل السلام، وقيل له: فليخل لي في بعض بيوته لآتيه، فإن الخبر على ما يسره، فجاءه غلامه، فلما بلغ باب الدار قال: أبشر يا أبا الفضل، قال: فوثب العباس فرحًا، حتى قبل بين عينيه، فأخبره بما قال الحجاج، فأعتقه. قال: ثم جاء الحجاج فأخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد افتتح خيبر، وغنم أموالهم، وجرت سهام الله في أموالهم، واصطفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية بن حيي، فأخذها لنفسه وخيرها أن يعتقها، وتكون زوجته، أو تلحق بأهلها، فاختارت أن يعتقها، وتكون زوجته، ولكني جئت لما كان لي ها هنا أردت أن أجمعه، فاذهب به، فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأذن لي أن أقول ما شئت، فأخف عني ثلاثًا ثم اذكر ما بدا لك، قال: فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي ومتاع فجمعه، فدفعته إليه ثم انشمر به. فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج، فقال: ما فعل زوجك؟ فأخبرته أنه ذهب يوم كذا وكذا، وقالت: لا يخزيك الله يا أبا الفضل، لقد شق علينا الذي بلغك، قال: أجل، لا يخزيني الله، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا، فتح الله خيبر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجرت فيها سهام الله، واصطفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفية بنت حيي لنفسه، فإن كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به، قالت: أظنك والله صادقًا، قال: فإني صادق، الأمر على ما أخبرتك. فقال: ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش، وهم يقولون إذا مر بهم: لا

20 - مسير النبي إلى وادي القرى وقصة الذي غل من الغنيمة

يصيبك إلا خير يا أبا الفضل، قال لهم: لم يصبني إلا خير بحمد الله، قد أخبرني الحجاج بن علاط أن خيبر قد فتحها الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وجرت فيها سهام الله، واصطفى صفية لنفسه، وقد سألني أن أخفي عليه ثلاثًا، وإنما جاء ليأخذ ماله، وما كان له من شيء ها هنا، ثم يذهب. قال: فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، وخرج المسلمون ومن كان دخل بينه مكتئبًا حتى أتوا العباس، فأخبرهم الخبر وسر المسلمون، ورد الله -تبارك وتعالى- ما كان من كآبة أو غيظ أو حزن على المشركين" (¬1). 20 - مسير النبي إلى وادي القرى وقصة الذي غل من الغنيمة: 578 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر، فلم نغنم ذهبًا ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع، فأهدى رجل من بني الضبيب، يقال له رفاعة بن زيد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلامًا يقال له مدعم. فوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وادي القرى حتى إذا كان بوادي القرى، بينما مدعم يحط رحلًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سهم عائر فقتله، فقال الناس: هنيئًا له الجنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كلا والذي نفسي بيده، أن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا). فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (شراك من نار أو شراكان من نار) (¬2) اللفظ للبخاري. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 138 - 139 بسند صحيح، وعبد الرزاق في المصنف رقم: 9771، وأبو يعلى برقم: 3479، والبيهقي في السنن: 9/ 151، والدلائل: 4/ 266 - 267، والطبراني في الكبير برقم: 3196، والفسوي في المعرفة والتاريخ: 1/ 507 - 508، والنسائي في السنن الكبرى في السير كما في تحفة الأشراف: 1/ 153، رقم الحديث 486، وانظر كشف الأستار عن زوائد البزار: 1816، وابن حبان: 1698 - موارد-، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 154 - 155، رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، ورجاله رجال الصحيح وقال ابن كثير في البداية: 4/ 23، عن سند أحمد: وهذا الإسناد على شرط الشيخين. (¬2) أخرجه البخاري في الأيمان والنذور باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزرع والأمتعة حديث رقم: 6707، وفي المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4234، مسلم في الإيمان باب غلظ تحريم الغلول حديث رقم: 115، مالك في الموطأ في الجهاد باب ما جاء في الغلول: 2/ 459، حديث رقم: 25، أبو داود في الجهاد باب في تعظيم الغلول حديث رقم: 2711، والنسائي: 7/ 24، الأيمان والنذور باب هل تدخل الأرضون في المال والنذر.

21 - نومهم عن صلاة الفجر وعدم استيقاظهم حتى طلعت الشمس

21 - نومهم عن صلاة الفجر وعدم استيقاظهم حتى طلعت الشمس: 579 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حين قفل من غزوة خيبر، سار ليلة، حتى إذا أدركه الكبرى عرَّس، وقال لبلال: (اكلأ لنا الليل) فصلى بلال ما قدر له. ونام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر، فغلبته عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا بلال، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولهم استيقاظًا، ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (أي بلال؟) فقال بلال: أخذ بنفسي الذي -بأبي أنت وأمي يا رسول الله! - أخذ بنفسك. قال: (اقتادوا) فاقتادوا رواحلهم شيئًا، ثم توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأسر بلالًا فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: (من نسي الصلاة فليصليها إذا ذكرها، فإن الله قال: {أقم الصلاة لذكري} (¬1)، قال يونس: وكان ابن شهاب يقرؤها: للذكرى) (¬2). 22 - معجزة زيادة الماء القليل حتى سقى الجيش الكثير: 580 - من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم، وتأتون الماء، إن شاء الله غدًا) فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد، قال أبو قتادة: فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير حتى ابهار الليل (¬3)، وأنا إلى جنبه، قال: فنعس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمال عن راحلته. فأتيته فدعمته (¬4) من غير أن أوقظه. حتى اعتدل على راحلته. قال ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة. هي أشد من الميلتين الأولين، حتى كاد ¬

_ (¬1) سورة طه: 14. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد مواضع الصلاة حديث رقم: 680، مالك في الموطأ كتاب وقوت الصلاة باب النوم عن الصلاة: 1/ 13 - 14، أبو داود في الصلاة باب في من نام عن الصلاة أو فيها حديث رقم: 435 - 436، والترمذي في تفسير القرآن باب ومن سورة طه حديث رقم: 3163، النسائي: 1/ 295 - 298، كتاب الصلاة باب إعادة من نام عن الصلاة أو نسيها، باب كيف يقضي الفائت عن الصلاة، وابن ماجة الصلاة باب من نام عن الصلاة أو نسيها حديث رقم: 697. (¬3) ابهار الليل: انتصف. (¬4) فدعمته: أقمت عليه من النوم وصرت تحته كالدعامة للبناء فوقها.

ينجفل (¬1)، فأتيته فدعمته، فرفع رأسه. فقال: (من هذا؟) قلت: أبو قتادة، قال: (متى كان هذا مسيرك مني؟) قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة. قال: (حفظك الله بما حفظت به نبيه) ثم قال: (هل ترانا نخفى على الناس؟) ثم قال: (هل ترى من أحد؟) قلت: هذا راكب ثم قلت: هذا راكب آخر. حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب. قال: فمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطريق. فوضع رأسه. ثم قال: (احفظوا علينا صلاتنا)، فكان أول من استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والشمس في ظهره، قال: فقمنا فزعين. ثم قال: (اركبوا) فركبنا. فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزل. ثم دعا بميضأة (¬2) كانت معي فيها شيء من ماء. قال فتوضأ منها وضوءًا دون وضوء (¬3). قال وبقي فيها شيء من ماء. ثم قال لأبي قتادة: (احفظ علينا ميضأتك. فسيكون لها نبأ) ثم أذن بلال بالصلاة. فصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ركعتين. ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم. قال وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركبنا معه. قال فجعل بعضنا يهمس إلى بعض (¬4): ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ ثم قال: (ما لكم فيَّ أسوة (¬5)؟) ثم قال: (أما أنه ليس في النوم تفريط (¬6)، إنما التفريط على من لم يصل حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها، فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها) ثم قال: (ما ترون الناس صنعوا؟) قال: ثم قال: (أصبح الناس فقدوا نبيهم، فقال أبو بكر وعمر: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدكم، لم يكن ليخلفكم، وقال الناس: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أيديكم، فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا). قال: فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار، وحمي كل شيء، وهم يقولون: ¬

_ (¬1) ينجفل: يسقط. (¬2) الميضأة: الإناء الذي يتوضأ به كالركوة. (¬3) وضوء دون وضوء: وضوءًا خفيفًا. (¬4) يهمس إلى بعض: يكلمه بصوت خفي. (¬5) أسوة: قدوة. (¬6) ليس في النوم تفريط: أي تقصير لانعدام الاختيار من النائم.

23 - عودة مهاجري الحبشة وقسمة الرسول لهم من الغنائم

يا رسول الله! هلكنا، عطشنا. فقال: (لا هلك عليكم) (¬1)، ثم قال: (اطلقوا لي غُمري) (¬2) قال: "ودعا بالميضأة، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصب وأبو قتادة يسقيهم، فلم يعد أن رأى الناس ماءً في الميضأة تكابوا عليها (¬3)، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أحسنوا الملأ (¬4) كلكم سيروى) قال ففعلوا. فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصب وأسقيهم، حتى ما بقي غيري وغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: ثم صب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: (اشرب): فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله! قال: (إن ساقي القوم آخرهم شربًا) قال: فشربت. وشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال فأتى الناس الماء جامين رواءً. قال: فقال عبد الله بن رباح: إني لأحدث هذا الحديث في مسجد الجامع. إذ قال عمران بن حصين: انظر أيها الفتى كيف تحدث. فإني أحد الركب تلك الليلة. قال: قلت: فأنت أعلم بالحديث. فقال: فمن أنت؟ قلت: من الأنصار. قال: حدث فأنتم أعلم بحديثكم. قال: فحدثت القوم. فقال عمران: لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدًا حفظه كما حفظته) (¬5) واللفظ لمسلم. 23 - عودة مهاجري الحبشة وقسمة الرسول لهم من الغنائم: 581 - من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "بلغنا مخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن باليمن. فخرجنا مهاجرين إليه. أنا وأخوان لي. أنا أصغرهما. أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم. إما قال بضعًا وإما قال: ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلًا من قومي قال: فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده. فقال جعفر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثنا ها هنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا. فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا. قال: فوافقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح خيبر فأسهم لنا، أو أعطانا ¬

_ (¬1) لا هلك عليكم: أي لا هلاك. (¬2) اطلقوا لي غمري: ايتوني به والغمر القدح الصغير. (¬3) فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها: أي لم يتجاوز رؤيتهم الماء في الميضأة تكابهم: أي تزاحمهم عليها مكبًّا بعضهم على بعض. (¬4) أحسنوا الملأ: الخلق والعشرة. (¬5) أخرجه البخاري في المواقيت باب الأذان بعد ذهاب الوقت حديث رقم: 595، ومسلم في المساجد باب قضاء الصلاة الفائتة رقم: 681، وأبو داود في الصلاة باب فيمن نام عن الصلاة أو نسيها رقم:437، 438.

منها. وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئًا إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، فقسم لهم معهم. قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا -يعني لأهل السفينة- نحن سبقناكم بالهجرة". فضل أهل هجرة الحبشة: قال: "فدخلت أسماء بنت عميس، هي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - زائرة. وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه. فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة. فنحن أحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منكم فغضبت وقالت كلمة: كذبت يا عمر! كلا والله! كنتم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار. أو في أرض البعداء البغضاء (¬1) في الحبشة. وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله! لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسأله، والله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد على ذلك، قال: فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: يا نبي الله! إن عمر قال كذا وكذا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان). قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالًا. يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم أفرح، ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو بردة: فقالت أسماء: لقد رأيت أبا موسى، لأنه يستعيد هذا الحديث مني" (¬2) اللفظ لمسلم. ¬

_ (¬1) البعداء البغضاء: قال العلماء: البعداء في النسب، البغضاء في الدين لأنهم كفار إلا النجاشي وكان يستخفي بإسلامه عن قومه ويورى لهم. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4230، 4231، مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم أحاديث رقم: 2502، 2503، أبو داود في الجهاد باب فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له حديث رقم: 2745، بعض الحديث، والترمذي في السير باب أهل الذمة ينفروا مع المسلمين هل يسهم لهم حديث رقم: 1559، وقال: حسن صحيح غريب.

24 - النهي عن رفع الصوت بالتكبير: 582 - من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "قال: لما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر. أو قال لما توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرف الناس على واد، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر، الله أكبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم). وأنا خلف دابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال لي: (يا عبد الله بن قيس)، قلت: لبيك رسول الله. قال: (ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة؟) قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي. قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) (¬1). 25 - رد المهاجرين المنائح التي أعطاهم إياها الأنصار: 583 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما قدم المهاجرون من مكة المدينة، قدموا وليس بأيديهم شيء، وكان الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم، كل عام، ويكفونهم العمل والمؤونة، وكانت أم أنس بن مالك وهي تدعى أم سليم، وكانت أم عبد الله ابن أبي طلحة، كان أخًا لأنس لأمه، وكانت أعطت أم أنس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عذاقًا (¬2) لها. فأعطاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم أيمن مولاته، أم أسامة بن زيد. قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فرع من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المدينة، رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم (¬3) التي كانوا منحوهم من ثمارهم. قال: فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أمي عذاقها. وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم أيمن مكانهن من حائطه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4205، وفي الدعوات باب الدعاء إذا علا هضيبة رقم: 6384، ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب استحباب خفض الصوت بالذكر رقم: 704، وأبو داود في الصلاة باب في الاستغفار حديث رقم: 1526، 1527، 1528، الترمذي في الدعوات باب ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد حديث رقم: 3461، وقال: حسن صحيح، وابن ماجة في الدعوات كتاب الأدب باب ما جاء في لا حول ولا قوة إلا بالله حديث رقم: 3824، والنسائي في عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا أشرف على وادي حديث رقم: 538. (¬2) العذاق: جمع عذق وهي النخلة. (¬3) منائحهم: جمع منيحة والمنيحة هي المنحة.

قال ابن شهاب: وكان من شأن أم أيمن، أم أسامة بن زيد، أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بعدما توفي أبوه فكانت أم أيمن تحضنه، حتى كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة. ثم توفيت بعدما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أشهر" (¬1). 26 - شبع المسلمين من التمر بعد فتح خيبر: 584 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (فلما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر) (¬2). 585 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر) (¬3). 27 - تأمير أحد الأنصار على خيبر: 586 - من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: (إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أخا بني عدي من الأنصار إلى خيبر، فأمره عليها" (¬4). وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: 4968: وفي رواية ابن عوانة والدارقطني (سواد بن غزية) وهو من بني عدي بن النجار. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والتمر حديث رقم: 1771، البخاري في كتاب الهبة باب فضل المنية حديث رقم: 2630، وانظر أرقام: 3128، 4030، 4120. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4242. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر حديث رقم: 4243. (¬4) أخرجه البخاري في المغازي باب استعمال النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهل خيبر حديث رقم: 4246 - 4247.

الأحكام والفوائد المستقاة من غزوة خيبر: لخص الحافظ ابن حجر قسمًا من هذه الفوائد في فتح الباري: 7/ 498، في تعليقه على الحديث رقم: 4249، في كتاب المغازي، باب الشاة التي سمت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر فقال: وقد اشتملت قصة خيبر على أحكام كثيرة منها: 1 - جواز قتال الكفار في أشهر الحرم. 2 - والإغارة على من بلغته الدعوة بغير إنذار. 3 - وقسمة الغنائم على السهام. 4 - وأكل الطعام الذي يصاب من المشركين قبل القسمة لمن يحتاج إليه بشرط أن لا يدخره ولا يحوله. 5 - وإن مدد الجيش إذا حضر بعد انقضاء الحرب يسهم لهم إن رضي الجماعة كما وقع لجعفر والأشعريين. 6 - ولا يسهم لهم إذا لم يرضوا كما وقع لإبان بن سعيد وأصحابه. 7 - ومنها تحريم لحوم الحمر الأهلية، وأن ما لا يؤكل لحمه لا يطهر بالزكاة. 8 - وتحريم متعة النساء. 9 - وجواز المساقاة والمزارعة. 10 - ويثبت عقد الصلح والتواثق من أرباب التهم. 11 - وإن من خالف من أهل الذمة ما شرط عليه انتقض عهده وهدر دمه. 12 - وإن من أخذ شيئًا من الغنيمة قبل القسمة لم يملكه ولو كان دون حقه. 13 - وأن الإِمام مخير في أرض العنوة بين قسمتها وتركها. 14 - وجواز إجلاء أهل الذمة إذا استغنى عنهم. 15 - وجواز البناء بالأهل بالسفر. 16 - والأكل من طعام أهل الكتاب وقبول هديتهم" انتهى. وقد أورد الحافظ ابن القيم رحمه الله كثيرًا من هذه الفوائد وزاد عليها في كتابه العظيم زاد المعاد في هدي خير العباد فانظرها هناك (3/ 339 - 358).

المبحث السابع: سرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة

المبحث السابع: سرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة 587 - من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (غزونا فزارة، وعلينا أبو بكر، أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا. فلما كان بيننا وبين الماء ساعة، أمرنا أبو بكر فعرسنا (¬1) ثم شن الغارة، فورد الماء، فقتل من قتل عليه، وسبى، وأنظر إلى عنق من الناس (¬2)، فيهم الذراري (¬3) فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فرميت بسهم بينهم وبين الجبل. فلما رأوا السهم وقفوا، فجئت بهم أسوقهم. وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم (¬4). معها ابنة من أحسن العرب. فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر. فنفلني أبو بكر ابنتها، فقدمنا المدينة، وما كشف لها ثوبًا. فلقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السوق. فقال: (يا سلمة! هب لي المرأة) فقلت: (يا رسول الله! والله لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوبًا" (¬5)، ثم لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغد في السوق، فقال لي: (يا سلمة! هب لي المرأة. لله أبوك!) فقلت: هي لك يا رسول الله فوالله ما كشفت لها ثوبًا. فبعث بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. إلى أهل مكة، ففدى بها ناسًا من المسلمين كانوا أسروا بمكة" (¬6). المبحث الثامن: سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الحرقات من جهينة 588 - من حديث أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال: "بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية. فصبحنا الحرقات (¬7) من جهينة، فأدركت رجلًا، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أقال لا إله إلا الله وقتلته؟) قال: قلت: يا رسول الله! إنما ¬

_ (¬1) التعريس: نزول آخر الليل. (¬2) عنق من الناس: جماعة. (¬3) الذراري: النساء والصبيان. (¬4) قشع من أدم: نطع. (¬5) وما كشفت لها ثوبًا: كناية عن الجماع. (¬6) أخرجه مسلم في الجهاد والسير باب القتل حديث رقم: 1755، وأبو داود في السنن في الجهاد باب الرخصة في المدركين يفرق بينهم حديث رقم: 2697، أحمد في المسند: 4/ 46، البيهقي في الدلائل:4/ 290. (¬7) فصبحنا الحرقات: أتيناهم صباحًا، الحرقات موضع ببلاد جهينة.

المبحث التاسع: سرية غالب بن عبد الله الليثي لبني الملوح بالكديد

قالها خوفًا من السلاح. قال: (أفلا كشفت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا) فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. قال: فقال سعد -يعني سعد ابن أبي وقاص-: "وأنا والله لا أقتل مسلمًا حتى يقتله ذو البطن يعني أسامة قال: قال رجل: ألم يقل الله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} الأنفال آية (39) فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة" (¬1) اللفظ لمسلم. المبحث التاسع: سرية غالب بن عبد الله الليثي لبني الملوح بالكديد 589 - من حديث جندب بن مكيث الجهني: قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غالب بن عبد الله الكلبي كلب ليث، إلى بني ملوح بالكديد (¬2)، وأمره أن يغير عليهم، فخرج فكنت في سريته، فمضينا حتى إذا كنا بقديد (¬3) لقينا بها الحارث ابن مالك، وهو ابن البرصاء الليثي، فأخذناه فقال: إنما جئت لأسلم، فقال غالب ابن عبد الله: إن كنت إنما جئت مسلمًا، فلن يضرك رباط يوم وليلة، وإن كنت غير ذلك استوثقنا منك. قال فأوثقه رباطًا، ثم خلف عليه رجلًا أسود كان معنا، فقال امكث معه حتى نمر عليك، فإن نازعك، فاحتز رأسه، قال: ثم مضينا حتى أتينا بطن الكديد، فنزلنا عشيشية بعد العصر، فبعثني أصحابي في ربيئة (¬4)، فعمدت إلى تل يطلعني على الحاضر، فانبطحت عليه وذلك المغرب، فخرج رجل منهم، فنظر فرآني منبطحًا على التل، فقال لامرأته: والله إني لأرى على التل سوادًا ما رأيته أول النهار، فانظري لا تكون الكلاب اجترت بعض أوعيتك. قال: فنظرت، فقالت: لا والله ما أفقد شيئًا، قال: فناوليني قوسي وسهمين من كنانتي، قال: فناولته فرماني بسهم فوضعه في جنبي، قال: فنزعته فوضعته، ولم أتحرك، ثم رماني بآخر فوضعه في رأس منكبي، فنزعته، ووضعته، ولم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد إلى الحرقات: 4269، وانظر: 6872، ومسلم في الإيمان باب تحريم قتل الكافر إذا قال لا إله إلا الله رقم: 96، وأبو داود في الجهاد باب على ما يقاتل المشركون: 2643، وأحمد في المسند: 5/ 207. (¬2) بن ملوح بالكديد: ماء بين الحرمين الشريفين. (¬3) قديد: موضع بين مكة والمدينة. (¬4) ربيئة: العين والطليعة.

المبحث العاشر: قصة محلم بن جثامة وقتله الرجل الذي جاء مسلما

أتحرك، فقال لامرأته: والله لقد خالطه سهامي، ولو كان دابة لتحرك، فإذا أصبحت، فابتغى سهمي فخذيهما لا تمضغهما علي الكلاب. قال: وأمهلناهم حتى راحت رائحتهم حتى إذا احتلبوا (¬1)، وعطنوا، أو سكنوا (¬2)، وذهبت عتمة من الليل (¬3) شننا عليهم الغارة (¬4)، فقتلنا من قتلنا منهم، واستقنا النعم فوجهنا قافلين (¬5) وخرج صريخ القوم إلى قومهم مغوثًا (¬6)، وخرجنا سراعًا حتى نمر بالحارث بن البرصاء وصاحبه فانطلقنا به معنا، وأتانا صربخ الناس، فجاءنا ما لا قبل لنا به، حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلا بطن الوادي أقبل سيل حال بيننا وبينهم بعثة الله تعالى من حيث شاء، ما رأينا قبل ذلك مطرًا ولا حالًا، فجاء بما لا يقدر أحد أن يقوم عليه، فلقد رأيناهم وقوفًا ينظرون إلينا ما يقدر أحد منهم أن يتقدم، ونحن نحوزها (¬7) سراعًا، حتى أسندناها في المشلل (¬8) ثم حددناها عنا فأعجزنا القوم بما في أيدينا" (¬9). المبحث العاشر: قصة محلم بن جثامة وقتله الرجل الذي جاء مسلمًا 590 - من حديث عبد الله بن أبي حدرد رضي الله عنه قال: "بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أضم، فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحرث بن ربعي، ومحلم بن جثامة بن قيس، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له (¬10) مع متيع (¬11) له ووطب (¬12) من لبن، فسلم علينا بتحية الإِسلام فأمسكنا عنه، وحمل عليه، مجلم بن جثامة، فقتله لشيء ¬

_ (¬1) احتلبوا: حلبوا ماشيتهم. (¬2) سكنوا: قاموا. (¬3) عتمة من الليل: ذهبت مدة من ظلمة الليل. (¬4) شننا عليهم الغارة: فرقنا عليهم الجيوش في كل الجهات. (¬5) قافلين: راجعين. (¬6) مغوثًا: طالبًا الإغاثة والإعانة. (¬7) نحوزها: نسوق ما غنمناه، وملكناه من النعم. (¬8) المشلل: جبل يهبط منه إلى قديد. (¬9) أخرجه أحمد: 3/ 467 - 468، ورواه أبو داود برقم: 2678، مختصرًا إلى قوله فوثقناه رباطًا ورجاله ثقات خلا مسلم بن عبد الله الجهني فإنه لم يوثقه غير ابن حبان. وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 202 - 203. رواه الطبراني، وأحمد، ورجاله ثقات، ففد صرح ابن إسحاق بالسماع من رواية الطبراني. (¬10) مقود: البعير المتخذ للركوب. (¬11) متيع: تصغير متاع. (¬12) ووطب: وعاء اللبن.

المبحث الحادي عشر: سرية عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه

كان بينه وبينه، وأخذ بعيره ومتاعه، فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرناه الخبر، فنزل فينا القرآن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (¬1) (¬2). المبحث الحادي عشر: سرية عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه 591 - من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث علقمة بن مجزز على بعث، وأنا فيهم. فلما انتهى إلى رأس غزاته، أو كان ببعض الطريق استأذن منه طائفة من الجيش، فأذن لهم، وأمر عليهم عبد الله ابن حذافة بن قيس السهمي، فكنت فيمن غزا معه، فلما كان بعض الطريق، أوقد نارًا ليصطلوا، أو ليصنعوا عليها صنيعًا، فقال عبد الله "وكانت فيه دعابة" أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا؟ بلى. قال: فما أنا بآمركم بشيء إلا صنعتموه؟ قالوا: نعم. قال: فإني أعزم عليكم إلا تواثبتم في هذه النار. فقام ناس فتحجزوا. فلما ظن أنهم واثبون، قال: أمسكوا على أنفسكم، وإنما كنت أمزح معكم. فلما قدمنا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أمركم منهم بمعصية الله، فلا تطيعوه) (¬3). 529 - ومن حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سرية" (¬4). ¬

_ (¬1) النساء: 39. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 6/ 11، ورجاله ثقات، وابن هشام في السيرة: 2/ 627، وأورده السيوطي في الدر المنثور: 2/ 199 - 200، وزاد نسبته إلى ابن سعد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، والطبراني، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم، والبيهقي في الدلائل: 4/ 305، وقال الهيثمي في المجمع: 7/ 8، رواه أحمد، والطبراني ورجاله ثقات. (¬3) أخرجه ابن ماجة في الجهاد باب لا طاعة في معصية الله حديث رقم: 2863، وابن حبان، برقم: 1552 موارد، وأحمد في المسند: 3/ 67، والحاكم في المستدرك: 3/ 630 - 631 وأبو يعلى برقم: 1349، وقال البوصيري في الزوائد: 2/ 423، إسناده صحيح ونقل الحافظ في الفتح: 8/ 58 تصحيحه عن ابن خزيمة وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (¬4) أخرجه البخاري في التفسير تفسير سورة النساء باب أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم حديث رقم: 4584، مسلم في الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء حديث رقم: 1834، وأبو داود في الجهاد باب في الطاعة: 2624، الترمذي: في الجهاد: 1673، النسائي في البيعة: 7/ 154، 155، أحمد في المسند: 3124.

المبحث الثاني عشر: غزوة ذات الرقاع

المبحث الثاني عشر: غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة من غطفان. وهي التي صلى النبي فيها صلاة الخوف وكانت تسمى أيضًا (غزوة نجد). 1 - سبب تسميتها بهذا الاسم: 593 - من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، ونحن في تسعة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا وحدث أبو موسى بهذا الحديث ثم كره ذاك قال: ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه" (¬1). 2 - وقتها: قال الإِمام البخاري: إن غزوة ذات الرقاع كانت بعد غزوة خيبر (¬2)، وأيده في ذلك ابن كثير في سيرته (¬3)، وابن حجر في الفتح (¬4)، وابن القيم في زاد المعاد (¬5). إلا أن محمَّد بن إسحاق وجماعة من أهل السير والمغازي قالوا: إنها كانت في جمادى الأولى بعد غزوة بني النضير بشهرين، وذلك في السنة الرابعة للهجرة (¬6). قلت: وما في الصحيح أصح، وأولى بالتقديم، وله من أحاديث الصحابة رضوان الله عليهم ما يسنده ويقويه، من قول أبي هريرة: "صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة نجد صلاة الخوف"، وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام خيبر (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة ذات الرقاع حديث رقم: 4125، ومسلم في صحيحه كتاب الهجرة والمغازي باب غزوة الرقاع حديث رقم: 1816. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة محارب حفصة من بني ثعلبة من غطفان، ونزل نخلا وهي بعد خيبر؛ لأن أبا موسى جاء بعد فتح خيبر: 7/ 416. (¬3) السيرة النبوية ابن كثير: 3/ 161. (¬4) ابن حجر في الفتح: 7/ 418. (¬5) زاد المعاد: 3/ 253. (¬6) ابن هشام في السيرة: 3/ 157. (¬7) أخرجه أحمد: 2/ 320، والنسائي: 3/ 173، وإسناده صحيح، وابن حبان في صحيحه: 585 موارد الظمآن، وأبو داود في الصلاة باب من قال يكبرون جميعًا وإن وكانوا مستدبري القبلة حديث رقم: 1240.

3 - محاولة اغتيال النبي - عليه السلام -، وصلاته بالمسلمين صلاة الخوف

ويؤيده أيضًا ما جاء من حديث أبي موسى الأشعري السابق في سبب تسمية هذه الغزوة بهذا الاسم، وإخباره بأنه حضرها، وإنما جاء أبو موسى الأشعري مع جعفر بعد غزوة خيبر". ويؤيده أيضًا ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد، فذكر صلاة الخوف" (¬1)، وإنما كانت إجازة النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر بالقتال عام الخندق". 3 - محاولة اغتيال النبي - عليه السلام -، وصلاته بالمسلمين صلاة الخوف: 594 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: "أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا كنا بذات الرقاع قال: كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة، تركناها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فجاء رجل من المشركين، وسيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلق بشجرة، فأخذ سيف نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترطه، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتخافني؟ قال: (لا) قال: فمن يمنعك مني؟ قال: (الله يمنعني منك) قال: فتهدده أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأغمد السيف، وعلقه، قال: فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع ركعات، وللقوم ركعتان". وقد جاء التصريح باسم هذا الرجل في رواية أحمد كما يلي: "قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في محارب خصفة، فرأوا من المسلمين غرة، فجاء رجل منهم يقال له: غورث بن الحارث حتى قام على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف فقال: من يمنعك مني؟ قال: (الله عَزَّ وَجَلَّ) فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: من يمنعك مني؟ قال: كن كخير آخذ، قال: (أتشهد أن لا إله إلا الله؟) قال: لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، قال: فذهب إلى أصحابه، قال: قد جئتكم من عند خير الناس" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة ذات الرقاع حديث رقم: 4132. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة ذات الرقاع حديث رقم: 4136، مسلم في صلاة المسافرين باب صلاة الخوف حديث رقم: 843، وأحمد في المسند: 3/ 111، 364، 365. أما عن تفصيلات صلاة الخوف فيستطاع الرجوع إلى ذلك إلى كتاب الصلاة باب صلاة الخوف في كل من صحيحي البخاري ومسلم، وسائر كتب السنة المشرفة، وكتب الفقه.

4 - عباد بن بشر وما حصل معه أثناء الحراسة

4 - عباد بن بشر وما حصل معه أثناء الحراسة: 595 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ذات الرقاع فأصيبت امرأة من المشركين، فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قافلًا، وجاء زوجها، وكان غائبًا، فحلف أن لا ينتهي حتى يهريق دمًا في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فخرج يتبع أثر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - منزلًا، فقال: (عن رجل يكلؤنا) (¬1) فانتدب رجل من المهاجرين، ورجل من الأنصار، فقالا: نحن يا رسول الله، قال: (فكونا بفم الشعب) (¬2). قال: وكانوا نزلوا إلى شعب الوادي، فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب قال الأنصاري للمهاجري: أي الليل أحب إليك أن أكفيكه أوله أو آخره؟ قال: اكفني أوله، فاضطجع المهاجري، فنام، وقام الأنصاري يصلي، وأتى الرجل، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة (¬3) القوم، فرماه بسهم، فوضعه فيه، فنزعه فوضعه وثبت قائمًا، ثم رماه بسهم آخر، فوضعه فيه، فنزعه فوضعه وثبت قائمًا ثم عاد له بثالث فوضعه فيه، فنزعه فوضعه، ثم ركع وسجد، ثم أهب صاحبه (¬4) فقال: اجلس فقد أوتيت، فوثب فلما رآهما الرجل عرف أن قد نذروا به (¬5) فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله ألا أهببتني قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها (¬6)، فلما تابع الرمي ركعت فأريتك، وأيم الله لولا أن أضيع ثغرًا أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها وأنفذها" (¬7). ¬

_ (¬1) يكلؤنا: يحرسنا. (¬2) الشعب: الوادي، وزاد ابن إسحاق: وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر الأنصاري. (¬3) ربيئة: العين أو الطليعة التي تقوم على حراسة القوم من عدوهم. (¬4) أهب صاحبه: أيقظه. (¬5) نذروا به: عرفوا بخطره. (¬6) أنفذها: أفرغ منها. (¬7) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 344، 359، أبو داود في الطهارة باب الوضوء من الدم حديث: 198، وابن هشام في السيرة: 2/ 208 - 209، والبيهقي في السنن: 9/ 150، كتاب السير باب صلاة الحرص، وفي الدلائل: 3/ 379، وفي سند هذا الحديث عقيل بن جابر بن عبد الله، وثقه ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، وصححه ابن خزيمة: 36، وذكره البخاري معلقًا، كذا قال في التلخيص الحبير: 1/ 114 - 115، قلت: وإسناده حسن.

5 - قصة جمل جابر بن عبد الله رضي الله عنه

5 - قصة جمل جابر بن عبد الله رضي الله عنه: 596 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عزاة، فأبطأ بي جملي، فأتى عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: (يا جابر) قلت: نعم. قال: (ما شأنك)، قلت: أبطأ بي جملي وأعيا (¬1) فتخلفت، فنزل فحجنه بمحجنة (¬2) ثم قال: (اركب) فركبت فلقد رأيتني أكفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أتزوجت؟) فقلت: نعم، فقال: (أبكرًا أم ثيبًا؟) فقلت: بل ثيب. قال: (فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟) فقلت: إن لي أخوات، فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن، وتمشطهن، وتقوم عليهن. قال: (أما إنك قادم، فإذا قدمت فالكيس الكيس!) ثم. قال: (أتبيع جملك؟) قلت: نعم، فاشتراه مني بأوقية. ثم قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقدمت بالغداة، فجئت المسجد فوجدته على باب المسجد، فقال: (الآن حين قدمت؟) قلت: نعم، قال: (فدع جملك، وادخل فصل ركعتين) قال: فدخلت فصليت، ثم رجعت. فأمر بلالًا أن يزن لي أوقية. فوزن لي بلال، فأرجح في الميزان. قال فانطلقت. فلما وليت قال: (ادع لي جابرًا) فدعيت. فقلت: الآن يرد علي الجمل ولم يكن شيء أبغض إلي منه. فقال: (خذ جملك ولك ثمنه) (¬3). ولم يأت في لفظ الصحيحين التصريح باسم الغزوة التي حصلت فيها قصة جابر، ولكن جاء من نفس الطريق طريق وهب بن كيسان عن جابر التصريح بأن الغزوة هي غزوة ذات الرقاع، وذلك عند ابن هشام في السيرة: 2/ 206 - 207، عن ابن إسحاق حدثني وهب بن كيسان عن جابر ... ، وهذا سند صحيح، ¬

_ (¬1) أعيا: عجز عن السير. (¬2) حجنه بمحجنه: المحجن: العصا فيها تعقيف يلتقط بها الركب ما سقط منه. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب شراء الدواب والحمير حديث رقم: 2097 وفي مواطن أخرى متعددة، ومسلم في كتاب الرضاع باب استحباب نكاح البكر حديث: 715/ 57، ص: 1089، ومسلم في المساقاة باب بيع البعير واستثناء ركوبه: 715/ 114، والطيالسي: 1/ 305 برقم: 1550، وأحمد في المسند: 3/ 299، 303، والحميدي رقم: 1287، والترمذي في البيوع باب ما جاء في اشتراط ظهر الدابة عند البيع رقم: 1253، وأبو داود في الإمارة باب في شرط في بيع: 3505، والنسائي في البيع باب البيع يكون فيه اشتراط فيصح البيع والشرط: 7/ 297، وابن ماجه في التجارات باب في السوم: 2205، وأبو يعلى في المسند: 1793، وكل هؤلاء أخرجوه عنه بطرق تعددة وكلها صحيحه والحمد لله.

لأن ابن إسحاق صرح بالتحديث، فزالت عنه شبهة التدليس. فوائد حديث جابر: 1 - في الحديث جواز المساومة لمن يعرض سلعته للبيع. 2 - وفيه أن القبض ليس شرطًا في صحة البيع. 3 - وجواز التحدث بالعمل الصالح للإتيان بالقصة على وجهها لا على وجه تزكية النفس، وإرادة الفخر. 4 - وفيه تفقد الإمام والكبير لأصحابه وسؤاله عما ينزل بهم، وإعانتهم بما تيسر من حال أو مال أو دعاء. 5 - وفيه جواز الضرب للدابة للمسير، وإن كانت غير مكلفة، إذا لم تكن قادرة. 6 - وفيه توقير التابع لرئيسه. 7 - وفيه الوكالة في وفاء الدين، والشراء بالنسيئة. 8 - وفيه جواز الزيادة في الثمن عند الأداء، والرجحان في الوزن لكن برضا المالك. 9 - وفيه فضيلة لجابر حيث ترك حظ نفسه وامتثل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - له ببيع جمله مع احتياجه إليه. 10 - وفيه معجزة ظاهرة للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

المبحث الثالث عشر: عمرة القضاء أو عمرة القضية، أو عمرة القصاص أو عمرة الصلح

المبحث الثالث عشر: عمرة القضاء أو عمرة القضية، أو عمرة القصاص أو عمرة الصلح (¬1). 1 - وقتها: قال الحافظ في الفتح: "روى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند حسن عن ابن عمر قال: "كانت عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع"، وفي مغازي سليمان التيمي قال: "لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من خيبر بث سراياه، وأقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة، فنادى في الناس أن تجهزوا إلى العمرة" (¬2). وكذلك قال نافع: كانت في ذي القعدة سنة سبع، وقال ذلك أيضًا موسى بن عقبة: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العام المقبل من عام الحديبية معتمرًا في ذي القعدة سنة سبع". وقال ذلك ابن إسحاق وأبو الأسود عن عروة وسليمان التيمي جميعًا في مغازيهم: "إنه - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى عمرة القضاء في ذي القعدة" (¬3). 2 - مقالة قريش أن الحمى في يثرب قد أوهنت قوى المسلمين: 557 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما يبن الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم، وزاد ابن سلمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - لعامه الذي استأمن قال: (ارملوا ليرى المشركون قوتكم) والمشركون من قبل قعيقعان" (¬4). وفي لفظ مسلم بعد قوله وأن يمشوا بين الركنين قوله (ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم. هؤلاء أجلد من كذا وكذا). ¬

_ (¬1) فتح الباري: 7/ 500 سيرة ابن كثير: 3/ 428. (¬2) فتح الباري: 7/ 500، باب عمرة القضاء كتاب المغازي. (¬3) فتح الباري: 7/ 500، زاد المعاد: 3/ 370، دلائل النبوة البيهقي: 4/ 313. (¬4) أخرجه البخاري في المغازي باب عمرة القضاء حديث رقم: 4256، مسلم في صحيحه الحج باب استحباب الرجل في الطواف والعمرة حديث رقم: 1266، وأحمد في المسند: 1/ 306 أبو داود في المناسك باب في الرمل: 1886، والنسائي في باب العلة التي من أجلها سعى النبي: 5/ 230 - 231.

3 - إنشاد عبد الله بن رواحة بين يدي رسول الله في أثناء الطواف

3 - إنشاد عبد الله بن رواحة بين يدي رسول الله في أثناء الطواف: 598 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة في عمرة القضاء، وعبد الله بن رواحة ينشد يبن يديه: خلوا بني الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمن في تنزيله بأن خير القتل في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله وقد جاء من وجه آخر بلفظ "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله .... اليوم نضربكم على تنزيله ضربًا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله فقال له عمر: با ابن رواحة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي حرم الله عزَّ وجلَّ تقول الشعر، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (خل عنه، فهو أسرع فيهم من نضح النبل) (¬1) هذا لفظ النسائي. 4 - ستر النبي صلى الله عليه وسلم خوفًا عليه من المشركين: 599 - من حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: "لما اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سترناه من غلمان المشركين، ومنهم أن يؤذوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق عنه من وجهين صحيحين، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أبو يعلى والطبراني، والبيهقي في الدلائل: 4/ 322 - 323، كذا قال الحافظ في الفتح: 7/ 501، ومن أحد هذين الوجهين عن عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس أخرجه الترمذي في الأدب باب ما جاء في إنشاد الشعر حديث رقم: 2847، وقال: حسن صحيح غريب، والنسائي في الحج باب إنشاد الشعر في الحرم والمشي بين يدي الإمام: 5/ 202، وابن حبان في صحيحه: 2020 - 2021 باب باب هجاء أهل الشرك، مورد، وأبو يعلى برقم: 3440، والبيهقي: 10/ 288، وأبو نعيم في الحلية: 6/ 292، والحدبث صحيح على شرط مسلم كما قاله الحافظ في الفتح: 7/ 502، وقد جاء مرسلًا من حديث عبد الله بن أبي بكر بن حزم عند ابن هشام في السيرة: 2/ 371، ومن مرسلات ابن شهاب أخرجه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 146 - 147. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب عمرة القضاء حديث رقم: 4255، أبو داود في الحج باب أمر الصفا والمروة حديث رقم: 1903، ابن ماجه في السنن المناسك باب العمرة حديث رقم: 2990.

5 - زواجه بميمونة في رحلة عمرة القضاء

5 - زواجه بميمونة في رحلة عمرة القضاء: 600 - من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ميمونة، وهو محرم وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف" (¬1). 601 - وقد جاء من طريق آخر بزيادة لطيفة أوضحت بعض أحداث قصة الزواج، وذلك من حديث ابن إسحاق قال حدثني أبان بن صالح وعبد الله بن أبي نجيح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك، وهو حرام، وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبد المطلب" (¬2). 602 - وقد جاء من حديث ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها قولها: "تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن حلالان بسرف" (¬3). انظر التوفيق بين هذين الحديثين في زاد المعاد: 3/ 372 - 374، وفي نصب الراية: 3/ 173، وفتح الباري كتاب الحج باب تزويج المحرم، وفي النكاح باب نكاح المحرم، وشرح صحيح مسلم في كتاب النكاح باب تحريم نكاح المحرم. 6 - طلب المشركين من الرسول عليه الصلاة والسلام الخروج من مكة: 603 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: "هذا ما قاضى عليه محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: لا نقر بهذا لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئًا، ولكن أنت محمَّد بن عبد الله، فقال: أنا رسول الله وأنا محمَّد بن عبد الله، ثم قال لعلي: امح رسول الله، قال علي: لا والله لا أمحوك أبدًا. فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب -وليس يحسن يكتب -، فكتب: "هذا ما قاضي محمَّد بن عبد الله، لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب، وأن لا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب عمرة القضاء حديث رقم: 4258، مسلم في النكاح باب تحريم نكاح المحرم حديث رقم: 1410، وأبو داود حديث رقم: 1844، والترمذي: 842، والنسائي: 5/ 191، ابن ماجه: 1965، الدارمي: 2/ 37، ابن سعد: 8/ 136. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب عمرة القضاه حديث رقم: 4259، معلقًا، وابن هشام في السيرة: 3/ 372. (¬3) أخرجه مسلم في كتاب النكاح باب تحريم نكاح المحرم حديث رقم: 1411، أبو داود في الحج باب المحرم تزوج حديث رقم: 1843؛ وابن ماجه: 1964، وأحمد في المسند: 6/ 333، 6/ 335؛ والبيهقي: 5/ 66، والترمذي: 845.

7 - خروج ابنة حمزة بن عبد المطلب خلف النبي عليه الصلاة والسلام

يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، وأن لا يمنع من أصحابه أحدًا أن أراد أن يقيم بها" فلما دخلها ومضى الأجل أتوا عليًّا فقالوا: تل لصاحبك اخرج عنا، فقد مضى الأجل، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ... " (¬1). 604 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنه: " ... فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة ثلاثًا، فأتاه حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، في نفر من قريش في اليوم الثالث، وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة، فقالوا له: إنه قد انقضى أجلك، فاخرج عنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعامًا فحضرتموه). قالوا: لا حاجة لنا في طعامك، فاخرج عنا، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة، حتى أتاه بها بسرف، فبنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. هنالك، ثم انصرف رسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة في ذي الحجة" (¬2). 7 - خروج ابنة حمزة بن عبد المطلب خلف النبي عليه الصلاة والسلام: 605 - من حديث البراء بن عازب قال: " ... فقالوا: قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فتبعته ابنة حمزة تنادي، يا عم، يا عم، فتناولها علي فأخذها بيدها، وقال لفاطمة عليها السلام، دونك ابنة عمك احمليها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر قال علي: أنا أخذتها، هي بنت عمي، وقال جعفر: ابنة عمي، وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي فقضى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لخالتها وقال: (الخالة بمنزلة الأم). وقال لعلي: (أنت مني وأنا منك). وقال لجعفر: (أشبهت خلقي وخُلقي). وقال لزيد: (أنت أخبرنا ومولانا). وقال علي: ألا تتزوج بنت حمزة؟ قال: (إنها ابنة أخي من الرضاعة) (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصلح باب كيف يكتب حديث رقم: 2699، وفي المغازي باب عمرة القضاء الحديث: 4251، أبو داود في السنن: 2278،1279، والدارمي في سننه: 2/ 237 - 238، والبيهقي في السنن: 8/ 5 - 6، والترمذي مختصرًا: 3769، وأحمد: 1/ 99، 115، 230. (¬2) ابن هشام في السيرة: 3/ 372، وقد سبق مقطع منه برقم: 601، وقد خرج البخاري بعضه معلقًا فانظره هناك. (¬3) قد سبق جزء من هذا الحديث برقم: 603.

المبحث الرابع عشر: كتب الرسول إلى الملوك والزعماء

المبحث الرابع عشر: كتب الرسول إلى الملوك والزعماء كان من هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يبدأ أحدًا بقتال إلا إذا بلغه الدعوة، ودعاه إلى الله تعالى، وقد اتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا المنهج التزامًا بأوامر الله تعالى له، اتبع هذا المنهج مع جميع من حاربهم من القبائل العربية، واتبع هذا المنهح مع ملوك الأرض وأباطرتها في عصره، فدعاهم إلى الله تعالى، فأرسل إليهم رسله، وبعث إليهم كتبه يدعوهم إلى الله تعالى، ولم يستثن أحدًا منهم. 606 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى كسرى وإلى قيصر، وإلى النجاشي وإلى كل جبار، يدعوهم إلى الله تعالى، وليس النجاشي الذي صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). 1 - رسالته إلى هرقل ملك الروم: 607 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه قال: "انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فبينما أنا بالشام، إذ جيء بكتاب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل: يعني عظيم الروم. قال: وكان دحية الكلبي جاء به، فدفعه إلى عظيم بصرى (¬2)، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل. فقال هرقل: هل ها هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قالوا: نعم. قال: فدعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل. فأجلسنا بين يديه. فقال: أيكم أقرب نسبًا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا. فأجلسوني بين يديه. وأجلسوا أصحابي خلفي. ثم دعا بترجمانه فقال له: قل لهم: إني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني فكذبوه، قال: فقال أبو سفيان: وأيم الله! لولا مخافة أن يؤثر علي الكذب لكذبت. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في الجهاد والسير باب كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الله عزَّ وجلَّ حديث رقم: 1774، الترمذي في الاستئذان باب في مكانة المشركين رقم: 2716، وقال: حديث حسن صحيح غريب، والنسائي في السنن الكبرى كتاب السير كما أشار إليه في تحفة الأشراف. الحافظ المزي حديث 1179، والبيهقي في الدلائل: 4/ 376. (¬2) بصرى: منطقة حوران وهي منطقة ذات قلاع وأعمال قريبة من طرف البرية التي بين الشام والحجاز، والمراد بعظيم بصرى: أميرها، وحوران الآن هي منطقة جنوب سورية وجزء من شمال الأردن وشمال فلسطين.

ثم قال لترجمانه: سله كيف حسبه فيكم؟ قال: قلت: هو فينا ذو حسب، قال: فهل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: ومن يتبعه: أشراف الناس (¬1) أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قال: قلت: لا. بل يزيدون. قال: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ قال: قلت: لا. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قال: قلت: تكون الحرب بيننا وبينه سجالًا، يصيب منا، ونصيب منه. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا. ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها. قال: فوالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئًا غير هذه. قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟ قال: قلت: لا. قال لترجمانه: قل له: إني سألتك عن حسبه، فزعمت أنه فيكم ذو حسب، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها. وسألتك: هل كان في آبائه ملك؟ فزعمت أن لا. فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت: رجل يطلب ملك آبائه. وسألتك عن أتباعه، أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل. وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال: فزعمت أن لا؟ فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس، ثم يذهب فيكذب على الله. وسألتك: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطة له؟ فزعمت أن لا. وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشته القلوب. وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون. وكذلك الإيمان حتى يتم. وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنكم قد قاتلتموه. فتكون الحرب بينكم وبينه سجالًا. ينال منكم وتنالون منه. وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة. ¬

_ (¬1) أشراف الناس: كبارهم وأهل الأحساب فيهم.

وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أنه لا يغدر. وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك: هل قال هذا القول أحد قبله؟ فزعمت أن لا. فقلت: لو قال هذا القول أحد قبله. قلت رجل ائتم بقول قيل قبله. قال: لم قال: بم يأمركم؟ قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف. قال: إن يكن ما تقول فيه حقًّا، فإنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه منكم. ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ولو كنت عده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي. قال: ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأه، فهذا فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من محمَّد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإِسلام (¬1)، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين. وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (¬2) {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (¬3). قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، أكثر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كبشه، إنه يخافه ملك بني الأصفر. فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام. وكان ابن الناطور -صاحب إيلياء وهرقل- أسُقفًا على نصارى الشام، يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يومًا خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك. قال ابن الناطور: وكان هرقل حزاءً ينظر في النجوم. ¬

_ (¬1) دعاية الإِسلام: دعوة الإِسلام وهي كلمة التوحيد. (¬2) الأريسيين: الأكارون، أي الفلاحون والزراعون، ومعناه أن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك، ويقال إنهم الهود والنصارى أتباع عبد الله أريس الذي تنسب إليه الأروسية من النصارى، ويقال: إنهم الملوك الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة ويأمرونهم بها، والقول الأول: هو الأصح والأشهر. (¬3) 3 / آل عمران آية 64.

2 - رسالة النبي إلى كسرى ملك الفرس

فقال لهم حين سألوه، إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك، فيقتلوا من فيهم من اليهود. فبينما هم على أمرهم أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان خيبر عن خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختن هو أم لا؟ فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون. فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر. ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم. وسار هرقل إلى حمص، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه نبي. فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: "يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان قال: ردوهم عليَّ. وقال: إني قلت مقالتي آنفًا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت. فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل" (¬1). 2 - رسالة النبي إلى كسرى ملك الفرس: 608 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فحسبت ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمزقوا كل ممزق" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي باب حديث أبي سفيان عند هرقل حديث رقم: 7، وله أطراف في صحيح البخاري بأرقام: 51، 2681، 2804، 2941، 2978، 3174، 4553، 5980، 6260 و 7196، 7541، وفي صحيح مسلم الجهاد والسير باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإِسلام: 1773. الترمذي في سنة رقم: 2718، الاستئذان، باب ما جاء كيف يكتب لأهل الشرك، وأبو داود في الأدب: 5136، باب كيف يكتب إلى الذمي، أحمد: 1/ 263، والبيهقي في السير: 9/ 177، باب إظهار دين النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأديان، وأبو نعيم في دلائل النبوة برقم: 239، وعبد الرزاق في المصنف رقم: 9724، وابن مندة في الإيمان رقم: 143. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر حديث رقم: 4424، فتح: 8/ 126، أحمد في المسند: 1/ 243، 305.

609 - من مرسلات سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: "كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر، والنجاشي كتابًا واحدًا. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر والنجاشي أما بعد: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. فأما كسرى، فمزق كتابه، ولم ينظر فيه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مزق ومزقت أمته) (¬1). 610 - من مرسل يزيد بن حبيب رضي الله عنه قال: "وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم إلى كسرى بن هرمز ملك فارس وكتب معه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (من محمَّد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيًّا، ويحق القول على الكافرين، فإن تسلم، وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك). قال: فلما قرأه شقه وقال: يكتب إلي بهذا وهو عبدي". قال: ثم كتب كسرى إلى باذان، وهو على اليمن، أن أبعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين، فليأتياني به، فبعث باذان قهرمانه، وهو بابويه وكان كاتبًا حاسبًا بكتاب فارس، وبعث معه رجلًا من الفرس يقال له خرخسرة، وكتب معهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمره أن ينصرف ¬

_ (¬1) أخرجه أبو عبيد في الأموال رقم: 59، صفحة 32، وقد اتفقت كلمة العلماء على سعيد بن المسيب وأن جميع مراسيله صحيحه وأنه كان لا يرسل إلا عن ثقة من كبار التابعين أو صحابي معروف انظر أقوال العلماء في ذلك (جامع التحصيل في أحكام المراسيل ص: 45 - 46 - 99، وقد جاء ما يؤيده من مرسل يزيد بن أبي حبيب عند ابن جرير الطبري في تاريخه: 2/ 3 / 90، قبل غزوة خيبر فالحديث بذلك حديث حسن.

معهما إلى كسرى، وقال لبابويه: ائت بلد هذا الرجل، وكلمه، وائتني بخبره، فخرجا حتى قدما الطائف فوجدا رجالًا من قريش بجنب من أرض الطائف، فسألاهم عنه، فقالوا: هو بالمدينة، واستبشروا بهما، وفرحوا، وقال بعضهم لبعض: ابشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك كفيتم الرجل! فخرجا حتى قدما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلمه بابويه فقال: إن شاهنشاه ملك الملوك كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد بعثني إليك لتنطلق معي، فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك ينفعك، ويكفه عنك، وإن أبيت فهو من قد علمت، فهو مهلكك، ومهلك قومك، ومخرب بلادك. ودخلا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد حلقا لحاهما، وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما، ثم أقبل عليهما، فقال: (ويلكما من أمركما بهذا؟) قالا: أمرنا بهذا ربنا؛ يعنيان كسرى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي، وقص شاربي)، ثم قال: (ارجعا حتى تأتياني غدًا). قال: وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر من السماء بأن الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله، في شهر كذا وكذا في ليلة كذا وكذا من الليل سلط عليه ابنه شيروه فقتله، قال: فدعاهما فأخبرهما فقالا: هل تدري ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا، فنكتب عنك بهذا، ونخبر الملك؟ قال: (نعم أخبراه ذلك عني وقولا له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى، وينتهي إلى منتهى الخف والحافر، وقولا له: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك من الأبناء". ثم أعطى خرخسرة منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك. فخرجا من عنده حتى قدما على باذان، فأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا بكلام ملك، وإني لأرى الرجل نبيًّا كما يقول، وليكونن ما قد قال، فلئن كان هذا حقًّا فهو نبي مرسل، وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا، فلم ينشب باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه: "أما بعد فإني قد قتلت كسرى، ولم أقتله إلا غضبًا لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم وتجميرهم في ثغورهم، فإذا جاءك كتابي هذا فخد لي الطاعة من قبلك، وانطلق إلى الرجل الذي كان كسرى قد كتب فيه فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه".

3 - رسالته إلى النجاشي

فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذان قال: "إن هذا الرجل لرسول. فأسلم، وأسلمت الأبناء من فارس من كان منهم باليمن، وقال: وقد قال بابويه لباذان: ما كلمت رجلًا قط أهيب عندي منه، فقال له باذان: هل معه شرط؟ قال: لا) (¬1). 3 - رسالته إلى النجاشي: 611 - من حديث أنس رضي الله عنه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى، وليس بالنجاشي الدي صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). وقد أوضح ابن القيم أن النجاشي الذي صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي آمن وأكرم أصحابه، هو غير النجاشي الذي كتب إليه يدعوه إلى الإِسلام فهما اثنان (¬3). 4 - رسالته إلى المقوقس حاكم مصر: 612 - من مرسل عبد الرحمن بن عبد القارئ: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فمضى بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المقوقس، فقبَّل الكتاب، وأكرم حاطبًا، وأحسن نزله، وسرَّحه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأهدى له مع حاطب كسوة، وبغلة بسرجها، وخادمتين إحداهما أم إبراهيم، وأما الأخرى، فوهبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجهم بن قيس العبدي، فهي أم زكريا بن جهم الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر" (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه المجلد الثاني الجزء الثالث ص: 90 - 91، وابن كثير في سيرته: 3/ 508 - 510، نقلًا عن ابن جرير، وابن سعد في الطبقات: 1/ 2 / 147، من حديث عبيد الله بن عبد الله بن مسعود مرسلًا أيضًا بإسناد صحيح، ووصله ابن بشران في الأمالي من حديث أبي هريرة بسند واه، وحسنه الألباني بهذين الشاهدين" بدون ذكر ابن كثير كما في تعليقه على فقه السيرة: ص: 389. (¬2) سبق تخريجه حديث رقم: 606. (¬3) زاد المعاد: 3/ 690. (¬4) سيرة ابن هشام: 4/ 216 وعنه ابن كثير في سيرته: 3/ 514، والبيهقي في الدلائل: 4/ 395، وإسناده ثقات، قد صرح ابن إسحاق بالحديث، وله شاهد من حديث حاطب أخرجه البيهقي في الدلائل: 4/ 395 - 396، وابن كثير: 3/ 514 - 515، وقال الحافظ في الإصابة: 1/ 300، في ترجمة حاطب رقم: 1538، أخرجه ابن شاهين من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن جده قلت: وفي سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف كما في التقريب، فيرتقي الحديث إلى درجة الحسن، وابن سعد في الطبقات: 1/ 260 - 261.

المبحث الخامس عشر: إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن أبي طلحة

المبحث الخامس عشر: إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن أبي طلحة 613 - من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالًا من قريش، كانوا يرون رأي ويسمعون مني، فقلت لهم: تعلمون والله أني أرى أمر محمَّد يعلو الأمور علوًّا منكرًا، وإني قد رأيت أمرًا، فما ترون فيه؟ قالوا: وماذا رأيت؟ قال: رأيت أن نلحق بالنجاشي، فنكون عنده، فإن ظهر محمَّد على قومنا كنا عند النجاشي، فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمَّد، وإن ظهر قومنا، فنحن من قد عرفوا، فلن يأتينا منهم إلا خير، قالوا: إن هذا الرأي، قلت: فاجمعوا لنا ما نهديه له، وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم (¬1) فجمعنا له أدمًا كثيرًا، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه. فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه، قال: فدخل عليه، ثم خرج من عنده، قال: فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية الضمري، لو قد دخلت على النجاشي، وسألته إياه فأعطانيه، فضربت عنقه، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني أجزأت عنها (¬2)، حين قتلت رسول محمَّد، قال: فدخلت عليه، فسجدت له كما كنت أصنع، فقال: مرحبًا صديقي، أهديت إلي من بلادك شيئًا؟ قال: قلت: نعم، أيها الملك، قد أهديت إليك أدمًا كثيرًا، قال: ثم قربته إليه، فأعجبه واشتهاه. ثم قلت له: أيها الملك، إني قد رأيت رجلًا خرج من عندك، وهو رسول رجل عدو لنا، فأعطنيه لأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا، قال: فغضب، ثم مد يده، فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقًا منه، ثم قلت له: أيها الملك، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه، قال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله! قال: قلت: أيها الملك، أكذاك هو؟ قال: ويحك يا عمرو أطعني واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون ¬

_ (¬1) الأدم: الجلد. (¬2) أجزأت عنها: كفيتها.

اجتماع عمرو وخالد على الإسلام

وجنوده، قال: قلت: أفتبايعني على الإِسلام؟ قال: نعم، فبسط يده، فبايعته على الإِسلام، ثم خرجت إلى أصحابي، وقد حال رأيي عما كان عليه، وكتمت أصحابي إسلامي". اجتماع عمرو وخالد على الإِسلام: " ثم خرجت عامدًا إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - لأسلم، فلقيت خالد بن الوليد، وذلك قبيل الفتح، وهو مقبل من مكة، فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام المنسم (¬1)، وإن الرجل لنبي، أذهب والله فأسلم، فحتى متى، قال: قلت: والله ما جئت إلا لأسلم. قال: فقدمنا المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتقدم خالد بن الوليد، فأسلم، وبايع، ثم دنوت، فقلت: يا رسول الله، إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولا أذكر ما تأخر. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا عمرو، بايع، فإن الإِسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها، قال: فبايعته ثم انصرفت). قال ابن إسحاق: وقد حدثني من لا أتهم أن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة كان معهما أسلم حين أسلما) (¬2). 614 - ومن طريق عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: " .... فلما جعل الله الإِسلام في قلبي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: (ما لك يا عمرو؟) قال: قلت: أردت أن أشترط. قال: (تشترط بماذا؟) قلت: أن يغفر لي. قال: (أما علمت أن الإِسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ ...) (¬3). ¬

_ (¬1) استقام المنسم: تبين الطريق ووضح. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 198 - 199، 204، 205، الحاكم في المستدرك: 3/ 454، وإحدى طرقه عند أحمد: 4/ 205 يحيى بن إسحاق أنا ليث بن سعد عن يزيد إسنادها صحيح على شرط مسلم رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن شماسه، وهو عبد الرحمن فهو على شرط مسلم فقط، بل وأخرجه مسلم في صحيحه بلفظ (الإِسلام يهدم ما قبله) برقم: 121، الإيمان باب كون الإِسلام يهدم ما قبله وقال الشيخ الساعاتي في الفتح الرجل: 21/ 134 - 136، رواه ابن إسحاق، وسنده جيد، وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 350، 351: مناقب عمرو بن العاص: رواه أحمد والطبراني، ورجالهما ثقات، فالحديث بذلك صحيح. (¬3) أخرجه سلم في الإيمان باب كون الإِسلام يهدم ما قبله حديث رقم: 121، أبو عوانة في صحيحه: 1/ 70.

المبحث الساس عشر: غزوة مؤتة

المبحث الساس عشر: غزوة مؤتة 1 - وقت الغزوة: قال ابن إسحاق رحمه الله: "حدثني محمَّد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان" (¬1). وقال الحافظ في الفتح: "وفي مغازي أبي الأسود عن عروة بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجيش إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان، وكذا قال ابن إسحاق وموسى ابن عقبة وغيرهما من أهل المغازي لا يختلفون في ذلك، إلا ما ذكر خليفة في تاريخه أنها كانت سنة سبع" (¬2). 2 - تعيين القادة على جيش مؤتة: 615 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "أمَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة مؤتة زيد بن حارثة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة، قال عبد الله: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعًا وتسعين من طعنة ورمية" (¬3). 3 - وداع أهل المدينة الجيش الخارج إلى مؤتة: 616 - من حديث عروة بن الزبير "مرسلًا" قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثة إلى مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان، واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر، فعبد الله بن رواحة على الناس. ¬

_ (¬1) ابن هشام في السيرة: 2/ 373، ونقله عنه ابن كثير في سيرته: 3/ 455، زاد المعاد: 3/ 381، دلائل النبوة البيهقي: 4/ 359. (¬2) فتح الباري: 7/ 511. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة مؤتة حديث رقم: 4261، وقد جاء تعيين القادة من رواية عدة من الصحابة منهم ابن عباس في المسند: 1/ 256، 304، وقال الشيخ الساعاتي في الفتح الرباني: 14/ 16، سنده لا بأس به، ومن حديث أنس كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 156، رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح، أبو نعيم في الحلية: 1/ 117 - 118، والحاكم: 3/ 212 وابن سعد: 4/ 1 / 26. وسيأتي أيضًا ذكر تعيين القادة في أحاديث عدّة في أثناء الحديث عن الغزوة.

4 - تخلف عبد الله بن رواحة لحضور صلاة الجمعة

فتجهز الناس، لم تهيئوا للخروج، هم ثلاثة آلاف، فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسلموا عليهم، فلما ودع عبد الله بن رواحة؟ مع من ودع من أمراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى، فقالوا: ما يبكيك يا ابن رواحة؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم - يقرأه آية من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، يذكر فيها النار {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} (¬1) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود. فقال المسلمون: صحبكم الله ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين، فقال عبد الله بن رواحة: لكني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ (¬2) تقذف الزبدا (¬3) أو طعنة بيدي حران مجهزة (¬4) ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا (¬5) حتى يقال إذا مروا على جدثي (¬6) ... أرشده الله من غاز وقد رشدا (¬7) 4 - تخلف عبد الله بن رواحة لحضور صلاة الجمعة: 617 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة، قال فقدم أصحابه وقال: أتخلف، فأصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الجمعة، ثم ألحقهم، قال: فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟) قال: أردت أن أصلي معك الجمعة قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت غدوتهم) (¬8). ¬

_ (¬1) مريم: 71. (¬2) ذات فرغ: يريد طعنة واسعة. (¬3) الزبد: أصله ما يعلو الماء إذا غلا، وأراد هنا ما يعلو الدم الذي ينفجر من الطعنة. (¬4) مجهزة: سريعة القتل. (¬5) تنفذ الأحشاء: تخرقها وتصل إليها. (¬6) الجدث: القبر. (¬7) ابن هشام في السيرة: والبيهقي في الدلائل: 4/ 358 - 360، والطبري في التاريخ: 3/ 107، 2/ 373 - 374، عن عروة مرسلًا، ورجاله ثقات، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 157 - 158، رواه الطبراني، ورجاله ثقات إلى عروة وله شاهد من الحديث الذي بعده. (¬8) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 256، وفي الطبعة المرقمة تحقيق أحمد شاكر برقم: 2317، وقال الشيخ الساعاتي: 14/ 16: لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وسنده لا بأس به: قلت: بل أخرجه الترمذي في سنته كتاب الصلاة باب ما جاء في السفر يوم الجمعة رقم؛ 527، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وابن أبي شيبة في المصنف: 14/ 512، وقد أعل بأن هذا الحديث ليس مما رواه الحكم =

5 - قتال جعفر بن أبي طالب

5 - قتال جعفر بن أبي طالب: 618 - من حديث يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد، قال: (حدثني أبي الذي أرضعني، وكان أحد بني مرة بن عوف، وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء، ثم عقرها، ثم قاتل حتى قتل وهو يقول: يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردًا شرابها والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها علي إذ لاقيتها ضرابها (¬1) 6 - قتال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: 618 - بنفس إسناد الحديث السابق قال أحد بني مرة بن عوف: " ... فلما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية، ثم تقدم بها، وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد ثم قال: أقسمت يا نفس لتنزلنه ... لتنزلن أو لتكرهنه إن أجلب الناس وشدوا الرنة ... ما لي أراك تكرهين الجنة قد طال ما قد كنت مطمئنة ... هل أنت إلا نطفة في شنة (¬2) ¬

_ = عن مقسم عن ابن عباس قال الشيخ أحمد شاكر ورواه البيهقي في السنن: 3/ 187، من طريق الحسن بن عياش عن الحجاج ثم قال البيهقي ورواه أيضًا حماد بن سلمة وأبو معاوية عن حجاج بن أرطاة والحجاج ينفرد به" وللحديث شاهد بإسناد جيد يدل على صحة رواية الحجاج والحكم عن مقسم، فقد روى ابن عبد الحكم في فتوح مصر ص: 298 من طريق ابن لهيعة عن زبان ابن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه أمر أصحابه بالعزو وأن رجلًا تخلف وقال لأهله: أتخلف حتى أصلي مع رسول الله ... فذكر نحو الحديث السابق، ويشهد له الحديث السابق. (¬1) سيرة ابن هشام المجلد الثاني صفحة: 378، من طريق ابن إسحاق، وسنده ثقات، فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، وأخرجه أبو داود بدون الشعر في كتاب الجهاد باب في الدابة تعرقب في الحرب رقم: 2573، وقال: هذا الحديث ليس بالقوي والطبري في التاريخ: 3/ 108 - 109، والبيهقي في الدلائل: 4/ 363، قلت: وقد حسن هذا الحديث الحافظ ابن حجر في الفتح: 7/ 511، وقال: إسناده حسن وقال الهيمثي في المجمع: 6/ 159 - 160: رواه الطبراني، ورجاله ثقات" وصححه أحمد شاكر في تعليقه على مختصر سنن أبي داود: 3/ 397، بقوله: والإسناد صحيح لا علة فيه. فالحديث بذلك حسن: ولا يضر جهالة الصحابي الذي روى الحديث. (¬2) شنة: السقاء البالي.

7 - تولي خالد بن الوليد الإمارة وشدة بأسه

وقال أيضًا: يا نفس إلا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت .. إن تفعلي فعلهما هديت يريد صاحبيه: زيدًا وجعفرًا، ثم نزل، فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق (¬1) من لحم فقال: شد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده ثم انتهس (¬2) منه نهسة، ثم سمع الحطمة (¬3) في ناحية الناس فقال: وأنت في الدنيا! ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه فتقدم، فقاتل حتى قتل" (¬4). 7 - تولي خالد بن الوليد الإمارة وشدة بأسه: 619 - بنفس الإسناد السابق: " ... ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان، فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم قالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية دافع القوم، وحاشى بهم، ثم انحاز وانحيز عنه، حتى انصرف بالناس" (¬5). 620 - من حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: "لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية" (¬6). 621 - ومن حديث أبي قتادة رضي الله عنه: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش الأمراء وقال: عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة الأنصاري، فوثب جعفر فقال: بأبي أنت يا نبي الله ما كنت ¬

_ (¬1) العرق: العظم الذي عليه بعض لحم. (¬2) انتهى: أخذ منه بفمه يسيرًا. (¬3) الحطمة: زحام الناس وحطم بعضهم بعضًا. (¬4) سبق تخريجه في الحديث السابق: 617. (¬5) سبق تخريجه في الحديث السابق رقم: 617، وقد جاء من مرسل ابن شهاب الزهري مثل ذلك رواه الطبراني، ورجاله ثقات إلى ابن شهاب كذا قال الهيثمي في المجمع: 6/ 160. (¬6) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة مؤتة رقم: 4265، 4266 وأحمد في الفضائل: 1475، والبيهقي في الدلائل: 4/ 373، والطبراني في الكبير: 3802، وابن سعد: 4/ 253، 7/ 395، والحاكم في المستدرك: 3/ 42.

8 - لمن كان النصر في هذه المعركة

أرهب أن تستعمل عليَّ زيدًا، قال: امضوا فإن لا تدري أي ذلك خير، قال: فانطلق الجيش فلبثوا ما شاء الله ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صعد المنبر، وأمر أن ينادي الصلاة جامعة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ناب خبر، أو ثاب خبر (¬1) "شك عبد الرحمن". ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي، إنهم انطلقوا حتى لقوا العدو، فأصيب زيد شهيدًا، فاستغفروا له)، فاستغفر له الناس، (ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب، فشد على القوم حتى قتل شهيدًا، اشهدوا له بالشهادة، فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فأثبت قدميه حتى أصيب شهيدًا، فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء، هو أمر نفسه)، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصبعيه، وقال: (اللهم هو سيف من سيوفك فانصره)، "وقال عبد الرحمن" مرة (فانتصر به). فيومئذ سمي خالد سيف الله، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (انفروا فأمدوا إخوانكم، ولا يتخلفن أحد)، فنفر الناس في حر شديد مشاة وركبانًا) (¬2). 8 - لمن كان النصر في هذه المعركة: إن سياق أصحاب المغازي والسير فيه اختلاف في وصف معركة مؤتة والحال التي كان عليها الجيش الإِسلامي بين نصر أو هزيمة، فانقسموا إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: قالوا: إن المسلمين قد انتصروا، وممن قال بذلك موسى بن عقبة، والواقدي، والزهري، ورجح هذا الرأي البيهقي، وابن كثير في سيرته. القسم الثاني: قالوا إن المسلمين هزموا شر هزيمة عرفوها في تاريخهم عقب ¬

_ (¬1) عبد الرحمن هو ابن مهدي شيخ الإِمام أحمد، يشك هل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناب خبر بالنون أو ثاب خبر بالثاء، وسواء كان ناب أو ثاب فمعناه الرجوع أي رجع إلى خبر، أي بلغني إما بطريق الوحي أو بطريق الكشف. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 291 - 300 - 301، والنسائي في السنن الكبرى كما أشار إلى ذلك في تحفة الأشراف حديث رقم: 12095، 9/ 247، وعند البيهقي كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن كثير في تاريخه قلت: والحديث صحيح رجاله ثقات. قلت: وقد جاء تولي خالد إمرة الجيش أيضًا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه كما أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة مؤتة حديث رقم: 4262، والنسائي في السنن: 4/ 26 كتاب الجنائز باب النعي دون ذكر خالد بن الوليد وتوليه إمرة الجيش. ومن حديث عبد الله بن جعفر وسيأتي تخريجه عند عنوان رعاية الرسول - عليه السلام -، لأسرة جعفر رضي الله عنه.

استشهاد القادة الثلاثة، وممن قال بهذا القول ابن سعد في الطبقات: 2/ 130. القسم الثالث: قال بأن كل فئة انحازت عن الأخرى، وممن ذهب إلى هذه المقالة ابن إسحاق في السيرة، وأيده على مقالته ابن القيم في زاد المعاد. والرأي الذي أميل إليه وأرجحه هو رأي القسم الأول القائل بأن المسلمين قد انتصروا في غزوة مؤتة لوجود مرجحات لهذا القول من حديثي أنس بن مالك رضي الله عنه، وعوف بن مالك الأشجعي سأوردهما فيما يلي: 622 - أما حديث أنس رضي الله عنه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: (أخذ الراية زيدًا فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب -وعيناه تذرفان- حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم) (¬1). وموطن الشاهد قوله - عليه السلام -: (حتى فتح الله عليهم)، في هذا دلالة على أن النصر والفتح كان بجانب المسلمين حين تولى خالد بن الوليد القيادة وتسلم الراية، وقد جاءت هذه اللفظة من حديث عبد الله بن جعفر الذي سيأتي برقم:629. 623 - وأما حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: "خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة من المسلمين في غزوة مؤتة، ووافقني مددي من اليمن ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزورًا، فسأله المددي طابقة من جلده، فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدرقة، ومضينا، فلقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب، فجعل الرومي يُغري بالمسلمن، وقعد له المددي خلف صخرة، فمر به الرومي، فعرقب فرسه فخر وعلاه فقتله، وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله للمسلمين بعث إليه خالد ابن الوليد فأخذ من السلب، قال عوف: فأتيته فقلت: يا خالد أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى ولكني استكثرته. فقلت: لتردَّنه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة مؤتة حديث رقم: 4262، وانظر أرقام البخاري التالية: 1246، 2798، 3063، 3630، 3757، والبيهقي في الجنائز: 4/ 70، وأبو نعيم في الدلائل رقم: 458، وأحمد في المسند: 3/ 113، 117 - 118، والبغوي في شرح السنة: 11/ 3، رقم: 2667، والنسائي في السنن: 4/ 26، كتاب الجنائز باب النعي وجاء لفظ النسائي دون ذكر تولي سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم.

إليه، ولأعرَّفنكها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أن يرد عليه. قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقصصت عليه قصة المددي، وما فعل خالد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا خالد رُدَّ عليه ما أخذت منه) قال عوف: فقلت: دونك يا خالد ألم أفِ لك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وما ذاك؟) فأخبرته، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: (يا خالد لا ترد عليه، هل أنتم تاركوا أمرائي؟ لكم صفوة أمرهم، وعليهم كدره) (¬1) واللفظ لأحمد. وموطن الشاهد في هذا الحديث أن جيش المسلمين قد غنم من الروم غنائم عدة كان هذا السلب من بينها، ولا يغنم جيش من آخر إلا إذا كان منتصرًا، والله أعلم. وقد تقدم فيما رواه البخاري أيضًا عن خالد أنه قال: اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، وما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية). وهذا يقتضي أنهم أثخنوا فيه قتلًا، ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم، وهذا وحده دليل مستقل على أنهم كانوا منتصرين، والله أعلم. حزن النبي لموت جعفر: - من حديث عائشة قالت: "لما جاءت وفاة جعفر عرفنا في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - الحزن" (¬2) ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في الجهاد والسير باب استحقاق القاتل سلب القتيل حديث رقم: 1753، أبو داود في الجهاد باب في الإِمام يمنع القاتل السلب إن رأى وباب الفرس والسلاح من السلب حديث رقم: 2719، 2720، وأحمد في المسند: 6/ 26، 27، 28. (¬2) أخرجه البخاري في الجنائز باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن رقم: 1299، وانظر أرقام: 1305، 4263، ومسلم في الجنائز باب التشديد في النياحة: 2/ 644 - 645، رقم: 935، والنسائي في الجنائز باب النهي عن البكاء على الميت: 4/ 14 - 15، وأحمد في المسند انظر الفتح الرباني: 8/ 110 - 111، وأخرجه الحاكم في المستدرك:3/ 40 - 41، 3/ 209، وصححه ووافقه الذهبي، وانظر أسد الغابة: 1/ 293.

9 - منزلة القادة الشهداء

9 - منزلة القادة الشهداء: أ - إبدال جعفر بيديه جناحين في الجنة: 624 - عن عامر الشعبي قال: "كان ابن عمر إذا حيا ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين" (¬1). 625 - ومن حديث ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (رأيت جعفر بن أبي طالب ملكًا في الجنة مضرجة قوادمه بالدماء يطير في الجنة) (¬2). والرواية الثانية عن ابن عباس، إسنادها جيد (إن جعفرًا يطير مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه). ب - زيد بن حارثة رضي الله عنه: 626 - من حديث بريدة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (دخلت الجنة، فاستقبلتني جارية شابة، فقلت: لمن أنت؟ قالت: أنا لزيد بن حارثة) (¬3). فضيلة الأمراء الثلاثة مجتمعين: 627 - في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (بينما أنا نائم إذا أتاني رجلان، فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلًا وعرًا، فقالا: اصعد، فقلت: (لا أطيقه). فقالا: أنا سنسهله لك. قال: فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة، فقلت: (ما هؤلاء الأصوات؟) فقالا: عواء أهل النار ثم انطلقا بي، فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب جعفر حديث رقم: 3709، وفي المغازي باب غزوة مؤتة حديث رقم: 4264، والطبراني في الكبير برقم: 1474، وأحمد في الفضائل برقم: 1684. (¬2) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 209، وله طريق أخرى عند الطبراني في الكبير برقم: 1466، والحاكم، وإسناده جيد، وقال الهيثمي في الزوائد: 9/ 272، رواه الطبراني بإسنادين، أحدهما حسن وقال الحافظ في الفتح: 7/ 76، إسناده جيد، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند الترمذي: 3767، المناقب باب مناقب جعفر وعند الحاكم: 3/ 209، وفي سنده ضعيف هو عبد الله بن جعفر المدني، وقال الحافظ في الفتح، ولحديث أبي هريرة؛ طريق ثانية أيضًا عند الترمذي والحاكم إسنادها قوي على شرط مسلم، فتح الباري: 7/ 76، قلت: وللحديث شواهد أخرى أوردها ابن سعد في الطبقات: 4/ 25/ 27، يصح بها الحديث والله أعلم. (¬3) ذكره صاحب كنز العمال بأرقام: 33299، 33302، ونسبه إلى الروياني، والضياء في المختارة، وابن عساكر، وقال الذهبي: إسناده حسن، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة برقم: 1859.

10 - رعاية الرسول عليه الصلاة والسلام لآل جعفر وأمر النبي بأن يصنع لأهل الميت طعام

مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دمًا، فقلت: ما هؤلاء؟ فقالا: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. فقال: خابت اليهود والنصارى" قال سليم "يعني بن عامر الخبائري الراوي عن ابن أمامة": سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم رأيه". (ثم انطلقا بي، فإذا قوم أشد شيء انتفاخًا، وأنتن شيء ريحًا كأن ريحهم المراحيض، قلت: (من هؤلاء؟) قالا: هؤلاء قتلى الكفار، ثم انطلقا بي، فإذا بقوم أشد انتفاخًا وأنتن شيء ريحًا كأن ريحهم المراحيض، قلت: (من هؤلاء؟) قالا: هؤلاء الزانون والزواني. ثم انطلقا بي، فإذا بنساء ينهشن ثُديهن الحيات، فقال: (ما بال هؤلاء؟) قالا: هؤلاء اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن، ثم انطلقا بي، فإذا بغِلمان يلعبون بين بحرين قلت: من هؤلاء؟ قالا: هؤلاء ذراري المؤمنين. ثم أشرفا بي شرفًا، فإذا بنفر ثلاثة يشربون من خمر لهم فقلت: من هؤلاء؟ قالا: هذا جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة، ثم أشرفا شرفًا آخر فإذا أنا بنفر ثلاثة، فقلت: من هؤلاء؟ قالا: هذا إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وهم ينتظرونك) (¬1). 10 - رعاية الرسول عليه الصلاة والسلام لآل جعفر وأمر النبي بأن يصنع لأهل الميت طعام: 628 - من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: "لما جاء نعي جعفر قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اصنعوا لأهل جعفر طعامًا، فإنه قد جاءهم ما يشغلهم) (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني برقم: 7666، 7667، وابن خزيمة برقم: 1986، والحاكم مختصرًا: 1/ 430، والبيهقي: 4/ 216، والنسائي في الكبرى كما في التحفة: 4/ 166، وابن حبان رقم: 1800 موارد، وصححه الحاكم على شرط مسلم، وواففه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع: 1/ 76 - 77 رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح، وأخرجه أبو زرعة الرازي في كتاب دلائل النبوة بإسنادين عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال سمعت سليم بن عامر الخبائري يقول: أخبرني أبو أمامة الباهلي، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله. قلت: وأحد الإسنادين رجاله ثقات، بل وإسناده صحيح" انظر سيرة ابن كثير: 3/ 490، 491. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 205، الترمذي في الجنائز باب في الطعام يصنع لأهل الميت حديث رقم: 988، وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود في الجنائز باب صنع الطعام لأهل الميت حديث رقم: 3132، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في الطعام يبعث لأهل الميت حديث رقم: 1610، البيهقي: 4/ 61، الشافعي في مسنده: 1/ 208، وفي الأم: 1/ 274، والحاكم في المستدرك: 1/ 372، وصححه ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

629 - ومن حديث عبد الله بن جعفر أيضًا قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشًا استعمل عليه زيد بن حارثة وقال: (فإن قتل زيد، فأميركم جعفر، فإن قتل، واستشهد، فأميركم عبد الله بن رواحة)، فلقوا العدو فأخذ الراية زيد، فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية جعفر، فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد، ففتح الله عليه. وأتى خبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخرج إلى الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: (إن إخوانكم لقوا العدو، وإن زيدًا أخذ الراية، فقاتل حتى قتل، أو استشهد، ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب، فقاتل حتى قتل، أو استشهد، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل، واستشهد ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد، ففتح الله عليه). فأمهل ثم أمهل آل جعفر ثلاثًا أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: (لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا إلى بني أخي)، قال: فجيء بنا كأنا أفرخ، فقال: (ادعوا إليَّ الحلاق فجيء بالحلاق، فحلق رؤوسنا ثم قال: (أما محمَّد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خلقي وخُلقي)، ثم أخذ بيدي فأشالها (¬1)، فقال: (اللهم اخلف جعفرًا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه). قالها ثلاث مرات، قال: فجاءت أمنا تفرح له (¬2). فقال: (العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة) صلى الله عليه وآله وسلم (¬3). ¬

_ (¬1) أشالها: رفعها. (¬2) تفرح له: أي كأنها أردات أن أباهم توفي ولا عشيرة لهم. (¬3) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 402، وإسناد صحيح على شرط مسلم، وروى أبو داود في كتاب الترجل باب في حلق الرأس حديث رقم: 4192، هو والنسائي في السنن الكبرى بعض من قوله وأمهل آل جعفر ثلاثًا وقال الهيمثي في المجمع: 6/ 156، 157: رواه أحمد، والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح، وانظر تحفة الأشراف، حديث رقم: 5216، 4/ 300.

المبحث السابع عشر: سرية ذات السلاسل

المبحث السابع عشر: سرية ذات السلاسل 1 - وقتها: كانت هذه السرية في جمادى الثانية سنة ثمان للهجرة كما قال ابن سعد والجمهور، ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها كانت بعد غزوة مؤتة، إلا أن ابن إسحاق قال: إنها قبلها" (¬1). وقال ابن إسحاق عن يزيد عن عروة: هي بلاد بكى وعُذرة، وبنى القين. وهذه القبائل التي ذكرها هي بطون من قضاعة كما قال الحافظ في الفتح. 2 - إمرة عمرو بن العاص على هذه السرية وفيها أبو بكر وعمر: 630 - من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "بعث إليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (خذ عليك ثيابك، وسلاحك، ثم ائتني)، فأتيته، وهو يتوضأ، فصعَّد فيَّ النظر، ثم طأطأ، فقال: (إني أريد أن أبعثك على جيش (¬2) فيسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك من المال رغبة صالحة)، قال: قلت: يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال، ولكني سلمت رغبة في الإِسلام، وأن أكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا عمرو نعم المال الصالح للمرء الصالح) (¬3). 631 - من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه في ذات السلاسل، فسأله أصحابه أن يوقدوا نارًا فمنعهم، فكلموا أبا بكر، فكلمه في ذلك، فقال: لا يوقد أحد منهم نارًا إلا قذفته فيها، قال: فلقوا العدو فهزمهم، فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم. ¬

_ (¬1) انظر فتح الباري: 8/ 74، المغازي باب غزوة ذات السلاسل، الفتح الرباني: 21/ 139، زاد المعاد: 3/ 386، وقيل: إنها سميت ذات السلاسل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا، وقيل لأنها بها ماءً يقال له السلسل، وقال ابن سعد: إنها وراء وادي ذي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام. كذا قال. (¬2) جيش: جيش سرية ذات السلاسل. (¬3) أخرجه ابن حبان كما في الموارد: 2277، وأحمد في المسند: 4/ 197، 202، والبخاري في الأدب المفرد رقم: 299، والحاكم في المستدرك: 2/ 2، 236، والقضاعي في مسند الشهاب رقم: 1315، وصححه الحاكم وواففه الذهبي، وقال الحافظ في الفتح: 8/ 75 تعليقًا على حديث رقم: 4358، رواه أحمد والبخاري في الأدب وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم، وقال الهيثمي في المجمع: 8/ 352، 353: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وأبو يعلى، ورجال أحمد وأبو يعلى رجال الصحيح.

3 - صلاته بأصحابه وهو على جنابة بعد أن تيمم

فلما انصرفوا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأله فقال: كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارًا فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد، فحمد أمره فقال: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: (عائشة). قلت: من الرجال: قال: (أبوها): قلت: ثم من؟ قال: (عمر) فعد رجالًا. فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم" (¬1). 3 - صلاته بأصحابه وهو على جنابة بعد أن تيمم: 632 - من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا) (¬2). وفي لفظ آخر"عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص: "أن عَمرًا كان على سرية، فأصابهم برد شديد لم يروا مثله، فخرج لصلاة الصبح، فقال: احتلمت البارحة، ولكني والله ما رأيت بردًا مثل هذا، فغسل مغابنه (¬3)، وتوضأ للصلاة، ثم صلى بهم، فلما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه: (كيف وجدتم عمرًا وصحابته؟) فأثنوا عليه خيرًا، وقالوا: يا رسول الله صلى بنا وهو جنب، فأرسل إلى عمرو فسأله: فأخبره بذلك وبالذي لقي من ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في المناقب باب فضل عائشة رقم: 3886، وابن حبان كما في الإحسان: 7/ 36، رقم: 4523، وأخرجه مختصرًا البخاري في فضائل الصحابة باب قول النبي لو كنت متخذًا خليلًا رقم: 3662، والمغازي رقم: 4358، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضل أبي بكر الصديق رقم: 2384، والترمذي رقم: 3885، والبيهقي: 10/ 233، وأحمد في فضائل الصحابة رقم: 1637، والحاكم: 4/ 12، وأحمد في المسند: 4/ 203. أخرجه ابن راهويه والحاكم في المتسدرك: 3/ 42 - 43، وصححه، ووافقه الذهبي من حديث بريدة كما قال الحافظ في الفتح: 8/ 75. (¬2) أخرجه أبو داود في الطهارة باب إذا خاف الجنب من البرد أيتيمم حديث رقم: 334، 335، البيهقي: 1/ 225، 226، وعلقه البخاري: 1/ 385، وقواه الحافظ وصححه الحاكم: 1/ 177، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان: 202 موارد وحسنه المنذري، وأخرجه الدارقطني: 1/ 179، وأحمد في المسند: 4/ 203 - 204، قلت: والحديث إسناده صحيح. (¬3) المغابن: الأرفاع وهي بواطن الأفخاذ عند الحوالب.

البرد، وقال: إن الله قال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (¬1) ولو اغتسلت مت، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". سؤاله للنبي من أحب الناس إليك: 633 - من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: (عائشة)، فقلت: من الرجال؟ قال: (أبوها). قلت: ثم من؟ قال: (ثم عمر بن الخطاب) فعد رجالًا" (¬2). ¬

_ (¬1) النساء: 28. (¬2) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة في فضائل أبي بكر لو كنت متخذًا خليلًا حديث رقم: 3662، وفي المغازي باب غزوة ذات السلاسل حديث رقم: 4358، مسلم في صحيحه حديث رقم: 2384، أحمد في المسند 4/ 203، الترمذي حديث رقم: 3885.

الفصل التاسع الأحداث من فتح مكة إلى غزوة تبوك

الفصل التاسع الأحداث من فتح مكة إلى غزوة تبوك المبحث الأول: غزوة الفتح الأعظم فتح مكة 1 - سببها: 634 - قال محمَّد بن إسحاق في المغازي: حدثني الزهري عن عروة بن الزبير، عن المسور بن محزمة ومروان بن الحكم أنهما حدثاه جميعًا قالا: "كان في صلح رسول الله يوم الحديبية بينه وبين قريش أنه من شاء يدخل في عقد محمَّد وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل" فتواثبت خزاعة، فقالوا: نحن ندخل في عقد محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وعهده، وتواثبت بنو بكر، فقالوا: نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم، فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة والثمانية عشر شهرًا. ثم إن بني بكر الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم، وثبوا على خزاعة الذين دخلوا في عقد رسول الله وعهده ليلًا بماء لهم يقال له: الوتير قريب من مكة، فقالت قريش: ما يعلم بنا محمَّد، وهذا الليل وما يرانا أحد، فأعانوهم بالكراع والسلاح، فقاتلوهم معه للطعن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن عمرو بن سالم ركب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر وقد قال أبيات شعر، فلما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنشده إياها: يا رب إني ناشد محمدًا ... حلف أبينا وأبيه ألا تلدا (¬1) قد كنتم ولدًا وكنا والدًا .. . ثمت أسلمنا فلم ننزع يدًا (¬2) فانصر رسول الله نصرًا أعتدا (¬3) ... وادع عباد الله يأتوا مددًا (¬4) ¬

_ (¬1) الأتلد: القديم. (¬2) وننزع يدًا: لم ننقض عهدنا فنرجع عن الإِسلام. (¬3) نصرًا أعتدا: أي حاضرًا. (¬4) المدد: العون.

فيهم رسول الله قد تجردا ... أن سيم خسفًا وجهه تربدًا (¬1) في فيلق (¬2) كالبحر يجري مزبدًا ... أن قريشًا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا ... وزعموا أن لست أدعو أحدًا فهم أذل وأقل عددًا ... قد جعلوا لي بكداء مرصدًا (¬3) هم بيتونا بالوتير هجدًا ... وقتلونا ركعًا وسجدًا (¬4) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نصرت يا عمرو بن سالم)، فما برح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرت عنانة في السماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب) (¬5). 635 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن قائد خزاعة قال: اللهم إني ناشد محمدًا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا انصر هداك الله نصرًا أعتدًا ... وادع عباد الله يأتوا مددًا (¬6) ¬

_ (¬1) سيم خسف: طلب منه وكلفه، الخسف: الذل، تربد: تغير. (¬2) الفيلق: الجيش. (¬3) كداء: موضع بمكة، الرصد: الذي يترصد للأمر ويطلبه، أو الكمين. (¬4) الوتير: اسم ماء، هجد: جمع هاجد ويطلق على النائم أو المستيقظ. (¬5) أخرجه ابن إسحاق في المغازي، وسنده صحيح، ورجاله ثقال صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، انظر الإصابة في تمييز الصحابة: 2/ 529، ترجمه عمرو بن سالم رقم: 5837، ابن كثير في السيرة: 3/ 526، 527، البيهقي في دلائل النبوة: 5/ 5 - 7، وانظر الحديث بطوله هناك فإن فيه قدوم أبي سفيان بن حرب لتجديد العقد، وموقف الصحابة رضوان الله عليهم منه، ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعمية الأخبار عن قريش، ولهذا الحديث شاهد من حديث ميمونة بنت الحارث أخرجه الطبراني في المعجم الصغير حديث رقم:968، الروض الداني إلي معجم الطبراني وإسناد ضعيف، وفي الكبير: 23/ 433. وله شاهد من حديث عائشة قال الهيثمي في المجمع: 6/ 161، 162، رواه أبو يعلى عن حزام بن هشام عن أبيه عن عائشة وقد وثقهما ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح وقد ضعف هذه الحادثة غير واحد لأنهم لم يطلعوا على إسنادها، فهذا الإسناد كما أوردناه في بداية الحادثة وبذلك يزول سبب التضعيف والحمد لله. (¬6) كشف الأستار عن زوائد البزار حديث رقم: 1817، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 162، رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير محمَّد بن عمرو، وحديثه حسن، البيهقي دلائل النبوة: 5/ 13، وحسنه الحافظ في الفتح: 7/ 520، ورواه ابن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلًا، ومن طريق عكرمة مرسلًا.

2 - وقتها

2 - وقتها: كانت غزوة الفتح سنة ثمان للهجرة والذي اتفق عليه أهل السير أنه خرج - صلى الله عليه وسلم - في عاشر رمضان ودخل مكة لتسع عشرة ليلة خلت منه (¬1). 636 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في رمضان من المدينة، ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم، ويصومون، حتى بلغ الكديد -وهو ماء بين عسفان وقديد- أفطر وأفطروا" (¬2). 3 - رسالة حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة: 637 - من حديث علي رضي الله عنه قال: "بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوا منها، قال: فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها. فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة -إلى ناس بمكة من المشركين- يخبرهم ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا حاطب ما هذا؟) قال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرءًا ملصقًا في قريش -يقول: كنت حليفًا- ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم بها قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من ¬

_ (¬1) فتح الباري: 4/ 181، قلت: ومما يؤيد أن خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لعشر خلون من رمضان سنة ثمان للهجرة قوة، ما جاء عن ابن عباس أيضًا قال: "ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسفره واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن الحصين بن عتبة بن خلف الغفاري وخرج لعشر مضين من رمضان ... " فذكر الحديث، أورده ابن إسحاق في المغازي، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 164، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع فالحديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي: باب غزوة الفتح من رمضان حديث رقم: 4276، وانظر أرقام: 1948، 1944، 4279، مسلم في الصيام باب جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر في غير رخصة حديث رقم: 1113، الموطأ: 1/ 294، النسائي في الصيام باب الرخصة للمسافر أن يصوم بعضًا ويفطر بعضًا: 4/ 189، وأحمد في المسند: 1/ 259، 291، 325، أبو داود في الصوم: 2404، باب الصوم في السفر، والبيهقي في الصيام: 4/ 243، باب الرخصة في الصوم، والطحاوي في الصيام: 2/ 64، 65، باب الصيام في السفر، وصححه ابن خزيمة: 2036 وابن حبان برقم: 3560، الدرامي: 2/ 9؛ الصيام باب الصوم في السفر، عبد الرزاق في الصيام: 7762، باب السفر في شهر رمضان، الحميدي رقم: 514، الطيالسي في الصوم: 1/ 190 برقم: 915.

4 - كتمان الرسول وجهته عن أصحابه

النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون قرابتي، رقم أفعله ارتدادًا عن ديني ولا رضًا بالكفر بعد الإِسلام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما إنه قد صدقك). فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: (إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرًا قال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم)، فأنزل الله السورة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} إلى قوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (¬1) (¬2). 4 - كتمان الرسول وجهته عن أصحابه: 638 - قال محمَّد بن إسحاق: حدثني محمَّد بن جعفر عن عروة عن عائشة: "أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تغربل حنطة، فقال: ما هذا؟ أمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجهاز؟ قالت: نعم فتجهز، قال: وإلى أين؟ قالت: ما سمى لنا شيئًا غير أنه قد أمرنا بالجهاز" (¬3). 5 - تأمير أبو رهم الغفاري على المدينة: 639 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسفره، واستخلف على المدينة أبارهم كلثوم بن الحصين بن عتبة بن خلف الغفاري، وخرج لعشر مضين من رمضان فصام رسول الله وصام الناس معه حتى إذا كانوا بالكديد بين عسفان وأمج أفطر ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين" (¬4). ¬

_ (¬1) سورة الممتحنة: 1. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب فضل من شهد بدرًا رقم:3983، وفي باب غزوة الفتح رقم: 4274، والبخاري في الجهاد رقم: 3007، ومسلم فضائل الصحابة باب من فضائل أهل بدر حديث رقم: 2494، أبو داود في الجهاد باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلمًا: 2650، 2651، الترمذي في التفسير باب ومن سورة الممتحنة حديث: 3305، والنسائي في الكبري كما في تحفة الأشراف حديث رقم: 10227، والطبري في تفسيره: 28/ 58، أحمد في المسند: 1/ 80، والحميدي رقم: 49 من طرق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، وقد جاء من حديث جابر عند أحمد بإسناد على شرط مسلم مخنصرًا انظر الفتح الرباني: 21/ 148. (¬3) أخرجه ابن إسحاق في المغازي بسند صحيح رجاله ثقات، وقد صرح بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه، ابن كثير في السيرة النبوية: 3/ 535، وقد جاء من طريق أخرى عن عائشة وقال الهيثمي: 6/ 161 - 162، رواه أبو يعلى عن حزام بن هشام بن حبيش عنها، وقد وثقهما ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح، وله شاهد من حديث ميمونة عند الطبراني في الصغير: 968، بإسناد ضعيف. (¬4) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 164: في الصحيح طرف منه في الصيام، رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وصرح بالسماع، سيرة ابن هشام: 2/ 399 - 400.

6 - قصة إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية

6 - قصة إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية: 640 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عام الفتح حتى نزل مر الظهران، في عشرة آلاف من المسلمين، فسبعت سليم وألَّفت مزينة، وفي كل القبائل عدد وإسلام، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المهاجرون والأنصار فلم يتخلف عنه منهم أحد. وقد عميت الأخبار على قريش فلا يأتيهم خبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يدرون ما هو صانع، وكان أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثنية العقاب فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فقالت: يا رسول الله ابن عمك، وابن عمتك، وصهرك، فقال: (لا حاجة لي فيهما أما ابن عمي، فهتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري، فهو الذي قال لي بمكة ما قال). فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بن الحارث ابن له فقال: والله ليأذنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشًا أو جوعًا، فلما بلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لهما، فدخلا عليه، فأنشده أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره مما كان مضى فيه فقال: لعمرك إني يوم أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمَّد لكالمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا أوان الحق أهدي وأهتدي فقل لثقيف لا أريد قتالكم ... وقل لثقيف تلك عندي فأوعدي هداني هاد غير نفسي ودلني ... إلى الله من طردت كل مطرد أفر سريعًا جاهدًا عن محمد ... وأدعى وإن لم أنتسب لمحمد هم عصبة من لم يقل بهواهم ... وإن كان ذا رأي يلم ويفند أريد لأرضيهم ولست بلاقط ... مع لقوم ما لم أهد في كل مقعد فما كنت في الجيش الذي نال عامرًا ... ولا كلَّ عن خير لساني ولا يدي قبائل جاءت من بلاد بعيدة ... توابع جاءت من سهام وسردد وإن الذي أخرجتم وشتمتم ... سيسعى لكم سعي امرء غير مقدد

7 - نزول النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وإيقاد النيران الكثيرة

فلما أنشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الله من طردت كل مطرد، ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدره، فقال: (أنت طردتني كل مطرد) (¬1). 7 - نزول النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وإيقاد النيران الكثيرة: 641 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعدما ذكر قصة إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أمية بن المغيرة ... " ... فلما نزل رسول الله بمر الظهران قال العباس: واصباح قريش، والله لئن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة قبل أن يستأمنوه إنه لهلاك قريش آخر الدهر. قال: فجلست على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيضاء، فخرجت عليها حتى جئت الأراك، فقلت: لعلي ألقى بعض الحطابة أو صاحب لبن، أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة، قال: فوالله إني لأسير عليها، وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل به ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كاليوم قط نيرانًا ولا عسكرًا، قال: يقول بديل: هذه والله نيران خزاعة قد حمشها الحرب فقال أبو سفيان: خزاعة والله أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 43 - 44، هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقد جدت قصة إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أمية بن أبي المغيرة من رواية أخرى عن ابن عباس دون ذكر الشعر رواها الطبراني، ورجالها رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 164 - 167، في حديث طويل ذكر في سياقه قصة أسر أبي سفيان بن حرب وإسلامه وإعطائه الأمان من الرسول - عليه السلام -، وأخرجه البيهقي في الدلائل: 5/ 27 - 28، والإسناد صحيح صرح ابن إسحاق بالتحديث، وسيأتي لفظ ذلك كله في مكانه. (¬2) رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 6/ 164 - 167، وانظر المطالب العالية حديث رقم: 4362 حيث قال: أخرجه إسحاق بن راهويه، وقال ابن حجر: هذا حديث صحيح. وأخرج البخاري من مرسل عروة في المغازي باب ابن ركز النبي الراية يوم الفتح حديث رقم: 4280، وابن سعد في الطبقات: 2/ 134 - 135، والبيهقي في الدلائل: 5/ 33 - 35، وفيه مراجعه أبو سفيان لبديل بن ورقاء في كثرة النيران والقبض على أبي سفيان وورود الكتائب عليه ... سيرة ابن هشام: 2/ 399 - 405.

8 - إسلام أبي سفيان، وإعطاؤه الأمان

8 - إسلام أبي سفيان، وإعطاؤه الأمان: 642 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو جزء من الحديث السابق وتكملة له قال: " ... فقال أبو سفيان: خزاعة والله أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها فقلت: يا أبا حنظلة، تعرف صوتي؟ فقال: أبو الفضل؟ قلت: نعم، قال: ما لك فداك أبي وأمي؟ فقلت: هذا والله رسول الله في الناس، واصباح قريش! قال: فما الحيلة، فداك أبي وأمي؟ قال: قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب عجز هذه البغلة، فركب، ورجع صاحباه، فخرجت به فكلما مررت بنار من نيران المسلمين، فقالوا: ما هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها عمه قالوا: هذه بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها عمه، حتى مررنا بنار عمر بن الخطاب فقال: من هذا؟ وقام إلي فلما رآه على عجز البغلة عرفه، فقال: والله عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك، فخرج يشتد نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل، ورفعت البغلة فسبقته بقدر ما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء، فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل عمر. فقال: هذا عدو الله أبو سفيان قد أمكن الله منه، في غير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه، فقلت: قد أجرته يا رسول الله، ثم جلست إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذت برأسه، فقلت: والله لا يناجيه الليلة رجل دوني، فلما أكثر عمر، قلت: مهلًا يا عمر، فوالله لو كان رجلًا من بني عدي ما قلت هذا، ولكنه من بني عبد مناف، فقال: مهلًا يا عباس، لا تقل هذا، فوالله لإسلامك حين أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب أبي لو أسلم، وذلك أني عرفت أن إسلامك أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا عباس اذهب به إلى رحلك، فهذا أصبحت فائتنا به). فذهبت به إلى الرحل، فلما أصبحت غدوت به، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟) فقال: بأبي وأمي ما أحلمك، وأكرمك، وأوصلك، وأعظم عفوك، لقد كاد أن يقع في نفسي أن لو كان إله غيره لقد أغنى شيئًا بعد، فقال: (ويحك يا أبا سفيان: ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟) فقال: بأبي وأمي ما أحلمك، وأكرمك وأوصلك، وأعظم عفوك، أما هذا فكان في النفس منها حتى الآن شيء.

قال العباس: فقلت: ويلك أسلم، واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قبل أن يضرب عنقك، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، قال العباس: فقلت: يا رسول الله! إن أبا سفيان يحب الفخر، فاجعل له شيئًا، فقال: نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن). فلما انصرف إلى مكة ليخبرهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (احبسه بمضيق من الوادي عند حطم الخيل (¬1)، حتى تمر به جنود الله). فحبسه العباس حيث أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمرت القبائل على ركابها، فكلما مرت قبيلة، قال: من هذه؟ فأقول: بنو سليم، فيقول: ما لي ولبني سليم، ثم تمر أخرى فيقول: ما هؤلاء؟ فأقول: مزينة، فيقول: ما لي ولمزينة، فلم يزل يقول ذلك حتى مرت كتيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخضراء (¬2)، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق (¬3)، قال: من هؤلاء؟ فقلت: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار، فقال: ما لأحد بهؤلاء قبل (¬4)، والله لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم لعظيم، فقلت: ويحك يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال: فنعم إذا، فقلت: النجاء إلى قومك. فخرج حتى أتاهم بمكة، فجعل يصيح بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمَّد، قد أتاكم بما لا قبل لكم به، فقامت امرأته هند بنت عتبة، وأخذت بشاربه فقالت: اقتلوه الحميث (¬5) الدسم (¬6) فبئس طليعة قوم، فقال أبو سفيان: لا يغرنكم هذه من أنفسكم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقالوا: ويحك ما تغني عنا دارك. قال: ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد" (¬7). ¬

_ (¬1) حطم الخيل: أي، ازدحامها وفي رواية خطم الجبل: أي أنفه. (¬2) الكتيبة الخضراء: ما غلب عليها لبس الحديد، شبه سواده بالخضره، والعرب تطلق الخضرة على السواد. (¬3) الحدق: العيون. (¬4) قبل: طاقة ومقدرة. (¬5) الحميت: الزق. (¬6) الدسم الحمش: الأسود الدني. (¬7) انظر تخريجه في الحديث السابق فإنه جزء منه.

9 - لباس النبي عليه السلام أثناء دخوله مكة

9 - لباس النبي عليه السلام أثناء دخوله مكة: 643 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام" (¬1). 644 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة يوم الفتح، وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: (اقتله)، قال مالك: ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما نرى والله أعلم يومئذ محرمًا" (¬2). 644 - أ - وقد جاء أيضًا من حديث عمرو بن حريث "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوم فتح مكة يلبس عمامة حرقانية سوداء" (¬3). 10 - مقولة سعد بن عبادة وأخذ الراية منه: 645 - من مرسل عروة بن الزبير قال: " ... فلما سار قال للعباس: احبس أبا سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين، فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -: تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان، فمرت كتيبة فقال: يا عباس من هذه؟ فقال: هذه غفار، قال: ما لي ولغفار، ثم مرت جهينة، قال مثل ذلك، ثم مرت سعد بن هذيم، فقال مثل ذلك، ومرت سليم، فقال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها، قال: من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في الحج باب جواز دخول مكة بغير إحرام حديث: 1358، الترمذي في الجهاد باب ما جاء في الألوية حديث: 1679، ورقم: 1735، اللباس باب ما جاء في العمامة السوداء، أبو داود: 4076، اللباس باب في العمائم، والنسائي: 5/ 201، الحج باب دخول مكة بغير إحرام: 8/ 211، اللباس والزينة باب لبس العمائم السود، ابن ماجه: 2822، الجهاد باب لبس العمائم في الحرب، أحمد في المسند: 3/ 363، 387. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب أين ركز الراية حديث رقم: 4286، مسلم في الحج باب جواز دخول مكة بغير إحرام: 1357، أبو داود في الجهاد باب الأسير يقتل ولا يعرض عليه الإِسلام: 2685، الترمذي الجهاد باب ما جاء في المغفر: 1693، النسائي في الحج باب دخول مكة بغير إحرام: 5/ 201، ابن ماجه في الجهاد باب السلاح حديث رقم: 2805، الدارمي: 2/ 221. (¬3) أخرجه مسلم: 1359 الحج باب دخول مكة بغير إحرام، أبو داود: 4077، اللباس باب العمائم، النسائي: 8/ 211 الزينة، ابن ماجه حديث رقم: 1104، 2821، أحمد: 4/ 307.

11 - قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة

عليهم سعد بن عبادة معه الراية، فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة. فقال أبو سفيان: با عباس، حبذا يوم الذمار. ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب، فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وراية النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الزبير بن العوام، فلما مر رسول - صلى الله عليه وسلم - بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: (ما قال:) قال: قال كذا وكذا، فقال: (كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة) (¬1). 646 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "كان قيس "يعني ابن سعد بن عبادة" في مقدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة، فكلم سعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصرفه عن الموضع الذي فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك" (¬2). "والمذكور أن الرسول - عليه السلام - أخذ الراية من سعد بن عبادة وأمر عليًّا بنزعها منه، ثم ردها من علي بن أبي طالب إلى قيس بن سعد بن عبادة خشية تغير خاطر سعد، فأمر بدفعها لابنه، ثم إن سعد بن عبادة خشي أن يقع من ابنه شيء ينكره النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن يأخذها منه، فحينئذ أخذها الزبير" كذا قال الحافظ في الفتح في الجمع بين أقوال اختلفت فيمن كان يحمل الراية بعد سعد بن عبادة" (¬3). 11 - قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة: 647 - من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقته، وهو يقرأ سورة الفتح، وقال: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع" (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح حديث رقم: 4280، وله شاهد من حديث ابن عباس الذي أوردناه سابقًا وفيه ذكر مرور الكتائب إلا قول سعد رقم: 641، وجاء كذلك من مرسل ابن شهاب الزهريّ شبيهًا بقول عروة. (¬2) أخرجه البزار في كشف الأستار حديث رقم: 1819، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 175، رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ في الفتح: 8/ 9: إسناده على شرط البخاري. (¬3) الحافظ في فتح الباري: 8/ 9. (¬4) أخرجه البخاري في المغازي باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح حديث رقم: 4281، مسلم في صلاة المسافرين باب قراءة النبي سورة الفتح يوم فتح مكة حديث رقم: 794، أبو داود في الصلاة حديث رقم: 1476، الترمذي في الشمائل حديث رقم: 312، النسائي في الكبرى كما أشار إلى ذلك صاحب تحفة الأشراف حديث رقم: 9666.

12 - محاولات يائسة للتصدي لجيش المسلمين

12 - محاولات يائسة للتصدي لجيش المسلمين: 648 - من حديث عبد الله بن رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "وفدت وفود إلى معاوية: وذلك في رمضان، فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام، فكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: ألا أصنع طعامًا فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بطعام يصنع، ثم لقيت أبا هريرة من العشي، فقلت: الدعوة عندي الليلة. فقال: سبقتني. قلت: نعم. فدعوتهم. فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم؟ يا معشر الأنصار! ثم ذكر فتح مكة فقال: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين (¬1)، وبعث خالد على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسَّر (¬2)، فأخذوا بطن الوادي (¬3). ورسول الله في كتيبة. قال: فنظر فرآني فقال: (أبو هريرة)، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: فقال: (اهتف لي بالأنصار) (¬4) ولا يأتيني إلا أنصاري)، قال: فأطافوا به (¬5)، ووبشت قريش أوباشًا لها (¬6) وأتباعًا، فقالوا: نقدم هؤلاء. فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم) ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى (¬7): (حصدًا حتى توافوني بالصفا) قال: فانطلقنا. فما شاء أحد منا أن يقتل أحدًا إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا بشيء قال: فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله: أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) قال: فغلق الناس أبوابهم" (¬8). ¬

_ (¬1) المجنبتين: الميمنة والميسرة، والقلب يكون بينهما. (¬2) الحسر: الذين لا دروع لهم. (¬3) أخذوا بطن الوادي: جعلوا طريقهم في بطن الوادي. (¬4) اهتف لي بالأنصار: صح بهم وادعهم لي. (¬5) أطافوا به: أحاطوا به. (¬6) وبشت قريش أوباشًا لها: جمعت جموعًا من قبائل شتى. (¬7) قال بيديه: أشار إلى هيئتهم المجتمعة. (¬8) أخرجه مسلم في الجهاد باب فتح مكة حديث رقم: 1780، أبو داود في الخراج والإمارة والفيء باب خبر مكة حديث رقم: 3024 مختصرًا، النسائي في الكبرى كما أشار إلى ذلك صاحب تحفة الأشراف حديث رقم: 13561، وأحمد في المسند: 2/ 538، وما بين القوسين فالزيادات من رواية أحمد في المسند: 2/ 538، وابن أبي شيبة رقم: 18745 وأبو عوانة؛ 4/ 217، 229، أحمد في فضائل الصحابة رقم: 1425.

13 - مدخل الرسول عليه الصلاة والسلام مكة يوم الفتح

13 - مدخل الرسول عليه الصلاة والسلام مكة يوم الفتح: 649 - من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة) (¬1). وفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا، ودخوله من هذا المكان إنما كان تحقيقًا لقول صاحبه الشاعر المبدع حسان بن ثابت حين هجا قريش، وأخبرهم بأن خيل الله تعالى ستدخل من كداء، أذكر بعض الأبيات التي قالها والتي ذكرها الإِمام مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها: "قال حسان: هَجَوتَ مُحَمدًا فأجبتُ عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء هَجَوَت مُحمدًا برًّا تقيًّا ... رسول الله شيمته الوفاء فإن أبي ووالده وعرضي (¬2) ... لعرض محمَّد منكم وقاء (¬3) ثكلت بنيتي (¬4) إن لم تروها ... تثير النقع (¬5) من كتفي كداء (¬6) يبارين الأعنة (¬7) مصعدات (¬8) ... على أكتافها الأسل الظماء (¬9) تظل جيادنا متمطرات (¬10) ... تلطمهن بالخمر النساء (¬11) فإن أعرضتموا عنا اعتمرنا (¬12) ... وكان الفتح وانكشف الغطاء" (¬13) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعلى مكة حديث رقم: 4290، وأخرجه مسلم في الحج باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا حديث رقم: 1258، وأحمد في المسند، الفتح الرباني: 21/ 150. (¬2) عرض الرجل: أموره كلها التي يحمد بها ويذم. (¬3) وقاء: ما وقيت به الشيء حميته. (¬4) ثكلت بنيتي: الثكل، فقد الولد. (¬5) تثير النقع: ترفع الغبار وتهيجه. (¬6) كتفي كداء: جانبي كداء، وكداء ثنية على باب مكة. (¬7) يبارين الأعنة: يجذبن الأعنة كناية عن قوة نفوسها. (¬8) مصعدات: مقبلات إليكم ومتوجهات. (¬9) الأسل الظماء: الأسل: الرماح، الظماء: الرقاق. (¬10) تظل جيادنا متمطرات: تظل خيولنا مسرعات بسبق بعضها بعضًا. (¬11) تلطمهن بالخمر النساء: يضربن الخيل بخمرهن. (¬12) اعتمرنا: أدينا العمرة. (¬13) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل حسان بن ثابت حديث رقم: 2490.

14 - أين ركزت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح

ومما يؤيد ما ذكرت ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح رأى النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسم إلى أبي بكر فقال: (يا أبا بكر كيف قال حسان)، فأنشده قوله: عدمت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء ينازعن الأسنة مسرجات ... يلطمهن بالخمر النساء فقال: أدخلوها من حيث قال حسان" (¬1). 14 - أين ركزت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: ركزت راية النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح بالحجون كما جاء في مرسل عروة بن الزبير الذي رواه الإِمام البخاري في صحيحه (¬2). 15 - إهدار دم بعض المشركين يوم الفتح: 650 - من حديث أنس رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر، فلما وضعه عن رأسه قيل: هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة قال: (اقتلوه) (¬3). 651 - من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلم يوم فتح مكة: (الناس آمنون غير عبد العزى بن خطل) (¬4). 652 - من حديث مصعب بن سعد عن ابن سعد بن أبي وقاص قال: "لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس ألا أربعة نفر وامرأتين، وقال: (اقتلوهم، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة، عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح). فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث، وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عمارًا، وكان أشب الرجلين، فقتله، ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي بإسناد حسن كما قال الحافظ في فتح الباري: 8/ 10، انظر دلائل البيهقي: 5/ 66. (¬2) سبق تخريجه: 641، 645. (¬3) سبق تخريجه حديث رقم: 644. (¬4) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 423، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 6/ 175، رواه أحمد، والطبراني، ورجال أحمد ثقات.

وأما مقيس بن صبابة، فأدركه الناس في السوق فقتلوه. وأما عكرمة، فركب البحر، فأصابتهم عاصف، فقال أصحاب السفينة أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا ها هنا. فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك علي عهدًا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حتى أضع يدي في يده، فلأجدنه عفوًا كريمًا فجاء فأسلم. وأما عبد الله بن سعد بن أبي السرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله بايع عبد الله قال: فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثًا كل ذلك يأبي، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: (أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته، فيقتله)، فقالوا: وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك هلا أومأت إلينا بعينك، قال: (إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة أعين) (¬1). 653 - من حديث أم هانئ رضي الله عنها قال: "ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره، قالت: فسلمت عليه فقال: (من هذه؟) فقلت: أنا أم هانئ، بنت أبي طالب، فقال: (مرحبًا بأم هانئ). فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفًا في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلًا قد أجرته فلان بن هبيرة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) قالت: أم هانئ وذاك ضحى) (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في تحريم الدم باب حكم المرتد: 7/ 105 - 106، أبو داود في الجهاد باب قتل الأسير، ولا يعرض عليه الإِسلام حديث رقم:2683، وفي الحدود باب حكم من ارتد: 4359، البيهقي في السنن: 7/ 40،البزار: 1821، والحاكم في المستدرك 3/ 45، وصححه ووافقه الذهبي، وأبو يعلى في المسند: 757، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 3/ 330، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 6/ 168، 169، رواه أبو داود وغيره باختصار، ورواه أبو يعلى والبزار، ورجالهما ثقات، قلت: ورجاله رجال الصحيح وقد جاء من حديث سعيد بن يربوع المخزومي شبيهًا بهذا اللفظ أخرجه أبو داود في الجهاد باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإِسلام، رقم: 2684، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 173، رواه الطبراني ورجاله ثقات. (¬2) أخرجه البخاري في الصلاة باب الصلاة في الثوب الواحد حديث رقم: 357، في الجزية والموادعة باب أمان النساء: 3171، مسلم في صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة الضحى حديث: 336، أبو داود في الجهاد باب أمان المرأة: 2763، الترمذي السير باب ما جاء في أمان المرأة والعبد: 1579، وقال حسن صحيح، ابن ماجه في الطهارة باب المنديل بعد الوضوء: 465، مالك في الموطأ: 1/ 152، قصر الصلاة باب صلاة الضحى، الدارمي: 2/ 234 - 235، النسائي في الكبرى كما أشار إلى ذلك في تحفة الأشراف حديث رقم: 18018، قلت: وعند ابن إسحاق أنهما رجلان من أحمائها أجارتهم فأجارهم عليه السلام (سيرة ابن هشام: 2/ 411).

16 - أذن الله لرسوله بالقتال في مكة ساعة من نهار

16 - أذن الله لرسوله بالقتال في مكة ساعة من نهار: 654 - عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: "ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولًا، قام به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به: إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد بها شجرًا، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها فقولوا له: إن الله أذن لرسول الله ولم يأذن لكم، وإنما أذن له فيه ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب). فقيل لأبي شريح، ماذا قال لك عمرو؟ قال: قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، أن الحرم لا يعيذ عاصيًا (¬1)، ولا فارًّا بدم (¬2)، ولا فارًّا بِخَرْبَةٍ (¬3) " (¬4). 17 - إزالة الأصنام من حول الكعبة: 655 - من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة يوم الفتح، وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: (جاء الحق، وزهق الباطل، جاء الحق، وما يبدى الباطل وما يعيد) (¬5). 656 - من حديث أبي هريرة الذي سبق جزء منه " ... قال: فغلق الناس ¬

_ (¬1) لا يعند عاصيًا: لا يجيره. ولا يعلمه. (¬2) ولا فارًّا بدم: من التجأ إليه هاربًا من سبب من الأسباب الموجبة للقتل. (¬3) ولا فارًّا بخربة: اللص المفسد في الأرض. (¬4) أخرجه البخاري في المغازي باب حدثني محمَّد بن بشار حديث رقم: 4295، مسلم في الحج باب تحريم مكة وصيدها الحديث 1354، والترمذي: 809، الحج باب ما جاء في حرمة مكة، والنسائي: 5/ 204 - 205 - 206، الحج باب تحريم القتال فيه، أحمد في المسند: 4/ 31، 32، وقد جاء شبيهًا بحديث أبي شريح حديث ابن عباس عند مسلم: 1353، النسائي: 5/ 203، وعن حديث أبي هريرة عند مسلم: 1355. (¬5) أخرجه البخاري في المغازي باب أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح: 4287، مسلم في الجهاد باب إزالة الأصنام من حول الكعبة: 1781، الترمذي كتاب التفسير ومن سورة بني إسرائيل: 3138، وابن حبان: 1702، مسند الحميدي: 1/ 46، الحديث: 86، وابن أبي شيبة في المصنف: 18752، وقد جاء مثله من حديث ابن عباس عند البزار رقم: 1825 وقال الهيثمي: 6/ 176، رواه الطبراني ورجاله ثقات ورواه البزار باختصار.

18 - مقولة الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم أدركته رأفة بقومه

أبوابهم قال: فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحجر، فاستلمه، ثم طاف بالبيت قال: وفي يده قوس أخذ بسية (¬1) القوس قال: فأتى في طوافة على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه قال: فجعل يطعن بها في عينه ويقول: (جاء الحق، وزهق الباطل)، قال: ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه" (¬2). 657 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: "دخلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة في البيت، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا تعبد من دون الله، قال: فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبت كلها لوجوهها، ثم قال: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (¬3) ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت فصلى ركعتين، فرأى فيه تمثال إبراهيم وإسماعيل وإسحق وقد جعلوا في يد إبراهيم الأزلام يستقسم بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قاتلهم الله، ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام)، ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزعفران فلطخه بتلك التماثيل" (¬4). 18 - مقولة الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم أدركته رأفة بقومه: 658 - من حديث أبي هريرة الذي سبقت أجزاء منه " ... قال ثم أتى الصفا، فعلاه حيث ينظر إلى البيت، فرفع يديه، فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره، ويدعوه، قال: والأنصار تحته، قال يقول بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء لم يخف علينا فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يقضي قال: فلما قضي الوحي رفع رأسه ثم قال: (يا معشر الأنصار قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته؟) قالوا: قلنا ذلك يا رسول الله، قال: (فما اسمي إذًا؟ كلا، إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم)، ¬

_ (¬1) بسية القوس: طرفها المنحني. (¬2) سبق تخريجه حديث: 648. (¬3) آية: 81 سورة الإسراء. (¬4) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف حديث رقم: 18751، وحسنه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية حديث رقم: 4364، وحسنه البوصيري أيضًا، وقد جاء قريبًا من هذا اللفظ من حديث ابن عباس عند البخاري حديث رقم: 3352، وأبو داود: 2027.

19 - صلاة النبي داخل الكعبة

قال: فأقبلوا إليه يبكون، ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله ورسوله، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فإن الله ورسوله ليصدقانكم ويعذرانكم) (¬1). 19 - صلاة النبي داخل الكعبة: 659 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفًا أسامة بن زيد، ومعه بلال، ومعه عثمان ابن طلحة من الحجبة حتى أناخ في المسجد، فأمره أن يأتي بمفتاح البيت، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعه أسامة ابن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فمكث فيه نهارًا طويلًا، ثم خرج فاستبق الناس، فكان عبد الله بن عمر أول من دخل، فوجد بلالًا وراء الباب قائمًا فسأله، أين صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟؛ فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه، قال عبد الله: فنسيت أن أسأله: كم صلى سجدة" (¬2). وقد جاء من حديث ابن عباس المروي في صحيح البخاري ومسلم وعند أحمد "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل في داخل الكعبة"، والصحيح والله أعلم أن المثبت مقدم على النافي والذين دخلوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - هم الذين رووا أنه صلى داخلها، وهم أعلم بذلك ممن لم يدخل معه وهو ابن عباس، وقال الإِمام النووي رحمه الله: "أجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال؛ لأنه مثبت فمعه زيادة علم فواجب ترجيحه" (¬3). وأما القول أن ابن عباس روى عدم الصلاة في الكعبة عن أخيه الفضل وهو ممن دخل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلعل الفضل قد اشتغل بالدعاء، ولذلك لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه في حديث: 648. (¬2) أخرجه البخاري في الجهاد باب الردف على الحمار حديث رقم: 2988، مسلم في الحج باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره حديث رقم: 1329، أبو داود في المناسك باب دخول الكعبة حديث رقم: 2023، النسائي في الحج باب دخول الببت: 5/ 216 - 217، ابن ماجه مناسك باب دخول الكعبة حديث رقم: 3063، أحمد في المسند انظر الفتح الرباني: 21/ 154. (¬3) الفتح الرباني: 21/ 156.

20 - إسلام والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

20 - إسلام والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه: 660 - من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "لما وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي طوى (¬1) قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده: أي بنية اظهري بي على أبي قبيس (¬2) قالت: وقد كف بصره، قالت: فأشرفت به عليه، قال: يا بنية، ماذا ترين؟ قالت: أرى سوادًا مجتمعًا، قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلًا يسعى بين ذلك السواد مقبلًا ومدبرًا، قال: يا بنية ذلك الوازع يعني الذي يأمر الخيل، ويتقدم إليها، ثم قالت: قد والله انتشر السواد، فقال: قد والله إذا دفعت الخيل، فأسرعي بي إلى بيتي، فأغطت به، وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته، وفي عنق الجارية طوق لها من ورق، فتلقاها رجل، فاقتطعه من عنقها. قالت: فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، ودخل المسجد أتاه أبو بكر رضي الله عنه بأبيه يقوده (¬3)، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه)، قال أبو بكر: يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه، قال: فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال له: (أسلم)، فأسلم، ودخل به أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورأسه كأنه ثغامة (¬4)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (غيروا هذا من شعره)، ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته، فقال: أنشد بالله وبالإِسلام طوق أختي فلم يجبه أحد فقال: يا أخية احتسبي طوقك" (¬5). ¬

_ (¬1) ذي طوى: موضع معروف قرب مكة. (¬2) اظهري بي على أبي قبيس: اصعدي بي على جبل أبي قبيس وهو جبل لأنه كان كفيف البصر. (¬3) يقوده: لأنه كان كفيف البصر. (¬4) ثغامة: نبت أبيض الزهر والثمر يشبه الشيب. (¬5) أخرجه ابن حبان في الموارد: 1700، وابن إسحاق في المغازي بسند صحيح رجاله ثقات سيرة ابن هشام: 2/ 405، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 173، 174، رواه أحمد، والطبراني، ورجالهما ثقات، والبيهقي في الدلائل: 5/ 95 - 96، والحاكم في المستدرك: 3/ 46 - 47، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي.

21 - قصة الرجل الذي قتلته خزاعة

21 - قصة الرجل الذي قتلته خزاعة: 661 - من حديث أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: "أذن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح في قتال بني بكر حتى أصبنا منهم ثأرنا وهو بمكة، ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برفع السيف فلقي رهط منا الغد رجلًا من هذيل في الحرم يؤم (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليسلم، وكان قد وترهم (¬2) في الجاهلية، وكانوا يطلبونه، فقتلوه، وبادروا أن يخلص إلى رسول الله، فيأمر (¬3). فلما بلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضب غضبًا شديدًا، والله ما رأيته غضب غضبًا أشد منه، فسعينا إلى أبي بكر وعلي رضي الله عنهما نستشفعهما، وخشينا أن نكون قد هلكنا، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قام، فأثنى على الله عزَّ وجلَّ بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ هو حرَّم مكة، ولم يحرمها الناس، وإنما أحلها لي ساعة من النهار أمس: وهي اليوم حرام كما حرمها الله عَزَّ وَجَلَّ أول مرة. وإن أعتى الناس على الله عزَّ وجلَّ ثلاثة: رجل قتل فيها، ورجل قتل غير قاتله، ورجل طلب بذحل في الجاهلية، وإني والله لأدينَّ (¬4) هذا الرجل الذي قتلتم) فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬5). 22 - مبايعته صلى الله عليه وسلم للناس يوم الفتح: 662 - من حديث مجاشع بن مسعود رضي الله عنه قال: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بأخي بعد الفتح، فقلت: يا رسول الله جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة، قال: (ذهب أهل الهجرة بما فيها)، فقلت: على أي شيء تبايعه؟ قال: (أبايعه على ¬

_ (¬1) يؤم: يقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليسلم عليه يديه. (¬2) وترهم: أصاب منهم جناية. (¬3) فيأمر: بادروا بقتله قبل أن يصل إلى رسول الله فيأمر بعدم قتله. (¬4) لأدين: أي سأدفع دينه لأولياء دمه. (¬5) سبق تخريجه حديث رقم: 654، قلت: وقد جاء من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده شبيها بهذا اللفظ قال الهيثمي: 6/ 177 رواه الطبراني، ورجاله ثقات، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم حديث رقم: 1355.

الإِسلام والإيمان والجهاد). قال أبو عثمان، فلقيت معبدًا بعد، وكان أكبرهما، فسألته: فقال: صدق مجاشع" (¬1). 663 - من حديث الأسود بن خلف رضي الله عنه: "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع الناس يوم الفتح قال: فجلس عند قرب دار سمرة، قال الأسود: فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس، فجاءه الناس الصغار والكبار والنساء، فبايعوه على الإِسلام والشهادة فقلت: فما الإِسلام قال: الإيمان بالله، فقلت: وما الشهادة؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله" (¬2). 664 - من حديث عائشة بنت قدامة رضي الله عنها قالت: "أنا مع أمي رائطة بنت سفيان الخزاعية، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع النسوة، ويقول: (أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئًا، ولا تسرقن ولا تزنين، ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، ولا تعصين في معروف)، قالت: فأطرقن: فقال لهن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قلن نعم فيما استطعتن)، فكن يقلن وأقول معهن، وأمي تلقنني قولي أي بنية فيما استطعت) (¬3). 665 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: (لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا) (¬4). 666 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "إن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت: يا رسول الله ما كان مما على ظهر الأرض أخباء، وأهل خباء -الشك من ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب وقال الليث حديث رقم: 4305، 4306، 4307، 4308، مسلم في صحيحه الإمارة باب المبايعة عند فتح مكة حديث رقم: 1863، أحمد في المسند: 3/ 469،468. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 415، 4/ 168، وسنده حسن، والحافظ في المستدرك: 3/ 296، ولم يتكلم عنه بشيء، وسكت عنه الذهبي، ورجاله ثقات. (¬3) أخرجه أحمد: 6/ 365، وسنده حسن، وانظر الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 351، ترجمة رقم: 811، وقال الحافظ بعد أن عزاه لأحمد: "ورويناه بعلو في المعرفة لابن منده من وجه آخر". (¬4) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد باب لا هجرة بعد الفتح حديث رقم: 3077، ومسلم في الجهاد والإمارة باب المبايعة بعد فتح مكة حديث رقم: 1353/ 85، ص: 3/ 1487، أبو داود في الجهاد باب الهجرة هل انقطعت حديث رقم: 2480، والترمذي في السير باب ما جاء في الهجرة حديث رقم: 1590، وقال حديث حسن صحيح، والنسائي في السنن الكبرى كما أشار إلى ذلك في تحفة الأشراف حديث رقم: 5748، قلت: وقد جاء بنفس المعنى واللفظ من حديث عائشة أخرجه البخاري حديث رقم: 3080، 3900، 4312، ومسلم في صحيحه رقم: 1864.

ابن بكير- أحب إلى أن يذلوا من أهل خبائك، أو أخبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء، أو أخباء أحب إلى أن يعزوا من أهل خبائك، أو أخباءك، قال رسول الله: (وأيضًا والذي نفسي محمَّد بيده)، قالت: يا رسول الله أن أبا سفيان رجل ممسك، فهل علي من حرج أن أطعم من الذي له؟ قال: (لا إلا بالمعروف) (¬1). 667 - عن أيوب قال: قال لي أبو قلابة ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته، فقال: "كنا بممر الناس، وكان يمر بنا الركبان، فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذاك الكلام فكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق. فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - حقًّا، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم فرآنًا. فنظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم، فاشتروا، فقطعوا لي قميصًا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الأيمان والنذور باب كيف كانت يمين رسول الله الحديث رقم: 6641، فتح الباري: 11/ 535، مسلم في الأقضية باب قضية هند حديث رقم: 1714، ص: 3/ 1339، أبو داود في البيوع والإجارة باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده حديث رقم: 3532، 3533، النسائي في الكبرى كما أشار إلى ذلك في تحفة الأشراف حديث رقم: 16633. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب 53، حدثنا الليث الحديث رقم: 4302، 8/ 22، أبو داود الصلاة باب من أحق بالأمة حديث رقم: 587، النسائي في الصلاة باب اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر: 2/ 9 - 10، باب والصلاة في الإزار: 2/ 70 - 71، وباب إمامة الغلام قبل أن يحتلم: 2/ 80 - 81.

23 - لا تغزى الكعبة بعد الفتح ولا يقتل قرشي صبرا بعده

23 - لا تغزى الكعبة بعد الفتح ولا يقتل قرشي صبرًا بعده: 668 - من حديث الحارث بن مالك بن برصاء الليثي رضي الله عنه أنه قال: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة يقول: (لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة) (¬1). 669 - من حديث عبد الله بن مطيع عن أبيه (¬2) أنه قال: (سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة يقول: (لا يقتل قرشي صبرًا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة (¬3)) (¬4). 24 - قصة مفتاح الكعبة: 670 - من حديث صفية بنت شيبة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل مكة، واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت، فطاف به سبعًا على راحلته، يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه، دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففتحت له، فدخلها، فوجد فيها حمامة من عيدان، فكسرها بيده، ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة، وقد استكف له الناس في المسجد" (¬5). ومن حديثها أيضًا: (أخبرتني امرأة من بني سليم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من الكعبة أمر عثمان بن طلحة أن يغيب قرني الكبش، يعني كبش الذبيح وقال: (لا ينبغي للمصلي أن يصلي، وبين يديه شيء يشغله) (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في السير باب ما جاء قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة أن هذه لا تغزى بعد اليوم حديث رقم: 1611، وقال: حسن صحيح، وأحمد في المسند: 3/ 412، 4/ 343، والبيهقي في الدلائل: 5/ 75، وإسناد هذا الحديث صحيح رجاله ثقات. قلت: انظر تخربج الحديث التالي. (¬2) مطيع هو: مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة بن عوف القرشي أخو مسعود بن الأسود المعروف بابن العجماء، والد عبد الله بن مطيع وكان اسمه العاص فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطيعًا" انظر صحيح مسلم: 3/ 1409، حديث رقم: 89. (¬3) لا يقتل قرشي صبرًا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة: قال العلماء: معناه الإعلام بأن قريشًا يسلمون كلهم ولا يرتد أحد منهم كما ارتد غيرهم بعده - صلى الله عليه وسلم -، فمن ارتد حورب وقتل صبرًا، وليس المراد أنهم لا يقتلون ظلمًا صبرًا، فقد جرى على قريش بعد ذلك ما هو معلوم. (¬4) أخرجه مسلم في الجهاد والسير باب لا يقتل قرشي صبرًا بعد الفتح حديث رقم: 1782، أحمد في المسند: 3/ 412 - 4/ 213، وقد جاء محمد أحمد زيادة في اللفظ (أنه لا تغزى الكعبة بعد اليوم ...) شبيهًا بالحدبث السابق المروي من حديث الحارث بن برصاء. (¬5) أخرجه ابن هشام في السيرة: 2/ 411 - 412، وسنده قوي، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، فزالت شبهة التدليس، وحسنه الحافظ في الفتح: 8/ 15، وأخرجه أبو داود: 1878 وحسنه المزي أيضًا. (¬6) أخرجه أحمد: 4/ 68، 5/ 380، وأبو داود: 2030، والحميدي: 565، والطبراني: 8396، وعبد الرزاق في المصنف رقم: 9083، من طريق سفيان عن منصور عن خاله مسافع عن صفية بنت شيبة".

25 - قصة المرأة المخزومية التي سرقت

25 - قصة المرأة المخزومية التي سرقت: 671 - من حديث عائشة رضي الله عنها: "أن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلمه أسامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أتشفع في حد من حدود الله؟) ثم قام فاختطب، فقال: (أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمَّد سرقت لقطعت يدها) (¬1). 26 - خطبته عليه الصلاة والسلام يوم الفتح: 672 - من حديث أبي شريح الخزاعي الذي سبق تخريجه وسأذكر الجزء الذي فيه الخطبة فقط: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا تحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فيها، فقولوا له: إن الله قد أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار. وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب) (¬2) وانظر لفظًا آخر للحديث برقم: 661، بشيء من الزيادة. 673 - ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما فتح الله عَزَّ وَجَلَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لن تحل لأحد كان قبلي، وإنها لن تحل لأحد بعدي. فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها ولا تحل ساقطتها (¬3)، إلا لمنشد (¬4). ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب ذكر أسامة بن زيد رقم: 3733، والمغازي باب مقام النبي بمكة زمن الفتح حديث رقم: 4304، مسلم في الحدود حديث رقم: 1688، والترمذي حديث رقم: 1430، الدارمي: 2/ 173، وابن ماجه حديث: 2547، والنسائي: 8/ 73، وابن سعد في الطبقات: 4/ 69 - 70، وأبو داود: 4373. (¬2) سبق تخريجه في الحديث رقم: 654، فانظره هناك. (¬3) ساقطتها: ما سقط فيها بغفلة مالكه. (¬4) المنشد: المعرف.

وإما أن يقتل). فقال العباس: إلا الاذخر يا رسول الله! فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إلا الإذخر) فقام أبو شاه -رجل من أهل اليمن- فقال: اكتبوا لي يا رسول الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اكتبوا لأبي شاة). قال: فقلت للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله). لفظ مسلم (¬1). 674 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح فتح مكة: (لا هجرة؛ ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم، فانفروا) (¬2). وقال يوم الفتح، فتح مكة (إن هذا البلد حرمه الله منذ خلق السموات والأرض. فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي. ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه (¬3)، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها (¬4). فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر (¬5). فإنه لقينهم (¬6) ولبيوتهم. فقال: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب اللقطة باب كيف تعرف لقطة مكة حديث رقم: 2434، ومسلم في كتاب الحج باب تحريم مكة وصيدها حديث رقم: 1355، أبو داود في الديات باب ولي العمد يرضى بالدية حديث رقم: 1405، والنسائي في القسامة والقود والديات باب هل يؤخذ من قاتل العمد الدية إذا عفا ولي المقتول عن القود: 8/ 38، وابن ماجه في الديات، باب من قتل له قتيل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث حديث رقم: 2624، قلت: وقد أخرجه الأربعة باختصار، وأخرجه البخاري ومسلم بهذا اللفظ المطول. (¬2) إذا استنفرتم فانفروا: إذا دعاكم السلطان إلى غزو فاذهبوا. (¬3) لا يعضد شوكة: لا يقطع. (¬4) ولا يختلى خلاها: الخلا هو الرطب من الكلأ. ومعناه لا يقطع ولا يؤخذ. (¬5) الأذخر: قال العلايلي في معجمه: الأذخر نبات عشبي من فصيلة النجيليات، له رائحة ليمونية عطرة، أزهاره تستعمل منقوعًا كالشاي، ويقال له: طيب العرب. ويقال له: حلفاء مكة. (¬6) لقينهم وبيوتهم: القين هو الحداد والصائغ، ومعناه يحتاج إليه القين في وقود النار، ويحتاج إليه في القبور لتسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات ويحتاج إليه في سقوف البيوت يجعل فوق الجثث.

(إلا الإذخر) (¬1) لفظ مسلم. 675 - ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب يوم الفتح بمكة، فكبر ثلاثًا، ثم قال: (لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعى من دم أو مال تحت قدمي إلا ما كان من سقاية الحاج، وسدانة البيت، ثم قال: ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطنها أولادها) (¬2). 676 - ومن حديثه أيضًا قال: لما فتحت مكة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر)، فأذن لهم حتى صلى العصر، ثم قال: (كفوا السلاح). فلقي رجل من خزاعة رجلًا من بني بكر من غد بالمزدلفة فقتله. فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام خطيبًا، فقال: ورأيته مسند ظهره إلى الكعبة: قال: (إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول (¬3)) فقام إليه رجل فقال: إن فلانًا ابني وفي رواية عاهرت (¬4) بأمه في الجاهلية" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا دعوة في الإِسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الأثلب، قالوا: وما الأثلب؟ قال: (الحجر)، قال: (وفي الأصابع عشر عشر، وفي المواضع خمس خمس)، قال: وقال: (لا صلاة بعد الغداة حتى تطلع الشمس)، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، قال: (ولا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها، ولا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها) (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في اللقطة باب كيف تعرف لقطة أهل مكة حديث رقم: 2432، ومسلم في الحج باب تحريم مكة وصيدها وخلاها حديث رقم: 1353، والنسائي في الحج باب تحريم القتال في الحرم: 5/ 204، وباب حرمة مكة: 5/ 203 - 204. (¬2) أخرجه أبو داود في كتاب الديات باب في الخطأ شبه العمد حديث رقم: 4547، وابن ماجه في الديات باب دية شبه العمد فغلظه حديث رقم: 2627، وابن حبان: 1526، وابن الجارود: 773، والبيهقي: 8/ 68، وأحمد 2/ 164، 166، وإسناد هذا الحديث صحيح رجاله كلهم ثقات، وصححه ابن حبان، وابن القطان في التلخيص: 4/ 15، وقال: هو صحيح لا يضره الاختلاف. (¬3) ذحول الجاهلية: العداوة وطلب ثأر من قتل في الجاهلية بعد الإِسلام. (¬4) عاهرت: زنيت. (¬5) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 177، رواه الطبراني، ورجاله ثقات: قلت: وغفل عن عزوه للإمام أحمد، انظر الفتح الرباني: 21/ 160، وقد رواه أصحاب الكتب الستة عن غير واحد من الصحابة مقطعًا في أبواب متفرقة قلت: والحديث حسن للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

27 - صلاته عليه السلام يوم الفتح

677 - ومن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح وهو بمكة: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة، والخنزير والأصنام). فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلى به السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: (لا، هو حرام) ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: (قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليها شحومها أجملوه (¬1) ثم باعوه، فأكلوا ثمنه) (¬2). 27 - صلاته عليه السلام يوم الفتح: 678 - من حديث أم هانئ: قال ابن أبي ليلى: "ما حدثنا أحد أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها قالت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل بيتها يوم فتح مكة، فاغتسل، وصلى ثماني ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود" (¬3). وفي لفظ آخر عنها: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفتح ثمان ركعات، وذلك ضحى". في رواية هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل بيت أم هانئ، واغتسل عندها وصلى الضحى، وفي رواية الحديث الذي أخرجه مالك في الموطأ، ومسلم في الصحيح، وقد سبق ذكره في إجارة أم هانئ لرجل أهدر دمه أنها ذهبت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوجدته يغتسل، وفاطمة تستره، وقد جمع بين هاتين الروايتين بأن الحادثة تكررت منه - صلى الله عليه وسلم -، والمحتمل أنه نزل ببيتها في أعلى مكة، وكانت هي ¬

_ (¬1) أجملوه: أذابوه. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب بيع الميتة والأصنام، الحديث: 2236، مسلم في المساقاة باب تحريم بيع الخمر حديث: 1581، الترمذي في البيوع باب ما جاء في بيع جلود الميتة رقم: 1297، وأبو داود في البيوع باب في ثمن الخمر والميتة برقم: 3486، والنسائي في البيوع باب بيع الخنزير: 9/ 307 - 310، وابن ماجه في التجارات باب ما لا يحل بيعه حديث: 2167، وابن الجارود: 578، والبيهقي: 6/ 12، وأحمد: 3/ 324، 426. (¬3) أخرجه البخاري في التطوع باب صلاة الضحى في السفر: 1176، وفي المغازي، باب منزل النبي يوم الفتح: 4292، مسلم: 336، صلاة المسافرين باب استحباب صلاة الضحى، والترمذي: 474، الصلاة باب ما جاء في صلاة الضحى، وأبو داود: 1291، الصلاة باب صلاة الضحى" وللحديث زيادة تخريج كما مر في الحديث رقم: 653.

في بيت آخر بمكة، فجاءت إليه فوجدته يغتسل، فيصح القولان (¬1). وقد حكى القاضي عياض عن قوم أنه ليس في حديث أم هانئ دلالة على أنه صلى الضحى، قالوا: وإنما هي سنة الفتح، وقد صلاها خالد بن الوليد في بعض فتوحه كذلك. وقال عياض أيضًا: ليس حديث أم هانئ بظاهر في أنه قصد - صلى الله عليه وسلم - بها سنة الضحى، وإنما فيه أنها أخبرت عن وقت صلاته فقط، وقد قيل: إنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه فيه، وتعقبه النووي بأن الصواب صحة الاستدلال به لما رواه أبو داود وغيره من طريق كريب، عن أم هانئ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يسبحة الضحى، ولمسلم في كتاب الطهارة من طريق أبي مرة عن أم هانئ في قصة اغتساله يوم الفتح "ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى" فتح الباري: 3/ 54. قلت: وسواء كانت هذه الصلاة التي صلاها عليه السلام هي صلاة الفتح أو سنة الضحى، فالمهم أنه - صلى الله عليه وسلم - صلاها، فإن صلاها المرء كسنة للضحى فهو على خير، وإن صلاها عند الفتح فهو على خير، والصحيح الذي أرجحه أن سنة الضحى ثابتة لكثرة الأحاديث الواردة في الحث عليها، وإن كان البعض من السلف يرى أنها غير ثابتة كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري "قال مورق لابن عمر رضي الله عنهما: أتصلي الضحى؟ قال: لا. قلت: فعمر؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا. قلت: فالنبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا أخاله" (¬2). وكان سبب توقف ابن عمر في ذلك أنه بلغه عن غيره أنه صلاها، ولم يثق بذلك عمن ذكره، وقد جاء عنه الجزم بأنها محدثة لما روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال: إنها محدثة لأنها لمن أحسن ما أحدثوا، ولما روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى فقال: بدعة، ونعمت البدعة. ولما روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سالم عن أبيه قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبحه، وما أحدث الناس شيئًا أحب إلي منها، ولما روى ابن أبي شيبة بإسناد ¬

_ (¬1) فتح الباري: 3/ 53. (¬2) البخاري في التطوع والتهجد باب صلاة الضحى في السفر حديث رقم: 1175.

28 - سرية خالد إلى بني جذيمة

صحيح عن الشعبي عن ابن عمر قال: ما صليت الضحى منذ أسلمت، إلا أن أطوف بالبيت، أي فأصلي في ذلك الوقت لا على نية صلاة الضحى بل على نية الطواف. وفي الجملة ليس في أحاديث ابن عمر هذه ما يدفع مشروعية صلاة الضحى، لأن نفيه محمول على عدم رؤيته، لا على عدم الوقوع في نفس الأمر، قال عياض وغيره: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها، وإظهارها في المساجد، وصلاتها جماعة، لا أنها مخالفة للسنة، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه رأى قومًا يصلونها، فأنكر عليهم وقال: إن كان ولا بد ففي بيوتكم (¬1). وقد جمع الحاكم الأحاديث الواردة في صلاة الضحى في جزء مفرد، وذكر لغالب هذه الأقوال مستندًا، وبلغ عدة رواة الحديث في إثباتها نحو العشرين نفسًا من الصحابة" (¬2). 28 - سرية خالد إلى بني جذيمة: 679 - من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإِسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم، ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكرناه، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه فقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)، مرتين" (¬3). 680 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية قال: فغنموا، وفيهم رجل فقال لهم: إني لست منهم إني عشقت فلحقتها فدعوني أنظر إليها نظرة، ثم اصنعوا لي ما بدا لكم، فهذا امرأة آدماء طويلة، فقال لها: اسلمي حبيش قبل نفاذ العيش ثم قال: ¬

_ (¬1) فتح الباري: 3/ 52 - 53. (¬2) فتح الباري: 3/ 55. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد إلى بني جذيمة حديث رقم: 4339، 7189، النسائي في القضاء باب إذا قضى الحاكم بغير حق: 8/ 236، وأحمد في المسند: 2/ 151، ابن سعد في الطبقات: 2/ 147، 148، والبيهقي في الدلائل: 5/ 113، 114.

29 - مدة إقامته صلى الله عليه وسلم في مكة عام الفتح

أرَيتَك إذا طالبتُكُم فوَجدَتُكُم ... بحَليَة أو ألفيُتكُم بالخوائق (¬1) ألم يك أهلًا أن يُنول عاشقٌ ... تكلف إدلاج السُّرى والودائق (¬2) فلا ذَنب لي قدْ قلت إذا أهْلنا ... معًا أثيبي بوُدّ قبلَ إحدَى الصفائق (¬3) أثيبي بوُدّ قبل أن تشْحط النَّوى ... ويَنْأى الأمير بالحبيب المفارق (¬4) ثم قال: قالت: نعم فديتك، قال: فقدموه، فضربوا عنقه، فجاءت المرأة، فوقعت عليه، فشهقت شهقة، أو شهقتين، ثم ماتت، فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبروه الخبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما كان فيكم رجل رحيم) (¬5). 29 - مدة إقامته صلى الله عليه وسلم في مكة عام الفتح: 681 - من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة تسعة عشر يومًا يصلي ركعتين" (¬6). وقد جاء من روايات عدة أنه مكث ثمانية عشر يومًا، وهي عند أبي داود من حديث عمران بن حصين، وأخرى سبعة عشر يومًا وبعضها خمسة عشر يومًا، وقد جمع البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة يومًا عد يومي الدخول والخروج، ومن قال سبع عشرة يومًا حذفهما، ومن قال ثماني عشرة ¬

_ (¬1) حلية والخوانق: اسم موضعين. (¬2) الإدلاج: سار أول الليل، الودائق: جمع وديقة وهو شدة الحر، ومعنى ذلك تكلف السير في الليل وفي شدة الحر. (¬3) الصفائق: أراد بها النوائب. (¬4) ينأى: يبعد، تشحط: تبعد. (¬5) أخرجه النسائي في الكبرى كما أشار إلى ذلك صاحب تحفة الأشراف حديث رقم: 6273، ابن سعد في الطبقات: 2/ 149، والطبري في التاريخ: 3/ 125، والبيهقي في الدلائل: 5/ 118، وصحح إسنادها الحافظ ابن حجر في الفتح: 8/ 58، وقد أخرج ابن إسحاق من طريقه عن ابن أبي حدرد شبيهًا بهذا اللفظ البيهقي في الدلائل: 5/ 115، والبيهقي بإسناد إلى ابن عاصم المزني شبيهًا بهذه القصة أيضًا في الدلائل: 5/ 117، وكما أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح: 8/ 58، سيرة ابن هشام: 2/ 433 - 434. (¬6) أخرجه البخاري في المغازي باب مقام النبي بمكة عام الفتح: 4298 - 4299، أبو داود في الصلاة باب متى يتم المسافر حديث رقم: 1230، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة حديث رقم: 1075، الترمذي في أبواب الصلاة باب ما جاء في كم تقصر الصلاة حديث رقم: 549، وأحمد في المسند: 1/ 223، والبيهقي: 3/ 150، والطحاوي في مشكل الآثار: 1/ 242.

عد أحدهما وأما رواية "خمسة عشر" فضعفها النووي في الخلاصة، وليس بجيد لأن رواتها ثقات رقم ينفرد بها ابن إسحاق فقد أخرجها النسائي. وإذا ثبت أنها صحيحة فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبعة عشر، فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمسة عشر، واقتضى ذلك أن رواية تسعة عشر أرجح الروايات، وبهذا أخذ إسحاق بن راهويه، ويرجحها أيضًا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة" (¬1). ¬

_ (¬1) فتح الباري: 2/ 562، في التعليق على حديث رقم: 1080، كتاب تقصير الصحة باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر.

المبحث الثاني: غزوة حنين شوال سنة ثمان للهجرة

المبحث الثاني: غزوة حنين شوال سنة ثمان للهجرة قال تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬1). وحنين: واد إلى جنب ذي المجاز قريب من الطائف، وبينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا من جهة عرفات، قال أبو عبيد البكري: سمي باسم حنين بن قابثة بن مهلائيل (¬2). 1 - وقتها: قال أهل المغازي: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين لخمس خلت من شوال، وبه قال ابن إسحاق في المغازي، وهكذا روي عن ابن مسعود، وبه قال عروة ابن الزبير، واختاره أحمد، وابن جرير في تاريخه. وقيل لليلتين بقيتا من رمضان، وجمع بعضهم بأنه بدأ الخروج في أواخر رمضان، وسار سادس شوال، وكان وصوله إليها في عاشره، وبه قال الواقدي (¬3). 2 - سببها: 682 - قال ابن إسحاق: حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله وعمرو بن شعيب، والزهري وعبد الله بن أبي بكر ابن حزم وعبد الله بن المكرم بن عبد الرحمن الثقفي عن حديث حنين حين سار إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وساروا إليه فبعضهم يحدث ما لا يحدث به بعض، وقد اجتمع حديثهم: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف ¬

_ (¬1) سورة التوبة: آية: 25. (¬2) فتح الباري: 8/ 27. (¬3) فتح الباري: 8/ 27، سيرة ابن كثير: 3/ 610.

النصري: بني نصر، وبني جشم، وبني سعد بن بكر، وأوزاعًا من بني هلال، وهم قليل، وناسًا من بني عمرو بن عامر، وعوف بن عامر، وأوعبت معه ثقيف الأحلاف، وبنو مالك، ثم سار بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وساق معه الأموال والنساء والأبناء. فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، فقال: اذهب، فادخل في القوم حتى تعلم لنا من علمهم، فدخل فيهم، فمكث فيهم يومًا أو اثنين، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره خبرهم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب: (ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد)، فقال عمر رضي الله عنه: كذب، فقال: ابن أبي حدرد، والله لئن كذبتني يا عمر لربما كذبت بالحق، فقال عمر: ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن أبي حدرد فقال: (قد كنت يا عمر ضالًّا فهداك الله). ثم بعث رسول الله إلى صفوان بن أمية، فسأله أدراعًا عنده مائة درع، وما يصلحها من عدتها، فقال: أغصبًا يا محمَّد، فقال: (بل عارية مضمونة حتى نؤديها عليك) ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سائرًا". وزاد ابن إسحاق بالإسناد الأول: أن مالك بن عوف أقبل فيمن معه ممن جمع من قبائل قيس وثقيف، ومعه دريد بن الصمة شيخ كبير في شجار (¬1) له يعاد به حتى نزل الناس بأوطاس (¬2) فقال دريد -حين نزلوا بأوطاس فسمع رغاء البعير (¬3)، ونهيق الحمير (¬4) ويعار النساء (¬5)، وبكاء الصغير-: بأي واد أنتم؟ فقالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل، لا حزن (¬6) ضرس (¬7)، ولا سهل (¬8) ¬

_ (¬1) شجار: شبه الهودج إلا أنه مفتوح الأعلى. (¬2) أوطاس: واد في ديار هوازن، كانت فيه وقعة حنين، وتسمى أيضًا غزوة أوطاس. (¬3) رغاء البعير: صوتها. (¬4) نهاق الحمير: صوتها. (¬5) يعار الشاء: صوتها. (¬6) حزن: ما غلظ من الأرض. (¬7) ضرس: الأكمة الخشنة وفي الإملاء هو الموضع فيه حجارة محددة. (¬8) سهل: ضد الحزن.

دهش (¬1)، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهيق الحمار، ويعار الشاء؟ فقالوا: ساق مالك مع الناس أموالهم وذراريهم ونساءهم. قال: فأين مالك؟ فدعي مالك، فقال: يا مالك! إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، فما دعاك إلى أن تسوق مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وأمواله ليقاتل عنهم، قال: فانقض (¬2) به دريد، وقال: يا راعي ضأن والله، وهل يرد وجه المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، فارفع الأموال والنساء، والذراري إلى علياء قومهم، وممتنع بلادهم. ثم قال دريد: وما فعلت كعب وكلاب، فقالوا: لم يحضرها منهم أحد، فقال: غاب الحد (¬3) والجد لو كان يوم علاء ورفعة لم تغلب عنه كعب وكلاب، ولوددت لو فعلتم ما فعلت كعب وكلاب فمن حضرها؟ فقالوا: عمرو بن عامر، وعوف بن عامر، فقالوا: ذانك الجذعان (¬4) لا يضران ولا ينفعان، فكره مالك أن يكون لدريد فيها رأي، فقال: إنك قد كبرت، وكبر علمك والله لتطيعن يا معشر هوازن، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري، فقالوا: أطعناك. ثم قال مالك للناس: إذا رأيتموهم، فاكسروا جفان سيوفكم، ثم شدوا شدة رجل واحد" (¬5). ¬

_ (¬1) دهس: المكان السهل اللين الذي لا يبلغ أن يكون رملًا وهو تراب. (¬2) فانقض: زجره كما تزجر الدابة. (¬3) الحد: الشجاعة والحدة. (¬4) الجذعان: يريد أنهما ضعيفان بمنزلة الجذع في سنه. (¬5) أخرجه البيهقي في الدلائل: 5/ 120 - 123، سيرة ابن هشام: 2/ 442 - 444 وابن حبان كما في الموارد ص: 417، رقم: 1704، وأخرجه أحمد في المسند: 3/ 376، وأبو يعلى رقم: 1862، 1863، والبزار: 1834، وفيه ابن إسحاق، وقد صرح بالتحديث وبقية رجاله أحمد رجال الصحيح: قلت: وهو حديث طريل ذكرت جزءًا منه هنا، وسيأتي أجزاء أخرى سأشير إليها في مواطنها، وفيها قصة الهزيمة والرجل صاحب الراية، وقد أخرج أيضًا ابن حبان: 1704، أجزاء منه بنفس الإسناد الذي ذكرت في بداية الحديث من طريق عبد الرحمن بن جابر عن أبيه، والسند رجاله ثقات، فالحديث بذلك حسن، وقد أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 48 - 49، وقال: صحيح الإسناد، رقم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي المجمع: 6/ 179 "رواه أحمد، وأبو يعلى ورواه البزار، باختصار، وفيه ابن إسحاق وقد صرح بالسماع في رواية أبي يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح.

3 - استعارة الدروع من صفوان بن أمية

3 - استعارة الدروع من صفوان بن أمية: 683 - من حديث صفوان بن أمية رضي الله عنه: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعار منه أدراعًا يوم حنين فقال: أغصب يا محمَّد؟ فقال: (لا بل عارية مضمونة) (¬1). 4 - قصة الجاسوس الذي جاء يتجسس على المسلمين: 684 - من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هوازن. فبينما نحن نتضحى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل على جمل أحمر، فأناخه. ثم انتزع طلقًا من حقبه، فقيد به الجمل. ثم تقدم يتغدى مع القوم. وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتد، فأتى جمله فأطلق قيده، ثم أناخه وقعد عليه، فأثاره، فاشتد به الجمل، فأتبعه رجل على ناقة ورقاء. قال سلمة: وخرجت أشتد. فكنت عند ورك الناقة. ثم تقدمت. حتى كنت عند ورك الجمل. ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل، فأنخته. فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي، فضربت رأس الرجل فندر ثم جئت بالجمل أقوده. عليه رحله وسلاحه. فاستقبلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والناس معه. فقال: من (قتل الرجل؟) قالوا: ابن الأكوع. قال: (له سلبه أجمع) (¬2). 5 - تبشير الرسول صلى الله عليه وسلم بغنيمة حنين: 685 - من حديث سهيل بن الحنظلية رضي الله عنه: "أنهم ساروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فأطنبوا السير، حتى كانت عشية، فحضرت الصلاة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل فارس، فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في السنن كتاب البيوع باب في تضمين العارية حديث رقم 3562، وأحمد في المسند: 3/ 401، 6/ 465، والبيهقي: 6/ 89، والحاكم: 2/ 47، وهو حسن في الشواهد، ويشهد له ما جاء في حديث عبد الرحمن بن جابر عن أبيه، والذي أخرجه الحاكم: 3/ 48، والبيهقي: 6/ 89 قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وهو كما قالا، فالحديث صحيح. قلت: ويشهد له أيضًا ما جاء في حديث ابن عباس بنفس اللفظ والذي أخرجه الحاكم: 2/ 47، وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب استحقاق القاتل سلب القتيل حديث رقم: 1754، وأبو داود في الجهاد باب الجاسوس المستأمن حديث رقم: 2654، والطحاوي: 2/ 130 - 131، وأحمد: 4/ 49 - 51.

6 - قصة المفاجأة والهزيمة

أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: (تلك غنيمة المسلمين غدًا إن شاء الله). ثم قال: (من يحرسنا الليلة؟) فقال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول؟ قال: (فاركب) فركب فرسًا له فجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن من قبلك الليلة). فلما أصبحنا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مصلاه، فركع ركعتين ثم قال: (هل أحسستم فارسكم؟) قالوا: يا رسول الله، ما أحسسناه فثوب بالصلاة، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، وهو يلتفت إلى الشِعب حتى إذا قضى صلاته، وسلم، قال: (أبشروا فقد جاءكم فارسكم). فجعلنا ننظر إلى الشجرة في الشعب فهذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسلم فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما، فنظرت فلم أر أحدًا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هل نزلت الليلة؟) قال: لا إلا مصليًا أو قاضي حاجة. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فقد أوجبت فلا عليك ألا تعمل بعدها) (¬1). 6 - قصة المفاجأة والهزيمة: أ - الهزيمة: 686 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "لما اجتمع يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة أعجبتهم كثرتهم، فقال القوم: اليوم والله ما نقاتل حين اجتمعنا، فكره - صلى الله عليه وسلم - ما قالوا، ما أعجبهم من كثرتهم" (¬2). 687 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "لما استقبلنا وادي ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في الجهاد باب فضل الحرس في سبيل الله تعالى حديث رقم: 2501، والنسائي في الكبرى كما أشار إلى ذلك صاحب تحفة الأشراف حديث رقم: 4650، والحافظ ابن كثير في التاريخ: 4/ 225 - 226، وأخرجه البيهقي في الدلائل: 5/ 126، وإسناد هذا الحديث صحيح، حسنه الحافظ في الفتح: 8/ 27. (¬2) أخرجه الحاكم وصححه، وابن المنذر وابن مردويه وأبو الشيخ وغيرهم: الفتح الرباني: 21/ 169.

حنين قال: انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط (¬1) إنما ننحدر فيه انحدارًا قال: وفي عماية الصبح (¬2)، وقد كان القوم كمنوا لنا في شعابه، وفي أجنابه، ومضايقه، قد جمعوا وتهيئوا، وأعدوا فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدت علينا شدة رجل واحد، وانهزم الناس راجعين، فاستمروا لا يلوي أحد منهم على أحد، وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين قال: (إلي أيها الناس، هلم إلي، أنا رسول الله، أنا محمَّد بن عبد الله)، قال: فلا شيء (¬3). احتملت الإبل بعضها بعضًا فانطلق الناس إلا أن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطًا من المهاجرين والأنصار وأهل بيته غير كثير، وفيمن ثبت معه - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر ومن أهل بيته علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وابنه الفضل بن عباس، وأبو سفيان بن الحارث وربيعة بن الحارث وأيمن بن عبيد، وهو ابن أم أيمن، وأسامة بن زيد، قال: ورجل من هوازن على جمل له أحمر في يده راية له سوداء في رأس رمح طويل أمام الناس، وهوازن خلفه، فإذا أدرك طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه، فاتبعوه (¬4). قال ابن إسحاق "وحدثني عاصم بن عمرو بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله قال: (بينما ذلك الرجل من هوازن صاحب الراية على جمله ذلك يصنع ما يصنع، إذ هوى له علي بن أبي طالب، ورجل من الأنصار يريدانه، قال: فيأتيه علي من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه، ووثب الأنصاري على الرجل، فضربه ضربة أطن قدمه (¬5) بنصف ساقه، فانعجف (¬6) عن رحله، واجتلد الناس فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسرى مكتفين عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". ¬

_ (¬1) حطوط: واسع منحدر من أعلى إلى أسفل. (¬2) عماية الصبح: أي بقية ظلمة الليل. (¬3) فلا شيء: يعني فلا مجيب. (¬4) سبق تخريجه في حديث رقم: 682. (¬5) أطن قدمه: قصعه. (¬6) فانعجف: مال وسقط.

ب - الثابتون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

ب - الثابتون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: 688 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "وقد جاءه رجل فقال: يا أبا عمارة، أتوليت يوم حنين، فقال: أما أنا فأشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يول، ولكن عجل سرعان القوم، فرشقتهم هوازن -وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء يقول: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) (¬1). وفي لفظ آخر "وقد سأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، كانت هوازن رماة، وأنا لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم، فاستقبلنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول: (أنا النبي لا كذب). 689 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الفئتين لموليتين، وما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمائة رجل" (¬2). 690 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "افتتحنا مكة، ثم إننا غزونا حنينًا، فجلى المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم. قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف (¬3). وعلى مجنبة (¬4) خيلنا خالد بن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب قوله تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم} حديث رقم: 4315، 4316، 4317، ومسلم في الجهاد والسير باب في غزوة حنين حديث رقم: 1776، الترمذي في الجهاد باب ما جاء في الثبات عند القتال حديث رقم: 1688، والنسائي في الكبرى كما أشار إلى ذلك في تحفة الأشراف حديث رقم:1873. قلت: وقد جاء من حديث زيد بن أرقم: هتاف النبي: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب أخرجه الطبراني، ورجاله ثقات، كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 182. (¬2) أخرجه الترمذي في الجهاد باب ما جاء في الثبات عند القتال حديث رقم:1689، وقال: حديث حسن غريب، وحسنه الحافظ في الفتح: 8/ 29 - 30. (¬3) قد بلغنا ستة آلاف: قال القاضي هذا وهم من الراوي عن أنس، والصحيح ما جاء في الرواية الأولى عشرة آلاف، ومعه الطلقاء، لأن المشهور في كتب المغازي أن المسلمين كانوا يومنذ اثني عشر ألفًا، عشرة آلاف شهدوا الفتح. وألفان من أهل مكة ومن انضاف إليهم (انظر الرواية الأولى، والتي فيها ذكر العشرة الآف في صحيح مسلم حديث: 1059/ 135. (¬4) مجنبة: هي الكتيبة من الخيل التي تأخذ جانب الطريق.

الوليد. فجعلت خيلنا تلوي (¬1) خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشف خيلنا، وفرت الأعراب. ومن نعلم من الناس. قال: فنادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا للمهاجرين!) ثم قال: (يا للأنصار) قال: قال أنس. هذا حديث عمية (¬2)، قال: قلنا لبيك يا رسول الله، قال: فتقدم رسول - صلى الله عليه وسلم -. قال: فأيم الله! ما أتيناهم حتى هزمهم الله. قال: فقبضنا ذلك المال. ثم انطلقنا إلى الطائف، فحاصرناهم أربعين ليلة، ثم رجعنا إلى مكة، فنزلنا، قال: فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي الرجل المائة من الإبل" (¬3). 691 - من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قال: فولى الناس، وثبت معه ثمانون رجلًا من المهاجرين والأنصار فنكصنا على أقدامنا نحوًا من ثمانين قدمًا، ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ عليهم السكينة، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته يمضي قدمًا، فحارت به بغلته فمال عن السرج فقلت: ارتفع رفعك الله فقال: ناولني كفًّا من تراب فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابًا قال: (أين المهاجرون والأنصار). قلت: هم أولاء قال: (اهتف بهم)، فهتفت بهم، فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب، وولى المشركون أدبارهم" (¬4). قال الحافظ في الفتح: "وهذا لا يخالف حديث ابن عمر، فإنه نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين، وأما ما ذكره النووي في شرح مسلم: أنه ثبت معه اثنا عشر رجلًا، فكأنه أخذه مما ذكره ابن إسحاق في حديثه أنه ثبت معه العباس وابنه الفضل وعلي، وأبو سفيان بن الحارث، وأخوه ربيعة، وأسامة بن زيد، وأخوه من أمه أيمن بن أم أيمن، ومن المهاجرين أبو بكر وعمر، فهؤلاء تسعة، وتقدم ذكر ابن مسعود في مرسل الحاكم، فهؤلاء ¬

_ (¬1) تلوي: تلوذ، فجعلت فرساننا يثنون أفراسهم ويعفونها خلف ظهورنا. (¬2) هذا حديث عمية: هذا حديث فضل أعمامي، أو هذا الحديث الذي حدثني به أعمامي. (¬3) أخرجه مسلم في الزكاة باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإِسلام وتصبر من قوي إيمانه حديث رقم: 1059/ 136، والنسائي في السنن الكبرى كما أشار إلى ذلك في تحفة الأشراف حديث رقم: 897. (¬4) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 180: رواه أحمد، والبزار، والطبراني، ورجاله أحمد رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة، وهو ثقة، انظر كشف الأستار عن زوائد البزار حديث رقم: 1829، وأخرجه الحاكم: 2/ 117، أخرجه أحمد في المسند: 1/ 454، دلائل البيهقي: 5/ 142، وقال الحاكم: صحيح الإسناد رقم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

7 - هتاف العباس بالأنصار للعودة

عشرة، ووقع في شعر العباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا كانوا عشرة ففي وذلك قوله: نصرنا رسول الله في الحرب تسعة .... وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا وعاشرنا وافي الحمام بنفسه ... لما مسه في الله لا يتوجع ولعل هذا هو الثبت. ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم" (¬1). 7 - هتاف العباس بالأنصار للعودة: 692 - من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين. فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم نفارقه. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له، بيضاء. أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي. فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار. قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أكلفها إرادة أن لا تسرع. وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أي عباس! ناد أصحاب السمرة) (¬2) فقال العباس: "وكان رجلًا صيتًا" (¬3) فقلت: بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله! لكان عطفتهم حين سمعوا صوتي، عطفة البقر على أولادها. فقالوا: يا لبيك؟ يا لبيك! قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار، ¬

_ (¬1) فتح الباري: 8/ 30. قلت: وقد جرح خالد رضي الله عنه في هذا اليوم، أثناء المفاجأة التي فاجأ بها المشركون المسلمين فسارع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للاطمئنان عليه، فقد جاء عن عبد الرحمن بن أزهر أنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين يتخلل الناس، يسأل عن رحل خالد. فدل عيه، فنظر إلى جرحه، وحسبت أنه نفث فيه، أخرجه أحمد: 4/ 88، 351، وعبد الرزاق في المصنف: 9471، والبيهقي في الدلائل: 5/ 139 - 140، وأخرجه مختصرًا: الحاكم: 4/ 374 - 375، وأبو داود: 4487 - 4489، وأحمد في المسند: 4/ 88، 350. وإسناده صحيح. (¬2) أصحاب السمرة: هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان. ومعناه: ناد أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية. (¬3) صيتًا: قوي الصوت.

يقولون: يا معشر الأنصار! يا معشر الأنصار! ثم قصرت الدعوة علي بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج!، يا بني الحارث بن الخزرج فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو على بغلته، كالمتطاول عليها، إلى قتالهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هذا حين سمي الوطيس) (¬1). قال: ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات، فرمي بهن وجوه الكفار. ثم قال: (انهزموا، ورب محمد!) قال: فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى. قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته. فما زلت أرى حدّهم كليلًا (¬2) وأمرهم مدبرًا" (¬3). قال النووي رحمه الله "قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدًا، وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا، وإنما كانت هزيمتهم فجأة لانصبابهم عليهم دفعة واحدة، ورشقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر، وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة، فتقدم أخفاؤهم، فلما رشقوهم بالنبل ولوا، فانقلبت أولاهم على أخراهم إلى أن أنزل الله سكينته على المؤمنين، كما ذكر الله تعالى في القرآن" (¬4). 693 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "التقى يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة، واشتد القتال فولوا مدبرين، فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار فقال: (يا معشر المسلمين أنا رسول الله) فقالوا: إليك والله جئنا، فنكسوا رؤوسهم، ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم" (¬5). وقد جاء في أحاديث المفاجأة والهزيمة، وثبات النبي - صلى الله عليه وسلم - فوائد كثيرة ذكرها ¬

_ (¬1) هذا حين حمي الوطيس: الضرب في الحرب. (¬2) حدهم كليلًا: ما زلت أرى قوتهم ضعيفة. (¬3) أخرجه مسلم في الجهاد باب في غزوة حنين حديث رقم: 1775، وأحمد في المسند: 7/ 201، وعبد الرزاق في المصنف حديث رقم: 9741، وابن هشام في السيرة: 2/ 444، والحاكم في المستدرك: 3/ 327، 328، والنسائي في الكبرى كما أشار إلى ذلك في تحفة الأشراف حديث رقم: 5134. (¬4) شرح صحيح مسلم النووي: 12/ 115. (¬5) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 48، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

8 - اشتداد المعركة وقوله - عليه السلام - في ذلك

الحافظ في الفتح منها: وفي الحديث (يعني حديث البراء بن عازب في ثبات النبي) من الفوائد: حسن الأدب في الخطاب، والإرشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب، وذم الإعجاب، وفيه جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية، والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب، ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها، وجواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله، ولا يقال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - متيقنًا للنصر لوعد الله تعالى له بذلك، وهو حق؛ لأن أبا سفيان بن الحارث قد ثبت معه آخذًا بلجام بغلته، وليس هو على اليقين مثل النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفيه ركوب البغلة إشارة إلى مزيد الثبات، لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار، وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك أدعى لاتباعه على الثبات، وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو" (¬1). 8 - اشتداد المعركة وقوله - عليه السلام - في ذلك: 694 - من حديث جابر بن عبد الله: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: (الآن حمي الوطيس)، ثم قال: (هزموا ورب الكعبة) (¬2). 9 - رميه عليه السلام الحصى في وجوه الأعداء: أ - قد سبق ذكر رمي الحصى من حديث ابن مسعود رقم: 691، ومن حديث العباس بن عبد المطلب رقم: 692، وقد جاء أيضًا من حديث أبي عبد الرحمن الفهري في قصة حنين (¬3). 695 - وقد جاء أيضًا من حديث يزيد بن عامر السسوائي أنه قال: "عند انكشافة انكشفها المسلمون يوم حنين، فتبعتهم الكفار، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبضة ¬

_ (¬1) فتح الباري: 8/ 32. (¬2) رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح كذا قال الهيثمي في المجمع: 6/ 182. (¬3) أخرجه أبو داود في الأدب باب في الرجل ينادي فيقول لبيك حديث رقم: 5233، أحمد: 5/ 286، وأبو داود الطيالسي: 3272، 2/ 107، وقال الزرقاني في شرح المواهب: رواه الترمذي، وابن سعد وابن أبي شيبة، والطبراني وابن مردويه والبيهقي، ورجاله ثقات.

من الأرض، فرمى بها وجوههم، وقال: (ارجعوا شاهت الوجوه)، فما من أحد يلقى أخاه إلا وهو يشكو القذى، ويمسح عينيه" (¬1). 696 - ومن حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينًا، فلما واجهنا العدو تقدمت، فأعلو ثنية، فأستقبل رجلًا من العدو، فأرميه بسهم وتوارى عني، فما دريت ما صنع. ثم نظرت إلى القوم، فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فولى صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرجع منهزمًا وعلي بردتان مؤتزرًا بإحداهما، مرتديًا بالأخرى، قال: فاستطلق إزاري (¬2)، فجمعتها جمعًا، ومررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزمًا (¬3) وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لقد رأى ابن الأكوع فزعًا). فلما غشوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال: (شاهت الوجوه) (¬4) فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة، فولوا مدبرين فهزمهم الله، وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائمهم بين المسلمين" (¬5). قلت: جاء في الأحاديث السابقة أنه - صلى الله عليه وسلم - قد تناول كفًّا من تراب أو حصى، ورمى بها المشركين، وقد جاء من حديث ابن مسعود، فيما مضى أيضًا أنه طلب منه أن يناوله كفًّا من التراب فرمى به المشركين، ومن حديث ابن عباس أنه طلب من علي أن يناوله التراب، فرمى به المشركين، ويجمع بين هذه الأحاديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أولًا قال لصاحبه ناولني، فناوله، فرماهم، ثم نزل عن البغلة، فأخذ ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في الكبير: 22/ 237، رقم: 622، والبخاري في التاريخ الكبير: 4/ 2 / 316، المطالب العالية: 4372، وعزاه إلى عبد بن حميد، وسكت عنه البوصيري، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 182 - 183: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. (¬2) فاستطلق إزاري: انحل لاستعجالي. (¬3) منهزمًا: قال العلماء: قول منهزمًا، حال من ابن الأكوع، كما صرح أولًا بانهزامه، ولم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انهزم وقد قالت: الصحابة كلهم رضي الله عنهم: إنه - صلى الله عليه وسلم - ما انهزم، ولم يقل أحد قط أنه انهزم في موطن من المواطن، وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز ذلك عليه. (¬4) شاهت الوجوه: أي قبحت. (¬5) أخرجه مسلم في باب غزوة حنين حديث رقم: 1777.

10 - دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين

بيده، فرماهم أيضًا، فيحتمل أن الحصى في إحدى المرتين، وفي الأخرى التراب، والله أعلم، كذا قال الحافظ. (¬1). ب - الرعب الذي أوقعه الله في قلوب المشركين يوم حنين: 697 - من حديث يزيد بن عامر السسوائي "وكان شهد حنينًا مع المشركين، ثم أسلم قال أبو السائب: سألناه عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوبهم يوم حنين، كيف كان، فأخذ حصاة، فرمى بها طستًا فطن قال: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا" (¬2). 10 - دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين: 698 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال رجل للبراء: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما ولى. ولكنه انطلق أخفاء الناس، وحُسَّرٌ إلى هذا الحي من هوازن، وهم قوم رماة. فرموهم برشق من نبل، كأنها رجل من جراد (¬3) فانكشفوا: فأقبل القوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو سفيان بن الحارث يقول به بغلته، فنزل، ودعا، واستنصر، وهو يقول: (أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب) (اللهم نزل نصرك). قال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬4). ¬

_ (¬1) الحافظ في الفتح: 8/ 32. (¬2) أخرجه الطبراني في الكبير: 22/ 237 - 238، رقم: 623، وانظر المطالب العالية: 4371، وعزاه إلى عبد بن حميد، وسكت عليه البوصيري، وقال الهيثمي: 6/ 183، رواه الطبراني، ورجاله ثقات. (¬3) رجل من جراد: كأنها قطعة من جراد، والرجل: الجراد الكثير. (¬4) أخرجه مسلم في الجهاد والسير باب في غزوة حنين: 1776/ 79، وقد سبق تخريجه حديث رقم: 688، ولكن مسلم تفرد بلفظ الدعاء للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

11 - ثبات أبي سفيان بن الحارث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

11 - ثبات أبي سفيان بن الحارث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقد سبق ذكر ثباته من حديث العباس بن عبد المطلب (¬1)، ومن حديث البراء ابن عازب (¬2) ومن حديث جابر بن عبد الله (¬3)، وهذا مما يدل على شجاعته، وتضحيته، وصدق إيمانه رضي الله عنه. أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم الصارمة بحق المشركين يوم حنين: 699 - من حديث أنس رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: (جزوهم جزًّا)، وأومأ بيده إلى الحلق" (¬4). 12 - أساليب النبي التشجيعية يوم حنين في القتال: أ - أبو طلحة رضي الله عنه: 700 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ يعني يوم حنين: (من قتل كافرًا، فله سلبه)، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلًا، وأخذ أسلابهم" (¬5) ب - أبو قتادة رضي الله عنه: 701 - من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حنين. فلما التقينا كانت للمسلمين جولة (¬6). قال: فرأيت رجلًا من ¬

_ (¬1) انظر رقم: 692. (¬2) انظر رقم: 688. (¬3) انظر رقم: 687. (¬4) أخرجه البزار حديث رقم: 1830، كما في كشف الأستار، وقال الهيثمي: 6/ 181: رواه البزار، ورجاله ثقات. (¬5) أخرجه أبو داود في الجهاد باب في السلب يعطى للقاتل رقم: 2718، والدارمي: 2/ 229، وابن سعد: 3/ 505، وصححه الحاكم: 3/ 353، ووافقه الذهبي، وإسناده صحيح كما قالا. وابن حبان في الموارد: 1671، وأحمد: 3/ 114، 123، 190، 279، والطيالسي حديث رقم: 2079، والبيهقي في الدلائل: 5/ 150. (¬6) جولة: أي انهزم وخيفه ذهبوا فيها. وهذا إنما كان في بعض الجيش، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطائفة معه فلم يولوا. والأحاديث الصحيحة بذلك مشهورة قد سبق بعضها فيما مضى من الأحاديث.

المشركين قد علا رجلًا من المسلمين (¬1)، فاستدرت إليه حتى أتيته من ورائه، فضربته على حبل عاتقه (¬2)، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت (¬3). ثم أدركه الموت. فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب. فقال: ما للناس؟ فقلت: أمر الله. ثم إن الناس رجعوا، وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (من قتل قتيلًا، له عليه بينة، فله سلبه) (¬4) قال: فقمت فقلت: من يشهد لي؟ (¬5)، ثم جلست ثم قال مثل ذلك. فقال فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست. ثم قال ذلك. الثالثة فقمت. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ما لك؟ يا أبا قتادة!) فقصصت عليه القصة فقال رجل من القوم: صدق. يا رسول الله! سلب ذلك القتيل عندي. فأرضه من حقه، وقال أبو بكر الصديق: لاها الله (¬6) إذًا لا يعمد (¬7) إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله، فيعطيك سلبه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (صدق. فأعطه إياه) فأعطاني قال: فبعت الدرع، فابتعت به مخرفًا (¬8) في بني سلمة. فإنه لأول مال تأثلته (¬9) في الإِسلام. وفي حديث الليث: فقال أبو بكر: كلا لا يعطيه أضيبع في قريش ويدع أسدًا من أسد الله" (¬10). ¬

_ (¬1) قد علا رجلًا من المسلمين: يعنى ظهر عليه وأشرف على قتله، أو صرعه وجلس عليه ليقتله. (¬2) على حبل عاتقه: هامه بين العنق والكتف. (¬3) وجدت منها ريح الموت: يحتمل أنه أراد شده كشدة الموت: ويحتمل قاربت الموت. (¬4) له عليه بينة: أي شاهد، فله سلبه: هو ما على القتيل ومعه من ثياب وسلاح ومركب وجنيب يقاد بين يديه. (¬5) من يشهد لي: بأني قتلت رجلًا من المشركين، فيكون سلبه لي. (¬6) لاها الله: هكذا هو في روايات جميع المحدثين وهو قسم ويمين بمعنى (لا والله). (¬7) لا يعمد: الضمير عائد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. أي لا يقصد - عليه السلام - إلى إبطال حق أسد من أسود الله يقاتل في سبيله وهو أبو تقادة بإعطاء سلبه إياك. (¬8) مخرفًا: البستان وقيل السكة من النخيل وقيل هي الجنينة الصغيرة. (¬9) تأثلته: اقتنيته وتأصلته. (¬10) أخرجه البخاري باب غزوة حنين حديث رقم: 4321، ومسلم في الجهاد والسير باب غزوة حنين رقم: 1751، وأبو داود في الجهاد باب في السلب يعطى للقاتل: 2717، والترمذي في السير باب ما جاء فيمن قتل قتيلًا له سلبه: 1562، وقال: حسن صحيح، مالك في الموطأ: 2/ 10/ 12، الجهاد باب ما =

13 - شجاعة ممثلة النساء أم سليم يوم حنين

13 - شجاعة ممثلة النساء أم سليم يوم حنين: 702 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "إن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرًا (¬1)، فكان معها فرآها أبو طلحة. فقال: يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما هذا الخنجر؟) قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه. فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك. قالت: يا رسول الله! اقتل من بعدنا (¬2) من الطلقاء (¬3) انهزموا بك (¬4). فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن) (¬5). 14 - اعتصام بعض الفارين بأوطاس، وملاحقة المسلمين لهم: 703 - من حديث أبي موسى الأشعري: قال: "لما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد، وهزم الله أصحابه قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه فقلت: يا عم! من رماك؟ فأشار أبو عامر إلى أبي موسى، فقال: إن ذلك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني. قال أبو موسى فقصدت له، فاعتمدته، فلحقته، فلما رآني ولى عني ذاهبًا، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألست عربيًّا؟ ألا تثبت؟ فكف فالتقيت أنا وهو فاختلفنا ضربتين أنا وهو فقتلته. ثم رجعت إلى أبي عامر، فقلت: قد قتل الله صاحبك، قال: فانتزع هذا السهم، فنزعته، فنزا منه الماء (¬6) فقال: يا ابن أخي، انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقرئه عني السلام، ثم قل له إنه يقول ¬

_ = جاء في السلب، وابن الجارود: 1076، البيهقي: 9/ 150، والطحاوي: 1/ 130، وهو مختصر عند ابن ماجه: 2837 والدارمي: 2/ 229، وسعيد بن منصور رقم: 2696. (¬1) خنجرًا: سكين كبير ذات حدين. (¬2) من بعدنا: من سوانا. (¬3) الطلقاء هم الذين أسلموا يوم فتح مكة سمو بذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عليهم وأطلقهم وكان في إسلامهم ضعف فاعتقدت أم سليم أنهم منافقون يستحقون القتل لانهزامهم. (¬4) انهزموا بك: أي انهزموا عنك. على حد قوله تعالى: {فاسأل به خبيرًا}، أي عنه وبما تكون للسببية. أي انهزموا بسببك لنفاقهم. (¬5) أخرجه مسلم في الجهاد والسير باب غزوة النساء مع الرجال حديث رقم: 1809، وأحمد: 3/ 190، وسنده صحيح على شرط مسلم، وابن سعد في الطبقات: 8/ 425، وإسناده صحيح. (¬6) فنزا منه الماء: ظهر وجرى.

15 - حصار الطائف: في شوال سنة ثمان

لك استغفر لي. قال: واستخلفني أبو عامر على الناس يسيرًا، ثم مات. فلما رجعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، دخلت عليه، وهو في بيت على سرير مرمل وعليه فراش، وقد أثر رمال السرير بظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وجنبيه، فأخبرته بخبرنا، وخبر أبي عامر، وقلت له: قال: قل له يستغفر لي. فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فتوضأ، ثم رفع يديه، فقال: (اللهم اغفر لأبي عامر عبدك)، حتى رأيت بياض إبطيه، ثم قال: (اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك، أو من الناس)، فقلت: يا رسول الله! ولي فاستغفر. فقال: (اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلًا كريمًا). قال أبو بردة إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى" (¬1). 15 - حصار الطائف: في شوال سنة ثمان: قد سبق من حديث أنس رضي الله عنه رقم: 690 أن الرسول عليه الصلاة والسلام ومن معه من المسلمين جاهدوا المشركين في الطائف أربعين ليلة. وقد حدثث بعض الأحداث أثناء الحصار أسوقها فيما يلي: أ - أسلوب النبي في الحث في رماية السهام على حصن الطائف: 704 - من حديث أبي نجيح عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال: حاضرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصر الطائف، فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من بلغ بسهم فله درجة في الجنة). فبلغت يومئذ بستة عشر سهمًا، وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يقول: (من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر، ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورًا يوم القيامة). (وأيما رجل أعتق رجلًا مسلمًا فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- جاعل كل عظم من ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزاة أوطاس حديث رقم: 4323، مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر، حديث رقم: 2498، والنسائي في الكبرى كما جاء في تحفة الأشراف لمعرفة الأطراف حديث رقم: 9046، وابن جرير الطبري: 2/ 351.

ب - نزول بعض العبيد من الطائف وإعتاق النبي لهم

عظامه، وفاء كل عظم بعظم، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة، فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- جاعل كل عظم من عظامها وفاء كل عظم من عظام محررها من النار) واللفظ لأحمد (¬1). ب - نزول بعض العبيد من الطائف وإعتاق النبي لهم: 705 - من حديث أبي عثمان النهدي قال: "سمعت سعدًا، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكرة، وكان تسور حصن الطائف في أناس، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالا: سمعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم، فالجنة عليه حرام). وقال هشام، وأخبرنا معمر عن عاصم عن أبي العالية، أو أبي عثمان النهدي -قال: سمعت سعدًا وأبا بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: عاصم: قلت: لقد شهد عندك رجلان حسبك بهما. قال: أجل، أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأما الآخر فنزل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف" (¬2). جـ - إذن الرسول - عليه السلام - بالقفول من الطائف: 706 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف، فلم ينل منهم شيئًا، قال: (إنا قافلون غدًا -إن شاء الله). فقال المسلمون: أنرجع ولم نفتحه؟ فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اغدوا على القتال غدًا)، فأصابهم جراح فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنا قافلون غدًا إن شاء الله)، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في العتق باب أي الرقاب أفضل حديث رقم: 3965، الترمذي فضائل الجهاد باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله حديث رقم: 1638، باختصار وقال حديث صحيح، والنسائي في الجهاد باب ثواب من رمى سهم في سبيل الله: 6/ 26، 28، ابن ماجه في الجهاد باب الرمي في سبيل الله حديث رقم: 2812، وأحمد: 4/ 113، والحاكم: 3/ 49 - 50، وقال صحيح عال، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والحديث صحيح كما قالوا أخرجه بعضهم بطوله وبعضهم باختصار. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الطائف حديث رقم: 4326، 4327، ابن سعد: 2/ 159، 160، و 7/ 15، وقد ذكر الطبراني بسند لا بأس به عن أبي بكرة أنه تدلى من حصن الطائف ببكرة فكني أبا بكرة" ذكر ذلك الحافظ في الفتح: 8/ 45. وقد جاء عند أحمد في المسند: 4/ 168، 310، من حديث الشعبي عن رجل من ثقيف أن الرسول - عليه السلام - كان يطلق من يأتيه من العبيد، وسنده رجاله ثقات فقال: "سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن يرد علينا أبو بكرة وكان عبدًا لنا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو محاصر ثقيف، فأسلم فأبى أن يرده علينا، فقال: (هو طليق الله ثم طليق رسوله) ورجاله ثقات كما ذكرت.

د - دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم باهتداء ثقيف

فأعجبهم ذلك، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). د - دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم باهتداء ثقيف: 707 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قالوا: يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم، قال: (اللهم اهد ثقيفًا) (¬2). 16 - قسمة الغنائم: أ - طريقته في القسمة: 708 - من حديث عمرو بن تغلب رضي الله عنه قال: "أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومًا، ومنع آخرين، فكأنهم عتبوا عليه فقال: (إني أعطي أقوامًا أخاف هلعهم وجزعهم، وأكل قومًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو ابن ثعلب). قال عمرو: فما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم". وفي لفظ آخر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بمال، أو سبي - فقسمه، فأعطى رجالًا، وترك رجالًا. فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثم أثنى عليه، ثم قال: (أما بعد، فوالله إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني أعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، فيهم عمرو بن ثغلب)، فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله عليه وسلم حمر النعم" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الطائف الحديث رقم: 1778، مسلم في الجهاد والسير باب غزوة الطائف حديث رقم: 1778، وجاء في رواية مسلم عن عبد الله بن عمرو بدلًا من عبد الله بن عمر، والصواب هو الثاني والله أعلم كما صوبه الدارقطني وأبو مسعود الدمشقي في الأطراف، والحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند ابن عمر، وأخرجه أحمد في المسند: 2/ 11. (¬2) أخرجه الترمذي في المناقب باب مناقب ثقيف وبني حنيفة حديث رقم: 3942، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وأحمد: 3/ 343، ورجاله ثقات. (¬3) أخرجه البخاري في الجمعة باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد حديث رقم: 923، وجاء عنده أيضًا بأرقام: 3145، 7535، وأحمد في المسند: 5/ 69.

ب - إعطاؤه لصفوان بن أمية

ب - إعطاؤه لصفوان بن أمية: 709 - من حديث ابن شهاب قال: "غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة الفتح، فتح مكة، ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم، ثم مائة. ثم مائة. قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: والله! لقد أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إلي. فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي) (¬1). جـ - إعطاؤه لأبي سفيان بن حرب: 710 - من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال: "أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم، مائة من الإبل. وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك. فقال عباس بن مرداس: أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع فما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع قال: فأتم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة" (¬2). د - الأعرابي الجلف ورفض البشرى: 711 - من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرابي، فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: (أبشر). فقال: قد أكثرت علي من أبشر. فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: (رد البشرى، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في الفضائل باب ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا في فقال: لا وكثرة عطائه حديث: 2313، والترمذي في الزكاة باب ما جاء في إعطاه المؤلفة قلوبهم حديث رقم: 666، وأحمد: 6/ 465، وابن سعد: 5/ 449. (¬2) أخرجه مسلم في الزكاة باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه حديث: 1060.

هـ - مقولة المنافق اعدل فإنك لم تعدل

فأقبلا أنتما). قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجه فيه، ومج فيه ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا، فأخذا القدح ففعلا. فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة" (¬1). هـ - مقولة المنافق اعدل فإنك لم تعدل: 712 - من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "فلما كان يوم حنين آثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناسًا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة. فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله. قال: فقلت: والله! لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فأتيته، فأخبرته بما قال: قال: فتغير وجهه حتى كان كالصرف. ثم قال: (فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله) قال: ثم قال: (يرحم الله موسى. قد أوذي بأكثر من هذا فصبر) قال: قلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثًا" واللفظ لمسلم (¬2). و- خطبته صلى الله عليه وسلم بعد توزيع الغنائم: 713 - من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، وجاءته وفود هوازن فقالوا: يا محمد إنا أصل (¬3) وعشيرة، فمنَّ علينا منَّ الله عليك، فإنه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فقال: (اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم) فقالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا نختار أبناءنا، فقال: (ما كان لي ولبني عبد المطلب، فهو لكم، فإذا صليت الظهر قولوا: إنا نستشفع برسول الله على المؤمنين، وبالمؤمنين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسائنا وأبنائنا). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الطائف حديث: 4328، مسلم فضائل الصحابة باب من فضائل أبي موسى الأشعري وأبي عامر حديث رقم: 2497. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الطائف حديث رقم: 4336، مسلم في الزكاة باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإِسلام وتصبر من قوي إيمانه حديث: 1062، وأحمد كما في الفتح الرباني: 21/ 180 وقد جاء من حديث جابر بن عبد الله عند مسلم: 1063، وابن ماجة: 172، والبيهقي في الدلائل: 5/ 185، ومن حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري في المناقب باب علامات النبوة في الإِسلام حديث رقم: 3610، ومسلم في الزكاة حديث رقم: 1064/ 148، البيهقي في الدلائل: 5/ 188. (¬3) أنا أصل: يريدون أن رسول الله استرضع في بني سعد، وأن أمه من الرضاع حليمة السعدية.

17 - مجيء وفد هوازن مسلمين وإعادة السبي لهم

قال: ففعلوا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما ما كان لي ولبني عبد الطلب فهو لكم)، وقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقالت الأنصار مثل ذلك، وقال عيينة بن بدر: أما ما كان لي ولبني فزارة فلا، وقال الأقرع ابن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا. فقال الحيان: كذبت بل هو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا أيها الناس ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن تمسك بشيء من الفيء، فله علينا ستة فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا). وفي رواية "فردوا على الناس أبناءهم ونساءهم ثم ركب راحلته، وتعلق به الناس يقولون: اقسم علينا فيئنا بيننا، حتى ألجأوه إلى سمرة (¬1) فخطفت رداءه، فقال: (يا أيها الناس ردوا علي ردائي، فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعم لقسمته بينكم ثم لا تلقوني بخيلًا ولا جبانًا ولا كذوبًا). ثم دنا من بعيره، فأخذ وبرة من سنامه، فجعلها بين أصابعه السبابة والوسطى، ثم رفعها، فقال: (يا أيها الناس ليس لي من هذا الفيء ولا هذه إلا بالخمس، والخمس مردود عليكم، فردوا الخياط والمخيط، فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة عارًا ونارًا وشنارًا). فقام رجل معه كبة من شعر فقال: إني أخذت هذه أصلح بها بردعة بعير لي دبر، قال: (أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك)، فقال الرجل: يا رسول الله أما إذ بلغت ما أرى فلا أرب لي بها ونبذها" (¬2). 17 - مجيء وفد هوازن مسلمين وإعادة السبي لهم: قد سبق طرف من هذا في الحديث الذي سبق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد جاء أيضًا بشيء من الزيادة والتفصيل وأكثر صحة من الحديث ¬

_ (¬1) سمرة: ضرب من شجر الطلح له شوك. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 2/ 184، ابن هشام في السيرة: 2/ 488، 490 والبيهقي في الدلائل: 5/ 194 - 196، أبو داود: 2694، ابن الجارود: 1080، والنسائي: 2/ 178 وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 187 - 188: رواه أبو داود باختصار كثير، ورواه أحمد، ورجال أحمد أسانيده ثقات، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح: 8/ 34، وهو كما قال الحافظ، وقد جاء أيضًا من حديث عبادة بن الصامت عند الحاكم: 3/ 49، مقطع الخطبة فقط، ومن حديث عمرو بن عبسة عند البيهقي: 6/ 339 ومن حديث جبير بن مطعم عند البخاري برقم: 2821، 3148.

18 - مقولة الأنصار في تقسيم الغنائم وخطاب النبي لهم

الذي ذكرت: 714 - من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال. وقد كنت استأنيت بكم) وكان أنظرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين. قالوا: فإنا نختار سبينا. فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: (أما بعد فإن إخوانكم قد جاءونا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل). فقال الناس: قد طبنا بذلك يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن. فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم)، فرجع الناس، فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا. هذا الذي بلغني عن سبي هوازن" (¬1). 18 - مقولة الأنصار في تقسيم الغنائم وخطاب النبي لهم: لقد جاءت هذه المقولة من حديث عبد الله بن زيد، وأنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهم، ورواياتهم بعضها فيها طول وبعضها فيها اختصار، وسنوردها جميعًا لأن كل حديث من هذه الأحاديث فيه ما ليس في الآخر: 715 - من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح حنينًا قسم الغنائم، فأعطى المؤلفة قلوبهم، فبلغه أن الأنصار يحبون أن يصيبوا ما أصاب الناس فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخطبهم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: (يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي؟ وعالة (¬2) فأغناكم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} حديث رقم: 4318، 4319، أحمد في المسند: 4/ 326، 327، أبو داود: 2693، البيهقي: 9/ 64. (¬2) عالة: أي فقراء.

الله بي؟ ومتفرقين (¬1) فجمعكم الله بي) ويقولون: الله ورسوله أمنُّ. فقال: (ألا تجيبوني؟) فقالوا: الله ورسوله أمن. فقال: (أما إنكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا)، وكان من الأمر كذا وكذا" لأشياء عددها. زعم عمرو أن لا يحفظها. فقال: (ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء (¬2) والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ الأنصار شعار والناس دثار (¬3)، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا وشعبًا، لسلكت وادي الأنصار وشعبهم. إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) (¬4) اللفظ لمسلم. 716 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن أناسًا من الأنصار قالوا يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء (¬5)، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي رجالًا من قريش. المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطي قريشًا، ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم! " (¬6). قال أنس بن مالك: فحدث ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من قولهم. فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم (¬7). فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ما حديث بلغني عنكم) فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا، يا رسول الله! فلم يقولوا شيئًا. وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لرسوله، يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم! ¬

_ (¬1) متفرقين: متدابرين يعادي بعضكم بعضًا. (¬2) الشاء: جمع شاه وهي الغنم. (¬3) الأنصار شعار والناس دثار: قال أهل اللغة: الشعار الثوب الذي يلي الجسد، والدثار فوقه ومعناه الأنصار هم البطانة والخاصة والأصفياء وألصق الناس بي من سائر الناس. (¬4) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الطائف حديث رقم: 4330، مسلم في الزكاة باب إعطاء المؤلفة قلوبهم حديث رقم: 1061، وأحمد: 4/ 42. (¬5) ما أفاء: ما غنم من هوازن بعد هزيمتهم. (¬6) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الطائف حديث رقم: 4331، مسلم في الزكاة باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإِسلام حديث رقم: 1059/ 132، أحمد: 3/ 169، 172، 188، 246، 249. (¬7) قبة من أدم: القبة من الخيام: بيت صغير مستدير والأدم الجلد.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فإني أعطي رجالًا حديثي عهد بكفر أتألفهم (¬1). أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم (¬2) برسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فوالله! لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به) فقالوا: بلى يا رسول الله! قد رضينا. قال: (فإنكم ستجدون أثَرةً شديدة (¬3)، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله. فإني على الحوض). قالوا: سنصبر. قال أنس: فلم نصبر" وفي لفظ آخر له: "قال: جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار، فقال: (أفيكم أحد من غيركم؟ فقالوا: لا. إلا ابن أخت لنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن ابن أخت القوم منهم). فقال: (إن قريشًا حديث عهد بجاهلية (¬4) ومصيبة. وإني أردت أن أجبرهم (¬5) وأتألفهم. أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا، وترجعون برسول الله إلى بيوتكم. لو سلكت الناس واديًا، وسلك الأنصار شعبًا (¬6)، لسلكت شعب الأنصار) (¬7). 716 - من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "لما أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطى من تلك العطايا، في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت منهم المقالة (¬8) حتى قال قائلهم: لقد لقي والله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يك في هذا ¬

_ (¬1) أتألفهم: أستميل قلوبهم بالإحسان ليثبتوا على الإِسلام رغبة في المال. (¬2) رحالكم: منازلكم. (¬3) أثرة شديدة: الأثرة: الاستتثار: أي يستأثر عليكم ويفضل عليكم غيركم بغير حق. (¬4) حديث عهد بجاهلية: كانوا قريب عهد بجاهلية. أي أن زمانهم قريب من زمان الكفر. (¬5) أجبرهم: أي أفعل معهم ما ينجبر به خاطرهم وينسيهم مصيبتهم. (¬6) وسلك الأنصار شعبًا: قال الخليل: الشعب هو ما انفرج عن بين جبلين. (¬7) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الطائف حديث رقم: 4334، مسلم في الزكاة باب إعطاء المؤلفة قلوبهم حديث رقم: 1059/ 133، وأحمد في فضائل الصحابة: 1431، وفي المسند: 3/ 165 - 166. (¬8) المقالة: الكلام الرديء.

الحي من الأنصار منها شيء. قال: (فأين أنت من ذلك يا سعد؟) قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي، قال: (فأجمع لي قومك في هذه الحظيرة) (¬1). قال: فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة. قال: فجاء رجال من المهاجرين، فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فرده. فلما اجتمعوا له أتاه سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول - صلى الله عليه وسلم -، فحمد لله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: (يا معشر الأنصار: ما قالة بلغتني عنكم، وجدة (¬2) وجدتموها علي في أنفسكم؟ الم آتكم ضلالًا فهداكم الله، وعالة (¬3) فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم!) قالوا: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل. ثم قال: (ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟) قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل. قال - صلى الله عليه وسلم -: (أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم، ولصُدقتم: أتيتنا مكذبًا فصدقناك، ومخذولًا (¬4) فنصرناك، وطريدًا فآويناك. وعائلًا فآسيناك (¬5)؟ وجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة (¬6) من الدنيا تألفت بها قومًا ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمَّد بيده، لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبًا، وسلكت الأنصار شعبًا: لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار) (¬7). ¬

_ (¬1) الحظيرة: شبيه الزريبة التي تصنع للإبل والماشية لتمنعها، وتكف عنها العوادي. (¬2) الموجدة: العتاب. (¬3) عالة: جمع عائل: الفقير. (¬4) مخذولًا: متروكًا. (¬5) آسيناك: أعطيناك حتى جعلناك كأحدنا. (¬6) لعاعة: بقلة خضراء ناعمة شبه بها زهرة الدنيا ونعيمها. (¬7) أخرجه أحمد: 3/ 76 - 77 - 89، ابن جرير: 2/ 360، 361 وعبد الرزاق في المصنف: 11/ 64، وأبو يعلى كما في مجمع الزوائد: 10/ 30، وأسانيدهم صحيحة، ابن كثير في سيرته: 3/ 678، 679، ابن هشام في السيرة: 2/ 498 - 499، وسنده صحيح.

فوائد هذه القصة وعبرها: ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح فوائد نفيسة استخلصها من هذه الحادثة وما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأنصار، وما قالوا له، أذكرها لعظيم نفعها، وجزالة معانيها، ولما احتوته في طياتها من الخير العظيم، قال رحمه الله: وبعد شرحه حديث عبد الله بن زيد وبيانه للكثير من معانيه. وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم: إقامة الحجة على الخصم، وإفحامه بالحق عند الحاجة إليه، وحسن أدب الأنصار في تركهم المحاورة، والمبالغة في الحياء، وبين أن الذي نقل عنهم إنما كان عن شبانهم لا عن شيوخهم وكهولهم. وفيه مناقب عظيمة لهم لما اشتمل من ثناء الرسول البالغ عليهم، وأن الكبير ينبه الصغير على ما يغفل عنه، ويوضح له وجه الشبهة ليرجع إلى الحق، وفيه المعاتبة واستعطاف المعاتب وإعتابه عن عتبه بإقامة حجة من عتب عليه، والاعتذار والاعتراف. وفيه علم من أعلام النبوة لقوله: "ستلقون بعدي أثرة " فكان كما قال. وقد قال الزهري في روايته عن أنس في آخر الحديث قال أنس فلم يصبروا" وفيه أن للإمام تفضيل بعض الناس على بعض في مصارف الفيء، وأن له أن يعطي الغني منه للمصلحة، وأن من طلب حقه من الدنيا لا عتب عليه في ذلك. وفيه مشروعية الخطبة عند الأمر الذي يحدث سواءً كان خاصًّا أم عامًّا، وفيه تسلية من فاته شيء من الدنيا مما حصل له من ثواب الآخرة، والحض على طلب الهداية والألفة والغنى وأن المنة لله ورسوله على الإطلاق، وتقديم جانب الآخرة على الدنيا، والصبر عما فات منها ليدخر ذلك لصاحبه في الآخرة، والآخرة خير وأبقى" (¬1). ¬

_ (¬1) فتح الباري: 8/ 52.

19 - عمرة النبي -عليه السلام- من الجعرانة

19 - عمرة النبي -عليه السلام- من الجعرانة: وقد ذكر هذه العمرة أصحاب المغازي والسير مثل عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة وابن إسحاق، وابن هشام، وابن حبان، والواقدي، وقد أنكره ابن عمر رضي الله عنه، ونقل ذلك عنه مولاه نافع، أخرج البخاري من طريق أيوب عن نافع قال: لم يعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة، ولو اعتمر لم يخف على عبد الله. وأخرج مسلم من هذا الوجه عن نافع قال: ذكر عند ابن عمر رضي الله عنهما عمرة رسول الله من الجعرانة، فقال: لم يعتمر منها، وهذا الذي نفاه قد أثبته غيرهما والمثبت مقدم على النافي. قال النووي: هذا محمول على نفي علمه، أي أنه لم يعلم بذلك، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر من الجعرانة، والإثبات مقدم على النفي لما فيه من زيادة العلم، وقد ذكر مسلم في كتاب الحج اعتمار النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة عام حنين من رواية أنس رضي الله عنه. وحديث أنس أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي، وقد ورد من حديث ابن عباس، أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وحسنه الترمذي، ومن حديث جابر رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي، ومن حديث محرش الكعبي رواه أحمد والحميدي وأبو داود والترمذي والنسائي، قال الحافظ ابن كثير: قد أطبق النقلة ممن عداهما على رواية ذلك من أصحاب الصحاح والسنن، والمسانيد، وذكر ذلك أصحاب المغازي والسير كلهم. ووجه الخفاء في القضية ما جاء في حديث محرش الكعبي "أن رسول الله خرج ليلًا معتمرًا، فدخل مكة ليلًا، فقضى عمرته ثم خرج من ليلته، فأصبح بالجعرانة كبائت" إلى آخر الحديث، وفيه: "ومن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس". 717 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته، عمرة من الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين

في ذي القعدة، وعمرة مع حجته" (¬1). 718 - من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر، عمرة الحديبية والثانية حين تواطؤا على عمرة من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي قرن مع حجته" (¬2). 719 - من حديث يعلى بن منبه رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو بالجعرانة وعليه جبة، وعليها خلوق، أو قال: أثر صفرة، فقال: كيف تأمرني أصنع في عمرتي؟ قال: وأنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي، فستر بثوب، وكان يعلى يقول: وددت أني أرى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أنزل الوحي عليه، قال: فرفع عمر طرف الثوب عنه، فنظرت إليه، فإذا له غطيط "قال" وأحسبه كغطيط البكر، فلما سري عنه قال: (أين السائل عن العمرة؟ اغسل عنك الصفرة، أو قال أثر الخلوق، واخلع عنك جبتك، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك). قال: وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل قد عض رجلًا، فانتزع يده، فسقطت ثنيتا الذي عضه، قال: فأبطلها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: (أردت أن تقضمه كما يقضم الفحل) (¬3). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه حديث رقم: 483، أول غزوة الحدييبة. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 2211، والترمذي: 816، في الحج باب ما جاء كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وابن ماجة: 3003، في المناسك باب كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو داود: 1993، في الحج باب العمرة، وسنده صحيح. (¬3) أخرجه البخاري في فضائل القرآن باب نزل القرآن بلسان قريش، حديث رقم: 4985 مسلم في الحج باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه حديث رقم: 1180.

المبحث الثالث: ابن اللتبية الأزدي وجمع الصدقات

المبحث الثالث: ابن اللتبية الأزدي وجمع الصدقات لما رجع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ودخلت سنة تسع للهجرة بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المصدقين ليأخذوا الصدقات من الأعراب، وكان من بينهم ابن اللتبية الأزدي، وله قصة في جمع الصدقة أسوقها هنا لطرافتها: 720 - من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم، قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي"، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: (ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه أو بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا، والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه إن كان بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر)، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ثم قال: (اللهم هل بلغت مرتين) (¬1). المبحث الرابع: إسلام عدي بن حاتم الطائي 721 - من حديث أبي عبيدة بن حذيفة عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: قال أبو عبيدة: كنت أحدَّثُ عن عدي بن حاتم فقلت هذا عدي في ناحية الكوفة، فلو أتيته، فكنت أنا الذي أسمعه منه، فأتيته فقلت: إني كنت أحدث عنك حديثًا، فأردت أن أكون أنا الذي أسمعه منك. قال: لما بعث الله عر وجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فررت منه حتى كنت في أقصى أرض المسلمين مما يلي الروم. قال: فكرهت مكاني الذي أنا فيه حتى كنت له أشد كراهية له مني من حيث جئت، قال: قلت: لأتين هذا الرجل فوالله إن كان صادقًا فلأسمعن منه، وإن كان كاذبًا ما هو بضائري. قال: فأتيته واستشرفني الناس وقالوا: عدي بن حاتم، عدي بن حاتم، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري: في الجمعة باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد رقم: 925، وانظر أرقام: 1500، 2597، 6636، 6979، 7174، 7197، ومسلم في الإمارة، باب محاسبة الإِمام عماله رقم: 1832، وأبو داود في الخراج والإمارة باب في هدايا العمال رقم: 2946، والبيهقي في السنن 7/ 16، 10/ 138، والحميدي في مسنده رقم: 840، وأحمد في المسند: 5/ 423، 4324.

قال: أظنه قال ثلاث مرار، قال: فقال لي: (يا عدي بن حاتم أسلم تسلم)، قال: قلت: إني من أهل دين. قال: (يا عدي بن حاتم أسلم تسلم). قال: قلت: إلى من أهل دين، قالها ثلاثًا. قال: (أنا أعلم بدينك منك). قال: قلت: أنت أعلم بديني مني؟ قال: (نعم) قال: (أليس ترأس قومك؟) قال: قلت: بلى. قال: فذكر محمد الركوسية قال كلمة التمسها يقيمها فتركها قال: (فإنه لا يحل في دينك المرباع). قال: فلما قالها، تواضعت لها. قال: (وإني قد أرى أن مما يمنعك خصاصة تراها ممن حولي، وأن الناس علينا إلبًا واحدًا هل تعرف مكان الحيرة؟) قال: قلت: قد سمعت بها ولم آتها. قال: (لتوشكن الظعينة أن تخرج منها بغير جوار حتى تطوف بالكعبة، ولتوشكن كنوز كسرى بن هرمز تفتح)، قال: قلت: كسرى بن هرمز؟، قال: (كسرى بن هرمز ثلاث مرات)، (وليوشكن أن يبتغي من يقبل ماله منه صدقة فلا يجد)، قال: فلقد رأيت اثنتين، قد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالكعبة وكنت في الخيل التي أغارت على المدائن، وأيم الله لتكونن الثالثة إنه لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثنيه) (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 377 - 378، وإسناده حسن، الحاكم: 4/ 518 - 519، والبيهقي في الدلائل: 5/ 343، وابن حبان كما في الإحسان: 8/ 237، رقم: 6644، وأورده ابن الأثير في أسد الغابة: 4/ 8، وجاء من طريق آخر من حديث سماك بن حرب عن عباد بن حببش عن عدي، وأخرجه أحمد: 4/ 378، ابن هشام في السيرة: 2/ 578 - 581، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير عباد بن حبيش وهو ثقة: 6/ 208، وقد جاء جزء من هذا الحديث السابق من حديث عدي بن حاتم، وهو المتعلق ببشريات الرسول - عليه السلام - لعدي عن الحيرة وكنوز كسرى وفيض المال وقد أخرجه البخاري في الصحيح في المناقب باب علامات النبوة حديث رقم: 3595، وأحمد: 4/ 257 - 379.

الفصل العاشر غزوة تبوك أو غزوة العسرة

الفصل العاشر غزوة تبوك أو غزوة العسرة 1 - ما تبوك: تبوك اسم مشهور في القديم والحديث وقد وصفها ياقوت في معجم البلدان فقال: تبوك بالفتح ثم بالضم وواو ساكنة، وكان موضعًا بين وادي القرى والشام، وقيل بركة لأبناء سعد من بني عذرة. وقال أبو زيد: "تبوك بين الحجر وأول الشام على أربع مراحل من الحجر، نحو نصف طريق الشام، وهو حصن به عين ونخل وحائط ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال ياقوت: وتبوك تقع بين جبل حسمي وجبل شروري، حسمي غربيها وشروري شرقيها، وبين تبوك والمدينة اثنتا عشرة مرحلة". 2 - وقتها: قال الحافظ في الفتح: "كانت غزوة تبوك في شهر رجب من سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف، وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس أنها كانت بعد الطائف بستة أشهر، وليس مخالفًا لقول من قال في رجب إذا حذفنا الكسور لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد دخل المدينة من رجوعه من الطائف في ذي الحجة" (¬1). وقد قال ابن إسحاق: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، وذلك في زمان من عسرة الناس، وشدة من الحر، وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها، وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد (¬2) له إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنه بينها للناس، لبعد الشقة، وشدة الزمان، وكثرة العدو الذي يصمد له، ليتأهب الناس لذلك أهبته، فأمر الناس بالجهاز، وأخبرهم أنه يريد الروم" (¬3). ¬

_ (¬1) فتح الباري: 8/ 111، سيرة ابن كثير: 4/ 4، ابن هشام: 2/ 516، زاد المعاد: 3/ 526، ابن سعد: 2/ 165، 168. (¬2) يصمد: يقصد. (¬3) سيرة ابن هشام: 2/ 516.

3 - لم سميت غزوة العسرة

3 - لم سميت غزوة العسرة: قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}: "أي وقت العسرة والمراد جميع أوقات تلك الغزوة، ولم يرد ساعة بعينها، وقيل: ساعة العسرة أشد الساعات التي مرت بهم في تلك الغزاة. والعسرة صعوبة الأمر. قال جابر: اجتمع عليهم عسرة الظهر، وعسرة الزاد، وعسرة الماء. قال الحسن: كانت العشرة من المسلمين يخرجون على بعير يعتقبونه بينهم، وكان زادهم التمر المتسوس والشعير المتغير والإهالة المنتنة، وكان النفر يخرجون ما معهم -إلا التمرات بينهم، فهذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمر فلاكها حتى جيد طعمها، ثم يعطيها صاحبه حتى يشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى تأتي على آخرهم، فلا يبقى من التمرة إلا النواة. فمضوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - على صدقهم ويقينهم رضي الله عنهم. وقال عمر رضي الله عنه وقد سئل عن ساعة العسرة: خرجنا في قيظ شديد، فنزلنا منزلًا أصابنا فيه عطش شديد حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع من العطش، وحتى إن الرجل لينحر بعيره، فيعصر فرثه، فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده. فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيرًا، فادع لنا. قال: (أتحب ذلك)، قال: نعم، فرفع يديه، فلم يرجعهما حتى أظلت السماء ثم سكبت فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر. وروى أبو هريرة وأبو سعيد قالا: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فأصاب الناس مجاعة وقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا، فنحرنا نواضحنا، فأكلنا وادهنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (افعلوا)، فجاء عمر وقال: يا رسول الله إن فعلوا قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، فادع الله عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك البركة. قال: (نعم)، ثم دعا بنطع فبسط، ثم دعا بفضل الأزواد، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع النطع من ذلك شيء يسير. قال أبو هريرة: فحزرته فإذا هو قدر ربضة العنز، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبركة، ثم قال: (خذوا في أوعيتكم)، فأخذوا في أوعيتهم حتى والذي لا إله

4 - الإخبار عن وجهة الجيش

إلا هو- ما بقي في العسكر وعاء إلا ملأوه، وأكل القوم حتى شبعوا، وفضلت فضلة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاكٍ فيهما فيحجب عن الجنة) أخرجه مسلم في صحيحه بلفظه ومعناه والحمد لله. قال ابن عرفة: سمي جيش تبوك جيس العسرة لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ندب الناس إلى الغزو في حمارة القيظ، فغلظ عليهم وعسر، وكان إبان إبتياع الثمرة، قال: وإنما ضرب المثل بجيش العسرة لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يغز قبله في عدد مثله. لأن أصحابه يوم بدر كانوا ثلثمائة وبضعة عشر، ويوم أحد سبعمائة، ويوم خيبر ألفًا وخمسماية، ويوم الفتح عشرة آلاف، ويوم حنين اثني عشر ألفًا، وكان جيشه في غزوة تبوك ثلاثين ألفًا وزيادة، وهي آخر مغازيه - صلى الله عليه وسلم -. وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجب، وأقام بتبوك شعبان وأيامًا من رمضان، وبث سراياه وصالح أقوامًا على الجزية، وفي هذه الغزاة خلف عليًّا على المدينة فقال المنافقون: خلفه بغضًا له، فخرج خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره فقال - عليه السلام - (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) وبين أن قعوده بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - يوازي في الأجر خروجه معه؛ لأن المدار على أمر الشارع. وإنما قيل لها: غزوة تبوك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى قومًا من أصحابه يبوكون حسي تبوك، أي يدخلون فيه القدح ويحركونه ليخرج الماء، فقال: (ما زلتم تبوكونها بوكًا) فسميت تلك الغزوة غزوة تبوك" الحسين (بالكسر) ما تنشفه الأرض من الرمل فهذا صار إلى صلابة أمسكته، فتحفر عنه الرمل، فتستخرجه وهو الإحشاء قاله الجوهري" (¬1). 4 - الإخبار عن وجهة الجيش: كان من نهجه عليه الصلاة والسلام أنه إذا أراد أن يغزو منطقة أو قومًا ورى عن المنطقة، أو عن القوم بأنه يريد آخرين، مثل أنه إذا كان يريد غزوة في الشمال سأل عن منطقة في الجنوب من أجل أن يخفي حركته وحركة الجيش الذي معه، ومن أجل أن لا يفوت على جيش المسلمين عنصر المفاجأة الذي يكون في كثير من الأحيان عنصرًا أساسيًّا من عناصر هزيمة القوم الذين يراد غزوهم، إلا أنه ¬

_ (¬1) القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: 8/ 278.

5 - دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين للتبرع لإعداد الجيش

في هذه الغزوة أعلن عن وجهته التي يريد؛ لأن العدو كثير، والمسافة بعيدة، والحر شديد، فلا بد من الاستعداد والتزود. 722 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى (¬1) بغيرها، حتى كانت غزوة تبوك، فغزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حر شديد، استقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا (¬2) استقبل غزو عدد كثير، فجلا (¬3) للمسلمين أمرهم ليتاهبوا أهبة (¬4) عدوهم، أخبرهم بوجهه الذي يريد" (¬5). 5 - دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين للتبرع لإعداد الجيش: حث الرسول عليه الصلاة والسلام أغنياء الصحابة على التصدق، وهو ما يسمى بلغة العصر التبرع -لتجهيز الجيش الإِسلامي الضخم الذي احتشد للخروج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وإكمال تموينه؛ لأن بيت مال المسلمين بالمدينة ليس فيه ما يكفي لتموين وتجهيز هذا الجيش الكبير. وما كاد الأغنياء وميسوري الحال من الصحابة يتبلغون نداء الرسول - صلى الله عليه وسلم - الحاث على التصدق والتبرع لإكمال تجهيز الجيش المغازي هذا حتى تسابقوا إلى ميدان التبرع والتصدق طمعًا فيما عند الله تعالى من ثواب، وكان التبرع من هؤلاء الكرام على أعلى مستويات السخاء فتم للرسول - صلى الله عليه وسلم - جمع أموال عظيمة من المتصدقين في وقت قليل جدًّا، تمكن بهذه الأموال من تموين الجيش وإكمال تجهيزه حيث وفر للجيش وسائل النقل، والأسلحة، والأكل لأفراده الذين لا يقدرون على أن يوفروها لأنفسهم من مالهم الخاص. وكان من أعظم هؤلاء جميعًا سخاء عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد ضرب الرقم القياسي في البذل والسخاء حين جاء بالمال الكثير لتجهيز المقاتلين ¬

_ (¬1) ورى: أوهم بغيرها. (¬2) المفاز: الفلاة التي لا ماء فيها. (¬3) جلا: أوضح لهم أمرهم. (¬4) الأهبة: أخذ ما يحتاجون إليه في سفرهم. (¬5) أخرجه البخاري في الجهاد، باب من أراد غزوة فورى بغيرها رقم: 2948، مسلم في التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبية: 2769، وسيأتي مزيد في تخريجه عند ذكر قصة توبة كعب بن مالك وصاحبيه، فانظره هناك.

6 - لمز المنافقين للمتصدقين

وتموينهم جعلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسَّر جدًّا به ويرض عنه ويدعو له، فقد جاء: 723 - من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: "جاء عثمان بن عفان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي - صلى الله عليه وسلم - جيش العسرة قال: فصبها في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلبها بيده ويقول: (ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم يرددها مرارًا) (¬1). 724 - وأما علبة بن زيد فخرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله، ثم بكى، وقال: اللهم أنك قد أمرت بالجهاد، ورغبت فيه، ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها مال أو جسد أو عرض. ثم أصبح مع الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أين المتصدق هذه الليلة؟) فلم يقم أحد، ثم قال: (أين المتصدق فليقم) فقام إليه فأخبره فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أبشر فوالذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة) (¬2). 6 - لمز المنافقين للمتصدقين: 725 - من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: "لما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رئاء فنزلت {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلا جُهْدَهُمْ} الآية" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب مناقب عثمان بن عفان حديث رقم: 3701، وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه أحمد في المسند: 5/ 63، وإسناده حسن، والحاكم: 3/ 102، وصححه، ووافقه الذهبي، وأبو نعيم في الحلية: 1/ 59، وله شواهد ذكرها الحافظ ابن كثير في السيرة: 4/ 7، من حديث عبد الرحمن بن خباب السلمي الذي أخرجه الترمذي: 3701، وأحمد: 4/ 275، وفيه فرقد أبو طلحة لا يعرف، وباقي رجاله ثقات. ومن حديث الأحنف بن قيس الذي أخرجه الطيالسي والنسائي: 6/ 234. وقال الحافظ في الإصابة: 2/ 455، وجاء من طرق كثيرة شهيرة صحيحة عن عثمان أنه لما حصروه أنشد الصحابة في أشياء منها تجهيز جيش العسرة. ونقل الحافظ أيضًا في الفتح: 8/ 111، شاهدًا عن عمران بن حصين، وعزاه إلى الطبراني. قلت: وفيه ضعف كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 191: رواه الطبراني، وفيه العباس بن الفضل الأنصاري وهو ضعيف. (¬2) حديث صحيح وردًا مسندًا وموصولًا كما قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: 2/ 493، من حديث مجمع بن جارية أو من حديث عمرو بن عرف وأبي عبس بن جبر، ومن حديث علبة بن زيد نفسه. (¬3) أخرجه البخاري في التفسير، باب سورة التوبة، باب الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في =

7 - قصة أصحاب أبي موسى الأشعري

7 - قصة أصحاب أبي موسى الأشعري: 726 - من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "أرسلني أصحابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله الحملان لهم إذا هم معه في جيش العسرة وهي غزوة تبوك، فقلت: يا نبي الله، إن أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم، فقال: (والله لا أحملكم على شيء)، ووافقته وهو غضبان ولا أشعر، ورجعت حزينًا من منع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن مخافة أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد في نفسه علي، فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالًا ينادي: أي عبد الله بن قيس، فأجبته فقال: أحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوك. فلما أتيته قال: (خذ هذين القرنين لستة أبعرة ابتاعهن حينئذ من سعد -فانطلق بهن إلى أصحابك فقل: إن الله -أو قال- إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحملكم على هؤلاء، فاركبوهن). فانطلقت إليهم بهن فقلت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحملكم على هؤلاء، ولكني والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تظنوا أني حدثتكم شيئًا لم يقله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالوا لي: إنك عندنا لمصدق، ولنفعلن ما أحببت، فانطلق أبو موسى بنفر منهم حتى أتو الذين سمعوا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منعه إياهم ثم إعطاءهم بعد، فحدثوهم بمثل ما حدثهم به أبو موسى" (¬1). 8 - متى خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة: 727 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس" (¬2). ¬

_ = الصدقات، حديث رقم: 4668، مسلم في الزكاة باب العمل بأجرة يتصدق بها، والنهي الشديد عن تنقيص المتصدق بقليل، حديث رقم: 1018،، ابن جرير في التفسير: 10/ 196، ابن حبان في الموارد حديث رقم: 1433. (¬1) أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة، حديث رقم: 4415، مسلم في الإيمان؛ باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خير حديث رقم: 1649، البيهقي في دلائل النبوة: 5/ 216 - 217. (¬2) أخرجه البخاري في الجهاد، باب من أراد غزوة فورى بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس حديث رقم: 2950، والنسائي في الكبرى في السير كما أشار إلى ذلك في تحفة الأشراف حديث رقم: 11143.

9 - تشييع علي للنبي صلى الله عليه وسلم

9 - تشييع علي للنبي صلى الله عليه وسلم: 728 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "أن عليًّا رضي الله عنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى جاء ثنية الوداع، وعلي رضي الله عنه يبكي يقول: تخلفني مع الخوالف فقال: (أو ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة) (¬1). 10 - تخلف علي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم: 729 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أتخلفني في النساء والصبيان، فقال: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي) (¬2). 11 - دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالبركة في ظهورهم: 730 - من حديث شريح بن عبيد (أن فضالة بن عبيد الأنصاري كان يقول: غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك، فجهد بالظهر جهدًا شديدًا (¬3) فشكوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بظهرهم من الجهد، فتحين بهم مضيقًا (¬4)، فسار النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه فقال: (مروا باسم الله)، فمر الناس عليه بظهرهم، فجعل ينفخ بظهرهم (¬5): (اللهم ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد: 1/ 170، وإسناده صحيح على شرط البخاري، وقد تفرد أحمد في روايته تشييع علي للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ثنية الوداع. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة تبوك، وهي غزوة العسرة، حديث رقم: 4416، وفي فضائل الصحابة، باب مناقب علي، فتح: 5/ 22، مسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب، حديث رقم: 2404، أحمد في المسند: 1/ 182، ابن أبي شيبة في المصنف رقم: 18854، البيهقي في الدلائل: 5/ 220 من طرق عن شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد عن عن بن أبي وقاص، وأخرجه أحمد: 1/ 175، والبخاري في فضائل الصحابة: 3706، باب مناقب علي، ومسلم: 2404، ما بعده بدون رقم، وابن ماجة في المقدمة: 115 باب فضل علي من طرق عن شعبة عن عن سعد بن إبراهيم قال سمعت إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، وأخرجه أحمد: 1/ 170، 173، 177، 179، 184، 185، الترمذي في المناقب: 3726 باب أنا دار الحكمة وعلي بابها من طرق عن سعد بن أبي وقاص. (¬3) جهد بالظهر جهدًا شديدًا: أي بلغت المشقة والتعب بالإبل أقصاها، والمراد بالظهر هنا الإبل، ولم يكن المشقة والتعب قاصرًا على الظهر بل تناول رجال الجيش. (¬4) تحين بهم مضيقًا: أي قصد أن يسير بهم في مكان ضيق. (¬5) ينفخ بظهرهم: ينفخ على الإبل، ويدعو بما جاء في الحديث.

12 - نهيه صلى الله عليه وسلم عن شرب ماء ثمود

احملهم عليها في سبيلك، إنك تحمل على القوي والضعيف (¬1)، وعلى الرطب واليابس في البر والبحر). قال: فما بلغنا المدينة حتى جعلت تنازعنا أزمتها (¬2) قال فضالة: هذه دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - القوي والضعيف فما بال الرطب واليابس، فلما قدمنا الشام غزونا غزوة قبرس في البحر، فلما رأيت السفن وما يدخل فيها عرفت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم -" (¬3). 12 - نهيه صلى الله عليه وسلم عن شرب ماء ثمود: 731 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن الناس نزلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أرض ثمود، الحجر، واستقوا من بئرها، واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يهريقوا ما استقوا من بئارها، وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كان تردها الناقة" (¬4). 732 - ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أيضًا قال: "مررنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحجر، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين حذرًا أن يصيبكم مثل ما أصابهم)، ثم زجر (¬5) فأسرع حتى خلفها" (¬6). ¬

_ (¬1) على القوي والضعيف: معناه أن الدواب فيها القوي والضعيف، والكل يحمل بقدرتك. (¬2) تنازعنا أزمتها: جمع زمام وهو الخيط الذي يشد به أنف البعبر، لم يشد إليه المقود والمعنى أن الإبل قويت حتى كانت تسرع في المسير، فكنا نمنعها من السرعة الشديدة. (¬3) أخرجه أحمد في المسند: 6/ 20، وسنده جيد ليس فيه علة، وأورده الهيثمي في المجمع: 6/ 193 وقال: رواه الطبراني والبزار، وفيه يحيى بن عبد الله البابلي، وهو ضعيف. قلت: وسند الإِمام أحمد ليس فيه يحيى بن عبد الله البابلي، والعجب أن الحافظ الهيثمي لم يعزه للإمام أحمد مع أن رواية الإِمام أحمد أجود سندًا، وأكثر معنى ومتنًا، والظاهر أنه نسى ذلك. والله أعلم. (¬4) أخرجه البخاري في الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} حديث رقم: 3379، ومسلم في صحيحه في الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، حديث رقم: 2980/ 40، ص: 4/ 2286. (¬5) زجر: أي زجر ناقته ومعناه ساقها سوقًا شديدًا حتى خلفها أي جاوز المساكن. (¬6) أخرجه البخاري في الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}، حديث رقم: 3381، ومسلم في الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، حديث رقم:2980/ 39، وأحمد في المسند: 2/ 9، 58، 66، 72، 74، 91، 96، 113، 137، والبيهقي في الدلائل: 5/ 234.

خطبته عليه الصلاة والسلام في الحجر من ديار ثمود

خطبته عليه الصلاة والسلام في الحجر من ديار ثمود: 733 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجر قال: (لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح، فكانت ترد من هذا الفج (¬1)، وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، وكانت تشرب ماءهم يومًا، ويشربون لبنها يومًا، فعقروها، فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلًا واحدًا كان في حرم الله). قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: (هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه) (¬2). 13 - دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بإمطار السماء وامتلاء أوعية الصحابة: 734 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قيل لعمر بن الخطاب: حدثنا من شأن ساعة العسرة، فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلًا أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل، فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى أن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده. فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله! إن الله عز وجل قد عودك في الدعاء خيرًا فادع الله لنا، قال: (أتحب ذلك؟) قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء، فأظلت ثم سكبت، فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر، فلم نجدها جاوزت العسكر" (¬3). ¬

_ (¬1) من هذا الفج: من هذا الوجه. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 296، وقال الحافظ ابن كثير: إسناده صحيح، ولم يخرجوه، وصححه الحاكم: 2/ 340 - 341، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 194: رواه البزار والطبراني في الأوسط وأحمد ورجال أحمد رجال الصحيح. قلت: وانظر كشف الأستار عن زوائد البزار حديث رقم: 1844، وقد اقتصر الحافظ في الفتح على تحسينه فتح الباري: 6/ 380 - 381. (¬3) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 194 - 195، رواه البزار والطبراني في الأوسط، ورجال البزار ثقات، انظر كشف الأستار عن زوائد البزار حديث رقم: 1841، وابن حبان موارد الظمآن حديث رقم: 1707، والبيهقي في دلائل النبوة: 5/ 231، وقال ابن كثير في السيرة: 4/ 16: إسناده جيد، ولم يخرجوه من هذا الوجه، قلت: الحديث حسن والله أعلم.

مقالة المنافق عند نزول المطر

مقالة المنافق عند نزول المطر: 735 - قال ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رجال من بني عبد الأشهل: "قال: قلت لمحمود: هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم؟ قال: نعم والله، إن كان الرجل ليعرفه من أخيه ومن أبيه، ومن عمه وفي عشيرته، ثم يلبس بعضهم بعضًا على ذلك. ثم قال محمود: لقد أخبرني رجال من قومي عن رجل من المنافقين معروف نفاقه، كان يسير مع رسول الله حين سار، فلما كان من أمر الناس بالحجر ما كان، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دعا، فأرسل الله السحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، قالوا: أقبلنا عليه نقول: ويحك هل بعد هذا شيء! قال: سحابة مارة" (¬1). 14 - ضياع ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ومقالة المنافق ابن اللصيت: قال ابن إسحاق: "ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها، وعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من أصحابه، يقال له عمارة بن حزم وكان عقبيًّا بدريًّا، وهو عم بني عمرو بن حزم، وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي، وكان منافقًا. 736 - قال ابن إسحاق، فحدثني عاصم بن عمرو بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رجال من بني عبد الأشهل، قالوا: "فقال زيد بن اللصيت، وهو في رحل عمارة، وعمارة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أليس محمد يزعم أنه نبي، ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمارة عنده: (إن رجلًا قال: هذا محمد يخبركم أنه نبي، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء، وهو لا يدري أين ناقته، وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الوادي، في شعب هذا وكذا، قد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها)، فذهبوا فجاءوا بها. فرجع عمارة بن حزم إلى رحله، فقال: والله لعجبٌ من شيء حدثناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آنفًا، عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا، للذي قال زيد بن اللصيت، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: زيد ¬

_ (¬1) أخرجه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام: 2/ 2522، وإسناده رجال ثقات، ولا يضر جهالة الصحابة وهم من بني عبد الأشهل، ومحمود بن لبيد من صغار الصحابة، دلائل النبوة للبيهقي: 5/ 232.

15 - دعاؤه - عليه السلام - بزيادة الطعام

والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي، فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه (¬1) ويقول: إليَّ عباد الله، إن في رحلي لداهية، وما أشعر، اخرج أي عدو الله من رحلي فلا تصحبني" (¬2). 15 - دعاؤه - عليه السلام - بزيادة الطعام: 737 - من حديث أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري شك الأعمش قال: "لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا (¬3) فكلنا وادهنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (افعلوا)، فجاء عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! إن فعلت قبل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، وادع الله لهم فيها بالبركة لعل الله عَزَّ وَجَلَّ أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم). فدعا بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يأتي بكف ذرة ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمعوا على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبركة، ثم قال لهم: (خذوا في أوعيتكم)، فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملأوه، فكلوا حتى شبعوا وفضلت فضالة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فحجب عن الجنة) (¬4). 16 - إخباره - عليه السلام - بالإعصار وتحذيره الصحابة من القيام: 738 - من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول ¬

_ (¬1) يجأ في عنقه: يطعنه في عنقه. (¬2) أخرجه ابن إسحاق في سيرة ابن هشام: 2/ 523، والطبري في تاريخه: 3/ 145، والبيهقي في الدلائل: 5/ 232، من طريق ابن إسحاق به، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، وإسناده رجاله ثقات، ولا يضر جهالة الصحابة وهم من بني عبد الأشهل، ومحمود بن لبيد من صغار الصحابة فيكون الحديث صحيحًا. (¬3) نواضحنا: الإبل التي تركب ويجلب عليها الماء. (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا حديث رقم: 27، وقد ذكر عده أيضًا دون شك في الصحابي الذي روى الحديث، وإنما قال عنه أنه أبو هريرة، ابن مندة في كتاب الإيمان حديث رقم: 36، وقال: حديث صحيح أخرجه مسلم بن الحجاج، وأحمد في المسند: 2/ 421، 3/ 11، وأحمد في المسند كما في الفتح الرباني: 21/ 196 - 197، رقم: 426، دلائل النبوة للبيهقي: 5/ 229.

17 - قصة عين تبوك وازدياد الماء فيها

الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فأتينا وادي القرى، على حديقة لامرأة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اخرصوها) (¬1)، فخرصناها، وخرصها رسول الله عشرة أوسق (¬2)، وقال للمرأة: (أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله عز وجل)، فانطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ستهب عليكم الليلة ريحٌ شديدة، فلا يقم فيها أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله). فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء، وجاء رسول الله ابن العلماء صاحب إيليا ....) (¬3). 17 - قصة عين تبوك وازدياد الماء فيها: 739 - من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال أبو الطفيل عامر بن واثلة "إن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا، ثم قال: (إنكم ستأتون غدًا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئًا حتى آتي). قال: فجئنا وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء فسألهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هل مسستما من مائها شيئًا؟) قالا: نعم، فسبهما، وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا من العين قليلًا قليلًا، حتى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله فيه وجهه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد مليء جنانًا) (¬4). ¬

_ (¬1) اخرصوها: الخرص: الحزر تقدير ما على النخل من الرطب ثمرًا. (¬2) الوسق: 60 صاعًا. (¬3) أخرجه مسلم في الفضائل باب في معجزاته - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 1392، البخاري في الزكاة، باب خرص التمر حديث رقم: 1481، وانظر أرقام: 1872، 3161، 3791، 4422، أحمد في المسند: 5/ 424، وابن أبي شيبة: 18852 وأبو داود في الخراج والإمارة، باب في إحياء الموات حديث رقم: 3079، والبيهقي: 4/ 122. (¬4) أخرجه مسلم في الفضائل، باب في معجزاته - صلى الله عليه وسلم -، حديث رقم: 706، 4/ 1784، مالك في =

18 - قصة المتخلفين بعذر ومشاركتهم للغازي في الأجر

740 - من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: "خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم غزوة تبوك، فبلغه أن في الماء قلة، فأمر مناديًا، فنادى في الناس أن لا يسبقني في الماء أحد فأتى الماء، وقد سبقه قوم فلعنهم" (¬1). 18 - قصة المتخلفين بعذر ومشاركتهم للغازي في الأجر: 741 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة، فقال: (إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم). قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينة، حبسمهم العذر) (¬2). 19 - قصة أبي خيثمة ولحوقه بالجيش في تبوك: لم يتخلف أحد من المؤمنين الصادقين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك من غير عذر، سوى أربعة نفر، كلهم من الأنصار، لا عن شك وارتياب، وإنما أدركهم الضعف البشري، وأثر عليهم أكثر من غيرهم، وهؤلاء هم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وأبو خيثمة. أما أبو خيثمة فقد تغلب على ضعفه البشري أمام مغريات الحياة، فسارع إلى اللحاق برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أما الثلاثة الآخرون، فقد تخلفوا في المدينة وقعد بهم الضعف البشري يقولون كل يوم نلحق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهت مهمة الرسول في تبوك، وعاد إلى المدينة فعاقبهم بالمقاطعة. وستأتي قصتهم بزيادة تفصيل في مكانها إن شاء الله وكيف قبل الله توبتهم أما ¬

_ = الموطأ: 1/ 143، وأحمد في المسند: الفتح الرباني: 21/ 195. (¬1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 195، رواه أحمد والبزار بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحبح. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب 10، حدثنا يحيى بن بكير حديث رقم: 4423، الجهاد باب من حبسه العذر عن الغزو حديث رقم: 2839، أبو داود في الجهاد باب الرخصة في القعود من العذر حديث رقم: 2508، وابن ماجة في الجهاد باب من حبسه العذر عن الجهاد حديث رقم: 2764، وأحمد في المسند: 3/ 103، 106، 182، 300، 341، ابن أبي شيبة: 18856، ابن سعد: 2/ 1 / 121، وجاء من حديث جابر عند الإمام مسلم في الإمارة باب ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر حديث رقم: 1911، دلائل النبوة البيهقي: 5/ 267.

20 - قصة قباء أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل

أبو خيثمة الذي هزم النفس الأمارة بالسوء، وسحق الضعف البشري في نفسه فقد لحق بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد جاءت قصته مبسوطة عند ابن إسحاق في السيرة بدون إسناد، وذكرها أيضًا عروة بن الزبير وموسى بن عقبة قريبًا من سياق ابن إسحاق في السيرة (¬1)، وقد جاءت الإشارة إلى قصة أبي خيثمة في خلال حديث توبة كعب وصاحبيه الذي سيأتي ذكره لاحقًا ولكني ساجتزأ منه ما يتعلق بحال أبي خيثمة في هذا الموطن: 742 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: " .... فبينما هو على ذلك رأى رجلًا مبيضًا يزول به السراب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كن أبا خيثمة)، فهذا هو أبو خيثمة الأنصاري، وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون" (¬2). 20 - قصة قباء أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثناء إقامته في تبوك خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى في أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل، فأخذه خالد بن الوليد، وكان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب، فاستلبه خالد منه، وبعث به إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -. 743 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "إن أكيدر دومة الجندل أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلة من سندس، فعجب الناس منها، فقال: (والذي نفس محمد بيده، إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا) (¬3). ¬

_ (¬1) سيرة ابن هشام: 2/ 520 - 521، ابن كثير في السيرة: 4/ 13 - 14. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه حديث رقم: 2769، وسيأتي مزيد من التخريج عند الحديث عن قصة كعب بن مالك. (¬3) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل سعد بن معاذ حديث رقم: 2469، أبو نعيم في الحلية: 7/ 110، وأحمد في المسند: 3/ 111، 121، 122، 206، 207، 209، 229، 234، 238، 277، والطبراني في الكبير: 5/ 16 من طريق قتادة عن أنس، وقد جاء من طريق آخر عن أنس عند الترمذي في اللباس باب 3 حديث رقم: 1723، والنسائي في السنن: 8/ 199، وابن سعد: 3/ 2 / 13، وأحمد في فضائل الصحابة حديث رقم: 1495، من طريق محمد بن عمرو عن واقد عن أنس. وأخرجه أيضًا مسلم حديث رقم: 2468، والترمذي حديث رقم: 3847، المناقب باب مناقب سعد بن معاذ وابن سعد: 3/ 435، عن البراء بن عازب.

21 - الخمس التي أعطيها رسول الله صلى الله عليه وسلم

21 - الخمس التي أعطيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: 744 - من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام غزوة تبوك قام من الليل يصلي، فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى، وانصرف إليهم، فقال لهم: "لقد أعطيت الليلة خمسًا ما أعطيهن أحد قبلي، أما أنا، فأرسلت إلى الناس كلهم عامة وكان من قبلي إنما برسل إلى قومه، ونصرت على العدو بالرعب، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر لمليء منه رعبًا، وأحلت لي الغنائم آكلها، وكان من قبلي يعظمون أكلها كانوا يحرقونها، وجعلت لي الأرض مساجد وطهورًا أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت، وكان من قبلي يعظمون ذلك، إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم، والخامسة هي ما هي؟ قل لي: سل، فإن كل نبي قد سأل، فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم، ولمن شهد أن لا إله إلا الله) (¬1). 22 - قصة وفاة ذي البجادين ونزول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قبره: 745 - من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يحدث قال: (قمت من جوف الليل، وأنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر، فاتبعتها أنظر إليها. قال: فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حفرته، وأبو بكر وعمر يدليانه، وإذا هو يقول: (أدنيا إليَّ أخاكما) فدلياه إليه، فلما هيأه لشقه، قال: (اللهم إني قد أمسيت راضيًا عنه فارض عنه). قال: يقول ابن مسعود: يا ليتني كنت صاحب الحفرة) (¬2). قال ابن هشام: وإنما سمي ذو البجادين لأنه كان يريد الإِسلام، فمنعه قومه، وضيقوا عليه، حتى خرج من بينهم، وليس عليه إلا بجاد، وهو الكساء الغليظ، فشقه باثنين فأتزر بواحدة وارتدى بالأخرى، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمي ذا البجادين (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 2/ 222، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد، ورجاله ثقات كما جاء في الفتح الرباني: 21/ 200. (¬2) أخرجه ابن مندة من طريق سعيد بن الصلت عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود كما قال الحافظ في الإصابة: 2/ 330، ترجمه رقم: 480، ونسبه الحافظ أيضًا إلى البغوي وأعله بالانقطاع. قلت: وسند ابن مندة جبد، وقد أخرجه أيضًا ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ابن مسعود إلا أن محمد بن إبراهيم لم يسمع من ابن مسعود: 2/ 527 - 528، سيرة ابن هشام. (¬3) ابن كثير في السيرة: 4/ 33، سيرة ابن هشام: 2/ 528.

23 - إرساله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم

23 - إرساله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم: 746 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من ينطلق بصحيفتي هذه إلى قيصر وله الجنة)، فقال رجل من القوم: وإن لم يقتل؟ قال: وإن لم يقتل، فانطلق الرجل به فوافق قيصر، وهو يأتي بيت المقدس قد جعل له بساط لا يمشي عليه غيره، فرمى بالكتاب على البساط وتنحى. فلما انتهى قيصر إلى الكتاب أخذه ثم دعا رأس الجاثليق (¬1) وأقرأه فقال: ما علمي في هذا الكتاب إلا كعلمك - فنادى قيصر: من صاحب الكتاب؟ فهو آمن، فجاء الرجل فقال: إذا قدمت فأتني فلما قدم أتاه فأمر قيصر بأبواب قصره، فغلقت ثم أمر مناديًا فنادى: ألا أن قيصر تبع محمدًا وترك النصرانية. فأقبل جنده وقد تسلحوا حتى أطافوا بقصره فقال لرسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد ترى أني خائف على مملكتي، ثم أمر مناديًا فنادى: ألا أن قيصر قد رضي عنكم، وإنما اختبركم لينظر كيف صبركم على دينكم فارجعوا، فانصرفوا. وكتب قيصر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني مسلم، وبعث إليه بدنانير، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي قرأ الكتاب: (كذب عدو الله، ليس بمسلم وهو على النصرانية)، وقسم الدنانير" (¬2). 747 - قال الإِمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى قال حدثني يحيى بن سليمان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن أبي راشد قال: "لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحمص، وكان جارًا لي شيخًا كبيرًا قد بلغ الفند أو قرب، فقلت: ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ورسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل؟ فقال: بلى، قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك، فبعث دحية الكلبي إلى هرقل، ¬

_ (¬1) الجاثليق: مقدم الأساقفة عند النصارى. (¬2) أخرجه ابن حبان كما في موارد الظمآن حديث رقم: 1628، وسنده صحيح.

فلما أن جاء كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا قسيسي الروم وبطارقتها، ثم أغلق عليه وعليهم بابًا فقال: "قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم، وقد أرسل إلى يدعوني إلى ثلاث خصال، يدعوني إلى أن أتبعه على دينه، أو على أن أعطيه ما لنا على أرضنا والأرض أرضنا، أو نلقي إليه الحرب، والله لقد عرفتم فيما تقرءون من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي فهلم نتبعه على دينه، أو نعطيه ما لنا على أرضنا، فنخروا نخرة (¬1) رجل واحد حتى خرجوا من برانسهم، وقالوا: تدعونا إلى أن ندع النصرانية أو نكون عبيدًا لأعرابي جاء من الحجاز؟ فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم رفأهم (¬2) ولم يكد، وقال: قلت ذلك لكم لأعلم صلابتكم على أمركم. ثم دعا رجلًا من عرب تجيب كان على نصارى العرب فقال: ادع لي رجلًا حافظًا للحديث عربي اللسان أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه، فجاء بي، فدفع إليَّ هرقل كتابًا، فقال: اذهب بكتابي إلى هذا الرجل فما ضيعت من حديثه فأحفظ له منه ثلاث خصال (¬3) انظر هل يذكر صحيفته التي كتب إلى بشيء، وانظر إذا قرأ كتابي، فهل يذكر الليل، وانظر في ظهره هل به شيء يريبك. فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك، فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبيًا على الماء فقلت: أين صاحبكم؟ قيل: ها هو ذا، فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه، فناولته كتابي، فوضعه في حجره ثم قال: (فمن أنت؟) فقلت: أنا أحد تنوخ. قال: (هل لك في الإِسلام الحنيفية ملة أبيك إبراهيم؟) قلت: إني رسول قوم، وعلى دين قوم لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم، فضحك وقال: (إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء، وهو أعلم بالمهتدين، يا أخا تنوخ إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه والله ممزقه وممزق ملكه، وكتبت إلى النجاشي (¬4) بصحيفة فحرقها والله ممزقه (¬5) وممزق ملكه، وكتبت إلى صاحبك ¬

_ (¬1) نخروا: أي تكلموا كلام رجل واحد، وكأنه كلام مع غضب ونفور حملهم على أن يخرجوا من برانسهم. (¬2) رفأهم: سكنهم ودعا لهم. (¬3) فما ضيعت من حديثه فأحفظ لي ثلاث خصال: أي مهما نسيت من شيء فأحفظ لي منه ثلاث خصال. (¬4) هذا نجاشي آخر غير النجاشي الذي أسلم ومات وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه. (¬5) والله ممزقه: مذهب ملكه عنه.

24 - وفود ملك أيلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

بصحيفة فأمسكها فلن يزال الناس يجدون منه بأسًا ما دام في العيش خير). قلت: هذه إحدى الثلاثة التي أوصاني بها صاحبي وأخذت سهمًا من جعبتي فكتبتها في جلد سيفي، ثم إنه ناول الصحيفة رجلًا عن يساره قلت: من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم؟ قالوا: معاوية. فهذا في كتاب صاحبي تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فأين النار؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سبحان الله أين الليل إذا جاء النهار؟) قال: فأخذت سهمًا من جعبتي، فكتبته في جلد سيفي، فلما أن فرغ من قراءة كتابي قال: (إن لك حقًّا، وإنك رسول، فلو وجدت عندنا جائزة جوَّزناك بها إنا سفر (¬1) مرملون). قال: فناداه رجل من طائفة الناس قال: أنا أجوزه ففتح رحله فإذا هو يأتي بحلة صفورية فوضعها في حجري قلت: من صاحب الجائزة؟ قيل لي: عثمان، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أيكم ينزل هذا الرجل؟) فقال فتى من الأنصار: أنا، فقام الأنصاري وقمت معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (تعال يا أخاتنوخ). فأقبلت أهوي إليه حتى كنت قائمًا في مجلسي الذي كنت بين يديه فحل حبوته (¬2) عن ظهره وقال: (ها هنا امض لما أمرت به)، فجلت في ظهره فإذا أنا بخاتم في موضع غضون الكتف (¬3) مثل المحجمة الضخمة أيلة" (¬4) (¬5). 24 - وفود ملك أيلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جاء ذكر وفود ملك إيلة على رسول الله من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه الذي سبق جزء منه وسأورده هنا كله حتى يستقيم المعنى في ذلك. 748 - من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول ¬

_ (¬1) إنا سفر: أي مسافرون نفذ زادنا. (¬2) حل حبوته: ألقى بردة كانت على ظهر. (¬3) عضون الكتف: مكاسر الجلد. (¬4) المحجمة الضخمة: الآلة التي يجتمع بها دم الحجامة عند المص. (¬5) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 441 - 442، وقال ابن كثير في السيرة: 4/ 27 - 29، هذا حديث غريب، وإسناده لا بأس به تفرد به الإِمام أحمد، وأورده الهيثمي بنصه في المجمع وقال: رواه عبد الله ابن أحمد وأبو يعلى، ورجال أبي يعلى ثقات، ورجال عبد الله بن أحمد كذلك: 8/ 234 - 236، انظر عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند: 4/ 75، أبو يعلى حديث رقم: 1597.

25 - مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بتبوك

الله - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك حتى جئنا وادي القرى، فإذا امرأة في حديقة لها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه (اخرصوا) فخرص القوم، وخرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة أوسق، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمرأة: (أحصي ما يخرج منها حتي أرجع إليك إن شاء الله). قال فخرج حتى قدم تبوك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنها ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقومن فيها رجل، فمن كان له بعير فليوثق عقاله). قال أبو حميد: فعقلناها، فلما كان من الليل هبت علينا ريح شديدة، فقام فيها رجل فألقته في جبل طيء. ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملك أيلة فأهدى لرسول الله بغلة بيضاء، وكساه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردًا، وكتب له يجيرهم. ثم أقبل وأقبلنا معه، حتى جئنا وادي القرى فقال للمرأة: (كم جاءت حديقتك)، قالت: عشرة أوسق، خرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني متعجل، فمن أحب منكم أن يتعجل فليفعل) قال: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرجنا معه، حتى إذا أوفى على المدينة قال: (هذه طابة) فلما رأى أحدًا قال: (هذا أحد يحبنا ونحبه، ألا أخبركم بخير دور الأنصار؟) قلنا: بلى يا رسول الله قال: (خير دور الأنصار بنو النجار، ثم دار بني عبد الأشهل، ثم دار بني ساعدة، ثم في كل دور الأنصار خير) (¬1). 25 - مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بتبوك: 749 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة) (¬2). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه حديث رقم: 738. (¬2) أخرجه في المسند: 3/ 295، عبد الرزاق في المصنف: 4335، وأبو داود في الصلاة باب إذا أقام بأرض العدو يقصر رقم: 1235، وابن حبان كما في الإحسان: 4/ 183 - 185، رقم: 2738، 2741، البيهقي في السنن: 3/ 152، ورجاله ثقات وصححه النووي على شرطهما وابن حزم وابن حبان انظر نصب الراية: 2/ 186، وتلخيص الحبير: 2/ 45.

26 - كبد المنافقين رسول الله والمسلمين

26 - كبد المنافقين رسول الله والمسلمين: أ - الاستهزاء بآيات الله وبرسوله وقراء المسلمين: 750 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يومًا ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، لا أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء. فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونزل القرآن. قال عبد الله: فأنا رأيته متعلقًا بحقب ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحجارة تنكيه وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن) (¬1). 751 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: (قال محشي بن حمير لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منكم مائة على أن ينجو من أن ينزل فينا قرآن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمار بن ياسر: (أدرك القوم، فإنهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا: فإن هم أنكروا وكتموا فقل بلى: قد قلتم كذا وكذا). فأدركهم فقال لهم، فجاءوا يعتذرون، فأنزل الله {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ} الآية فكان الذي عفا الله عنه محشي بن حمير، فتسمى عبد الرحمن وسأل الله أن يقتل شهيدًا، وألا يعلم بمقتله، فقتل باليمامة لا يعلم مقتله، ولا من قتله، ولا يرى له أثر ولا عين" (¬2). قلت: وقد كان هذا القول من محشي بن حمير بعدما قال أولئك قولتهم في قراء القرآن، واستهزأوا بآيات الله تعالى، فتاب الله عليه، وغفر له، والله أعلم. ب - محاولة المنافقين اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم: 752 - من حديث أبي الطفيل رضي الله عنه قال:: لما أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أمر مناديًا فنادى: (إن رسول الله آخذ بالعقبة فلا يأخذها أحد)، ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير: 4/ 63، ورجاله رجال الصحيح إلا هشام بن سعد فلم يخرج له مسلم إلا في الشواهد، والطبري في التفسير: 10/ 172، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: 3/ 254، إلى ابن أبي حاتم وابن جرير وأبي الشيخ وابن مردويه، وله شاهد حسن من حديث كعب سأورده تاليًا له فانظره. (¬2) أخرجه ابن أبي حاتم: 4/ 64، وسنده حسن، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: 3/ 254، إلى ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.

جـ - إخبار النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بأسماء المنافقين

فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوده حذيفة ويسوقه عمار، إذ أقبل وهي متلثمون على الرواحل، فغشوا عمارًا، وهو يسوق برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحذيفة (قد قد). حتى هبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوادي، فلما هبط ورجع عمار قال: (يا عمار هل عرفت القوم؟) قال: قد عرفت عامة الرواحل، والقوم متلثمون، فقال: (هل تدري ما أرادوا؟). قال: الله ورسوله أعلم. قال: (أرادوا أن ينفروا برسول الله فيطرحوه). قال: فسأل عمار رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: نشدتك بالله كم تعلم كان أصحاب العقبة؟ قال: أربعة عشر رجلًا. فقال: إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر. قال: فعذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم ثلاثة قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما علمنا ما أراد القوم. فقال عمار: أشهد أن الاثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" (¬1). 753 - من حديث أبي الطفيل قال: "كان بين رجل من أهل العقبة، وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس فقال: أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة؟ قال: فقال له القوم أخبره إذ سألك، فقال كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم، فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثنى عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة، قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا علمنا بما أراد القوم، وقد كان في حرة فمشى، فقال: (إن الماء قليل، فلا يسبقني إليه أحد)، فوجد قومًا قد سبقوه، فلعنهم يومئذ) (¬2). جـ - إخبار النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بأسماء المنافقين: 754 - من حديث علقمة قال: (قدمت الشام فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسر لي جليسًا صالحًا، فأتيت قومًا فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى ¬

_ (¬1) أخرجه في المسند: 5/ 453، ورجاله ثقات، قال الهيثمي في المجمع: 6/ 195، رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. (¬2) أخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم حديث رقم: 279/ 11.

27 - مقالة النبي هذه طابة - هذا أحد جبل يحبنا ونحبه

جلس إلى جنبي، قلت: من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء فقلت: إني دعوت الله أن يسر لي جليسًا صالحًا، فيسرك لي. قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة. قال: أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة؟ أوليس فيكم الذي أجاره الله من الشيطان، يعني على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -؟ أوليس فيكم صاحب سر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يعلم أحد غيره؛ ثم قال: كيف يقرأ عبد الله {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} فقرأت عليه {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} قال: والله لقد أقرأ فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فيه إلى في" (¬1). 27 - مقالة النبي هذه طابة - هذا أحد جبل يحبنا ونحبه: 755 - قد سبق من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه الإشارة إلى هذا: وأسوق هنا المقطع الخاص بهذه المقالة من حديثه رضي الله عنه قال: " .... فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع، ومن شاء فليمكث)، فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة فقال: (هذه طابة، وهذا أحد، وهو جبل يحبنا ونحبه ...) (¬2). 756 - وقد أورد البخاري رحمه الله مختصرًا عن أبي حميد قال: "أقبلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك، حتى إذا أشرفنا على المدينة قال: (هذه طابة، وهذا أحد جبل يحبنا ونحبه) أخرجه في كتاب المغازي باب 81، حدثنا يحيى بن بكير حديث رقم:4422. 28 - استقبال النبي صلى الله عليه وسلم عند ثنية الوداع: 757 - من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه: "لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة من غزوة تبوك تلقاه الناس فلقيته مع الصبيان على ثنية الوداع" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب عمار وحذيفة رض الله عنهما حديث رقم: 3742، 3743، والنسائي في السنن الكبرى كما ذكر صاحب تحفة الأشراف حديث رقم: 10956، وأحمد في المسند: 6/ 449، 450. (¬2) سبق بنصه وتخريجه حديث رقم: 738، 748. (¬3) أخرجه البخاري في الجهاد باب استقبال الغزاة الحديث: 3082، فتح الباري: 6/ 191، أبو داود في الجهاد في التلقي حديث رقم: 2759، الترمذي في الجهاد باب ما جاء في تلقي الغائب إذا قدم حديث رقم: 1718، وأحمد في المسند: 3/ 449، والبيهقي: 9/ 175، وقال الترمذي: حسن صحيح.

29 - حديث الثلاثة الذين خلفوا

29 - حديث الثلاثة الذين خلفوا: 758 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها قط، إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدًا تخلف عنه، إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون يريدون عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم، على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة (¬1) حين تواثقنا على الإِسلام (¬2). وما أحب أن لي بها مشهد بدر. وإن كانت بدر أذكر في الناس منها (¬3). وكان من خبري، حين تخلفت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط، حتى جمعتهما في تلك الغزوة، فغزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حر شديد، واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا (¬4)، واستقبل عدوا كثيرًا، فجلا للمسلمين أمرهم (¬5)، ليتأهبوا أهبة غزوهم (¬6)، فأخبرهم بوجههم الذي يريد. والمسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد، بذلك الديوان). قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب يظن أن ذلك سيخفي له، ما لم ينزل فيه وحي من الله عَزَّ وَجَلَّ. وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال. فأنا إليها أصعر (¬7)، فتجهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقض شيئًا، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت. ¬

_ (¬1) ليلة العقبة: الليلة التي بايع رسول الله، الأنصار فيها على الإِسلام. وأن يؤوه وينصروه، والعقبة هي النبي في طرف منى النبي يضاف إليها جمرة العقبة. وكانت مرتين في سنتين. (¬2) تواثقنا على الإِسلام: تبايعنا عيه وتعاهدنا. (¬3) وإن كانت بدرًا أذكر: أي أشهر عند الناس بالفضيلة. (¬4) مفازًا: بريه طويلة قليلة الماء يخاف فيها من الهلاك. (¬5) فجلا للمسلمين أمرهم: كشف وبينه وأوضحه. (¬6) ليتأهبوا: أهبة غزوهم: يسعوا له بما يحتاجون من زاد. (¬7) أصعر: أميل.

فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر الناس بالجد، فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غاديًا والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئًا ثم غدوت، فرجعت، ولم أقض شيئًا. فلم يزل ذلك يتمادى لي حتى أسرعوا، وتفارط الغزو (¬1). فهممت أن أرتحل فأدركهم، فيا ليتني فعلت، ثم لم يُقدَّر ذلك لي. فطفقت، إذا خرجت في الناس، بعد خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يحزنني أني لا أرى لي أسوة، إلا رجلًا مغموصًا عليه في النفاق. أو رجلًا ممن عذر الله من الضعفاء. ولم يذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ تبوكًا، فقال، وهو جالس في القوم بتبوك (ما فعل كعب بن مالك؟) قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه، والنظر في عطفيه (¬2). فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. والله يا رسول الله! ما علمنا عليه إلا خيرًا، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فبينما هو على ذلك رأى رجلًا مبيضًا (¬3) يزول به السراب (¬4) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كن أبا خيثمة، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري، وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه (¬5) المنافقون. فقال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد توجه قافلًا (¬6) من تبوك، حضرني بثي (¬7)، فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدًا؟ وأستعين علي ذلك كل ذي رأي من أهلي. فلما قيل لي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أظل قادمًا (¬8) زاح (¬9) عني الباطل. حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدًا، فأجمعت صدقه (¬10). ¬

_ (¬1) تفارط الغزو: تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا. (¬2) والنظر في عطفيه: أي جانبيه وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه. (¬3) مبيضًا: لابس البياض. (¬4) يزول به الشراب: يتحرك وينهض، والشراب هو ما يظهر للإنسان في الهواجر في البراري كأنه ماء. (¬5) لمزه المنافقون: عابوه واحتقروه. (¬6) توجه قافلًا: راجعًا. (¬7) حضرني: حزني. (¬8) أظل قادمًا: أقبل ودنا قدومه كأنه ألقى على ظله. (¬9) زاح: زال. (¬10) أجمعت صدقه: عزمت على صدقه.

وصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قادمًا، وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون. فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلًا. فقبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتى جئت. فلما سلمت، تبسم تبسم المغضب ثم قال: (تعال) فجئت أمشي حتى جلست بين يديه. فقال لي: (ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟) قال: قلت: يا رسول الله! إني والله! لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلًا (¬1) ولكني، والله! لقد علمت، لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن (¬2) الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه (¬3) إني لأرجو فيه عقبى الله (¬4). والله! ما كان لي عذر، والله! ما كنت قط أقوى، ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك) فقمت، وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني. فقالوا لي: والله! ما علمناك أدنبت ذنبًا قبل هذا. لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما اعتذر به إليه المخلفون. فقد كان كافيك ذنبك، استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك. قال فوالله! ما زالوا يؤنبونني (¬5) حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكذب نفسي. قال: ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم. لقيه معك رجلان، قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا، فيهما أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. قال: فاجتنبنا الناس، وقال: تغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض. ¬

_ (¬1) أعطيت جدلا: فصاحة وقوة في الكلام وبراعة، بحيث أخرج عن عهده ما ينسب إلي إذا أردت. (¬2) ليوشكن: ليسرعن. (¬3) تجد علي فيه: تغضب. (¬4) إني لأرجو عقبى الله: يعقبني خيرًا ويثيبني عليه. (¬5) يؤنبونني: يلومونني أشد اللوم.

فما هي بالأرض التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا (¬1) وقعدا في بيوتهما يبكيان. وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم (¬2). فكنت أخرج، فأشهد الصلاة، وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد. وآتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسلم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي! هل حرك شفتيه برد السلام، أم لا؟ ثم أصلي قريبًا منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني. حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسورت (¬3) جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي. فسلمت عليه. فوالله! ما رد علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك بالله (¬4) هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: فسكت. فعدت فناشدته فسكت، فعدت فناشدته. فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت، حتى تسورت الجدار. فبينما أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطي من نبط أهل الشام (¬5)، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك قال: فطفق الناس يشيرون له إليّ. حتى جاءني فدفع إلي كتابًا من ملك غسان. وكنت كاتبًا، فقرأته فإذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة (¬6)، فالحق بنا نواسك. قال: فقلت: حين قرأتها وهذه أيضًا من البلاء. فتايممت (¬7) بها التنور، فسجرتها (¬8) بها. حتى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي (¬9)، إذا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تعتزل امرأتك)، قال: ¬

_ (¬1) استكانا: خضعا. (¬2) أشب القوم وأجلدهم: أي أصغرهم سنًّا وأقواهم. (¬3) حتى تسورت: علوت وصعدت السور وهو أعلاه. (¬4) أنشدك بالله: أسألك بالله. (¬5) نبطي من أهل الشام: فلاحو العجم. (¬6) مضيعة: يعني أنك لست بأرض يضيع فيها حقك. (¬7) فتايممت: تيممت: قصدت. (¬8) فسجرتها: أحرقتها. (¬9) واستلبث الوحي: أبطأ.

فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: (لا، بل اعتزلها فلا تقربنها). قال: فأرسل إلى صاحبي بمثل هذا. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت له: يا رسول الله! إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: (لا، ولكن لا يقربنك) فقالت: إنه والله! ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأتك؟ فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه. قال فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وما يدريني ماذا يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب. قال فلبثت بذلك عشر ليال. فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا، قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على سلع (¬1) يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال: فخررت ساجدًا، وعرفت أن قد جاء فرج. قال: فآذن (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض رجل إليَّ فرسًا، وسعى ساع من أسلم قبلي. وأوفى الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، فنزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته، والله! ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، فانطلقت أتأمم (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يتلقاني الناس فوجًا فوجًا (¬4)، يهنئوني بالتوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في المسجد، وحوله الناس ¬

_ (¬1) أوفى على سلع: صعده وارتفع عليه، وسلع جبل بالمدينة معروف. (¬2) فآذن: الناس: أي أعلمهم. (¬3) أتأمم: أي أقصد. (¬4) فوجًا فوجًا: الفرج الجماعة.

فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني. والله! ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلما سلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وهو يبرق وجهه من السرور، ويقول: (أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك) قال: قلت: أمن عندك؟ يا رسول الله! أم من عند الله؟ فقال: (لا بل من عند الله) وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استنار وجهه، كان وجهه قطعة قمر. قال: وكنا نعرف ذلك. قال فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع (¬1) من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أمسك بعض مالك، فهو خير لك) قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. قال، وقلت: يا رسول الله! إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقًا ما بقيت. قال فوالله! ما علمت أن أحدًا من المسلمين أبلاه (¬2) الله في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا، أحسن مما أبلاني الله به. والله ما تعمدت كذبة منذ قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا، لأني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله عز وجل: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} (¬3) حتى بلغ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (¬4). قال كعب: والله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد إذ هداني للإسلام، أعظم في نفسي، من صدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، إن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي، شر ما قال لأحد، ¬

_ (¬1) أنخلع من مالي: أتصدق. (¬2) أبلاه الله: أنعم عليه. (¬3) سورة التوبة: 117، 118. (¬4) سورة التوبة: 119.

فوائد قصة الذين خلفوا

وقال الله: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (¬1). قال كعب: كنا خلفنا أيها الثلاثة. عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول - صلى الله عليه وسلم - أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، وليس الذي ذكر الله مما خلفنا، تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا (¬2)، عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه" (¬3). فوائد قصة الذين خلفوا: وقد استنبط العلماء من هذا الحديث في توبة كعب بن مالك وصاحبيه، فوائد جمة ذكر كثيرًا منها ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، وذكر ابن حجر العسقلاني في الفتح فصلًا مفيدًا كثير الفوائد. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: 8/ 123 - 124، ما نصه: "وفي قصة كعب من الفوائد غير ما تقدم (يعني في أثناء شرح الحديث): جواز طلب أموال الكفار من ذوي الحرب، وجواز الغزو في الشهر الحرام، والتصريح بجهة الغزو إذا لم تقتض المصلحة ستره، وإن الإِمام إذا استنفر الجيش عمومًا لزمهم النفير ولحق اللوم بكل فرد لو تخلف. وقال السهيلي: إنما اشتد الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية ¬

_ (¬1) سورة التوبة / 95 - 96. (¬2) إرجاؤه أمرنا: تأخيره أمرنا. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي، باب حديث كعب بن مالك حديث رقم: 4418، مسلم في التوبة باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه حديث رقم: 2769، أبو داود في الأيمان والنذور حديث رقم: 3321، باب فيمن نذر أن يتصدق بماله، وأحمد في المسند: 3/ 456 - 459، النسائي في الطلاق باب الحقي بأهلك: 6/ 152، باختصار اقتصر فيه على قوله الحقي بأهلك وما فيها، عبد الرزاق في المصنف: 9744، ابن أبي شيبة في المصنف رقم: 18853، ابن هشام في السيرة: 2/ 531، ابن جرير في التفسير: 11/ 58، ابن أبي حاتم: 4/ 105، ابن كثير في السيرة: 4/ 42 - 48. البيهقي دلائل النبوة: 5/ 273 - 279، السيوطي في الدر المنثور: 3/ 287، وقد أورده البخاري بعدة أرقام في مواطن متعددة: رقم 2757، 2947، 2948، 2949،2950، 3556، 3889، 3951، 4673، 4676، 4677، 6255، 6690، 7225.

لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين، لأنهم بايعوا على ذلك ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق: نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدًا فكان تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة، لأنها كالنكث لبيعتهم، كذا قال ابن بطال. قال السهيلي: ولا أعرف له وجهًا غير الذي قال. قلت: وقد ذكرت وجهًا غير الذي ذكره ولعله أقعد، ويؤيده قوله تعالى {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} الآية. وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعلى هذا فيتوجه العتاب على من تخلف قطعًا، وفيها أن العاجز عن الخروج بنفسه أو بماله لا لوم عليه، واستخلاف من يقوم مقام الإِمام على أهله والضعفة. وفيها ترك فتل المنافقين، ويستنبط منه ترك قتل الزنديق إذا أظهر التوبة. وأجاب من أجازه بأن الترك كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمصلحة التأليف على الإِسلام، وفيها عظم أمر المعصية، وقد نبه الحسن البصري على ذلك فيما أخرجه ابن أبي حاتم عنه قال: يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالًا حراماَ، ولا سفكوا دمًا حرامًا ولا أفسدوا في الأرض، أصابهم ما سمعتم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر). وفيها أن القوي في الدين يؤاخذ بأشد مما يؤاخذ الضعيف في الدين، وجواز إخبار المرء عن تقصيره، وتفريطه، وعن سبب ذلك وما آل إليه أمره تحذيرًا ويضمه لغيره، وجواز مدح المرء بما فيه من الخير إذا أمن الفتنة، وتسلية نفسه بما لم يحصل له بما وقع لنظيره، وفضل أهل بدر والعقبة، والحلف للتأكيد من غير استحلاف، والتورية عن المقصد، ورد الغيبة. وجواز ترك وطء الزوجة مدة. وفيه أن المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة فحقه أن يبادر إليها، ولا يسوف بها لئلا يحرمها كما قال تعالى {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} ومثله قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ونسأل الله تعالى أن يلهمنا المبادرة إلى طاعته، وأن لا يسلبنا ما خولنا من نعمته.

وفيها جواز تمني ما فات من الخير، وأن الإِمام لا يهمل من تخلف عنه في بعض الأمور بل يذكره ليراجع التوبة، وجواز الطعن في الرجل بما يغلب على اجتهاد الطاعن حمية لله ورسوله، وفيها جواز الرد على الطاعن إذا غلب على ظن الراد وهم الطاعن أو غلطه. وفيها أن المستحب للقادم أن يكون على وضوء، وأن يبدأ بالمسجد قبل بيته فيصلي ثم يجلس لمن يسلم عليه، ومشروعية السلام على القادم وتلقيه، والحكم الظاهر، وقبول المعاذير واستحباب بكاء العاصي أسفًا على ما فاته من الخير، وفيها إجراء الأحكام على الظاهر، ووكول السرائر إلى الله تعالى، وفيها ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيًّا، وأن القسم قد يكون عن غضب كما يكون عن تعجب ولا يختص بالسرور. ومعاتبة الكبير أصحابه ومن يعز عليه دون غيره، وفيها فائدة الصدق وشؤم عاقبة الكذب. وفيها العمل بمفهوم اللقب إذا حفته قرينة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما حدثه كعب (أما هذا فقد صدق) فإنه يشعر بأن من سواه كذب، لكن ليس على عمومه في حق كل أحد سواه؛ لأن مرارة وهلال أيضًا قد صدقا فيختص الكذب بمن حلف واعتذر لا بمن اعترف، ولهذا عاقب من صدق بالتأديب الذي ظهرت فائدته عن قرب، وأخر من كذب للعقاب الطويل، وفي الحديث الصحيح (إذا أراد الله بعبد خيرًا عجل له عقوبته في الدنيا، وإذا أراد به شرًّا أمسك عنه عقوبته فيرد القيامة بذنوبه) وقيل إنما غلظ في حق هؤلاء الثلاثة لأنهم تركوا الواجب عليهم من غير عذر، ويدل عليه قوله تعالى {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} وقول الأنصار: نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدًا وفيها تبريد حر المصيبة بالتأسي بالنظير، وفيها عظم مقدار الصدق في القول والفعل، وتعليق سعادة الدنيا والآخرة والنجاة من شرهما به، وأن من عوقب بالهجز يعذر عن التخلف عن صلاة الجماعة، لأن مرارة وهلالًا لم يخرجا من بيوتهما تلك المدة، وفيها سقوط السلام على المهجور عمن سلم عليه، إذ لو كان واجبًا لم يقل كعب: هل حرك شفتيه برد السلام، وفيها جواز دخول المرء

دار جاره أو صديقه بغير إذنه ومن غير الباب إذا علم رضاه. وفيها أن قول المرء الله ورسوله أعلم، ليس بخطاب ولا كلام ولا يحنث به من حلف أن لا يكلم الآخر إذا لم ينو به مكالمته دائمًا، وإنما قال أبو قتادة ذلك لما ألح عليه كعب، وإلا فقد تقدم أن رسول ملك غسان لما سأل عن كعب، جعل الناس يشيرون له إلى كعب، ولا يتكلمون بقولهم مثلًا هذا كعب مبالغة في هجره والإعراض عنه. وفيها أن مسارقة النظر في الصلاة لا تقدح في صحتها، وإيثار طاعة الرسول على مودة القريب، وخدمة المرأة زوجها، والاحتياط لمجانبة ما يخشى الوقوع فيه، وجواز تحريق ما فيه اسم الله للمصلحة. وفيها مشروعية سجود الشكر والاستباق إلى البشارة بالخير وإعطاء البشير أنفس ما يحضر الذي يأتيه بالبشارة وتهنئة من تجددت له نعمة، والقيام إليه إذا أقبل، واجتماع الناس عند الإِمام في الأمور المهمة، وسروره بما يسر أتباعه، ومشروعية العارية، ومصافحة القادم والقيام له، والتزام المداومة على الخير الذي ينتفع به، واستحباب الصدقة عند التوبة، وأن من نذر الصدقة بكل ما له لم يلزمه إخراجه جميعه".

الفصل الحادي عشر الأحداث من غزوة تبوك إلى حجة الوداع

الفصل الحادي عشر الأحداث من غزوة تبوك إلى حجة الوداع 1 - قدوم وفد ثقيف: أ - تاريخ قدومهم: قال ابن إسحاق: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة من تبوك في رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف" (¬1). وقد قال موسى بن عقبة: إن قدوم وفد ثقيف إنما كان بعد حجة أبي بكر الصديق، وتبعه على ذلك البيهقي في الدلائل (¬2). ولكن الحافظ ابن كثير استبعد ذلك فقال: "وهذا بعيد، والصحيح أن ذلك كان قبل حجة أبي بكر كما ذكره ابن إسحاق والله أعلم" (¬3). ب - شرطهم الذي طلبوه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 759 - من حديث وهب قال سألت جابرًا عن شأن ثقيف إذ بايعت، قال: "اشترطت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يقول: (سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا) (¬4). جـ - طلب عثمان بن أبي العاص من الرسول - عليه السلام - أن يجعله إمام قومه: 760 - من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي فقال: (أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا) (¬5). ¬

_ (¬1) سيرة ابن كثير: 4/ 53. (¬2) دلائل النبوة: 5/ 304. (¬3) سيرة ابن كثير: 4/ 54، سيرة ابن هشام: 2/ 537. (¬4) أخرجه أبو داود في الخرج والإمارة والفيء، باب ما جاء في خبر الطائف حديث: 3025، وأحمد في المسند: 4/ 218، وسنده حسن. (¬5) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 217، وأبو داود في الصلاة باب أخذ الأجر على التأذين حديث: 531، والنسائي في الأذان باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرًا: 2/ 23، ابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، باب من أم قومًا فليخفف حديث رقم 987، وإسناده صحيح.

د - شكوى عثمان بن أبي العاص من اعتراض الشيطان له في صلاته

د - شكوى عثمان بن أبي العاص من اعتراض الشيطان له في صلاته: 761 - من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، قال: فقال: (ذاك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثًا)، قال: ففعلت فأذهبه الله عني" (¬1). 762 - ومن حديث عثمان بن أبي العاص أيضًا قال: (لما استعملني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الطائف، جعل يعرض لي شيء في صلاتي، حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك، ورحلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ابن أبي العاص؟) قلت: نعم! يا رسول الله! قال: (ما جاء بك؟) قلت: يا رسول الله! عرض لي شيء في صلواتي، حتى ما أدري ما أصلي. قال: (ذاك الشيطان. أدنه) فدنوت منه. فجلست على صدور قدمي. قال: فضرب صدري يبده، وتفل في فمي، وقال: (اخرج. عدو الله) ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: (الحق بعملك) قال: فقال عثمان: فلعمري! ما أحسبه خالطني بعد) (¬2). 2 - وفاة عبد الله بن أبي رأس المنافقين: أ - مرضه وذهاب النبي لعيادته: 763 - من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: "دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عبد الله بن أبي في مرضه نعوده، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قد كنت أنهاك من حب يهود)، فقال: عبد الله: "فقد بغضهم أسعد بن زرارة فمه" (¬3). وقد جاء عند أحمد (فمات) وجاء في لفظ أبي داود زيادة (فلما مات ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في السلام باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة حديث رقم: 2203، أحمد في المسند: 4/ 216. (¬2) أخرجه ابن ماجة في الطب باب الفزع والأرق وما يتعوذ منه حديث رقم: 3548، وهو مما انفرد ابن ماجة به، قال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات. (¬3) فمه: يعني أنه يريد القول أن أسعد بن زرارة قد أبغض يهود فما دفع عنه بغضهم الموت، وكان يريد أنه لا يضر حبهم، ولا ينفع بغضهم، ولو نفع بغضهم لما مات أسعد بن زرارة، وهذا من قلة فهمه وقصور نظره على أن الضرر والنفع هو الموت أو الخلاص منه.

ب - سبب كسونه بقميص النبي صلى الله عليه وسلم

أتاه ابنه فقال: يا رسول الله إن عبد الله بن أبي قد مات، فأعطني قميصك أكفنه فيه، فنزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قميصه فأعطاه إياه" (¬1). ب - سبب كسونه بقميص النبي صلى الله عليه وسلم: 764 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لما كان العباس بن عبد المطلب بالمدينة، طلبت الأنصار ثوبًا يكسونه، فلم يجدوا قميصًا يصلح عليه، إلا قميص عبد الله بن أبي فكسوه إياه" (¬2). وفي لفظ آخر "لما كان يوم بدر أتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - له قميصًا، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه، فكساه النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه، فلذلك نزع النبي - صلى الله عليه وسلم - قميصه الذي ألبسه". قال ابن عيينة: كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يد، فأحب أن يكافئه. جـ - مجيء النبي إلى قبر عبد الله بن أبي ونفثه عليه من ريقه: 765 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي بعدما دفن، فأخرجه فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه" (¬3). د - صلاة النبي على عبد الله بن أبي ومحاولة عمر منعه: 766 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لما توفي عبد الله بن أبي، ابن سلول، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي عليه. فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: يا رسول الله! تصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما خيرني الله فقال: ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في الجنائز باب في العيادة حديث: 3094، وسكت عنه والمنذري، ورواه ابن إسحاق فقال: حدثني الزهري عن عروة عن أسامة فالحديث صحيح، لأن رجاله كلهم ثقات وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث سيرة ابن كثير: 4/ 64، وقد أخرجه أحمد كما في الفتح الرباني: 21/ 211. (¬2) أخرجه البخاري في الجهاد باب الكسوة للأسارى حديث رقم: 3008، فتح الباري: 6/ 144. (¬3) أخرجه البخاري في الجنائز باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف، ومن كفن بغير قميص حديث رقم: 1270، مسلم في كتاب صفات المنافقين حديث رقم: 2773، وأحمد كما في الفتح الرباني: 21/ 210.

3 - إمارة أبي بكر رضي الله عنه في العام التاسع على الحج

{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً}، وسأزيده على سبعين) قال: إنه منافق، فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} " (¬1) (¬2). 3 - إمارة أبي بكر رضي الله عنه في العام التاسع على الحج: قال ابن إسحاق رحمه الله: "ثم أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقية شهر رمضان وشوال وذا القعدة، ثم بعث أبا بكر أميرًا على الحج من سنة تسع ليقيم للمسلمين حجهم، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم، فخرج أبو بكر رضي الله عنه ومن معه من المسلمين" (¬3). والمقصود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عليًّا رضي الله عنه بعد أبي بكر الصديق ليكون معه، ويتولى علي بنفسه إبلاغ البراءة إلى المشركين نيابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكونه ابن عمه من عصبته. أ - في أي شهر كان بعث أبي بكر: قال الحافظ في الفتح: "ذكر ابن سعد وغيره بإسناد صحيح، عن مجاهد: أن حجة أبي بكر وقعت في ذي القعدة، ووافقه عكرمة بن خالد فيما أخرجه الحاكم في الإكليل، ومن عدا هذين إما مصرح بأن حجة أبي بكر كانت في ذي الحجة -كالداودي، وبه جزم من المفسرين الرماني والثعلبي والماوردي وتبعهم جماعة- وإما ساكت. والمعتمد ما قاله مجاهد وبه جزم الأزرقي ويؤيده أن ابن إسحاق صرح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بعد أن رجع من تبوك رمضان وشوالًا وذا القعدة ثم بعث أبا بكر أميرًا على الحج، فهو ظاهر في أن بعث أبي بكر كان بعد انسلاخ ذي القعدة، فيكون حجه في ذي الحجة على هذا والله أعلم" (¬4). ¬

_ (¬1) 9 التوبة: 84. (¬2) أخرجه البخاري في الجنائز باب الكفن في القميص حديث رقم: 1269، وفي التفسير، تفسير سورة التوبة باب استغفر لهم أو لا تستغفر لهم الحديث: 4670، ومسلم في صفات المنافقين حديث رقم: 2774، وأحمد في المسند كما في الفتح الرباني: 21/ 210. (¬3) ابن هشام في السيرة: 2/ 543. (¬4) فتح الباري: 8/ 82.

ب - بم بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا

ب - بم بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًّا: 767 - قال ابن إسحاق: وحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي رضوان الله عليه أنه قال: "لما نزلت براءة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان بعث أبا بكر الصديق ليقيم للناس الحج، قيل له: يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: (لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي). ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال له: (اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى، أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فهو له إلى مدته). فخرج علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العضباء، حتى أدرك أبا بكر بالطريق، فلما رآه أبو بكر بالطريق، قال أأمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، ثم مضيا، فأقام أبو بكر للناس الحج، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية. حتى إذا كان يوم النحر، قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأذن في الناس بالذي أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أيها الناس، إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فهو له إلى مدته"، وأجلَّ الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم أو بلادهم، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة إلا أحد كان له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد مدة فهو إلى مدته. فلم يحج بعد ذلك العام مشرك، ولم يطف بالبيت عريان. ثم قدما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن هشام في السيرة: 2/ 545 - 546، وهو مرسل ولكن له شواهد يتقوى بها ذكرها ابن كثير رحمه الله في السيرة: 4/ 70 - 72، ومن هذه الشواهد ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما عند أحمد: 2/ 299، الترمذي في تفسير القرآن سورة التوبة حديث: 3091، وقال حديث حسن غريب، ومنها ما جاء عن أبي هريرة وسيأتي تخريجه لاحقًا، ومنها ما جاء عن علي من حديث زيد بن يثيع وسيأتي تخريجه أيضًا، وقد ذكر أيضًا ابن كثير في التفسير: 2/ 332 - 334، كثيرًا من هذه الشواهد فانظرها هناك فالحديث بهذه الشواهد حسن والله أعلم. وله شاهد أيضًا من حديث أنس رضي الله عنه عند الترمذي وأحمد، وقال الترمذي فيه حسن غريب.

768 - ومن حديث زيد بن يثيع قال: "سألت عليًّا بأي شيء بعثت في الحجة؟ قال: (بعثت بأربع: أن لا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد فهو إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا) (¬1). 769 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان" (¬2). قال ابن شهاب: "فكان حميد بن عبد الرحمن يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر، من أجل حديث أبي هريرة ... ". والمعروف أن المنادي هو علي بن أبي طالب فكيف أمر أبو بكر رضي الله عنه أبا هريرة ومن معه بالتأذين بهذه الأمور، قال الطحاوي في مشكل الآثار "هذا مشكل لأن الأخبار في هذه القصة تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بعث أبا بكر بذلك، ثم اتبعه عليًّا فأمره أن يؤذن، فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة ومن معه بالتأذين مع صرف الأمر عنه في ذلك إلى علي؟ ثم أجاب بما حاصله: أن أبا بكر رضي الله عنه كان الأمير على الناس في تلك الحجة بلا خلاف، وكان علي هو المأمور بالتأذين بذلك، وكان عليًّا لم يطق التأذين بذلك وحده، واحتاج إلى من يعينه على ذلك، فأرسل معه أبو بكر أبا هريرة وغيره ليساعدوه على ذلك" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الحميدي في مسنده رقم: 48، وأحمد في المسند: 1/ 79، والترمذي في الحج باب ما جاء في كراهية الطواف عريانًا حديث رقم: 871 - 872، وفي التفسير باب ومن سورة التوبة حديث رقم: 3092، والدارمي في المناسك باب لا يطوف بالبيت عريان: 2/ 68، وسنده صحيح، وحسنه الترمذي، وأخرجه أبو يعلى: 452. (¬2) أخرجه البخاري في الصلاة باب ما يستر العورة حديث رقم: 369، الحج باب لا يطوف بالبيت عريان حديث رقم 3177، وفي التفسير في تفسير سورة براءة الأحاديث: 4655، 4656، 4657، وفي المغازي في باب حج أبي بكر حديث رقم: 4363، مسلم في الحج باب لا يحج البيت مشرك حديث رقم: 1347، أبو داود في الماسك باب يوم الحج الأكبر حديث رقم: 1946، النسائي في المناسك باب قوله عز وجل خذوا زينتكم عند كل مسجد: 5/ 234. (¬3) فتح الباري: 8/ 318.

4 - وفد بني تميم

4 - وفد بني تميم: بعد غزوة تبوك تمت كلمة الله تبارك وتعالى في شبه الجزيرة العربية كلها، وأمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه من كل عادية عليهم، ما استقر المسلمون في المدينة، حتى بدأت القبائل العربية تتوافد على المدينة معلنة الإِسلام، ومتبعة الهدى الذي جاء به سيد الأولين والآخرين، وسأذكر قصص هذه الوفود التي صح إسناد قدومها على سيدنا محمد لنلتمس من أحداثها العبرة والعظة، ومن هذه الوفود كان وفد بني تميم: 770 - من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: "دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم فقال: (اقبلوا البشرى يا بني تميم). قالوا: قد بشرتنا فأعطنا (مرتين). ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال: (اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إن لم يقبلها بنو تميم). قالوا: قد قبلنا يا رسول الله. قالوا: جئنا نسألك عن هذا الأمر. قال: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض)، فنادى مناد: ذهبت ناقتك يا ابن الحصين. فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب، فوالله لوددت أني كنت تركتها" (¬1). 771 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولها فيهم: (هم أشد أمتي على الدجال). وكانت فيهم سبية عند عائشة فقال: (اعتقيها فإنها من ولد إسماعيل). وجاءت صدقاتهم فقال: (وهذه صدقات قوم أو قومي) (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} حديث رقم: 3191، 3190، وجاء عند البخاري أيضًا في المغازي حديث رقم: 4365، وحديث رقم: 4386 وفي التوحيد حديث رقم: 7418، والترمذي في المناقب باب مناقب ثقيف وبني حنيفة رقم: 3951، وقال حسن صحيح، والنسائي في الكبرى كما أشار إلى ذلك في تحفة الأشراف حديث رقم: 10829. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب قال ابن إسحاق غزوة عيينة بن حصن حديث رقم: 4366، مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيء حديث رقم: 2525.

5 - وفد بني عامر

5 - وفد بني عامر أ - مقالتهم لرسول الله صلي الله عليه وسلم: 772 - من حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير رضي الله عنهما عن أبيه: (أنه وفد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في رهط من بني عامر قال: فأتيناه فسلمنا عليه، فقلنا: أنت ولينا، وأنت سيدنا، وأنت أطول علينا (قال يونس) وأنت أطول علينا طولًا، وأنت أفضلنا علينا فضلًا، وأنت الجفنة الغراء، فقال: "قولوا: (قولكم ولا يستجرنكم الشيطان) قال وربما قال: (ولا يستهوينكم) " (¬1). ب - عامر بن الطفيل ومقولته الفاسدة للرسول عليه الصلاة والسلام: قد سبق ذكر عامر بن الطفيل أثناء الحديث عن غزوة بئر معونة وأنه الذي تولى كبر قتل القراء السبعين، والغدر بهم، ثم لم يكفه هذا العمل، فجاء في وقد بني عامر يتهدد الرسول عليه الصلاة والسلام، فابتلاه الله تعالى بغدة في رقبته، مات على أثرها. 773 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خاله- أخ لأم سليم- في سبعين راكبًا. وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل خير بين ثلاث خصال فقال: يكون لك أهل السهل، ولي أهل المدر، أو أكون خليفتك، أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف، "ألف أشقر وألف شقراء" فطعن عامر في بيت "امرأة من بني فلان" أم فلان، فقال: غدة كغدة (البعير) البكر، في بيت امرأة من آل بني فلان، ائتونى بفرسي. فمات على ظهر فرسه، فانطلق حرام أخو أم سليم، وهو رجل أعرج ورجل من بني فلان، قال: كونا قريبًا حتى آتيهم ... " فذكر قصة القراء في بئر معونة" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في السنن كتاب الأدب باب في كراهية التمادح حديث رقم: 4806، والنسائي في اليوم والليلة ذكر اختلاف الأخبار في قوله القائل سيدنا وسيدي حديث رقم: 246، وأخرجه أحمد في المسند: 4/ 25، وسنده صحيح. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان حديث رقم: 4091 وأحمد في المسند: 3/ 210.

6 - وفد ضمامة بن ثعلبة عن قومه بني سعد بن بكر

6 - وفد ضمامة بن ثعلبة عن قومه بني سعد بن بكر: 774 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "بينما نحن جلوس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال لهم: أيكم محمَّد -والنبي - صلى الله عليه وسلم - متكئ بين ظهرانيهم- فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: ابن عبد المطلب. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قد أجبتك). فقال الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك. فقال: (سل عما بدا لك). فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: (اللهم نعم). قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: (اللهم نعم). قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: اللهم نعم. قال: أنشدك بالله. آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها في فقرائنا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم نعم). فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر" (¬1). 775 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بعثت بنو سعد بن بكر، ضمام بن ثعلبة وافدًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد، ثم عقله، ثم دخل المسجد، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في أصحابه، وكان ضمام رجلًا جلدًا أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا ابن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في العلم باب ما جاء في العلم وقوله تعالى {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} حديث: 63، مسلم في الإيمان باب السؤال عن أركان الإِسلام حديث رقم: 12، النسائي في الصوم باب وجوب الصوم صفحة: 4/ 122 - 123، أبو داود في الصلاة باب في المشرك يدخل المسجد حديث رقم: 486، باختصار، ابن ماجة في الصلاة باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها حديث رقم:1402.

عبد المطلب"، قال: محمَّد؟ قال: (نعم)، فقال: ابن عبد المطلب إني سائلك ومغلظ في المسألة فلا تجدن في نفسك، قال: "لا أجد في نفسي فسل ما بدا لك"، قال: أنشدك الله إلاهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله بعثك الينا رسولًا؟ قال: "نعم". قال: أنشدك الله إلاهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئًا وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت أباؤنا يعبدون معه؟ قال: "اللهم نعم". قال: فأنشدك الله إلاهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: "اللهم نعم". قال: ثم جعل يذكر فرائض الإِسلام فريضة فريضة: الزكاة، والصيام والحج وشرائع الإِسلام كلها يناشده عند كل فريضة كما يناشده في التي قبلها، حتى إذا فرع قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص. قال: ثم انصرف راجعًا إلى بعيره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ولى: "إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة"، قال: فأتى إلى بعيره، فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزى، قالوا: صه يا ضمام اتق البرص والجذام، اتق الجنون. قال: ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد بعث رسولًا، وأنزل عليه كتابًا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه، قال فوالله ما أمسي من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلمًا، قال: يقول ابن عباس رضي الله عنهما: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة" (¬1) واللفظ لأحمد. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد حديث رقم: 487 مختصرًا، وأحمد في المسند: 1/ 264، والحاكم في المستدرك: 3/ 54 - 55، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وابن سعد في الطبقات: 1/ 299، ابن هشام في السيرة: 2/ 573 - 575، وسنده حسن صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث.

7 - وفد عبد القيس

7 - وفد عبد القيس: أ - إخبار النبي بطلوعهم قبل أن يصلوا: 779 - من حديث مزيدة العصري رضي الله عنه قال: "بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث أصحابه إذ قال لهم: "سيطلع عليكم من ها هنا ركب هم خير أهل المشرق"، فقام عمر فتوجه نحوهم فلقى ثلاثة عشر راكبًا، فقال: من القوم؟ قالو: من بني عبد القيس، قال: فما أقدمكم هذه البلاد أتجارة؟ قالوا: لا، قال: أما أن النبي قد ذكركم آنفًا فقال خيرًا، ثم مشى معهم حتى أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر للقوم: هذا صاحبكم الذي تريدونه، فرمى القوم بأنفسهم من ركائبهم فمنهم من مشى إليه ومنهم من هرول، ومنهم من سعى حتى أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذوا بيده فقبلوها. وتخلف الأشج في الركاب حتى أناخها، وجمع متاع القوم، ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقبلها، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن فيك خلتين يحبهما الله ورسوله"، فقال: جبل جبلت عليه أم تخلقًا مني؟ قال: "بل جبلٌ" قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب الله ورسوله" (¬1). ب - قصة الجارود العبدي في إسلامه وسؤاله عن الضالة كيف حالها: 777 - من حديث الجارود العبدي قال: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أبايعه فقلت له: على أني إن تركت ديني ودخلت في دينك لا يعذبني الله في الآخرة؟ قال: "نعم" وقد سألت النبي عن ضالة الإبل والماشية" (¬2). 778 - من حديث الجارود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ضالة (¬3) المسلم حرق (¬4) النار" (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد حديث رقم: 6850، وقال الهيثمي: 587، باختصار، وأبو يعلى رقم: 6850، وقال الهيثمي: 9/ 388، رواه الطبراني وأبو يعلى، ورجالهما ثقات، وفي بعضهم اختلاف، قلت: والحديث إسناده جيد والبيهقي في الدلائل: 5/ 327. (¬2) أخرجه أبو يعلى في المسند رقم: 918، وقال الهيثمي في المجمع: 1/ 32 رواه أبو يعلى ورجاله ثقات، قلت رجال أبو يعلى رجال الصحيح. (¬3) الضالة: الضائعة والمعنى من أخذ ضائعة لمسلم ليتملكها أدت إلى إحراقه بالنار وقال القاضي: أرادوا أنها حرق النار لمن آوها ولم يعرفها: أو قصد الخيانة فيها. (¬4) حرق: اللهب. (¬5) أخرجه أحمد: 5/ 80، الدارمي في البيوع باب في الضالة: 2/ 265 - 266، الترمذي في الأشربة باب في النهي عن الشرب قائمًا: 1882، وابن حبان برقم: 1170 موارد، وأبو يعلى في المسند رقم: 919، وقال الهيثمي في المجمع: 4/ 167 رواه أحمد والطبراني بأسانيد رجال بعضها رجال الصحيح، ويشهد له حديث أبي هريرة عند البزار كما قال الهيثمي في المجمع: 4/ 167، ورجاله رجال =

جـ - ترحيب النبي بوفد عبد القيس وتفقيههم

جـ - ترحيب النبي بوفد عبد القيس وتفقيههم: 779 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن وفد عبد القيس أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من الوفد؟ أو من القوم؟ " قالوا: ربيعة قال: "مرحبًا بالقوم (¬1) أو بالوفد غير خزايا ولا الندامى" (¬2). قال: فقالوا: يا رسول الله! إنا نأتيك من شقة بعيدة (¬3)، وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر فصل (¬4) نخبر به من وراءنا، ندخل به الجنة. قال: فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع. قال: "أمرهم بالإيمان بالله وحده"، وقال: "هل تدرون ما الإيمان بالله؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمسًا من المغنم" ونهاهم عن الدباء (¬5)، والحنتم (¬6)، والمزفت (¬7)، وربما قال النقير (¬8)، أو المقير وقال: احفظوه وأخبروا به مَن وراءكم" (¬9). ¬

_ = الصحيح. وحديث عبد الله بن الشخير عند ابن ماجة في اللقطة باب ضالة الإبل والبقر والغنم وقال البوصيري في الزوائد: وإسناده صحيح ورجاله ثقات، فالحديث بذلك حسن وقد صححه ابن حبان. (¬1) مرحبًا بالقوم: صادفت رحبًا وسعة. (¬2) غير خزايا ولا الندامى: معناه أنه لم يكن منكم تأخر عن الإِسلام ولا عناد ولا أصابكم أسار ولا سباء ولا ما أشبه ذلك مما تستحيون بسببه أو تذلون أو تهانون أو تندمون. (¬3) شقة بعيدة: السفر البعيد، قيل المسافة البعيدة. (¬4) أمر فصل: البين الواضح الذي ينفصل به المراد. (¬5) الدباء: القرع اليابس أي الوعاء منه. (¬6) الحنتم: أصح الأقوال فيها: الجرار الخضر، وهي جرار كان يحمل فيها الخمر. (¬7) والمزفت: الأوعية التي فيها الزفت. (¬8) النقير: جذع ينقر وسطه ثم ينبذ فيها الرطب والبسر ثم يدعونه حتى يهدر، ثم يموت. المقير: هو الزفت المطلي بالقار. وأما معنى النهي عن هذة الأربع فهو أنه نهي عن الانتباذ فيها، وهو أن يجعل الماء في حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب، وإنما خصت هذه بالنهي لأنه يسرع إليها الإسكار فيها فيصير حرامًا نجسًا. (¬9) أخرجه البخاري في الإيمان باب أداء الخمس من الإيمان: 53، وفي العلم: 87، وفي مواقيت الصلاة: 523، وفي الزكاة: 1398، وفي فرض الخمس: 3095، وفي المناقب: 3510، وفي المغازي: 4369، وفي الأدب: 6176، وفي أخبار الآحاد: 7266، وفي التوحيد: 7556، ومسلم في الإيمان حديث رقم: 17، وأبو داود في الأشربة باب في الأوعية حديث: 3692، والترمذي في =

قلت: وفي رواية أبي سعيد الخدري زيادة طريفة: 780 - من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "إن أناسًا من عبد القيس قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا نبي الله إنا حي من ربيعة، وبيننا وبينك كفار مضر، ولا نقدر عليك إلا في أشهر الحرم، فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا، وندخل به الجنة، إذا نحن أخذنا به. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عبد القيس آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع؛ اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا الخمس من الغنائم وأنهاكم عن أربع؛ عن الدباء، والحنتم، والمزفت والنقير"، قالوا: يا نبي الله؟ ما علمك بالنقير؟ قال: "بلى جذع تنقرونه، فتقذفون فيه القطيعاء (¬1) (أو قال من الثمر) ثم تصبون فيه من الماء، حتى إذا سكن غليانه شربتموه، حتى إن أحدكم أو إن أحدهم ليضرب ابن عمه بالسيف" قال وفي القوم رجل أصابته جراحه كذلك، قال: وكنت أخبئها حياءً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: ففيم نشرب يا رسول الله؟ قال: "في أسقية الأدم، التي يلاث على أفواهها" (¬2) قالوا: يا رسول الله! إن أرضنا كثيرة الجرذان، ولا تبقى بها أسقية الأدم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان، وإن أكلتها الجرذان" قال، وقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة" (¬3). ¬

_ = الإيمان: 2614، والنسائي في الإيمان باب أداء الخمس: 8/ 120، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 4/ 223، وعبد الرزاق في المصنف: 16927، وأحمد في المسند: 1/ 228، 229، 274، والطيالسي برقم: 714، والبيهقي: 8/ 300، 8/ 303 وابن خزيمة: 2246 من طرق عن ابن عباس. (¬1) القطيعاء: نوع من التمر صغار. (¬2) أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها: الأدم جمع أديم وهو الجلد الذي تم دباغه، ومعنى يلاث على أفواهها: يلف الخيط على أفواهها ويربط بها. (¬3) أخرجه مسلم في الإيمان باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله وشرائع الدين حديث رقم: 18، والبيهقي في السنن: 10/ 104, 194 وفي الدلائل: 5/ 325، 326، من طريقين حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: حدثنا من لقي الوفد الذين قدموا على رسول الله من عبد القيس قال سعيد: وذكر قتادة أبو نضرة عن أبي سعيد. وأخرجه أحمد: 3/ 95 ومسلم في الأشربة باب النهي عن الانتباذ في المزفت حديث: 1996، 45، من طرق عن سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد، وأخرجه مسلم: 1996، 45، والنسائي في الأشربة باب النهي عن نبيذ الدباء والحنتم والنقير: 8/ 306 من طريقين عن المثنى بن سعيد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد.

د - أشج عبد القيس وخصال الإيمان

د - أشج عبد القيس وخصال الإيمان: 781 - من حديث أشج عبد القيس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن فيك لخلقين يحبهما الله" قلت: وما هما يا رسول الله؟ قال: "الحلم والحياء" قلت: قديمًا كان أو حديثًا؟ قال: "قديمًا" قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلقين أحبهما الله" (¬1). هـ - تأخير الرسول صلي الله عليه وسلم صلاة السنة البعدية للظهر: 782 - من حديث كريب أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنهم أرسلوه إلى عائشة رضي الله عنها فقالوا: "اقرأ عليها السلام منا جميعًا وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر، وقل لها: إنا أخبرنا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها، وقال ابن عباس: وكنت أضرب الناس مع عمر بن الخطاب عنها. قال كريب: فدخلت على عائشة رضي الله عنها، فبلغتها ما أرسلوني، فقالت: سل أم سلمة، فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها. فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني إلى عائشة. فقالت أم سلمة: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عنهما، وإنه صلى العصر، ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما، فأرسلنا إليه الخادم فقلت: قومي إلى جنبه فقولي: تقول أم سلمة يا رسول الله ألم أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين، فأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخري ففعلت الجارية، فأشار بيده فاستأخرت عنه. فلما انصرف قال: "يا بنت أبي أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، إنه أتاني أناس من عبد القيس بالإِسلام من قومهم، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 205، 206، والبخاري في الأدب المفرد: 584 وابن أبي شيبة: 12/ 202، وابن سعد: 5/ 558، والنسائي في فضائل الصحابة: 201، وفي الكبرى كما في التحفة: 8/ 513، وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 387 - 388 ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، إلا أن ابن أبي بكرة لم يدرك الأشج، وسنده صحيح وقد سبق هذا المعنى في حديث أبي سعيد الخدري، ومن حديث مزيدة العصري، ومن حديث ابن عباس من رواية ثانية في نفس الموضع المذكور آنفًا، وقد جاء أيضًا من حديث الزارع العبدي عن أحمد بسند حسن. (¬2) أخرجه البخاري في السهو باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع حديث: 1223، وفي المغازي باب وفد عبد القيس حديث رقم: 4370، ومسلم في كتاب صلاة المسافر وقصرها باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر حديث رقم: 834، وأبو داود في الصلاة باب الصلاة بعد العصر حديث رقم:1273.

و - أول جمعة جمعت بعد جمعة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم

و - أول جمعة جمعت بعد جمعة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: 783 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "إن أول جمعة جمعت -بعد جمعة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد عبد القيس بجواثي من البحرين" (¬1). ز - قصة الرجل المصروع وشفاؤه على يد الرسول عليه الصلاة والسلام: 784 - من حديث الزارع بن عامر، ويقال ابن عمرو العبدي، وكان في وفد عبد القيس قال: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأشج المنذر بن عامر ومعهم رجل مصاب فانتهوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثبوا من رواحلهم، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبلوا يده، ثم نزل الأشج فعقل راحلته وأخرج عيبته, ففتحها فأخرج ثوبين أبيضين من ثيابه، فلبسهما، ثم أتى رواحلهم فعقلها، فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: "يا أشج إن فيك خصلتين يحبهما الله عَزَّ وَجَلَّ ورسوله؛ الحلم والأناة" فقال: يا رسول الله أنا تخلقتهما أو جبلني الله عليهما؟ فقال: "بل الله جبلك عليهما" قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله عَزَّ وَجَلَّ ورسوله. فقال الزارع: يا رسول الله إن معي خالًا لي مصابًا، فادع الله له، فقال: "أين هو؟ ائتني به" قال: فصنعت مثل ما صنع الأشج، ألبسته ثوبيه، وأتيته، فأخذ من ردائه يرفعهما حتى رأينا بياض أبطه، ثم ضرب بظهره فقال: "اخرج عدو الله"، فولى وجهه وهو ينظر بنظر رجل صحيح" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجمعة باب الجمعة في القرى والمدن حديث رقم: 892، والمغازي باب وفد عبد القيس حديث رقم: 4371، أبو داود في الصلاة باب الجمعة في القرى حديث: 1068. (¬2) أخرجه أحمد في المسند كما أشار إلى ذلك ابن كثير في السيرة: 4/ 89 - 90. قلت: وهذا الحديث سقط من نسخة المسند المطبوعة، وذكره ابن حجر في المسند المعتلى: 7255، وأخرجه أبو داود الطيالسي كما أشار إلى ذلك ابن الأثير في أسد الغابة، وأخرجه الطبراني في الكبير رقم: 5313، 5314 والبخاري في الأدب المفرد رقم: 975، وأخرج أبو داود في الأدب باب في قبلة الجسد حديث رقم: 5225، بعضه بنفس الإسناد، وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود حديث رقم: 5062: وأخرج هذا الحديث أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة وقال: ولا أعلم للزارع غيره، وذكر أبو عمر النمري: أن كنيته أبو الوازع، وأن له ابنًا يسمى الزارع وبه كان يكنى، وأن حديثه عند البصريين. وأن حديثه هذا حسن.

8 - وفد بني حنيفة وخبر مسيلمة

8 - وفد بني حنيفة وخبر مسيلمة: قد سبق حديث ثمامة بن أثال الحنفي قبل فتح مكة: أ - مقدم الوفد ومقولة النبي صلى الله عليه وسلم لمسيلمة: 785 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول: إن جعل لي محمَّد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطعة جريد- حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: "لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها , ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني"، ثم انصرف عنه. قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وإني لأراك الذي أريت فيه ما أريت"، فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي: أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة" (¬1). ب - رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في مسيلمة والأسود العنسي: 786 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بينما أنا نائم أتيت بخزائن الأرض، فوضع في كفي سواران من ذهب، فكبرا علي، فأوحي إلي أن أنفخهما، فنفختهما، فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء وصاحب اليمامة" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال حديث رقم: 4373، 4374، ومسلم في الرؤيا باب رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 2273، 2274، وما جاء عن أبي هريرة في الحديث فقد أخرجه الشيخان كما سبق ذكره والترمذي , في الرؤيا باب ما جاء في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - الميزان والدلو حديث: 2292، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في الكبرى كما أشار إلى ذلك صاحب تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف حديث رقم: 13574. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال حديث رقم: 4375، ومسلم في الرؤيا باب رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 2274، 22، والترمذي في الرؤيا باب ما جاء في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - الميزان والدلو حديث: 2292، وقال حديث حسن صحيح، والنسائي في الكبرى كما أشار إلى ذلك صاحب تحفة الأشراف حديث رقم: 13574.

جـ - ارتداد مسيلمة وادعاؤه النبوة وإرساله الرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم

جـ - ارتداد مسيلمة وادعاؤه النبوة وإرساله الرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: 787 - من حديث نعيم بن مسعود الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين قرأ كتاب مسيلمة الكذاب قال للرسولين: "فما تقولان أنتما"، قالا: نقول كما قال، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما" (¬1). 788 - عن حارثة بن مضرب أنه أتى عبد الله فقال: "ما بيني وبين أحد من العرب، حِنَةٌ وإني مررت بمسجد لبني حنيفة، فإذا هم يؤمنون بمسيلمة، فأرسل إليهم عبد الله، فجيء بهم فاستتابهم غير ابن النواحة قال له: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لولا أنك رسول لضربت عنقك" فأنت اليوم لست برسول، فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق، ثم قال: من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلًا بالسوق" (¬2). د - لحوق أبي رجاء العطاردي بمسيلمة: 789 - من حديث أبي رجاء العطاردي قال: "كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو أخير منه ألقيناه، وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به، فإذا دخل شهر رجب قلنا: منصل الأسنة، فلا ندع رمحًا فيه حديدة، ولا سهم فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه شهر رجب. وقال أبو رجاء: كنت يوم بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - غلامًا أرعى الإبل على أهلي، فلما سمعنا بخروجه فررنا إلى النار، إلى مسيلمة الكذاب" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 487 - 488، وأبو داود في سننه في الجهاد باب في الرسل حديث رقم: 2761، والبيهقي في السنن: 9/ 211، وإسناده صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود في سننه في الجهاد باب في الرسل حديث: 2762، والنسائي في السنن الكبرى كما أشار إلى ذلك صاحب تحفة الأشراف حديث رقم: 9196، وأحمد في المسند، 1/ 390، 396، 404، 406، وابن حبان رقم: 1629، موارد، والبيهقي في السنن: 9/ 211، 212، والبزار: 2/ 271، رقم: 1681، والدارمي: 2/ 235، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 3/ 317، بإسناد صحيح عن ابن مسعود، وقد أورده الطيالسي في مسنده: 1/ 238، حديث رقم: 1162وهو عنده بلفظ مختلف وقال الهيثمي في المجمع: 5/ 314: رواه أبو داود باختصار وأحمد والبزار، وأبو يعلى مطولًا وإسناده حسن. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب وفد بني حنيفة رقم: 4376 - 4377.

9 - قدوم وفد الأشعريين

9 - قدوم وفد الأشعريين: أ - ارتجاز القوم عند قدومهم وفرحهم بلقاء الرسول عليه الصلاة والسلام: 790 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقدم عليكم أقوامٌ هم أرق منكم قلوبًا" قال: فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري فلما دنوا من المدينة كانوا يرتجزون يقولون: غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه" (¬1). وقد سبق ذكر قدوم أبي موسى الأشعري مع قدوم جعفر من الحبشة في أثناء غزوة خيبر، ويحتمل أنه عاد إلى قومه ثم عاد بهم في وفد الأشعريين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ب - مدح النبي صلى الله عليه وسلم لهم: 791 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبًا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم" (¬2). 792 - ومن حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: "بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطريق مكة إذ قال: "يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب هم خيار من في الأرض، فقال رجل من الأنصار: ولا نحن يا رسول الله، فسكت. قال: ولا نحن يا رسول الله؟ فسكت قال: ولا نحن يا رسول الله؟ فقال في الثالثة: كلمة ضعيفة: "إلا أنتم" (¬3). جـ - قبولهم البشرى ورفض بني تميم لها: 793 - من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (جاءت بنو تميم إلى ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 105، 155، 182، 212، 223، 251، 262، وإسناده صحيح، والبيهقي في الدلائل: 5/ 351 وأبو يعلى رقم: 3845. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن حديث رقم: 4388، ومسلم في الإيمان باب تفاضل أهل الإيمان ورجحان أهل اليمن حديث رقم: 52، الشافعي في المسند: ص: 282، والترمذي في المناقب باب في فضل اليمن حديث رقم: 3935، وأحمد في المسند: 2/ 235، 252، 258 ,267، 277، 380، 474، 480، 488، 502، 541، وابن منده في الإيمان حديث: 438، والدولابي في الكنى: 1/ 271، والبخاري في التاريخ الكبير: 1/ 158. (¬3) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 84، ورواه الطبراني رقم: 4702، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 10/ 55: رواه أحمد والطبراني وإسناده حسن.

د - أهل اليمن مقر الإيمان ونجد مطلع قرن الشيطان

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أبشروا يا بني تميم"، قالوا: أما إذا بشرتنا فأعطنا، فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء ناس من أهل اليمن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم"، قالوا: قد قبلنا يا رسول الله" (¬1). د - أهل اليمن مقر الإيمان ونجد مطلع قرن الشيطان: 794 - من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإيمان ها هنا- وأشار إلى اليمن، والجفاء وغلظ القلب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشيطان ربيعة ومضر" (¬2). 10 - وفد مزينة: 795 - من حديث النعمان بن مقرن رضي الله عنه قال: "قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أربعمائة من مزينة، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمره، فقال بعض القوم: يا رسول الله ما لنا طعام نتزوده، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: "زودهم" فقال: ما عندي إلا فاضلة من تمر وما أراها تغني عنهم شيئًا، فقال: انطلق فزودهم، فانطلق بنا إلى علية له، فإذا فيها ثمر مثل البكر الأورق، فقال: خذوا فأخذ القوم حاجتهم، قال: وكنت أنا في آخر القوم، قال: فالتفت وما أفقد موضع تمرة، وقد احتمل منه أربعمائة رجل" (¬3). 11 - وفد دوس: أ - دعاء النبي بأن يهديهم الله: 796 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء الطفيل بن عمرو إلى ¬

_ (¬1) قد سبق تخريجه حديث رقم:770. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن حديث رقم: 4387، مسلم في الإيمان باب تفاضل أهل الإيمان ورجحان أهل اليمن حديث رقم: 51، وأحمد في المسند: 2/ 235، 252، 258، وابن منده في الإيمان حديث رقم: 427. (¬3) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 445، ورجاله ثقات وسنده حسن وقد جاء من حديث دكين بن سعيد المزني، أخرجه الطبراني رقم: 4702، وأبو نعيم في الدلائل رقم: 333، وفي الحلية: 1/ 365، وأحمد في المسند: 4/ 174، وقال الهيثمي في المجمع: 8/ 305 رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح، وروى أبو داود طرفًا منه". ورواه أبو داود مختصرًا برقم: 5238، وابن حبان موارد: 2151، والحميدي رقم: 893، والبخاري في التاريخ الكبير: 3/ 255 - 256، قلت: وإسناده صحيح.

ب - قصة غلام أبي هريرة

النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن دوسًا قد هلكت، عصت وأبت، فادع الله عليهم". فقال: "اللهم اهد دوسًا وائت بهم" (¬1). ب - قصة غلام أبي هريرة: 797 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت في الطريق: يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنها من دارة الكفر نجت وابق غلام لي في الطريق، فلما قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعته فبينما أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا هريرة، هذا غلامك، فقلت: هو لوجه الله فأعتقته" (¬2). 12 - وفد نجران: 798 - من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيًّا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعث معنا إلا أمينًا. فقال: "لأبعثن معكم رجلًا أمينًا حق أمين"، فاستشرف له أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "قم يا أبا عبيدة بن الجراح"، فلما قام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا أمين هذه الأمة" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي، حديث رقم: 4392، ومسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطيء حديث رقم: 2524، والشافعي في مسنده ص: 182، والطبراني في الكبير: 8/ 391. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب قصة دوس والطفيل بن عمرو وحديث رقم: 4393. (¬3) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح حديث رقم: 3745، وفي المغازي باب قصة أهل نجران: 4380، و 4381، وفي الآحاد باب ما جاء في إجازة خبر الواحد: 7254، مسلم في الفضائل باب فضل أبي عبيدة حديث: 2420، والترمذي في المناقب: 3759، وابن ماجة في المقدمة حديث: 135، وأحمد في المسند:5/ 398، 400، والطيالسي: 2/ 159، وأبو نعيم في الحلية: 7/ 176، عن حذيفة, والحاكم: 3/ 267، وأحمد 1/ 411، والفسوي: 1/ 488، عن ابن مسعود.

13 - وفد كندة مع الأشعث بن قيس

13 - وفد كندة مع الأشعث بن قيس: 799 - من حديث الأشعث بن قيس رضي الله عنه: قال: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد كندة ولا يروني إلا أفضلهم، فقلت: يا رسول الله! ألستم منا؟ فقال: "نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا , ولا ننتفي من أبينا". قال: فكان الأشعث بن قيس يقول: لا أوتى برجل نفى رجلًا من قريش، من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد" (¬1). قصة ولد الأشعث بن قيس: 800 - من حديث الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال: "قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد كندة، فقال لي: هل لك من ولد، قلت: غلامٌ وُلِدَ لي في مخرجي إليك من ابنه جمد، ولوددت أن مكانه شبعَ القوم. قال: "لا تقولن ذلك فإن فيهم قرة عين وأجرًا إذا قبضوا، ثم ولئن قلت ذاك إنهم لمجبنة محزنة، إنهم لمجبنة محزنة" (¬2). 14 - وفد همذان: وسيأتى لهؤلاء القوم ذكر عند حديثنا عن إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الله عَزَّ وَجَلَّ برقم: 808، فلينظر هناك. 15 - وفد عمان والبحرين: 801 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا، وهكذا، ثلاثًا" فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قدم على أبي بكر أمر مناديًا فنادى: ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد: 5/ 211، 212، وابن ماجة في كتاب الحدود باب من نفى رجلًا من قبيلة حديث: 2612، وإسناد ابن ماجة قوي، وصححه البوصيري في الزوائد، وقد سبق برقم: 4. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 211، وتفرد به، وأخرجه الطبراني في الكبير رقم: 647، والحاكم في المستدرك: 4/ 239، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن جيد الإسناد كما قال ابن كثير في السيرة: 4/ 142.

16 - قدوم طارق بن عبد الله وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم

من كان له عند النبي - صلى الله عليه وسلم - دين أو عدة فليأتني. قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا" (ثلاثًا) قال: فأعطاني. قال جابر: فلقيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني، ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فلم يعطني. فقلت له: قد أتيتك فلم تعطني، ثم أتيتك فلم تعطني، ثم أتيتك فلم تعطني. فإما أن تعطيني، وإما أن تبخل عني -قال: أقلت تبخل عني؟ وأي داء أدوأ من البخل؟ قالها ثلاثًا. ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك" (¬1). وعن عمرو عن محمَّد بن علي سمعت جابر بن عبد الله يقول: "جئته فقال لي أبو بكر: عدها، فعددتها فوجدتها خمسمائة، فقال: خذ مثلها مرتين". 16 - قدوم طارق بن عبد الله وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم: 802 - من حديث طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بسوق ذي المجاز، وأنا في بياعة لي، فمرَّ وعليه حلة حمراء فسمعته يقول: "يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة قد أدمى كعبه، وهو يقول: "يا أيها الناس لا تطيعوا هذا فإنه كذاب، فقلت من هذا؟ فقيل: هذا غلام من بني عبد المطلب. فلما أظهر الله الإِسلام خرجنا من الربذة ومعنا ظعينة لنا حتى نزلنا قريبًا من المدينة، فبينما نحن قعودٌ وإذ أتانا رجل عليه ثوبان، فسلم علينا فقال: "من أين القوم"، فقلنا: من الربذة، ومعنا جمل أحمر فقال: "تبيعوني هذا الجمل"، فقلنا: نعم. فقال: "بكم؟ " فقلنا: بكذا وكذا صاعًا من تمر، قال: "أخذته وما أستقصي"، فأخذ بخطام الجمل، فذهب به حتى توارى في حيطان المدينة، فقال بعضنا لبعض: تعرفون الرجل فلم يكن منا أحد يعرفه. فلام القوم بعضهم بعضًا، فقالوا: تعطون جملكم من لا تعرفون. فقالت الظعينة: فلا تلاوموا فلقد رأينا وجه رجل لا يغدر بكم، ما رأيت ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه في المغازي باب قصة عمان والبحرين حديث رقم: 4383، ومسلم في الفضائل باب ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط فقال: لا. وكثرة عطائه حديث رقم: 2314.

17 - وفد بني أسد

شيئًا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه، فلما كان العشى أتانا رجل فقال: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنتم الذين جئتم من الربذة"، قلنا: نعم قال: أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم، وهو يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر حتى تشبعوا، وتكتالوا حتى تستوفوا، فأكلنا من التمر حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا. ثم قدمنا المدينة من الغد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب الناس على المنبر فسمعته يقول: "يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول، أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك أدناك"، وثم رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع الذين قتلوا فلانًا في الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه حتى رأيت بياض إبطيه، فقال: "لا تجني أم ولد على ولد، لا تجني أم ولد على ولد" وهذا لفظ الحاكم (¬1). 17 - وفد بني أسد: 803 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفد بني أسد فتكلموا فأبانوا، فقالوا: يا رسول الله، قاتلتك مضر كلها ولم نقاتلك، ولسنا بأقلهم عددًا ولا أقلهم شوكة. وصلنا رحمك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر حيث سمع كلامهم: "أيتكلمون هكذا؟ " قال: يا رسول الله، إن فقههم لقليل، وإن الشيطان لينطق على لسانهم" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجة في الديات باب لا يجني أحد على أحد رقم: 2670، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات وهو مختصر عنده وأخرج النسائي في الزكاة باب أيتهما اليد العليا: 5/ 61 وفي القسامة: 8/ 55، مقطعًا منه. وهو وخطبته على المنبر وقوله اليد العليا ...) والبيهقي في الدلائل: 5/ 381، والطبراني في الكبير: 8175، والدارقطني:3/ 44 - 45، وابن أبي شيبة: 14/ 300، والحاكم في المستدرك: 2/ 611، 612، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وسنده صحيح كما قالا. (¬2) أخرجه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح: 2363، والبزار كما نقله ابن كثير في تفسيره، وانظر الدر المنثور: 6/ 100، وقد عزاه إلى النسائي والبزار وابن مردويه عن ابن عباس، وهو في السنن الكبرى للنسائي كما أشار إلى ذلك صاحب تحفة الأشراف حديث رقم: 5576.

18 - قدوم جرير بن عبد الله البجلي

18 - قدوم جرير بن عبد الله البجلي: أ - مقالة النبي فيه حين قدم عليه: 804 - من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: "لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي دم حللت عيبتي ثم لبست حلتي، ثم دخلت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فرماني الناس بالحدق، فقلت لجليسي: يا عبد الله هل ذكرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم ذكرك بأحسن الذكر، بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته وقال: "يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذي يمن، ألا أن على وجهه مسحة ملك". قال جرير: فحمدت الله -عَزَّ وَجَلَّ- على ما أبلاني" (¬1). ب - تبسم الرسول صلى الله عليه وسلم له كما رآه: 805 - من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: "ما حجبني عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم" (¬2). جـ - سريته لتخريب ذي الخصلة: 806 - من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا تريحني من ذي الخلصة؟ " فقلت: بلى. فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فضرب يده على صدري وقال: "اللهم ثبته، واجعله هاديًا مهديًا". قال: فما وقعت عن فرس بعد. قال: وكان ذو الخلصة بيتًا باليمن لخثعم وبجيلة فيه نصب تعبد، يقال له الكعبة. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 356 - 360 - 364، وإسناده صحيح، والطبراني في الكبير رقم: 2258، 2483، 2498، والحميدي في مسنده رقم: 800، وإسنادهما صحح، وقال ابن كثير في السيرة: 4/ 149 - 150، وهذا على شرط الصحيحين، وأشار إلى أن النسائي قد أخرجه في سننه، وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 372، رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار وأسانيد الكبير رجاله رجال الصحيح وأخرجه البزار رقم: 365. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 358، 359، 362، 365، البخاري في مناقب الأنصار باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي حديث رقم: 3822، مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل جرير بن عبد الله حديث رقم: 2475، وابن ماجة في المقدمة فضل جرير بن عبد الله حديث: 159، والترمذي في المناقب باب مناقب جرير بن عبد الله حديث: 3820، وقال حسن صحيح، والطبراني في الكبير رقم: 2219 - 2223، والحميدي: 2/ 350.

19 - قدوم تميم الداري وإخباره عن الدجال والجساسة

قال: فأتاها فحرقها بالنار وكسرها. قال: ولما قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام، فقيل له: إن رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ها هنا، فإن قدر عليك ضرب عنقك. قال: فبينما هو يضرب بها إذ وقف عليه جرير فقال: لتكسرنها ولتشهدن أن لا إله إلا الله أو لأضربن عنقك. قال: فكسرها وشهد، ثم بعث جرير رجلًا من أحمس يكنى أبا أرطأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يبشره بذلك. فلما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب، قال فبرَّك النبي - صلى الله عليه وسلم - على خيل أحمس ورجالها خمس مرات" (¬1). 19 - قدوم تميم الداري وإخباره عن الدجال والجساسة: 807 - من حديث فاطمة بن قيس: قال عامر بن شراحيل الشعبي: إنه سأل فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول. فقال: حدثيني حديثًا سمعتيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا تسنديه إلى أحد غيره، فقالت: "لئن شئت لأفعلن، فقال لها: أجل. حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة، وهو من خيار شباب قريش يومئذ، فأصيب (¬2) في أول الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخطبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مولاه أسامة بن زيد، وكنت قد حُدثت، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحبني فليحب أسامة" فلما كلمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت: أمري بيدك، فأنكحني من شئت. فقال: "انتقلي إلى أم شريك"، وأم شريك امرأة غنية، من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان، فقلت: سأفعل. فقال: "لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك، عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم" وهو ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة ذي الخلصة الأحاديث رقم: 4355، 4356، 4357، وانظر أرقام: 3020، 3036، 3076، 3823، 6089، 6333. مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل جرير بن عبد الله حديث: 2476، والحميدي في مسنده رقم: 801، والطبراني في الكبير رقم: 2252 - 2257, وأحمد في المسند: 4/ 362، 260، 365، وأبو داود برقم: 2272. (¬2) فأصيب في أول الجهاد قال العلماء ليس معناه أنه قتل في الجهاد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وتأيمت بذلك, إنما تأيمت بطلاقه البائن.

رجل من بني فهو، فهو قريش، وهو من البطن الذي هي منه، فانتقلت إليه. فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي، منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم. فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك. فقال: "ليلزم كل إنسان مصلاه" ثم قال: "أتدرون لم جمعتكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "إني والله، ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة. ولكن جمعتكم, لأن تميمًا الداري كان رجلًا نصرانيًّا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية، مع ثلاثين رجلًا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرًا في البحر، ثم أرفئوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة (¬1). فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب (¬2) كثير الشعر. لا يدرون ما قبله من دبره، من كثرة الشعر. فقالوا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة. قالت: أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير. فإنه إلى خبركم بالأشواق (¬3). قال: لما سمت لنا رجلًا فرقنا منها (¬4) أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعًا. حتى دخلنا الدير. فإذا فيه أعظم إنسان (¬5) رأيناه قط خلقًا، وأشد وثاقًا. مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه، بالحديد. قلنا: ويلك؟ ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم (¬6)، فلعب بنا الموج شهرًا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيزة، فلقينا دابة أهلب كثير الشعر، لا ندري ما قبله من دبره ¬

_ (¬1) أقرب السفينة: جمع قارب وهي السفن الصغيرة تكون مع الكبيرة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم. (¬2) أهلب: غليظ الشعر كثيره. (¬3) فإنه إلى خبركم بالأشواق: شديد الأشواق إليه أي إلى خبركم. (¬4) فرقنا منها، خفنا. (¬5) أعظم إنسان: أي أكبره جثة. (¬6) اغتلم: هاج وجاوز حده المعتاد.

من كثرة الشعر. فقلنا. ويلك! ما أنت! فقالت: أنا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعًا، وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان (¬1). قلنا: عن أبي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أبي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر (¬2) قالوا: عن أبي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم. هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما أن ذاك خير لهم أن يطيعوه. وإني مخبركم عني: إني أنا المسيح. وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطها في أربعين ليلة. غير مكة وطيبة (¬3). فهما محرمتان عليَّ كلتاهما. كما أردت أن أدخل واحدة، أو واحدًا منها، استقبلني ملك بيده السيف صلتا (¬4) يصدني عنها. وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها) قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطعن بمخصرته في المنبر (هذه طيبة، هذه طيبة) يعني المدينة" "ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ ". قال الناس: نعم "فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة. إلا أنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل ¬

_ (¬1) نخل يسان: وهي قربة بالشام شمال فلسطين. (¬2) عين زغر: هي بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام. (¬3) طيبة: المدينة. (¬4) صلتًا: مسلولًا.

20 - رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن

المشرق، ما هو (¬1)، من قبل المشرق، ما هو، من قبل المشرق، ما هو" وأومأ بيده إلى المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم" (¬2). 20 - رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن: أ - إرسال علي وخالد إلى همدان: 808 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإِسلام، قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإِسلام فلم يجيبوه، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأمره أن يقفل خالدًا إلى رجل كان ممن يمم مع خالد، ومن أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه، قال البراء: فكنت فيمن عقب مع علي. فلما دنونا من القوم خرجوا لنا فصلى بنا علي ثم صفنا صفًّا واحدًا، ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله فأسلمت همدان جمعًا، فكتب علي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسلامهم فلما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب خر ساجدًا، ثم رفع رأسه فقال: "السلام على همدان السلام على همدان" (¬3). ب - إرسال معاذ وأبي موسى إلى اليمن: 809 - من حديث أبي موسى الأشعري قال: "أقبلت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن شمالي، وكلاهما سأل العمل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يستاك، فقال: "ما تقول يا أبا موسى، أو يا عبد الله بن قيس؟ " قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، قال: "لن ¬

_ (¬1) ما هو: قال القاضي: لفظه ما هو زائدة، صلة للكلام، ليست بنافية، والمراد إثبات أنه في جهة الشرق. (¬2) أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة باب قصة الجساسة حديث: 2942، والترمذي في الفتن باب: 66، حديث: 2253، وقال: حسن صحيح غريب، وابن ماجة في الفتن باب فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم حديث: 4074، وأبو داود في الملاحم باب في خبر الجساسة الأحاديث رقم: 4325، 4326، 4327، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف رقم: 18024، وأحمد في المسند: 6/ 373، 374، 413، 417، 418. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع الحديث ثم: 4349.

جـ - وصية الرسول لمعاذ عليه رضوان الله

نستعمل أولًا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس" فبعثه على اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل. قال: فلما قدم عليه معاذ قال: أنزل وألقى له وسادة، وإذا رجل عنده موثق قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًّا فأسلم، ثم رجع إلى دينه دين السوء، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، قال: نعم اجلس، قال: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال معاذ: أما أنا فأنام وأقوم، أو أقوم وأنام، وأرجو في نومتي، ما أرجو في قومتي" (¬1). ومن لفظ آخر ما نصه "بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا موسى ومعاذ إلى اليمن فقال: "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا". فقال أبو موسى: يا نبي الله إن أرضنا فيها شراب من الشعير: المزر، وشراب من العسل: البتع. فقال: "كل مسكر حرام". فانطلقا. فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائمًا وقاعدًا وعلى راحلتي، واتفوقه تفوقًا. قال: أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي، كما أحتسب قومتي. وضرب فسطاطًا فجعلا يتزاوران فزار معاذ أبا موسى فإذا رجل موثق فقال: ما هذا؟ فقال أبو موسى: يهودي أسلم ثم ارتد. قال معاذ: لأضربن عنقه". جـ - وصية الرسول لمعاذ عليه رضوان الله: 810 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حيث بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعوهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فان هم أطاعوك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع أحاديث: 4341 - 4342، 4344، 4345، وفي الأدب باب يسروا ولا تعسروا حديث:6124 وفي الأحكام: 7172، ومسلم في الأشربة: 1733 وابن ماجة في الأشربه: 3391 والدارمي في الأشربة باب ما قيل في المسكر: 2/ 113، وأحمد في المسند: 4/ 410، 416, 417.

د - إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بأنه لن يراه

واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب" (¬1). د - إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بأنه لن يراه: 811 - من حديث عاصم بن حميد السكوني رضي الله عنه "أن معاذ بن جبل لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوصيه ومعاذ راكب، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي تحت راحلته، فلما فرغ، قال: يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا, ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري" فبكى معاذ خاشعًا لفراق النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبك يا معاذ، البكاء، أو إن البكاء من الشيطان" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه في المغازي باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع حديث رقم: 4347، وفي الزكاة باب في وجوب الزكاة حديث: 740، ومسلم في الإيمان باب الدعاء إلى الشهادين وشرائع الإِسلام حديث رقم: 19، والترمذي في الزكاة باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة حديث رقم: 625، وأبو داود في زكاة السائمة حديث: 1584، والنسائي في الزكاة باب وجوب الزكاة: 5/ 2 - 4، وابن ماجة في الزكاة باب فرض الزكاة حديث رقم: 1783، وابن أبي شيبة: 4/ 5، والبيهقي: 4/ 96، 101 وأبو عبيد في الأموال: 1084، وأحمد في المسند: 1/ 233. (¬2) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 235 ورجاله ثقات وسنده جيد، والطبراني في الكبير: 20/ 120، وابن حبان كما في الإحسان: 2/ 20 رقم: 646، وقال الهيثمي في المجمع: 10/ 231 - 232، بعد عزوه للطبراني: إسناده جيد، ابن كثير في السيرة: 4/ 193، دلائل النبوة البيهقي: 5/ 404 - 405.

الباب الخامس حجة الوداع في السنة العاشرة

الباب الخامس حجة الوداع في السنة العاشرة 1 - سبب تسميتها بحجة الوداع: قال ابن كثير رحمه الله: "لأنه عليه الصلاة والسلام ودع الناس فيها, ولم يحج بعدها. وسميت حجة الإِسلام لأنه - عليه السلام - لم يحج من المدينة غيرها، ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها. وسميت حجة البلاغ لأنه - عليه السلام - بلغ الناس شرع الله في الحج قولًا وفعلًا، ولم يكن بقي من دعائم الإِسلام وقواعده شيء إلا وقد بينه - عليه السلام -، فلما بين لهم شريعة الحج ووضحه وشرحه أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ وهو واقف بعرفة اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإِسلام دينا" (¬1) وانظر زيادة توضيح لتسميتها بحجة الوداع حديث رقم (841) الذي سيأتي ذكره. 2 - حجة الوداع كما جاءت من حديث جابر: 812 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال محمَّد بن علي بن الحسين: "دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم (¬2) حتى انتهى إلي، فقلت: أنا محمَّد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى (¬3). ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثدي وأنا يومئذ غلام شاب. فقال: مرحبًا بك يا ابن أخي سل عما شئت. فسألته، وهو أعمى. وحضر وقت الصلاة. فقام في نساجة (¬4) ملتحفًا بها. كما وضعها على منكبه ¬

_ (¬1) سيرة ابن كثير: 4/ 211. (¬2) فسأل عن القوم: أي عن جماعة الرجال الداخلين عليه، فإنه إذ ذاك كان أعمى، عمي في آخر عمره. (¬3) فنزع زري الأعلى: أخرجه من عروته فيكشف صدري عن القميص. (¬4) نساجة: هي ضرب من الملاحف منسوجة.

رجع طرفها إليه من صغرها. ورداؤه إلى جنبه، على المشجب (¬1). فصلى بنا. فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال بيده، فعقد تسعًا. فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث تسع سنين لم يحج. ثم أذن في الناس (¬2) في العاشرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاج. فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعمل مثل عمله. فخرجنا معه. حتى إذا أتينا ذا الحليفة. فولدت أسماء بنت عميس محمَّد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , كيف أصنع؟ قال: "اغتسلي. واستثفري (¬3) بثوب وأحرمي" فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد. ثم ركب القصواء (¬4). حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه. من راكب وماش. وعن يمينه مثل ذلك. وعن يساره مثل ذلك. ومن خلفه مثل ذلك. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا. وعليه ينزل القرآن. وهو يعرف تأويله. وما عمل به من شيء عملنا به. فأهل بالتوحيد "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" وأهل الناس بهذا الذي يهلون به. فلم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا منه. ولزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبيته. قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوي إلا الحج. لسنا نعرف العمرة. حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن (¬5) فرمل ثلاثًا (¬6) ومشى أربعًا. ثم نفذ إلى مقام إبراهيم (¬7) - عليه السلام -. فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (¬8) ¬

_ (¬1) المشجب: هو عبدان تضم رؤسها ويفرج بين قوائمها، توضع عليها الثياب. (¬2) أذن في الناس: أعلمهم بذلك وأشاع بينهم ليتأهلوا للحج معه، ويتعلموا المناسك والأحكام ويشهدوا أقواله وأفعاله ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب وتشيع دعوة الإِسلام. (¬3) استثفري: الاستثفار هو أن تشد في وسطها شيئًا، فتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشد في وسطها. (¬4) القصواء: ناقته. والقصواء معناها المقطوعة الأذن عرضًا. (¬5) الركن: الحجر الأسود، والاستلام المسح والتقبيل بالتكبير والتهليل إن أمكنه ذلك من غير إيذاء أحد. وإلا فتكفي الإشارة من بعيد. (¬6) إسراع المشي مع تقارب الخطا. (¬7) نفذ إلى مقام إبراهيم: بلغه ماضيًا في زحام. (¬8) سورة البقرة، الآية: 125.

فجعل المقام بينه وبين البيت، وكان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا. فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (¬1) وابدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا. فرقى عليه. حتى إذا رأى البيت فاستقبل القبلة. فوحد الله وكبره. وقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده. أنجز وعده. ونصر عبده. وهزم الأحزاب وحده"، ثم دعا بين ذلك. قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت (¬2) قدماه في بطن الوادي سعى. حتى إذا صعدتا (¬3) مشى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: "لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة". فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابعه واحدة في الأخرى. وقال: "دخلت العمرة في الحج" مرتين "لا بل لأبد أبد". وقدم علي من اليمن ببُدن النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل، ولبست ثيابًا صبيغًا. واكتحلت. فأنكر ذلك عليها. فقالت: إن أبي أمرني بهذا. فقال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرشًا (¬4) على فاطمة. للذي صنعت. مستفتيًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكرت عنه. فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها. فقال: "صدقت صدقت. ماذا قلت حين فرضت الحج"، قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك. قال: "فإن معي الهدي فلا تحل". قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتي به النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة. قال: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان معه هدي. ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 158. (¬2) انصبت قدماه: انحدرت. (¬3) صعدتا: ارتفعت قدماه عن بطن الوادي. (¬4) محرشا: التحريش: الإغرار والمراد هنا أن يذكر له ما يقتفى عتابها.

فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأحلوا بالحج. وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة (¬1). فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام (¬2) كما كانت قريش تصنع في الجاهلية. فأجاز (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة. فوجد القبة قد ضربت له بنمرة. فنزل بها. حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت (¬4) له، فأتى بطن الوادي (¬5) فخطب الناس وقال: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب. فإنه موضوع كله. فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن في فرشكم أحدًا تكرهونه (¬6)، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح (¬7)، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به. كتاب الله. وأنتم تسألون عني. فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بأصبعه ¬

_ (¬1) نمرة: موضع بجنب عرفات وليست من عرفات. (¬2) المشعر الحرام: جبل بمزدلفة كانت قريش تقف عليه، ولا تقف مع العرب في عرفات ولكن الرسول خالفهم فوقف مع الناس كما أمره الله {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} أي سائر العرب غير قريش. (¬3) فأجاز: جاوز المزدلفة ولم يقف بها، وإنما توجه إلى عرفات. (¬4) رحلت: وضع عليها الرحل. (¬5) بطن الوادي: وادي عرنة، وليست عرنة من أرض عرفات عند العلماء كافة، إلا مالكًا فقال: هي من عرفات. (¬6) ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه: أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم. سواء كان المأذون له رجلًا أجنبيًّا أو امرأة أو أحدًا من محارم الزوجة فالنهي يتناول الجميع، وهذا حكم المسألة عند الفقهاء: أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل ولا امرأة لا محرم ولا غيره، في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه. (¬7) الضرب المبرح: الشديد الشاق.

السبابة. يرفعها إلى السماء وينكتها (¬1) إلى الناس: "اللهم اشهد. اللهم اشهد"، ثلاث مرات. ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات (¬2)، وجعل جبل المشاة بين يديه (¬3)، واستقبل القبلة. فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص (¬4)، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد شنق للقصواء (¬5) الزمام. حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله (¬6)، ويقول بيده اليمنى (¬7) "يا أيها الناس، السكينة السكينة" (¬8) كلما أتى حبلًا من الحبال (¬9) أرخى لها (¬10) قليلًا، حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحدة وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئًا (¬11) ثم اضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى طلع الفجر، وصلى الفجر، حين تبين له الصبح. بأذان وإقامة. ثم ركب القصواء، حتى أتى المشعر الحرام, فاستقبل القبلة، فدعاه وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدًّا (¬12)، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلًا حسن الشعر أبيض وسيمًا، فلما دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرت به ظعن بجرين (¬13)، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع ¬

_ (¬1) ينكتها: يقلبها ويرددها إلى الناس مشيرًا إليهم. (¬2) الصخرات: صخرات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات. فهذا هو الموقف المستحب. (¬3) جبل المشاة: مجتمعهم، وقيل جبل المشاة: ومعناه طريقهم حيث متسلك الرجالة. (¬4) حتى غاب القرص: حتى غابت الشمس وذهبت الصخرة. (¬5) وقد شنق للقصواء: ضم وضيق. (¬6) مورك رحله: هو قطعة أدم يتورك عليها الراكب تجعل في مقدمة الرحل شبه المخدة الصغيرة. (¬7) ويقول بيده: يشير بيده. (¬8) السكينة: أي الزموا السكينة. وهي الرفق والطمأنينة. (¬9) كلما أتى حبلًا من الحبال: الحبل: التل العظيم من الرمل. (¬10) أرخى لها: أرسل زمام القصواء قليلًا. (¬11) ولم يسبح بينهما شيئًا: أي لم يصل بينهما نافلة. (¬12) حتى أسفر جدًّا: حتى قاربت الشمس على الطلوع. (¬13) مرت به ظعن بجرين: الجمال التي تحمل النساء.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده من الشق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه؟!!، حتى أتى بطن محسر (¬1) فحرك قليلًا. ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى (¬2)، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخذف (¬3) رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر. فنحر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًّا، فنحر ما غبر (¬4)، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنه ببضعة، فجعلت في قدر. فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفاض إلي البيت (¬5) فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: "انزعوا بني عبد المطلب: فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم"، فناولوه دلوًا فشرب منه" (¬6). ¬

_ (¬1) بطن محسر: سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيا وكلَّ. (¬2) الجمرة الكبرى: جمرة العقبة. (¬3) حصى الخذف: أي حصى صغار. (¬4) ما غبر: ما بقي. (¬5) فأفاض إلى البيت: أي طاف بالبيت طواف الإفاضة. (¬6) جاء حديث جابر هذا من طريق جعفر بن محمَّد عن أبيه محمَّد بن علي بن الحسين عن جابر. أخرج هذا الطريق مسلم في الحج باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 1218، وأبو داود في المناسك: 1905. باب صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وابن ماجة في المناسك باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 3074، والدارمي في المناسك: 2/ 44 - 49 باب في سنة الحاج، والبيهقي في السنن: 5/ 7 - 9، وصححه ابن خزيمة برقم: 2603: 2620، وابن الجارود في المنتقى رقم: 465، 469 بتمامه، واللفظ هنا لمسلم. وقد أخرج مقاطع كبيرة من الحديث من هذا الطريق أحمد: 3/ 320، والنسائي في المناسك باب الذكر والدعاء على الصفا: 5/ 239، 240، وابن خزيمة برقم: 2626. وقد أخرج بروايات أخرى وبطرق أخرى: عند أحمد: 3/ 317، 320، 366، والبخاري في الحج باب من أهل زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كإهلال النبي: 1557 باب من لبى الحج ومسماه: 1651، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وباب عمرة التنعيم: 1785، وفي الشركة: 2506 باب الاشتراك في الهدي والبدن، وفي المغازي: 4350 باب بعث علي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع، وفي التمني: 7230 باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لو استقبت من أمري ما استدبرت". وفي الاعتصام باب نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - على التحريم إلا ما تعرف إباحته: 7367، ومسلم في الحج: 1213، 1214، 1215، 1216، 1218، باب في المتعة بالحج والعمرة، وأبو داود في المناسك: 5/ 23 - 24، وابن حزم في المحلى: 7/ 100، والطيالسي: 1/ 205، برقم: 991، والحميدي: 1293، والنسائي: 5/ 240، ومالك في الموطأ: 1/ 332،333 , 337، 339، والطحاوي في شرح المعاني: 1/ 361، 363، 371، 381، 393، 398، 411، وفي مشكل الآثار: 1/ 346 , 2/ 73، 3/ 160، والحاكم في المستدرك: 1/ 455، وابن سعد: 2/ 1 / 127، وأبو نعيم في الحلية: 3/ 189، 199، 200، وابن حبان في صحيحه: 1012 - موارد.

3 - تاريخ خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة

3 - تاريخ خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة: 813 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه، فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرة التي تردع على الجلد، فأصبح بذي الحليفة، ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه، وقلد بدنته، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لأربع ليالٍ خلون من ذي الحجة، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، ولم يحل من أجل بدنه لأنه قلدها. ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون وهو مهل بالحج، لم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة، وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يقصروا من رؤوسهم ثم يحلوا، وذلك لمن لم يكن معه بدنة قلدها، ومن كان معه امرأته فهي له حلال والطيب والثياب" (¬1). 4 - صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة أربعًا قبل خروجه وبياته بذي الحليفة: 814 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: قال: "صلى- النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة أربعًا، وبذي الحليفة ركعتن، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة، فلما ركب راحلته واستوت به أهل" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الحج باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية: 1545، وباب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة ويرجع بعد الطواف الأول: 1625، وباب تقصير المتمتع بعد العمرة: 1731، من عند كريب عن ابن عباس، وقد جاء من طرق أخرى عن ابن عباس عند البخاري في الحج باب التمتع والقران والإفراد حديث: 1564, ومسلم في الحج باب جواز العمرة في أشهر الحج: 1240: 1241، وأحمد: 1/ 236، وأبو داود: 1790، والنسائي: 5/ 181, والدارمي: 2/ 50 - 51، والبيهقي: 5/ 18، والطيالسي: 1/ 209 برقم: 1001، 1050، ومجمع الزوائد: 3/ 233، وقد جاء أيضًا من حديث عائشة شبيهًا به في الصحيحين والنسائي وابن ماجة ومصنف ابن أبي شيبة كما قال ابن كثير السيرة: 4/ 205. (¬2) أخرجه البخاري في الحج باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح رقم: 1546، 1547، ومسلم في صلاة المسافرين حديث: 660، باب صلاة المسافرين وقصرها والحميدي: 1192، وأبو داود في المناسك: 1796، والنسائي في الصلاة: 487 باب صلاة العصر في السفر، والدارمي: 1/ 354، والبيهقي في السنن: 5/ 10، والطحاوي في شرح المعاني: 1/ 418، وأحمد: 3/ 110, 111, 112، 177، من طرق عن أنس.

5 - صلاته - عليه السلام - في وادي العقيق

5 - صلاته - عليه السلام - في وادي العقيق: 815 - من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - بوادي العقيق يقول: "أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة" (¬1). 6 - إهلال النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة: 816 - من حديث أنس بن مالك رضي الله قال: "صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه بالمدينة- الظهر أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبَّر، ثم أهل بحج وعمرة، وأهلَّ الناس بهما، فلما قدمنا أمر الناس فحلّوا، حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج، قال ونحر النبي - صلى الله عليه وسلم - بدنات بيده قيامًا، وذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة كبشين أملحين" (¬2). هذا لفظ البخاري. 7 - كيف أهل الناس في الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم: 817 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فأهللنا بعمرة، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا". فقدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة"، ففعلت. فلما قضينا الحج أرسلني النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال: "هذه مكان عمرتك". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الحج باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: العقيق واد مبارك. حديث رقم: 1534، وأخرجه أيضًا بأرقام: 2337، 7343، وأبو داود في الحج باب في الإقران حديث: 1800، وابن ماجة في المناسك باب التمتع بالعمرة إلى الحج رقم: 2976، وأحمد في المسند: 1/ 24 , من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سمع عمر وقد جاء شبيهًا بهذا اللفظ من حديث ابن عمر عند البخاري برقم: 1535، وعند مسلم برقم: 1346 ومحمد أحمد: 2/ 90 , والنسائي: 5/ 126. حديث رقم: 2660. (¬2) أخرجه البخاري في الحج باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال حديث: 1551، وباب من نحر هديه بيده: 1548، وفي الجهاد باب الخروج بعد الظهر: 2951، وباب الارتداف في الغزو والحج: 2986، ومسلم في صلاة المسافرين باب صفة المسافرين وقصرها: 690، وأبو داود في المناسك باب في القرآن حديث: 1796، والنسائي في الصلاة باب صلاة العصر في السفر حديث: 447, ص: 1/ 237، والحميدي برقم: 1192، والبيهقي في الحج باب من اختار القرآن: 5/ 9، وأحمد في المسند: 3/ 186، 268، من طرق عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس.

8 - ولادة أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر بذي الحليفة

قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا، ثم طافوا طوافًا واحدًا بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا" (¬1). 8 - ولادة أسماء بنت عميس محمَّد بن أبي بكر بذي الحليفة: 818 - من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "نفست (¬2) أسماء بنت عميس محمَّد بن أبي بكر، بالشجرة (¬3)، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر، يأمرها أن تغتسل وتهل" (¬4). 9 - حيض أم المؤمنين عائشة بسرف وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لها: 819 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج، في أشهر الحج. وفي حُرُم الحج. وليالي الحج حتى نزلنا بسرف، فخرج إلى أصحابه فقال: "من لم يكن معه منكم هدي فأحب أن يجعلها عمرة، فليفعل، ومن كان معه هدي، فلا" فمنهم الأخذ بها والتارك لها، ممن لم يكن معه هدي، فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان معه الهدي، ومع رجال من أصحابه لهم قوة، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقال: "ما يبكيك؟ " قلت: سمعت كلامك مع أصحابك فمنعت العمرة قال: وما لك؟ قلت: لا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الحج باب كيف تهل الحائض والنفساء حديث: 1556، باب طواف القارن حديث: 1638، وباب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت: 1650، وباب ذبح الرجل البقرة عن نسائه من غير أمرهن حديث: 1709، وفي المغازي باب حجة الوداع حديث: 4395، ومسلم في الحج باب بيان وجوه الإحرام حديث: 1211، وأبو داود برقم: 1781 والنسائي في الحج باب في المهلة بالعمرة تحيض وتخاف فوت الحج: 5/ 165، حديث: 2764، ومالك في الحج دخول الحائض مكة: 1/ 410 - 411، وأحمد: 6/ 163 - 164، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 2/ 199 من طرق عن ابن شهاب الزهرى عن عروة بن الزبير عن عائشة. (¬2) نفست: ولدت. (¬3) بالشجرة: وفي رواية بذي الحليفة، وفي رواية بالبيداء هذه المواضع الثلاثة متقاربة. (¬4) أخرجه مسلم في الحج باب إحرام النفساء حديث: 1209، وأبو داود في المناسك باب الحائض تهل بالحج: 1743، وابن ماجة في المناسك باب النفساء والحائض تهل بالحج: 2911، والدارمي باب النفساء والحائض إذا أرادت الحج وبلغتا الميقات: 2/ 33، من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة. وجاء من حديث أسماء بنت عميس عند مالك في الحج باب الغسل للإهلال: 1/ 322، ومن حديث جابر بن عبد الله عند مسلم حديث رقم: 1610، وابن ماجة برقم: 2913، والنسائي في الطهارة باب الاغتسال من النفاس: 1/ 122 حديث: 214، والدارمي: 2/ 33 من طرق عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر، وقد سبق تخريجه بزيادة في حديث جابر الطويل.

10 - تلبيته عليه الصلاة والسلام

أصلي، قال: "فلا يضرك، فكوني في حجك، فعسى الله أن يرزقكيها، وإنما أنت من بنات آدم، كتب الله عليك ما كتب عليهن". قالت: فخرجت في حجتي حتى نزلنا منى فتطهرتُ، ثم طفنا بالبيت، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المحصب، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: "أخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة، ثم لتطف بالبيت فإني انتظركما هنا". قال: فخرجنا فأهللت، ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة. فجئنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في منزله من جوف الليل، فقال: "هل فرغت؟ " قلت: نعم، فآذن في أصحابه بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح، ثم خرج إلى المدينة" (¬1). واللفظ لمسلم. 10 - تلبيته عليه الصلاة والسلام: 820 - من حديث جابر الطويل السابق قال: "فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبي: "لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" (¬2). 821 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "إني لأعلم كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبي: فكانت تلبي: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك" (¬3). 822 - وقد جاء أيضًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما شبيهًا بهذين اللفظين إلا أن مالكا زاد في روايته قال: "وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لبيك ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الحج باب الحج على الرحل: 1518, وباب قول الله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}: 1560 وباب أجر العمرة على قدر النصب: 1787، وباب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج يجزئه عن طواف الوداع حديث: 1788، ومسلم في الحج باب بيان وجوه الإحرام حديث: 1211، 123، 124، 126، 127، من طرق عن القاسم بن محمد عن عائشة. (¬2) سبق تخريجه في حديث رقم: 812. (¬3) أخرجه البخاري في الحج باب التلبية حديث: 1550، والبيهقي في الحج باب كيف التلبية: 5/ 44، وأحمد: 6/ 32، 181، 230، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 4/ 124، من طرق عن الأعمش عن عمارة عن أبي عطية عن عائشة. وأخرجه الطيالسي: 1/ 211 برقم: 1012، والبيهقي: 5/ 44، وأحمد في المسند: 6/ 100، 181، 243، من طريق شعبة عن سليمان سمعت خيثمة عن أبي عيينة سمعت عائشة - رضي الله عنها.

11 - موافاة علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري النبي بمكة

لبيك، لبيك وسعديك، والخير بين يديك لبيك، الرغباء إليك والعمل" (¬1). 11 - موافاة علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري النبي بمكة: 823 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قدم علي رضي الله عنه على النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليمن فقال: "بما أهللت؟ " قال: بما أهل به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لولا أن معي الهدي لأحللت" (¬2). 824 - ومن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قدم علي من سعايته فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بم أهللت يا علي؟ " قال: بما أهل به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فاهد وامكث حرامًا كما أنت"، قال: وأهدى له عليّ هديًا" (¬3). 825 - ومن حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قوم باليمن، فجئت وهو بالبطحاء فقال: "بما أهللت؟ " قلت: أهللتُ كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هل معك من هدي؟ " قلت: لا. فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أمرني فأحللت، فأتيت امرأة من قومي فمشطتني، وغسلت رأسي. فقدم عمر - رضي الله عنه - فقال: إن نأخذ بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام. قال الله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} (¬4). وإن نأخذ بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يحل حتى غير الهدي" (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الحج باب التلبية حديث: 1549 مسلم في الحج باب التلبية وصفتها ووقتها حديث: 1184 ومالك في الحج باب العمل في الإهلال: 1/ 331. (¬2) أخرجه البخاري في الحج باب من أهل في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كإهلال النبي حديث: 1558 ومسلم في الحج باب إهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه حديث: 1250، والترمذي في الحج باب: 109، بعد باب جاء في الرخصة للرعاة أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا حديث: 956، والبيهقي: 5/ 15، وأحمد في المسند: 3/ 185، من حديث سليم بن حيان سمعت مروان الأصغر عن أنس بن مالك. (¬3) أخرجه البخاري في الشركة باب الاشتراك في الهدي والبدن حديث: 2506، وفي الحج باب من أهل في زمن النبي كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث: 1557 وباب التمتع والإقران والإفراد بالحج: 1568، وباب عمرة التنعيم: 1785، وفي المغازي باب بعث علي وخالد إلى اليمن قبل حجة الوداع: 4352، وفي التمني باب قول النبي لو استقبلت من أمري ما استدبرت: 7230، وفي الاعتصام باب نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - على التحريم إلا ما تعرف إباحته حديث: 7367. (¬4) سورة البقرة، الآية: 196. (¬5) أخرجه البخاري في الحج باب من أهل في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كإهلال النبي حديث: 1559، باب التمتع والقران والإفراد بالحج حديث: 1565، باب الذبح قبل الحلق حديث: 1724، وباب متى يحل المعتمر =

12 - تقبيل الحجر الأسود

12 - تقبيل الحجر الأسود: 826 - من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - "أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك" (¬1). وقد أورد الحافظ ابن حجر في الفتح سبب مقالة عمر بن الخطاب هذه فقال: "قال الطبري: إنما قال ذلك عمر, لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا لأن الحجر يضر وينفع بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان". ثم قال ابن حجر "وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين، وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة فيه، وفيه وقع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته، وفيه بيان السنن بالقول والفعل، وأن الإِمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاده أن يبادر إلى بيان الأمر وتوضيح ذلك" (¬2). ¬

_ = حديث: 1795، وفي المغازي باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع حديث: 4346، وباب حجة الوداع حديث: 4397، ومسلم في الحج باب في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام حديث: 1221، والنسائي في الحج باب الحج بغير نية يقصده المحرم: 5/ 156 - 157 حديث رقم: 2742، من طرق عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري. (¬1) أخرجه البخاري في الحج باب ما ذكر في الحجر الأسود حديث: 1597، وباب الرمل في الحج والعمرة حديث: 1605، وباب تقبيل الحجر حديث: 1610، ومسلم في الحج باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف حديث: 1270، 1271، وأبو داود في المناسك باب في تقبيل الحجر حديث: 1873، والترمذي في الحج باب ما جاء في تقبيل الحجر حديث: 860، والنسائي في الحج باب استلام الحجر: 5/ 227 حديث رقم: 2936، وباب تقبيل الحجر حديث: 2937، وابن ماجة في المناسك باب استلام الحجر حديث: 2943. والحميدي رقم: 9، والدارمي في المناسك باب في تقبيل الحجر: 2/ 52 - 53, وأحمد في المسند: 1/ 21، 26، 35، 39، 46، 51، 54، من طرق عن عمر. (¬2) فتح الباري: 3/ 462 - 463.

13 - سعيه بين الصفا والمروة

13 - سعيه بين الصفا والمروة: 827 - من حديث عروة بن الزبير أنه قال لعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما أرى على أحد، لم يطف بين الصفا والمروة شيئًا. وما أبالي أن لا أطوف بينهما". قالت: بئس ما قلت، يا ابن أختي! طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وطاف المسلمون، فكان سنة، وإنما كان من أهلَّ لمناة الطاغية (¬1)، والتي بالمشلل (¬2)، لا يطوفون بين الصفا والمروة. فلما كان الإِسلام سألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟ فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. ولو كانت كما تقول، لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما (¬3). قال الزهري: فذكرتُ ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام، فأعجبه ذلك، وقال: إن هذا العلم. ولقد سمعت رجالًا من أهل العلم يقولون: إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب، يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية، وقال آخرون من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}. قال أبو بكر بن عبد الرحمن: فأراها قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء". اللفظ لمسلم. ¬

_ (¬1) الطاغية: صفة لمناة. وصفت بها باعتبار طغيان عبدتها. والطغيان مجاوزة الحد في العصيان. (¬2) المشلل: جبل يهبط منه إلى قديد. وقديد واد. (¬3) أخرجه البخاري في الحج باب وجوب الصفا والمروة حديث: 1643، وفي العمرة باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج حديث: 1790، وفي التفسير باب قوله: إن الصفا والمروة من شعائر الله ... حديث: 4495، باب ومناة الثالثة الأخرى حديث: 4861، ومسلم في الحج باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة لا يصح الحج إلا به حديث: 1277، والترمذي في التفسير، باب من سورة البقرة حديث: 2969، أبو داود في الحج باب أمر الصفا والمروة حديث: 1901، والنسائي في الحج باب ذكر الصفا والمروة: 5/ 237 حديث: 2967،2968، والحميدي: 1/ 107 برقم: 219، وصححه ابن خزيمة برقم: 2766، وأخرجه أحمد في المسند: 6/ 144، 227، والبيهقي في الحج باب وجوب الطواف بين الصفا والمروة: 5/ 96، وابن ماجة في الحج باب السعي بين الصفا والمروة حديث: 2986.

14 - صلاته صلى الله عليه وسلم في يوم التروية بمنى

14 - صلاته صلى الله عليه وسلم في يوم التروية بمنى: 828 - من حديث جابر الطويل ... قال: " ... فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى - فأهلوا بالحج. وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس" (¬1). 829 - وقد جاء شبيهًا بقول جابر من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (¬2). 15 - نزول قوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} يوم عرفة: 830 - من حديث طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، قال عمر: "قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم بعرفة يوم جمعة" (¬3). 16 - إفطاره عليه الصلاة والسلام يوم عرفة: 831 - من حديث ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: "إن الناس شكوا في صيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة، فأرسلت إليه ميمونة بحلاب اللبن، وهو واقف في الموقف فشرب منه، والناس ينظرون إليه" الحلاب: الإناء الذي يحلب فيه" (¬4). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه حديث رقم: 812. (¬2) أخرجه أحمد: 1/ 255، وأبو داود في المناسك باب الخروج إلى منى حديث: 1911، والترمذي في الحج: 880, باب ما جاء في الخروج إلى منى والمقام بها، والدارمي في المناسك باب كم صلاة يصلي بمنى: 2/ 54، وصححه ابن خزيمة برقم: 2799، والحاكم: 1/ 461 ووافقه الذهبي. من طرق الحكم بن عتبة عن مقسم عن ابن عباس. ومن طريق آخر أخرجه الترمذي في الحج باب ما جاء في الخروج إلى منى والمقام بها رقم: 879، وابن ماجة في المناسك باب الخروج إلى منى حديث: 3004، من طريق إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس. (¬3) أخرجه البخاري في الإيمان باب زيادة الإيمان ونقصانه حديث: 45، وفي التفسير تفسير سورة المائدة باب اليوم أكملت لكم دينكم حديث: 4606. وفي المغازي باب حجة الوداع حديث: 4407 وحديث رقم: 7268 في الاعتصام، ومسلم في التفسير حديث، رقم: 3017، والترمذي في التفسير باب ومن سورة المائدة حديث: 3043، والنسائي في الحج باب ما ذكر يوم عرفة: 3002. (¬4) أخرجه البخاري في الصوم باب صوم يوم عرفة حديث: 1989، ومسلم في الصوم باب استحباب الفطر يوم عرفة حديث: 112، وجاء شبيهًا به من حديث أم الفضل بن الحارث عند البخاري في =

17 - وقوف الرسول صلى الله عليه وسلم بعرفة مخالفا سنة قريش في الجاهلية

17 - وقوف الرسول صلى الله عليه وسلم بعرفة مخالفًا سنة قريش في الجاهلية: 832 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بعرفات فلما جاء الإِسلام، أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي عرفات ثم يقف بها، ثم يفيض منها وذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (¬1). وصية النبي بالوقوف بعرفة لأنَّه من إرث إبراهيم - عليه السلام -: 833 - من حديث عمرو بن عبد الله بن صفوان عن خال له إن شاء الله يقال له: يزيد بن شيبان قال: "كنا في موقف لنا بعرفة يباعده عمرو من موقف الإِمام جدًّا. فأتانا ابن مربع الأنصاري فقال: "إني رسول رسول الله إليكم يأمركم أن تقفوا على مشاعركم هذه فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم - عليه السلام -" (¬2). جمعه بين الظهر والعصر يوم عرفة: 834 - من حديث جابر بن عبد الله الطويل " ... وقال: فأجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى ¬

_ = الصوم باب صوم يوم عرفة حديث: 1988، ومسلم برقم: 1123، ومالك في الموطأ في الحج باب صيام يوم عرفة: 1/ 375، وعبد الرزاق في المصنف: 7815. (¬1) أخرجه البخاري في التفسير باب: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} حديث رقم: 4520 وفي الحج باب الوقوف بعرفة حديث رقم: 1665، ومسلم في الحج باب الوقوف وقوله تعالى {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} حديث: 1219، أبو داود في المناسك باب الوقوف بعرفة حديث: 1910، والترمذي في الحج باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء بها حديث: 884، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف حديث رقم: 17195، 12/ 202، كلهم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. (¬2) أخرجه أبو داود في المناسك باب موضع الوقوف بعرفة حديث: 919، باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء بها حديث: 813، والنسائي في الحج باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة: 5/ 255، وابن ماجة في المناسك باب الموقف بعرفة: 3011، وإسناده قوي، وأحمد في المسند: 4/ 335، وابن خزيمة في صحيحه: 2818 - 2819، وصححه الحاكم: 1/ 462 ووافقه الذهبي.

كيف يفعل بمن توفي محرما

الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة ولم يزل واقفًا حتى غربت الشمس" (¬1). كيف يفعل بمن توفي محرمًا: 835 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بينما رجل واقف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة إذ وقع عن راحلته. فأوقصته أو قال فأقعصته (¬2)، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه (¬3)، ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًّا (¬4) " (¬5). 18 - خطبته في حجة الوداع: 836 - من حديث جابر الطويل " ... قال: فأجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة. فوجد القبة قد ضربت له بنمرة. فنزل بها. حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له. فأتى بطن الوادي. فخطب الناس وقال: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم. كحرمة يومكم هذا. في شهركم هذا. في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع. ودماء الجاهلية موضوعة. وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث. كان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع. وأول ربا أضع ¬

_ (¬1) سبق تخريجه حديث رقم: 812. (¬2) فأقعصته: قتلته في الحال. (¬3) ولا تحنطوه: أي لا تضعوا عليه من الطيب شيئًا. (¬4) ملبيًّا: يحشر يوم القيامة على الهيئة التي مات عليها. (¬5) البخاري في الجنائز باب الكفن في ثوبين: 1265، وباب الحنوط للميت: 1266، وباب كيف يكفن المحرم حديث: 1267: 1268، وفي الحج باب ما ينهى عن الطيب للمحرم والمحرمة: 1839، وباب المحرم يموت بعرفة: 1849، 1850، ومسلم في الحج باب ماذا يفعل إذا مات: 1206، وأبو داود في الجنائز باب المحرم يموت كيف يصنع به حديث: 3238، 3239، 3240، 3241، والترمذي في الحج باب ما جاء في المحرم يموت في إحرامه: 951، والنسائي في الحج باب غسل المحرم بالسدر إذا مات: 5/ 195 حديث: 2853، 5/ 196 باب في كم يكفن المحرم إذا مات حديث: 2854، 2855، 2856، وباب النهي عن تخمير رأس المحرم إذا مات: 5/ 197، 2858، 2857، وابن ماجة باب المحرم يموت: 3084، والبيهقي في الجنائز باب المحرم يموت: 3/ 392، والدارمي في المناسك باب في المحرم إذا مات ما يصنع به: 2/ 49 - 50، والحميدي: 466، 467، وأحمد: 1/ 215 , 220، 333، 346 , من طرق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

ربانا. ربا عباس بن عبد المطلب. فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء. فإنكم أخذتموهن بأمان الله. واستحللتم فروجهن بكلمة الله. ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه. فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله. وأنتم تسألون عني. فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بأصبعه السبابة. يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس "اللهم اشهد. اللهم اشهد" ثلاث مرات) (¬1). 837 - ومن حديث أبي بكرة رضي الله عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حُرُم: ثلاثة متواليات -ذو القعدة وذو الحجة والمحرم- ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. أي شهر هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس ذو الحجة" قلنا: بلى. قال: "فأي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس البلدة؟ " قلنا: بلى. قال: "فأي يوم هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: (أليس يوم النحر؟) قلنا: بلى. قال: "فإن دماءكم وأموالكم -قال محمَّد: وأحسبه قال: وأعراضكم- عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا. في بلدكم هذا، في شهركم هذا. وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالًا يضربُ بعضكم رقاب بعض. ألا ليبلغ الشاهد الغائب. فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه" -فكان محمَّد إذا ذكره يقول: صدق محمَّد - صلى الله عليه وسلم -ثم قال: "ألا هل بلغت (مرتين) (¬2). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه حديث: 812. (¬2) البخاري في العلم باب قول النبي رب مبلغ أوعى من سامع 67، وباب ليبلغ العلم الشاهد الغائب حديث: 105، وفي الحج باب الخطبة أيام منى حديث: 1741، وأطراف أخرى في المغازي باب حجة الوداع حديث: 4406، وأرقام: 3197: 4662، 5550، 7078، والنسائي في الكبرى في الحج كما في تحفة الأشراف حديث: 11682، 9/ 49 - 50.

838 - من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه "أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: "أي يوم أحرم، أي يوم أحرم، أي يوم أحرم؟ " فقال الناس: يوم الحج الأكبر يا رسول الله، قال: "فإن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا ولد على والده، ألا إن المسلم أخو المسلم، فليس يحل لمسلم من أخيه شيء إلا ما أحل من نفسه. ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون غير ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله. ألا وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع، وأول دم وضع من دماء الجاهلية دم الحرث بن عبد المطلب، كان مسترضعًا في بني ليث فقتلته هذيل. ألا واستوصوا بالنساء خيرًا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبنية، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا. ألا إن لكم على نسائكم حقًّا، ولنسائكم عليكم حقًّا، فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون، ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" (¬1). 839 - ومن حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب في حجة الوداع فقال: "اتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في الفتن باب ما جاء في تحريم الدماء والأموال: 2159، وفي التفسير باب ومن سورة التوبة حديث: 3087، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف: 10691، 8/ 132، وابن ماجة في المناسك باب الخطبة يوم النحر حديث: 3055، والبيهقي في الجنايات باب إيجاب القصاص على القاتل دون غيره: 8/ 27، أحمد في المسند: 3/ 499، وسنده صحيح، وقال الترمذي حسن صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة باب: 434 آخر أبواب الصلاة حديث رقم: 616 وأحمد في المسند: 5/ 251، وابن حبان في الموارد: 795، والحاكم في المستدرك: 1/ 9، 389، وصححه ووافقه الذهبي، وقال الترمذي حديث حسن صحيح. وقال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولا نعرف له علة ولم يخرجاه، وقد احتج البخاري ومسلم بأحاديث سليم بن عامر وسائر رواته متفق عليهم.

19 - كيف كان سيره - عليه السلام - من عرفة إلى مزدلفة

840 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: "ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة؟ " قالوا: ألا شهرنا هذا. قال: "ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ " قالوا: ألا بلدنا هذا. قال: "ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ " قالوا: ألا يومنا هذا. قال: "فإن الله -تبارك وتعالى- حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم -إلا بحقها- كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت (ثلاثًا)؟ " كل ذلك يجيبونه: ألا نعم. قال: "ويحكم -أو ويلكم- لا ترجعن بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" (¬1). 841 - وقد جاء عن ابن عمر في لفظ ابن ماجة زيادة في الرواية (وهو تسمية الحجة التي حجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع وتسمية يوم الحج الأكبر بهذا الاسم) (¬2). 842 - من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو على ناقته المخضرمة بعرفات، فقال "أتدرون أي يوم هذا، وأي شهر هذا، وأي بلد هذا؟ " قالوا: هذا بلد حرام، وشهر حرام، ويوم حرام. قال: "ألا وإن أموالكم ودماءكم عليكم حرام كحرمة شهركم هذا في يومكم هذا، ألا وإني فرطكم على الحوض. وأكاثر بكم الأمم. فلا تسودوا وجهي. ألا وإني مُستنقذ أناسًا. ومستنقذ مني أناسٌ. فأقول: يا رب! أصيحابي؟ فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" (¬3). 19 - كيف كان سيره - عليه السلام - من عرفة إلى مزدلفة: 843 - من حديث عروة بن الزبير أنه قال: "سئل أسامة بن زيد وأنا جالس معه: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الحدود باب ظهر المؤمن حمى إلا في حد أو حق حديث: 6785، وفي الأدب باب قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ}، حديث: 6043. (¬2) أخرجه ابن ماجة في المناسك باب الخطبة يوم النحر حديث: 3058، وعلقه البخاري: 3/ 459، وقال الحافظ: وأخرجه الطبراني عن أحمد بن المعلى والإسماعلي عن جعفر الفريابي عن دحيم عن الوليد بن مسلم عن هشام بن الغاز، ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود: 1945 وإسناده صحيح. (¬3) أخرجه ابن ماجة في المناسك باب الخطبة يوم النحر حديث: 3057، وقال في الزوائد: إسناده صحيح قلت يعني لشواهده الكثيرة التي سبق ذكر كثير منها عن ابن عمر وعمرو بن الأحوص وجابر وغيرهم.

20 - الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة

العنق، فإذا وجد فجوة نص، قال هشام: والنص فوق العنق" (¬1) (¬2). 844 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما "أنه دفع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وراءه زجرًا شديدًا وضربًا وصوتًا للإبل. فأشار بسوطه إليهم وقال: "أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع (¬3) " (¬4). 20 - الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة: 845 - من حديث أبي أيوب الأنصاري "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة" (¬5). 846 - من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: "دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفة، حتى إذا كان بالشعب، نزل فبال. ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء. فقلت له: الصلاة يا رسول الله، قال: "الصلاة أمامك"، فركبت فلما جاء المزدلفة. نزل فتوضأ، فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة، فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء فصلاها , ولم يصل بينهما شيئًا" (¬6). ¬

_ (¬1) الفجوة: الفرجة بين المكانين. النص: الإسراع في السير. العنق: السير الوسيع. والنص أرفع السير. (¬2) أخرجه البخاري في الحج باب السير إذا دفع من عرفة حديث: 1666، وفي الجهاد باب سرعة السير حديث: 2999، والمغازي باب حجة الوداع حديث: 4413، ومسلم في الحج باب الإفاضة من عرفات إلى مزدلفة حديث: 1286، وابن ماجة في المناسك باب الدفع من عرفة: 3017، ومالك في الموطأ في الحج باب السير في الدفعة: 1/ 392، والنسائي في الحج باب كيف السير من عرفة: 3023. (¬3) الإيضاع: الإسراع. (¬4) أخرجه البخاري في الحج باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسكينة عند الإفاضة، وإشارته إليهم بالسوط حديث: 1671. (¬5) أخرجه البخاري في الحج باب من جمع بينهما ولم يتطوع حديث: 1674، وفي المغازي باب حجة الوداع حديث: 4414، ومسلم في الحج باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة حديث: 1287، والنسائي في الحج باب الجمع بين الصلاتين بمزدلفة: 5/ 260 حديث: 3026، وابن ماجة في المناسك باب الجمع بين الصلاتين بجمع حديث: 3020، ومالك في الموطأ في الحج باب صلاة المزدلفة: 1/ 401. (¬6) أخرجه البخاري في الوضوء باب إسباغ الوضوء حديث: 139، وباب الرجل يوضئ صاحبه: 181، وفي الحج باب النزول من عرفة حديث: 166، 1669، وباب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة حديث: 1672، ومسلم في الحج باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة حديث: 1280، وأبو داود في المناسك باب الدفعة من عرفة حديث: 1925، والنسائي في المناسك باب النزول بعد الدفع من عرفة: 5/ 259 حديث: 3024، 3025، ومالك في الموطأ في الحج باب صلاة المزدلفة: 1/ 400 - 401.

21 - قصة الخثعمية والفضل بن عباس

21 - قصة الخثعمية والفضل بن عباس: 847 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الفضل رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة. أفأحج عنه؟ قال: "نعم". وذلك في حجة الوداع" (¬1). 22 - استئذان سودة بنت زمعة في أن تدفع قبل الزحمة: 848 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "نزلنا المزدلفة. فاستأذنت سودة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تدفع قبل حطمة الناس -وكانت امرأة بطيئة- فأذن لها، فدفعت قبل حطمة الناس، وأقمنا حتى أصبحنا نحن، ثم دفعنا بدفعه، فلأن أكون استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به" (¬2). 849 - ومن حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "أنا ممن قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة في ضعفة أهله" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الحج باب وجوب الحج وفضله حديث: 1513، جزاء الصيد باب الحج عن من لا يستطيع التثبيت على راحلته حديث: 1854، 1855، وفي المغازي باب حجة الوداع حديث: 4399، وفي الاستئذان باب قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ}، حديث: 6228، ومسلم في الجمع باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما حديث: 1334، 1335، وأبو داود في المناسك باب الرجل يحج عن غيره حديث: 1809، والترمذي في الحج باب في الحج عن الشيخ الكبير والميت: 928، والنسائي في الحج باب الحج عن الحي الذي لا يستمسك على الرحل: 5/ 177، والدارمي في المناسك باب الحج عن الميت: 2/ 40، والبيهقي في الحج: 4/ 328، 329، والحميدي: 507، وأحمد في المسند: 1/ 212، 213، 219، وابن خزيمة برقم: 3036، من طرق عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس. (¬2) أخرجه البخاري في الحج باب من قدم ضعفة أهله بليل رقم:1680، 1681، ومسلم في الحج باب استحباب تقديم الضعفة من النساء وغيرهن: 1290، والنسائي في الحج باب الرخصة للنساء في الإفاضة من جمع قبل الصبح: 5/ 262، وابن ماجة في المناسك باب من تقدم من جمع إلى منى لرمي الجمار حديث: 3027، والبيهقي في الحج باب من خرج من المزدلفة بعد نصف الليل: 5/ 124، والدارمي في المناسك باب الرخصة في النفر من جمع بليل: 2/ 58، وأحمد في المسند: 6/ 30، 94، 98، 133، 164، 213 - 412، من طرق عن القاسم عن عائشة. (¬3) أخرجه البخاري في الحج باب من قدم ضعفة أهله بليل حديث: 1678، وفي الصيد باب حج الصبيان حديث: 1856، ومسلم في الحج باب استحباب تقديم الضعفه من النساء وغيرهن حديث: 1293، وأبو داود في المناسك باب التعجيل من جمع: 1939، 1940، 1941، والنسائي في الحج باب من تقدم من جمع إلى منى لرمي الجمار حديث: 3026 والحميدي رقم: 464،463، 465، والبيهقي في الحج باب من خرج من المزدلفة بعد منتصف الليل: 5/ 123، وأحمد في المسند: 1/ 221، من طرق عن ابن عباس.

23 - التقاط ابن عباس الحصى للنبي صلى الله عليه وسلم من مزدلفة

23 - التقاط ابن عباس الحصى للنبي صلى الله عليه وسلم من مزدلفة: 850 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة الجمرة: "هات القط لي"، فلقطت له حصيات من حصى الخذف فلما وضعهن في يده قال: "نعم بأمثال هؤلاء، نعم بأمثال هؤلاء، نعم بأمثال هؤلاء. وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" (¬1). 851 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أردف الفضل، فأخبر الفضل أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة". وفي لفظ آخر عنه أيضًا قال: "أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما كان ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، قال: فكلاهما قالا: لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي حتى رمى جمرة العقبة" (¬2). 24 - مكان النبي صلى الله عليه وسلم حين رمى الجمرة: 852 - من حديث عبد الرحمن بن يزيد قال: "رأيت عبد الله بن مسعود رمى جمرة العقبة من بطن الوادي فقال: "هذا والذي لا إله غيره - مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في الحج باب التقاط الحصى: 5/ 268, 269 حديث رقم: 3057، وباب قدر الحصى حديث: 3059، وابن ماجة في المناسك باب قدر الحصى: 3029 وأحمد في المسند: 1/ 215، 347، وصححه ابن خزيمة برقم: 2867، والحاكم: 1/ 466، ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. (¬2) أخرجه البخاري في الحج باب في التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة: 1685، 1686، 1687, مسلم في الحج باب استحباب إدامة التلبية حتى يشرع في رمي جمرة يوم النحر: 1281، وأبو داود في المناسك باب متى تقطع التلبية حديث: 1815، والنسائي في الحج: 5/ 268، والترمذي في الحج باب فيما جاء في متى تقطع التلبية في الحج: 918، وابن ماجة في المناسك باب متى يقطع الحاج التلبية: 3040، والدارمي في الحج باب رمي الجمار يرميها راكبًا: 2/ 62 - 63، والبيهقي في الحج: 5/ 112, 127، 137، والطيالسي برقم: 1074، 1/ 222، وأحمد في المسند: 1/ 210، 211، 212، 213، 214. (¬3) أخرجه البخاري في الحج رمي الجمار من بطن الوادي حديث: 1747، وباب الجمار بسبع حصيات: 1748، وباب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره: 1749، وباب يكبر مع كل حصاة حديث: 1750، ومسلم في الحج باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي حديث: 1296، وأبو داود في المناسك في رمي الجمار 1974، والنسائي في الحج باب المكان الذي ترمى منه جمرة العقبة: 5/ 273، والبيهقي في الحج باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي: 5/ 129، والطيالسي: 1/ 223، رقم: 1082، وأحمد في المسند: 1/ 415، والحميدي برقم: 111 من طرق عن ابن مسعود.

25 - ترتيب أعمال يوم النحر كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم

وفي لفظ آخر عن عبد الله بن مسعود "أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، ورمى بسبع وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة - صلى الله عليه وسلم -". 25 - ترتيب أعمال يوم النحر كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: 853 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمى جمرة العقبة، ثم انصرف إلى البدن فنحرها، والحجام جالس، وقال بيده عن رأسه، فحلق شقه الأيمن فقسمه فيمن يليه ثم قال: "احلق الشق الآخر" فقال: "أين أبو طلحة؟ " فأعطاه إياه" (¬1) اللفظ لمسلم. وفي رواية له أيضًا "لما رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمرة، ونحر نسكه وحلق، ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر. فقال "احلق" فحلقه. فأعطاه أبا طلحة. فقال: "اقسمه بين الناس". وقد جاء في رواية أخرى عنده "فقال للحلاق: "ها" وأشار بيده إلى الجانب الأيمن هكذا، فقسم شعره بين من يليه. قال: ثم أشار إلى الحلاق وإلى الجانب الأيسر، فحلقه فأعطاه أم سليم". والجمع بين هذه الروايات أنه - صلى الله عليه وسلم - ناول أبا طلحة كلا من الشقين، فأما الأيمن فوزعه أبو طلحة بأمره، وأما الأيسر فأعطاه لأم سليم زوجته بأمره - صلى الله عليه وسلم - أيضًا، وزاد في رواية لتجعله في طيبها" فتح الباري (1/ 274). 26 - دعاء النبي للمحلقين يوم النحر: 854 - جاء من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رحم الله المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "رحم الله المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "رحم الله المحلقين" قالوا: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الوضوء باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان حديث رقم: 171 مختصرًا، ومسلم في الحج باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق حديث: 1305، وأبو داود في السنن في المناسك باب الحلق والتقصير حديث: 1981، والترمذي في الحج باب ما جاء بأي جانب الرأس يبدأ الحلق حديث: 912، والبيهقي في الحج باب البداية بالشق الأيمن: 5/ 103، وابن خزيمة: 2928، من طرق عن محمَّد بن سيرين عن أنس بن مالك.

27 - منهج التيسير (لا حرج، لا حرج)

والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "والمقصرين" لفظ مسلم (¬1). 27 - منهج التيسير (لا حرج، لا حرج): 855 - من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته، فطفق ناس يسألونه. فيقول القائل منهم: يا رسول الله! إني لم أكن أشعر أن الرمي قبل النحر. فنحرت قبل الرمي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فارم ولا حرج". قال: وطفق آخر يقول: إني لم أشعر أن النحر قبل الحلق، فحلقت قبل أن أنحر، فيقول: "انحر ولا حرج" قال: فما سمعته يسأل يومئذ عن أمر، مما ينسى المرء ويجهل، من تقديم بعض الأمور قبل بعض، وأشباهها، إلا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "افعلوا ذلك ولا حرج" (¬2). 28 - عيادة النبي لسعد بن أبي وقاص من مرض نزل به في حجة الوداع: 856 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "عادني النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت. فقلت يا رسول الله، بلغ بي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الحج باب الحلق والتقصير عند الإحلال حديث: 1727، ومسلم في الحج باب تفضيل الحلق على التقصير: 1301، وأبو داود في الحج باب الحلق والتقصير حديث 1979، والترمذي في الحج باب ما جاء في الحلق والتقصير حديث 913، وصححه ابن خزيمة برقم: 2929، ابن ماجة في المناسك باب الحلق: 3044، الدارمي: 2/ 64، وقد جاء من حديث أبي هريرة قريبًا من هذا اللفظ أخرجه البخاري في الحج باب الحلق والتقصير من الإحلال حديث: 1728، ومسلم في الحج باب تفضيل الحلق على التقصير حديث: 1302، وابن ماجة: 3043. (¬2) أخرجه البخاري في العلم باب الفتيا على الدابة حديث: 83، وفي الحج باب الفتيا على الدابة عند الجمرة حديث: 1736، 1737، 1738، وفي الأيمان والنذور باب إذا حنث ناسيًا في الإيمان حديث: 6665، ومسلم في الحج باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي حديث: 1306، والترمذي في الحج باب ما جاء فيمن حلق قبل أن يذبح أو نحر قبل أن يرمي حديث رقم: 916، أبو داود في المناسك باب فيمن قدم شيئًا قبل شيء في حجه حديث: 2014، وابن ماجة في المناسك باب من قدم نسكًا قبل نسك: 3015، وقد جاء شبيهًا به من حديث ابن عباس عند البخاري في العلم باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس حديث: 84، وفي الحج باب الذبح قبل الحلق: 1721، 1722، 1723، وباب إذا رمى بعدما أمسى: 1734، 1735، وفي الأيمان والنذور باب إذا حنث ناسيًا في الإيمان حديث: 6666، ومسلم في الحج باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي حديث: 1307، والنسائي في الحج باب الرمي بعد المساء: 5/ 272، حديث: 3067، وأبو داود في المناسك باب الحلق والتقصير حديث: 1983، وابن ماجة في المناسك حديث: 3049، وأحمد في المسند: 1/ 216، 258، 269، 310، 311.

29 - منزل النبي صلى الله عليه وسلم حين انتهى من أعمال الحج في منى

من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة. أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا". قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: "لا". قلت: فالثلث؟ قال: "والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يكففون الناس، ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك". قلت: يا رسول الله. أأخلف بعد أصحابي؟ قال: "إنك لن تخلف فتعمل عملًا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون. اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة" رثى له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن توفي بمكة" اللفظ للبخاري كما في المغازي (¬1). 29 - منزل النبي صلى الله عليه وسلم حين انتهى من أعمال الحج في منى: 857 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون الأبطح" (¬2). 858 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". والتحصيب معناه النزول بالمحصب، أو الأبطح، أو البطحاء وكلها أسماء لخيف بني كنانة، وأصل الخيف كل ما انحدر عن الجبل وارتفع عن المسيل" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجنائز حديث: 1295، وفي مناقب الأنصار حديث: 3936، وفي المغازي باب حجة الوداع حديث: 4409، وفي الدعوات: 6373، وفي الفرائض: 6733، ومسلم في الوصية باب الوصية بالثلث حديث: 1628، ومالك في الموطأ في الوصية باب الوصية في الثلث لا تتعدى حديث: 2/ 763، الحميدي برقم: 66، أبو داود في الوصايا حديث: 2864، باب ما لا يجوز للموصي في ماله، والترمذي في الوصايا باب ما جاء في الوصية بالثلث حديث: 2117، وابن ماجة في الوصايا باب الوصية بالثلث حديث: 2708، والبيهقي في السنن: 6/ 268، وأحمد في المسند: 1/ 171، 172، 173، 184، من طرق عن عامر بن سعد عن أبيه. (¬2) أخرجه مسلم في الحج باب استحباب النزول بالمحصب حديث: 1310، والترمذي في الحج باب ما جاء في نزول الأبطح حديث رقم: 921، وابن ماجة في المناسك باب نزول المحصب حديث رقم: 3069، وابن خزيمة في صحيحه: 2990، من طريقين عن أيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر. (¬3) أخرجه البخاري في الحج باب المحصب حديث: 1766، ومسلم في الحج باب استحباب النزول بالمحصب حديث: 1312، والترمذي في الحج باب ما جاء في نزول الأبطح حديث: 922، والدارمي في الحج باب في التحصيب: 2/ 54، والبيهقي: 5/ 160، وصححه ابن خزيمة برقم: 2989.

30 - آخر العهد بالبيت الطواف (طواف الوداع)

859 - ومن حديث عائشة رضي الله عنهما قالت: "إنما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأبطح؟ لأنه كان أسمح لخروجه" (¬1). 30 - آخر العهد بالبيت الطواف (طواف الوداع): 860 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" اللفظ لمسلم. وفي لفظ قال ابن عباس: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض" (¬2). 31 - إيذان النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرحيل إلى المدينة: 861 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلين بالحج ... فذكرت الحديث حتى قالت "فخرجت من حجتي حتى نزلنا منى فتطهرت، ثم طفنا بالبيت، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المحصب، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: "اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة، ثم لتطف بالبيت فإني أنتظركما ها هنا" قالت: فخرجنا فأهللت، ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في منزله من جوف الليل. فقال: "هل فرغت"، قلت: نعم. فأذن في أصحابه بالرحيل. فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح. ثم خرج إلى المدينة" (¬3). 32 - حديث غدير خم أثناء عودة النبي من مكة إلى المدينة: 862 - من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: "قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا خطيبًا، بماء يدعى خمًّا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الحج باب المحصب حديث: 1765، ومسلم في الحج باب استحباب النزول بالمحصب حديث: 1311، والترمذي في الحج باب من نزل الأبطح حديث: 923. (¬2) أخرجه البخاري في الحج باب طواف الوداع: 1755، مسلم في الحج باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض حديث: 1327، 1328، وأبو داود في المناسك باب طواف الوداع: 2002، وابن ماجة في المناسك باب طواف الوداع: 3070، الدارمي في الحج باب في طواف الوداع: 2/ 72، والبيهقي: 5/ 161، وأحمد في المسند: 1/ 221، من طرق عن طاووس عن ابن عباس به. (¬3) سبق تخريجه ولفظه بطوله حديث رقم: 819.

ثم قال: (أما بعد: ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله. واستمسكوا به) فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: (وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي) (¬1). 863 - وفي لفظ آخر عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم: (لما دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حجة الوداع ونزل غدير (خم) أمر بدوحات فقممن ثم قال: (كأني دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا الحوض، ثم قال: (إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن)، ثم إنه أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: (من كنت وليّه، فهذا وليّه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب حديث: 2048، والنسائي في السنن الكبرى في المناقب كما في تحفة الأشراف حديث: 3688، 2038، والطحاوي في مشكل الآثار: 4/ 368، وأحمد في مسنده: 4/ 366، 367، 371، والطبراني في الكبير: 5026، 5040، من طرق عن زيد بن أرقم. (¬2) أخرجه النسائي في خصائص علي صفحة: 21، والحاكم في المستدرك: 3/ 110، وأحمد في المسند: 4/ 370، 1/ 118، والدولابي في الكنى: 2/ 61، وابن حبان في صحيحه موارد: 2205، والطبراني في الكبير: 4968، 4969، 4970 والترمذي في المناقب باب مناقب علي: 3713، مختصرًا. أخرجوه: من ثلاثة طرق عن حبيب بن أبي ثابت، وفطر بن خليفة، وسلمة بن كهيل، وقد قال الحاكم في طريقه عن حبيب بن أبي ثابت: صحيح على شرط الشيخين وسكت عليه الذهبي ولم يتعقبه بإقرار أو إنكار، يقول الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند حديث: 952، لم يتعقبه الذهبي بإقرار أو إنكار خلافًا لعادته إذ لم يستطع أن يجد علة في إسناده. وقال الترمذي في طريق سلمة بن كهيل: حسن صحيح، وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 104، في طريق فطر بن خليفة: (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة). وقد جاء هذا الحديث من طريق عدد من الصحابة منهم بريدة، وابن عباس، وجابر، وأبي هريرة والبراء بن عازب، وعلي بن أبي طالب، وقد عقد الهيثمي في المجمع: 9/ 103، بابًا تحت عنوان: قوله - صلى الله عليه وسلم -: من كنت مولاه وذكر طرقًا كثيرة جدًّا. وقال ابن حجر: هذا حديث كثير الطرق جدًّا، استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد منها صحاح ومنها حسان في فيض القدير: 6/ 218.

تجهيز جيش أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين

تجهيز جيش أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين قال ابن إسحاق: (وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم، من أرض فلسطين، فتجهز الناس، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون، قال ابن هشام: وهو آخر بعث بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬1). 864 - وقد جاء من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثًا. وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمرته، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إن تطعنوا في إمرته، فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل، وأيم الله! إن كان لخليقًا للإمرة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده). وفي لفظ آخر عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو على المنبر: "إن تطعنوا في إمارته -يريد أسامة بن زيد- فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيم الله! إن كان لخليقًا لها، وأيم الله! إن كان لأحب الناس إلي، وأيم الله! إن هذا لها لخليق -يريد أسامة بن زيد- وأيم الله! إن كان لأحبهم إلي من بعده، فأوصيكم به فإنه من صالحيكم) (¬2) اللفظ لمسلم. وقال ابن كثير (¬3)، وقد انتدب كثير من الكبار من المهاجرين الأولين والأنصار في جيشه، فكان من أكبرهم عمر بن الخطاب، ومن قال: إن أبا بكر كان فيهم فقد غلط، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشتد به المرض وجيش أسامة مخيم بالجرف. وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يصلي بالناس كما سيأتي. فكيف يكون في الجيش وهو إمام المسلمين بإذن الرسول من رب العالمين، ولو فرض أنه كان قد انتدب معهم فقد استثناه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من بينهم بالنص عليه للإمامة في الصلاة التي هي أكبر أركان الإِسلام، ثم لما توفي عليه الصلاة والسلام استطلق الصديق من أسامة عمر بن الخطاب، فأذن له في المقام عند الصديق، ونفذ الصديق جيش أسامة". ¬

_ (¬1) السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 642، السيرة النبوية لابن كثير: 4/ 440. (¬2) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب زيد بن حارثة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -: 3730، وفي المغازي باب غزوة زيد بن حارثة: 4250، وباب بعث النبي أسامة بن زيد رقم: 4468، 4469، والأيمان والنذور باب وأيم الله حديث: 6627، والأحكام باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم من الأمراء حديث: 7187، مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد رضي الله عنهما: 2426، والترمذي في المناقب باب مناقب زيد بن حارثة حديث رقم: 3816، وأحمد في المسند: 2/ 20، 89، 106، 110، وابن سعد في الطبقات: 4/ 65، وقال الترمذي حسن صحيح. (¬3) السيرة النبوية لابن كثير: 4/ 441.

الباب السادس مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته

الباب السادس مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته 1 - ابتداء مرضه عليه الصلاة والسلام: أ - زيارته لأهل البقيع واستغفاره لهم: 865 - من حديث أبي مويهبة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جوف الليل، فقال: "يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع، فانطلق معي"، فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم، قال: (السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى، ثم أقبل علي)، فقال: (يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة). قال: فقلت: بأبي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، قال: لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة"، ثم استغفر لأهل البقيع، ثم انصرف، فبدأ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه الذي قبضه الله فيه) (¬1). ب - زيارته قتلى أحد وصلاته عليهم بعد ثماني سنين: 866 - من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء، والأموات، ثم طلع المنبر، فقال: (إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد: 3/ 488، 489، والبزار كما في الكشف: 863، والطبراني في الكبير: 22/ 346 - 347 أحاديث رقم: 871، 872، وقال في المجمع: 3/ 59، وإسناد أحمد والبزار كلاهما ضعيف. وقال: 9/ 24، رواه أحمد والطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات، إلا أن الإسناد الأول عن عبيد بن حنين عن عبد الله بن عمرو عن أبي مويهبة والثاني عن عبيد بن حنين عن أبي مويهبة. وقد أخرجه الدارمي: 1/ 36 - 37، وابن إسحاق في المغازي كما في سيرة ابن هشام: 2/ 642، والدولابي في الكنى والأسماء: 1/ 57 - 58 والحاكم في المستدرك: 3/ 55 - 56، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

2 - استئذانه أن يمرض في بيت عائشة

ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها). فقال عقبة: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). وفي لفظ آخر عنه قال رضي الله عنه: "صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أحد، ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات فقال: "إني فرطكم على الحوض. وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة. إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي. ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتتلوا، فتهلكوا، كما هلك من كان قبلكم" قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر". 2 - استئذانه أن يمرض في بيت عائشة: 867 - جاء من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "أول ما اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة، فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها، وأذن له، قالت: فخرج ويد له على الفضل بن عباس، ويد له على رجل آخر. وهو يخط برجليه في الأرض. فقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فحدثت به ابن عباس. فقال: أتدري من الرجل الذي لم تسم عائشة؟ هو علي" اللفظ لمسلم (¬2). 868 - ومن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البقيع، فوجدني وأنا أجد صداعًا في رأسي. وأنا أقول: وارأساه، فقال: (بل أنا والله يا عائشة وارأساه). قالت: ثم قال: (وما ضرك لو مت قبلي. فقمت عليك وكفنتك، وصليت عليك ودفنتك؟) قال: قلت: والله لكأني بك، لو قد فعلت ذلك. لقد رجعت إلى بيتي، فأعرست فيه ببعض نسائك، قالت: فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتتام به وجعه، وهو يدور على نسائه، حتى استعز به، وهو في بيت ميمونة، فدعا نساءه، فاستأذنهن في أن يمرض في بيتي، فأذنَّ له" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الجنائز باب الصلاة على الشهيد: 1344، المناقب باب علامات النبوة في الإِسلام: 3596 وفي المغازي باب أحد جبل يحبنا ونحبه: 4085، وفي الرقاق باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها: 6426، وباب في الحوض: 6590، ومسلم في الفضائل باب إثبات حوض نبيبا حديث: 2296، وأحمد في المسند: 4/ 149، 153، 154، والنسائي في الجنائز باب الصلاة على الشهداء: 4/ 61 - 62، حديث: 1954. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته: 4442، ومسلم في صحيحه في الصلاة باب استخلاف الإِمام إذا عرض له عذر من مرض أو سفر حديث: 418/ 91، 1/ 312، وأحمد في المسند: 6/ 117. (¬3) أخرجه ابن إسحاق بإسناد صحيح صرح فيه بالتحديث كما في سيرة ابن هشام: 2/ 642 - 643، وأخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 56، بسند آخر عنها وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. =

3 - شدة المرض الذي نزل به عليه الصلاة والسلام

3 - شدة المرض الذي نزل به عليه الصلاة والسلام: 869 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رجلًا أشد عليه الوجع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬1). 870 - ومن حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك فمسسته بيدي. فقلت: يا رسول الله! إنك لتوعك وعكًا شديدًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أجل: إني أوعك كما يوعك رجلان منكم" قال: فقلت: ذلك، أن لك أجرين. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أجل" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله به سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها" (¬2). 871 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له، فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس بن عبد المطلب، وبين رجل آخر، قال عبيد الله فأخبرت عبد الله بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قال: قلت: لا قال ابن عباس: هو علي" (¬3). وكانت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تحدث "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل بيتي واشتد ¬

_ = وقد أخرجه من طريق ابن إسحاق أيضًا: ابن ماجة في الجنائز باب ما جاء في غسل الرجل امرأته حديث: 1465، وأحمد: 6/ 228، والدارقطني: 2/ 74، والدارمي: 1/ 37 - 38، والبيهقي: 3/ 396، وابن حبان كما في الإحسان حديث: 6552. (¬1) أخرجه البخاري في المرض باب شدة المرض حديث: 5646، ومسلم في البر والصلة باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حديث: 2570، والترمذي في الزهد باب ما جاء في الصبر على البلاء: 2399، وابن ماجة في الجنائز باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 1622، وأحمد في المسند: 6/ 181. (¬2) أخرجه البخاري في المرض باب شدة المرض حديث: 5647، باب أشد الناس بلاءً الأنبياء: 5648، وباب وضع اليد على المريض حديث رقم: 5660، وباب ما يقال للمريض وما يجيب حديث: 5661، وباب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع حديث: 5667، ومسلم في البر والصلة باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حديث: 2571، وأحمد في المسند: 1/ 455. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته حديث: 4442، 4445، وفي الطب: 5714 في الصلاة باب استخلاف الإِمام إذا عرض له عذر من مرض أو سفر: 418، 91، 92، 93، 1/ 312، والحميدي برقم: 233، وأحمد في المسند: 6/ 117، وقد مر جزء منه في حديث: 867، وسيأتي تمام تخريجه رقم: 874.

4 - خطبته عليه الصلاة والسلام ناعيا نفسه

به وجعه قال: "هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، لعلي أعهد إلى الناس"، فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن. قالت: ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم. 4 - خطبته عليه الصلاة والسلام ناعيًا نفسه: 872 - من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله"، فبكى أبو بكر رضي الله عنه. فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ، إن يكن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله؟ فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا، قال: "يا أبا بكر لا تبك، إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته. لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر" لفظ البخاري (¬1). وفي لفظ الدارمي بإسناد حسن جاء عن أبي سعيد رضي الله عنه قوله: "خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه ونحن في المسجد عاصبًا رأسه بخرقة حتى أهوى نحو المنبر فاستوى عليه وابتغاه، قال: "والذي نفسي بيده إني لأنظر إلى الحوض من مقامي هذا"، ثم قال: "إن عبدًا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة". قال: فلم يفطن لها غير أبي بكر فذرفت عيناه فبكى. ثم قال: بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا يا رسول الله، قال: ثم هبط فما قام عليه حتى الساعة" (¬2). 873 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه عاصبًا رأسه بخرقة فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصلاة باب الخوخة والممر في المسجد حديث: 466، وفي فضائل الصحابة باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سدوا الأبواب غير باب أبي بكر" حديث: 3654، وفي المناقب باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة حديث: 3904، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه حديث: 2382، والترمذي في المناقب باب من فضائل أبي بكر حديث: 3661 من طرق عن أبي النضر عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد. (¬2) أخرجه الدارمي في المقدمة باب وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1/ 36.

5 - أمره أبا بكر أن يصلي بالناس ومراجعة عائشة له

ثم قال: "إنه ليس من الناس أحد أمنَّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذًا من الناس خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن خلة الإِسلام أفضل، سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر" (¬1). وفي لفظ آخر ذكر فيه الأنصار وفضلهم عن ابن عباس بلفظ آخر قوله: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار، حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام، فمن ولي منكم شيئًا يضر فيه قومًا وينفع آخرين، فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم" فكان آخر مجلس جلس فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). 5 - أمره أبا بكر أن يصلي بالناس ومراجعة عائشة له: 874 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أصلى الناس؟ " قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: (ضعوا لى ماء في المخضب). قالت: ففعلنا. فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أصلى الناس؟ " قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله. فقال: ضعوا لي ماءً في المخضب. فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: "أصلى الناس؟ " فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله -والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي عليه السلام لصلاة العشاء الآخرة- فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر -وكان رجلًا رقيقًا- يا عمر صلِّ بالناس، فقال عمر: أنت أحق بذلك. فصلى أبو بكر تلك الأيام. ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين -أحدهما العباس- لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس- فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن لا يتأخر فقال: "أجلساني إلى جنبه"، فأجلساه إلى جنب أبي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصلاة باب الخوخة والممر في المسجد حديث رقم: 467، وفي فضائل الصحابة باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت متخذًا خليلًا": 3656، 3657، وفي الفرائض باب ميراث الجد مع الأب والأخوة حديث رقم: 6738، وأحمد في المسند 1/ 270، من طرق عن عكرمة عن ابن عباس. (¬2) أخرجه البخاري في الجمعة باب قول الخطيب أما بعد حديث: 927، والمناقب باب علامات النبوة حديث: 3628، ومناقب الأنصار باب قول النبي: اقبلوا من محسنهم حديث: 3800.

مراجعة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم في إمامة أبي بكر

بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والناس بصلاة أبي بكر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قاعد". قال عبيد الله: فدخلت على عبد الله بن عباس فقلت له: "ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: هات: فعرضت عليه حديثها، فما أنكر منه شيئًا، غير أنه قال: أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا. قال: هو علي" (¬1). مراجعة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم في إمامة أبي بكر: 875 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" قالت: فقلت: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف" (¬2) وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس. فلو أمرت عمرًا فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" قالت: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف. وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس. فلو أمرت عمر! فقالت له: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكن لأنتن صواحب يوسف. مروا أبا بكر فليصل بالناس" قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس". قالت فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نفسه خفة فقام يهادي بين رجلين -ورجلاه تخطان في الأرض. قالت: فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر. فأومأ إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قم مكانك. فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جلس عن يسار أبي بكر. قالت: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس جالسًا وأبو بكر قائمًا يقتدي أبو بكر بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - .. ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" واللفظ لمسلم (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الأذان باب إنما جعل الإِمام ليؤتم به حديث: 687، ومسلم في الصلاة باب استخلاف الإِمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما حديث: 418/ 90، والنسائي في الإمامة باب الإئتمام بالإمام يصلي قاعدًا: 2/ 601، حديث: 834، والبيهقي: 3/ 80، والدارمي في الصلاة باب فيمن يصلي خلف الإِمام والإمام جالس: 1/ 287، وصححه ابن خزيمة: 3/ 55 برقم: 1621، من طرق عن زائدة بن قدامة حدثنا موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قالت عائشة. (¬2) أسيف: حزين وقيل سريع الحزن والبكاء. (¬3) أخرجه البخاري في الأذان باب حد المريض أن يشهد الجماعة حديث رقم: 664، وباب من أسمع الناس تكبير الإمام حديث رقم: 712، وباب الرجل يأتم بالإمام حديث: 713، ومسلم في الصلاة باب استخلاف الإِمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما حديث: 418، 95، 96، والنسائي في الإمامة باب الائتمام بالإمام يصلي قاعدًا: 2/ 99، حديث رقم: 833، وابن ماجه حديث =

سبب مراجعة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم

سبب مراجعة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: 876 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لقد راجعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أنه يحب الناس بعده رجلًا قام مقامه أبدًا، ولا كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أبي بكر" (¬1). 6 - نعيه نفسه إلى ابنته فاطمة ومسارته لها: 877 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "اجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: "مرحبًا بابنتي" فأجلسها عن يمينه أو عن شماله. ثم إنه أسر إليها حديثًا فبكت فاطمة. ثم إنه سارها فضحكت أيضًا. فقلت لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حزن. فقلت لها حين بكت: أخصك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديثه دوننا ثم تبكين؟ وسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. حتى إذا قبض سألتها فقالت: إنه كان حدثني (أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة. وإنه عارضه به في العام مرتين، ولا أراني إلا قد حضر أجلي. وإنك أولُ أهلي لحوقًا بي. ونعم السلف أنا لك فبكيت لذلك. ثم إنه سارني فقال: (ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة فضحكت لذلك) (¬2) اللفظ لمسلم. ¬

_ = رقم: 1232، والبيهقي في الصلاة باب ما روي في صلاة المأموم قائمًا وإن صلى الإِمام جالسًا: 3/ 81، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 406، وأحمد في المسند: 6/ 210، 224 من طرق عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة. (¬1) سبق تخريجه حديث رقم: 871، 874, من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة. (¬2) أخرجه البخاري في الأنبياء باب علامات النبوة في الإِسلام حديث: 3623، 3625، وفي المناقب باب مناقب قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث: 3715، وفي المغازي باب مرضه ووفاته حديث رقم: 4433، 4434، والاستئذان باب من ناجي بين يدي الناس ولم يخبر بسر صاحبه حديث: 6285، 6286، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها السلام حديث: 2450، 97، 98، 99، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف حديث: 17615، 12/ 312، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 1621، من طرق عن عامر عن مسروق عن عائشة.

7 - شدة تأثره بأكلة السم يوم خيبر

7 - شدة تأثره بأكلة السم يوم خيبر: 878 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم" (¬1) لفظ البخاري. 8 - آخر ما قرأه في صلاة الجماعة: 879 - من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "إن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ: والمرسلات عرفًا (¬2) فقالت: يا بني! لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة. إنها لآخر ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب" اللفظ لمسلم (¬3). وفي لفظ البخاري عن أم الفضل بنت الحارث قالت: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفًا ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله". 9 - محاورة بين العباس وعلي في ولاية الأمر بعد الرسول صلى الله عليه وسلم: 880 - عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري -وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم- أن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أخبره: "أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئًا. ¬

_ (¬1) سبق تخريج هذا الحديث تحت رقم: 569، في غزوة خيبر. (¬2) 77 / المرسلات / الآية 1. (¬3) أخرجه البخاري في الأذان باب القراءة في المغرب: 736، والمغازي باب مرض النبي: 4429، ومسلم في الصلاة باب القراءة في الصبح: 462، وأبو داود في الصلاة باب القراءة في المغرب: 810، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في القراءة في المغرب: 308، والنسائي في الافتتاح باب القراءة في المغرب بالمرسلات: 2/ 168، وابن ماجه في الإقامة باب القراءة في صلاة المغرب: 831، والحميدي: 1/ 162، برقم: 338، وأبو عوانة: 2/ 153، والبيهقي في الصلاة باب من لم يضيق القراءة فيها بأكثر مما ذكرنا:2/ 392، وعبد الرزاق في المصنف: 2694، وأحمد في المسند: 6/ 338، جميعًا من طرق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس به.

10 - قوله عليه السلام ايتوني بكتاب أكتب لكم

فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لأرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوف يتوفى من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت. اذهب بنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلنسأله فيمن هذا الأمر؟ إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا. فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). 10 - قوله عليه السلام ايتوني بكتاب أكتب لكم: 881 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "يومُ الخميس! وما يوم الخميس! ثم بكى حتى بل دمعه الحصى. فقلت (¬2): يا ابن عباس! وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه. فقال: "ائتوني أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعدي" فتنازعوا، وما ينبغي عند نبي تنازع. وقالوا: ما شأنه؟ أهَجَرَ؟ استفهموه. قال: "دعوني. فالذي أنا فيه خير، أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم". قال: وسكت عن الثالثة. أو قالها فنسيتها" (¬3). وفي رواية "لما حُضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "هلمَّ أكتب لكم كتابًا لا تضلون بعده". فقال عمر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت، فاختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب مرضه ووفاته - صلى الله عليه وسلم - رقم: 4447، وفي الاستئذان باب المعانقة وقول الرجل: كيف أصبحت رقم: 6266، وقد أخرجه عبد الرزاق في المصنف: 5/ 435 رقم: 9754، وابن سعد في الطبقات: 2/ 245، وعزاه الحافظ ابن حجر في الفتح: 8/ 142، للإسماعيلي عن الزهري عن عبد الله بن كعب به، إلا أن عبد الرزاق وابن سعد لم يصرحا باسم ابن كعب بن مالك رضي الله عنه. (¬2) القائل: هو سعيد بن جبير. (¬3) أخرجه البخاري في العلم باب كتابة العلم: 114، والجهاد باب هل يستشفع إلى أهل الذمة: 3053، والجزية باب إخراج اليهود من جزيرة العرب: 3168، والمغازي باب مرض النبي ووفاته: 4431، 4432، والمرض: 5669، والاعتصام باب كراهية الاختلاف: 7366، ومسلم في الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه: 1637، وأبو داود في الخراج والإمارة والفيء باب إخراج اليهود من جزيرة العرب: 3029، وعبد الرزاق برقم: 9757، والحميدي: 526، وأحمد في المسند: 1/ 222، 324 - 325, 355، جميعًا من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس به.

- صلى الله عليه وسلم - كتابًا لن تضلوا بعده. ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قوموا". قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم". وقال النووي في شرح صحيح مسلم: 11/ 90 ما نصه: "اعلم أن النبي معصوم من الكذب، ومن تغيير شيء من الأحكام الشرعية في حال صحته، وحال مرضه، ومعصوم من ترك بيان ما أمر ببيانه وتبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه، وليس معصومًا من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام ونحوها. مما لا نقص فيه لمنزلته، ولا فساد لما تمهد من شريعته، وقد سُحِر - صلى الله عليه وسلم - حتى صار يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله، ولم يصدر منه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحال كلام في الأحكام مخالف لما سبق من الأحكام التي قررها، فإذا علمت ما ذكرناه، فقد اختلف الأحكام مخالف لما سبق من الأحكام التي قررها، فإذا علمت ما ذكرناه فقد اختلف العلماء في الكتاب الذي هم النبي - صلى الله عليه وسلم - به. فقيل: أراد أن ينص على الخلافة في إنسان معين لئلا يقع فيه نزاع وفتن، وقيل: أراد كتابًا يبين فيه مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع فيها، ويحصل الاتفاق على المنصوص عليه. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - هم بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، أو أوحي إليه بذلك ثم ظهر أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول. وأما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره. لأنه خشي أن يكتب - صلى الله عليه وسلم - أمورًا ربما عجزوا عنها، واستحقوا العقوبة عليها, لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها. فقال عمر: حسبنا كتاب الله، لقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}. وقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، فعلم أن الله تعالى أكمل دينه، فأمن الضلال على الأمة. وأراد الترفيه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه". قال الخطابي: "ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على

11 - توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أحقية أبي بكر بالخلافة من بعده

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحال. لكنه لما رأى ما غلب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوجع وقرب الوفاة، مع ما اعتراه من الكرب خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه، فيجد المنافقون بذلك سبيلًا إلى الكلام في الدين. وقد كان أصحابه - صلى الله عليه وسلم - يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم، كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف، وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش. فأما إذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه فيه أحد منهم). وقال القاضي عياض: قوله: " (أهجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، هكذا هو في صحيح مسلم وغيره: أهجر؟ على الاستفهام وهو أصح من رواية من روى هجر يهجر. لأن هذا كله لا يصح منه - صلى الله عليه وسلم -. لأن معنى هجر هذى. وإنما جاء هذا من قائله استفهامًا للإنكار على من قال: لا تكتبوا. أي لا تتركوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتجعلوه كأمر من هجر في كلامه، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يهجر. وقول عمر رضي الله عنه: حسبنا كتاب الله، رد على من نازعه، لا على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -". 11 - توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أحقية أبي بكر بالخلافة من بعده: 882 - من حديث محمَّد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنهما: "أن امرأة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، فأمرها أن ترجع إليه. فقالت: يا رسول الله! أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ قال أبي: كأنها تعني الموت -قال: "فإن لم تجديني فأتي أبا بكر" (¬1) اللفظ للبخاري ومسلم. 883 - من حديث ابن أبي مليكة "سمعت عائشة، وسئلت: من كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخلفًا لو استخلف؟ قالت: أبو بكر، فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟ قالت: عمر. ثم قيل لها: من بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح. ثم انتهت إلى هذا" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب لو كنت متخذًا خليلًا حديث: 3659، والأحكام باب الاستخلاف حديث: 7220، والاعتصام باب الأحكام التي تعرف بالدلائل: 7360، ومسلم في فضائل الصحابة باب في فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه حديث: 2386، والترمذي في المناقب باب: 17، حديث رقم: 3676، والحميدي رقم: 559، وأحمد في المسند: 4/ 82 / 83، والطبراني في المعجم الكبير: 1557، والطيالسي: 2/ 169 حديث رقم: 2632. (¬2) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه حديث رقم: 2385، وأحمد في المسند: 6/ 63، وفضائل الصحابة حديث رقم: 203، 204، وابن سعد: 3/ 181، والدولابي في الكنى: 2/ 39.

884 - ومن حديث عائشة قالت: (قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه: "ادع لي أبا بكر، وأخاك، حتى أكتب كتابًا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر) (¬1). وفي لفظ البخاري: "قالت عائشة: وارأساه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك". فقالت عائشة: واثكلياه، والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسًا ببعض أزواجك. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بل أنا وارأساه، لقد هممت -أو أردت- أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله، ويدفع المؤمنون. أو يدفع الله، ويأبى المؤمنون". وفي لفظ للإمام أحمد، قالت عائشة: "لما مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة، فاستأذن نساءه أن يمرض في بيتي، فأذن له، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتمدًا على العباس وعلى رجل آخر، رجلاه تخطان في الأرض -وقال عبيد الله فقال ابن عباس: أتدري من ذلك الرجل هو علي بن أبي طالب، ولكن عائشة لا تطيب لها نفسًا. قال الزهري: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت ميمونة لعبد الله بن زمعة: "مر الناس فليصلوا"، فلقي عمر بن الخطاب فقال: يا عمر صل بالناس. فصلى بهم، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوته فعرفه، وكان جهير الصوت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أليس هذا صوت عمر؟ " قالوا: بلى، قال: "يأبى الله جلَّ وعزَّ ذلك والمؤمنون، مروا أبا بكر فليصل بالناس". قالت عائشة: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أبا بكر رجل رقيق لا يملك دمعه، وإنه إذا قرأ القرآن بكى. قالت: وما قلت ذلك إلا كراهية أن يتأثم الناس بأبي بكر، أن يكون أول من قام مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس"، فراجعته. فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس، إنكن صواحب يوسف". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المرض باب ما يرخص للمريض أن يقول إني وجع حديث: 5666، والأحكام باب الاستخلاف: 7217، ومسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر: 3287، والطيالسي: 2/ 168 - 169، حديث رقم: 2631، وأحمد في المسند: 6/ 34، 47، 144، وفضائل الصحابة 205، 226، 600، وابن سعد في الطبقات: 3/ 180، وابن أبي عاصم في السنة: 1156، 1163.

12 - صلاة الصحابة خلف النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه وهو جالس

12 - صلاة الصحابة خلف النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه وهو جالس: 885 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه. فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا. فصلوا بصلاته قياما، فأشار إليهم: أن اجلسوا، فجلسوا. فلما انصرف قال: "إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا" (¬1). 13 - قصة اللدود: 886 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لددنا (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه، وجعل يشير إلينا لا تلدوني، فقلنا كراهية المريض بالدواء، فلما أفاق قال: "ألم أنهكن أن تلدوني! " قال: قلنا كراهية للدواء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبقى منكم أحد إلا لُد، وأنا أنظر، إلا العباس فإنه لم يشهدكم" اللفظ للبخاري. وفي لفظ للإمام أحمد ما نصه: عن هشام بن عروة قال أخبرني أبي أن عائشة قالت له: "يا ابن أختي لقد رأيت من تعظيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمه "أي العباس" أمرًا عجيبًا، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت تأخذه الخاصرة، فيشتد به جدًّا، فكنا نقول أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرق الكلية، لا نهتدي أن نقول الخاصرة، ثم أخذت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا ما، فاشتدت به جدًّا حتى أغمي عليه، وخفنا عليه وفزع الناس إليه. فقلنا: إن به ذات الجنب فلددناه، ثم سرى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفاق وعرف أنه قد لد ووجد أثر اللدود فقال: "ظننتم أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- سلطها عليّ؟ ما ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الأذان باب إنما جعل الإمام ليؤتم به: 688، وفي تقصير الصلاة باب صلاة القاعد: 1113، وفي السهو باب الإشارة في الصلاة: 1236، والمرضى باب إذا عاد مريضًا فحضرت الصلاة فصلى بهم جماعة: 5658، ومسلم في الصلاة باب إئتمام المأموم بالإمام حديث رقم: 412، وأبو داود في الصلاة باب الإمام يصلي من قعود: 605، ومالك في الموطأ في صلاة الجماعة باب صلاة الإمام وهو جالس: 1/ 135، والبيهقي: 3/ 79، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 404، وابن خزيمة: 1614، وأحمد في المسند: 6/ 51، 57 - 58، 68، 148، 194، من طريق هشام بن عروة عن أبيه به. (¬2) لددناه: صببنا الدواء في أحد جانبي فمه، واللدود بفتح اللام -هو الدواء الذي يصب في أحد جانبي الفم. وبضم اللام: هو الفعل، أي فعل ذلك.

اشتداد المرض على النبي صلى الله عليه وسلم

كان الله ليسلطها عليَّ، والذي نفسي بيده لا يبقى في أحد في البيت إلا لد، إلا عَمي". فرأيتهم يلدونهم رجلًا رجلًا. قالت عائشة: ومن في البيت يومئذ يذكر فضلهم. فلد الرجال أجمعون، وبلغ اللدود أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلددن امرأة امرأة حتى بلغ اللدود امرأة منا قالت: إني والله صائمة، فقلنا: بئسما ظننت أن نتركك، وقد أقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلددناها والله يا ابن أختي وإنها لصائمة" (¬1). اشتداد المرض على النبي صلى الله عليه وسلم: 887 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "لما ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: واكرب أباه، فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم"، فلما قالت: يا أبتاه أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس، أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب" (¬2). 888 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مرض أحد من أهله، نفث عليه بالمعوذات، فلما مرض مرضه الذي مات فيه، جعلت، أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه, لأنها كانت أعظم بركة من يدي" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته: 4458، والطب باب اللدود: 5712، والديات باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات: 6886، وباب إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب أن يقتص منهم كلهم: 6897، ومسلم في السلام باب كراهية التداوي باللدود: 2213، والطحاوي في مشكل الآثار: 2/ 380، وابن سعد في الطبقات: 2/ 1 / 30، وأحمد في المسند: 6/ 53, 118. (¬2) أخرجه البخاري في المغازي باب مرض النبي ووفاته حديث: 4462، والترمذي في الشمائل حديث: 379، والنسائي في الجنائز باب البكاء على الميت: 4/ 12 - 13، وابن ماجه في الجنائز باب ذكره وفاته ودفنه حديث: 1629، 1630، والدارمي في المقدمة باب وفاة النبي: 1/ 40 - 41، والبيهقي في الجنائز: 4/ 71، وأحمد في المسند: 3/ 141، 197، وابن حبان كما في الإحسان رقم: 6579، 6588. (¬3) أخرجه البخاري في المغازي باب مرض النبي ووفاته رقم: 4439، ومسلم في السلام باب رقية المريض بالمعوذات والنفث: 2192، والنسائي في وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: 10 وابن حبان: 6556.

14 - دعاء النبي صلى اله عليه وسلم لأسامة بن زيد

14 - دعاء النبي صلى اله عليه وسلم لأسامة بن زيد: 889 - من حديث أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال: "لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هبطت وهبط الناس المدينة، فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أصمت فلم يتكلم، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع يديه عليَّ ويرفعهما فأعرف أنه يدعو لي" (¬1) اللفظ للترمذي. 15 - من آخر وصاياه عليه الصلاة والسلام: 890 - من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الستارة، والناس صفوف خلف أبي بكر. فقال: "أيها الناس! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلَّا الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له. ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عَزَّ وَجَلَّ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن يستجاب لكم" اللفظ لمسلم. وفي لفظ قال: "كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الستر، ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه. فقال: "اللهم! هل بلَّغتُ؟ " ثلاث مرات "إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا يراها العبد الصالح أو ترى له" ثم ذكر بقية الحديث. (¬2) 891 - ومن حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: "كان آخر كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في المناقب باب مناقب أسامة: 3817، وأحمد: 5/ 201، والطبراني في المعجم الكبير: 377، والطبراني في تاريخه: 3/ 195، وابن هشام في السيرة: 2/ 651، جميعًا من طريق ابن إسحاق، وإسناده صحيح لأن ابن إسحاق قد صرح بالتحديث في رواية الإِمام أحمد وفي سيرة ابن هشام فزالت تهمة التدليس. (¬2) أخرجه مسلم في الصلاة باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود: 479، وأبو داود في الصلاة باب في الدعاء في الركوع والسجود: 876، والنسائي في الافتتاح باب تعظيم الرب في الركوع والسجود: 2/ 189 - 190، وابن ماجه في تعبير الرؤيا باب الرؤيا الصالحة: 3899، والحميدي: 489، وعبد الرزاق: 2839، والدارمي في الصلاة باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود: 1/ 304، وأبو عوانة: 2/ 170، والبيهقي في الصلاة: 2/ 87 - 88، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 234، وأحمد: 1/ 219، وصححه ابن خزيمة: 548. (¬3) أخرجه أبو داود في الأدب باب في حق المملوك: 5156، وابن ماجه في الوصايا باب هل أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 2698، وأحمد: 1/ 78، والبيهقي في سننه: 8/ 11، وهو صحيح لشواهده فقد جاء عن أنس وأم سلمة وسيأتي تخريج هذين الحديثين فيما يلي هذا الحديث.

16 - خروج النبي صلى الله عليه وسلم وائتمام أبي بكر به وائتمام الناس بأبي بكر

892 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "كان عامة وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يغرغر بنفسه: "الصلاة، وما ملكت أيمانكم" (¬1). 16 - خروج النبي صلى الله عليه وسلم وائتمام أبي بكر به وائتمام الناس بأبي بكر: 893 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس"، قالت: فقلت: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر. فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" قالت: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف, وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر! فقالت له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس" قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس". قالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نفسه خفة، فقام يهادي بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض، قالت: فلما دخل المسجد، سمع أبو بكر حسه. ذهب يتأخر فأومأ إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قم مكانك. فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جلس عن يسار أبي بكر. قالت: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس جالسًا، وأبو بكر قائمًا، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" (¬2) اللفظ لمسلم. 17 - نهيه عن اتخاذ القبور مساجد: 894 - من حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس وهو يقول: ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه في الوصايا باب هل أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 2697، وأحمد: 3/ 117، وابن حبان كما في الإحسان: 6571، والنسائي كما وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: 18، 19، والحاكم: 3/ 57، وسقط من إسناده عند الحاكم قتادة وإسناده صحيح لغيره، لشواهد من حديث علي وأم سلمة، وأما حديث علي فقد سبق إخراجه وأما حديث أم سلمة فأخرجه ابن ماجه في الجنائز حديث: 1625، وأحمد: 6/ 311 - 321، وقال البوصيري: إسناده صحيح على شرط الصحيحين. (¬2) سبق تخريجه برقم: 875.

18 - البحة التي أصابته صلى الله عليه وسلم وتخييره بين الدنيا والآخرة

(قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء، وإني أبرأ إلى الله أن يكون لي فيكم خليل، وإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) (¬1) اللفظ لأبي عوانة. 895 - من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له، فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو يقول: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". تقول عائشة: يحذر مثل الذي صنعوا" (¬2). 896 - من حديث أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: "آخر ما تكلم به النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أخرجوا يهود أهل الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبورهم أنبيائهم مساجد" (¬3). 18 - البحة التي أصابته صلى الله عليه وسلم وتخييره بين الدنيا والآخرة: 897 - من حديث عائشة قالت: "كنت أسمع أنه لن يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة. قالت: فسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه، وأخذته بُحَّةٌ، يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور: 532، وأبو عوانة: 1/ 401، والطبراني في المعجم الكبير: 1686، وابن سعد: 2/ 240، إلا أن ابن سعد أخرجه مختصرًا. (¬2) أخرجه البخاري في الصلاة باب 55 حديث رقم: 435، وانظر الأحاديث: 1330، 1390، 3453، 4441، 4443، 5815، مسلم في المساجد باب النهي عن بناء المساجد على القبور: 531، والنسائي في المساجد باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد: 2/ 40، وأبو عوانة: 1/ 399، والدرامي: 1/ 326، وأحمد في المسند: 1/ 218، 6/ 34، 229، 275، وابن سعد في الطبقات: 2/ 258. (¬3) أخرجه أحمد: 1/ 195، والطحاوي في مشكل الآثار: 4/ 13، وأبو يعلى: 872، بسند صحيح، وقال الهيثمي في المجمع: 5/ 325، رواه أحمد بأسانيد ورجال طريقين منها ثقات متصل إسنادهما، ورواه أبو يعلى، وقال في المجمع: 2/ 28: رواه البزار ورجاله ثقات". (¬4) النساء آية: 69.

19 - تسوكه قبيل موته

قالت: فظننته خير حينئذ" (¬1). وفي رواية قالت عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو صحيح "إنه لم يقبض نبي قط، حتى يرى مقعده في الجنة ثم يخير" قالت عائشة: فلما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورأسه على فخذي، غشي عليه ساعة ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف، ثم قال: "اللهم! الرفيق الأعلى". قالت عائشة: قلت: إذًا لا يختارنا. قالت عائشة: وعرفت الحديث الذي يحدثنا به وهو صحيح في قوله: "إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخير". قالت عائشة: فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: "اللهم الرفيق الأعلى". 19 - تسوكه قبيل موته: 898 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "إن من نعم الله عليّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته. دخل علي عبد الرحمن وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن "نعم"، فلينته فأمره، وبين يديه ركوه -أو علبة يشك عمر- فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: "لا إله إلا الله، إن للموت سكرات"، ثم نصب يده فجعل يقول: "في الرفيق الأعلى"، حتى قبض ومالت يده" (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -: 4435، وانظر: 4436، 4437، 4463، 4586، 6348، 6509، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضل عائشة: 2444، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 1620، الطيالسي: 2/ 113 - 114 حديث: 2390، وأحمد في المسند: 6/ 48، 176، 200، 205، 274، من طرق عن عائشة. (¬2) أخرجه البخاري في الجمع باب من تسوك بسواك غيره: 890، وانظر الأرقام التالية: 1389، 3100، 3774، 4438، 4449، 4450، 4451، 5217، 6510، والنسائي في الجنائز باب شدة الموت: 4/ 6 - 7، وأحمد في المسند: 6/ 48، 121، 200 من طرق عنها.

20 - آخر ابتسامة ابتسمها النبي صلى الله عليه وسلم

20 - آخر ابتسامة ابتسمها النبي صلى الله عليه وسلم: 899 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه "أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي توفي فيه. حتى إذا كان يوم الإثنين. وهم صفوف في الصلاة. كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستر الحجرة فنظر إلينا وهو قائم، كأن وجهه ورقة مصحف (¬1)، ثم تبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضاحكًا. قال: فبهتنا ونحن في الصلاة، من فرح بخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارج للصلاة. فأشار إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده: "أن أتموا صلاتكم". قال: ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمّ فأرخى الستر. قال: فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يومه ذلك" (¬2). 21 - متى توفي صلى الله عليه وسلم: 900 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "دخلت على أبي بكر رضي الله عنه فقال: في كم كفنتم النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: يوم الإثنين. قال: فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الإثنين قال: أرجو فيما بيني وبين الليل. فنظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه، به ردع من زعفران فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين فكفننوني فيهما. قلت: إن هذا خلق. قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة. فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح" (¬3) اللفظ للبخاري. ¬

_ (¬1) كأن وجهه ورقة مصحف: عبارة عن الجمال البارع وحسن البشرة وصفاء الوجه واستنارته. (¬2) أخرجه البخاري في الأذان باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة: 680، وانظر الأرقام: 681، 754، 1205،4448، مسلم في الصلاة باب استخلاف الإِمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما: 419، والنسائي في الجنائز باب الموت يوم الإثنين: 4/ 7، الترمذي في الشمائل: 367، ابن ماجة في الجنائز باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 1624، والحميدي: 1188، والبيهقي في السنن: 3/ 75، وأحمد في المسند: 3/ 110، 163، 196، 211 جميعًا من طريق عن أنس. (¬3) البخاري في الجنائز باب موت يوم الإثنين: 1387، والبيهقي في الجنائز باب جماع أبواب وقت الصلاة على الجنائز: 4/ 31، وابن سعد في الطبقات: 3/ 1 / 143، وأحمد في المسند 6/ 118, 132، من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

22 - خطبة عمرو وأبي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

22 - خطبة عمرو وأبي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: 901 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " ... ولم أمرض أحدًا قبله. فبينما رأسه ذات يوم على منكبي، إذ مال رأسه نحو رأسي، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة، فخرجت من فيه نطفة باردة، فوقعت على ثغرة نحري، فاقشعر لها جلدي، فظننت أنه غشي عليه، فسجيته ثوبًا. فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا، فأذنت لهما وجذبت إليّ الحجاب، فنظر عمر إليه فقال: واغشياه ما أشد غشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قاما، فلما دنوا من الباب، قال المغيرة: يا عمر مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: كذبت، بل أنت رجل تحوسك فتنة. إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يموت حتى يفني الله عَزَّ وَجَلَّ المنافقين. ثم جاء أبو بكر فرفعت الحجاب، فنظر إليه وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أتاه من قبل رأسه فحدر فاه، وقبل جبهته ثم قال: وانبياه، ثم رفع رأسه ثم حدر فاه وقبل جبهته، ثم قال: واصفياه، ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبل جبهته وقال: واخليلاه مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فخرج إلى المسجد، وعمر يخطب الناس ويتكلم ويقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يموت حتى يفني الله -عَزَّ وَجَلَّ- المنافقين، فتكلم أبو بكر: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله عَزَّ وَجَلَّ يقول {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} حتى فرغ من الآية. {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} حتى فرغ من الآية فمن كان يعبد الله غز وجل، فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، فقال عمر: وإنها لفي كتاب الله ما شعرت أنها في كتاب الله، ثم قال عمر: يا أيها الناس هذا أبو بكر وهو ذو شيبة المسلمين فبايعوه فبايعوه" (¬1). 902 - من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما: "أن أبا بكر رضي الله ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد: 6/ 31، مختصرًا: 6/ 219 - 220، مطولًا والترمذي في الشمائل برقم: 373، وأبو يعلى: 48، وابن سعد: 2/ 267، وفيه يزيد بن بابنوس ما روى عنه غير أبي عمران الجوني، وقال الدارقطني: (لا بأس به) وذكره ابن حبان في الثقات فهو حسن الإسناد إن شاء الله تعالى.

23 - قصة سقيفة بني ساعدة

عنه قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته" (¬1). 903 - من حديث عائشة رضي الله عنها: "أن أبا بكر رضي الله عنه أقبل على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مغشي بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها" (¬2). 904 - من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر. فقال أبو بكر: "أما بعد من كان منكم يعبد محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، قال الله {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ -إلى قوله- الشَّاكِرِينَ} (¬3). وقال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها. فأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات" (¬4). 23 - قصة سقيفة بني ساعدة: 905 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت أقرئ رجالًا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب مرض النبي ووفاته: 4455، وفي الطب باب اللدود: 5709، والنسائي في الجنائز باب تقبيل الميت: 4/ 11، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في تقبيل الميت: 1457، وأحمد في المسند: 6/ 55. (¬2) أخرجه البخاري في الجنائز باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه:1241 وأطرافه: 3667، 3669، 4452, 4455, 5710، والنسائي في الجنائز باب تقبيل الميت: 4/ 11، وابن ماجة في الجنائز باب ذكر وفاته ودفنه - صلى الله عليه وسلم - رقم: 1627. (¬3) آل عمران: آية: 144. (¬4) البخاري في الجنائز باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه: 1242، وأطرافه: 3668، 3670, 4453, 4454, 4457, 5711.

الخطاب في آخر حجة حجها، إذ رجع إليَّ عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلًا أتى أمير المؤمنين، فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان يقول: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلانًا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت، فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع (¬1) الناس وغوغائهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس. وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مُطيِّر. وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسُّنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكنًا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله -إن شاء الله- لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة. قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسًا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلًا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف. فأنكر علي وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله! فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون قام، فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: "أما بعد: فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها ,لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي، إن الله بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف. ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) - (أو إن كفرًا بكم أن ترغبوا عن آبائكم) - ألا ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تطروني كما ¬

_ (¬1) الرعاع: أساقط الناس.

أطري عيسى بن مريم وقولوا عبد الله ورسوله". ثم إنه بلغني أن قائلًا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانًا، فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر. من بايع رجلًا من غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا (¬1)، وإنه قد كان من خبرنا حين توفي الله نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر، انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم. فقلت: والله لنأتينهم. فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل (¬2) بين ظهراينهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك. فلما جلسنا قليلًا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإِسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم (¬3)، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يخصنونا من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم -وكنت قد زورت مقالة (¬4) أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر- وكنت أداري منه بعض الحد (¬5)، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك. فكرهت أن أغضبه. فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت. فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا ¬

_ (¬1) تغرة أن يقتلا: أي جميعًا. (¬2) رجل مزمل: أي ملتف يقال تزمل الرجل إذا التف في كساء أو غيره. (¬3) وقد دفت دافة: الدافة: الجماعة تأتي من البادية إلى الحاضرة والدافة أيضًا: الجماعة تسير في رفق. (¬4) وقد زورت مقالة: زور الكلام إذا أصلحه وحسنه. (¬5) أداري منه بعض الحد: أي أنه كان في خلقه حده، فكان عمر رضي الله عنه يداريه.

الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبًا (¬1) ودارًا (¬2)، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم- فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا. فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول لي نفسي عند الموت شيئًا لا أجده الآن. فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك (¬3). وعذيقها المرجب (¬4). منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فأكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة (¬5)، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، قلت: قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة، أن يبايعوا رجلًا منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما نخالفهم فيكون فسادًا، فمن بايع رجلًا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا" (¬6). ¬

_ (¬1) أوسط العرب نسبًا: يعني أشرفهم، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}. (¬2) ودارًا: يعني مكة لأنها أشرف البقاع. (¬3) جذيلها المحكك وعذيقها المرجب: الجذيل تصغير جذل، وهو العود يكون في وسط مبرك الإبل تحتك به وتستريح إليه، فتضرب به العرب المثل للرجل يستشفي برأيه وتوجد الراحة عنده، وعذيق تصغير عذق وهو النخلة بنفسها. (¬4) المرجب: الذي تبنى إلى جانبه دعامة ترفده لكثرة حمله ولعزه على أهله، وتضرب به المثل في الرجل الشريف الذي يعظمه قومه واسم الدعامة التي تدعم بها النخلة الرجبية وفيه اشتقاق شهر رجب, لأنه يعظم في الجاهلية والإِسلام. (¬5) ونزونا على سعد بن عبادة: ارتفعنا ووطئنا عليه. (¬6) أخرجه البخاري في المظالم باب ما جاء في السقائف: 2462، وانظر أطرافه: 3445، 3928، 4021، 6829، 6830، 7323، ومسلم في الحدود باب رجم الثيب في الزنا: 1691، وأبو داود في الحدود باب في الرجم: 4418، والترمذي في الحدود باب ما جاء في تحقيق الرجم: 1432، وابن ماجة في الحدود: 2553، والدارمي: 2/ 179، وابن الجارود: 812، والبيهقي: 8/ 211، وعبد الرزاق في المصنف: 5/ 439 - 445، وابن سعد في الطبقات: 2/ 269، وأحمد في المسند: 1/ 29، 40، 50، 55، 56، من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس تارة مطولًا وتارة مختصرًا. وقد جاء من حديث ابن سعود قوله: لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت الأنصار: منا أمير وفيكم أمير، فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فأبكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ قالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر". أخرجه الحاكم: 3/ 67، وأحمد: 1/ 396، 405، وابن سعد: 3/ 178 - 179، وقال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

24 - خطبة عمر وأبي بكر قبل وبعد البيعة

24 - خطبة عمر وأبي بكر قبل وبعد البيعة: 906 - ومن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد، جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر، فتكلم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: "أيها الناس إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة، ما كانت مما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدًا عهده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكني قد كنت أرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيدبر أمرنا، يقول: يكون آخرنا -وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه". فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة، بعد بيعة السقيفة. فتكلم أبو بكر، فحمد الله، وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال: "أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله" (¬1). 25 - قصة مبايعة علي والزبير: 907 - من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول: يا معشر المهاجرين إن رسول ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: 5/ 437 - 438، وسنده صحيح، وابن إسحاق في السيرة كما في سيرة ابن هشام: 2/ 660 - 661، وسنده صحيح، وصرح ابن إسحاق بالتحديث، ومن طريقه في تاريخ الطبري: 3/ 203، وابن سعد في الطبقات: 2/ 271، مرسلًا عن الزهريّ، وابن حبان في صحيحه كما في الموارد: ص 533 - 534، وفي سنده محمَّد بن أبي السري وفيه كلام انظر الميزان: 4/ 23 - 24، فيكون الحديث صحيحًا من طريق ابن إسحاق وعبد الرزاق، وصححه ابن كثير في السيرة: 4/ 492 - 493 وهذا إسناد صحيح.

26 - قصة تغسيله صلى الله عليه وسلم

الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا استعمل رجلًا منكم قرن معه رجلًا منا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم، والآخر منا. قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من المهاجرين، وإن الإِمام يكون من المهاجرين، ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال: جزاكم الله خيرًا يا معشر الأنصار وثبت قائلكم ثم قال: أما لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم، ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه. ثم انطلقوا، فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليًّا فسأل عنه فقام ناس من الأنصار فأتوا به. فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعه. ثم لم ير الزبير بن العوام فسأل عنه حتى جاءوا به. فقال: ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعاه" (¬1). 26 - قصة تغسيله صلى الله عليه وسلم: 908 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما أرادوا غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثيابه، كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا، ألقى الله عَزَّ وَجَلَّ النوم حتى ما فيهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو، أن اغسلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص، ويدلكونه بالقميص دونه أيديهم، فكانت عائشة تقول: ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 76، ومن طريقه أخرجه البيهقي في قتال أهل البغي باب الأئمة من قريش: 8/ 143، وقال البيهقي: قال أبو علي الحافظ: سمعت محمَّد بن إسحاق بن خزيمة يقول: جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث، فكتبته له في رقعة وقرأته عليه فقال: هذا حديث يسوي بدنة. فقلت: يسوى بدنه بل يسوي بدرة. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير في السيرة: 4/ 495 هذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن نطعة، عن أبي سعيد بن مالك بن سنان الخدري.

27 - صفة كفنه صلى الله عليه وسلم

لو استقبلت من أمري، ما استدبرت، ما غسله إلا نساؤه" اللفظ لأبي داود (¬1). 909 - من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "غسلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهبت أنظر ما يكون من الميت، فلم أر شيئًا، وكان طيبًا صلى الله عليه وآله وسلم حيًّا وميتًا. ولي دفنه وإجنانه دون الناس أربعة: علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولحد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحدًا، ونصب عليه اللبن نصبًا" (¬2). 27 - صفة كفنه صلى الله عليه وسلم: 910 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض سحولية (¬3)، من كرسف (¬4)، ليس فيها قميص، ولا عمامة. أما الحلة، فإنما شبه على الناس فيها، أنها اشتريت له ليكفن فيها، فتركت الحلة، كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية. فأخذها عبد الله بن أبي بكر. فقال: لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي، ثم قال: لو رضيها الله عَزَّ وَجَلَّ لنبيه لكفنه فيها. فباعها وتصدق بثمنها" (¬5) اللفظ لمسلم. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في الجنائز باب في ستر الميت عند غسله: 3141، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في غسل الرجل امرأته: 1464، والحاكم في المستدرك: 3/ 59، والبيهقي في الجنائز باب غسل المرأة زوجها: 3/ 398، وصححه الحاكم وأقره الذهبي وابن حبان كما في الإحسان 6593، 6594، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة: 2/ 25: هذا إسناد صحح رجاله ثقات، ومحمد بن إسحاق وإن كان مدلسًا ورواه بالعنعنة في هذا الإسناد فقد رواه ابن الجارود، وابن حبان والحاكم في المستدرك من طريق ابن إسحاق مصرحًا بالتحديث فزالت تهمة تدليسه، ورواه الإمام الشافعي في مسنده من هذا الوجه، ورواه البيهقي من طريق الحاكم ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من طريق محمَّد بن إسحاق، حدثنا يحيى بن عباد، قد كره بزيادة طويلة كما بينته في زوائد المسانيد العشرة). (¬2) أخرجه الحاكم: 1/ 362، والبيهقي: 4/ 53، وإسناده صحيح, وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن ماجه في الجنائز، باب ما جاء في غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم: 1467. (¬3) سحولية: بفتح السين وضمها: هي ثياب بيض نقية لا تكون إلا من القطن. وقال آخرون: هي منسوبة إلى سحول مدينة باليمن تحمل منها هذه الثياب. (¬4) الكرسف: القطن. (¬5) أخرجه البخاري في الجنائز باب الثياب البيض للكفن: 1264، وانظر: 1271، 1272، 1273، 1387، ومسلم في الجنائز باب ما جاء في كفن الميت: 941، وأبو داود في الجنائز باب في الكفن: 3151 - 3152 الترمذي في الجنائز باب ما جاء في كفن النبي: 996، والنسائي في الجنائز باب كفن النبي: 4/ 53، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في كفن النبي: 1469، وعبد الرزاق: 6171، وابن سعد: 3/ 1 / 143، ومالك: 1/ 223، الشافعي في الأم: 1/ 266، وفي المسند: ص 356 والطيالسي: 1453، والبيهقي: 3/ 399 - 400، وأحمد في المسند: 6/ 40، 93، 118، 132، 165، 192, 204, 214, 231, 264، من طرق عن عائشة.

28 - كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

28 - كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: 911 - من حديث سالم بن عبيد رضي الله عنه قال: "أغمي علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه فأفاق، فقال: "حضرت الصلاة؟ ". فقالوا: نعم. فقال: "مروا بلالًا فليؤذن، ومروا أبا بكر أن يصلي بالناس" أو قال: "الناس". قال: ثم أغمي عليه فأفاق فقال: "حضرت الصلاة؟ ". فقالوا: نعم، فقال: "مروا بلالًا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس". فقالت عائشة: إن أبي رجل أسيف، إذا قام ذلك المقام بكى فلا يستطيع، فلو أمرت غيره. قال: ثم أغمي عليه فأفاق، فقال: "مروا بلالًا فليؤذن، مروا أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب أو صواحبات يوسف". قال فأمر بلالُ فأذَّن، وأمر أبو بكر فصلى بالناس، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجد خفة، فقال: "انظروا لي من أتكيء عليه" فجاءت بريرة ورجل آخر فاتكأ عليهما، فلما رآه أبو بكر ذهب لينكص فأومأ إليه أن يثبت مكانه، حتى قضى أبو بكر صلاته. ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض. فقال عمر: والله لا أسمع أحدًا يذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض إلا ضربته بسيفي هذا. قال: وكان الناس أميين لم يكن فيهم نبي قبله. فأمسك الناس، فقالوا: يا سالم انطلق إلى صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فادعه، فأتيت أبا بكر وهو في المسجد، فأتيته أبكي دهشًا. فلما رآني قال لي: أقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قلت: إن عمر يقول: لا أسمع أحدًا يذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قبض إلا ضربته بسيفي هذا! فقال لي: انطلق. فانطلقت معه، فجاء والناس قد دخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا أيها الناس أفرجوا لي. فأفرجوا له، فجاء حتى أكب عليه، ومسه، فقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (¬1)، ثم قالوا: يا صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، فعلموا أن قد صدق. قالوا: يا صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيصلى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، قالوا: وكيف؟ قال: يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون، ثم يخرجون، ثم يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون، ثم يخرجون، حتى يدخل الناس، ¬

_ (¬1) الزمر: آية: 30.

29 - اختيار اللحد لدفنه صلى الله عليه وسلم

قالوا: يا صاحب رسول الله! يدفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم. قالوا: أين؟ قال: في المكان الذي قبض الله فيه روحه، فإن الله لم يقبض روحه إلا في مكان طيب. فعلموا أن قد صدق. ثم أمرهم أن يغسله بنو أبيه، واجتمع المهاجرين يتشاورون، فقالوا: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار ندخلهم معنا في هذا الأمر، فقالت الأنصار: منا أمير، ومنكم أمير، فقال عمر بن الخطاب: من له مثل هذه الثلاثة {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} من هما؟ قال: ثم بسط يده فبايعه، وبايعه الناس بيعة حسنة جميلة" (¬1). 29 - اختيار اللحد لدفنه صلى الله عليه وسلم: 912 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال في مرضه الذي هلك فيه: "الحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليَّ اللبن نصبًا، كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). 913 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في اللحد والشق، حتى تكلموا في ذلك. وارتفعت أصواتهم. فقال عمر: لا تصخبوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيًّا ولا ميتًا. أو كلمة نحوها. فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد. فجاء اللاحد، فلحد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم دفن - صلى الله عليه وسلم -" (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجة في الصلاة باب صلاة رسول الله في مرضه: 1234، مقتصرًا على بعضه، وأخرجه بطوله الترمذي في الشمائل: 378، والطبراني في المعجم الكبير: 6367، وقال البوصيري في الزوائد: 1/ 406، هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وأخرجه النسائي في وفاة النبي: 42 وقال الهيثمي في المجمع: 5/ 183: روى ابن ماجة بعضه ورواه الطبراني ورجاله ثقات وأخرجه ابن سعد في الطبقات: 2/ 275، والبيهقي في دلائل النبوة: 7/ 259. (¬2) أخرجه مسلم في الجنائز باب في اللحد ونصب اللبن على الميت: 966، والنسائي في الجنائز باب اللحد والشق: 4/ 80، وابن ماجة في الجنائز باب ما جاء في استحباب اللحد: 1556، والطحاوي في مشكل الآثار: 4/ 46. (¬3) أخرجه ابن ماجة في الجنائز باب ما جاء في الشق حديث رقم: 1558، وقال البوصيري في الزوائد: 1/ 507، إسناد صحيح ورجاله ثقات.

30 - مكان دفنه صلى الله عليه وسلم

30 - مكان دفنه صلى الله عليه وسلم: 914 - من حديث سالم بن عبيد رضي الله عنه "قالوا: يا صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيدفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: نعم. قالوا: أين؟ قال: في المكان الذي قبض فيه روحه، فإن الله لم يقبض روحه إلا في مكان طيب ... " (¬1). 915 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في دفنه. فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ما نسيته. قال: "ما قبض الله نبيًّا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه" ادفنوه في موضع فراشه" (¬2). 31 - من ولي دفنه ونزل في قبره صلى الله عليه وسلم: 916 - من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: "غسلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهبت أنظر ما يكون من الميت، فلم أر شيئًا، وكان طيبًا صلى الله عليه وآله وسلم حيًّا وميتًا، ولي دفنه وإجنانه دون الناس أربعة: علي، والعباس، والفضل، وصالح مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحدًا، ونصب عليه اللبن نصبًا" (¬3). 917 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "دخل قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العباس وعلي والفضل، وشق لحده رجل من الأنصار، وهو الذي يشق لحود قبور الشهداء" (¬4). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه حديث رقم: 911. (¬2) أخرجه الترمذي في الجنائز باب: 33، حديث رقم: 1018، وفي الشمائل حديث رقم: 371، وقال الترمذي: هذا حديث غريب وعبد الرحمن بن أبي بكر يضعف من قبل حفظه" لكن الحديث صحيح لشواهده فقد جاء من حديث ابن عباس وأخرجه ابن ماجه: 1628، والبيهقي: 3/ 407، وأحمد في المسند: 1/ 260، وأبو يعلى: 22، 23، وفيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله ابن عباس وهو ضعيف، وحديث سالم بن عبيد الذي سبق تخريجه: 911. (¬3) سبق تخريجه حديث رقم: 909. (¬4) ابن الجارود في المنتقى حديث: 547، وابن حبان كما في الموارد: 2161، والإحسان حديث: 6599، والبيهقي في دلائل النبوة: 7/ 254، وإسناده صحيح.

32 - ماذا فرش للرسول صلى الله عليه وسلم في قبره

32 - ماذا فرش للرسول صلى الله عليه وسلم في قبره: 918 - من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "جعل في قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطيفة حمراء (¬1) " (¬2). 919 - جاء من طريق محمَّد بن جعفر عن أبيه قال: "الذي ألحد قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو طلحة، والذي ألقى القطيفة تحته شقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال جعفر: وأخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت شقران يقول: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر" (¬3). 33 - متى دفن النبي صلى الله عليه وسلم: 920 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الإثنين ودفن ليلة الأربعاء" (¬4). 34 - آخر الناس عهدًا برؤية النبي صلى الله عليه وسلم: 921 - من حديث عبد الله بن الحارث قال: "اعتمرت مع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه في زمان عمر، أو زمان عثمان، فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب، فلما فرغ من عمرته رجع فسكب له غسل، فاغتسل، فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق، فقالوا: يا أبا حسن جئناك نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه؟ قال: أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان أحدث الناس عهدًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالوا: أجل، عن ذلك جئنا نسألك، قال: ¬

__ (¬1) القطيفة: كساء له خمل. (¬2) أخرجه مسلم في الجنائز باب جعل القطيفة في القبر: 967، والترمذي في الجنائز باب ما جاء في الثوب الواحد يلقى تحت الميت في القبر: 1048, والنسائي في الجنائز باب وضع الثوب في اللحد: 4/ 81، وابن أبي شيبة في المصنف: 3/ 336، وابن حبان في الإحسان: 6593، وأحمد في المسند: 1/ 228، 355، وابن الجارود في المنتقى حديث رقم: 549. (¬3) أخرجه الترمذي في الجنائز باب ما جاء في الثوب الواحد يلقى تحت الميت في القبر: 1047، وقال حسن غريب. (¬4) رواه أحمد في المسند انظر الفتح الرباني: 21/ 257، وانظر السيرة النبوية لابن كثير: 4/ 539 حيث عزاه للإمام أحمد وقال: وقد تقدم مثله في غير ما حديث. وهو الذي نص عليه غير واحد من الأئمة سلفًا وخلفًا، منهم سليمان بن طرخان التيمي، وجعفر بن محمَّد الصادق، وابن إسحاق، وموسي بن عقبة وغيرهم.

35 - قول فاطمة لأنس أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله التراب

أحدث الناس عهدًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قثم بن عباس" (¬1). 35 - قول فاطمة لأنس أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله التراب: 922 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "لما ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: واكرب أباه، فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم"، فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس، أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب" (¬2). 36 - آثار وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة: 923 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما كان اليوم الذي دخل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأيدي -إنا لفي دفنه- حتى أنكرنا قلوبنا" (¬3). 924 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أم أيمن زائرًا، وذهبت معه، فقربت إليه شرابًا، فإما كان صائمًا، وإما كان لا يريده، فرده فأقبلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصاحبه، فقال أبو بكر بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها، فلما انتهينا إليها، بكت، فقال لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله، قالت: والله ما أبكي، أن لا أكون أعلم ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي، أن الوحي انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان" (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في المسند، انظر الفتح الرباني: 21/ 254 - 255، والطبري في تاريخه: 3/ 205، السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 664 - 665، والبيهقي في دلائل النبوة: 7/ 257، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع، وسنده متصل، وقال الساعاتي: الحديث صحيح ورجاله ثقات. (¬2) سبق تخريجه حديث رقم: 877. (¬3) أخرجه الترمذي في المناقب باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين: 3622، وفي الشمائل برقم: 374، وابن ماجة في الجنائز باب ذكر وفاته ودفنه: 1631، وابن حبان كما في الموارد: 2162، والدرامي في المقدمة باب في وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1/ 41، والحاكم في المستدرك: 3/ 57، وابن سعد: 2/ 274، وأحمد في المسند: 3/ 122, 221, 240, 268, 287. (¬4) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أم أيمن حديث رقم: 2454، وابن ماجة في الجنائز =

37 - مقدار عمره صلى الله عليه وسلم حين مات

37 - مقدار عمره صلى الله عليه وسلم حين مات: 925 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض وهو ابن ثلاث وستين" (¬1). وقال الحافظ في الفتح: 8/ 151: والحاصل أن كل من روى عنه من الصحابة ما يخالف المشهور -وهو ثلاث وستون- جاء عنه المشهور، وهم ابن عباس وعائشة وأنس ولم يختلف على معاوية أنه عاش ثلاثًا وستين، وبه جزم سعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد، وقال أحمد: وهو المثبت عندنا). وقال الحافظ ابن كثير في السيرة: 4/ 515 "ورواية الجماعة عن ابن عباس في ثلاث وستين أصح، فهم أوثق وأكثر، وروايتهم توافق الرواية الصحيحة عن عروة عن عائشة، وإحدى الروايتين عن أنس، والرواية الصحيحة عن معاوية، وهو قول سعيد بن المسيب وعامر الشعبي وأبي جعفر محمَّد بن علي رضي الله عنهم، قلت: وعبد الله بن عقبة والقاسم بن عبد الرحمن، والحسن البصري وعلي ابن الحسن وغير واحد". ولمن يريد المزيد فليراجع السيرة النبوية لابن كثير فقد فصل الروايات هناك وعرضها عرضًا جيدًا. 38 - ميراث النبي صلى الله عليه وسلم: 926 - من حديث عائشة رضي الله عنها: "أن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك. وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نورث ما تركنا صدقة، إنما ¬

_ = باب ذكر وفاته ودفنه - صلى الله عليه وسلم -: 1635، والبيهقي في دلائل النبوة: 7/ 266، وأبو يعلى: 69، وابن سعد: 8/ 226، وأبو نعيم في الحلية: 2/ 68. (¬1) أخرجه البخاري في المناقب باب وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: 3536، ومسلم في الفضائل باب كم سن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم قبض: 2349، والترمذي في المناقب باب في سن النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن كم حين مات: 3655، وعبد الرزاق في المصنف: 6791، وأحمد في المسند: 6/ 93، وقد جاء هذا الحديث من حديث ابن عباس وأخرجه مسلم 2351، والترمذي: 2653، والطيالسي: 2/ 115، رقم: 2397، ومن حديث أنس وقد أخرجه مسلم برقم: 2348، ومن حديث معاوية أخرجه مسلم: 2352، والترمذي في المناقب باب في سن النبي: 3653، والنسائي في وفاة النبي: 38.

يأكل آل محمد - صلى الله عليه وسلم - في هذا المال" وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأعملن فيها، بما عمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئًا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرته. فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلًا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي، وكان لعلي من الناس وجهة حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر: أن ائتنا. ولا يأتنا معك أحد (كراهية محضر عمر بن الخطاب) فقال عمر لأبي بكر: والله! لا تدخل عليهم وحدك. فقال أبو بكر: وما عساهم أن يفعلوا بي، إني والله لآتينهم. فدخل عليهم أبو بكر. فتشهد علي بن أبي طالب. ثم قال: إنا قد عرفنا يا أبا بكر! فضيلتك وما أعطاك الله. ولم ننفس عليك خيرًا ساقه الله إليك. ولكنك استبددت علينا بالأمر. وكنا نحن نرى لنا حقًّا لقرابتنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلم يزل يكلم أبا بكر حتى فاضت عينا أبي بكر. فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده! لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي أن أصل من قرابتي. وأما الذي شجر بيني وبينك من هذه الأموال، فإني لم آل فيها عن الحق. ولم أترك أمرًا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنعه فيها إلا صنعته. فقال علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة. وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر. وتشهد علي بن أبي طالب فعظم حق أبي بكر، وأنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر، ولا إنكارًا للذي فضله الله به. ولكنا كنا نرى لنا في الأمر نصيبًا، فاستبد علينا به، فوجدنا في أنفسنا، فسر المسلمون، وقالوا: أصبت، فكان المسلمون إلى علي قريبًا. حين راجع الأمر المعروف" (¬1). 927 - من حديث مالك بن أوس قال: "أرسل إليّ عمر بن الخطاب، فجئته ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب غزوة خيبر: 3711، والمغازي باب غزوة خيبر: 4240 رقم: 3092، مسلم في الجهاد باب قول النبي: لا نورث ما تركنا فهو صدقة: 1759 , وأحمد في المسند: 1/ 6 , 9.

حين تعالى النهار (¬1) قال: فوجدته في بيته جالسًا على سرير، مفضيًا إلى رماله (¬2) متكئًا على وسادة من أدم. فقال لي: يا مال (¬3) إنه قد دف أهل أبيات من قومك (¬4)، وقد أمرت فيهم برضخ (¬5) فخذه فاقسمه بينهم. قال: قلت: لو أمرت بهذا غيري؟.قال: خذه يا مالُ! قال: فجاء يرفأ (¬6) فقال: هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد؟ فقال عمر: نعم. فأذن لهم، فدخلوا، ثم جاء فقال: هل لك في عباس وعليّ؟ قال: نعم. فأذن لهما. فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكذاب الآثم الغادر الخائن، فقال القوم: أجل. يا أمير المؤمنين! فاقض بينهم وارحهم. (فقال مالك بن أوس: يخيل إلي أنهم قد كانوا قدموهم لذلك). فقال عمر: اتئدا. أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" قالوا: نعم. ثم أقبل على العباس وعلي فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نورث ما تركناه صدقة" قالا: نعم. فقال عمر: إن -الله عَزَّ وَجَلَّ- كان خص رسوله - صلى الله عليه وسلم - بخاصته لم يخصص بها أحد غيره. قال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} (¬7) (ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا) قال: فقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينكم أموال بني النضير، فوالله ما استأثر عليكم، ولا أخذها دونكم، حتى بقي هذا المال، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ منه نفقة سنة. ثم يجعل ما بقي أسوة المال. ثم قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمون ذلك؟ قالوا: ¬

_ (¬1) تعالى النهار: ارتفع. (¬2) مفضيًا: ليس بينه وبين رماله شيء. (¬3) يا مال: ترخيم لمالك. (¬4) دف أهل أبيات: جاءوا مسرعين للضر الذي نزل بهم. (¬5) رضخ: عطية قليلة. (¬6) يرفأ: حاجب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. (¬7) سورة الحشر: 7.

نعم. ثم نشد عباسًا وعليًّا بمثل ما نشد به القوم: أتعلمان ذلك؟ قالا: نعم. قال: فلما توفي رسول الله قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجئتما، تطلب ميراثًا من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما نورث. ما تركنا صدقة" فرأيتماه كاذبًا آثمًا غادرًا خائنًا، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفي أبو بكر، وأنا ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذبًا آثمًا غادرًا خائنًا، والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق فوليتها. ثم جئتني أنت وهذا، وأنتما جميع، وأمركما واحد (¬1): فقلتما: ادفعها إلينا. فقلت: إن شئت دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذتماها بذلك. قال: أكذلك؟ قالا: نعم. قال ثم جئتماني لأقضي بينكما. ولا والله! لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرداها إلي (¬2). هذا آخر ما تيسر جمعه من صحيح مرويات سيرته عليه الصلاة والسلام من كتب السنة المشرفة، أسأل الله العلي العظيم أن ينفع بسيرته عباده، وأن يجعل ذلك في ميزان أعمالي يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. كتبه: إبراهيم محمَّد العلي ¬

_ (¬1) وأنتما جميع وأمركما واحد: أي متحد غير متنازع، وأمركما أي مطلوبكما واحد. وهو دفعي إياها إليكما. (¬2) أخرجه البخاري في الخمس باب فرض الخمس: 3094، والفرائض باب قول النبي لا نورث ما تركنا صدقة: 6728، مسلم في الجهاد باب حكم الفيء: 1757، وأبو داود في الخراج والإمارة باب في تدوين العطاء: 2963، 2964، 2965، والترمذي في السير باب ما جاء في تركة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 1610، والنسائي في الفيء: 7/ 135 - 137، والحميدي برقم: 22, وأحمد في المسند: 1/ 47، 48، 49، 60، 162، 164، 191، 208.

§1/1