شفاء الغليل في حل مقفل خليل
المكناسي، ابن غازي
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، ربِّ يسّر يا كريم. آمين قال الشيخُ، الفقيهُ، الإمامُ، العالمُ، العلاَّمة، الحافظُ المتقنُ، المحقِّقُ، البليغُ، الصالحُ، الفاضلُ المتبركُ به، الصدر الأوحد، ترجمان الفقهاءِ، ورئيس النُبَهاءِ، أبوعبدالله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد علي بن غازي العثماني المكناسي، غفر الله له، وتغمده برحمته، وتجاوز عنه بمنه وكرمه وفضله، وأبقى بركته، ورضي عنه، ونفعنا به وبأمثاله (¬1): الحمدُ للهِ الذي منّ علينا بنعمة الإسلام، وجعلنا من أمة نبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام؛ فبيّن لنا - صلى الله عليه وسلم - الحدود والأحكام، وفصّل لنا الحلال والحرام، وأورث علماءنا من معارفه ما جلّو به عنّا غياهب الظلام، وكشفوا به عن أبصار بصائرنا سدف (¬2) الغمام، فصنّفوا لنا في ذلك المطولات الضخام، والمختصرات الصغيرات الأجرام، جزاهم الله تعالى عنّا أفضل ما جزى إماماً عن ذوي إئتام، وجعلنا وإياهم في مستقر رحمته بدار السلام أما بعد: فإنّ مختصر الشيخ العلامة خليل بن إسحاق أفضل نفائس الأعلاق، وأحقّ ما رمق بالأحداق، وصرفت إليه همم الحذّاق؛ إذ هو عظيمُ الجدوى، بليغُ الفحوى، مُبين لما به الفتوى، أو ما هو المرجّح الأقوى، قد جمع الاختصار في شدة الضبط والتهذيب، وأظهر الاقتدار في حسن المساق والترتيب، فما نسج أحدٌ على منوالهِ، ولا سمحت قريحةٌ بمثالهِ، ولله درّ الشيخ الأديب البارع أبي الحسن عليّ بن أبي حمامة السلوى إذ يقول فيه: خَلَلت من قلبي مسالك نفسه ... والروْحَ قد أحكمتَهُ تخليلا أخليلُ إني قد وهبتك خلة ... ما مثلها يهب الخليل خليلا فخليل نفسي من يود خليلها ... وخلاه ذم إن أحب خليلا ¬
ولقد عُني تلميذه الإمام أبو البقاء بهرام (¬1) بحلِّ رموزه، واستخراج كنوزه، وافتراع (¬2) أبكاره، واقتباس أنواره، واجتناء ثماره، واجتلاء أقماره بأظرف عبارة، وألطف إشارة، إلاّ أماكن أَضْرَب عنها صفحاً، [أو لم يُجِدها] (¬3) شرحاً؛ فتحرك مني العزم الساكن، لتتبع تلك الأماكن، فشرحتها في هذا الموضوع بقدر الاستطاعة، وإن كنت في العلم مزجي البضاعة، وأودعته مع ذلك نكتاً جملة، كل نكتة منها تساوي رحلة، وسمّيته بـ: " شِفَاءُ الغَلِيلِ (¬4) في حلِّ مُقْفَلِ خَلِيلِ "، وأمّا ما خرج من ألفاظِ الشارحِ عن لفظِ المشروحِ، فلا يكون منّي للتنبيه عليه جنوحٌ؛ لأنّ ذلك مما يطول، ويشبه الفضول، ومن الله تعالى أستوهب التوفيق والهداية إلى التحقيق؛ فهو حسبي ونعم الوكيل، وهو على كلّ شيءٍ وكيل. وقد رأيت أن أقدم هنا مقدمتين: الأولى: [2 / أ] في ذكر بعض مناقب المصنف - رحمه الله تعالى-. الثانية: في أمور استنبطناها من كلامه بالاستقراء. أمّا الأولى: فهو خليل بن إسحاق بن يعقوب (¬5)، يُعرف بابن الجندي، كان عالماً ¬
عاملاً مشتغلاً بما يعنيه، حتى حُكي عنه: أنه أقام عشرين سنة لم ير النيل وهو بمصر، وحكي عنه أنه جاء يوماً لمنزل بعض شيوخه، فوجد كَنِيف (¬1) المنزل مفتوحاً، ولم يجد الشيخ هناك، فسأل عنه؟ فقيل له: إنه شوّشه أمر هذا الكَنِيف، فذهب يطلب من يُستأجر على تنقيته، فقال خليل: أنا أولى بتنقيته، فشمّر ونزل يُنَقّيه، فجاء شيخه فوجده على تلك الحال، والناس قد حلّقوا عليه ينظرون إليه تعجُّباً من فعلِهِ فقال: من هذا؟ فقالوا: خليل؛ فاستعظم الشيخ ذلك، وبالغ في الدعاء له عن قريحة ونية صادقة، فنال بركة دعائه، ووضع الله تعالى البركة في عمره. فسبحان الفتّاح العليم. وحدثنا شيخنا أبو زيد الكاواني (¬2)، عمن رأي خليلاً بالديار المصرية: يلبس الثياب القصار، أظنّه قال: ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وسمعت شيخنا العلاّمة أبا عبد الله القوري (¬3) يحكي أنه بلغه عنه أنّه كان من أهل المكاشفات، وأنه مرّ بطباخ دلّس الناس ببيع لحم الميتة، فكاشفه وزجره؛ فأقرّ وتاب على يديه. أخذ رحمه الله تعالى عن الشيخ الفقيه الصالح أبي محمد (¬4) عبد الله المنوفي (¬5) ... وغيره، ¬
وتوفي ثالث عشر أحد شهري ربيع سنة ست وسبعين وسبعمائة (¬1)، وفي هذه السنة توفي الشيخ أبو عمران موسى بن محمد بن معطي العبدوسي (¬2)، وأبو عبد الله بن الخطيب السلماني (¬3). وأمّا المقدمة الثانية: فمن عادته أنه لا يمثِّل بشيء إلاّ لنكتة، من رفع إيهام، أو تحذير من هفوة، أو إشارة لخلاف، أو تعيين لمشهور، أو تنبيه بالأدنى على الأعلى، وعكسه، أو محاذاة نصّ الكتاب أو نحو ذلك، مما يستطعمه من فتح له في فهمه. ومن قاعدته: أنه إذا جمع نظائر وكان في بعضها تفصيل أخّره، وقيّده بأحد طرفي التفصيل، ثم يتخلّص منه لطرفه الآخر مع ما يناسبه من الفروع فيحسن تخلّصه غاية، وينتظم الكلام، ويأخذ بعضه بحجزة بعض. ¬
ومن قاعدته غالباً أنه: إذا جمع مسائل مشتركة في الحكم والشرط نسّقها بالواو، فإذا جاء بعدها بقيدٍ علمنا أنه منطبق على الجميع، وإن كان القيد مختصاً ببعضها أدخل عليه كاف التشبيه، فإذا جاء بالقيد علمنا أنه لما بعد الكاف. وأمّا نسجه على منوال ابن الحاجب (¬1) في بعض اصطلاحه فواضح (¬2). ¬
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَقُولُ الْفَقِيرُ الْمُضْطَرُّ لِرَحْمَةِ رَبِّهِ، الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ والتَّقْوَى، خَلِيلُ ابْنُ إِسْحَاقَ [ابْنِ مُوسَى عَفَا اللهُ عَنْهُ بِمَنِّهِ] (¬1) [الْمَالِكِيُّ] (¬2) الْحَمْدُ للهِ حَمْداً يُوَافِي مَا تَزَايَدَ مِنَ النِّعَمِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى مَا أَوْلانَا مِنَ الْفَضْلِ والْكَرَمِ، لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، ونَسْأَلُهُ اللُّطْفَ والإِعَانَةَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، وحَالَ حُلُولِ الإِنْسَانِ فِي رَمْسِه (¬3). وَالصَّلاةُ والسَّلامُ، عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْعَرَبِ والْعَجَمِ، الْمَبْعُوثِ لِسَائِرِ الأُمَمِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ وأَزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ وأُمَّتِهِ أَفْضَلِ الأُمَمِ. وبَعْدُ: فَقَدْ سَأَلَنِي جَمَاعَةٌ أَبَانَ اللهُ لِي ولَهَمُ مَعَالِمَ التَّحْقِيقِ، وسَلَكَ بِنَا وبِهِمْ أَنْفَعَ طَرِيقٍ، مُخْتَصَراً عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهْ اللهُ تَعَالَى، مُبَيِّناً لِمَا بِهِ الْفَتْوَى، فَأَجَبْتُ سُؤَالَهُمْ بَعْدَ الاسْتِخَارَةِ. مُشِيراً بِـ (فِيهَا) لِلْمُدَوَّنَةِ. قوله: (مُشِيرًا بِفِيهَا لِلْمُدَوَّنَةِ (¬4)) يريد وبنحو: رُويت، وحُملت، وظاهرها، وأُقيمَ منها. وَبِـ (أَوَّلَ) إِلَى اخْتِلافِ شَارِحِيهَا (¬5) فِي فَهْمِهَا. قوله: (وَبِأَوَّلَ إِلَى اخْتِلافِ شَارِحِيهَا فِي فَهْمِهَا) أي: ومشيراً بمادة (أول) ليندرج ¬
نحو: تأويلان وتأويلات، وهذا النوع من الاختلاف إنما هو في جهات محمل لفظ الكتاب، وليس في آراء في الحمل على حكم من الأحكام فتعد أقوالاً. وَبِـ (الاخْتِيَارِ) لِلَّخْمِيِّ (¬1)، لَكِنْ إِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لاخْتِيَارِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ، وبِالاسْمِ فَذَلِكَ لاخْتِيَارِهِ مِنَ الْخِلافِ، وبِـ (التَّرْجِيحِ) لابْنِ يُونُسَ (¬2) كَذَلِكَ. وبِـ (الظُّهُورِ) لابْنِ رُشْدٍ (¬3) كَذَلِكَ وبِـ (الْقَوْلِ) لِلْمَازِرِيِّ (¬4) كَذَلِكَ .. قوله: (وَبِالاخْتِيَارِ لِلَّخْمِيِّ .. إلى آخره) إنما جعل الفعل لاختيار الأشياخ في أنفسهم، والاسم والوصف لاختيارهم من الخلاف المنصوص لمن قبلهم؛ لأن الفعل يدل على الحدوث، والوصف يدل على الثبوت، وخصّهم بالتعيين لكثرة تصرفهم [2 / ب] في الاختيار. وبدأ باللخمي؛ لأنه أجرأهم على ذلك؛ ولذا خصه بمادة الاختيار (¬5). ¬
وخصّ ابن يونس بالترجيح؛ لأن أكثر اجتهاده في الميل مع بعض أقوال من سبقه، وما يختاره لنفسه قليل. وخصّ ابن رشد بالظهور لاعتماده كثيراً على ظاهر الروايات فيقول: يأتي على رواية كذا وكذا، وظاهر ما في سماع كذا وكذا (¬1). وخصّ المازري بالقول؛ لأنه لما قويت عارضته في العلوم، وتصرّف فيها تصرف المجتهدين كان صاحب قول يعتمد عليه: إذا قَالت حَذامِ فصدّقوها ... فإنّ القَوْلَ مَا قَالَتْ حَذامِ (¬2) ولا حجر فى اصطلاح ولا تسمية (¬3). توفي أبو الحسن اللخمي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وأبو بكر بن يونس سنة واحد وخمسين وأربعمائة، وأبو الوليد بن رشد سنة عشرين وخمسمائة، وأبو عبد الله المازري سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وقد نيّف على الثمانين سنة. ¬
وقد عرّف عياض (¬1) بالأوّلين في " المدارك " (¬2) وبالآخرين في: " الغنية " (¬3)؛ غير أنه لم يذكر وفاة ابن يونس؛ وإنما أفادنيها شيخنا العلاّمة أبو عبد الله القوري. وَحَيْثُ قُلْتُ: (خِلافٌ) فَذَلِكَ لِلاخْتِلافِ فِي التَّشْهِيرِ، وحَيْثُ ذَكَرْتُ (قَوْلَيْنِ) أَوْ (أَقْوَالاً) فَذَلِكَ لِعَدَمِ اطِّلاعِي فِي الْفَرْعِ عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ مَنْصُوصَةٍ. فإن قلت: لم قال أولاً: (وَحَيْثُ قُلْتُ: خِلافٌ)؟ فعبّر بالقول، ورفع لفظَ خلاف، وقال ثانياً: (وحَيْثُ ذَكَرْتُ قَوْلَيْنِ أَوْ أَقْوَالاً) فعبّر بالذكر، ونصب (قولين) و (أقوالاً)؟ قلت: لما كان ذكره الأقوال أعمّ من أن يتلفظ بها أو يقول مثلاً: وهل كذا أو كذا ثالثها كذا، ورابعها كذا، لم يصلح الرفع على الحكاية، ولا القول المناسب؛ لذلك فلو قال وحيث قلت أقوال؛ لخرح ما لم يتلفظ به بصيغة القول كثالثها رابعها، بخلاف (خلاف)؛ فإن حكايته بعد القول لا تُخْرِج معنىً يريد إدخاله. فإن قلتَ: لا يطَّرد ذلك بهذا إلا في الأقوال لا القولين. قلت: بل هو جارٍ في القولين أيضاً كقوله في باب الرهن: (وَرَجَعَ صَاحِبُهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِمَا أَدَّى مِنْ ثَمَنِهِ، نُقِلَتْ عليهما). ولو لم يوجد له في القولين لقلنا: لمّا بيّن وجه اصطلاحه فيهما دفعة كانت التثنية تبعاً للجمع، قيل: وبحمل المستفتي على معين من الأقوال المستوية جرى العمل، وقد ذكر اللخمي في ذلك قولين في باب صلاة السفر فقال: ¬
وإذا كان في البلد فقهاء ثلاثة كلٌ يرى غير رأي صاحبيه وكلٌ أهل للفتوى، جاز للعامي أن يقلّد أيهم أحبّ، وإن كان عالم واحد فترجحت عنده الأقوال جرت على قولين: أحدهما: أن له أن يحمل المستفتي على أيهما أحب والثاني: أنه في ذلك كالناقل يخبره بالقائلين وهو يقلّد أيهم أحب، كما لو كانوا أحياء (¬1). وَأَعْتَبِرُ مِنَ الْمَفَاهِيمِ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ. قوله: (وَأَعْتَبِرُ مِنَ الْمَفَاهِيمِ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ) إنما خصّ مفهوم الشرط دون سائر مفهومات المخالفة العشرة المجموعة في قولنا: صِفْ واشْتَرِطْ عَلِلْ ولَقبْ ثُنْيَا ... وعُدّ طَرَفَيْن وحَصْرَاً أَغْيَا أي: غاية لأن مفهوم الشرط أقواها؛ إذ يقول به بعض من لا يقول بغيره، إلا مفهوم الغاية، فإنه يقول به بعض من لا يقول بمفهوم الشرط، إلاّ أنه قليل ولا يتأتي معه اختصار؛ فلذا تركه، وأمّا مفهوم الموافقة فمتفق عليه، وهو معتبر عنده كقوله في باب الحجر: (وللولي رد تصرف مميز)؛ إذ غير المميز أحرى. فإن قلنا: إنه من باب النص أو القياس الجلي، على رأي من يقول بهما، فلا إشكال، وإن قلنا: إنّه من المفهومات فهو أحرى من مفهوم الشرط، فكأنه اعتبره [3 / أ] في نفس ما نحن بصدده (¬2). ¬
ومن البيّن أنه لابد أن يستثني مما ذكر أنه لا يعتبره مفهوم الوصف الكائن في التعريفات؛ فإنها فصول أو خواص يؤتى بها للإدخال والإخراج؛ ليطّرد المعرف ينعكس، ولا مرية أن الماهية المحكوم عليها بالحكم تنعدم بانعدام جميع أجزائها أو بعضها، فينعدم الحكم، وهذا موجود في كلامه وفي بعض الحواشي، وأظنّها مما قُيد عن: الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر بن الفتوح، يعتبر المصنف مفهوم الشرط لزوماً، ويعتبر غيره من المفاهيم جوازاً، يظهر ذلك بتأمل كلامه. انتهى. وقبله شيخنا العلاّمة أبو عبد الله القوري رحمه الله. قلت: وإنما يحتاج لهذا فيما وصفُه بصفةٍ مثلاً، ولم يصرح بحكم ما خلا من تلك الصفة، وأما إذا صرح بحكم الخالي منها فلم يقنع بالمفهوم كقوله: (وإن بدهن لاصق)، ثم صرّح في مقابله بحكم غير الملاصق قائلاً: (كدهن خالط)، وهو كثير في كلامه. وها هنا وجه إذ تم وسلم كان رقيق الحواشي، وهو أن يكون أراد باعتبار مفهوم الشرط اعتباراً خاصاً، زائداً على ما تقتضيه مفهومات الأوضاع اللغوية، بحيث ينزل مفهوم الشرط دون غيره منزلة المنصوص، فتنصرف إليه القيود والاستثناءات ونحوها، انصرافها للمنطوقات الملفوظ بها، وإذا حمل على هذا انحلّت به معضلات كثيرة في كلامه كقوله في باب: الجهاد: (وفِرَارٌ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ ولَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا)، وقد تكلّمنا على بعضها في محالّها. وَأُشِيرُ بِـ (صُحِّحَ) أَوِ (اسْتُحْسِنَ) إِلَى أَنَّ شَيْخاً غَيْرَ الَّذِينَ قَدَّمْتُهُمْ صَحَّحَ هَذَا أَوِ اسْتَظْهَرَهُ. قوله: (وأُشِيرَ بِصُحِّحَ أَوِ اسْتُحْسِنَ إِلَى أَنَّ شَيْخاً غَيْرَ الَّذِينَ قَدَّمْتُهُمْ صَحَّحَ هَذَا أَوِ اسْتَظْهَرَهُ) أي: يشير إلى غير الأربعة المذكورين بلفظ (صُحِحَ) أو (اسُتحسن) مبنيين للمفعول، لقصده عدم التعيين؛ ولذا نكّر (شيخاً)، والأقرب إلى الحقيقة أن التصحيح فيما يصححه الشيخ من كلام غيره، والاستحسان فيما يراه، مع احتمال الشمول فيهما، وقد يعبّر بالوصف كـ (الأصح) و (الصحيح) و (الأحسن).
وَبِـ (التَّرَدُّدِ) لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ، أَوْ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ. قوله: (وبِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ أَوْ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ) تردد المتأخرين في النقل اختلاف طرقهم في العزو للمذهب، فهو كقول غيره: وفي كذا طرق أو طريقان (¬1)، وأما ترددهم لعدم نص المتقدمين فهو أقل في كلامه كقوله في السلس: (وفِي اعْتِبَارِ الْمُلاَزَمَةِ فِي وَقْتِ الصَّلاَةِ أَوْ مُطْلَقًا تَرَدُّدٌ) وكقوله: (وفِي خُفٍّ غُصِبَ تَرَدُّدٌ) وكقوله في الحج: (وفِي رَابِغٍ تَرَدُّدٌ) وكقوله فيه: (وفِي إجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ). وينبغي أن يكون قوله: (أو لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ) معطوفاً على قوله: (في النقل)؛ فيكون المعنى: أن تردد المتأخرين مرة يكون في النقل عن المتقدمين، ومرة يكون لأجل عدم نصّ المتقدمين، فهو أولى من جعله معطوفاً على قوله: (لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ)، وإن كان متبادراً من جهة اللفظ، إذ يكون المعنى حينئذ أنه يشير بالتردد لأمرين: أحدهما: تردد المتأخرين في النقل. والثاني: عدم نصّ المتقدمين، ظاهره ولو لم يتردد المتأخرون في الأمر الثاني، وليس كذلك؛ لفقد معنى التردد الذي هو التحير، إذ لا تحير مع تحرير المتأخرين المقتدى بهم؛ ولا سيما أمثال من تقدم ذكره، وعلى التقديرين فلم يعطنا علامة نميّز بها بين الترددين، إلا أن الثاني أقل كما تقدم (¬2). وَ [أُشِيرُ] (¬3) بِـ (لَوْ) إِلَى خِلافٍ مَذْهَبِيٍّ. قوله: (وبِلَوْ إِلَى خِلاَفٍ مَذْهَبِيٍّ) يريد: أنه يشير بلو الإغيائية المقرونة بواو [النكاية، المكتفى] (¬4) عن جوابها بما قبلها إلى خلاف منسوب لمذهب مالك وشاهد الاستقراء يقضي بصحته؛ وإن لم يثبت في بعض النسخ، ولكن لا يشير بها إلا لخلاف قويٍ، ولا يطّرد ذلك ¬
في (وإن) مع أنّه كثير من كلامه (¬1). والله أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ مَنْ كَتَبَهُ، أَوْ قَرَأَهُ، أَوْ حَصَّلَهُ، أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ، واللهُ يَعْصِمُنَا مِنَ الزَّلَلِ، ويُوَفِّقُنَا فِي الْقَوْلِ والْعَمَلِ، ثُمَّ أَعْتَذِرُ لِذَوِي الأَلْبَابِ، مِنَ التَّقْصِيرِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وأَسْأَلُ بِلِسَانِ التَّضَرُّعِ والْخُشُوعِ، وخِطَابِ التَّذَلُّلِ والْخُضُوعِ، أَنْ يُنْظَرَ بِعَيْنِ الرِّضَا والصَّوَابِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ كَمِّلُوهُ، ومِنْ خَطَإٍ أَصْلِحُوهُ، فَقَلَّمَا يَخْلُصُ مُصَنِّفٌ مِنَ الْهَفَوَاتِ، أَوْ يَنْجُو مُؤَلِّفٌ مِنَ الْعَثَرَاتِ. ¬
كتاب الطهارة
[كتاب الطهارة] [باب يُرْفَعُ الْحَدَثُ وحُكْمُ الْخَبَثِ] بِالْمُطْلَقِ، وهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلا قَيْدٍ [2 / أ] وإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى، أَوْ ذَابَ بَعْدَ جُمُودِهِ أَوْ كَانَ سُؤْرَ بَهِيمَةٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ فَضْلَةَ طَهَارَتِهِمَا، أَوْ كَثِيراً خُلِطَ بِنَجِسٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ، أَوْ شُكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ، أَوْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرِهِ، وإِنْ بِدُهْنٍ لاصِقٍ أَوْ بِرَائِحَةِ قُطْرَانِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ. قوله: (أَوْ شُكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ؟) الشكّ هو: التردد بين أمرين متساويين، [3 / ب] فيخرج به التردد في ماء بئر الدور، إذا جهل سبب نتنها؛ لما يغلب على الظن أن ذلك من [المراحيض المجاورة] (¬1) لها؛ فتترك ما لم توقن السلامة، بخلاف بئر الصحراء حسبما في سماع أشهب وابن نافع (¬2). أَوْ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْهُ، أَوْ بِقَرَارِهِ كَمِلْحٍ، أَوْ بِمَطْرُوحٍ فِيهِ ولَوْ قَصْداً مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ، والأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ. قوله: (أَوْ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْهُ) كالطحلب ما لم يطبخ فيه، كذا قيّده الطرطوشي فيما ذكر ابن فرحون (¬3). وَفِي الاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إِنْ صُنِعَ تَرَدُّدٌ، لا بِمُتَغَيِّرٍ لَوْناً أَوْ طَعْماً أَوْ رِيحاً بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِباً مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ كَدُهْنٍ خَالَطَ، أَوْ بُخَارِ مُصْطَكَى، وحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ. قوله: (وفِي الاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إِنْ صُنِعَ تَرَدُّدٌ) ابن عمران فِي " شرح ابن ¬
الحاجب " (¬1): الملح غير المصنوع قسمان: ملح السباخ، وهو ما يخرج عليه الحرّ فيجمد فيصير ملحاً. وملح المعادن، وهو حجارة، فإن أراد الفقهاء المعدني هذا الثاني فقط فهو من نوع الأرض كالكبريت والزرنيخ والزاج، وإن أرادوا مع ذلك ملح السباخ ففيه نظر؛ فإنه ماء جامد فينبغي أن لا يُختلف فيه كالثلج والجليد. ويَضُرُّ بَيِّنُ تَغَيُّرٍ بِحَبْلِ سَانِيَةٍ. قوله: (ويَضُرُّ بَيِّنُ تَغَيُّرٍ بِحَبْلِ سَانِيَةٍ) الظاهر من كلام ابن رشد فِي " الأجوبة ": أن السانية (¬2) ليست مخصوصة بهذا الحكم؛ لأنه فرض ذلك فِي حبل الاستقاء وهو أعمّ، ونصّه: " وأما الماء يستقى [بالكوب] (¬3) الجديد أو الحبل الجديد فلا يجب الامتناع من استعماله فِي الطهارة إلا أن يطول مكث الماء فِي الكوب أو طرف الحبل فيه حتى يتغير من ذلك تغيراً بيّناً فاحشاً. وكذا فرضه ابن عرفة عامّاً فقال: وفِي طهورية المتغيّر بحبل استقائه؟ ثالثها: إن لَمْ يكن تغيره فاحشاً، الأول لابن [زرقون والثاني لابن الحاج] (¬4)، والثالث لفتوى ابن رشد فِي المغير به وبالكوب. كَغَدِيرٍ بِرَوْثِ مَاشِيَةٍ، أَوْ بِئْرٍ بِوَرَقِ شَجَرٍ أَوْ تِبْنٍ. قوله: (كَغَدِيرٍ بِرَوْثِ مَاشِيَةٍ أَوْ بِئْرٍ بِوَرَقِ شَجَرٍ أَوْ تِبْنٍ) ينبغي أن يكون التشبيه فيهما راجعاً لمجرد التغير، لا بقيد كونه بيناً كالمشبه [به] (¬5)، وهذا هو المساعد للمنقول؛ ألا ¬
تراهم لَمْ يذكروا فيهما قولاً بالتفصيل بين البئر وغيره، كما ذكروه فِي المشبه به؛ ولذلك قال ابن عرفة: وفيما غيّر لونه ورق، أو حشيش غالب ثالثها: يكره، الأول للعراقيين، والثاني للإبياني، والثالث قول السليمانية: تعاد الصلاة بوضوئه فِي الوقت، وروى ابن غانم فيما تغيّر لونه وطعمه، ببول ماشية ترده، وروثها: لا يعجبني الوضوء به، ولا أحرّمه. الباجي (¬1): لأنها لا تنفك عنه غالباً (¬2). كقول العراقيين فِي الورق والحشيش. اللخمي: لأنه كثير تغيّر بطاهر قليل. وجعل فِي سلب طهوريته وكراهته قولين. والأَظْهَرُ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا الْجَوَازُ، وفِي جَعْلِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ كَالْمُخَالِفِ نَظَرٌ، وفِي التَّطْهِيرِ بِمَاءٍ جُعِلَ فِي الْفَمِ قَوْلانِ، وكُرِهَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ وفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ. وَيَسِيرٌ كَآنِيَةِ وضُوءٍ، وغُسْلٍ بِنَجِسٍ لَمْ يُغَيِّرْ أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ، ورَاكِدٌ يُغْتَسَلُ فِيهِ، وسُؤْرُ شَارِبِ خَمْرٍ، ومَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، ومَا لا يَتَوَقَّى نَجِساً مِنْ مَاءٍ، لا إِنْ عَسُرَ الاحْتِرَازُ مِنْهُ، أَوْ كَانَ طَعَاماً كَمُشَمَّسٍ، وإِنْ رُؤِيَتْ عَلَى فِيهِ وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ عُمِلَ عَلَيْهَا، وإِذَا مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ بِرَاكِدٍ ولَمْ يَتَغَيَّرْ نُدِبَ نَزْحٌ بِقَدْرِهِمَا، لا إِنْ وَقَعَ مَيِّتاً. قوله: (والأَظْهَرُ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا الْجَوَازُ). قال ابن رشد فِي " الأجوبة ": سئلت عن آبار الصحاري التي تدعو الضرورة إِلَى طيّها بالخشب والعشب؛ لعدم ما تطوى به سوى ذلك، فيتغيّر لون الماء ورائحته وطعمه من ذلك، هل يجوز الغسل والوضوء به؟ فأجبت بأن ذلك جائز، ثم احتجّ له، وذكر فِي آخر احتجاجه: .... أن قول بعض المتأخرين فِي الماء المتغيّر فِي الأودية والغدر مما يسقط فيه من أوراق الشجر النابتة عليه، والتي جلبتها الرياح إليه: لا يجوز الوضوء ولا الغسل به - شاذ خارجٌ عن أصل المذهب ¬
فلا ينبغي أن يلتفت إليه، ولا يعرج عليه. انتهى (¬1). وكأنه أراد ببعض المتأخرين: الإبياني، ودل آخر كلامه أن فتياه غير قاصرة عَلَى ما تطوى به البئر من ذلك، فإطلاق المؤلف صواب. وإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجِسِ لا بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ فَاسْتُحْسِنَ الطَّهُورِيَّةُ، وعَدَمُهَا أَرْجَحُ، وقُبِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ إِنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا أَوِ اتَّفَقَا مَذْهَباً، وإِلا فَقَالَ (¬2) يُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ، ووُرُودُ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ كَعَكْسِهِ. قوله: (وإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجِسِ لاَ بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ فَاسْتَحْسِنَ الطَّهُورِيَّةُ وعَدَمُهَا أَرْجَحُ) كما عزى عدم الطهورية هنا لابن يونس، كذلك فعل فِي " التوضيح " (¬3)، وهو وهمٌ؛ فإن ابن يونس إنما قال ما نصّه: " اختلف فِي الماء المضاف: هل إِذَا زال (¬4) عين النجاسة يزول حكمها؟، والصواب أن لا يزول حكمها؛ لأن المضاف لا تؤدى به الفرائض، ولا النوافل ". وليس هذا فِي معنى مسألتنا، ولا هو منها فِي وردٍ ولا صدرٍ؛ وإنما هذا فِي غسل النجاسة بالماء المضاف؛ ولذلك كان فِي النسخ [4 / أ] العتيقة عن ابن يونس: (إِذَا أزال) بصيغة الرباعي. وأصل ما قال ابن يونس مبسوط فِي " تهذيب " عبد الحقّ، قال فيه: (أعرف بين أصحابنا اختلافاً فِي الماء المضاف تغسل به النجاسة: هل إِذَا زال (¬5) عينها يزول حكمها؟ أو يبقى الحكم؟ وهو الصواب؛ لأن هذا الماء المضاف لا تؤدى به الفرائض ولا النوافل، ¬
فكذلك لا يزيل حكم النجاسة، ومن قال إنه يرفع حكم النجاسة؛ فلضعف (¬1) أمرها إذ تزول بغير نية، وإذ ليس إزالتها بفرض مع اختلاف الناس فِي المضاف هل تجزيء به الطهارة للحدث؟ وقد نقل ذلك أبو الحسن الصغير عند قوله فِي الكتاب: ولا يزيل النجاسة من الثوب والبدن إلا الماء، وكره مالك لمن فِي فمه قطرة من دم أن ينزعه بفيه ويمجّه، بل لَمْ يعرف ذلك الإمام ابن عرفة من نقل ابن يونس ولا غيره (¬2) ممن قبل ابن بشير فقال: وقول ابن بشير فِي طهورية النجس يزول تغيّره بلا نزح: قَوْلانِ، لا أعرفه، فنفى وجدان القولين معاً فِي المذهب، وإن كان لا يلزم من عدم الوجدان عدم الوجود. ولا يلتفت لما حكى الشيخ أبو زيد الثعالبي من ردّ بعضهم عَلَى ابن عرفة بقول ابن يونس؛ لأن الرادّ مقلدٌ لخليل فِي نقله كالشارح. نعم أغفل ابن عرفة ما ذكر ابن رشد فِي رسم النسمة (¬3) من سماع عيسى (¬4) قال: روى ابن وهب وابن أبي أويس عن مالك فِي جباب تحفر بالمغرب، فتسقط فيها الميتة فيتغير لون الماء وريحه ثم يطيب الماء بعد ذلك؟ أنه لا بأس به، ظاهره بلا نزح؛ عَلَى أنه ذكر أن أبا محمد جهَّل بعضهم فِي قوله فِي ماجل (¬5) قليل الماء وقعت فيه فأرة: يطين (¬6) حتى يكثر ماؤه فيشرب. قال: فإن فعل شرب وهذا مما زال بكثرة مطلق، وقد كان صاحبنا الفقيه المحصل أبو العباس أحمد الونشريسي - حفظه الله تعالى - لما بلغه عني هذا التعقب أتاني بجزءٍ من وضع الإمام العلامة أبي عبد الله بن مرزوق عَلَى هذا المختصر، استخرجه من خزانة من هو به ¬
فصل الأعيان الطاهرة
ضنين، وأطلعني عليه فإِذَا به تعقب كلام المؤلف بنحو ما قلناه؛ فقال لي: احمد الله عَلَى موافقة نظرك لنظره، وتعلّق بحفظي من كلام ابن مرزوق ما معناه: أن المؤلف إن كان حمل كلام ابن يونس عَلَى نفس ما نحن فيه فهو وهمٌ، وإن أراد أن يقيسه عليه فهو بعيد؛ وإنما أطلت الكلام فِي هذا؛ لأن بعض فضلاء أصحابنا نازع فيه استبعاداً لتوهيم المؤلف واتباعه، والحقّ أحقُّ أن يتبع (¬1). فصل [الأعيان الطاهرة] الطَّاهِرُ مَيْتُ مَا لا دَمَ لَهُ، والْبَحْرِيُّ ولَوْ طَالَتْ حَيَاتُهُ بِبَرٍّ، ومَا ذُكِّيَ وجُزْؤُهُ، إِلا مُحَرَّمَ الأَكْلِ، وصُوفٌ، ووَبَرٌ، وزَغَبُ رِيشٍ، وشَعْرٌ ولَوْ مِنْ خِنْزِيرٍ إِنْ جُزَّتْ، والْجَمَادُ وهُوَ جِسْمٌ غَيْرُ حَيٍّ، ومُنْفَصِلٍ عَنْهُ إِلا الْمُسْكِرَ، والْحَيُّ ودَمْعُهُ وعَرَقُهُ ولُعَابُهُ ومُخَاطُهُ وبَيْضُهُ ولَوْ أَكَلَ نَجِساً، إِلا المَذِرَ، والْخَارِجَ بَعْدَ الْمَوْتِ، ولَبَنُ آدَمِيٍّ إِلا الْمَيِّتَ، ولَبَنُ غَيْرِهِ تَابِعٌ، وبَوْلٌ، وعَذِرَةٌ مِنْ مُبَاحٍ إِلا الْمُتَغَذِّي بِنَجِسٍ، وقَيْءٌ، إِلا الْمُتَغَيِّرُ عَنِ الطَّعَامِ، وصَفْرَاءُ، وبَلْغَمٌ، ومَرَارَةُ مُبَاحٍ، ودَمٌ لَمْ يُسْفَحْ، ومِسْكٌ وفَأْرَتُهُ، وزَرْعٌ بِنَجِسٍ، وخَمْرٌ تَحَجَّرَ أَوْ خُلِّلَ. والنَّجِسُ مَا اسْتُثْنِيَ، ومَيْتُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ ولَوْ قَمْلَةً أَوْ آدَمِيَّاً، والأَظْهَرُ طَهَارَتُهُ، ومَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ ومَيْتٍ مِنْ قَرْنٍ وعَظْمٍ وظِلْفٍ وعَاجٍ وظُفُرٍ وقَصَبَةِ رِيشٍ وجِلْدٍ ولَوْ دُبِغَ ورُخِّصَ فِيهِ مُطْلَقاً إِلا مِنْ خِنْزِيرٍ بَعْدَ دَبْغِهِ فِي يَابِسٍ [2 / ب] ومَاءٍ، وفِيهَا كَرَاهَةُ الْعَاجِ، والتَّوَقُّفُ فِي الْكَيْمَخْتِ، ومَنِيٌّ ومَذْيٌ، ووَدْيٌ، وقَيْحٌ، وصَدِيدٌ، ورُطُوبَةُ فَرْجٍ، ودَمٌ مَسْفُوحٌ، ولَوْ مِنْ سَمَكٍ وذُبَابٍ، وسَوْدَاءُ، ورُمَادُ نَجِسٍ ودُخَانُهُ، وبَوْلٌ، وعَذِرَةٌ مِنْ آدَمِيٍّ، ومُحَرَّمٍ ومَكْرُوهٍ، ويَنْجُسُ كَثِيرُ طَعَامٍ مَائِعٍ بِنَجَسٍ قَلَّ كَجَامِدٍ، إِنْ أَمْكَنَ السَّرَيَانُ وإِلا فَبِحَسَبِهِ. ولا يَطْهُرُ زَيْتٌ خُولِطَ ولَحْمٌ طُبِخَ وزَيْتُونٌ مُلِّحَ وبَيْضٌ صُلِقَ بِنَجِسٍ، وفَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ، ويُنْتَفَعُ بِمُتَنَجِّسٍ لا نَجِسٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وآدَمِيٍّ، ولا يُصَلَّى بِلِبَاسِ كَافِرٍ، بِخِلافِ نَسْجِهِ، ولا بِمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ ولا بِثِيَابِ غَيْرِ مُصَلٍّ إِلا لِرَأْسِهِ، ولا بِمُحَاذِي فَرْجِ غَيْرِ عَالِمٍ، وحَرُمَ اسْتِعْمَالُ ذَكَرٍ مُحَلًّى (¬2)، ولَوْ مِنْطَقَةً، وآلَةِ حَرْبٍ؛ إِلا الْمُصْحَفَ، ¬
والسَّيْفَ، والأَنْفَ، ورَبْطَ سِنٍّ مُطْلَقاً، وخَاتَمَ الْفِضَّةِ لا مَا بَعْضُهُ ذَهَبٌ ولَوْ قَلَّ، وإِنَاءُ نَقْدٍ، واقْتِنَاؤُهُ وإِنْ لامْرَأَةٍ، وفِي الْمُغَشَّى والْمُمَوَّهِ والْمُضَبَّبِ وذِي الْحَلْقَةِ وإِنَاءِ الْجَوْهَرِ قَوْلانِ، وجَازَ لِلْمَرْأَةِ الْمَلْبُوسُ مُطْلَقاً ولَوْ نَعْلاً لا كَسَرِيرٍ. قوله: (وَلاَ يَطْهُرُ زَيْتٌ خُولِطَ ولَحْمٌ طُبِخَ وزَيْتُونٌ مُلِّحَ وبَيْضٌ صُلِقَ بِنَجِسٍ وفَخَّارٌ بِغَوَّاصٍ)، أمّا زيت خولط بنجس ففي تطهيره بطبخه بماء مرتين (¬1) أو ثلاثاً ثالثها إن كثر، ورابعها (¬2) إن تنجس بماء ماتت فيه دابّة لا بموتها فِي الزيت، فالأول لسماع أصبغ عن ابن القاسم عن مالك، وفتيا ابن اللباد، والثاني للباجي عن ابن القاسم، والثالث لأصبغ، والرابع لابن الماجشون ويحيي ابن عمر، وأمّا لحم (¬3) طبخ بنجس أو وقعت فيه نجاسة ففي تطهيره ثالثها: إن وقعت بعد طيبه، فالأول لسماع موسى (¬4) من ابن القاسم، والثاني لسماع أشهب (¬5)، والثالث نقله ابن رشد عن الحنفي، واختاره وتبعه ابن زرقون، وهو قصور؛ لأن عبد الحقّ وابن يونس نقلاه عن السليمانية. وأمّا زيتون مُلّح بنجس فخرّجه اللخمي عَلَى الروايتين فِي اللحم، وروى إسماعيل طرحه؛ لسقوط فأرة فيه، وقال سحنون: إن تنجس زيتون (¬6) قبل طيبه طرح وبعده غسل وأكل. ¬
فصل حكم إزالة النجاسة
وأمّا (¬1) بيض سلق بنجس: فقال ابن القاسم وابن وهب: لا تؤكل بيضة طبخت مع أخرى فيها فرخ لسقيها إياها، وقال اللخمي: تؤكل السليمة عَلَى أحد قولي مالك فِي اللحم وصوّبه؛ لأن صحيح البيض لا ينفذه مائع وأمّا فخّار بغواص فحكى الباجي فِي تطهير آنية الخمر يطبخ ماء فيها: روايتين، هذا تحصيل ابن عرفة؛ إلا أنه فِي النسخ التي بأيدينا عزى مثل قول ابن اللباد لسماع ابن القاسم، وإنما هو فِي سماع أصبغ بلاغ عن مالك (¬2). فإن قلت: ما الذي درج عليه المؤلف؟ قلت: عدم طهورية الجميع مطلقاً فإن قلت قد يتلمح من قوله: (ولَحْمٌ طُبِخَ [4 / ب] وزَيْتُونٌ مُلِّحَ) أن ما وقع فيهما بعد الطبخ والملح لا يضر، فكأنه عَلَى القول الثالث فيهما؟ قلت: يأبى ذلك اعتماده فِي " التوضيح " تشهير ابن بشير عدم الطهورية فِي هذا الأصل قال: وبناه عَلَى خلاف فِي شهادة (¬3). فصل [حكم إزالة النجاسة] هَلْ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ ثَوْبِ مُصَلٍّ ولَوْ طَرَفَ عِمَامَتِهِ وبَدَنِهِ ومَكَانِهِ لا طَرَفَ حَصِيرِهِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ إِنْ ذَكَرَ وقَدَرَ؟، وإِلا أَعَادَ الظُّهْرَيْنِ لِلاصْفِرَارِ؟ خِلافٌ. وسُقُوطُهَا فِي صَلاةٍ مُبْطِلٌ. قوله: (وسُقُوطُهَا فِي صَلاةٍ مُبْطِلٌ) أي: وسقوط النجاسة عليه وهو فِي الصلاة مبطل لها، قال سحنون: من ألقي عليه ثوبٌ نجس فِي الصلاة، ثم سقط عنه فأرى أن يبتديء. قال الباجي: وهذا عَلَى رواية ابن القاسم (¬4). ¬
كَذِكْرِهَا فِيهَا. قوله: (كَذِكْرِهَا فِيهَا) أي: كما أن ذكر نجاسة فِي الصلاة بثوب أو بدن مبطل لها، وهو مذهب " المدوّنة " فيقطع. قال فِي غيرها: ولو كان مأموماً، وهو تفسير، وكلُّ هذا إِذَا كان الوقت متسعاً، وأما مع ضيقه فقال ابن هارون: لا يختلفون فِي التمادي إِذَا خشي فوات الوقت؛ لأن المحافظة عَلَى الوقت أولى من النجاسة. وعلى هذا لو رآها وخشي فوات الجمعة أو الجنازة أو العيدين لتمادي لعدم قضاء هذه الصلوات، وفِي الجمعة نظر إِذَا قلنا إنها بدل، وقال فِي " التوضيح ": واقتضى قوله: (كذكرها فيها) أن مجرد الذكر مبطل؛ فعلى هذا لو ذكرها أو رآها فيها فهمَّ بالقطع ثم نسي فتمادى لبطلت، وكذا نصّ عليه ابن حبيب. قال فِي " التوضيح ": وهو الجاري عَلَى مذهب " المدوّنة "، واختار ابن العربي عدم البطلان. لا قَبْلَهَا. قوله: (لا قَبْلَهَا) أي: لا إن رآها قبل الدخول فِي الصلاة، فإن ذلك لا أثر له فِي البطلان، ولكنه كمن لَمْ يرها عَلَى المعروف فيعيد فِي الوقت (¬1). أَوْ كَانَتْ أَسْفَلَ نَعْلٍ فَخَلَعَهَا وعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ كَحَدَثِ مُسْتَنْكِحٍ (¬2)، وبَلَلِ بَاسُورٍ فِي يَدٍ إِنْ كَثُرَ الرَّدُّ، أَوْ ثَوْبٍ وثَوْبِ مُرْضِعَةٍ تَجْتَهِدُ، ونُدِبَ لَهَا ثَوْبٌ لِلصَّلاةِ، ودُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقاً، وقَيْحٍ، وصَدِيدٍ، وبَوْلِ فَرَسٍ لِغَازٍ بِأَرْضِ حَرْبٍ وأَثَرِ ذُبَابٍ مِنْ عَذِرَةٍ، ومَوْضِعِ حِجَامَةٍ، مُسِحَ. فَإِذَا بَرِئَ غَسَلَ وإِلا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وأُوِّلَ بِالنِّسْيَانِ، وبِالإِطْلاقِ، وكَطِينِ مَطَرٍ. قوله: (أَوْ كَانَتْ أَسْفَلَ نَعْلٍ فَخَلَعَهَا)، يقبل صورتين إحداهما ما فِي " الذخيرة " عن ¬
أبي (¬1) العباس الإبياني قال: إِذَا كان أسفل نعله نجاسة فنزعه ووقف عليه جاز كظهر حصير، والثانية: ما ذكر المازري عن بعضهم: أن من علم بنعله نجاسة وهو فِي الصلاة فأخرج رجله دون تحريك صحت صلاته. قلت: لكن يرجّح أنه أراد الأولى فقط اقتصاره عليها فِي " التوضيح " (¬2)، وتقييده هنا النجاسة بالأسفلية، وكونه لَمْ يشترط عدم التحريك، وعدم مناقضة ما تقدم فِي سقوطها وذكرها فيها (¬3). والله سبحانه أعلم وإِنِ اخْتَلَطَتِ الْعَذِرَةُ بِالْمُصِيبِ، لا إِنْ غَلَبَتْ، وظَاهِرُهَا الْعَفْوُ، ولا إِنْ أَصَابَ عَيْنَهَا، وذَيْلِ امْرَأَةٍ مُطَالٍ لِلسِّتْرِ ورِجْلٍ بُلَّتْ يَمُرَّانِ بِنَجِسٍ يَابِسٍ يَطْهُرَانِ بِمَا بَعْدَهُ، وخُفٍّ ونَعْلٍ مِنْ رَوَثِ دَوَابَّ، وبَوْلِهَا إِنْ دُلِكَا لا غَيْرِهِ، فَيَخْلَعُهُ الْمَاسِحُ لا مَاءَ مَعَهُ، ويَتَيَمَّمُ، واخْتَارَ اللَّخْمِيُّ (¬4) إِلْحَاقَ رِجْلِ الْفَقِيرِ، وفِي غَيْرِهِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلانِ، ووَاقِعٍ عَلَى مَارٍّ، وإِنْ سَأَلَ صُدِّقَ الْمُسْلِمُ. وكَسَيْفٍ صَقِيلٍ لإِفْسَادِهِ مِنْ دَمٍ مُبَاحٍ، وأَثَرِ دُمَّلٍ لَمْ يُنْكَأْ، ونُدِبَ إِنْ تَفَاحَشَ كَدَمِ بَرَاغِيثَ إِلا فِي صَلاةٍ. قوله: (وَلا إِنْ أَصَابَ عَيْنَهَا) إنما أخّرَه لئلا ينطبق عليه قوله: (وظاهرها العفو)، وقد قال فِي " التوضيح ": يبعد وجود الخلاف فِي ذلك (¬5). ويَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجِسِ بِلا نِيَّةٍ بِغَسْلِهِ إِنْ عُرِفَ، وإِلا فَبِجَمِيعِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَكُمَّيْهِ بِخِلافِ ثَوْبَيْهِ فَيَتَحَرَّى بِطَهُورٍ مُنْفَصِلٍ كَذَلِكَ ولا يَلْزَمُ عَصْرُهُ مَعَ زَوَالِ [3 / أ] طَعْمِهِ، لا لَوْنٍ ورِيحٍ عَسُرَا (¬6) والْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ نَجِسَةٌ، ولَوْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ لَمْ يَتَنَجَّسْ مُلاقِي مَحَلِّهَا، وإِنْ شَكَّ فِي إِصَابَتِهَا لِثَوْبٍ وَجَبَ ¬
نَضْحُهُ، وإِنْ تَرَكَ أَعَادَ الصَّلاةَ كَالْغُسْلِ، وهُوَ رَشٌّ بِالْيَدِ بِلا نِيَّةٍ لا إِنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ أَوْ فِيهِمَا. قوله: (بِخِلافِ ثَوْبِهِ فَيَتَحَرَّى)، هذا الذي صحح ابن العربي، وفِي " النوادر عن سحنون وابن الماجشون يصلي بهما، وعن ابن (¬1) مسلمة يصلي بها ما لَمْ تكثر، هذا تحصيل ابن عرفة قال فِي " التوضيح ": والفرق عَلَى المشهور بين الأواني والثياب خفَّة النجاسة للاختلاف فيها، بخلاف الأواني، إذ لا خلاف فِي اشتراط المطلق فِي رفع الحدث. قال: ونصّ سند عَلَى أنه يتحرى فِي الثوبين عند عدم ما يغسلهما به، خلاف ظاهر كلام ابن شاس وابن الحاجب. انتهي (¬2). وقد أغفلوا كلهم حتى ابن عرفة ما فِي سماع أبي زيد بن أبي الغمر من كتاب الصلاة، ونصّه: " قال ابن القاسم فيمن حضرته الصلاة فِي سفر وليس معه إلا ثوبان أصابت إحدهما نجاسة لا يدري أيهما هو؟ قال: يصلي فِي أحدهما ثم يعيد فِي الآخر مكانه. وقد بلغني عن مالك أنه قال: يصلي فِي واحد منهما ويعيد ما كان فِي الوقت إن وجد ثوباً، كما قال فِي الثوب يعني الواحد: ولست أنا أرى ذلك؛ ولكن يصلي فِي أحدهما ثم يعيد فِي الآخر مكانه، ثم لا إعادة عليه فِي وقت ولا غيره، وإن وجد غيرهما. قال ابن رشد: قول ابن القاسم استحسان؛ لأنه إِذَا صلى بأحد الثوبين ثم أعاد بالآخر مكانه فقد تيقن أن إحدى صلاتيه قد حصلت بثوبٍ طاهر، وفيه نظر؛ لأنه إِذَا صلى فِي أحدهما عَلَى أن يعيد فِي الآخر، فلم يعزم فِي صلاته فيه عَلَى أنها فرضه إِذَا صلى بنية الإعادة، فحصلت النية غير مخلصة فيها للفرض، وكذلك إِذَا أعادها فِي الآخر لَمْ تخلص النية فِي إعادته للفرض؛ لأنه إنما نوى أنها صلاته إن كان هذا الثوب هو الثوب الطاهر، ¬
وقول مالك [أصحّ] (¬1) وأظهر من جهة (¬2) النظر والقياس؛ لأنه يصلي فِي أحدهما عَلَى أنه فرضه فتجزئه صلاته، إذ لو لَمْ يكن له غيره فصلى به وهو عالم بنجاسته لأجزأته صلاته، ثم إن وجد فِي الوقت ثوباً طاهراً أعاد استحباباً. انتهى. وانظر: هل يمكن أن يكون معنى قول مالك: يصلي فِي واحد منهما بعد أن يتحراه. والإعادة الوقتية لا تنافيه، فيقرب القَوْلانِ من القولين، وفِي هذه الرواية مستند لسند فِي اختصاص التحري بالضرورة (¬3). والله سبحانه أعلم. وهَلِ الْجَسَدُ كَالثَّوْبِ، أَوْ يَجِبُ غَسْلُهُ؟ خِلافٌ. قوله: (وهَلِ الْجَسَدُ كَالثَّوْبِ أَوْ يَجِبُ غَسْلُهُ خِلافٌ) وسكت عن البقعة قال ابن عرفة: قال بعض شيوخ شيوخنا: والبقعة تغسل اتفاقاً؛ ليسر الانتقال المحقق. وقال [5 / أ] بعض شيوخنا الفاسيين: كالجسد، ونقله عن " قواعد " عياض. انتهى. قلت: بل ظاهر " قواعد " عياض أن البقعة كالثوب، [وبغسلها اتفاقاً قطع الشرمساحي] (¬4). ¬
فصل فرائض الوضوء، وسننه، وفضائله
وإِذَا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِمُتَنَجِّسٍ أَوْ نَجِسٍ، صَلَّى بِعَدَدِ النَّجِسِ وزِيَادَةِ إِنَاءٍ. ونُدِبَ غَسْلُ إِنَاءِ مَاءٍ ويُرَاقُ لا طَعَامٍ وحَوْضٍ تَعَبُّداً سَبْعاً بِوُلُوغِ كَلْبٍ مُطْلَقاً، لا غَيْرِهِ عِنْدَ قَصْدِ الاسْتِعْمَالِ بِلا نِيَّةٍ ولا تَتْرِيبٍ (¬1)، ولا يَتَعَدَّدُ بِوُلُوغِ كَلْبٍ أَوْ كِلابٍ. قوله: (وإِذَا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِمُتَنَجِّسٍ، أَو نَجِسٍ صَلَّى بِعَدَدِ النَّجِسِ وزِيَادَةِ إنَاءٍ) فهم الشارح هنا، وفِي " الشامل ": أن هذا القول مغاير للقول: بأنه يتوضأ ويصلي حتى تفرغ، وهو وهم اغترّ فيه بكلام ابن عبد السلام، وقد تعقبه ابن عرفة وقال فِي " التوضيح ": إنما ينبغي أن يكون محل الأقوال التي ذكر ابن الحاجب إِذَا لَمْ يتحقق (¬2) عدد النجس من الطاهر أو تعدد النجس واتحد الطاهر (¬3). فصل [فرائض الوضوء، وسننه، وفضائله] فَرَائِضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ مَا بَيْنَ الأُذُنَيْنِ ومَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ، والذَّقْنِ، وظَاهِرِ اللِّحْيَةِ، فَيَغْسِلُ الْوَتَرَةَ، وأَسَارِيرَ جَبْهَتِهِ، وظَاهِرَ شَفَتَيْهِ، بِتَخْلِيلِ شَعْرٍ تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ تَحْتَهُ، لا جُرْحاً بَرِئَ، أَوْ خُلِقَ غَائِراً، ويَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ وبَقِيَّةُ مِعْصَمٍ إِنْ قُطِعَ، كَكَفٍّ بِمَنْكِبٍ بِتَخْلِيلِ أَصَابِعِهِ لاَ إجَالَةُ خَاتَمِهِ ونَقضَ غَيْرُهُ ومَسْحُ مَا عَلَى الْجُمْجُمَةِ بِعَظْمِ صُدْغَيْهِ مَعَ الْمُسْتَرْخِي، ولا يَنْقُضُ ظَفْرَهُ رَجُلٌ ولا امْرَأَةٌ ويُدْخِلانِ يَدَيْهِمَا تَحْتَهُ فِي رَدِّ الْمَسْحِ، وغَسْلُهُ مُجْزِئٌ، وغَسْلُ رِجْلَيْهِ بِكَعْبَيْهِ النَّاتِئَيْنِ بِمِفْصَلَي السَّاقَيْنِ، ونُدِبَ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِمَا، ولا يُعِيدُ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وفِي لِحْيَتِهِ قَوْلانِ، والدَّلْكُ، وهَلِ الْمُوَالاةُ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وقَدَرَ؟ وبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسِيَ مُطْلَقًا، وإِنْ عَجَزَ بَنَى مَا لَمْ يَطُلْ بِجَفَافِ أَعْضَاءٍ بِزَمَنٍ اعْتَدَلا أَوْ سُنَّةٌ؟ خِلافٌ. ¬
قوله: (لا إجَالَةُ خَاتَمِهِ ونَقض غَيْرُهُ) (نَقضَ) بالضاد المعجمة فعل مبني للفاعل أو للنائب وهذا أمثل ما يضبط به وأبعد من التكلّف، والضمير فِي قوله (غَيْرُهُ) للخاتم، وهو من صيغ العموم، إذ هو اسم جنس أضيف أي: ونقض ونزع غير الخاتم من كلِّ حائل فِي يد أو غيرها، فيندرج فيه ما يجعله الرماة. وغيرهم فِي أصابعهم من عظمٍ ونحوه، وما يزين به النساء وجوههن [وأصابعهن] (¬1) من النقط الذي له تجسّد، وما يكثّرن به شعورهن من الخيوط، وما يكون فِي شعر الرأس من حناء وحلتيت (¬2) أو غيرهما، مما له تجسّد، أو ما يلصق بالظفر أو الذراع أو غيرهما من عجين، أو زفت أو شمع أو نحوها. وكونه لَمْ يذكر شيئاً من هذه الأمور بعينه فِي هذا المختصر دليل عَلَى صحة هذا الضبط، وإرادة هذا العموم أو بعضه؛ ولا سيما الحناء فإنه سكت عن تعيينه مع كونه فِي " المدوّنة " و " مختصر " ابن الحاجب، ومشاهير الكتب، وما كان هكذا لا يسكت عنه غالباً إلاّ إِذَا أدرجه فِي عموم. فإن قلت: لما تحدّث ابن رشد عَلَى الخاتم فِي رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم - ذكر فِي من توضأ، وقد لصق بظفره أو بذراعه الشيء اليسير من العجين أو القير أو الزفت قولين، وقال: الأظهر منهما تخفيف ذلك عَلَى ما قاله أبو زيد بن أبي أمية فِي بعض روايات " العتبية " ومحمد بن دينار فِي المدوّنة [المدنية] (¬3) خلاف قول ابن القاسم فِي " المدوّنة "، وظاهر قول أشهب فِي بعض روايات " العتبية " قلت: لا خفاء أن هذا فِي اليسير بعد الوقوع، وأما ابتداءً فلابد من إزالته، وكون ابن رشد ذكر هذا الفرع عند كلامه عَلَى الخاتم مما يؤيد ما حملنا عليه لفظ المؤلف، وأما المداد (¬4) ¬
فقال أبو محمد (¬1) عن ابن القاسم: من توضأ عَلَى مداد بيده أجزأه، وعزاه فِي " الطراز " لرواية محمد، وقال أبو القاسم بن الكاتب: قيّده بعض شيوخنا برقّته، وعدم تجسّده إذ هو مداد من مضى، وأجاز فِي سماع أشهب وابن نافع اختضاب الحائض والمرأة الجنب. ابن رشد: لأن الخضاب لا يمنع رفع غسلهما حدثهما، وفِي " الطراز ": إن كان الحناء بباطن الشعر لَمْ يمنع المسح كالتلبيد، وقبله ابن عرفة (¬2). ونِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عِنْدَ وَجْهِهِ أَوِ الْفَرْضِ أَوِ اسْتِبَاحَةِ مَمْنُوعٍ وإِنْ مَعَ تَبَرُّدٍ أَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ الْمُسْتَبَاحِ أَوْ نَسِيَ حَدَثًا لا [إِنْ] (¬3) أَخْرَجَهُ أَوْ نَوَى مُطْلَقَ الطَّهَارَةِ أَوِ اسْتِبَاحَةَ (¬4) مَا نُدِبَتْ لَهُ. قوله: (أَوْ نَوى مُطْلَقَ الطَّهَارَةِ)، يعني: أن من نوى بفعله الطهارة المطلقة، [مثل أن يتطهر وينوي الطهارة، ولَمْ ينوي أي الطهارة هي، أصغرى أو الكبرى أو طهارة الماء أو الترابية يعني] (¬5) فإن ذلك لا يرفع عنه الحدث؛ لأن الطهارة قسمان: طهارة نجس، وطهارة حدث، فإِذَا قصد قصداً مطلقاً وأمكن انصرافه للنجس لَمْ يرتفع حدثه أي: [لأن النية لَمْ تتعلق جزماً بالعرف المقصود] (¬6)، قاله المازري وقبله ابن عرفة، والمؤلف فِي " التوضيح " (¬7). ¬
أَوْ قَالَ إِنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَلَهُ، أَو جَدَّدَ فَتَبَيَّنَ حَدَثَهُ، أَوْ تَرَكَ لُمْعَةً فَانْغَسَلَتْ بِنِيَّةِ الْفَضْلِ أَوْ فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى الأَعْضَاءِ، والأَظْهَرُ فِي الأَخِيرِ الصِّحَّةُ وعُزُوبُهَا بَعْدَهُ ورَفْضُهَا مُغْتَفَرٌ، وفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ؛ خِلافٌ. وسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلاً ثَلاثًا تَعَبُّدًا بِمُطْلَقٍ ونِيَّةٍ ولَوْ نَظِيفَتَيْنِ أَو أحدثَ فِي أَثْنَائِهِ مُفْتَرِقَتَيْنِ ومَضْمَضَةٌ واسْتِنْشَاقٌ وبَالَغَ مُفْطِرٌ وفِعْلُهُمَا بِسِتٍّ أَفْضَلُ، وجَازَا أَو احدهُمَا بِغَرْفَةٍ، واسْتِنْثَارٌ ومَسْحُ وَجْهَيْ كُلِّ أُذُنٍ، وتَجْدِيدُ مَائِهِمَا ورَدُّ مَسْحِ رَأْسِهِ، وتَرْتِيبُ فَرَائِضِهِ، فَيُعَادُ الْمُنَكَّسُ وَحْدَهُ إِنْ بَعُدَ بِجَفَافٍ، وإِلا مَعَ [3 / ب] تَابِعِهِ ومَنْ تَرَكَ فَرْضاً أَتَى بِهِ، وبِالصَّلاةِ وسُنَّةً فَعَلَهَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ وفَضَائِلُهُ مَوْضِعٌ طَاهِرٌ، وقِلَّةُ مَاءٍ بِلا حَدٍّ كَالْغُسْلِ، وتَيَمُّنُ أَعْضَاءٍ، وإِنَاءٍ إنْ فُتِحَ وبَدْءٌ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وشَفْعُ غَسْلِهِ، وتَثْلِيثُهُ، وهَلِ الرِّجْلانِ كَذَلِكَ أَوِ الْمَطْلُوبُ الإِنْقَاءُ؟ وهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ؟ خِلافٌ. وتَرْتِيبُ سُنَنِهِ أَوْ مَعَ فَرَائِضِهِ وسِوَاكٌ وإِنْ بِأَصْبُعٍ كَصَلاةٍ بَعُدَتْ مِنْهُ، وتَسْمِيَةٌ، وتُشْرَعُ فِي غُسْلٍ وتَيَمُّمٍ، وأَكْلٍ وشُرْبٍ وذَكَاةٍ ورُكُوبِ دَابَّةٍ وسَفِينَةٍ، ودُخُولٍ وضِدِّهُ لِمَنْزِلٍ، ومَسْجِدٍ ولُبْسٍ وغَلْقِ بَابٍ وإِطْفَاءِ مِصْبَاحٍ ووَطْءٍ، وصُعُودِ خَطِيبٍ مِنْبَراً، وتَغْمِيضِ مَيْتٍ ولَحْدِهِ، ولا تُنْدَبُ إِطَالَةُ الْغُرَّةِ ومَسْحُ الرَّقَبَةِ وتَرْكُ مَسْحِ الأَعْضَاءِ، وإِنْ شَكَّ فِي ثَالِثَةٍ فَفِي كَرَاهَتِهَا قَوْلانِ، قَالَ: كَشَكِّهِ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ هَلْ هُوَ الْعِيدُ. قوله: (أَوْ قَالَ إِنْ كُنْتُ أَحْدَثْتُ فَلَهُ) يعني: أن من تطّهر وقال: إن كنت أحدثت فهذا الطهر لذلك الحدث، ثم تبين أنه كان محدثاً فإنه لا يجزيه. رواه عيسى عن ابن القاسم، وقال عيسى من رأيه: يجزيه. فقال الباجي: أما عَلَى القول بوجوب غسل الشاكّ فيجزيه اتفاقاً، وأما عَلَى استحبابه فالقَوْلانِ، ونحوه لأبي إسحاق التونسي وعبد الحق. وقال ابن عرفة: لعلّ سماع عيسى فِي الوهم لا الشكّ، والظنّ باقٍ فِي الأول لا الثاني؛ ولذا قال اللخمي: من شكّ هل أجنب أم لا؟ اغتسل. ويختلف: هل ذلك واجب أو استحباب؟ كمن أيقن بالوضوء وشكّ فِي الحدث فإن اغتسل ثم ذكر أنه كان جنباً أجزأه غسله ذلك، وهو بمنزلة من شكّ هل أحدث أم لا فتوضأ ثم ذكر أنه كان محدثاً، وبمنزلة من شكّ فِي الظهر فصلاها ثم ذكر أنه لَمْ يكن صلاها فإن صلاته تلك تجزيه، وإن قال: أنا
باب الاستنجاء
أتخوّف أن أكون أجنبت وليس لشكٍ عنده إلا أنه يقول: يمكن أن يكون ونسيت، لَمْ يكن عليه غسل، فإن اغتسل ثم ذكر أنه كان جنباً اغتسل، ولَمْ يجزه الغسل الأول. انتهى. وقد ظهر من هذا: أن الرواية إن كانت فِي الشكّ فهي مفرعة عَلَى القول باستحباب طهر الشاكّ، وإلاّ فهي فِي الوهم والتجويز العقلي (¬1). [باب الاستنجاء] نُدِبَ لِقَاضِي الْحَاجَةِ جُلُوسٌ، ومُنِعَ بِرَخْوٍ نَجِسٍ واعْتِمَادُه عَلَى رِجْلٍ، واسْتِنْجَاءٌ بِيَدٍ يُسْرَيَيْنِ وبَلُّهَا قَبْلَ لُقِيِّ الأَذَى، وغَسْلُهَا بِكَتُرَابٍ بَعْدَهُ، وسَتْرٌ إِلَى مَحِلِّهِ وإِعْدَادُ مُزِيلِهِ، ووِتْرُهُ وتَقْدِيمُ قُبُلِهِ وتَفْرِيجُ فَخِذَيْهِ، واسْتِرْخَاؤُهُ، وتَغْطِيَةُ رَأْسِهِ وعَدَمُ الْتِفَاتِهِ، وذِكْرٌ وِرْدَ قَبْلَهُ وبَعْدَهُ، فَإِنْ فَاتَ فَفِيهِ إنْ لَمْ يَعُدْ، وسُكُوتٌ إِلا لِمُهِمٍّ وبِالْفَضَاءِ تَسَتُّرٌ وبُعْدٌ، واتِّقَاءُ جُحْرٍ ورِيحٍ ومَوْرِدٍ وطَرِيقٍ وظِلٍّ وشَطٍّ ومَاءٍ دَائِمٍ، وصُلْبٍ وبِكَنِيفٍ [نجس] (¬2) نَحَّى ذِكْرَ اللهِ ويُقَدِّمُ يُسْرَاهُ دُخُولاً ويُمْنَاهُ خُرُوجاً عَكْسَ مَسْجِدٍ والْمَنْزِلُ يُمْنَاهُ بِهِمَا، وجَازَ بِمَنْزِلٍ وَطْءٌ وبَوْلٌ وغَائِطٌ، مُسْتَقْبِلَ قِبْلَةٍ ومُسْتَدْبِراً، وإِنْ لَمْ يَلْجَأْ أُوِّلَ بِالسَّاتِرِ وبِالإِطْلاقِ لا فِي الْفَضَاءِ، وبِسِتْرٍ قَوْلانِ، تَحْتَمِلُهُمَا، والْمُخْتَارُ التَّرْكُ لا الْقَمَرَيْنِ وبَيْتِ الْمَقْدِسِ ووَجَبَ اسْتِبْرَاءٌ بِاسْتِفْرَاغِ أَخْبَثَيْهِ مَعَ سَلْتِ (¬3) ذَكَرٍ ونَتْرٍ خَفَّا (¬4)، ونُدِبَ جَمْعُ مَاءٍ وحَجَرٍ، ثُمَّ مَاءٌ وتَعَيَّنَ فِي مَنِيٍّ وحَيْضٍ ونِفَاسٍ وبَوْلِ امْرَأَةٍ، ومُنْتَشِرٍ عَنْ مَخْرَجٍ كَثِيراً ومَذْيٍ بِغَسْلِ ذَكَرِهِ كُلِّهِ، فَفِي النِّيَّةِ وبُطْلانِ صَلاةِ تَارِكِهَا أَوْ تَارِكِ كُلِّهِ قَوْلانِ، ولا يُسْتَنْجَى مِنْ رِيحٍ، وجَازَ بِيَابِسٍ طَاهِرٍ مُنْقٍ غَيْرِ مُؤْذٍ، ولا مُحْتَرَمٍ ولا مُبْتَلٍّ ونَجِسٍ وأَمْلَسَ ومُحَدَّدٍ ومُحْتَرَمٍ مِنْ مَطْعُومٍ ومَكْتُوبٍ وذَهَبٍ وفِضَّةٍ وجِدَارٍ ورَوْثٍ وعَظْمٍ، فَإِنْ أَنْقَتْ أَجْزَأَتْ كَالْيَدِ، ودُونَ الثَّلاثِ. قوله: (وَشَطٍّ ومَاءٍ دَائِمٍ، وصُلْبٍ) سقط الأولان من بعض النسخ (¬5)، فأمّا الشط: فهو ¬
شاطيء النهر والبحر؛ عَلَى أنه إنما ذكر فِي التلقين شاطيء النهر، وعبّر عنه ابن عرفة بضفة الوادي وقربه، وأمّا المورد الذي ذكر قبل هذا فهو موضع ورود الماء من الأنهار والعيون والآبار، وأمّا الماء الدائم [5 / ب] أي: الراكد فظاهر كلامه أنه يتقيه وإن (¬1) كثر، وبه صدّر ابن عرفة، وفِي " التلقين ": إلا أن يكون كثيراً جداً كالمستبحر، وصرّحوا بجوازه فِي الجاري، وهذا ما لَمْ يكن فيه ضرر. ففي " أجوبة " ابن رشد: أنه سئل عن ماءٍ جارٍ فِي جنات وعليه أرحاء وأهل الجنات يسقون به ثمارهم، ويصرفون ما يحتاجون منه لمنافعهم وشربهم فبنى بعضهم عليه كرسياً للحدث، [واحتجّ] (¬2) بأن ذلك لا يغيّره لكثرته، وقال الآخرون: إنه وإن لَمْ يغيّره فإنه يقذره ويعيفه، وربما رسبت الأقذار فِي قراره وذلك مما ينغصه علينا هل لهم فِي ذلك مقال؟، وما تراه إن سكت أصحاب هذا الماء عنه، هل للحاكم النظر فيه؟؛ إذ قد ينتفع به جماعة المسلمين خارج الجنات، أم يسعه السكوت عنه؟. فأجاب رحمه الله: الحكم بقطع هذا الضرر واجب، والقضاء به لازم، قام بذلك بعض أهل الجنات، أو من سواهم بالحسبة، وعَلَى الحاكم أن ينظر فِي ذلك إِذَا اتصل به الأمر، وإن لَمْ يقم عنده فيه قائم؛ بأن يبعث إليه العدول فإِذَا شهدوا عنده به قضى بتغييره؛ لما فِي ذلك من الحقّ لجماعة المسلمين خارج الجنات، ولا يسعه السكوت عن ذلك. وأمّا الموضع الصلب: فإن كان نجساً اتقاه مطلقاً، وإن كان طاهراً فلا يبول فيه قائماً كما قال فِي " المدوّنة ": وأكرهه فِي بموضعٍ يتطاير فيه، وليبلْ جالساً ومثله فِي " التلقين " وغيره وقد قسّمه الباجي إلي أربعة أقسام فقال: إن كان طاهراً رخواً جاز القيام، والجلوس أولى؛ لأنه أستر، وإن كان نجساً رخواً بال قائماً؛ مخافة أن تتنجس ثيابه، وإن كان صلباً نجساً تنحى عنه إِلَى غيره وإن كان صلباً طاهراً تعيّن الجلوس. ومثله لابن بشير عن الأشياخ، وقبله ابن عرفة والمؤلف فِي ¬
فصل نواقض الوضوء
" التوضيح "، وقد نبّه عَلَى الأولين هنا بقوله: (ندب لقاضي الحاجة [جلوس] (¬1)، ومنع برخوٍ نجس)، وأما إطلاقه فِي اتقاء الصلب فلا أعرفه إلاّ لأبي حامد الغزالي إذ قال: وأن يتقي الموضع الصلب (¬2). فَصْل [نواقض الوضوء] نُقِضَ الْوُضُوءُ بِحَدَثٍ [4 / أ]، وهُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ فِي الصِّحَّةِ، لا حَصًى ودُودٌ ولَوْ بِبِلَّةٍ وبِسَلَسٍ فَارَقَ أَكْثَرَ، كَسَلَسِ مَذْيٍ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ، ونُدِبَ إنْ لازَمَ أَكْثَرَ، لا إنْ شَقَّ، وفِي اعْتِبَارِ الْمُلازَمَةِ فِي وَقْتِ الصَّلاةِ أَوْ مُطْلَقاً تَرَدُّدٌ. قوله: (وَفِي اعْتِبَارِ الْمُلازَمَةِ فِي وَقْتِ الصَّلاةِ أَوْ مُطْلَقاً تَرَدُّدٌ) هذا لعدم نصّ المتقدمين. قال ابن عرفة: وفِي كون المعتبر فيه اللزوم وقت الصلاة أو اليوم قولا شيخي شيوخنا ابن جماعة والبَودِري، والأظهر عدد صلواته، وفسّر ابن عبد السلام الأكثر: بإتيان البول ثلثي كل ساعة ليلاً ونهاراً، وتعقبه الأول بأنه فرضٌ نادر بناءً عَلَى فهمه من قصر وجود البول عَلَى أوقات الصلوات، وهو وهم؛ إنما مراد ابن جماعة: قصر المعتبر منه عَلَى الموجود أوقات الصلوات، وقوله: وأيضاً إن كان الأمر عَلَى ما قال لَمْ يخل وقت صلاة من بول قلّ أو كثر، فلابد من ناقض، فتستوى مشقة الأقلّ والأكثر، ويستوى الحكم، يردّ بأنه مشترك الإلزام فيما اختار، وفِي " التوضيح " عن المنوفي: ينبغي أن تقيّد المسألة بما إِذَا كان إتيان ذلك عليه مختلفاً فِي الوقت، فيقدر بذهنه أيهما، أكثر فيعمل عليه، وأمّا إن كان وقت إتيانه منضبطاً فإنه يعمل عليه إن كان أول الوقت أخّرها، وإن (¬3) كان آخره قدّمها. ¬
مِنْ مَخْرَجَيْهِ أَوْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إنِ انْسَدَّا، وإِلا فَقَوْلانِ، وبِسَبَبِهِ وهُوَ زَوَالُ عَقْلٍ وإِنْ بِنَوْمٍ ثَقُلَ ولَوْ قَصُرَ لا خَفَّ، ونُدِبَ إنْ طَالَ ولَمْسٌ يَلْتَذُّ صَاحِبُهُ بِهِ عَادَةً ولَوْ كَظُفُرٍ أَوْ شَعَرٍ أَوْ حَائِلٍ وأُوِّلَ بِالْخَفِيفِ وبِالإِطْلاقِ إِنْ قَصَدَ لَذَّةً أَوْ وَجَدَهَا، لا انْتَفَيَا. قوله: (مِنْ مَخْرَجَيْهِ أَوْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إنِ انْسَدَّا وإِلا فَقَوْلانِ). هذه طريقة ابن بزيزة وله عزاها فِي " التوضيح " فجزم بها هنا كأنها عنده تفسير للمذهب. إِلا الْقُبْلَةَ بِفَمٍ [مُطْلَقاً] (¬1) وإِنْ بِكُرْهٍ أَوِ اسْتِغْفَالٍ لا لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ، ولا لَذَّةٌ بِنَظَرٍ كَإِنْعَاظٍ. قوله: (وَإِنْ بِكُرْهٍ أَوِ اسْتِغْفَالٍ) راجع لقوله: (إِلا الْقُبْلَةَ بِفَمٍ)، فليس يحتاج للتقييد بحصول اللذة؛ لأنه مبنيٌ عَلَى عدم انفكاكها عنه (¬2). ولَذَّةٌ بِمَحْرَمٍ عَلَى الأَصَحِّ. قوله: (ولَذَّةٌ بِمَحْرَمٍ عَلَى الأَصَحِّ). من هذه ومن الصغيرة احترز بقوله أولاً: (ولَمْسٌ يَلْتَذُّ صَاحِبُهُ بِهِ عَادَةً)، فأمّا الصغيرة فقال ابن رشد: لا وضوء فِي لمسّها، ولو قصد اللذة ووحدها، إلا عَلَى مذهب من يوجب الوضوء فِي اللذة بالتذكار. قال ابن عرفة: يردّ بقوة الفعل، وأمّا ذات المحرم فقال ابن رشد: لا وضوء فِي تقبيلها إلاّ مع قصد اللذة من الفاسق، وقبله ابن عرفة، ولم يذكر فيه خلافاً، ونصّ فِي " التلقين ": " أنه إِذَا كان هناك لذة فلا فرق بين الزوجة والأجنبية وذات المحرم، وقبله المازري، وما ذكر الخلاف فِي لمس المحرم إلاّ عن الشافعية، قال: كما اختلفوا فِي الصغيرة والعجوز الهرمة. فأنت ترى المؤلف عدل عن هذا كله، وجعل الأَصَحّ ألا أثر للمحرم لو وجدت اللذة، اعتماداً عَلَى ظاهر قول ابن الجلاب: ولا وضوء عليه فِي مسّ ذوات محارمه (¬3)، وعَلَى ظاهر قول ابن الحاجب: فلا أثر لمحرم، وعَلَى تقرير ابن عبد السلام لهذا الظاهر مع ¬
حكايته خلافه عن بعض أئمة المذهب، وقوله: لا يبعد إجراء ذلك عَلَى الخلاف فِي مراعات الصور النادرة وعَلَى ذلك خرجها الشارمساحي؛ إلا أنه استثنى قبلتها عَلَى الفم، والحقّ (¬1) والله سبحانه أعلم أن المذهب [6 / أ] ما قدمناه عن عبد الوهاب وابن رشد والمازري ومن وافقهم، والآخر غايته أنه تخريج أو تمسك بظاهرٍ سهل التأويل، فكيف يجعله هو الأَصَحّ (¬2)؟!. وَمُطْلَقُ مَسِّ ذَكَرِهِ الْمُتَّصِلِ ولَوْ خُنْثَى مُشْكِلاً بِبَطْنٍ أَوْ جَنْبٍ لِكَفٍّ أَوْ إِصْبَعٍ وإِنْ زَائِداً حَسَّ. قوله: (ومُطْلَقُ مَسِّ ذَكَرِهِ الْمُتَّصِلِ) ابن هارون: ولو مسّ موضع الجَبِّ فلا نصّ فيه عندنا، وحكى الغزالي: أن عليه الوضوء، والجاري عَلَى أصلنا نفيه؛ لعدم اللذة غالباً (¬3). وَبِرِدَّةٍ وبِشَكٍّ فِي حَدَثٍ بَعْدَ طُهْرٍ عُلِمَ إلا الْمُسْتَنْكِحَ. قوله: (إلا الْمُسْتَنْكِحَ (¬4)) أى: فلا شيء عليه، ظاهره ولا يبني عَلَى أول خاطريه، وإليه مال ابن عبد السلام فقال: اعتبار أول خاطريه هو قول بعض القرويين، وتبعه عليه أكثر المتأخرين قالوا: لأنه فِي الخاطر الأول سليم الذهن، وفيما بعده شبيه بغير العقلاء فلا يعتبر. وظاهر " المدوّنة " وغيرها سقوط الوضوء من غير نظر إِلَى خاطرٍ البتة، وهو الذي كان يرجّحه بعض من لقيناه ويقول به، ويذكر أنه رجع إليه فيه بعض المشارقة، وكان يوجهه بأن المستنكح ومن هذه صفته لا ينضبط له الخاطر الأول مما بعده، والوجود يشهد ¬
لذلك، وأيضاً فإن ما وجّهوا به هذا القول مبنىٌ عَلَى أن كلّ ما خالف العادة أو الأصل، وكان يغتفر منه اليسير دون الكثير فإنه ينقص من الكثير مقدار اليسير المغتفر فيغتفر، وهذا شيء ذهب إليه بعض الشيوخ، وهو خلاف أصل المذهب، كقولهم فِي زيادة كيل الطعام المشتري عَلَى التصديق ونقصه .. وغير ذلك من الفروع الشبيهة به. انتهى. وما زلت أستشكله حتى أوقفني بعض الطلبة عَلَى قول أبي عبد الله بن مرزوق فِي " شرح خليل ": لَمْ يزل الطلبة يستشكلون فهم هذا البناء وتنزيل مسألة المستنكح عليه، والذي يظهر أن هذه المسألة عكس هذا الأصل؛ لأن المغتفر (¬1) هنا ما زاد عَلَى الخاطر الأول وهو الكثير، والذي لا يغتفر وهو الخاطر الأول هو القليل، إلا أن يكون من قياس العكس فيشبه، والطريقة القروية هى التي عند اللخمي، واقتصر عليها ابن عرفة كأنها تفسير فقال: قال اللخمي: والمستنكح يبني عَلَى أول خاطريه، وإلا ألغاه (¬2). وَبِشَكٍّ فِي سَابِقِهِمَا، لا بِمَسِّ دُبُرٍ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ فَرْجِ صَغِيرَةٍ وقَيْءٍ وأَكْلِ جَزُورٍ وذَبْحٍ وحِجَامَةٍ وقَهْقَهَةٍ بِصَلاةٍ، ومَسِّ امْرَأَةٍ فَرْجَهَا، وأُوِّلَتْ أَيْضاً بِعَدَمِ الإِلْطَافِ (¬3)، ونُدِبَ غَسْلُ فَمٍ مِنْ لَحْمٍ ولَبَنٍ، وتَجْدِيدُ وُضُوءٍ إنْ صَلَّى بِه. قوله: (وَبِشَكٍّ فِي سَابِقِهِمَا) حكى سند فيه الاتفاق، وقال ابن عرفة: لو تيقن طهراً وحدثاً، شكّ فِي أحدثهما فقال ابن العربي: لا نصّ لعلمائنا. وقال إمام الحرمين: الحكم نقيض ما كان عليه، وهو صحيح أقوالنا إلغاء الشكّ فمن كان قبل الفجر محدثاً جزم بعده بوضوء، وحدث شكٌّ فِي أحدثهما فمتوضيء لتيقن وضوئه، وشكّه فِي نقضه ولو كان متوضئاً فمحدث؛ لتيقن حدثه وشكّه فِي رفعه. ابن محرز صوره ست: " إن تيقنهما وشكّ فِي الأحدث وجب الوضوء. ولو شكّ معه فِي وجودهما فكذلك. ¬
ولو أيقن بالحدث وشكّ فِي رفعه فواجب. فإن شكّ مع ذلك فِي تقدمه فأوجب. ولو أيقن بالوضوء وشكّ فِي نقضه جاء الخلاف. فإن شكّ مع ذلك فِي تقدمه فالوضوء أضعف ". انتهى. وقد صرّح المصنف هنا بصورتين، ولا يخفاك استنباط باقيها من كلامه ضمناً. وَلَوْ شَكَّ فِي صَلاتِهِ ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ، لَمْ يُعِدْ. قوله: (وإن شَكَّ فِي صَلاتِهِ [ثُمَّ بَانَ] (¬1) الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ) أي: فإن افتتح الصلاة متيقناً بالطهارة، ثم شكّ فيها فِي أثناء الصلاة فتمادى عَلَى صلاته ثم تبين أنه متطهّر لَمْ يعد الصلاة، [هذا عَلَى] (¬2) قول ابن القاسم، فِي رسم (بع) من سماع عيسى (¬3)، وروى سحنون عن أشهب فِي أول سماعه: أن صلاته باطلة (¬4)، وعزى فِي " التوضيح " الأول لمالك والثاني لأشهب وسحنون، ثم قال: قال المازري: وكذلك اختلف إِذَا افتتح بتكبيرة الإحرام ثم شكّ فيها، وتمادى حتى أكمل ثم تبين له بعد ذلك أنه أصاب فِي التمادي، أو زاد فِي الصلاة شيئاً تعمداً أو سهواً، ثم تبين أنه و (3) هل يجزيه عن الواجب أم لا؟ ومن ذلك الاختلاف فيمن سلّم شاكّاً فِي إكمال الصلاة ثم تبين بعد ذلك الكمال؟ قال فِي " التوضيح ": وعَلَى هذا فيتخرج لنا من هنا قاعدة وهي: إِذَا شككنا فِي شيءٍ لا تجزيء الصلاة بدونه ثم تبين الإتيان به هل تجزيء الصلاة أو لا؟. انتهى، ولكن لا يلزم اتحاد المشهور فِي هذه النظائر؛ لاختلاف المدارك، ألا ترى إِلَى قوله بعد هذا: (كمُسَلِّمٍ شكّ فِي الإتمام ثم ظهر الكمال عَلَى الأظهر) (¬5). ¬
موجبات الغسل
ومَنَعَ حَدَثٌ: صَلاةً وطَوَافاً ومَسَّ مُصْحَفٍ وإِنْ بِقَضِيبٍ، وحَمْلَهُ وإِنْ بِعِلاقَةٍ أَوْ وِسَادَةٍ إِلا بِأَمْتِعَةٍ قُصِدَتْ وإِنْ عَلَى كَافِرٍ، لا دِرْهَمٍ وتَفْسِيرٍ ولَوْحٍ لِمُعَلِّمٍ ومُتَعَلِّمٍ وإِنْ حَائِضاً وجُزْءٍ لِمُتَعَلِّمٍ وإِنْ بَلَغَ. قوله: (لا دِرْهَمٍ وتَفْسِيرٍ). ابن عبد السلام ولو كان مثل تفسير ابن عطية (¬1)، زاد فِي " التوضيح ": لأن المقصود منه ليس القرآن. (¬2) ابن عرفة، ومقتضى الروايات: لا بأس بالتفاسير غير ذات كتب الآي مطلقاً، وذات كتبها إن لَمْ تقصد وأطلق ابن شاس: الجواز (¬3). وحِرْزٍ بِسَاتِرٍ، وإِنْ لِحَائِضٍ. قوله: (وَحِرْزٍ بِسَاتِرٍ، وإِنْ لِحَائِضٍ). قال مالك فِي سماع أشهب من كتاب الصلاة: لا بأس بما تعلّقه الحائض والحبلى والصبي من القرآن، إن كان مما يكنه من قصبة حديد (¬4) أو جلد يخرز عليه، ابن رشد: أجازه فِي المرض، وأما فِي الصحة لما يتوقع من مرض أو عين فظاهر هذه الرواية إجازته، وهو أولى بالصواب، وقد روي عنه كراهته، والخيل والبهائم كالآدمي. انتهى (¬5). وإطلاق المصنف يتناول المريض والصحيح كما صوّب ابن رشد. [موجبات الغسل] يَجِبُ غُسْلُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِمَنِيٍّ، وإِنْ بِنَوْمٍ أَوْ بَعْدَ ذَهَابِ لَذَّةٍ بِلا جِمَاعٍ ولَمْ يَغْتَسِلْ. قوله: (أَوْ بَعْدَ ذَهَابِ لَذَّةٍ بِلا جِمَاعٍ [6 / ب] ولَمْ يَغْتَسِلْ). فِي النسخة المقروءة عَلَى أبي عبد الله بن الفتوح: صوابه أو به ولَمْ يغتسل، وهذا يتمشى الكلام به ويكون المعنى: أنه ¬
يجب الغسل بالمني وإن خرج بعد ذهاب اللذة بلا جماع، أو خرج بعد ذهاب اللذة بالجماع، والحالة أنه لَمْ يغتسل لذلك الجماع، ومفهومه أنه لو اغتسل للجماع لَمْ يعد الغسل لخروج المني، وبه صرّح فِي قوله: (كمن جامع فاغتسل ثم أمنى)، وبسط ذلك: أن المسألة عَلَى وجهين أحدهما: أن يلتذّ بغير جماع ولا ينزل ثم ينزل. والثاني: أن يجامع ولَمْ ينزل ثم يغتسل ثم يخرج منه المني، فقيل: بالوجوب فيهما؛ لأنه مستند إِلَى لذة متقدمة، وقيل: لا فيهما؛ لعدم المقارنة؛ ولأن الجنابة فِي الثاني قد اغتسل لها، [والقول الثالث: التفرقة فيجب فِي الأول دون الثاني؛ لأنه فِي الثاني قد اغتسل لجنابته، والجنابة الواحدة لا يتكرر الغسل لها] (¬1). وقد ذكر اللخمي والمازري وغيرهما الثلاثة الأقوال، وكذا قرر ابن هارون قول ابن الحاجب: ولو التذّ ثم خرج بعد ذهابها جملة فثالثها إن كان عن جماع وقد اغتسل فلا يعيد (¬2)، وتبعه فِي " التوضيح (¬3) " واقتصر هنا عَلَى الثالث. فإن قلت: فأي فائدة فِي تصويب ابن الفتوح؛ مع أن من جامع ولَمْ يغتسل ذمته عامرة بالغسل وإن لَمْ ينزل؟ قلت: فائدته فِي المفهوم، إلا أن التصريح به يضعفها، ولكلام المصنف محمل آخر ذكرناه فِي التي بعدها (¬4). ¬
لا بِلا لَذَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ ويَتَوَضَّأُ كَمَنْ جَامَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَمْنَى ولا يُعِيدُ الصَّلاةَ، وبِمَغِيبِ حَشَفَةِ بَالِغٍ لا مُرَاهِقٍ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعٍ فِي فَرْجٍ وإِنْ مِنْ بَهِيمَةٍ ومَيِّتٍ، ونُدِبَ لِمُرَاهِقٍ كَصَغِيرَةٍ وطِئَهَا بَالِغٌ لا بِمَنِيٍّ وَصَلَ لِلْفَرْجِ، ولَوِ الْتَذَّتْ. قوله: (لا بِلا لَذَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ ويتوضأ كَمَنْ جَامَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَمْنَى ولا يُعِيدُ الصَّلاةَ) اقتصر فِي الثلاثة عَلَى القول بالوضوء؛ لقول ابن القصار (¬1) فيما ذكر الباجي عنه: أن وجوبه ظاهر المذهب، فأما الأولان فلا يتوهم فيهما إعادة الصلاة، وأما الثالث فمحلّ (¬2) الخلاف فِي إعادتها، لكن اقتصر عَلَى القول بعدم الإعادة؛ لأنه الذي اختاره المازري وابن رشد ... وغيرهما، لكونه لا يحكم له بالاعتبار إلاّ بعد الخروج. قال ابن رشد: وللقول بإعادة الصلاة وجه عَلَى بعد، وهو ما يخشى أن يكون انفصل الماء من موضعه، وصار إِلَى قناة الذكر بعد أن اغتسل لمجاوزة الختان؛ فصار بذلك جنباً، فصلى ثم خرج الماء بعد. قاله فِي سماع عيسى. فإن قلت: إنما فرّع الباجي القول بإعادة الصلاة عَلَى القول بالغسل، كما هو ظاهر كلام ابن رشد، وعَلَى ذلك درج ابن الحاجب وغيره (¬3)، فقد كان المصنف فِي غنيً عن قوله: (ولا يعيد الصلاة) لاقتصاره عَلَى القول بالوضوء. قلت: قد فرّعه اللخمي عَلَى القول بعدم الغسل أيضاً فقال: واختلف بعد القول: أن لا غسل فِي ذلك فِي: وجوب الوضوء، وفي (¬4) إعادة الصلاة، فقال مالك فِي " المجموعة "، وفِي سماع ابن القاسم: ليس فِي ذلك إلاّ الوضوء ويعيد الصلاة، ثم كمّل بقية الأقوال، إلاّ أن ما نسبه لسماع ابن القاسم لَمْ يوجد فيه كما ذكر ابن عرفة. ¬
تفريع: قال فِي " " النوادر ": ومن " المجموعة " قال مالك من رواية علي وابن القاسم وابن وهب وابن نافع فِي: الجنب يغتسل ثم يخرج منه بقية منى وقد بال أو لَمْ يبل، فليغسل ذلك وليتوضأ. قال عنه ابن القاسم: وليعد الصلاة. ابن يونس: وقال عنه ابن حبيب: إنما عليه الوضوء. عبد الحق: وروى ابن حبيب: خروج مائه من فرجها بعد غُسلها كبولها، ويمكن أن يكون المصنف ألمّ برواية " النوادر " هذه إذ قال قبل: (أو بعد ذهاب لذة بلا جماع لَمْ يغتسل)؛ بحيث يتناول صورتين إحداهما ألا يخرج مع اللذة شيء من المني فلا ينطبق عليها قوله: (ولَمْ يغتسل)، والأخرى: أن يخرج معها بعض المني وتبقى منه بقية، وإليها يرجع قوله: (ولَمْ يغتسل)، ومفهومه أنه لو اغتسل للخارج من المني مع اللذة لَمْ يعد الغسل لخروج البقية، كما فِي هذه الرواية (¬1). وبِحَيْضٍ ونِفَاسٍ بِدَمٍ، واسْتُحْسِنَ وبِغَيْرِهِ لا بِاسْتِحَاضَةٍ ونُدِبَ لاِنْقِطَاعِهِ ويَجِبُ غُسْلُ كَافِرٍ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِمَا ذُكِرَ وصَحَّ قَبْلَهَا وقَدْ أَجْمَعَ عَلَى الإِسْلامِ لا الإِسْلامُ إِلا لِعَجْزٍ، وإِنْ شَكَّ أَمَذْيٌ أَمْ مَنِيٌّ اغْتَسَلَ وأَعَادَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ كَتَحَقُّقِهِ. ووَاجِبُهُ نِيَّةٌ ومُوَالاةٌ كَالْوُضُوءِ وإِنْ نَوَتِ الْحَيْضَ والْجَنَابَةِ أَواحدهُمَا نَاسِيَةً لِلآخَرِ أَوْ نَوَى الْجَنَابَةَ والْجُمُعَةَ أَوْ نِيَابَةً عَنِ الْجُمُعَةِ حَصَلا، وإِنْ نَسِيَ الْجَنَابَةَ أَوْ قَصَدَ نِيَابَةً [4 / ب] عَنْهَا انْتَفَيَا، وتَخْلِيلُ شَعَرٍ وضَغْثُ مَضفُورِهِ لا نَقْضُهُ ودَلْكٌ ولَوْ بَعْدَ الْمَاءِ أَوْ بِخِرْقَةٍ أَوِ اسْتِنَابَةٍ، وإِنْ تَعَذَّرَ سَقَطَ. وسُنَنُهُ: غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلاً وصِمَاخُ أُذُنَيْهِ ومَضْمَضَةٌ واسْتِنْشَاقٌ. قوله: (واسْتُحْسِنَ وبِغَيْرِهِ) أي: بغير دم. وأصل المسألة فِي سماع أشهب: أن من ولدت دون دم اغتسلت. فقال اللخمي: هذا استحسان (¬2)؛ لأنه للدم لا للولد، ولو اغتسلت لخروج الولد دون الدم لَمْ يجزها، وقال ابن رشد: معنى سماع أشهب دون دمٍ ¬
كثير إذ خروجه بلا دمٍ معه ولا بعده محال عادة، هذا تحصيل ابن عرفة. قال: ونقل ابن الحاجب نفيه روايةً، وابن بشير قولاً، لا أعرفه (¬1). وَنُدِبَ بَدْءٌ بِإِزَالَةِ الأَذَى، ثُمَّ أَعْضَاءُ وُضُوئِهِ كَامِلَةً مَرَّةً وأَعْلاهُ ومَيَامِنِهِ وتَثْلِيثُ رَأْسِهِ وقِلَّةُ الْمَاءِ بِلا حَدٍّ كَغَسْلِ فَرْجِ جُنُبٍ لِعَوْدِهِ لِجِمَاعٍ ووُضُوئِهِ لِنَوْمٍ لا تَيَمُّمٍ ولَمْ يَبْطُلْ إلا بِجِمَاعٍ، وتَمْنَعُ الْجَنَابَةُ مَوَانِعَ الأَصْغَرِ، والْقِرَاءَةَ إلا كَآيَةٍ لِتَعَوُّذٍ ونَحْوِهِ، ودُخُولَ مَسْجِدٍ، ولَوُ مُجْتَازاً، كَكَافِرٍ، وإِنْ أَذِنَ مُسْلِمٌ. ولِلْمَنِيِّ تَدَفُّقٌ ورَائِحَةُ طَلْعٍ أَوْ عَجِينٍ. قوله: (لا تَيَمُّمٍ). يعني: أن الجنب العاجز عن الوضوء لا يؤمر بالتيمم، بناءً عَلَى أن الوضوء للنشاط لا لتحصيل طهارة، وهو قول مالك فِي " الواضحة " (¬2). ويُجْزِئُ عَنِ الْوُضُوءِ وإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ جَنَابَتِهِ، وغَسْلُ الْوُضُوءِ عَنْ غَسْلِ مَحَلِّهِ، ولَوْ نَاسِياً لِجَنَابَتِهِ كَلُمْعَةٍ مِنْهَا، وإِنْ عَنْ جَبِيرَةٍ. قوله: (وَيُجْزِئُ عَنِ الْوُضُوءِ وإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ [7 / أ] جَنَابَتِهِ)، يعني: أنه يجزئه الغسل عن الوضوء، فتجزئه نية الأكبر عن الأصغر، فإِذَا اغتسل لجنابته فذكر أنه إنما عليه الوضوء أجزأه، وكذا نصّ عليه اللخمي، زاد ابن عرفة وخرج عَلَى ترك الترتيب، وأجزأه غسل الرأس عن مسحه (¬3). ¬
المسح على الخفين
[المسح عَلَى الخفين] رُخِّصَ لِرَجُلٍ وامْرَأَةٍ وإِنْ مُسْتَحَاضَةً بِحَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ مَسْحُ جَوْرَبٍ. قوله: (رُخِّصَ لِرَجُلٍ وامْرَأَةٍ وإِنْ مُسْتَحَاضَةً) كذا فِي " المدوّنة ". قال فِي " التوضيح ": لئلا يتوهم قصر الرخصة عَلَى الرجل، لكونه هو الذي يضطر غالباً إِلَى الأسباب المقتضية للبسه (¬1). جُلِّدَ ظَاهِرُهُ وبَاطِنُهُ وخُفٍّ ولَوْ عَلَى خُفٍّ بِلا حَائِلٍ كَطِينٍ، إِلا الْمِهْمَازَ (¬2) ولا حَدَّ بِشَرْطِ جِلْدٍ طَاهِرٍ خُرِزَ وسَتَرَ مَحَلَّ الْفَرْضِ وأَمْكَنَ تَتَابُعُ الْمَشْيِ بِهِ بِطَهَارَةِ مَاءٍ كَمُلَتْ بِلا تَرَفُّهٍ وعِصْيَانٍ بِلُبْسِهِ، أَوْ سَفَرِهِ. قوله: (جُلِّدَ ظَاهِرُهُ وبَاطِنُهُ) أي: أعلاه وأسفله من خارج، فهو كقوله فِي " المدوّنة ": إلاّ أن يكون فوقهما وتحتهما جلد مخروز (¬3). فَلا يُمْسَحُ وَاسِعٌ ومُخَرَّقٌ قَدْرَ ثُلُثِ الْقَدَمِ وإِنْ بِشَكٍّ لا دُونَهُ إِنِ الْتَصَقَ، كَمُنْفَتِحٍ صَغُرَ وغَسَلَ رِجْلَيْهِ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ كَمَّلَ ورِجْلاً فَأَدْخَلَهَا حَتَّى يَخْلَعَ الْمَلْبُوسَ قَبْلَ الْكَمَالِ ولا مُحْرِمٌ لَمْ يُضْطَرَّ. قوله: (لا دُونَهُ) أي: لا دون قدر الثلث (¬4). ¬
وَفِي خُفٍّ غُصِبَ تَرَدُّدٌ، ولا لابِسٌ لِمُجَرَّدِ الْمَسْحِ أَوْ لِيَنَامَ، وفِيهَا يُكْرَهُ، وكُرِهَ غَسْلُهُ وتَكْرَارُهُ وتَتَبُّعُ غُضُونِهِ (¬1) وبَطَلَ بِغُسْلٍ وَجَبَ وبِخَرْقِهِ كَثِيراً. قوله: (وفِي خُفٍّ غُصِبَ تَرَدُّدٌ) ابن عرفة: لا نصّ فِي الخفّ المغصوب، وفيه نظر، وقياسه عَلَى المحرم يردّ بأن حقّ الله تعالى آكد، وقياسه عَلَى مغصوب الماء يتوضأ به، والثوب يستتر به، والمدية يذبح بها، والكلب يصطاد به، والصلاة بالدار المغصوبة يردُّ بأنها عزائم. وبِنَزْعِ أَكْثَرِ رِجْلٍ لِسَاقِ خُفِّهِ. قوله: (وبِنَزْعِ أَكْثَرِ رِجْلٍ لِسَاقِ خُفِّهِ)، جعل الحكم للأكثر اعتماداً عَلَى قول ابن الجلاب: إلا أن تخرج الرجل كلها أو جلها (¬2)؛ وكأنه عنده تفسير لما فِي " المدوّنة " (¬3). لا الْعَقِبِ. قوله: (لا الْعَقِبِ) أي: لا بنزع العقب، فهو كقوله فِي " المدوّنة ": وإِذَا خرج العقب من الخف إِلَى الساق والقدم كما هي فِي الخف، فهو عَلَى وضوءه (¬4). ¬
فصل في التيمم
وَإِذَا نَزَعَهُمَا أَوْ أَعْلَيَيْهِ أَو أحدهُمَا بَادَرَ لِلأَسْفَلِ كَالْمُوَالاةِ، وإِنْ نَزَعَ رِجْلاً وعَسُرَتِ الأُخْرَى، وضَاقَ الْوَقْتُ فَفِي تَيَمُّمِهِ أَوْ مَسْحِهِ عَلَيْهِ أَوْ إِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ وإِلا مُزِّقَ، أَقْوَالٌ. ونُدِبَ نَزْعُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ ووَضْعُ يُمْنَاهُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ويُسْرَاهُ تَحْتَهَا ويُمِرُّهُمَا لِكَعْبَيْهِ وهَلِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ أَوِ الْيُسْرَى فَوْقَهَا تَأْوِيلانِ، ومَسْحُ أَعْلاهُ وأَسْفَلِهِ، وبَطَلَتْ إِنْ تَرَكَ أَعْلاهُ لا أَسْفَلَهُ فَفِي الْوَقْتِ [المختار] (¬1). قوله: (أَو أحدهُمَا) أي: أحد [المنفردين أو أحد الأعليين، فإِذَا نزع] (¬2) أحد المنفردين نزع الآخر وغسل الرجلين، وإِذَا نزع أحد الأعليين مسح الذي تحته فقط، هذا قول ابن القاسم فِي المسألتين، ومقتضى سماع أشهب: ألا يجب خلع الخفّ الآخر فِي المسألتين، وقال ابن حبيب: لابد من خلعه فِي المسألتين، فهي ثلاثة أقوال قد حصّلها ابن رشد فِي سماع أشهب (¬3). [فصل في التيمم] يَتَيَمَّمُ ذُو مَرَضٍ وسَفَرٍ أُبِيحَ، لِفَرْضٍ ونَفْلٍ، وحَاضِرٌ صَحَّ لِجَنَازَةٍ إِنْ تَعَيَّنَتْ، وفَرْضٍ غَيْرِ جُمُعَةٍ، ولا يُعِيدُ لا سُنَّةٍ، إِنْ عَدِمُوا مَاءً كَافِياً أَوْ خَافُوا بِاسْتِعْمَالِهِ مَرَضاً، أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ أَوْ عَطَشَ، مُحْتَرَمٍ مَعَهُ. قوله: (ولا يُعِيدُ) أي لا يعيد حاضر الفرض الذي صلاه بالتيمم إِذَا وجد الماء، فهو كقوله فِي " المدوّنة ": ولا إعادة عليه إِذَا توضأ بعد ذلك فِي وقتٍ ولا غيره، ولمالك قول فِي الحضري: أنه يعيد إِذَا توضأ (¬4). أَوْ بِطَلَبِهِ تَلَفَ مَالٍ أَوْ خُرُوجَ وَقْتٍ كَعَدَمِ مُنَاوِلٍ أَوْ آلَةٍ، وهَلْ إِنْ خَافَ فَوَاتَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ؟ خِلافٌ. ¬
قوله: (أَوْ خُرُوجَ وَقْتٍ) يعني الاختياري، قال ابن رشد فِي رسم عبد استأذن من سماع عيسى: القول بأن من خاف طلوع الشمس تيمم: هو عَلَى القول بأن الصبح ليس لها وقت ضرورة، وأما عَلَى القول بأن لها وقت ضرورة - وهو الإسفار - فإنما يعالج طلب الماء ما لَمْ يخف أن يسفر؛ لأن الذي لا يجد الماء ينتقل إِلَى التيمم إِذَا خشي أن يفوته وقت الاختيار. انتهى (¬1). وأمّا ما قاله ابن عسكر (¬2) في " الإرشاد ": من اعتبار الضروري هنا غير معروف. [5 / أ] وجَازَ جِنَازَةٌ وسُنَّةٌ ومَسُّ مُصْحَفٍ وقِرَاءَةٌ وطَوَافٌ ورَكْعَتَاهُ بِتَيَمُّمِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ إِنْ تَأَخَّرَتْ. قوله: (وجَازَ جِنَازَةٌ وسُنَّةٌ ومَسُّ مُصْحَفٍ وقِرَاءَةٌ وطَوَافٌ ورَكْعَتَاهُ بِتَيَمُّمِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ إنْ تَأَخَّرَتْ). ظاهره أن هذه الأشياء يجوز أن تصلى بعد الفرض والنفل بتيممها، كما عند ابن الحاجب، إلاّ إنه زاد عليه ذكر الجنازة وعبّر عن ما دون الفرض من الصلوات بالسنة فتكون الرغيبة والنافلة أحرى. فإن قلت: أما السنة فما دونها بعد الفرض فجوازها ظاهر، وكذلك بعد النفل، فقد ذكر فِي " النوادر ": عن ابن القاسم: أنه لا بأس أن يوتر بتيمم النفل (¬3)، وأما الجنازة إِذَا تعيّنت فكيف يصليها بتيمم غيرها؟ وأما الطواف فقد أطلقه هنا كابن الحاجب وهو يقول فِي " التوضيح ": ينبغي أن يقيّد بطواف النفل (¬4)، وقال ابن عرفة: ونقل ابن الحاجب الطواف بعد الفرض كالنفل لا أعرفه فِي واجبه فكيف به بعد النفل!. ¬
قلت: لعل قوله بعد هذا: (لا فرض آخر) أعم من أن يكون [أحد] (¬1) الخمس أو جنازة تعينت أو طوافاً واجباً، فيكون قيداً لما أطلق هنا فِي الجنازة والطواف، وليس فِي قوله بعد: (وبطل الثاني ولو مشتركة) ما يبعده ولابد، عَلَى أنّي لا أذكر الآن من صرّح بجواز التبعية فِي الجنازة لفرضٍ أو نفل تعينت أم لا؟ فإن قلت: قوله: (إن تأخرت)؛ إنما يحسن اشتراطه فِي تيمم الفرض لا تيمم النفل؟ قلت: يمكن أن يكون مفهومه بالنسبة لتيمم الفرض مفهوم مخالفة، وبالنسبة لتيمم النفل مفهوم موافقة يفرقه ذهن السامع، ولَمْ يصرح المصنف بشرط الاتصال وهو منصوص فِي سماع أبي زيد، ولا يشترط نية النافلة عند تيمم الفريضة، وقد ذكره ابن رشد (¬2). لا فَرْضٌ آخَرَ وإِنْ قَصْداً وبَطَلَ الثَّانِي ولَوْ مُشْتَرَكَةً، لا بِتَيَمُّمٍ لِمُسْتَحَبٍّ ولَزِمَ مُوَالاتُهُ. قوله: (لا فَرْضٌ آخَرَ وإِنْ قَصْداً وبَطَلَ الثَّانِي ولَوْ مُشْتَرَكَةً) أي: لا يصلي بتيمم فرض فرضاً آخر وإن قصد الفرضين معاً بالتيمم الأول، فإن فعل بطل الفرض الثاني وأعاده أبداً، وصحّ الأول، قال ابن عبد السلام: ولا يقال إنه لما نوى [فرضين] (¬3) ولا يستباح به إلا فرض واحد صار كأنه تيمم غير مشروع؛ لأن المقصود الأهم من النية استباحة [7 / ب] العبادة، وفعله فرضاً أو فرضين من لواحق التيمم، وأحد الفرضين منفصلٌ عن الآخر، والأول عبادة مستقلة بنفسها بخلاف من نوى فِي الذبيحة أن يجهز حتى يبين الرأس، أي: فإنه مختلف فيه، وما ذكر من بطلان الفرض الثاني هو ظاهر قول ابن القاسم فِي سماع أبي زيد، وهو قول مُطرِّف وابن الماجشون، وعَلَى هذا اقتصر ابن عرفة فِي عزوه، ونسبه فِي " النوادر " لابن القاسم من رواية ابن المواز مطلقاً، سواءً كانتا مشتركتي الوقت أم لا. ¬
قال الباجي: وهو [الذي] (¬1) يناظر عليه أصحابنا، وقد نقل هذا فِي " التوضيح "، وأشار بقوله: (ولو مشتركة) (¬2) إِلَى قول أصبغ: إن كانتا مشتركتين أعاد الثانية فِي الوقت وإلاّ أعادها أبداً؛ وعليه فقيل: المعتبر الوقت الضروري، وقيل الاختياري، حكاهما ابن رشد فِي سماع أبي زيد (¬3). وَقَبُولُ هِبَةِ مَاءٍ لا ثَمَنٍ أَوْ قَرْضُهُ وأَخْذُهُ بِثَمَنٍ اعْتِيدَ لَمْ يَحْتَجْ لَهُ وإِنْ بِذِمَّتِهِ وطَلَبَهُ لِكُلِّ صَلاةٍ، ولَوْ تَوَهَّمَهُ لا تَحَقَّقَ عَدَمُهُ طَلَباً لا يَشُقُّ بِهِ كَرُفْقَةٍ قَلِيلَةٍ، أَوْ حَوْلَهُ مِنْ كَثِيرَةٍ إنْ جَهِلَ بُخْلَهُمْ بِهِ ونِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلاةِ ونِيَّةُ أَكْبَرَ إنْ كَانَ، ولَوْ تَكَرَّرَتْ ولا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وتَعْمِيمُ وَجْهِهِ وكَفَّيْهِ لِكُوعَيْهِ ونَزَعُ خَاتَمِهُ. وصَعِيدٌ طَهُرَ كَتُرَابٍ وهُوَ الأَفْضَلُ، ولَوْ نُقِلَ وثَلْجٍ وخَضْخَاضٍ وفِيهَا: جَفَّفَ يَدَيْهِ، رُوِيَ بِجِيمٍ وخَاءٍ، وجِصٍّ لَمْ يُطْبَخْ، وبِمَعْدِنٍ غَيْرِ نَقْدٍ وجَوْهَرٍ. قوله: (أَوْ قَرْضُهُ) لا أعرف عند أحدٍ من أهل المذهب هذا الفرع، إلاّ أن ابن عبد السلام لما تكلّم عَلَى من يبيع منه الماء بغير غبن، وهو محتاج لنفقة سفره، وأنه لا يلزمه قال: وإن كان مليا ببلده إلا أن يجد من يسلفه فيلزمه، ولها نظائر. انتهى. فإن كان المصنف لهذا أشار؛ فالضمير فِي قوله: (قَرْضُهُ) يعود عَلَى الثمن، وهو معطوف عَلَى المثبت لا المنفي، والمعنى: ولزمه قبول سلف ثمن يشتري به الماء إِذَا بُذل له ولَمْ يعجز عن القضاء لخفّة المنة فِي ذلك، وعَلَى هذا لو عطفه بالواو لكان أولى. والله تعالى أعلم. ومَنْقُولٍ كَشَبٍّ ومِلْحٍ ولِمَرِيضٍ حَائِطُ لَبَنٍ، أَوْ حَجَرٍ. لا بِحَصِيرٍ وخَشَبٍ، وفِعْلُهُ فِي الْوَقْتِ. فَالآيِسُ أَوَّلَ الْمُخْتَارِ، والْمُتَرَدِّدُ فِي لُحُوقِهِ أَوْ وُجُودِهِ وَسَطَهُ، والرَّاجِي آخِرَهُ. وفِيهَا تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ لِلشَّفَقِ. وسُنَّ تَرْتِيبُهُ، وإِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وتَجْدِيدُ ضَرْبَةٍ لِيَدَيْهِ. ونُدِبَ تَسْمِيَةٌ، وبَدْءٌ بِظَاهِرِ يُمْنَاهُ بِيُسْرَاهُ إِلَى الْمِرْفَقِ، ثُمَّ مَسْحُ الْبَاطِنِ لآخِرِ الأَصَابِعِ، ثُمَّ يُسْرَاهُ كَذَلِكَ. ¬
فصل
وبَطَلَ بِمُبْطِلِ الْوُضُوءِ وبِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلاةِ لا فِيهَا إِلا نَاسِيَهُ ويُعِيدُ الْمُقَصِّرَ فِي الْوَقْتِ، وصَحَّتْ إِنْ لَمْ يُعِدْ كَوَاجِدِهِ بِقُرْبِهِ، أَوْ رَحْلِهِ، لا إِنْ ذَهَبَ رَحْلُهُ، وخِائِفِ لِصٍّ أَوْ سَبْعٍ ومَرِيضٍ عَدِمَ مُنَاوِلاً، ورَاجٍ قَدمَ ومُتَرَدِّدٍ فِي لُحُوقِهِ ونَاسٍ ذَكَرَ بَعْدَهَا كَمُقْتَصِرٍ عَلَى كُوعَيْهِ، لا عَلَى ضَرْبَةٍ، وكَمُتَيَمِّمٍ عَلَى مُصَابِ بَوْلٍ، وأُوِّلَ بِالْمَشْكُوكِ، وبِالْمُحَقَّقِ، واقْتَصَرَ عَلَى الْوَقْتِ لِلْقَائِلِ بِطَهَارَةِ الأَرْضِ بِالْجَفَافِ، ومُنِعَ مَعَ عَدَمِ مَاءٍ تَقْبِيلُ مُتَوَضٍّ، وجِمَاعُ مُغْتَسِلٍ، إِلا لِطُولٍ، وإِنْ نَسِيَ إِحْدَى الْخَمْسِ، تَيَمَّمَ خَمْساً وقُدِّمَ ذُو مَاءٍ مَاتَ ومَعَهُ جُنُبٌ إِلا لِخَوْفِ عَطَشٍ كَكَوْنِهِ لَهُمَا وضَمِنَ قِيمَتَهُ. وتَسْقُطُ صَلاةٌ وقَضَاؤُهَا بِعَدَمِ مَاءٍ وصَعِيدٍ. [فصل] إِنْ خِيفَ غَسْلُ جُرْحٍ كَالتَّيَمُّمِ، مُسِحَ، ثُمَّ جَبِيرَتُهُ، ثُمَّ عِصَابَتَهُ كَفَصْدٍ، ومَرَارَةٍ، وقِرْطَاسِ صُدْغٍ، وعِمَامَةٍ خِيفَ بِنَزْعِهَا. قوله: (ومِلْحٍ) أقرب ما يعطيه اللفظ أنه معطوف عَلَى شبّ، وأنه أراد منع التيمم عَلَى المنقول من الشب (¬1) والملح وأمثالهما. وإِنْ بِغُسْلٍ (¬2)، أَوْ بِلا طُهْرٍ، أَوِ انْتَشَرَتْ إِنْ صَحَّ جُلَّ جَسَدِهِ أَوْ أَقَلُّهُ، ولَمْ يَضُرَّ غَسْلُهُ وإِلا فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ كَأَنْ قَلَّ جِدَّاً كَيَدٍ، وإِنْ غَسَلَ أَجْزَأَ وإِنْ تَعَذَّرَ مَسَّهَا وهِيَ بِأَعْضَاءِ تَيَمُّمِهِ، تَرَكَهَا وتَوَضَّأَ، وإِلا فَثَالِثُهَا يَتَيَمَّمُ إِنْ كَثُرَ، ورَابِعُهَا يَجْمَعُهُمَا، وإِنْ نَزَعَهَا لِدَوَاءٍ أَوْ سَقَطَتْ وإِنْ بِصَلاةٍ قَطَعَ ورَدَّهَا ومَسَحَ، وإِنْ صَحَّ غَسَلَ، ومَسَحَ مُتَوَضٍّ رَأْسَهُ. قوله: (وإِنْ بِغُسْلٍ أَوْ بِلا طُهْرٍ أَوِ (¬3) انْتَشَرَتْ). هكذا ينبغي أن يكون معطوفاً، بأو كما فِي بعض النسخ. ¬
فصل
[فصل] [5 / ب] الْحَيْضُ دَمٌ كَصُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ خَرَجَ بِنَفْسِهِ مِنْ قُبُلِ مَنْ تَحْمِلُ عَادَةً، وإِنْ دَفْعَةً، وأَكْثَرُهُ لِمُبْتَدَأَةٍ نِصْفُ شَهْرٍ، كَأَقَلِّ الطُّهْرِ، ولِمُعْتَادَةٍ ثَلاثَةٌ اسْتِظْهَاراً عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا مَا لَمْ تُجَاوِزْهُ، ثُمَّ هِيَ طَاهِرٌ ولِحَامِلٍ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ النِّصْفُ، ونَحْوُهُ وفِي سِتَّةٍ فَأَكْثَرَ عِشْرُونَ يَوْماً ونَحْوُهَا، وهَلْ مَا قَبْلَ الثَّلاثَةِ كَمَا بَعْدَهَا أَوْ كَالْمُعْتَادَةِ؟ قَوْلانِ. وإِنْ تَقَطَّعَ طُهْرٌ لَفَّقَتْ أَيَّامَ الدَّمِ فَقَطْ عَلَى تَفْصِيلِهَا. ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ عَنْهَا، وتَصُومُ وتُصَلِّي وتُوطَأُ، والْمُمَيَّزُ بَعْدَ طُهْرٍ تَمَّ حَيْضٌ ولا تَسْتَظْهِرُ عَلَى الأَصَحِّ. قوله: (عَلَى تَفْصِيلِهَا) أي: عَلَى التفريق السابق بين المبتدأة والمعتادة والحامل ابتداءً وانتهاءً. والطُّهْرُ بِجُفُوفٍ، أَوْ قَصَّةٍ وهِيَ أَبْلَغُ لِمُعْتَادَتِهَا فَتَنْتَظِرُهَا لآخِرِ الْمُخْتَارِ، وفِي الْمُبْتَدَأَةِ تَرَدُّدٌ، ولَيْسَ عَلَيْهَا نَظَرُ طُهْرِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، بَلْ عِنْدَ النَّوْمِ، أَوِ الصُّبْحِ، ومَنَعَ صِحَّةَ صَلاةٍ، وصَوْمٍ، ووُجُوبَهُمَا، وطَلاقاً، وبَدْءَ عِدَّةٍ. قوله: (والطُّهْرُ بِجُفُوفٍ، أَوْ قَصَّةٍ وهِيَ أَبْلَغُ لِمُعْتَادَتِهَا) أي: فإِذَا رأتها لَمْ تنتظر الجفوف، فلزم من ذلك ألا تنتظر زوالها وقد قال ابن يونس: قال بعض شيوخنا فِي التي ترى القصة: لا تنتظر زوالها، ولكن تغتسل إِذَا رأتها؛ لأنها علامة للطهر. وَوَطْءَ فَرْجٍ أَوْ تَحْتَ إِزَارٍ ولَوْ بَعْدَ نَقَاءٍ وتَيَمُّمٍ ورَفْعَ حَدَثِهَا، ولَوْ جَنَابَةً ودُخُولَ مَسْجِدٍ فَلا تَعْتَكِفُ، ولا تَطُوفُ ومَسَّ مُصْحَفٍ لا قِرَاءَةً. والنِّفَاسُ دَمٌ خَرَجَ لِلْوِلادَةِ ولَوْ بَيْنَ تَوْأَمَيْنِ، وأَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْماً، فَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا فَنِفَاسَانِ وتَقْطَعُهُ ومَنْعُهُ كَالْحَيْضِ ووَجَبَ وُضُوءٌ بِهَادٍ (¬1) والأَظْهَرُ نَفْيُهُ. قوله: (وَوَطْءَ فَرْجٍ أَوْ تَحْتَ إِزَارٍ) ظاهره أنه يجوز له الاستمتاع بكلِّ ما عدا ذلك منها حتى الاستمناء بيدها، ولا أعلم أحداً من أهل المذهب صرّح بذلك، وقد صرّح بجوازه أبو حامد فِي " الإحياء " (¬2). ¬
باب الصلاة
[باب الصلاة] الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ لِلظُّهْرِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ لآخِرِ الْقَامَةِ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ وهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ لِلاصْفِرَارِ واشْتَرَكَتَا بِقَدْرِ إحْدَاهُمَا وهَلْ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الأُولَى، أَوْ أَوَّلِ الثَّانِيَةِ؟ خِلافٌ، ولِلْمَغْرِبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ تُقَدَّرُ بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهِمَا تُقَدَّرُ بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا، ولِلْعِشَاءِ مِنْ غُرُوبِ حُمْرَةِ الشَّفَقِ لِلثُّلُثِ الأَوَّلِ، ولِلصُّبْحِ مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ لِلإِسْفَارِ الأَعْلَى وهِيَ الْوُسْطَى، وإِنْ مَاتَ وَسَطَ الْوَقْتِ بِلا أَدَاءٍ لَمْ يَعْصِ إلا أَنْ يَظُنَّ الْمَوْتَ. والأَفْضَلُ لِفَذٍّ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقاً وعَلَى جَمَاعَةٍ آخِرَهُ. ولِلْجَمَاعَةِ تَقْدِيمُ غَيْرِ الظُّهْرِ وتَأْخِيرُهَا لِرُبْعِ الْقَامَةِ، وتزَادُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وفيها: نُدِبَ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ قَلِيلاً، وإِنْ شَكَّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ تَجُزْ، ولَوْ وَقَعَتْ فِيهِ. والضَّرُورِيُّ بَعْدَ الْمُخْتَارِ لِلطُّلُوعِ فِي الصُّبْحِ، ولِلْغُرُوبِ فِي الظُّهْرَيْنِ ولِلْفَجْرِ فِي الْعِشَاءَيْنِ، وتُدْرَكُ فِيهِ الصُّبْحُ بِرَكْعَةٍ لا أَقَلَّ والْكُلُّ أَدَاءٌ. والظُّهْرَانِ والْعِشَاءَانِ بِفَضْلِ رَكْعَةٍ عَنِ الأُولَى لا الأَخِيرَةِ كَحَاضِرٍ سَافَرَ وقَادِمٍ، وأَثِمَ إلا لِعُذْرٍ بِكُفْرٍ، وإِنْ بِرِدَّةٍ وصِبًى وإِغْمَاءٍ وجُنُونٍ ونَوْمٍ وغَفْلَةٍ كَحَيْضٍ لا سُكْرٍ، والْمَعْذُورُ وغَيْرُ كَافِرٍ يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ، وإِنْ ظَنَّ إِدْرَاكَها فَرَكَعَ، فَخَرَجَ الْوَقْتُ قَضَى الأَخِيرَةَ، وإِنْ تَطَهَّرَ فَأَحْدَثَ أَوْ تَبَيَّنَ عَدَمُ طُهُورِيَّةِ الْمَاءِ أَوْ ذَكَرَ مَا يُرَتَّبُ فَالْقَضَاءُ [6 / أ]، وأَسْقَطَ عُذْرٌ حَصَلَ غَيْرَ نَوْمٍ ونِسْيَانٍ الْمُدْرَكَ، وأُمِرَ صَبِيٌّ بِهَا لِسَبْعٍ، وضُرِبَ لِعَشْرٍ، ومُنِعَ نَفْلٌ وَقْتَ طُلُوعِ شَمْسٍ وغُرُوبِهَا، وخُطْبَةِ جُمُعَةٍ. وكُرِهَ بَعْدَ فَجْرٍ وفَرْضِ عَصْرٍ إِلَى أَنْ تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ. قوله: (وتزَادُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ) احترز بشدة الحرّ من مطلقه. قال فِي " التوضيح ": كذا صرّح بقيده غير واحد، وهذا هو التأخير للإبراد، ولم يذكر هنا قدر الزيادة، وقد حصّل ابن عرفة فيه أربعة أقوال: الأول: لنحو ذراعين. قاله الباجي. الثاني: فوقهما بيسير، حكاه المازري عن ابن حبيب. الثالث: ما لَمْ يخرج الوقت، حكاه اللخمي والمازري وابن العربي عن ابن عبد الحكم. الرابع: لا ينتهي لآخر وقتها. حكاه أبو محمد عن أشهب. وصوّب المازري كونه لانقطاع حرّ يومه المعين ما لَمْ يخرج الوقت. قال ابن عرفة: وهذا يوجب اختلاف الوقت عَلَى الجماعة. قال فِي " التوضيح ": وقول ابن رشد وابن
هارون: ظاهر المدوّنة أنه لا يزاد عَلَى ذراع ليس بجيّد؛ لأنه فِي " المدوّنة " لَمْ يتكلم عَلَى الإبراد، وإنما تكلّم عَلَى التأخير لاجتماع الناس كما فسّره الباجي (¬1). وَتُصَلَّى الْمَغْرِبُ إِلا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ والْوِرْدَ قَبْلَ الْفَرْضِ لِنَائِمٍ عَنْهُ. قوله: (وتُصَلَّى الْمَغْرِبُ). فيه تنبيه عَلَى أنه لا يتنفل بعد الغروب، وقبل صلاة المغرب. قال ابن رشد: لا خلاف بين أهل العلم أن الصلاة [قد حلّت] (¬2) بغروب الشمس؛ إلا أن صلاة المغرب قد وجبت بالغروب، فلا ينبغي لأحدٍ أن يصلي نفلاً قبل صلاة المغرب قال: وهذا هو الأظهر، وقاله مالك؛ لثلاثة أوجه: أحدها: حمايةً للذرائع؛ لأن ذلك لو أبيح للناس كثر ذلك من فعلهم، فكان سبباً لتأخير المغرب عن وقتها المختار، أو عن أول وقتها عَلَى مذهب من رأى لها وقتين فِي الاختيار. الثاني: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بين كلِّ أَذانين صلاة ما عدا المغرب " (¬3). الثالث: استمرار العمل من عامّة العلماء عَلَى ترك الركوع فِي هذا الوقت، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يفعله ولا أبو بكر ولا عمر، إذ لو فعلوا ذلك لنقل عنهم. قال: وقد قال مالك أيضاً: أدركت بعضهم يفعله. ويتخرّج فيها قول ثالث بالفرق بين الجالس والداخل. وقال اللخمي: يكره لتأخيرها، ولا بأس به إِلَى أن تقام الصلاة لحديث البخاري ومسلم. (¬4) [8 / أ] ¬
وجِنَازَةً وسُجُودَ تِلاوَةٍ قَبْلَ إسْفَارٍ واصْفِرَارٍ. وقَطَعَ مُحْرِمٌ بِوَقْتِ نَهْيٍ. قوله: (وجِنَازَةً وسُجُودَ تِلاوَةٍ قَبْلَ إسْفَارٍ واصْفِرَارٍ) أي: فهما جائزان، أمّا سجود التلاوة فعلى مذهب " المدوّنة " و " الرسالة " (¬1)، وأمّا الجنازة فباتفاق. وقد قال ابن عرفة ونَقْل ابن شاس وتابعيه منعهما بعد الصبح والعصر عن " الموطأ " وهم (¬2)، بل نقل أبو عمر الإجماع عَلَى جوازها حينئذ (¬3). وجَازَتْ بِمَرْبِضِ بَقَرٍ، أَوْ غَنَمٍ كَمَقْبَرَةٍ، ولَوْ لِمُشْرِكٍ ومَزْبَلَةٍ ومَحَجَّةٍ ومَجْزَرَةٍ (¬4) إِنْ أُمِنَتْ مِنَ النَّجِسِ، وإِلا فَلا إِعَادَةَ عَلَى الأَحْسَنِ إِنْ لَمْ تَتَحَقَّقَ. قوله: (وَمَزْبَلَةٍ ومَحَجَّةٍ ومَجْزَرَةٍ إِنْ أُمِنَتْ مِنَ النَّجِسِ، وإِلا فَلا إِعَادَةَ عَلَى الأَحْسَنِ إِنْ لَمْ تَتَحَقَّقَ) ظاهرة نفي الإعادة فِي الثلاثة رأساً عَلَى الأحسن إن لَمْ تتحقق النجاسة، وهو خلاف ما شهره فِي " التوضيح " من ثبوت الإعادة الوقتية، ونصّه: " إن تيقّن النجاسة أو الطهارة فِي الثلاث فواضح، وإن لَمْ يتيقن فالمشهور أنه يعيد فِي الوقت بناءً عَلَى الأصل. ¬
وقال ابن حبيب: يعيد أبداً بناءً عَلَى الغالب وهذا إِذَا صلى فِي الطريق اختياراً، وأمّا إن صلى فيها لضيقٍ فِي المسجد فإنه يجوز، نصّ عَلَى ذلك فِي " المدوّنة " وغيرها. المازري: ورأيت فيما علّق عن ابن الكاتب وابن مناس: أن من صلى عَلَى قارعة الطريق لا يعيد إلا أن تكون النجاسة فيها عيناً قائمة " (¬1). انتهى. وكذلك صرّح ابن بشير بمشهورية الإعادة الوقتية فِي الثلاث، فينبغي أن يحمل كلامه هنا عَلَى نفي الإعادة الأبدية دون الوقتية عَلَى الأحسن (¬2)؛ وعَلَى هذا فدليل صيغة التفصيل أن الأحسن إثبات الإعادة الأبدية. وهو قول ابن حبيب؛ لكن إنما قاله فِي العامد والجاهل، وأما الناسي ففي الوقت، وكذا نقله ابن عرفة، ولا يتجّه حمل كلام المصنف هنا عَلَى ما علّق عن أبي موسى بن مناس (¬3) وأبي القاسم بن الكاتب؛ لأنه خاص بالطريق (¬4). وكُرِهَتْ بِكَنِيسَةٍ، ولَمْ يُعَدْ. قوله: (وكُرِهَتْ بِكَنِيسَةٍ، ولَمْ يُعَدْ) لعله يريد أيضاً: ولم يعد أبداً بل فِي الوقت؛ لأن حاصل المسألة عَلَى ما عند ابن عرفة: أن الصلاة تكره بالكنيسة العامرة اختياراً، فإن تحقق نجاستها فواضح، وإلاّ فقال مالك فِي سماع أشهب: يعيد فِي الوقت ما لَمْ يضّطر فإن اضطر فلا يعيد، وعليه حمل ابن رشد " المدوّنة "، وقال سحنون: يعيد فِي الوقت مختاراً كان أو مضطراً، وقال ابن حبيب: يعيد الجاهل أبداً، وغيره فِي الوقت وإن اضطر. انتهى. فأنت ترى هذه الأقوال ليس فِي شيءٍ منها نفي الإعادة الوقتية عن غير المضطر، وحمل كلام المصنف عَلَى المضطر بعيد، وأما الدارسة من آثار أهلها فقال ابن حبيب: لا بأس بالصلاة فيها. ابن رشد: اتفاقاً إن اضطر لنزولٍ بها، وإلاّ كره عَلَى ظاهر قول عمر (¬5). ¬
وَبِمَعْطِنِ إبِلٍ ولَوْ أَمِنَ، وفِي الإِعَادَةِ قَوْلانِ. قوله: (وبِمَعْطِنِ إبِلٍ ولَوْ أَمِنَ، وفِي الإِعَادَةِ قَوْلانِ)، وهذا أيضاً مما يقرب من مساعدة النقول إِذَا تأولناه عَلَى معنى، وفِي حدّ الإعادة الثانية (¬1) قَوْلانِ الأبدية والوقتية، فقد قال هو بنفسه فِي " التوضيح ": اختلف إِذَا وقعت الصلاة فيه؟ فقال ابن حبيب: إن كان عامداً أو جاهلاً أعاد أبداً، وإن كان ناسياً أعاد فِي الوقت، وقيل: بل فِي الوقت مطلقاً. انتهى. وهو نقل صحيح ذكره فِي " النوادر "، ونسب الثاني لأصبغ وزاد: روى يحيي بن يحيي عن ابن القاسم: لو سلم من أن يخرج الناس فيه فلا بأس بالصلاة فيه. انتهى. ومنه يصح نقل ابن عرفة - والله تعالى أعلم - وإِلَى رواية يحيي أشار بقوله: (ولو أمن) (¬2). ومَنْ تَرَكَ فَرْضاً أُخِّرَ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا مِنْ الضَّرُورِيِّ وقُتِلَ بِالسَّيْفِ حَدَّاً، ولَوْ قَالَ أَنَا أَفْعَلُ، وصَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُ فَاضِلٍ، ولا يُطْمَسُ قَبْرَهُ، لا فَائِتَةً عَلَى الأَصَحِّ، والْجَاحِدُ كَافِرٌ. قوله: (وقُتِلَ بِالسَّيْفِ حَدَّاً) أي: ضربت عنقه بالسيف وكذا فِي سماع أشهب. وقال ابن العربي: قال متأخروا علمائنا: لا يقتل ضربةً بالسيف، ولكنه ينخس بالحديد حتى تفيض نفسه، أو يقوم بالحقّ الذي عليه من فعلها، قال: وبهذا أقول (¬3). ¬
فصل الأذان والإقامة
فصل [الأذان والإقامة] سُنَّ الأَذَانُ لِجَمَاعَةٍ طَلَبَتْ غَيْرَهَا، فِي فَرْضٍ وَقْتِيٍّ ولَوْ جُمُعَةً، وهُوَ مُثَنَّى ولَوْ الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مُرَجَّعُ الشَّهَادَتَيْنِ، بِأَرْفَعَ مِنْ صَوْتِهِ أَوَّلاً مَجْزُومٌ بِلا فَصْلٍ ولَوْ بِإِشَارَةٍ لِكَسَلامٍ، وبَنَى إِنْ لَمْ يَطُلْ غَيْرُ مُقَدَّمٍ عَلَى الْوَقْتِ إلا الصُّبْحَ فَبِسُدُسِ اللَّيْلِ. وصِحَّتُهُ بِإِسْلامٍ وعَقْلٍ وذُكُورَةٍ وبُلُوغٍ. ونُدِبَ مُتَطَهِّرٌ صَيِّاتٌ مُرْتَفِعٌ قَائِمٌ مُسْتَقْبِلٌ إِلا لِعُذْرٍ كإِسْمَاعٍ وحِكَايَتُهُ لِسَامِعِهِ لِمُنْتَهَى الشَّهَادَتَيْنِ مَثْنًى ولَوْ مُتَنَفِّلاً لا مُفْتَرِضاً، وأَذَانُ فَذٍّ إِنْ سَافَرَ لا جَمَاعَةٍ لَمْ تَطْلُبْ [غَيْرَهَا] (¬1) عَلَى الْمُخْتَارِ. وجَازَ أَعْمَى، وتَعَدُّدُهُمْ وتَرَتُّبُهُمْ إلا الْمَغْرِبَ، وجَمْعُهُمْ كُلٌّ عَلَى أَذَانِهِ وإِقَامَةُ غَيْرِ مَنْ أَذَّنَ وحِكَايَتُهُ قَبْلَهُ. وأُجْرَةٌ عَلَيْهِ أَوْ مَعَ صَلاةٍ، وكُرِهَ عَلَيْهَا أوَ سَلامٌ عَلَيْهِ كَمُلَبٍّ وإِقَامَةُ رَاكِبٍ، أَوْ مُعِيدٌ لِصَلاتِهِ كَأِذَانِهِ. وتُسَنُّ إقَامَةٌ مُنفْرَدَةٌ وثُنِّيَ تَكْبِيرُهَا لِفَرْضٍ وإِنْ قَضَاءً، وصَحَّتْ ولَوْ تُرِكَتْ عَمْداً، وإِنْ أَقَامَتِ الْمَرْأَةُ سِرَّاً فَحَسَنٌ، ولْيُقَمْ مَعَهَا أَوْ بَعْدَهَا بِقَدْرِ الطَّاقَةِ. قوله: (أَوْ مُعِيدٌ لِصَلاتِهِ كَأِذَانِهِ) أي: وكره إقامة معيد لصلاته كما كره أذان المعيد لصلاته. وقال ابن الحاجب: ولا يؤذن ولا يقيم (¬2) من صلى تلك الصلاة (¬3). فظاهرهما مثل ظاهر اللخمي أنه لا يؤذن للتي صلاّها، ولو كان لَمْ يؤذن لها أولاً. وقد قال ابن عرفة: قال اللخمي عن أشهب: لا يؤذن لصلاةٍ من صلاها، ويعيدون الإِذَان والإقامة ما لَمْ يصلّوا، ونقله أبو محمد والتونسي وابن يونس: لا يؤذّن لصلاةٍ من صلاها وأذّن لها (¬4)، وروى ابن وهب: جواز أذان من أذن بموضعٍ ولَمْ يصل - فِي آخر، فَنقْل ابن عبد السلام منعه لأشهب وجوازه لبعض الأندلسيين: وهمٌ وقصور؛ لمفهوم نقل من ذكرنا، ورواية ابن وهب. انتهى. يعني أن الوهم فِي نسبة المنع لأشهب، وإنما مفهوم نقل الأشياخ الثلاثة عنه الجواز، والقصور فِي عدم الوقوف عَلَى رواية ابن وهب، حتى أخذ الجواز من يد بعض ¬
شروط صحة الصلاة
الأندلسيين؛ مع أن رواية ابن وهب عند اللخمي وغيره، فالأقسام ثلاثة: الأول: أذن لها وصلاّها. الثاني: صلاها ولَمْ يُؤذِّن لها، وقد تناولهما كلام المصنف وفاقاً لإطلاق اللخمي. الثالث: أذّن لها ولم يُصلّها، وحَملُ كلام المصنف عليه غير سديد؛ لاتفاق رواية ابن وهب، ومفهوم نقل الثلاثة [8 / ب] عن أشهب، وقول بعض الأندلسيين عَلَى جواز أذانه لها ثانياً، ولا يعلم لهم مخالف، فتدبره. وبالله تعالى التوفيق. [شروط صحة الصلاة] شُرِطَ لِصَلاةٍ طَهَارَةُ حَدَثٍ وخَبَثٍ، وإِنْ رَعَفَ قَبْلَهَا ودَامَ أَخَّرَ لآخِرِ الاخْتِيَارِيِّ، وصَلَّى أَوْ فِيهَا وإِنْ عِيداً أَوْ جِنَازَةً وظَنَّ دَوَامَهُ لَهُ. أَتَمَّهَا إنْ لَمْ يُلَطِّخْ فُرُشَ مَسْجِدٍ. قوله: (أَتَمَّهَا إنْ لَمْ يُلَطِّخْ فُرُشَ مَسْجِدٍ) هذا الشرط لابد منه، ولا أعرفه فِي هذا الفرع بعينه إلاّ للشرمساحي؛ فإنه قال: فإن علم أنه لا ينقطع فلا معنى لقطع صلاته التي شرع فيها، وسواءً كان فِي بيته أو مسجد إِذَا كان محصباً، أو تراباً لا حصير عليه؛ لأن ذلك ضرورة، فيغسل الدم بعد فراغه، كما ترك الأعرابي يتمّ بوله فِي المسجد (¬1). انتهى. فإن كان فِي مسجد محصر (¬2) وخشي تلويثه قطع. وأَوْمَأَ لِخَوْفِ تَأَذِّيهِ أَوْ تَلَطُّخِ ثَوْبِهِ لا جَسَدِهِ. قوله: (وأَوْمَأَ لِخَوْفِ تَأَذِّيهِ أَوْ تَلَطُّخِ ثَوْبِهِ لا جَسَدِهِ) أي: إِذَا قلنا يتمها ولا يقطع، فإنه يجوز أن يوميء لخوف تأذي جسمه اتفاقاً، ولخوف تلطخ ثوبه. قال فِي " المقدمات ": ¬
إجماعاً، وحكى غيره قولين: الجواز عن ابن حبيب وعدمه عن ابن مسلمة، وعَلَى الإيماء فقال فِي " تهذيب الطالب ": يوميء للركوع من قيام وللسجود من جلوس، وأما الخوف من تلطّخ بدنه فلا يبيح له الإيماء اتفاقاً؛ إذ الجسد لا يفسد. هذا تحصيله فِي " التوضيح " (¬1). وإِنْ لَمْ يَظُنَّ ورَشَحَ فَتَلَهُ بِأَنَامِلِ يُسْرَاهُ. قوله: [(وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ ورَشَحَ فَتَلَهُ بِأَنَامِلِ يُسْرَاهُ) أي: الخمس العليا هذا ظاهر كلام الباجي خلاف ظاهر " المدوّنة "، بيّنه ابن عرفة فقال: وقول الباجي] (¬2) عليا أنامل اليد اليسرى (¬3)، وقوله عن ابن نافع: عليا الأنامل الأربع قليل، يقتضي قصره عَلَى يد واحدة، وفيها فتله بأصابعه وأتمّ، فجاء بنصّ " المدوّنة " بعد كلام الباجي تنبيهاً عَلَى أن ظاهرها عدم الاقتصار عَلَى يدٍ واحدة ولذا قال أبو الحسن الصغير: فإن تخضّبت عليا أنامل اليسرى انتقل إِلَى عليا أنامل اليمنى، وقد قال الشارمساحي: وهو الذي يسميه المشارقة: مجهول الجلاب. وقيل: وأصابع اليمنى كذا فِي نسختي بالواو عَلَى الجمع. وأما المصنف فِي " التوضيح " فإنما حكى عنه قولين فِي كون الفتل باليمنى فقط أو باليسرى فقط، ومثل ما للباجي لابن يونس عن مالك فِي المجموعة، وجعله ابن عبد السلام [المذهب] (¬4) فقال: وقالوا بأنامله الأربع مع أنه كالمتبريء قال فِي " التوضيح ": أي يفتله بإبهامه وعليا أنامله الأربع (¬5). فَإِنْ زَادَ عَلَى دِرْهَمٍ قَطَعَ. قوله: (فَإِنْ زَادَ عَنْ دِرْهَمٍ قَطَعَ) جعل هنا الدرهم من حيّز اليسير، وجعله فِي ¬
المعفوات من حيّز الكثير حيث قال: (ودُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا (¬1)). فجمع بين القولين. قال فِي " التوضيح " فإن زاد إِلَى الوسطى قطع. هكذا حكى الباجي، وحكى ابن رشد: أن الكثير هو الذي يزيد إِلَى الأنامل الوسطى بقدر الدرهم فِي قول ابن حبيب وأكثر منه فِي رواية ابن زياد. انتهى. وفهم ابن عرفة قول ابن رشد عَلَى التفسير للمذهب فقال: وقليل (¬2) غيرها كدم غيره، ويؤيده أن ابن يونس فسّر به رواية المجموعة السابقة، ونحوه لعبد الحق فِي النكت، ولغير واحد (¬3). إن لَطَّخَهُ أَوْ خَشِيَ تَلَوُّثَ مَسْجِدٍ. قوله: (إنْ لَطَّخَهُ أَوْ خَشِي تَلَوُّثَ مَسْجِدٍ) أما إن لطخ الزائد جسده أو ثوبه فيقطع، وأما إن خشي تلوث مسجد، وكان المسجد مفروشاً فلا يجوز له الفتل أصلاً، بل يخرج من أول ما يرشح، حكاه فِي " الذخيرة " عن سند بن عنان قال: وإنما شرع الفتل فِي المسجد المحصّب غير المفروش حتى ينزل المفتول فِي خلال الحصباء (¬4). وإِلا فَلَهُ الْقَطْعُ ونُدِبَ [له] (¬5) الْبِنَاءُ، فَيَخْرُجُ مُمْسِكَ أَنْفِهِ لِيَغْسِلَ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ أَقْرَبَ مَكَانٍ مُمْكِنٍ قَرُبَ. قوله: (وإِلا فَلَهُ الْقَطْعُ ونُدِبَ الْبِنَاءُ) أي: فإن لَمْ يرشح فقط بل سال أو قطر ولَمْ يتلطخ منه بكثير فالقطع مباح والبناء مندوب، تغليباً للعمل، هذا قول مالك، وعكس ابن القاسم تغليباً للقياس؛ إلاّ أنه قال: يقطع بسلام أو كلام، فإن ابتدأ وم يتكلّم أعاد الصلاة حكاه فِي " المقدمات " (¬6). ¬
ويَسْتَدْبِرْ قِبْلَةً بِلا عُذْرٍ [6 / ب] أوَ يَطَأُ نَجَساً ويَتَكَلَّمْ ولَوْ سَهْواً إنْ كَانَ بِجَمَاعَةٍ واسْتَخْلَفَ الإِمَامُ وفِي بِنَاءِ الْفَذِّ خِلافٌ وإِذَا بَنَى لَمْ يَعْتَدَّ إِلا بِرَكْعَةٍ كَمُلَتْ وأَتَمَّ مَكَانَهُ إنْ ظَنَّ فَرَاغَ إمَامِهِ وأَمْكَنَ وإِلا فَالأَقْرَبُ إلَيْهِ وإِلا بَطَلَتْ ورَجَعَ إنْ ظَنَّ بَقَاءَهُ أَوْ شَكَّ ولَوْ بِتَشَهُّدٍ، وإِنْ لَمْ يُتِمَّ رَكْعَةً فِي الْجُمُعَةِ ابْتَدَأَ ظُهْراً بِإِحْرَامٍ وسَلَّمَ وانْصَرَفَ إِنْ رَعَفَ بَعْدَ سَلامِ إِمَامِهِ لا قَبْلَهُ. قوله: (ويَسْتَدْبِرُ قِبْلَةً بِلا عُذْرٍ) كذا صرح به ابن العربي وهو المفهوم من كلام اللخمي وسند. وفِي الْجُمُعَةِ مُطْلَقاً لأَوَّلِ الْجَامِعِ وإِلا بَطَلَتَا. قوله: (وإِلا بَطَلَتَا) أي بطلت الصلاتان الأولى غير الجمعة، إن ظن بقاءه أو شكّ ولَمْ يرجع. الثانية: [الجمعة] (¬1) إن خالف فيها ما أمر به فلم يرجع للجامع أو رجع فجاوز أول الجامع، هذا أعم ما يحمل عليه، وأمّا مجاوزة المكان القريب الممكن فِي المسألة السابقة فلا يتناوله لتقدمه فِي قوله أولا: ([وإلا] (¬2) بطلت). ولا يَبْنِي بِغَيْرِهِ كَظَنِّهِ فَخَرَجَ فَظَهَرَ نَفْيُهُ. قوله: (كظنه فَخَرَجَ فَظَهَرَ نَفْيُهُ) كذا فِي آخر الصلاة الأول من " المدوّنة " قال فيها: ومن انصرف من الصلاة لحدث أو رعاف ظن أنه أصابه ثم تبين أنه لا شيء به ابتداءً (¬3). انتهى، ونقْله عن غير " المدوّنة " قصور، وعليه: لو كان إماماً ففي صحة صلاة مأمومه. ثالثها إن كان لا يمكنه علم كذي ظلمة. ومَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ. قوله: (ومَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ). هذا الذي شهره ابن رشد فِي سماع أشهب ¬
من كتاب الصلاة قال: كما لا يفسد صيامه، بخلاف الذي يستقيء طائعاً. انتهى (¬1). وكأنه حمل قوله فِي " المدوّنة ": ومن تقيأ عامداً أو غير عامد ابتدأ الصلاة (¬2) [جملة] (¬3) على غير المغلوب، وفِي بعض المقيّدات [9 / أ] أن نصّ " المدوّنة " فِي هذا مشكل، إلا أن يريد الكثير أو النجس أو المردود بعد إمكان الطرح، وفِي بعضها أنه قيل لأبي الحسن الصغير: لعله أراد أنه إِذَا ذهب للقيء لا يعود للبناء كما فِي الرعاف؟ فقال: صواب إلاّ أن الشيوخ حملوه عَلَى خلاف ذلك. انتهى. ويعضد ما صوّبه قوله بعده: ولا يبني إلاّ فِي الرعاف، وأن أشهب خالف فيه، وكذا نقول هنا: أن غير المغلوب مندرج فِي قول المصنف، ولا يبني بغيره، وصرّح به فِي السهو إذ قال: وبتعمد كسجدة أو نفخ أو أكل أو شرب أو قيء، وقد استوفينا النقول عَلَى هذه المسألة فِي وضعنا عَلَى " المدوّنة " المسمى " بتكميل التقييد وتحليل التعقيد " (¬4). وبالله تعالى التوفيق. وإِذَا اجْتَمَعَ بِنَاءٌ وقَضَاءٌ لِرَاعِفٍ أَدْرَكَ الْوُسْطَيَيْنِ أَواحداهُمَا، أَوْ لِحَاضِرٍ أَدْرَكَ ثَانِيَةَ [صَلاةِ] (¬5) مُسَافِرٍ، أَوْ خَوْفٍ بِحَضَرٍ، قَدَّمَ الْبِنَاءَ وجَلَسَ فِي آخِرَةِ الإِمَامِ ولَوْ لَمْ تَكُنْ ثَانِيَتَهُ. قوله: (لِرَاعِفٍ أَدْرَكَ الْوُسْطَيَيْنِ أَو احداهُمَا) يريد: وكذلك الناعس والغافل والمزحوم ونحوهم إِذَا كانوا مسبوقين، ذكره ابن عبد السلام، فلو قال: لكراعف بزيادة الكاف لكان (¬6) أشمل. ¬
فصل
[فصل] هَلْ سَتْرُ عَوْرَتِهِ بِكَثِيفٍ وإِنْ بِإِعَارَةٍ، أَوْ طَلَبَ، أَوْ نَجِسٍ وحْدَهُ، كَحَرِيرٍ. وهُوَ مُقَدَّمٌ شَرْطٌ إِنْ ذَكَرَ وقَدَرَ، وإِنْ بِخَلْوَةٍ لِلصَّلاةِ؟ خِلافٌ. قوله: (وإن بإعارة) أي دون طلب؛ ولذا لَمْ يقل باستعارة، ويدلُّ عَلَى ذلك عطف الطلب عليه. وهِيَ مِنْ رَجُلٍ وأَمَةٍ وإِنْ بِشَائِبَةٍ وحُرَّةٍ مَعَ امْرَأَةٍ بَيْنَ سُرَّةٍ ورُكْبَةٍ ومَعَ أَجْنَبِيٍّ - غَيْرُ الْوَجْهِ والْكَفَّيْنِ. قوله: (بَيْنَ سُرَّةٍ ورُكْبَةٍ) حقيقة البينية تعطي أنهما غير داخلتين وهو الذي اختار من الخلاف فِي المسائل الثلاث، وإن كان بعضها أوكد، زاد فِي " التوضيح ": واعلم أنه إِذَا خشي من الأمة الفتنة وجب الستر لرفع الفتنة، لا لأن ذلك عورة (¬1). وأَعَادَتْ لِصَدْرِهَا، وأَطْرَافِهَا، بِوَقْتٍ، كَكَشْفِ أَمَةٍ فَخْذاً، لا رَجُلٍ، ومَعَ مَحْرَمٍ غَيْرُ الْوَجْهِ والأَطْرَافِ، وتَرَى مِنَ الأَجْنَبِيِّ مَا يَرَاهُ مِنْ مَحْرَمِهِ، ومِنَ الْمَحْرَمِ كَرَجُلٍ مَعَ مِثْلِهِ، ولا تُطْلَبُ أَمَةٌ بِتَغْطِيَةِ رَأْسٍ. قوله: (وأَعَادَتْ لِصَدْرِهَا، وأَطْرَافِهَا، بِوَقْتٍ) يريد وكذا لشعرها كما فِي " المدوّنة "، والوقت فِي الظهرين للاصفرار، وفِي العشاءين الليل كلّه عَلَى مذهب " المدوّنة " (¬2). فإن قلت: فلم سكت عن الشعر وأجمل الوقت؟ قلت: لأنه سيقول بعد: (وأَعَادَتْ إنْ رَاهَقَتْ لِلِاصْفِرَارِ كَكَبِيرَةٍ إنْ تَرَكَتْ الْقِنَاعَ)، وفيه تلويح ببيان الوقت لاتحاد الباب وتصريح بمسألة الشعر. فائدة: المعيدون فيها ثلاثون: عشرة للاصفرار، وعشرة للغروب وعشرة لآخر المختار، وقد كنت نظمت أصولهم فِي ثلاث أبيات فقلت: ¬
لِوَقْتِ الاصْفِرَارِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ... طُهْرَانِ لَيْسَ قبلة مبينة ومطلق العُذرِ إِلَى الغروب ... كالْعَجزِ عن طُهْرٍ وكالترتيب ولاختيار مقتدٍ بِمُبْتَدِعِ ... ومُطْلَقُ الْمَسْح ففصل تطلع أي: فصل الطهرين لخمسة وهي: من توضأ بماء (¬1) مختلف فِي نجاسته، ومن تيمم عَلَى موضعٍ نجس، ومن صلى ومعه جلد ميتة [ونحوه، ومن صلى بثوبٍ نجس، ومن صلى عَلَى مكانٍ نجس] (¬2). وفصّل الُلبس بضم اللام، وهو اللباس لثلاثة وهي: الحرة إِذَا صلّت بادية الشعر أو الصدر أو ظهور القدمين، ومن صلى بثوب حرير، ومن صلى بخاتم ذهب. وفصّل القبلة لاثنين: من أخطأ القبلة، ومن صلى فِي الكعبة أو فِي الحجّر فريضة. فهذه عشرة. وفصّل مطلق العذر لسبعة وهي: الكافر يسلم، والصبي يحتلم، والمرأة تحيض و (¬3) تطهر، والمصاب يفيق أو عكسه، والمسافر يقدم أو عكسه، ومن صلى فِي السفر أربعاً، ومن عسر تحويله إِلَى القبلة. وفصّل الترتيب إِلَى اثنين هما: من صلى صلوات وهو ذاكر لصلاة، وتارك ترتيب المفعولات إلى (¬4) العاجز عن طهر الخبث، كمن صلى بثوبٍ نجس لا يجد غيره، فهذه عشرة. ¬
وفصّل مطلق المسح لتسعة وهي: من تيمم إِلَى الكوعين، وناسي الماء فِي رحله، والخائف من سبعٍ ونحوه، والراجي، والموقن إِذَا تيمم أول الوقت، واليائس إِذَا وجد الماء الذي قدره، والمريض [الذي] (¬1) لا يجد مناولاً، والماسح عَلَى ظهور الخفين دون بطونهما، والمستجمر بفحمٍ ونحوه، والمقتدي بالمبتدع، فهذه عشرة، فالمجموع ثلاثون، وإطلاق الإعادة فِي جميعهم تغليب. ونُدِبَ سَتْرُهَا بِخَلْوَةٍ ولأُمِّ ولد، وصَغِيرَةٍ، سَتْرٌ وَاجِبٌ عَلَى الْحُرَّةِ، وأَعَادَتْ إِنْ رَاهَقَتْ لِلاصْفِرَارِ، كَكَبِيرَةٍ، إِنْ تَرَكَتِ الْقِنَاعَ، كَمُصَلٍّ بِحَرِيرٍ، وإِنِ انْفَرَدَ، أَوْ بِنَجِسٍ بِغَيْرٍ أَوْ بِوُجُودِ مُطَهِّرٍ. قوله: (ونُدِبَ سَتْرُهَا بِخَلْوَةٍ) أي: وندُب ستر العورة فِي غير الصلاة [فِي الخلوة] (¬2)، وأما فِي الصلاة فقد تقدّم، ولا يليق أن يحمل كلامه إلاّ عَلَى هذا. وإِنْ ظَنَّ عَدَمَ صَلاتِهِ وصَلَّى بِطَاهِرٍ لا عَاجِز صَلَّى عُرْيَاناً. قوله: (لا عَاجِزٌ صَلَّى عُرْيَاناً) هذا قول ابن القاسم فِي سماع عيسى: أنه لا يعيد إن وجد ثوباً فِي الوقت، ولَمْ يحك ابن رشد غيره، (¬3) وقال المازري: المذهب يعيد فِي الوقت. قال ابن عرفة: وتبعوه. [انتهى، ولَمْ يتبعه المصنف] (¬4). وتَلَثُّمٌ كَكَشْفِ مُشْتَرٍ (¬5) صَدْراً أَوْ سَاقاً وصَمَّاءُ بِسَتْرٍ وإِلا مُنِعَتْ كَاحْتِبَاءٍ لا سَتْرَ مَعَهُ وعَصَى. قوله: (كَكَشْفِ مُشْتَرٍ صَدْراً أَوْ سَاقاً) يعني: أنه يكره لمشتري الأمة كشف صدرها أو ساقها للتقليب، ذكره اللخمي عن مالك فِي " الواضحة ": أنه يكره للرجل أن يكشف ¬
[من الأمة] (¬1) عند استعراضه إياها شيئاً، لا معصماً ولا صدراً ولا ساقاً، وفِي بعض النسخ (مسدل) عوض (مشتر) والمعروف فِي اللغة سادل من سدل ثلاثيًا (¬2). وَصَحَّتْ إِنْ لَبِسَ حَرِيراً، أَوْ ذَهَباً، أَوْ سَرَقَ، أَوْ نَظَرَ مُحَرَّماً فِيهَا، وإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلا سِتْراً لأَحَدِ فَرْجَيْهِ فَثَالِثُهَا يُخَيَّرُ، ومَنْ عَجَزَ صَلَّى عُرْيَاناً، فَإِنِ اجْتَمَعُوا بِظَلامٍ فَكَالْمَسْتُورِينَ، وإِلا تَفَرَّقُوا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صَلَّوْا قِيَاماً، غَاضِّينَ، إِمَامُهُمْ وَسَطَهُمْ، فَإِنْ عَلِمَتْ فِي صَلاةٍ بِعِتْقٍ مَكْشُوفَةُ رَأْسٍ أَو وَجَدَ عُرْيَانٌ ثَوْباً اسْتَتَرَا، [7 / أ] إِنْ قَرُبَ، وإِلا أَعَادَا بِوَقْتٍ، وإِنْ كَانَ لِعُرَاةٍ ثَوْبٌ صَلَّوْا أَفْذَاذاً، أَوْ لأَحَدِهِمْ، نُدِبَ لَهُ إِعَارَتَهُمْ. قوله: (أَوْ نَظَرَ مُحَرَّماً) [9 / ب] ظاهره: حتى عورة إمامه، وعورة نفسه خلافاً لابن عيشون الطليطلي، إذ نقل عنه ابن عرفة وغيره: أن من نظر عورة إمامه أو نفسه بطلت صلاته بخلاف غيرهما ما لَمْ يشغله ذلك أو يتلذذ به. انتهى. فقف عَلَى جعله النظر إِلَى عورة نفسه محرماً وقادحاً، إلاّ أن هذا فِي الصلاة، وأمّا فِي غيرها فغاية ما ذكر أبو عبد الله بن الحاجّ فِي المدخل: أن من آداب الأحداث أن لا ينظر إِلَى عورته ولا إِلَى الخارج منها إلا لضرورة. والله سبحانه أعلم (¬3). ¬
فصل
[فصل] ومَعَ الأَمْنِ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ، فَإِنْ شَقَّ فِفِي الاجْتِهَادِ نَظَرٌ، وإِلا فَالأَظْهَرُ جِهَتُهَا اجْتِهَاداً، كَإِنْ نُقِضَتْ. قوله: (وإِلا فَالأَظْهَرُ جِهَتُهَا اجْتِهَاداً) ظاهره أن هذا الاستظهار لابن رشد، ولَمْ أجده له فِي " البيان " ولا فِي " المقدمات "، وإنما وجدته لابن عبد السلام، وهو ظاهر كلام غير واحد (¬1). وَبَطَلَتْ إِنْ خَالَفَهَا، وإِنْ صَادَفَ. وصَوْبُ سَفَرِ قَصْرٍ لِرَاكِبِ دَابَّةٍ فَقَطْ. وإِنْ بِمَحْمِلٍ بَدَلٌ فِي نَفْلٍ، وإِنْ وِتْراً، وإِنْ سَهُلَ الابْتِدَاءُ لَهَا. قوله: (وبَطَلَتْ إِنْ خَالَفَهَا) وجدت معلقاً عليه بخطّ شيخنا الفقيه الحافظ أبي عبد الله القوري: صوابه إن خالفه، أي: إن خالف اجتهاده (¬2). لا سَفِينَةٍ فَيَدُورُ مَعَهَا إِنْ أَمْكَنَ، وهَلْ إِنْ أَوْمَأَ أَوْ مُطْلَقاً؟ تَأْوِيلانِ،، ولا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ غَيْرَهُ. ولا مِحْرَاباً إِلا لِمِصْرٍ، وإِنْ أَعْمَى وسَأَلَ عَنِ الأَدِلَّةِ، وقَلَّدَ غَيْرُهُ مُكَلَّفاً عَارِفاً أَوْ مِحْرَاباً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَوْ تَحَيَّرَ مُجْتَهِدٌ تَخَيَّرَ، ولَوْ صَلَّى أَرْبَعاً لَحَسُنَ (¬3) واخْتِيرَ وإِنْ تَبَيَّنَ خَطَأٌ بِصَلاةٍ قَطَعَ غَيْرُ أَعْمَى ومُنْحَرِفٍ يَسِيراً فَيَسْتَقْبِلانِهَا، وبَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ، وهَلْ يُعِيدُ النَّاسِي أَبَداً؟ خِلافٌ. وجَازَتْ سُنَّةٌ فِيهَا، وفِي الْحِجْرِ لأَيِّ جِهَةٍ لا فَرْضٌ فَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ وأُوِّلَ بِالنِّسْيَانِ وبِالإِطْلاقِ. ¬
قوله: (وهَلْ إِنْ أَوْمَأَ أَوْ مُطْلَقاً؟ تَأْوِيلانِ) قد يتبادر من لفظه أن التأولين راجعان للدوران ومفرعان عليه، وإنما هما فِي وجه منع النفل فِي السفينة إيماءً حيثما توجّهت به؛ وذلك أنه قال فِي " المدوّنة ": ولا يتنفل فِي السفينة إيماءً وحيثما توجهت به مثل الدابة (¬1). فتَرَدُّدٌ الشيوخ فِي السبب الذي من أجله منع لك هل لكونه يصلي إيماءً؟ أو لكونه يصلي حيث ما توجهت به. قال عبد الحقّ فِي " التهذيب ": ذكر عن ابن التبان (¬2) أن ذلك لمن يصلّي إيماءً كما شرط، فأما من يركع ويسجد فيجوز له أن يصلي حيثما توجهت به، وخالفه أبو محمد وقال: ليست كالدابّة ولا يتنفل فيها إلا إِلَى القبلة وإن ركع وسجد. انتهى. وقد خرج منه أن التأويلين متفقان عَلَى أنه لا يجوز فِي مذهب " المدوّنة " التنفل فِي السفينة إيماءً، وقد صرّح بذلك الشارمساحي فقال: وفِي التنفل فِي المركب إِلَى غير القبلة [للضرورة] (¬3) قَوْلانِ؛ لكن عَلَى الجواز لابد أن يسجد بخلاف الدابة فإنه يوميء. انتهى. وعبارة المصنف هنا تنبوا (¬4) عن هذا، فمن اغترّ بلفظه ولَمْ يأخذ العلم من أصوله فهم الشيء عَلَى غير وجهه. وقد يمكن ردُّ كلامه إِلَى الصواب، بصرف التأويلين لمجرد المنع المدلول عليه بقوله: (لا سفينة). فتدبره (¬5). وبالله تعالى التوفيق. وبَطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا كَالرَّاكِبِ إِلا لالْتِحَامٍ، أَوْ خَوْفٍ مِنْ كَسَبُعٍ، وإِنْ لِغَيْرِهَا، وإِنْ أَمِنَ أَعَادَ الْخَائِفُ بِوَقْتٍ، وإِلا لِخَضْخَاضٍ لا يُطِيقُ النُّزُولَ بِهِ، أَوْ لِمَرَضٍ، فَيُؤَدِّيهَا عَلَيْهَا كَالأَرْضِ فَلَهَا، وفِيهَا كَرَاهَةُ الأَخِيرِ. ¬
قوله: (وبطَلَ فَرْضٌ عَلَى ظَهْرِهَا) فيه ثلاث نكت: الأولى: ظاهره ولو كان بين يديه قطعة من سطحها وهو صحيح، فإن أهل المذهب لا يفصلون فِي ذلك خلافاً لأبي حنيفة (¬1). ولله درّ ابن عرفة حيث قال: ونقل ابن شاس عن [المازري] (¬2) عن أشهب: إن كان بين يديه قطعة من سطحها فكجوفها (¬3)، واتباع ابن الحاجب (¬4) وشارحيه له وهم؛ إنما نقله المازري عن أبي حنيفة، لا يقال إجراءه عَلَى السمت يوجب بقاء جزء من سطحها، وإلا فلا سمت؛ لأن شاذروانه (¬5) منه فهواؤه سمت. انتهى. وقد وقفت عليه فِي " شرح التلقين " منسوباً لأبي حنيفة لا لأشهب، وممن تبع ابن شاس فِي ذلك القرافي فِي " ذخيرته " (¬6). الثانية: ظاهره أيضاً أن النفل عَلَى ظهرها صحيح وفاقاً لابن الجلاب (¬7) خلافاً لابن حبيب. الثالثة: الفرض فِي مطمورة فِي جوفها أحرى بالبطلان، فقد قال فِي " الطراز ": لو جوّزنا الصلاة فِي الكعبة أو عَلَى ظهرها لَمْ تجز فِي سرب تحتها أو مطمورة؛ لأن البيوت شأنها أن ترفع وليس شأنها أن تنزل؛ ولذلك حكمنا بأن سطوح المساجد كالمساجد فِي الأحكام، بخلاف ما لو حفر تحتها بيتاً فإنه يجوز أن تدخله الحائض والجنب (¬8). ¬
فصل: فرائض الصلاة
[فصل: فَرَائِضُ الصَّلاةِ] (¬1) تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ وقِيَامٌ لَهَا إِلا لِمَسْبُوقٍ فتَأْوِيلانِ، وإِنَّمَا يُجْزِئُ اللهُ أَكْبَرُ، وإِنْ عَجَزَ سَقَطَ، ونِيَّةُ الصَّلاةِ الْمُعَيَّنَةِ، ولَفْظُهُ وَاسِعٌ، وإِنْ تَخَالَفَا فَالْعَقْدُ والرَّفْضُ مُبْطِلٌ، كَسَلامٍ أَوْ ظَنِّهِ فَأَتَمَّ بِنَفْلٍ إِنْ طَالَتْ أَوْ رَكَعَ، وإِلا فَلا، كَأَنْ لَمْ يَظُنَّهُ أَوْ عَزُبَتْ أَوْ لَمْ يَنْوِ الرَّكْعَاتِ أَوِ الأَدَاءَ أَوْ ضِدَّهُ، ونِيَّةُ اقْتِدَاءِ الْمَأْمُومِ، وجَازَ لَهُ دُخُولٌ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الإِمَامُ. وبَطَلَتْ بِسَبْقِهَا إِنْ كَثُرَ وإِلا فَخِلافٌ وفَاتِحَةٌ بِحَرَكَةِ لِسَانٍ عَلَى إِمَامٍ وفَذٍّ وإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ، وقِيَامٌ لَهَا فَيَجِبُ تَعَلُّمُهَا إِنْ أَمْكَنَ، وإِلا ائْتَمَّ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنَا فَالْمُخْتَارُ سُقُوطُهُمَا. ونُدِبَ فَصْلٌ بَيْنَ تَكْبِيرِهِ ورُكُوعِهِ، وهَلْ تَجِبُ الْفَاتِحَةُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَوِ الْجُلِّ؟ خِلافٌ، وإِنْ تَرَكَ آيَةً مِنْهَا سَجَدَ، ورُكُوعٌ تَقْرُبُ رَاحَتَاهُ فِيهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ونُدِبَ تَمْكِينُهُمَا، ونَصْبُهُمَا [7 / ب]، ورَفْعٌ مِنْهُ، وسُجُودٌ عَلَى جَبْهَتِهِ. وأَعَادَ لِتَرْكِ أَنْفِهِ بِوَقْتٍ، وسُنَّ عَلَى أَطْرَافِ قَدَمَيْهِ، ورُكْبَتَيْهِ كَيَدَيْهِ عَلَى الأَصَحِّ، ورَفْعٌ مِنْهُ، وسُجُودٌ (¬2) لِسَلامٍ، وسَلامٌ، عُرِّفَ بِأَلْ، وفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْخُرُوجِ بِهِ خِلافٌ. وأَجْزَأَ فِي تَسْلِيمَةِ الرَّدِ سَلامٌ عَلَيْكُمْ، وعَلَيْكُمُ السَّلامُ، وطُمَأْنِينَتُهُ، وتَرْتِيبُ أَدَاءٍ واعْتِدَالٌ عَلَى الأَصَحِّ. والأَكْثَرُ عَلَى نَفْيِهِ. وسُنَنُهَا سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الأُولَى والثَّانِيَةِ، وقِيَامٌ لَهَا، وجَهْرٌ أَقَلُّهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ ومَنْ يَلِيهِ، وسِرٌّ بِمَحَلِّهِمَا، وكُلُّ تَكْبِيرَةٍ، إِلا الإِحْرَامَ وسَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لإِمَامٍ وفَذٍّ، وكُلُّ تَشَهُّدٍ، والْجُلُوسُ الأَوَّلُ، والزَّائِدُ عَلَى قَدْرِ السَّلامِ مِنَ الثَّانِي وعَلَى الطُّمَأْنِينَةِ، ورَدُّ مُقْتَدٍ عَلَى إِمَامِهِ، ثُمَّ يَسَارِهِ، وبِهِ أَحَدٌ، وجَهْرٌ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ فَقَطْ، وإِنْ سَلَّم عَلَى يَسَارِهِ ثُمَّ تَكَلَّمَ لَمْ تَبْطُلْ، وسُتْرَةٌ لإِمَامٍ وفَذٍّ، إِنْ خَشِيَا مُرُوراً بِطَاهِرٍ ثَابِتٍ، غَيْرِ مُشْغِلٍ، فِي غِلْظِ رُمْحٍ، وطُولِ ذِرَاعٍ، لا دَابَّةٍ وحَجَرٍ واحد وخَطٍّ، وأَجْنَبِيَّةٍ، وفِي الْمَحْرَمِ قَوْلانِ وأَثِمَ مَارٌّ لَهُ مَنْدُوحَةٌ، ومُصَلٍّ تَعَرَّضَ. ¬
قوله: (وَجَازَ لَهُ دُخُولٌ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الإِمَامُ) هذا - والله سبحانه أعلم - خاص بمسألة الجمعة والظهر، ومسألة السفر والإقامة. أمّا الأولى فقال فيها [اللخمي: أجاز أشهب فِي " كتاب محمد " أن يدخل عَلَى نية الإمام وإن لَمْ يعلم فِي أي صلاة هو، فقال] (¬1) فيمن صلى مع الإمام وهو لا يدري أهو يوم الجمعة أو يوم الخميس؟: يجزيه ما صادف من ذلك. وأصله إهلال عليٍّ وأبي موسى - رضي الله تعالى عنهما - فِي حجة الوداع بما أهلّ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وأما الثانية: فقال فيها ابن رشد فِي رسم القبلة من سماع ابن القاسم: ولو دخل خلفهم ينوي صلاتهم وهو لا يعلم إن كانوا مقيمين أو مسافرين لأجزأته صلاته قولاً واحداً، وحجته حديث عليّ وأبي موسى المتقدم - رضي الله تعالى عنهما (¬3) وقال ابن عرفة: قوله: قولاً واحداً. خلاف قول المازري وابن بشير فِي لزوم نية عدد الركعات قَوْلانِ. انتهى. وقد ذكره ابن يونس بزيادة بيان فِي الثانية؛ وذلك أنه حكى عن أشهب عدم الإجزاء فيمن ظنّ الخميس جمعة وعكسه، ثم قال ما نصّه: " ولو أنه حين دخل نوى صلاة إمامه ما صادف من ذلك أجزأه، سحنون مثله "، وقال فِي [10 / أ] مقيم أو مسافر دخل مع إمام لا يدري ما هو، ونوى صلاة إمامه: أجزأه، وإن خالفه، ويتم المقيم بعد المسافر ويتم المسافر مع المقيم. انتهى. وقد أغفله ابن عرفة، واقتصر عَلَى نقل اللخمي وابن رشد المتقدمين (¬4). ¬
سنن الصلاة ومكروهاتها
[سنن الصلاة ومكروهاتها] وَإِنْصَاتُ مُقْتَدٍ، ولَوْ سَكَتَ إِمَامُهُ. ونُدِبَتْ إِنْ أَسَرَّ كَرَفْعِ يَدَيْهِ مَعَ إِحْرَامِهِ حِينَ شُرُوعِهِ وتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ صُبْحٍ، والظُّهْرُ تَلِيهَا، وتَقْصِيرُهَا بِمَغْرِبٍ وعَصْرٍ، كَتَوَسُّطٍ بِعِشَاءٍ، وثَانِيَةٍ عَنْ أُولَى، وجُلُوسُ أَوَّلٍ، وقَوْلُ مُقْتَدٍ وفَذٍّ: رَبَّنَا ولَكَ الْحَمْدُ، وتَسْبِيحٌ بِرُكُوعٍ وسُجُودٍ، وتَأْمِينُ فَذٍّ مُطْلَقاً، وإِمَامٍ بِسِرٍّ، ومَأْمُومٍ بِسِرٍّ، أَوْ جَهْرٍ إِنْ سَمِعَهُ عَلَى الأَظْهَرِ، وإِسْرَارُهُمْ بِهِ، وقُنُوتٌ [سِرَّاً] (¬1) بِصُبْحٍ فَقَطْ، وقَبْلَ الرُّكُوعِ، ولَفْظُهُ وهُوَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ إِلَى ... آخِرِهِ، وتَكْبِيرُهُ فِي الشُّرُوعِ، إِلا فِي قِيَامِهِ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَلاسْتِقْلالِهِ والْجُلُوسُ كُلُّهُ بِإِفْضَاءِ الْيُسْرَى لِلأَرْضِ، والْيُمْنَى عَلَيْهَا وإِبْهَامِهَا لِلأَرْضِ. قوله: (وإِنْصَاتُ مُقْتَدٍ، ولَوْ سَكَتَ إِمَامُهُ) ظاهره أن إنصات المقتدي بالإمام فِي الجهرية سنة، ولو كان إمامه ممن يسكت بين التكبير والفاتحة أو بعد الفاتحة، وهو خلاف ما له فِي " التوضيح " فإنه قال فيه ما نصه: والقراءة مع الإمام فيما يجهر فيه مكروهة، وهذا إِذَا كان الإمام يصل قراءته بالتكبير، فإن كان الإمام ممن يسكت بعد التكبير سكتة، ففي " المجموعة " من رواية ابن نافع عن مالك: يقرأ من خلفه فِي سكتته أم القرآن وإن كان قبل قراءته. قال الباجي: ووجه ذلك أن اشتغاله بالقراءة أولى من تفرغه للوسواس وحديث النفس، إِذَا لَمْ يقرأ الإمام قراءة ينصت لها ويتدبر معها. قال المصنف: وعَلَى هذا إِذَا كان الإمام ممن يسكت بعد الفاتحة كما يفعل الشافعية فيقرؤها المأموم (¬2). انتهى. فظاهر ما فِي " التوضيح ": أنه جعل رواية ابن نافع تفسيراً، وظاهر ما هنا أنه جعلها خلافاً، وأشار لها بلو، وقد اقتصر ابن عرفة عَلَى نقل هذه الرواية من طريق الباجي، ولَمْ يتناول لكونها تقييداً للإطلاقات أو خلافاً لها. والله تعالى أعلم. ¬
وَوَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِرُكُوعِهِ، ووَضْعُهُمَا حَذْوَ أُذُنَيْهِ أَوْ قُرْبَهُمَا بِسُجُودٍ، ومُجَافَاةُ رَجُلٍ فِيهِ بَطْنَهُ فَخْذَيْهِ، ومِرْفَقَيْهِ رُكْبَتَيْهِ، والرِّدَاءُ، وسَدْلُ (¬1) يَدَيْهِ، وهَلْ يَجُوزُ الْقَبْضُ فِي النَّفْلِ، أَوْ إِنْ طَوَّلَ؟ وهَلْ كَرَاهَتُهُ فِي الْفَرْضِ لِلاعْتِمَادِ، أَوْ خِيفَةَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ، أَوْ إِظْهَارِ خُشُوعٍ؟ تَأْوِيلاتٌ. وتَقْدِيمُ يَدَيْهِ فِي سُجُودِهِ، وتَأْخِيرُهُمَا عِنْدَ الْقِيَامِ، وعَقْدُ يُمْنَاهُ فِي تَشَهُّدَيْهِ الثَّلاثَ، مَادَّاً السَّبَّابَةَ والإِبْهَامَ، وتَحْرِيكُهُمَا دَائِماً، وتَيَامُنٌ بِالسَّلامِ، ودُعَاءٌ بِتَشَهُّدٍ [8 / أ] ثَانٍ، وهَلْ لَفْظُ التَّشَهُّدِ والصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سُنَّةٌ أَوْ فَضِيلَةٌ؟ خِلافٌ. قوله: (ووَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِرُكُوعِهِ) يكفي عنه قوله قبل: (وندب تمكينهما منهما)؛ ولذلك يوجد فِي بعض النسخ بإسقاط لفظ (بِرُكُوعِهِ) وخفض لفظ (وَضْعُ) عطفاً عَلَى قوله: (بِإِفْضَاءِ الْيُسْرَى)، فيكون من تمام صفة الجلوس وكأنه اصلاح. ولا بَسْمَلَةَ فِيهَ وجَازَتْ كَتَعَوُّذٍ بِنَفْلٍ. وكُرِهَا بِفَرْضٍ كَدُعَاءٍ قَبْلَ قِرَاءَةٍ، وبَعْدَ فَاتِحَةٍ، وأَثْنَاءَهَا وأَثْنَاءَ سُورَةٍ، ورُكُوعٍ، وقَبْلَ تَشَهُّدٍ، وبَعْدَ سَلامِ إِمَامٍ، وتَشَهُّدٍ أَوَّلَ، لا بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ، ودَعا بِمَا أَحَبَّ، وإِنْ لِدُنْيَا، وسَمَّى مَنْ أَحَبَّ، ولَوْ قَالَ يَا فُلانُ فَعَلَ اللهُ بِكَ كَذَا، لَمْ تَبْطُلْ، وكُرِهَ سُجُودٌ عَلَى ثَوْبٍ لا حَصِيرٍ، وتَرْكُهُ أَحْسَنُ، ورَفْعُ موميء مَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ، وسُجُودٌ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ طَرْفِ كُمٍّ، ونَقْلُ حَصْبَاءَ مِنْ ظِلٍّ لَهُ بِمَسْجِدٍ، وقِرَاءَةٌ بِرُكُوعٍ وسُجُودٍ، ودُعَاءٌ خَاصٌّ أَوْ بِعْجَمِيَّةٍ (¬2) لِقَادِرٍ، والْتِفَاتٌ [بِلا حَاجَةٍ] (¬3)، وتَشْبِيكُ أَصَابِعَ، وفَرْقَعَتُهَا، وإِقْعَاءٌ، وتَخَصُّرٌ (¬4) وتَغْمِيضُ بَصَرِهِ، ورَفْعُهُ رِجْلاً، ووَضْعُ قَدَمٍ عَلَى أُخْرَى، وإِقْرَانُهُمَا وتَفَكُّرٌ بِدُنْيَوِيٍّ، وحَمْلُ شَيْءٍ بِكُمٍّ أَوْ فَمٍ، وتَزْوِيقُ قِبْلَةٍ، وتَعَمُّدُ مُصْحَفٍ فِيهِ لِيُصَلِّيَ لَهُ، وعَبَثٌ بِلِحْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ غَيْرِ مُرَبَّعٍ، وفِي كُرْهِ الصَّلاةِ بِهِ قَوْلانِ. ¬
فصل القيام وبدله
فصل [القيام وبدله] يَجِبُ بِفَرْضٍ قِيَامٌ، إِلا لِمَشَقَّةٍ ولِخَوْفِهِ بِهِ فِيهَا، أَوْ قَبْلُ ضَرَراً كَالتَّيَمُّمِ كَخُرُوجِ رِيحٍ، ثُمَّ اسْتِنَادٌ لا لِجُنُبٍ وحَائِضٍ، ولَهُمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ جُلُوسٌ كَذَلِكَ، وتَرَبَّعَ كَالْمُتَنَفِّلِ، وغَيَّرَ جِلْسَتَهُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ، ولَوْ سَقَطَ قَادِرٌ بِزَوَالِ عِمَادٍ بَطَلَتْ (¬1)، وإِلا كُرِهَ، ثُمَّ نُدِبَ عَلَى أَيْمَنَ، ثُمَّ أَيْسَرَ، ثُمَّ ظَهْرٍ. قوله: (وَلا بَسْمَلَةَ فِيهَ) أي: فِي التشهد. قال فِي " المدوّنة " قال مالك: ولا أعرف فِي التشهد {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (¬2) كذا اختصره أبو سعيد وغيره بزيادة: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وأما البسملة فِي القراءة فقد نبّه عليها بقوله: (وكرها بفرض). وأَوْمَأَ عَاجِزٌ إِلا عَنِ الْقِيَامِ. قوله: (وأَوْمَأَ عَاجِزٌ إِلا عَنِ الْقِيَامِ) أي: أن من عجز عن غير القيام من ركوع وسجود وجلوس، ولَمْ يقدر إلّا عَلَى القيام فإنه يوميء من القيام للركوع والسجود قال فِي " المدوّنة ": وإن لَمْ يقدر إلاّ عَلَى القيام كانت صلاته كلّها قياماً ويوميء بالسجود أخفض من الركوع (¬3). وَمَعَ الْجُلُوسِ أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ مِنْهُ، وهَلْ يَجِبُ فِيهِ الْوُسْعُ ويُجْزِئُ إِنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ؟ تَأْوِيلانِ، وهَلْ يُومِئُ بِيَدَيْهِ أَوْ يَضَعُهُمَا عَلَى الأَرْضِ، وهُوَ الْمُخْتَارُ كَحَسْرِ عِمَامَتِهِ بِسُجُودٍ؟ تَأْوِيلانِ، وإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكُلِّ، وإِنْ سَجَدَ لا يَنْهَضُ، أَتَمَّ رَكْعَةً ثُمَّ جَلَسَ وإِنْ خَفَّ مَعْذُورٌ انْتَقَلَ لِلأَعْلَى، وإِنْ عَجَزَ عَنْ فَاتِحَةٍ قَائِماً جَلَسَ. قوله (ومَعَ الْجُلُوسِ أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ مِنْهُ) أي: وإن لَمْ يقدر إلا عَلَى القيام مع الجلوس، فإنه يوميء للسجود من الجلوس، وأما الركوع فيوميء له من القيام كالذي تقدّم. وقال فِي " المدوّنة ": وإن قدر عَلَى القيام ولَمْ يقدر عَلَى الركوع قام وأومأ لركوعه ومدّ يديه إِلَى ¬
ركبتيه فِي إيمائه، ويجلس ويسجد إن قدر وإلاّ أومأ بالسجود جالساً (¬1)، وظاهر قوله: أومأ للسجود جالساً أن ذلك فِي السجدتين، وبه قطع اللخمي، وهو الذي اعتمده المصنف فأطلق فِي قوله: (أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ مِنْهُ). وذهب أبو إسحاق التونسي النظار إِلَى: أنه يوميء للسجدة الأولى من انحطاطه بعد الركوع؛ لأنه لا يجلس قبلها، فإن تعذر جلس ثم أومأ بها، وعزاه ابن بشير للأشياخ، وهو عَلَى الخلاف فِي الحركة إِلَى الأركان. وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إِلا عَلَى نِيَّةٍ، أَوْ مَعَ إِيمَاءٍ بِطَرْفٍ، فَقَالَ (¬2) وغَيْرُهُ لا نَصَّ، ومُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ، وجَازَ قِدْحُ عَيْنٍ أَدَّى لِجُلُوسٍ، لا اسْتِلْقَاءٍ، فَيُعِيدُ أَبَداً، وصُحِّحَ عُذْرُهُ أَيْضاً، ولِمَرِيضٍ سَتْرُ نَجِسٍ بِطَاهِرٍ، لِيُصَلِّيَ [عَلَيْهِ] (¬3) كَالصَّحِيحِ عَلَى الأَرْجَحِ. قوله: (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إِلا عَلَى نِيَّةٍ، أَوْ مَعَ إِيمَاءٍ بِطَرْفٍ، فَقَالَ وغَيْرُهُ لا نَصَّ، ومُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ) فاعل (قال) هو المازري، والمراد بـ: (غيره) ابن بشير وأتباعه، وقد جعلهما المصنف هنا، وفِي " التوضيح " متواردين عَلَى محلٍ واحد وليس كذلك، بل تكلّم ابن بشير عَلَى الذي لا يقدر إلاّ عَلَى النية، وتكلّم المازري عَلَى من يقدر عَلَى النية مع الإيماء بالطرف، وجوابهما مختلفٌ، عَلَى ما تقف عليه إن شاء الله تعالى من نصّهما. أما المازري فقال فِي " شرح التلقين " ما نصّه: إِذَا لَمْ يستطع المريض أن يوميء برأسه للركوع والسجود فمقتضى المذهب فيما يظهر ليّ: أنّه يوميء بطرفه وحاجبه ويكون مصلياً [به] (¬4) مع النية، وبه قالت الشافعية (¬5)، وقال أبو حنيفة: لا يصلّي فِي هذه الحال وتسقط (¬6). ¬
وأمّا ابن بشير فقال: أمّا العاجز فقد ذكرنا حكمه فِي التكبير والقراءة، وأمّا غيرهما من الأركان فإن عجز عن جميعها بالمرض أو [ما فِي] (¬1) معناه فلا يخلو من أن يقدر عَلَى حركة بعض الأعضاء من رأس أو يدّ أو حاجب .. أو غير ذلك من الأعضاء، فهذا لا خلاف أنه يصلّي ويوميء بما قدر عَلَى حركته، فإن عجز عن جميع ذلك سوى النية بالقلب فهل يصلي أو لا؟ هذه الصورة لا نصّ فيها فِي المذهب، وأوجب الشافعي القصد إِلَى الصلاة، ومذهب أبي حنيفة إسقاط الصلاة عمن وصل إِلَى هذه الحال، وأمّا نحن فقد طال بحثنا عن المذهب فلم نجد فيها نصاً، والذي ينتحله أصحابنا فِي المذاكرات ما قالته الشافعية، مع العجز عن نصٍّ أو دليل يقتضيه، [10 / ب] والاحتياط مذهب الشافعي، والرجوع إِلَى براءة الذمة مذهب أبي حنيفة، ولا يبعد أن يختلف فيها المذهب إن وجد فيها نصّ. انتهى مختصراً. وسلك مسلكه غير واحد كابن الحاجب إذ قال: فلو عجز عن كلّ أمرٍ سوى نيته فلا نصّ، وعن [الشافعي] (¬2) وجوب القصد، وعن أبي حنيفة سقوطه (¬3). وبعد ما نقل المصنف فِي " توضيحه " كلام المازري المتقدّم قال: وعليه فقول ابن الحاجب: عجز عن كلّ أمرٍ سوى نيته ليس بجيّد؛ لأنه يقتضي أنه لو قدر عَلَى تحريك عينيه لزمته الصلاة بلا إشكال، وهو محمل عدم النصّ عَلَى ما قاله المازري. انتهى. فقد جعل كلام المازري وابن بشير فِي معرضٍ واحد، كما فعل فِي " مختصره "، وشبهته فِي ذلك أنهما معاً نسبا الوجوب للشافعي والسقوط لأبي حنيفة، وأنت إِذَا تأملت ¬
ذلك بان لك أن المازري تكلّم عَلَى الذي يقدر عَلَى [بعض] (¬1) الإيماء وذلك بطرفه أو حاجبه مع النية، ولَمْ يصرّح بنفي وجوده فِي المذهب جملة، بل قال: مقتضى المذهب الوجوب، وابن بشير صرّح بأن القادر عَلَى الإيماء بحاجبٍ أو غيره لا خلاف - أي فِي المذهب - أنه يصلّي ويوميء، وإنما نفى النصّ عن العاجز عن جميع ذلك سوى النية بالقلب، ولَمْ يقل مقتضى المذهب الوجوب، بل أقرّ بالعجز عن دليلٍ يقتضيه. ومما يزيد فِي بيان ذلك ما يأتي إن شاء لله تعالى لابن عبد السلام من الاحتمال فيمن تحت الهدم، ولله در ابن عرفة حيث فرّق بين المحلّين، فعزا إلحاق (¬2) الطرف بالظهر والرأس للمازري قائلاً: وفيها الإيماء بظهره أو رأسه، المازري: أو الطرف لمن عجز عن غيره، وعزا نفي النص فِي العجز عن غير النية لابن بشير وأتباعه كما يأتي. إن شاء الله تعالى. تكميل: ناقش المحققون من المتأخرين ابن بشير وأتباعه فِي نفي النصّ فِي مسألة العاجز عن غير النية، فقال العلّامة أبو عبد الله بن عبد السلام إن عنى نصّ الدلالة - كما هو غالب اصطلاح الأصوليين - فهو كذلك؛ لكنه غير اصطلاح الفقهاء، وإن عنى أنه لا نصّ فِي المسألة - ولو عَلَى عادة الفقهاء فِي استعمال لفظ النص فيما أفاد من الألفاظ معنى مع الاحتمال المرجوح أو نفيه - فليس كذلك؛ إذ النصّ بهذا التفسير فِي كتاب ابن الجلاب إذ قال فيه: ولا تسقط عنه الصلاة ومعه شيٌ من عقله، ونحوه فِي " الرسالة " (¬3). انتهى. قال غيره: ولابن بشير وأتباعه أن يمنعوا أن تكون هذه صلاة، ولعل سبب الخلاف بين الحنفي والشافعي: هل النية شرط؟ فلا تجب كسقوط الوضوء عنه بسقوط الصلاة، أو ركن؟ فتجب. وقال الإمام ابن عرفة: قول ابن بشير ومن تبعه: لا نصّ فِي فاقد غير النية، والشافعي يوجب قصدها، والحنفي يسقطها والأول أحوط - قصور؛ لقول ابن ¬
رشد، يعني فِي أول سماع أشهب فِي القوم تنكسر بهم المركب، فيتعلقون بالألواح ونحوها، اختلف إن لَمْ يقدروا عَلَى الصلاة أصلاً بإيماءٍ ولا غيره حتى خرج الوقت، فقيل: إن الصلاة تسقط عنهم وهي رواية معن ابن عيسى عن مالكٍ فِي الذين يكتفهم العدو فلا يقدرون عَلَى الصلاة، وقيل إنها لا تسقط عنهم، وعليهم أن يصلّوا بعد الوقت، وهو قوله فِي " المدوّنة " فِي الذين ينهدم عليهم البيت (¬1). قال ابن عرفة: والظاهر نصّ فقهي، وقال ابن عبد السلام أيضاً فِي قول ابن الحاجب آخر باب: التيمم وفيها: ومن تحت الهدم لا يستطيع الصلاة يقضي (¬2). إنما ذكر مذهب " المدوّنة " هنا لأنه محتمل أن يؤخذ [منه] (¬3) مذهب أصبغ فِي مسألة من لَمْ يجد ماءً ولا تراباً؛ لأنه فِي هذه الحالة يحتمل أن يكون عَلَى غير طهارة ويستطيع أن يحرك أشفار عينيه وشبه ذلك، فيكون المانع له من الصلاة و [عدم] (¬4) استطاعته لها إنما هو لعدم استطاعته للطهارة. وتحتمل [المسألة] (¬5) غير هذا أن يكون عَلَى طهارة (¬6) ولا يكون قادراً عَلَى حركة المضطجع والمريض، لكن يقدر عَلَى ما دون ذلك، كالحركة بأشفار عينيه، فترك الصلاة عَلَى هذه الحالة فيقضي، ويحتمل أن يكون مذهبه فِي المريض الذي لا يستطيع الحركة البتة: القضاء، إِذَا ترك الصلاة بقلبه عَلَى ما هو ظاهر كلام ابن الجلاب (¬7). انتهى. ¬
فصل قضاء الفوائت
وإنما اغترفا معاً من كلام ابن رشد فِي أول سماع أشهب، وفِي سماع أبي زيد، وكلّ الصيد فِي جوف الفرا (¬1). وأما كلام المازري فِي الإيماء بالطرف فقد تلقاه ابن عبد السلام وابن عرفة بالقبول، كما دلّ عليه ما تقدّم من كلامهما؛ لكن تأمله مع كلام ابن رشد فِي المكتوف ومن انكسر به المركب (¬2)، فإنهما غير عاجزين عن الإيماء بالعيون والحواجب. وبالله سبحانه التوفيق (¬3). ولِمُتَنَفِّلٍ جُلُوسٌ ولَوْ فِي أَثْنَائِهَا إِنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الإِتْمَامِ، لا اضْطِجَاعٌ، وإِنْ أَوَّلاً. قوله: (لا اضطجاع وإن أولاً) أي: ليس له الاضطجاع فِي النافلة وإن دخل عليه أولاً وابتدأها به. فصل [قضاء الفوائت] وَجَبَ قَضَاءُ فَائِتَةٍ مُطْلَقاً. قوله: (وَجَبَ قَضَاءُ (¬4) فَائِتَةٍ مُطْلَقاً) أي: فِي حقّ العامد وغيره، ومن أسلم [11 / أ] بدار الحرب وغيرها، والمستحاضة وغيرها. أما العامد فقال عياض: سمعت بعض شيوخنا يحكي: أنه بلغه عن مالك قولةً شاذةً بسقوط قضاء تاركها عمداً، ولا يصحّ عنه ولا عن غيره من الأئمة سوى داود وأبي عبد الرحمن الشافعي، وخرّجه سند عَلَى قول ابن حبيب بتكفيره لأنه مرتدّ تاب، وأمّا الحربي يسلم فنقل المازري فِي قضاء ما تركه ببلد الحرب: الوجوب لسحنون والسقوط لابن عبد الحكم ¬
قال ابن عرفة: لعله عَلَى نقل المتيطي فِي كون من أقرّ بالشهادتين، [وأبى التزام] (¬1) سائر القواعد بعد التشديد عليه مرتداً أو لا؟ قَوْلانِ لأصبغ، والمشهور به [القضاء، وأمّا المستحاضة، فنقل ابن رشد فِي قضائها ما تركته جهلاً مدة استحاضتها ثلاثة] (¬2) أقوال: الأول: الوجوب " للمدونة ". والثاني: السقوط لابن شعبان، وظاهر سماع أبي زيد رواية ابن القاسم. والثالث: تقضي الأيام اليسيرة دون الكثيرة، ابن رشد: وسألت شيخنا أبا جعفر ابن رزق عن رواية أبي زيد هذه، فتأولها بما بينها وبين خمسة عشر يوماً، ويتناول قوله: (مُطْلَقاً). أَيْضاً (¬3) الكثيرة واليسيرة وكون القضاء فِي جميع الأوقات (¬4). وَمَعَ ذِكْرٍ تَرْتِيبُ حَاضِرَتَيْنِ شَرْطاً. قوله: (ومَعَ ذِكْرٍ تَرْتِيبُ حَاضِرَتَيْنِ شَرْطاً) الشرط هو: الذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، فيلزم من عدم ترتيب الحاضرتين مَعَ الذكر أن يعيد التي قدّمها أبداً؛ لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً. وقد حكى فِي " المقدمات " الاتفاق عليه؛ ولكن قال المازري: خرج بعضهم عدم شرط الترتيب من قول مالك: من قدّم عصر يومه عَلَى ظهره جهلاً، ولَمْ يذكر فِي يومه لَمْ يعد. قال ابن عرفة: خرّجه الباجي من رواية علي (¬5) قال: ولابن القاسم نحوه، ابن زرقون: هي خلاف نقل ابن رشد الاتفاق، فلعلّه لَمْ يقف عليها، ومفهوم قوله: (مَعَ ذكر) أنه غير واجب مَعَ النسيان، فلا يعيد إلاّ فِي الوقت، وكذا صرّح به ابن رشد وغيره. والْفَوَائِتُ فِي أَنْفُسِهَا ويَسِيرِهَا [8 / ب] مَعَ حَاضِرَةٍ، وإِنْ خَرَجَ وقْتُهَا، وهَلْ أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ؟ خِلافٌ. ¬
قوله: (والْفَوَائِتُ فِي أَنْفُسِهَا) لَمْ يصف هذا الواجب بالشرطية، فلا يلزم من عدمه عدم؛ فإِذَا لا يعيدها أصلاً ذاكراً أو ناسياً، عَلَى ما مشى عليه المصنّف إذ بالفراغ منها خرج وقتها. فَإِنْ خَالَفَ ولَوْ عَمْداً أَعَادَ بِوَقْتِ الضَّرُورَةِ، وفِي إِعَادَةِ مَأْمُومِهِ خِلافٌ. قوله: (فَإِنْ خَالَفَ ولَوْ عَمْداً أَعَادَ بِوَقْتِ الضَّرُورَةِ) هذا راجعٌ ليسير الفوائت مَعَ الحاضرة، وما ذكر فيه هو مذهب " المدوّنة "، وقطع هنا باعتبار الوقت الضروري كما فعل ابن رشد، وقد حكى فيه اللخمي روايتين (¬1). وإِنْ ذَكَرَ الْيَسِيرَ فِي صَلاةٍ ولَوْ جُمُعَةً قَطَعَ فَذٌّ، وشَفَعَ إِنْ رَكَعَ، وإِمَامٌ ومَأْمُومِهِ لا مُؤْتَمٌّ، فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ [أَوَّلاً] (¬2) ولَوْ جُمُعَةً [وَكَمَّلَ] (¬3)، فَذٌّ بَعْدَ شَفْعٍ مِنَ الْمَغْرِبِ كَثَلاثٍ مِنْ غَيْرِهَا وإِنْ جَهِلَ عَيْنَ مَنْسِيَّةٍ مُطْلَقاً صَلَّى خَمْساً، وإِنْ عَلِمَهَا دُونَ يَوْمِهَا صَلاهَا نَاوِياً لَهُ، وإِنْ نَسِيَ صَلاةً وثَانِيَتَهَا صَلَّى سِتَّا. ونُدِبَ تَقْدِيمُ ظُهْرٍ، وفِي ثَالِثَتِهِا أَوْ رَابِعَتِهَا أَوْ خَامِسَتِهَا كَذَلِكَ يُثَنِّي بِالْمَنْسِيِّ، وصَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ فِي سَادِسَتِهَا وحَادِيَةِ عَشْرَتِهَا. قوله: (أَوَّلاً ولَوْ جُمُعَةً) إغياء فِي قطع الإمام الذاكر ومأمومه. وقوله ثانياً: (ولَوْ جُمُعَةً) إغياء فِي تمادي المؤتمّ الذاكر وإعادته فِي الوقت [ظهراً] (¬4) أربعاً. وفِي صَلاتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ مُعَيَّنَتَيْنِ لا يَدْرِي السَّابِقَةَ صَلاهُمَا وأَعَادَ الْمُبْتَدَأَةَ ومَعَ الشَّكِّ فِي الْقَصْرِ أَعَادَ بإثْرِ كُلِّ حَضَرِيَّةٍ سَفَرِيَّةً وثَلاثاً كَذَلِكَ سَبْعاً وأَرْبَعاً وثَلاثَ عَشْرَةَ وخَمْساً إحْدَى وعِشْرِينَ. قوله: (وفِي صَلاتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ (¬5) لا يَدْرِي السَّابِقَةَ صَلاهُمَا وأَعَادَ الْمُبْتَدَأَةَ) تصوره ظاهر، إلاّ أن الذي يليق بفرض المسألة أن تكون معينتين بالتأنيث نعتاً لصلاتين لا ¬
فصل في أحكام السهو
ليومين، ولو قدّمه مَعَ ذلك لكان أبين، ففرض المسألة أن الصلاتين معينتان كظهرٍ وعصر إحداهما من يوم والأخرى من يوم آخر، ولا فرق عَلَى مختار المصنّف بين كون اليومين معينين كسبت وأحد، وكونهما غير معينين، أما مَعَ عدم التعيين فباتفاق، وأمّا مَعَ التعيين فعلى المشهور عَلَى ما عند ابن الحاجب وغيره (¬1). وصَلَّى فِي ثَلاثٍ مُرَتَّبَةٍ مِنْ يَوْمٍ لا يَعْلَمُ الأُولَى سَبْعاً وأَرْبَعاً ثَمَانِياً وخَمْساً تِسْعاً. قوله: (وصَلَّى فِي ثَلاثَةٍ مُرَتَّبَةٍ مِنْ يَوْمٍ لا يَعْلَمُ الأولى سَبْعاً وأَرْبَعاً ثَمَانِياً وخَمْساً تِسْعاً) تصوره ظاهر، فإن قلت: ولَمْ سكت هنا عن صلاتين مرتبتين؟ قلت: لأنه ذكره أوّلاً إذ قال: وإن نسي صلاةً وثانيتها صلى ستاً كما ذكر الواحدة إذ قال: وإن جهل عين منسية مُطْلَقاً صلى خمساً. فضابطه أنه يصلّي لواحدة خمساً، ثم كلّما زاد واحدة فِي المنسي زادها فِي المقضي، فيصلّي لاثنتين ستاً، ولثلاث سبعاً، ولأربع ثمانية ولخمس تسعاً. [فصل فِي أحكام السهو] سُنَّ لِسَهْوٍ وإِنْ تَكَرَّرَ بِنَقْصِ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ سَجْدَتَانِ قَبْلَ سَلامِهِ وبِالْجَامِعِ فِي الْجُمُعَةِ وأَعَادَ تَشَهُّدَهُ كَتَرْكِ جَهْرٍ وسُورَةٍ بِفَرْضٍ وتَشَهُّدَيْنِ وإِلا فَبَعْدَهُ كَمُتِمٍّ لِشَكٍّ. قوله: (وتَشَهُّدَيْنِ) أي أن التشهدين كالتكبيرتين، يسجد لهما قبل السلام، وعَلَى هذا اختصر " المدوّنة " أبو سعيد (¬2)، والتشهد الواحد كالتكبيرة الواحدة لا يسجد له كما يأتي. وقد تعقّب القرافي تصوير السجود للتشهدين قبل السلام بأن السجود الأخير قبل السلام [ذكر له] (¬3) قبل فوت محلّه فيفعل، [وأجيب بتصويره حيث يجلس ثلاثاً فِي مسائل ¬
اجتماع القضاء والبناء (¬1). قال ابن عرفة: ولا يلزم ذلك من لفظ الأمهات، وطوّل فِي ذلك فانظره. وقرر ابن عبد السلام [السؤال] (¬2) بأنه قبل السلام لَمْ يفت محل التشهد الثاني فيبقى التشهد الأول عَلَى انفراده، والمذهب أنه لا سجود عَلَى من تركه وحده قال: وأجيب (¬3) عنه بأن السجود إنما كان لنقصان التشهد الأول مَعَ الزيادة الكائنة عن تأخير التشهد الثاني؛ إذ لا يقال: سها عنه إلاّ إِذَا تركه مُطْلَقاً أو أخّره عن مكانه. وَمُقْتَصِرٌ عَلَى شَفْعٍ شَكَّ أَهُوَ بِهِ أَم بِوَتْرٍ، أَوُ تَرْكِ سِرٍّ بِفَرْضٍ. قوله: (ومُقْتَصِرٌ عَلَى شَفْعٍ شَكَّ أَهُوَ بِهِ أَوْ بِوَتْرٍ) تصوره [ظاهر] (¬4)، [11 / ب] ولما كان الحكم أن هذا الشاكّ يقتصر عَلَى الركعتين المتيقنتين، فيسلّم منهما عَلَى أنهما شفعه، ويسجد ثم بعد ذلك يستأنف الوتر، عبّر عنه بالمقتصر، كما أنّه لمّا كان الذي قبله لا يقتصر عَلَى المتيقن، بل يأتي بما شكّ فيه، وبعد ذلك يسلّم، عبّر عنه بالمتمّ، فحصل التقابل بين اللفظين فِي أوجز عبارة. أَوْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ ولَهِيَ عَنْهُ، كَطُولٍ بِمَحَلٍّ لَمْ يُشْرَعْ بِهِ عَلَى الأَظْهَرِ وإِنْ بَعْدَ شَهْرٍ بِإِحْرَامٍ وتَشَهُّدٍ وسَلامٍ جَهْراً وصَحَّ إِنْ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ لا إِنِ اسْتَنْكَحَهُ السَّهْوُ، ويُصْلِحُ أَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَوْ سَلَّمَ أَوْ سَجَدَ واحدةً فِي شَكِّهِ فِيهِ، هَلْ سَجَدَ اثْنَتَيْنِ. أَوْ زَادَ سُورَةً فِي أُخْرَيَيْهِ أَوْ خَرَجَ مِنْ سُورَةٍ لِغَيْرِهَا أَوْ قَاءَ غَلَبَةً، أَوْ قَلَسَ، ولا لِفَرِيضَةٍ وغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ كَتَشَهُّدٍ ويَسِيرِ جَهْرٍ أَوْ سِرٍّ. قوله: (ولَهِيَ عَنْهُ) يجري فيه من البحث ما تقدّم عند قوله فِي الطهارة: إلا المستنكح، ابن القوطية: ولهيت عن الشيء ومنه لهياناً: غفلت عنه. وإِعْلانٍ بِكَآيَةٍ. قوله: (وإِعْلانٍ بِكَآيَةٍ) الذي ينبغي أن يحمل عليه أنه ليس تكرار مَعَ قوله قبله: (ويسير جهراً وسراً)؛ لأن مراده بيسير الجهر والسر: ما لَمْ يبالغ فيه منهما، ولو كان ذلك ¬
فِي كلّ القراءة، عَلَى نحو ما فِي " مختصر " أبي محمد بن أبي زيد، حسبما رجّح فِي " توضيحه " فِي فهم كلام ابن الحاجب (¬1)، ولكن يلزم عليه أن يكون سكت عن الإسرار بنحو الآية. وَإِعَادَةِ سُورَةٍ فَقَطْ لَهُمَا وتَكْبِيرَةٍ، وفِي إِبْدَالِهَا بِسَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وعَكْسِهِ. تَأْوِيلانِ. قوله: (وإِعَادَةِ سُورَةٍ فَقَطْ لَهُمَا) الذي فسّره به الشارح هو مراد المؤلف لا شكّ فيه، إذ به قرر فِي " التوضيح " كلام ابن الحاجب معتمداً عَلَى قول ابن عبد السلام، ورأى فِي الرواية أن الزيادة المذكورة فِي السورة خاصة أخفّ منها فِي مجموع أم القرآن مَعَ السورة. انتهى. وظاهر كلام ابن رشد وغيره: أن الفرعين معاً من أصلٍ مختلفٍ فيه وهو زيادة القرآن فِي الصلاة من غير تفريق بينهما. والله تعالى أعلم (¬2). ولا لإِدَارَةٍ مُؤْتَمٍّ (¬3)، وإِصْلاحِ رِدَاءٍ، وسُتْرَةٍ فَقَطْ أَوْ كَمَشْيِ صَفَّيْنِ لِسُتْرَةٍ أَوْ فُرْجَةٍ أَوْ دَفْعِ مَارٍّ أَوْ ذَهَابِ دَابَّةٍ. قوله: (أَوْ كَمَشْيِ صَفَّيْنِ) ظاهره أنه تحديد فِي المسائل الأربع بعده. وَإِنْ بِجَنْبٍ، أَوْ قَهْقَرَةٍ وفَتْحٍ عَلَى إِمَامِهِ إِنْ وقَفَ، وسَدِّ فِيهِ لِتَثَاؤُبٍ، ونَفْثٍ بِثَوْبٍ لِحَاجَةٍ كَتَنَحْنُحٍ، والْمُخْتَارُ عَدَمُ الإِبْطَالِ بِهِ لِغَيْرِهَا، وتَسْبِيحِ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ لِضَرُورَةٍ، ولا يُصَفِّقْنَ. ¬
قوله: (وإِنْ بِجَنْبٍ، أَوْ قَهْقَرَةٍ) صوابه قهقرى بألف التأنيث لا بتائه (¬1). وَكَلامٍ لإِصْلاحِهَا بَعْدَ سَلامٍ. قوله: (وَكَلامٍ لإِصْلاحِهَا بَعْدَ سَلامٍ) أي: بعد سلام الإمام، وكذا قيّد فِي " التوضيح " الخلاف الذي بين ابن القاسم وابن كنانة وسحنون، بما إِذَا وقع الكلام بعد أن سلّم الإمام معتقداً للتمام كما فِي الحديث (¬2)، قال: وأمّا إذ شكّ الإمام، فحكى اللخمي والمازري فِي ذلك ثلاثة أقوال: " المشهور أنه لا يجوز له أن يسأل المأمومين كان فِي صلاة أو انصرف منها بسلام، ثم حدث له الشكّ بعد سلامه " هذا لفظ المازري، وعبّر عنه اللخمي بالمعروف. ووجهه أنّه مَعَ الشكّ مخاطب بالبناء عَلَى اليقين، وقال أصبغ: يجوز السؤال بعد السلام خاصة، وقال ابن عبد الحكم: يجوز قبل السلام وبعده. انتهى. وفِي رسم إن أمكنني من سماع عيسى، وسئل عن الإمام يصلي بالناس فيجلس فِي ثالثة، أو يقوم إِلَى خامسة، فيسبح به، فلا يرجع، فيكلّمه إنسان ممن يصلي خلفه؟ قال: قد أحسن وتتم صلاته. قلت: وكذا لو سأل الإمام أتمّت صلاته أم لا؟ قال: نعم، كذلك أَيْضاً. قال ابن رشد: قوله: وكذا لو سأل الإمام أتمّت صلاته؟ قال: نعم، كذلك أَيْضاً. ظاهره قبل السلام، وهو بعيد إذ لا ضرورة بالإمام إِلَى السؤال قبل السلام هل أكمل صلاته أم لا؛ لأن الواجب عليه إِذَا شكّ أن يبني عَلَى اليقين إلاّ أن يسبّح به فيرجع، فإن سألهم [قبل] (¬3) أن يسلّم، أو سلّم عَلَى شكٍّ [فقد أفسد الصلاة، وإن سلّم عَلَى يقين ثم ¬
شكّ] (¬1) جاز له أن يسألهم، فينبغي أن يعدل بالكلام عن ظاهره، ويقال: معناه إِذَا شكّ فِي إتمام صلاته بعد أن سلّم عَلَى يقين، وذلك بخلاف الذي يُستخلف ساعة دخوله، ولا علم له بما صلى الإمام، فإنه يجوز له السؤال إِذَا لَمْ يفهم بالإشارة، عَلَى ما فِي سماع موسى بن معاوية؛ إذ ليس عنده أصل يقين يبني عليه (¬2). انتهى. وقال ابن عرفة: ولإصلاحها، كإمامٍ سلّم من اثنتين، ولَمْ يفقه التسبيح، فكلّمه بعضهم، فسأل بقيتهم فصدقوه، أو زاد أو جلس فِي غير محلٍ ولَمْ يفقه فكلّمه بعضهم، فثالثها تصح فِي سهو السلام من اثنتين فقط، ابن حبيب لمن رأي فِي ثوب إمامه نجاسة: أن يدنوا ويخبره كلاماً. سحنون: تبطل ولو كان لعدم إفهامه إشارة. انتهى مختصراً. وبهذا يظهر أن قيد السلام ليس فِي كلّ محلّ. وبالله تعالى التوفيق. وَرَجَعَ إِمَامٌ فَقَطْ لِعَدْلَيْنِ، إِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ إِلا لِكَثْرَتِهِمْ جِدَّاً. ولا لِحَمْدِ عَاطِسٍ، أَوْ مُبَشِّرٍ ونُدِبَ تَرْكُهُ، ولا لِجَائِزٍ، كَإِنْصَاتٍ قَلَّ لِمُخْبِرٍ، وتَرْوِيحِ رِجْلَيْهِ، وقَتْلِ عَقْرَبٍ [9 / أ] تُرِيدُهُ. قوله: (وَرَجَعَ إِمَامٌ فَقَطْ لِعَدْلَيْنِ) ظاهره: وإن لَمْ يكونا مأموميه كما عند اللخمي، وكأنه الراجح عند ابن الحاجب؛ إذ قدّمه ثم قال فِي مقابله: وقيل بشرط أن يكونا مأموميه (¬3)، والمنسوب للمدونة " أن ذلك مشروط بأن يكونا مأموميه (¬4)، وقد قال ابن عرفة فِي رجوع الشاكّ لعدلين ليسا فِي صلاته، وبنائه عَلَى حكم نفسه نقلان: الأول: للخمي عن المذهب وابن الجلاب عن أشهب (¬5). ¬
والثاني: للمدونة " والعتبي عن ابن القاسم. انتهى. وقد يقال: إن تخصيص المصنف الإمام فقط مشعر بكونه مأموميه، فيكون عَلَى مذهب " المدوّنة " إلاّ أنه بعيد من كلامه فِي " التوضيح ". وإِشَارَةٍ لِسَلامٍ، أَوْ حَاجَةٍ. قوله: (وإِشَارَةٍ لِسَلامٍ) [أي: لردّ سلام] (¬1)، قال فِي " المدوّنة ": وليردُّ مشيراً بيده أو برأسه (¬2)، والابتداء به مما انفرد به ابن الحاجب (¬3)، قال ابن هارون: لَمْ أر ذلك لغيره وتركه عندي أصوب، وقال ابن عبد السلام: وفِي النفس شيء من الإشارة بابتداء السلام، عَلَى أن المصنف قرره فِي " التوضيح " كأنه قبله. لا عَلَى مُشَمِّتٍ كَأَنِينٍ لِوَجَعٍ وبُكَاءُ تَخَشُّعٍ. وإِلا فَكَالْكَلامِ كَسَلامٍ عَلَى مُفْتَرَضٍ ولا لِتَبَسُّمٍ، وفَرْقَعَةِ أَصَابِعَ، والْتِفَاتٍ بِلا حَاجَةٍ، وتَعَمُّدِ بَلْعِ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وحَكِّ جَسَدِهِ، وذِكْرٍ قَصَدَ التَّفْهِيمَ بِهِ بِمَحَلِّهِ وإِلا بَطَلَتْ كَفَتْحٍ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي صَلاةٍ عَلَى الأَصَحِّ، وبَطَلَتْ بِقَهْقَهَةٍ. قوله: (كَأَنِينٍ لِوَجَعٍ) صوابه: وكأنين [12 / أ] بالواو عطفاً عَلَى قوله: كإنصات؛ إذ هو مما اندرج تحت قوله: (ولا لجائز) (¬4) وأمّا قوله بعد: (كسلام عَلَى مفترض) فلا يليق به الواو؛ لأنه مشبّه به فِي الجواز فقط لا فِي الجواز، وإسقاط السجود. وتَمَادَى الْمَأْمُومُ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّرْكِ كَتَكْبِيرَةٍ لِلرُّكُوعِ بِلا نِيَّةِ إِحْرَامٍ، وذِكْرِ فَائِتَةٍ. وبِحَدَثٍ، وبِسُجُودِهِ لِفَضِيلَةٍ أَوْ لِتَكْبِيرَةٍ. ¬
قوله: (كَتَكْبِيرَةٍ لِلرُّكُوعِ بِلا نِيَّةِ إِحْرَامٍ، وذِكْرِ فَائِتَةٍ) شبّه هاتين المسألتين بمسألة القهقهة فِي تمادي المأموم وقطع غيره؛ ولذلك لَمْ يعطفهما عَلَى قوله: (بقهقهة)، بل قرن الأولى بكاف التشبيه، وجرّد الثانية من الباء، فلما رجع للمعطوفات عَلَى القهقهة كرر الباء فقال: و (بحدث ... إِلَى آخره)، وكرر الثانية، وإن تقدمت فِي فصل الفوائت قصداً لجمع النظائر الثلاث المسماة بمساجين الإمام (¬1)، المبنية عَلَى الاستحسان [وفِي معنى ذكر الفائتة فِي الصبح بدليل قوله بعد: (وندب قطعها له لفذ لا مؤتم)] (¬2).، فقد أجاد ما شاء برّد الله تعالى ضريحه، ولقد أحسن القائل: وكَمْ عَائِبٌ ليلى ولَمْ يرَ وجْهَهَا ... فَقَالَ لَهُ الْحِرْمَانُ حسبك ما فاتا وَبِمُشْغِلٍ عَنْ فَرْضٍ، وعَنْ سُنَّةٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وبِزِيَادَةِ أَرْبَعٍ كَرَكْعَتَيْنِ فِي الثُّنَائِيَّةِ. قوله: (وبِمُشْغِلٍ عَنْ فَرْضٍ، وعَنْ سُنَّةٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ) مشغلٍ: اسم فاعل من اشغل رباعياً، وهي لغة رديئة، قاله الجوهري وابن القوطية (¬3): ومثله ما تقدّم فِي السترة، قال فِي كتاب الطهارة من " المدوّنة ": ومن أصابه حقن أو قرقرة فإن كان ذلك خفيفاً فليصل، وإن كان مما يشغله أو يُعجّله فِي صلاته فلا يصلي حتى يقضي حاجته، فإن صلى بذلك أحببت له الإعادة أبداً، ولَمْ يحفظ ابن القاسم عن [مالك] (¬4) فِي الغثيان شيئاً (¬5). فحمل عياض الإعادة عَلَى الاستحباب، وقال الباجي: عن بعض الأَصَحّاب: ما خف ¬
صلى به وإن ضمّ بين وركيه قطع، فإن تمادى أعاد فِي الوقت، وإن شغله وأعجله فأبداً (¬1)، وقال اللخمي: هذا والغثيان أو ما يوهمه إن خفّ استحبّ زواله قبلها، وإن صلى به أجزأته، وإن أعجله وخفّ شغل قلبه أعاد فِي الوقت، وإن لَمْ يدر كيف صلى فأبداً. وعَلَى هذه النقول اقتصر ابن عرفة. وقال ابن بشير: إن شغله عن الفرائض أعاد أبداً، وعن السنن ففي الوقت، ويجري عَلَى ترك السنن متعمداً أو عن الفضائل، لا شيء عليه. ابن عبد السلام، وهذا كلام لا بأس به فِي فقه المسألة. انتهى. وهو الذي اعتمده المصنّف هنا. وَبِتَعَمُّدِ كَسَجْدَةٍ، أَوْ نَفْخٍ، أَوْ أَكْلٍ، أَوْ شُرْبٍ، أَوْ قَيْءٍ، أَوْ كَلام، وإِنْ بِكُرْهٍ، أَوْ وجب لإِنْقَاذِ أَعْمَى، إِلا لإِصْلاحِهَا فَبِكَثِيرِهِ، وبِسَلامٍ، وأَكْلٍ، وشُرْبٍ، وفِيهَا إِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ انْجَبَرَ، وهَلِ اخْتِلافٌ أَوْ لا لِسَلامٍ فِي الأُولَى أَوْ لِلْجَمْعِ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وبِتَعَمُّدِ كَسَجْدَةٍ، أَوْ نَفْخٍ، أَوْ أَكْلٍ، أَوْ شُرْبٍ، أَوْ قَيْءٍ، أَوْ كَلام) التعمد منسحب عَلَى هذه الأمور كلها؛ ولذلك أسقط فيها باء الجر بخلاف قوله: (وبسلام) وما بعده. وَبِانْصِرَافٍ لِحَدَثٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَفْيُهُ، كَمُسْلِمٍ شَكَّ فِي الإِتْمَامِ ثُمَّ ظَهَرَ الْكَمَالُ عَلَى الأَظْهَرِ، وبِسُجُودِ الْمَسْبُوقِ مَعَ الإِمَامِ بَعْدِيَّاً أَوْ قَبْلِيَّاً إِنْ لَمْ يَلْحَقْ رَكْعَةً وإِلا سَجَدَ، ولَوْ تَرَكَ إِمَامَهُ أَوْ لَمْ يُدْرِكْ مُوجِبَهُ وأَخَّرَ الْبَعْدِيَّ، ولا سَهْوَ عَلَى مُؤْتَمٍّ حَالَةَ الْقُدْوَةِ، وبِتَرْكِ قَبْلِيٍّ عَنْ ثَلاثِ سُنَنٍ وطَالَ، لا أَقَلَّ، فَلا سُجُودَ. قوله: (كَمُسْلِمٍ شَكَّ فِي الإِتْمَامِ ثُمَّ ظَهَرَ الْكَمَالُ عَلَى الأَظْهَرِ) تقدمت الإشارة إليه فِي باب الطهارة عند قوله: (وإن شكّ فِي صلاته ثم بان الطهر لَمْ يعد) (¬2). وإِنْ ذَكَرَهُ فِي صَلاةٍ وبَطَلَتْ، فَكَذَاكِرِهَا، وإِلا فَكَبَعْضٍ. قوله: (وإِنْ ذَكَرَهُ فِي صَلاةٍ) الضمير المفعول فِي " ذكره " يعود عَلَى القبلي الذي عن ¬
ثلاث سنن بدليل قوله: (وبطلت)، وقد قال ابن يونس: إن كانتا قبل السلام وهما مما لا تفسد الصلاة بتركهما، فكاللتين بعد السلام لا يفسد بذكرهما واحدة من الصلاتين. فَمِنْ فَرْضٍ إِنْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ أَوْ رَكَعَ بَطَلَتْ، وأَتَمَّ النَّفْلَ وقَطَعَ غَيْرَهُ. قوله: (فَمِنْ فَرْضٍ إِنْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ أَوْ رَكَعَ بَطَلَتْ، وأَتَمَّ النَّفْلَ وقَطَعَ غَيْرَهُ) ليس عَلَى إطلاقه، بل نصّ ابن يونس عَلَى أنه إن كان فِي بقيةٍ من الوقت أتمّ النفل ركع أو لَمْ يركع، وإن ضاق الوقت قطع إن لَمْ يركع قال: ويصير كمن ذكر فريضة ذهب وقتها فِي نافلة وليس قوله: (وقطع غيره) أي: الفرض عَلَى إطلاقه، بل قال ابن يونس: إن كان مَعَ إمامٍ تمادى فإِذَا سلّم أعادها. وَنُدِبَ الإِشْفَاعُ إِنْ عَقَدَ رَكْعَةً وإِلا رَجَعَ بِلا سَلامٍ، ومِنْ نَفْلٍ فِي فَرْضٍ تَمَادَى كَفِي نَفْلٍ إِنْ أَطَالَهَا أَوْ رَكَعَ، وهَلْ بِتَعَمُّدِ تَرْكِ سُنَّةٍ، أَوْ لا ولا سُجُودَ؟ خِلافٌ، وبِتَرْكِ رُكْنٍ فَطَالَ، كَشَرْطٍ وتَدَارَكَهُ، إِنْ لَمْ يُسَلِّمْ. قوله: (وَإِلا رَجَعَ بِلا سَلامٍ) يريد: وإن كان مأموماً بخلاف الذي قبله، وقد قال فِي " المدوّنة ": قال ابن القاسم: وإن كانتا قبل السلام وهما من فريضة، ومما تعاد بنسيانهما الصلاة، فذكرهما بقرب صلاته فِي فريضة أو نافلة رجع إليهما بغير سلام، كان وحده أو مَعَ إمام، هكذا اختصرهما ابن يونس، وهو أتمّ من اختصار أبي سعيد (¬1)؛ ولهذا قال ابن عرفة: فرض فِي فرض فيها إن قرب سجد ولو كان مأموماً. ولَمْ يَعْقِدْ رُكُوعاً وهُوَ رَفْعُ رَأْسٍ، إِلا لِتَرْكِ رُكُوعٍ، فَبِالانْحِنَاءِ كَسِرٍّ وتَكْبِيرِ عِيدٍ، وسَجْدَةِ تِلاوَةٍ، وذِكْرِ بَعْضٍ، وإِقَامَةِ مَغْرِبٍ عَلَيْهِ وهُوَ بِهَا. قوله: (وَهُوَ رَفْعُ رَأْسٍ، إِلا لِتَرْكِ رُكُوعٍ، فَبِالانْحِنَاءِ كَسوِرةٍ (¬2)، وتَكْبِيرِ عِيدٍ، ¬
وسَجْدَةِ تِلاوَةٍ، وذِكْرِ بَعْضٍ، وإِقَامَةِ مَغْرِبٍ عَلَيْهِ وهُوَ بِهَا) هذه ست نظائر وفِي ضمنها أربع: فالسرُّ والجهر والتنكيس فِي ضمن السورة؛ لأنهن أخفُّ منها، فهن أحري أن يفتن بوضع اليدين عَلَى الركبتين، وذكر السجود القبلي القادح تركه فِي ضمن ذكر البعض كما تقدّم، فالمجموع عشر. تنبيه: قال فِي " التوضيح ": وقد يقال: لا نسلّم أن ابن القاسم يرى هذا انعقاداً، وإنما قال بالفوات لأحد أمرين: إمّا لخفة المتروك كترك السورة والجهر، وإمّا لعدم الفائدة، كمن ذكر أنه نسي ركوع الأولى وهو راكع، فإن رجوعه إِلَى الأولى لا فائدة فيه إذ لا يصح له [12 / ب] إلا ركعة، ألا ترى أنهم قالوا فيمن ترك الجلوس، وفارق الأرض بيديه وركبتيه: أنه لا يرجع؛ مَعَ كونه لَمْ تنعقد له ركعة بل هنا أولى؛ لأنه هنا قد تلبّس بركن وتارك الجلوس لَمْ يتلبس إِلَى الآن به. وبَنَى إِنْ قَرُبَ ولَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ - بِإِحْرَامٍ، ولَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهِ، وجَلَسَ لَهُ عَلَى الأَظْهَرِ. قوله: (وجَلَسَ لَهُ عَلَى الأَظْهَرِ) أي: وجلس لأجل الإحرام ليأتي به فِي حالة الجلوس التي فارق منها الصلاة، عَلَى ما استظهر ابن رشد إذ قال فِي " المقدمات ": إنما الصواب أن يجلس ثم يكبّر فيبني، وبسط القول فيها عَلَى ما يجب (¬1)، وأما قول ابن الحاجب: وعَلَى الإحرام ففي قيامه له قَوْلانِ، وعَلَى قيامه ففي جلوسه بعده، ثم ينهض فيتمّ قَوْلانِ (¬2). فقال فِي " التوضيح ": قوله: ففي قيامه نحوه لابن بشير وابن شاس (¬3)، وظاهره أن القولين جاريان ولو كان جالساً، قال ابن عبد السلام وابن هارون: وليس بصحيح وإنما القَوْلانِ فِي حقّ من تذكّر بعد أن قام هل يطلب بالجلوس وهو قول ابن شبلون؛ لأنها ¬
الحالة التي فارق عليها الصلاة، وهو الأصل، أو يجوز له أن يحرم وهو قائم؛ ليكون إحرامه بالفور، وهو قول قدماء أصحاب مالك، وعَلَى القيام فهل يجلس بعد ذلك أم لا؟ قَوْلانِ. وأما من تذكّر وهو جالس، فإنه يحرم كذلك، ولا يطلب منه القيام اتفاقاً، والقول بأنه يكبّر ثم يجلس لابن القاسم، والقول بأنه يكبّر ولا يجلس لابن نافع، وأشار المازري إِلَى بنائهما عَلَى الحركة إِلَى الركن هل هي مقصودة أم لا، وأنكر ابن رشد أن يكون ما نسب لابن القاسم فِي المذهب، ووهم (¬1) من نقل ذلك عنه وليس بصحيح؛ لأن عبد الحقّ والباجي وغيرهما نقلوا ذلك عنه (¬2). انتهى. وذكر ابن عرفة فِي صفة البناء طرقاً منها: ظاهر قول ابن بشير وابن شاس (¬3)، وناقش ابن عبد السلام بما يوقف عليه فِي كتابه. وَأَعَادَ تَارِكُ السَّلامِ التَّشَهُّدَ. قوله: (وأَعَادَ تَارِكُ السَّلامِ التَّشَهُّدَ) يريد بعد طول لا يمنع البناء، فارق الموضع أم لا، وهذا أحد القولين، وقيل: لا يعيد التشهد. وسَجَدَ إِنِ انْحَرَفَ عَنِ الْقِبْلَةِ ورَجَعَ تَارِكُ الْجُلُوسِ الأَوَّلِ إِنْ لَمْ يُفَارِقِ الأَرْضَ بِيَدَيْهِ ورُكْبَتَيْهِ، ولا سُجُودَ وإِلا فَلا، ولا تَبْطُلُ إِنْ رَجَعَ. قوله: (وسَجَدَ إِنِ انْحَرَفَ (¬4)) أي: إن انحرف عن القبلة استقبل وسلّم وسجد بعد السلام وإن لَمْ يفارق الموضع، ولا طال الطول المذكور، فالشرط راجع للسجود لا للتشهد، فالسجود يجب بمجرد الانحراف بخلاف إعادة التشهد، هذا هو المساعد ¬
للنصوص؛ فقد قال اللخمي: إن ذكره وهو بموضعه استقبل القبلة وسلّم، ولَمْ يكن عليه أن يكبّر، ولا أن يتشهد، ويسجد لسهوه بعد السلام، واختلف إِذَا فارق الموضع هل يكبّر؟ وهل يكون تكبيره وهو قائم أو بعد أن يجلس؟ وهل يتشهد ونحوه؟ في " التوضيح " مَعَ أن لفظه هنا: يحتمل رجوع الشرط للأمرين كما يعطيه قوله فِي " التوضيح " فِي قول ابن الحاجب، فإن قرب جداً فلا تشهد ولا سجود، وإنما هذا إِذَا لَمْ ينحرف عن القبلة (¬1). والله تعالى أعلم. ولَوِ اسْتَقَلَّ وتَبِعَهُ مَأْمُومُهُ وسَجَدَ بَعْدَهُ كَنَفْلٍ لَمْ يَعْقِدْ ثَالِثَةً، وإِلا كَمَّلَ أَرْبَعاً وفِي الْخَامِسَةِ مُطْلَقاً. قوله: (وتَبِعَهُ مَأْمُومُهُ) أي تبعه فِي القيام، وفِي الرجوع بعد الاستقلال، ولو كان المأموم قد استقلّ، فإِذَا لَمْ يقم المأموم حتى رجع الإمام فأحرى أن يبقى عَلَى جلوسه، هذا هو الآتي عَلَى رواية ابن القاسم؛ حيث جعل فيها السجود بعدياً، والجلوس معتداً به حسبما أشار إليه سند بن عنان، وقبله القرافي وتلميذه ابن راشد القفصي، والمصنف فِي " التوضيح "، ولم يعرج عليه ابن عرفه (¬2). وَسَجَدَ قَبْلَهُ فِيهِمَا. قوله: (وَسَجَدَ قَبْلَهُ فِيهِمَا) أي: فِي مسألة الذي كمّل أربعاً، ومسألة الذي رجع من الخامسة، وعليه اختصرهما أبو سعيد (¬3)، واختلف فِي توجيهه فِي الأولى فقال الأبهري وابن شبلون [وأبو محمد] (¬4): لأنه نقص السلام. وقال ابن مسلمة والقاضي إسماعيل: لأنه نقص الجلوس، واختاره ابن الكاتب والقابسي واللخمي، ونقض اللخمي التعليل ¬
الأول بلزومه فيمن صلى الظهر خمساً، قال ابن عرفة: يردّ باستقلال الركعتين فِي النفل ونفيه فِي خامسة الظهر، ولا ينقض بأن السلام فرض، ولا ينجبر بسجود؛ لأن رعي كون النفل أربعاً يُصيّر سلام الركعتين كسنة، وفرع عَلَى كونه قبل أو بعد كون الأربع فِي قيام رمضان ترويحتين أو ترويحة، ويردّ بأن المعتبر فيه عدد الركعات، وهي معتبرة مُطْلَقاً، وإلا أمر بالرجوع بعد الثالثة. انتهى. وتوجيهه فِي الثانية قريب من هذا. وتَارِكُ رُكُوعٍ يَرْجِعُ قَائِماً. ونُدِبَ أَنْ يَقْرَأَ، وسَجْدَةٍ يَجْلِسُ لا سَجْدَتَيْنِ [9 / ب]، ولا يُجْبَرُ رُكُوعُ أُولاهُ بِسُجُودِ ثَانِيَتِهِ، وبَطَلَ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ مَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ الأُوَلِ ورَجَعَتِ الثَّانِيَةُ أُولَى بِبُطْلانِهَا لِفَذٍّ وإِمَامٍ، وإِنْ شَكَّ فِي سَجْدَةٍ لَمْ يَدْرِ مَحَلَّهَا سَجَدَهَا، وفِي الأَخِيرَةِ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ وقِيَامِ ثَالِثَةٍ بِثَلاثٍ، ورَابِعَةٍ بِرَكْعَتَيْنِ، وتَشَهُّدٍ. قوله: (وَسَجْدَةٍ يَجْلِسُ) أي: وتارك سجدة يجلس، ثم يسجد، هذا مختاره من القولين، وظاهره كإن جلس أولاً أو لَمْ يجلس، وهو ظاهر إطلاق غيره، وقد قيّده فِي " التوضيح " بما إِذَا لَمْ يكن جلس، قال: وأما لو جلس أولاً لخرّ من غير جلوس اتفاقاً. انتهى. فتأمله مَعَ تعليله بقصد الحركة للركن. وإِنْ سَجَدَ إِمَامٌ [وَاحِدَةً وقَامَ] (¬1) لَمْ يُتبعْ، وسُبِّحَ بِهِ، فإِذَا خِيفَ عَقْدُهُ قَامُوا، فَإِذَا جَلَسَ قَامُوا كَقُعُودِهِ بِثَالِثَةٍ. قوله: (وَإِنْ سَجَدَ إِمَامٌ وَاحِدَةً [وَقَامَ] (¬2) لَمْ يُتبَعْ، وسُبِّحَ بِهِ، فإِذَا خِيفَ عَقْدُهُ قَامُوا، فَإِذَا جَلَسَ قَامُوا كَقُعُودِهِ بِثَالِثَةٍ) أي: كما يقومون إِذَا قعد فِي التي هى ثالثة فِي نفس الأمر؛ لاعتقاده أنها رابعة، وسكت عن مساعدتهم له فِي ترك الجلوس عَلَى الثانية فِي نفس الأمر لاعتقاده أنها ثالثة لوضوحه. ¬
تكميل: قال ابن عرفة ونقل ابن عبد السلام عن ابن القاسم: [13 / أ] إن خافوا (¬1) عقده سجدوها: أعرفه دون استحباب إعادتهم. انتهى، ويأتي قول ابن القاسم. وقال فِي " التوضيح ": وأصل هذه المسألة لسحنون يعني: فِي " النوادر " (¬2) وفيها نظر؛ لأنهم متعمدون لإبطال الأولى بتركهم السجود، ومن تعمد إبطال ركعة من صلاته بطل جميعها، ولو قيل: إنهم يسجدون سجدة ويدركون الثانية معه فتصح لهم الركعتان - ما بَعُدَ. فإن قيل: فِي ذلك مخالفة للإمام لأن الإمام قائم وهم جلوس وقضاء فِي حكمه وهما غير جائزين؟ فالجواب: أما المخالفة فهي لازمة لهم أَيْضاً؛ لأن الإمام قائم وهم جلوس. وأما القضاء فِي حكم الإمام فقد أجيز مثله فِي الناعس والغافل والمزحوم خوفاً من إبطال الركعة، فكذلك هنا. انتهى. وقد يفرق بأن الناعس ومن معه فعل السجدة أمامهم وهذا لَمْ يفعلها؛ عَلَى أن ابن رشد قال فِي رسم باع شاة من سماع عيسى: إِذَا نسي الإمام سجدة من الأولى فتبعه قوم عامدون وقوم ساهون وسجدها قوم وفاته فعلها فقد اختلف فِي الساجدين عَلَى ثلاثة أقوال: الأول: أن السجدة تجزيهم، وتصحُّ لهم الركعة، فيجلسون فِي قيامه لرابعته حتى يسلّم بهم، ويسجد قبل [إن ذكر بعد] (¬3) عقد الثالثة وبعد إن ذكر قبله، وهو قول ابن القاسم فِي هذه الرواية، وهو أضعفها؛ ولهذا قال: وأحب إليّ لو أعادوا الصلاة. الثاني: بطلان صلاتهم لاعتدادهم بالسجدة، وهم إنما فعلوها فِي حكم الإمام ولمخالفتهم إياه فِي النية فِي أعيان الركعات؛ لأن صلاتهم تبقى عَلَى بنيتها، وتصير للإمام ومن سهى معه الركعة الثانية أولى والثالثة ثانية والرابعة ثالثة، وهو قول أصبغ. ¬
الثالث: أن السجود لا يجزيهم، وتبطل عليهم الركعة كما بطلت عَلَى الإمام ومن معه ويتبعونه فِي صلاته كلها وتجزيهم، حكاه ابن المواز. وعلى الأول لو ذكروا قبل فواتها فقال أصبغ: يسجدونها معه، وأباه ابن القاسم، والساهون كإمامهم، والتابعون له عَلَى ترك السجدة عالمين بسهوه قال فِي الرواية: إن صلاتهم منتقضة، ويتخرّج عَلَى ما فِي " الموازية " أن تبطل عليهم الركعة، ولا تتنتقض الصلاة؛ لأن السجدة إِذَا كانت عَلَى مذهبه لا يجزئهم فعلها فلا يضرّهم تركها. وأما إِذَا سها الإمام عنها وحده فلا يخلوا من خلفه من حالين: أحدهما: أن يسجدوا لأنفسهم. والثاني: أن يتبعوه عَلَى ترك السجدة عالمين بسهوه، فأما إن سجدوا لأنفسهم، ولَمْ يرجع الإمام إِلَى السجدة حتى فاته الرجوع إليها بعقد الركعة التي بعدها فركعة القوم [صحيحة] (¬1) باتفاق، ويقضي الإمام تلك الركعة بعينها التي أسقط منها السجدة فِي آخر صلاته، وهم جلوس ثم يسلّم بهم ويسجد بعد السلام. واختلف إِذَا ذكر الإمام قبل أن يركع فرجع إِلَى السجود: هل يسجدون معه ثانية أم لا؟ عَلَى قولين. وأمّا إن تبعوه عَلَى ترك السجود عالمين بسهوه فصلاتهم فاسدة باتفاق. انتهى مختصراً (¬2). وقبله ابن عرفة وإن كان المصنف استشكله فِي " التوضيح " عند كلامه عَلَى إمام قام إِلَى خامسة، وإنما قال ابن رشد: يقضي [الإمام] (¬3) تلك الركعة بعينها ... إلى آخره؛ لأنه صار بمنزلة المستخلف المدرك. وقد ذكر اللخمي عن محمد نحوه: فِي إمامٍ ذكر فِي تشهد الرابعة سجدة من الأولى، وكان القوم سجدوها ثم قال: فصار الإمام بمنزلة المستخلف بعد ركعة [عَلَى ذاك كله] (¬4). ¬
وفِي " الأجوبة ": أن الإمام إِذَا شاركه القوم أو بعضهم فِي إسقاطها فهو كالفذ فِي البناء، وإلا فكالمأموم فِي القضاء، فاستشكال " التوضيح " غير صحيح، وقد لوّح المصنف بمثل هذا بقوله فيما يأتي إلاّ أن يجمع مأمومه (¬1) على نفي الموجب، وهناك ننقل عليه كلام ابن يونس إن شاء الله - تعالى - فقف عَلَى ذلك كله وبالله - تعالى - التوفيق. فَإِذَا سَلَّمَ أَتَوْا بِرَكْعَةٍ، وأَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وسَجَدُوا قَبْلَهُ وإِنْ زُوحِمَ مُؤْتَمٌّ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ نَعَسَ أَوْ نَحْوَهُ اتَّبَعَهُ فِي غَيْرِ الأُولَى، مَا لَمْ يَرْفَعْ مِنْ سُجُودِهَا، أَوْ سَجْدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ فِيهَا قَبْلَ عَقْدِ إِمَامِهِ تَمَادَى وقَضَى رَكْعَةً، وإِلا سَجَدَهَا، ولا سُجُودَ عَلَيْهِ إِنْ تَيَقَّنَ. قوله: (فَإِذَا سَلَّمَ أَتَوْا بِرَكْعَةٍ، وأَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ) يريد: وإن صلّوا أفذاذَا أجزأتهم وكذا فِي " النوادر " عن سحنون (¬2). قال ابن عرفة واقتضاء قول ابن الحاجب أتم بهم أحدهم عَلَى الأَصَحّ. (¬3) وجوب ذلك ومنعه لا أعرفه. انتهى. وقرره ابن عبد السلام فقال: وهل يتم بهم أحدهم؟ قَوْلانِ: أحدهما - وهو الأَصَحّ الجاري عَلَى المشهور -: أنه يتمّ بهم بناءً عَلَى أن الأولى إِذَا بطلت رجعت الثانية عوضاً منها فيكونون مؤدين. الثاني: أنهم لا يؤمهم أحدهم ويتمونها أفذاذَا، بناءً عَلَى أن الأولى إِذَا بطلت لَمْ ترجع الثانية عوضاً منها، [بل تبقى ثانية] (¬4) فيكونون قاضيين؛ لكن المسألة من أوّلها إنما هى مبنية عَلَى القول الأول المشهور، وأما عَلَى القول الثاني: فيتبعونه؛ لأن جلوس الإمام يكون فِي محلّه، وكذلك قيامه، ولا سجود أَيْضاً عَلَى هذا القول قبل السلام، وإنما يسجدون بعده [13 / ب] لتحقق الزيادة فِي الركعة التي وقع الخلل فيها، وأمّا عَلَى المشهور فالسجود قبل السلام لتحقق النقصان فِي السورة من ركعة والجلوس الوسط. انتهى. ¬
قال ابن عرفة: وتوجيه ابن عبد السلام القولين بكون الفائتة أداء وقضاء يريد بأن القضاء المانع من الجماعات ما فات المأمومين دون إمامهم لا ما فات جميعهم، وتخريجه جلوسهم لجلوسه، وسجودهم (¬1) بعد سلامهم عَلَى أن الأولى قضاء؛ لأنه فِي محلّه يردّ بما مر، وبأنها إن كانت قضاءً فلا سجود عليهم لملزومية القضاء حمل الإمام زيادتهم قبل سلامه (¬2) ولا زيادة لهم بعده. وَإِنْ قَامَ إِمَامٌ لِخَامِسَةٍ فَمُتَيَقِّنُ انْتِفَاءِ وَجُوبِهَا يَجْلِسُ، وإِلا اتَّبَعَهُ. قوله: (وإِلا اتَّبَعَهُ) أي: وإن لَمْ يتيقن انتفاء موجبها اتبع الإمام فِي القيام فشمل أربعة: متيقن الموجب، وظانّه، وظانّ نفيه، والشاكّ فيهما، وقد ظهر بهذا أن المصنف لَمْ يعتمد قول ابن الحاجب: ويعمل الظانُّ عَلَى ظنه (¬3)؛ لقول ابن عبد السلام: إنه مخالف لقول الباجي: المعتبر عند مالك فِي الصلاة اليقين أي: الاعتقاد الجازم المانع من النقيض، سواءً كان لموجب أم لا، ولَمْ يرد اليقين اصطلاحاً. على أنه خرج فِي " التوضيح " قول ابن الحاجب (¬4) عَلَى أحد القولين اللذين ذكرهما اللخمي فيمن ظن أنه صلى أربعاً هل حكمه كمن شكّ أصلى ثلاثاً أم أربعاً أو يبني عَلَى الظن. وَإِنْ خَالَفَ عَمْداً بَطَلَتْ فِيهِمَا، لا سَهْواً، فَيَأْتِي الْجَالِسُ بِرَكْعَةٍ، ويُعِيدُهَا الْمُتَّبِعُ. قوله: (ويُعِيدُهَا الْمُتَّبِعُ) أي: إِذَا اعتقد صحة الركعات الأربع، وتبع الإمام فِي الخامسة سهواً يريد، ثم تبين أن إحدى الأربع باطلة، فإنه يعيد هذه الركعة عَلَى أصل ¬
المشهور، وإنما فرّع ابن شاس هذا عَلَى ما إِذَا قال الإمام: قمت لموجب (¬1)، وكذا ابن الحاجب إذ قال: وفِي إعادة التابع الساهي لها قَوْلانِ (¬2). وَإِنْ قَالَ قُمْتُ لِمُوجِبٍ، صَحَّتْ لِمَنْ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ، وتَبِعَهُ. قوله: (وَإِنْ قَالَ قُمْتُ لِمُوجِبٍ، صَحَّتْ لِمَنْ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ، [وتَبِعَهُ] (¬3)) أي: لكونه تيقن الموجب أو ظنه أو ظنّ نفيه، أو شك فيه، ظاهره صادف النقص فِي نفس الأمر أم لا، وقد قال ابن هارون: شرط بعض أصحابنا يعني: ابن عبد السلام فِي الظن والشكّ موافقة النقص فِي نفس الأمر، وهذا ليس ببين؛ لأنه لو ظنّ أن الإمام ترك سجدة من الأولى، أو شكّ فِي ذلك وتبعه فِي هذه الخامسة، ثم تيقن بعد السلام أنها كانت تامّة لَمْ تبطل صلاته، وكون الساهي معذوراً إنما هو باعتبار نفي بطلان صلاته لا باعتبار سقوط ما يجب عَلَيْهِ إن كان بقي عَلَيْهِ شيء، وهذا لا خلاف فيه. وَلِمُقَابِلِهِ إِنْ سَبَّحَ. قوله: (وَلِمُقَابِلِهِ إِنْ سَبَّحَ) ليس شرط التسبيح عند القائل به وهو سحنون خاصاً بهذا، بل وكذلك إِذَا لَمْ يقل الإمام قمت لموجب. كَمُتَّبِعٍ تَأَوَّلَ وَجُوبَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ. قوله: (كَمُتَّبِعٍ تَأَوَّلَ وَجُوبَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) صدق رضي الله تعالى عنه فيما نسبه للخمي ونصّه فِي " تبصرته ": " وتبطل صلاة من اتبعه عمداً إِذَا كان عالماً أنه لا يجوز له اتباعه، وإن كان جاهلاً يظن أن عَلَيْهِ اتباعه صحت صلاته. لا لِمَنْ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ، ولَمْ يَتَّبِعْ. قوله: (لا (¬4) لِمَنْ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ، ولَمْ يَتَّبِعْ) كذا نص عَلَيْهِ ابن المواز بالبطلان. ¬
فإن قلت: وقد اختار اللخمي أَيْضاً الصحة فِي هذا الوجه فقال: والصواب أن تتم صلاة من جلس ولَمْ يتبعه؛ لأنه جلس متأولاً، وهو يرى أنه لا يجوز له اتباعه، وهذا أعذر من الناعس والغافل، فما بال المصنف عدل عن اختياره فيه، وقد ذكر اختياره فِي الذي قبله؟ قلت: لما كان اختياره فِي ذلك موافقاً لأحد المنصوصين اعتمده فقال: قال فيه سحنون: أرجو أن يجزيه وأحب إليّ أن يعيد. وقال غيره تلزمه الإعادة، ولما كان اختياره [فِي هذا رأياً له مخالفاً للمنصوص عدل] (¬1) عنه لذلك، وتقييده لزوم الاتباع فِي نفس الأمر نبّه عَلَيْهِ ابن عبد السلام فقال: ولا يمكن أن يلزمه هنا الاتباع إلاّ باعتبار ما فِي نفس الأمر، ويكون المأموم فِي هذا القسم جلس، وهو فِي نفس الأمر يلزمه القيام، لكن جلس لاعتقاده الكمال أو لظنه ولَمْ يصدق ظنه. انتهى. وما ذكر فِي الظن فعلى طريقة ابن الحاجب وكذا قيّده أَيْضاً فِي " التوضيح " بنفس الأمر اتباعاً لابن عبد السلام، وإنما قال لا يمكن إلا كذلك؛ لأنه لو كان لزوم الاتباع هنا لتيقن الموجب ونحوه ما عذره اللخمي فِي الجلوس. فتأمله. والله تعالى أعلم. وَلَمْ تُجِزِ مَسْبُوقاً عَلِمَ بِخَامِسَتِهَا. قوله: (ولَمْ تُجِزِ مَسْبُوقاً عَلِمَ بِخَامِسَتِهَا) أي: والحالة أن الإمام قال: قمت لموجب، وأما إن لَمْ يقل قمت لموجب فإن الصلاة تبطل رأساً، نقله ابن يونس عن ابن المواز قائلاً: ولو اتبعه فِيهَا من فاتته ركعة وهو يعلم أنها خامسة، ولَمْ يسقط الإمام شيئاً أبطل صلاته، وإن لَمْ يعلم فليقض ركعة ويسجد لسهوه كما يسجد إمامه. وهَلْ كَذَا إِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ تُجْزِه إِلا أَنْ يُجْمِعَ مَأْمُومُهُ عَلَى نَفْيِ الْمُوجِبِ؟ قَوْلانِ. قوله: (وهَلْ كَذَا إِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ تُجْزِه إِلا أَنْ يُجْمِعَ مَأْمُومُهُ عَلَى نَفْيِ الْمُوجِبِ؟ قَوْلانِ) المراد بنفي الموجب: [نفي] (¬2) الإسقاط عن أنفسهم لا عن إمامهم، وقد اقتصر فِي " التوضيح " عَلَى أنه إن لَمْ يعلم تجزيه عند مالك وابن المواز، والفرض أن الإمام قال: ¬
قمت لموجب، والذي لابن يونس متصلاً بالنقل المتقدم عن ابن المواز ما نصّه: " ولو قال [14 / أ] الإمام: كنت أسقطت سجدة من الأولى أجزأت من اتبعه ممن فاتته ركعة، وأجزأت غيره ممن خلفه ممن اتبعه، إلا أن يجمع كل من خلفه عَلَى أنهم لَمْ يسقطوا شيئاً، إنما أسقطها الإمام وحده، فلا تجزيء من اتبعه عامداً فمن خلفه ولا ممن فاتته ركعة وهو لا يعلم وليأت بها بعد سلامه وتجزيه ومن اتبعه عالماً بأنها خامسة ممن فاتته ركعة أو لَمْ تفته بطلت صلاته، وينبغي لمن علم ممن فاتته ركعة أن لا يتبعه فِيهَا، ويقضي بعد سلامه، فإن اجتمع الإمام وكلّ من خلفه عَلَى أنهم أسقطوا سجدة من الأولى أعاد هذا صلاته، ولو نسيها الإمام وحده دون من خلفه أجزأته صلاته إِذَا قضى الركعة التي بقيت عَلَيْهِ. ابن يونس: وإنما قال ذلك؛ لأنه إِذَا أسقط الإمام ومن معه سجدة من الأولى وجب عَلَى من فاتته ركعة القيام معه فِي هذه الخامسة لأنها رابعة له؛ لأن الأولى سقطت عن الإمام وعمن خلفه، كما سقطت عن الداخلين، وسجد بهم لسهوه قبل السلام؛ لأنه زاد ونقص، فإِذَا لَمْ يتبعه فِيهَا من فاتته ركعة فقد أبطل عَلَى نفسه، وأما من كان خلف الإمام، ولَمْ يسقط معه شيئاً، وإنما أسقط الإمام وحده، فقد وجب عَلَى الإمام وحده قضاء تلك الركعة بعينها بأم القرآن وسورة، ويسجد لسهوه بعد السلام، ويكون كمن استخلف بعد أن فاتته ركعة، فلا يجوز لمن خلفه ممن فاتته ركعة أن يتبعه فِيهَا، ولا يقضيها حتى يسلم الإمام بعد قضاء ركعة، وكذا فسّره محمد بن المواز فِي غير هذه المسألة. انتهى. وراجع ما قدمنا عند قوله: (وإن سجد إمام واحدة (¬1) لَمْ يتبع) عن ابن رشد (¬2) واللخمي، ثم قال ابن يونس: قال ابن المواز: وكذلك لو أسقط سجدة من الثانية أو الثالثة والقوم معه وقد اتبعه هذا فِي الخامسة فذلك جائز له، ولكن يقضي الأولى التي فاتته، وسواء اتبعه هاهنا وهو عالم بأنها خامسة أو غير خامسة؛ لأنها للإمام ومن معه رابعة. قال أبو محمد بن أبي زيد: أراه يريد وليس بموقن بسلامة ما أدرك معه قال: ولو جلس فِي الخامسة معه، ثم ذكر الإمام سجدة لا يدري من أي ركعة فلا يسجد سجدة لا ¬
سجود التلاوة
هو ولا من شكّ لشكّه، ولا من فاتته ركعة، ويسجد الإمام لسهوه قبل السلام؛ إلاّ أن يعلم أن السجدة من إحدى الركعتين الأخيرتين فليسجد بعد السلام (¬1). وتَارِكُ سَجْدَةٍ مِنْ كَأُولاهُ لا تُجْزِئُهُ الْخَامِسَةُ إِنْ تَعَمَّدَهَا. قوله (وتَارِكُ سَجْدَةٍ [مِنْ كَأُولاهُ] (¬2) لا تُجْزِئُهُ الْخَامِسَةُ إِنْ تَعَمَّدَهَا) لَمْ يحضرني فِي هذا أنسب مما فِي " الذخيرة " عن " الطراز " ونصّه: " ويتخرج عَلَى هذا أي عَلَى الاتباع بالتأويل إِذَا تعمّد خمساً، فتبين أنها أربع (¬3).قال ابن الماجشون: لا يضرّه. وقال ابن القاسم: إِذَا صلى خمساً ثم ذكر سجدة من الأولى يأتى بركعة. قال ابن المواز: الصواب الاكتفاء بالخامسة، وإِذَا لَمْ يعتدّ بها سهواً فأولى عمدً انتهى. فتأمل معه كلام المصنف نصاً ومفهوماً. [سجود التلاوة] سَجَدَ بِشَرْطِ الصَّلاةِ بِلا إِحْرَامٍ وسَلامٍ، قَارِئٌ ومُسْتَمِعٌ فِقِطْ إُنْ جِلِسِ لُيِتِعِلَّمَ، ولَوْ تَرَكَ الْقَارِئُ إِنْ صَلَحَ لِيَؤُمَّ، ولَمْ يَجْلِسْ لِيُسْمِعَ فِي إِحْدَى عَشَرَةَ، لا ثَانِيَةِ: (الْحَجِّ) و (النَّجْمِ) و (الانْشِقَاقِ) و (الْقَلَمِ). وهَلْ سُنَّةٌ أَوْ فَضِيلَةٌ؟ خِلافٌ، وكَبَّرَ لِخَفْضٍ ورَفْعٍ ولَوْ بِغَيْرِ صَلاةٍ، و (ص) {وَأَنَابَ} [2]. و (فُصِّلَتْ) {تَعْبُدُونَ} [37]. قوله (سَجَدَ بِشَرْطِ الصَّلاةِ بِلا إِحْرَامٍ وسَلامٍ قَارِئٌ ومُسْتَمِعٌ فِقِطْ) احترز بقوله: (فقط) من السامع غير المستمع، فهو كقول ابن عبد السلام: إنما يسجد المستمع لا [السامع، وقول ابن عسكر فِي " الإرشاد ": ويسجد المستمع كالتالي لا] (¬4) السامع (¬5). وكُرِهَ سُجُودُ شُكْرٍ، أَوْ زَلْزَلَةٍ، وجَهْرٌ بِهَا بِمَسْجِدٍ، وقِرَاءَةٌ بِتَلْحِينٍ كَجَمَاعَةٍ. قوله (وجَهْرٌ بِهَا بِمَسْجِدٍ) ظاهره أنه يكره الجهر بالسجدة فِي المسجد، ولَمْ أقف عَلَى هذا منصوصاً لغيره، ولو كان هذا الكلام مؤخراً عن قوله: (وقِرَاءَةٌ بِتَلْحِينٍ) لأمكن أن ¬
يكون الضمير فِي قوله: " بها " عائد عَلَى القراءة، ويكون أشار به [لما] (¬1) فِي رسم سلعة سمّاها من سماع ابن القاسم ونصّه: " وسئل عن القراءة فِي المسجد؟ فقال: لَمْ يكن بالأمر القديم، وإنما هو شيء أحدث [لَمْ يكن] (¬2)، ولَمْ يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عَلَيْهِ أوّلها، والقرآن حسن. قال ابن رشد: يريد التزام القراءة فِي المسجد بإثر صلاة من الصلوات أو عَلَى وجه ما مخصوص، حتى يصير ذلك كأنه سنة، مثل ما يفعل بجامع قرطبة إثر صلاة الصبح؟ فرأى ذلك بدعة، وأما القراءة عَلَى غير (¬3) هذا الوجه فلا بأس بها فِي المسجد، ولا وجه لكراهتها، وقد قال فِي آخر رسم المحرم من هذا السماع: ما يعجبني أن يقرأ القرآن إلاّ فِي الصلاة والمساجد لا فِي الأسواق والطرق. ويأتي ما يشبه هذا المعنى فِي رسم سن من هذا السماع وفِي رسمٍ لَمْ يدرك من سماع عيسى (¬4). انتهى. وفي حمل كلام المصنف عَلَيْهِ بُعد من وجوهٍ لا تخفى، أو أشار به لما فِي سماع أشهب من طرد سعيد بن المسيب عمر بن عبد العزيز (¬5)، وفيه احتمال آخر نذكره فِي التي بعدها. إن شاء الله تعالى. وجُلُوسٌ لَهَا لا لِتَعْلِيمٍ، وأُقِيمَ الْقَارِئُ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ خَمِيسٍ أَوْ غَيْرِهِ، وفِي كُرْهِ قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ رِوَايَتَانِ، واجْتِمَاعٌ لِدُعَاءٍ يَوْمَ عَرَفَةَ، ومُجَاوَزَتْهَا لِمُتَطَهِّرٍ وَقْتَ جَوَازٍ، وإِلا فَهَلْ يُجَاوِزُ مَحَلَّهَا أَوِ الآيَةِ؟ تَأْوِيلانِ، واقْتِصَارٌ عَلَيْهَا، وأُوِّلَ بِالْكَلِمَةِ، والآيَةِ قَالَ (¬6) وهُوَ الأَشْبَهُ، وتَعَمُّدُهَا بِفَرِيضَةٍ أَوْ خُطْبَةٍ لا نَفْلٍ مُطْلَقاً، وإِنْ قَرَأَ فِي فَرْضٍ [سَجَدَ] (¬7)، لا خُطْبَةٍ، وجَهَرَ إِمَامُ السِّرِّيَّةِ وإِلا اتُّبِعَ، ومُجَاوِزُهَا ¬
بِيَسِيرٍ يَسْجُدُ. وبِكَثِيرٍ يُعِيدُهَا بِالْفَرْضِ [مَا لَمْ] (¬1) يَنْحَنِ وبِالنَّفْلِ فِي ثَانِيَةٍ، فَفِي فِعْلِهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ قَوْلانِ. وإِنْ قَصَدَهَا فَرَكَعَ سَهْواً، اعْتُدَّ بِهِ، ولا سَهْوَ بِخِلافِ تَكْرِيرِهَا أَوْ سُجُودٍ قَبْلَهَا سَهْواً، قَالَ وأَصْلُ الْمَذْهَبِ تَكْرِيرُهُ، إِنْ كَرَّرَ حِزْباً إِلا الْمُعَلِّمَ والْمُتَعَلِّمَ فَأَوَّلَ مَرَّةٍ. قوله: (وجُلُوسٌ لَهَا لا لِتَعْلِيمٍ) ينبغي أن يكون شاملاً لجلوس المستمع إليه لا يريد وجلوس القاريء، فقد نصّ عَلَى كراهتهما معاً فِي " المدوّنة " فقال: وكره مالك أن يجلس تعليماً، ويكره أن يجلس الرجل متعمداً لقراءة القرآن، وسجوده لا يريد تعليماً، ومن قعد إليه فعلم أنه يريد قراءة سجدة قام عنه (¬2). فإن قلت: قوله: (لا لِتَعْلِيمٍ) بإسكان العين وكسر اللام الممدودة، يعين أنه أراد القاريء، ولو أراد المستمع لقال لا لتعَلُّم بفتح العين وضم اللام المشددة؛ لما تقرر فِي التصريف [14 / ب] أنك تقول: علمه تعليماً فتعلّم تعلّماً، فالتعلم (¬3) مطاوع التعليم. قلت: هذا هو الأصل عند أهل اللسان، ولكن الفقهاء يتوسعون فِي الاستعمال، ألا تراه فِي النصّ الذي قدمناه عن " المدوّنة " عبّر فيهما معاً بالتعليم، ساكن العين مكسور اللام الممدودة، كما هي عبارة المصنف التي حكمنا بشمولها، وذلك فِيهَا أسهل؛ لإمكان أن يدعي فِيهَا التغليب، وقد يمكن أن يكون أراد هنا جلوس المستمع فقط، وعبّر عن جلوس القاريء لهذا القصد بقوله قبله: (وجَهْرٌ بِهَا بِمَسْجِدٍ) فتأمله. ونُدِبَ لِسَاجِدِ الأَعْرَافِ [10 / ب] قِرَاءَةٌ قَبْلَ رُكُوعِهِ، ولا يَكْفِي عَنْهَا رُكُوعٌ. قوله: (ولا يَكْفِي عَنْهَا رُكُوعٌ) هو كقوله فِي " المدوّنة ": ولا يركع بها فِي صلاة ولا غيرها. ابن يونس؛ لأنه إن قصد بها الركعة فلم يسجدها، وإن قصد بها السجدة فقد أحالها عن صفتها، وذلك غير جائزٍ. انتهى، وحكى ابن رشد فِي رسم لَمْ يدرك من سماع عيسى: أن ابن حبيب يقول: إن الركعة التي ركعها لصلاته تجزيء من السجدة قال: ¬
وعَلَى مذهبه فِي " المدوّنة " لا يجزءه ركوعه للصلاة عن السجدة، فهو بمنزلة من ترك سجود السجدة يقرؤها فِي الركعة الثانية فِي النافلة دون الفريضة. انتهى. وقال المازري: نحى ابن حبيب لجواز ركوعه لصلاته به، والمعروف منعه، ولعله رأى سجود الصلاة يغني عنه كالجنابة عن الجمعة، انتهى باختصار. ابن عرفة: وفِي " الذخيرة ": وإن قصد بالركوع السجدة لَمْ تحصل؛ لأنه غيّر هيئتها، وأشار ابن حبيب إِلَى جواز ذلك (¬1). انتهى. والتحرير ما قدمناه عن المازري. والله تعالى أعلم. وإِنْ تَرَكَهَا وقَصَدَهُ، صَحَّ وكُرِهَ. قوله (وإِنْ تَرَكَهَا (¬2) وَقَصَدَهُ، صَحَّ وكُرِهَ) زاد اللخمي: إن لَمْ يسجد الإمام لَمْ يسجد مأمومه. وسَهْواً اعْتُدَّ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ، لا ابْنِ الْقَاسِمِ، فَيَسْجُدُ إِنِ اطْمَأَنَّ بِهِ. قوله (وسَهْواً اعْتُدَّ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ، لا ابْنِ الْقَاسِمِ) هذا ركع ساهياً عن السجدة من أول وهلة، بخلاف الذي تقدّم فِي قوله: (وَإِنْ قَصَدَهَا فَرَكَعَ سَهْواً اعْتُدَّ بِهِ)؛ فإنه إنما انحطّ للسجدة، فلما وصل إِلَى حدّ الركوع أدركه السهو فبقي هناك راكعاً فهما مفترقان فِي الصورة، وذلك ظاهر من لفظه، وأما الحكم فالذي صوّبه ابن يونس: أن الذي يجري فِي هذه من الخلاف يجري فِي الأخرى إلاّ أن المصنف كما تراه حكى القولين فِي هذه واقتصر فِي الأولى عَلَى الاعتداد. وقد حصّل اللخمي فِيهَا ثلاثة أقوال فقال فيمن نسي سجود التلاوة فِي نفلٍ: قال مالك فِي " العتبية ": إِذَا ذكر وهو راكع يمضي عَلَى ركوعه ولا يسجد، وكذلك لو انحطّ ليسجد فنسي فركع فإنه يرفع (¬3) للركوع وتجزئه الركعة. وقال أشهب: ينحطُّ للسجود ¬
فصل في صلاة النافلة
وإن كانت نيته فِي حال انحطاطه للركوع. وقال ابن القاسم: إِذَا كانت نيته للسجود فإنه يخرّ ساجداً؛ لأن ركعته تلك لا تجزيء عنه، ولو رفع منها، يريد بخلاف من كانت نيته من أول الركوع، فإنه يمضي لتمامها، والقول أنه إِذَا كانت نيته للركوع يمضي لها أحسن؛ لأنه تلبّس بفرض فلا يسقطه لنفل، ولَمْ يختلفوا فيمن نسي الجلوس حتى تلبّس بالفرض وهو القيام أنه لا يرجع منه إِلَى الجلوس، والجلوس سنة مؤكدة تفسد الصلاة بتعمد تركه فِي المشهور من المذهب فناسي السجدة أولى، وأما إِذَا كانت نيته فِي الانحطاط للسجدة فإن مالكاً ذهب إِلَى أن الفرض أن يوجد راكعاً، فتماديه عَلَيْهِ بنية الامتثال للركوع يجزيء عنه، وذهب ابن القاسم إِلَى أن الانحطاط للركوع فرض فِي نفسه، فلم يجز عنه الانحطاط بنية السجود؛ لأنه لنفلٍ فلا يجزء عن فرض. انتهى. فلو عكس المصنف لكان قد سلك طريقة اللخمي، إذ رجّح فِي قاصد الركوع الإمضاء، ولَمْ يرجّح فِي قاصد السجدة واحداً من القولين، كما تراه وطريقة اللخمي هذه تنحو لما ذكر ابن يونس عن أبي محمد بن أبي زيد. والله تعالى أعلم. [فصل فِي صلاة النافلة] نُدِبَ نَفْلٌ وتَأَكَّدَ بَعْدَ مَغْرِبٍ كَظُهْرٍ، وقَبْلَهَا كَعَصْرٍ بِلا حَدٍّ، والضُّحَى وسِرٌّ بِهِ نَهَاراً، وجَهْرٌ لَيْلاً، وتَأَكَّدَ بِوِتْرٍ، وتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ، وجَازَ تَرْكُ مَارٍّ، وتَأَدَّتْ بِفَرْضٍ، وبَدْءٌ بِهَا بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ السَّلامِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وآلِهِ وإِيقَاعُ نَفْلٍ بِهِ بِمُصَلاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والْفَرْضُ بِالصَّفِّ الأَوَّلِ وتَحِيَّةُ مَسْجِدِ مَكَّةَ الطَّوَافُ، وتَرَاوِيحُ، وانْفِرَادٌ بِهَا إِنْ لَمْ تُعَطَّلِ الْمَسَاجِدُ.، والْخَتْمُ فِيهَا، وسُورَةٌ تُجْزِئُ، ثَلَاثٌ وعِشْرُونَ، ثُمَّ جُعِلَتْ سِتًّا وثَلَاثِينَ، وخَفَّفَ مَسْبُوقُهَا ثَانِيَتَهُ ولَحِقَ. قوله: (وإِيقَاعُ نَفْلٍ بِهِ بِمُصَلاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والْفَرْضُ بِالصَّفِّ الأَوَّلِ) أي: بالصف الأول من مسجده عَلَيْهِ السلام، وكذا هي المسألة لمالك فِي رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، قال ابن القاسم: مصلاه عَلَيْهِ السلام هو العمود المخلق. قال ابن رشد: هذا خلاف قول مالك فِي " الجامع ": أن العمود المخلق ليس هو قبلة النبي عَلَيْهِ السلام، ولكنه أقرب العمد إِلَى مصلاه - صلى الله عليه وسلم -، والأصل فِي النفل حديث عتبان بن مالك، حيث صلى
النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيته مرة واحدة؛ ليتخذه مصلى (¬1)، فمحل مواظبته عَلَيْهِ السلام أفضل، والأصل فِي الفرض نصّه عَلَيْهِ السلام عَلَى فضل الصفّ الأول، فهو أولى مما علم فضله بالدليل (¬2). ابن عرفة: فِي قوله فِي الفرض نظر؛ لأن فضل مسجده - صلى الله عليه وسلم - أفضل من الصفّ الأول فِي غيره. انتهى. كأنه يعني أن ما زيد فيه خارج عنه. وقِرَاءَةُ شَفْعٍ بِسَبِّحْ، والْكَافِرُونَ، ووِتْرٍ بِإِخْلاصٍ ومَعُوذَتَيْنِ إِلا لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ، فَمِنْهُ فِيهِمَا، وفِعْلُهُ لِمُنْتَبِهٍ آخِرَ اللَّيْلِ. قوله: (وقِرَاءَةُ شَفْعٍ بِسَبِّحْ، والْكَافِرُونَ، ووِتْرٍ بِإِخْلاصٍ، [15 / أ] ومَعُوذَتَيْنِ إِلا لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ، فَمِنْهُ فِيهِمَا) أي: فِي الشفع والوتر، وبالوقوف عَلَى نقول الأئمة يظهر لك ما اعتمده المصنف فيهما، أمّا الشفع فحصّل ابن عرفة فيه ثلاثة أقوال: الأول: التزام السورتين لمالك فِي كتاب ابن شعبان، وحكاه عياض عن بعض القرويين. الثاني: ما تيسّر. لمالك فِي " المجموعة ". الثالث: إن كان بعد تهجّدٍ فما تيّسر، وإن اقتصر عَلَيْهِ فالسورتان، وبه قيّد الباجي قول مالك فِي " المجموعة "، وبه فسّر عياض المذهب. ونحوه للمازري، فإنه قال فِي " شرح التلقين ": وقد كنت فِي سنّ الحداثة، وعمري عشرون عاماً وقع فِي نفسي أن القراءة فِي الشفع لا يستحبّ تعيينها إِذَا كانت عقب تهجّد، وأن الاستحباب إنما يتوجّه فِي حقّ من اقتصر عَلَى شفع الوتر، فأمرت من يصلّي التراويح فِي رمضان أن يوتر عقب فراغه من عدد الأشفاع، ويأتي بجميع العدد مقروناً بجزئه الذي يقوم به ويوتر عقبه؛ فتمالأ الأشياخ المفتون حينئذ بالبلد عَلَى إنكار ذلك، واجتمعوا بالقاضي، وكان ممن يقرأ عليّ ويصرف الفتيا فيما يحكم به إليّ، وسألوه أن يمنع من ذلك، ¬
فأبي عليهم إلا أن يجتمعوا لمناظرتي عَلَى المسألة، فأبوا؛ فأبى، ثم اتسع الأمر، وصارت مساجدنا يفعل ذلك فِيهَا، فخفت اندراس ركعتي الشفع عند العوام إن لَمْ تخصّ فِي رمضان بقراءة، فرجعت إِلَى المألوف، ثم بعد زمانٍ طويلٍ رأيت أبا الوليد الباجي أشار إِلَى الطريق التي كنت سلكت من التفصيل بين من كان وتره واحدة عقب صلاة الليل، ومن لَمْ يوتر إلا عقب الشفع، اللهم إلا أن يكون أراد قيام المتهجدين فِي غير رمضان؛ لأن رمضان يجتمع الناس فيه عَلَى النفل، ويتبع فيه فعل السلف فِي الاقتصار عَلَى عدد معلوم، فيكون مخالفاً لما سواه من قيام الليل، فقد يمكن أن يقصد إِلَى ذلك. انتهى. واعترضه ابن عرفة فقال: إنما قال ذلك الباجي تقييداً لرواية ابن عبدوس (¬1) لا تفسيراً للمذهب، بل تعليلاً لمخالفة رواية التعيين، ولو ناظروه حجّوه (¬2): إما باعتبار المذهب، فرواية التعيين أولى؛ لما تقرر من دليل ردّ المطلق للمقيد، وإما باعتبار الدليل؛ فلحديث أبيٍّ أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث ركعات يقرأ فِي الأولى بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] وفِي الثانية بـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي الثالثة بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، والمعلوم منه - صلى الله عليه وسلم - التهجد. انتهى. قلت: لعلّ ابن عرفة لَمْ يقف عَلَى جميع كلام المازري، وإلا فقد أورد المازري نحو هذا بنفسه عَلَى نفسه بعد كلامه الذي قدّمناه. وأما الوتر فقال فِي " المدوّنة ": كان مالك يقرأ فِيهَا بأم القرآن و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين، ولا يفتي الناس بذلك (¬3). وقال اللخمي وابن يونس قال مالك فِي المجموعة: إن الناس ليلتزمون فِي الوتر قراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين وما ذلك بلازم وإنّي لا أفعله. قلت: وقول ابن عرفة: قال اللخمي: رجع مالك لقراءة الوتر بالفاتحة والإخلاص ¬
والمعوذتين [وهم إنما قال] (¬1) اللخمي: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ فِي الأولى بـ: سبّح، وفِي الثانية بـ: الكافرون، وفِي الثالثة بـ: الإخلاص، وروي أنه كان يقرأ فِي الأخرة بالإخلاص والمعوذتين، وبهذا أخذ مالك [فِي الأخيرة] (¬2)، وروي عنه فِي " مختصر " ابن شعبان أنه كان يقرأ فِي الأولى والثانية بمثل ما فِي الحديث الأول، ففهم ابن عرفة أن رواية ابن شعبان مرجوع عنها، ولا يحسن أن يفهم الرجوع من قوله: (فِي الأخرة)، فليس مراده فِي الرواية الأخرة كما سبق لفهم بعضهم، وإنما مراده فِي الركعة الأخرة. قال: وروى يحيي بن اسحاق عن يحيي بن عمر لا تختص الوتر بقراءة، وقال ابن العربي فِي " عارضة الأحوذي فِي شرح الترمذي ": يقرأ المتهجد فِي الوتر من تمام حزبه، وغيره بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقط؛ لحديث الترمذي (¬3) وهو أصحّ من حديث قراءته بها مَعَ المعوذتين، وانتهت الغفلة بقومٍ يصلّون التراويح فإِذَا انتهوا للوتر قرأوا فيه بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين. انتهى. قلت: وفِي ترجمة محمد بن الخطاب من " الغنية " لعياض، حديث مسلسل بقراءة الإخلاص فِي كلّ ركعة من الشفع كل واحد من رواته يقول: ما تركته منذ سمعته، حتى انتهت الرواية لعياض فقال مثل ذلك، وذكره أَيْضاً ولد عياض فِي مناقب أبيه (¬4). ولَمْ يُعِدْهُ مُقَدِّمٌ، ثُمَّ صَلَّى، وجَازَ،، إِلا لاقْتِدَاءٍ بِوَاصِلٍ، وكُرِهَ وَصْلُهُ، ووِتْرٌ بِوَاحِدَةٍ وقِرَاءَةُ ثَانٍ مِنْ غَيْرِ انْتِهَاءِ الأَوَّلِ، ونَظَرٌ بِمُصْحَفٍ فِي فَرْضٍ، وأَثْنَاءَ نَفْلٍ، لا أَوَّلَهُ، وجَمْعٌ كَثِيرٌ لِنَفْلٍ، أَوْ بِمَكَانٍ مُشْتَهَرٍ، وإِلا فَلا، وكَلامٌ بَعْدَ صُبْحٍ لِقُرْبِ الطُّلُوعِ، لا بَعْدَ الْفَجْرِ، وضِجْعَةٌ بَيْنَ صُبْحٍ، ورَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، والْوِتْرُ سُنَّةٌ آكِدُ، ثُمَّ عِيدٌ، ثُمَّ كُسُوفٌ ثُمَّ اسْتِسْقَاءٌ، ووَقْتُهُ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ، وشَفَقٌ لِلْفَجْرِ، ¬
فصل في صلاة الجماعة
وضَرُورِيِّةٌ لِلصُّبْحِ، ونُدِبَ قَطْعُهَا لَهُ لِفَذٍّ، لا مُؤْتَمٍّ، وفِي الإِمَامِ رِوَايَتَانِ، وإِنْ لَمْ يَتَّسِعِ الْوَقْتُ إِلا لِرَكْعَتَيْنِ تَرَكَهُ، لا لِثَلاثٍ ولِخَمْسٍ صَلَّى الشَّفْعَ ولَوْ قَدَّمَ، ولِسَبْعٍ زَادَ الْفَجْرَ، وهِيَ رَغِيبَةٌ تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ تَخُصُّهَا، ولا تُجْزِئُ إِنْ تَبَيَّنَ تَقَدُّمُ إِحْرَامِهَا لِلْفَجْرِ ولَوْ بِتَحَرٍّ، ونُدِبَ الاقْتِصَارُ عَلَى الْفَاتِحَةِ. وإِيقَاعُهَا بِمَسْجِدٍ، ونَابَتْ عَنِ التَّحِيَّةِ، وإِنْ فَعَلَهَا بِبَيْتِهِ لَمْ يَرْكَعْ ولا يَقْضِي غَيْرَ فَرْضٍ، إِلا هِيَ فَلِلزَّوَالِ، وإِنْ أُقِيمَتِ الصُّبْحُ وهُوَ بِمَسْجِدٍ تَرَكَهَا، وخَارِجُهُ رَكَعَهَا، إِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ رَكْعَةٍ، وهَلِ الأَفْضَلُ كَثْرَةُ السُّجُودِ أَوْ طُولُ الْقِيَامِ؟ قَوْلانِ. قوله (ولَمْ يُعِدْهُ مُقَدِّمٌ، ثُمَّ صَلَّى) عطف هنا عَلَى اسم شبه فعل فعلاً ماضياً عَلَى حدّ قوله جلّ وعلا: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} [العاديات: 1 - 4]، وفِي عطفه بـ: ثمّ إشارة لقوله فِي الصلاة الأول من " المدوّنة ": ومن أوتر فِي المسجد ثمّ أراد أن يتنفل بعده تربّص قليلاً، وإن انصرف بعد وتره إِلَى بيته تنفّل ما أحبّ (¬1). وَعَقِبَ شَفْعٍ مُنْفَصِلٍ بِسَلامٍ. قوله: (وعَقِبَ شَفْعٍ) عطف عَلَى قوله: (آخر الليل). [فصل فِي صلاة الجماعة] الْجَمَاعَةُ بِفَرْضٍ، غَيْرِ جُمُعَةٍ سُنَّةٌ ولا تَتَفَاضَلُ، وإِنَّمَا يَحْصُلُ فَضْلُهَا بِرَكْعَةٍ، ونُدِبَ لِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْهُ كَمُصَلٍّ بِصَبِيٍّ إِلا امْرَأَةٍ أَنْ يُعِيدَ مُفَوِّضاً مَأْمُوماً، ولَوْ مَعَ وَاحِدٍ، غَيْرَ مَغْرِبٍ كَعِشَاءٍ بَعْدَ وَتْرٍ وإِنْ أَعَادَ ولَمْ يَعْقِدْ [رَكْعَةً] (¬2) قَطَعَ، وإِلا شَفَعَ. قوله: (ولَوْ مَعَ وَاحِدٍ) عوّل فِي الإعادة مَعَ الواحد غير الإمام الراتب عَلَى " صاحب اللباب " وابن عبد السلام، وما كان ينبغي [15 / ب] له ذلك؛ فإن الحُفّاظ لَمْ يجدوه فِي المذهب حتى انتقد عَلَى ابن الحاجب جعْله مقابل الأَصَحّ، فقال ابن عرفة: ونقْل ابن الحاجب تعاد مَعَ واحد (¬3)، لا أعرفه. ¬
وإِنْ أَتَمَّ ولَوْ سَلَّمَ أَتَى بِرَابِعَةٍ إِنْ قَرُبَ، وأَعَادَ مُؤْتَمٌّ بِمُعِيدٍ أَبَداً [10 / ب] أَفْذَاذاً. قوله (وَإِنْ أَتَمَّ ولَوْ سَلَّمَ أَتَى بِرَابِعَةٍ) جواب (إن) هو (أتى) و (لو) إغياء. وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الأُولَى أَوْ فَسَادُهَا أَجْزَأَتْ، ولا يُطَالُ رُكُوعٌ لِدَاخِلٍ، والإِمَامُ الرَّاتِبُ كَجَمَاعَةٍ، ولا تُبْتَدَأُ صَلاةٌ بَعْدَ الإِقَامَةِ، وإِنْ أُقِيمَتْ وهُوَ فِي صَلاةٍ قَطَعَ، إِنْ خَشِيَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ، وإِلا أَتَمَّ النَّافِلَةَ أَوْ فَرِيضَةً غَيْرَهَا وإِلا انْصَرَفَ فِي الثَّالِثَةِ عَنْ شَفْعٍ كَالأُولَى إِنْ عَقَدَهَا، والْقَطْعُ بِسَلامٍ أَوْ مُنَافٍ وإِلا أَعَادَ، وإِنْ أُقِيمَتْ بِمَسْجِدٍ عَلَى مُحَصِّلِ الْفَضْلِ، وهُوَ بِهِ خَرَجَ ولَمْ يُصَلِّهَا ولا غَيْرَهَا. قوله (وإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الأُولَى أَوْ فَسَادُهَا أَجْزَأَتْ) هذا الذي اقتصر عَلَيْهِ هو الذي نسبه ابن رشد لسماع عيسي وسحنون عن ابن القاسم (¬1)، وهذا عَلَى إجراء المتأخرين غير لائق بقوله أولاً: مفوضاً؛ فكأنه لَمْ يرتهن لذلك هنا، وقد أشبعنا الكلام عَلَيْهَا فِي موضوعنا عَلَى " المدوّنة " المسمى بـ: " تكميل التقييد وتحليل التقعيد " ومن الله سبحانه العون والتأييد. وإِلا لَزَمَتْهُ كَمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا وبِبَيْتِهِ يُتِمُّهَا. قوله: (وإِلا لَزَمَتْهُ كَمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا) من الواضح أن كلامه فيما يعاد، فلا ترد عَلَيْهِ المغرب و [لا] (¬2) العشاء بعد الوتر (¬3). وَبَطَلَتْ بِاقْتِدَاءٍ بِمَنْ بَانَ كَافِراً، أَوِ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى [مُشْكِلاً] (¬4)، أَوْ مَجْنُوناً، أَوْ فَاسِقاً بِجَارِحَةٍ، أَوْ مَأْمُوماً أَوْ مُحْدِثاً إِنْ تَعَمَّدَ أَوْ عَلِمَ مُؤْتَمُّهُ، وبِعَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ أَوْ عَلِمَ، إِلا كَالْقَاعِدِ بِمِثْلِهِ فَجَائِزٌ، أَوْ بِأُمِّيٍّ إِنْ وَجِدَ قَارِئٌ أَوْ قَارِئٍ بِكَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ¬
أَوْ عَبْدٍ فِي جُمُعَةٍ، أَوْ صَبِيٍّ فِي فَرْضٍ، وبِغَيْرِهِ تَصِحُّ وإِنْ لَمْ تَجُزْ، وهَلْ بِلَحْنٍ مُطْلَقاً أَوْ فِي الْفَاتِحَةِ، وبِغَيْرِ مُمَيِّزٍ بَيْنَ ضَادٍ وظَاءٍ خِلافٌ. قوله: (أَوْ فَاسِقاً بِجَارِحَةٍ) جعله أسوأ حالاً من المبتدع الذي قال فيه: (وأعاد بوقت فِي كحروري)، وهذا عكس قول ابن يونس: الصواب الإعادة عَلَى من صلى خلف شارب خمرٍ؛ لأنه من أهل الذنوب، ولا يكون أسوأ حالاً من المبتدع، وقد اختلف فِي إعادة من صلى خلفه. انتهى. مَعَ أن أبا العباس القباب قال: أعدل المذاهب أنه لا يقدم فاسق للشفاعة والإمامة، ولكن لا إعادة عَلَى من صلى خلفه إن كان يتحفظ عَلَى أمور الصلاة، وهذا مرتضى التونسي واللخمي وابن يونس. انتهى. وما كان ينبغي للمصنف أن يعدل عن المرتضى عند هؤلاء الأئمة إِلَى تشهير ابن بزيزة (¬1)، وما ذكره فِي المبتدع صواب؛ إذ هو مذهب ابن القاسم [فِي " المدوّنة "] (¬2)، وللمصنف أن يقول بالموجب فِي جعل الفاسق أسوأ حالاً من المبتدع بالاعتبار الذي أشار إليه ابن عبد السلام: أنّ فسق الاعتقاد لا ينفي لمن صدق الفاسق، ألا ترى أن كتب الصحاح فِي الحديث اشتملت عَلَى جواز التحديث عن جماعةٍ من هذا الصنف (¬3)، وإنما اجتنب المحدثون الرواية عمن كان من هذا الجنس داعياً إِلَى مذهبه، ومن لَمْ يكن كذلك لَمْ يجتنبوا الرواية عنه، بخلاف فسق الجوارح (¬4). ¬
وأَعَادَ بِوَقْتٍ فِي كَحَرُورِيٍّ، وكُرِهَ أَقْطَعُ، وأَشَلُّ وأَعْرَابِيٌّ لِغَيْرِهِ وإِنْ أَقْرَأَ وذُو سَلَسٍ وقُرُوحٍ، لِصَحِيحٍ، وإِمَامَةُ مَنْ يُكْرَهُ. قوله (وأَعَادَ بِوَقْتٍ فِي كَحَرُورِيٍّ) دخل فِي قوله: (كَحَرُورِيٍّ) المعتزلي والقدري (¬1)، ونحوهما ممن يشكل كونه كافراً، وخرج به المقطوع بكفره، ومثله المازري بالقائل: إنه سبحانه ليس بعالم - تعالى الله عن ذلك - وخرج به أَيْضاً المقطوع بعدم كفره كذي هوىً خفيف، فاشتمل كلامه عَلَى أحكام الأقسام الثلاثة التي ذكر ابن رشد فِي رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب (¬2) فإن قلت: فقد قال ابن عبد السلام إن أكثر المتكلّمين عَلَى هذه المسألة، إنما فرضوا الكلام فِيهَا فِي مبتدع كانت بدعته فِي الصفات، وبنوها عَلَى التكفير بالمآل، فلا معنى لذكر الحرورية هنا؛ إذ هم قوم خرجوا عَلَى عليٍّ - رضي الله تعالى عنه - بحروراء نقموا عَلَيْهِ قضية التحكيم، وكفّروا الناس بالذنب، ولَمْ يظهر منهم حينئذ بدعة فِي الصفات البتة. قلت: قد ردّه ابن عرفة برواية أبي محمد وابن حبيب عن مالك [من ائتم] (¬3) بأحدٍ من أهل الأهواء أعاد أبداً إلاّ إماماً والياً أو خليفته عَلَى الصلاة؛ لأجل ائتمام ابن عمر بالحجّاج ونجدة الحروري (¬4). وقال فِي " التوضيح ": قد يجاب عنه بوجهين: أحدهما: أن ما ارتكبت الحرورية من التكفير بالذنب من أعظم البدع. والثاني: نقل ابن يونس عن مالك التسوية بين القدري والحروري فِي أنه لا يصلّي خلفهما، ثم ذكر الخلاف كما ذكر ابن الحاجب (¬5)، فدلّ عَلَى أن الجميع سواء. ¬
وَتَرَتُّبُ خَصِيٌّ، ومَأْبُونٍ (¬1)، وأَغْلَفَ، وولد زِنًى أَوْ مَجْهُولِ حَالٍ، وعَبْدٍ بِفَرْضٍ. قوله (وَتَرَتُّبُ خَصِيٌّ، ومَأْبُونٍ وَأَغْلَفَ، ووَلَدِ زِنًى أَوْ مَجْهُولِ حَالٍ، وعَبْدٍ بِفَرْضٍ) أمّا الخصي وولد الزنا والعبد فلا إشكال فيهم، وأما المأبون فكذا ذكره ابن بشير وأتباعه، كابن شاس والقرافي وابن الحاجب (¬2) وشرّاحه، وأنكر ذلك ابن عرفة فقال: ونَقْل ابن بشير كراهة إمامة المأبون لا أعرفه، وهو أرذل الفاسقين. انتهى. قلت: حمله ابن عرفة عَلَى أنه الذي يؤتى فِي دبره. وقد وقع فِي رسم الجواب من سماع عيسى أن أبا سلمة ابن عبد الأسد الذي كان زوج أم سلمة رأى رجلاً مأبوناً بين يديه فِي الصلاة فاتقى ذلك (¬3)، فكيف بإمامته؟ فلا يكون غيره من الفسقة أسوأ حالاً منه. لكن الظاهر من كلام ابن بشير وأتباعه: أنهم لَمْ يريدوا هذا الفاسق الخبيث، فإن ابن بشير ذكر أولاً النقص المانع من الإجزاء وأدرج فيه الفسقة، ثم ذكر النقص المانع من الكمال، وذكر من جملته [16 / أ] ما يحطّ المنزلة ويسرع إليه طعن الألسنة، وقال: ينخرط فِي هذا السلك كراهة الائتمام بالمأبون والأغلف. وأبين منه لابن شاس إذ قال: ويكره أن يُتخذ ولد الزنا إماماً راتباً، وكذلك المأبون والأغلف (¬4)، وقيل: بجواز اتخاذهم أئمة راتبين إِذَا كانوا صالحي الأحوال فِي أنفسهم سالمين من النقائص المتقدّمة (¬5)، وكذا علل ابن عبد السلام كراهة ترتيب المأبون، ومن معه بأنهم تسرع إليهم الألسنة، وربما تعدى الأذى إِلَى من ائتم بهم، وفِي هذا كلّه دليل عَلَى ¬
أنهم لَمْ يريدوا الفاسق البيّن [الفسق] (¬1) الذي فهم ابن عرفة؛ وإنما أرادوا من هو أخفّ شأناً من ذلك، فأما أن يكونوا أرادوا الذي كان موصوفاً بذلك، ثم تاب وحسنت توبته وبقيت الألسنة تتكلّم فيه مما مضى. [ولعلّ فِي هذا بعض الشبه بما حكى ابن حبيب عن مالك: لا يؤم قاتل عمد وإن تاب] (¬2)، وإنما يكونوا أرادوا به المتهم وهو أبين لمساعدته للغة العربية، وفِي البخاري: " ما كنا نأبنه بريبة (¬3) " وفيه: " أَبَنُوا أهلي " (¬4)، وعَلَى هذا حمله شيخ شيوخنا العلامة أبو عبد الله ابن مرزوق فِي كتاب " انتهاز الفرصة فِي محادثة عالم قفصة ". وزعم الشارمساحي أنه عند الفقهاء الضعيف العقل، وكأنه عَلَى هذا أخف شأناً من المعتوه فقد قال فِي سماع ابن القاسم: لا يؤم المعتوه الناس. قال سحنون: فإن أمّهم أعادوا. قال ابن رشد: المعتوه الذاهب العقل. وقول سحنون تفسير؛ لأنه لا تصحّ منه نية فوجب أن يعيد أبداً من ائتم به، وأما الأغلف وهو الذي لَمْ يختتن فقال فِي سماع ابن القاسم: لا يؤم. قال سحنون: فإن فعل فلا إعادة عَلَى من ائتم به. قال ابن رشد: قول سحنون تفسير، فلا يخرجه ترك الاختتان عن الإسلام، ولا يبلغ به مبلغ التفسيق، إلا أن ذلك نقصان فِي دينه وحاله؛ لأن الختان طهرة الإسلام وشعاره (¬5). وأما المجهول الحال فروى ابن حبيب عن مُطرِّف وابن الماجشون وأصبغ وابن عبد الحكم: لا ينبغي أن [يؤتم بمجهول] (¬6) إلا راتباً بمسجد. ¬
وقال فِي " الزاهي " (¬1): لا يؤتم بمجهول، هذا نقل ابن عرفة وزاد: إن كانت تولية المساجد لذي هوىً لا يقوم فِيهَا بموجب الترجيح الشرعي لَمْ يؤتم براتب فِيهَا إلا بعد الكشف عنه، وكذا كان يفعل من أدركته عالماً ديناً. وصَلاةٌ بَيْنَ الأَسَاطِينِ، أَوْ أَمَامَ الإِمَامِ بِلا ضَرُورَةٍ، واقْتِدَاءُ مَنْ بِأَسْفَلِ السَّفِينَةِ بِمَنْ بِأَعْلاهَا، كَأَبِي قُبَيْسٍ وصَلاةُ رَجُلٍ بَيْنَ نِسَاءٍ وبِالْعَكْسِ، وإِمَامَةٌ فِي الْمَسْجِدِ بِلا رِدَاءٍ، وتَنَفُّلُهُ بِمِحْرَابِهِ. قوله (واقْتِدَاءُ مَنْ بِأَسْفَلِ السَّفِينَةِ بِمَنْ بِأَعْلاهَا) كذا قال فِي " المدوّنة ": ولا يعجبني أن يصلّي فوق وهم أسفل (¬2). ابن يونس قال ابن حبيب: ويعيد الأسفلون فِي الوقت، وقيل: إنما ذلك لأن الأسفلين ربما لَمْ يتمكن لهم مراعاة فعل الإمام، وربما دارت السفينة فيختلط عليهم أمر صلاتهم، فليس ذلك كالدكان الذي يكون فيه مَعَ الإمام قوم وأسفل منه قوم، فافترقا قال أبو الحسن الصغير: يلزم هذا فِي العكس وقد جوّزه فِي الكتاب. وإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَ الرَّاتِبِ، وإِنْ أَذِنَ، ولَهُ الْجَمْعُ إِنْ جَمَعَ غَيْرُهُ قَبْلَهُ، إِنْ لَمْ يُؤَخِّرْ كَثِيراً. قوله (وإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَ الرَّاتِبِ، وإِنْ أَذِنَ) احترز بالجماعة من الفذ، فإنه لا يكره له أن يصلّي صلاة فِي المسجد قبل أن يصليها أمامه أو بعد ما صلّاها، ما لَمْ يعلم تعمده مخالفة الإمام بتقدّم أو تأخر فيمنع، قاله اللخمي: وظاهر قوله بعد الراتب أن الصلاة إن لَمْ يكن لها فِي المسجد إمام راتب فلا كراهة فِي جمعها فيه مرتين، وإن كان لغيرها من الصلوات فيه إمام راتب، وهذا خلاف رواية ابن القاسم؛ لكنه رواية أشهب، واختاره اللخمي والمازري وابن عبد السلام، واعتمد فِي قوله: " وإن أذن " عَلَى ما عند سند، وهو خلاف ¬
ما قطع به اللخمي وهذا ينبنى عَلَى وجه الكراهة فقيل: لتفريق الجماعات فتعمّ الكراهة، وقيل: لئلا يتطرقّ أهل البدع بالتأخير ثم يجمعوا مَعَ إمامهم، فيجوز إِذَا علمت البراءة من ذلك، وقيل لحقّ الإمام فيجوز إِذَا أذن. ودلّ قوله: " الراتب " أن هذا فِي مسجد أو ما يقوم مقامه كالسفينة وغيرها، وقد نصّ عَلَى السفينة فِي رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب. قال ابن رشد: وليس بخلاف لما أجاز فِي " المدوّنة " أن يصلي الذين فوق سقفها بإمام، والذين تحته بإمام؛ لأنهما موضعان (¬1). وفِي الذخيرة: قال صاحب " الطراز ": يتنزل المكان الذي جرت العادة بالجمع فيه وإن لَمْ يكن مسجداً منزلة المسجد، وقاله مالك فِي " العتبية " (¬2). وَأُخْرِجُوا، إِلا بِالْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ، فَيُصَلُّونَ بِهَا أَفْذَاذاً، إِنْ دَخَلُوهَا. وقَتْلُ كَبَرْغُوثٍ بِمَسْجِدٍ، وفِيهَا يَجُوزُ طَرْحُهَا خَارِجَهُ (¬3)، واسْتُشْكِلَ، وجَازَ اقْتِدَاءٌ بِأَعْمَى، ومُخَالِفٍ فِي الْفُرُوعِ وأَلْكَنَ، ومَحْدُودٍ، وعِنِّينٍ، ومَجْذُومٍ، إِلا أَنْ يَشْتَدَّ، فَلْيُنَحَّ وَصَبِيٍّ بِمِثْلِهِ. قوله (وَأُخْرِجُوا، إِلا بِالْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ، فَيُصَلُّونَ بِهَا أَفْذَاذاً، إِنْ دَخَلُوهَا) مفهوم الشرط أنهم إن لَمْ يدخلوها جمعوا فِي غيرها، وهذا مقصود من المصنف اعتماداً عَلَى قول عياض فِي " التنبيهات "، قال شيوخنا معناه: لمن قد دخل هذه المساجد لا لمن لَمْ يدخلها، وكذا جاء مفسراً فِي " العتبية " فِي سماع أشهب وابن نافع. [16 / ب] قال مالك: من لَمْ يبلغ مسجد الرسول عَلَيْهِ السلام حتى صلى أهله أنه يجمع تلك الصلاة فِي غيرها. وهو ظاهر " المدوّنة "؛ لأنه إنما تكلّم عَلَى من دخل. انتهى. ونسب ابن رشد نحو هذا لابن لبابة، وردّه بأن صلاة الفذّ هناك إن كانت أفضل ترجّحت مُطْلَقاً، وإلاّ فالعكس (¬4). ¬
وعَدَمُ إِلْصَاقِ مَنْ عَلَى يَمِينِ إِمَامٍ أَوْ يَسَارِهِ بِمَنْ حَذْوَهُ. قوله (وَعَدَمُ إِلْصَاقِ مَنْ عَلَى يَمِينِ إِمَامٍ أَوْ (¬1) يَسَارِهِ بِمَنْ حَذْوَهُ) أشار بهذا لقوله فِي " المدوّنة ": وإن كانت طائفة عن يمين الإمام أو حذوه فِي الصف الثاني أو الأول فلا بأس أن تقف طائفة عن يسار الإمام فِي الصفّ ولا تلصق بالطائفة التي عن يمينه (¬2). وقد تعقبها أبو إسحاق التونسي بأن ذلك تقطيع للصفوف، وحمل ذلك ابن رشد فِي رسم شك من سماع ابن القاسم عَلَى أنه بعد الوقوع، ويكره ابتداءً (¬3). وقال قبله فِي " المدوّنة ": ومن دخل المسجد وقد قامت الصفوف قام حيث شاء خلف الإمام أو عن يمينه أو عن يساره، وتعجّب مالك ممن قال يمشي حتى يقف حذو الإمام. وقال اللخمي: يبتدأ الصفّ من وراء الإمام ثم عن يمينه وشماله حتى يتمّ الصف، ولا يبتدأ بالثاني قبل تمام الأول ولا بالثالث قبل تمام الثاني، وهو الذي يقتضيه قول مالك فِي كتاب ابن حبيب، وهو أحسن [مما له] (¬4) في " المدوّنة "؛ لقوله عَلَيْهِ السلام: " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها " ثم قال: " يتمون الصفّ الأول ويتراصون " أخرجه مسلم (¬5). واختار المازري نحو هذا، وقال: ليس ما تعجّب منه مالك فِي " المدوّنة " ردٌّ لما اخترناه فِي الصفّ الأول؛ لأنه إنما تكلّم فِي " المدوّنة " عَلَى رجلٍ وحده جاء وقد كملت الصفوف. فرع: فِي رسم طلق ابن حبيب من سماع ابن القاسم قال مالك: أوّل من أحدث المقصورة [مروان بن الحكم حين طعنه اليماني؛ فجعل مقصورة] (¬6) من طين وجعل فِيهَا ¬
تشبيكاً. قال ابن رشد: اتخاذها فِي الجوامع مكروه، فإن كانت ممنوعة تفتح أحياناً وتغلق أحياناً فالصفّ الأول هو الخارج عنها اللاصق بها، وإن كانت مباحة غير ممنوعة فالصفّ الأول هو اللاحق بجدار القبلة فِي داخلها، روي ذلك عن مالك (¬1). انتهى. ابن عرفة: رواه ابن وهب بزيادة: لا بأس بالصلاة فِيهَا. ونقل بعض معاصري شيوخنا أنه الموالي للإمام مُطْلَقاً أنكر عَلَيْهِ وبحث عنه فلم يوجد. انتهى. وفي " النوادر " قال ابن وهب عن مالك: لا بأس بالصلاة فِي المقصورة (¬2). [وقال أبو الحسن الصغير: انظر ما حجر من المسجد نفسه هل تصلى فيه الجمعة مثل المقصورة] (¬3)، وقد كان القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وابن شهاب يصلّون فِيهَا، واحتجّ لهم بقوله تعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25]؛ لأن [حقّ] (¬4) الناس فِي المسجد جميعاً؛ فليس لأحدٍ أن يختصّ بشئ منه دون غيره. وَصَلاةُ مُنْفَرِدٍ خَلْفَ صَفٍّ، ولا يَجْذِبُ أَحَداً، وهُوَ خَطَأٌ مِنْهُمَا، وإِسْرَاعٌ لَهَا بِلا خَبَبٍ، وقَتْلُ عَقْرَبٍ أَوْ فَأْرٍ بِمَسْجِدٍ. قوله: (وصَلاةُ مُنْفَرِدٍ خَلْفَ صَفٍّ، ولا يَجْذِبُ أَحَداً) كذا فِي " المدوّنة " (¬5)، وفِي قوله: (ولا يَجْذِبُ أَحَداً) دليل عَلَى أنه لَمْ يجد موضعاً فِي الصفّ كما صرّح به فِي " التلقين ". وفِي معناه ما فِي رسم شكّ من سماع ابن القاسم فيمن قعد للتشهد فضاق به الصفّ: لا بأس أن يتأخر عنه أو يتقدم، وقد رأيت بعض أهل العلم يفعله. وأما من خرج [من الصفّ] (¬6) بلا عذر فقال ابن رشد: قال ابن حبيب: قد أساء ولا إعادة عَلَيْهِ (¬7). ¬
وروى ابن وهب عن مالك: عَلَيْهِ الإعادة لقوله - عليه السلام - لأبي بكرة " زادك الله حرصاً ولا تعد " (¬1) أي للركوع دون الصفّ، والأظهر: للتأخر حتى تأتي وقد حفزك (¬2) النفس. إذ لَمْ يأمره - عليه السلام - بإعادتها. وطريقة ابن عبد السلام أنّ عدم جبذ المنفرد أحداً مبنيٌ عَلَى المشهور من صحة صلاته، وأما عَلَى القول بالبطلان فيجذبه لئلا تبطل كقول المخالف، وتبعه فِي " التوضيح "، وذلك يقوي أنه مراده هنا، وما قدمناه أبين وأسعد بالنقول. والله سبحانه أعلم. وَإِحْضَارُ صَبِيٍّ بِهِ لا يَعْبَثُ ويَكُفُّ إِذَا نُهِيَ. [قوله (وَإِحْضَارُ صَبِيٍّ بِهِ لا يَعْبَثُ ويكفّ إِذَا نُهي) كذا فِي " المدوّنة "، وجملة لا يعبث صفة لصبيٍ لا حال؛ لأنه نكرة] (¬3). وَبَصْقٌ بِهِ إِنْ حُصِّبَ، أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ، ثُمَّ تَحْتَ قَدَمِهِ ثُمَّ يَسَارِهِ، ثُمَّ يَمِينِهِ، ثُمَّ أَمَامَهُ. وخُرُوجُ مُتَجَالَّةٍ لِعِيدٍ، واسْتِسْقَاءٍ، وشَابَّةٍ لِمَسْجِدٍ ولا يُقْضَى عَلَى زَوْجِهَا بِهِ، واقْتِدَاءُ ذَوِي سُفُنٍ بِإِمَامٍ، وفَصْلُ مَأْمُومٍ بِنَهَرٍ صَغِيرٍ أَوْ طَرِيقٍ. قوله: (وبَصْقٌ بِهِ إِنْ حُصِّبَ، أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ، ثُمَّ تَحْتَ قَدَمِهِ ثُمَّ يَسَارِهِ، ثُمَّ يَمِينِهِ، ثُمَّ أَمَامَهُ) ينبغي أن يقرأ بجرّ قدمه عطفاً عَلَى حصيرة، ونصب يمينه وأمامه عطفاً عَلَى تحت، وفِي عبارته قلق (¬4). ¬
وعُلُوِّ مَأْمُومٍ، ولَوْ بِسَطْحٍ لا عَكْسَهُ. قوله (وعُلُوِّ مَأْمُومٍ، ولَوْ بِسَطْحٍ لا عَكْسَهُ) أي: فلا يجوز يريد إلا لتعليم كصلاته - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المنبر، قاله عياض وقبله ابن عرفة، وفِي البخاري أن أحمد بن حنبل احتجّ به عَلَى الجواز مُطْلَقاً (¬1). [11 / أ] وبَطَلَتْ بِقَصْدِ إِمَامٍ ومَأْمُومٍ بِهِ الْكِبْرُ. قوله: (وبَطَلَتْ بِقَصْدِ إِمَامٍ ومَأْمُومٍ بِهِ الْكِبْرُ) هكذا فِي بعض النسخ بباء السببية لا بكاف التشبيه، وذلك أمثل (¬2) أي: وبطلت الصلاة بسبب قصد الإمام و [17 / أ] المأموم بالعلو الكبر، كأنه تكلّم أولاً فيما إِذَا سلما من قصد الكبر، فنّوعه إِلَى جائز وممنوع قائلاً: (وَعُلُوِّ مَأْمُومٍ، ولَوْ بِسَطْحٍ لا عَكْسَهُ)، ثم تكلّم ثانياً فِي قصدهما الكبر، فقطع بالبطلان فيهما، وذلك مستلزم لعدم جوازهما، وهذا الذي سلك تمكن تمشيته مَعَ بعض النقول. فأما ما ذكره فِي الإمام فإليه ذهب أبو إسحاق التونسي فقال: إنما تجب الإعادة عَلَيْهِ وعليهم إِذَا فعل ذلك عَلَى وجه الكبر، وأما لو ابتدأ يصلي لنفسه عَلَى دكان، فجاء رجل فصلى أسفل منه لجازت صلاتهما؛ لأن الإمام هنا لَمْ يقصد الكبر، وكذا إِذَا فعلوا ذلك للضيق. انتهى، ونحوه للخمي فِي الذي ابتدأها وحده، وكذا حكى ابن يونس فِي الضيق عن سحنون ويحيي بن عمر قال: وأخذه فضل من قوله فِي " المدوّنة ": لأنهم يعبثون (¬3). وأما ما ذكره فِي المأموم فقد حكى عبد الحقّ فِي " التهذيب " أن بعض شيوخه نحى إِلَى أن المأمومين لو قصدوا الكبر بعلوهم لأعادوا، لعبثهم. انتهى. إلاّ أنّ المأموم إِذَا لَمْ يقصد ¬
الكبر متفق عَلَى عدم بطلان صلاته، والإمام إِذَا لَمْ يقصده مختلفٌ فيه فقيل: بعدم البطلان كما تقدّم، وهو مفهوم كلام المصنف عَلَى النسخة التي اخترناها. وقيل: بالبطلان؛ حمايةً للذرائع، وأخذاً بعموم النهي فِي الحديث، وهو ما فِي مسند ابن [سحنون] (¬1) أن حذيفة بن اليمان قام يصلّي عَلَى دكان فجذبه سلمان فقال: ما أدري أطال العهد أم نسيت؟ أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا يصلي الإمام عَلَى شئ أنشذ مما عَلَيْهِ أصحابه " (¬2)؟ قال ابن بشير: وكأنه - عليه السلام - أشار إِلَى ما أحدثه بنو أميّة، وكانوا يتخذون لأنفسهم مواضع مرتفعة يعلون بها عَلَى الناس فِي الإمامة تكبّراً منهم. إِلا بِكَشِبْرٍ، وهَلْ يَجُوزُ إِنْ كَانَ مَعَ الإِمَامِ طَائِفَةٌ كَغَيْرِهِمْ؟ تَرَدُّدٌ، ومُسَمِّعٌ واقْتِدَاءٌ بِهِ، أَوْ بِرُؤْيَةٍ، وإِنْ بِدَارٍ. قوله: (إِلا بِكَشِبْرٍ) هذا مثتثنى من قوله: (لا عكسه)، وهو تفسير لليسير الذي فِي " المدوّنة " (¬3). قال ابن عبد السلام: لأن المقصود منه ظهور أفعال الإمام للمأمومين ليقتدوا به كصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المنبر (¬4). انتهى. وعن ابن عرفة: أنه كان يطيل ذيل سجادة المحراب حتى يشاركه الناس فِيهَا. وشَرْطُ الاقْتِدَاءِ نِيَّةٌ، بِخِلافِ الإِمَامِ ولَوْ بِجَنَازَةٍ. قوله: (وشَرْطُ الاقْتِدَاءِ نِيَّةٌ) قال ابن عبد السلام: كان بعض أشياخ شيوخنا يقول هذا الشرط لابد منه، ولكنه لا يلزم التعرض إليه بما يدل عَلَيْهِ مطابقة؛ إذ هناك ما يدل عَلَيْهِ التزاماً كانتظار المأموم إمامه بالإحرام، ولو سئل حينئذ عن سبب الانتظار لأجاب بأنه مأموم. وما قاله ظاهر. انتهى. قال القباب: وهذا واضح وكلام المازري نص أو كالنصّ فِي ذلك؛ لأنه قال إِذَا ¬
قارنت الأفعال الأفعال بقصد ذلك وتعمدٍ له فهذا معنى النية، ولابد من افتتاح الصلاة بها لئلا يمضي جزء من الصلاة لَمْ تقصد فيه المتابعة، ولقد قال بعض الناس فِي معارضة ذلك: إن النية من باب القصد والإرادات لا من باب الشعور والإدراكات، وهذا الذي قاله لا معارضة فيه [بوجهٍ] (¬1)؛ لأن من جاء [إِلَى المسجد بقصد] (¬2) الصلاة، وقعد فِي المسجد ينتظر الإمام لا يقال فيما فعل: إنه [شعر] (¬3) بمجيئه إِلَى المسجد ولم يقصده، أو أشعر بانتظاره الإمام ولم يرده، بل قصد المسجد للائتمام وانتظر الإمام بقصد، وقام للصلاة وتهيأ للدخول فِيهَا وبقي ينتظر الإمام، كل ذلك بإرادة وقصد. إِلا جُمُعَةً وجَمْعاً، [وَخَوْفاً] (¬4) ومُسْتَخْلَفاً. قوله: (إِلا جُمُعَةً وجَمْعاً وخَوْفاً ومُسْتَخْلَفاً) مراده بالجمع: الجمع ليلة المطر لا كلّ جمع، وعند ابن عرفة فِي الاستخلاف نظر؛ لأن المستخلف كمؤتم به ابتداءاً لصحة صلاتهم أفذإِذَا، ونحوه للقبّاب إذ قال: هذا عَلَى القول بأنه لا يجوز لهم إن يُتمّوا أفذاذَا، وهو قول ابن عبد الجكم. انتهى. وتمام البحث فيه فِي: " تكميل التقييد وتحليل التعقيد " الذي وضعناه عَلَى " المدوّنة ". كَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ، واخْتَارَ فِي الأَخِيرِ خِلافَ الأَكْثَرِ. قوله: (كَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ) ابن عرفة يلزم عَلَيْهِ إعادة من ائتم به غيره ولَمْ ينو الإمامة فِي جماعة. (¬5) انتهى. ونحوه لابن عبد السلام. ومُسَاوَاةٌ فِي الصَّلاةِ، وإِنْ بِأَدَاءٍ وقَضَاءٍ، أَوْ بِظُهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ، إِلا نَفْلاً خَلْفَ فَرْضٍ ولا يَنْتَقِلُ مُنْفَرِدٌ لِجَمَاعَةٍ كَالْعَكْسِ، وفِي مَرِيضٍ اقْتَدَى بِمِثْلِهِ فَصَحَّ قَوْلانِ. ¬
قوله: (إلا نفلاً خلف فرض (¬1)) ابن عرفة: عَلَى جواز النفل بأربع أو فِي سفر. ومُتَابَعَةٌ فِي إِحْرَامٍ وسَلامٍ فَالْمُسَاوَاةُ وإِنْ بِشَكٍّ فِي الْمَأْمُومِيَّةِ مُبْطَلَةٌ. قوله: (فَالْمُسَاوَاةُ وإِنْ بِشَكٍّ فِي الْمَأْمُومِيَّةِ. مُبْطَلَةٌ) الشك فِي المأمومية قد يكون من أحدهما كما علمت، وقد يكون منهما كما فرض سحنون فِي رجلين ائتم أحدهما بالآخر، فشكّا فِي تشهدهما فِي الإمام منهما، [17 / ب] فإن سلّما معاً فعلى الخلاف فِي المساواة، إلا أن المصنف اقتصر هنا عَلَى القول بالبطلان، وإن تعاقبا صحت للثاني فقط، ولو كان أحدهما مسافراً سلّم المسافر، وأعاد وأتمّ الآخر ولا يعيد، ولو نوى كلّ من المصليين عند الإحرام إمامة الآخر صحّت صلاتهما فذين، ولو نوى كل واحد منهما حينئذ أن يأتمّ بالآخر بطلت صلاتهما معاً. لا (¬2) الْمُسَاوَقَةُ كَغَيْرِهِمَا لَكِنْ سَبْقُهُ مَمْنُوعٌ، وإِلا كُرِهَ. قوله (لا الْمُسَاوَقَةُ (¬3) كَغَيْرِهِمَا) عبارة فِيهَا قلق؛ ولذلك ذكر لي عن بعض أصحابنا أنه قال: لعل صوابه كالمسابقة لا غيرهما، فتصحفت الكاف بلا، ولا بالكاف، والباء بالواو، فتأمله (¬4). وأُمِرَ الرَّافِعُ بِعَوْدِهِ إِنْ عَلِمَ إِدْرَاكَهُ قَبْلَ رَفْعِهِ، لا إِنْ خَفَضَ، ونُدِبَ تَقْدِيمُ سُلْطَانٍ ثُمَّ رَبِّ مَنْزِلٍ والْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَالِكِ وإِنْ عَبْداً كَامْرَأَةٍ، واسْتَخْلَفَتْ، ثُمَّ زَائِدِ فِقْهٍ، ثُمَّ حَدِيثٍ، ثُمَّ قِرَاءَةٍ، ثُمَّ عِبَادَةٍ، ثُمَّ بِسِنِّ إِسْلامٍ، ثُمَّ بِنَسَبٍ، ثَّم بِخَلْقٍ، ثُمَّ بِلِبَاسٍ إِنْ عَدِمَ نَقْصَ مَنْعٍ أَوْ كُرْهٍ، واسْتِنَابَةُ النَّاقِصِ كَوُقُوفِ ذَكَرٍ عَنْ يَمِينِهِ، واثْنَيْنِ خَلْفَهُ. وصَبِيٌّ عَقَلَ الْقُرْبَةَ كَالْبَالِغِ ونِسَاءٌ خَلْفَ الْجَمِيعِ، ورَبُّ الدَّابَّةِ أَوْلَى بِمُقَدِّمِهَا. قوله (وأُمِرَ الرَّافِعُ بِعَوْدِهِ إِنْ عَلِمَ إِدْرَاكَهُ قَبْلَ رَفْعِهِ، لا إِنْ خَفَضَ) الذي ظهر لي من نقولهم أنّه إن علم إدراك الإمام فيما فارقه منه استوى فِي ذلك الرافع والخافض فِي الأمر ¬
بالعود، ولَمْ تختلف الطرق فِي هذا، وإنما اختلفت طريقة الباجي وابن رشد (¬1) واللخمي فيما إِذَا لَمْ يعلم إدراكه، بخلاف ما تعطيه عبارة المصنف، وقد أشبعنا الكلام [فِي ذلك] (¬2) فِي: " تكميل التقييد وتحليل التعقيد " فقف عَلَيْهِ. وبالله تعالى التوفيق. والأَوْرَعُ، والْعَدْلُ والْحُرُّ والأَبُ، والْعَمُّ عَلَى غَيْرِهِمْ. قوله: (والأَوْرَعُ، والْعَدْلُ والْحُرُّ والأَبُ، والْعَمُّ عَلَى غَيْرِهِمْ). لعلّ مراده بالعدل: الأعدل؛ لأنه قطع قبل ببطلان صلاة من ائتمّ بفاسق (¬3). ورَكَعَ مَنْ خَشِيَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ دُونَ الصَّفِّ، إِنْ ظَنَّ إِدْرَاكَهُ قَبْلَ الرَّفْعِ وإِنْ تَشَاحَّ مُتَسَاوُونَ لا لِكِبْرٍ اقْتَرَعُوا، وكَبَّرَ الْمَسْبُوقُ لِرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ بِلا تَأْخِيرٍ لا لِجُلُوسٍ، وقَامَ بِتَكْبِيرٍ إِنْ جَلَسَ فِي ثَانِيَةٍ، إِلا مُدْرِكَ التَّشَهُّدِ، وقَضَى الْقَوْلَ وبَنَى الْفِعْلَ. قوله: (وَرَكَعَ مَنْ خَشِيَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ دُونَ الصَّفِّ، إِنْ ظَنَّ إِدْرَاكَهُ قَبْلَ الرَّفْعِ) الظاهر أن ضمير (إِدْرَاكَهُ) يعود عَلَى الصفّ، فهو كقوله فِي " المدوّنة ": وحيث يطمع إِذَا دبّ راكعاً وصل إليه. ومفهومه إن لَمْ يظن ذلك تمادى إِلَى الصفّ وإن فاتته الركعة وهذا قول مالك واختاره ابن رشد، وأمّا قوله فِي " المدوّنة ": وإن لَمْ يرج ذلك أحرم مكانه (¬4) فهو لابن القاسم، واختاره أبو اسحاق التونسي وبسطه فِي رسم اغتسل من سماع ابن القاسم (¬5). يَدِبُّ كَالصَّفَّيْنِ لآخِرِ فُرْجَةٍ. قوله: (يَدِبُّ كَالصَّفَّيْنِ لآخِرِ فُرْجَةٍ) سماها آخر بالنسبة لجهة الداخل لا لجهة الإمام. ¬
فصل في استخلاف الإمام
قَائِماً، أَوْ رَاكِعاً، لا سَاجِداً، أَوْ جَالِساً. وَإِنْ شَكَّ فِي الإِدْرَاكِ أَلْغَاهَا، وإِنْ كَبَّرَ لِرُكُوعٍ، ونَوَى بِهَا الْعَقْدَ، أَوْ نَوَاهُمَا، أَوْ لَمْ يَنْوِهِمَا، أَجْزَأَهُ، وإِنْ لَمْ يَنْوِهِ نَاسِياً لَهُ تَمَادَى الْمَأْمُومُ فَقَطْ. وفِي تَكْبِيرِ السُّجُودِ تَرَدُّدٌ، وإِنْ لَمْ يُكَبِّرِ اسْتَأْنَفَ. قوله: (قَائِماً، أَوْ رَاكِعاً) خلاف ما دلّ عَلَيْهِ قوله قبله: (إن ظنّ إدراكه قبل الرفع) من أنّ دبيبه لا يتصور إلاّ فِي الركوع، إلاّ أن يريد أنه [إن] (¬1) خاب ظنه دبّ قائماً. فتدبره، وقد استوفينا ما فيه من الخلاف فِي " تكميل التقييد ". فصل [فِي استخلاف الإمام] نُدِبَ لإِمَامٍ خَشِيَ تَلَفَ مَالٍ، أَوْ نَفْسٍ، أَوْ مُنِعَ الإِمَامَةَ لِعَجْزٍ، أَوِ الصَّلاةَ بِرُعَافٍ، أَوْ سَبْقِ حَدْثٍ، وذِكْرِهِ اسْتِخْلافٌ وإِنْ بِرُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ، ولا تَبْطُلُ إِنْ رَفَعُوا بِرَفْعِهِ قَبْلَهُ، ولَهُمْ إِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ، ولَوْ أَشَارَ لَهُمْ بِالانْتِظَارِ، واسْتِخْلافُ الأَقْرَبِ، وتَرْكُ كَلامٍ فِي كَحَدَثٍ، وتَأَخَّرَ مُؤْتَمَّاً فِي الْعَجْزِ، ومَسْكُ أَنْفِهِ فِي خُرُوجِهِ، وتَقَدُّمُهُ إِنْ قَرُبَ، وإِنْ بِجُلُوسِهِ، وإِنْ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ صَحَّتْ كَأَنِ اسْتَخْلَفَ مَجْنُوناً [11 / ب]، ولَمْ يَقْتَدُوا بِهِ، أَوْ أَتَمُّوا وِحْدَاناً، أَوْ بَعْضُهُمْ، أَوْ بِإِمَامَيْنِ، إِلا الْجُمُعَةَ، وقَرَأَ مِنَ انْتِهَاءِ الأَوَّلِ، وابْتَدَأَ بِسِرِّيَّةٍ، إِنْ لَمْ يَعْلَمِ [الأَوَّلَ] (¬2). قوله: (ولَوْ أَشَارَ لَهُمْ بِالانْتِظَارِ) يقتضي هذا الاغياء أن عدم انتظاره مندوب، وهو خلاف قوله بعد: (كَعَوْدِ الإِمَامِ لإِتْمَامِهَا) والخلاف فِي الموضعين ولا يلزم أن يكون فِي الثاني مرتباً عَلَى الأول. والله تعالى أعلم. وصِحَّتُهُ بِإِدْرَاكِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ. قوله: (وصِحَّتُهُ بِإِدْرَاكِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ) أي: بإدراك ما قبل تمام الركوع. وَإِلا فَإِنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ أَوْ بَنَى بِالأُولَى أَوِ الثَّالِثَةِ صَحَّتْ، وإِلا فَلا كَعَوْدِ الإِمَامِ لإِتْمَامِهَا، وإِنْ جَاءَ بَعْدَ الْعُذْرِ فَكَأَجْنَبِيٍّ. قوله: (وإِلا فَإِنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ أَوْ بَنَى بِالأُولَى أَوِ الثَّالِثَةِ صَحَّتْ) حقه أن يفرع هذا عَلَى ¬
قوله: (وإن جاء بعداً لعذر فكأجنبي) كما فعل ابن الحاجب (¬1)، وقرره فِي " التوضيح "، وإلا فمن لَمْ يدرك جزءاً يعتد به يستحيل بناءه بالأولى. تنبيه: لهذا يرجع قول من قال: إن استخلفه عَلَى شفع صحت، وعَلَى وترٍ بطلت. قال المازري: شفع المغرب كوتر غيرها، وكذا اختصره ابن عرفة. وجَلَسَ لِسَلامِهِ الْمَسْبُوقُ كَأَنْ سُبِقَ هُوَ، لا الْمُقِيمُ يَسْتَخْلِفُهُ مُسَافِرٌ، لِتَعَذُّرِ مُسَافِرٍ، أَوْ جَهْلِهِ، فَيُسَلِّمُ الْمُسَافِرُ، ويَقُومُ غَيْرُهُ لِلْقَضَاءِ. [قوله] (¬2): (وَجَلَسَ لِسَلامِهِ الْمَسْبُوقُ كَأَنْ سُبِقَ هُوَ) عبارة فِيهَا قلق؛ ولكن مراده معروف (¬3). وإِنْ جَهِلَ مَا صَلَّى أَشَارَ فَأَشَارُوا وإلا سُبِّحَ بِهِ. قوله: (وَإِنْ جَهِلَ مَا صَلَّى أَشَارَ فَأَشَارُوا وإلا سُبِّحَ بِهِ) قُدّمت الإشارة عَلَى التسبيح؛ لأنها تُحصّل المقصود بمرة بخلاف التسبيح، قاله ابن عبد السلام، زاد ابن شاس وابن الحاجب: وإلا تكلّم (¬4)، فلعلّ المصنّف أسقطه قصداً إذ قال فِي " التوضيح ": فيه نظر لما قدمناه فِي الكلام لإصلاحها. وكأنه لَمْ يقف عَلَى ما فِي سماع موسى من إباحة الكلام فِي هذا إِذَا تعذر غيره، وقال ابن رشد: إنه الجاري عَلَى المشهور (¬5). ¬
فصل في صلاة المسافر
وإِنْ قَالَ لِلْمَسْبُوقِ أَسْقَطْتُ رُكُوعاً عَمِلَ عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ خِلافَهُ، وسَجَدَ قَبْلَهُ إِنْ لَمْ تَتَمَحَّضْ زِيَادَةٌ بَعْدَ صَلاةِ إِمَامِهِ. قوله: (وإِنْ قَالَ لِلْمَسْبُوقِ أَسْقَطْتُ رُكُوعاً عَمِلَ عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ خِلافَهُ) يشمل أربعة: عالم الإسقاط، وظانّه، وظانّ عدمه، والشاكّ كما تقدّم تحريره فِي قيام الإمام لخامسة (¬1). [فصل فِي صلاة المسافر] سُنَّ لِمُسَافِرٍ غَيْرِ عَاصٍ بِهِ ولاهٍ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ، ولَوْ بِبَحْرٍ ذِهَاباً قُصِدَتْ دُفْعَةً، إِنْ عَدَّىَ الْبَلَدِيُّ الْبَسَاتِينَ الْمَسْكُونَةَ، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً عَلَى مُجَاوَزَةِ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ بِقَرْيَةِ الْجُمُعَةِ، والْعَمُودِيُّ حِلَّتَهُ، وانْفَصَلَ غَيْرُهُمَا قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ وَقُتِيَّةٍ، أَوْ فَائِتَةٍ فِيهِ، وإِنْ نُوِيَتَا بِأَهْلِهِ إِلَى مَحَلِّ الْبَدْءِ لا أَقَلَّ إِلا الْمَكِّيَّ فِي خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ ورُجُوعِهِ، ولا لِرَاجِعٍ لِدُونِهَا، ولَوْ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ، ولا عَادِلٌ عَنْ قَصْرٍ بِلا عُذْرٍ، ولا هَائِمٌ، وطَالِبُ رَعْيٍ إِلا أَنْ يَعْلَمَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ قَبْلَهُ، ولا مُنْفَصِلٌ يَنْتَظِرُ رُفْقَةً إِلا أَنْ يَجْزِمَ بِالسَّيْرِ دُونَهَا، وقَطَعَهُ دُخُولُ بَلَدِهِ. قوله: (وقَطَعَهُ دُخُولُ بَلَدِهِ) الدخول فِي هذه بالرجوع، وبلده [الموضع] (¬2) الذي تقدّمت فيه إقامته، فهو أعمّ من وطنه، بدليل الاستثناء، والدخول فِي التي بعدها بالمرور، ووطنه أخصّ من بلده. وإِنْ بِرِيحٍ إِلا مُتَوَطِّنَ كَمَكَّةَ رَفَضَ سُكْنَاهَا، ورَجَعَ نَاوِياً السَّفَرَ، وقَطَعَهُ دُخُولُ وطَنِهِ، أَوْ مَكَانَ زَوْجَةٍ دَخَلَ بِهَا فَقَطْ وإِنْ بِرِيحٍ غَالِبَةٍ، ونِيَّةُ دُخُولِهِ ولَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ الْمَسَافَةُ. قوله: (وإِنْ بِرِيحٍ) الريح فِي هذه ألجأته لدخول الرجوع (¬3) وفِي التي بعدها الجأته لدخول المرور. ¬
وَنِيَّةُ إِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ، ولَوْ بِخِلالِهِ إِلا الْعَسْكَرَ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَوِ الْعِلْمُ بِهَا عَادَةً - لا الإِقَامَةُ وإِنْ تَأَخَّرَ سَفَرُهُ. قوله: (ولَوْ بِخِلالِهِ) [18 / أ] هو كقول ابن الحاجب: وإن كانت بخلاله (¬1). وقد جوّز فيه ابن عبد السلام أن يكون تنبيهاً عَلَى ما إِذَا خرج لسفرٍ طويل ناءٍ، وباليسير ما لا تقصر فيه الصلاة، ويقيم أربعة أيام ثم يسير ما بقي من المسافة فلا شكّ أنه يتم فِي مقامه، واختلف هل يتم فِي مسيره، وجَوّز أَيْضاً أن يكون رفعاً لما يتوهم من أن نية الإقامة إنما تؤثر إِذَا كانت فِي غير السفر، أما إِذَا كانت فِي أضعافه فلا أثر لها؛ لأنها حينئذ كأنها فِي غير محل. انتهى. [فإن أراد] (¬2) هنا الأول؛ فقد أشار (بلو) إِلَى خلافٍ مذهبي، إلاّ أن الثاني أمسّ بلفظه، [مَعَ أن] (¬3) الأول مستفاد من قوله فيما سبق: (قصدت دفعه). وإِنْ نَوَاهَا بِصَلاةٍ شَفَعَ ولَمْ تُجْزِ حَضَرِيَّةً ولا سَفَرِيَّةً، وبَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وإِنِ اقْتَدَى مُقِيمٌ بِهِ فَكُلٌّ عَلَى سُنَّتِهِ، وكُرِهَ كعكسه، وتَأَكَّدَ، وتَبِعَهُ ولَمْ يُعِدْ، وإِنْ أَتَمَّ مُسَافِرٌ نَوَى إِتْمَاماً [أَعَادَ بِوَقْتٍ] (¬4)، وإِنْ سَهْواً سَجَدَ والأَصَحُّ إِعَادَتُهُ كَمَأْمُومِهِ بِوَقْتٍ، والأَرْجَحُ الضَّرُورِيُّ إِنْ تَبِعَهُ، وإِلا بَطَلَتْ كَأَنْ قَصَرَ عَمْداً، والسَّاهِي كَأَحْكَامِ السَّهْوِ، وكَأَنْ أَتَمَّ، ومَأْمُومُهُ بَعْدَ نِيَّةِ قَصْرٍ عَمْداً وَسَهْواً أَوْ جَهْلاً فَفِي الْوَقْتِ، وسَبَّحَ مَأْمُومُهُ ولا يَتْبَعُهُ وسَلَّمَ الْمُسَافِرُ بِسَلامِهِ، وأَتَمَّ غَيْرُهُ بَعْدَهُ أَفْذَاذاً وأَعَادَ فَقَطْ بِالْوَقْتِ، وإِنْ ظَنَّهُمْ سَفْراً فَظَهَرَ [12 / أ] خِلافُهُ أَعَادَ أَبَداً، إِنْ كَانَ مُسَافِراً كَعَكْسِهِ. قوله: (وإِنْ أَتَمَّ مُسَافِرٌ نَوَى إِتْمَاماً أَعَادَ بِوَقْت) كذا فِي بعض النسخ، وبه يصح الكلام (¬5) ويكون قوله: (وإِنْ سَهْواً سَجَدَ) مستأنفاً. ¬
وفِي تَرْكِ نِيَّةِ الْقَصْرِ والإِتْمَامِ تَرَدُّدٌ، ونُدِبَ تَعْجِيلُ الأَوْبَةِ، والدُّخُولُ ضُحًى. ونُدِبَ تَعْجِيلُ الأَوْبَةِ، والدُّخُولُ ضُحًى. قوله: (وفِي ترك نية القصر والإتمام تَرَدُّدٌ) هذا فِي حقّ المسافر لا المقيم كما قيل. وَرُخِّصَ لَهُ جَمْعُ الظُّهْرَيْنِ بِبَرٍّ، وإِنْ قَصُرَ ولَمْ يَجِدْ، بِلا كُرْهٍ، وفِيهَا شَرْطُ الْجِدِّ. قوله: (ورُخِّصَ لَهُ جَمْعُ الظُّهْرَيْنِ بِبَرٍّ) أي: لا ببحر قال فِي " النكت ": لأنا إنما نبيح للمسافر فِي البر الجمع من أجل جد السير، وخوف فوات أمر، وهذا غير موجود فِي المسافر بالريح. انتهى. فتأمل هل يلزم عَلَيْهِ أنّ من لا يشترط الشرطين فِي البر يبيح الجمع فِي البحر فيعارض قوله: (وإن قصر ولم يجد). لإِدْرَاكِ أَمْرٍ بِمَنْهَلٍ (¬1) زَالَتْ بِهِ، ونَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وقَبْلَ الاصْفِرَارِ أَخَّرَ الْعَصْرَ، وبَعْدَهُ خُيِّرَ فِيهَا. قوله: (بِمَنْهَلٍ زَالَتْ بِهِ، ونَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وقَبْلَ الاصْفِرَارِ أَخَّرَ الْعَصْرَ، وبَعْدَهُ خُيِّرَ فِيهَا) هكذا فِي أكثر النسخ وهو الصواب، والضمير من قوله: (فِيهَا) يعود عَلَى العصر، وفِي بعض النسخ: ونوى النزول بعد [الاصفرار وقبله] (¬2) آخر العصر وبعده خيّر فِيهَا، وكأنه [إصلاح] (¬3) غرّ صاحبه ظاهر قول ابن الحاجب: فإن زالت ونيته النزول بعد الاصفرار جمع مكانه، وقبله الاصفرار صلى الظهر، وأخّر العصر، فإن نوى الاصفرار فقالوا: مخيّر (¬4). ولا ينبغي أن يحمل عَلَى ظاهره خلافاً لمن فهمه كذلك من شارحيه، ووفاقاً لابن عرفة إذ قال: فإن زالت بمنهله ونوى النزول بعد الغروب جمع به، وقبل الاصفرار لا جمع (¬5). وبينهما. قال المازري: فِي جمعه نظر للزوم كون الثانية فِي غير مختارها. اللخمي: يجوز تأخيره الثانية وهو أولى. ¬
المازري: هذا عَلَى عدم تأثيم من أخّر إليه وإلاّ ففيه نظر. ابن عرفة: ردّه اللخمي بقوله: لا إثم للضرورة. ابن بشير: المشهور الجمع، وقيل يؤخر الثانية. وقول ابن الحاجب: قالوا مخير. يريد: فِي تأخير الثانية إذ هو المقول، ولا أعرفه لغير الشيخين. انتهى، ويعني بالشيخين: اللخمي والمازري المتقدمي الذكر. فقد اتضح لك من كلام ابن عرفة أنه نزّل تخيير ابن الحاجب عَلَى ما بين الاصفرار والغروب، فحمل قوله: نوى الاصفرار عَلَى جميع زمان الاصفرار الذي بين البياض والغروب، لا عَلَى أوّل جزء من الاصفرار، فإن ذلك غير معقول ولا تساعد عَلَيْهِ النقول، فوجب لذلك أن يتأول (¬1) أَيْضاً [قوله] (¬2): ونيته (¬3) النزول بعد الاصفرار. بأن يقال: أي بعد انقضاء زمان الاصفرار، وذلك بغروب الشمس. والله تعالى أعلم. وَإِنْ زَالَتْ رَاكِباً أَخَّرَهُمَا، إِنْ نَوَى الاصْفِرَارَ أَوْ قَبْلَهُ. قوله: (وَإِنْ زَالَتْ رَاكِباً أَخَّرَهُمَا، إِنْ نَوَى الاصْفِرَارَ أَوْ قَبْلَهُ) الجاري عَلَى ما قدمنا أن يحمل الاصفرار عَلَى جميع ما بين البياض والغروب. وإِلا فَفِي وَقْتَيْهِمَا كَمَنْ لا يَضْبِطُ نُزُولَهُ وكَالْمَبْطُونِ، ولِلصَّحِيحِ فِعْلُهُ، وهَلِ الْعِشَاءَانِ كَذَلِكَ؟ تَأْوِيلانِ، وقَدَّمَ خَائِفُ الإِغْمَاءِ، والنَّافِضِ، والْمَيْدِ (¬4)، وإِنْ سَلِمَ أَوْ قَدَّمَ ولَمْ يَرْتَحِلْ أَوِ ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ ونَزَلَ عِنْدَهُ فَجَمَعَ، أَعَادَ الثَّانِيَةَ بِالْوَقْتِ، وفِي جَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ فَقَطْ بِكُلِّ مَسْجِدٍ لِمَطَرٍ أَوْ طِينٍ وظُلْمَةٍ لا لِطِينٍ أَوْ ظُلْمَةٍ أذِّنَ لِلْمَغْرِبِ كَالْعَادَةِ، وأخِّرَ قَلِيلاً، ثُمَّ صُلِّيَا وَلاءً (¬5) إِلا قَدْرَ أَذَانٍ مُنْخَفِضٍ بِمَسْجِدٍ، وإِقَامَةٍ. قوله: (وإِلا فَفِي وَقْتَيْهِمَا) أي: وإن لَمْ ينو النزول فِي جميع زمان الاصفرار ولا فيما ¬
فصل في صلاة الجمعة
قبله، وإنما [نوى] (¬1) النزول بعد الغروب فقط صلاهما فِي وقتيهما جمعاً صورياً لا جمع رخصة، إلا بالنسبة لتفويت الفضلية. ولا يَتَنَفَّلُ بَيْنَهُمَا، ولَمْ يَمْنَعْهُ، ولا بَعْدَهُمَا، وجَازَ لِمُنْفَرِدٍ بِالْمَغْرِبِ، يَجِدُهُمْ بِالْعِشَاءِ، ولِمُعْتَكِفٍ بِمَسْجِدٍ كَأَنِ انْقَطَعَ الْمَطَرُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، لا إِنْ فَرَغُوا فَيُؤَخَّرُ لِلشَّفَقِ، إِلا بِالْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ ولا إِنْ حَدَثَ السَّبَبُ بَعْدَ الأُولَى، ولا الْمَرْأَةُ والضَّعِيفُ بِبَيْتِهِمَا ولا مُنْفَرِدٌ بِمَسْجِدٍ كَجَمَاعَةٍ لا حَرَجَ عَلَيْهِمْ. قوله: (ولَمْ يَمْنَعْهُ) أي: لَمْ يمنع التنفل الجمع، وقاله فِي الذخيرة (¬2). [فصل فِي صلاة الجمعة] شَرْطُ الْجُمْعَةِ وُقُوعُ كُلِّهَا بِالْخُطْبَةِ وقْتَ الظُّهْرِ لِلْغُرُوبِ، وهَلْ إِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ وصُحِّحَ، أَوْ لا؟ رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا، بِاسْتِيطَانِ بَلَدٍ أَوْ أَخْصَاصٍ، لا خِيَمٍ، وبِجَامِعٍ مَبْنِيٍّ مُتَّحِدٍ، والْجُمُعَةُ لِلْعَتِيقِ وإِنْ تَأَخَّرَ أَدَاءً. لا ذِي بِنَاءٍ خَفَّ. قوله: (وبِجَامِعٍ مَبْنِيٍّ مُتَّحِدٍ) شرط الاتحاد فِي البلد الواحد بيّن عَلَى المشهور قال ابن عرفة: وعَلَيْهِ لا يجوز إحداث الجمعة بقربها بثلاثة أميال اتفاقاً، وأجزأها زيد بن بشر فيما زاد عَلَى ثلاثة أميال، واعتبر يحيى بن عمر ستة أميال واعتبر ابن حبيب البريد، ونقل فِي " النوادر " الأول والثالث (¬3)، وقول ابن الحاج (¬4): لكلّ قرية أن يُجَمِّعُوا ولو قربوا، ولا نصّ فِي منعه: قصور. انتهى. وصححّ الباجي الأول (¬5)، وهو المفهوم من كلام المصنف بعد هذا. ¬
وفِي اشْتِرَاطِ سَقْفِهِ، وقَصْدِ تَأْبُدِهَا بِهِ وإِقَامَةِ الْخَمْسِ تَرَدُّدٌ، وصَحَّتْ بِرَحْبَتِهِ، وطُرُقٍ مُتَّصِلَةٍ بِهِ إِنْ ضَاقَ، أَوِ اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ. لا انْتَفَيَا كَبَيْتِ الْقَنَادِيلِ، وسَطْحِهِ، ودَارٍ، وحَانُوتٍ. قوله: ((¬1) وَفِي اشْتِرَاطِ سَقْفِهِ، وقَصْدِ تَأْبُدِهَا [بِهِ] (¬2) وإِقَامَةِ الْخَمْسِ تَرَدُّدٌ) أما الأولان فمعروفان وأما الثالث فقال ابن بشير: وقد سمعت [أنه] (¬3) لابد من أن يكون الصف دائماً فيه، إلا أن تزيله الأعذار التي لابد منها. انتهى. ولا أعرفه لغيره، وعنه نقله فِي " التوضيح " بلا تَرَدُّدٌ، ولَمْ يذكره ابن عرفة. وبِجَمَاعَةٍ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ، أَوَّلاً بِلا حَدٍّ، وإِلا فَتَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ. قوله: (وبِجَمَاعَةٍ تَتَقَرَّى بِهِمْ قَرْيَةٌ، أَوَّلاً بِلا حَدٍّ، وإِلا فَتَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ) هذا هو الذي فهم المصنف من كلام ابن عبد السلام إذ نقل عنه فِي " التوضيح " أنه قال: والذي يتبين أن العدد المشترط إنما يشترط فِي ابتداء [18 / ب] إقامة الجمعة، لا فِي كلّ جمعة؛ لما فِي حديث العير أنه لَمْ يبق مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا اثنا عشر رجلاً (¬4). انتهى. وليس كلام ابن عبد السلام بعين هذا النصّ، ونصّه الذي يتبين أن هذه الجماعة شرط فِي صحة إقامتها فِي البلد ووجوبها عَلَى أهله: ولا يشترط حضور هذا العدد فِي كلّ جمعة؛ لما فِي حديث العير أنه لَمْ يبق معه عَلَيْهِ السلام إلا اثنا عشر رجلاً. انتهى. وقد استفسره ابن عرفة فقال: إن أراد أن عدد الجماعة شرط كفاية فِيهَا فلا قائل به، وإن أراد أنه شرط فِي وجوبها لا أدائها فباطل؛ لأن ما هو شرط فِي الوجوب شرط فِي الأداء، وإلا أجزأ الفعل قبل وجوبه عنه بعده، ولا ينقض بإجزاء الزكاة قبل الحول (¬5) ¬
بيسير؛ لأنه بناءً عَلَى أن ما قرب الشئ مثله، وإلا أجزأت قبله مُطْلَقاً، ولا بإجزائها للمرأة والعبد؛ لأنه مشروط بتبعيتها لذي شرط وجوب فِي فعله الشخصي، وإن أراد صحتها باثني عشر قبل إحرامها أو بعد فهما ما تقدّم للباجي وابن رشد. انتهى. والذي للباجي أنه قال: ردّ أصحابنا قول الشافعي لا تنعقد إلاّ بأربعين دون الإمام بحديث جابر أنه ما بقي حين انفضّوا معه عليه الصلاة والسلام إلّا اثنا عشر رجلاً يقتضي إجازتها باثني عشر وإمام (¬1). والذي لابن رشد أنه لما ذكر فِي " المقدمات " فِي إلغاء شرط بقاء الجماعة بعد إحرامهم واعتباره إِلَى السلام أو إِلَى تمام ركعة ثلاثة أقوال، ونسب الأول " للمدونة " ووجّهه بقصة انفضاضهم للعير إلا اثنا عشر رجلاً (¬2). فاشحذ قريحتك واحرق مزاجك فِي فهم المصنف واستفسار ابن عرفة، فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً. وفي " القبس " (¬3) رتّب علماؤنا عَلَى نازلة الانفضاض فرعاً غريباً فقالوا: يجب إتمام الجمعة باثني عشر رجلاً، ولكنّها لا تنعقد إلّا بأكثر منهم. رواه أشهب وغيره، والصحيح: أن كلّ ما جاز تمامها به جاز انعقادها عَلَيْهِ. انتهى. وقد أغفله ابن عرفة. فإن قلت: هل يصحّ حمل كلام المصنّف هنا عَلَى ما فِي " القبس "؟ قلت: يبعده كونه لَمْ يذكره فِي " التوضيح "؛ مَعَ أنّ صاحب القبس صحّح خلافه. والله تعالى أعلم. ¬
وَاسْتُؤْذِنَ إِمَامٌ ووَجَبَتْ إِنْ مَنَعَ وأَمِنُوا، وإلا لَمْ تُجْزِ. وسُنَّ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ ولَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ، وأَعَادَ إِنْ تَغَذَّى، أَوْ نَامَ اخْتِيَاراً. لا لأَكْلٍ خَفَّ، وجَازَ تَخَطٍّ قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ واحْتِبَاءٌ فِيهَا، وكَلامٌ بَعْدَهَا لِلصَّلاةِ، وخُرُوجُ كَمُحْدِثٍ [فِيهَا] (¬1) بِلا إِذْنٍ، وإِقْبَالٍ عَلَى ذِكْرٍ قَلَّ سِرَّاً كَتَأْمِينٍ، وتَعَوُّذٍ عِنْدَ السَّبَبِ كَحَمْدِ عَاطِسٍ سِرَّاً، ونَهْيُ خَطِيبٍ، وأَمْرُهُ وإِجَابَتُهُ، وكُرِهَ تَرْكُ طُهْرٍ فِيهَا، والْعَمَلُ يَوْمَهَا، وبَيْعُ كَعَبْدٍ بِسُوقٍ وَقْتَهَا. قوله: (وَاسْتُؤْذِنَ إِمَامٌ ووَجَبَتْ إِنْ مَنَعَ وأَمِنُوا، وإلا لَمْ تُجْزِ) رأيت فِي بعض الحواشي وأظنّه مما قُيّد عن شيخنا أبي عبد الله القوري أن قوله: (وإلا) راجع للشرط الأخير وهو الأمان، (ولم تَجُز) بفتح التاء وضم الجيم، من الجواز لا من الإجزاء والمعنى: وإن لَمْ يأمنوا لَمْ يجز لهم أن يقيموا الجمعة أي: للخوف عَلَى أنفسهم. انتهى، وهو أبين مما فِي " التوضيح " إذ قال فيه ما نصّه: " إِذَا عطّل الإمام الجمعة أو نهاهم عنها فقال مالك وابن القاسم: إِذَا قدروا عَلَى إقامتها فعلوا. هكذا نقل اللخمي ونقل غيره أن مالكا قال فِي " المجموعة ": إن أمنوا أقاموها وإن كان [على] (¬2) غير ذلك فصلى رجل الجمعة بغير إذن الإمام لَمْ يجزهم.؛ يريد لأن مخالفة الإمام لا تحلّ، وما لا يحلّ فعله لا يجزئ عن الواجب. انتهى. وغالب الظن به أنه ما أراد فِي " مختصره " إلا ما ذكر فِي " توضيحه " وهو محتمل للنظر، وفِي النفس منه شئ، وما نقله عن المجموعة محتمل للتأويل، وزاد اللخمي: وفرّق أشهب بين أن يمنعهم أو يكونوا ممن لا يمنع فصلّوها بغير أمره، واختصره ابن عرفة فقال: وفرّق أشهب بين منعه وسكوته. ¬
فصل في صلاة الخوف
وتَنَفُّلُ إِمَامٍ قَبْلَهَا، أَوْ جَالِسٍ عِنْدَ الأَذَانِ. وحُضُورُ شَابَّةٍ، وسَفَرٌ بَعْدَ الْفَجْرِ، وجَازَ قَبْلَهُ، وحَرُمَ بِالزَّوَالِ. كَكَلامٍ فِي خُطْبَتَيْهِ بِقِيَامِهِ، وبَيْنَهُمَا، ولَوْ لِغَيْرِ سَامِعٍ، إِلا أَنْ يَلْغُوَ عَلَى الْمُخْتَارِ، وكَسَلامٍ، ورَدِّهِ، ونَهْيِ لاغٍ، وحَصْبِهِ (¬1) أَوْ إِشَارَةٍ لَهُ وابْتِدَاءِ صَلاةٍ بِخُرُوجِهِ، وإِنْ لِدَاخِلٍ، ولا يَقْطَعُ إِنْ دَخَلَ، وفُسِخَ بَيْعٌ وإِجَارَةٌ وتَوْلِيَةٌ وشَرِكَةٌ وإِقَالَةٌ وشُفْعَةٌ بِأَذَانٍ ثَانٍ، فَإِنْ فَاتت فَالْقِيمَةُ حِينَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، لا نِكَاحٌ وهبةٌ وصَدَقَةٌ، وعُذْرُ تَرْكِهَا والْجَمَاعَةِ: شِدَّةُ وحْلٍ، ومَطَرٍ، وجُذَامٌ، ومَرَضٌ، وتَمْرِيضٌ، وإِشْرَافُ قَرِيبٍ (¬2) ونَحْوِهِ، وخَوْفٌ عَلَى مَالٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ ضَرْبٍ والأَظْهَرُ والأَصَحُّ، أَوْ حَبْسُ مُعْسِرٍ، وعُرْيٌ، ورَجَاءُ عَفْوِ قَوْدٍ وأَكْل كَثَوْمٍ كَرِيحٍ عَاصِفَةٍ [13 / أ] بِلَيْلٍ، لا عِرْسٍ (¬3)، أَوْ عَمًى، أَوْ شُهُودِ عِيدٍ، وإِنْ أَذِنَ الإِمَامُ. قوله: (أَوْ جَالِسٍ عِنْدَ الأذَانِ) محمول عَلَى أذَان غير الجمعة، وإلاّ ناقض ما يأتي من تحريم ابتداء صلاة بخروج الإمام. [فصل فِي صلاة الخوف] رُخِّصَ لِقِتَالٍ جَائِزٍ أَمْكَنَ تَرْكُهُ لِبَعْضٍ، قَسْمُهُمْ، وإِنْ وُجَاهَ الْقِبْلَةِ، أَوْ عَلَى دَوَابِّهِمْ قِسْمَيْنِ، وعَلَّمَهُمْ، وصَلَّى بآذَانٍ وإِقَامَةٍ بِالأُولَى فِي الثُّنَائِيَّةِ رَكْعَةً، وإِلا فَرَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ سَاكِتاً أَوْ دَاعِياً أَوْ قَارِئاً فِي الثُّنَائِيَّةِ، وفِي قِيَامِهِ بِغَيْرِهَا تَرَدُّدٌ، وأَتَمَّتِ الأُولَى وانْصَرَفَتْ، ثُمَّ صَلَّى بِالثَّانِيَةِ مَا بَقِيَ وسَلَّمَ فَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ولَوْ صَلَّوْا بِإِمَامَيْنِ أَوْ بَعْضٌ فَذّاً جَازَ، وإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخَّرُوا لآخِرِ الاخْتِيَارِيِّ، وصَلَّوْا إِيمَاءً كَأَنْ دَهَمَهُمْ عَدُوٌّ بِهَا، وحَلَّ لِلضَّرُورَةِ مَشْيٌ ورَكْضٌ، وطَعْنٌ، وعَدَمُ تَوَجُّهٍ وكَلامٌ وإِمْسَاكُ مُلَطَّخٍ، وإِنْ أَمِنُوا بِهَا أَتَمَّتْ صَلاةَ أَمْنٍ، وبَعْدَهَا لا إِعَادَةَ كَسَوَادٍ ظُنَّ عَدُوَّاً فَظَهَرَ نَفْيُهُ، وإِنْ سَهَا مَعَ الأُولَى سَجَدَتْ بَعْدَ إِكْمَالِهَا، وإِلا سَجَدَتِ الْقَبْلِيَّ مَعَهُ، والْبَعْدِيَّ بَعْدَ الْقَضَاءِ. وإِنْ صَلَّى فِي ثُلاثِيَّةٍ أَوْ رُبَاعِيَّةٍ بِكُلِّ رَكْعَةٍ بَطَلَتِ الأُوْلَى، والثَّالِثَةُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ كَغَيْرِهِمَا عَلَى الأَرْجَحِ وصُحِّحَ خِلافُهُ. قوله: (قَسْمُهُمْ، وإِنْ وُجَاهَ الْقِبْلَةِ) هذا هو المشهور، قال اللخمي: واختلف إِذَا كان ¬
فصل في صلاة العيد
العدو فِي القبلة [هل] (¬1) يصلي بهم جميعاً أو طائفتين؟ فقال أشهب فِي مدونته: لا يفعل؛ لأنه يتعرّض أن يفتنه العدو أو يشغله، فإن فعل أجزأه وأجزأهم. وفِي كتاب مسلم: أن العدّو لما كان فِي القبلة صف النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس خلفه صفّين كبّر وكبّروا معه، وركع وركعوا معه، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه خاصة، ثم قام وقام الصف الذي [سجد] (¬2) معه، وانحدر الصف المؤخر فسجدوا، ثم قاموا وقدّم الصفّ المؤخر، وتأخّر الصفّ المقدم، ثم ركع النبي - صلى الله عليه وسلم - وركع جميعهم معه ثم سجد وسجد الصف الذي يليه الذي كان مؤخراً، وقام الصف المؤخر فِي [نحو] (¬3) العدو، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر، فسجدوا، ثم سلّم النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم جميعاً (¬4). وهذه صفة حسنة وليس يخشى فِيهَا ما يخشى إِذَا كان سجودهم كلهم [19 / أ] معاً. انتهى. ونقله أبو عمر فِي " الكافي " [عن بعض أصحابنا وقبله ابن عرفة] (¬5). [فصل فِي صلاة العيد] سُنَّ لِعِيدٍ رَكْعَتَانِ لِمَأْمُورِ الْجُمْعَةِ، مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ، لِلزَّوَالِ ولا يُنَادَى الصَّلاةَ جَامِعَةً وافْتَتَحَ بِسَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ بِالإِحْرَامِ، ثُمَّ بِخَمْسٍ غَيْرِ الْقِيَامِ، مُوَالًى، إِلا بِتَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ، بِلا قَوْلٍ، وتَحَرَّاهُ مُؤْتَمٌّ لَمْ يَسْتَمِعْ، وكَبَّرَ نَاسِيهِ إِنْ لَمْ يَرْكَعْ وسَجَدَ بَعْدَهُ، وإِلا تَمَادَى وسَجَدَ غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ قَبْلَهُ، ومُدْرِكُ الْقِرَاءَةِ يُكَبِّرُ، فَمُدْرِكُ الثَّانِيَةِ يُكَبِّرُ خَمْساً، ثُمَّ سَبْعاً بِالْقِيَامِ، ونُدِبَ إِحْيَاءُ لَيْلَتِهِ، وغُسْلٌ، وبَعْدَ الصُّبْحِ وتَطَيُّبٌ وتَزَيُّنٌ، وإِنْ لِغَيْرِ مُصَلٍّ، ومَشْيٌ فِي ذِهَابِهِ. قوله: (وَإِلا تَمَادَى) أي: وإن لَمْ يذكر حتى انحنى للركوع تمادى وكذا فِي المدوّنة (¬6). ¬
وإِنْ فَاتَتْ قَضَى الأُولَى بِسِتٍّ وهَلْ بِغَيْرِ الْقِيَامِ تَأْوِيلانِ. قوله: (وإِنْ فَاتَتْ قَضَى الأُولَى بِسِتٍّ وهَلْ بِغَيْرِ الْقِيَامِ تَأْوِيلانِ) ظاهره أن تكبيرة القيام موجودة، وإنما التَأْوِيلانِ: هل هي معدودة أم لا؟ وليس كذلك بل التَأْوِيلانِ فِي وجودها كما فِي " التوضيح "، فمن أثبتها فقياساً عَلَى مدرك تشهد غيرها فِي قيامه بالتكبير وإن كان مكرراً مَعَ الإحرام؛ ليصله بابتداء القراءة، ومن أسقطها فلأن معه من التكبير ما يتصل بابتداء القراءة فلم يحتج لتكريرها، وإِلَى هذا يرجع ما لعبد الحقّ واللخمي والمازري وابن رشد فِي سماع عيسى (¬1) وعياض فِي التنبيهات. والله تعالى أعلم. وفِطْرٌ قَبْلَهُ فِي الْفِطْرِ، وتَأْخِيرُهُ فِي النَّحْرِ وخُرُوجٌ بَعْدَ الشَّمْسِ، وتَكْبُيرٌ فِيهِ حِينَئِذٍ لا قَبْلَهُ، وصُحِّحَ خِلافُهُ وجَهْرٌ بِهِ، وهَلْ لِمَجِيءِ الإِمَامِ أَوْ لِقِيَامِهِ لِلصَّلاةِ؟ تَأْوِيلانِ ونَحْرُهُ أُضْحِيَتَهُ بِالْمُصَلَّى، وإِيقَاعُهَا بِهِ إِلا بِمَكَّةَ، ورَفْعُ يَدَيْهِ فِي أُولاهُ فَقَطْ، وقِرَاءَتُهُمَا بِكِسِبِّحْ، والشَّمْسِ، وخُطْبَتَانِ كَالْجُمُعَةِ، وسَمَاعُهُمَا، واسْتِقْبَالُهُ وبَعْدِيَّتُهُمَا، وأُعِيدَتَا إِنْ قُدِّمَتَا، واسْتِفْتَاحٌ بِتَكْبِيرٍ، وتَخَلُّلُهُمَا بِهِ بِلا حَدٍّ، وإِقَامَةُ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا أَوْ فَاتَتْهُ، وتَكْبُيرُهُ إِثْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً، وسُجُودِهَا الْبَعْدِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، لا نَافِلَةٍ ومَقْضِيَّةٍ فِيهَا مُطْلَقاً، وكَبَّرَ [13 / ب] نَاسِيهِ إِنْ قَرُبَ. ومُؤْتَمٌّ إِنْ تَرَكَهُ إِمَامُهُ، ولَفْظُهُ وهُوَ: اللهُ أَكْبَرُ ثَلاثاً، وإِنْ قَالَ بَعْدَ تَكْبِيرَتَيْنِ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، ثُمَّ تَكْبِيرَتَيْنِ وللهِ الْحَمْدُ، فَحَسَنٌ. وَكُرِهَ تَنَفُّلٌ بِمُصَلًّى قَبْلَهَا وبَعْدَهَا، لا بِمَسْجِدٍ فِيهِمَا. قوله: (وتَأْخِيرُهُ فِي النَّحْرِ) كذا صرح باستحبابه فِي " التلقين " وإيّاه تبع ابن شاس وابن الحاجب (¬2) وقد قبله المازري، وزاد ليكون أوّل طعامه من لحم أضحيته، ونحوه للخمي، وزاد عن ابن شهاب (¬3) يأكل من كبدها، والعجب من قصور ابن عرفة إذ قال: ونقْل ابن الحاجب استحباب تركه فِي الأضحى لا أعرفه، بل فِي المدوّنة، و " الموطأ " لا ¬
فصل في صلاة الكسوف
يؤمر بذلك فِي الأضحى (¬1)، أبو عمر: ظاهره التخيير، واستحب غيره تركه حتى يأكل من أضحيته (¬2). انتهى. [فصل فِي صلاة الكسوف] سُنَّ وإِنْ لِعَمُودِيٍّ ومُسَافِرٍ لَمْ يَجِدَّ سَيْرُهُ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَانِ سِرَّاً، بِزِيَادَةِ قِيَامَيْنِ ورُكُوعَيْنِ، ورَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ لِخُسُوفِ قَمَرٍ، كَالنَّوَافِلِ جَهْراً بِلا جَمْعٍ ونُدِبَ فِي الْمَسْجِدِ، وقِرَاءَةُ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ مُوَالِيَاتِهَا فِي الْقِيَامَاتِ، ووَعْظٍ بَعْدَهَا، ورَكَعَ كَالْقِرَاءَةِ وسَجَدَ كَالرُّكُوعِ ووَقْتُهَا كَالْعِيدِ، وتُدْرَكُ الرَّكْعَةُ بِالرُّكُوعِ، ولا تُكَرَّرُ. قوله: (وَرَكَعَ كَالْقِرَاءَةِ وسَجَدَ كَالرُّكُوعِ) ابن عبد السلام: وينبغي أن تكون الإطالة فِي السجود دون الركوع كما هي فِي الركوع دون القيام. وَإِنِ انْجَلَتْ فِي أَثْنَائِهَا، فَفِي إِتْمَامِهَا كَالنَّوَافِلِ قَوْلانِ، وقُدِّمَ فَرْضٌ خِيفَ فَوَاتُهُ، ثُمَّ كُسُوفٌ، ثُمَّ عِيدٌ وأُخِّرَ الاسْتِسْقَاءُ لِيَوْمٍ آخَرَ. قوله: (وَإِنِ انْجَلَتْ فِي أَثْنَائِهَا [فَفِي إِتْمَامِهَا] (¬3) كَالنَّوَافِلِ قَوْلانِ) هذا كإطلاق (¬4) ابن الحاجب (¬5)، وقيّده ابن عرفة بما إِذَا تمّ شطرها، وإلا فقال ابن زرقون: قيل: يقطعها، وقيل: يتمّها نفلاً. ¬
فصل في صلاة الاستسقاء
[فصل فِي صلاة الاستسقاء] سُنَّ الاسْتِسْقَاءُ لِزَرْعٍ أَوْ شُرْبٍ بِنَهْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وإِنْ بِسَفِينَةٍ رَكْعَتَانِ جَهْراً، وكُرِّرَ إِنْ تَأَخَّرَ، وخَرَجُوا ضُحًى مُشَاةً بِبِذْلَةٍ، وتَخَشُّعٍ مَشَايِخُ ومُتَجَالَّةٌ، وصِبْيَةٌ، لا مَنْ لا يَعْقِلُ مِنْهُمْ، وبَهِيمَةٌ وحَائِضٌ. ولا يُمْنَعُ ذِمِّيٌّ، وانْفَرَدَ لا بِيَوْمٍ، ثُمَّ خَطَبَ كَالْعِيدِ، وبَدَّلَ التَّكْبِيرَ بِالاسْتِغْفَارِ، وبَالَغَ فِي الدُّعَاءِ آخِرَ الثَّانِيَةِ مُسْتَقْبِلاً، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ بِلا تَنْكِيسٍ، وكَذَا الرِّجَالُ فَقَطْ قُعُوداً. ونُدِبَ خُطْبَةٌ بِالأَرْضِ، وصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهُ، وصَدَقَةٌ. قوله: (ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ) ظاهره تأخير التحويل عن الدعاء وهو خلاف ما فِي " المدوّنة " و " الرسالة " وغيرهما (¬1). ولا يَأْمُرُ بِهِمَا الإِمَامُ، بَلْ بِتَوْبَةٍ، ورَدِّ تَبِعَةٍ وجَازَ تَنَفُّلٌ قَبْلَهَا، وبَعْدَهَا، واخْتَارَ إِقَامَةَ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ [بِمَحَلِّهِ] (¬2) لِمُحْتَاجٍ (¬3). قَالَ وفِيهِ نَظَرٌ. قوله: (وَلا يَأْمُرُ بِهِمَا الإِمَامُ) تصريح بأن الصوم والصدقة لا يأمر بهما الإمام بعد تسليم ندبهما هنا، ولا أعلم من صرّح بذلك غيره، بل ظاهر كلام اللخمي والمازري وأتباعهما كابن شاس وأبي الحسن الصغير وابن عرفة: أن الصدقة مندوب إليها ويأمر بهما الإمام، وهل الصوم كذلك؟ قَوْلانِ. والندب وأمر الإمام فيما يعطيه قوة كلامهم متلازمان. ¬
فصل في أحكام الجنائز
[فصل فِي أحكام الجنائز] فِي وَجُوبِ غُسْلِ الْمَيِّتِ بِمُطَهِّرٍ، ولَوْ بِزَمْزَمَ، والصَّلاةِ عَلَيْهِ كَدَفْنِهِ وكَفْنِهِ، وسُنِّيَّتِهِمَا خِلافٌ، وتَلازَمَا، وغُسْلَ كَالْجَنَابَةِ تَعَبُّداً بِلا نِيَّةٍ، وقُدِّمَ الزَّوْجَانِ إِنْ صَحَّ النِّكَاحُ، إِلا أَنْ يَفُوتَ فَاسِدُهُ بِالْقَضَاءِ وإِنْ رَقِيقاً أَذِنَ سَيِّدُهُ، أَوْ قَبْلَ بِنَاءٍ أَوْ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ، أَوْ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، والأَحَبُّ نَفْيُهُ، إِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا، أَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ لا رَجْعِيَّةٌ وكِتَابِيَّةٌ إِلا بِحَضْرَةِ مُسْلِمٍ، وإِبَاحَةُ الْوَطْءِ لِمَوْتِ بِرِقٍّ تُبِيحُ الْغُسْلَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، ثُمَّ أَقْرَبُ أَوْلِيَائِهِ، ثُمَّ أَجْنَبِيٌّ، ثُمَّ امْرَأَةٌ مَحْرَمٌ وهَلْ تَسْتُرُهُ، أَوْ عَوْرَتُهُ؟ تَأْوِيلانِ، ثُمَّ يُمِّمَ لِمِرْفَقَيْهِ كَعَدَمِ الْمَاءِ، وتَقْطِيعِ الْجَسَدِ، وتَزْلِيعِهِ (¬1)، وصُبَّ عَلَى مَجْرُوحٍ أَمْكَنَ مَاءٌ كَمَجْدُورٍ (¬2) إِنْ لَمْ يُخَفْ تَزَلُّعُهُ، والْمَرْأَةُ أَقْرَبُ امْرَأَةٍ، ثُمَّ أَجْنَبِيَّةٌ، ولُفَّ شَعْرُهَا، ولا يُضْفرُ، ثُمَّ مَحْرَمٌ فَوْقَ ثَوْبٍ، ثُمَّ يُمِّمَتْ لِكُوعَيْهَا، وسُتِرَ مِنْ سُرَّتِهِ لِرُكْبَتَيْهِ، وإِنْ زَوْجاً. [14 / أ]. ... قوله: (أَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ) أشار به لقول ابن يونس: أحبّ إليّ ألا تغسله؛ لأنه قد حرم عَلَيْهِ تزويجها أن لو كان ذلك طلاقاً، وكان حيّاً. [صلاة الجنازة] ورُكْنُهَا النِّيَّةُ وأَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ، وإِنْ زَادَ لَمْ يُنْتَظَرْ، والدُّعَاءُ، ودَعَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وإِنْ وَالاهُ، أَوْ سَلَّمَ بَعْدَ الثَّلاثِ أَعَادَ، وإِنْ دُفِنَ، فَعَلَى الْقَبْرِ، وتَسْلِيمَةٌ خَفِيَّةٌ (¬3)، وسَمَّعَ الإِمَامَ مَنْ يَلِيهِ، وصَبَرَ الْمَسْبُوقُ لِلتَّكْبِيرِ، ودَعَا إِنْ تُرِكَتْ، وإِلا وَالَى. وَكُفِّنَ بِمَلْبُوسِهِ لِجُمُعَةٍ، وقُدِّمَ كَمَؤُونَةِ الدَّفْنِ عَلَى دَيْنِ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ ولَوْ سُرِقَ، ثُمَّ إِنْ وجِدَ وعُوِّضَ وَرِثَ، إِنْ فُقِدَ الدَّيْنُ كَأَكْلِ السَّبُعِ الْمَيِّتَ. قوله: (كَأَكْلِ السَّبُعِ الْمَيِّتَ) نقله المازري عن ابن (¬4) العلاء البصري وزاد - وكأنه عن القابسي -: ولو خيف نبشه كانت حراسته من رأس المال، وقد أغفل ابن عرفة هذين الفرعين. ¬
هُوَ عَلَى الْمُنْفِقِ بِقَرَابَةٍ أَوْ رِقٍّ لا زَوْجِيَّةٍ، والْفَقِيرُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وإِلا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ونُدِبَ تَحْسِينُ ظَنِّهِ بِاللهِ، وتَقْبِيلُهُ عِنْدَ إِحْدَادِهِ عَلَى أَيْمَنَ، ثُمَّ ظَهْرٍ، وتَجَنُّبُ حَائِضٍ وجُنُبٍ لَهُ. قوله: (لا زَوْجِيَّةٍ) هو بياء النسب عطفاً عَلَى قرابة أو رقّ. وتَلْقِينُهُ الشَّهَادَةَ، وتَغْمِيضُهُ، وشَدُّ لَحْيَيْهِ، إِذَا قَضَى، وتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ بِرِفْقٍ، ورَفْعُهُ عَنِ الأَرْضِ، وسَتْرُهُ بِثَوْبٍ. قوله: (وَشَدُّ لَحْيَيْهِ) نقله ابن عبد السلام عن غير المذهب فقال ابن عرفة: قد ذكره سند، ولَمْ يعزه لغير المذهب، وتعليل ابن شعبان إغماضه خوف دخول الماء عينيه يؤكد شدّ لحيته (¬1). ووضْعُ ثَقِيلٍ عَلَى بَطْنِهِ، وإِسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ إِلا الْغَرَقَ. ولِلْغُسْلِ سِدْرٌ، وتَجْرِيدُهُ، ووَضْعُهُ عَلَى مُرْتَفَعٍ، وإِيثَارُهُ كَالْكَفَنِ لِسَبْعٍ، ولَمْ يُعَدْ كَالْوُضُوءِ لِنَجَاسَةٍ وغُسِلَتْ، وعَصْرُ بَطْنِهِ بِرِفْقٍ، وصَبُّ الْمَاءِ فِي غَسْلِ مَخْرَجَيْهِ بِخِرْقَةٍ، ولَهُ الإِفْضَاءُ إِنِ اضْطُرَّ، وتَوْضِئَتُهُ، وتَعَهُّدُ أَسْنَانِهِ وأَنْفِهِ بِخِرْقَةٍ، وإِمَالَةُ رَأْسِهِ [بِرِفْقٍ] (¬2) لِمَضْمَضَةٍ، وعَدَمُ حُضُورِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وكَافُورٌ فِي الأَخِيرَةِ، ونُشِّفَ، واغْتِسَالُ غَاسِلِهِ، وبَيَاضُ الْكَفَنِ، وتَجْمِيرُهُ، وعَدَمُ تَأَخُّرِهِ عَنِ الْغُسْلِ. وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاحِدِ، [وَلا] (¬3) يُقْضَى بِالزَّائِدِ إِنْ شَحَّ الْوَارِثُ، إِلا أَنْ يُوصِيَ، فَفِي ثُلُثِهِ. قوله: (ووَ ضْعُ ثَقِيلٍ عَلَى بَطْنِهِ) ابن عبد السلام: وقع فِي المذهب تجعل حديدة عَلَى بطنه، ونصّ الشافعية عَلَى معناه قالوا: لئلا يسرع انتفاخ بطنه. فقال ابن عرفة: لا أعرفه فِي المذهب بل نقل ابن المنذر إباحته عن الشعبي والشافعي (¬4). ¬
وهَلِ الْوَاجِبُ ثَوْبٌ يَسْتُرُهُ، أَوْ سَتْرُ الْعَوْرَةِ والْبَاقِي سُنَّةٌ؟ خِلافٌ. ووِتْرُهُ، والاثْنَانِ عَلَى الْوَاحِدِ، والثَّلاثَةُ عَلَى الأَرْبَعَةِ، وتَقْمِيصُهُ، وتَعْمِيمُهُ، وعَذَبَةٌ فِيهَا، وأُزْرَةٌ، ولِفَافَتَانِ، والسَّبْعُ لِلْمَرْأَةِ، وحُنُوطٌ دَاخِلَ كُلِّ لِفَافَةٍ، وعَلَى قُطْنٍ يُلْصَقُ بِمَنَافِذِهِ، والْكَافُورُ فِيهِ وفِي مَسَاجِدِهِ وحَوَاسِّهِ ومَرَاقِّهِ، وإِنْ مُحْرِماً ومُعْتَدَّةً، ولا يَتَوَلَّيَاهُ، ومَشْيُ مُشَيِّعٍ، وإِسْرَاعُهُ، وتَقَدُّمُهُ وتَأَخُّرُ رَاكِبٍ وامْرَأَةٍ، وسَتْرُهَا بِقُبَّةٍ، ورَفْعُ الْيَدَيْنِ بِأُولَى التَّكْبِيرِ، وابْتِدَاءٌ بِحَمْدٍ وصَلاةٍ [عَلَيْهِ] (¬1) عَلَى نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وإِسْرَارُ دُعَاءٍ، ورَفْعُ صَغِيرٍ عَلَى الْكَفِّ، ووُقُوفُ إِمَامٍ بِالْوَسَطِ ومَنْكَبَيِ الْمَرْأَةِ رَأْسُ الْمَيِّتِ عَنْ يَمِينِهِ، ورَفْعُ قَبْرٍ كَشِبْرٍ مُسَنَّماً، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً عَلَى كَرَاهَتِهِ، فَيُسَطَّحُ، وحَثْوُ قَرِيبٍ فِيهِ ثَلاثاً، وتَهْيِئَةُ طَعَامٍ لأَهْلِهِ وتَعْزِيَةٌ، وعَدَمُ عُمْقِهِ، واللَّحْدُ، وضَجْعٌ فِيهِ عَلَى أَيْمَنَ مُقَبَّلاً، وتُدُورِكَ إِنْ خُولِفَ بِالْحَضْرَةِ كَتَنْكِيسِ رِجْلَيْهِ، [14 / ب] وكَتَرْكِ الْغُسْلِ، ودَفْنِ مَنْ أَسْلَمَ بِمَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ، إِنْ لَمْ يُخَفِ التَّغَيُّرُ، وسَدُّهُ بِلَبِنٍ ثُمَّ لَوْحٍ، ثُمَّ قَرْمُودٍ، ثُمَّ آجُرٍّ (¬2)، ثُمَّ قَصَبٍ، وسَنُّ التُّرَابِ أَوْلَى مِنَ التَّابُوتِ، وجَازَ غُسْلُ امْرَأَةٍ ابْنَ كَسَبْعٍ، ورَجُلٍ كَرَضِيعَةٍ. قوله: (وهَلِ الْوَاجِبُ ثَوْبٌ يَسْتُرُهُ، أَوْ سَتْرُ الْعَوْرَةِ (¬3) والْبَاقِي سُنَّةٌ؟ خِلافٌ) سلّم فِي " التوضيح " أن الأول ظاهر كلامهم ونسب الثاني لـ: " التقييد " و " التقسيم "، ومقتضي كلامه هنا: أن الخلاف فِي التشهير، وقال ابن عرفة: قال أبو عمر وابن رشد: الفرض من الكفن ساتر العورة (¬4)، والزائد لستر غيرها سنة، وقال ابن بشير: أقلّه ثوب يستره كله. انتهى. وصرّح ابن بشير بنفي الخلاف منه (¬5)، وأنه بخلاف الحيّ. ¬
والْمَاءُ الْمُسَخَّنُ، وعَدَمُ الدَّلْكِ لِكَثْرَةِ الْمَوْتَى، وتَكْفُينٌ بِمَلْبُوسٍ، أَوْ مُزَعْفَرٍ، ومُوَرَّسٍ، وحَمْلُ غَيْرِ أَرْبَعَةٍ، وبَدْءٌ بِأَيِّ نَاحِيَةٍ. قوله: (والْمَاءُ الْمُسَخَّنُ) هو كقول ابن الجلاب (¬1): لا بأس أن يغسله بالماء السخن. ابن عرفة: وهو ظاهر المذهب. انتهى. وفِي " الزاهي ": ويغسل بالماء السخن إن احتاجوا إِلَى ذلك. وقال المازري: قال أشهب: واسع غسله بالماء سخناً أو بارداً. قلت: فعزو ابن عرفة التخيير لابن شاس، قصور. والْمُعَيِّنُ مُبْتَدُعٌ، وخُرُوجُ مُتَجَالَّةٍ (¬2)، أَوْ إِنْ لَمْ يُخْشَ مِنْهَا الْفِتْنَةُ فِي كَأَبٍ، وزَوْجٍ، وابْنٍ وأَخٍ، وسَبْقُهَا، وجُلُوسٌ قَبْلَ وَضْعِهَا. قوله: (والْمُعَيِّنُ مُبْتَدُعٌ) هو كقوله فِي " المدوّنة "، وقول من قال: يبدأ باليمين بدعة (¬3). وإن كان أشهب وابن حبيب لا يسلّمان ذلك. ونَقْلٌ وإِنْ مِنْ بَدْوٍ، وبُكَاءٌ عِنْدَ مَوْتِهِ وبَعْدَهُ بِلا رَفْعِ صَوْتٍ وقَوْلٍ قَبِيحٍ، وجَمْعُ أَمْوَاتٍ بِقَبْرٍ لِضَرُورَةٍ، ووَلِيَ الْقِبْلَةَ الأَفْضَلُ، أَوْ بِصَلاةٍ يَلِي الإِمَامَ رَجُلٌ، فَطِفْلٌ، فَعَبْدٌ، فَخَصِيٌّ، فَخُنْثَى كَذَلِكَ، وفِي الصِّنْفِ أَيْضاً الصَّفُّ، وزِيَارَةُ الْقُبُورِ بِلا حَدٍّ. وكُرِهَ حَلْقُ شَعْرِهِ، وقَلْمُ ظُفْرِهِ، وهُوَ بِدْعَةٌ، وضُمَّ مَعَهُ إِنْ فُعِلَ. قوله: (ونَقْلٌ وإِنْ مِنْ بَدْوٍ) حاصل ما فِي " النوادر " فِي ذلك عن ابن حبيب: لا بأس بحمله من البادية للحاضرة، ومن موضع لآخر؛ مات سعيد بن زيد وسعد بن أبي وقّاص بالعقيق فحملا للمدينة. (¬4) ورواه ابن وهب، وروى علي: لا بأس به للمصر إن قرب. انتهى، ولَمْ يزد ابن عرفة عَلَيْهِ فتأمل معه الأغياء [19 / ب] فِي عبارة المصنف. ¬
وَلا تُنْكَأُ قُرُوحُهُ، ويُؤْخَذُ عَفْوُهَا. قوله: (وَلا تُنْكَأُ قُرُوحُهُ، ويُؤْخَذُ عَفْوُهَا) مثله للجلاب (¬1) قال الشارمساحي أي: أزيل ما عَلَيْهَا من الدم، والقيح مما تسهل إزالته. انتهى. والعفو فِي اللغة: الفضل، ومنه قوله تعالى: " خذ العفو " [الأعراف: 199] أي: ما سهل من أموال الناس، وعفا أي: فضل، وزاد من قولهم: عفا النبت والشعر. قاله ابن عطية، وأنشد قول حاتم الطائي: خذ العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي فِي سورتي حين أغضب (¬2) وقِرَاءَةٌ عِنْدَ مَوْتِهِ كَتَجْمِيرِ الدَّارِ. قوله: (وقِرَاءَةٌ عِنْدَ مَوْتِهِ كَتَجْمِيرِ الدَّارِ) كراهة القراءة والتجمير عند احتضاره (¬3) هو قول مالك فِي سماع أشهب، قال ابن رشد: واستحبهما ابن حبيب (¬4)، زاد ابن يونس عنه استحباب الروائح الطيبة. وبَعْدَهُ، وعَلَى قَبْرِهِ، وصِيَاحٌ خَلْفَهَا، وقَوْلُ: اسْتَغْفِرُوا لَهَا، وانْصِرَافٌ عَنْهَا بِلا صَلاةٍ، أَوْ بِلا إِذْنٍ، إِنْ لَمْ يُطَوِّلُوا. قوله: (وَبَعْدَهُ، وعَلَى قَبْرِهِ) ابن عرفة، وقبل عياض: استحباب بعض العلماء القراءة عَلَى القبر؛ لحديث الجريدتين (¬5) وقاله الشافعي (¬6). انتهى، وفِي " الإحياء ": لا بأس بالقراءة عَلَى القبور (¬7). وفي " مسالك " ابن العربي: يستحبّ تلقينه بعد الدفن. ¬
وحَمْلُهَا بِلا وَضُوءٍ، وإِدْخَالُهُ بِمَسْجِدٍ، والصَّلاةُ عَلَيْهِ فِيهِ، وتِكْرَارُهَا، وتَغْسِيلُ جُنُبٍ. قوله: (وحَمْلُهَا بِلا وَضُوءٍ) كذا فِي سماع ابن القاسم. ابن رشد: إنما كرهه لأنه يحمل ولا يصلّي، ولو علم أنه يجد فِي موضع الجنازة ما يتوضأ به لَمْ يكره له حملها عَلَى غير وضوء (¬1). كَسِقْطٍ، وتَحْنِيطُهُ، وتَسْمِيَتُه، وصَلاةٌ عَلَيْهِ، ودَفْنُهُ بِدَارٍ، ولَيْسَ عَيْباً بِخِلافِ الْكَبِيرِ لا حَائِضٍ، وصَلاةُ فَاضِلٍ عَلَى بِدْعِيٍّ أَوْ مُظْهِرِ كَبِيرَةٍ والإِمَامِ عَلَى مَنْ حَدُّهُ الْقَتْلُ بِقَوْدٍ أَوْ حَدٍّ، وإِنْ تَوَلاهُ النَّاسُ دُوْنَهُ، وإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَتَرَدُّدٌ. قوله: (ولَيْسَ عَيْباً) أي: ليس دفن السقط فِي الدار عيباً فِيهَا، وكذا نصّ عَلَيْهِ ابن يونس عن ابن سحنون عن مالكٍ، قال: لأن السقط ليس له حرمة الموتى؛ إذ لا يصلي عَلَيْهِ، ولا يورث، ألا ترى أنه قد أبيح دفنه فِي الدور. قيل له: أفيجوز الانتفاع بموضع قبر السقط؟ قال: أكره ذلك. قال ابن سحنون: والقياس جواز الانتفاع به لجواز بيعه. وفي " التوضيح ": القَوْلانِ فِي كونه عيباً حكاهما ابن بشير، والمنصوص لمالك: ليس بعيب. انتهى. وهو صحيح، ولم ينقل ابن عرفة القولين إلا من طريق ابن بشير، وكذلك هما فِي كتاب " التنبيه " لابن بشير، من غير تنبيه عَلَى نصّ ولا تخريج، إلاّ أنه [قال] (¬2): وهما منزّلان عَلَى الخلاف الذي فِي جواز دفنه فِي الدور، ففي قول بعضهم: فِي كلام المصنف نظر، [نظر] (¬3). وتَكْفِينٌ بِحَرِيرٍ، ونَجِسٍ، كَأَخْضَرَ، ومُعَصْفَرٍ أَمْكَنَ غَيْرُهُ. قوله: (وَتَكْفِينٌ بِحَرِيرٍ) اللخمي: وجنسه الكتان والقطن، وفِي " النوادر " عن ابن حبيب: ما جاز فِي حياته (¬4). ابن عرفة: فيدخل الصوف. ¬
وزِيَادَةُ رَجُلٍ عَلَى خَمْسَةٍ، واجْتِمَاعُ النِّسَاءِ لِبُكَاءٍ وإِنْ سِرَّاً، أَوْ تَكْبِيرُ نَعْشٍ، وفَرْشُهُ بِحَرِيرٍ، وإِتْبَاعُهُ بِنَارٍ ونِدَاؤُهُ بِمَسْجِدٍ أَوْ بَابِهِ، لا بِكَحِلْقٍ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ. قوله: (وزِيَادَةُ رَجُلٍ عَلَى خَمْسَةٍ) لَمْ أر من صرّح بكراهته، وأخذ من قول ابن حبيب: أحب إِلَى مالك خمسة أثواب (¬1). لا يلزم. وقِيَامٌ لها، وتَطْيِينُ قَبْرٍ أَوْ تَبْيِيضُهُ، وبِنَاءٌ عَلَيْهِ أَوْ تَحْوِيزٌ، وإِنْ بُوهِيَ بِهِ حَرُمَ، وجَازَ لِلتَّمْيِيزِ كَحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ بِلا نَقْشٍ، ولا يُغَسَّلُ شَهِيدُ مُعْتَرَكٍ فَقَطْ، ولَوْ بِبَلَدِ الإِسْلامِ. أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وإِنْ أَجْنَبَ عَلَى الأَحْسَنِ، لا إِنْ رُفِعَ حَيَّاً وإِنْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ إِلا الْمَغْمُورَ، ودُفِنَ بِثِيَابِهِ إِنْ سَتَرَتْهُ، وإِلا زِيدَ بِخُفٍّ وقَلَنْسُوَةٍ ومِنْطَقَةٍ قَلَّ ثَمَنُهَا، وخَاتَمٍ قَلَّ فَصُّهُ، لا دِرْعٍ وسِلاحٍ، ولا دُونَ الْجُلِّ، ولا مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ، وإِنْ صَغِيراً ارْتَدَّ، أَوْ نَوَى بِهِ سَابِيهِ الإِسْلامَ، إِلا أَنْ يُسْلِمَ كَأَنْ أَسْلَمَ ونَفَرَ مِنْ أَبَوَيْهِ. وَإِنِ اخْتَلَطُوا غُسِّلُوا وكُفِّنُوا، ومُيِّزَ الْمُسْلِمُ بِالنِّيَّةِ فِي الصَّلاةِ، ولا سَقْطٌ لَمْ يَسْتَهِلَّ. قوله: (وقِيَامٌ لها) تصريح بكراهة القيام للجنازة وظاهره مُطْلَقاً، والذي لابن رشد فِي سماع موسى: أن القيام كان مأموراً به للجنائز فِي ثلاثة مواضع: أحدها: من كان جالساً فمرّت به أن يقوم حتى تخلفه. والثاني: من اتبع جنازة أن لا يجلس حتى توضع. والثالث: من سبق الجنازة إِلَى المقبرة فقعد ينتظرها أن يقوم إِذَا رآها حتى توضع [ثم] (¬2) نسخ ذلك كله بما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم فِي [الجنازة] (¬3) ثم جلس وأمرهم بالجلوس. وروي أنه فعل ذلك مرة، وكان يتشبه بأهل الكتاب، فلما نهي انتهى، وأما القيام عَلَى الجنازة حتى تُدفن فلا بأس به، والقول بنسخه ليس بصحيح، وقد فعله ¬
علي بن أبي طالب، وقال: قليل لأخينا قيامنا عَلَى قبره (¬1) وقال ابن حبيب: إنما نسخ من القيام فِي الجنائز الوجوب، فمن جلس ففي [سعة] (¬2)، ومن قام فمأجور. انتهى (¬3). ففهم هنا ابن عرفة فِي حكم القيام قولين: أحدهما أن وجوبه، نسخ للإباحة، وهو ظاهر المذهب. والثاني: أنه نسخ للندب، وهو قول ابن حبيب، وعَلَى هذا فلا كراهة، وهو ظاهر كلام غير واحد، ولعلّ المصنف استروح الكراهة من قوله: فلما نهى عنه عَلَيْهِ السلام انتهى، أو مما فِي " النوادر " عن علي ابن أبي (¬4) زياد: أن الذي أخذ به مالك أن يجلس ولا يقوم، وهو أحبّ إليّ (¬5). فرع: كره فِي سماع ابن القاسم أن يتبع الرجل الجنازة حاسراً بغير رداء، ابن رشد: ومن هذا المعنى ما يفعل عندنا من تبيض الولي عَلَى وليّه (¬6). ابن عرفة: ونحوه عندنا (¬7) تسويده. ¬
وَلَوْ تَحَرَّكَ أَوْ عَطَسَ، أَوْ بَالَ، [15 / أ] أَوْ رَضَعَ، إِلا أَنْ يَتَحَقَّقَ الْحَيَاةُ، وغُسِلَ دَمُهُ، ولُفَّ بِخِرْقَةٍ، ووُرِيَ ولا يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ، إِلا أَنْ يُدْفَنَ بِغَيْرِهَا، ولا غَائِبٍ، ولا تُكَرَّرُ، والأَوْلَى بِالصَّلاةِ وَصِيٌّ رُجِيَ خَيْرُهُ، ثُمَّ الْخَلِيفَةُ، لا فَرْعُهُ، إِلا مَعَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ، وأَفْضَلُ وَلِيٍّ، ولَوْ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ وصَلَّى النِّسَاءُ دُفْعَةً، وصُحِّحَ تَرَتُّبُهُنَّ، والْقَبْرُ حبسٌ لا يُمْشَى عَلَيْهِ، ولا يُنْبَشُ (¬1) مَا دَامَ بِهِ، إِلا أَنْ يَشِحَّ رَبُّ كَفَنٍ غُصِبَهُ، أَوْ قَبْرٍ بِمِلْكِهِ أَوْ نُسِيَ مَعَهُ مَالٌ، وإِنْ كَانَ بِمَا يَمْلِكُ فِيهِ الدَّفْنَ بُقِّيَ وعَلَيْهِمْ قِيمَتُهُ، وأَقَلُّهُ مَا مَنَعَ رَائِحَتَهُ، وحَرَسَهُ، وبُقِرَ عَنْ مَالٍ كَثُرَ، ولَوْ بِشَاهِدٍ ويَمِينٍ، لا عَنْ جَنِينٍ، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً عَلَى الْبَقْرِ إِنْ رُجِيَ، وإِنْ قُدِرَ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ مَحَلِّهِ فُعِلَ، والنَّصُّ عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِهِ لِمُضْطَرٍّ، وصُحِّحَ أَكْلُهُ [أَيْضاً] (¬2). قوله: (ولَوْ تَحَرَّكَ أَوْ عَطَسَ، أَوْ بَالَ، أَوْ رَضَعَ) فِي " التوضيح ": المشهور عن مالك أنه إِذَا تحرّك أو عطس أو رضع لا يحكم له بالحياة. ابن حبيب: ولو أقام يتنفس يوماً، ويفتح عينيه ما لَمْ يسمع له صوت، وفيه نظر، وأشكل من ذلك قول يحيي بن عمر: إِذَا قام عشرين يوماً [20 / أ] أو أكثر، ولَمْ يصرخ ثم مات فلا يغسّل ولا يصلى عَلَيْهِ؛ لأن الميت يتغير فِي أقل من ذلك، ويسير الحركة لا يعتبر اتفاقاً، وكثير الرضاع يعتبر اتفاقاً. وقطع المازري بأن الرضاع لا يكون إلاّ من حيّ، وأنكره غيره. ابن الماجشون: والبول لا يدل عَلَى حياة؛ لاحتمال أن يكون من استرخاء. انتهى. وقال ابن عبد السلام: ينبغي أن لا يلحق العطاس (¬3) بالرضاع اليسير؛ لأن العطاس يرجع إِلَى حركة، وهو خروج هواء محتقن. والرضاع وإن قلّ معه ضربٌ من التمييز، وذلك مستلزم قطعاً للحياة، وكذا قبل ابن عرفة قول المازري، وإلغاء الرضاع تشكيك فِي الضروريات، وقطع بأن البول لغو، وزاد عن اللخمي وعبد الحقّ عن عبد الوهّاب: أن طول المكث كالاستهلال: خلاف ما حكى ابن حارث عن يحيي ابن عمر. ¬
ودُفِنَتْ مُشْرِكَةٌ حَمَلَتْ مِنْ مُسْلِمٍ بِمَقْبَرَتِهِمْ، ولا تَسْتَقْبِلُ قِبْلَتَنَا ولا قِبْلَتَهُمْ، ورُمِيَ مَيِّتُ الْبَحْرِ بِهِ مُكَفَّناً إِنْ لَمْ يُرْجَ الْبَرُّ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ، ولا يُعَذَّبُ بِبُكَاءٍ لَمْ يُوصِ بِهِ، ولا يُتْرَكُ مُسْلِمٍ لِوَلِيِّهِ الْكَافِرِ، ولا يُغَسِّلُ مُسْلِمٌ أَباً كَافِراً ولا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ إِلا أَنْ يَضِيعَ فَلْيُوَارِهِ، والصَّلاةُ أَحَبُّ مِنَ النَّفْلِ إِذَا قَامَ بِهَا الْغَيْرُ إِنْ كَانَ كَجَارٍ أَوْ صَالِحاً. قوله: (ودُفِنَتْ مُشْرِكَةٌ حَمَلَتْ مِنْ مُسْلِمٍ بِمَقْبَرَتِهِمْ) مراده بالمشركة: الكافرة. سواءً كانت مباحة الوطء، وهي الكتابية، أو كانت غير مباحة الوطء، كالوثنية إِذَا أسلم واطئها بعدما أحبلها، فلو قال: كافرة لحرر العبارة. قال ابن عرفة: ونقل ابن غلاب (¬1) عن المذهب: تدفن بطرف مقبرة المسلمين، وهْمٌ. انتهى. فإن قلت: إنما يلي دفنها أهل دينها بمقبرتهم، كما صرّح به فِي " النوادر " (¬2) وغيرها فما فائدة قول المصنف: (ولا تستقبل قبلتنا ولا قبلتهم)؟ وإنما وقع هذا فِي " المدوّنة " عن ربيعة فِي المسلم يواري أباه الكافر (¬3). قلت: كأنه احترز به من قول بعض العلماء: يجعل ظهرها إِلَى القبلة؛ لأن وجه الجنين إِلَى ظهرها، عَلَى أن فِي التعبير (¬4) عن هذا المقصد بهذه العبارة بعد. والله تعالى أعلم. ¬
باب في الزكاة
[باب فِي الزكاة] تَجِبُ زَكَاةُ نِصَابِ النَّعَمِ بِمِلْكٍ، وحَوْلٍ، كَمُلا، وإِنْ مَعْلُوفَةً وعَامِلَةً ونِتَاجاً لا مِنْهَا ومِنَ الْوَحْشِ، وضُمَّتِ الْفَائِدَةُ لَهُ، وإِنْ قَبْلَ حَوْلِهِ بِيَوْمٍ لا لأَقَلَّ. [الإِبِلُ] (¬1) فِي كُلِّ خَمْسٍ ضَائِنَةٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ جُلَّ غَنَمِ الْبَلَدِ الْمَعْزُ، وإِنْ خَالَفَتْهُ، والأَصَحُّ إِجْزَاءُ بَعِيرٍ إِلَى خَمْسٍ وعِشْرِينَ، فَبِنْتُ مُخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ سَلِيمَةٌ فَابْنُ لَبُونٍ، وفِي سِتٍّ وثَلاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وسِتٍّ وأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ وإحدى وسِتِّينَ جَذَعَةً وسِتٍّ وسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وإحدى وتِسْعِينَ حِقَّتَانِ، ومِائَةٍ وإحدى وعِشْرِينَ إِلَى تِسْعٍ [وَعِشْرِينَ] (¬2) حِقَّتَانِ، أَوْ ثَلاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ الْخِيَارُ لِلسَّاعِي، وتَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِداً ثُمَّ كُلِّ عَشْرٍ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وبِنْتُ الْمَخَاضِ الْمُوَفِّيَةُ سَنَةً، ثُمَّ كَذَلِكَ [زَكَاةُ] (¬3) الْبَقَرِ، فِي كُلِّ ثَلاثِينَ تَبِيعٌ ذُو سَنَتَيْنِ، وفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ ذَاتُ ثَلاثٍ، ومِائَةٍ وعِشْرِينَ كَمِائَتَيِ الإِبِلْ. [زَكَاةُ] (¬4) الْغَنَمِ، فِي أَرْبَعِينَ شَاةً جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ ذُو سَنَةٍ ولَوْ مَعْزاً، وفِي مِائَةٍ وإحدى وعِشْرِينَ شَاتَانِ وفِي مِائَتَيْنِ وشَاةٍ ثَلاثٌ، وفِي أَرْبَعْمِائَةٍ، أَرْبَعٌ، ثُمَّ لِكُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، ولَزِمَ الْوَسَطُ، ولَوِ انْفَرَدَ الْخِيَارُ أَوِ الشِّرَارُ، إِلا أَنْ يَرَى [15 / ب] السَّاعِي أَخْذَ الْمَعِيبَةِ لا الصَّغِيرَةِ وضُمَّ بُخْتٌ لِعِرَابٍ وجَامُوسٌ لِبَقَرٍ، وضَأْنٌ لِمَعْزٍ، وخُيِّرَ السَّاعِي إِنْ وجبتْ وَاحِدَةٌ وتَسَاوَيَا، وإِلا فَمِنَ الأَكْثَرِ، وثِنْتَانِ مِنْ كُلٍّ إِنْ تَسَاوَيَا أَوِ الأَقَلُّ نِصَابٌ غَيْرُ وَقْصٍ، وإِلا فَالأَكْثَرُ وثَلاثٌ وتَسَاوَيَا فَمِنْهُمَا، وخُيِّرَ فِي الثَّالِثَةِ، وإِلا فَكَذَلِكَ، واعْتُبِرَ فِي الرَّابِعَةِ فَأَكْثَرَ كُلُّ مِائَةٍ، وفِي أَرْبَعِينَ جَامُوساً وعِشْرِينَ بَقَرَةً مِنْهُمَا، ومَنْ هَرَبَ بِإِبْدَالِ مَاشِيَةٍ، أُخِذَ بِزَكَاتِهَا ولَوْ قَبْلَ الْحَوْلِ عَلَى الأَرْجَحِ، وبَنَى فِي رَاجِعَةٍ بِعَيْبٍ أَوْ فَلَسٍ كَمُبْدِلِ مَاشِيَةِ تِجَارَةٍ، وإِنْ دُونَ نِصَابٍ بِعَيْنٍ، أَوْ نَوْعِهَا، ولَوْ لاسْتِهْلاكٍ كَنِصَابِ قِنْيَةٍ، لا بِمُخَالِفِهَا، أَوْ رَاجِعَةٍ بِإِقَالَةٍ، أَوْ عَيْناً بِمَاشِيَةٍ. قوله: (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ سَلِيمَةٌ فَابْنُ لَبُونٍ) احترز بالسليمة من المعيبة. ¬
وخُلَطَاءُ الْمَاشِيَةِ كَمَالِكٍ، فِيمَا وَجَبَ مِنْ قَدْرٍ وسِنٍّ وصِنْفٍ، إِنْ نُوِيَتْ، وكُلٌّ حُرٌّ مُسْلِمٌ مَلَكَ نِصَاباً بِحَوْلٍ. قوله: (مِنْ قَدْرٍ وسِنٍّ وصِنْفٍ) من أمثلته مسألة " المدوّنة ": إذ كان لأحدهما خمس عشرة ومائة من الإبل، وللآخر خمس، فأخذ منها الساعي حقتين ترادّا قيمتهما عَلَى أربعة وعشرين جزءاً، عَلَى صاحب الخمس جزء، وهو ربع السدس، وما بقي فعلى الآخر، ولولا الخلطة لأخرج صاحب الخمس شاة (¬1). واجْتَمَعَا بِمِلْكٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ فِي الأَكْثَرِ، مِنْ مُرَاحٍ، ومَاءٍ، ومَبِيتٍ، ورَاعٍ بِإِذْنِهِمَا، وفَحْلٍ بِرِفْقٍ، ورَاجَعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ شَرِيكَهُ بِنِسْبَةِ عَدَدَيْهِمَا، ولَوِ انْفَرَدَ وَقَصٌ (¬2) لأَحَدِهِمَا فِي الْقِيمَةِ كَتَأَوُّلِ السَّاعِي الأَخْذَ مِنْ نِصَابٍ لَهُمَا، أَوْ لأَحَدِهِمَا، وزَادَ لِلْخُلْطَةِ، لا غَصْباً، أَوْ لَمْ يَكْمُلْ لَهُمَا نِصَابٌ، وذُو ثَمَانِينَ خَالَطَ بِنِصْفَيْهِمَا ذَوِي ثَمَانِينَ، أَوْ بِنِصْفٍ فَقَطْ ذَا أَرْبَعِينَ كَالْخَلِيطِ الْوَاحِدِ عَلَيْهِ شَاةٌ، وعَلَى غَيْرِهِ نِصْفٌ بِالْقِيمَةِ. قوله: (بِمِلْكٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ) راجع للماء وأخواته، [لا] (¬3) للماشية كما توهّم بعضهم. وخَرَجَ السَّاعِي، ولَوْ بِجَدْبٍ طُلُوعَ الثُّرَيَّا بِالْفَجْرِ، وهُوَ شَرْطُ وَجُوبٍ، إِنْ كَانَ، وبَلَغَ وقَبْلَهُ يَسْتَقْبِلُ الْوَارِثُ، ولا تُبْدَأُ إِنْ أَوْصَى بِهَا ولا تُجْزِئُ كَمُرُورِهِ بِهَا نَاقِصَةً، ثُمَّ رَجَعَ وقَدْ كَمُلَتْ، فَإِنْ تَخَلَّفَ وأُخْرِجَتْ أَجْزَأَ عَلَى الْمُخْتَارِ، وإِلا عَمِلَ عَلَى الزَّيْدِ والنَّقْصِ لِلْمَاضِي بِتَقْدِمَةِ الْعَامِ الأَوَّلِ، إِلا أَنْ يُنَقَّصَ الأَخْذُ النِّصَابَ أَوِ الصِّفَةَ فَيُعْتَبَرُ كَتَخَلُّفِهِ عَنْ أَقَلَّ فَكَمُلَ، وصُدِّقَ، لا إِنْ نَقَصَتْ هَارِباً، وإِنْ زَادَتْ لَهُ فَلِكُلٍّ مَا فِيهِ بِتَبْدِئَةِ الأَوَّلِ، وهَلْ يُصَدَّقُ قَوْلانِ، وإِنْ سَأَلَ فَنَقَصَتْ أَوْ زَادَتْ، فَالْمَوْجُودُ إِنْ لَمْ يُصَدِّقْ، أَوْ صَدَّقَ ونَقَصَتْ، وفِي الزَّيْدِ تَرَدُّدٌ، وأُخِذَ الْخَوَارِجُ بِالْمَاضِي، إِلا أَنْ يَزْعُمُوا الأَدَاءَ، إِلا أَنْ يَخْرُجُوا لِمَنْعِهَا. قوله: (وخَرَجَ السَّاعِي، ولَوْ بِجَدْبٍ طُلُوعَ الثُّرَيَّا بِالْفَجْرِ) كذا فِي " المدوّنة " (¬4)، وتعقبه ابن عبد السلام بأنه ملزوم لإسقاط عام بعد نحو ثلاثين سنة. قال: والصواب البعث أوّل ¬
زكاة الحرث
المحرّم؛ لأن الأحكام (¬1) إنما هي متعلقة بالعام القمري لا الشمسي. ابن عرفة: يردّ (¬2) بأن البعث حينئذ لمصلحة الفريقين؛ لاجتماع الناس بالمياه، [لا أنه] (¬3) حول لكلّ الناس (¬4)، بل كل عَلَى حوله القمري، فاللازم فيمن بلغت أحواله من الشمسية ما تزيد عَلَيْهِ القمرية حولاً كونه فِي العام الزائد، كمن تخلف (¬5) ساعيه لا (¬6) سقوطه. انتهى. وفي " التوضيح ": علّق مالك الحكم هنا بالسنين الشمسية خلافاً للشافعي (¬7)، وإن كان يؤدي إِلَى إسقاط سنة فِي نحو ثلاثين سنة؛ لما فِي ذلك من المصلحة العامّة. [زكاة الحرث] وفِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ، وإِنْ بِأَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ، أَلْفٌ وسِتُّمِائَةِ رَطْلٍ مِائَةٌ وثَمَانِيَةٌ وعِشْرُونَ دِرْهَماً مَكِّيَّاً، كُلٌّ خَمْسُونَ وخُمُسَا حَبَّةٍ، مُنْ مُطْلَقِ الشَّعِيرِ. قوله: (أَلْفٌ وسِتُّمِائَةِ رَطْلٍ) مبني عَلَى أن وزن المد رطل وثلث، وهو المشهور، قيل: بالماء وقيل: بالوسط من البّر، قاله ابن رشد فِي " أجوبته "، وفِي سماع أشهب من كتاب زكاة الحبوب، ومثله لابن عبد البر (¬8). مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ فَقَطْ. قوله: (مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ فَقَطْ) كأنه أدرج الزبيب فِي التمر فإنهما متفق عليهما، قال ابن عرفة: وفِي غيرهما ثالثها تجب فِي التين فقط. انتهى، وأما الزيتون فمن ذوات الزيوت التي ذكرها بعد. ¬
مُنَقًّى. قوله: (مُنَقًّى) أي: مخلّص من تبنه وصوانه. يريد إلا (¬1) قشر ما يختزن بقشره من علس (¬2) أو أرز، يدلّ عَلَيْهِ ما يأتي. مُقَدَّرَ الْجَفَافِ، وإِنْ لَمْ يَجِفَّ، نِصْفُ [16 / أ] عُشْرِهِ. قوله: ([مُقَدَّرَ الْجَفَافِ] (¬3)) ابن عرفة: النصاب من عنب بلدنا ستة وثلاثون قنطاراً تونسياً؛ لأنها يابسة اثنا عشر، وهي خمسة أوسق. انتهى. قلت: ونحوه حفظت في (¬4) عنب لمطة عن شيخنا الحافظ أبي عبد الله القوري، عن الشيخ أبي القاسم التازغدري: [20 / ب] أن نصابه ستة وثلاثون قنطاراً فاسياً. ابن عرفة: وفِي كون المعتبر من الزيتون كيله يوم جداده، أو بعد تناهي جفافه، قَوْلانِ الأول: نص اللخمي عن المذهب. والثاني: لابن يونس عن السليمانية. كَزَيْتِ مَا لَهُ زَيْتٌ وثَمَنِ غَيْرِ ذِي الزَّيْتِ ومَا لا يَجِفُّ. قوله: (كَزَيْتِ مَا لَهُ زَيْتٌ) هو نصّ " المدوّنة " وخلاف قوله فِي الرسالة: " فإن باع ذلك أجزأه أن يخرج من ثمنه إن شاء الله ". (¬5) وعَلَى الخلاف فهمه ابن عرفة. وَفُولٍ أَخْضَرَ إِنْ سُقِيَ بِآلَةٍ وإِلا فَالْعُشْرُ ولَوِ اشْتُرِيَ السَّيْحُ أَوْ أُنْفِقَ عَلَيْهِ، وإِنْ سُقِيَ بِهِمَا فَعَلَى حُكْمِهِمَا، وهَلْ يُغَلَّبُ الأَكْثَرُ خِلافٌ. قوله: (وَفُولٍ أَخْضَرَ) أي: فإِذَا باعه جاز له إخراج زكاته من ثمنه وهو قول مالك فِي " الموازية "، خلاف ما فِي رسم يسلف (¬6) من سماع ابن القاسم من كتاب زكاة الحبوب، ¬
من أنه إنّما يخرج مثله يابساً بالتحري، كبيع الحائط إِذَا أزهى. قال ابن رشد: والفرق بينهما عَلَى ما فِي " الموازية " أن تمر (¬1) النخل والكرم إنّما يشتريه المشتري ليبسه، فهو ينقص من ثمنه لذلك، بخلاف الفول فإِذَا أعطى المساكين من ثمنه فلم يبخسهم شيئاً. (¬2) انتهى. فانظر عَلَى هذا أعناب لمطة، فإن الغالب فِيهَا أنها لا تشترى للتيبيس، وقد نقل اللخمي عن مالك فِي " الموازية ": أنّ من باع عنبه كلّ يوم وجهل خرصه فإنه يخرج من ثمنه، وهو خلاف ظاهر " المدوّنة "، وأمّا ما لا يصلح للتيبيس كعنب فاس ومكناسة إِذَا بلغ نصاباً، أو أضيف لما يكمّل النصاب فقد اندرج فِي قوله: (وما لا يجف). وتضَمُّ الْقَطَانِي كَقَمْحٍ، وشَعِيرٍ وسُلْتٍ، وإِنْ بِبُلْدَانِ، إِنْ زُرِعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ حَصَادِ الآخَرِ. قوله: (وتضَمُّ الْقَطَانِي) زاد فِي البيوع: ومنها كرسنة، وقال ابن عرفة فِي سماع القرينين (¬3): إنها من القطاني. ولابن رشد عن ابن حبيب هي جنس. وفِي " المبسوطة " عن ابن وهب ويحيي بن يحيي: لا زكاة فِيهَا، وصوّبه ابن زرقون وابن رشد؛ لأنها علف، وقال ابن الجلاب وأبو محمد فِي " المختصر ": لا زكاة فِي الحلبة (¬4). تنبيهان: الأول: ذكر ابن الجلاب فِي القطاني البسيلة. قال الباجي: وهي الكرسنة، ولَمْ ينكره ابن عرفة. وفِي " التوضيح " إنكاره بأن البسيلة متفق عَلَيْهَا، وقد اختلف فِي الكرسنة، وقال ابن جماعة فِي " مختصره ": البسيلة هي البسيم (¬5)، وقيّدنا عن بعض شيوخنا أنّ هذا النوع المسمى بالبسيلة والبسيم هو المسمى عندنا بكرفالة. ¬
الثاني: ذكر ابن الجلاب أَيْضاً الماش (¬1). ابن عرفة: قال أبو عمر فِي " الكافي ": هو حبّ الفجل، وعطف ابن الجلاب (¬2) عَلَيْهِ [حبّ] (¬3) الفجل، يأباه، وقال بعضهم: هو الجلبان الأخضر المعروف عندنا بتونس بالبسيم، وقال الجوهري: الماش حبّ وهو معرب أو مولّد، ولَمْ يذكره ابن السيّدة، وقال الرازي الطبيب عن ابن جناح (¬4): هو حب أصغر من اللوبيا له عين كعينها، رأيته بقرطبة جلب لها من المشرق، وعن غير ابن جناح (¬5) هو حب مدور شبه العدس. فَيُضَمُّ الْوَسَطُ لَهُمَا، لا أَوَّلٌ لِثَالِثٍ. قوله: (فَيُضَمُّ الْوَسَطُ لَهُمَا) أي: عَلَى البدلية لا عَلَى المعية؛ ولهذا زاد بعده: (لا أَوَّلٌ لِثَالِثٍ)، ولعلّ هذه الزيادة لَمْ تثبت عند من حمل كلام المصنف عَلَى المعية، وأقرب ضابط فِي الباب قول ابن شاس: إن كان الزرع فِي ثلاثة أزمنة، فإن زرع الثالث قبل حصاد الأول ضمّ الكلّ بعضه إِلَى بعض، وإن زرعه بعد حصاده وقبل حصاد الثاني وجبت الزكاة، إن كانت إضافة كل واحد من الطرفين منفرداً إِلَى الوسط تكمل النصاب، ولَمْ تجب إن كان لا يجتمع من مجموعهما معه نصاب. وفي الوجوب إِذَا كمل النصاب من اجتماع الوسط مَعَ الطرفين جميعاً ولَمْ يكمل بضم أحدهما منفرداً إِلَى الوسط خلاف، وقد أجراه الشيخ أبو الطاهر عَلَى الخلاف فِي خليطي شخص واحد هل يعدّان خليطين أم لا؟. انتهى. وقد استوعب ابن عرفة طرف المسألة فعليك به. ¬
لا الْكَتَّانِ، لا لِعَلَسٍ ودُخْنٍ وذُرَةٍ وأُرْزٍ. وهِيَ أَجْنَاسٌ والسِّمْسِمُ، وبِزْرُ الْفُجْلِ، والْقُرْطُمُ كَالزَّيْتُونِ. قوله: (لا الْكَتَّانِ) كذا فِي سماع ابن القاسم: أن لا زكاة فِي بزر الكتان. قال ابن رشد ولأصبغ فِي " الموازية " أن الزكاة فيه (¬1). فروع: الأول: ألحق اللخمي بذوات الزيوت بزر السلجم (¬2) بمصر، والجوز بخراسان لاتخاذ زيتهما للأكل. الثاني: قال ابن عرفة: المعروف ألا زكاة فِي العسل، وذكر ابن حارث عن ابن وهب وجوبها فيه، فنَقْل القرافي عن سند: لم يختلف المذهب فِي سقوطها فِي العسل (¬3)؛ قصور. الثالث: قال اللخمي فيما يجنى من الجبال وغيرها من زيتون وعنب مما لا مالك له لا زكاة فيه أول مرة، فإن قام عَلَيْهِ وخدمه وأحياه زكّا ما يجنى بعد ذلك؛ [لتملّكه] (¬4) بالإحياء. وَحُسِبَ قِشْرُ الأُرْزِ والْعَلَسِ، ومَا تَصَدَّقَ بِهِ، واسْتَأْجَرَ قَتَّاً، لا أَكْلُ دَابَّةٍ فِي دَرْسِهَا، والْوُجُوبُ بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ، وطِيبِ الثَّمَرِ، فَلا شَيْءَ عَلَى وَارِثٍ قَبْلَهُمَا لَمْ يَصِرْ لَهُ نِصَابٌ والزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ بَعْدَهُمَا. قوله: (وَحُسِبَ قِشْرُ الأُرْزِ والْعَلَسِ (¬5)) أشار به لقول القرافي: العلس يختزن فِي قشره كالأرز فلا يزاد فِي النصاب لأجل قشره، [21 / أ] وكذلك الأرز قياساً عَلَى نوى التمر، وقشر الفول والأسفل خلافاً للشافعية. انتهى (¬6). وقول من قال أي: يحسبان ليسقطا (¬7) غير صحيح. ¬
إِلا أَنْ يُعْدِمَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي، والنَّفَقَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنُ بِجُزْءٍ، لا الْمَسَاكِينِ، أَوْ بِكَيْلٍ فَعَلَى الْمَيِّتِ، وإِنَّمَا يُخَرَّصُ التَّمْرُ والْعِنَبُ إِذَا حَلَّ بَيْعُهُمَا. قوله: (إِلا أَنْ يُعْدِمَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي) يريد إن وجد عنده الساعي الطعام بعينه ثم يرجع المشتري عَلَى البائع بقدر ذلك من الثمن كما فِي " المدوّنة " (¬1)، إلاّ أن أبا إسحاق التونسي لما علله قال: الأشبه عَلَى هذا أن يضمن المشتري الطعام إِذَا أكله، فانظره. واخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِمَا نَخْلَةً نَخْلَةً، بِإِسْقَاطِ نَقْصِهَا لا سَقَطِهَا وكَفَى الْوَاحِدُ وإِنِ اخْتَلَفُوا، فَالأَعْرَفُ، وإِلا فَمِنْ كُلٍّ جُزْءٌ. قوله: (واخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِمَا) ليس بشرط؛ فلو قال لحاجة أهلهما لكان أصوب. وإِنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اعْتُبِرَتْ. قوله: (وإِنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اعْتُبِرَتْ) ابن عرفة: روى أشهب فِي " المجموعة ": إن فسد كرمه بعد خرصه فلا شئ عَلَيْهِ. ابن القاسم: ولو بقي منه دون نصاب. وعَلَى قول ابن الجهم: يزكّي ما بقى. الباجي: ويُصدّق فِي الجائحة، أبو عمر ما لَمْ يبين كذبه، وإن اتهم أحلف: ابن القاسم: وجائحة ما بيع إن لَمْ توجب رجوعاً ملغاة، وإلا أسقطت زكاة ما أسقطته واعتبر ما بقي. انتهى، وهذه الأخيرة فِي سماع يحيي (¬2). وَإِنْ زَادَتْ عَلَى تَخْرِيصِ عَارِفٍ فَالأَحَبُّ الإِخْرَاجُ، وهَلْ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوِ الْوُجُوبِ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وإِنْ زَادَتْ عَلَى تَخْرِيصِ عَارِفٍ فَالأَحَبُّ الإِخْرَاجُ) سكت عن النقص كابن يونس، ¬
فإنه ما ذكر الخلاف إلّا إذ وجد أكثر مما خرص عَلَيْهِ، وذكر ابن الجلاب الخلاف فِي الزيادة ثم قال: فإن نقص الخرص لَمْ تنقص (¬1) الزكاة (¬2)، ومقتضى قوله فِي " الجواهر " وقيل: يلزمه إخراج الزكاة، ولا يصدّق فِي النقص (¬3) - أن الخلاف جار فيهما، واعتمده ابن الحاجب فقال: ولو تبين خطأ العارف ففي الرجوع إِلَى ما تبين قَوْلانِ (¬4). وأما قوله: والمشهور أنهم إِذَا تركوه فالمعتبر ما وجد. فقال ابن عرفة: لا أعرفة ونحوه فِي " التوضيح "، ولهما مزيد كلام فِي المسألة. وَأُخِذَ مِنَ الْحَبِّ كَيْفَ كَانَ. قوله: (وَأُخِذَ مِنَ الْحَبِّ كَيْفَ كَانَ) كذا قال ابن الحاجب: ويؤخذ من الحب كيف كان اتفاقاً (¬5). قال فِي " التوضيح " يعني كيف كان طيباً كله أو رديئاً كله أو بعضه طيباً وبعضه رديئاً. قال وفِي الاتفاق نظر؛ لقول ابن الجلاب: وتؤخذ الزكاة من وسط الثمار والحبوب المضموم بعضها إِلَى بعض، ولا يؤخذ من أعالي ذلك ولا من أدانيه (¬6)، نعم نصّ اللخمي وابن شاس عَلَى ما قاله. انتهى، ولَمْ يزد ابن عرفة عَلَى أن قال: ويؤخذ من الحبّ كيف كان وإن اختلفت أنواعه فمن كلٍ بقدره. كَالتَّمْرِ نَوْعاً أَوْ نَوْعَيْنِ، وإِلا فَمِنْ أَوْسَطِهَا. قوله: (كَالتَّمْرِ نَوْعاً أَوْ نَوْعَيْنِ، وإِلا فَمِنْ أَوْسَطِهَا) من الواضح أن هذا التفصيل قاصر عَلَى التمر دون الحبّ الذي قال فيه: (كَيْفَ كَانَ)؛ ولذلك عدل عن النسق للتشبيه عَلَى غالب اصطلاحه كما بيّنا فِي صدر الكتاب، فحَمْلُ كلامه عَلَى ما فهم فِي " التوضيح " عن ابن الجلاب لا يصحّ، والضمير من قوله: (أَوْسَطِهَا) يعود عَلَى الأنواع بدلالة السياق، ¬
ثم ظاهر كلامه أنّ التمر إِذَا كان نوعاً واحداً أخذ منه كيف كان جيّداً أو رديئاً أو وسطاً، وإن كانا نوعين أخذ منهما كيف كانا، وإن لَمْ يكن نوعاً ولا نوعين بل كان أنواعاً أخذ من أوسطها، ولَمْ أر هذا التفصيل عَلَى هذا الوجه لأحد، وإنما المساعد للنقول قول ابن الحاجب: وفِي الثمار، ثالثها المشهور إن كانت مختلفة فمن الوسط، وإن كان واحداً فمنه (¬1). وهذا الثالث مذهب الكتاب إلاّ أنه قيّده فِي " التوضيح " فقال: وهذا [إِذَا كانت] (¬2) الأنواع متساوية، وإن كان أحدهما أكثر كثرة ظاهره فقال عيسى بن دينار: يؤخذ منه. قال فِي " الجواهر ": ولأشهب: أنه يؤخذ من كلّ واحد قسطه (¬3). واعلم أنه فِي " المدوّنة " إنما ذكر أنه يؤخذ من الوسط مَعَ الاختلاف فِي الثلاثة الأنواع (¬4)، وأما إن اختلف النوع عَلَى صنفين فقال فِي " الجواهر ": أخذ من كلّ [صنفٍ] (¬5) بقسطه، ولا ينظر إِلَى الأكثر، وقال عيسى: إن كان فِيهَا أكثر أخذ منه. انتهى. فإن كان يحوم فِي " مختصره " عَلَى ما فهم فِي " توضيحه " عن " الجواهر " فعبارته غير وافية به. وبالجملة فكلامه فِي الكتابين مفتقر إِلَى فضل تأمل فانظره. تنبيهان: الأول: قال أبو إسحاق التونسي النظار: لعلّ ابن القاسم أراد أنه متى أخذ من كلّ صنف من التمر ما ينوبه شقّ ذلك لاختلاط (¬6) ما فِي الحائط فأخذ من الوسط ولو كان لا مشقّة فِي ذلك لا نبغي أن يأخذ من كلّ صنف بقدره. انتهى فإن لاحظ المصنف هذا فالحقّ النوعين بالنوع لخفتهما، فلفظه يقبله؛ ولكنه خلاف ظاهر إطلاقاتهم. ¬
زكاة النقود
الثاني: عند اللخمي أن الزبيب كالحبّ، وعند ابن بشير أنه كالتمر فقبلهما ابن عرفة معاً، ويدل عَلَى الأول رواية ابن نافع: أما الزرع والزبيب فمنه، وقاله عبد الملك (¬1) كذا نقل ابن يونس (¬2) وغيره. [زكاة النقود] وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ عِشْرِينَ دِينَاراً فَأَكْثَرَ، ومُجْتَمِعٍ مِنْهُمَا بِالْجُزْءِ رُبْعُ الْعُشْرِ، وإِنْ لِطِفْلٍ، أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ نَقَصَتْ، أَوْ بِرَدَاءَةِ أَصْلٍ، أَوْ إِضَافَةٍ. قوله: (وفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ عِشْرِينَ دِينَاراً) هذا الدرهم هو المسمى درهم الكيل؛ لأنه تقدّر به مكاييل الشرع من أوقية ورطل [21 / ب] ومدّ وصاع، حكاه ابن راشد القفصي عن بعضهم، وقد ذكر المصنّف قدره قبل هذا إذ قال: " كلّ درهم خمسون وخمساً حبّة من مطلق [الشعير] (¬3)، ومنه يعلم أن الدينار اثنتان وسبعون حبّة، إذ الدينار مثل الدرهم، وثلاثة أسباع مثله، والدرهم سبعة أعشار الدينار؛ فإن الدرهم من وزن سبعة كما فِي " الرسالة " (¬4). قال ابن عرفة: وقول العزفي: قول ابن حزم: " وزن الدرهم الشرعي سبعٌ وخمسون حبّة وستة أعشار وعشر العشر، ووزن الدينار اثنتان وثمانون حبّة وثلاثة أعشار حبّة " (¬5)، خلاف الإجماع - صواب، واتباع عبد الحقّ يعني: الأزدي صاحب " الأحكام "، وابن شاس وابن الحاجب له وهم (¬6)، ومعرفة نصاب كلّ درهم أو دينار غيرهما، يقسّم مسطح عدد النصاب المعلوم وحبّات درهمه أو ديناره عَلَى حبّات المجهول نصابه والخارج النصاب. انتهى. ¬
قلت: فالدرهم الجاري الآن بمدينة فاس، وعملها الذي هو من ضرب ثمانين فِي الأوقية، من الأواقي الفضة الجارية بها، وزنه سبع حبّات من الشعير الوسط وهو نصف سدس مثقال الذهب الجاري بها، فالمثقال إِذاً أربع وثمانون حبّه، فإِذَا أخذ المسطّح القائم من ضرب نصاب الفضة المعلوم فِي حبّاتٍ درهمه، وهو عشرة الألف وثمانون فقسّم عَلَى حبات الدرهم، وهي سبع، كان الخارج ألفاً وأربع مائة وأربعين، وهي مبلغ النصاب بالدرهم الثمانيني المذكور، فإِذَا قسّم عَلَى الثمانين كان الخارج ثماني عشرة أوقية فضية فاسية، فهو النصاب بهذه الأواقي. وإِذَا أخذ المسطّح القائم من ضرب نصاب الذهب المعلوم فِي حبوب ديناره، وذلك ألف وأربع مائة وأربعين فقسّم عَلَى حبوب المثقال الفاسي، وهي أربع وثمانون، كان الخارج سبعة عشر مثقالاً وسُبع المثقال، وهو نصاب الذهب بالمثاقيل الفاسية. وكذا أخذنا هذا كلّه عن شيخنا الفقيه الحافظ الحجّة أبي عبد الله القوري، ثم امتحناه فوجدناه صحيحاً. وبالله سبحانه أستعين. ورَاجَتْ (¬1) كَكَامِلَةٍ، وإِلا حُسِبَ الْخَالِصُ إِنْ تَمَّ الْمِلْكُ، وحَوْلُ غَيْرِ الْمَعْدِنِ، وتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِهِ فِي مُودَعَةٍ ومُتَّجَرٍ فِيهَا بِأَجْرٍ لا مَغْصُوبَةٍ، ومَدْفُونَةٍ، وضَائِعَةٍ، ومَدْفُوعَةٍ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ بِلا ضَمَانٍ. قوله: (ورَاجَتْ كَكَامِلَةٍ) أي: وجازت كجواز الكاملة. الجوهري: " راج الشئ يروج (¬2) نفق " انتهى، ومنه قول الحريري: بلدَةٌ يوجَدُ فِيهَا ... كُلُّ شئ ويَروجُ وأطلق الكاملة عَلَى الوازنة الخالصة من الغش، فهو شرط فِي الناقصة وزناً والمضافة لا فِي الرديئة من أصل المعدن، إذ لا يشترط مسواتها فِي النفاق للجيدة الأصل، وهذا من الإجمال الذي يفرقه ذهن السامع كما أن قوله: (وإِلا حُسِبَ الْخَالِصُ) قاصر عَلَى المضافة. ¬
ولا زَكَاةَ فِي عَيْنٍ فَقَطْ وُرِثَتْ، إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ لَمْ تُوْقَفْ إِلا بَعْدَ حَوْلٍ بَعْدَ قَسْمِهَا أَوْ قَبْضِهَا، ولا مُوصًى بِتَفْرِقَتِهَا. قوله: (إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ لَمْ تُوْقَفْ) مفهومه مخالف للمدونة إذ قال: فِيهَا: وإِذَا باع القاضي داراً لقوم ورثوها، وأوقف الثمن حتى يقسم بينهم، ثم قبضوه بعد أعوام فلا زكاة عليهم فيه إلاّ بعد حولٍ من يوم قبضوه (¬1). اللخمي: أسقط الزكاة لمّا كانوا مغلوبين عَلَى تنمية ذلك المال، وإن كانوا عالمين به، وكان موقوفاً بإيقاف القاضي، ثم قال فِيهَا: وكذلك من ورث مالاً بمكانٍ بعيد فقبضه بعد سنين فلستقبل به حولاً بعد قبضه، وإن بعث فِي طلبه رسولاً بإجارة أو بغير إجارة فليحسب له حولاً من يوم قبضه رسوله، فيزكّيه، وإن كان لَمْ يصل إليه بعد (¬2). ابن عرفة: فقوله فِيهَا: إن قبضه رسوله بعد أعوام فحوله من يوم قبضه يدل عَلَى إلغاء علمه به. انتهى. فقول صاحب " الشامل (¬3) ": ولو أقام أعواماً، أو علم به، أو وقف له عَلَى المشهور؛ أحسن من عبارة المصنّف. ولا مَالِ رَقِيقٍ ومَدِينٍ، وسَكَّةٍ، وصِيَاغَةٍ، وجودةٍ، وحُلِّيَ وإِنْ تَكَسَّرَ إِنْ لَمْ يَتَهَشَّمْ، ولَمْ يَنْوِ عَدَمَ إِصْلاحِهِ، أَوْ كَانَ لِرَجُلٍ، أَوْ كِرَاءٍ إِلا مُحَرَّماً، أَوْ مُعَدًّى لِعَاقِبَةٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ مَنْوِيَّاً بِهِ التِّجَارَةُ، وإِنْ رُصِّعَ بِجَوْهَرٍ، وزَكَّى الزِّنَةَ، إِنْ نُزِعَ بِلا ضَرَرٍ، وإِلا تَحَرَّى،، وضُمَّ الرِّبْحُ لأَصْلِهِ كَغَلَّةِ مُكْتَرًى لِلتِّجَارَةِ ولَوْ رِبْحَ دَيْنٍ لا عِوَضَ لَهُ عِنْدَهُ. قوله: (وَسَكَّةٍ، وصِيَاغَةٍ، وجودةٍ (¬4)) أمّا السّكة والجودة والصياغة المحرّمة فملغاة باتفاق، وأمّا الصياغة الجائزة فعلى المشهور. ¬
ولِمُنْفِقٍ بَعْدَ حَوْلِهِ مَعَ أَصْلِهِ [16 / ب] وقت الشِّرَاءِ، واسْتَقْبَلَ بِفَائِدَةٍ تَجَدَّدَتْ، لا عَنْ مَالٍ كَعَطِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُزَكًّى كَثَمَنِ مُقْتَنًى. قوله: (وَلِمُنْفِقٍ بَعْدَ حَوْلِهِ مَعَ أَصْلِهِ وقت الشِّرَاءِ) أي: بعد الشراء، كما عبّر به فِي " المدوّنة " (¬1) وهو متعلّق بمنفق؛ إذ هو اسم مفعول. وتُضَمُّ نَاقِصَةٌ وإِنْ بَعْدَ تَمَامٍ لِثَانِيَةٍ أَوْ لِثَالِثَةٍ. قوله: (وتُضَمُّ نَاقِصَةٌ وإِنْ بَعْدَ تَمَامٍ) أي: وإن نقصت بعد تمام النصاب قبل حولها (¬2). إِلا بَعْدَ حَوْلِهَا كَامِلَةً فَعَلَى حَوْلِهَا. قوله: (إِلا بَعْدَ حَوْلِهَا كَامِلَةً) أي: إلّا أن تنقص بعد حولها كاملة وفِيهَا مَعَ ما بعدها نصاب كَالْكَامِلَةِ أَوَّلاً. قوله: (كَالْكَامِلَةِ أَوَّلاً) أي: كالكاملة لأوّل وهلة بقطع النظر عن غيّرها. وَإِنْ نَقَصَتَا، فَرَبِحَ فِيهِمَا أَوْ فِي إِحْدَاهُمَا تَمَامَ نِصَابٍ عِنْدَ حَوْلِ الأُولَى، أَوْ قَبْلَهُ، فَعَلَى حَوْلِهِمَا. قوله: (وإِنْ نَقَصَتَا) أي: رجعتا بعد التمام إِلَى ما لا زكاة فيه كما فِي " المدوّنة " (¬3). ¬
وَفُضَّ رِبْحُهُمَا، وبَعْدَ شَهْرٍ فَمِنْهُ، والثَّانِيَةُ عَلَى حَوْلِهَا وعِنْدَ حَوْلِ الثَّانِيَةِ. قوله: (وَفُضَّ رِبْحُهُمَا) يريد: إِذَا خلطا، فإن لَمْ يخلطا زكّى كلّ واحد بربح كما قال ابن رشد (¬1). أَوْ شَكَّ فِيهِ لأَيِّهِمَا، فَمِنْهُ. قوله: (أَوْ [شَكَّ فِيهِ لأَيِّهِمَا] (¬2)) إنما يتصور هذا والله [22 / أ] تعالى أعلم - فِي الناقصتين من أصلهما لا فِي الراجعتين للنقص بعد التمام، ففي كتاب محمد بن سحنون: من أفاد خمسة عشر ديناراً، ثم بعد ستة أشهر أفاد ثلاثة دنانير فخلط المالين، ثم أخذ من جملتهما ثلاثة دنانير فتجر فِيهَا، فربح ستة دنانير، وقسم الربح عَلَى المالين، فناب المال الأول خمسة، فصار ربحه إِلَى ما فيه الزكاة فليزكّه لحوله، والثاني لحوله إن كان هذا الربح قبل أن يضمهما حول أخرهما، ولو ضمهما حول أخرهما قبل الربح لَمْ يرجعا إِلَى حولين، ويبقى حولهما واحداً، ولو تجر فِي أحد المالين، فربح فيه ستة دنانير ثم لَمْ يدر أيهما هو، فليزكهما عَلَى حول آخرهما، ولا يفضّه بالشكّ؛ فقد يزكي الأول قبل حوله. كَبَعْدَهُ، وإِنْ حَالَ حَوْلُهَا فَأَنْفَقَهَا، ثُمَّ حَالَ حَوْلُ الثَّانِيَةِ نَاقِصَةً، فَلا زَكَاةَ، وبِالْمُتَجَدِّدِ عَنْ سِلَعِ التِّجَارَةِ بِلا بَيْعٍ كَغَلَّةِ عَبْدٍ وكِتَابَتِهِ وثَمَرَةِ مُشْتَرًى، إِلا الْمَأْبُورَةَ، والصُّوفَ التَّامَّ. وإِنِ اكْتَرَى وزَرَعَ لِلتِّجَارَةِ زَكَّى، وهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ لَهَا تَرَدُّدٌ لا إِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ، وإِنْ وجبتْ زَكَاةٌ فِي عَيْنِهَا زَكَّى، ثُمَّ زَكَّى الثَّمَنَ لِحَوْلِ التَّزْكِيَةِ. قوله: (كَبَعْدَهُ) أي: فينتقل إِلَى حين الربح. والمسألة مبسوطة فِي رسم الثمرة من سماع عيسى (¬3). ¬
زكاة الدين
[زكاة الدين] وإِنَّمَا يُزَكَّى دَيْنٌ إِنْ كَانَ أَصْلُهُ عَيْناً بِيَدِهِ، أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ وقُبِضَ عَيْناً، ولَوْ بِهِبَةٍ. أَوْ إِحَالَةٍ كَمُلَ بِنَفْسِهِ، ولَوْ تَلِفَ الْمُتِمُّ أَوْ بِفَائِدَةٍ جَمَعَهُمَا مِلْكٌ وحَوْلٌ، أَوْ بِمَعْدِنٍ عَلَى الْمَنْقُولِ لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلِهِ. قوله: (وَلَوْ بِهِبَةٍ) أي: لغير من هو عَلَيْهِ؛ (¬1) لأن قبض الموهوب كقبض الواهب، وجعله إغياءً للقبض يدل عَلَى مراده؛ فإن الموهوب للمدين لا قبض لواهب فيه أصلاً. ولَوْ فَرَّ بِتَأْخِيرِهِ. قوله: (وَلَوْ فَرَّ بِتَأْخِيرِهِ (¬2)) هذا الإغياء فِي دين المحتكر، قال ابن عرفة: ولو أخره فاراً ففِيهَا زكاة لعام واحد، وسمع أصبغ ابن القاسم: لكلٍّ عام. انتهى، [فما نسب للمدونة هو] (¬3) - والله تعالى أعلم - قوله فِيهَا: ومن له دين عَلَى ملى يقدر عَلَى أخذه منه، أو عَلَى مفلس لا يقدر عَلَى أخذه منه، فأخذه بعد أعوام؛ فإنما عَلَيْهِ زكاة عام واحد. هكذا اختصرها أبو سعيد، وليس بصريح فِي الفرار، وما نسبه لسماع أصبغ كأنه الذي أشار إليه ابن الحاجب بقوله: وعن ابن القاسم ما لَمْ يؤخر قبضه فراراً وخولف ومخالفة أصبغ راويه، ولكن راجع موضوع هذا السماع فِي الأصل وتأمله (¬4). إِنْ كَانَ عَنْ كَهِبَةٍ أَوْ أَرْشٍ. قوله: (إِنْ كَانَ عَنْ كَهِبَةٍ أَوْ أَرْشٍ) هذا الشرط أحال المسألة عن وجهها، وقريب منه فِي " التوضيح "؛ وذلك أن الكلام مفروض فيما يزكى لعام واحد مما مضى، فخرج منه للأقسام الأربعة التي ذكر ابن رشد فِي " المقدّمات " فِي دين الفائدة إِذَا أخّر فراراً (¬5). ¬
لا عَنْ مُشْتَرًى لِلْقِنْيَةِ، وبَاعَهُ لأَجَلٍ، فَلِكُلٍّ. وعَنْ إِجَارَةٍ أَوْ عَرْضٍ مُفَادٍ قَوْلانِ، وحَوْلُ الْمُتَمِّ مِنَ التَّمَامِ لا إِنْ نَقَصَ بَعْدَ الْوُجُوبِ، ثُمَّ زَكَّى الْمَقْبُوضَ وإِنْ قَلَّ. قوله: (لا عَنْ مُشْتَرًى لِلْقِنْيَةِ، وبَاعَهُ لأَجَلٍ، فَلِكُلٍّ) أي: لا إن كان الدين عن مشترى بناض عنده للقنية، وباعه لأجل، فأخر قبضه فراراً فإنه يزكيه لكلِّ عام قاله فِي " المقدمات " ونصّه: " إن كان عن ثمن عرض اشتراه بناض عنده للقنية، فهذا إن كان باعه بالنقد لَمْ تجب عَلَيْهِ زكاة حتى يقبضه، ويحول عَلَيْهِ الحول بعد القبض، وإن كان باعه بتأخيره فقبضه بعد حول زكاة ساعة يقبضه، وإن ترك قبضه فراراً من الزكاة زكّاه لما مضى من الأعوام، ولا خلاف فِي وجه من وجوه هذا القسم (¬1). انتهى. وهو غريب، وقد نبّه الشيخ أبو الحسن الصغير عَلَى أنه خلاف ظاهر كلام ابن يونس، بل خلاف ظاهر قوله فِي " المدوّنة ": وإن كانت عروضاً أفادها بما ذكرنا، أو اشتراها للقنية داراً كانت أو غيرها فقبضها، ثم باعها بعد أحوال فمطل بالثمن سنين، فلا زكاة عَلَيْهِ فِيهَا، ولا فِي ثمنها حتى يقبض الثمن، ثم يستقبل به حولاً بعد قبضه، فيزكّيه لعام واحد (¬2). إذ ظاهره باع العروض بالنقد أو بالتأجيل، وأنه يستقبل الحول فيهما. وأما عدم قصد الفرار فيدل عَلَيْهِ قوله: مطل فبحثه فِي ذلك [فِي " التوضيح "] (¬3) ضعيف، وقد قبل ابن عرفة قول ابن رشد، وجعله فِي المؤجّل طريقة تقابل طريقة اللخمي فقال: وحول ثمن عرض القنية الحال من يوم قبضه اتفاقاً، وفِي المؤجّل طريقتان: الأولى للخمي: فِي كونه كذلك أو من يوم بيعه قَوْلانِ: الأول: للمشهور، والثاني لابن الماجشون والمغيرة. الطريقة الثانية لابن رشد: إن ملك بغير شراء بناض فالقَوْلانِ، فان أخره فراراً تخرّج عَلَى القولين، وزكاته لكلّ عام عَلَى قولين وإن ملك بشراء بناض فحوله من يوم بيع، وإن أخّره فراراً زكّاه لكلّ عام اتفاقاً. ¬
زكاة العروض
وإِنِ اقْتَضَى دِينَاراً فَآخَرَ فَاشْتَرَى بِكُلًّ سِلْعَةً، بَاعَهَا بِعِشْرِينَ، فَإِنْ بَاعَهُمَا مَعاً أَو إحداهُمَا بَعْدَ شِرَاءِ الأُخْرَى زَكَّى الأَرْبَعِينَ، وإِلا أَحَداً وعِشْرِينَ، وضُمَّ لاخْتِلاطِ أَحْوَالِهِ آخِرٌ لأَوَّلَ، عَكْسُ الْفَوَائِدِ، والاقْتِضَاءُ لِمِثْلِهِ مُطْلَقاً، والْفَائِدَةُ لِلْمُتَأَخِّرِ مِنْهُ، فَإِنِ اقْتَضَى خَمْسَةً بَعْدَ حَوْلٍ، ثُمَّ اسْتَفَادَ عَشَرَةً وأَنْفَقَهَا بَعْدَ حَوْلِهَا، ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً زَكَّى الْعِشْرِينَ، والأُولَى إِنِ اقْتَضَى خَمْسَةً. قوله: (وإِنِ اقْتَضَى دِينَاراً فَآخَرَ) المسألة اقتصر فِيهَا عَلَى ما عند ابن الحاجب (¬1)، وقد نوّعها ابن عرفة إِلَى أحدى عشرة صورة، وحرر عزو الأقوال فِيهَا، فعليك به إن كنت فارغ السرّ (¬2). [زكاة العروض] وَإِنَّمَا يُزَكَّى عَرْضٌ لا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ. مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ بِنِيَّةِ تَجْرٍ أَوْ مَعَ نِيَّةِ غَلَّةٍ أَوْ قِنْيَةٍ عَلَى الْمُخْتَارِ، والْمُرَجَّحِ، لا بِلا نِيَّةٍ، أَوْ نِيَّةِ قِنْيَةٍ أَوْ غَلَّةٍ أَوْ هُمَا. قوله: (عَلَى الْمُخْتَارِ، والْمُرَجَّحِ) يرجّح للتجر مَعَ القنية كما فِي " التوضيح "، وأمّا التجر مَعَ الغلة فهذا الحكم فيه أبين، فكأنه قطع به من غير أن يحتاج للاستظهار بقول من اختاره، وهو اللخمي، وأما ابن يونس فلم يذكره أصلاً. أَوْ كَانَ كَأَصْلِهِ، أَوْ عَيَناً وإِنْ قَلَّ. قوله: (أَوْ كَانَ كَأَصْلِهِ) هذا عكس التشبيه، والوجه أن يقول: وكان أصله كهو (¬3). وَبِيعَ بِعَيْنٍ، وإِنْ لاسْتِهْلاكٍ فَكَالدَّيْنِ، إِنْ رَصَدَ بِهِ السُّوقَ، وإِلا زَكَّى عَيْنَهُ ودَيْنَهُ النَّقْدَ الْحَالَّ الْمَرْجُوَّ، وإِلا قَوَّمَهُ، ولَوْ طَعَامَ سَلَمٍ كَسِلْعَةٍ ولَوْ بَارَتْ، لا إِنْ لَمْ يَرْجُهُ، أَوْ كَانَ قَرْضاً، وتُؤُوِّلَتِ [الْمُدَوَّنَةُ] (¬4) أَيْضاً بِتَقْوِيمِ الْقَرْضِ، وهَلْ حَوْلُهُ لِلأَصْلِ، أَوْ وَسَطٍ مِنْهُ ومِنَ الإِدَارَةِ؟ تَأْوِيلانِ ثُمَّ زِيَادَتُهُ مُلْغَاةٌ، بِخِلافِ حَلْيِ التَّحَرِّي. ¬
قوله: (إِنْ رَصَدَ بِهِ السُّوقَ) [22 / ب] لا خفاء (¬1) إن هذا الشرط خاص بقوله: " فكالدين " بخلاف ما قبله من الشروط كنية التجر فإنها تعمّ عروض الحكرة والإدارة. والْقَمْحُ والْمُرْتَجَعُ مِنْ مُفَلِّسٍ، والْمُكَاتَبُ يَعْجِزُ كَغَيْرِهِ، وانْتَقَلَ الْمَدَارُ لِلاحْتِكَارِ، [17 / أ] وهُمَا لِلْقِنْيَةِ بِالنِّيَّةِ لا الْعَكْسُ، ولَوْ كَانَ أَوَّلاً لِلتِّجَارَةِ، ولَوِ اجْتَمَعَ إِدَارَةٌ واحْتِكَارٌ وتَسَاوَيَا، أَوِ احْتُكِرَ الأَكْثَرُ، فَكُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ، وإِلا فَالْجَمِيعُ لِلإِدَارَةِ، ولا تُقَوَّمُ الأَوَانِي، وفِي تَقْوِيمِ الْكَافِرِ لِحَوْلٍ مِنْ إِسْلامِهِ أَوِ اسْتِقْبَالِهِ بِالثَّمَنِ قَوْلانِ. قوله: (وَالْقَمْحُ والْمُرْتَجَعُ مِنْ مُفَلِّسٍ، والْمُكَاتَبُ يَعْجِزُ كَغَيْرِهِ) ظاهر أن القمح (¬2) غير مقصود لذاته، وأنه كقول ابن الحاجب: والقمح ونحوه عرض بخلاف نصاب الماشية (¬3). والمراد: أن الحبوب والثمار التي تتعلّق الزكاة بعينها بمنزلة غيرها من العروض فِي أحكام الحكرة والإدارة. وفي بعض النسخ: والفسخ عوض القمح، والمراد به ما فسخ بيعه من السلع فرجع لبائعه. والْقِرَاضُ الْحَاضِرُ يُزَكِّيهِ رَبُّهُ، إِنْ أَدَارَا. قوله: (والْقِرَاضُ الْحَاضِرُ يُزَكِّيهِ رَبُّهُ، إِنْ أَدَارَا) هذا أحد القولين فِي الحاضر عند اللخمي وغيره، ولَمْ يذكره ابن رشد أصلاً، وإنما قال فِي " المقدمات ": لا زكاة عَلَيْهِ حتى يقبض المال ويتفاضلا، وإن أقام (¬4) أحوالاً، ونسبه لكتاب القراض من سماع أبي زيد، ومن [" المدوّنة "] (¬5) ومن سماع عيسى و " الواضحة "، ثم قال: فإِذَا رجع إليه ماله بعد أعوام زكّى لكلّ سنة قيمة ما كان بيده من المتاع، وذكر نحو ما بعد هذا فِي الغائب (¬6). ¬
أَوِ الْعَامِلُ مِنْ غَيْرِهِ، وصَبَرَ إِنْ غَابَ فَيُزَكَّى لِسَنَةِ الْفَضْلِ مَا فِيهَا، وسَقَطَ مَا زَادَ قَبْلَهَا، وإِنْ نَقَصَ فَلِكُلٍّ مَا فِيهَا، وأَزْيَدَ وأَنْقَصَ قُضِيَ بِالنَّقْصِ عَلَى مَا قَبْلَهُ. قوله: (أَوِ الْعَامِلُ) أي: أو أدار العامل وحده وهو مساعد [لما] (¬1) ذكر قبل فِي اجتماع إدارة واحتكار، بخلاف إطلاقه فيما يأتي. وَإِنِ احْتَكَرَا، أَوِ الْعَامِلُ فَكَالدَّيْنِ، وعُجِّلَتْ زَكَاةُ مَاشِيَةِ الْقِرَاضِ مُطْلَقاً، وحُسِبَتْ عَلَى رَبِّهِ وهَلْ عَبِيدُهُ كَذَلِكَ، أَوْ تُلْغَى كَالنَّفَقَةِ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وإِنِ احْتَكَرَا، أَوِ الْعَامِلُ فَكَالدَّيْنِ) أفاد هذا التشبيه فائدتين: إحداهما: أنه لا يزكّي قبل رجوعه ليدّ ربّه بانفصال، ولو نصّ بيد العامل خلافاً لإلزام اللخمي. والثانية: أنه إنما يزكّي بعد الانفصال لسنة واحدة وعَلَيْهِ اقتصر فِي " المقدّمات " (¬2)، وإمّا إطلاقه فِي احتكار العامل فغير مطابق لما قدّم فِي اجتماع إدارة وحكرة، وعَلَى ذلك أجرى ابن محرز وأبو اسحاق التونسي الحكم فِي إدارة أحدهما واحتكار الآخر، ولابن بشير وابن عبد السلام وابن هارون وابن عرفة فِي ذلك مباحث يوقف عَلَيْهَا فِي محالّها. وَزُكِّيَ رِبْحُ الْعَامِلِ، وإِنْ قَلَّ إِنْ أَقَامَ بِيَدِهِ حَوْلاً، وكَانَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بِلا دَيْنٍ، وحِصَّةُ رَبِّهِ بِرِبْحِهِ نِصَابٌ وفِي كِوْنِهِ شَرِيكاً أَوْ أَجِيراً خِلافٌ، ولا تَسْقُطُ زَكَاةُ حَرْثٍ ومَعْدِنٍ ومَاشِيَةٍ بِدَيْنٍ، أَوْ فَقْدٍ، أَوْ أَسْرٍ، وإِنْ سَاوَى مَا بِيَدِهِ، إِلا زَكَاةَ فِطْرٍ عَنْ عَبْدٍ عَلَيْهِ مِثْلُهُ. قوله: (وزُكِّيَ رِبْحُ الْعَامِلِ) أي: وزكّى العامل ربحه، وحمل كلامه عَلَى القول بأن ما يخص العامل من الربح يزكّيه ربّ المال غير صحيح، والشروط المذكورة تأبي ذلك، وفيه ثلاثة أقوال مستوفاة فِي " المقدّمات " (¬3). ¬
فرع: في " النوادر " عن سحنون: إن تمّ حول مال القراض بيد العامل ولَمْ يشغل بعضه زكّى مكانه. بِخِلافِ الْعَيْنِ. ولَوْ دَيْنَ زَكَاةٍ، أَوْ مُؤَجَّلاً. قوله: (بِخِلافِ الْعَيْنِ) أي: فإن الفقد والأسر والدين مسقطات لزكاتها. أَوْ كَمَهْرٍ أَوْ نَفَقَةِ زَوْجَةٍ مُطْلَقاً، أَوْ ولد إِنْ حُكِمَ بِهِ. قوله: (أَوْ كَمَهْرٍ) هذا مذهب " المدوّنة " (¬1) خلافاً لابن حبيب فإن قلت: ما الذي يدخل تحت كاف التشبيه؟ قلت: قال ابن عبد السلام: ربما كان هذا المعنى فِي بعض الديون للزوجة أو للأبّ عَلَى الولد مما لا يطلب إلا عند موت أو مشارة؛ لكن قال ابن عرفة: وجعل ابن بشير وتابعه متعلّق القولين الدين المعتاد بقاؤه فِي الذمة إِلَى الأجل البعيد، [كالمهر] (¬2) يقتضي وجود القول الثاني فِي غير المهر ولا أعرفه، وقول ابن رشد وغيره: المهر تحلّة نحلة لا عن عوض يمنع لحوق دين غيره به انتهى. وتابع ابن بشير هنا هو ابن الحاجب دون ابن شاس. وَهَلْ إِنْ [لم] (¬3) يتَقَدَّمَ يُسْرٌ؟ تَأْوِيلانِ، أَوْ وَالِدٍ بِحُكْمٍ إِنْ تَسَلَّفَ لا بِدَيْنِ كَفَّارَةٍ أَوْ هَدْيٍ. قوله: (وهَلْ إِنْ لم يتقَدَّمَ يُسْرٌ؟ تَأْوِيلانِ) ذكرهما عبد الحقّ فِي النكت (¬4). ¬
إِلا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مُعَشَّرٌ زُكِّيَ، أَوْ مَعْدِنٌ، أَوْ قِيمَةُ كِتَابَةٍ، أَوْ رَقَبَةُ مُدَبَّرٍ، أَوْ خِدْمَةُ مُعْتَقٍ إِلَى أَجَلٍ، أَوْ مُخْدَمٍ، أَوْ رَقَبَتِهِ لِمَنْ مَرْجِعُهَا لَهُ، أَوْ عَدَدُ دَيْنٍ حَلَّ، أَوْ قِيمَةُ مَرْجُوٍّ. قوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ [عِنْدَهُ مُعَشَّرٌ] (¬1) زُكِّيَ) أي: فأحرى إن لَمْ يزك، وفِي معنى المعشر (¬2) الماشية، فلو قال: إلا أن يكون عنده نعم أو معشر (¬3) وإن زكّيا، كان أبين وشمل. أَوْ عَرْضٌ حَلَّ حَوْلُهُ إِنْ بِيعَ، وقُوِّمَ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى مُفْلِسٍ، لا آبِقٌ وإِنْ رُجِيَ، أَوْ دَيْنٌ لَمْ يُرْجَ. قوله: (إِنْ بِيعَ، وقُوِّمَ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى مُفْلِسٍ) وجه الكلام: إن بيع عَلَى مفلس وقوّم وقت الوجوب، وإنما حرّفه ناسخ المبيضة، وكثيراً ما يقع له مثل هذا. والله تعالى أعلم. وإِنْ وُهِبَ الدَّيْنُ أَوْ مَا يُجْعَلُ فِيهِ، ولَمْ يَحِلَّ حَوْلُهُ أَوْ مَرَّ لِكَمُؤَجِّرٍ نَفْسَهُ بِسِتِّينَ دِينَاراً ثَلاثَ سِنِينَ حَوْلٌ، فَلا زَكَاةَ أَوْ مَدِينُ مِائَةٍ، لَهُ مِائَةٌ مُحَرَّمِيَّةٌ، ومِائَةٌ رَجَبِيَّةٌ يُزَكِّي الأُولَى. قوله: (ولَمْ يَحِلَّ حَوْلُهُ) ينطبق عَلَى هبة الدين، وهبة ما يعجل فيه، وإنما أفرده لأن العطف بأو. وَزُكِّيَتْ عَيْنٌ وُقِفَتْ لِلسَّلَفِ. قوله: (وَزُكِّيَتْ عَيْنٌ وُقِفَتْ لِلسَّلَفِ) كذا فِي كتاب الزكاة الثاني من " المدوّنة " (¬4). كَنَبَاتٍ. قوله: (كَنَبَاتٍ) هو كقوله فِي " المدوّنة ": وتؤدى الزكاة عَلَى الحوائط المحبسة فِي سبيل الله، أو عَلَى قومٍ بأعيانهم أو بغير أعيانهم (¬5). ¬
وَحَيَوَانٍ، ونَسْلِهِ. قوله: (وحَيَوَانٍ، ونَسْلِهِ) هو كقوله فِي " المدوّنة ": ومن حبس إبلاً فِي سبيل الله ليحمل عَلَيْهَا أو عَلَى نسلها ففي ذلك الزكاة، ثم قال: وإن أوقف الدنانير أو الماشية لتفرّق فِي سبيل الله أو عَلَى المساكين أو لتباع الماشية ويفرّق الثمن فلا زكاة فيما أدرك الحول من ذلك (¬1). عَلَى مَسَاجِدَ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ. قوله: (عَلَى مَسَاجِدَ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ (¬2)) يعني فإِذَا وقف النبات عَلَى مساجد أو قومٍ غير معينين كالفقراء وبني تميم زكي عَلَى ملك ربه المحبس له، سواء [23 / أ] تولى تفرقته بنفسه أم لا، حصل لكلّ مسجد أو لكلّ شخص نصاب أم لا، إِذَا كان المجموع نصاباً بخلاف ما بعده. تكميل: قال ابن عرفة: وفيما [حبس] (¬3) عَلَى المساجد طرق. التونسي: ينبغي زكاتها عَلَى ملك ربها، فتضاف لأصل ماله. اللخمي: قول مالك زكاتها عَلَى ربّها للعمل، والقياس، قول مكحول لا زكاة فِيهَا؛ لأن الميّت لا يملك، والمسجد لا زكاة عَلَيْهِ ككونها لعبد. أبو حفص: لو حبس جماعة كل واحد نخلات عَلَى مسجد، فإن بلغ مجموعها نصاباً زكي. انتهى. وقول التونسي تضاف لأصل ماله يريد إِذَا كان حيّاً كالمسألة المذكورة فِي " المقدّمات " (¬4)، وقد أغفل ابن عرفة قول عبد الحقّ فِي " التهذيب ": أعرف فِي المال الموقوف لإصلاح ¬
المساجد والغلات المحبّسة فِي مثل هذا اختلافاً بين المتأخرين فِي زكاة ذلك، والصواب عندي أن لا زكاة فِي كلّ شئ يوقف عَلَى ما لا عبادة عَلَيْهِ من مسجد ... ونحوه. انتهى، وقد نقله صاحب " الجواهر " (¬1) و " التقييد ". كَعَلَيْهِمْ، إِنْ تَوَلَّى الْمَالِكُ تَفْرِقَتَهُ. قوله: (كَعَلَيْهِمْ، إِنْ تَوَلَّى الْمَالِكُ تَفْرِقَتَهُ) أدخل أداة الجرّ عَلَى أداة الجرّ؛ إيثاراً للاختصار، ومثله قول الشاعر: غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بّعْدَما تَمَّ ظَمَؤهَا ... تَصِلُ وعَنْ فَيْضِ بزيزاء مجهل (¬2) والضمير فِي (عليهم) يعود عَلَى المعينين، والمعنى: كالموقوف عَلَى قوم معينين كزيد وعمر وخالد إِذَا تولى المالك تفرقته بنفسه، فإنه أَيْضاً يزكى عَلَى ملكه، وإن لَمْ ينب كل واحد منهم نصاباً، والشرط مقصور عَلَى ما بعد الكاف عَلَى غالب اصطلاحه، الذي نبهنا عَلَيْهِ فِي صدر الكتاب. وَإِلا إِنْ حَصَلَ لِكُلٍّ نِصَابٌ. قوله: (وإِلا إِنْ حَصَلَ لِكُلٍّ نِصَابٌ) أي: وإن لَمْ يتول المالك تفرقته زكّى إن حصل لكل واحد من المعينين نصاب، وهذه طريقة اللخمي. وَفِي إِلْحَاقِ وَلَدِ فُلانٍ بِالْمُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ قَوْلانِ. قوله: (وفِي إِلْحَاقِ وَلَدِ فُلانٍ بِالْمُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ قَوْلانِ) أي: فمن ألحقهم بالمعينين فصّل، ومن ألحقهم بغيرهم لَمْ يفصّل عَلَى ما تقدّم فيهما، فتفريع القولين عَلَى القسمين فِي غاية المناسبة، وليس بمستغنى عنه كما قيل، وعليك بـ " المقدمات " فقد أتقن فِيهَا هذا الباب (¬3). ¬
زكاة المعادن
[زكاة المعادن] وَإِنَّمَا يُزَكَّى مَعْدِنُ عَيْنٍ، وحُكْمُهُ لِلإِمَامِ، ولَوْ بِأَرْضِ مُعَيَّنٍ، إِلا مَمْلُوكَةٍ لِمَصَالِحَ فَلَهُ، وضُمَّ بَقِيَّةُ عِرْقِهِ، وإِنْ تَرَاخَى الْعَمَلُ، لا مَعَادِنُ ولا عِرْقٌ آخَرُ، وفِي ضَمِّ فَائِدَةٍ حَالَ حَوْلُهَا وتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِإِخْرَاجِهِ أَوْ تَصْفِيَتِهِ تَرَدُّدٌ. قوله: (وإِنَّمَا يُزَكَّى مَعْدِنُ عَيْنٍ) هو نصّ " المدوّنة " (¬1)؛ فنقله عن " التبصرة " و " الطراز " قصور. وجَازَ دَفْعُهُ بِأُجْرَةٍ غَيْرِ نَقْدٍ، وعَلَى أَنَّ الْمُخْرَجَ لِلْمَدْفُوعِ لَهُ، واعْتُبِرَ مِلْكُ كُلٍّ، وبِجُزْءٍ كَالْقِرَاضِ قَوْلانِ. قوله: (وجَازَ دَفْعُهُ بِأُجْرَةٍ غَيْرِ نَقْدٍ، وعَلَى [أَنَّ] (¬2) الْمُخْرَجَ لِلْمَدْفُوعِ لَهُ) صوابه كما قيل (¬3): وجاز دفعه بأجرة وبكراء بغير نقد، عَلَى أن المخرج للمدفوع له، وأقرب منه وجاز دفعه بأجرة، وبغير نقد عَلَى [أن] (¬4) المخرج للمدفوع له، ولعلّ المصنف كذلك قاله، فحوّل الناسخ الواو عن محلّها، والتصوّر بعد الإصلاح ظاهر. وَفِي نَدْرَتِهِ الْخُمُسُ كَالرِّكَازِ، وهُوَ، دِفْنُ جَاهِلِيٍّ وإِنْ بِشَكٍّ - أَوْ قَلَّ، أَوْ عَرْضاً، أَوْ [16 / ب] وَجَدَهُ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ، إِلا لِكَبِيرِ نَفَقَةٍ، أَوْ عَمَلٍ فِي تَخْلِيصِهِ فَقَطْ، فَالزَّكَاةُ. قوله: (إِلا لِكَبِيرِ نَفَقَةٍ، أَوْ عَمَلٍ فِي تَخْلِيصِهِ فَقَطْ، فَالزَّكَاةُ) هذه عبارة غير محررة، ويظهر ذلك بالوقوف عَلَى نصّ " المدوّنة " وكلام الناس عَلَيْهَا، ففي " المدوّنة ": الرِّكاز ¬
دفن الجاهلية [ما لَمْ يطلب بمال] (¬1)، وفيه الخمس، قال مالك: ناله بعمل أو بغير عمل، وقال أَيْضاً مالك فِي موضع آخر: سمعت أهل العلم يقولون فِي الرِّكاز: إنما هو دفن الجاهلية ما لَمْ يطلب بمال، ولَمْ يتكلّف فيه كبير عمل، فأمّا ما طلب بمال، وتكلّف فيه كبير عمل، فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز، وهو الأمر عندنا (¬2) انتهى. فقال عياض: فِي هذا حمله بعضهم عَلَى الخلاف لما قبله فِي الرِّكاز، وحمله بعضهم [على] (¬3) أن كلامه فِي هذا إنما هو فِي المعدن لا فِي الرِّكاز، وأنّه لا يختلف فِي الرِّكاز كيف قيل إن فيه الخمس. انتهى. وعَلَى الخلاف حمله اللخمي، فمعنى قوله عَلَى هذا: فليس بركاز أي: حكماً، وأمّا تسمية الرِّكاز فباقية عَلَيْهِ، غير أنه يزكى ولا يخمّس، وعَلَى الوفاق حمله ابن يونس، وأنه إنما أراد أن يبين صورة الرِّكاز وصورة المعدن حسبما فِي التقييد. ولما اختصر ابن الحاجب المسألة قال: وأما الرِّكاز فعلماء المدينة أنه دفن الجاهلية، يوجد بغير نفقة ولا كبير عمل، فإن كان أحدهما فالزكاة (¬4). انتهى. وهل هو مَعَ أحدهما ركاز أو معدن؟ حرره ابن عبد السلام فقال: يعني أن علماء المدينة يفسرون الرِّكاز بما ذكر، وهو معنى ما فِي " الموطأ " (¬5) و " المدوّنة "؛ لكن (¬6) معناه عند شيوخ المذهب أن النفقة والعمل الكبير هما نفقة الحفر و [التصفية، لا نفقة الحفر خاصة] (¬7)، وذلك خاصٌ بالمعدن. ¬
والحاصل أنهم ميّزوا المعدن بلازمه وهو كثرة العمل، وقال بعضهم: إن التحديد بهذا دليل عَلَى إخراج الندرة عن المعدن فِي الحكم، وإلحاقها بالرِّكاز. انتهى. فأنت تري ابن عبد السلام [23 / ب] قد سلك مسلك من حمل " المدوّنة " عَلَى الوفاق مستدلاً باعتبارهم التصفية الخاصة بالمعدن، فإن الدفين لَمْ تتخلل أجزاءه تراب فيحتاج إِلَى تصفية، وبهذا يظهر لك ما فِي عبارة المصنف من الإشكال؛ فإنه فرض الكلام فِي الرِّكاز، وشرط أن تكون المؤونة في التخليص الذي هو التصفية، وحمل الاستثناء عَلَى الانقطاع حتى يرجع للمعدن تعسّف، ويوجد فِي بعض النسخ فِي تحصيله عوض تخليصه وهو أمثل، وإن كان كالحشو (¬1). وأما قوله: (فقط) فإن كان راجعاً لتخليصه فقد علمت ما فيه، وأما إن كان [راجعاً لكبير النفقة والعمل معا فهو كالحشو، وإن كان] (¬2) راجعاً لأحدهما لا بعينه من حيث العطف بأو فهو مساعد لما فِي " التوضيح " من أنهما غير متلازمين؛ إذ قد يعمل مدة طويلة هو وعبيده ولا ينفق نفقة كثيرة. وقال ابن عبد السلام: المعتبر إما النفقة وإما كبير العمل، وأحرى إِذَا اجتمعا، عَلَى أنهما متلازمان. وقال ابن عرفة: لفظ " المدوّنة " الأخير كالموطأ: ما طُلب بمالٍ وكبير عمل فغير رِّكاز عطفاً بالواو، ويتعارض مفهوماً نفيهما معاً وأثباتهما معا، ونقلْ اللخمي الأخير معطوفاً بأو وعَلَيْهِ قول ابن الحاجب: إن كان أحدهما فالزكاة (¬3). وَكُرِهَ حَفْرُ قَبْرِهِ، والطَّلَبُ فِيهِ، وبَاقِيهِ لِمَالِكِ الأَرْضِ، ولَوْ جَيْشاً، وإِلا فَلِوَاجِدِهِ، إِلا (¬4) دِفْنَ الْمُصَالِحِينَ. فَلَهُمْ إِلا أَنْ يَجِدَهُ رَبُّ دَارٍ بِهَا فَلَهُ ودِفْنُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لُقَطَةٌ، ومَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ كَعَنْبَرٍ، فَلِوَاجِدِهِ بِلا تَخْمِيسٍ. ¬
فصل في مصارف الزكاة
قوله: (إِلا دِفْنَ الْمُصَالِحِينَ) هكذا فِي بعض النسخ بالاستثناء من غير واو؛ ولا يصحّ غيره؛ لأن [إلّا] (¬1) الاستثنائية لا تعطف عَلَى المركّبة من شرطٍ ونفيٍ (¬2). [فصل فِي مصارف الزكاة] ومَصْرِفُهَا فَقِيرٌ، ومِسْكِينٌ وهُوَ أَحْوَجُ، وصُدِّقَا، إِلا لِرَيْبَةٍ، إِنْ أَسْلَمَ وتَحَرَّرَ، وعَدِمَ كِفَايَةً بِقَلِيلٍ أَوْ إِنْفَاقٍ أَوْ صَنْعَةٍ، وعَدَمَ بُنُوَّةٍ لِهَاشِمٍ والْمُطَّلِبِ (¬3).كَحَسْبٍ عَلَى غَرِيمٍ، وجَازَ لِمَوْلاهُمْ وقَادِرٍ عَلَى الْكَسْبِ، ومَالِكِ نِصَابٍ، ودَفْعُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وكِفَايَةِ سَنَةٍ. قوله: (وعَدَمَ بُنُوَّةٍ لِهَاشِمٍ والْمُطَّلِبِ) مثله فِي " قواعد " عياض، وقال فِي " الإكمال ": قال الشافعي: آله صلى الله عَلَيْهِ وسلم هم: بنو هاشم، ويدخل مدخلهم بنو المطلب أخو هاشم دون سائر بني عبد مناف؛ لقوله عَلَيْهِ السلام: " نحن وبنو المطلب شئ واحد " (¬4)، ولقسم النبي - عليه السلام - لهم مَعَ بني هاشم سهم ذوي القربى دون غيرهم، ونحى إِلَى هذا بعض شيوخ المالكية. انتهى. وهو غريب فِي المذهب حتى إن ابن عرفة لَمْ يذكره بخصوصه إذ قال: وفِي الآل أربعة: ابن القاسم ومالك وأكثر أصحابه: بنو هاشم. عياض عن أشهب بنو قصي (¬5). الباجي واللخمي وابن رشد عنه: بنو غالب. عياض وقيل: كل قريش. انتهى. ونسب النبي - صلى الله عليه وسلم - محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن ¬
كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار [بن معد] (¬1) بن عدنان - صلى الله عليه وسلم - فمن كان من ولدفهر فهو قرشي. ولو قال المصنف: وعدم بنوة لهاشم لا المطلب لجرى عَلَى المشهور، ووافق قوله بعد: (غير هاشمي) (¬2). وفِي جَوَازِ دَفْعِهَا لِمَدِينٍ ثُمَّ أَخْذِهَا (¬3) تَرَدُّدٌ، وجَابٍ، ومُفَرِّقٌ حُرٌّ عَدْلٌ عَالِمٌ بِحُكْمِهَا غَيْرُ هَاشِمِيٍّ، وكَافِرٍ وإِنْ غَنِيَّاً وبُدِئَ بِهِ، وأَخَذَ الْفَقِيرُ بِوَصْفَيْهِ، ولا يُعْطَى حَارِسُ الْفِطْرَةِ مِنْهَا، ومُؤَلَّفٌ كَافِرٌ لِيُسْلِمَ وحُكْمُهُ بَاقٍ، ورَقِيقٌ مُؤْمِنٌ ولَوْ بِعَيْبٍ يُعْتَقُ مِنْهَا لا عَقْدَ حُرِّيَّةٍ فِيهِ ووَلاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وإِنِ اشْتَرَطَهُ لَهُ، أَوْ فَكَّ أَسِيراّ لَمْ يُجِزْهُ، ومَدِينٌ ولَوْ مَاتَ يُحْبَسُ فِيهِ، لا فِي فَسَادٍ ولا لأَخْذِهَا إِلا أَنْ يَتُوبَ عَلَى الأَحْسَنِ إِنْ أَعْطَى مَا بِيَدِهِ مِنْ عَيْنٍ، وفَضْلِ غَيْرِهَا، ومُجَاهِدٌ وآلَتُهُ، ولَوْ غَنِيَّاً كَجَاسُوسٍ لا سُورٍ ومَرْكَبٍ، وغَرِيبٌ مُحْتَاجٌ لِمَا يُوَصِّلُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ولَمْ يَجِدْ مُسَلِّفاً وهُوَ مَلِيٌّ بِبَلَدِهِ، وصُدِّقَ، وإِنْ جَلَسَ نُزِعَتْ مِنْهُ كَغَازٍ، وفِي غَارِمٍ يَسْتَغْنِي تَرَدُّدٌ، ونُدِبَ إِيثَارُ الْمُضْطَرِّ دُونَ عُمُومِ الأَصْنَافِ والاسْتِنَابَةُ، وقَدْ تَجِبُ. قوله: (وفِي جَوَازِ دَفْعِهَا لِمَدِينٍ ثُمَّ أَخْذِهَا تَرَدُّدٌ) هذا التَرَدُّدٌ لعدم نصّ المتقدمين قال ابن عرفة: وقول ابن عبد السلام: لو أعطاها إياه جاز أخذها منه فِي دينه، خلاف تعليل الباجي رواية ابن حبيب منع إعطاء الزوجة زوجها فإنه كمن دفع صدقته لغريمه يستعين بها عَلَى أداء دينه (¬4). ابن عرفة: الأظهر إن أخذه بعد إعطائه بطوع الفقير دون تقدم شرطه أجزأه. ¬
وكرها كذلك إن كان له ما يواريه وعيشه الأيام وإلاّ فلا كما قال فِي " المدوّنة " فِي قصاص (¬1) الزوجة بنفقتها فِي دين عَلَيْهَا، وبشرط كما لَمْ يعطه. انتهى، وفِي " التوضيح ": أما مَعَ التواطؤ (¬2) فلا ينبغي أن يقال بالإجزاء إلّا أنه كمن لَمْ يعط شيئاً، ولو فصل مفصل فإن كان لا يمكنه الأخذ أصلاً فلا يجزئ؛ وإن كان يأخذ بلا مشقة أجزأه، وإن كان يأخذه بمشقة كره. وكُرِهَ لَهُ حِينَئِذٍ تَخْصِيصُ قَرِيبِهِ، وهَلْ يُمْنَعُ إِعْطَاءُ زَوْجَةٍ زَوْجَهَا، أَوْ يُكْرَهُ تَأْوِيلانِ. قوله: (وكُرِهَ لَهُ حِينَئِذٍ تَخْصِيصُ قَرِيبِهِ) أي: وكره حين الاستنابة للنائب تخصيص قريب المالك المستنيب، هذا ظاهر لفظه، ومفهومه أن النائب إن لَمْ يخص قريب المالك بل أعطاه كما يعطي غيره فإنه يجوز، فكأنه يرجع إِلَى قوله فِي " المدوّنة ": ولا بأس أن يعطيهم من يلي تفرقتها بغير أمره كما يعطي غيرهم إن كانوا لها أهلاً بعد أن قال: وأما من لا تلزمه نفقته من قرابته فلا يعجبني أن يلي هو إعطاءهم، ولعلّ المصنف سكت عن هذا لأنه أحرى. وتحصيلها عَلَى طريقة ابن عرفة: أن فِي إعطاء المالك قريباً لا تلزمه نفقته أربعة أقوال: الكراهة؛ لرواية ابن القاسم. والجواز؛ لرواية مُطرِّف. والاستحباب؛ [24 / أ] لرواية الواقدي. والرابع: لا تجزئ لجدٍ ولا لولد، وتجوز لذي أخوة أو عمومة أو خوؤلة، لأبي محمد عن ابن حبيب. وأن غيره إِذَا ولي صرفها فقال الباجي: يجوز إعطاؤه القريب اتفاقاً. وقال أبو محمد عن ابن القاسم: لمن ولي صرف زكاة غيره إعطاء قرابته بالاجتهاد. انتهى. وقوله: " بالاجتهاد " فِي قوة قوله فِي " المدوّنة ": كما يعطي غيرهم (¬3). فلا يخالفه مفهوم كلام المصنف والله تعالى أعلم. ¬
وجَازَ إِخْرَاجُ ذَهَبٍ عَنْ وَرِقٍ، وعَكْسُهُ بِصَرْفِ وَقْتِهِ مُطْلَقاً بِقِيمَةِ السَّكَّةِ، ولَوْ فِي نَوْعٍ. قوله: (بِقِيمَةِ السَّكَّةِ (¬1) وَلَوْ فِي نَوْعٍ) أي: ولو فِي نوعٍ واحد، كما إِذَا أخرج ذهباً غير مسكوك عن جزء دينار مسكوك، فإنه لابد أن يخرج معه قيمة السكّة، وهو قول ابن القاسم خلافاً لابن حبيب، وإليه أشار (بلو)، ومفهوم قوله: (فِي (¬2) نَوْعٍ) أنه لو كان فِي نوعين فأخرج الورق عن جزء الدينار المسكوك [ولم يوجد مسكوكاً] (¬3) لاعتبر قيمته مسكوكاً من بابٍ أحرى، فهو كقول ابن الحاجب: وإِذَا وجب جزء عن المسكوك، ولَمْ يوجد مسكوكا، وأخرج مكسوراً فقيمة السكّة عَلَى الأَصَحّ، كما لو أخرج ورقاً (¬4). لا صِيَاغَةٍ فِيهِ. قوله: (لا صِيَاغَةٍ فِيهِ) بجرّ صياغة وتنوينه عطفاً عَلَى لفظ السكّة. أي: لا بقيمة الصياغة فِي النوع الواحد، فهو كقول ابن الحاجب: والمصوغ يخرج عنه المكسور بالوزن لا بالقيمة عَلَى المشهور إذ له كسره (¬5). وَفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ، لا كَسْرُ مَسْكُوكٍ، إِلا لِسَبْكٍ، ووَجَبَ نِيَّتُهَا وتَفْرِقَتُهَا، بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ أَوْ قُرْبِهِ، إِلا لأَعْدَمَ فَأَكْثَرُهَا لَهُ بِأُجْرَةٍ مِنَ الْفَيْءِ، وإِلا بِيعَتْ واشْتُرِيَ مِثْلُهَا كَعَدَمِ مُسْتَحِقٍّ، وقُدِّمَ لِيَصِلَ عِنْدَ الْحَوْلِ، وإِنْ قَدَّمَ مُعَشَّراً أَوْ دَيناً أَوْ عَرْضاً قَبْلَ قَبْضِهِ، أَوْ نُقِلَتْ لِدُونِهِمْ، أَوْ دُفِعَتْ بِاجْتِهَادٍ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ، وتَعَذَّرَ رَدُّهَا إِلا لِلإِمَامِ، أَوْ طَاعَ بِدَفْعِهَا لِجَائِرٍ فِي صَرْفِهَا أَوْ بِقِيمَةٍ لَمْ تُجْزِ، لا إِنْ أُكْرِهَ أَوْ نُقِلَتْ لِمِثْلِهِمْ أَوْ قُدِّمَتْ فِي عَيْنٍ ومَاشِيَةٍ، فَإِنْ ضَاعَ الْمُقَدَّمُ، فَمِنَ الْبَاقِي وإِنْ تَلِفَ جُزْءُ نِصَابٍ ولَوْ يُمْكِنُ الأَدَاءُ سَقَطَتْ كَعَزْلِهَا فَضَاعَتْ، لا إِنْ ضَاعَ أَصْلُهَا، وضَمِنَ إِنْ أَخَّرَهَا، عَنِ الْحَوْلِ، أَوْ أَدْخَلَ عُشْرَهُ مُفَرِّطاً، لا مُحَصِّناً، وإلا فَتَرَدُّدٌ، وأُخِذَتْ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ، وكَرْهاً وإِنْ بِقِتَالٍ [18 / أ] وأُدِّبَ، ودُفِعَتْ لِلإِمَامِ الْعَدْلِ، وإِنْ عَيْناً. وإِنْ غُرَّ عَبْدٌ بِحُرِّيَّةٍ فَجِنَايَةٌ عَلَى الأَرْجَحِ، وزَكَّى مُسَافِرٌ مَا مَعَهُ. ومَا غَابَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مُخْرِجٌ ولا ضَرُورَةَ. ¬
فصل زكاة الفطر
قوله: (وفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ) أي: وفِي إخراج غير النوع عن المصوغ تَرَدُّدٌ، فهو كقول ابن الحاجب: فإن أخرج ورقاً عن مصوغ جائز، وقلنا إنها ملغاة ففي اعتبار قيمتها قَوْلانِ لابن الكاتب وأبي عمران، وألف القبيلان فِيهَا بناءً عَلَى أن الورق كالطعام فِي جزاء الصيد أو لا حقّ للمساكين فِي الصياغة (¬1). [فصل زكاة الفطر] يَجِبُ بِالسُّنَّةِ صَاعٌ أَوْ جُزْؤُهُ عَنْهُ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وقُوتِ عِيَالِهِ وإِنْ بِتَسَلُّفٍ، وهَلْ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوِ الْفَجْرِ، خِلافٌ. قوله: (يَجِبُ بِالسُّنَّةِ صَاعٌ أَوْ جُزْؤُهُ) [الظاهر من لفظه أنه أراد بجزء الصاع ما يجب عَلَى مالك جزء من رقيق، وقد فسّر قدره] (¬2) بقوله بعد: (والمشترك والمبعض بقدر الملك)، ونحوه لابن عرفة حيث حدّ زكاة الفطر إِذَا أريد به المصدر بأنها: إعطاء مسلم فقير [لقوته] (¬3) يوم الفطر صاعاً من غالب القوت، أو جزءه المسمى للجزء المقصور وجوبه عَلَيْهِ قال: ولا ينتقض بإعطاء صاع ثانٍ؛ لأنه زكاة كأضحية ثانية، وإلا زيد مرة واحدة، وحدّها (¬4) إِذَا أريد بها الاسم بأنها: صاع من غالب القوت، أو جزءه المسمى للجزء المقصور وجوبه عَلَيْهِ يعطى مسلماً فقيراً لقوت يوم الفطر. انتهى. ولا يبعد هذا المحمل قوله: (عنه)؛ لعطفه عَلَيْهِ (وعن كل مسلم)، ولو أراد الإشارة لقول سند: من قدر عَلَى بعض الزكاة أخرجه عَلَى ظاهر المذهب. لكان الأنسب أن يقول: أو بعضه عوضاً من قوله: (أو جزؤه). ¬
مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ مِنْ مُعَشَّرٍ، أَوْ أَقِطٍ، غَيْرَ عَلَسٍ، إِلا أَنْ يَقْتَاتَ غَيْرُهُ، وعَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يَمُونُهُ بِقَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ، وإِنْ لأَبٍ وخَادِمِهَا أَوْ رِقٍّ لَوْ مُكَاتِباً وآبِقاً رُجِيَ، ومَبِيعاً بِمُوَاضَعَةٍ أَوْ خِيارٍ ومُخْدَماً، إِلا لِحُرِّيَّةٍ فَعَلَى مُخْدَمِهِ، والْمُشْتَرِكُ، والْمُبَعِّضُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ، ولا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ، والْمُشْتَرَى فَاسِداً عَلَى مُشْتَرِيهِ، ونُدِبَ إِخْرَاجُهَا بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ الصَّلاةِ، ومِنْ قُوتِهِ الأَحْسَنِ، وغَرْبَلَةُ الْقَمْحِ إِلا الْغَلِثِ. قوله: (مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ) أي: من أغلب قوت البلد لا قوت المؤدي، بدليل ما ذكر بعد من ندب إخراجها من قوته (¬1) الأحسن، وجوازها من قوته (¬2) الأدون. ودَفْعُهَا لِمَنْ زَالَ فَقْرُهُ، أَوْ رِقُّهُ يَوْمَهُ ولِلإِمَامِ الْعَدْلِ، وعَدَمُ زِيَادَةٍ، وإِخْرَاجُ الْمُسَافِرِ، وجَازَ إِخْرَاجُ أَهْلِهِ عَنْهُ ودَفْعُ صَاعٍ لِمَسَاكِينَ وآصُعٍ لِوَاحِدٍ وقُوتِهِ الأَدْوَنِ إِلا لِشُحٍّ، وإِخْرَاجُهُ قَبْلَهُ بِكَالْيَوْمَيْنِ، وهَلْ مُطْلَقاً أَوْ لِمُفَرِّقٍ تَأْوِيلانِ ولا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا وإِنَّمَا تُدْفَعُ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ. قوله: (وعَدَمُ زِيَادَةٍ) الظاهر من اقتصاره عَلَى هذه العبارة أنه يشير لقول مالك: لا يؤديها بالمُدّ الأكبر بل بِمُدِّهِ - عليه السلام - (¬3). فإن أراد خيراً (¬4) فعلى حدته. قال القرافي: سدّاً لذريعة تغيير المقادير الشرعية. ولو أراد عدم زيادة المسكين على صاع واحد لقال مثلاً: وعدم زيادة مسكين، وسيقول فِي الجائزات ودفع صاع لمساكين وآصع لواحد. والله تعالى أعلم. ¬
باب الصيام
[باب الصيام] يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ، أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ، ولَوْ بِصَحْوٍ بِمِصْرٍ، فَإِنْ لَمْ يُرَ بَعْدَ ثَلاثِينَ صَحْواً كُذِّبَا أَوْ مُسْتَفِيضَةً. قوله: (فَإِنْ لَمْ يُرَ بَعْدَ ثَلاثِينَ صَحْواً كُذِّبَا) ليس بمفرع عَلَى شهادة الشاهدين فِي الصحو والمصر فقط كما قيل، بل هو أعم من ذلك. وعَمَّ، إِنْ نُقِلَ بِهِمَا عَنْهُمَا، لا بِمُنْفَرِدٍ إِلا كَأَهْلِهِ ومَنْ لا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِأَمْرِهِ. قوله: (لا بِمُنْفَرِدٍ) يحتمل أن يريد به لا بإخبار منفرد عن رؤية نفسه، وهذا جارٍ عَلَى المنصوص فِي المذهب إلّا أنه بعيد من لفظه، ويحتمل أن يريد لا بنقل منفرد عن الشهادة أو الاستفاضة، وهذا هو الظاهر من لفظه، إلا أنه جارٍ عَلَى غير المشهور، فقد اختلف فِي نقل ثبوته بخبر الواحد، فأجازه أبو محمد، وحكاه عن أحمد بن ميسر، وأباه أبو عمران الفاسي وقال: إنما قاله ابن ميسر فيمن بعث لذلك، وليس كنقل الرجل لأهله؛ لأنه القائم عليهم، وصوّب ابن رشد [24 / ب] وابن يونس قول أبي محمد، وأنه لا فرق بينه وبين نقله لأهله، ولَمْ يحك اللخمي والباجي غيره، هذا تحصيل ابن عرفة، وزاد: ونَقْل ابن الحاجب الخلاف فِي نقله لأهله لا أعرفه (¬1). وَعَلَى عَدْلٍ أَوْ مَرْجُوٍّ رَفْعُ رُؤْيَتِهِ. قوله: (وعَلَى عَدْلٍ أَوْ مَرْجُوٍّ رَفْعُ رُؤْيَتِهِ) ظاهره ولو علم المرجو جرحة نفسه، وكذا فِي " النوادر " عن أشهب (¬2). وَالْمُخْتَارُ، وغَيْرِهِمَا، وإِنْ أَفْطَرُوا فَالْقَضَاءُ والْكَفَّارَةُ، إِلا بِتَأْوِيلٍ فَتَأْوِيلانِ. قوله: (والْمُخْتَارُ، وغَيْرِهِمَا) يوهم كما قيل أن اللخمي اختار وجوب رفع غير العدل ¬
والمرجو، وإنما اختار قول أشهب باستحبابه. قال ابن عرفة: ونقْل ابن بشير بدل استحبابه وجوبه لا أعرفه. لا بِمُنَجِّمٍ ولا يُفْطِرُ مُنْفَرِدٌ بِشَوَّالٍ ولَوْ أَمِنَ الظُّهُورَ، إِلا بِمُبِيحٍ، وفِي تَلْفِيقِ شَاهِدٍ أَوَّلَهُ لآخَرَ آخره، ولُزُومِهِ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ بِشَاهِدٍ تَرَدُّدٌ، ورُؤْيَتُهُ نَهَاراً لِلْقَابِلَةِ، وإِنْ ثَبَتَ نَهَاراً أَمْسَكَ، وإِلا كَفَّرَ إِنِ انْتَهَكَ، وإِنْ غَيَّمَتْ ولَمْ يُرَ فَصَبِيحَتُهُ يَوْمُ الشَّكِّ، وصِيمَ عَادَةً وتَطَوُّعاً، وقَضَاءً وكَفَّارَةً (¬1)، ولِنَذْرٍ صَادَفَ، لا احْتِيَاطاً ونُدِبَ إِمْسَاكُهُ لِيُتَحَقَّقَ، لا لِتَزْكِيَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ زَوَالِ عُذْرٍ مُبَاحٌ لَهُ الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ كَمُضْطَرٍّ، فَلِقَادِمٍ وَطْءُ زَوْجَةٍ طَهُرَتْ، وكَفُّ لِسَانٍ وتَعْجِيلُ فِطْرٍ وتَأْخِيرُ سُحُورٍ، وصَوْمٌ بِسَفَرٍ، وإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ وصَوْمُ عَرَفَةَ إِنْ لَمْ يَحُجَّ، وعَشْرُ ذِي الْحُجَّةِ وعَاشُورَاءَ وتَاسُوعَاءَ، والْمُحَرَّمِ، ورَجَبٍ، وشَعْبَانَ وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ لِمَنْ أَسْلَمَ وقَضَاؤُهُ، وتَعْجِيلُ الْقَضَاءِ، ومُتَابَعَتُهُ كَكُلِّ صَوْمٍ لَمْ يَلْزَمْ تَتَابُعُهُ، وبَدْءٌ بِكَصَوْمٍ تَمَتُّعٍ، إِنْ لَمْ يَضِقِ الْوَقْتُ، وفِدْيَةٌ لِهَرِمٍ أَوْ عَطَشٍ وصَوْمُ ثَلاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وكُرِهَ كَوْنُهَا الْبِيضَ كَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ، وذَوْقُ مِلْحٍ وعِلْكٌ ثُمَّ يَمُجُّهُ، ومُدَاوَاةُ حَفَرٍ زَمَنَهُ إِلا لِخَوْفِ ضَرَرٍ، ونَذْرُ [18 / ب] يَوْمٍ مُكَرَّرٍ، ومُقَدِّمَةُ جِمَاعٍ كَقُبْلَةٍ، وفِكْرٍ، إِنْ عُلِمَتِ السَّلامَةُ، وإِلا حَرُمَتْ، وحِجَامَةُ مَرِيضٍ فَقَطْ، وتَطَوُّعٌ قَبْلَ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ، ومَنْ لا يُمْكِنُهُ رُؤْيَةٌ ولا غَيْرُهَا كَأَسِيرٍ كَمَّلَ الشُّهُورَ. قوله: (لا بِمُنَجِّمٍ) هو [في] (¬2) مقابلة قوله: (يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ ... إلى آخر الثلاثة). وهو مما يؤيد الاحتمال الثاني الذي ذكرنا فِي قوله: (لا بمنفرد) فتدبّره. تكميل: قال ابن بشير: وقد ركن بعض أصحابنا البغداديين إِلَى أن الإنسان إِذَا تحقق عنده بالحساب إمكان الرؤية رجع إليها مَعَ الغيم، وهذا باطل. قال ابن عرفة: لا أعرفه لمالك (¬3)، بل قال ابن العربي: كنت أنكر عَلَى الباجي نقله عن بعض الشافعية لتصريح أئمتهم بلغوه حتى رأيته لابن شريح، وقاله بعض التابعين (¬4). ¬
وإِنِ الْتَبَسَتْ وظَنَّ شَهْراً صَامَهُ، وإِلا تَخَيَّرَ. قوله: (وإِلا تَخَيَّرَ) إنما عدل عن قول ابن الحاجب: يتحرى (¬1)؛ لأنه ناقشه فِي " التوضيح " بأن فرض المسألة أنه فاقد للظن فكيف يتحرى؟ قال: وإنما مراده يتخير، فأطلق عَلَيْهِ التحرّي لعدم اللبس (¬2). وَأَجْزَأَ مَا بَعْدَهُ بِالْعَدَدِ. قوله: (وأَجْزَأَ مَا بَعْدَهُ بِالْعَدَدِ) أي: يعتبر عدد أيام رمضان، فلو وافق شوالاً لَمْ يحسب يوم العيد، ثم إن كانا كاملين أو ناقصين قضى يوماً واحداً وهو يوم العيد، وإن كان رمضان ناقصاً وشوال كاملاً لَمْ يقض (¬3) شيئاً، وإن كان العكس قضى يومين، وكذلك إن صادف ذا الحجّة لَمْ يعتد بيوم النحر، ولا بأيام التشريق، ثم ينظر إِلَى ما بقى. لا قَبْلَهُ، أَوْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ. قوله: (لا قَبْلَهُ) أي: فلا يجزئه إن وافق ما قبل رمضان سواءً كان ذلك فِي سنة واحدة أو فِي أكثر، وذلك متفق عَلَيْهِ فِي السنة الواحدة، واختلف فيما زاد عَلَيْهَا فقيل هو كالسنة الواحدة فِي عدم الإجزاء، وعَلَيْهِ درج المصنف حيث أطلق، وقيل: يقع الشهر الثاني قضاءً من رمضان الأول والثالث قضاءً [عن] (¬4) الثاني ثم كذلك. قال ابن عبد السلام: وأجراهما بعضهم عَلَى الخلاف فِي طلب تعيين الأيام فِي الصلاة، والأقرب عدم الإجزاء قياساً عَلَى من بقي أيّاماً يصلّي الظهر مثلاً قبل الزوال، وقد يفرق بأن أمارات أوقات الصلاة أظهر من أمارات رمضان، وفرض الصلاة متسع الوقت فالمخطئ مفرّط. وَفِي مُصَادَفَتِهِ تَرَدُّدٌ. قوله: (وفِي مُصَادَفَتِهِ تَرَدُّدٌ) أي: فإِذَا تبين له أنه صادف رمضان الذي قصد صومه ففي إجزائه تَرَدُّدٌ، وذلك أن اللخمي قطع بإجزائه كأنه المذهب. وقال ابن رشد فِي رسمٍ لَمْ ¬
يدرك من سماع عيسى (¬1): لا يجزيه عَلَى مذهب ابن القاسم، ويجزيه عَلَى مذهب أشهب وسحنون، فاستشكله فِي " التوضيح " مَعَ حكايته فِي " البيان " و " المقدمات " الاتفاق عَلَى الإجزاء إِذَا صادف شهراً بعده. قال: وينبغي أن يكون عدم الإجزاء فيما بعده أولى (¬2) وقد ذكر فِي " النوادر " الإجزاء عن ابن القاسم إِذَا صادفه، وجزم صاحب " الأشراف " به ثم قال: وفيه خلاف. انتهى فليتأمل. وذكر ابن عرفة أنه لَمْ يجد لابن القاسم ما نقله عنه ابن رشد من عدم الإجزاء إِذَا صادفه، ثم استبعد أن يكون أخذه من قوله فِي سماع عيسى يعيد كل رمضان صامه إِذَا لَمْ يدر قبل رمضان صام أم بعده؛ مَعَ نقله عنه أنه إن بان أنه بعده أجزأه. قال بل ذكر الشيخ أبو محمد سماع عيسى بزيادة فليعد كلّ ما صام حتى يوقن أنه صادفه أو صام بعده. ونقل عياض عن ابن القاسم فِي " العتبية " كابن رشد، وخرّجه عَلَى قول مالك من صام يوم الشكّ لرمضان فصادفه لَمْ يجزه، ويردُّ بأن نية تعيين مبهم [عُلم] (¬3) امتناع عدمه أقوى من نية محتمل لا يمتنع عدمه. انتهى. يعني: أن رمضان فِي فرض المسألة مبهم علم امتناع عدمه فِي السنة إذ لابد من وجوده فِيهَا، فنية تعيينه أقوى من نية الاحتياط لصوم يوم الشكّ، فإنه محتمل وجوده وعدم وجوده؛ لأنه لا يمتنع عدمه بحيث لا يكون من رمضان أصلاً وهو فرق نبيل (¬4). وَصِحَّتُهُ مُطْلَقاً بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ، وكَفَتْ لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ لا مَسْرُودٍ ويَوْمٍ مُعَيَّنٍ، ورُوِيَتْ عَلَى الاكْتِفَاءِ فِيهِمَا، لا إِنِ انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ بِكَمَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ، وبِنَقَاءٍ، (¬5) ووَجَبَ إِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ وإِنْ لَحْظَةً، ومَعَ الْقَضَاءِ إِنْ شَكَّتْ، وبِعَقْلٍ، وإِنْ جُنَّ ولَوْ سِنِينَ كَثِيرَةً أَوْ أُغْمِيَ يَوْماً أَوْ جُلَّهُ أَوْ أَقَلَّهُ ولَمْ يَسْلَمْ أَوَّلَهُ فَالْقَضَاءُ، لا إِنْ سَلِمَ ولَوْ نِصْفَهُ، وبِتَرْكِ جِمَاعٍ، وإِخْرَاجِ مَنِيٍّ، ومَذْيٍ، وقَيْءٍ. ¬
قوله: (وَصِحَّتُهُ مُطْلَقاً بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ) فهم من الإطلاق أن عاشوراء كغيره وهو المشهور. أَوْ مَعَ الْفَجْرِ. قوله: (أَوْ مَعَ الْفَجْرِ) هذا قول عبد الوهاب، خلاف رواية ابن عبد الحكم أنها لا تجزئ. قال ابن عرفة، وصوّب اللخمي الأول بما حاصله: كلّ ما جاز للأكل حتى الفجر لَمْ يجب الإمساك إلا معه، والأول حقٌّ؛ لآية {حَتَّى يَتَبَيَّنَ} [البقرة: 187]، [25 / أ] وحديث: " حتى ينادي ابن أم مكتوم " (¬1)؛ فإنه لا ينادي حتى يطلع الفجر، وكل ما لَمْ يجب الإمساك إلّا مقارناً للفجر لَمْ تجب النية إلّا كذلك، لعدم فائدة تقدّم النية عَلَى المنوي، وتبعه ابن رشد، ويُردّ بأن ظاهره حصر وجوب النية في المقارنة وهو خلاف الإجماع، وبأن أول جزء من الإمساك واجب النية كسائره، وكل ما كان كذلك لزم تقدم نيته عَلَيْهِ؛ لأنها قصد إليه، والقصد متقدّم عَلَى المقصود وإلّا كان غير منوي (¬2). وإِيصَالِ مُتَحَلِّلٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ لِمَعِدَةٍ بِحُقْنَةٍ بِمَائِعٍ، أَوْ حَلْقٍ، وإِنْ مِنْ أَنْفٍ، وأُذُنٍ، وعَيْنٍ، وبُخُورٍ، وقَيْءٍ، وبَلْغَمٍ إِنْ أَمْكَنَ طَرْحُهُ مُطْلَقاً. قوله: (لِمَعِدَةٍ بِحُقْنَةٍ بِمَائِعٍ (¬3) أَوْ حَلْقٍ، وإِنْ مِنْ أَنْفٍ، وأُذُنٍ، وعَيْنٍ) الظاهر أن قوله: (أو حلق) معطوف عَلَى معدة؛ فكأنه اعتبر فيما يصل من الأسفل بالحقنة ما يليه وهو المعدة، وفيما يصل من الأعالي ما يليها وهو الحلق، فما جاوز ما يليه كان أحرى، وهذا وإن [لم] (¬4) يساعد عبارة غيره فإليها يرجع فِي المعنى، ويحتمل عَلَى بُعدٍ أن يكون معطوفاً عَلَى حقنة كأنه قال: سواء كان وصوله للمعدة بسبب حقنة أو بسبب مرور عَلَى حلق. ¬
تنبيهات: الأول: حكى ابن حبيب فِي كتاب الطبّ عن جماعة من السلف: كراهة الحقنة لغير ضرورة غالبة؛ لأنها شعبة من عمل قوم لوط قال: ورواه (¬1) مُطرِّف عن مالك (¬2)، وفِي " المختصر " روى ابن عبد الحكم عن مالك: ليس بها بأس. قال فِي " التوضيح ": ظاهره خلاف ويمكن حمل الأخير عَلَى الضرورة فيتفقان (¬3). الثاني: لمّا نوّع المصنّف الأعالي للمنفذ (¬4) المتسع والضيّق، ولَمْ يفعل ذلك فِي الأسافل، دلّ عَلَى أن ما يقطر فِي الإحليل ليس كالحقنة فِي الدبر كما صرّح به بعد هذا، ومثله فِي " المدوّنة ". قال ابن عرفة: ونقْل ابن الحاجب القضاء فيه لا أعرفه (¬5). الثالث: يتناول قوله: (أو عين) كل ما يكتحل به من أثمد أو صبر أو غيرهما كما فِي " المدوّنة ". الرابع: قال فِي الذخيرة من اكتحل ليلاً لا يضره هبوط الكحل فِي معدته نهاراً (¬6) [فإن سلم فهو خلاف ما يأتي فِي الاستياك بالجوزاء ليلاً، والفرق سهل] (¬7). الخامس: إِذَا علم من عادته أن الكحل أو نحوه لا يصل إِلَى حلقه فلا شئ عَلَيْهِ قاله اللخمي. ¬
السادس: قال أبو الحسن الصغير: هذا أصل فِي كلّ ما يعمل فِي الرأس من الحناء والدهن وغيرهما، وفِي " التهذيب " عن السليمانية: من تبخّر بالدواء فوجد طعم الدّخان فِي حلقه يقضي يوماً، بمنزلة من اكتحل أو دهن رأسه فوجد طعم ذلك. انتهى. والقصد منه دهن الرأس. ابن الحاجب بخلاف دهن الرأس، وقيل: إلّا أن يستطعمه (¬1). ابن عبد السلام: خلاف فِي حال (¬2) " التوضيح ": لَمْ أر الأول (¬3). وعدّ عياض فِي " قواعده " دهن الرأس من المكروهات فقال: القبّاب لا يجوز عَلَى المشهور أن يعمل عَلَى رأسه حناء أو غيره إِذَا علم بوصوله لحلقه، ويكره عَلَى قول أبي مصعب، وعَلَيْهِ مشى فِي " القواعد ". السابع: قال سند: لو حكّ أسفل رجليه بالحنظل فوجد طعمه فِي فيه أو قبض بيده عَلَى الثلج فوجد برده فِي جوفه فلا شئ عَلَيْهِ. أَوْ غَالِبٍ مِنْ مَضْمَضَةٍ. قوله: (أَوْ غَالِبٍ مِنْ مَضْمَضَةٍ) ينبغي أن يكون تقديره: أو وصول غالب (¬4) لا إيصال غالب؛ لأن (¬5) الغلبة تنافي الإيصال (¬6) دون الوصول إذ هو أعمّ. أَوْ سِوَاكٍ، وقَضَى فِي الْفَرْضِ مُطْلَقاً، وإِنْ بِصَبٍّ فِي حَلْقِهِ نَائِماً كَمُجَامَعَةِ نَائِمَةٍ. قوله: (أَوْ سِوَاكٍ) هذا هو الصحيح وقال ابن حبيب: من جهل أن يمجّ ما اجتمع فِي فيه من السواك الرطب فلا شئ عَلَيْهِ. قال الباجي: وفيه نظر؛ لأنه يغيّر الريق وما كان بهذه الصفة ففي عمده القضاء والكفارة، وفِي التأول والنسيان القضاء فقط، ويأتي الكلام عَلَى الجوز (¬7). ¬
وَكَأَكْلِهِ شَاكَّاً فِي الْفَجْرِ، أَوْ طَرَأَ الشَّكُّ، ومَنْ لَمْ يَنْظُرْ دَلِيلَهُ اقْتَدَى بِالْمُسْتَدِلِّ، وإِلا احْتَاطَ. قوله: (وَكَأَكْلِهِ شَاكَّاً فِي الْفَجْرِ) سكت عن الشكّ فِي الغروب لأنه أحرى. إِلا الْمُعَيَّنُ لِمَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ، أَوْ نِسْيَانٍ. قوله: (إِلا الْمُعَيَّنُ لِمَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ، أَوْ نِسْيَانٍ) اتبع فِي النسيان تشهير ابن الحاجب (¬1)، وقد وهّمه ابن عرفة وشهَّر القضاء. وَفِي النَّفْلِ، بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ ولَوْ بِطَلاقٍ بَتٍّ، إِلا لِوَجْهٍ كَوَالِدٍ، وشَيْخٍ وإِنْ لَمْ يَحْلِفَا. قوله: (وَفِي النَّفْلِ، بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ ولَوْ بِطَلاقٍ بَتٍّ، إِلا لِوَجْهٍ كَوَالِدٍ، وشَيْخٍ وإِنْ لَمْ يَحْلِفَا) ظاهره أن الإغياء والاستثناء راجعان للقضاء، وذلك لا يصح فيجب صرفهما لتحريم تعمّد الفطر فِي النفل، والمعنى: أنه يحرم عَلَى المتطوع تعمد الفطر لغير عذرٍ من مرض ونحوه، فيخالف من أمره بذلك، ويحنث من حلف عَلَيْهِ ولو كانت يمينه بطلاق الثلاث إلّا أن يكون ذلك لوجهٍ كحنانة والديه وأمر شيخه. فإن قلت: ولأي خلاف أشار (بلو)؟ قلت: جاءت الرواية عن مُطرِّف فِي " النوادر " أنه يحنث الحالف عَلَيْهِ بالله مُطْلَقاً، وبالطلاق والعتق والمشي، إلّا أن يكون لذلك وجه واجب [25 / ب] كطاعة أبويه إن عزما عَلَى فطره ولو بغير يمين، زاد ابن رشد: إن كان رقّة عَلَيْهِ لإدامة صومه. انتهى، فاختلف المتأخرون من الفاسيين فِي معنى قوله: (إلّا أن يكون لذلك وجه) فحكى عن أبي الفضل راشد أنه قال: الوجه أن يقصد بيمينه الحنانة، كأنه رده لما ذكر بعده فِي الأبوين، ومنهم من قال: الوجه أن يكون يمينه آخر (¬2) الثلاث فلا يحنثه فلعلّ المصنف أشار (بلو) لخلاف هذا الثاني، وعَلَيْهِ فقوله: (كوالد وشيخ) تمثيل عَلَى طريق التفسير للوجه، وليس ¬
بتشبيه لإفادة حكم فِي فرع آخر، هذا أمثل ما انقدح لي فِي الوقت فِي تمشيته، مَعَ أن كلام مُطرِّف ينبوا عن هذا المحمل، عَلَى أنه لا يرفع الإشكال بالكلية، بل يبقى فيه من المناقشة أن يقال: هذا ينتج أن الإفطار لعزيمة الوالدين والشيخ ليس بحرام؛ وإِذَا لَمْ يكن حراماً فلا قضاء عَلَيْهِ عملاً بقوله: (وفِي النَّفْلِ بِالْعَمْدِ الْحَرَامِ)، وليس كذلك، بل لابد من القضاء كما يأتي فِي كلام عياض. والله تعالى أعلم. وأما إلحاق حرمة الشيخ بحرمة الوالدين فعزاه فِي " التوضيح " لابن غلاب (¬1)، ويشبه أن يكون منزعاً صوفياً، كما حكى فِي الشابّ الذي قالوا له: كل معنا. فقال: إنّي صائم. فقال أبو يزيد البسطامي دعوا من سقط من عين الله. على أنه جاء عن عيسى بن مسكين، أحد فقهاء المالكية أنه قال لصاحب له فِي صوم تطوع أمره بفطره: ثوابك فِي سرور أخيك المسلم بفطرك عنده أفضل من صومك، ولَمْ يأمره بقضائه. فقال عياض: قضاؤه واجب، ولَمْ يذكره لوضوحه. ابن عرفة: هذا خلاف ظاهر المذهب يعني إباحة الفطر قال: ونقل بعض الشيوخ عن شيوخنا عن الشيخ الصالح الفقيه أبي علي الحسن (¬2) الزَّبيدي أنه قال لصائم متطوع حضره طعام جماعة: كل ونعلمك فائدة، فلما أكل أخذ بأذنه وقال له: إِذَا عقدت مَعَ الله عهداً فلا تنقضه. ابن عرفة: لعلّه علم منه عزمه عَلَى الفطر تأولاً. وَكَفَّرَ إِنْ تَعَمَّدَ بِلا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ وجَهْلٍ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ جِمَاعاً. قوله: (بِلا تَأْوِيلٍ قَرِيبٍ وجَهْلٍ) المتأول هو: المستند إِلَى شبهة، والجاهل هو: الذي لا يستند إِلَى شئ. قال اللخمي: اختلف فِي الجاهل فجعله ابن حبيب كالعامد فقال فِي الذي يتناول فلقة حبة: إن كان ساهياً فلا كفارة عَلَيْهِ، وإن كان جاهلاً أو عامداً كان عَلَيْهِ القضاء والكفارة، والمعروف من المذهب: أن الجاهل فِي حكم المتأول ولا كفارة عَلَيْهِ؛ لأنه لَمْ ¬
يقصد انتهاك صومه، ولو كان رجل حديث عهدٍ بالإسلام يظن أن الصيام الإمساك عن الأكل والشرب دون الجماع لَمْ تجب عَلَيْهِ كفّارة إن جامع. أَوْ رَفْعَ نِيَّةٍ نَهَاراً أَوْ أَكْلاً أَوْ شُرْباً بِفَمٍ فَقَطْ وإِنْ بِاسْتِيَاكٍ بِجَوْزَاءَ، أَوْ مَنْيَّاً وإِنْ بِإِدَامَةِ فِكْرٍ إِلا أَنْ يُخَالِفَ عَادَتُه عَلَى الْمُخْتَارِ، وإِنْ أَمْنَى بِتَعَمُّدِ نَظْرَةٍ، فَتَأْوِيلانِ. بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِيناً لِكُلٍّ مُدٌّ، وهُوَ الأَفْضَلُ، أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ، أَوْ عِتْقِ رَقَبَةٍ كَالظِّهَارِ، وعَنْ أَمَةٍ وَطِئَهَا، أَوْ زَوْجَةٍ أَكْرَهَهَا نِيَابَةً، فَلا يَصُومُ، ولا يَعْتِقُ عَنْ أَمَةٍ. قوله: (وإِنْ بِاسْتِيَاكٍ بِجَوْزَاءَ) تقدم عند قوله: (أو غالب من مضمضة أو سواك) ما صوّبه الباجي: أن السواك الرطب المغيّر للريق فِي تعمد ابتلاعه القضاء والكفارة، وفِي التأويل والنسيان القضاء فقط (¬1)، وهذا لا يختصّ بالجوزاء نعم هي أشدّ من غيرها، حتى ذكر عن أبي محمد صالح عن بعض ثقات شيوخه أنه وقف لابن لبابة أو (¬2) غيره عَلَى أن من استاك بالجوزاء فِي رمضان ليلاً وأصبح عَلَى فيه فعَلَيْهِ القضاء، وإن استاك بالنهار فعَلَيْهِ القضاء والكفارة. انتهى. وقد وقفت فِي النسخة الكبرى من نوازل ابن الحاجّ عَلَى ما نصّه: قال ابن عتاب: ومما لا يجوز الاستياك به سواك أهل زماننا هذا المتخذ من أصول الجوز، فمن استاك به فِي ليلٍ أو نهار فعَلَيْهِ القضاء. انتهى. يعني: لا يجوز للرجال كما قال أبو عمر بن عبد البر وأنكره ابن العربي، ومن الغريب ما كتب لي به شيخنا الفقيه الحافظ أبو عبد الله القوري أنّ شيخنا الفقيه أبا محمد عبد الله العبدوسي أفتى: أن من تسحّر بالنبات المسمى بالحرشف فأصبح صبغه عَلَى فيه بمنزلة من استاك بالجوزاء ليلاً. وهذا اللفظ عند أهل اللغة بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة ذكره الزبيدي فِي " لحن العامّة " وغيره. ¬
وإِنْ أَعْسَرَ كَفَّرَتْ ورَجَعَتْ، إِنْ لَمْ تَصُمْ بِالأَقَلِّ مِنَ الرَّقَبَةِ. وكَيْلِ الطَّعَامِ، وفِي تَكْفِيرِهِ عَنْهَا إِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْقُبْلَةِ حَتَّى أَنْزَلا تَأْوِيلانِ وفِي تَكْفِيرِ مُكْرِهِ رَجُلٍ لِيُجَامِعَ قَوْلانِ، لا إِنْ أَفْطَر نَاسِياً، أَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ إِلا بَعْدَ الْفَجْرِ. قوله: (وَرَجَعَتْ [إِنْ لَمْ تَصُمْ] (¬1) بِالأَقَلِّ مِنَ الرَّقَبَةِ. وكَيْلِ الطَّعَامِ) كان حقّه أن يزيد وثمنه كما قال عبد الحق فِي " [النكت] (¬2) " [وابن محرز] (¬3). أَوْ تَسَحَّرَ قُرْبَهُ، أَوْ قَدِمَ لَيْلاً، أَوْ سَافَرَ دُونَ الْقَصْرِ، أَوْ رَأَى شَوَّالاً نَهَاراً فَظَنُّوا الإِبَاحَةَ، بِخِلافِ بَعِيدِ التَّأْوِيلِ كَرَاءٍ، ولَمْ يُقْبَلْ. قوله: (أَوْ [تَسَحَّرَ] (¬4) قُرْبَهُ) نصّه (¬5) فِي سماع أبي زيد وسئل عن رجلٍ تسحّر فِي رمضان فِي الفجر، فظنّ أن ذلك اليوم لا يجزئ عنه صيامه، فأكل متأولاً؟ قال: يقضي يوماً مكانه ولا كفارة عَلَيْهِ. قال ابن رشد: هذا بيّن مثل ما فِي " المدوّنة " وأغفل ابن عرفة هذا السماع (¬6). أَوْ [أَفْطَرَ] (¬7) لِحُمَّى ثُمَّ حُمَّ أَوْ لِحَيْضٍ ثُمَّ حَصَلَ، أَوْ حِجَامَةٍ أَوْ غِيبَةٍ، ولَزِمَ مَعَهَا الْقَضَاءُ إِنْ كَانَتْ لَهُ. قوله: (ولَزِمَ مَعَهَا الْقَضَاءُ إِنْ كَانَتْ لَهُ) أي: للمكفر، احترازاً ممن كفّر عن غيره من أمة وزوجة وغيرهما. ¬
والْقَضَاءُ فِي التَّطَوُّعِ بِمُوجِبِهَا ولا قَضَاءَ فِي غَالِبِ قَيْءٍ، وذُبَابٍ وغُبَارِ طَرِيقٍ، أَوْ دَقِيقٍ، أَوْ كَيْلٍ، أَو جبسٍ لِصَانِعِهِ، وحُقْنَةٍ فِي إِحْلِيلٍ أَوْ دُهْنِ جَائِفَةٍ، ومَنِيِّ مُسْتَنْكِحٍ أَوْ مَذْيٍ ونَزْعِ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ أَوْ فَرْجٍ طُلُوعَ الْفَجْرِ، وجَازَ سِوَاكٌ كُلَّ النَّهَارِ، ومَضْمَضَةٌ لِعَطَشٍ، [19 / أ] وإِصْبَاحٌ بِجَنَابَةٍ، وصَوْمُ دَهْرٍ وجُمُعَةٍ فَقَطْ وفِطْرٌ بِسَفَرٍ قَصْرٍ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ ولَمْ يَنْوِهِ فِيهِ، وإِلا قَضَى ولَوْ تَطَوُّعاً. [قوله: (ونَزْعِ مَأْكُولٍ) ظاهره كظاهر كلام غيره أنه لا يحتاج إِلَى مضمضة، ورأيت فِي النسخة الكبرى من نوازل ابن الحاجّ أنه يلقى ما فِي فيه ويتمضمض، وظاهر سياقه أنه لابن القاسم، [26 / أ] وفِي نوازل البرزلي: من نام قبل أن يتمضمض حتى طلع الفجر وقد بيّت الصيام فلا شئ عليه] (¬1). ولا كَفَّارَةَ، إِلا أَنْ يَنْوِيَهُ بِسَفَرٍ كَفِطْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ، وبِمَرَضٍ خَافَ زِيَادَتَهُ، أَوْ تَمَادِيَهُ، ووَجَبَ إِنْ خَافَ هَلاكاً، أَوْ شَدِيدَ أَذًى كَحَامِلٍ، ومُرْضِعٍ لَمْ يُمْكِنْهَا اسْتِئْجَارٌ أَوْ غَيْرَهُ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا، والأُجْرَةُ فِي مَالِ الْوَلَدِ، ثُمَّ هَلْ مَالِ الأَبِ، أَوْ مَالِهَا؟ تَأْوِيلانِ، والْقَضَاءُ بِالْعَدَدِ، بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ غَيْرَ رَمَضَانَ وإِتْمَامُهُ إِنْ ذَكَرَ قَضَاءَهُ. قوله: (وَلا كَفَّارَةَ، إِلا أَنْ يَنْوِيَهُ بِسَفَرٍ كَفِطْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ) كأنه شبّه الأضعف الذي يخالف فيه أشهب بالأقوى الذي يوافق عَلَيْهِ، واستوفى مَعَ ذلك ذكر الفرعين المنصوصين؛ فلهذا لَمْ يستغن عن ذكر الأحرى (¬2). وفِي وَجُوبِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ خِلافٌ، وأُدِّبَ الْمُفْطِرُ عَمْداً إِلا أَنْ يَأْتِيَ تَائِباً، وإِطْعَامُ مُدِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِمُفَرِّطٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ لِمِثْلِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِمِسْكِينٍ. قوله: (وَفِي وَجُوبِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ خِلافٌ) قال فِي " التوضيح ": القَوْلانِ جاريان فِي الفرض والنفل نقلهما عبد الحقّ فِي " التهذيب " وابن يونس (¬3) ونحوه لابن عرفة، خلافاً [لابن عبد السلام في] (¬4) تخصيصه الخلاف بقضاء التطوع عَلَى ظاهر ¬
كلام ابن الحاجب (¬1)، وأنه لا يقضي فِي [قضاء] (¬2) رمضان إلّا يوماً واحداً، ثم صوّب ابن عبد السلام عدم التعدد لما يلزم عَلَى طرد التعدد لو أفطر (¬3) فِي قضاء أحد اليومين أن يقضي أَيْضاً يومين، وفِي اليوم الثاني كذلك، ويتضاعف هذا بما لا يقوله هذا القائل؛ فردّه ابن عرفة بقول ابن رشد فِي سماع يحيي: ثم إن أفطر بعد ذلك متعمداً فِي قضاء القضاء كان عَلَيْهِ صيام ثلاثة أيام، اليوم الذي كان ترتب فِي ذمته بالفطر فِي رمضان، أو بالفطر متعمداً فِي التطوع، ويوم لفطره فِي القضاء متعمداً، ويوم لفطره فِي قضاء القضاء متعمداً (¬4). قال ابن عرفة: فهذا يؤذن بتكرره مُطْلَقاً ولا نصّ بخلافه، ونفي ابن عبد السلام له لا أعرفه. ووجدت عَلَى طرته بخط شيخنا الفقيه الحافظ أبي عبد الله القوري فِي " تهذيب الطالب " ما يؤذن بعدم التعدد. ولا يُعْتَدُّ بِالزَّائِدِ إِنْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهُ بِشَعْبَانَ لا إِنِ اتَّصَلَ مَرَضُهُ مَعَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، ومَنْذُورُهُ، والأَكْثَرُ إِنِ احْتَمَلَهُ لَفْظُهُ (¬5) بِلا نِيَّةٍ كَشَهْرٍ، فَثَلاثِينَ، إِنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالْهِلالِ، وابْتِدَاءُ سَنَةٍ. قوله: (لا إِنِ اتَّصَلَ مَرَضُهُ) هذا أحرى من مفهوم الشرط قبله، ثم لو قال عذره لكان أولى؛ لأنه أعمّ، ولما حصّل ابن عرفة الخلاف فِي المسألة قال: ففي كون القضاء عَلَى الفور أو التراخي لبقاء قدره قبل تاليه بشرط السلامة أو مُطْلَقاً، الثلاثة، وأخذ ابن رشد من قولهما فِي الموت (¬6) الأول أظهر من أخذ اللخمي منه الثلاث (¬7) إذ لا يلزم من عدم الفدية عدم الفور ففي قول ابن الحاجب لا يجب [علي] (¬8) الفور اتفاقاً (¬9)، نظر. انتهى. ¬
وأما ابن عبد السلام فقال: هو كما قال متفق عَلَيْهِ؛ وإنما الخلاف فِي الباب عَلَى الخلاف فيمن أخّر أداء الواجب الموسّع فمات فِي آخر الوقت هل يموت آثماً أم لا؟. وقَضَى مَا لا يَصِحُّ صَوْمُهُ فِي سَنَةٍ، إِلا أَنْ يُسَمِّيَهَا، أَوْ يَقَولَ هَذِهِ و (¬1) يَنْوِيَ بَاقِيَهَا، فَهُوَ. قوله: (إِلا أَنْ يُسَمِّيَهَا، أَوْ يَقَولَ هَذِهِ ويَنْوِيَ بَاقِيَهَا، فَهُوَ) أي فالباقي هو الواجب عَلَيْهِ، فالضمير يعود عَلَى الباقي، ويجب أن يعطف ينوي بالواو لا بأو كما فِي النسخ التي وقفنا عَلَيْهَا (¬2)، فما اشتمل كلامه إلّا عَلَى مسألتين، ومما يوضّح ذلك اقتصاره فِي " التوضيح " عليهما ناقلاً قول اللخمي: فإن قال: لله عليّ أن أصوم هذه السنة فإن سمّاها كسنة سبعين - صام ما بقي منها قلّ أو كثر ولا قضاء عَلَيْهِ عن الماضي، وإن قال: هذه السنة ولَمْ يرد استئناف السنة من الآن فالقياس أن لا شئ عَلَيْهِ إلّا صيام ما بقى منها، كالأول. وقال مالك فِي " العتبية " فيمن حلف وهو فِي نصف سنة إن فعل كذا وكذا فعَلَيْهِ صوم هذه السنة إن نوى باقيها فذلك له، وإن لَمْ ينو شيئاً استأنف من يوم حلف اثنا عشر شهراً، وفِي هذا نظر؛ لأن قوله: هذه السنة يقتضي التعريف، وهو بمنزلة من قال: لله عليّ أن أصلي هذا اليوم، فليس عَلَيْهِ إلّا صلاة ما بقى منه. (¬3) انتهى. وفي رسم بع من سماع عيسى قال ابن القاسم: من قال لله عليّ صيام هذه السنة وهو فِي سنة ست وثمانين، وقد مضى نصفها فعَلَيْهِ صيام اثني عشر شهراً. قال ابن رشد: إلّا أن يكون أراد ما بقي من السنة فتكون له نيته قال ذلك مالك فِي سماع أشهب من كتاب الطلاق (¬4)، فمضى المصنّف عَلَى الرواية دون قياس اللخمي، وقال ابن عرفة فِي قياس اللخمي: يردّ بأن ابتداء السنة متأتٍ، فحملها عَلَى بعضها مجاز مَعَ يسر الحقيقة، وابتداء اليوم من حين الاشارة ممتنع، فيحمل عَلَى بعضه مجازاً (¬5). ¬
وَلا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ، بِخِلافِ فِطْرِهِ لِسَفَرٍ، وصَبِيحَةُ الْقُدُومِ فِي يَوْمِ قُدُومِهِ. قوله: (ولا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ) أي: قضاء ما لا يصح صومه لذلك، فالألف واللام للعهد. فإن قلت: هلا حملته عَلَى ما هو أعم من هذا، فأدرجت فيه قضاء أيام المرض والحيض؟. قلت: قوله فيما تقدّم: (إلَّا الْمُعَيَّنَ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِسْيَانٍ (¬1)) يغني عن إعادته هنا، وإن كان قوله بعد هذا (بخِلَافِ فِطْرِهِ لِسَفَرٍ) يناسبه، والأمر قريب. إِنْ قَدِمَ لَيْلَةً غَيْرَ عِيدٍ، وإِلا فَلا، وصِيَامُ الْجُمُعَةِ إِنْ نَسِيَ الْيَوْمَ عَلَى الْمُخْتَارِ، ورَابِعُ النَّحْرِ لِنَاذِرِهِ، وإِنْ تَعْيِيناً لا بِسَابِقَيْهِ، إِلا لِمُتَمَتِّعٍ لا تَتَابُعُ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ أَيَّامٍ. قوله: (إِنْ قَدِمَ لَيْلَةً غَيْرَ عِيدٍ) لو أدخل الكاف عَلَى عيد لكان (¬2) أعمّ. وَإِنْ نَوَى بِرَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ غَيْرَهُ، أَوْ قَضَاءَ الْخَارِجِ أَوْ نَوَاهُ، ونَذْراً لَمْ يُجْزِ (¬3) عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، ولَيْسَ لِمَرْأَةٍ يَحْتَاجُ لَهَا زَوْجٌ تَطَوُّعٌ بِلا إِذْنٍ. قوله: (وإِنْ نَوَى بِرَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ غَيْرَهُ، أَوْ قَضَاءَ الْخَارِجِ أَوْ نَوَاهُ، ونَذْراً لَمْ يُجْز (¬4) عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) خصّ السفر لأن الحضر أحرى، وعبّر بقوله: (غيره)؛ ليندرج النذر والكفارة والتطوع، فاشتمل كلامه بالنصّ، ومفهوم الموافقة عَلَى عشر [26 / ب] صور، خمسٌ فِي السفر: النذر والكفارة والتطوّع وقضاء الخارج والتشريك ومثلها فِي الحضر، هذا ظاهر لفظه وعهدة نصوصها عَلَيْهِ وجلّها تضمنه " توضيحه " (¬5) فِي فصل القضاء وفصل المبيحات. ¬
فإن قلت: لَمْ ترك مذهب " المدوّنة " فِي قضاء الخارج إذ قال فِيهَا: " عَلَيْهِ قضاء الآخر " (¬1) فروي بكسر الخاء وفتحها؟ قلت: لقول ابن رشد: عدم الإجزاء عنهما هو الصواب عند أهل النظر، وصححه ابن عبد السلام وغيره. فرع: إِذَا بنينا عَلَى هذا القول فقال ابن المواز: يكفّر عن الأول مداً لكلّ يوم ويكفر عن الثاني كفارة العمد فِي كلّ يوم. أبو محمد: يريد إلّا أن يعذر بجهل أو تأويل. وقال أشهب: لا كفارة عَلَيْهِ؛ لأنه صامه ولَمْ يفطره. أبو محمد: وهو الصواب. ¬
باب الاعتكاف
[باب الاعتكاف] الاعْتِكَافُ نَافِلَةٌ، وصِحَّتُهُ لِمُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ بِمُطْلَقِ صَوْمٍ، ولَوْ نَذْراً ومَسْجِدٍ. قوله: (ومَسْجِدٍ) معطوف عَلَى صوم لا عَلَى مطلق؛ ولذا لَمْ يعد الباء أي: وصحته بمطلق مسجد، جامعاً كان أو غير جامع، بدليل الاستثناء بعده. إِلا لِمَنْ فَرْضُهُ الْجُمُعَةُ، وتَجِبُ بِهِ، فَالْجَامِعُ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وإِلا خَرَجَ. قوله: (إِلا لِمَنْ فَرْضُهُ الْجُمُعَةُ، وتَجِبُ بِهِ) أي: وهي تجب فِي زمان الاعتكاف، فالباء ظرفية ومجرورها للاعتكاف بحذف المضاف، والجملة حالية ذات واو ينوي بعدها المبتدأ كأنه قال: والحالة هذه. وبَطَلَ كَمَرَضِ أَبَوَيْهِ، لا جَنَازَتِهِمَا مَعاً. قوله: (كَمَرَضِ أَبَوَيْهِ، لا جَنَازَتِهِمَا مَعاً) فِي سماع ابن القاسم: يخرج لمرض [أحد] (¬1) أبويه، وفِي " الموطأ ": لا يخرج لجنازتهما. وفرّق الباجي بأنهما إِذَا كانا حيين لزمه طلب مرضاتهما واجتناب سخطهما فيجمع بين الأمرين بر أبويه بالخروج إليهما والإتيان باعتكافه بأن يبتدأه، ولا يلزم عَلَى ذلك ترك حضور جنازتهما؛ إذ لا يعرفان حضوره فيرضيهما ذلك، ولا [يعلمان] (¬2) بتخلّفه فيسخطهما، فاعترض بأن ذلك من حقوقهما، وألزم عَلَيْهِ الخروج إِذَا مات أحدهما، فإن عدم خروجه له يسخط الآخر. كذا فِي " التوضيح " (¬3). وغايته أنه إلزام لا نصّ فالتزم هنا ذلك فقال: " لا جنازتهما معاً " ولَمْ يقل ذلك فِي مرضهما إذ لا فرق بين مرضهما معاً ومرض أحدهما، ولَمْ يعرج ابن عرفة عَلَى الإلزام فضلاً عن الالتزام (¬4). ¬
كَشَهَادَةٍ (¬1) وإِنْ وَجَبَتْ، ولْتُؤَدَّ بِالْمَسْجِدِ، أَوْ تُنْقَلُ عَنْهُ، وكَرَدَّةٍ، وكَمُبْطِلٍ صَوْمَهُ وكَسُكْرِهِ لَيْلاً، وفِي إِلْحَاقِ الْكَبَائِرِ بِهِ تَأْوِيلانِ وبِعَدَمِ وَطْءٍ، وقُبْلَةِ شَهْوَةٍ، ولَمْسٍ، ومُبَاشَرَةٍ وإِنْ لِحَائِضٍ أَوْ نَائِمَةٍ (¬2)، وإِنْ أَذِنَ لِعَبْدٍ أَوِ امْرَأَةٍ فِي نَذْرٍ فَلا مَنْعَ كَغَيْرِهِ، إِنْ دَخَلا وأَتَمَّتْ مَا سَبَقَ مِنْهُ، أَوْ عِدَّةٍ. قوله: (كَشَهَادَةٍ) كذا هو بإسقاط الواو راجع للمنفي (¬3) فِي قوله: (لا جنازتهما) أي: لا يخرج لجنازتهما كما لا يخرج للشهادة، يدلّ عَلَيْهِ: ولتؤد بالمسجد. إِلا أَنْ تُحْرِمَ، وإِنْ بِعِدَّةِ مَوْتٍ فَيَنْفُذُ، ويَبْطُلُ (¬4)، وإِنْ مَنَعَ عَبْدَهُ نَذْراً، فعَلَيْهِ إِنْ عَتَقَ ولا يُمْنَعُ مُكَاتِبٌ يَسِيرَهُ، ولَزِمَ يَوْمٌ إِنْ نَذَرَ لَيْلَةً، لا بَعْضَ يَوْمٍ وتَتَابُعُهُ فِي مُطْلَقِهِ. قوله: (إِلا أَنْ تُحْرِمَ، وإِنْ بِعِدَّةِ مَوْتٍ فَيَنْفُذُ، ويَبْطُلُ) الفاعل (بتحرم) ضمير يعود عَلَى المعتدة المدلول عَلَيْهَا بقوله: (أو عدة) وإنما غيّاها بعدة الموت؛ لأنها أشد من عدة الطلاق لما يلزم فِيهَا من الإحداد، [والفاعل بينفذ يعود عَلَى الإحرام] (¬5)، والفاعل بـ (يبطل) يعود عَلَى لفظ ما من قوله: (وأتمّت ما سبق منه أو عدة) و (ما) واقعة عَلَى العدة؛ لأنها السابقة فِي هذه الصورة فظاهره أن العدة تبطل برمتها، وليس هذا بمراد؛ وإنما يبطل منها مبيتها فِي بيتها، فالكلام بحذف مضاف. أي: يبطل مبيت ما سبق وهو العدة - هذا عَلَى النسخ التي فِيهَا يبطل بالياء المثناة من أسفل. وفِي بعض النسخ تبطل بالمثناة من فوق، فالضمير للعدة وهو أَيْضاً بحذف مضاف أي: ويبطل مبيت العدة، وسبك كلامه: إلّا أن تحرم المعتدة وإن كانت فِي عدة موت فينفذ إحرامها بعد وقوعه، وإن كانت عاصية فِي إنشائه بعد العدة فتخرج فيه ويبطل مبيت عدتها، فهو مطابق لقوله فِي باب: العدة: (أو أحرمت وعصت)، وهذا معنى ما لأبي عمران ¬
الفاسي، وقد اعتمده أبو الحسن الصغير فقال فِي قوله فِي كتاب العدة وطلاق السنة: (وأما إِذَا أحرمت فلتنفذ قربت أم بعدت): ظاهره وجبت (¬1) العدة قبل الإحرام أو بعد ما أحرمت. والجواب فيهما واحد، إلّا أنها إن أحرمت وهي معتدة تكون عاصية، قاله أبو عمران قال: وتعتد بقية عدتها بعد الرجوع إن بقي منها شئ، وأما المعتكفة تحرم بالحجّ فيلزمها (¬2) ما أحرمت له من الحجّ؛ ولكن لا تخرج إلى (¬3) الحجّ حتى ينقضي اعتكافها. قال أبو عمران: والفرق بين المعتدة والمعتكفة: أنّ المعتدة لا تبطل بالحجّ عدتها كلها، ولا تخل بجميع شروطها، [27 / أ] وإنما تخلّ بوجه منها وهو المقام فِي الموضع الذي تعتدّ به فقط، والمعتكفة يخلّ الحجّ بجميع شروط (¬4) اعتكافها، إذ لا يصحّ الاعتكاف إلّا فِي المساجد، فإِذَا خرجت إِلَى الحجّ زال عنها حكم الاعتكاف وهي فِي الحجّ تبتدئ عدتها، ولا يخلّ حجها بعدتها كإخلال حجّ المعتكفة باعتكافها؛ لما وصفناه. انتهى. فإن قلت: لَمْ يعرج هنا عَلَى أن المعتكفة إِذَا أنشأت الإحرام بعد الاعتكاف تتم اعتكافها. قلت: إِذَا كان معنى كلامه: إلّا [أن] (¬5) تحرم المعتدة فمفهوم الصفة أن المعتكفة إِذَا أحدثت الإحرام بخلاف ذلك. فإن قلت: ظاهر ما اعتمده أبو الحسن الصغير من قول أبي عمران أنه مخالف لقول ابن رشد فِي رسم مرض من سماع ابن القاسم إِذَا سبق الطلاق أو الموت [الاعتكاف أو الإحرام لَمْ يصح لها أن تحرم ولا أن تعتكف حتى تنقضي العدة لأنها قد لزمتها فليس لها أن تنقضها (¬6). ¬
قلت: إنما قال لَمْ يصح لها أن تحرم، أي تبتدئ الإحرام] (¬1)، ولَمْ يتكلم عَلَى ما إِذَا خالفت، ووقع منها الإحرام، وهو الذي زاده أبو عمران، وإِلَى هذا يرجع قوله فِي " التوضيح " ويحمل قوله فِي البيان: لا يصح. عَلَى معنى: لا يجوز. والله تعالى أعلم. ومَنْوَيُّهُ حِينَ دُخُولِهِ كَمُطْلَقِ الْجِوَارِ، لا النَّهَارِ فَقَطْ فَبِاللَّفْظِ ولا يَلْزَمُ فِيهِ حِينَئِذٍ صَوْمٌ، وفِي يَوْمِ دُخُولِهِ تَأْوِيلانِ، وإِتْيَانُ سَاحِلٍ لِنَاذِرِ صَوْمٍ بِهِ مُطْلَقاً، والْمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ فَقَطْ لِنَاذِرِ عُكُوفٍ بِهَا وإِلا فَبِمَوْضِعِهِ وكُرِهَ أَكْلُهُ خَارِجَ [19 / ب] الْمَسْجِدِ واعْتِكَافُهُ غَيْرَ مَكْفِيٍّ، ودُخُولُهُ مَنْزِلَهُ وإِنْ لِغَائِطٍ، واشْتِغَالُهُ بِعِلْمٍ وكِتَابَتُهُ وإِنْ مُصْحَفاً إِنْ كَثُرَ، وفِعْلُ غَيْرِ ذِكْرٍ وصَلاةٍ وتِلاوَةٍ كَعِيَادَةٍ وجَنَازَةٍ، ولَوْ لاصَقَتْ. قوله: (وَمَنْوَيُّهُ حِينَ دُخُولِهِ كَمُطْلَقِ الْجِوَارِ، لا النَّهَارِ فَقَطْ [فَبِاللَّفْظِ] (¬2)، ولا يَلْزَمُ فِيهِ [حِينَئِذٍ] (¬3) صَوْمٌ) [أي: ولزمه الاعتكاف المنوي الذي ليس بمنذور وقت دخوله فيه، كما يلزمه مطلق الجوار بالدخول أَيْضاً بخلاف الجوار المقيّد بالنهار فقط، فإنه لا يلزم إلّا باللفظ، ولا يلزم [حينئذ] (¬4) فيه صوم، قال فِي " المدوّنة ": والذي يجب به الاعتكاف أن يدخل معتكفه وينوي أيّاماً، فما نوى من ذلك لزمه، وإن نذر أيّاماً يعتكفها لزمته، والجوار كالاعتكاف إلّا من جاور نهاراً بمكة، وانقلب ليلاً إِلَى أهله فلا يصوم فيه، ولا يلزمه بدخوله، ونيته إلّا [أن] (¬5) ينذره بلفظه (¬6). عياض: الجوار بالكسر والضم، من المجاورة. ابن يونس: وإنما كان يلزمه ما نوى من الاعتكاف بالدخول فيه بخلاف من نوى صوماً متتابعاً فلا يلزمه بالدخول فيه إلّا اليوم الأول منه؛ لأن الاعتكاف ليله ونهاره سواء، فهو كاليوم الواحد وصوم الأيام المتتابعة ¬
يتخللها الليل، فصار فاصلاً بين ذلك، وإنما يشبه الصوم جوار مكة الذي ينقلب فيه فِي الليل إِلَى منزله؛ لكون الليل فاصلاً. وَصُعُودُهُ لأذَانٍ بِمَنَارٍ أَوْ سَطْحٍ. قوله: (وَصُعُودُهُ لأذَانٍ بِمَنَارٍ أَوْ سَطْحٍ) ظاهره جواز إِذَان المعتكف بلا صعود، ومثله استقراء عياض من " المدوّنة " والمصنف من كلام ابن الحاجب، وقال ابن عرفة فِي إِذَانه [في المسجد] (¬1) طريقان: الأول للخمي: أنه جائز. الثانية لعياض: إن كان يرصد الأوقات أو يؤذن بغير معتكفه من رحاب المسجد فيخرج إِلَى بابه كره وإلّا فظاهر " المدوّنة " جوازه وكرهه فِي " العتبية "، وقال فضل بن مسلمة: اختلف قول مالك فيه. عياض: وهذا يشعر (¬2) بالخلاف فِي مجرد الإِذَان. وقال اللخمي: لا بأس أن يقيم فِي مكانه، ويختلف فِي سعيه وتماديه بالإقامة إِلَى موضع الإمام فكره ذلك فِي " المدوّنة "، ويجوز عَلَى أحد قوليه فِي " المدوّنة " فِي إباحة صعود المنار، ثم قال: فِي سعيه فِي الإقامة: واسع؛ لأن له أن يطلب فضيلة الصفّ الأول فلا يضره أن يكون حينئذ فِي إقامة (¬3). وَتَرَتُّبُهُ لِلإِمَامَةِ. وإِخْرَاجُهُ لِحُكُومَةٍ إِنْ لَمْ يَلِدَّ بِهِ، وجَازَ إِقْرَاءُ قُرْآنٍ، وسَلامُهُ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِ وتَطَيُّبُهُ، وأَنْ يَنْكِحَ ويُنْكِحَ بِمَجْلِسِهِ، وأَخْذُهُ إِذَا خَرَجَ لِكَغُسْلِ جُمُعَةٍ ظُفُراً، أَوْ شَارِباً، وانْتِظَارُ غَسْلِ ثَوْبِهِ أَوْ تَجْفِيفِهِ، ونُدِبَ إِعْدَادُ ثَوْبٍ، ومَكْثُهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ، ودُخُولُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ. وصَحَّ إِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ، واعْتِكَافُ عَشَرَةٍ، وبِآخِرِ الْمَسْجِدِ وبِرَمَضَانَ، وبِالْعَشْرِ الآخِرِ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ الْغَالِبَةِ بِهِ، وفِي كَوْنِهَا بِالْعَامِ أَوْ بِرَمَضَانَ خِلافٌ، وانْتَقَلَتْ. قوله: (وتَرَتُّبُهُ لِلإِمَامَةِ) مفهومه أن الإمامة بلا ترتب لا تكره، والذي فِي " الرسالة ": ولا بأس أن يكون إمام المسجد (¬4). ظاهره مُطْلَقاً ومثله للخمي، وزاد: اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ¬
لَمْ يستخلف فِي حين اعتكافه. وفِي " التنبيهات " عن مُطرِّف: له أن يؤم، وعن ابن وضّاح عن سحنون: لا يجوز [أن يؤم] (¬1) فِي فرض لا نفل. ثم قال: إن كان لا يمشي مَعَ المؤذنين فلا بأس. وفِي " الإكمال ": منع سحنون فِي أحد قوليه إمامته فِي فرض أو نفل، والكافة عَلَى خلافه. والْمُرَادُ بِكَسَابِعَةٍ مَا بَقِيَ. قوله: (والْمُرَادُ بِكَسَابِعَةٍ مَا بَقِيَ) فِي هذا ثلاث طرق؛ الطريقة الأولى لابن عطية: قال: هي مستديرة فِي أوتار العشر الأواخر من رمضان، هذا هو الصحيح المعمول (¬2) عَلَيْهِ، وهي فِي الأوتار بحسب الكمال (¬3) والنقصان فِي الشهر، فينبغي لمرتقبها [أن يرتقبها] (¬4) من ليلة عشرين فِي كلّ ليلة إِلَى آخر الشهر؛ لأن الأوتار مَعَ كمال الشهر ليست [27 / ب] الأوتار مَعَ نقصانه، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " [لثلاثةٍ] (¬5) تبقى لخامسةٍ تبقى لسابعةٍ تبقى " وقال: " التمسوها فِي الثالثة والخامسة والسابعة والتاسعة " (¬6). قال مالك: يريد بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين. قال ابن حبيب: يريد مالك إِذَا كان الشهر ناقصاً. فظاهر هذا أنه - عليه السلام - احتاط فِي كمال الشهر ونقصانه، وهذا لا (¬7) تتحصّل معه الليلة إلّا بعمارة العشر (¬8) كله. الطريقة الثانية لابن رشد: فِي " المقدمات " قال: اختلف فِي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " فالتمسوها فِي التاسعة والسابعة والخامسة " قيل: إنها معدودة من أول العشر، وأن المراد ¬
بذلك فِي الخامسة والسابعة والتاسعة؛ لأن الواو لا ترتب، فالتاسعة ليلة تسعٍ وعشرين، والسابعة ليلة سبع وعشرين، والخامسة ليلة خمسٍ وعشرين، وقيل إنها معدودة من آخر [العشر] (¬1)، وأن التاسعة ليلة إحدى وعشرين والسابعة ليلة ثلاث وعشرين، والخامسة ليلة خمس وعشرين، وإِلَى هذا ذهب مالك فِي " المدوّنة " ودليله أن الأظهر فِي الواو الترتيب، ولا يختلف نقصان الشهر وكماله؛ لأن من حسب ذلك عَلَى نقصان الشهر عدّ التاسعة والسابعة والخامسة، ومن حسب ذلك عَلَى كمال الشهر لَمْ يعد التاسعة والسابعة والخامسة وقال: معنى ذلك " لتاسعة تبقى ولسابعةٍ [تبقى] (¬2) ولخامسة تبقى ". وحسابه عَلَى نقصان الشهر أظهر؛ لأن الشهر تسعة وعشرون يوماً، واليوم الثلاثون ليس من الشهر بتيقن، قد يكون وقد لا يكون، ولا يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يحسب ذلك عَلَى كمال الشهر، ولا عَلَى ما ينكشف من نقصانه أو كماله؛ لأنه لو أراد أن يحسب عَلَى كماله لكان ذلك منه حضاً (¬3) عَلَى التماسها فِي غير الأوتار، وإنما هو حضٌّ (¬4) عَلَى تحرّيها فِي كلّ وتر عَلَى ما جاء فِي غير هذا الحديث، ولو أراد أن يحسب عَلَى ما ينكشف عَلَيْهِ الشهر من نقصانه وتمامه لكان قد أمر بما لا يصحّ (¬5) الامتثال به إلّا بعد فواته، فلم يبق إلّا أنّه أراد أن يحسب ذلك عَلَى نقصانه إلّا أن يقال إنه - صلى الله عليه وسلم - أبهم مراده من ذلك لتلتمس الليلة فِي جميع ليالي العشر وهو بعيد، إذ لابد أن يكون لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " التمسوها فِي التاسعة والسابعة والخامسة " زيادة فائدة عَلَى قوله: " التمسوها فِي العشر الأواخر " (¬6). على أنّ ابن حبيب ذهب إِلَى تحرّيها فِي جميع ليالي العشر عَلَى نقصان الشهر وكماله، وروي ذلك عن ابن عبّاس أنه كان يحيي ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين. وقال ¬
أَيْضاً: إنها لسبع بقين تماماً، [يريد لسبعٍ بقين] (¬1) عَلَى تمام الشهر وهي ليلة أربع وعشرين التي كان يحييها. الطريقة الثالثة: أنّها فِي أشفاع هذه الأفراد قال ابن العربي فِي " القبس ": ادعت ذلك الأنصار فِي تفسير قوله: " اطلبوها (¬2) فِي تاسعةٍ تبقي " قالوا هي ليلة اثنتين وعشرين، وقالوا نحن أعلم بالعدد منكم. وبَنَى بِزَوَالِ إِغْمَاءٍ، أَوْ جُنُونٍ كَأَنْ مُنِعَ مِنَ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ أَوْ عِيدٍ وخَرَجَ وعَلَيْهِ حُرْمَتُهُ وإِنْ أَخَّرَهُ بَطَلَ، إِلا لَيْلَةَ الْعِيدِ ويَوْمِهِ، وإِنِ اشْتَرَطَ سُقُوطَ الْقَضَاءِ لَمْ يُعِدْهُ. قوله: (كَأَنْ مُنِعَ مِنَ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ) عن هذا عبّر ابن الحاجب بقوله: ولو (¬3) طرأ ما يمنعه الصيام فقط دون المسجد كالمريض إن قدر، والحائض تخرج ثم تطهر (¬4). وبه تفهم صورة المسألة. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الحج
[باب الحجّ] للمصنف - رحمه الله تعالى - تأليف عجيب فِي مناسك الحجّ أجاد فيه ما شاء. فُرِضَ الْحَجُّ، وسُنَّتِ الْعُمْرَةُ مَرَّةً، وفِي فَوْرِيَّتِهِ وتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ خِلافٌ، وصِحَّتُهُمَا بِالإِسْلامِ فَيُحْرِمُ وَلِيٌّ عَنْ رَضِيعٍ، وجُرِّدَ قُرْبَ الْحَرَمِ، ومُطْبِقٍ لا مُغْمًى، والْمُمَيِّزُ بِإِذْنِهِ، وإِلا فَلَهُ تَحْلِيلُهُ، ولا قَضَاءَ بِخِلافِ الْعَبْدِ. وأَمْرُهُ مَقْدُورُهُ وإِلا نَابَ عَنْهُ، إِنْ قَبِلَهَا كَطَوَافٍ، لا كَتَلْبِيَةٍ، ورُكُوعٍ، وأَحْضَرَهُمُ الْمَوَاقِفَ وزِيَادَةُ نَفَقَةٍ عَلَيْهِ، إِنْ خِيفَ ضَيْعَةٌ، وإِلا فَوَلِيُّهُ كَجَزَاءِ صَيْدٍ، وفِدْيَةٍ بِلا ضَرُورَةٍ، وشَرْطُ وَجُوبِهِ كَوُقُوعِهِ فَرْضاً حُرِّيَّةٌ وتَكْلِيفٌ وَقْتَ إِحْرَامِهِ بِلا نِيَّةِ نَفْلٍ، ووَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ بِلا مَشَقَّةٍ عَظُمَتْ وأَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ ومَالٍ، لا (¬1) لأَخْذِ ظَالِمٍ مَا قَلَّ لا يَنْكُثُ عَلَى الأَظْهَرِ، ولَوْ بِلا زَادٍ ورَاحِلَةٍ لِذِي صَنْعَةٍ تَقُومُ بِهِ، وقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ كَأَعْمَى بِقَائِدٍ، وإِلا اعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا، وإِنْ بِثَمَنِ وَلَدِ زِناً، أَوْ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفَلَّسِ، أَوْ بِافْتِقَارِهِ، أَوْ تَرْكِ وَلَدِهِ، لِلصَّدَقَةِ، إِنْ لَمْ يَخْشَ هَلاكاً، لا بِدَيْنٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ سُؤَالٍ مُطْلَقاً، واعْتُبِرَ مَا يُرَدُّ بِهِ، إِنْ خَشِيَ ضَيَاعاً، والْبَحْرُ كَالْبَرِّ، إِلا أَنْ يَغْلِبَ عَطْبُهُ، أُوْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلاةٍ لِكَمِيْدٍ. قوله: (لا لأَخْذِ ظَالِمٍ مَا قَلَّ لا يَنْكُثُ عَلَى الأَظْهَرِ) الظهور راجع لنفي السقوط بأخذ ما قلّ لا لعدم النكث؛ فإن الظالم إِذَا عرف بالنكث لا يختلف فِي السقوط، وقد وجّه ابن يونس القول بالسقوط بأنه لا يؤمن أن يخفرهم، والقول بعدمه بأن الغالب عدم خفره. قال أبو اسحاق: وهذا أشبه، وبه قطع اللخمي فِي القليل وزاد أن ظاهر كلام عبد الوهاب أنه لا يسقط بكثير لا يجحف. وأما ابن رشد فلم أجده له فِي " المقدمات " ولا فِي " البيان " ولا فِي " الأجوبة "، ولا عزاه له ابن عرفة ولا المصنف فِي " مناسكه " ولا فِي " توضيحه "؛ وإنما قال فِي قول ابن الحاجب: " وفِي سقوطه بغير المجحف قَوْلانِ، أظهرهما عدم السقوط " (¬2): وهو قول ¬
الأبهري واختاره ابن العربي وغيره (¬1). والْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، إِلا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ، ورُكُوبِ بَحْرٍ، إِلا أَنْ تَخْتَصَّ بِمَكَانٍ، وزِيَادَةِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ. كَرُفْقَةٍ أُمِنَتْ بِفَرْضٍ، وفِي الاكْتِفَاءِ بِنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ، أَوْ بِالْمَجْمُوعِ تَرَدُّدٌ. قوله: [28 / أ] (وزِيَادَةِ مَحْرَمٍ) مراده بالزيادة أنه زائد عَلَى ما ذكر فِي الرجل، كما قال ابن الحاجب: والمرأة كالرجل وزيادة استصحاب زوج أو ذي محرم (¬2)، إلّا أن ابن الحاجب صدّر به المستثنيات، فكان أمكن، فلو قال المصنف وصحبة محرم لكان أولى. تنبيه: قال فِي " التوضيح ": المحرم يشمل النسب والصهر والرضاع، لكن كره مالك سفرها مَعَ ربيبها؛ إما لفساد الزمان لضعف مدرك التحريم عند بعضهم، وعَلَى هذا فيلحق به سائر محارم الصهر ومحارم الرضاع، وإما لما بينهما من العداوة فسفرها معه تعريض لضيعتها، وهذا هو الظاهر، وقد صرّح ابن الجلاب وصاحب " التلقين " (¬3) بجواز سفر المرأة مَعَ محرمها من الرضاع فِي باب: الرضاع (¬4). ¬
وصَحَّ بِالْحَرَامِ وعَصَى، وفُضِّلَ [حَجٌّ] (¬1) عَنْ غَزْوٍ، إِلا لِخَوْفٍ، ورُكُوبٌ، ومُقَتَّبٌ (¬2) وَتَطَوُّعُ وَلِيِّهِ عَنْهُ بِغَيْرِهِ كَصَدَقَةٍ، ودُعَاءٍ، وإِجَارَةُ ضَمَانٍ عَلَى بَلاغٍ، فَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهِ، وتَعَيَّنَتْ فِي الإِطْلاقِ كَمِيقَاتِ الْمَيِّتِ، [20 / أ] ولَهُ بِالْحِسَابِ إِنْ مَاتَ ولَوْ بِمَكَّةَ، أَوْ صُدَّ والْبَقَاءُ لِقَابِلٍ، واسْتُؤْجِرَ مِنَ الانْتِهَاءِ ولا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ كَهَدْيِ تَمَتُّعٍ عَلَيْهِ، وصَحَّ إِنْ لَمْ يُعَيَّنِ الْعَامَ، وتَعَيَّنَ الأَوَّلُ وعَلَى عَامٍ مُطْلَقٍ، وعَلَى الْجَعَالَةِ، وحَجَّ عَلَى مَا فُهِمَ، وجَنَى إِنْ وَفَّى دَيْنَهُ ومَشَى، والْبَلاغُ إِعْطَاءُ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءاً وعَوْداً بِالْعُرْفِ، وفِي هَدْيٍ وفِدْيَةٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ مُوجِبَهُمَا، ورُجِعَ بِالسَّرَفِ، واسْتَمَرَّ إِنْ فَرَغَ أَوْ أَحْرَمَ، ومَرِضَ وإِنْ ضَاعَتْ قَبْلَهُ رَجَعَ، وإِلا فَنَفَقَتُهُ عَلَى آجِرِهِ، إِلا أَنْ يُوصِيَ بِالْبَلاغِ، فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ ولَوْ قُسِمَ، وأَجْزَأَ إِنْ قُدِّمَ عَلَى عَامِ الشَّرْطِ أَوْ تَرَكَ الزِّيَارَةَ، ورُجِعَ بِقِسْطِهَا أَوْ خَالَفَ إِفْرَاداً لِغَيْرِهِ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمَيِّتُ، وإِلا فَلا كَتَمَتُّعٍ بِقَرَانٍ أَوْ عَكْسِهِ. قوله: (وصَحَّ بِالْحَرَامِ وعَصَى) أنشد المصنف فِي مناسكه لبعضهم: إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتُ ... فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ (¬3) قال ابن جماعة الكناني فِي " رقائق الحجّ " قيل: إنه لأحمد بن حنبل، وبعده: لا يقبل الله إلا كلّ طيبة ... ما كلّ من حجّ بيت الله مبرور وسُحت بـ: ضم الحاء عَلَى إحدى اللغتين، وهما قراءتان. أَوْ هُمَا بِإِفْرَادٍ أَوْ مِيقَاتاً شُرِطَ. قوله: (أَوْ مِيقَاتاً شُرِطَ) هو فِي حيز المنفيات، فإن جرّ فبالعطف عَلَى ما بعد الكاف، وإن نصب فبإضمار فعل ولا يصح عطفه عَلَى أفراداً؛ إذ هو فِي حيّز المثبتات. وَفُسِخَتْ إِنْ عُيِّنَ الْعَامُ، وعُدِمَ. قوله: (وفُسِخَتْ إِنْ عُيِّنَ الْعَامُ، وعُدِمَ) أي: وفسخت الإجارة إن عين العام وعدم ¬
فيه الحجّ، فالضمير فِي عدم للحجّ، والواو الداخلة عَلَيْهِ واو العطف أو واو الحال عَلَى تقدير: قد، والدليل عَلَى أن هذا مراده أنه قال في: " مناسكه "، واختلف إِذَا عينت السنة، هل تتعين وتنفسخ الإجارة بعدم الحجّ فِيهَا أم لا؟ فاقتصر هنا عَلَى القول بأنها تتعين إِذَا عينت. كَغَيْرِهِ، وقَرَنَ، أَوْ صَرَفَهُ لِنَفْسِهِ وأَعَادَ، إِنْ تَمَتَّعَ، وهَلْ يُفْسَخُ إِنِ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ فِي الْمُعَيَّنِ، أَوْ إِلا أَنْ يَرْجِعَ لِلْمِيقَاتِ، فَيُحْرِمَ عَنِ الْمَيِّتَ فَيُجْزِيهُ؟ تَأْوِيلانِ ومُنِعَ اسْتِنَابَةُ صَحِيحٍ فِي فَرْضٍ، وإِلا كُرِهَ كَبَدْءِ مُسْتَطِيعٍ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ وإِجَارَةِ نَفْسِهِ، ونَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ مِنَ الثُّلُثِ، وحُجَّ عَنْهُ حِجَجٌ إِنْ وَسِعَ وقَالَ يُحَجُّ بِهِ لا مِنْهُ، وإِلا فَمِيرَاثٌ كَوُجُودِهِ بِأَقَلَّ، أَوْ تَطَوَّعَ غَيْرٌ، وهَلْ إِلا أَنْ يَقُولَ يُحَجُّ عَنِّي بِكَذَا فَحِجَجٌ؟ تَأْوِيلانِ، ودُفِعَ الْمُسَمَّى، وإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَتِهِ لِمُعَيَّنٍ لا يَرِثُ فُهِمَ إِعْطَاؤُهُ لَهُ، وإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ وَارِثٍ ولَمْ يُسَمِّ زِيدَ، إِنْ لَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ثُلُثُهَا ثُمَّ تُرُبِّصَ. قوله: (كَغَيْرِهِ) أي: كما تنفسخ إِذَا تولى الفعل غير الأجير. قال فِي " توضيحه " لما ذكر القولين فِي تعلق الفعل بذمة الأجير: قد يخرج عليهما موت الأجير فِي الطريق، فعلى تعلقها بنفسه تنفسخ. انتهى (¬1). وأقرب منه لعبارته هنا قوله فِي " مناسكه "، وعَلَى التعيين فتبطل لغيره. فإن قلت: يغني عن هذا قوله بعد: (ولَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ). قلت: هذا أصرح (¬2) فِي الفسخ. فإن قلت: لعلّ مراده وفسخت إجارة مخالف الميقات المشترط إن عين العام وعدم العام أي: فات كغيره أي: كحجه فِي غير العام المعين؛ فإن ذلك لا يمنع من فسخ الإجارة. قلت: هذا المحمل ربما يعضد بمطابقته لما فِي " الذخيرة " إذ قال فِيهَا ما نصّه: " ولو شرط عَلَيْهِ ميقاتاً فأحرم من غيره فظاهر المذهب لا يجزيه ويرد المال فِي الحجّ المعين إن فاته. ¬
وقال الشافعي: لا يردّ وإن أحرم من الأقرب؛ لأن المقصود هو الحجّ (¬1). لنا القياس عَلَى ما إِذَا استؤجر لسنة معينة فحجّ فِي غيرها (¬2). ولكن المحمل الأول أظهر لمحاِذَاته لما فِي " مناسكه "، فيفسر كلامه بكلامه؛ و [لأن استعمال] (¬3) لفظ عدم فوات الحجّ أمكن من استعماله فِي فوات العام، ثم غير الأجير يشمل نائبه وأجير الوصي المخالف لمن عينه الميت (¬4)، وعَلَى الثاني حمل ابن راشد قول ابن الحاجب، فإن قلنا يتعين بطلت لغيره (¬5). وهو ظاهر والله تعالى أعلم. ثُمَّ أُوجِرَ لِلضَّرُورَةِ فَقَطْ، غَيْرُ عَبْدٍ وصَبِيٍّ، وإِنِ امْرَأَةً ولَمْ يَضْمَنْ وَصِيٌّ دَفَعَ لَهُمَا مُجْتَهِداً، وإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَا سَمَّى مِنْ مَكَانِهِ حُجَّ مِنَ الْمُمْكِنِ ولَوْ سَمَّاهُ. قوله: (ثُمَّ أُوجِرَ لِلضَّرُورَةِ فَقَطْ، غَيْرُ عَبْدٍ وصَبِيٍّ) عطفه (¬6) بثم يعطي أنه من تمام ما قبله، ويعلم ضرورة عموم حكمه إذ لا وجه للخصوصية. إِلا أَنْ يَمْنَعَ فَمِيرَاثٌ. قوله: (إِلا أَنْ يَمْنَعَ فَمِيرَاثٌ) إشارة لما ذكره ابن رشد فِي رسم الجواب من سماع عيسى: أنّ أشهب وأصبغ قالا: يحجّ عنه من حيث وجد إلّا أن يقول: لا يحجّ عني إلّا من كذا (¬7)، كأن المصنف حمله عَلَى التفسير (¬8)، ولَمْ يذكر هذه الزيادة فِي " توضيحه " ولا فِي " مناسكه ". وَلَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ لا الإِشْهَادُ، إِلا أَنْ يُعْرَفَ. قوله: (ولَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ) ظاهره وإن لَمْ يعينه الميت بنص أو قرينة حال من صلاح (¬9) أو علم، وهو الذي استظهر به فِي " مناسكه ". ¬
وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ (فِي مَنْ) (¬1) يَأْخُذُهُ فِي حَجِّهِ، ولا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حَجَّ عَنْهُ، ولَهُ أَجْرُ النَّفَقَةِ والدُّعَاءِ، ورُكْنُهُمَا الإِحْرَامُ، ووَقْتُهُ لِلْحَجِّ شَوَّالٌ لآخِرِ ذِي الْحِجَّةِ وكُرِهَ قَبْلَهُ كَمَكَانِهِ وفِي رَابِغٍ تَرَدُّدٌ، وصَحَّ ولِلْعُمْرَةِ أَبَداً إِلا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ فَلِتَحَللهِ، وكُرِهَ بَعْدَهُمَا وقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ ومَكَانُهُ لَهُ لِلْمُقِيمِ مَكَّةُ. ونُدِبَ الْمَسْجِدُ كَخُرُوجِ ذِي التَّفْثِ لِمِيقَاتِهِ، ولَهَا ولِلْقِرَانِ الْحِلُّ، والْجِعِرَّانَةُ أَوْلَى، ثُمَّ التَّنْعِيمُ، وإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَعَادَ طَوَافَهُ وسَعْيَهُ بَعْدَهُ، وأَهْدَى إِنْ حَلَقَ، وإِلا فَلَهُمَا ذُو الْحُلَيْفَةِ، والْجُحْفَةُ، ويَلَمْلَمُ، وقَرْنٌ، وذَاتُ عِرْقٍ، ومَسَاكِنُ دُونَهَا، وحَيْثُ حَاذَى وَاحِداً، [20 / ب] أَوْ مَرَّ ولَوْ بِبَحْرٍ، إِلا كَمِصْرِيٍّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَهُوَ أَوْلَى وإِنْ لِحَيْضٍ رُجِيَ رَفْعُهُ كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ، وإِزَالَةِ شَعَثِهِ، وتَرْكِ اللَّفْظِ بِهِ، والْمَارُّ بِهِ إن لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ، أَوْ كَعَبْدٍ فَلا إِحْرَامَ عَلَيْهِ، ولا دَمَ، وإِنْ أَحْرَمَ إِلا الضَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ، فتَأْوِيلانِ. ومُرِيدُهَا إِنْ تَرَدُّدٌ أَوْ عَادَلَهَا لأَمْرٍ، فَكَذَلِكَ، وإِلا وَجَبَ الإَحْرَامُ، وأَسَاءَ تَارِكُهُ، ولا دَمَ وإِنْ لَمْ يِقْصِدْ نُسُكاً، وإِلا رَجَعَ، وإِنْ شَارَفَهَا ولا دَمَ ولَوْ عَلِمَ، مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتاً، فَالدَّمُ كَرَاجِعٍ بَعْدَ إِحْرَامِهِ، ولَوْ أَفْسَدَ، لا فَاتَهُ. قوله: (وَقَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي مَنْ يَأْخُذُهُ فِي حَجِّهِ) الأظهر أنه يشير به لقول القرافي فِي " ذخيرته ": ولو كان الحجّ مضموناً لا معيناً مثل قوله: من يأخذ كذا فِي حجّة، ثم مات الآخذ ولَمْ يحرم، قام وارثه مقامه كسائر الإجارات، فإن مات بعد الإحرام فللوارث أن يحرم إن لَمْ تفت السنة المعينة أو فاتت غير المعينة، ويحرم من موضع شرط المستأجر أو من ميقاته، ولا يحتسب بما فعل (¬2) مورثه (¬3). وقال الشافعي فِي الجديد: مثلنا، وفِي القديم يبني كبناء الولي عَلَى أفعال الصبي، والفرق أن الولي لَمْ يجدد (¬4) إحراماً، وإنما ناب فِي بعض الأفعال (¬5). انتهى، [28 / ب] ¬
وكأنه يقول: وقام وارثه مقامه فِي قول المؤجر: من يأخذ كذا فِي حجة، فينبغي أن يكتب (فيمن) بقطع لفظ (فِي) عن لفظ (من) الواقعة عَلَى من يعقل. وإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ. قوله: (وإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ) تمامه فِي قوله: (مَعَ قولٍ أو فعل تعلقا به) وهذه طريقة ابن بشير وأتباعه، قال ابن عرفة: وفيه بمجرد النية طرق المازري وابن العربي وسند: ينعقد بها. اللخمي: كاليمين بها. ابن بشير: المذهب لا ينعقد بها، وفِي " المدوّنة ": من قال: أنا محرم يوم [أكلم] (¬1) فلاناً فهو يوم يكلمه محرم (¬2). فقول ابن عبد السلام: لَمْ أر لمتقدم فِي انعقاده بمجرد النية نصاً: قصور. وَإِنْ خَالَفَهَا لَفْظُهُ، ولا دَمَ. قوله: (وإِنْ خَالَفَهَا لَفْظُهُ، ولا دَمَ) يشير به لقول ابن شاس: ولو اختلف العقد والنطق فالمعتبر العقد، وروى ما يشير إِلَى اعتبار النطق، فروى ابن القاسم فيمن أراد أن يهلّ بالحجّ مفرداً، فأخطأ فقرن أو تكلّم بالعمرة، فليس ذلك بشئ، وهو عَلَى حجّه. قال فِي " العتبية ": ثم رجع مالك فقال: عَلَيْهِ دم وقاله ابن القاسم (¬3)، زاد المصنف فِي " مناسكه ": ولعلّه لما حصل من الخلل بعدم المطابقة، والأول أقيس، ولابن يونس عن " العتبية " قال مالك: عَلَيْهِ دم (¬4). ويقع فِي بعض نسخ " النوادر " محوقاً (¬5) عَلَيْهِ قاله ابن عرفة وابن عبد السلام، وزاد فإيجابه الدم كالدليل عَلَى اعتبار القران، إذ لا موجب (¬6) له فِي الظاهر إلّا ذلك، ثم جوز احتمال عدم المطابقة وغير ذلك، وذكر المسألة فِي رسم صلي نهارا من سماع ابن القاسم، ولَمْ يذكر فِيهَا رجوعاً (¬7). ¬
وَإِنْ بِجِمَاعٍ مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ تَعَلَّقَا بِهِ بَيَّنَ أَوْ أَبْهَمَ، وصَرَفَهُ لِحَجٍّ والْقِيَاسُ لِقَرَانٍ. قوله: (وإِنْ بِجِمَاعٍ) هذا راجع لقوله: (وإنما ينعقد بالنية) يعني أنه ينعقد بالنية، وإن وقعت فِي حال الجماع وكذا قال سند، وزاد: ويلزمه التمادي والقضاء، قال القرافي: وفِي كلامه ما يدل عَلَى أنه متفق عَلَيْهِ بين أهل المذهب (¬1). تنبيه: سلّم المصنف هذا مَعَ أنه يقول: لا ينعقد بمجرد النية بل لابد معها من قول أو فعل تعلّقا به، فتأمله. وَإِنْ نُسِيَ فَقِرَانٌ، ونَوَى الْحَجَّ وبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ. قوله: (وإِنْ نُسِيَ فَقِرَانٌ، ونَوَى الْحَجَّ وبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ) أي: إِذَا أحرم بمعين ثم نسي ما أحرم به أهو عمرة أم إفراد أم قران؛ فإنه يأخذ بالأحوط فيعمل عَلَى أنه قران، فإن كان الواقع فِي نفس الأمر العمرة فقد انطوى عَلَيْهَا الحجّ، وإن كان الواقع الإفراد فصورته وصورة القران واحدة، وإن كان الواقع القران فهو المأتي به، ثم لا يقنع بهذا حتى يحدث نية الحجّ الآن ليتمّ القران، إن كان الواقع فِي نفس الأمر هو العمرة، فيكون عَلَى هذا التقدير قد أردف الحجّ عَلَى العمرة قبل الطواف، وهو معنى قوله ونوى الحجّ. فما ذكر من العمل عَلَى القران قاله أشهب، وما ذكر من زيادة إحداث نية الحجّ قاله أحمد بن مُيسّر، واختاره أبو اسحاق، وقال ابن يونس: صواب. وقال ابن بشير: هو نفس قول أشهب. وقال اللخمي هذا [لمثل المدنيين] (¬2) لخروجهم مرة للعمرة ومرة للحج، وأما المغربي فلا يعرف غير الحجّ، وأما قوله: (وبرىء منه فقط) فظاهره أن ذمته لا تبرأ، وإن جاء بهذا ¬
الاحتياط إلا من الحجّ دون العمرة، وكأنه عَلَى هذا فهم قول ابن الحاجب: عمل عَلَى الحجّ والقران. إذ قال مفسراً له: أي يحتاط لهما، بأن ينوي الحجّ إذ ذاك ويطوف ويسعى بناءً عَلَى أنه قارن (¬1)، ويهدي للقران ويأتي بالعمرة لاحتمال أن يكون إنما أحرم أولاً بعمرة (¬2). وتبعه فِي " الشامل " فقال: ولو نسي ما أحرم به نوى الحجّ وتمادى قارناً فطاف وسعى، وإِذَا أتم اعتمر (¬3). انتهى فليتأمل. كَشَكِّهِ أَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ، وأَلْغَى عُمْرَةٌ عَلَيْهِ كَالثَّانِي فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ، ورَفْضُهُ، وفِي كَإِحْرَامِ زَيْدٍ تَرَدُّدٌ، ونُدِبَ إِفْرَادٌ، ثُمَّ قِرَانٌ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا وقَدَّمَهَا، أَوْ يُرْدِفَهُ بِطَوَافِهَا، إِنْ صَحَّتْ. قوله: (كَشَكِّهِ أَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ) ليس بمثال لأصل المسألة؛ فإن الذي قبله نسي ما أحرم به من كلّ الوجوه، وهذا جزم أنه لَمْ يحرم بعمرة ولا قران، وشكّ هل أحرم بالإفراد أو التمتع، فإنما شبّهه به فِي الأخذ بالأحوط، ونحو هذا لابن عبد السلام فِي تشبيه ابن الحاجب، فيحتاط بأن يطوف ويسعى لأنهما يشترك فيهما الحجّ والعمرة، ولا يحلق لاحتمال أن يكون أحرم بحجّ، فيكون حلاقه قبل رمي جمرة العقبة، ثم عَلَيْهِ هدي لتأخير الحلاق؛ لاحتمال أن يكون فِي العمرة. قال ابن الحاجب: وينوي الحجّ (¬4). قال ابن عبد السلام: يعني بعد فراغه من السعي، ثم قال: وهذا لا يحتاج إليه باعتبار قصد براءة الذمة؛ لأنه إن كان فِي نفس الأمر فِي حج فهو متمادٍ عَلَيْهِ، وإن كان فِي عمرة فالمطلوب إنما هو تصحيحها، وقد حصل جميع أركانها وإنما أمره بذلك ندباً ليوفي ما نواه إن كان قد نواه وهو [التمتع] (¬5)؛ لأنه حينئذ يكون قد أتى بأحد جزئيّ التمتع وهو العمرة، وبقي الجزء الآخر وهو الحجّ؛ ولهذا لما ¬
فرض اللخمي المسألة فيمن شكّ [هل] (¬1) أفرد أو اعتمر؟ لَمْ يذكر إنشاء الحجّ، وتبعه عَلَى ذلك غير واحد. وكَمَّلَهُ، ولا يَسْعَى وتَنْدَرِجُ. قوله: (وكَمَّلَهُ، ولا يَسْعَى) أي: إِذَا أردفه فِي طواف العمرة الصحيحة فإنه يكمل الطواف ولا يسعي؛ لأن من أنشأ الحجّ من مكة لا يسعى إلا بعد طواف الإفاضة. [29 / أ] وكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لا بَعْدَهُ، وصَحَّ بَعْدَ سَعْيٍ، وحَرُمَ الْحَلْقُ وأَهْدَى لِتَأْخِيرِهِ ولَوْ فَعَلَهُ، ثُمَّ تَمَتُّعٌ بِأَنْ يَحُجَّ بَعْدَهَا وإِنْ بِقِرَانٍ، وشَرْطُ دَمِهِمَا عَدَمُ إِقَامَةٍ بِمَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى وَقْتَ فِعْلِهِمَا وإِنْ بِانْقِطَاعٍ بِهَا أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ، لا انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا، أَوْ قَدِمَ بِهَا يَنْوِي الإِقَامَةَ، ونُدِبَ لِذِي أَهْلَيْنِ، وهَلْ إِلا أَنْ يُقِيمَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيُعْتَبَرُ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لا بَعْدَهُ) النفي راجع للإرداف فهو مقابل لقوله: (أو يردفه بطوافها) وليس براجع للكراهة، فقد صرّح فِي " المدوّنة " أن من أردف الحجّ بعد أن طاف وركع ولَمْ يسع، أو سعى بعض السعي كره له ذلك فإن فعل مضى عَلَى سعيه ثم يحل ويستأنف الحجّ (¬2). قال يحيي بن عمر: إن شاء. وحَجَّ مِنْ عَامِهِ، ولِلْمُتَمَتِّعِ عَدَمُ عَوْدٍ لِبَلَدِهِ أَوْ مِثْلِهَا ولَوْ بِالْحِجَازِ لا أَقَلَّ، وفِعْلُ بَعْضِ رُكْنِهَا فِي وَقْتِهِ، وفِي شَرْطِ كَوْنِهِمَا عَنْ وَاحِدٍ تَرَدُّدٌ، ودَمُ الْمُتَمَتِّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، وأَجْزَأَ قَبْلَهُ، ثُمَّ الطَّوَافُ لَهُمَا سَبْعاً بِالطُّهْرَيْنِ، والسَّتْرِ، وبَطَلَ بِحَدَثٍ بِنَاءٌ، وجَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ وخُرُوجِ كُلِّ الْبَدَنِ عَنِ الشَّاذِرْوَانِ، وسِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ، ونَصَبَ الْمُقَبِّلُ قَامَتَهُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، وابْتَدَأَ إِنْ قَطَعَ لِجَنَازَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ إِنْ فَرَغَ سَعْيُهُ، وقَطَعَهُ لِلْفَرِيضَةِ. قوله: (وحَجَّ مِنْ عَامِهِ) الأوجه فيه أن يكون مصدراً منوناً مرفوعاً عطفاً عَلَى قوله: (عدم إقامة). ¬
ونُدِبَ كَمَالُ الشَّوْطِ، وبَنَى إِنْ رَعَفَ،، أَوْ عَلِمَ بِنَجِسٍ، وأَعَادَ رَكْعَتَيْهِ بِالْقُرْبِ، وعَلَى الأَقَلِّ إِنْ شَكَّ، وجَازَ بِسَقَائِفَ (¬1) لِزَحْمَةٍ، وإِلا أَعَادَ، ولَمْ يَرْجِعْ لَهُ، ولا دَمَ، ووَجَبَ كَالسَّعْيِ قَبْلَ عَرَفَةَ إِنْ أَحْرَمَ مِنَ الْحِلِّ ولَمْ يُرَاهِقْ، ولَمْ يُرْدِفْ بِحَرَمٍ، وإِلا سَعَى بَعْدَ [21 / أ] الإِفَاضَةِ، وإِلا فَدَمٌ إِنْ قَدَّمَ ولَمْ يُعِدْ. قوله: (وبَنَى إِنْ رَعَفَ) لو قال: كإن رعف. بزيادة الكاف لكان أعم فائدة. ثُمَّ السَّعْيُ سَبْعاً بَيْنَ الصَّفَا والْمَرْوَةِ مِنْهُ الْبَدْءُ مَرَّةً والْعَوْدُ أُخْرَى، وصِحَّتُهُ بِتَقْدِيمِ طَوَافٍ، ونَوَى فَرْضِيَّتَهُ، وإِلا فَدَمٌ، ورَجَعَ إِنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ مُحْرِماً، وافْتَدَى لِحَلْقِهِ، وإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهِ بِحَجٍّ، فَقَارِنٌ كَطَوَافِ الْقُدُومِ إِنْ سَعَى بَعْدَهُ، واقْتَصَرَ، والإِفَاضَةَ إِلا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ، ولا دَمَ حِلاً إِلا مِنْ نِسَاءٍ وصَيْدٍ، وكُرِهَ الطِّيبُ [وَاعْتَمَرَ] (¬2)، والأَكْثَرُ إِنْ وَطِئَ، ولِلْحَجِّ حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ سَاعَةً لَيْلَةَ النَّحْرِ، ولَوْ مَرَّ إِنْ نَوَاهُ، أَوْ بِإِغْمَاءٍ قَبْلَ الزَّوَالِ. أَوْ أَخْطَأَ الْجَمُّ بِعَاشِرٍ فَقَطْ لا الْجَاهِلُ كَبَطْنِ عُرْنَةَ، وأَجْزَأَ بِمَسْجِدِهَا بِكُرْهٍ وصَلَّى ولَوْ فَاتَ. والسُّنَّةُ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ، ولا دَمَ ونُدِبَ بِالْمَدِينَةِ لِلْحُلَيْفِيِّ، ولِدُخُولِ غَيْرِ حَائِضٍ مَكَّةَ بِذِي طُوًى، ولِلْوُقُوفِ ولُبْسُ إِزَارٍ ورِدَاءٍ ونَعْلَيْنِ، وتَقْلِيدُ هَدْيٍ، ثُمَّ إِشْعَارُهُ، ثُمَّ رَكْعَتَانِ، والْفَرْضُ مُجْزِئٍ يُحْرِمُ [الرَّاكِبُ] (¬3) إِذَا اسْتَوَى، والْمَاشِي إِذَا مَشَى، وتَلْبِيَةٌ وجُدِّدَتْ لِتَغَيُّرِ حَالٍ، وخَلْفَ صَلاةٍ، وهَلْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلطَّوَافِ؟ خِلافٌ وإِنْ تُرِكَتْ أَوَّلَهُ فَدَمٌ إِنْ طَالَ، وتَوَسُّطٌ فِي عُلُوِّ صَوْتِهِ، وفِيهَا، وعَاوَدَهَا بَعْدَ سَعْيٍ وإِنْ بِالْمَسْجِدِ لِرَوَاجِ مُصَلَّى عَرَفَةَ ومُحْرِمُ مَكَّةَ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ ومُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ وفَائِتِ الْحَجِّ لِلْحَرَمِ ومِنَ الْجِعِرَّانَةِ والتَّنْعِيمِ لِلْبُيُوتِ ولِلطَّوَافِ الْمَشْيُ، وإِلا فَدَمٌ لِقَادِرٍ لَمْ يُعِدْهُ، وتَقْبِيلُ حَجَرٍ بِفَمٍ أَوَّلَهُ، وفِي الصَّوْتِ قَوْلانِ. قوله: (مِنْهُ الْبَدْءُ مَرَّةً والْعَوْدُ أُخْرَى) كأنه يحوم بهذا عَلَى إفادة حكمين أحدهما: أن الابتداء من الصفا. والثانية: أن البدء شوط والعود شوط، فكأنه قال: منه البدء فِي حال كونه مرة ثم استأنف فقال: والعود إليه مرة أخرى، فالعود مبتدأ وأخرى خبر، وهو ¬
كقوله فِي " المناسك ": يعدّ البداءة شوطاً، والرجعة شوطاً فذلك أربع وقفات عَلَى الصفا وأربع عَلَى المروة. ولِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ، ثُمَّ عَوْدٍ ووَضْعاً عَلَى فِيهِ، ثَّم كَبَّرَ والدُّعَاء بِلا حَدٍّ، ورَمَلُ رَجُلٍ فِي الثَّلاثَةِ الأُوَلِ، ولَوْ مَرِيضاً، وصَبِيَّاً حُمِلا، ولِلزَّحْمَةِ الطَّاقَةُ، ولِلسَّعْيِ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ ورُقِيُّهُ عَلَيْهِمَا كامْرأَةٍ إن خَلا وإِسْرَاعٌ بَيْنَ الأَخْضَرَيْنِ فَوْقَ الرَّمَلِ، ودُعَاءٌ وفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ ووُجُوبِهِمَا تَرَدُّدٌ ونُدِبَا كَالإِحْرَامِ بِالْكَافِرُونَ والإِخْلاصِ، وبِالْمَقَامِ، ودُعَاءٌ بِالْمُلْتَزَمِ. قوله: (وَلِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ، ثُمَّ عَوْدٍ ووَضْعاً عَلَى فِيهِ، ثَّم كَبَّرَ) مقتضى عطفه التكبير بثم أنه لا يأتي به إلا عند تعذر ما قبله، وعَلَى هذا حمل فعلى هذا [لا يجمع] (¬1) بين الاستلام (¬2) والتكبير، وكأنه نسبه فِي " التوضيح " لظاهر " المدوّنة " وليس كذلك، بل قال فِيهَا: ولا يدع التكبير كلما حإِذَاهما فِي طواف واجب أو تطوع (¬3). وفي الرسالة: ويستلم الركن كلما مر به كما ذكرنا ويكبر (¬4). وكذا فِي غيرهما. تكميل: في بعض نسخ ابن الحاجب: بخلاف الركنين اللذين يليان الحجّر فإنه يكبّر فقط، هكذا بزيادة التكبير (¬5). فقال ابن عرفة: وقول ابن الحاجب: يكبّر لهما لا أعرفه. واسْتِلامُ الْحَجَرِ والْيِمِانُيِّ بَعْدَ الأَوَّلِ، واقْتِصَارٌ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ. قوله: (واسْتِلامُ الْحَجَرِ والْيِمِانُيِّ بَعْدَ الأَوَّلِ) أي: بعد الشوط الأول منهما معاً، فإنه ¬
سنة وكذا فِي " الجواهر " (¬1) وإليه رد فِي " التوضيح " ما (¬2) فِي " المدوّنة " من القطع باستلامهما فِي الشوط الأول والتخيير فيما بعده منهما (¬3) عَلَى أن المصنف سقط له ذكر اليماني فِي السنة. ودُخُولُ مَكَّةَ نَهَاراً، والْبَيْتِ، ومِنْ كِدَاءٍ لِمَدَنِيٍّ. قوله: (والْبَيْتِ) أي: وندب دخول البيت، زاد فِي " مناسكه " وليحذر (¬4) أمرين: أحدهما: أن بعضهم وضع فِي وسط البيت مسماراً أسموه سرة الدنيا، وحملوا العامة عَلَى أن يكشف أحدهم سرته ثم يضعها عَلَيْهِ، وربما فعلت ذلك المرأة الجسيمة. والثاني: أنهم وضعوا فِي الجدار المقابل للباب شيئاً سموه العروة الوثقى، وهو عال يقاسي عَلَيْهِ العوام مشقة حتى يصلوا إليه، ويركب بعضهم فوق بعض، وربما كان ذلك بين النساء والرجال - قاتل الله فاعلهما - ونبهنا عَلَى هذا، وإن كانا قد بطلا فِي هذا الزمان والحمد لله؛ خوفاً أن يعاد. وَالْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، وخُرُوجُهُ مِنْ كُدًى. قوله: (والْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) زاد فِي " مناسكه ": ويستحب أن يستحضر عند رؤية البيت ما أمكنه من الخشوع والتذلل. وعن الشبلي أنه غشي عَلَيْهِ عند رؤية البيت فأفاق فأنشد: هَذِهِ دَارُهُمْ وأَنْتَ مُحِبٌّ ... مَا بَقَاءُ الدُّمُوعِ فِي الآمَاقِ وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ وبِالْمَسْجِدِ، ورَمَلُ مُحْرِمٍ مِنْ كَالتَّنْعِيمِ أَوِ بِالإِفَاضَةِ لِمُرَاهِقٍ، لا تَطَوُّعٍ ووَدَاعٍ. قوله: (ورُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ) تصوره ظاهر، وصيغة العموم فِي الطواف هنا، وفِي قوله قبل: (وفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْنِ لِلطَّوَافِ أو وجوبهما تَرَدُّدٌ). ¬
تقتضي شمول طواف التطوع، وقد بنى القرافي فِي " ذخيرته " عَلَى هذا نكتة بديعة فإنه قال: قال اللخمي: ويركع الطائف لطواف التطوع كالفرض، فإن لَمْ يركع حتى طال أو انتقض وضوءه استأنفه، فإن شرع فِي أسبوع (¬1) آخر قطعه وركع، فإن أتمه أتى لكل أسبوع بركعتين وأجزأه؛ لأنه أمر اختلف فيه، ومقتضى المذهب أن أربعة أسابيع طول تمنع الإصلاح وتوجب الاستئناف ثم قال القرافي: فهذا الكلام من اللخمي وإطلاقه الإجزاء ووجوب الاستئناف يشعر بأن الشروع فِي طواف التطوع يوجب الإتمام كالصلاة والصوم، وهو ظاهر من المذهب وكلام شيوخه، وعَلَى هذا تكون المسائل التي يجب التطوع فِيهَا بالشروع سبعاً: الحجّ، والعمرة، والصلاة، والصوم، والاعتكاف، والإئتمام، والطواف، ولا يوجد لها ثامن، وقول المالكية: يجب تكميله محمول عَلَى هذا، وقد نصّوا عَلَى أن الشروع فِي تجديد الوضوء وغيره من قراءة القرآن وبناء المساجد والصدقات ... وغيرها من [القربات] (¬2) لا يجب إتمامها [29 / ب] بالشروع فِيهَا. انتهى (¬3). وأنشد شيخنا الأستاذ أبو عبد الله الصغير قال: أنشدنا الفقيه أبو عبد الله العكرمي قال: أنشدنا الإمام ابن عرفة: صَلاةٌ وصَوْمٌ ثمَّ حَجٌ وعُمْرَةٌ ... عُكُوفٌ طَوافٌ وائتِمَامٌ تحتَّمَا وفي غَيْرِهَا كَالْوقْفِ والطُّهْرِ خَيّرْن ... فَمَن شَاءَ فلْيَقْطَعْ ومَنْ شَاءَ تَمْمَا يعني بالوقف (¬4): بناء [الأوقاف كالمساجد] (¬5) والقناطر (¬6) والسقّايات وحفر الآبار ... وغير ذلك، إلّا أن ما نسب القرافي للخمي من أن مقتضى المذهب: أن أربعة أسابيع طول: فيه نظر حسبما بسطناه فِي: " تكميل التقييد وتحليل التعقيد " وحسبي الله ولا أزيد. ¬
وَكَثْرَةُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ، ونَقْلُهُ ولِلسَّعْيِ شُرُوطُ [21 / ب] الصَّلاةِ، وخُطْبَةٌ بَعْدَ ظُهْرِ السَّابِعِ بِمَكَّةَ وَاحِدَةٌ يُخْبِرُ بِالْمَنَاسِكِ وخُرُوجُهُ لِمِنىً قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ، وبَيَاتُهُ بِهَا، وسَيْرُهُ لِعَرَفَةَ بَعْدَ الطُّلُوعِ، ونُزُولُهُ بِنَمِرَةَ، وخُطْبَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ، ثُمَّ أُذِّنَ، وجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ إِثْرَ الزَّوَالِ، ودُعَاءٌ وتَضَرُّعٌ لِلْغُرُوبِ، ووُقُوفُهُ بِوُضُوءٍ، ورُكُوبُهُ بِهِ، ثُمَّ قِيَامٌ إِلا لِتَعَبٍ، وصَلاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ، وبَيَاتُهُ بِهَا، وإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فَالدَّمُ، وجَمَعَ وقَصَرَ، إِلا لأَهْلَهَا، كَمِنىً وعَرَفَةَ، وإِنْ عَجَزَ فَبَعْدَ الشَّفَقِ، إِنْ نَفَرَ مَعَ الإِمَامِ، وإِلا فَكُلٌّ لِوَقْتِهِ، وإِنْ قُدِّمَتَا عَلَيْهِ أَعَادَهُمَا، وارْتِحَالُهُ بَعْدَ الصُّبْحِ، مُغَلِّساً، ووُقُوفُهُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يُكَبِّرُ ويَدْعُو للإِسْفَارِ واسْتِقْبَالُهُ بِهِ. قوله: (وكَثْرَةُ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ، ونَقْلُهُ) معطوفان عَلَى المندوبات لا عَلَى المنفي قبلهما، أما شربه فذكره غير واحد، وفِي " الذخيرة " عن ابن حبيب: استحبّ الإكثار من شرب ماء زمزم والوضوء منه ما أقام به. قال ابن عباس: وليقل إِذَا شرب: اللهم إنّي أسألك علماً نافعاً وشفاءً من كلّ داء، قال: وهو لما شرب له، وقد جعله الله تعالي لإسماعيل عَلَيْهِ السلام ولأمه هاجر طعاماً وشراباً. انتهي (¬1). ومن الغرائب ما حدثنا به شيخنا الفقيه الحافظ أبو عبد الله القوري المكناسي قال: حدثنا الحاجّ أبو عبد الله بن (غزوان) (¬2) المكناسي أنه سمع الإمام الأوحد الرباني أبا عبد الله البلالي بالديار المصرية يرجح حديث " الباذنجان لما أكل له " (¬3) عَلَى حديث: " ماء زمزم لما شرب له " (¬4). قال: وهذا خلاف المعروف، وأما نقل ماء زمزم ففي " مسلك السالك ¬
فِي عمل المناسك " لقاسم بن أحمد الحضرمي الطرابلسي: يستحبّ أن يتزود منه إِلَى بلده؛ لما فِي الترمذي عن عائشة - رضي الله تعالي عنها - أنها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر أنه عَلَيْهِ الصلاة والسلام كان يحمله (¬1). وَلا وُقُوفَ بَعْدَهُ ولا قَبْلَ الصُّبْحِ، وإِسْرَاعٌ بِبَطُّنِ (¬2) مُحَسِّرٍ (¬3)، ورَمْيُهُ الْعَقَبَةَ حِينَ وَصُولِهِ وإِنْ رَاكِباً، والْمَشْيُ فِي غَيْرِهَا، وحَلَّ بِهَا غَيْرُ نِسَاءٍ وصَيْدٍ، وكُرِهَ الطِّيبُ وتَكْبِيرُهُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وتَتَابُعُهَا، ولَقْطُهَا، وذَبْحٌ قَبْلَ الزَّوَالِ، وطَلَبُ بَدَنَتِهِ لَهُ لِلْحَلْقِ، ثُمَّ حَلْقُهُ ولَوْ بِنَوْرَةٍ، إِنْ عَمَّ رَأْسَهُ، والتَّقْصِيرُ مُجْزٍ، وهُوَ سُنَّةُ الْمَرْأَةِ تَأْخُذُ قَدْرَ الأُنْمُلَةِ، والرَّجُلُ مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ، وَحَلَّ بِهِ مَا بَقِيَ، إِنْ حَلَقَ، وإِنْ وَطِئَ قَبْلَهُ فَدَمٌ، بِخِلافِ الصَّيْدِ كَتَأْخِيرِ الْحَلْقِ لِبَلَدِهِ، أَوِ الإِفَاضَةِ لِلْمُحْرِمِ، ورَمْيُ كُلِّ حَصَاةٍ أَوِ الْجَمِيعِ لِلَّيْلِ، وإِنْ لِصَغِيرٍ لا يُحْسِنُ الرَّمْيَ، أَوْ عَاجِزٍ، ويَسْتَنِيبُ فَيَتَحَرَّى وَقْتَ الرَّمْيِ، ويُكَبِّرُ، وأَعَادَ إِنْ صَحَّ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْغُرُوبِ مِنَ الرَّابِعِ، وقَضَاءُ كُلٍّ إِلَيْهِ، واللَّيْلُ قَضَاءٌ، وحُمِلَ مُطِيقٌ، ورَمَى، ولا يَرْمِي فِي كَفِّ غَيْرِهِ، وتَقْدِيمِ الْحَلْقِ أَوِ الإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ لا إِنْ خَالَفَ فِي غَيْرٍ، وعَادَ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى فَوْقَ الْعَقَبَةِ ثَلاثاً، وإِنْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ فَدَمٌ، أَوْ لَيْلَتَيْنِ إِنْ تَعَجَّلَ. قوله: (ولا وُقُوفَ بَعْدَهُ) أي: بعد الإسفار. وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ أَوْ مَكِّيَّاً قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنَ الثَّانِي فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الثَّالِثِ، ورُخِّصَ لِرَاعٍ بَعْدَ الْعَقَبَةِ أَنْ يَنْصَرِفَ، ويَأْتِيَ الثَّالِثَ فَيَرْمِي لِيَوْمَيْنِ. قوله: (فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الثَّالِثِ) كذا ذكره ابن المواز رواية عن مالك قال أبو محمد: وقول ابن حبيب: يرمي له إثر رميه للذي قبله. خلاف قول مالك وأصحابه. ¬
وتَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ فِي الرَّدِّ لِلْمُزْدَلِفَةِ، وتَرْكُ التَّحْصِيبِ لِغَيْرِ مُقْتَدًى بِهِ، ورَمَى كُلَّ يَوْمٍ الثَّلاثَ، وخَتَمَ بِالْعَقَبَةِ مِنَ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ. قوله: (وتَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ فِي الرَّدِّ لِلْمُزْدَلِفَةِ) جاءت الرخصة فِي الحديث فِي تقديم الضعفة فِي محلين أحدهما: من عرفة إِلَى المزدلفة، والآخر من المزدلفة إِلَى منى، وقد [ترجم لهما] (¬1) البخاري معاً فقال: باب: " من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إِذَا غاب القمر "، ثم خرّج عن سالم كان عبد الله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك فإِذَا قدموا رمووا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص فِي أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وعن ابن عباس: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - من جمع بليل. وعنه أنا ممن قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة فِي ضعفة أهله (¬3). وعن عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي، فصلّت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: لا، فصلت ساعة ثم قالت: يابني هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت فارحلوا فرحلنا، فمضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح بمنزلها فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلّا قد غلّسنا فقالت: يا بني إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن (¬4). [وعن عائشة قالت: استأذنت سودة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة جمع وكانت ثقيلة ثبطة فأذن لها] (¬5). وعن عائشة أَيْضاً: نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سودة أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة بطيئة فأذن لها، فدفعت قبل حطمة الناس وأقمنا حتى أصبحنا نحن ¬
ثم دفعنا بدفعه، فلأن أكون استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به (¬1). وخرّج مسلم عن أم حبيبة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بها من جمع بليل (¬2). وأكثر هذه الأحاديث فِي الدفع من مزدلفة إِلَى منى، وهذا هو المطروق عند أهل المذهب كما قال فِي " المدوّنة ": ويستحبّ للرجل أن يدفع من المشعر الحرام بدفع الإمام لا يتعجّل قبله، وواسع للنساء والصبيان أن يتقدموا أو يتأخروا (¬3). وأما الدفع من عرفة إِلَى المزدلفة فهو الذي تعطيه عبارة المصنف إذ قال: (للمزدلفة) ولَمْ يقل من المزدلفة، وهو غير مطروق عند أهل المذهب حتى قال [سحنون] (¬4) معللاً للفرق؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدّم ضعفة بني هاشم من المزدلفة ولَمْ يقدمهم من عرفة؛ فدل أن الوقوف بعرفة ليلاً فرض. انتهى [30 / أ]. فلعلهم لَمْ يأخذوا بحديث ابن عمر، و (¬5) ردّوه بالتأويل إلي هذا، ولئن سُلّم ما قاله المصنف، فلابد أن يقيد بأن يكون تقديمهم بعد إدراك جزءٍ من الليل، واللام فِي قوله: (لِلْمُزْدَلِفَةِ) لانتهاء الغاية تتعلق بتقديم أو بالرد، ولعلنا تعدينا هنا طورنا، وجهلنا قدرنا فلنمسك [العنان] (¬6). والله تعالى المستعان. ¬
وَصِحَّتُهُ، بِحَجَرٍ كَحَصَى الْخَذْفِ، ورَمْيٍ وإِنْ بِمُتَنَجِّسٍ عَلَى الْجَمْرَةِ، وإِنْ أَصَابَتْ غَيْرَهَا، إِنْ ذَهَبَتْ بِقُوَّةٍ، لا دُونَهَا وإِنْ أَطَارَتْ غَيْرَهَا [من الحصيات] (¬1)، ولا طِينٍ ومَعْدِنٍ، وفِي إِجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ، وبِتَرَتُّبِهِنَّ وأَعَادَ مَا حَضَرَ بَعْدَ الْمَنْسِيَّةِ، ومَا بَعْدَهَا فِي [22 / أ] يَوْمِهَا فَقَطْ ونُدِبَ تَتَابُعُهُ، فَإِنْ رَمَى بِخَمْسٍ خَمْسٍ، يُعْتَدَّ بِالْخَمْسِ الأُوَلِ، وإِنْ لَمْ يَدْرِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ، اعْتُدَّ بِسِتٍّ مِنَ الأُولَى، وأَجْزَأَ عَنْهُ وعَنْ صَبِيٍّ آخَرَ ولَوْ حَصَاةً حَصَاةً، ورَمَى الْعَقَبَةَ أَوَّلَ يَوْمٍ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وإِلا إِثْرَ الزَّوَالِ قَبْلَ الظُّهْرِ، ووُقُوفُهُ إِثْرَ الأُوْلَيَيْنِ قَدْرَ إِسْرَاعِ الْبَقَرَةِ، وتَيَاسُرُهُ فِي الثَّانِيَةِ وتَحْصِيبُ الرَّاجِعِ لِيُصَلِّيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، وطَوَافُ الْوَدَاعِ إِنْ خَرَجَ لِكَالْجُحْفَةِ، لا كَالتَّنْعِيمِ، وإِنْ صَغِيراً، وتَأَدَّى بِالإِفَاضَةِ والْعُمْرَةِ، ولا يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى، وبَطَلَ بِإِقَامَةِ بَعْضِ يَوْمٍ بِمَكَّةَ لا بِشُغْلٍ خَفَّ، ورَجَعَ لَهُ، إِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ، وحُبِسَ الْكَرِيُّ، والْوَلِيُّ لِحَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ وقَدْرُهُ، وقُيِّدَ إِنْ أَمِنَ. قوله: (وصِحَّتُهُ، بِحَجَرٍ كَحَصَى الْخَذْفِ، ورَمْيٍ وإِنْ بِمُتَنَجِّسٍ عَلَى الْجَمْرَةِ، وإِنْ أَصَابَتْ غَيْرَهَا، إِنْ ذَهَبَتْ بِقُوَّةٍ، لا دُونَهَا وإِنْ أَطَارَتْ غَيْرَهَا لَهَا، ولا طِينٍ ومَعْدِنٍ) أي: وشرط صحة الرمي أن يكون بحجّر لا بغيره [وأن يكون الحجّر مثل حصى الخذف فِي القدر، وأن يرمي به رمياً، ولا يضعه وضعا، فلفظ رمى بالجر] (¬2) عطفاً عَلَى حجر، ويجزئ الحجر وإن [كان] (¬3) متنجساً، وأن يقع الحجر عَلَى الجمرة، ولا يشترط أن يصيب أصل أرض الجمرة بل يجزئ وإن وقع عَلَى ما عَلَيْهَا من الحصى، كما يجزئ إِذَا أصابت غير الجمرة بشرط أن تذهب بقوة الرمي، ولا تجزئ إِذَا وقعت دون الجمرة كما قال: (لا دونها وإن أطارت (¬4) غيرها [من الحصيات] (¬5)). أي: للجمرة ولا يجزئ الطين والمعدن. وفِي " الذخيرة ": ظاهر المذهب منع الطين والمعادن المتطرقة كالحديد وغير المتطرقة كالزرنيخ، وقاله الشافعي وابن حنبل، ¬
وقال أبو حنيفة: يجوز بكلّ ما هو من الأرض، وسلم منع الدراهم والدنانير (¬1)، وجوّزه داود الظاهري بكلّ شئ حتى بالعصفور الميت. (¬2) انتهى. وإنما شققت كلام المصنف هنا، وإن لَمْ يكن فيه إشكال لسقوطه من بعض نسخ الشارح. والرِّفْقَةُ، فِي كَيَوْمَيْنِ، وكُرِهَ رَمْيٌ بِمَرْمِيٍّ بِهِ كَأَنْ يُقَالُ لِلإِفَاضَةِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، أَوْ زُرْنَا قَبْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ. قوله: (والرِّفْقَةُ، فِي كَيَوْمَيْنِ) فِي " الموازية " عن مالك إن كان مثل يومين حبس كريهاً ومن معه، وإن كان أكثر فكريها فقط (¬3). ورُقِيُّ الْبَيْتِ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى مِنْبَرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِنَعْلٍ، بِخِلافِ الطَّوَافِ والْحِجْرِ، وإِنْ قَصَدَ بِطَوَافِه نَفْسَهُ مَعَ مَحْمُولِهِ، لَمْ يُجِزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وأَجْزَأَ السَّعْيُ عَنْهُمَا كَمَحْمُولَيْنِ فِيهِمَا. ... قوله: (وَرُقِيُّ الْبَيْتِ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ مِنْبَرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِنَعْلٍ) رقي البيت صعوده، وعَلَيْهِ أي: عَلَى ظهره، وكأنه عبّر بالرقي دون الدخول ليشعر باجتناب النعلين فِي ابتداء الصعود له أو لظهره أو للمنبر. ¬
فصل محظورات الإحرام
فصل [محظورات الإحرام] حَرُمَ بِالإِحْرَامِ عَلَى الْمَرْأَةِ لِبْسُ قُفَّازٍ، وسَتْرُ وَجْهٍ إِلا لِسَتْرٍ بِلا غَرْزٍ ورَبْطٍ، وإِلا فَفِدْيَةٌ وعَلَى الرَّجُلِ مُحِيطٌ بِعُضْوٍ، وإِنْ بِنَسْجٍ أَوْ زَرٍّ أَوْ عَقْدٍ كَخَاتَمٍ وقَبَاءٍ، وإِنْ لَمْ يُدْخِلْ كُمَّاً، وسَتْرُ وَجْهٍ أَوْ رَأْسٍ بِمَا يُعَدُّ سَاتِراً كَطِينٍ، ولا فِدْيَةَ فِي سَيْفٍ، ولَوْ بِلا عُذْرٍ واحْتِرَامٍ، واسْتِثْفَارٍ لِعَمَلٍ فَقَطْ، وجَازَ خُفٌّ قُطِعَ أَسْفَلَ مِنْ كَعْبٍ لِفَقْدِ نَعْلٍ أَوْ غُلُوِّهِ فَاحِشاً، واتِّقَاءُ شَمْسٍ أَوْ رِيحٍ بِكَيَدٍ، أَوْ مَطَرٍ بِمُرْتَفِعٍ وتَقْلِيمُ ظُفُرٍ إِنْ كُسِرَ، وارْتِدَاءٌ بِقَمِيصٍ. قوله: (واحْتِرَامٍ، واسْتِثْفَارٍ (¬1) لِعَمَلٍ فَقَطْ) معطوفان عَلَى سيف، متنازعان فِي العمل والاستثفار (¬2) جعل طرفي المئزر بين الفخذين معقوداً فِي الوسط كالسراويل. وفِي كَرَاهَةِ (¬3) السَّرَاوِيلِ روايتان (¬4)، وَتَظَلُّلٌ بِبِنَاءٍ وخِبَاءٍ ومَحَارَةٍ لا فِيهَا كَثَوْبٍ بِعَصاً، فَفِي وَجُوبِ الْفِدْيَةِ خُلافٌ وحَمْلٌ لِحَاجَةٍ أَوْ فَقْرٍ بِلا تَجْرٍ، وإِبْدَالُ ثَوْبِهِ أَوْ بَيْعُهُ، بِخِلافِ غَسْلِهِ، إِلا لِنَجِسٍ فَبِالْمَاءِ فَقَطْ، وبَطُّ جُرْحِهِ، وحَكُّ مَا خَفِيَ بِرِفْقٍ، وفَصْدٌ إِنْ لَمْ يَعْصِبْهُ، وشَدُّ مِنْطَقَةٍ لِنَفَقَتِهِ عَلَى جِلْدِهِ، وإِضَافَةُ نَفَقَةِ غَيْرِهِ، وإِلا فَفِدْيَةٌ كَعَصْبِ جُرْحِهِ أَوْ رَأْسِهِ، أَوْ لَصْقِ خِرْقَةِ كَدِرْهَمٍ أَوْ لَفِّهَا عَلَى ذَكَرٍ. قوله: (وَفِي كَرَاهَةِ السَّرَاوِيلِ روايتان) [هذا من تمام قوله: (وارتداء بقميص) فالمعنى: وفِي كراهة الارتداء بالسراويل روايتان] (¬5)، وكذا صرّح به فِي التوضيح (¬6). وقال فِي المناسك: لو ارتدى بقميص أو قباء جاز، وكذلك السراويل، وروى عن مالك كراهة الارتداء بالسراويل لقبح الزي، فلم يصرح بأن الأول رواية، وهذا أقرب لقول الباجي، ¬
وروى محمد إباحة جعل القميص وما فِي معناه عَلَى كتفيه، وجعل كميه أمامه، وروايته كراهة الارتداء بالسراويل إنما هي لقبح زي السراويل عنده، ككراهته لغيره لبسه مع (¬1) رداء دون قميص (¬2). انتهى باختصار ابن عرفة. تتميم: في " النوادر " روى محمد: من لَمْ يجد مئزراً لا يلبس سراويل ولو افتدى وفيه جاء النهي، وروى ابن عبد الحكم: يلبسه ويفتدى. انتهى بلفظ ابن عرفة (¬3)، وخرّج مسلم عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب يقول: " السراويل لمن لَمْ يجد الإزار (¬4) والخفان لمن لَمْ يجد النعلين " (¬5) وقال مالك فِي " الموطأ " فِي السراويل: لَمْ يبلغني هذا (¬6)، قال ابن عبد السلام: وعندي أن مثل هذا من الآحاديث التي نصّ الإمام علي أنها لَمْ تبلغه إِذَا قال أهل الصنعة أنها صحّت فيجب عَلَى مقلّدي الإمام العمل بمقتضاها كهذا الحديث، وحديث إذن الإمام لأهل العوالي إِذَا وافق العيد الجمعة، فقف عَلَى تمامه فِي أصله. أَوْ قُطْنَةٍ بِأُذُنَيْهِ، أَوْ قِرْطَاسٌ بِصُدْغَيْهِ. قوله: (أَوْ قُطْنَةٍ بِأُذُنَيْهِ) قال فِي الكتاب: وإن جعل المحرم فِي أذنيه قطناً لشئ وجده فيهما افتدى كان فِي القطنة طيب أم لا (¬7)، وعلله ابن يونس بأنه محل إحرام. ¬
أَوْ تَرْكِ ذِي نَفَقَةٍ ذَهَبَتْ، أَوْ رَدِّهَا لَهُ، ولِلْمَرْأَةِ خَزٌّ وحليٌ. قوله: (أَوْ تَرْكِ ذِي نَفَقَةٍ ذَهَبَتْ، أَوْ رَدِّهَا لَهُ) الترك والردّ معطوفان بالجرّ عَلَى قوله: (كعصب جرحه)، فهما مما تجب فيه الفدية. والثاني منهما بحذف مضاف أي: أو ترك ردها له، والمراد بذي النفقة: صاحبها الذي أودعها، وكأنه قال: وتجب الفدية بترك مودع النفقة الذي ذهب قبل أن ترد له، وبترك ردّها له إن لَمْ يذهب والفرض فِي الحالتين أن نفقة المحرم التي كانت هذه تبعاً لها نفدت، وأشار به لقول اللخمي: فإن فرغت نفقته ردّ الأخرى إِلَى صاحبها، فإن تركها افتدى وإن ذهب صاحبها وهو عالم افتدى، وإن لَمْ يعلم فلا شئ عَلَيْهِ ويبقيها معه. وقد قال ابن القاسم فيمن أودع صيداً وهو حلال، فأحرم وقد غاب صاحبه [30 / ب] فلا يرسله ويضمنه إن فعل، وكذلك النفقة قبلها بوجهٍ جائز ثم غاب صاحبها فجاز أن يبقيها عنده، ولا يخرجها إِلَى غيره، وقال ابن عرفة: يردّ قول اللخمي بقدرته (¬1) عَلَى جعلها حيث حفظ تجره. وكُرِهَ شَدُّ نَفَقَتِهِ بِعَضُدِهِ أَوْ فَخْذِهِ، وكَبُّ رَأْسٍ عَلَى وِسَادَةٍ، ومَصْبُوغٌ لِمُقْتَدًى بِهِ، وشَمٌّ كَرَيْحَانٍ، [22 / ب] ومُكْثٌ بِمَكَانٍ فِيهِ طِيبٌ، واسْتِصْحَابُهُ أَوْ حِجَامَةٌ بِلا عُذْرٍ، وغَمْسُ رَأْسٍ وتَجْفِيفُهُ، بِشِدَّةٍ، ونَظَرٌ بِمِرْآةٍ، ولِبْسُ امْرَأَةٍ قِبَاءً مُطْلَقاً، وعَلَيْهِمَا دَهْنُ اللِّحْيَةِ والرَّأْسِ وإِنْ صَلَعاً، وإِبَانَةُ ظُفُرٍ أَوْ شَعَرٍ أَوْ وَسَخٍ إِلا غَسْلَ يَدَيْهِ بِمُزِيلِهِ، وتَسَاقُطُ شَعَرٍ لِوُضُوءٍ أَوْ رُكُوبٍ، ودَهْنُ الْجَسَدِ كَكَفٍّ ورِجْلٍ بِمُطَيِّبٍ أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، ولَهَا قَوْلانِ، اخْتُصِرَتْ عَلَيْهِمَا، وتَطَيُّبٌ بِكَوَرْسٍ وإِنْ ذَهَبَ رِيحُهُ، أَوْ لِضَرُورَةِ كُحْلٍ ولَوْ فِي طَعَامٍ أَوْ لَمْ يَعْلَقْ، إِلا قَارُورَةً سُدَّتْ، ومَطْبُوخاً، وبَاقِياً مِمَّا قَبْلَ إِحْرَامِهِ، ومُصِيباً مِنْ إِلْقَاءِ رِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ خَلُوقِ كَعْبَةٍ، وخُيِّرَ فِي نَزْعِ يَسِيرِهِ وإِلا افْتَدَى إِنْ تَرَاخَى كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ نَائِماً، ولا تُخَلَّقُ أَيَّامَ الْحَجِّ، ويُقَامُ الْعَطَّارُونَ فِيهَا مِنَ الْمَسْعَى، وافْتَدَى الْمُلْقِي الْحِلُّ إِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ بِلا صَوْمٍ، وإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَفْتَدِ الْمُحْرِمُ كَأَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ ورَجَعَ بِالأَقَلِّ إِنْ لَمْ يَفْتَدِ بِصَوْمٍ وعَلَى الْمُحْرِمِ الْمُلْقِي فِدْيَتَانِ عَلَى الأَرْجَحِ، وإِنْ حَلَقَ حِلٌّ مُحْرِماً بِإِذْنٍ فَعَلَى الْمُحْرِمِ، وإِلا فَعَلَيْهِ، وإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ حِلٍّ أَطْعَمَ، وهَلْ حَفْنَةٌ أَوْ فِدْيَةٌ تَأْوِيلانِ، وفِي الظُّفْرِ الْوَاحِدِ، لا لإِمَاطَةِ ¬
الأَذَى حَفْنَةٌ كَشَعْرَةٍ أَوْ شَعَرَاتٍ، وقَمْلَةٍ أَوْ قَمَلاتٍ، وطَرْحِهَا كَحَلْقِ مُحْرِمٍ لِمِثْلِهِ مَوْضِعَ الْحِجَامَةِ، إِلا أَنْ يَتَحَقَّقَ نَفْيَ الْقَمْلِ، وتَقْرِيدِ بَعِيرِهِ، لا كَطَرْحِ عَلَقَةٍ أَوْ بَرْغُوثٍ، والْفِدْيَةُ فِيمَا يُتَرَفَّهُ بِهِ أَوْ يُزِيلُ أَذًى كَقَصِّ الشَّارِبِ أَوْ ظُفْرٍ وقَتْلِ قَمْلٍ كَثُرَ، وخَضْبٍ بِكَحِنَّاءٍ، وإِنْ رُقْعَةً إِنْ كَبُرَتْ ومُجَرَّدُ حَمَّامٍ عَلَى الْمُخْتَارَ، واتَّحَدَتْ إِنْ ظَنَّ الإِبَاحَةَ، أَوْ تَعَدَّدَ مُوجِبُهَا بِفَوْرٍ، أَوْ نَوَى التِّكْرَارَ، أَوْ قَدَّمَ الثَّوْبَ عَلَى السَّرَاوِيلِ وشَرْطُهَا فِي اللُّبْسِ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، لا إِنْ نَزَعَ مَكَانَهُ، وفِي صَلاةٍ قَوْلانِ، ولَمْ يَأْثَمْ إِنْ فَعَلَ لِعُذْرٍ، وهِيَ نُسُكٌ بِشَاةٍ فَأَعْلَى، أَوْ إِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلٍّ مُدَّانِ كَالْكَفَّارَةِ أَوْ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ولَوْ أَيَّامَ مِنًى، ولَمْ يَخْتَصَّ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ، إِلا أَنْ يَنْوِيَ بِالذَّبْحِ الْهَدْيَ فَكَحُكْمِهِ، ولا يُجْزِئُ غَدَاءٌ وعَشَاءٌ إِنْ لَمْ يَبْلُغْ مُدَّيْنِ، والْجِمَاعُ ومُقَدِّمَاتُهُ وأَفْسَدَ مُطْلَقاً كَاسْتِدْعَاءِ مَنِيٍّ، وإِنْ بِنَظَرٍ قَبْلَ الْوُقُوفِ مُطْلَقاً أَوْ بَعْدَهُ إِنْ وَقَعَ قَبْلَ إِفَاضَةٍ وعَقَبَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَهُ، وإِلا فَهَدْيٌ [23 / أ] كَإِنْزَالٍ ابْتِدَاءً وإِمْذَائِهِ، وقُبْلَتِهِ، ووُقُوعِهِ بَعْدَ سَعْيٍ فِي عُمْرَتِهِ، وإِلا فَسَدَتْ، ووَجَبَ إِتْمَامُ الْمُفْسَدِ، وإِلا فَهُوَ عَلَيْهِ، وإِنْ أَحْرَمَ، ولَمْ يَقَعْ قَضَاؤُهُ إِلا فِي ثَالِثِهِ، وفَوْرِيَّةُ الْقَضَاءِ وإِنْ تَطَوُّعاً. قوله: (وَكَبُّ رَأْسٍ عَلَى وِسَادَةٍ) يريد كب الوجه، وبالوجه عبّر فِي " التوضيح " و " المناسك "، وأصل المسألة فِي رسم باع غلاماً من سماع ابن القاسم وزاد فيه: وأما وضع خده عَلَيْهَا فلا بأس به (¬1). وقَضَاءُ الْقَضَاءِ، ونَحْرُ هَدْيٍ فِي الْقَضَاءِ واتَّحَدَ، وإِنْ تَكَرَّرَ لِنِسَاءٍ، بِخِلافِ صَيْدٍ وفِدْيَةٍ، وأَجْزَأَ إِنْ عَجَّلَ، وثَلاثَةٌ إِنْ أَفْسَدَ قَارِناً ثُمَّ فَاتَهُ وقَضَى (¬2). قوله: (ونَحْرُ هَدْيٍ فِي الْقَضَاءِ) أي: ويجب عَلَيْهِ مَعَ قضاء (¬3) المفسد من حجٍ أو عمرة نحر هديٍ فِي زمان قضائهما، لا فِي زمان فسادهما، وهذا هو المشهور. قال فِي " مناسكه ":ليتفق الجابر النسكي والجابر المالي. ¬
وعُمْرَةٌ إِنْ وَقَعَ قَبْلَ رَكْعَتِيِ الطَّوَافِ، وإِحْجَاجُ مُكْرَهَةٍ وإِنْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ، وعَلَيْهَا [إن أعدم] (¬1) رَجَعَتْ كَالْمُتَقَدِّمِ وفَارَقَ مَنْ أَفْسَدَ مَعَهُ مِنْ إِحْرَامِهِ لِتَحَللهِ، ولا يُرَاعَى زَمَنُ إِحْرَامِهِ، بِخِلافِ مِيقَاتٍ إِنْ شُرِعَ، وإِنْ تَعَدَّاهُ، فَدَمٌ، وأَجْزَأَ تَمَتُّعٌ عَنْ إِفْرَادٍ وعَكْسُهُ، لا قِرَانٌ عَنْ إِفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ وعَكْسُهُمَا. ولَمْ يَنُبْ قَضَاءُ تَطَوُّعٍ عِنْ وَاجِبٍ، وكُرِهَ حَمْلُهَا لِلْمَحْمَلِ، ولِذَلِكَ اتُّخِذَتِ السَّلالِمُ، ورُؤْيَةُ ذِرَاعَيْهَا لا شَعْرِهَا، والْفَتْوَى فِي أَمْرِهِنَّ. قوله: (وعُمْرَةٌ إِنْ وَقَعَ قَبْلَ رَكْعَتِيِ الطَّوَافِ) هذا فِي غير الفاسد، فلو وصله بقوله قبل هذا: (وإلا فهدي). لكان أنسب. قال فِي " التوضيح ": إِذَا لَمْ نقل بالإفساد فلا خلاف أن عَلَيْهِ هدياً، واختلف فِي العمرة عَلَى ثلاثة أقوال: الأول: أن عَلَيْهِ عمرة كان وطؤه قبل الطواف أو بعده. قاله ابن حبيب. الثاني: لا عمرة عَلَيْهِ كان قبل الطواف أو بعده. وهو قول القاضي إسماعيل. الثالث: وهو المشهور ومذهب " المدوّنة " إن كان قبل الإفاضة أو (¬2) قبل بعضها، كما لو نسي شوطاً أو قبل ركعتي الطواف فعَلَيْهِ العمرة، وإن كان بعد ذلك فلا عمرة عَلَيْهِ. انتهى (¬3). قال ابن عبد السلام: واستضعف القاضي إسماعيل قولهم فِي المشهور: يأتي بالعمرة ليكون الطواف فِي إحرامٍ صحيح؛ بأن هذا الإحرام الثاني يوجب طوافاً غير الطواف الأول فالمأتي به آخراً غير الذي فِي الذمة وما فِي الذمة غير المأتي (¬4) به فلا يجزئ عنه، وفيه نظر؛ فإنه إِذَا كان سبب الإحرام الثاني إنما هوجبران الأول فلا نسلم أنه أوجب طوافاً غير الطواف الأول. وقال ابن عرفة: وتضعيف إسماعيل له بأن عمرته توجب طوافها فلا يصح لها وللإفاضة معاً، يردّ بأن المطلوب إتيانه بطواف فِي إحرام لا ثلم فيه لا بقيد أنه طواف إفاضة. ¬
وحَرُمَ بِهِ وبِالْحَرَمِ مِنْ نَحْوِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ خَمْسَةٌ لِلتَّنْعِيمِ، ومِنَ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةٌ لِلْمَقْطَعِ، ومِنْ عَرَفَةَ تِسْعَةٌ، ومِنْ جدَّةَ عَشَرَةُ [أَمْيَالٍ] (¬1) لآخِرِ الْحُدَيْبِيَةِ ويَقِفُ سَيْلُ الْحِلِّ دُونَهُ تَعَرُّضُ بَرِّيٍّ. قوله: (وحَرُمَ بِهِ وبِالْحَرَمِ (¬2) مِنْ نَحْوِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ خَمْسَةٌ لِلتَّنْعِيمِ، ومِنَ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةٌ لِلْمَقْطَعِ، ومِنْ عَرَفَةَ تِسْعَةٌ، ومِنْ جُدَّةَ عَشَرَةُ [أَمْيَالٍ] (¬3) لآخِرِ الْحُدَيْبِيَةِ ويَقِفُ سَيْلُ الْحِلِّ دُونَهُ تَعَرُّضُ بَرِّيٍّ) فيه تنبيهات: الأول: الأوجه رفع أربعة وما بعده من الأعداد عَلَى تقدير مبتدأ محذوف أي: حده كذا؛ فهي جمل معترضة بين الفعل والفاعل، ويجوز جرّها عَلَى البدلية من الحرم، ونصبها عَلَى الظرف لحرم [فلا اعتراض] (¬4). الثاني: هذا التحديد فِي " النوادر " ونقْله عن " المدوّنة " [وهم] (¬5) أو تصحيف. الثالث: زاد فِي " النوادر " ومن جهة اليمين [سبعة] (¬6) إِلَى أضاة (¬7)، وهي بالضاد المعجمة عَلَى وزن: قناة، وكأن المصنف رأى أن التحديد بالأربعة كافٍ. الرابع: حدد ثلاثة منها بالتنعيم والمقطع والحديبية، ولَمْ يذكر موضعاً لجهة عرفة؛ لأنها الحدّ بنفسها إذ هي فِي طرف الحل حسبما ألمع به فِي قوله: (كبطن عرنة). الخامس: نبه بقوله: " أو خمسة " عَلَى قول الباجي: سمعت أكثر الناس يقولون مدة مقامي بمكة: أن بينها وبين التنعيم خمسة أميال. السادس: قال الباجي: الذي عندي أن بين مكة وعرفة ثمانية عشر ميلاً وهو نحو ما بين مكة والحديبية وبين مكة والجعّرانة وبين مكة وحنين، هذه مسافات متقاربة، ولو كان بين مكة والحديبية عشرة [أميال] (¬8) لَمْ يكن بين مكة وجدة ما تقصر فيه الصلاة، وقد قال ¬
مالك: إن بينهما ثمانية وأربعين ميلاً، وإنما [يقع] (¬1) الخلاف لاختلاف الناس فِي حرز قدر الميل، والذي حكى ابن حبيب أنه ألف باع وكل باعٍ من ذراعين، وأهل الحساب وكثير من الناس يقولون: الباع أربع أذرع، فتفاوت الأمر (¬2). وإِنْ تَأَنَّسَ أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ، أَوْ طَيْرَ مَاءٍ. قولهّ: (أَوْ طَيْرَ مَاءٍ) يجوز جرّه بالعطف عَلَى بريّ كأنه غير داخل فِي مسماه، ونصبه عَلَى أنه خبر كان محذوفة معطوفة عَلَى فعل الشرط قبله، وهذا عَلَى أنه داخل فِي مسمى البري، وكل منهما معقول باعتبار. والله تعالى أعلم. وجَرْوُهُ (¬3)، وبَيْضُهُ، ولْيُرْسِلْهُ بِيَدِهِ أَوْ رُفْقَتِهِ، وزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ لا بِبَيْتِهِ، وهَلْ وإِنْ أَحْرَمَ مِنْهُ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وجَرْوُهُ وبَيْضُهُ) يتعين عطفهما عَلَى بري، وعود ضميريهما عَلَيْهِ، والجرو: وبجيم وراء مهملة وواو، أطلقه هنا عَلَى الصغير من كل بري، تبعاً لابن شاس إذ قال: ويحرم التعرض لأجرائه وبيضه (¬4)، والأجراء بالراء المهملة جمع جرو، وأما أهل اللغة فالجرو عندهم مثلث الجيم ولد الكلب والسباع، قاله الجوهري، ومن ضبطه هنا بالزاي المعجمة والهمز أو ضبط [31 / أ] جمعه فِي " الجواهر " بالزاي المعجمة فقد صحف تصحيفاً فظيعاً (¬5)، وبالفرخ ¬
عبّر عنه ابن الحاجب (¬1). فَلا يَسْتَجِدُّ مِلْكَهُ. قوله: (فَلا يَسْتَجِدُّ مِلْكَهُ) أي: فبسبب تحريم تعرضه للبري لا يحدث ملكه فِي حال إحرامه بوجه؛ لما فِي الصحيح من حديث الصعب بن جثامة أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حماراً وحشياً وهو بالأبواء أو بودان، فرده عَلَيْهِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فِي وجهي قال: " إنا لم نرده عليك، إلّا أنّا حُرم " (¬2). وَلا يُسْتَوْدَعُهُ. قوله: (ولا يُسْتَوْدَعُهُ) ينبغي أن يكون بضم الياء وفتح الدال [مبنياً] (¬3) للنائب وهو المناسب لقوله فِي " التوضيح ": ولو استودعه إياه حلال وهو محرم لَمْ يجز له أن يقبله منه، وإن قبله وجب عَلَيْهِ إطلاقه وغرم لربه قيمته (¬4). وَرَدَّهُ إِنْ وَجَدَ مُودِعَهُ وإِلا بُقِّيَ، وفِي صِحَّةِ اشْتِرَائِهِ قَوْلانِ. قوله: (ورَدَّهُ إِنْ وَجَدَ مُودِعَهُ وإِلا بُقِّيَ) ليس مفرعاً عَلَى ما قبله؛ إنما هذا فيمن كان مودعاً عنده قبل إحرامه فأحرم وهو عنده، ومثله فِي " التوضيح " أَيْضاً. إِلا الْفَأْرَةَ والْحَيَّةَ والْعَقْرَبَ مُطْلَقاً، وغُرَاباً، وحَدَأَةً، وفِي صَغِيرِهِمَا خِلافٌ. قوله: (إِلا الْفَأْرَةَ والْحَيَّةَ والْعَقْرَبَ) فِي الذخيرة: يلحق بالفأرة ابن عرس وما يقرض الأثواب من الدواب، ويلحق بالعقرب الزنبور والرتيلي. انتهى وقد صرّح فِي " التلقين " بجواز قتل الزنبور، وقال ابن الجلاب: يُطعِم إِذَا قتله. ولَمْ ينقل ابن عرفة شيئاً من هذا إلا ¬
قول أبي عمر: لا شئ فِي الزنبور يدفع لإِذَاه (¬1). وَعَادِي (¬2) سَبُعٍ كَذِئْبٍ إِنْ كَبُرَ كَطَيْرٍ خِيفَ، إِلا بِقَتْلِهِ، [وَوَزَغاً] (¬3) لِحِلٍّ بِحَرَمٍ كَأَنْ عَمَّ الْجَرَادُ واجْتَهَدَ. قوله: (وعَادِي (¬4) سَبُعٍ كَذِئْبٍ إِنْ كَبُرَ) دلّ كلامه أن المراد بالكلب: العقور. فِي الحديث: السبع العادي دون الكلب الإنسي (¬5)، وفيه طريقان: الأولى للخمي وابن بشير وابن شاس وابن الحاجب: أن المذهب اختلف فِي ذلك، فالمشهور منه أنه كل عادٍ من السباع، والشاذ أنه الكلب الإنسي (¬6). الثانية لابن عبد السلام: أن المذهب كله عَلَى دخول السباع تحت هذا اللفظ، وإنما الخلاف فِي دخول الكلاب قال: وهو عكس ما نقله هؤلاء المتأخرون، واحتج فِي " الذخيرة " لعدم إرادة الكلب الإنسي بأنه لا تعلّق له بالإحرام منعاً ولا إباحة، ولو قتله المحرم وليس بعقور فلا شئ عَلَيْهِ كما لو قتل حماره، فدلّ ذلك عَلَى أنّ المراد التنبيه عَلَى صفة العقر الموجودة (¬7) فِي غيره (¬8). ولما أن كان الذئب مختلفاً فِي قتله لكونه أضعف السباع مثّل به فقال: (كذئب)؛ ليبين أن الذي اختاره من الخلاف قتله وهو الذي صحح ابن رشد. ¬
والفاعل بـ: (كبر) ضمير يعود عَلَى عادي سبع، فمفهوم الشرط أن الصغير من السباع لا يقتل، وبه صرّح فِي " المدوّنة " (¬1)، ولا يصح أن يرجع قوله: " إن كبر " للذئب فقط إذ لا قائل باختصاصه بالتفريق بين صغيره وكبيره، وغاية ما قال ابن عرفة: وفِي قتل الذئب ثالثها إن عدا (¬2) عَلَيْهِ. فإن قلت: فأين ما قررت فِي مقدمة الكتاب من قاعدته فِي رجوع القيود لما بعد الكاف؟ قلت: إنما ذلك فيما كان تشبيهاً لإفادة حكم فِي غير جنس المشبه لا تمثيلاً ببعض أفراده كهذا. والله تعالى أعلم. وَإِلا فَقِيمَتُهُ، وفِي الْوَاحِدَةِ حَفْنَةٌ، وإِنْ فِي نَوْمٍ. قوله: (وإِلا فَقِيمَتُهُ، وفِي الْوَاحِدَةِ حَفْنَةٌ) هو كقول ابن الجلاب (¬3): وفِي الجرادة حفنة من الطعام، وفِي الكثير منه قيمته من الطعام. كَدُودٍ، والْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ، وإِنْ لِمَخْمَصَةٍ وجَهْلٍ ونِسْيَانٍ، وتَكَرَّرَ كَسَهْمٍ مَرَّ بِالْحَرَمِ. قوله: (كَدُودٍ) يشير به لقوله فِي " المدوّنة ": وإِذَا وطء الرجل ببعيره عَلَى ذبابٍ أو نمل أو ذر فقتلهن فليتصدّق بشئ من الطعام (¬4). قال فِي كتاب محمد: قبضة من طعام، قال محمد: بحكومة فإن أخرجها بغير حكومة أعاد، وقال ابن رشد: ظاهر " المدوّنة " أن لا حكومة فِي الجراد، وفهم من تشبيه المصنف أن لا فرق بين النوم واليقظة. تنبيه: قال الجوهري: الحفنة ملء الكفين من طعام مخالف لقول مالك فِي مسألة القمل من " المدوّنة " الحفنة ملؤ يد واحدة (¬5)، قال هناك المصنف فِي " مناسكه ": والقبضة دون الحفنة. ¬
وكَلْبٍ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُ، أَوْ قَصَّرَ فِي رَبْطِهِ. قوله: (وكَلْبٍ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُ) أي: إِذَا كان الرجل والصيد معاً فِي الحل، فأرسل عَلَيْهِ كلبه فتخط الكلب وحده إِلَى الصيد طرف الحرم فقتله فِي الحل، فالجزاء إن لَمْ يكن للكلب طريق سوى الحرم، وتبع فِي هذا القيد ابن شاس وابن الحاجب، وساوى اللخمي بين السهم والكلب فِي الخلاف، واختار فيهما جواز الأكل وعدم الجزاء. أَوْ أَرْسَلَ بِقُرْبِهِ فَقَتَلَ خَارِجَهُ، وطَرْدِهِ مِنْ حَرَمٍ، ورَمْيٍ مِنْهُ أَوْ لَهُ، وتَعْرِيضِهِ لِلتَّلَفِ، وجَرْحِهِ ولَمْ تَتَحَقَّقْ سَلامَتُهُ، ولَوْ بِنَقْصٍ، وكَرَّرَ إِنْ أَخْرَجَ لِشَكٍّ ثُمَّ تُحُقِّقَ مَوْتُهُ كَكُلٍّ مِنَ الْمُشْتَرِكِينَ، وبِإِرْسَالٍ لِسَبُعٍ، أَوْ نَصْبِ شَرَكٍ لَهُ، وبِقَتْلِ غُلامٍ أُمِرَ بِإِفْلاتِهِ فَظَنَّ الْقَتْلَ. قوله: (أَوْ أَرْسَلَ بِقُرْبِهِ فَقَتَلَ خَارِجَهُ) أي: أرسل كلبه فِي الحلّ عَلَى صيدٍ فِي الحلّ، وذلك بقرب الحرم فأدخله الكلب فِي الحرم ثم أخرجه فقتله فِي الحلّ، فيجب فيه الجزاء أَيْضاً، ولا يؤكل، وكذا هو فِي " المدوّنة " (¬1)، وإِذَا جعلنا قوله: (خارجه) حالاً من فاعل قتل كان أدلّ عَلَى هذا التقدير من جعله ظرفاً له، [31 / ب] وكأنه قال: فقتله حال كونه خارجاً به من الحرم بعد دخوله، وقد وفّى ابن عرفة بهذا وزيادة فِي أوجز (¬2) عبارة فقال: لو أرسل كلبه عَلَى قريب من الحرم فقتله به أو بعد إخراجه منه وداه وبقربه قَوْلانِ. وَهَلْ إِنْ تَسَبَّبَ السَّيِّدُ فِيهِ أَوْ لا؟ تَأْوِيلانِ، وبِسَبَبٍ ولَوِ اتَّفَقَ كَفَزَعِهِ فَمَاتَ، والأَظْهَرُ والأَصَحُّ خِلافُهُ [23 / ب] كَفُسْطَاطِهِ وبِئْرٍ لِمَاءٍ ودِلالَةِ مُحْرِمٍ أَوْ حِلٍّ. قوله: (وهَلْ إِنْ تَسَبَّبَ السَّيِّدُ (¬3) فِيهِ أَوْ لا؟) يجوز تشديد واوه عَلَى الظرف وإسكانها عَلَى العطف (¬4). ¬
وَرَمْيِهِ عَلَى فَرْعٍ أَصْلُهُ بِالْحَرَمِ، أَوْ بِحِلٍّ وتَحَامَلَ فَمَاتَ [بِهِ] (¬1)، إِنْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ، وكَذَا إِنْ لَمْ يُنْفَذْ عَلَى الْمُخْتَارِ، أَوْ أَمْسَكَهُ لِيُرْسِلَهُ [إِنْ قَتَلَهُ] (¬2) مُحْرِمٌ، وإِلا فَعَلَيْهِ وغَرِمَ الْحِلُّ لَهُ الأَقَلَّ. قوله: (ورَمْيِهِ عَلَى فَرْعٍ أَصْلُهُ بِالْحَرَمِ) هذا مذهب " المدوّنة " أنه لا بأس بصيده فلا جزاء فيه، وهي آخر مسألة من كتاب الضحايا، ابن عرفة ونوقض مذهبها بمذهبها فِي مسح ما طال من شعر الرأس (¬3)، وجواب عبد الحقّ باتصال طرف الشعر وانفصال الصيد، يردّ بأن التناقض بين محله وطرف الشعر. ويجاب بأن متعلق المسح الشعر من حيث كونه نابتاً بالرأس، ومتعلق الصيد الحيوان من حيث حيزه الحل، وهو حيز حيّزه، ولذا قال محمد فِي العكس: يقطع ولا يصاد ما عَلَيْهِ. انتهى. وقال محمد فِي الأولى: يصاد ما عَلَيْهِ ولا يقطع. وَلِلْقَتْلِ شَرِيكَانِ، ومَا صَادَهُ مُحْرِمٌ أَوْ صِيدَ لَهُ مَيْتٌ كَبَيْضِهِ وفِيهِ الْجَزَاءُ، إِنْ عَلِمَ وأَكَلَ. قوله: (ولِلْقَتْلِ شَرِيكَانِ) أي: وإن أمسكه محرم للقتل فقتله محرم فهما شريكان، فعلى كل واحد منهما جزاء كامل. لا فِي أَكْلِهَا، وجَازَ مَصِيدُ حِلٍّ لِحِلٍّ، وإِنْ سَيُحْرِمُ، وذَبْحُهُ بِحَرَمٍ مَا صِيدَ بِحِلٍّ، ولَيْسَ الإِوَزُّ والدُّجَاجُ بِصَيْدٍ، بِخِلافِ الْحَمَامِ. قوله: (لا فِي أَكْلِهَا) إشارة لما ذكر فِي " المدوّنة " أن ما صاده المحرم فأدى جزاءه وأكل منه لَمْ يكن عَلَيْهِ جزاء آخر ولا قيمة ما أكل؛ لأنه أكل لحم ميتة (¬4). فإن قلت: وقد دخل فِي قوله: (لا فِي أَكْلِهَا) ما صيد للمحرم أَيْضاً لحكمه بأنه ميتة، وقد قال: (وفيه الجزاء إن علم وأكل)؛ فهذا تناقض. ¬
قلت: عَلَى أكله الجزاء عند ابن القاسم من حيث أكله، وهو يعلم أنه صيد لمحرم لا من حيث كونه ميتة فلا تناقض إذ لَمْ يتواردا عَلَى محل واحد، كما أن ما صاده محرم فأكله فيه الجزاء من حيث صاده لا من حيث أكله. وَحَرُمَ بِهِ قَطْعُ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ، إِلا الإِذْخَرَ والسَّنَا كَمَا يُسْتَنْبَتُ، وإِنْ لَمْ يُعَالَجْ. قوله: (وحَرُمَ بِهِ قَطْعُ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ، إِلا الإِذْخَرَ والسَّنَا) كذا فِي " المدوّنة " (¬1) وغيرها، والإذخر نبت معروف طيّب الرائحة، قاله فِي " التوضيح " (¬2)، والسنا - مقصورـ نبت يتداوى به، قاله الجوهري. قال ابن عبد السلام: [استثنى الإذخر] (¬3) فِي الحديث، وزاد أهل المذهب السنا لشدة الحاجة إليه، ورأوه من قياس الأحرى؛ لأن حاجة الناس إليه فِي الأدوية أكثر وأشد من حاجة أهل مكة إِلَى الإذخر، وهو أقرب من إجازة بعضهم اجتناء الكمأة، وإجازة الشافعي قطع المساويك، زاد فِي " المدوّنة ": وجائز الرعي فِي حرم مكة وحرم المدينة فِي الحشيش والشجر، وأكره أن [يحتشّ] (¬4) فِي الحرم حلال أو حرام؛ خيفة قتل الدواب، وكذلك الحرام فِي الحلّ إلّا أن يسلموا من قتل الدواب فلا شئ عليهم، وأكره لهم ذلك، ونهى النبي صلى الله عَلَيْهِ وسلم عن الخبط وقال: " هشّوا وارعوا " (¬5). ¬
قال مالك: الهشّ: تحريك الشجر بالمحجن ليقطع الورق ولا يخبط (¬1) ولا يعضد، ومعنى العضد الكسر (¬2). ابن عبد السلام: الأقرب أن كراهة الاختلاء وهو حصاد الكلأ الرطب عَلَى التحريم، وهو ظاهر الحديث، وعَلَيْهِ ينبغي أن يحمل كلام مالك، وليس فِي قوله: (لمكان دوابه) دليل عَلَى أن الكراهة عَلَى بابها؛ لأن مقصوده أن النهي عن الاختلاء معلل بخيفة قتل الدواب، إذ لو كان أخذه ممنوعاً مُطْلَقاً ما جاز الرعي. ابن عرفة: مقتضى قول أبي عمر: أجمعوا عَلَى أنه لا يحتش بالحرم إلا (¬3) الإذخر، وأنه لا يرعى حشيشه إذ لو جاز لجاز احتشاشه (¬4).- عدم وقوفه عَلَى نصّ " المدوّنة " أو نسيانه، وقول الباجي: " السنا عندي كالإذخر، ولَمْ أر فيه نصاً لأصحابنا ولَمْ يزل ينقل للبلاد للتداوي ولَمْ ينكره أحد " (¬5) قصور؛ لنص " المدوّنة " عَلَيْهِ والاتفاق عَلَى نقله لا يدل عَلَى جواز قطعه؛ لاحتمال كونه مما يسقط بالريح والمطر. وَلا جَزَاءَ كَصَيْدِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ الْحِرَارِ، وشَجَرِهَا بَرِيداً فِي بَرِيدٍ، والْجَزَاءُ بِحُكْمِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ بِذَلِكَ مِثْلُهُ مِنَ النَّعَمِ أَوْ إِطَعَامٌ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ يَوْمَ التَّلَفِ بِمَحَلِّهِ. وإِلا فَبِقُرْبِهِ. قوله: (ولا جَزَاءَ كَصَيْدِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ الْحِرَارِ، وشَجَرِهَا بَرِيداً فِي بَرِيدٍ) تبع فِي هذا التحديد هنا وفِي " المناسك " قول ابن حبيب الذي حكاه ابن عبد السلام عنه [ولم يحرره] (¬6)، ونصّ ابن عبد السلام: وحرم المدينة هو ما بين الحرار (¬7) من الجهات الأربع فِي ¬
طرف العمران، وقال ابن حبيب: تحريم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين لابتي المدينة " (¬1) إنما ذلك فِي الصيد، وأما فِي قطع الشجر فبريد فِي بريد (¬2)، وحكاه عن مالك وهو يحتاج إِلَى زيادة نظر. انتهى. على أنه عزاه فِي " التوضيح " لابن حبيب وغيره (¬3)، والذي فِي " النوادر " عن ابن حبيب حرّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين لابتي المدينة بريداً فِي بريد " لا يعضد شجرها ولا يخبط " (¬4). انتهى وعَلَيْهِ اقتصر فِي " الجواهر " (¬5) [32 / أ] والذي فِي شرح جامع " الموطأ " من " المنتقى " قال ابن نافع: ما بين هذه الحرار فِي الدور كله محرم أن يصاد فيه صيد، وحرم قطع الشجر منها عَلَى بريد من [كل] (¬6) شقٍ [حولها] (¬7) كلها. انتهى. وقبل ابن عرفة ما فِي " النوادر " و " المنتقى "، والذي فِي " جامع مختصر " المدوّنة " لأبي محمد: وحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بين لابتي المدينة وهما حرتان قال مالك: لا يصاد الجراد بالمدينة، ولا بأس أن يطرد عن النخل. وقيل: إن حرم المدينة بريد فِي بريد من جوانبها كلها (¬8) انتهى. وفِي " الإكمال " قال ابن حبيب: تحريم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بين [لابتي المدينة] (¬9) إنما ¬
ذلك فِي الصيّد خاصة، وأما فِي قطع الشجر فبريد فِي بريد فِي دور المدينة كلها، بذلك أخبرني مُطرِّف عن مالك وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن وهب. وقد ذكر مسلم فِي بعض طرقه: " أنّي أحرم ما بين جبليها ". وفِي حديث أبي هريرة وجعل اثنا عشر ميلاً حول المدينة حمى (¬1)، وهذا تفسير لما ذكره ابن وهب ورواه مُطرِّف عن مالك وعمر بن عبد العزيز. وَلا يُجْزِئُ بِغَيْرِهِ، ولا زَائِدٌ عَلَى مُدٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، إِلا أَنْ يُسَاوِيَ سِعْرَهُ فَتَأْوِيلانِ، أَوْ لِكُلِّ مُدٍّ صَوْمُ يَوْمٍ وكَمَّلَ لِكَسْرِهِ فَالنَّعَامَةُ بَدَنَةٌ، والْفِيلُ بِذَاتِ سَنَامَيْنِ، وحِمَارُ الْوَحْشِ، وبَقَرُهُ بَقَرَةٌ، والضَّبُعُ والثَّعْلَبُ شَاةٌ كَحَمَامِ مَكَّةَ والْحَرَمِ ويَمَامِهِمَا بِلا حُكْمٍ، ولِلْحِلِّ وضَبٍّ وأَرْنَبٍ ويَرْبُوعٍ وجَمِيعِ الطَّيْرِ الْقِيمَةُ طَعَاماً، والصَّغِيرُ والْمَرِيضُ والْجَمِيلُ كَغَيْرِهِ، وقُوِّمَ لِرَبِّهِ بِذَلِكَ مَعَهَا، واجْتَهَدَ، وإِنْ رُوِيَ فِيهِ فَبِهِ، ولَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ، إِلا أَنْ يَلْتَزِمَ فَتَأْوِيلانِ، وإِنِ اخْتَلَفَا ابْتُدِئَ، والأَوْلَى كَوْنُهُمَا بِمَجْلِسٍ، ونُقِضَ إِنْ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ، وفِي الْجَنِينِ والْبَيْضِ عُشْرُ دِيَةِ الأُمِّ ولَوْ تَحَرَّكَ، ودِيَتُهَا إِنِ اسْتَهَلَّ، وغَيْرُ الْفِدْيَةِ والصَّيْدِ مُرَتَّبٌ هَدْيٌ، ونُدِبَ إِبِلٌ فَبَقَرٌ. قوله: (إِلا أَنْ يُسَاوِيَ سِعْرَهُ فَتَأْوِيلانِ) حقه أن يوصل بقوله: " ولا يجزئ بغيره ". ثُمَّ صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ إِحْرَامِهِ، وصَامَ أَيَّامَ مِنًى بِنَقْصٍ بِحَجٍّ إِنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوُقُوفِ. قوله: (ثُمَّ صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ إِحْرَامِهِ، وصَامَ أَيَّامَ مِنًى بِنَقْصٍ بِحَجٍّ إِنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوُقُوفِ). يحتمل أن يكون قوله: (بِنَقْصٍ) من باب التنازع يطلبه صيام وصام فيكون مراده: أن كون النقصان قبل الوقوف بعرفة [يحتمل أن يكون شرط] (¬2) فِي أمرين أحدهما: كون صوم الثلاثة من إحرامه إِلَى يوم النحر. والثاني: كونه إِذَا فاته ذلك صام أيام منى، ويحتمل أن يكون متعلقاً بصيام فقط، وكأنه عَلَى هذا لما أن قال: (وصيام ثلاثة أيام من إحرامه) فبين البداية قيل له: فأين الغاية؟ هل هي يوم عرفة أو يصوم أيام منى. فأجاب ¬
بالتفصيل قائلاً: وصام أيام منى بنقص بحجّ إن تقدّم عَلَى الوقوف. ويرجّح هذا الثاني أن من كان نقصانه يوم عرفة فما بعده يستحيل أن يصوم لذلك قبله فلا يحتاج لذكره، إلا أن قوله: (بحجّ) يكون فيه عَلَى هذا قلق، واحترز به من العمرة، وما أبين قول ابن الحاجب: فإن كان عن نقصٍ متقدّم عَلَى الوقوف كالتمتع والقران والفساد والفوات وتعدى الميقات صام ثلاثة أيام فِي الحجّ من حين يحرم بالحجّ إِلَى يوم النحر، فإن أخرها إليه فأيام التشريق، ثم قال: وإن كان عن نقصٍ بعد الوقوف كترك مزدلفة أو رمي أو حلق أو مبيت بمنى أو وطئ قبل الإفاضة أو الحلق صام متى شاء، وكذلك صيام هدي العمرة، وكذلك من مشى فِي نذرٍ إِلَى مكة فعجز (¬1). وإنما اعتمد ابن الحاجب قوله فِي " المدوّنة ": وإنما يصوم ثلاثة أيام فِي الحجّ كما ذكرنا فِي المتمتع والقارن ومن تعدى ميقاته أو أفسد حجه أو فاته الحجّ، وأما من لزمه ذلك لترك جمرة أو لترك النزول بالمزدلفة فليصم متى شاء، وكذلك الذي (¬2) يطأ أهله بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة؛ لأنه إنما يصوم إِذَا اعتمر بعد أيام منى، ومن مشى فِي نذرٍ إِلَى مكة فعجز، فليصم متى شاء؛ لأنه يقضي فِي غير حج فكيف لا يصوم فِي غير حج (¬3). أبو الحسن الصغير: أي يقضي مشيه أماكن ركوبه فِي غير إحرام قبل الميقات، ويحتمل أن يريد يقضي مشيه فِي عمرة إِذَا أبهم يمينه أو نذره كذلك كما نصّ عَلَيْهِ فِي كتاب النذور. انتهى. ثم اعلم أن ما سلكه ابن الحاجب هو إحدى الطرق الثلاث، وقد حصّلها فِي " التوضيح " فتأملها فيه لعلّك تستعين بها عَلَى حلّ ما عقده هنا. والله تعالى أعلم. ¬
وسَبْعَةً، إِذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى ولَمْ تُجِزْ إِنْ قُدِّمْتَ عَلَى وُقُوفِهِ كَصَوْمٍ أَيْسَرَ قَبْلَهُ، أَوْ وَجَدَ مُسَلِّفاً لِمَالٍ بِبَلَدِهِ، ونُدِبَ الرُّجُوعُ لَهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، ووُقُوفُهُ بِهِ الْمَوَاقِفَ، والنَّحْرُ بِمِنًى إِنْ كَانَ فِي حَجٍّ، ووَقَفَ بِهِ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ كَهُوَ بِأَيَّامِهَا، وإِلا فَمَكَّةُ، وأَجْزَأَ إِنْ أُخْرِجَ لِحِلٍّ. قوله: (وَوَقَفَ بِهِ هُوَ أَوْ [نَائِبُهُ كَهُوَ] (¬1)) ينبغي أن يكون مراده بالنائب من ناب عن الهدي (¬2)، إما بإذنه كرسوله، وإما بغيره (¬3) كمن وجد الهدي ضالاً مقلداً فوقف به، فإن وقف به عن ربه أجزأه، وكأنه لهذا أشار بقوله: (كهو) أي مثله فِي النية حيث لَمْ يصرفه لنفسه، وهذا تأويل ما فِي " المدوّنة " (¬4) عَلَى ما ارتضاه ابن عبد السلام، خلاف ما حملها عَلَيْهِ ابن يونس، عَلَى أن لفظ النائب يحرز (¬5) هذا المقصد؛ لأنه ظاهر فيمن نواه عنه، فيبقى قوله: (كهو) زيادة بيان. وقد وقع فِي بعض الطرق أنه أراد بقوله: (كهو) مثله فِي كونه محرماً، ولَمْ أر من اشترط هذا بل قال ابن عبد السلام سواءً كان الذاهب به حلالاً أو حراماً، وعَلَيْهِ حمل قول ابن الحاجب: وإن كان حلالاً (¬6)، وقبله فِي: " التوضيح ". فإن قلت: فقد زاد فيه يحتمل لو كان الفاعل حلالا، كما لو قتل بعد الإحلال صيداً فِي الحرم. قلت: لا يلزم من صرف كلام ابن الحاجب لهذا المحمل الثاني أن لا يكون الأول صحيحاً فِي نفسه. والله تعالى أعلم ¬
كَأَنْ وَقَفَ بِهِ فَضَلَّ مُقَلَّداً، ونُحِرَ، وفِي الْعُمْرَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ سَعْيِهَا ثُمَّ حَلَقَ. قوله: (كَأَنْ وَقَفَ بِهِ فَضَلَّ مُقَلَّداً، ونُحِرَ) نحر معطوف عَلَى وقف وأشار بهذا لقوله فِي " المدوّنة ": ومن أوقف هديه بعرفة ثم ضلّ منه فوجده رجل فنحره بمنى؛ لأنه رآه هدياً فوجده ربه منحوراً [32 / ب] أجزأه (¬1). وَإِنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَوْ لِحَيْضٍ، أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ لِقَرَانِهِ كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً بِمَا إِذَا سِيقَ لِلتَّمَتُّعِ، والْمَنْدُوبُ بِمَكَّةَ الْمَرْوَةُ، وكُرِهَ نَحْرُ غَيْرِهِ كَالأُضْحِيَةِ، وإِنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، إِنْ رَمَى الْعَقَبَةَ، وسِنُّ الْجَمِيعِ وعَيْبُهُ كَالضَّحِيَّةِ والْمُعْتَبَرُ حِينَ [24 / أ] وَجُوبِهِ وتَقْلِيدِهِ، فَلا يُجْزِئُ مُقَلَّدٌ بِعَيْبٍ ولَوْ سَلِمَ، بِخِلافِ عَكْسِهِ إِنْ تَطَوَّعَ، وأَرْشُهُ وثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إِنْ بَلَغَ، وإِلا تُصُدِّقَ بِهِ، وفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي فَرْضٍ (¬2). قوله: (وإِنْ أَرْدَفَ لِخَوْفِ فَوَاتٍ أَوْ لِحَيْضٍ، أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ لِقَرَانِهِ) تصوره ظاهر، وأشار بمسألة الحيض لقوله فِي " المدوّنة ": قال مالك فِي امرأةٍ دخلت مكة بعمرة ومعها هدي فحاضت بعد دخولها مكة قبل أن تطوف فإنها لا تنحر هديها حتى تطهر ثم تطوف وتسعى وتنحر وتقصر، وإن كانت ممن يريد الحجّ وخافت الفوات ولَمْ تستطع الطواف لحيضتها، أهلّت بالحجّ، وساقت هديها وأوقفته بعرفة، ولا تنحره إلا بمنى وأجزأها لقرانها، وسبيلها سبيل من قرن (¬3). وَسُنَّ إِشْعَارُ سُنُمِهَا مِنَ الأَيْسَرِ لِلرَّقَبَةِ مُسَمِّياً، وتَقْلِيدٌ، ونُدِبَ نَعْلانِ بِنَبَاتِ الأَرْضِ، وتَجْلِيلِهَا. قوله: (وسُنَّ إِشْعَارُ سُنُمِهَا مِنَ الأَيْسَرِ لِلرَّقَبَةِ) الإشعار: شق يسيل دماً، قاله ابن عرفة، والسُنُم - بضمتين - جمع سنام كقذال وقُذُل فلا يتعدى الإشعار السُنُم، و (من) فِي قوله: (من الأيسر) للبيان، وأشار بقوله: (للرقبة) (¬4) إِلَى أن خط الإشعار يكون فِي السنام ¬
من جهة العجز لجهة الرقبة، وذلك هو العرض قال فِي " المدوّنة " والإشعار فِي الجانب الأيسر من أسنمتها عرضاً (¬1)، إلا أن اللام (¬2) من قوله: " للرقبة " تعطي أن الابتداء من جهة العجز، وإنما ذكره الباجي وغيره من جهة المقدم، كما درج عَلَيْهِ ابن الحاجب (¬3) وعبارته فِي " المناسك " خير من هذه إذ قال: والإشعار أن يشقّ من سنامها الأيسر وقيل الأيمن من نحو الرقبة إِلَى المؤخر، وقيل طولاً قدر أنملتين أو نحو ذلك. انتهى. وفي النكت قال أبو بكر الأبهري: إنما قال [إن] (¬4) الإشعار فِي الشق الأيسر؛ لأنه يجب أن يستقبل بها القبلة ثم يشعرها، فإِذَا فعل ذلك كان وجهه إِلَى القبلة متى أشعرها فِي شقها الأيسر، وإِذَا أشعرها فِي الأيمن لَمْ يكن وجهه إِلَى القبلة، وذلك مكروه. انتهى. ولعل ابن عرفة لَمْ يقف [عليه] (¬5) إذ عزاه لمن دون الأبهري فقال: وجّه الباجي كونه فِي الأيسر بأنها توجّه للقبلة ومشعرها كذلك فلا يليه منها إلا الأيسر، وابن رشد: بأن السنة كون المشعر مستقبلاً يشعر بيمينه، وخطامها بشماله، فإِذَا كان كذلك وقع فِي الأيسر، ولا يكون فِي الأيمن إلا أن يستدبر القبلة أو يشعر بشماله أو يمسك له غيره. ابن عرفة: إنما يصح ما قالا إن أراد توجيهها للقبلة كالذبح لا رأسها للقبلة. انتهى فليتأمل. تنبيه: قال اللخمي: قال مالك: عرضاً. وابن حبيب: طولاً. قال ابن عرفة: لَمْ أجد لغوياً فسّر الطول إلّا بضد العرض، ولا العرض إلّا بضد الطول. ¬
وقال البيضاوي فِي " مختصره الكلامي ": الطول البعد المفروض أولاً، وقيل: أطول الامتدادين المتقاطعين فِي السطح، والأخذ من رأس الإنسان لقدمه، ومن ظهر ذوات الأربع لأسفلها، والعرض: المعروض ثانياً، والامتداد الأقصر، والأخذ من يمين الإنسان ليساره، ومن رأس الحيوان لذنبه والطول والعرض كهيئتان (¬1) مأخوذتان مَعَ إضافتين. قال: فلعلّ العرض عند مالك كنقل البيضاوي، وهو الطول عند ابن حبيب كما مرّ فيتفقان. وَشَقُّهَا إِنْ لَمْ تَرْتَفِعْ، وقُلِّدَتِ الْبَقَرُ فَقَطْ، إِلا بِأَسْنِمَةٍ لا الْغَنَمُ، ولَمْ يُؤْكَلْ مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ عُيِّنَ مُطْلَقاً عَكْسُ الْجَمِيعِ فَلَهُ إِطْعَامُ الْغَنِيِّ والْقَرِيبِ، وكُرِهَ لِذِمِّيٍّ إِلا نَذْراً لَمْ يُعَيَّنَ، والْفِدْيَةَ والْجَزَاءَ بَعْدَ الْمَحِلِّ، وهَدْيَ تَطَوُّعٍ إِنْ عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَتُلْقَى قِلادَتُهُ بِدَمِهِ ويُخَلَّى لِلنَّاسِ كَرَسُولِهِ، وضَمِنَ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ بِأَمْرِهِ، بِأَخْذِ شَيْءٍ كَأَكْلِهِ مِنْ مَصْنُوعٍ بَدَلَهُ، وهَلْ إِلا نَذْرَ مَسَاكِينَ عُيِّنَ، فَقَدْرُ أَكْلِهِ؟ خِلافٌ، والْخِطَامُ والْجِلالُ كَاللَّحْمِ وإِنْ سُرِقَ بَعْدَ ذَبْحِهِ، أَجْزَأَ، لا قَبْلَهُ، وحُمِلَ الْوَلَدُ عَلَى غَيْرٍ ثُمَّ عَلَيْهَا وإِلا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ لِيَشْتَدَّ، فَكَالتَّطَوُّعِ ولا يَشْرَبُ مِنَ اللَّبَنِ وإِنْ فَضَلَ وغَرِمَ، وإِنْ أَضَرَّ بِشُرْبِهِ الأُمَّ أَوِ الْوَلَدَ مُوجَبَ فِعْلِهِ، ونُدِبَ عَدَمُ رُكُوبِهَا بِلا عُذْرٍ، ولا يَلْزَمُ النُّزُولُ بَعْدَ الرَّاحَةِ. قوله: (وشَقُّهَا إِنْ لَمْ تَرْتَفِعْ) أي: وشق الجلال (¬2)، وهي جمع جُلّ بالضم إن لَمْ ترتفع قيمتها حتى يكون فِي شقها إضاعة المال. قال مالك فِي رسم الحجّ من سماع أشهب: من أمر الناس أن تشق الجلال عن أسنمتها وذلك يحبسه عن أن يسقط، وما علمت أن أحداً كان يدع ذلك إلّا عبد الله بن عمر فإنه لَمْ يكن يشق، ولَمْ يكن يحلل حتى يغدو من منى إِلَى عرفات فيجللها وذلك إن كان يجلل الجلال المرتفعة [والأنماط المرتفعة] (¬3) قيل وإنما كان يفعل ذلك استبقاءً للثياب. قال: نعم فأحبّ إلي (¬4) إِذَا كانت الجلال المرتفعة ألا يشقّ منها شيئاً، وإن كانت ثياباً دوناً فشقها أحبّ إليّ (¬5). ¬
وقال ابن يونس عن ابن المواز قال مالك: أحبّ إلينا شقّ الجلال عن الأسنمة إن كانت قليلة الثمن كالدرهمين ونحوهما، وأن لا تشقّ المرتفعة استبقاءً لها، وقال القابسي: إن كان الجُل رفيعاً ترك شقه؛ فهو أنفع للفقراء. وَنَحْرُهَا قَائِمَةً أَوْ مَعْقُولَةً وأَجْزَأَ إِنْ ذَبَحَ غَيْرُهُ مُقَلَّداً، ولَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ إِنْ غَلِطَ، ولا يُشْتَرَكُ فِي هَدْيٍ، وإِنْ وُجِدَ بَعْدَ نَحْرِ بَدَلِهِ نُحِرَ، إِنْ قُلِّدَ وقَبْلَ نَحْرِهِ نُحِرَا مَعاً، إِنْ قُلِّدَا وإِلا بِيعَ وَاحِدٌ. قوله: (ونَحْرُهَا قَائِمَةً أَوْ مَعْقُولَةً) قيل: يعني أنه يستحبّ نحر البدنة قائمة عَلَى قوائمها الأربع، أو معقولة يدها اليسرى قائمة عَلَى ما بقى من قوائمها. انتهى. وكأنه يحوم عَلَى محاذَاة قول ابن الحاجب: وينحرها صاحبها قائمة معقولة أو مقيدة. إذ المقيدة قائمة عَلَى قوائمها الأربع إلا أن إحدى يديها قرنت للأخري بالقيد، والأصل فِي الصفتين القراءتان فِي قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] وقرئ: {صوافن} (¬1) قال ابن يونس عن ابن حبيب: معنى صوافّ أن تصفّ أيديها بالقيود وقتنحرها، وقرأ ابن عبّاس: " صوافن " وهي المعقولة من كل بدنة يد واحدة، فتقف عَلَى ثلاث قوائم، فخيّر بينهما ابن الحاجب (¬2). [33 / أ] والذي وقع فِي " الموازية " عن مالك: الشأن نحر البدن قائمة مقيدة اليدين للقبلة، ولا يعقلها إلا من يخاف ضعفه عنها، وفِي الأمهات قال مالك: الشأن نحرها قياماً. قلت: [معقولة أو] (¬3) مصفوفة اليدين؟ قال: لا أقوم عَلَى حفظ ذلك الآن، ولا بأس بنحرها معقولة إن امتنعت واختصره أبو سعيد، والشأن أن تنحر البدن قياماً، فإن امتنعت جاز أن تعقل (¬4). فقال ابن عرفة: قول ابن الحاجب: قائمة معقولة أو مقيدة، وفِي الذبائح: ¬
موانع الحج
نحر الإبل قائمة معقولة (¬1)، وقبول ابن عبد السلام وابن هارون له لا أعرفه، إلا ما نقله ابن رشد عن بعض العلماء قائمة معقولة. [موانع الحج] وَإِنْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ أَوْ فِتْنَةٌ أَوْ حَبْسٌ لا بِحَقٍّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَلَهُ التَّحَلُّلُ، إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وأَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ قَبْلَ فَوْتِهِ، ولا دَمَ بِنَحْرِ هَدْيِهِ وحَلْقِهِ، ولا دَمَ إِنْ أَخَّرَهُ، ولا يَلْزَمُهُ طَرِيقٌ مَخُوفٌ. قوله: (إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ) أي بالمنع وأيسر من زواله أي: زوال المنع، فهو أعم من العدو. وكُرِهَ إِبْقَاءُ، إِحْرَامِهِ، إِنْ قَارَبَ مَكَّةَ أَوْ دَخَلَهَا. ولا يَتَحَلَّلُ، إِنْ دَخَلَ وَقْتُهُ، وإِلا فَثَالِثُهَا يَمْضِي وهُوَ مُتَمَتِّعٌ، ولا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ، ولَمْ يَفْسُدْ بِوَطْءٍ، إِنْ لَمْ يَنْوِ الْبَقَاءَ، وإِنْ وَقَفَ وحُصِرَ عَنِ الْبَيْتِ، فَحَجُّهُ تَمَّ ولا يَحِلُّ إِلا بِالإِفَاضَةِ. قوله: (وكُرِهَ إِبْقَاءُ، إِحْرَامِهِ، إِنْ قَارَبَ مَكَّةَ) إنما زاد بعده (أَوْ دَخَلَهَا)، وإن كان أحرى لئلا يتوهم تحريم إبقاءه إن دخل. وَعَلَيْهِ لِلرَّمْيِ ومَبِيتِ مِنًى ومُزْدَلِفَةَ هَدْيٌ كَنِسْيَانِ الْجَمِيعِ. قوله: (كَنِسْيَانِ الْجَمِيعِ) كذا اختصر ابن الحاجب نصّ " المدوّنة " (¬2)، وسلّمه فِي " التوضيح "، ونقل بعده قول ابن رشد: ولو قيل إِذَا نسي الرمي والمبيت بمزدلفة بالتعدد ما بَعُدَ لتعدد الموجبات كما فِي العمد، وكأنهم لاحظوا أن الموجب واحد لا سيما وهو معذور. انتهى. واختصرها أبو سعيد: كمن ترك رمي الجمار كلها ناسياً حتى زالت أيام منى (¬3). واختصرها ابن يونس وعَلَيْهِ لجميع ما فاته رمي الجمار والمبيت بالمزدلفة ومنى هدي واحد، كمن ترك ذلك ناسياً حتى زالت أيام منى. ¬
وَإِنْ حُصِرَ عَنِ الإِفَاضَةِ، أَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِغَيْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ خَطَإِ عَدَدٍ، أَوْ حَبْسٍ بِحَقٍّ لَمْ يَحِلَّ إِلا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ بِلا إِحْرَامٍ. قوله: (وإِنْ حُصِرَ عَنِ الإِفَاضَةِ، أَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِغَيْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ خَطَإِ عَدَدٍ، أَوْ حَبْسٍ بِحَقٍّ لَمْ يَحِلَّ إِلا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ بِلا إِحْرَامٍ) ما ذكر فِي المحصر (¬1) عن الإفاضة تبعه عَلَيْهِ صاحب، " الشامل (¬2) "، ولم أر من قال إن المحصر عن الإفاضة لا يحل إلا بفعل عمرة، بل لا يحلّ إلا (¬3) بالإفاضة، وهو داخل فِي قوله أولا: (وإِنْ وَقَفَ وحُصِرَ عَنِ الْبَيْتِ، فَحَجُّهُ تَمَّ ولا يَحِلُّ إِلا بِالإِفَاضَةِ) فتعين أنه تصحيف؛ وإن تواطأت عَلَيْهِ النسخ التي وقفنا عَلَيْهَا، وصوابه: وإن حصر عن عرفة فقط، وبهذا يوافق قول اللخمي وغيره: إن صدّ عن عرفة خاصة دخل مكة وحلّ بعمرة. ويؤيده أنه ذكر فِي " توضيحه " (¬4) و " مناسكه " أن حصر العدو ثلاثة أقسام: عن البيت وعرفة معا، وعن البيت فقط، وعن عرفة فقط، وبما صوّبناه يكون قد استوفى هنا الثلاثة كما فعل ابن الحاجب وغيره (¬5) ونصّه فِي " المناسك ": " المحصر عن عرفة فقط لا يحل إلّا بأفعال عمرة، يطوف ويسعى، ولا يكتفي بطواف القدوم والسعي بعده عَلَى المشهور؛ لكونه لَمْ ينو بهما التحلل خلافاً لعبد الملك، وما ذكره فِي خطأ العدد قيّده ابن عبد السلام فقال: وهذا إِذَا علموا اليوم الأول من الشهر ثم نسوه، وأما إِذَا كان بسبب رؤية الهلال [فقط] (¬6)، فقد تقدّم حكمه إِذَا أخطأ أهل الموسم، وتبعه فِي " التوضيح " وباقي كلامه ظاهر التصور. ¬
وَلا يَكْفِي قُدُومُهُ، وحَبَسَ هَدْيَهُ مَعَهُ، إِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ، ولَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ فَوَاتٍ، وخَرَجَ لِلْحِلِّ إِنْ أَحْرَمَ بِحَرَمٍ، أَوْ أَرْدَفَ، وأَخَّرَ دَمَ الْفَوَاتِ لِلْقَضَاءِ، وأَجْزَأَ إِنْ قَدِمَ، وإِنْ أَفْسَدَ ثُمَّ فَاتَ أَوْ بِالْعَكْسِ، وإِنْ بِعُمْرَةِ التَّحَلُّلِ تَحَلَّلَ وقَضَاهُ دُونَهَا، وعَلَيْهِ هَدْيَانِ، لا دَمُ قَرَانٍ ومُتْعَةٍ لِلْفَائِتِ، ولا يُعِيدُ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ نِيَّةُ التَّحَلُّلِ بِحُصُولِهِ. قوله: (ولا يَكْفِي قُدُومُهُ) أي: لا يكفي طواف القدوم وسعيه المتصل به كما تقدم من نصه فِي " المناسك ". ولا يَجُوزُ دَفْعُ مَالٍ لِحَاصِرٍ إِنْ كَفَّرَ. قوله: (ولا يَجُوزُ دَفْعُ مَالٍ لِحَاصِرٍ إِنْ كَفَّرَ) بهذا قطع ابن شاس، أنه لا يعطاه إن كان كافراً؛ لأنه وهن. وقال سند: يكره إعطاء الحاصر كافراً أو مسلماً؛ لأنه ذلة. قال ابن عرفة: والأظهر جواز إعطاء الكافر ووهن الرجوع لصده أشد من إعطائه. انتهي. فليتأمل. وَفِي جَوَازِ الْقِتَالِ مُطْلَقاً تَرَدُّدٌ. قوله: (وفِي جَوَازِ الْقِتَالِ [مُطْلَقاً] (¬1) تَرَدُّدٌ) أشار بالتَرَدُّدٌ لما فِي " توضيحه " وقال ابن عرفة: وقتال الحاصر الباديء به جهاد ولو كان مسلماً، وفِي قتاله غير باد نقلا سند وابن الحاجب مَعَ ابن شاس عن المذهب (¬2)، والأول الصواب إن كان الحاصر بغير مكة، وإن كان بها فالأظهر نقل [ابن شاس] (¬3) لحديث: " إنما أحلت لي ساعة من نهار " (¬4) وقول ابن هارون: الصواب جواز قتال (¬5) الحاصر، وأظنني رأيته لبعض أصحابنا نصاً، وقد قاتل ابن الزبير ومن معه من الصحابة الحجّاج (¬6)، وقاتل أهل المدينة عقبة، يردّ بأن ¬
الحجّاج وعقبة بدءا به، وكانوا يطلبون النفس، ونقله عن بعض أصحابنا لا أعرفه إلا قول ابن العربي: إن ثار أحد فِيهَا واعتدى عَلَى الله قوتل، لقوله تعالى {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191] " وفِي المدوّنة: إن ألجِئ المحرم لتقليد السيف فلا بأس به (¬1). وَلِلْوَلِيِّ مَنْعُ سَفِيهٍ كَزَوْجٍ فِي تَطَوُّعٍ، وإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَلَهُ التَّحَلُّلُ، وعَلَيْهَا [24 / ب] الْقَضَاءُ كَعَبْدٍ، وأَثِمَ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ، ولَهُ مُبَاشَرَتُهَا كَفَرِيضَةٍ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، وإِلا فَلا إِنْ دَخَلَ، ولِلْمُشْتَرِي إِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَدُّهُ لا تَحْلِيلُهُ، وإِنْ أَذِنَ فَأَفْسَدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِذْنٌ لِلْقَضَاءِ عَلَى الأَصَحِّ، ومَا لَزِمَهُ عِنْ خَطَإٍ أَوْ ضَرُورَةٍ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي الإِخْرَاجِ، وإِلا صَامَ بِلا مَنْعٍ، وإِنْ تَعَمَّدَ فَلَهُ مَنْعُهُ، إِنْ أَضَرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ. ¬
باب الذكاة
[باب الذكاة] الذَّكَاةُ قَطْعُ مُمَيِّزٍ يُنَاكِحُ تَمَامَ الْحُلْقُومِ والْوَدَجَيْنِ مِنِ الْمُقَدَّمِ بِلا رَفْعٍ قَبْلَ التَّمَامِ، وفِي النَّحْرِ طَعْنٌ بِلِبَّةٍ. قوله: (وفِي النَّحْرِ طَعْنٌ [33 / ب] بِلِبَّةٍ) اختلف: هل يقتصر بالنحر على اللبة دون ما عداها كما قال المصنف أم لا؟ ويصحّ فعلها فيما بين اللبة والمذبح، والأول هو مذهب أكثر الشيوخ: الباجي وابن رشد .. وغيرهما. والثاني: مذهب ابن لبابة واللخمي، واحتج اللخمي بقول مالك: ما بين اللبة والمذبح مذبح ومنحر، فإن ذبح فجائز، وإن نحر فجائز، فأخذ منه أن النحر لا يختصّ باللبة، وقال ابن رشد: معناه عند الضرورة كالواقع (¬1) في مهوات إذا لم يقدر أن ينحره إلّا في موضع الذبح نحره فيه، وكذلك إن [لم يقدر] (¬2) أن يذبحه إلا في موضع النحر ذبحه فيه، وهو بين (¬3) من قوله في " المدونة " وصححه ابن عبد السلام: واللبة محل القلادة من الصدر من كلّ شيء. قاله الجوهري. قال اللخمي: لم يشترطوا في النحر قطع الحلقوم والودجين، كما قالوا في الذبح [وعليه اقتصر ابن عرفة ووقع للخمي أن النحر قطع الحلقوم مع ودج واحد] (¬4)، ثم أشار بعد إلى ما يقتضي أنه لابد من قطع الودجين جميعاً. وظاهر كلام ابن عبد السلام أنه جعله اختلافاً من قوله. وقال ابن عرفة: إنما أراد اللخمي التفصيل، فإن كان فيما بين اللبة والمذبح كفى قطع ودج واحد وإن كان في اللبة قطعهما معاً؛ لأنهما مجمعهما. قال ابن عرفة: وظاهر قوله في الرسالة: والذكاة قطع الحلقوم والأوداج لا يجزيء أقل من ذلك إنه كالذبح (¬5). انتهى، فحمل الذكاة على الجنس وهو هنا بعيد للزوم عقر الصيد. ¬
وشُهِرَ أَيْضاً الاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحَلْقُومِ، والْوَدَجَيْنِ، وإِنْ سَامِرِيَّاً، أَوْ مَجُوسِيَّاً تَنَصَّرَ، وذَبَحَ لِنَفْسِهِ مُسْتَحِلَّهُ وإِنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ، إِنْ لَمْ يَغِبْ لا صَبِيٍّ ارْتَدَّ، وذِبْحٍ لِصَنَمٍ أَوْ غَيْرِ حِلٍّ لَهُ إِنْ ثَبَتَ بِشَرْعِنَا، وإِلا كُرِهَ كَجِزَارَتِهِ، وبَيْعٍ، وإِجَارَةٍ لِعَبْدِهِ، وشِرَاءِ ذَبْحِهِ، وتَسَلُّفِ ثَمَنِ خَمْرٍ، وبَيْعٍ بِهِ، لا أَخْذِهِ قَضَاءً، وشَحْمِ يَهُودِيٍّ، وذِبْحٍ لِصَلِيبٍ، أَوْ عِيسَى وقَبُولِ مُتَصَدَّقٍ بِهِ لِذَلِكَ، وذَكَاةِ خُنْثَى، وخَصِيٍّ، وفَاسِقٍ، وفِي ذِبْحِ كِتَابِيٍّ لِمُسْلِمٍ قَوْلانِ. وجَرْحُ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ وَحْشِيَّاً، وإِنْ تَأَنَّسَ عَجَزَ عِنْهُ إِلا بِعُسْرٍ، لا نَعَمٍ شَرَدَ. قوله: (وشُهِرَ أَيْضاً الاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحَلْقُومِ، والْوَدَجَيْنِ) هذا من تمام الكلام على الذبح، ولفظ: (الْوَدَجَيْنِ) معطوف على لفظ: (نِصْفِ) لا على لفظ: (الْحَلْقُومِ) والمراد الاكتفاء [بنصف] (¬1) الحلقوم مع قطع جميع الودجين. قال في " النوادر ": قال ابن حبيب: إن قطع الأوداج ونصف الحلقوم فأكثر أكلت، وإن قطع منه أقل لَمْ يؤكل (¬2). وفي العتبية عن [ابن القاسم] (¬3) في الدجاجة والعصفور إذا أجهز على أوداجه ونصف حلقه أو ثلثيه فلا بأس بأكله. وقال سحنون: لا يحلّ حتى يجهز على جميع الحلقوم والأوداج. قال ابن عبد السلام: فابن القاسم وابن حبيب متفقان على أن بقاء النصف مغتفر، وقال سحنون: لا يغتفر منه شيء البتة، وبعض من لقيناه يقول: لا يلزم ابن القاسم الذي اغتفر بقاء نصف الحلقوم في الطير أن يقول مثله في غير الطير؛ لما علم عادة من صعوبة استئصال قطع الحلقوم من الطير وسهولة ذلك من غير الطير، والأقرب عندي اغتفار ذلك؛ لقوله - عليه السلام -: " ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل " (¬4) قال في " التوضيح ": قيل وهو المشهور (¬5). وتبعه في " الشامل " فقال: وشهر أَيْضاً إجزاء نصف الحلقوم. ¬
أَوْ تَرَدَّى بِكَهُوَّةٍ. قوله: (أَوْ تَرَدَّى بِكَهُوَّةٍ) أي: في مثل هوة فالكاف للتشبيه والهُوَّة بضم الهاء وتشديد الواو. وقال الجوهري: الهوة، الوهدة العميقة والأهوية على: أفعولة مثلها، والمهوى والمهواة: ما بين الجبلين ونحو ذلك. انتهى. والمهواة بفتح الميم وجمع الهوة هوى بالضم، قال شيخ شيوخنا أبو زيد المكودي في مقصورته: وأنت يا نفس شغلت بالهوى ... حتى وقعت منه في قعرٍ هوى وفي بعض النسخ: بكحفرة، والمعنى واحد. بِسِلاحٍ مُحَدَّدٍ، وحَيَوَانٍ عُلِّمَ بِإِرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ بلا ظُهُورِ تَرْكٍ، ولَوْ تَعَدَّدَ مَصِيدُهُ، أَوْ أَكَلَ، أَوْ لَمْ يُرَ بِغَارٍ، أَوْ غَيْضَةٍ، أَوْ لَمْ يَظُنَّ نَوْعَهُ، أَوْ ظَهَرَ خِلافَهُ لا إِنْ ظَنَّهُ حَرَاماً، أَوْ أَخَذَ غَيْرَ مُرْسَلٍ عَلَيْهِ. قوله: (بِإِرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ) أي: فإن أرسله وهو في غير يده لَمْ يؤكل ما قتله؛ لهذا رجع مالك في " المدونة " قال ابن القاسم فيها: وبالأول أقول. يعني الجواز المرجوع عنه (¬1). أَوْ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْمُبِيحَ فِي شَرِكَةِ غَيْرٍ كَمَاءٍ، أَوْ ضُرِبَ بِمَسْمُومٍ، أَوْ كَلْبِ مَجُوسِيٍّ أَوْ بِنَهْشِهِ مَا قَدَرَ عَلَى خَلاصِهِ مِنْهُ. قوله: (أَوْ بِنَهْشِهِ مَا قَدَرَ عَلَى خَلاصِهِ مِنْهُ) يعني أن ما قدر على إخلاصه من الجارح (¬2) فلم يخلصه وذكاه في حال نهشه له لا يؤكل؛ لعدم تحقق المبيح، وعلى هذه فرّع نظائر الشركة في " التوضيح " وذلك بيّن في " المدونة " قال فيها: ولو قدر على خلاصه منها فذكّاه وهو في أفواهها تنهشه فلا تؤكل إذ لعله من نهشها مات، إلا أن يوقن أنه ذكّاه وهو مجتمع الحياة قبل أن تنفذ هي مقاتله فيجوز أكله وبئسما ما صنع (¬3). ¬
أَوْ إِغْرَاءٍ فِي الْوَسَطِ أَوْ تَرَاخَى فِي اتِّبَاعِهِ، إِلا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لا يَلْحَقُهُ، أَوْ حَمَلَ الآلَةَ مَعَ غَيْرٍ أَوْ بِخُرْجٍ، أَوْ بَاتَ، أَوْ صَدَمَ، أَوْ عَضَّ بِلا جُرْحٍ. قوله: (أَوْ أغْرَى فِي الْوَسَطِ) أي: في أثناء الانبعاث، وفي بعض النسخ: أو إغراء (¬1) بالمصدر في الوسط عطفاً على نظائر الشركة، وهو مما يمكن أن ينخرط في سلكها، وما نوقش به من أن الإغراء مبيح لا محظر تعسّف، وفي بعضها أو أغرى بالفعل الماضي كما بعده عطفاً على قوله: " لا إن ظنه حراماً فهو خارج عن نظائر الشركة " وهو المطابق لما في " التوضيح " إذ لَمْ يعدّه فيها منها (¬2). أَوْ قَصَدَ مَا وَجَدَ، أَوْ أَرْسَلَ ثَانِياً بَعْدَ إِمْسَاكِ أَوَّلٍ، وقَتَلَ. قوله: (أَوْ قَصَدَ مَا وَجَدَ) يشير به لقول ابن عبد السلام: وأما الإرسال على غير معين ولا محصور كإرساله على كل صيد يقوم بين يديه فلا خلاف في المذهب أن ذلك لا يجوز. انتهى، وممن صرح بنفي الخلاف فيه الباجي والمازري وابن شاس. [34 / أ] فإن قلت: ما الفرق بينه وبين قوله في " المدوّنة ": وإن أرسله على جماعة لا يرى غيرها ونوى إن كان ورائها غيرها فهو عليها مرسل، فليأكل ما أخذ من سواها، وكذلك إن أرسله على صيدٍ لا يرى غيره ونوى ما صاد سواه فليأكل ما صاده (¬3). قلت: فرق بينهما المصنف بأن ما في " المدونة " تبع للصيد المرئي، وجعل خلاصة كلام ابن عبد السلام قاعدة وهي: إن كان الصيد معيناً أكل كان المكان محصوراً أم لا، وإن لَمْ يكن الصيد معيناً، وكان المكان محصوراً كالغار والغيضة، فثالثها الفرق بينهما، وإن لَمْ يتعين الصيد ولا انحصر المكان لَمْ يؤكل باتفاق، يريد وتبع المعين كالمعين. ¬
أَوِ اضْطَرَبَ فَأَرْسَلَ ولَمْ يُرَ إِلا أَنْ يَنْوِيَ الْمُضْطَرَبَ، وغَيْرَهُ فَتَأْوِيلانِ. قوله: (إِلا أَنْ يَنْوِيَ الْمُضْطَرَبَ) بفتح الراء أي: المضطرب عليه فحذفه مع أنه عمدة؛ إذ هو النائب عن الفاعل. ووَجَبَ نِيَّتُهَا، وتَسْمِيَةٌ إُنْ ذَكَرَ ونَحْرُ إِبِلٍ، وذَبْحُ غَيْرِهِ، إِنْ قَدِرَ، وجَازَا لِلضَّرُورَةِ، إِلا الْبَقَرَ فَيُنْدَبُ الذَّبْحُ كَالْحَدِيدِ، وإحدادُهُ. قوله: (وجَازَا لِلضَّرُورَةِ) بألف التثنية هو الصواب (¬1). وقِيَامُ الإِبِلِ، وضَجْعُ ذِبْحٍ عَلَى أَيْسَرَ وتَوْجِيهِهِ، وإِيْضَاحُ الْمَحَلَّ، وفَرْيُ وَدَجَيْ صَيْدٍ أُنْفِذَ مَقْتَلُهُ، وفِي جَوَازِ الذَّبْحِ بِالظُّفْرِ (¬2) أَوِ السِّنِّ، أَوِ انْفَصَلا، أَوْ بِالْعَظْمِ، ومَنْعِهِمَا، خِلافٌ، وحَرُمَ اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ، لا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ، إِلا بِكَخِنْزِيرٍ، فَيَجُوزُ كَذَكَاةِ مَا لا يُؤْكَلُ إِنْ أَيِسَ مِنْهُ. وكُرِهَ ذَبْحٌ بِدَوْرِ حُفْرَةٍ، وسَلْخٌ أَوْ قَطْعٌ قَبْلَ الْمَوْتِ، كَقَوْلِ مُضَحٍّ اللَّهُمَّ مِنْكَ وإِلَيْكَ، وتَعَمُّدُ إِبَانَةِ رَأْسٍ. وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً عَلَى عَدَمِ الأَكْلِ. إِنْ قَصَدَهُ أَوَّلاً، ودُونَ نِصْفٍ أُبِينَ مَيْتَةٌ، إِلا الرَّأْسَ، ومَلَكَ الصيْدَ الْمُبَادِرُ، وإِنْ تَنَازَعَ قَادِرُونَ [25 / أ] فَبَيْنَهُمْ، وإِنْ نَدَّ ولَوْ مِنْ مُشْتَرٍ فَلِلثَّانِي، لا إِنْ تَأَنَّسَ ولَمْ يَتَوَحَّشْ، واشْتَرَكَ طَارِدٌ مَعَ ذِي حِبَالَةٍ قَصَدَهَا، ولَوْلاهُمَا لَمْ يَقَعْ، بِحَسَبِ فِعْلِهِمَا. قوله: (وَقِيَامُ الإِبِلِ) تقدم البحث فيه في الحجّ (¬3). وإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وأَيِسَ مِنْهُ فَلِرَبِّهِ، وعَلَى تَحْقِيقٍ بِغَيْرِهَا فَلَهُ كَالدَّارِ إِلا أَنْ لا يَطْرُدَهُ لَهَا فَلِرَبِّهَا. قوله: (إِلا أَنْ لا يَطْرُدَهُ لَهَا فَلِرَبِّهَا) سقط (لا) في كثير من النسخ وهو فساد ومخالف للمدونة إذ قال فيها: ومن طرد صيداً حتى دخل دار قومٍ فإن اضطره هو أو جارحه إليها فهو له، وإن لَمْ يضطروه وكانوا قد بعدوا عنه فهو لرب الدار، وفي بعض نسخ هذا المختصر: " إلا أن يضطره " كلفظ " المدوّنة " وهو أولى؛ لأن الطرد يوهم الاختصاص بما كان مقصوداً بخلاف الاضطرار، بدليل نسبته في " المدوّنة " للجارح (¬4). ¬
وضَمِنَ مَارٌّ أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ، وتَرَكَ. قوله: (وضَمِنَ مَارٌّ أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ، وتَرَكَ) هذا خاص بالصيد؛ قال اللخمي: ولو مرّ بشاةٍ يخشي عليها الموت، فلم يذبحها حتى ماتت لَمْ يضمن؛ لأنه يخشى أن لا يصدّقه ربّها فيضمنه وليس كالصيد؛ لأنه يراد للذبح، على أن اللخمي اختار في الصيد نفي الضمان قال: وإن كان يجهل أن ليس له أن يذكّيه؛ كان أبين في نفي الغرم. وعُمُدٍ وخَشَبٍ فَيَقَعُ الْجِدَارُ، ولَهُ الثَّمَنُ إِنْ وُجِدَ كَتَرْكِ تَخْلِيصِ مُسْتَهْلِكٍ مِنْ نَفْسٍ ومَالٍ بِيَدِهِ أَوْ شَهَادَتِهِ أَوْ بِإِمْسَاكِ وَثِيقَةٍ أَوْ تَقْطِيعِهَا وفِي قَتْلِ شَاهِدَيْ حَقٍّ تَرَدُّدٌ، وتَرْكِ مُوَاسَاةٍ وَجَبَتْ بِخَيْطٍ لِجَائِفَةٍ، وفَضْلِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ لِمُضْطَرٍّ. قوله: (وعُمُدٍ وخَشَبٍ) لعل العمد عندهم (¬1) يختصّ بغير الخشب كالحجارة. وأُكِلَ الْمُذَكَّى، وإِنْ أُيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ بِتَحَرُّكٍ قَوِيٍّ مُطْلَقاً، أَوْ سَيْلِ دَمٍ، إِنْ صَحَّتْ إِلا الْمَوْقُوذَةَ، ومَا مَعَهَا الْمَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ. قوله: (وَأُكِلَ الْمُذَكَّى، وإِنْ أُيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ بِتَحَرُّكٍ قَوِيٍّ مُطْلَقاً، أَوْ سَيْلِ دَمٍ، إِنْ صَحَّتْ) معنى مطلقاً سواءً كانت صحيحة أو مريضة أم مصابة بالخنق ونحوه إن لَمْ ينفذ مقتلها، ويدل أن هذا مراده بالإطلاق تقييده سيل الدم بالصحة، فالتحريك كافٍ في الثلاثة فإذا انضم إليه سيلان الدم لَمْ يزده إلَّا خيراً، وأما سيلان الدم وحده فلا يكفي إلا في الصحيحة، وهذا حاصل ما في " المقدمات " (¬2)، على أنه أجرى المنخنقة ونحوها إذا تحركت ولَمْ يسل دمها على الخلاف في المأيوسة غير المنفوذة المقاتل، قال: لأن دمها إذا لَمْ يسل حين الذبح فقد علم أنها كانت لا تعيش لو تركت؛ لأن انقطاع الدم إنما يكون بانقطاع بعضها من بعض وذلك ما لا يصح معه حياة، واحترز بالتحرك القوي من الضعيف. ¬
قال ابن المَوَّاز: دليل استجماع حياتها حركة رجلها أو ذنبها أو طرف عينها. قال ابن حبيب: أو استفاضة نفسها في جوفها أو في منخريها، وعبّر عنه ابن رشد بكونه في حلقها قال: وحركة الارتعاش والارتعاد ومدّ يد أو رجل أو قبضها ملغاة اتفاقاً. ابن عرفة: في إلغاء القبض نظر. اللخمي: إلغاء الاختلاج الخفيف وحركة العين أحسن؛ لأن الاختلاج يوجد بعد الموت وحركة الرجل والذنب أقوى من حركة العين؛ لأن خروج الروح من الأسافل قبل الأعالي. ابن عرفة: قوله: أحسن يوهم أن في الاختلاج اختلافاً، وتعليله ومتقدم نقل ابن رشد ينفيه. انتهى. ابن عبد السلام: تفريق اللخمي بين الأسافل والأعالي ظاهر إلا أن يقال: الشرط في صحة الذكاة هو مطلق الحياة، لا عموم وجودها في جميع الجسد، فإذا وجدنا ما يدلّ على الحياة صحت الذكاة، كان في الأعالي أو في الأسافل. بِقَطْعِ نُخَاعٍ، ونَثْرِ دِمَاغٍ، وحَشْوَةٍ، وفَرْيَ وَدَجٍ، وثَقْبِ مُصْرَانٍ، وفِي شَقِّ الْوَدَجِ قَوْلانِ، وفِيهَا أَكْلُ مَا دُقَّ عُنُقُهُ، أَوْ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لا يَعِيشُ إِنْ لَمْ يَنْخَعْهَا. قوله: (بِقَطْعِ نُخَاعٍ، ونَثْرِ دِمَاغٍ، وحَشْوَةٍ، وفَرْيَ وَدَجٍ، وثَقْبِ مُصْرَانٍ) مفهوم قوله: (قَطْعِ نُخَاعٍ) أن شقه ليس كذلك، وقد خرّجه ابن عرفة على القولين الآتيين في شقّ الودج، ومفهوم قوله: (ونَثْرِ دِمَاغٍ، وحَشْوَة) أن شدخ الرأس دون انتثار الدماغ وشقّ الجوف، دون قطع مصران، ودون انتثار شيء من الحشوة، غير مقتل؛ وكذا صرّح به عبد الحقّ، ويحيي بن إسحاق عن ابن كنانة دمغ الرأس مقتل، وقد روى عن ابن القاسم: أكل منتثر الحشوة. ابن عرفة: فجعله اللخمي قولاً بإعمال الذكاة في منفوذ المقاتل، وجعله عياض قولاً بأنّه غيرُ مُقْتل، ومفهوم قوله: (وفري ودج) أن قطعَ الودجين معاً غيرُ مشترط في كون ذلك مقتلاً، وقد صرّح عبد الحقّ بأنّ قطع الودج الواحد مقتل، والفري (¬1) إبانته كله، فظاهرُه أنّ البعض ليس كذلك، وقد قال ابن المَوَّاز: قطع بعض الأوداج والحلق مقتل، ومفهوم قوله: (وثقب مصران) أنّ القطع أحرى. ¬
وفي " التنبيهات ": أما (¬1) فري المصران وإبانة بعضه من بعض [34 / ب] فمقتل لا (¬2) شك فيه، بخلاف شقّه؛ لأنه لا يلتئم بعد انقطاعه بالكلية ويتعذر وصول الغذاء إلى ما بان منه، وتتعطل الأعضاء تحته، ولا يجد التفل مخرجاً من داخل الجوف، فيهلك صاحبه. انتهى. وذكر أن بعض حذّاق الأطباء تلطّف لمصران [شقّ طولاً] (¬3)، فجمع طرفي الشقّ، ووضع عليها النمل، فلما شبكت فيهما قطع أسافلها، فبقيت رؤوسها شابكة في الطرفين، فالتأما بإذن الله تعالى. وأطلق المصنف في المصران اتباعاً للأكثر، وقد خصّه ابن رشد بالأعلى، وصححه عياض، وفهم من عطف بعضها على بعض أنها متغايرة، وفي " التنبيهات " عد شيوخنا قطع المصران وانتثار الحشوة وجهين، وهما عندي راجعان لشيءٍ واحد؛ لأنه إذا قُطع أو شُقّ انتثرت الحشوة. وقول بعض شيوخنا: انتثارها خروجها عند شقّ الجوف عنها، يردّ بأن مجرد شقّ الجوف غير مقتل اتفاقاً، وكذا انتثارها لمشاهدة علاجها بردِّها وخياطة الجوف عليها. ابن عرفة: قوله: ليس مجرد انتثارها مقتلاً. إن أراد مجرد خروجها، فمسلّم؛ وليس هذا مراد الشيوخ به، وإن أراد ولو زال التصاق بعضها ببعض أو التزاقها بمقعر البطن، منعناه؛ وهذا هو مراد الأشياخ به، وما ادعاه من العلاج إنما هو في الأول لا في هذا، وبالضرورة إن هذا مباين لقطع المصير، ولا تلازم بينهما في الوجود. وليحيي بن إسحاق عن ابن كنانة: لا يؤكل ما خرجت أمعاؤه، وفهم من اقتصار المصنف على هذه الخمسة أن ثقب الكرش ليس منها. ¬
وقد حكى ابن رشد عن شيوخه قولين في صحيحةٍ وجد كرشها بعد ذبحها مثقوباً قال: نزلت (¬1) في ثور، فحكم ابن مكي بفتوى ابن حمدين (¬2) بطرحها بالوادي دون فتوى ابن رزق بأكلها، وبيان ذلك لمن يشتريها، فغلبت العامة أعوان القاضي لعظم قدر ابن رزق عندهم، فأخذوه من أيديهم وأكلوه، وهو الصواب لما تقدّم (¬3). يعني أن خرق أسفل المصير حيث الرجيع غير مقتل لبقائها به زماناً تتصرّف. ابن عرفة: ويؤيده نقل عدد التواتر من كاسبي البقر بإفريقية، أنهم يثقبون كرش الثور لبعض الأدواء فيزول عنه به، وقول ابن عبد السلام: إنه محل الطعام قبل تغيّره خلاف تعليل ابن رشد صحة قول ابن رزق، ولعلّه يريد (¬4) كمال تغيّره. وذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ إِنْ تَمَّ بِشَعَرٍ، وإِنْ خَرَجَ حَيَّاً ذُكِّيَ، إِلا أَنْ يُبَادِرَ فَيَفُوتُ. قوله: (وذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ إِنْ تَمَّ بِشَعَرٍ) مفهوم الشرط إن لَمْ يتم بشعر لَمْ يؤكل، وهو المذهب. قال ابن عرفة: وقول ابن العربي في " القبس " عن مالك: إن لَمْ يتمّ خلقه فهو كعضوٍ منها ولا يذكى العضو مرتين، ظاهره أن قول مالك عنده أكله وإن لَمْ يتم خلقه (¬5) دون ذكاة، وذكر في " العارضة " عن مالك كنقل الجماعة، واختار هذا لنفسه. ¬
فوائد: الأولى: قال ابن عرفة: ظاهر الروايات وأقوال الشيوخ أن المعتبر نبات شعر جسده، لا شعر عينيه فقط، خلافاً لبعض أهل الوقت، وفتوى بعض شيوخ شيوخنا. الثانية: في سماع أشهب: إذا خرج ميتاً يمر المدية على حلقه ليخرج دمه، قال في سماع أبي زيد: ركض ببطن أضحيتي جنينها بعد ذبحها، فتركته حتى أخرجته ميتاً فذبحته وأكلت منه (¬1). الثالثة: في أكل المشيمة، وهي وعاء الجنين ثلاثة أقوال: ... الأول: الحلّيّة؛ لقول ابن رشد في سماع موسى من كتاب الصلاة: السلا وعاء الولد وهو كلحم الناقة المذكاة. ... الثاني: تحريمها؛ لجواب عبد الحميد الصائغ. ... الثالث: إن حل أكل الجنين بذكاة أمه وتم خلقه ونبت شعره حلّت، وإلا فلا لبعض شيوخ شيوخ ابن عرفة وقد حصلها هذا التحصيل. رحمه الله تعالى. وذُكِّيَ الْمُزْلَقُ إِنْ حَيَ مِثْلُهُ، وافْتَقَرَ نَحْوَ الْجَرَادِ لَهَا بِمَا يَمُوتُ بِهِ، ولَوْ لَمْ يُعَجِّلْ كَقَطْعِ جَنَاحٍ. قوله: (وذُكِّيَ الْمُزْلَقُ (¬2) إِنْ حَيَ مِثْلُهُ) ابن رشد: وليس الذي لَمْ تتحقق حياته كمريضة علم أنها لا تعيش لتقدم تقرر حياتها دونه. ¬
باب الأطعمة والأشربة
[باب الأطعمة والأشربة] الْمُبَاحُ طَعَامٌ طَاهِرٌ، والْبَحْرِيُّ وإِنْ مَيِّتاً، وطَيْرٌ ولَوْ جَلاَّلَةً وذَا مِخْلَبٍ، ونَعَمٌ، ووَحْشٌ لَمْ يَفْتَرِسْ كَيَرْبُوعٍ، وخُلْدٍ ووَبْرٍ، وأَرْنَبٍ وقُنْفُذٍ، وضُرْ بُوبٍ، وحَيَّةٍ أُمِنَ سُمُّهَا، وخَشَاشُ أَرْضٍ، وعَصِيرٌ وفُقَّاعٌ وسُوبِيَا وعَقِيدٌ (¬1) أُمِنَ سُكْرُهُا (¬2). قوله: (أُمِنَ سُكْرُهُا) كذا في بعض النسخ بضمير المؤنث على ملاحظة الجماعة، وهو أعم، يتناول العصير وما بعده. ولِلضَّرُورَةِ مَا يَسُدُّ، غَيْرَ آدَمِيٍّ وخَمْرٍ، إِلا لِغُصَّةٍ، وقَدَّمَ الْمَيِّتَ عَلَى خِنْزِيرٍ، وصَيْدٍ لِمُحْرِمٍ. قوله: (ولِلضَّرُورَةِ مَا يَسُدُّ) لعله ما يشبع، فصُحّف. لا لَحْمِهِ، وطَعَامِ غَيْرٍ، إِنْ لَمْ يَخَفِ الْقَطْعَ وقَاتَلَ عَلَيْهِ. قوله: (وطَعَامِ غَيْرٍ) بالجر عطفاً على قوله: (لا لَحْمِهِ) أي: فلا يقدم الميت على طعام الغير إن لَمْ يخف القطع. والْمُحَرَّمُ: النَّجَسُ، وخِنْزِيرٌ، وبَغْلٌ، وفَرَسٌ، وحِمَارٌ؛ ولَوْ وَحْشِيَّا دَجَنَ، والْمَكْرُوهُ: سَبْعٌ، وضَبْعٌ، وثَعْلَبٌ، وذِئْبٌ، وهِرٌّ؛ وإِنْ وَحْشِيَّاً، وفِيلٌ. قوله: (والْمَكْرُوهُ سَبْعٌ) لما ذكر ابن عبد السلام هنا تأويل بعض المتأخرين، نهيه - عليه السلام - عن أكل كلّ ذي ناب من السباع (¬3)، على أنه من إضافة المصدر إلى الفاعل؛ فيكون كقوله تعالى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} [المائدة: 3]- وضعّفَه (¬4). وأورد حكاية [35 / أ] ظريفة عن خديمين بالمسحاة، لا يظن بهما العلم أعطى أحدهما صاحبه يسير جبن فقال الآخذ: عطية القوم على أقدارهم. فقال المعطي: صدقت، فقال الآخذ: ليس هذا مذهب سيبويه، ¬
يعني أن حمل المصدر كعطية على الإضافة إلى الفاعل هو الراجح عند سيبويه، وهذا بيّن فيما صرّح فيه بذكر الفاعل والمفعول معاً، فقف على الحكاية بطولها في شرحه رحمه الله تعالى. وكَلْبُ مَاءٍ وخِنْزِيرِهِ، وشَرَابُ خَلِيطَيْنِ، ونَبِيذٌ بِكَدُبَّاءٍ (¬1)، وفِي كُرْهِ الْقِرْدِ والطِّينِ ومَنْعِهِ قَوْلانِ. قوله: (وكَلْبُ مَاءٍ وخِنْزِيرِهِ) كذا نقل الباجي كراهتهما عن ابن شعبان رواية عن مالك قال: وبه قال [ابن حبيب] (¬2) ونقل أبو عمر عن الليث: لا يؤكل إنسان الماء (¬3). ¬
باب الضحية والعقيقة
[باب الضحية والعقيقة] سُنَّ لِحُرٍّ غَيْرِ حَاجٍّ بِمِنًى ضَحِيَّةٌ لا تُجْحِفُ، وإِنْ يَتِيماً بِجَذَعِ ضَأْنٍ، وثَنِيِّ مَعْزٍ وبَقَرٍ وإِبِلٍ ذِي سَنَةٍ، وثَلاثٍ، وخَمْسٍ، بِلا شِرْكٍ، إِلا فِي الأَجْرِ، وإِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ، إِنْ سَكَنَ مَعَهُ وقَرُبَ لَهُ، وأَنْفَقَ عَلَيْهِ وإِنْ تَبَرُّعاً. وإِنْ جَمَّاءَ ومُقْعَدَةً لِشَحْمٍ، ومَكْسُورَةَ قَرْنٍ، لا إِنْ أَدْمَى كَبَيِّنِ مَرَضٍ، وجَرَبٍ، وبَشَمٍ، وجُنُونٍ، وهُزَالٍ، وعَرَجٍ، وعَوَرٍ، وفَائِتِ جُزْءٍ غَيْرِ خُصْيَةٍ وصَمْعَاءَ جِدَّا، وذِي أُمٍّ وَحْشِيَّةٍ، وبَتْرَاءَ، وبَكْمَاءَ وبَخْرَاءَ، ويَابِسَةِ ضَرْعٍ، ومَشْقُوقَةِ أُذُنٍ، ومَكْسُورَةِ [25 / ب] سِنٍّ، لِغَيْرِ إِثْغَارٍ أَوْ كِبَرٍ، وذَاهِبَةِ ثُلُثِ ذَنَبٍ، لا أُذُنٍ - مِنْ ذَبْحِ الإِمَامِ لآخِرِ الثَّالِثِ - وهَلْ هُوَ الْعَبَّاسِيُّ. أَوْ إِمَامُ الصَّلاةِ؟ قَوْلانِ، ولا يُرَاعَى قَدْرُهُ فِي غَيْرِ الأَوَّلِ وأَعَادَ سَابِقَهُ، إِلا الْمُتَحَرِّيَ أَقْرَبَ إِمَامٍ كَأَنْ لَمْ يُبْرِزْهَا. قوله: (وهَلْ هُوَ الْعَبَّاسِيُّ، أَوْ إِمَامُ الصَّلاةِ؟ قَوْلانِ) قال ابن عبد السلام: في قول ابن الحاجب: والإمام [اليوم] (¬1) العباسي أو من يقيمه (¬2)، يعني حيث ذلك؛ ولذلك قيّده بقوله اليوم، وهذا لا إشكال فيه إذا كان هو متولّي الصلاة، وكذلك من يقيمه، وهو الأمير إذا كان أَيْضاً يتولى الصلاة بنفسه، فإن كان يتولى الصلاة غير الأمير، فظاهر كلام ابن رشد أن المعتبر هو إمام الصلاة وهو الظاهر؛ لأن الولاية على الصلاة تستلزم الولاية على تابعها كسائر الولايات. قال اللخمي ما معناه: وأمّا المتغلبون فلا يعتبرونهم ولا من يقيمونه في الذبح، ويكون من في بلدهم كمن لا إمام لهم، فيتحرون ذبح أقرب الأئمة الذين أقامهم أمير المؤمنين إليهم، وفيه نظر؛ لأن المنصوص في المذهب نفوذ أحكامهم وأحكام قضاتهم. وقيل لعثمان رضي الله تعالى عنه وهو محصور: إنه يصلّي للناس [إمام] (¬3) فتنة، وأنت إمام العامة فقال: إن الصلاة من أحسن ما يفعله الإنسان، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم. ¬
وقال ابن عرفة في كون المعتبر إمام الصلاة أو إمام الطاعة: طريقان لابن رشد (¬1) واللخمي، ثمّ ردّ اعتراض ابن عبد السلام على اللخمي بنفوذ أحكام المتغلبين وقضاتهم بعدم إمكان غير ذلك، وإمكان تحرّي وقت الإمام غير المتغلب، كما لو كان وأخّر ذبحه اختياراً قال: واستدلاله بقول عثمان ينتج عكس ما ادعاه؛ لأن البغي إساءة إجماعاً، ولا سيما البغاة على عثمان، فوجب اجتناب الاقتداء بالبغاة لإساءتهم. انتهى. وهذا تعسّف. ثم قال ابن عرفة: وصريح نصّ " المدوّنة " مع سائر الروايات بأقرب الأئمة، وكون المعتبر إمام بلد من ذبح عن مسافر لا إمام بلد المسافر، ظاهر في كونه إمام الصلاة لامتناع تعدد إمام الطاعة؛ وعليه لا يعتبر ذبح إمام صلاتها إذا أخرج السلطان أضحيته للذبح بالمصلى كما عندنا؛ لأن إخراجه (¬2) دليل على عدم استنابته إياه في الاقتداء بذبحه خلافاً لبعضهم. انتهى. وما احتجّ به من امتناع تعدد إمام الطاعة سبقه إليه أبو الفضل راشد، وانفصل عنه تلميذه أبو الحسن الصغير بتعدد عماله، وما نسبوا لابن رشد وقع له في رسم شك من سماع ابن القاسم ونصّه: " والمراعى في ذلك الإمام الذي يصلي صلاة العيد بالناس إذا كان مستخلفاً على ذلك " (¬3). وتَوَانَى بِلا عُذْرٍ قَدْرَهُ. قوله: (وتَوَانَى بِلا عُذْرٍ قَدْرَهُ) فاعل (تَوَانَى): ضمير الإمام، و (قَدْرَهُ): ظرف لتوانى أي: وتوانى الإمام بلا عذر قدر زمان الذبح المعتاد حتى انصرم. وَبِهِ انْتُظِرَ لِلزَّوَالِ. والنَّهَارُ شَرْطٌ، ونُدِبَ إِبْرَازُهَا، وجَيِّدٌ، وسَالِمٌ، وغَيْرُ خَرْقَاءَ وشَرْقَاءَ، ومُقَابَلَةٌ، ومُدَابَرَةٌ، وسَمِينٌ، وذَكَرٌ، وأَقْرَنُ، وأَبْيَضُ، وفَحْلٌ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْخَصِيُّ أَسْمَنَ، وضَأْنٌ مُطْلَقاً، ثُمَّ مَعْزٌ. قوله: (وبِهِ انْتُظِرَ لِلزَّوَالِ) ظاهره استمرار الانتظار لحصول الزوال، ولفظ ابن رشد ¬
في رسم شك من سماع ابن القاسم، فإن أخّر الذبح لعذر من اشتغال بقتال عدو أو غيره انتظروه ما لَمْ يذهب وقت الصلاة بزوال الشمس، واختصره ابن عرفة كلفظ المصنف فتأمله (¬1). انتهى. ثُمَّ هَلْ بَقَرٌ وهُوَ الأَظْهَرُ، أَوْ إِبِلٌ؟ خِلافٌ وتَرْكُ حَلْقٌ، وقَلْمٌ لِمُضَحٍّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ، وضَحِيَّةٌ عَلَى صَدَقَةٍ وعِتْقٍ، وذَبْحُهَا بِيَدِهِ، ولِلْوَارِثِ إِنْفَاذُهَا، وجَمْعُ أَكْلٍ وصَدَقَةٍ وإِعْطَاءٍ بِلا حَدٍّ، والْيَوْمُ الأَوَّلُ، [أَفْضَلُ] (¬2) وهَلْ جَمِيعُهُ أَوْ إِلَى الزَّوَالِ؟ قَوْلانِ. وفِي أَفْضَلِيَّةِ أَوَّلِ الثَّالِثِ عَلَى آخِرِ الثَّانِي، تَرَدُّدٌ، وذَبْحُ وَلَدٍ خَرَجَ قَبْلَ الذَّبْحِ وبَعْدَهُ جُزْءٌ. قوله: (ثُمَّ هَلْ بَقَرٌ [وَهُوَ الأَظْهَرُ] (¬3) أَوْ إِبِلٌ؟ خِلافٌ) صوّب ابن رشد في " المقدمات " تقديم البقر على الإبل، وإليه أشار بالأظهر (¬4). ووجه عكسه في رسم مرض من سماع ابن القاسم: بأن الإبل أعلى ثمناً وأكثر لحماً (¬5). إلّا أن تفضيل الغنم خرج بدليل السنة اتباعاً لفداء الذبيح - عليه السلام - بذبحٍ عظيم، وصرّح ابن عرفة بمشهورية الأول، ولا أعلم من شهر الثاني. وكُرِهَ جَزُّ صُوفِهَا قَبْلَهُ، إِنْ لَمْ يَنْبُتْ لِلذَّبْحِ. قوله: (وَكُرِهَ جَزُّ صُوفِهَا قَبْلَهُ، إِنْ لَمْ يَنْبُتْ لِلذَّبْحِ) لو قال: وكره جزّ صوفها قبل الذبح إن لَمْ ينبت له؛ لكان أفصح (¬6). ولَمْ يَنْوِهِ حِينَ أَخَذَهَا، وبَيْعُهُ، وشُرْبُ لَبَنٍ، وإِطْعَامُ كَافِرٍ، وهَلْ إِنْ بُعِثَ لَهُ أَو ولَوْ فِي عِيَالِهِ؟ تَرَدُّدٌ. قوله: (ولَمْ يَنْوِهِ حِينَ أَخَذَهَا) مفهومه أنه لو نوى حين أخذ الشاة أن يجزّ صوفها قبل ¬
الذبح جاز، [35 / ب] وكأنه مسلّم، وأما لو نوى حين أخذها أن يجز بعد الذبح، قال ابن عرفة: إنه شرط مناقض لحكمها ونصّه: وفي قبول ابن عبد السلام ما وقع في بعض أجوبة عبد الحميد: من اشترى شاة ونيته جزّ صوفها لينتفع به ببيع وغيره جاز له، ولو جزّه بعد ذبحها نظر؛ لأنه إن شرطه قبل ذبحها فذبحها يفيته، وبعده مناقض لحكمها، فيبطل على أصل المذهب في الشرط المنافي للعقد. والتَّغَالِي فِيهَا، وفِعْلُهَا عَنْ مَيِّتٍ. قوله: (وَالتَّغَالِي فِيهَا) كذا في سماع القرينين. ابن رشد: لأنه يؤدي إلى المباهاة. اللخمي: [استحبّ استفراهها] (¬1) لقوله تعالى: {بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]، وبالقياس على قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أفضل الرقاب أعلاها ثمناً " (¬2). ابن عرفة: ظاهره خلاف الأول إلّا أن يحمل على التغالي بمجرد المباهاة. كَعَتِيرَةٍ، وإِبْدَالُهَا بِدُونِ، وإِنْ لاخْتِلاطٍ قَبْلَ الذَّبْحِ. قوله: (كعتيرة) ابن يونس: العتيرة الطعام الذي يبعث لأهل الميت. قال مالك: أكره أن يُرْسِل للمناحة طعاماً. انتهى، والكراهة في سماع أشهب من الجنائز. [قال ابن رشد: ويستحبّ لغير مناحة لقوله - عليه السلام -: " اصنعوا لآل جعفر طعاماً "؛ ولذا جعله المصنف في الجنائز] (¬3) مندوباً. وفي " مختصر العين ": العتيرة شاة كانت الجاهلية يذبحونها لأصنامهم. زاد الجوهري: في رجب وليس ذلك بمراد هاهنا. ¬
وجَازَ أَخْذُ الْعَوَضِ إِنِ اخْتَلَطَتْ بَعْدَهُ عَلَى الأَحْسَنِ، وصَحَّ إِنَابَةٌ بِلَفْظٍ إِنْ أَسْلَمَ، ولَوْ لَمْ يُصَلِّ، أَوْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ بِعَادَةٍ كَقَرِيبٍ، وإِلا فَتَرَدُّدٌ، لا إِنْ غَلِطَ، فَلا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدِهِمَا، ومُنِعَ الْبَيْعُ وإِنْ ذَبَحَ قَبْلَ الإِمَامِ، أَوْ تَعَيَّبَتْ حَالَةُ الذَّبْحِ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ ذَبَحَ مَعِيباً جَهْلاً والإِجَارَةُ، والْبَدَلُ، إِلا لِمُتَصَدَّقٍ عَلَيْهِ، وفُسِخَتْ، وتُصُدِّقَ بِالْعِوَضِ فِي الْفَوْتِ، إِنْ لَمْ يَتَوَلَّ غَيْرٌ بِلا إِذْنٍ، وصَرْفٍ فِيمَا لا يَلْزَمُهُ. قوله: (وجَازَ أَخْذُ الْعَوَضِ إِنِ اخْتَلَطَتْ بَعْدَهُ عَلَى الأَحْسَنِ) أشار بالأحسن لقول ابن عبد السلام: والجواز أقرب؛ لأن مثل هذا لا يقصد به المعاوضة، لأنها شركة ضرورية كشركة الورثة في لحم أضحية موروثهم، وقال ابن عرفة: ولو اختلطت ضحيتا رجلين بعد ذبحهما أجزأتهما، وفي لزوم صدقتهما بهما وجواز أكلهما إياهما قول يحيي بن عمر، وتخريج (¬1) اللخمي. ولَمْ يحك المازري غير الأول، وكذا (¬2) عبد الحقّ، واعترضه فقال: لا أرى المنع من أكلها، وهي شركة ضرورية كالورثة في أضحية موروثهم. ابن بشير: لو اختلطت [أضحية] (¬3) أو جزء منها بغيرها ففي إباحة أخذ العوض قَوْلانِ، فظاهره أنهما منصوصان. انتهى كلام ابن عرفة مختصراً. وبالأول قطع ابن يونس، وفرق بينهما وبين مسألة الورثة بأن كل واحد منهم ورث جزءاً معلوماً فيأخذه منها وهو تمييز حقّ. كَأَرْشِ عَيْبٍ لا يَمْنَعُ الإِجْزَاءَ، وإِنَّمَا تَجِبُ بِالنَّذْرِ والذَّبْحِ، فَلا تُجْزِئُ إِنْ تَعَيَّبَتْ قَبْلَهُ، وصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ كَحَبْسِهَا حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ إِلا أَنَّ هَذَا آثِمٌ، ولِلْوَارِثِ الْقَسْمُ، ولَوْ ذُبِحَتْ، لا بَيْعٌ بَعْدَهُ فِي دَيْنٍ. قوله: (كَأَرْشِ عَيْبٍ لا يَمْنَعُ الإِجْزَاءَ) كذا هو فيما وقفنا عليه من النسخ بإثبات " لا " (¬4)؛ فيكون المعنى: وتصدّق بالعوض في الفوت كالتصدّق بأرش عيب لا يمنع الإجزاء، ويظهر من كلام المصنف أنه عنده بإسقاط (لا) راجعاً لمفهوم قوله: (إِنْ لَمْ يَتَوَلَّ ...) إلى آخره. ¬
وَنُدِبَ ذَبْحُ وَاحِدَةٍ تُجْزِئُ ضَحِيَّةً فِي سَابِعِ الْوِلادَةِ نَهَاراً، وأُلْغِيَ يَوْمُهَا، إِنْ سَبَقَ بِالْفَجْرِ. قوله: (وأُلْغِيَ يَوْمُهَا، إِنْ سَبَقَ بِالْفَجْرِ) الضمير النائب في سبق يعود على المولود المدلول عليه بالولادة، وأغفل المصنّف حكم الختان والخفاض والتسمية، وذكر في الجنائز كراهة تسمية السقط. فائدة: قال في " الإكمال ": فقهاء الأمصار على جواز التسمية والتكنية بأبي القاسم، والنهي عنه منسوخ. ابن عرفة: دخل الشيخ الفقيه القاضي أبو القاسم بن زيتون على سلطان بلده أمير إفريقية المستنصر بالله أبي عبد الله بن الأمير أبي زكريا فقال له: لَمْ تسميت بأبي القاسم، وقد صحّ عنه - عليه السلام -: " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي " (¬1)؟ فقال: إنما تسميت [بكنيته] (¬2) - صلى الله عليه وسلم - ولَمْ أتكن بها، فاستحسن بعض شيوخنا هذا الجواب. انتهى وعند الأُبّي: فيه نظر. وفي رسم نذر من سماع ابن القاسم من الجامع قال مالك: لا بأس بتكنية الصبي. قيل له: لَمَ كنّيت [ابنك] (¬3) بأبي القاسم؟ قال: ما فعلته بل أهل البيت، ولا بأس به. ابن رشد: قوله: لا بأس بتكنية الصبي، يدل [على] (¬4) أن تركه أحسن؛ لما يوهم ظاهره من الإخبار بالكذب، إذ لا ولد للصبي وليس فيه إثم؛ لأن القصد ترفيعه بذلك دون الإخبار (¬5). انتهى، وجوازه مستفاد من قوله - عليه السلام -: " أبا عمير ما فعل النغير " (¬6). ¬
وفي رسم شك من السماع المذكور: كره مالك أن يسمى الرجل بجبريل ولَمْ يعجبه وتلى: {إِن أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ} الآية [آل عمران: 68]. ابن رشد: لأنه سبب لأن يقول جاءني البارحة جبريل ورأيت جبريل، وأشار علىّ جبريل بكذا، وهذا من الكلام المستشنع. وفي الحديث: " لا تسم غلامك رباحاً ولا أفلح ولا يساراً، أو قال بشيراً (¬1) ": يقال (¬2): ثم فلان؟ فيقال: لا، فأحرى هذا وليس شيء من ذلك حراماً، ولكن تركه أحسن، وجاء بالآية حضّاً على الاقتداء بهم في ترك التسمية بذلك. انتهى. فقول ابن عرفة: روى الباجي: لا ينبغي بجبريل (¬3)، قصور. وفي سماع أشهب لا ينبغي بياسين. ابن رشد: للخلاف في كونه اسماً لله تعالى أو للقرآن، أو هو بمعنى إنسان. ابن عرفة: مقتضى هذا التعليل الحرمة. وفي " الإكمال ": [36 / أ] كرهها الحارث بن مسكين بأسماء الملائكة. وفي " المدارك ": تقدم رجل لخصومة عند الحارث بن مسكين (¬4)، فناداه رجل باسمه إسرافيل. فقال له الحارث: لَمْ تسميت بهذا الاسم وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تسموا بأسماء الملائكة " (¬5) فقال: ولَمْ سمي مالك بن أنس بمالك؟ وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] ثم قال: لقد تسمى الناس بأسماء الشياطين فما عيب ذلك - يعني الحارث اسمه؛ فإنه يقال هو اسم إبليس -. ابن عرفة: يرحم الله الحارث في سكوته والصواب معه؛ لأن محمل النهي في الاسم ¬
الخاص [بالوضع] (¬1) أو الغلبة كإسرافيل وجبريل وإبليس والشياطين، وأما مالك والحارث فليسا منه؛ لصحة كونهما من نقل النكرات للأشخاص المعينة أعلاماً من اسم فاعل، مالك وحارث كقاسم. انتهى. والعمدة في الفرق الاتباع، فقد تسمّى كثير من الصحابة بمالك والحارث ولَمْ ينكره - صلى الله عليه وسلم - وَالتَّصَدُّقُ بِزِنَةِ شَعْرِهِ وجَازَ كَسْرُ عَظْمِهَا، وكُرِهَ عَمَلُهَا وَلِيمَةً، ولَطْخُهُ بِدَمِهَا، وخِتَانُهُ يَوْمَهَا. ¬
باب الأيمان والنذور
[باب الأيمان والنذور] الْيَمِينُ تَحْقِيقٌ مَا لَمْ يَجِبْ بِذِكْرِ اسْمِ اللهِ أَوْ صِفَتِهِ كَبِاللهِ، وتَاللهِ، وايْمِ اللهِ، وحَقِّ اللهِ، والْعَزِيزِ، وعَظَمَتِهِ، وجَلالَتِهِ، وإِرَادَتِهِ، وكَفَالَتِهِ، وكَلامِهِ، والْقُرْآنِ، والْمُصْحَفِ. وإِنْ قَالَ أَرَدْتُ وَثِقْتُ بِاللهِ، ثُمَّ ابْتَدَأْتُ لأَفْعَلَنَّ دُيِّنَ لا بِسَبْقِ لِسَانِهِ. وكَقُدْرَةِ اللهِ، وأَمَانَتِهِ، وعَهْدِهِ، وعَلَيَّ عَهْدُ اللهِ، إِلا أَنْ يُرِيدَ الْمَخْلُوقَ، وكَأَحْلِفُ، وأُقْسِمُ، وأَشْهَدُ، إِنْ نَوَى بِاللهِ، وأَعْزِمُ، إِنْ قَالَ [26 / أ] بِاللهِ، وفِي أُعَاهِدُ اللهَ قَوْلانِ، لا بِلَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ، أَوْ أُعْطِيكَ عَهْداً، وعَزَمْتُ عَلَيْكَ بِاللهِ، وحَاشَ اللهِ، ومَعَاذَ اللهِ، واللهُ رَاعِ أَوْ كَفِيلْ، والنَّبِيِّ والْكَعْبَةِ. قوله: (لا بِسَبْقِ لِسَانِهِ) الظاهر أن مراده بسبق اللسان كمراد ابن الحاجب وغيره، وهو أن يسبق اللسان للفظ من غير عقد (¬1)، كقوله: بلى والله، ولا والله، وفي هذا قَوْلانِ، المشهور ما في " المدوّنة " أنه ليس بلغو، وذهب إسماعيل القاضي والأبهري إلى أنه المراد بقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225]، واختاره اللخمي وابن عبد السلام وابن أبي جمرة، وإليه كان يميل شيخ شيوخنا الفقيه المحدّث أبو القاسم العبدوسي، فإذا تقرر هذا فحمل كلام المصنف على المشهور؛ بناءً على ردّ النفي لحكم المسألة التي [قبله] (¬2) تليه، أولى من حمله على القول الثاني، بناءً على ردّ النفي لقوله: (بذكر اسم الله)، على أن يكون التقدير اليمين تحقيق ما لَمْ يجب بذكر اسم الله لا بسبق لسانه؛ ولذلك اقتصر بعد على تفسير اللغو بما يعتقده، فظهر نفيه. والله تعالى أعلم. وكَالْخَلْقِ، والإِمَاتَةِ، وهُوَ يَهُودِيٌّ، وغَمُوسٍ بِأَنْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ. قوله: (وَكَالْخَلْقِ، والإِمَاتَةِ) [الإماتة] (¬3) بكسر الهمزة وبتاءين آخره، ضد الإحياء. قال ابن يونس: لا كفارة على من حلف بشيءٍ من صفات أفعاله تعالى كالخلق والرزق ¬
والإحياء والإماتة (¬1)، وأما لو قال: والخالق والرازق والمحيي والمميت، فهذا حالفٌ بالله فعليه الكفارة، وإن كانت تسميته تقتضي صفات الفعل. انتهى. ولما ضبطه الشارح الأمانة، بفتح الهمزة وبالنون قبل آخره، فرّق بينه وبين أمانة الله التي تقدّمت، بأن ذلك مضاف لاسم الله، وهذا غير مضاف، وثبت على ذلك في " الشامل " ولَمْ أقف على هذا التفريق لمن يوثق به بل قال في " الذخيرة " أمانة الله تعالى تكليفه لقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأحزاب: 72]، وتكليفه كلامه القديم (¬2). وحَلَفَ بِلا تَبَيُّنِ صِدْقٍ، ولْيَسْتَغْفِرِ اللهَ، وإِنْ قَصَدَ بِكَالْعُزَّى التَّعْظِيمَ، فَكَفَرَ، ولا لَغْوٍ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ فَظَهَرَ نَفْيُهُ ولَمْ يُفِدْ فِي غَيْرِ اللهِ. قوله: (بِلا تَبَيُّنِ صِدْقٍ) مفهومه: لو تبين صدقه لَمْ تكن يمين غموس، وهو المتبادر من قوله في " المدونة ": قال مالك: [ومن قال] (¬3): والله ما لقيت فلاناً أمس وهو لا يدري ألقيه (¬4) أم لا، ثم علم بعد يمينه أنه كما حلف برّ وإن كان على خلاف ذلك أثم، وكان كمتعمد (¬5) الكذب فهي أعظم من أن تكفّر، وعلى هذا المعتبر (¬6) حملها ابن الحاجب (¬7). قال ابن عبد السلام: وعليه حمل ابن عتاب لفظ " العتبية " فيما يشبه مسألة " المدوّنة "، وحمل غير واحد من الشيوخ لفظ " المدوّنة " على أنه وافق البرّ في الظاهر [لا أن إثم] (¬8) جرأته بالإقدام على الحلف شاكاً سقط عنه؛ لأن ذلك لا يزيله إلا التوبة، وهو ظاهر في الفقه، إلّا أنه بعيد في لفظ " المدوّنة ". انتهى. ¬
وممن حملها على موافقة البر لا نفي إثم الحلف على الشكّ، وإن كان دون إثم التعمد. أبو الفضل عياض: قال: ابن عرفة وهو خلاف قول محمد في الحالف على شكّ أو ظن، إن صادف صدقاً، فلا شيء عليه، وقد خاطر. وقال اللخمي: الصواب أنه آثم. كَالاسْتِثْنَاءِ بِإِنْ شَاءَ اللهُ، إِنْ قَصَدَهُ كَإِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ، أَوْ يُرِيدَ، أَوْ يَقْضِيَ عَلَى الأَظْهَرِ. قوله: (كَإِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ، أَوْ يُرِيدَ، أَوْ يَقْضِيَ عَلَى الأَظْهَرِ) أي في الأخيرين أشار به لما في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب النذور: ومن حلف لا فعل كذا إلا أن يقضي الله أو يريد غيره: فليس استثناءً. عيسى: هو في اليمين بالله استثناء (¬1). ابن عرفة: فحمله ابن حارث وابن رشد على الخلاف في اليمين بالله، واختار قول عيسى، وظاهر " النوادر " حمل قول ابن القاسم على اليمين بالطلاق، فلا يكون خلافاً، والأول أظهر لسماعه إياه في الأيمان بالطلاق، من قال لامرأته: إن فعلت كذا إلا أن يقدر الله فأنت طالق إن فعلت حنث. انتهى، فقف على تمامه في رسم إن خرجت (¬2). وأَفَادَ بِكَإِلا فِي الْجَمِيعِ. قوله: (وأَفَادَ بِكَإِلا فِي الْجَمِيعِ) أي: في جميع متعلقات اليمين مستقبلة وماضية كانت [36 / ب] اليمين منعقدة أو غموساً، وكذا لابن عبد السلام. إِنِ اتَّصَلَ، إِلا لِعَارِضٍ. قوله: (إِنِ اتَّصَلَ) شرط في الاستثناء بإن شاء الله، وبإلا، وأخواتها. ونَوَى الاسْتِثْنَاءَ، وقَصَدَ، ونَطَقَ بِهِ وإِنْ سِرَّاً بِحَرَكَةِ لِسَانِهِ. قوله: (ونَوَى الاسْتِثْنَاءَ، وقَصَدَ) كأنه يحوم على ما حرر ابن عبد السلام أن الاستثناء بإن لابد أن يكون المقصود به حل اليمين، وما أشبه ذلك، وأما إن جرى على اللسان من غير قصد، كما قال في " العتبية ": إذا تكلّم به لهجاً فإنه لا ينتفع به، وكذلك إذا تكلّم تبرّكاً؛ ¬
لأنه على مضادة حل اليمين كما دلّ عليه قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24] وكما في الصحيح: " إن سليمان - عليه السلام - لو قال إن شاء الله لتمَّ مراده " (¬1) وكما روي ابن عباس أن الرسول - عليه السلام - قال ثلاثاً: " والله لأغزون قريشاً " ثم قال: " إن شاء الله " (¬2) فهذا وأشباهه مما يقصد به التبرك هو تأكيد لمقتضى اليمين على الضد من الاستثناء الذي يُبوِّبُ له الفقهاء. انتهى. وقد ظهر أن هذا خاص بالمشيئة (¬3)، وأن المصنف لَمْ يقنع بقوله أولاً: كالاستثناء بإن شاء الله. إن قصد خلاف عادته في الاختصار. وفي سماع أشهب: إن كان لهجاً كقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24] {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [الفتح: 27] لم يغن شيئاً (¬4). وفي " النوادر " عن محمد: وكذا إن كان سهواً أو استهتاراً. وابن عرفة: وتفسير ابن عبد السلام كونه لهجاً بأنه غير منوي وكونه للتبرك بقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] خلاف سماع أشهب. إِلا أَنْ يَعْزِلَ فِي يَمِينِهِ أَوَّلاً كَالزَّوْجَةِ فِي الْحَلالِ عَلَيَّ حَرَامٌ وهِيَ الْمُحَاشَاةِ. قوله: (إِلا أَنْ يَعْزِلَ فِي يَمِينِهِ أَوَّلاً كَالزَّوْجَةِ فِي الْحَلالِ عَلَيَّ حَرَامٌ وهِيَ الْمُحَاشَاةِ) ابن محرز: إنما فرّق الفقهاء بين الاستثناء والمحاشاة لاختلاف معناهما، فما كان بابه إيقاف حكم اليمين كلها أو حلّها، ورفع حكمها فذلك ما لا يصح فيه الاستثناء بالقلب حتى ينطق به اعتباراً بعقد اليمين، بل هذا آكد؛ لأنه حل وإيقاف، وقد يحتاط في أصل عقد اليمين [فيلزم بالقلب من غير نطق. ¬
وما كان بابه رفع الحكم عن بعض ما يتناوله اليمين] (¬1) أو إيقافه، نُظرت: فإن كان من أول ما حلف عزله في نفسه وعلّق اليمين بما سواه فذلك له؛ لأن ذلك المقدار الذي عزله ما انعقد فيه يمين ولا تعلّق به حكمها، وهو الذي يسميه الفقهاء محاشاة، وإن كان لَمْ يعزله في أصل عقده، بل علق يمينه بجميع الأشياء المحلوف عليها، ثم استدرك بالاستثناء بعضها، فلا ينفعه الاستثناء هنا حتى يحرك به لسانه؛ لأنه إنما يريد حلّ ما قد انعقد بيمينه وإيقاف حكمه، وذلك ما لا يصح إلاّ بالنطق، وسواء كان استثناءُه بإلا أو غيرها من الألفاظ التي تتناول البعض. انتهى. وقال ابن عبد السلام -[بعد أن أشار إلى بعض كلام ابن محرز] (¬2) -: وهذا ظاهره أنه قصد تفسير قاعدة المذهب في هذا؛ لا أنه اختيار له خالف فيه نصوص المذهب، فقف على بقية كلامه وكلام ابن عرفة. وبالله تعالى التوفيق. وفِي النَّذْرِ الْمُبْهِمِ، والْيَمِينِ، والْكَفَّارَةِ، والْمُنْعَقِدَةِ عَلَى بِرٍّ بِإِنْ فَعَلْتُ، ولا فَعَلْتُ، أَوْ حِنْثٍ بِلأَفْعَلَنَّ، وإِنْ لَمْ أَفْعَلْ، إِنْ لَمْ يُؤَجِّلْ - إِطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلٍّ مُدٌّ، ونُدِبَ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ زِيَادَةُ نِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ، أَوْ رَطْلانِ خُبْزاً بِإِدَامٍ كَشِبَعِهِمْ أَوْ كِسْوَتِهِمْ لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ، ولِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ وخِمَارٌ، ولَوْ غَيْرَ وَسَطِ أَهْلِهِ، والرَّضِيعُ كَالْكَبِيرِ فِيهِمَا، أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ كَالظِّهَارِ، ثُمَّ صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، ولا تُجْزِئُ مُلَفَّقَةٌ ومُكَرَّرٌ لِمِسْكِينٍ ونَاقِصٌ كَعِشْرِينَ لِكُلٍّ نِصْفٌ، إِلا أَنْ يُكَمِّلَ، وهَلْ إِنْ بَقِيَ؟ تَأْوِيلانِ، ولَهُ نَزْعُهُ إِنْ بَيَّنَ بِالْقُرْعَةِ، وجَازَ لِثَانِيَةٍ إِنْ أَخْرَجَ، وإِلا كُرِهَ، وإِنْ كَيَمِينٍ وظِهَارٍ، وأَجْزَأَتْ قَبْلَ حِنْثِهِ، ووَجَبَتْ بِهِ إِنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ، وفِي عَلَيَّ أَشَدُّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ بَتُّ مَنْ يَمْلِكُ وعِتْقُهُ، وصَدَقَةٌ بِثُلُثِهِ، ومَشْيٌ بِحَجٍّ، وكَفَّارَةٌ، وفِي لُزُومِ شَهْرَيْ ظِهَارٍ تَرَدُّدٌ، وتَحْرِيمُ الْحَلالِ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ والأَمَةِ لَغْوٌ، وتَكَرَّرَتْ إِنْ قَصَدَ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ، أَوْ كَانَ الْعُرْفُ كَعَدَمِ تَرْكِ الْوِتْرِ، أَوْ نَوَى كَفَّارَاتٍ. [قوله: (وفِي النَّذْرِ الْمُبْهِمِ) هذا مستأنف وهو خبر مقدم لـ: " إطعام "] (¬3). ¬
وزِيدَ فِي الأَيْمَانِ يَلْزَمُنِي صَوْمُ سَنَةٍ إِنِ اعْتِيدَ حَلِفٌ بِهِ. قوله: (وزِيدَ فِي الأَيْمَانِ يَلْزَمُنِي صَوْمُ سَنَةٍ إِنِ اعْتِيدَ حَلِفٌ بِهِ) أي: وزيد على بت من يملك وعتقه وصدقة ثلث ماله، ومشي بحجّ وكفارة، إن جرت العادة باليمين به. وفيه تنبيهات: الأول: ظاهره أنه إن لَمْ يكن في ملكه رقيق لَمْ يلزمه عتق، خلاف قول الباجي: إن لَمْ يكن له رقيق لزمه عِتْقُ رقبةٍ إذ قال ابن زرقون: هو غير معروف، وقبل ابن عرفة قول ابن زرقون، وقال في " التوضيح " فيه نظر؛ لما في " الجواهر " عن الطرطوشي أن المتأخرين أجمعوا أنه إن لَمْ يكن له رقيق فعليه عتق رقبة واحدة (¬1). الثاني: لَمْ يبين (¬2) هنا وقت اعتبار ثلث ماله اكتفاءً بقوله بعد: (وَثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ) وعليه قاس في " التوضيح " عتق من يملك يوم اليمين، واعترض قول ابن الحاجب: يوم الحنث (¬3). الثالث: خصص المشي بالحجّ دون العمرة، وكذا فسّر كلام ابن الحاجب مستدلاً بقول أبي بكر بن عبد الرحمن: يلزمه من كل نوع من الأيمان أوعبها، فكما لزمه الحجّ ماشياً دون العمرة لزمه طلاق الثلاث دون الواحدة، مع أن ابن رشد قال في رسم [من] (¬4) أوصى من سماع عيسى من النذور: المشي في حجّ أو عمرة (¬5). الرابع: مقتضى قوله: " اُعتيد " مبنياً للمفعول: أن المعتبر عادة بلاد الحالف كما اختاره ابن عبد السلام - لا عادة الحالف فقط كما قال ابن بشير وأتباعه، وإلا وجب طرده في بقيتها. ¬
الخامس: إنما [لم يقل] (¬1) ولا نية تخصص اكتفاءً بقوله [37 / أ] بعد: (وخَصَّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ). أَوْ قَالَ لا ولا، أَوْ حَلَفَ لا يَحْنَثُ. قوله: (أَوْ قَالَ لا ولا) أي: أو قال مجاوباً: لا والله، ولا أنت، لمن قال له: وأنا لما حلف لا بعت سلعتي من فلان، ونصّها في كتاب ابن يونس عن ابن المَوَّاز: ومن حلف لا باع سلعته من فلان فقال له آخر: وأنا، فقال: لا (¬2) والله ولا أنت، فباعها منهما جميعاً فعليه كفّارتان، وفي الطلاق طلقتان، ولو باعها من أحدهما ثم ردها عليه فباعها من الثاني، فعليه كفارتان، وقاله مالك وابن القاسم: ومن قال: والله لا بعتها من فلان ولا من فلان: فكفارة واحدة تجزيه؛ باعها منهما أو من أحدهما، وردّها عليه فباعها أَيْضاً من الآخر فهم سواء. أَوْ بِالْقُرْآنِ والْمُصْحَفِ والْكِتَابِ أَوْ دَلَّ لَفْظُهُ بِجَمْعٍ، أَوْ بِكُلَّمَا أَوْ مَهْمَا لا مَتَى مَا ووَاللهِ ثُمَّ واللهِ وإِنْ قَصَدَهُ. قوله: (أَوْ بِالْقُرْآنِ والْمُصْحَفِ والْكِتَابِ) قطع هنا بتعدد الكفارة، وهو عند ابن رشد ظاهر قول ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى قال: لاختلاف التسميات، وإن كان المحلوف به واحداً، وهو كلام الله تعالى القديم (¬3) وهو خلاف ما ذكر ابن يونس عن ابن المَوَّاز وابن حبيب: أن كفارة واحدة تجمعها. وَالْقُرْآنِ، والتَّوْرَاةِ، والإِنْجِيلِ، ولا كَلَّمَهُ غَداً أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ غَداً. قوله: (والْقُرْآنِ، والتَّوْرَاةِ، والإِنْجِيلِ) قطع هنا بعدم التعدد، وكذا قال سحنون في " نوازله "، وقد صرح ابن رشد بأنه خلاف ظاهر سماع عيسى الذي فوقه (¬4)، ولَمْ ينقل ابن يونس في الفرعين إلا كفارة واحدة، وقال آخر كلامه: لأن ذلك كلّه كلام الله عزّ وجل وهو صفة من صفات ذاته، فكأنه حلف بصفةٍ واحدة، فعليه كفارة واحدة باتفاق. ¬
فإن قلت: فما وجه تفريق المصنف؟ قلت: كأنه لما رأى المنصوص في الثانية الاتحاد لَمْ يمكنه العدول عنه، وعول في الأولي على ظاهر قول ابن القاسم، وإن خالف نصّ غيره لتقديم أهل المذهب ابن القاسم على غيره؛ مع أن مدرك الحكم في المسألتين واحد، وكثيراً ما يفعل مثل هذا لتبقى الفروع معروضة للنظر. والله تعالى أعلم. وخَصَّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ، وقَيَّدَتْ إِنْ نَافَتْ وسَاوَتْ فِي اللهِ وغَيْرِهَا. قوله: (وخَصَّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ، وقَيَّدَتْ إِنْ نَافَتْ وسَاوَتْ) في هذه العبارة قلق؛ لأن النية التي تنيف أي: تزيد، والتي تساوي، أي تطابق ليست مخصصة ولا مقيدة، وإنما المخصصة والمقيدة التي تنقص، فالوجه أن يقال: واعتبرت [نية] (¬1) الحالف، إن نافت أو ساوت، وإلا خصصت وقيدت، كما قال القاضي في " تلقينه ": يُعمل على النية إذا كانت مما يصلح أن يراد اللفظ بها كانت مطابقة له أو زائدة فيه أو ناقصة عنه، بتقييد مطلقه أو تخصيص عامّه، ثم قال: وذلك كالحالف [لا آكل] (¬2) رؤوسا أو بيضاً أو لا سبح في نهر أو غدير، فإن قصد معنى عاماً وعبّر عنه بلفظ خاص، أو معنى خاصا وعبّر عنه بلفظ عام حكم بنيته، إذا قارنها عرف التخاطب كالحالف: لا أشرب لفلان ماءً، يقصد قطع المن، فإنه يحنث بكل ما ينتفع به من ماله. وكذا: لا لبس ثوباً من غزل زوجته، يقصد قطع المن، دون عين المحلوف عليه (¬3). ولحسّن عبارة " التلقين " انتحلها صاحب " الجواهر " إعجاباً بها (¬4)، وحولها دندن ابن عرفة إذ قال: والنية إن وافقت ظاهر اللفظ أو خالفته بأشدٍّ اعتبرت، وإلا فطرق، فلو قال المصنف، وخصصت نية الحالف، وقيدت، كإن نافت أو ساوت، بزيادة الكاف والعطف بأو لكان أمثل. ¬
فإن قلت: لعل قوله: (نافت) من باب المنافاة، مفاعلة من النفي فيرجع لمعنى النقص، وتكون الزيادة والمطابقة أحرى بالاعتبار والمساواة على هذا بمعنى المعادلة في الاحتمال، من غير ترجيح أي: أمكن أن يقصد باللفظ الصادر عنه ما ادعى أنه نواه، وأمكن أن لا يقصد على حد سواء ويشفع له محاذاة قول ابن الحاجب: فإن تساويا قبلت (¬1)، وينعشه عطف ساوت بالواو دون أو، ويكون معنى قوله بعد: (كإن خالفت) كأن لَمْ تساو. قلت: لو لَمْ يكن في هذا من التكلّف إلا استعمال المنافاة، التي هي المضادة في مثل هذا المعنى لكان كافياً في قبحه، ولولا خشية السآمة لطرقنا فيه احتمالاً آخر. والله تعالى أعلم (¬2). كَطَلاقٍ كَكَوْنِهَا مَعَهُ فِي أَلا يَتَزَوَّجَ حَيَاتَهَا كَأَنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ كَسَمْنِ ضَأْنٍ فِي لا آكُلُ سَمْناً، ولا أُكَلِّمُهُ [فَقَالَ نَوَيْتُ شَهْراً] (¬3). وكَتَوْكِيلِهِ [26 / ب] فِي لا يَبِيعُهُ، ولا يَضْرِبُهُ، إِلا لِمُرَافَعَةٍ وبَيِّنَةٍ، أَوْ إِقْرَارٍ فِي طَلاقٍ وعِتْقٍ فَقَطْ، أَوِ اسْتُحْلِفَ مُطْلَقاً فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ، لا إِرَادَةِ مَيِّتَةٍ، وكَذِبٍ فِي طَلاقٍ وحُرَّةٍ، أَوْ حَرَامٌ، وإِنْ بِفَتْوَى ثُمَّ بِسَاطُ يَمِينِهِ، ثُمَّ عُرْفٌ، قَوْلِيٌّ ثُمَّ مَقْصَدٌ لُغَوِيٌّ، ثُمَّ شَرْعِيٌّ، وحَنِثَ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. ولا بِسَاطٌ بِفَوْتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، ولَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَوْ سَرِقَةٍ، لا بِكَمَوْتِ حَمَامٍ فِي لَيَذْبَحَنَّهُ. قوله: (كَطَلاقٍ كَكَوْنِهَا مَعَهُ فِي أَلا يَتَزَوَّجَ حَيَاتَهَا كَأَنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ لَفْظِهِ كَسَمْنِ ضَأْنٍ فِي لا آكُلُ سَمْناً) أربع تشبيهات مختلفة الجهات، فالأول تمثيل لقوله: (وغيرها) وهو تنبيه بالأعلى على الأدنى. والثاني: تمثيل للنية المخصصة لعموم اللفظ. والثالث: [37 / ب] تشبيه للنية المخالفة القريبة، التي يفصل فيها بين القضاء والفتيا، بغير المخالفة المقبولة مطلقاً، ومنه يظهر أن قوله: (إلا لمرافعة) راجع لما بعد هذه الكاف ¬
فقط، على القاعدة التي أسلفناكها في مقدمة الكتاب (¬1)، مع أنه عطف عليه الاستخلاف الذي هو أعمّ. والرابع: وهو قوله: (كسمن ضأن) تمثيل للمخالفة القريبة؛ ولذلك قابله بالمخالفة البعيدة إذ قال: (لا إرادة ميتة ...) إلى آخره، وهو بخفض إرادة عطفاً على سمن. والله تعالى أعلم. وبِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ، وبِالنِّسْيَانِ إِنْ أَطْلَقَ، وبِالْبَعْضِ عَكْسُ الْبِرِّ، وبِسَوِيقٍ أَوْ لَبَنٍ فِي لا آكُلُ، لا مَاءٍ ولا تَسَحُّرٍ فِي لا أَتَعَشَّى، وذَوْقٍ لَمْ يَصِلْ جَوْفَهُ، وبِوُجُودِ أَكْثَرَ فِي لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ لِمُتَسَلِّفٍ، لا أَقَلَّ، وبِدَوَامِ رُكُوبِهِ ولِبْسِهِ فِي لا أَرْكَبُ وأَلْبَسُ، لا فِي كَدُخُولٍ، وبِدَابَّةِ عَبْدِهِ فِي دَابَّتِهِ، وبِجَمْعِ الأَسْوَاطِ فِي لأَضْرِبَنَّهُ كَذَا، وبِلَحْمِ الْحُوتِ، وبَيْضِهِ، وعَسَلِ الرُّطَبِ فِي مُطْلَقِهَا وبِكَعْكٍ، وحُشْكِنَانٍ، وهَرِيسَةٍ وإِطْرِيَةٍ (¬2) فِي خُبْزٍ، لا عَكْسِهِ، وبِضَأْنٍ ومَعْزٍ ودِيَكَةٍ، ودَجَاجَةٍ فِي غَنَمٍ، ودَجَاجٍ، لا بِأَحَدِهِمَا، فِي آخَرَ، وبِسَمْنٍ اسْتُهْلِكَ فِي سَوِيقٍ، وبِزَعْفَرَانٍ فِي طَعَامٍ لا بِكَخَلٍّ طُبِخَ، وبِاسْتِرْخَاءٍ لَهَا فِي لا قَبَّلْتُكِ أَوْ قَبَّلْتِنِي، وبِفِرَارِ غَرِيمِهِ فِي لا أُفَارِقُكَ، أَوْ فَارَقْتَنِي إِلا بِحَقِّي، ولَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، وإِنْ أَحَالَهُ، وبِالشَّحْمِ فِي اللَّحْمِ لا الْعَكْسِ، وبِفَرْعٍ فِي لا آكُلُ مِنْ كَهَذَا الطَّلْعِ، أَوْ هَذَا الطَّلْعَ، لا الطَّلْعِ أَوْ طَلْعاً إِلا نَبِيذَ زَبِيبٍ، ومَرَقَةَ لَحْمٍ، أَوْ شَحْمِهِ، وخُبْزَ قَمْحٍ وعَصِيرَ عِنَبٍ وبِمَا أَنْبَتَتِ الْحِنْطَةُ إِنْ نَوَى الْمَنَّ، لا لِرَدَاءَةٍ أَوْ كَسُوءِ صَنْعَةِ طَعَامٍ وبِالْحَمَّامِ فِي الْبَيْتِ، ودَارِ جَارِهِ، أَوْ بَيْتِ شِعْرٍ، كَحَبْسٍ أُكْرِهُ عَلَيْهِ بِحَقٍّ، لا بِمَسْجِدٍ، وبِدُخُولِهِ عَلَيْهِ مَيِّتاً فِي بَيْتٍ يَمْلِكُهُ، لا بِدُخُولِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُجَامَعَةَ، وبِتَكْفِينِهِ فِي لا نِفِعِهُ حَيَاتَهُ، وبِأَكْلٍ مِنْ تَرِكَتِهِ قَبْلَ قَسْمِهَا، فِي لا أَكَلْتُ طَعَامَهُ إِنْ أَوْصَى، أَوْ كَانَ مَدِيناً. قوله: (وبِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ) قال في " المدوّنة ": ومن قال لامرأته: أنت طالق واحدة إن لَمْ أتزوج عليك، فأراد ألا يتزوج عليها، فليطلّقها واحدة ثم يرتجعها فتزول يمينه، ولو ¬
ضرب أجلاً كان على برّ وليس له أن يحنث [نفسه] (¬1) قبل الأجل، وإنما يحنث إذا مضى الأجل ولَمْ يفعل ما حلف عليه (¬2). قال ابن رشد في رسم لَمْ يدرك من سماع عيسى من كتاب الظهار: المشهور فيمن كانت يمينه على بر فحلف أن لا يفعل فعلاً بطلاق أو مشيٍ أو عتق أو ظهار أو غير ذلك مما هو غير معين مما عدا اليمين بالله أنه لا يجوز أن يطلّق ولا أن يمشي ولا أن يعتق ولا أن يكفّر عن ظهاره ولا أن يصوم قبل أن يحنث، فإن فعل شيئاً من ذلك قبل الحنث لَمْ يجزه، ولزمه أن يفعله مرة أخرى إن حنث (¬3). انتهى بتلخيص " جامع الطرر ". وبه يفسر كلام المصنف. وبِكِتَابٍ إِنْ وَصَلَ وقَرَأَ. قوله: (وبِكِتَابٍ إِنْ وَصَلَ وقَرَأَ) هكذا في بعض النسخ بزيادة (وقرأ) أي: وقرأه المحلوف عليه بلسانه، وبهذا يكون مطابقاً لمفهوم قوله: (لا قراءته بقلبه) أي لا قراءة المحلوف عليه بقلبه دون لسانه، وهكذا جاء عن أشهب أن الكتاب إذا وصل إلى المحلوف عليه فقرأه بقلبه ولَمْ يقرأه بلسانه فلا يحنث، واحتجّ على ذلك بأن من حلف أن لا يقرأ فقرأ بقلبه، لَمْ يحنث. قال ابن عبد السلام: والظاهر أنه يحنث إذا قرأ الكتاب بقلبه؛ لأن المقصود من ترك المقاطعة قد حصل كما لو تلفّظ بقراءته. وقال ابن حبيب: إن وصل الكتاب إلى المحلوف عليه فقرأ عنوانه حنث، فإن لَمْ يقرأه وأقام عنده سنين لَمْ يحنث. اللخمي: ولا وجه لهذا؛ لأنه إنما يحنث بالمكاتبة؛ لأنها ضربٌ من المواصلة يرفع بعض المقاطعة؛ فلذلك يقع بنفس وصول الكتاب إلى المحلوف عليه، وإن لَمْ يقرأه. قال شيخ شيوخنا الفقيه النظار أبو القاسم التازغدري: فقول أشهب المتقدّم أبعد من هذا وأحرى بالاعتراض، وفي " التوضيح " وإذا كان الظاهر عند اللخمي الحنث بأخذ ¬
الكتاب وإن لَمْ يقرأه فلأن (¬1) يكون الحنث في مسألة أشهب فيما [إذا] (¬2) قرأه بقلبه أولى (¬3)، فلو اقتصر المصنف على قوله: (وبكتابٍ إن وصل)، وأسقط ذكر القراءة بالقلب واللسان؛ لكان أسعد بظاهر " المدونة " وأجرى مع اختيار أهل النظر، ونصّ ما في النوادر وكتاب ابن يونس قال أشهب: وإن ارتجع الكتاب بعد أن وصل إلى الرجل وقرأ منه بقلبه ولَمْ يقرأه بلسانه فلا شيء عليه (¬4). ففهمه الأئمة (¬5) كابن عبد السلام وابن عرفة والمصنف على أن المحلوف عليه هو الذي قرأه كما تقدّم، ولا يصحّ إلا هذا، ولا يلتفت لمن ردّه للحالف الذي كتبه؛ لأن ذلك لو كان يعتبر لحنث بنفس كتبه إذا ذاك قراءة بقلبه. أَوْ رَسُولٍ، فِي لا أُكَلِّمُهُ، ولَمْ يِنْوِ فِي الْكِتَابِ فِي الْعِتْقِ والطَّلاقِ، وبِالإِشَارَةِ لَهُ، وبِكَلامِهِ ولَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ، لا بِقِرَاءَتِهِ بِقَلْبِهِ. قوله: (أَوْ رَسُولٍ) يريد إن بلّغه الكلام (¬6) قال أبو الحسن الصغير: فلو لَمْ يبلغه الرسول لَمْ يحنث، إلا أن يسمعه المحلوف عليه حين أمره، فيحنث. ولا قَرَأَة أحد عَلَيْهِ بِلا إِذْنٍ، ولا بِسَلامِهِ عَلَيْهِ بِصَلاةٍ، ولا كِتَابِة الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ولَوْ قَرَأَ عَلَى الأَصْوَبِ والْمُخْتَارِ، وبِسَلامِهِ عَلَيْهِ مُعْتَقِداً أَنَّهُ غَيْرُهُ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ إِلا أَنْ يُحَاشِيهِ، وبِفَتْحٍ عَلَيْهِ، وبِلَا عِلْمِ إِذْنِهِ فِي لَا تَخْرُجِي (¬7) إلَّا بِإِذْنِي. قوله: (ولا قَرَأَة أحد عَلَيْهِ بِلا إِذْنٍ) الأقرب أن يحمل (¬8) على ما إذا كان الحالف لما كتب الكتاب بدا له فأمسكه أو رماه أو نهى حامله عن إيصاله للمحلوف عليه فقرأه شخص على المحلوف عليه من غير (¬9) إذن الحالف فإن الحالف لا يحنث. ¬
وقد نقل في النوادر ما يشبهها فقال: ولو قال الحالف للرسول اقطع كتابي ولا تقرأه أو رده إليّ فعصاه وأعطاه للمحلوف عليه فقرأه (¬1) فلا يحنث كما لو رماه راجعاً عنه بعد أن كتبه فقرأه المحلوف عليه. انتهى فمسألتنا أحرى. وبِعَدَمِ إِعْلامِهِ فِي لأُعْلِمَنَّهُ، وإِنْ بِرَسُولٍ، وهَلْ إِلا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَلِمَ تَأْوِيلانِ. أَوْ إِعْلامِ (¬2) وَالٍ ثَانٍ فِي حَلِفِهِ لأَوَّلَ فِي نَظَرٍ، وبِمَرْهُونٍ فِي لا ثَوْبَ لِي وبِالْهِبَةِ والصَّدَقَةِ فِي لا أَعَارَهُ، وبِالْعَكْسِ، ونُوِّيَ، إِلا فِي صَدَقَةٍ عَنْ هِبَةٍ، وبِبَقَاءٍ ولَوْ [27 / أ] لَيْلاً فِي لا سَكَنْتُ، لا فِي لأَنْتَقِلَنَّ، ولا بِخَزْنٍ. قوله: (وَبِعَدَمِ إِعْلامِهِ) كذا هو الصواب بمصدر الرباعي، وكذا قوله: (وإعلام (¬3) وال ثان). وَانْتَقَلَ فِي لا سَاكَنَهُ عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ. قوله: (وانْتَقَلَ فِي لا سَاكَنَهُ عَمَّا كَانَا) أي: فإن كانا في بلد وظهر أنه قصد الانتقال عنه وجب عليه ذلك وإن كان معه في قرية فكذلك أَيْضاً، وإن كان في حارة (¬4) انتقل عنها [38 / أ] وكذا الدار والبيت، وهذا معنى ما في " المدوّنة " وغيرها (¬5)، وهو مما نظر فيه إلى المقاصد والسبب المحرك لليمين، وقاله ابن بشير. ¬
أَوْ ضَرَبَا جِدَاراً، ولَوْ جَرِيداً بِهَذِهِ الدَّارِ، وبِالزِّيَارَةِ إِنْ قَصَدَ التَّنَحِّيَ، لا لِدُخُولِ عِيَالٍ، إِنْ لَمْ يُكْثِرْهَا نَهَاراً، ومَبِيتٍ بِلا مَرَضٍ وسَافَرَ الْقَصْرَ فِي لأُسَافِرَنَّ ومَكَثَ نِصْفَ شَهْرٍ ونُدِبَ كَمَالُهُ، كَأَنْتَقِلَنَّ ولَوْ بِإِبْقَاءِ رَحْلِهِ لا بِكَمِسْمَارٍ، وهَلْ إِنْ نَوَى عَدَمَ عَوْدِهِ لَهُ؟ تَرَدُّدٌ وبِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ، أَوْ عَيْبِهِ بَعْدَ الأَجَلِ، وبِبَيْعٍ فَاسِدٍ فَاتَ قَبْلَهُ، إِنْ لَمْ تَفِ، كَأَنْ لَمْ يَفُتْ، عَلَى الْمُخْتَارِ. وبِهِبَةٍ لَهُ، أَوْ دَفْعِ قَرِيبٍ عَنْهُ، وإِنْ مِنْ مَالِهِ، أَوْ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ بِالْقَضَاءِ إِلا بِدَفْعِهِ، ثُمَّ أَخْذِهِ لا إِنْ جُنَّ، ودَفْعَ الْحَاكِمُ، وإِنْ لَمْ يَدْفَعْ فَقَوْلانِ. وبِعَدَمِ قَضَاءٍ فِي غَدٍ، فِي لأَقْضِيَنَّكَ غَداً يَوْمَ الْجُمْعَةِ، ولَيْسَ هُوَ لا إِنْ قَضَى قَبْلَهُ، بِخِلافِ لآكُلَنَّهُ، ولا إِنْ بَاعَهُ بِهِ عَرْضاً. قوله: (أَوْ ضَرَبَا جِدَاراً، ولَوْ جَرِيداً بِهَذِهِ الدَّارِ) عطفه بأو تنبيهاً على أنهما إذا كانا ساكنين في دار فالحالف مخير في الانتقال وضرب الجدار، وهذا قول ابن القاسم في " المدوّنة " (¬1)، وأما مالك فكره الجدار فيها وأشار بلو لخلافين: أحدهما: الخلاف في الحاجز إذا لَمْ يكن بناءً وثيقاً بالحجر ونحوه بل كان من جريد النخل وشبهه. والثاني: الخلاف في إجزاء الحاجز إذا عين الدار فقال: بهذه الدار مثلاً كما تلفظ به المصنف. أما الأول فبالجريد فسّر ابن محرز " المدوّنة " خلافاً لابن الماجشون وابن حبيب. وأما الثاني فقال ابن عرفة والمصنف: ظاهر قوله في " المدونة " سماها أم لا (¬2). إجزاء الحاجز في المعينة، وهو خلاف قول ابن رشد في سماع أصبغ: لو عيّن الدار لم يبر بالجدار (¬3). وقد سبقهما لهذا أبو الحسن الصغير وزاد: إذ المساكنة التي هي مفاعلة يزيلها الجدار بخلاف السكنى. وبالله تعالى التوفيق. ¬
وَبَرَّ إِنْ غَابَ بِقَضَاءِ وَكِيلِ تَقَاضٍ، أَوْ مُفَوَّضٍ، وهَلْ ثَمَّ وَكِيلُ ضَيْعَةٍ أَوْ إِنْ عُدِمَ الْحَاكِمُ وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ تَأْوِيلانِ. وبَرِئَ فِي الْحَاكِمِ إَنْ لَمْ يُحَقِّقْ جَوْرَهُ، وإِلا بَرَّ كَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُمْ، ولَهُ يَوْمٌ ولَيْلَةٌ، فِي رَأْسِ الشَّهْرِ، أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ، أَوْ إِذَا اسْتَهَلَّ أَوْ إِلَى رَمَضَانَ، أَوْ لاسْتِهْلالِهِ شَعْبَانُ، وبِجَعْلِ ثَوْبٍ قِبَاءً، أَوْ عِمَامَةً فِي لا أَلْبَسُهُ، لا إِنْ كَرِهَهُ لِضِيقِهِ، [وَلا وَضَعَهُ عَلَى فَرْجِهِ] (¬1)، وبِدُخُولِهِ مِنْ بَابٍ غُيِّرَ، فِي لا أَدْخُلُهُ إِنْ لَمْ يَكْرَهْ ضِيقَهُ، وبِقِيَامٍ علَىَ ظَهْرِهِ، وبِمُكْتَرى فِي لا أَدْخُلُ لِفُلانٍ [بَيْتاً] (¬2)، وبِأَكْلٍ مِنْ وَلَدٍ دَفَعَ لَهُ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ، وإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وبِالْكَلامِ أَبَداً، فِي لا أُكَلِّمُهُ الأَيَّامَ، أَوِ الشُّهُورَ، وثَلاثَةً فِي كَأَيَّامٍ. قوله: (وبَرَّ إِنْ غَابَ بِقَضَاءِ وَكِيلِ تَقَاضٍ، أَوْ مُفَوَّضٍ (¬3)) هكذا في أكثر النسخ وهو اللائق بجر مفوض (¬4). وهَلْ كَذَلِكَ فِي لأَهْجُرَنَّهُ، أَوْ شَهْرٍ؟ قَوْلانِ. وسَنَةٌ فِي حِينٍ، وزَمَنٍ، وعَصْرٍ، ودَهْرٍ، وبِمَا يُفْسَخُ، أَوْ بِغَيْرِ نِسَائِهِ، فِي لأَتَزَوَّجَنَّ، وبِضَمَانِ الْوَجْهِ، فِي لا أَتَكَفَّلُ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَدَمَ الْغُرْمِ، وبِهِ لِوَكِيلٍ، فِي لا أَضْمَنُ لَهُ إِنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ، وهَلْ إِنْ عَلِمَ تَأْوِيلانِ. وبِقَوْلِهِ، مَا ظَنَنْتُهُ قَالَهُ لِغَيْرِي لِمُخْبِرٍ، فِي لَيُسِرَّنَّهُ، وبِاذْهَبِي الآنَ إِثْرَ: لا كَلَّمْتُكِ، حَتَّى تَفْعَلِي، ولَيْسَ قَوْلُهُ لا أُبَالِي، بَدْءاً لِقَوْلِ آخَرَ، لا أُكَلِّمُكَ حَتَّى تَبْتَدِئَنِي، وبِالإِقَالَةِ، فِي: لا تَرَكَ مِنْ حَقَّهِ شَيْئاً إِنْ لَمْ تَفِ، لا إِنْ أَخَّرَ الثَّمَنَ عَلَى الْمُخْتَارِ، ولا إِنْ دَفَنَ مَالاً ولَمْ يَجِدْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَكَانَهُ فِي أَخَذْته. قوله: (وهَلْ كَذَلِكَ فِي لأَهْجُرَنَّهُ، أَوْ شَهْرٍ قَوْلانِ) أي: إذا حلف ليهجرنه، وأطلق فقيل: تكفيه ثلاثة أيام، وقيل: شهر. وَبِتَرْكِهَا عَالِماً فِي لا خَرَجْتِ إِلا بِإِذْنِي. قوله: (وبِتَرْكِهَا عَالِماً فِي لا خَرَجْتِ إِلا بِإِذْنِي) أي: [إذا حلف لها لا خرجت إلا ¬
بإذني] (¬1) فرآها تحتفل للخروج فتركها؛ فإنه يحنث، ولا يكون تركها مع العلم إذناً. قاله اللخمي ونصّه: " وإن قال لا خرجت إلّا بإذني فرآها تخرج فلم يمنعها حنث على مراعاة الألفاظ إلّا أن تكون له نية ". لا إِنْ أَذِنَ لأَمْرٍ فَزَادَتْ بِلا عِلْمٍ، وبِعَوْدِهِ لَهَا بَعْدُ بِمِلْكِ آخَرَ فِي: لا سَكَنْتِ هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ دَارَ فُلانٍ هَذِهِ، إِنْ لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ لَهُ، لا دَارَ فُلانٍ، ولا إِنْ خَرِبَتْ وصَارَتْ طَرِيقاً إِنْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ، وفِي لا بَاعَ مِنْهُ، أَوْ لَهُ بِالْوَكِيلِ إِنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ، وإِنْ قَالَ حِينَ الْبَيْعِ أَنَا حَلَفْتُ فَقَالَ هُوَ لِي ثُمَّ صَحَّ أَنَّهُ [27 / ب] ابْتَاعَ لَهُ حَنِثَ ولَزِمَ الْبَيْعُ، وأَجْزَأَ تَأْخِيرُ الْوَارِثِ فِي إِلا أَنْ تُؤَخِّرَنِي. قوله: (ولا إِنْ خَرِبَتْ وصَارَتْ طَرِيقاً إِنْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ) أي: إن لَمْ يأمر الحالف بتخريبها حتى صارت طريقاً، هذا هو المتبادر من لفظه، على أنّا لَمْ نقف عليه هكذا لغيره؛ وإنما ذكر هذا في " المدونة "، فيمن دخلها مكرهاً بعدما بنيت فقال: " وإن حلف أن لا يدخل هذه الدار فتهدمت وخربت حتى صارت طريقاً فدخلها لَمْ يحنث، فإن بنيت بعد ذلك فلا يدخلها وإن دخلها مكرهاً لَمْ يحنث [إلّا أن يأمرهم بذلك فيحنث. (¬2) ويحتمل أن يكون المصنف فهم أن معنى ما في " المدوّنة "] (¬3): إلا أن يأمرهم بالهدم والتخريب وفيه بعد. والله تعالى أعلم. لا فِي دُخُولِ دَارٍ وتَأْخِيرِ وَصِيٍّ بِالنَّظَرِ ولا دَيْنَ، وتَأْخِيرُ غَرِيمٍ إِنْ أَحَاطَ وأَبْرَأَ، وفِي بِرِّهِ فِي لأَطَأَنَّهَا فَوَطِئَهَا حَائِضاً، وفِي لَتَأْكُلَنَّهَا فَخَطَفَتْهَا هِرَّةٌ فَشَقَّ جَوْفَهَا وأُكِلَتْ. قوله: (لا فِي دُخُولِ دَارٍ) أشار به لقوله في " المدوّنة ": وإن حلف بطلاق أو غيره أن لا يدخل دار زيد أو لا يقضيه حقّه إلا بإذن محمد فمات محمد لَمْ يجزه إذن وارثه إذ ليس بحق يورث فإن دخل أو قضاه حنث (¬4). ¬
فصل في النذر
أَوْ بَعْدَ فَسَادِهَا قَوْلانِ. قوله: (أَوْ بَعْدَ فَسَادِهَا) ليس من تمام مسألة الهرة؛ وإنما هي مسألة ثالثة في أكل الطعام المحلوف على أكله بعد فساده، والقَوْلانِ فيها عن ابن القاسم في رسم إن أمكنني من سماع عيسى، وذكر اللخمي فيها عن مالك: الحنث، وعن سحنون: البر، واختار الحنث لوجهين: أحدهما: حمله على العادة، والعادة أن يؤكل غير فاسد. والثاني: أنه إذا فسد ذهب بعضه، ومن حلف على شيءٍ ليأكلنه لَمْ يبر إلا بأكل جميعه، فإن كان خبزاً رطباً فيبس فذلك أخف؛ لأن جميعه موجود. إِلا أَنْ تَتَوَانَى، وفِيهَا الْحِنْثُ بِأَحَدِهِمَا فِي لا كَسَوْتُهُمَا ونِيَّتُهُ الْجَمْعُ واسْتُشْكِلَ. قوله: (إِلا أَنْ تَتَوَانَى) أي إلا أن تتراخى المرأة في قبولها من الزوج حتى خطفتها الهرة. قال في سماع أبي زيد من كتاب: الأيمان بالطلاق: وإن توانت قدر ما لو أرادت أن تأخذها وتحرزها دون الهرة فعلت فهو حانث (¬1). [فصل في النذر] النَّذْرُ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ كُلِّفَ ولَوْ غَضْبَانَ، وإِنْ قَالَ إِلا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى خَيْراً مِنْهُ، بِخِلافِ إِنْ شَاءَ فُلانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ، وإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ كَللهِ عَلَيَّ، أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ، ونُدِبَ الْمُطْلَقُ، وكُرِهَ الْمُكَرَّرُ وفِي كُرْهِ الْمُعَلَّقِ تَرَدُّدٌ، ولَزِمَ الْبَدَنَةُ بِنَذْرِهَا فَإِنْ عَجَزَ فَبَقَرَةٌ ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ لا غَيْرُ، وصِيَامٌ بِثَغْرٍ، وثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ إِلا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ بِمَا لِي فِي كَسَبِيلِ اللهِ وهُوَ الْجِهَادُ، والرِّبَاطُ بِمَحَلٍّ خِيفَ وأُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ إِلا لِتَصَدُّقِهِ بِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْجَمِيعُ، وكَرَّرَ إِنْ أَخْرَجَ، وإِلا فقَوْلانِ. قوله: (إِلا لِتَصَدُّقِهِ بِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْجَمِيعُ) الضمير في به للمال، وهذا الفرع في " النوادر " و " النكت "، ولهما عزاه أبو الحسن الصغير وتبعه في " التوضيح "، وفي بعض النسخ: (كتصدق) بالكاف فيدخل تحت الكاف من نذر صدقة ماله، فظنّ لزوم جميعه، ¬
فأخرجه، ثم أراد الرجوع في ثلثيه، بعد صيرورته بيد الغير، فهو شبه التصدق على معين من هذا الوجه، وهذا الفرع وإن لَمْ يكن مذكوراً في مشاهير الكتب فعليه حمل ابن راشد قول ابن الحاجب: فلو أخرجه ففي مضيه قَوْلانِ (¬1)، وعضده في " التوضيح " بأنه المأخوذ من كلام ابن بشير. انتهى (¬2). ولفظ ابن بشير: " اختلف المذهب فيمن تصدق بجميع ماله، هل يمضي فعله أم لا؟ ثم قال بعد كلام: " ... وإنما الخلاف المتقدم إذا أخرج جميعه هل يمضي فعله أم لا "؟، وحمله ابن عرفة على الصدقة [38 / ب] المجردة من النذر واليمين، وبه فسّر ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب، وليس هذا شبه المعين في الصورة فلا يندرج تحت الكاف. وَمَا سَمَّى وإِنْ مُعَيَّناً أَتَى عَلَى الْجَمِيعِ، وبَعْثُ فَرَسٍ وسِلاحٍ لِمَحَلِّهِ إَنْ وَصَلَ وإِنْ لَمْ يَصِلْ بِيعَ وعُوِّضَ كَهَدْيٍ ولَوْ مَعِيباً عَلَى الأَصَحِّ، ولَهُ فِيهِ إِذَا بِيعَ الإِبْدَالُ بِالأَفْضَلِ، وإِنْ كَانَ كَثَوْبٍ بِيعَ. قوله: (وَمَا سَمَّى وإِنْ مُعَيَّناً أَتَى عَلَى الْجَمِيعِ) (مَا سَمَّى) معطوف على فاعل (لَزِمَ) وجملة (أَتَى عَلَى الْجَمِيعِ) صفة لمعين، وجعل المعين غاية؛ لأنه الذي يمكن إتيانه على الجميع، فالجزء ولو كثر كتسعة أعشار أحرى. وكُرِهَ بَعْثُهُ وأُهْدِيَ بِهِ، فَإِنْ عَجِزَ عُوِّضَ الأَدْنَى، ثُمَّ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُصْرَفُ فِيهَا إِنْ احْتَاجَتْ، وإِلا تُصُدِّقَ بِهِ، وأَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ لأَنَّهُ وِلايَةٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ والْمَشْيُ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ ولَوْ لِصَلاةٍ وخَرَجَ مَنْ بِهَا وأَتَى بِعُمْرَةٍ كَمَكَّةَ، أَوِ الْبَيْتِ، أَوْ جُزْئِهِ لا غَيْرُ، إِنْ لَمْ يَنْوِ نُسُكاً مِنْ حَيْثُ نَوَى، وإِلا حَلَفَ أَوْ مِثْلِهِ إِنْ حَنَثَ بِهِ، وتَعَيَّنَ مَحَلٌّ اعْتِيدَ ورَكِبَ فِي الْمَنْهَلِ، ولِحَاجَةٍ كَطَرِيقٍ قُرْبَى اعْتِيدَتْ، وبَحْراً اضْطُرَّ لَهُ، لا اعْتِيدَ عَلَى الأَرْجَحِ، لِتَمَامِ الإِفَاضَةِ وسَعْيِهَا. قوله: (وأُهْدِيَ بِهِ) مبني لما لَمْ يسم فاعله، فهو أعم من أن يفعل ذلك ربّ الثوب أو غيره. ¬
وهَلْ اخْتُلِفَ هَلْ يُقَوِّمُهُ أَوّلا (¬1) نَدْباً، أَوِ التَّقْوِيمِ إِذَا كَانَ بِيَمِينٍ؟ تَأْوِيلاتٌ. قوله: (وهَلْ اخْتُلِفَ هَلْ يُقَوِّمُهُ أَوّلا نَدْباً، أَوِ التَّقْوِيمِ إِذَا كَانَ بِيَمِينٍ؟ تَأْوِيلاتٌ) كلام معقد كرَّر فيه هل مرتين، قابل كل واحدة منهما بأو العاطفة ولا النافية، على طريق التلفيف كأنه قال: وهل اختلف أم لا؟، فقيل له: في أي شيءٍ يختلف؟ فقال: هل يقومه على نقد نفسه أم لا؟، فقيل له: إذا قلنا بترك التقويم فعلى أيّ وجه؟ فقال: ندباً، ثم كمل بالتأويل الثالث. فقال: أو التقويم إن كان بيمين. هذا ما انقدح لي في تمشيته ولعلّك ينقدح لك أجلى منه (¬2). على أن استعمال (أو) معادلة لـ (هل) فيه ما فيه عند أهل اللسان، إلا أنه شائع بين الفقهاء، وهذا المختصر مشحون به، وبعد فهمك اللفظ لا يخفاك تنزيل كلام الشيوخ عليه، وما جرى في عبارة الشارح من قوله: (هل يجوز أن يقومه على نفسه ابتداءً)؟ يقتضي أنه يضبط (أوّلاً) الأول بتشديد الواو ظرفاً؛ لتفسيره إياه بقوله: (ابتداءً). والله سبحانه أعلم. ورَجِعَ وأَهْدَى إِنْ رَكِبَ كَثِيراً بِحَسَبِ الْمَسَافَةِ، أَوِ الْمَنَاسِكَ والإِفَاضَةِ نَحْوَ الْمِصْري قَابِلاْ فَيَمْشِي مَا رَكِبَ فِي مِثْلِ الْمُعَيَّنِ، وإِلا فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ إِنْ ظَنَّ أَوَّلاً الْقُدْرَةَ، وإِلا مَشَى مَقْدُورَهُ. قوله: (نَحْوَ الْمِصْري) هو فاعل رجع. ورَكِبَ وأَهْدَى فَقَطْ كَأَنْ قَلَّ ولَوْ قَادِراً كَالإِفَاضَةِ فَقَطْ. قوله: (كَالإِفَاضَةِ فَقَطْ) كذا ذكر في " المدونة " أنه إذا مشى في حجّه كله وركب في الإفاضة فقط لَمْ يعد ثانية وأهدى (¬3) قال ابن محرز معنى: قوله: " وركب في الإفاضة ": ¬
ركب في رجوعه من منى إلى مكة [أبو الحسن الصغير: أي في سيره إلى الإفاضة من منى إلى مكة] (¬1). وكَعَامٍ عُيِّنَ، ولْيَقْضِهِ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ. قوله: (ولْيَقْضِهِ) لماّ ذكر أن من ركب في العام المعين لا يرجع، بيّن أن من لَمْ يمش فيه أو مشي وتراخى حتى فاته لابد له من قضائه، يريد إذا فاته لغير عذر. قال ابن بشير: إن أطال في الطريق حتى جاوزه العام المعين فقد أثم في التأخير، ويلزمه القضاء على أصل المذهب. قال ابن عرفة: ومقابل المعروف في قول ابن الحاجب: على المعروف (¬2)، لا أعرفه، وتركه لنسيان أو عذر كالصوم والاعتكاف كذلك. وكَإِفْرِيقِيٍّ وكَأَنْ فَرَّقَهُ ولَوْ بِلا عُذْرٍ، وفِي لُزُومِ الْجَمِيعِ بِمَشْيِ عَقَبَةٍ ورُكُوبِ أُخْرَى تَأْوِيلانِ. قوله: (وكَإِفْرِيقِيٍّ) بالواو عطفاً على قوله: (كَأَنْ قَلَّ (¬3))، فهي إحدى النظائر التي يجب فيها الهدي بلا رجوع. وَالْهَدْيُ وَاجِبٌ إِلا فِيمَنْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ فَنَدْبٌ، ولَوْ مَشَى الْجَمِيعُ ولَوْ [28 / أ] أَفْسَدَ أَتَمَّهُ ومَشَى فِي قَضَائِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وإِنْ فَاتَهُ جَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ ورَكِبَ فِي قَضَائِهِ، وإِنْ حَجَّ نَاوِياً نَذْرَهُ وفَرْضَهُ مُفْرِداً أَوْ قَارِناً أَجْزَأَ عَنِ النَّذْرِ، وهَلْ إِنْ لَمْ يَنْذُرْ حَجَّاً؟ تَأْوِيلانِ، وعَلَى الضَّرُورَةِ جَعْلُهُ فِي عُمْرَةٍ ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْفَوْرِ. قوله: (والْهَدْيُ وَاجِبٌ إِلا فِيمَنْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ فَنَدْبٌ (¬4)) أي: والهدي المذكور واجب سواءً كان مما يجب معه الرجوع، أو مما لا يجب معه الرجوع إلّا فيمن شهد المناسك راكباً فإنه مندوب. قال ابن يونس: في هذا قال ابن المَوَّاز: قال مالك: ويهدي أحبّ إليّ ¬
من غير إيجاب، ولَمْ يره في الهدي (¬1) مثل من عجز في الطريق. ابن يونس: يريد عجزاً يوجب عليه العودة فيه أم لا. قال ابن القاسم: لأن بعض الناس لَمْ يوجب عليه العودة في المشي إذا بلغ مكة وطاف، ورأى أن مشيه قد تم، وأرخص له في الركوب إلى عرفة، فلذلك عندي لَمْ يوجب عليه مالك الهدي. وعَجَّلَ الإِحْرَامَ فِي أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ إِنْ قَيَّدَ بِيَوْمِ كَذَا. قوله: (وعَجَّلَ الإِحْرَامَ فِي أَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ إِنْ قَيَّدَ بِيَوْمِ كَذَا) هذا شامل للحجّ والعمرة. كَالْعُمْرَةِ مُطْلَقاً، إِنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً لا الْحَجِّ والْمَشْيِ فَلأَشْهُرِهِ إِنْ وَصَلَ. قوله: (كَالْعُمْرَةِ مُطْلَقاً) مراده بالإطلاق ضد التقييد؛ لاندراج المقيدة فيما قبل، فلو قال: مطلقة لكان أبين، وربما صح كسر اللام من قوله: (مطلِقاً) على أنه حال (¬2) من مضاف محذوف، أي كناذر العمرة حال كونه مطلقاً غير مقيد، وبهذا تعلم أن قوله: لا الحج خاص بالمطلق دون المقيد، وأن كلامه قد اشتمل على أربع صور: حج وعمرة مقيّدان، وحج وعمرة مطلقان. وإِلا فَمِنْ حَيْثُ يَصِلُ عَلَى الأَظْهَرِ. قوله: (وإِلا فَمِنْ حَيْثُ يَصِلُ عَلَى الأَظْهَرِ) لَمْ أقف عليه لابن رشد، بل لابن يونس ومثله لابن عبد السلام إذ قال: قيّد قوله في " المدونة ": لا يلزمه إحرام الحجّ إلّا في أشهر الحج (¬3) بما إذا أمكن وصوله إلى مكة من موضع الحلف، إن خرج في أشهر الحج، فهذا هو الذي له التأخير بالإحرام، وأما إذا كان لا يصل إلى مكة إذا خرج من موضع الحلف، فهذا يجب عليه الخروج قبل أشهر [الحج] (¬4)، ثم اختلف هل يخرج محرماً قبل أشهر الحج أو يخرج حلالاً؟ [39 / أ] فإذا دخلت عليه أشهر الحج أحرم سواء وصل إلي الميقات أم لا. ¬
والأول هو مذهب [ابن] (¬1) أبي زيد، والثاني مذهب ابن القابسي (¬2)، والظاهر مذهب أبي محمد؛ لأن المنذور هو الإحرام بالعمرة أو الحجّ لا الخروج إليهما، فإذا وجب تعجيل المنذور وجب تعجيل الإحرام. وَلا يَلْزَمُ فِي مَالِي فِي الْكَعْبَةِ، أَوْ بَابِهَا. قوله: (ولا يَلْزَمُ فِي مَالِي فِي الْكَعْبَةِ، أَوْ بَابِهَا) فاعل يلزم ضمير يعود على النذر معلقاً وغير معلق، ويأتي التفصيل في التي بعدها. أَوْ كُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ. قوله: (أَوْ كُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ) [أي: وكذا لا يلزمه شيء إذا قال مثلاً: كل مال أكتسبه] (¬3) صدقة إن كلّمت فلاناً. قال ابن رشد في رسم إن أمكنني من سماع عيسى: إذا حلف بصدقة ما يفيده أو يكسبه أبداً فلا شيء عليه باتفاق، وفي حلفه بصدقة ما يفيده أو يكسبه إلى مدة ما أو في بلدٍ ما قَوْلانِ. وأما إذا قال كلّ مال أملكه إلى كذا صدقة إن فعلت كذا، ففيه خمسة أقوال؛ من أجل أن لفظة أملك تصلح للحال والاستقبال، فعلى تخليصه للاستقبال قَوْلانِ: أحدهما: لا شيء عليه. والثاني: يلزمه إخراج جميع ما يملك إلى ذلك الأجل. وعلى حمله على الحال والاستقبال معاً ثلاثة أقوال: أحدها: يلزمه إخراج ثلثه الساعة (¬4)، وجميع ما يفيده إلى الأجل (¬5). والثاني: ثلثهما. والثالث: ثلث ماله الساعة فقط، وهذا كله في اليمين. [وأما إذا نذر أن يتصدق بجميع ما يفيده أبداً فيلزمه أن يتصدق بثلث ذلك قولاً] (¬6) واحداً، وأما إذا نذر أن يتصدق بجميع ما يفيده إلى أجل أو في بلد لزمه إخراج جميع ذلك ¬
قولاً واحداً؛ لقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91]، {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة: 75]، {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7]، وقوله - عليه السلام -: " من نذر أن يطيع الله فليطعه " (¬1) وإن كان لَمْ ينص في " المدونة " وغيرها على التفرقة في هذا بين النذر واليمين؛ فالوجه عندي حمل هذه المسائل على اليمين دون النذر، وإنما يستويان في صدقة الرجل بجميع ما يملك من المال؛ لقوله عليه السلام لأبي لبابة وقد نذر أن ينخلع من جميع ماله: " يجزيك الثلث من جميع ذلك " (¬2). انتهى مختصراً (¬3). وقد قبله ابن عبد السلام وابن عرفة، وبه يفسر كلام المصنف هنا. أَوْ هَدْيٌ لِغَيْرِ مَكَّةَ. قوله: (أَوْ هَدْيٌ لِغَيْرِ مَكَّةَ) ما للمدونة فيه واللخمي وابن عبد السلام معروف (¬4). قال ابن عرفة: ونذر شيء لميت صالح معظم في نفس الناذر لا أعرف فيه نصاً، وأرى إن قصد مجرد كون الثواب للميت تصدق به بموضع الناذر، وإن قصد الفقراء الملازمين لقبره أو زاويته تعيّن لهم إن أمكن وصوله لهم. أَوْ مَالُ غَيْرٍ، إِنْ لَمْ يُرِدْ إِنْ مَلَكَهُ، أَوْ عَلَيَّ نَحْرُ فُلانٍ ولَوْ قَرِيباً، إِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالْهَدْيِ، أَوْ يُنَوِّهُ أَوْ يَذْكُرْ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ، والأَحَبُّ حِينَئِذٍ كَنَذْرِ الْهَدْيِ بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ كَنَذْرِ الْحَفَاءِ أَوْ حَمْلَ فُلانٍ إِنْ نَوَى التَّعَبَ، وإِلا رَكِبَ وحَجَّ بِهِ بِلا هَدْيٍ، وأَلْغَى عَلَيَّ الْمَسِيرُ، والذِّهَابُ، والرُّكُوبُ لِمَكَّةَ، ومُطْلَقُ الْمَشْيِ ومَشْيٌ لِمَسْجِدٍ، وإِنْ لاعْتِكَافٍ، إِلا لِقَرِيبٍ جِدَّاً فقَوْلانِ تَحْتَمِلُهُمَا ومَشْيٌ لِلْمَدِينَةِ، أَوْ إِيلْيَاءَ إِنْ لَمْ يَنْوِ صَلاةً بِمَسْجِدِهِمَا، أَوْ يُسَمِّهِمَا، فَيَرْكَبُ. وهَلْ إِنْ كَانَ بِبَعْضِهَا، أَوْ إِلا لِكَوْنِهِ بِأَفْضَلَ؟ خِلافٌ، والْمَدِينَةُ أَفْضَلُ ثُمَّ مَكْةُ. ¬
باب الجهاد
[باب الجهاد] الْجِهَادُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ كُلَّ سَنَةٍ، وإِنْ خَافَ مُحَارِباً. قوله: (وإِنْ خَافَ مُحَارِباً) أي: فلا يسقط بالخوف من المتلصصين. قال في " الجواهر " بعدما ذكر مسقطات الوجوب: ولا يسقط بالخوف في الطريق من المتلصصين؛ لأن قتالهم أهم. قال الشيخ أبو إسحاق يعني ابن شعبان وقطعة الطريق ومخيفوا السبيل أحقّ بالجهاد من الروم. أي: فإذا كان قتالهم نفس الجهاد لَمْ يتصور أن يعد مسقطاً له لأنه بقتالهم يؤدي ما وجب عليه (¬1) من الجهاد (¬2)، ونسج المصنف هنا على منوال الشيخ عبد الغفار القزويني الشافعي إذ قال في كتابه " الحاوي في الفتاوي ": الجهاد في أهم جهة وإن خاف من المتلصصين كل سنة مرة كزيارة الكعبة فرض كفاية، ثم ذكر النظائر. كَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، ولَوْ مَعَ وَالٍ جَائِرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ ذَكَرٍ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ كَالْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ والْفَتْوَى. قوله: (كَزِيَارَةِ الْكَعْبَةِ) أي: إقامة الموسم، ولعلّه إنما أفرده عن نظائره التي بعدُ؛ تنبيهاً على أنه لا يسقطه خوف المحاربين. والدَّرْءِ (¬3) عن الْمُسْلِمِينَ، والْقَضَاءِ. قوله: (والدَّرْءِ عن الْمُسْلِمِينَ) الدرء مصدر درأ أي دفع، ويكون بالحجج (¬4) وبالسيوف؛ ولذا قال في الحاوي: ودفع الشبه والضرر عن المسلمين. وَالشَّهَادَةِ، والإِمَامَةِ والأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، والْحِرَفِ الْمُهِمَّةِ ورَدِّ السَّلامِ، وتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وفِدَاءِ الأَسِيرِ. قوله: (والشَّهَادَةِ) أي: تحملها وأداؤها. قال في الحاوي: وتحمل الشهادة وأداؤها. ¬
وَتَعَيَّنَ بِفَجْءِ الْعَدُو وإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ، وعَلَى قُرْبِهِمْ إِنْ عَجَزُوا، وبِتَعْيِينِ الإِمَامِ، وسَقَطَ بِمَرَضٍ، وصِبًى، وجُنُونٍ، وعَمًى، وعَرَجٍ، وأُنُوثَةٍ، وعَجْزٍ عَنْ مُحْتَاجٍ لَهُ، ورِقٍّ، ودَيْنٍ حَلَّ. قوله: (وتَعَيَّنَ بِفَجْءِ (¬1) الْعَدُو وإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ) أي تعين على كلّ من أمكنه وإن كان امرأة، والعبد أحرى، وقد نصّ عليهما في " الجواهر " (¬2)، وقبله في " التوضيح "، [39 / ب] وعلى هذا فلا يمتنع أن يكون قوله: (وعلى قربهم) عطفاً على قوله: (على امرأة) فيدخل في الإغياء، ويجوز عطفه على محذوف فلا يكون داخلاً فيه. كَالْوَالِدَيْنِ فِي فَرْضِ كِفَايَةٍ بِبَحْرٍ، أَوْ خَطَرٍ، لا جَدٍّ، والْكَافِرُ كَغَيْرِهِ فِي غَيْرِهِ. قوله: (كَالْوَالِدَيْنِ فِي فَرْضِ كِفَايَةٍ بِبَحْرٍ، أَوْ خَطَرٍ) كذا في النسخ التي وقفنا عليها ولعلّ صوابه كتجر ببحر أوخطر (¬3): بالكاف الداخلة على تجر بالتاء المثناة من فوق والجيم من باب التجارة ثم إن الباء الداخلة على بحر، ضد البر، فيكون موافقاً لقول ابن شاس وللوالدين المنع، وسفر العلم الذي هو فرض عين ليس لهما منعه منه، فإن كان فرض كفاية فليتركه في طاعتهما، ولهما المنع من ركوب البحار والبراري (¬4) المخطرة للتجارة، وحيث لا خطر لا يجوز لهما المنع. ودُعُوا لِلإِسْلامِ، ثُمَّ جِزْيَةٍ بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ. قوله: (بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ) يحتمل الرجوع إلى الجزية (¬5) وإلى الدعوة، وإليهما معاً. ¬
وَبِنَارٍ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا، ولَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ، وإِنْ بِسُفُنٍ، وإِلا قُوتِلُوا وقُتِلُوا، إِلا الْمَرْأَةَ، إِلا فِي مُقَاتَلَتِهَا، والصَّبِيَّ والْمَعْتُوهَ كَشَيْخٍ فَانٍ، وزَمِنٍ، وأَعْمَى، ورَاهِبٍ مُنْعَزِلٍ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ بِلا رَأْيٍ وتُرِكَ لَهُمُ الْكِفَايَةُ فَقَطْ، واسْتَغْفَرَ قَاتِلُهُمْ كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ، وإِنْ حِيزُوا فَقِيمَتُهُمْ، والرَّاهِبُ والرَّاهِبَةُ حُرَّانِ بِقَطْعِ مَاءٍ وآلَةٍ. قوله: (وَبِنَارٍ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهَا، ولَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ، وإِنْ بِسُفُنٍ) لعل هذا الإغياء راجع للمفهوم أي: وإن أمكن غيرها أو كان فيهم مسلم لَمْ يرموا بها، وإن كنا نحن وهم في السفن، وجاء بلفظ سفن مجموعاً تنبيهاً على كون الفريقين في سفن. وبِالْحِصْنِ بِغَيْرِ حَرْقٍ وتَغْرِيقٍ مَعَ ذُرِّيَّةٍ، وإِنْ تَتَرَّسُوا بِذُرِّيَّةٍ تُرِكُوا، إِلا لِخَوْفٍ [28 / ب]، وبِمُسْلِمٍ لَمْ يُقْصَدِ التُّرْسُ، إِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَى أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ وحَرُمَ نَبْلٌ سُمَّ واسْتِعَانَةٌ بِمُشْرِكٍ إِلا لِخِدْمَةٍ، وإِرْسَالُ مُصْحَفٍ لَهُمْ، وسَفَرٌ بِهِ لأَرْضِهِمْ كَامْرَأَةٍ إِلا فِي جَيْشٍ آمِنٍ. قوله: (وبِالْحِصْنِ بِغَيْرِ حَرْقٍ وتَغْرِيقٍ مَعَ ذُرِّيَّةٍ) كأنه عرف الحصن بعدما نكّر السفن تنبيهاً على أن الحصن خارج عن الإغياء. وفِرَارٌ، إِنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ ولَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً إِلا تَحَرُّفاً وتَحَيُّزاً إِنْ خِيفَ والْمُثْلَةُ، وحَمْلُ رَأْسٍ لِبَلَدٍ أَوْ وَالٍ، وخِيَانَةُ أَسِيرٍ ائْتُمِنَ طَائِعاً ولَوْ عَلَى نَفْسِهِ، والْغُلُولُ، وأُدِّبَ إِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ، وجَازَ أَخْذُ مُحْتَاجٍ نَعْلاً، وحِزَاماً، وإِبْرَةً، وطَعَاماً وإِنْ نَعَماً، وعَلَفاً كَثَوْبٍ، وسِلاحٍ، ودَابَّةٍ لِيَرُدَّ، ورَدَّ الْفَضْلَ إِنْ كَثُرَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ، ومَضَتِ الْمُبَادَلَةُ بَيْنَهُمْ، وبِبَلَدِهِمْ إِقَامَةُ الْحَدِّ وتَخْرِيبٌ وقَطْعُ نَخْلٍ، وحَرْقٌ، إِنْ أَنْكَأَ، أَوْ لَمْ تُرْجَ، والظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ كَعَكْسِهِ. قوله: (فِرَارٌ، إِنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ ولَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً) الجملة [الثانية راجعة لمفهوم الأولى، والمعنى: وإن قصر المسلمون عن النصف ولَمْ يبلغوا اثنى عشر ألفاً] (¬1) جاز الفرار، وبهذا يصحّ معنى الكلام. ¬
ووَطْءُ أَسِيرٍ زَوْجَةً، وأَمَةً سَلِمَتَا (¬1)، وذَبْحُ حَيَوَانٍ، وعَرْقَبَتُهُ (¬2) وإِجْهَازٌ عَلَيْهِ، وفِي النَّحْلِ إِنْ كَثُرَتْ ولَمْ يُقْصَدْ عَسَلُهَا رِوَايَتَانِ، وحُرِقَ إِنْ أَكَلُوا الْمَيْتَةَ كَمَتَاعٍ عُجِزَ عَنْ حَمْلِهِ، وجَعْلُ الدِّيوَانِ، وجُعْلٌ مِنْ قَاعِدٍ لِمَنْ يَخْرُجُ عَنْهُ، إَنْ كَانَ بِدِيوَان، ورَفْعُ صَوْت مُرَابِطٍ بِالتَّكْبِيرِ. وكُرِهَ التَّطْرِيبُ، وقُتِلَ عَيْنٌ، وإِنْ أُمِّنَ والْمُسْلِمُ، كَالزِّنْدِيقِ، وقُبُولُ الإِمَامِ هَدِيَّتَهُمْ، وهِيَ لَهُ إِنْ كَانَتْ مِنْ بَعْضٍ لِكَقَرَابَةٍ. قوله: (وَوَطْءُ أَسِيرٍ زَوْجَةً، وأَمَةً سَلِمَتَا) كذا في بعض النسخ (¬3) أي سلمتا من وطئ الحربي. وفَيْءٌ إِنْ كَانَتْ مِنَ الطَّاغِيَةِ، إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بَلَدَهُ. قوله: (وفَيْءٌ إِنْ كَانَتْ مِنَ الطَّاغِيَةِ، إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بَلَدَهُ) [أي والهدية فيء لا تخمّس إن كانت من الطاغية للإمام إن (¬4) لَمْ يدخل] (¬5) الإمام بجيش المسلمين بلد الطاغية، مفهومه: فإن دخله فليست بفيء ولكنها غنيمة تخمّس. وَقِتَالُ نُوبٍ وتُرْكٍ، واحْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ بِقُرْآنٍ وبَعْثُ كِتَابٍ فِيهِ كَالآيَةِ وإِقْدَامُ الرَّجُلِ عَلَى كَثِيرٍ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لِيُظْهِرَ شَجَاعَةً عَلَى الأَظْهَرِ، وانْتِقَالٌ مِنْ مَوْتٍ لآخَرَ، ووَجَبَ إِنْ رَجَا حَيَاةً أَوْ طُولَهَا كَالنَّظَرِ فِي الأَسْرَى بِقَتْلٍ، أَوْ مَنٍّ، أَوْ فِدَاءٍ، أَوْ جِزْيَةٍ، أَوِ اسْتِرْقَاقٍ. ولا يَمْنَعُهُ حَمْلٌ بِمُسْلِمٍ، ورُقَّ إِنْ حَمَلَتْ بِهِ بِكُفْرٍ، والْوَفَاءُ بِمَا فَتَحَ لَنَا بَعْضُهُمْ، وبِأَمَانِ الإِمَامِ مُطْلَقاً كَالْمُبَارِزِ مَعَ قِرْنِهِ، وإِنْ أُعِينَ بِإِذْنِهِ، قُتِلَ مَعَهُ، ولِمَنْ خَرَجَ فِي جَمَاعَةٍ لِمِثْلِهَا، إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرْنِهِ الإِعَانَةُ، وأُجْبِرُوا عَلَى حُكْمِ مَنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، إِنْ كَانَ عَدْلاً وعَرَفَ الْمَصْلَحَةَ، وإِلا نَظَرَ الإِمَامُ كَتَأْمِينِ غَيْرِهِ إِقْلِيماً، وإِلا فَهَلْ يَجُوزُ؟ وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ، أَوْ يُمْضَى مِنْ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ ولَوْ صَغِيراً، أَوْ رِقَّاً أَوِ امْرَأَةً، أَوْ خَارِجاً عَلَى الإِمَامِ لا ذِمِّيَّاً أَوْ خَائِفاً مِنْهُمْ؟ تَأْوِيلانِ. ¬
قوله: (وقِتَالُ نُوبٍ وتُرْكٍ) النوب: الحبشة بضم النون. [قال الجوهري] (¬1): النوب والنوبة جيل (¬2) من السودان، الواحد نوبي. ابن عبد السلام: وحكى ابن شعبان عن مالك: لا تغزى الترك ولا الحبشة لآثارٍ وردت في ذلك لَمْ يخرجها أصحاب الصحيح (¬3)، فمن صحّت عنده خصص بها العمومات الدالة على قتال جميع الكفار، ومن لَمْ تصح عنده أو صحّت ولكن حمل النهي عن قتالهم على الإرشاد إلى أن قتال غيرهم في ذلك الزمان أولى رأى أن قتالهم في هذا الزمان مباح كقتال غيرهم من الكفار. وَسَقَطَ الْقَتْلُ ولَوْ بَعْدَ الْفَتْحِ، بِلَفْظٍ، أَوْ إِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ، إِنْ لَمْ يَضُرَّ. قوله: (بِلَفْظٍ، أَوْ إِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ) متعلق بسقط (¬4). وإِنْ ظَنَّهُ حَرْبِيٌّ فَجَاءَ أَوْ نَهَى النَّاسَ عَنْهُ فَعَصَوْا أَوْ نَسُوا أَوْ جَهِلُوا، أَوْ جَهِلَ إِسْلامَهُ، لا إِمْضَاءَهُ أُمْضِيَ أَوْ رُدَّ لِمَحَلِّهِ، وإِنْ أُخِذَ مُقْبِلاً بِأَرْضِهِمْ، وقَالَ: جِئْتُ أَطْلُبُ الأَمَانَ، أَوْ بِأَرْضِنَا، وقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّكُمْ لا تَعْرِضُونَ لِتَاجِرٍ، أَوْ بَيْنَهُمَا [29 / أ]، رُدَّ لِمَأْمَنِهِ، وإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ، فَعَلَيْهَا، وإِنْ رُدَّ بِرِيحٍ، فَعَلَى أَمَانِهِ حَتَّى يَصِلَ. قوله: (أَوْ جَهِلَ إِسْلامَهُ (¬5)) أي فإن جهل عدم إسلامه (¬6)، وفي بعض النسخ أو ظنّ [إسلامه، وهو أبين] (¬7). ¬
[وَإِنْ مَاتَ عِنْدَنَا، فَمَالُهُ فَيْءٌ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ ولَمْ يَدْخُلْ عَلَى التَّجْهِيزِ، وإِلا أُرْسِلَ مَعَ دِيَّتِهِ لِوَارِثِهِ كَوَدِيعَة (¬1)، وهَلْ وإِنْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ، أَوْ فَيْءٍ قَوْلانِ ولِقَاتِلِهِ إِنْ أُسِرَ ثُمَّ قُتِلَ] (¬2) وَكُرِهَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ اشْتِرَاءُ سِلَعِهِ، وفَاتَتْ بِهِ وبِهِبَتِهِمْ لَهَا، وانْتُزِعَ مَا سُرِقَ، ثُمَّ عِيدَ بِهِ [لِبَلَدِنَا] (¬3) عَلَى الأَظْهَرِ، لا أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ قَدِمُوا بِهِمْ. قوله: (وإِنْ مَاتَ عِنْدَنَا، فَمَالُهُ فَيْءٌ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ ولَمْ يَدْخُلْ عَلَى التَّجْهِيزِ، وإِلا أُرْسِلَ مَعَ دِيَّتِهِ لِوَارِثِهِ كَوَدِيعَة (¬4)، وَهَلْ وإِنْ قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ، أَوْ فَيْءٍ؟ قَوْلانِ، ولِقَاتِلِهِ إِنْ أُسِرَ ثُمَّ قُتِلَ) يقع هذا الكلام في النسخ بتقديم وتأخير على خلاف هذا الترتيب، والصواب ما رسمت لك يظهر بالتأمل (¬5). ومَلَكَ بِإِسْلامِهِ غَيْرَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وفُدِيَتْ أُمُّ الْوَلَدِ، وعُتِقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ سَيِّدِهِ، ومُعْتَقٌ لأَجَلٍ بَعْدَهُ، فَلا يُتَّبَعُونَ بِشَيْءٍ، ولا خَيَارَ لِلْوَارِثِ، وحُدَّ زَانٍ وسَارِقٌ، إِنْ حِيزَ الْمَغْنَمُ. قوله: (ومَلَكَ بِإِسْلامِهِ غَيْرَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) إنما قال: غير الحر المسلم، ولَمْ يقل غيرهم مع [تقدم تقديم] (¬6) ذكر الأحرار المسلمين لئلا يتوهم أنه لا يملكهم إلا إذا قدم بهم، وأن الضمير يعود على الموصوف مخصصاً بصفة [القدوم] (¬7). ¬
ووُقِفَتِ الأَرْضُ كَمِصْرَ، والشَّامِ، والْعِرَاقِ، وخُمِّسَ غَيْرُهَا إِنْ أُوجِفَ عَلَيْهِ، فَخَرَاجُهَا، والْخُمْسُ، والْجِزْيَةُ، لآلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ لِلْمَصَالِحِ، وبُدِئَ بِمَنْ فِيهِمُ الْمَالُ، ونُقِلَ لِلأَحْوَجِ الأَكْثَرِ، ونَفَّلَ مِنْهُ السَّلَبَ لِمَصْلَحَةٍ ولَمْ يَجُزْ إِنْ لَمْ يَنْقَضِ الْقِتَالُ مَنْ قَتَلَ [قَتِيلاً] (¬1) فَلَهُ السَّلَبُ ومَضَى إِنْ لَمْ يُبْطِلْهُ قَبْلَ الْمَغْنَمِ. قوله: (فَخَرَاجُهَا، والْخُمْسُ [وَالْجِزْيَةُ] (¬2) لآلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ثُمَّ لِلْمَصَالِحِ) الأصل في تبدية آله - عليه السلام - ما حكى ابن حبيب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كثر المال دوّن العطاء ديوانا وقال: ابدؤوا بقرابته] (¬3) - صلى الله عليه وسلم - ثم بالأقرب فالأقرب منه حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله، وابدأوا من الأنصار بسعد بن معاذ والأقرب فالأقرب منه فقال العباس: وصلتك رحمٌ يا أمير المؤمنين فقال: يا أبا الفضل لولا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومكانه الذي جعله الله فيه كنّا كغيرنا من العرب إنما تقدّمنا بمكاننا منه، فإن لَمْ نعرف لأهل القرابة منه قرابتهم لَمْ تعرف لنا قرابتنا (¬4). وكان عمر بن عبد العزيز يخصّ ولد فاطمة رضي الله تعالى عنها كل عام باثني عشر ألف دينار سوى [40 / أ] ما يعطي غيرهم من ذوي القربى. وقد أشبع ابن عرفة الكلام في هذا الفصل مع الاختصار. ولِلْمُسْلِمِ فَقَطْ سَلَبٌ اعْتِيدَ، لا سِوَارٌ (¬5)، وصَلِيبٌ، وعَيْنٌ، ودَابَّةٌ. قوله: (لا سِوَارٌ وصَلِيبٌ [وَعَيْنٌ] (¬6) ودَابَّةٌ) لا يريد بدابته فرسه المتخذ للقتال عليه. ¬
وإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، وتَعَدَّدَ، [إِنْ لَمْ يُعَيِّنْ قَاتِلاً] (¬1)، وإِلا فَالأَوَّلُ. قوله: (وتَعَدَّدَ إِنْ لَمْ يُعَيِّنْ قَاتِلاً (¬2)) هكذا هو الصواب، ومعنى تعيين القاتل أن يقول لرجلٍ: إن قتلت قتيلاً فلك سلبه كما فرض ابن يونس وغيره. وَلَمْ يَكُنْ لِكَامْرَأَةٍ، إِنْ لَمْ تُقَاتِلْ. قوله: (وَلَمْ يَكُنْ لِكَامْرَأَةٍ، إِنْ لَمْ تُقَاتِلْ) معطوف على الجملة من قوله: (اعتيد) أي: وللمسلم فقط سلب اعتيد ولَمْ يكن لكامرأة، وأشار به إلى قول ابن يونس عن سحنون، وإذا قال الأمير: من قتل قتيلاً فله سلبه. فليس له سلب من قتل ممن لا يجوز له قتله من امرأة أو صبي أو زمن أو راهب، إلّا أن يقاتل هؤلاء فله سلّبهم لإجازة قتلهم، وله سلب كل من يجوز له قتله. كَالإِمَامِ، إِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْكُمْ، أَوْ يَخُصَّ نَفْسَهُ. قوله: (كَالإِمَامِ، إِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْكُمْ) تشبيه راجع لقوله: (وللمسلم فقط سلب اعتيد)، ولا يصحّ إلّا ذلك. ولَهُ الْبَغْلَةُ، إِنْ قَالَ عَلَى بَغْلٍ. قوله: (ولَهُ الْبَغْلَةُ، إِنْ قَالَ عَلَى بَغْلٍ) أشار به لما نقل أبو محمد في " النوادر " ونصّه: " وإن قال: من قتل قتيلاً على بغل فهو له، فكانت بغلة فهي له، ولو شرط على بغلة لَمْ يكن له إن كان بغلاً، وإن قال (¬3) على حمار فكان على أتان فهي له، ولو قال على أتان أو على حمارة فكان على حمار ذكر لَمْ يكن له، وكذلك يفرق في البعير والناقة " (¬4). انتهى بلفظه. ¬
لا إِنْ كَانَتْ بِيَدِ غُلامِهِ، وقَسَمَ الأَرْبَعَةَ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ حَاضِرٍ كَتَاجِرٍ وأَجِيرٍ، إِنْ قَاتَلا، أَوْ خَرَجَا بِنِيَّةِ غَزْوٍ، لا ضِدِّهِمْ ولَوْ قَاتَلُوا، إِلا الصَّبِيَّ فَفِيهِ إِنْ أُجِيزَ وقَاتَلَ خِلافٌ. قوله: (لا إِنْ كَانَتْ بِيَدِ غُلامِهِ) أشار أَيْضاً لما في " النوادر " ونصّها: " وإذا قال الإمام من قتل قتيلاً فله فرسه، فقتل رجل علجاً [راجلاً] (¬1) وله فرس مع غلامه فلا يكون له [فرس] (¬2) حتى يكون معه يقوده " (¬3). ولا يُرْضَخُ لَهُمْ كَمَيِّتٍ قَبْلَ اللِّقَاءِ، وأَعْمَى، وأَعْرَجَ، وأَشَلَّ، ومُتَخَلِّفٍ لِحَاجَةٍ، إِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْجَيْشِ، وضَالٍّ بِبَلَدِنَا، وإِنْ بِرِيحٍ، بِخِلافِ بَلَدِهِمْ. قوله: (ولا يُرْضَخُ لَهُمْ) قال في " المدونة ": ولا يسهم للنساء والصبيان والعبيد إذا قاتلوا ولا يرضح لهم (¬4). ومَرِيضٍ شَهِدَ كَفَرَسٍ رَهِيصٍ أَوْ مَرِضَ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ. قوله: (أَوْ مَرِضَ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ) [معطوف بأو التي لأحد الشيئين على (شهد)، فهو في موضع الصفة لمريض وكلامه قريب من قول ابن الحاجب: والمريض بعد الإشراف على الغنيمة] (¬5) يسهم له اتفاقاً، وكذا لو شهد القتال مريضاً (¬6). وَإِلا فَقَوْلانِ. قوله: (وإلا فقَوْلانِ) أي: وإن لَمْ يشهد المريض القتال، ولا مرض بعد الإشراف على الغنيمة فقَوْلانِ، فشمل أربع صور: الأولى: أن يخرج من بلد الإسلام مريضاً ولا يزال كذلك حتى ينقضي القتال. الثانية: أن يخرج صحيحاً ويشهد ثم يمرض قبل الدخول في بلاد الحرب. ¬
الثالثة: كذلك ويمرض بعد دخولها. الرابعة: يخرج صحيحاً ويشهد القتال كذلك، ثم يمرض قبل الإشراف على الغنيمة. وحاصل كلام ابن بشير الخلاف في الجميع. أما إن خرج مريضاً ثم صحّ قبل دخول بلاد الحرب أو بعد دخولها وقبل القتال أو بعد ذلك وقبل الإشراف فإنه يسهم له. ولا تدخل هذه الصور في كلام المصنف؛ لأن كلامه في حصول المانع لا في زواله وبنحو هذا فسّر في " التوضيح " قول ابن الحاجب: " وإلا فقَوْلانِ " تبعاً لابن عبد السلام (¬1). وَلِلْفَرَسِ مِثْلا فَارِسِهِ، وإِنْ بِسَفِينَةٍ، أَوْ بِرْذَوْناً، وهَجِيناً وصَغِيراً يُقْدَرُ بِهَا عَلَى الْكَرِّ والْفَرِّ، ومَرِيضٌ رُجِيَ، ومُحَبَّسٍ ومَغْصُوبٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ الْجَيْشِ، ومِنْهُ لِرَبِّهِ، لا أَعْجَفَ. قوله: (أَوْ بِرْذَوْناً، وهَجِيناً) قال ابن حبيب: البراذين هي العظام. قال الباجي: يريد الجافية (¬2) الخلقة العظيمة الأعضاء (¬3)، وقال غيره: البِرْذَون ما كان أبواه نبطيين (¬4)، فإن كانت الأم نبطية والأب عربياً كان هجيناً، وإن كان بالعكس كان مفرقاً ومنهم من عكس هذا. ابن الجلاب: وذكور الخيل وإناثها سواء (¬5). انتهى. ورواه ابن عبد الحكم عن مالك، نقله الباجي. ¬
أَوْ كَبِيرٍ لا يُنْتَفَعُ بِهِ كبَغْلٍ، وبَعِيرٍ، وأَتَانٍ (¬1) وَالْمُشْتَرَكُ لِلْمُقَاتِلِ. ودَفَعَ أَجْرَ شَرِيكِهِ، والْمُسْتَنِدُ لِلْجَيْشِ كَهُوَ، وإِلا فَلَهُ كَمُتَلَصِّصٍ، [وَخَمَّسَ الْمُسْلِمُ دُونَ الذِّمِّيِّ وفِي الْعَبْدِ قَوْلانِ] (¬2) وخَمَّسَ مُسْلِمٌ ولَوْ عَبْداً عَلَى الأَصَحِّ لا ذِمِّيٌّ. قوله: (كبَغْلٍ، وبَعِيرٍ) والحمار أحرى، ابن العربي: ولا يسهم للفيل. وقبله ابن عرفة. ومَنْ عَمِلَ سَهْماً أَوْ سَرْجاً، والشَّأْنُ الْقَسْمُ بِبَلَدِهِمْ، وهَلْ يَبِيعُ لِيَقْسِمَ؟ قَوْلانِ. قوله: (ومَنْ عَمِلَ سَهْماً أَوْ سَرْجاً) عبارة " المدونة ": من نحت سرجاً أو برى سهماً أو صنع مشجباً ببلد العدو فهو له، ولا يخمس إذا كان يسيراً (¬3). وَأَفْرَدَ كُلُّ صَنْفٍ إِنْ أَمْكَنَ عَلَى الأَرْجَحِ، وأَخَذَ مُعَيَّنٌ وإِنْ ذِمِّيَّاً مَا عُرِفَ لَهُ قَبْلَهُ مَجَّاناً، وحَلَفَ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وحُمِلَ لَهُ إِنْ كَانَ خَيْراً، وإِلا بِيعَ لَهُ، ولَمْ يُمْضَ قَسَمُهُ إِلا لِتَأَوُّلٍ عَلَى الأَحْسَنِ، لا إِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ، بِخِلافِ اللُّقْطَةِ، وبِيعَتْ خِدْمَةُ مُعْتَقٍ لأَجَلٍ ومُدَبَّرٍ، وكِتَابَةٌ لا أُمِّ وَلَدٍ [29 / ب]، ولَهُ بَعْدَهُ أَخْذُهُ بِثَمَنِهِ وبِالأَوَّلِ إِنْ تَعَدَّدَ، وأُجْبِرَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ عَلَى الثَّمَنِ، واتُّبِعَ بِهِ إِنْ أَعْدَمَ، إِلا أَنْ تَمُوتَ هِيَ أَوْ سَيِّدُهَا، ولَهُ فِدَاءُ مُعْتَقٍ لأَجَلٍ، ومُدَبَّرٍ بِحَالِهِمَا، وتَرْكُهُمَا مُسَلِّماً لِخِدْمَتِهِمَا. قوله: (وأَفْرَدَ كُلُّ صَنْفٍ إِنْ أَمْكَنَ عَلَى الأَرْجَحِ) الذي اختار هذا هو اللخمي لا ابن يونس؛ مع أنه قال في " التوضيح " أَيْضاً: قال اللخمي وابن يونس: اختلف في السلع فقيل تجمع في القسم ابتداءً، وقيل: إن حمل كل صنف القسم بانفراده لَمْ يجمع، وإلا جمع وهذا أحسن وأقل غرراً. انتهى (¬4). فما وقع للمصنف في " التوضيح " وهنا وهمٌ أو تصحيف أو هو كذلك في نسخته عن ابن يونس. ¬
وإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبِّرِ قَبْلَ الاسْتِيفَاءِ، فَحُرٌّ إِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، واتُّبِعَ بِمَا بَقِيَ كَمُسْلِمٍ وذِمِّيٍّ قُسِمَا ولَمْ يُعْذَرَا فِي سُكُوتِهِمَا بِأَمْرٍ، وإِنْ حَمَلَ بَعْضُهُ رُقَّ بَاقِيهِ. قوله: (كَمُسْلِمٍ وذِمِّيٍّ قُسِمَا ولَمْ يُعْذَرَا فِي سُكُوتِهِمَا بِأَمْرٍ) أي: قسماً والحال أنهما لا عذر لهما في السكوت وليس بمستأنف. ولا خِيَارَ لِلْوَارِثِ، بِخِلافِ الْجِنَايَةِ، وإِنْ أَدَّى الْمُكَاتِبَ ثَمَنَهُ، فَعَلَى حَالِهِ، وإِلا فَقِنٌّ أُسْلِمَ أَوْ فُدِيَ، وعَلَى الآخِذِ إِنْ عَلِمَ بِمِلْكِ مُعَيَّنٍ تَرْكُ تَصَرُّفٍ لِيُخَيِّرَهُ. قوله: (ولا خِيَارَ لِلْوَارِثِ، بِخِلافِ الْجِنَايَةِ) كذا لابن القاسم في كتاب " المدبر " (¬1)، والفرق على ما قال بعض الشيوخ أن المشتري في المغانم إنما اشترى الرقبة، فالسيّد (¬2) لما أسلمه فقد أسلم له ما اشترى [40 / ب] وهو الرقبة، وقد آل الأمر إليها فلا رجوع بخلاف الجناية فإن المجني عليه لَمْ يدخل إلا على الخدمة، فإذا صار الأمر إلى الرقبة فهو شيء آخر وفيه نظر؛ لأنه مبني على أن السيد في الغنيمة إنما أسلم الرقبة، والحق أنه أسلم ما كان قادراً على إسلامه وهو الخدمة، فإذا أسلمها فقد استوت المسألتان قاله ابن عبد السلام، وزاد في " التوضيح ": إلا أن يلاحظ كونه دخل ابتداءً على ملك الرقبة (¬3). وَإِنْ تَصَرَّفَ مَضَى كَالْمُشْتَرِي مِنْ حَرْبِيٍّ بِاسْتِيلادٍ، إِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ، وإِلا فَقَوْلانِ، وفِي الْمُؤَجَّلِ تَرَدُّدٌ، ولِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَخْذُ مَا وَهَبُوهُ بِدَارِهِمْ مَجَّاناً، وبِعَوَضٍ بِهِ. قوله: (وإِنْ تَصَرَّفَ مَضَى كَالْمُشْتَرِي مِنْ حَرْبِيٍّ بِاسْتِيلادٍ) يتعلق استيلاد بمضى فالعتق أحرى بخلاف البيع قال في " المدونة ": وما وجده السيد قد فات بعتق أو ولادة فلا سبيل له إليه ولا إلى رقه أخذهم من كانوا في يديه في مغنم أو ابتياع من حربي أغار عليهم أو أبقوا إليه ويمضي عتقهم وتكون الأمة أم ولدلمن ولدت له (¬4). ¬
إِنْ لَمْ يُبِعْ فَيَمْضِي، ولِمَالِكِهِ الثَّمَنُ أَوِ الزَّائِدُ، والأَحْسَنُ فِي الْمَفْدِىِّ مِنْ لِصٍّ أَخْذُهُ بِالْفِدَاءِ، وإِنْ أُسْلِمَ لِمُعَاوِضٍ مُدَبَّرٌ ونَحْوُهُ اسْتُوفِيَتْ خِدْمَتُهُ، ثُمَّ هَلْ يُتَّبَعُ إِنْ عَتَقَ بِالثَّمَنِ أَوْ بِمَا بَقِيَ؟ قَوْلانِ، وعَبْدُ الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ حُرٌّ إِنْ فَرَّ، أَوْ بَقِيَ حَتَّى غُنِمَ، لا إِنْ خَرَجَ بَعْدَ إِسْلامِ سَيِّدِهِ أَوْ بِمُجَرَّدِ إِسْلامِهِ. قوله: (إِنْ لَمْ يُبِعْ (¬1) فَيَمْضِي، ولِمَالِكِهِ الثَّمَنُ أَوِ الزَّائِدُ) تلفيفٌ مرتب أي: ولمالكه إذا بيع الثمن في الموهوب والزائد في المعوض. وَهَدَمَ السَّبْيُ النِّكَاحَ إِلا أَنْ تُسْبَى وتُسْلِمَ بَعْدَهُ. قوله: (وهَدَمَ السَّبْيُ النِّكَاحَ إِلا أَنْ تُسْبَى وتُسْلِمَ بَعْدَهُ) الفعلان متنازعان في الظرف فهو كقول ابن الحاجب: والسبي يهدم النكاح إلا إذا سبيت بعد أن أسلم الزوج وهو حربي أو مستأمن فأسلمت، فإن لَمْ تسلم فرق بينهما لأنها أمة كتابية (¬2). وَوَلَدُهُ ومَالُهُ فَيْءٌ مُطْلَقاً إِلا وَلَدٌ صَغِيرٌ لِكِتَابِيَّةٍ سُبِيَتْ أَوْ مُسْلِمَةٍ وهَلْ كِبَارُ الْمُسْلِمَةِ فَيْءٌ، أَوْ إِنْ قَاتَلُوا؟ تَأْوِيلانِ، ووَلَدُ الأَمَةِ لِمَالِكِهَا. ¬
الجزية
[الجزية] (¬1) عَقْدُ الْجِزْيَةِ إِذْنُ الإِمَامِ لِكَافِرٍ صَحَّ سَبْيُهُ، مُكَلَّفٍ حُرٍّ قَادِرٍ مُخَالِطٍ، لَمْ يَعْتِقْهُ مُسْلِمٌ بِسُكْنَى غَيْرِ مَكَّةَ والْمَدِينَةِ والْيَمَنِ، ولَهُمْ الاجْتِيَازُ بِمَالٍ لِلْعَنَوِيِّ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَماً فِي سَنَةٍ، والظَّاهِرُ آخِرُهَا، ونُقِّصَ الْفَقِيرُ بِوُسْعِهِ، ولا يُزَادُ، ولِلصُّلْحِيِّ مَا شُرِطَ، وإِنْ أُطْلِقَ، فَكَالأَوَّلِ. قوله: (وَالظَّاهِرُ آخِرُهَا) كذا لابن رشد في " المقدمات " وللباجي قبله (¬2). وَالظَّاهِرُ إِنْ بَذَلَ الأَوَّلَ حَرُمَ قِتَالُهُ. قوله: (والظَّاهِرُ إِنْ بَذَلَ الأَوَّلَ حَرُمَ قِتَالُهُ) الفاعل ببذل ضمير الصلحي، والأول مفعول به، والمراد به قدر جزية العنوي وأشار بهذا لقول ابن رشد في " المقدمات ": الذي يأتي على المذهب عندي أن أقلها ما فرض عمر رضي الله تعالي عنه على أهل العنوة، فإذا بذل ذلك أهل الحرب في الصلح على أن يؤدوه عن يدٍ وهم صاغرون لزم الإمام قبوله وحرم عليهم قتالهم (¬3). مَعَ الإِهَانَةِ عِنْدَ أَخْذِهَا. قوله: (مَعَ الإِهَانَةِ عِنْدَ أَخْذِهَا) يجوز أن يتعلق ببذل فيكون إشارة لما فوقه، عن ابن رشد: ويجوز أن يكون راجعاً لقوله: (بمال) أي: بمال كائن مع الإهانة فيعمّ مسألة ابن رشد وغيرها. ¬
وَسَقَطَتَا بِإِسْلامِ كَأَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وإِضَافَةِ الْمُجْتَازِ ثَلاثاً لِلظُّلْمِ، والْعَنَوِيُّ حُرٌّ، وإِنْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ، فَالأَرْضُ فَقَطْ لِلْمُسْلِمِينَ وفِي الصُّلْحِ إِنْ أُجْمِلَتْ، فَلَهُمْ أَرْضُهُمْ، والْوَصِيَّةُ بِمَالِهِمْ، ووَرِثُوهَا. قوله: (وسَقَطَتَا بِإِسْلامِ) أي: سقطت الجزيتان أو الجزية والإهانة. وإِنْ فُرِّقَتْ عَلَى الرِّقَابِ فَهِيَ لَهُمْ، إِلا أَنْ يَمُوتَ بِلا وَارِثٍ فَلِلْمُسْلِمِينَ؛ ووَصِيَّتُهُمْ فِي الثُّلُثِ، وإِنْ فُرِّقَتْ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِمَا فَلَهُمْ بَيْعُهَا، وخَرَاجُهَا عَلَى الْبَاِئِع، ولِلْعَنَوِيُّ (¬1) إِحْدَاثُ كَنِيسَةٍ، إِنْ شُرِطَ، وإِلا فَلا، كَرَمِّ الْمُنْهَدِمِ، ولِلصُّلْحِيِّ الإِحْدَاثُ، وبَيْعُ عَرْصَتِهَا أَوْ حَائِطٍ، لا بِبَلَدِ الإِسْلامِ إِلا لِمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ، ومُنِعَ رُكُوبُ الْخَيْلِ، والْبِغَالِ، والسُّرُوجِ، وجَادَّةِ الطَّرِيقِ، وأُلْزِمَ بِلُبْسٍ يُمَيِّزُهُ، وعُزِّرَ لِتَرْكِ الزُّنَّارِ، وإِظْهَارِ السُّكْرِ، ومُعْتَقِدِهِ، وبَسْطِ لِسَانِهِ، وأُرِيقَتِ الْخَمْرُ، وكُسِرَ النَّاقُوسُ، ويَنْتَقِضُ بِقِتَالٍ، ومَنْعِ جِزْيَةٍ، وتَمَرُّدٍ عَلَى الأَحْكَامِ، وغَصْبِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ، وغُرُورِهَا وتَطَلُّعٍ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ [30 / أ]، وسَبِّ نَبِيٍّ بِمَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ، قَالُوا كَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، أَوْ لَمْ يُرْسَلْ، أَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ، أَوْ تَقَوَّلَهُ، أَوْ عِيسَى خَلَقَ مُحَمَّداً، أَوْ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ مَا لَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ حِينَ أَكَلَتْهُ الْكِلابُ، وقُتِلَ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ، وإِنْ خَرَجَ لِدَارِ الْحَرْبِ وأُخِذَ اسْتُرِقَّ، إِنْ لَمْ يُظْلَمْ، وإِلا فَلا كَمُحَارَبَتِهِ، وإِنِ ارْتَدَّ جَمَاعَةٌ وحَارَبُوا فَكَالْمُرْتَدِّينَ. قوله: (وإِنْ فُرِّقَتْ عَلَيْهَا) يعود هذا الضمير على الأبعد وهو الأرض بدليل أنه لو عاد على الرقاب -[وهو الأقرب] (¬2) - لكان تهافتاً (¬3) مع ما قبله. ولِلإِمَامِ الْمُهَادَنَةُ لِمَصْلَحَةٍ، إِنْ خَلا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ وإِنْ بِمَالٍ، إِلا لِخَوْفٍ ولا حَدَّ ونُدِبَ أَنْ لا تَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وإِنِ اسْتَشْعَرَ خِيَانَتَهُمْ نَبَذَهُ وأَنْذَرَهُمْ، ووَجَبَ الْوَفَاءُ وإِنْ بِرَدِّ رَهَائِنَ، ولَوْ أَسْلَمُوا كَمَنْ أَسْلَمَ، ولَوْ رَسُولاً، إِنْ كَانَ ذَكَراً، وفِدَاءٌ بِالْفَيْءِ، ثُمَّ بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ بِمَالِهِ، ورَجَعَ بِمِثْلِ الْمِثْلِيِّ وقِيمَةِ غَيْرِهِ عَلَى الْمَلِيِّ والْمُعْدِمِ، إِنْ لَمْ يَقْصِدْ صَدَقَةً ولَمْ يُمْكِنِ الْخَلاصُ بِدُونِهِ. قوله: (ولِلإِمَامِ الْمُهَادَنَةُ [لِمَصْلَحَةٍ] (¬4) إِنْ خَلا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ وإِنْ بِمَالٍ، إِلا ¬
لِخَوْفٍ) أي: إن خلى عقد المهادنة عن شرطٍ فاسدٍ كشرط بقاء مسلم بأيديهم، وإن كان الفساد بسبب مال يلتزمه الإمام للعدو، إلا أن يفعل ذلك لخوفٍ فهو كقول ابن شاس. الشرط الثالث: أن يخلو عن شرطٍ فاسدٍ كشرط ترك مسلم بأيديهم، وكذا لو التزم مالاً فهو فاسد إلا إذا ظهر الخوف وتعين في دفعه ذلك. انتهى. وقال المازري: إن كانت المهادنة بعوض يؤديه الإمام لَمْ يجز؛ لأنه ضربٌ من إعطاء الجزية لهم، وفيه ذل وصغار على المسلمين عكس ما أنزل الله تعالى من قتالهم {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. إلا أن تدعوا الضرورة إلى إعطائه لهم تخلصاً منهم عند استيلائهم على المسلمين وإحاطتهم بهم حتى يصير المسلمون كالأسرى في أيديهم لا ملجأ لهم ولا وزر؛ فيجوز حينئذ أن يبذل الإمام لهم الأموال، كما يجوز فداء الأسرى من أيديهم بالمال. وقد استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - السعدين (¬1): سعد بن معاذ سيّد الأوس، وسعد بن عبادة سيّد الخزرج لما أحاط الأحزاب بالمدينة في أن يبذل للمشركين ثلث الثمار لمّا تخوّف أن تكون الأنصار قد ملّت القتال فقالا له - صلى الله عليه وسلم -: إن كان هذا من الله فسمعاً وطاعة، وإن كان رأياً رأيته فوالله ما أكلوا منها (¬2) في الجاهلية ثمرة إلا شراءً (¬3) أو قرى، فكيف وقد أعزّنا الله تعالى بالإسلام، فلما ظهر له - عليه السلام - من عزيمة الأنصار على القتال ما وثق به انثنى (¬4) عن ذلك، فلو لَمْ يكن البذل عند الضرورة جائزاً ما استشارهما [فيه] (¬5) - صلى الله عليه وسلم -. إِلا مَحْرَماً أَوْ زَوْجاً إِنْ عَرَفَهُ أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ. قوله: (إِنْ عَرَفَهُ أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ) هكذا هو معطوف بأو التي لأحد الشيئين. ¬
إِلا أَنْ يَأْمُرَهُ بِه ويَلْتَزِمَهُ، وقُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ، ولَوْ فِي غَيْرِ مَا بِيَدِهِ عَلَى الْعَدَدِ، إِنْ جَهِلُوا قَدْرَهُمْ، والْقَوْلُ لِلأَسِيرِ فِي الْفِدَاءِ أَوْ بَعْضِهِ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، وجَازَ بِالأَسْرَى الْمُقَاتِلَةِ وبِالْخَمْرِ وبِالْخِنْزِيرِ عَلَى الأَحْسَنِ، ولا يُرْجَعُ بِهِ عَلَى مُسْلِمٍ وفِي الْخَيْلِ وآلَةِ الْحَرْبِ قَوْلانِ. قوله: (والْقَوْلُ لِلأَسِيرِ فِي الْفِدَاءِ أَوْ بَعْضِهِ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ) في بعض [41 / أ] النسخ: ولو كان في يده (¬1)، وهو الصواب. ¬
المسابقة
[المسابقة] (¬1) الْمُسَابَقَةُ بِجُعْلٍ فِي الْخَيْلِ وفِي الإِبِلِ، وبَيْنَهُمَا، والسَّهْمُ إِنْ صَحَّ بَيْعُهُ، وعُيِّنَ الْمَبْدَأُ والْغَايَةُ والْمَرْكَبُ والرَّامِي وعَدَدُ الإِصَابَةِ أَوْ نَوْعُهَا مِنْ خَزْقٍ أَوْ غَيْرِهِ وأَخْرَجَهُ مُتَبَرِّعٌ، أَواحدهُمَا، فَإِنْ سَبَقَ غَيْرَهُ، أَخَذَهُ، وإِنْ سَبَقَ هُوَ، فَلِمَنْ حَضَرَ، لا إِنْ أَخْرَجَا لِيَأْخُذَهُ السَّابِقُ، ولَوْ بِمُحَلِّلٍ يُمْكِنُ سَبْقُهُ، ولا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّهْمِ والْوَتْرِ، ولَهُ مَا شَاءَ، ولا مَعْرِفَةُ الْجَرْيِ، والرَّاكِبِ، ولَمْ يُحْمَلْ صَبِيٌّ، ولا اسْتِوَاءُ الْجُعْلِ، أَوْ مَوْضِعُ الإِصَابَةِ. قوله: (ولا اسْتِوَاءُ الْجُعْلِ) أي: بل يجوز أن يقول المتبرع: إن سبق فلان فله كذا، وإن سبق غيره فله كذا، قل أو كثر، وإذا حمل على جعلي متسابقين مع وجود المحلل كان تفريعاً على القول المشار إليه بـ: (لو)، وقد فرع عليه ابن يونس فقال: ولا بأس أن يخرج أحدهما خمسة والآخر عشرة إن كان بينهما محلل. قال محمد: أو هذا شاة وهذا بقرة، والمحمل الأول أليق (¬2) إذا ساعده النقل. أَوْ تَسَاوِيهِمَا، وإِنْ عَرَضَ لِلسَّهْمِ عَارِضٌ، أَوِ انْكَسَرَ، أَوْ لِلْفَرَسِ ضَرْبُ وَجْهٍ، أَوْ نَزْعُ سَوْطٍ لَمْ يَكُنْ مَسْبُوقاً، بِخِلافِ تَضْيِيعِ السَّوْطِ، أَوْ حَرَنِ الْفَرَسِ. وجَازَ فِيمَا عَدَاهُ مَجَّاناً. قوله: (أَوْ تَسَاوِيهِمَا) أي: لا يشترط تساوي المتسابقين أو المتناضلين (¬3) في المسافة (¬4) ونحوها، بل يجوز أن يجري أحدهما أو يرمي من موضع إلى موضع، والآخر من نصفه أو أبعد منه بقدرٍ معلوم يفعلان ذلك في المناضلة على التعاقب وفي المسابقة يتقدم أحدهما ¬
الآخر بقدرٍ من المسافة (¬1) على أن يجريا معاً إذا بلغ المؤخر المقدم، وهذه المعاني مبسوطة في المطولات، وقد استوفاها ابن عرفة. والافْتِخَارُ عِنْدَ الرَّمْيِ، والرَّجَزُ، والتَّسْمِيَةُ، والصِّيَاحِ، والأَحَبُّ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى، لأَحَادِيثِ الرَّمْيِ، ولَزِمَ الْعَقْدُ كَالإِجَارَةِ. قوله: (والافْتِخَارُ عِنْدَ الرَّمْيِ، والرَّجَزُ، والتَّسْمِيَةُ، والصِّيَاحِ، والأَحَبُّ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى، لأَحَادِيثِ الرَّمْيِ) أي: وجاز الافتخار عند الرمي وإنشاد الأراجيز وتسمية الرامي نفسه كانتمائه للقبيلة، والصياح إغراءً لغيره، ولا مرية أن ذكر الله أكبر، وإنما جازت هذه الأشياء مع أن بعضها يتقى في غير هذا المقام لأجل الأحاديث الواردة بذلك في الرمي، فقد: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى فقال: " أنا ابن العواتك " (¬2)، ورمى ابن عمر بين الهدفين وقال: أنا بها [أنا بها] (¬3). وقال مكحول: أنا الغلام الهذلي (¬4). قال أبو محمد: وكذلك أمور الحرب بين المسلمين وعدوهم مما فيه مباهاة لهم فلا بأس بالمفاخرة فيه وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي دجانة حين تبختر في مشيته في الحرب: (إنها مشية يبغضها الله إلّا في مثل هذا الموطن) (¬5) وأجاز المسلمون تحلية السيوف وما ذاك إلا لما أجيز من التفاخر فيه. وكرهوا آنية الذهب والفضة، وأجازوا ذلك في السلاح. انتهى من " النوادر " (¬6)، وقال ابن عرفة: والافتخار في حال الحرب أوضح فمنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين حين نزل ¬
عن بغلته واستنصر (¬1): " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب " (¬2). ومنه حديث مسلم عن سلمة بن الأكوع: خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز وأقول: (55) [خذها] (¬3) أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ الْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ (¬4) انتهى. وقد خرّج البخاري أَيْضاً حديث سلمة. الجوهري: عاتكة، من أسماء النساء. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: " أنا ابن العواتك من سليم " (¬5) يعني جداته وهن تسع عواتك، عاتكة بنت هلال أم جدّ هاشم، وعاتكة بنت مرة بن هلال أم هاشم، وعاتكة بنت الأوقص بن مرة أم وهب بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل أمه آمنة بنت وهب، وسائر العواتك أمهات النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير بني سليم. انتهى. وقال الهروي (¬6) في كتاب " الغريبين ": العواتك ثلاث نسوة، فذكر هؤلاء الثلاث وزاد أن (¬7) العليا عمة الوسطى والوسطى عمة السفلى، وبنو سليم تفتخر بهذه الولادة، فإذا تقرر هذا فإلى الأحاديث المذكورة أشار المصنف بقوله: (لأحاديث الرمي) فلامه لام ¬
الجر والتعليل وهي متعلقة بجاز، والجملة من قوله: (والأحبّ ذكر الله) معترضة بينهما، هذا الذي انقدح لي في فهمه بعد أن ظفرت بنسخة هو فيها هكذا بلام الجرٍّ الداخلة على أحاديث جمع حديث، والواقع في سائر ما رأينا من النسخ لا حديث (¬1) بلا النافية، وكذا نقله في " الشامل " وهو تصحيف (¬2). والله تعالى أعلم. ¬
باب النكاح
[باب النكاح] افتتح هذا الباب بخواصه [41 / ب]- عليه السلام - تبعاً لابن شاس، واعتمد ابن شاس نقل كلام ابن العربي في " أحكام القرآن " عند قوله تعالى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}، وعليه اعتمد القرطبي أَيْضاً في تفسير الآية، وللقرطبي والمصنف بعض زيادة على ما في " الأحكام " (¬1)، وهذه الخواص ثلاث: وجوب، وحرمه، وإباحة كما رتبها هنا، وجلّها (¬2) ظاهر من القرآن والسنة قال ابن العربي: وفيها متفق عليه ومختلف فيه. [خصائص النبي صلى الله عليه وسلم] خُصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِوُجُوبِ الضُّحَى، والأَضْحَى، والتَّهَجُّدِ والْوِتْرِ بِحَضَرٍ، والسِّوَاكِ وتَخْيِيرِ نِسَائِهِ فِيهِ، وطَلاقِ مَرْغُوبَتِهِ، وإِجَابَةِ الْمُصَلِّي (¬3). قوله: (وإِجَابَةِ الْمُصَلِّي) الأصل [فيه] (¬4) ما في " الموطأ " وصحيح مسلم أنه - عليه السلام - لما دعا أُبَيَّاً وهو في الصلاة فلم يجبه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}؟ [الأنفال: 24] ونحوه في البخاري عن أبي سعيد بن المعلى (¬5)، وفي أحكام ابن العربي في هذه الآية قال الشافعي: في حديث أبيّ دليل على أن الفعل الفرض والقول الفرض إذا أُتي به في الصلاة [لا يبطلها] (¬6) لأمره - عليه السلام - له بالإجابة وإن كان في الصلاة، وبينا في غير موضع أن هذه الآية دليل على وجوب إجابته - عليه السلام - وتقديمها على الصلاة، وهل تبقى الصلاة معها أو تبطل مسألة أخرى. ¬
وَالْمُشَاوَرَةِ، وقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ، وإِثْبَاتِ عَمَلِهِ، ومُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ الْكَثِيرِ. [قوله: (والْمُشَاوَرَةِ) المَتِّيْطِي: إنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشاور في الحروب وفيما ليس فيه حكم بين الناس. وقيل له: أن يشاور في الأحكام؛ قال أحمد بن نصر: وهذه غفلة عظيمة] (¬1). وتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، وحُرْمَةِ الصَّدَقَتَيْنِ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ، وأَكْلِهِ كَثُومٍ، أَوْ مُتَوَكِّئاً، وإِمْسَاكِ كَارِهَتِهِ، وتَبَدُّلِ أَزْوَاجِهِ، ونِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ أَوِ الأَمَةِ، ومَدْخُولَتِهِ لِغَيْرِهِ. قوله: (وتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ) لَمْ يذكره ابن العربي في سورة الأحزاب ولا ابن شاس، وقال القرطبي: كان يجب عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى منكراً أنكره وأظهره؛ لأن إقراره لغيره على ذلك يدلّ على جوازه. ذكره صاحب " البيان " (¬2). انتهى، وقد استوفى الكلام على تغيير المنكر في حقّ سائر الناس في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب من كتاب السلطان (¬3). وفي " إرشاد " أبي المعالي: لا يكترث بقول الروافض (¬4): إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موقوفان على ظهور الإمام. ونَزْعِ لأمَتِهِ (¬5) حَتَّى يُقَاتِلَ، والْمَنِّ لِيَسْتَكْثِرَ وخَائِنَةِ الأَعْيُنِ والْحُكْمِ بَيْنَهُ وبَيْنَ مُحَارِبِهِ ورَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ [30 / ب] وَنِدَائِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ وبِاسْمِهِ وإِبَاحَةِ الْوِصَالِ ودُخُولِ مَكَّةَ بِلا إِحْرَامٍ وبِقِتَالٍ. قوله: (ونَزْعِ لأمَتِهِ حَتَّى يُقَاتِلَ، والْمَنِّ لِيَسْتَكْثِرَ وخَائِنَةِ الأَعْيُنِ والْحُكْمِ بَيْنَهُ ¬
وبَيْنَ مُحَارِبِهِ) كذا وقع في أكثر النسخ، وكذا نقله (¬1) في " الشامل "، وهو خطأ من مخرج المبيضة لا شكّ فيه؛ وإنما الصواب ونزع لأمته حتى يقاتل (¬2) أو يحكم الله بينه وبين محاربه، والمن ليستكثر، وخائنة الأعين، وكذا هو في بعض النسخ المصححة، ولا يصحّ غيره (¬3)، ولفظ ابن العربي وابن شاس: وحرم عليه إذا لبس لأمته أن يخلعها أو يحكم الله بينه وبين محاربه (¬4)، أي: حتى يحكم الله، فـ: (أو) بمعنى حتى كقولهم: [حتي] (¬5) لأنتظرنه أو يجيء، وكذلك هو في الحديث بلفظ (أو)، وبهذا يظهر لك أن حكم الله بينه وبين محاربه أعم من القتال، ولو أسقط المصنف ذكر القتال لكان أولى. وصَفِيِّ الْمَغْنَمِ والْخُمْسِ، ويُزَوِّجُ لِنَفْسِهِ ومَنْ شَاءَ، وبِلَفْظِ الْهِبَةِ، وزَائِدٍ عَلَى أَرْبَعٍ، وبِلا مَهْرٍ، ووَلِيٍّ، وشُهُودٍ وبِإِحْرَامٍ، وبِلا قَسْمٍ، ويَحْكُمُ لِنَفْسِهِ ووَلَدِهِ. قوله: (وصَفِيِّ الْمَغْنَمِ والْخُمْسِ) قال الهروي (¬6): في الحديث (إن أعطيتم الخمس وسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الصفي فأنتم آمنون) (¬7) قال الشعبي: الصفي علق بتخييره النبي - صلى الله عليه وسلم - من المغنم ومنه كانت صفية. ابن العربي: من خواصه - عليه السلام - صفي المغنم والاستبداد بخمس الخمس، أو الخمس ومثله لابن شاس، وكأنه إشارة إلى قولين أحدهما: الاستبداد [بخمس الخمس] (¬8)، والثاني: الاستبداد بجميع الخمس، فاقتصر المصنف على الثاني ولو اقتصر على الأول لكان أولى؛ لأنه أشهر عند أهل السير. ¬
وفي سماع أصبغ: إنما والي الجيش كرجلٍ منهم له مثل الذي لهم وعليه مثل الذي عليهم. ابن رشد: لا حقّ للإمام من رأس الغنيمة عند مالك وجلّ أهل العلم، والصفي مخصوص به - عليه السلام - بإجماع العلماء إلا أبا ثور فإنه رآه لكلّ إمام، وكذا لا حقّ له في الخمس إلا الاجتهاد في قسمه لقوله - عليه السلام -: (مالي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه (¬1) إلا الخمس، والخمس مردود عليكم) (¬2). ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الخمس مقسوم على الأصناف المذكورين في الآية بالسواء وأن سهمه - عليه السلام - للخليفة بعده. ويَحْمِي لَهُ. قوله: (ويَحْمِي لَهُ) هذا من زياداته على ما لابن (¬3) العربي وابن شاس، وقد ثبت أنه - عليه السلام - حمى النقيع - بالنون - وأنه قال - عليه السلام -: " لا حمى إلا لله ورسوله " (¬4) فلعلّ القائل بالاختصاص حمله على ظاهره وهو خلاف ما فسّره به الباجي إذ قال: يريد أنه ليس لأحد أن ينفرد عن المسلمين بمنفعة [42 / أ] تخصّه، وإنما الحمى لحقّ الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أو من يقوم مقامه من خليفة وذلك إنما هو [فيما] (¬5) كان في سبيل الله تعالى والنظر في دين نبيه - عليه السلام - ذكره آخر جامع " الموطأ " عند قول عمر رضي الله تعالى عنه: والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله تعالى ما حميت عليهم من بلادهم شبراً (¬6). ¬
أحكام النكاح
وَلا يُورَثُ. قوله: (ولا يُورَثُ) قال ابن العربي: وإنما ذكرناه في قسم التحليل؛ لأن الرجل إذا قارب الموت بالمرض زال عنه أكثر ملكه، ولَمْ يبق له إلاّ الثلث، وبقى ملك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد موته على ما تقرر في آية المواريث (¬1). تنبيهات: الأول: وجه ذكر هذه الخواص في مقدمة النكاح كثرتها فيه. الثاني: ليس كل ما ذكر هنا مشهوراً بل فيه أشياء ما قال بها إلا من شذ من العلماء كوجوب الضحى عليه - عليه السلام -، واستبداده بجميع الخمس. الثالث: ليس ما قيل باختصاصه به صلى الله عليه وسلم محصوراً فيما ذكر، ففي صحيح مسلم عن سفيان: أن نومه - صلى الله عليه وسلم - لا يوجب وضوءاً (¬2)، وفي رسم قطع الشجر من الجامع في " القبس " أَيْضاً أنه - عليه السلام - يحكم وهو غضبان بخلاف غيره، ودليله ما رويناه في صحيح البخاري: أنه حكم - عليه السلام - للزبير (¬3) على الأنصاري الذي أحفظه - أي: أغضبه - إذ قال له: أن كان ابن عمتك. (¬4) إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة. [أحكام النكاح] نُدِبَ لِمُحْتَاجٍ ذِي أُهْبَةٍ نِكَاحُ بِكْرٍ ونَظَرُ وَجْهِهَا وكَفَّيْهَا فَقَطْ بِعِلْمٍ، وحَلَّ لَهُمَا حَتَّى نَظَرُ الْفَرْجِ كَالْمِلْكِ وتَمَتُّعٌ بِغَيْرِ دُبُرٍ وخُطْبَةٌ بِخِطْبَةٍ وعَقْدٍ وتَقْلِيلُهَا وإِعْلانُهُ وتَهْنِئَتُهُ والدُّعَاءُ لَهُ وإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ غَيْرِ الْوَلِيِّ بِعَقْدِهِ وفُسِخَ إِنْ دَخَلا بلا هو ولا حَدَّ إِنْ فَشَا ولَوْ عَلِمَ، وحَرُمَ خِطْبَةُ رَاكِنَةٍ لِغَيْرِ فَاسِقٍ ولَوْ لَمْ يُقَدَّرْ صَدَاقٌ وفُسِخَ إِنْ لَمْ يَبِنْ وصَرِيحُ خِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ. قوله: (نُدِبَ لِمُحْتَاجٍ ذِي أُهْبَةٍ نِكَاحُ بِكْرٍ) في بعض النسخ: (نكاح وبكر) تصريح بأنهما مندوبان وهو المقصود على كلّ حال. ¬
غريبة: في " أحكام القرآن " لابن العربي في قوله تعالى: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} [النمل:23]، قال علماؤنا: هي بلقيس بنت شرحبيل (¬1) ملكة سبأ، وأمها جنيّة بنت أربعين ملكاً، وهذا أمرٌ تنكره الملحدة وتقول: إن الجنّ لا يأكلون ولا يلدون، وكذبوا لعنهم الله أجمعين؛ ذلك صحيح ونكاحهم مع الإنس جائز عقلاً، فإن صحّ نقلاً فبها ونعمت، وإلا بقيا (¬2) على أصل الجواز العقلي (¬3). ومُوَاعَدَتُهَا. قوله: (ومُوَاعَدَتُهَا) كونها محرمة قول ابن حبيب واللخمي ورواية " المدونة " الكراهة، [وبها] (¬4) أخذ ابن رشد، هذا تحصيل ابن عرفة (¬5). كَوَلِيِّهَا، كَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ زِناً وتَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا بِوَطْءٍ وإِنْ بِشُبْهَةٍ ولَوْ بَعْدَهَا وبِمُقَدِّمَاتِهِ فِيهَا أَوْ بِمِلْكٍ كَعَكْسِهِ لا بِعَقْدٍ أَوْ بِزِناً أَوْ بِمِلْكٍ عَنْ مِلْكٍ. قوله: (كَوَلِيِّهَا) ظاهره كان مجبراً أو غير مجبر كما نقل الباجي عن ابن حبيب، وهو ظاهر " المدونة " عند أبي الحسن الصغير وابن عرفة، وإن كان أبو حفص العطار حملها على المجبر، وبه قطع ابن رشد فقال: إن واعد وليها بغير علمها وهي مالكة أمر نفسها فهو وعد لا مواعدة فلا يفسخ به النكاح، ولا يقع به تحريم إجماعاً (¬6). ¬
أَوْ مَبْتُوتَةٍ قَبْلَ زَوْجٍ كَالْمُحْرمِ. [قوله] (¬1): (كَالْمُحْرِمِ (¬2)) أي بحجٍ أو عمرة، وفي تأبيد التحريم عليه روايتان ذكرهما ابن الجلاب وابن عبد البر وابن الحاجب، قال ابن عبد البر: والمشهور عدم التأبيد (¬3). وَجَازَ تَعْرِيضٌ كَفِيكِ رَاغِبٌ والإِهْدَاءُ وتَفْوِيضُ الْوَلِيِّ الْعَقْدَ لِفَاضِلٍ وذِكْرُ الْمَسَاوِي وكُرِهَ عِدَّةٌ مِنْ أَحَدِهِمَا وتَزْوِيجُ زَانِيَةٍ أَوْ مُصَرَّحٍ لَهَا بَعْدَهَا ونُدِبَ فِرَاقُهَا وعَرْضُ رَاكِنَةٍ لِغَيْرٍ عَلَيْهِ. قوله: (وجَازَ تَعْرِيضٌ كَفِيكِ رَاغِبٌ) أي: فليس كالتصريح، نعم جعله مالك في القذف كالصريح (¬4). قال المقري في " قواعده ": لأن القياس الخطابي والشعري في باب المدح والشتم أبلغ من البرهاني والجدلي لغةً وعرفاً. قال يونس ابن حبيب: أقبح الهجاء بالتفضيل (¬5) والتعريض من ذلك. انتهى. والخطابي منسوب للخطابة التي هي حرفة الخطيب، ويونس بن حبيب أحد أشياخ سيبويه، وإذا كان للفقيه ذوقٌ ومشاركة في تلخيص المفتاح لاحت له رقّة حواشي هذا التعليل. وقد ذكّرني هذا وللحديث شجون قول المقّري أَيْضاً في باب الطهارة: القياسات الفقهية خطابية وجدلية لا سوفسطائية وشعرية، وفي كون شيءٍ منها (¬6) برهانياً ظاهر ¬
كلام ابن الحاجب نفيه (¬1)، والأصبهاني إثباته، وهو الأقرب. انتهى. وبمراجعة ما قبله في أصله يقوى فهمك فيه. وبالله تعالى التوفيق. ورُكْنُهُ وَلِيٌّ وصَدَاقٌ ومَحَلٌّ وصِيغَةٌ بِأَنْكَحْتُ وزَوَّجْتُ وبِصَدَاقٍ وَهَبْتُ وهَلْ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي الْبَقَاءَ مُدَّةَ الْحَيَاةِ كَبِعْتُ تَرَدُّدٌ، وكَقَبِلْتُ وبِزَوِّجْنِي فَيَفْعَلُ ولَزِمَ وإِنْ لَمْ يَرْضَ وجبرَ الْمَالِكُ أَمَةً وعَبْداً بِلا إِضْرَارٍ لا عَكْسَهُ ولا مَالِكُ بَعْضٍ ولَهُ الْوِلايَةُ والرَّدُّ والْمُخْتَارُ ولا أُنْثَى بِشَائِبَةٍ ومُكَاتِبٍ بِخِلافِ مُدَبُّرٍ ومُعْتَقٍ لأَجْلِ إِنْ لَمْ يَمْرَضِ السَّيِّدُ ويَقْرُبِ الأَجَلُ ثُمَّ أَبٌ، وجبرَ الْمَجْنُونَةَ والْبِكْرَ ولَوْ عَانِساً إِلا لِكَخَصِيٍّ عَلَى الأَصَحِّ والثَّيِّبَ إِنْ صَغُرَتْ أَوْ بِعَارِضٍ أَوْ بِحَرَامٍ وهَلْ إِنْ لَمْ تُكَرِّرِ الزِّنَا تَأْوِيلانِ. قوله: (ورُكْنُهُ وَلِيٌّ وصَدَاقٌ ومَحَلٌّ وصِيغَةٌ) هذه خمسة؛ لأن المحل يشمل الزوج والزوجة. لا بِفَاسِدٍ وإِنْ سَفِيهَةً. قوله: (لا بِفَاسِدٍ) دليله أن الثيب بنكاح صحيح أحرى أن لا (¬2) يجبرها، فجاء قوله بعده: (وَإِنْ سَفِيهَةً) غير مختصّ بذات النكاح الفاسد. وبِكْراً رَشَدَتْ (¬3). قوله: (وبِكْراً (¬4) رشدتْ) معطوف على المقدّر في قوله: لا بفاسد (¬5) أي: لا يجبر ثيباً بفاسد، وبكراً إن رشدت ولا يصحّ عطفه على لفظ (فاسد) ولا على (سفيهة) يظهر بأدنى تأمل. ¬
أَوْ أَقَامَتْ بِبَيْتِهَا سَنَةً وأَنْكَرَتْ. قوله: (أَوْ أَقَامَتْ بِبَيْتِهَا سَنَةً وأَنْكَرَتْ) أي أنكرت المسيس وهو أعم من أن يكون الزوج صدّقها أو كذّبها، وقد سوّى بينهما في " المدونة " فقال: ومن زوّج ابنته فدخل بها الزوج ثم فارقها قبل أن يمسّها لَمْ يكن لأبيها أن يزوجها كما يزوج البكر إن طالت إقامتها مع زوجها وشهدت [42 / ب] مشاهد النساء، وأرى السنة طول إقامة وإن كان أمراً (¬1) قريباً فله أن يزوجها؛ وكذلك إن طلقت فأنكرت المسيس، وادعاه الزوج نظرت إلى طول المدة وقربها (¬2). كذا اختصرها أبو سعيد، وزاد ابن يونس في نقله: وإن كانت إقامته معها أمراً قريباً جاز إنكاح الأب عليها؛ لأنها تقول: أنا بكر، وتقرّ بأن صنيع الأب جائز عليها (¬3)، ولا يضرها ما قال الزوج من وطئه إياها، وإن طالت إقامتها معه فلا يزوجها أبوها إلا برضاها، أقرّت بالوطء أم لَمْ تقر. فإن قلت: فلم اقتصر المصنف على إنكارها المسيس؟ قلت: لأنه إقرار منها ببقاء الإجبار، وتحت ذلك فائدتان: الأولى: أنه إذا لَمْ يجبرها بعد السنة وهي مقرّة ببقاء حكم الإجبار فأحرى أن لا يجبرها إذا ادعت المسيس المقتضي عدم الإجبار. والثانية: أنه إنما يجبرها فيما نقص عن السنة كستة أشهر إذا كانت حين الإجبار منكرة للمسيس لتضمن ذلك إقرارها ببقاء الإجبار حتى لا يكون ذريعة إلى إجبار ثيّب، وقد نبه على هذا في " التوضيح " فقال إذا قلنا بالإجبار مطلقاً أو مع عدم الطول فلابد من إقرارها بذلك قبل العقد، ولا يصدق الأب؛ لئلا يؤدي إلى إنكاح الأب الثيب بغير أمرها، ولا يسمع في ذلك قول الزوج إنه وطء. ابن سعدون: لو كذّبها الأب وهي فقيرة والأب موسر لكان القول (¬4) قولها؛ لأنه لا يعلم ¬
إلا من جهتها، وكذا نقل المَتِّيْطِي عن بعض الموثقين، وقال في " البيان " بعد قوله: إن زوجها بعد أن أقامت ستة أشهر بغير استئمار مضى النكاح؛ هذا إذا أقرّت بذلك على نفسها قبل أن يزوجها أو بقرب ما زوجها، وأما إن [زوّجها] (¬1) وهي غائبة بعيدة الغيبة أو حاضره فلم تعلم حتى طال الأمر فإنها تتهم على إمضاء النكاح بإقرارها على نفسها أن زوجها الذي دخل بها لَمْ يصبها، فجعل الإقرار بقرب العقد بمنزلة الإقرار قبله (¬2). وفي تبصرة اللخمي: إذا طلقت بالقرب وادعت البكارة وخالفها الأب كان القول قوله ولا تلزمه نفقتها هذا آخر نقل " التوضيح "، وما ذكر عن " البيان " هو في رسم حلف ليرفعن من سماع ابن القاسم، من كتاب النكاح (¬3). وجبرَ وَصِيٌّ أَمَرَهُ أَبٌ بِهِ. قوله: (وجبرَ وَصِيٌّ أَمَرَهُ أَبٌ بِهِ) أي: بالإجبار فالضمير للمصدر المدلول عليه بالفعل كقوله تعالى: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]، وهذا القول الثالث عند ابن الحاجب (¬4)، قال ابن عبد السلام: ومعناه أنه ولي ولا جبر له إلا أن يفهم منه إرادة الجبر كما لو قال له: زوجها قبل البلوغ وبعده، وأحرى إذا نص له على الجبر أن يكون له. أَوْ عَيَّنَ الزَّوْجَ وإِلا فَخِلافٌ وهُوَ فِي الثَّيِّبِ وَلِيٌّ، وصَحَّ إِنْ مُتُّ فَقَدْ زَوَّجْتُ ابْنَتِي بِمَرَضٍ وهَلْ إِنْ قَبِلَ بِقُرْبِ مَوْتِهِ؟ تَأْوِيلانِ. ثُمَّ لا جَبْرَ فَالْبَالِغُ، إِلا يَتِيمَةً خِيفَ فَسَادُهَا وبَلَغَتْ عَشْراً، وشُووِرَ الْقَاضِي وإِلا صَحَّ، إِنْ دَخَلَ وطَالَ، وقُدِّمَ ابْنٌ، فَابْنُهُ، فَأَبٌ، [فَأَخٌ] (¬5)، فَابْنُهُ، فَجَدٌّ، فَعَمٌّ فَابْنُهُ وقُدِّمَ الشَّقِيقُ عَلَى الأَصَحِّ، والْمُخْتَارِ فَمَوْلًى. قوله: (أَوْ عَيَّنَ الزَّوْجَ) قال في " التوضيح ": مقتضى كلام اللخمي أن الأب إذا عيّن ¬
الزوج كان للوصي أن يجبرها من غير خلاف، وقد صرّح الرجراجي بذلك (¬1). يعني: ابن تامسريت. ثُمَّ هَلِ الأَسْفَلُ وبِهِ فُسِّرَتْ؟ أَوْ لا، وصُحِّحَ. قوله: (ثُمَّ هَلِ الأَسْفَلُ وبِهِ فُسِّرَتْ؟ أَوْ لا، وصُحِّحَ) عطفه بثم مشعر أن المولى الأعلى المذكور قبله لا خلاف أنه من الأولياء، وإنما الخلاف في كون الأسفل منهم وهو كذلك، وأشار بقوله: (وصحح): لقول ابن الحاجب ثم [المولى] (¬2) الأعلى لا الأسفل على الأصح (¬3). قال ابن عرفة: إن أراد ابن الحاجب بمقابل الأصح استواءهما فقد يفهم من ظاهر قول محمد معها، وأنكر ابن عبد السلام إرادة سقوطه؛ بأنه لا خلاف في ثبوته. ويردّ بنقل أبي عمر في " الكافي " وابن الجلاب وابن شاس (¬4): لا ولاية له. زاد في " التوضيح ": وأَيْضاً فعدم ولاية الأسفل هو القياس؛ لأن الولاية هنا إنما تستحق بالتعصيب (¬5). فَكَافِلٌ، وهَلْ إِنْ كَفَلَ عَشْراً أَوْ أَرْبَعاً أَوْ مَا يُشْفِقُ؟ تَرَدُّدٌ [31 / أ]، وظَاهِرُهَا شَرْطُ الدَّنَاءَةِ، فَحَاكِمٌ، فَوِلايَةُ عَامَّةِ مُسْلِمٍ، وصَحَّ بِهَا فِي دَنِيئَةٍ مَعَ خَاصٍّ لَمْ يُجْبَرْ كَشَرِيفَةٍ دَخَلَ وطَالَ، وإِنْ قَرُبَ فَلِلأَقْرَبِ أَوِ الْحَاكِمِ إِنْ غَابَ الرَّدُ، وفِي تَحَتُّمِهِ إِنْ طَالَ قَبْلَهُ تَأْوِيلانِ، وبِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ إِنْ لَمْ يُجْبِرْ، ولَمْ يَجُزْ كَأَحَدِ الْمُعْتِقَيْنِ، ورِضَاءُ الْبِكْرِ صَمْتٌ كَتَفْوِيضِهَا. ونُدِبَ إِعْلامُهَا بِهِ، ولَمْ يُقْبَلْ دَعْوَى جَهْلِهِ فِي تَأْوِيلِ الأَكْثَرِ، وإِنْ مَنَعَتْ أَوْ نَفَرَتْ لَمْ تُزَوَّجْ، لا إِنْ ضَحِكَتْ، أَوْ بَكَتْ. والثَّيِّبُ تُعْرِبُ. قوله: (فَكَافِلٌ) بالفاء العاطفة المقتضية للترتيب، يدل على تأخير رتبة (¬6) الكافل عن ¬
ولي النسب، وكأنه اعتمد في ذلك قول ابن رشد في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب النكاح: المشهور المعلوم من المذهب أن الولي أحقّ بالنكاح (¬1) من الحاضن. كَبِكْرٍ رشدَتْ، أَوْ عُضِلَتْ، أَوْ زُوِّجَتْ بِعَرْضٍ، أَوْ بَرْقٍ، أَوْ بِعَيْبٍ، أَوْ يَتِيمَةٍ أَوِ افْتِيتَ عَلَيْهَا، وصَحَّ إِنْ قَرُبَ رِضَاهَا بِالْبَلَدِ ولَمْ يُقِرَّ بِهِ حَالَ الْعَقْدِ وإِنْ أَجَازَ مُجْبِرٌ فِي ابْنٍ وأَخٍ وَجَدٍّ فَوَّضَ لَهُ أُمُورَهُ بِبَيِّنَةٍ جَازَ، وهَلْ إِنْ قَرُبَ؟ تَأْوِيلانِ، وفُسِخَ تَزْوِيجُ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ ابْنَتَهُ فِي كَعَشْرَةٍ، وزَوَّجَ الْحَاكِمُ فِي كَإِفْرِيقِيَّةَ، وظُهِّرَ مِنْ مِصْرَ، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً بِالاسْتِيطَانِ كَغَيْبَةِ الأَقْرَبِ الثَّلاثَ، وإِنْ أُسِرَ أَوْ فُقِدَ، فَالأَبْعَدُ كَذِي رِقٍّ، وصِغَرٍ وعَتَهٍ، وأُنُوثَةٍ، لا فِسْقٍ وسَلَبَ الْكَمَالَ. قوله: (كَبِكْرٍ رشدَتْ، أَوْ عُضِلَتْ، أَوْ زُوِّجَتْ بِعَرْضٍ، أَوْ بَرْقٍ، أَوْ عَيْبٍ، أَوْ يَتِيمَةٍ أَوِ افْتِيتَ عَلَيْهَا) سكت عن العانس وهي أحرى [من بعض] (¬2) من ذكر، وقد استوفينا الكلام عليهن في: " تكميل التقييد وتحليل التعقيد " ونظمناه في رجز وهو: سبع من الأبكار بالنطق خليق ... من زوجت ذا عاهةٍ أو من رقيق أو صغرت أو عنست أو أسندت ... معرفة العرض لها أو رشدت أو رفعت لحاكم عضل الولي أو ... رضيت ما بالتعدي قد ولي وإذا عددت ذا العاهة والرقيق ... في اثنين كن ثمانِ أبكار وَوَكَّلَتْ مَالِكَةٌ، ووَصِيَّةٌ، ومُعْتِقَةٌ وإِنْ أَجْنَبِيَّاً كَعَبْدٍ أُوصِيَ، ومُكَاتِبٍ فِي أَمَةٍ طَلَبَ فَضْلاً وإِنْ كَرِهَ سَيِّدُهُ، ومَنَعَ إِحْرَامٌ مِنْ أَحَدِ الثَّلاثَةِ كَكُفْرٍ لِمُسْلِمَةٍ وعَكْسِهِ، إِلا لأَمَةٍ. قوله: (وَوَكَّلَتْ مَالِكَةٌ، ووَصِيَّةٌ، ومُعْتِقَةٌ [43 / أ] وإِنْ أَجْنَبِيَّاً) فهم من اقتصاره على الثلاث أنه لا ولاية للكافلة، وقد أقيم ذلك من قوله في " المدونة ": فرجال من الموالي (¬3). ¬
كما أنه لا ولاية للأخت (¬1) ونحوها خلافاً لابن لبابة إذ جعل لها أن توكّل، وفرّق بينها وبين الأم التي ليست بوصي نقله في التنبيهات، وفهم من تخصيصه المعتِقة بكسر التاء: أن المعتَقة بفتح لا ولاية لها، ولا يدخلها [الخلاف] (¬2) الذي تقدّم في المولى الأسفل، ثم لا فرق في المالكة بين أن توكل أجنبياً عنها أو [أجنبياً] (¬3) عن جاريتها. وأما الوصية فتوكل الأجنبي عنها باتفاق وعن محجورتها على القول بتقديم الأوصياء على الأولياء، وأما المعتقة فأولياء مولاتها مقدّمون عليها؛ لما سلف من تقديم أولياء النسب على الموالي، وأما أولياؤها هي فجوّز ابن بطال (¬4) في " مقنعه " أن تستخلف غيرهم مع حضورهم وقبله ابن فتوح والمَتِّيْطِي وابن عات (¬5) ... وغيرهم، وردّه ابن عبد السلام بأن إنكاح مواليها إنما هو لعصبتها دون من وكّلته؛ لأن الولاية لهم دونها ودون ولدها إن ماتت. قال وهو بيّن من " الموطأ " وكلام المتقدمين، وعرضته على من يوثق (¬6) به من أشياخي فقبله. وقال ابن عرفة يردّ بأنها عاصبة من أعتقته؛ لأنها محيطة بإرث كلّ ماله، وولاء كل من أعتق، وكل محيط بذلك عاصب، فصارت بالتعصيب كوصية أو أشد؛ لأن صيرورة ذلك لها بالسنة لا باقتراف (¬7)، حسبما قاله مالك فيها في عتق الجنين، وما ذكره عن " الموطأ " لم أجده إنما فيه تقديمهم [على عصبة ابنها بعد موتها في إرث ولاء من أعتقت، ولا يلزم من تقديمهم] (¬8) في إرث الولاء على عصبة ابنها تقديمهم على من باشر العتق؛ لأن المرأة في ¬
إرثه ساقطة، وفي مباشرة العتق ثابتة حتى في ولاء معتق معتقها. وقوله: (لا ولاية لابنها) مردود بنصّ " الموطأ " وكل المذهب على تقديمه عليهم في إرث ولاء معتقها دونهم، قال أشهب يرث الولاء دونهم زحفاً. الباجي: لأنه ليس من قومها ولكن قدم لقوة تعصيبه، وما نقل عن المتقدمين لا أعرفه بل قول " المدونة ": إن أمّرت رجلا يزوج وليتها جاز (¬1). عياض: معناه عند أكثر الفقهاء مولاتها أو من تحت إيصائها. ابن لبابة: مذهبهم جواز توكيلها في إنكاح أمتها أو مولاتها، إلا ما نقل سحنون عن الغير أن المرأة ليست بوليٍ فانظر هذا مع قبول شيخه المعروض عليه ما ذكر. والله تعالى أعلم بالصواب. انتهى. ولَمْ يتعقبه في " التوضيح ". على أن ابن عبد السلام عزا هذا البحث في موضع آخر بعده لبعض الشيوخ وقال: فيه نظر. ومُعْتَقَةٍ مِنْ غَيْرِ نِسَاءِ الْجِزْيَةِ، وزَوَّجَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ. وإِنْ عَقَدَ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ تُرِكَ، وعَقَدَ السَّفِيهُ ذُو الرَّأْيِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. قوله: (ومُعْتَقَةٍ مِنْ غَيْرِ نِسَاءِ الْجِزْيَةِ) هو كقوله في " المدونة ": إلا التي ليست من نساء أهل الجزية قد أعتقها رجل مسلم فيجوز (¬2). وصَحَّ تَوْكِيلُ زَوْجٍ الْجَمِيعَ، لا وَلِيٍّ إِلا كَهُوَ، وعَلَيْهِ الإِجَابَةُ لِكُفْءٍ، وكُفْؤُهَا أَوْلَى، فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ زَوَّجَ، ولا يَعْضُلُ أَبٌ بِكْراً بِرَدٍّ مُتَكَرِّرٍ حَتَّى يُتَحَقَّقَ وإِنْ وَكَّلَتْهُ مِمَّنْ أَحَبَّ عَيَّنَ، وإِلا فَلَهَا الإِجَازَةُ، ولَوْ بَعْدُ. قوله: (وصَحَّ تَوْكِيلُ زَوْجٍ الْجَمِيعَ) في سماع عيسى: لا بأس أن يوكل الرجل نصرانياً أو عبداً أو امرأة على عقد نكاحه (¬3). ¬
ابن عرفة: وزيادة ابن شاس: أو صبياً (¬1). لا أعرفه. لا الْعَكْسُ، ولابْنِ عَمٍّ ونَحْوِهِ إِنْ عين تزويجها مِنْ نَفْسِهِ بِتَزَوَّجْتُكِ بِكَذَا، أو تَرْضَى وتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ وإِنْ أَنْكَرَتِ الْعَقْدَ، صُدِّقَ الْوَكِيلُ إِنِ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ، وإِنْ تَنَازَعَ الأَوْلِيَاءُ الْمُتَسَاوُونَ فِي الْعَقْدِ أَوِ الزَّوْجِ، نَظَرَ الْحَاكِمُ وإِنْ أَذِنَتْ لِوَلِيَّيْنِ فَعَقَدَا، فَلِلأَوَّلِ إِنْ لَمْ يَتَلَذَّذِ الثَّانِي بِلا عِلْمٍ، ولَوْ تَأَخَّرَ تَفْوِيضُهُ إن لَمْ تَكُنْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ، ولَوْ تَقَدَّمَ الْعَقْدُ عَلَى الأَظْهَرِ. قوله: (لا الْعَكْسُ) أشار به لقول عبد الحق في " النكت ": إذا وكّل رجل من يزوجه ممن أحب فزوّجه من غير أن يستأذنه لا يدخل في هذا الاختلاف في المرأة تقول لوليها زوجني ممن أحببت، والفرق بين ذلك على أحد القولين أن الرجل إذا كره النكاح قدر على حله؛ لأن الطلاق بيده، والمرأة إذا كرهت ذلك لا تقدر على حلّه؛ فمن أجل أن المرأة لا تستطيع دفعه إذا انعقد عليها استظهر فيه بإعلامها عند عقده عليها، وإن تقدّم تفويضها له على أحد القولين. وقال اللخمي في توكيل الزوج إذا لَمْ يعين المرأة: لا أعلمهم يختلفون أن ذلك يلزمه إلا أن يعلم أنه قصّر (¬2) في الاجتهاد له فيكون له ردّ ذلك، ثم قال: ويختلف إذا وكل رجل امرأة لتزوجه فزوجته من نفسها وعقد ذلك وليّها، وأن لا يلزم؛ أحسن. وفُسِخَ بِلا طَلاقٍ إِنْ عَقَدَا بِزَمَنٍ أَوْ لِبَيِّنَةٍ بِعِلْمِهِ أَنَّهُ ثَانٍ، لا إِنْ أَقَرَّ أَوْ جُهِلَ الزَّمَنُ، وإِنْ مَاتَتْ وجُهِلَ الأَحَقُّ فَفِي الإِرْثِ قَوْلانِ، وعَلَى الإِرْثِ فَالصَّدَاقُ، وإِلا فَزَائِدُهُ، وإِنْ مَاتَ الرَّجُلانِ فَلا إِرْثَ، ولا صَدَاقَ، وأَعْدَلِيَّةُ مُتَنَاقِضَتَيْنِ مُلْغَاةٌ ولَوْ صَدَّقَتْهَا الْمَرْأَةُ، وفُسِخَ مُوصًى، وإِنْ بِكَتْمِ شُهُودٍ مِنَ امْرَأَةٍ [31 / ب] أَوْ بِمَنْزِلٍ أَوْ أَيَّامٍ، إِنْ لَمْ يَدْخُلْ ويَطُلْ. قوله: (وفُسِخَ مُوصًى، وإِنْ بِكَتْمِ شُهُودٍ) مجازه وفسخ موصي بكتمه وإن بكتم شهود؛ إذ لا يخرجه الإشهاد على هذا الوجه عن كونه نكاح سرّ. ¬
وعُوقِبَا، والشُّهُودَ، وقَبْلَ الدُّخُولِ وُجُوباً، عَلَى أَنْ لا تَأْتِيَهُ إِلا نَهَاراً أَوْ بِخِيَارٍ لأَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرٍ، أَوْ عَلَى إِنْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّدَاقِ لِكَذَا فَلا نِكَاحَ، وجَاءَ بِهِ ومَا فَسَدَ لِصَدَاقِهِ أَوْ عَلَى شَرْطٍ يُنَاقِضُ كَأَنْ لا يَقْسِمَ لَهَا أَوْ يُؤْثِرَ عَلَيْهَا، وإِلا أُلْغِيَ. قوله: (وَعُوقِبَا، والشُّهُودَ) يجوز نصب الشهود، ورفعه، والنصب مختار؛ لذا ضعف النسق. ومُطْلَقاً كَالنِّكَاحِ لأَجَلٍ، أَوْ إِنْ مَضَى شَهْرٌ فَأَنَا أَتَزَوَّجُكِ، وهُوَ طَلاقٍ إِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ كَمُحْرِمٍ وشِغَارٍ والتَّحْرِيمُ بِعَقْدِهِ ووَطْئِهِ، وفِيهِ الإِرْثُ، إِلا نِكَاحَ الْمَرِيضِ. قوله: (وَمُطْلَقاً كَالنِّكَاحِ لأَجَلٍ) أي: وفسخ مطلقاً ما كان مثل النكاح إلى أجل مما فسد لعقده سوى ما تقدّم في القسمين قبله وهما [مما] (¬1) يفسخ إن لَمْ يدخل، وبطل ما يفسخ قبل الدخول. وإِنْكَاحَ الْعَبْدِ والْمَرْأَةِ، لا إِنْ اتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ، فَلا طَلاقَ ولا إِرْثَ كَخَامِسَةٍ، وحَرَّمَ وَطْؤُهُ فَقَطْ، ومَا فُسِخَ بَعْدَهُ فَالْمُسَمَّى وإِلا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ. قوله: (وإِنْكَاحَ الْعَبْدِ والْمَرْأَةِ) معطوف بالجرّ على قوله: (كمحرّم وشغار) ولَمْ يظهر لتأخيره وجه، فمن حقّه أن يتصل بما عطف عليه، ولعلّ تأخيره من مُخرج المبيضة. وسَقَطَ بِالْفَسْخِ قَبْلَهُ إِلا نِكَاحُ الدِّرْهَمَيْنِ فَنِصْفُهُمَا كَطَلاقِهِ، وتُعَاضُ الْمُتَلَذَّذُ بِهَا، ولِوَلِيِّ صَغِيرٍ فَسْخُ عَقْدِهِ، بِلا مَهْرٍ ولا عِدَّةٍ. قوله: (كَطَلاقِهِ) الضمير للنكاح المستحق للفسخ أي: [فإذا] (¬2) طلّق [43 / ب] فيه الزوج بعد البناء اختياراً ففيه المسمى إن كان وإلا فصداق المثل، وإن طلّق قبل البناء فلا شيء فيه إلا في نكاح الدرهمين. وإِنْ زُوِّجَ بِشُرُوطٍ أَوْ أُجِيزَتْ، وبَلَغَ وكَرِهَ فَلَهُ التَّطْلِيقُ، وفِي نِصْفِ الصَّدَاقِ قَوْلانِ عُمِلَ بِهِمَا، والْقَوْلُ لَهَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ وهُوَ كَبِيرٌ، ولِلسَّيِّدِ رَدُّ نِكَاحِ عَبْدِهِ بِطَلْقَةٍ فَقَطْ بَائِنَةٍ، إِنْ لَمْ يَبِعْهُ. قوله: (وَإِنْ زُوِّجَ بِشُرُوطٍ أَوْ أُجِيزَتْ، وبَلَغَ وكُرِهَ فَلَهُ التَّطْلِيقُ) إنما عطف (بلغ) ¬
بالواو دون الفاء أو ثمّ؛ لأن الكلام مفروض في الصغير المزوج في حال صغره بالشروط، فتعين أن بلوغه بعد الشروط، والذي في أكثر النسخ: (وكُرِه) مبنياً للفاعل وهو الصغير، وهذا أليق من النسخة التي فيها: وكرهت مبنياً للنائب (¬1). إِلا أَنْ يُرَدَّ بِهِ أَوْ يَعْتِقَهُ، ولَهَا رُبْعُ دِينَارٍ إِنْ دَخَلَ. قوله: (إِلا أَنْ يُرَدَّ بِهِ أَوْ يعتقه) مفهوم قوله: (به) أنه لو رد عليه بغيره لَمْ يكن له ردّ نكاحه، وهو أحد القولين. قال ابن بشير: فإن اطلع بعد رضاه على عيب قديم فله أن يردّه بما اطلع عليه، وهل يردّ للعيب الذي رضي به شيئاً؛ لأن رضاه يقتضي أنه كالحادث عنده؟ للمتأخرين قَوْلانِ: أحدهما: أنه يردّ ما نقص وليس للسيّد (¬2) الأول فسخ. والثاني: أنه لا يردّ ما نقص، وللسيّد الفسخ، وأجراه بعضهم على الخلاف في الردّ بالعيب هل [هو] (¬3) نقض له من أصله أو نقض له الآن، فإن جعلناه نقضاً من أصله لَمْ يردّ ما نقص، وكان للسيّد الأول الخيار، وإن جعلناه نقضاً له الآن ردّ ما نقص، ولَمْ يكن للأول خيار. واتُّبِعَ عَبْدٌ ومُكَاتِبٌ بِمَا بَقِيَ، [إِنْ غُرَّاً] (¬4) إِنْ لَمْ يُبْطِلْهُ سَيِّدٌ أَوْ سُلْطَانٌ، ولَهُ الإِجَازَةُ إِنْ قَرُبَ ولَمْ يُرِدِ الْفَسْخَ أَوْ يَشُكَّ فِي قَصْدِهِ، ولِوَلِيِّ سَفِيهٍ فَسْخُ عَقْدِهِ، ولَوْ مَاتَتْ وتَعَيَّنَ بِمَوْتِهِ ولِمُكَاتَبٍ ومَأْذُونٍ تَسَرٍّ [بِمَالِهِمَا] (¬5) وإِنْ بِلا إِذْنٍ، ونَفَقَةُ الْعَبْدِ فِي غَيْرِ خَرَاجٍ وكَسْبٍ إِلا لِعُرْفٍ، كَالْمَهْرِ ولا يَضْمَنُهُ سَيِّدٌ بِإِذْنِ التَّزْوِيجِ، وجبرَ أَبٌ ووَصِيٌّ وحَاكِمٌ مَجْنُوناً احْتَاجَ، وصَغِيراً، وفِي السَّفِيهِ خِلافٌ، وصَدَاقُهُمْ إِنْ أَعْدَمُوا عَلَى الأَبِ، وإِنْ مَاتَ، أَوْ أَيْسَرُوا بَعْدُ، ولَوْ شُرِطَ ضِدُّهُ، وإِلا فَعَلَيْهِمْ إِلا لِشَرْطٍ، وإِنْ تَطَارَحَهُ رَشِيدٌ، وأَبٌ فُسِخَ، ولا مَهْرَ، وهَلْ إِنْ حَلَفَا وإِلا لَزِمَ النَّاكِلَ؟ تَرَدُّدٌ، ¬
وحَلَفَ رَشِيدٌ، وأَجْنَبِيٌّ، وامْرَأَةٌ أَنْكَرُوا الرِّضَا، والأَمْرَ حُضُوراً، إِنْ لَمْ يُنْكِرُوا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِمْ، وإِنْ طَالَ كَثِيراً لَزِمَ، ورَجَعَ لأَبٍ وذِي قَدْرٍ يُزَوِّجُ غَيْرَهُ، وضَامِنٍ لابْنَتِهِ النِّصْفُ بِالطَّلاقِ، والْجَمِيعُ بِالْفَسَادِ، ولا يَرْجِعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُصَرِّحَ بِالْحَمَالَةِ، أَوْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَقْدِ. قوله: (وَاتُّبِعَ عَبْدٌ ومُكَاتِبٌ (¬1) بِمَا بَقِيَ، إِنْ غُرَّاً) مفهومه أنهما إذا لَمْ يغرّاها بل أخبرها العبد أنه عبد والمكاتب أنه مكاتب فلا يتبعان، وعليه اقتصر المَتِّيْطِي، وعليه اختصر " المدونة " أبو محمد وابن أبي زمنين وأبو سعيد (¬2). قال عياض: وتأولها أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو محمد عبد الحقّ وغيرهما من القرويين على الفرق بين العبد والمكاتب، وأن العبد سواء غر أم لَمْ يغرّ للسيّد إسقاطه عنه وأما المكاتب فلا يسقطه عنه إلا إذا لَمْ يغرّ، فإن غرّ وقف الأمر، فإن عجز كان للسيّد إسقاطه وإن أدّى بقي عليه. ولَهَا الامْتِنَاعُ إِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ، حَتَّى يُقْدَرَ وتَأْخُذَ الْحَالَّ، ولَهُ التَّرْكُ، وبَطَلَ إِنْ ضَمِنَ فِي مَرَضِهِ عَنْ وَارِثٍ، لا زَوْجِ ابْنَتِهِ، والْكَفَاءَةُ فِي الدِّينِ والْحَالِ، ولَهَا ولِلْوَلِيِّ تَرْكُهَا، ولَيْسَ لِوَلِيٍّ رَضِيَ بمطَلَّقَ امْتِنَاعٌ بِلا حَادِثٍ، ولِلأُمِّ التَّكَلُّمُ فِي تَزْوِيجِ الأَبِ الْمُوسِرَةَ الْمَرْغُوبَ فِيهَا مِنْ فَقِيرٍ ورُوِيَتْ بِالنَّفْيِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: إِلا لِضَرَرٍ بَيِّنٍ. [32 / أ] وهَلْ وِفَاقٌ؟ تَأْوِيلانِ والْمَوْلَى وغَيْرُ الشَّرِيفِ، والأَقَلُّ جَاهاّ كُفْءٌ وفِي الْعَبْدِ تَأْوِيلانِ، وحَرُمَ أُصُولُهُ، وفُصُولُهُ، ولَوْ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ، وزَوْجَتُهُمَا، وفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ، وأَوَّلُ فَصْلٍ مُنْ كُلِّ أَصْلٍ، وأُصُولُ زَوْجَتِهِ، وبِتَلَذُّذِهِ وإِنْ بَعْدَ مَوْتِهَا. قوله: (وَلَهَا الامْتِنَاعُ إِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ، حَتَّى يُقْدَرَ وتَأْخُذَ الْحَالَّ) إن كان لفظ (يقدر) بدال وراء لا براءين، فلعلّه لوح به لما اختصر في " توضيحه " من كلام اللخمي إذ قال: لو كان صداقها مائة، النقد نصفها، والمؤخر نصفها وخلف الحامل مالاً أخذت المائة؛ لأن بالموت يحل المؤجّل، وإن لَمْ يخلف شيئاً فللزوج إذا أتى بالمعجّل أن يبني بها وإن خلّف خمسين أخذتها، وكان للزوج أن يبني بها إذا دفع خمسة وعشرين؛ لأن الخمسين المأخوذة نصفها للخمسين المعجّلة ونصفها للخمسين المؤخرة. ¬
ويختلف إذا حاصت (¬1) المرأة الغرماء ونابها من المائة خمسون، ثم فارق الزوج هل ينتقض الحصاص (¬2) الأول فمن قال إن الصداق وجب بالعقد لَمْ ينتزع منه شيئاً، ومن قال: إنما يجب النصف [بالعقد ونصف بالدخول] (¬3). قال عليها أن ترد نصف ما قبضته عن المعجّل وهو خمسة وعشرون ثم تضرب فيها هي والغرماء بما بقي لهم؛ لأنه قد تبين أن دينها خمسون فقط وإن كان جميع الصداق مؤجلاً كان للزوج أن يبني بها، وليس لها أن تمنع نفسها كالمشهور فيما إذا أجّل ما على الزوج؛ لأنها دخلت هنا على أن تسلّم نفسها وتتبع ذمة أخرى (¬4). ولَوْ بِنَظَرِ فُصُولُهَا. قوله: (وَلَوْ بِنَظَرِ) في بعض النسخ: ولو بنظر باطن، فهو كقول ابن الحاجب: والنظر لباطن الجسد (¬5). وقد قال ابن عبد السلام تقييده الخلاف الذي في النظر لباطن الجسد ظاهر الرواية خلافه، قال ابن حبيب من تلذذ من تقبيل أو تجريد أو ملاعبة أو مغامزة أو نظر إلى شيء من محاسنها نظر شهوة حرم على ابنه وأبيه التلذذ منها إن ملكها، ورواه أَيْضاً محمد عن مالك، وزاد: وكذلك إن نظر إلى ساقها أو معصمها تلذذاً. وقال في " التوضيح " احترز ابن الحاجب بالنظر إلى باطن الجسد مما لو نظر إلى وجهها فإنه لا يحرم بالاتفاق، حكاه ابن بشير. وفي " الموطأ " أن عمر ابن الخطاب - رضي الله تعالي عنه - وهب لابنه جارية فقال له لا تمسّها فإنّي كنت كشفتها (¬6). الباجي: يريد نظر إلى بعض ما تستره من جسدها لطلب اللذة (¬7). قال: ويمكن الجمع ¬
بين الرواية وقول ابن بشير بأن يحمل قول ابن بشير على نظر الوجه لغير قصد اللذة أو يقيد ما في الرواية بغير الوجه (¬1). كَالْمِلْكِ، وحَرَّمَ الْعَقْدَ وإِنْ فَسَدَ إِنْ لَمْ يُجْمَعَ عَلَيْهِ، وإِلا فَوَطْؤُهُ إِنْ دَرَأَ الْحَدَّ، وفِي الزِّنَا خِلافٌ، وإِنْ حَاوَلَ تَلَذُّذاً بِزَوْجَتِهِ فَتَلَذَّذَ بِابْنَتِهَا، فَتَرَدُّدٌ، وإِنْ قَالَ أَبٌ نَكَحْتُهَا أَوْ وَطَئِتُ أَمَةً عِنْدَ قَصْدِ الابْنِ ذَلِكَ وأَنْكَرَ نُدِبَ التَّنَزُّهُ. قوله: (كَالْمِلْكِ) ينبغي أن ينطبق على كلّ ما تقدم من حرمة النكاح. وفِي وُجُوبِهِ إِنْ فَشَا تَأْوِيلانِ، وجَمْعُ خَمْسٍ، ولِلْعَبْدِ الرَّابِعَةُ. قوله: (وفِي وُجُوبِهِ إِنْ فَشَا تَأْوِيلانِ) أي: [وفي] (¬2) وجوب الترك. أَوِ اثْنَتَيْنِ لَوْ قُدِّرَتْ أَنَّهُ (¬3) ذَكَراً حُرِمَ كَوَطْئِهِمَا بِالْمِلْكِ، وفُسِخَ نِكَاحُ ثَانِيَةٍ صَدَّقَتْ وإِلا حَلَفَ لِلْمَهْرِ بِلا طَلاقٍ كَأُمٍّ وابْنَتِهَا بِعَقْدٍ، وتَأَبَّدَ تَحْرِيمُهُمَا إِنْ دَخَلَ ولا إِرْثَ، وإِنْ تَرَتَّبَتَا، وإَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ حَلَّتِ الأُمُّ، وإِنْ [مَاتَ وَ] (¬4) لَمْ تُعْلَمِ السَّابِقَةُ، فَالإِرْثُ، ولِكُلٍّ نِصْفُ صَدَاقِهَا كَأَنْ لَمْ تَعْلَمِ الْخَامِسَةُ. قوله: (أَوِ اثْنَتَيْنِ لَوْ قُدِّرَتْ أية ذَكَراً حُرِمَ) هو كقوله في " التلقين ": وحصر ذلك أن كل امرأتين لو كانت كلّ واحدة منهما ذكرا لَمْ يجز له أن يتزوج الأخرى لا يجوز الجمع بينهما. انتهى (¬5). ويكون التقدير من الجانبين تخرج المرأة مع أم زوجها ومع ابنته. [44 / أ] قال في " التوضيح ": لأنك إذا قدرت المرأة في الأول [ذكراً] (¬6) جاز له أن يتزوج أم الزوج؛ ¬
لأنها أم رجلٍ أجنبيٍ، وكذلك إذا قدرت المرأة في الثاني ذكراً جاز له أن يتزوج البنت لأنها بنت رجل أجنبيٍ. انتهى (¬1). وأصله لابن يونس عن ابن بكير؛ لكن قيّده بذوات المحارم فقال أبو الحسن الصغير: ليخرج المرأة وأمتها فإنك لو قدرت إحداهما ذكراً لَمْ يجز أن يتزوج الأخرى، وإذا أعدنا الضمير الفاعل في قول المصنف: (حرم) على الوطء خرجت مسألة المرأة وأمتها؛ إذ الوطء أعمّ والسيدة لو كانت (¬2) ذكراً حل له وطء أمته بالملك فلم يطّرد فيه الضابط من الطرفين، وحينئذ تكون عبارة المصنف محررة من كلّ وجه. والله سبحانه أعلم. وحَلَّتِ الأُخْتُ بِبَيْنُونَةِ السَّابِقَةِ أَوْ زَالَ مِلْكٌ بِعِتْقٍ وإِنْ لأَجَلٍ، أوَكِتَابَةٍ. قوله: (أوَ كِتَابَةٍ) لَمْ يخالف فيه إلّا اللخمي قال ابن عرفة: وفيها مع " الموطأ " و " الجلاب " و " التلقين " يريد: و " الرسالة " (¬3): أو بالكتابة، فقول اللخمي: الكتابة لا تحرم. وهم أو توهيم. أَوْ إِنْكَاحٍ يُحِلُّ الْمَبْتُوتَةَ، أَوْ أَسْرٍ، وإِبَاقِ إِيَاسٍ، أَوْ بَيْعٍ دَلَّسَ فِيهِ، لا فَاسِدٍ لَمْ يَفُتْ، وحَيْضٍ وعِدَّةِ شُبْهَةٍ، ورِدَّةٍ، وإِحْرَامٍ، وظِهَارٍ واسْتِبْرَاءٍ، وخِيَارٍ، وعُهْدَةِ ثَلاثٍ، وإِخْدَامِ سَنَةٍ. قوله: (أَوْ إِنْكَاحٍ يُحِلُّ الْمَبْتُوتَةَ) أي: أو عقد نكاح صحيح لا فاسد لازم لا خيار فيه لأحد، ولما كان لفظ النكاح الذي هو مصدر الثلاثي قد يصلح أن يراد به الدخول، عدل عنه إلى لفظ الإنكاح الرباعي الذي لا يصلح أن يراد به إلا العقد، رفعاً لما عسى أن يتوهم من قوله: (يُحِلُّ الْمَبْتُوتَةَ). ¬
وهبةٍ لِمَنْ يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ، وإِنْ (¬1) بِبَيْعٍ، بِخِلافِ صَدَقَةٍ عَلَيْهِ إِنْ حِيزَتْ، وإِخْدَامِ سِنِينَ ووُقِفَ، إِنْ وَطِئَهُمَا لِيُحَرِّمَ، فَإِنْ أَبْقَى الثَّانِيَةَ اسْتَبْرَأَهَا، وإِنْ عَقَدَ فَاشْتَرَى فَالأُولَى. قوله: (وهبةٍ لِمَنْ يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ، وإِنْ بِبَيْعٍ) اختصر في هذا قول ابن الحاجب: ولا بهبتها لمن يعتصرها منه ولو يتيماً في حجره إذ له انتزاعها بالبيع (¬2)، وهو معنى ما في كتاب الاستبراء من " المدونة " (¬3)، و " نكت " فضل بن مسلمة على كونها لا تحرم بهبتها ليتيمة فقال: لَم لا تحرم وهو لا يجوز له شراؤها؟؛ لأنه رجوع في الهبة، وما ذلك إلا لأنه لا مانع له من ذلك كما منع ابن القاسم معاملته مع يتيمة ولَم يجعلها تحرم ببيعها (¬4) منه إذ لا مانع له من شرائها. أبو الحسن الصغير: راعى فضل الإمكان العادي لا الشرعي مع أنّ النهي عن شراء الهبة [إنما هو] (¬5) نهي كراهة. فَإِنْ وَطِئَ أَوْ عَقَدَ بَعْدَ تَلَذُّذِهِ بِأُخْتِهَا بِمِلْكٍ فَكَالأَوَّلِ. قوله: (فَإِنْ وَطِئَ أَوْ عَقَدَ بَعْدَ تَلَذُّذِهِ بِأُخْتِهَا بِمِلْكٍ فَكَالأَوَّلِ) تقرير الشارح لهذا جيّد، والأول مذكّر صفة للفرع. والْمَبْتُوتَةُ حَتَّى يُولِجَ [مسلم] (¬6) بَالِغٌ قَدْرَ الْحَشَفَةِ. قوله: (وَالْمَبْتُوتَةُ حَتَّى يُولِجَ مسلم بَالِغٌ) كذا في بعض النسخ بزيادة مسلم وهو ¬
صحيح (¬1). قال في " المدونة ": والنصرانية يبتها مسلم فلا يحلها وطء نصراني بنكاح إلا أن يطأها بعد إسلامه (¬2). بِلا مَنْعٍ، ولا نُكْرَةٌ فِيهِ بِانْتِشَارٍ فِي نِكَاحٍ لازِمٍ وعِلْمِ خَلْوَةٍ وزَوْجَةٍ فَقَطْ ولَوْ خَصِيَّاً كَتَزْوِيجِ غَيْرِ مُشْبِهَةٍ لِيَمِينٍ لا بِفَاسِدٍ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدَهُ. قوله: (بلا منع) به خرج الدبر كما خرج الحيض ونحوه. بِوَطْءٍ ثَانٍ. قوله: (بِوَطْءٍ ثَانٍ) راجع لمفهوم الشرط قبله أي: فإن ثبت بعده حلّت بالوطءِ الثاني، وله نظائر كثيرة في كلامه ينبغي أن يتنبه لها. وبَالأَوَّلِ تَرَدُّدٌ كَمُحَلِّلٍ، وإِنْ مَعَ نِيَّةِ إِمْسَاكِهَا مَعَ الإِعْجَابِ ونِيَّةُ الْمُطَلِّقِ ونِيَّتُهَا لَغْوٌ، وقُبِلَ دَعْوَى طَارِئَةٍ التَّزْوِيجَ، كَحَاضِرَةٍ أُمِنَتْ، إِنْ بَعُدَ، وفِي غَيْرِهَا قَوْلانِ ومِلْكُهُ أَوْ لِوَلَدِهِ، وفُسِخَ، وإِنْ طَرَأَ بِلا طَلاقٍ كَمَرْأَةٍ فِي زَوْجِهَا ولَوْ بِدَفْعِ مَالٍ لِيُعْتَقَ عَنْهَا، لا إِنْ رَدَّ سَيِّدٌ شِرَاءَ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا. قوله: (كَمُحَلِّلٍ) تمثيل للفاسد إذ هو من صوره وليس بتنظير. أَوْ قَصَدَا بِالْبَيْعِ الْفَسْخَ كَهِبَتِهَا لِلْعَبْدِ لِيَنْتَزِعَهَا وأُخِذَ مِنْهُ جَبْرُ الْعَبْدِ عَلَى الْهِبَةِ، ومَلَكَ أَبٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ بِتَلَذُّذِهِ بِالْقِيمَةِ، [32 / ب]. وحَرُمَتْ عَلَيْهِمَا إِنْ وَطِئَهَا وعَتَقَتْ عَلَى مُولِدِهَا، ولِعَبْدٍ تَزَوُّجُ ابْنَةِ سَيِّدِهِ بِثِقَلٍ، ومِلْكِ غَيْرِهِ كَحُرٍّ لا يُولَدُ لَهُ، وكَأَمَةِ الْجَدِّ. قوله: (أَوْ قَصَدَا بِالْبَيْعِ الْفَسْخَ) كذا في كثيرٍ من النسخ: قصدا بألف التثنية، وهو المطابق لقوله في " المدونة "، قال سحنون: إلا أن يرى أنها وسيدها اغتزيا (¬3) فسخ النكاح ¬
فلا يجوز ذلك وتبقى زوجة. قال ابن عرفة: ظاهره أن اغتزاءه وحده لغوٌ، وفيه نظر (¬1). وإِلا فَإِنْ خَافَ زِناً وعَدِمَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً غَيْرَ مُغَالِيَةٍ ولَوْ كِتَابِيَّةً، أَوْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، ولِعَبْدٍ بِلا شِرْكٍ ومُكَاتَبٍ وَغْدَيْنِ نَظَرُ شَعْرِ السَّيِّدَةِ كَخَصِيٍّ وَغْدٍ لِزَوْجٍ. قوله: (أَوْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) هكذا هو في النسخ التي رأينا بأو العاطفة، ولعلّ صوابه ولو تحته حرّة بواو النكاية ولو الإغيائية فيكون الإغياء راجعاً لقوله: (وَعَدِمَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً غَيْرَ) ولا يحسن عطفه على قوله: (ولو كتابية) الذي هو إغياء في الحرة؛ لاختلاف موضوع (¬2) الإغياء، وتعاكس المشهورين، فقد صرّح اللخمي وغيره: أن مذهب " المدونة " أن الحرة تحته ليست بطول، وعليه يحمل كلام المصنف، وعليه فرّع قوله بعد هذا (كتزويج (¬3) أمة عليها). والله تعالى أعلم. ورُوِيَ جَوَازُهُ وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وخُيِّرَتِ الْحُرَّةُ مَعَ الْحُرِّ فِي نَفْسِهَا بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ. قوله: (ورُوِيَ جَوَازُهُ وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا) كذا هو في بعض النسخ بتثنية الضمير أي: وإن لَمْ يكن للزوجين بل كان لأجنبيٍ، وهو الصواب (¬4). ¬
كَتَزْوِيجِ أَمَةٍ عَلَيْهَا أَوْ ثَانِيَةٍ أَوْ عِلْمِهَا بِوَاحِدَةٍ فَأَلْفَتْ أَكْثَرَ، ولا تُبَوَّأُ أَمَةٌ بِلا شَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ، ولِلسَّيِّدِ السَّفَرُ بِمَنْ لَمْ تُبَوَّأْ، وأَنْ يَضَعَ مِنْ صَدَاقِهَا، إِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ دَيْنُهَا، إِلا رُبْعَ دِينَارٍ، ومَنْعُهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ، وأَخْذُهُ وإِنْ قَتَلَهَا أَوْ بَاعَهَا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ إِلا لِظَالِمٍ، وفِيهَا يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهَا بِهِ، وهَلْ هُوَ خِلافٌ وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ أَوِ الأَوَّلُ لَمْ تُبَوَّأْ؟ أَوْ جَهَّزَهَا مِنْ عِنْدِهِ؟ تَأْوِيلانِ. وسَقَطَ بِبَيْعِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ مَنْعُ تَسْلِيمِهَا لِسُقُوطِ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ، والْوَفَاءُ بِالتَّزْوِيجِ إِذَا أَعْتَقَ عَلَيْهِ. قوله: (كَتَزْوِيجِ أَمَةٍ عَلَيْهَا) في بعض النسخ كتزويج بالكاف، وفي بعضها بالباء، أو اللام، والكاف أحسن لاشتمال الكلام معها على صورتين تفهم كيفية أولاهما من كيفية الثانية (¬1). وصَدَاقُهَا [إِنْ بِيعَتْ للِزَوْجٍ] (¬2). قوله: (وَصَدَاقُهَا إِنْ بِيعَتْ للِزَوْجٍ) سقطت جملة الشرط من بعض النسخ اتكالاً على فهم موضوع المسألة مما بعدها، وثبوتها أبين. وهَلْ ولَوْ بِبَيْعِ سُلْطَانٍ لِفَلَسٍ أَوْ لا ولَكِنْ لا يَرْجِعُ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ؟ تَأْوِيلانِ، وبَعْدَهُ كَمَالِهَا. وبَطَلَ فِي الأَمَةِ إِنْ جَمَعَهَا مَعَ حُرَّةٍ فَقَطْ بِخِلافِ الْخَمْسِ والْمَرْأَةِ ومَحْرَمِهَا، ولِزَوْجِهَا الْعَزْلُ إِذَا أَذِنَتْ، وسَيِّدُهَا كَالْحُرَّةِ إِذَا أَذِنَتْ، والْكَافِرَةُ، إِلا الْحُرَّةَ الْكِتَابِيَّةَ بُكْره، وتَأَكَّدَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ولَوْ يَهُودِيَّةً تَنَصَّرَتْ، وبِالْعَكْسِ، وأَمَتَهُمْ بِالْمِلْكِ، وقُرِّرَ عَلَيْهَا إِنْ أَسْلَمَ وأَنْكِحَتُهُمْ فَاسِدَةٌ، وعَلَى الأَمَةِ والْمَجُوسِيَّةِ إِنْ عَتَقَتْ وأَسْلَمَتْ ولَمْ يَبْعُدْ كَالشَّهْرِ، وهَلْ إِنْ غُفِلَ أَوْ مُطْلَقاً؟ تَأْوِيلانِ. ولا نَفَقَةَ أَوْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا، ولَوْ طَلَّقَهَا. قوله: (وهَلْ ولَوْ بِبَيْعِ سُلْطَانٍ لِفَلَسٍ أَوْ لا ولَكِنْ لا يَرْجِعُ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ؟ تَأْوِيلانِ) عبارة ابن الحاجب أسمح من هذا التعقيد إذ قال: فلو باعها للزوج قبل البناء سقط الصداق عَلَى المنصوص (¬3). وعن ابن القاسم: لو اشتراها من الحاكم [44 / ب] لتفليس ¬
قبل البناء فعَلَيْهِ نصف الصداق ولا يرجع به فقيل: اختلاف (¬1)، وقيل: لا يرجع به من الثمن؛ لأنه إنما ينفسخ بعد البيع، وقد استوفى نقولها فِي " التوضيح " (¬2). ولا نَفَقَةَ عَلَى الْمُخْتَارِ والأَحْسَنِ، وقَبْلَ الْبِنَاءِ بَانَتْ مَكَانَهَا أَوْ أَسْلَمَا، إِلا الْمَحْرَمَ، وقَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ والأَجَلِ وتَمَادَيَا لَهُ، ولَوْ طَلَّقَهَا ثَلاثاً وعَقَدَ إِنْ أَبَانَهَا بِلا مُحَلِّلٍ، وفُسِخَ لإِسْلامِ أَحَدِهِمَا بِلا طَلاقٍ، لا رِدَّةٍ فَبَانَتْ، ولَوْ لِدَيْنِ زَوْجَتِهِ. قوله: (ولا نَفَقَةَ عَلَى الْمُخْتَارِ والأَحْسَنِ) أي: لا نفقة لها فِي العدة. ابن عبد السلام: واعلم أن القولين فِي النفقة موجودان فِي زمان العدة، سواء أسلم الزوج أو لَمْ يسلم، وليس كما يعطيه ظاهر كلام ابن الحاجب أنهما مقصوران عَلَى ما بين إسلاميهما (¬3)، وقبله فِي " التوضيح " (¬4). وفِي لُزُومِ الثَّلاثِ لِذِمِّيٍّ طَلَّقَهَا وتَرَافَعَا إِلَيْنَا، أَوْ إِنْ كَانَ صَحِيحاً فِي الإِسْلامِ، أَوْ بِالْفِرَاقِ مُجْمَلاً، أَوْ لا تَأْوِيلاتٌ. ومَضَى صَدَاقُهُمُ الْفَاسِدُ أَوِ الإِسْقَاطُ إِنْ قُبِضَ ودَخَلَ، وإِلا فَكَالتَّفْوِيضِ، وهَلْ إِنِ اسْتَحَلُّوهُ؟ تَأْوِيلانِ، واخْتَارَ الْمُسْلِمُ أَرْبَعاً وإِنْ أَوَاخِرَ وإحدى أُخْتَيْنِ مُطْلَقاً وأُمَّا وَابْنَتَهَا لَمْ يَمَسَّهُمَا، وإِنْ مَسَّهُمَا حَرُمَتَا، وإحداهُمَا تَعَيَّنَتْ، ولا يَتَزَوَّجُ ابْنُهُ أَوْ أَبُوهُ مَنْ فَارَقَهَا، واخْتَارَ بِطَلاقٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ إِيلاءٍ أَوْ وَطْءٍ، والْغَيْرَ إِنْ فَسَخَ نِكَاحِهَا، أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُنَّ أَخَوَاتٌ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ، ولا شَيْءَ لِغَيْرِهِنَّ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِ كَاخْتِيَارِهِ وَاحِدَةً مِنْ أَرْبَعٍ رَضِيعَاتٍ تَزَوَّجَهُنَّ وأَرْضَعَتْهُنَّ امْرَأَةٌ، وعَلَيْهِ أَرْبَعُ صَدُقَاتٍ إِنْ مَاتَ ولَمْ يَخْتَرْ، ولا إِرْثَ إِنْ تَخَلَّفَ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ عَنِ الإِسْلامِ أَوِ الْتَبَسَتِ الْمُطَلَّقَةُ مَنْ مُسْلِمَةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ، لا إِنْ طَلَّقَ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ وجُهِلَتْ، ودَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا ولَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ، فَلِلْمَدْخُولِ بِهَا الصَّدَاقُ، وثَلاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ، ولِغَيْرِهَا رُبْعُهُ وثَلاثَةُ أَرْبَاعِ الصَّدَاقِ وهَلْ يَمْنَعُ مَرَضُ أَحَدِهِمَا الْمَخُوفُ، وإِنْ أَذِنَ الْوَارِثُ أَوْ إِنْ لَمْ يَحْتَجْ؟ خِلافٌ، ولِلْمَرِيضَةِ [33 / أ] بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى، وعَلَى الْمَرِيضِ مِنْ ثُلُثِهِ الأَقَلُّ مِنْهُ، ومِنَ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وعُجِّلَ بِالْفَسْخِ، إِلا أَنْ يَصِحَّ الْمَرِيضُ مِنْهُمَا، ومُنِعَ نِكَاحَهُ النَّصْرَانِيَّةَ والأَمَةَ عَلَى الأَصَحِّ، والْمُخْتَارُ خِلافُهُ. قوله: (وفِي لُزُومِ الثَّلاثِ لِذِمِّيٍّ طَلَّقَهَا) ضمير طلّقها للثلاث. ¬
فصل في الخيار
[فصل فِي الخيار] الْخِيَارُ إِنْ لَمْ يَسْبِقِ الْعِلْمُ أَوْ لَمْ يَرْضَ أَوْ يَتَلَذَّذْ وحَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ بِبَرَصٍ، وعِذْيَوْطَةٍ (¬1) وجُذَامٍ، لا جُذَامَ الأَبِ، وبِخِصَائِهِ، وجبهِ، وعُنَّتِهِ واعْتِرَاضِهِ، وبِقَرَنِهَا، ورَتَقِهَا، وعَفَلِهَا وبَخَرِهَا، وإِفْضَائِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ. وَلَهَا فَقَطْ الرَّدُّ بِالْجُذَامِ الْبَيِّنِ، والْبَرَصِ الْمُضِرِّ، الْحَادِثَيْنِ بَعْدَهُ. قوله: (ولَهَا فَقَطْ الرَّدُّ بِالْجُذَامِ الْبَيِّنِ، والْبَرَصِ الْمُضِرِّ، الْحَادِثَيْنِ) البيّن ضد الخفي وإن قلّ، والمضرّ: الفاحش. لا بِكَاعْتِرَاضٍ. قوله: (لا بِكَاعْتِرَاضٍ) يريد بعد أن يطأها ولو مرة كما فِي " المدونة "، (¬2) ومما يدخل تحت الكاف: الكبر المانع من الوطء، وقد صرّح به ابن عبد البر. وبِجُنُونِهِمَا. قوله: (وبِجُنُونِهِمَا) أي: ويجب الخيار لكل واحد منهما بسبب جنون الآخر إذا كان الجنون قديماً. وإِنْ مَرَّةً فِي الشَّهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وبَعْدَهُ. قوله: (وإِنْ مَرَّةً فِي الشَّهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وبَعْدَهُ) أي: وبعد العقد، فالضمير للعقد، وهذا كقوله فِي " التوضيح ": جعل اللخمي الجنون الحادث بعد العقد وقبل الدخول كالكائن قبل العقد فِي وجوب الرد به، ولَمْ يذكر فِي ذلك خلافاً. انتهى، وإنما ذكره اللخمي فِي الزوج فقط، وتبعه عَلَيْهِ المَتِّيْطِي وقال ابن عرفة فِي جنون من تأمن زوجته أذاه ثلاثة أقوال: الأول: إلغاؤه، لابن رشد عن سماع زونان من أشهب وابن وَهب. الثاني: اعتباره، لسماع عيسى رأي ابن القاسم وروايته. ¬
الثالث: إن حدث بعد البناء ألغي، وإِلا فلا. للخمي قائلاً: اختلف إن حدث بعد البناء فقال مالك: إن لَمْ يُخف عَلَيْهَا منه فِي خلواته ألغي، وقال أشهب: إن لَمْ تخف منه ألغي، وإن كان لا يفيق يريد إن احتاج إليها , وإِلا فرّق بينهما؛ لأن بقاءها (¬1) ضرر عَلَيْهَا دون منفعة، ولَمْ يحك (¬2) ابن رشد غير الأولين. انتهى. فاقتصار المصنف عَلَى طريقة اللخمي قد يغتفر؛ ولكن فِي إطلاقه نظر. تنبيه: قد ظهر لك أن الإغياء فِي عبارة المصنف متناول لوجهين، وكأنه يقول: الخيار المذكور و (3)، وإن كان الجنون مرة فِي الشهر، وإن طرأ قبل الدخول وبعد العقد (¬3). أُجِّلا فِيهِ. وفِي بَرَصٍ وجُذَامٍ رُجِيَ بُرْؤُهُمَا سَنَةً، وبِغَيْرِهَا إِنْ شَرَطَ السَّلامَةَ، ولَوْ بِوَصْفِ الْوَلِيِّ عِنْدَ الْخِطْبَةِ، وفِي الرَّدِّ إِنْ شَرَطَ الصِّحَّةَ تَرَدُّدٌ لا بِخِلافِ الظَّنِّ كَالْقَرَعِ، والسَّوَادِ مِنْ بِيضٍ، ونَتَنِ الْفَمِ، والثُّيُوبَةِ، إِلا أَنْ يَقُولَ عَذْرَاءُ. وفِي بِكْرٍ تَرَدُّدٌ، وإِلا تَزْوِيجَ الْحُرِّ الأَمَةَ، والْحُرَّةِ الْعَبْدَ. بِخِلافِ الْعَبْدِ مَعَ الأَمَةِ. قوله: (وأُجِّلا فِيهِ. وفِي بَرَصٍ وجُذَامٍ رُجِيَ بُرْؤُهُمَا سَنَةً) أي: وأجّل كل وَاحد من الزوجين سنة إذا لَمْ يرض الآخر بجنونه أو جذامه أو برصه ولا خفاء أن الأقسام العقلية هنا أربعة: الأول: العيب الحادث بالرجل قال فِيهِ فِي ثاني أنكحة " المدونة ": وإذا حدث بالزوج جنون بعد النكاح عزل عنها وأجّل سنة لعلاجه فإن صحّ وإِلا فرق بينهما، وقضى به عمر ابن الخطاب رضي الله عنه (¬4). قال ابن القاسم فِي الأجذم البين الجذام: إن كان مما يرجى ¬
برؤه فِي العلاج وقدر عَلَى علاجه فليضرب (¬1) له الأجل (¬2)، وفِي كتاب بيع الخيار: ويتلوم للمجنون سنة وينفق عَلَى امرأته فِي التلوم، فإن بريء وإِلا فرق بينهما (¬3). الثاني: العيب القديم فِي الرجل. قال فِي " جامع الطرر " مفهوم قوله فِي النصّ السابق: وإذا حدث أنه لا يؤجل فِي القديم وتكون المرأة مخيرةً وهو معنى ما فِي آخر الجزء الأول، خلاف ما فِي " خصال " ابن زرب أنه يؤجل فِي الجنون كان قبل النكاح أو بعده (¬4). انتهى وقبله أبو الحسن الصغير؛ مع أن ما نسب لابن زرب، به قطع ابن رشد فِي رسم: نقدها، من سماع عيسى، وقبله ابن عات. الثالث: العيب القديم فِي المرأة. قال القاضي أبو الوليد الباجي فِي وثائق ابن فتحون: إن لَمْ يعلم به الزوج إِلا بعد النكاح ضرب لها الأجل فِي معاناة نفسها من الجنون والجذام والبرص سنة، وفِي داء الفرج بقدر اجتهاد الحاكم، وقبله المَتِّيْطِي وابن عات، وأجّل ابن فتحون فِي داء الفرج شهرين فِي وثيقة له. الرابع: العيب الحادث بالمرأة لا يتصور فِيهِ تأجيل، إذ لا خيار للرجل , قال ابن رشد والمَتِّيْطِي وغيرهما: وإن شاء فارق، وكان لها جميع صداقها بالدخول أو النصف إن لَمْ يدخل، وقد خرج من هذا أن الرجل يؤجلفِي الحادث والمرأة فِي القديم، وفِي تأجيل الرجل فِي القديم اضطراب، ولا تحتاج المرأة للتأجيل فِي الحادث. فإن قلت: فعلى مَا (¬5) يحمل كلام المصنف؟ قلت: عَلَى التأجيل فِي الثلاث الأول دون الرابعة. ¬
فإن قلت: وبم تخرج الرابعة من كلامه؟ قلت: لا تأجيل إِلا حيث الرد، وقد فهمنا [45 / أ] من قوله: (ولها فقط الرد بالجذام البين والبرص المضر الحادثين) أن الزوج لا يردها بالحادث، وإنما هي مصيبة نزلت به، وعَلَى هذا ينبغي أن يفهم اختصار ابن عرفة إذ قال ما نصّه: المَتِّيْطِي: ويؤجلان سنة زوال لعلاج عيبهما إن رجي. فإن قلت: استنباط هذا من كلام المصنف فِي الجذام والبرص بيّن دون الجنون. قلت: اللازم كاللازم. فإن قلت: قد فات المصنف التنبيه عَلَى خيار الزوجة للجنون الحادث بالزوج بعد العقد. قلت: أغناه عن ذكر خيارها ذكر تأجيل زوجها، وقد علمت مما أسلفناك أن تأجيله فرع خيارها. فإن قلت: هذا دور وتوقف. قلت: هبه كذلك، أليس يشفع له قصد إيثار الاختصار وتقريب الأقصى باللفظ الوجيز؟ مَا يَعْرِفُ الشَّوْقَ إلاَّ مَنْ يُكَابِدُهُ ... وَلا الصَّبَابَةَ إلاَّ مَنْ يُعَانِيهَا ظاهر قول ابن عرفة: يؤجلان سنة لعلاج زوال عيبهما إن رجي أن رجاء البرء شرطفِي الثلاثة (¬1)، ولَمْ يشترطه المصنففِي الجنون اتباعاً لظاهر " المدونة "، وقد يوجه بأن برء الجنون أرجى من برء أخويه، ولو قريء قوله: (رُجِي برؤها) بضمير المؤنث شمل الثلاثة. والله سبحانه أعلم (¬2). ¬
والْمُسْلِمِ مَعَ النَّصْرَانِيَّةِ، إِلا أَنْ يَغُرَّا. وأُجِّلَ الْمُعْتَرَضُ سَنَةً بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ، وإِنْ مَرِضَ، والْعَبْدُ نِصْفَهَا. قوله: (وَالْمُسْلِمِ مَعَ النَّصْرَانِيَّةِ) يعني من الجانبين كالمعطوف عَلَيْهِ، قال اللخمي: قال مالك فِي كتاب محمد، فِي مسلم تزوّج امرأة ثم تبين أنها نصرانية: فلا قيام للزوج إن لَمْ يعلم ولا قيام لها إن لَمْ تعلم. انتهى، واستثناء الغرور يصدق من الجانبين، أما غرور المسلم لها فواضح، وأما عكسه فقال ابن يونس (¬1): له الردّ إذا شرط إسلامها أو ظهر ما يدلّ عَلَيْهِ. [والظَّاهِرُ أَنَّهُ لا نَفَقَةَ لها فِيهَا] (¬2) وصُدِّقَ إِنِ ادَّعَى فِيهَا الْوَطْءَ بِيَمِينِهِ، وإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ، وإِلا بُقِّيَتْ، وإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ طَلَّقَهَا، وإِلا فَهَلْ يُطَلِّقُ حَاكِمٌ أَوْ يَأْمُرُهَا بِهِ ثُمَّ يَحْكُمُ بِهِ؟ قَوْلانِ. ولَهَا فِرَاقُهُ بَعْدَ الرِّضَا بِلا أَجَلٍ، والصَّدَاقُ بَعْدَهَا كَدُخُولِ الْعِنِّينِ، والْمَجْبُوبِ وفِي تَعْجِيلِ الطَّلاقِ إِنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ، فِيهَا قَوْلانِ. وأُجِّلَتِ الرَّتْقَاءُ لِلدَّوَاءِ بِالاجْتِهَادِ. قوله: (وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لا نَفَقَةَ لها فِيهَا) هذا وَهم منه رحمه الله تعالى ورضي عنه. ومن ذا الذي تُرضى سَجاياه كلُّها ... كفى المرءَ نُبلاً أن تُعَدّ معايبُهْ (¬3) إنما قال: ابن رشد فِي رسم الصلاة، من سماع يحيي، من كتاب الطلاق قال أبو اسحاق التونسي: وانظر إذا ضرب للمجنون أجل سنة قبل الدخول هل لها نفقة إذا دعته إلى الدخول مع امتناعها من ذلك بجنونه؟ كما إذا أعسر بالصداق أنه يؤمر بإجراء النفقة مع امتناعها منه لعدم قدرته عَلَى دفع صداقها، فأحال النظر ولَمْ يبين فِي ذلك شيئاً؟ والظاهر أنها لا نفقة لها؛ لأنها منعته نفسها لسبب لا قدرة له عَلَى دفعه، فكان بذلك معذوراً بخلاف الذي منعته نفسها حتى يؤدي إليها صداقها، إذ لعلّ له مالاً فكتمه (¬4). انتهى. ولا يصحّ قياس المعترض عَلَى المجنون؛ [لأن المجنون يعزل عنها كما قال فِي " المدونة " ¬
والمعترض مرسل عَلَيْهَا] (¬1).الذي لَمْ يدخل، وأما المجنون الذي دخل فالنفقة واجبة عَلَيْهِ فِي التلوم وإن كان معزولاً عنها حسبما فِي خيار المدوّنة فأحرى المعترض المرسل عَلَيْهَا (¬2). ولا تُجْبَرُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ خِلْقَةً، وجُسَّ عَلَى ثَوْبِ مُنْكِرِ الْجَبِّ ونَحْوِهِ، وصُدِّقَ فِي الاعْتِرَاضِ كَالْمَرْأَةِ فِي دَائِهَا أَوْ وُجُودِهِ حَالَ الْعَقْدِ، أَوْ بَكَارَتِهَا. قوله: (ولا تُجْبَرُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ خِلْقَةً) قال ابن يونس: قال فِي كتاب محمد: وإذا كان الرتق (¬3) من قبل الختان فإنها تبط عَلَى ما أحبّت أو كرهت، إذا قال النساء إن ذلك لا يضرّ بها، وإن كان خلقة فرضيت بالبط فلا خيار له، وإن أبت فله الخيار. وحَلَفَتْ هِيَ، أَوْ أَبُوهَا إِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً. قوله: (وَحَلَفَتْ هِيَ، أَوْ أَبُوهَا إِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً). المَتِّيْطِي: وعَلَى ردّها بالثيوبة إن أكذبته فِي دعواه أنه وجدها ثيباً فله عَلَيْهَا اليمين إن كانت مالكة أمر نفسها أو عَلَى أبيها إن كانت ذات أب، وقبله ابن عرفة. ولا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ. قوله: (ولا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ) المَتِّيْطِي: قال ابن حبيب: ولا ينظرها النساء، ولا تكشف الحرة فِي هذا. ابن لبابة: هذا غلط، وكل من يقول بردّها بالعيب يوجب أن تمتحن العيوب بالنساء، فإن زعمت أنه فعل ذلك بها عرضت عَلَى النساء، فإن شهدن أن الأثر بها يمكن كونه منه دينت وحلفت، وإن كان بعيداً ردّت به، قيل: دون يمين الزوج، وقال ابن سحنون: عن أبيه: لابد من يمينه، وفِي قبول تصديقها له، وهي فِي ولاية أبيها قَوْلانِ لابن حبيب وابن زرب قائلا: لأن مالها بيد أبيها. قال ابن عرفة والأول؛ لأنه أمر لا يعلم [من] (¬4) غيرها، ولها نظيرة فِي: إرخاء الستور. ¬
وإِنْ أَتَى بِامْرَأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ لَهُ قُبِلَتَا، وإِنْ عَلِمَ الأَبُ بِثُيُوبَتِهَا بِلا وَطْءٍ وكَتَمَ، فَلِلزَّوْجِ الرَّدُّ عَلَى الأَصَحِّ، ومَعَ الرَّدِّ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلا صَدَاقَ كَغُرُورٍ بِحُرِّيَّةٍ، وبَعْدَهُ فَمَعَ عَيْبِهِ الْمُسَمَّى، ومَعَهَا رَجَعَ بِجَمِيعِهِ، لا بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى وَلِيٍّ لَمْ يَغِبْ كَابْنٍ وأَخٍ، ولا شَيْءَ عَلَيْهِ أو عَلَيْهَا إِنْ زَوَّجَهَا بِحُضُورِهَا كَاتِمَيْنِ، ثُمَّ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا إِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ لا الْعَكْسُ وعَلَيْهَا فِي كَابْنِ الْعَمِّ، إِلا رُبُعَ دِينَارٍ، فَإِنْ عَلِمَ فَكَالْقَرِيبِ. قوله: (وَإِنْ أَتَى بِامْرَأَتَيْنِ [تَشْهَدَانِ لَهُ قُبِلَتَا) المَتِّيْطِي: قال ابن حبيب: إذا أتى الزوج بامرأتين] (¬1) شهدتا برؤية داء فرجها ولَمْ يكن عن إذن الإمام قضى بشهادتهما، فإن قيل: منعهما [من النظر] (¬2) يوجب كون تعمدهما نظره جرحة. قيل هذا مما يعذران بالجهل فِيهِ، ابن عرفة: لعل المانع من نظرهما حق المرأة فِي عدم [45 / ب] الاطلاع عَلَى عورتها، فشهادتهما فِي الغالب بتمكينها إياهما من ذلك فلا يتوهم كونه جرحة، وفِي تكليف الخصم أمراً لا يقدر عَلَى حصوله إِلا من قبله يبين به صدقه أو كذبه خلاف مذكور فِي تكليف من أنكر خطاً نسب إليه، هل يكلّف الكتب (¬3) ليتبين صدقه أو كذبه. انتهى وقد ذكرنا فِي " تكميل التقييد وتحليل التعقيد " مسائلاً حساناً من العيوب (¬4)، ولله سبحانه الحمد. وحَلَّفَهُ إِنِ ادَّعَى عِلْمَهُ كَاتِّهَامِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ. قوله: (وَحَلَّفَهُ إِنِ ادَّعَى عِلْمَهُ كَاتِّهَامِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ) كذا هو فِي النسخ التي رأينا، والصواب إسقاط قوله: (عَلَى الْمُخْتَارِ)، إذ ليس للخمي فِي هذا اختيار (¬5). ¬
فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ أَنَّهُ غَرَّهُ ورَجَعَ عَلَيْهِ. قوله: (فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ أَنَّهُ غَرَّهُ ورَجَعَ عَلَيْهِ) لا يخفاك تفريعه عَلَى دعوى علمه لا اتهامه (¬1). فَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ [33 / ب] عَلَى الزَّوْجَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وعَلَى غَارٍّ غَيْرِ وَلِيٍّ تَوَلَّى الْعَقْدَ، إِلا أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ، لا إِنْ لَمْ يَتَوَلَّهُ، ووَلَدُ الْمَغْرُورِ الْحُرِّ فَقَطْ حُرٌّ، وعَلَيْهِ الأَقَلُّ مِنَ الْمُسَمَّى وصَدَاقِ الْمِثْلِ، وقِيمَةُ الْوَلَدِ دُونَ مَالِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ، إِلا لِكَجَدّة، ولا وَلاءَ لَهُ، وعَلَى الْغَرَرِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ والْمُدَبِّرَةِ، وسَقَطَتْ بِمَوْتِهِ، والأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ دِيَتِهِ إِنْ قُتِلَ. قوله: (فَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ عَلَى الزَّوْجَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ) هذا لَمْ يذكره اللخمي هكذا، نعم اختار اللخمي أن يرجع الزوج عَلَى الزوجة إذا وَجد الولي القريب عديما أو حلف له الولي البعيد أنه لَمْ يعلم، وهو قول ابن حبيب فِي الفرعين وعبّر عن اختياره بقوله: وهو أصوب فِي السؤالين. فتأمله فِي " تبصرته " تجده كما ذكرت لك، فلو قال المصنف: فإن أعسر القريب أو حلف البعيد رجع عَلَيْهَا عَلَى المختار لكان جيداً. أَوْ مِنْ غُرَّتِهِ أَوْ مَا نَقَصَهَا إِنْ أَلْقَتْهُ [مَيِّتاً] (¬2). قوله: (أَوْ مِنْ غُرَّتِهِ أَوْ مَا نَقَصَهَا إِنْ أَلْقَتْهُ) لا أعرف اعتبار ما نقصها لأحد من أهل المذهب، وإنما قال فِي " المدونة ": ولو ضرب رجل بطنها قبل الاستحقاق أو بعده فألقت جنيناً ميتاً فللأب عَلَيْهِ غرة عبدٍ أو وليدة؛ لأنه حر، ثم للمستحقّ عَلَى الأب الأقل من ذلك أو من عشر قيمة أمه يوم ضربت. (¬3) ولعلّ حرصه عَلَى الاختصار حمله عَلَى أن عبّر عن عشر قيمتها بما نقصها، وفِيهِ بعد وليس (¬4) بكبير اختصار، ويمكن أن يكون الناقل من المبيضة صحّف عشر قيمتها بما نقصها وهو الأشبه. ¬
فصل
وقد نقله فِي " الشامل " كما ذكره هو هنا جرياً عَلَى عادته فِي تقليد المصنف فِي نقل ما لَمْ يدركه فهماً ولا أحاط به علماً. كَجُرْحِهِ، ولِعَدَمِهِ تُؤْخَذُ مِنَ الابْنِ، ولا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الأَوْلادِ إِلا قِسْطُهُ، ووُقِفَتْ قِيمَةُ وَلَدِ الْمُكَاتِبَةِ، فَإِنِ أدَّتْ رَجَعَتْ إِلَى الأَبِ، وقُبِلَ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنَّهُ غُرَّ، ولَوْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَا ثُمَّ اطُّلِعَ عَلَى مُوجِبِ خِيَارٍ، فَكَالْعَدَمِ. ولِلْوَلِيِّ كَتْمُ الْعَمَى ونَحْوِهِ، وعَلَيْهِ كَتْمُ الْخَنَا والأَصَحُّ مَنْعُ الأَجْذَمِ مِنْ وَطْءِ إِمَائِهِ، ولِلْعَرَبِيَّةِ رَدُّ الْمَوْلَى الْمُنْتَسِبِ، لا الْعَرَبِيِّ إِلا الْقُرَشِيَّةَ تَتَزَوَّجُهُ عَلَى أَنَّهُ قُرَشِيٌّ. قوله: (كَجُرْحِهِ) هذا من نوع قوله فِي كتاب: الاستحقاق من " المدونة " فِي ولد الأمة المستحقة: ولو قطعت يد الولد خطأً فأخذ الأب ديتها ثم استحقّت أمه فعلى الأب للمستحقّ قيمة الولد أقطع اليد يوم الحكم وينظر كم قيمة الولد صحيحاً وقيمته أقطع اليد يوم جني عَلَيْهِ فيغرم الأب الأقلّ مما بين القيمتين، أو ما قبض فِي دية اليد، فإن كان ما بين القيمتين أقلّ كان ما فضل فِي دية اليد للأب (¬1). [فصل] (¬2) ولِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا فِرَاقُ الْعَبْدِ فَقَطْ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، أَوِ اثْنَتَيْنِ، وسَقَطَ صَدَاقُهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ، والْفِرَاقُ إِنْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ وكَانَ عَدِيماً. قوله: (ولِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا فِرَاقُ الْعَبْدِ) كما خرج بقوله: (كَمُلَ عِتْقُهَا) المعتق بعضها خرجت به المدبرة ونحوها. وبَعْدَهُ لَهَا كَمَا لَوْ رَضِيَتْ وهِيَ مُفَوَّضَةٌ بِمَا فَرَضَهُ بَعْدَ عِتْقِهَا لَهَا إِلا أَنْ يَأْخُذَهُ السَّيِّدُ أَوْ يَشْتَرِطَهُ، وصُدِّقَتْ إِنْ لَمْ تُمَكِّنْهُ أَنَّهَا مَا رَضِيَتْ وإِنْ بَعْدَ سَنَةٍ. قوله: (وَبَعْدَهُ لَهَا كَمَا لَوْ رَضِيَتْ وهِيَ مُفَوَّضَةٌ بِمَا فَرَضَهُ بَعْدَ عِتْقِهَا لَهَا إِلا أَنْ يَأْخُذَهُ السَّيِّدُ أَوْ يَشْتَرِطَهُ) يتعين رجوع الاستثناء للأول لتعذر أخذ الثاني، وذلك مصرّحٌ به فِي " المدونة "، وقد ذكرنا فِي: " تكميل التقييد " بحث ابن محرز ومناقشة ابن عرفة له. ¬
الصداق
إِلا أَنْ تُسْقِطَهُ أَوْ تُمَكِّنَهُ، ولَوْ جَهِلَتِ الْحُكْمَ لا الْعِتْقَ، ولَهَا أَكْثَرُ مِنَ الْمُسَمَّى وصَدَاقِ الْمِثْلِ، أَوْ يُبِينَهَا لا بِرَجْعِيٍّ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ الاخْتِيَارِ، إِلا لِتَأْخِيرٍ لِحَيْضٍ. قوله: (إِلا أَنْ تُسْقِطَهُ) راجع لقوله: (ولِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا فِرَاقُ الْعَبْدِ) وإِنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ عِلْمِهَا ودُخُولِهَا فَاتَتْ بِدُخُولِ الثَّانِي، ولَهَا إِنْ أَوْقَفَهَا تَأْخِيرٌ تَنْظُرُ فِيهِ. قوله: (وَإِنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ عِلْمِهَا ودُخُولِهَا فَاتَتْ بِدُخُولِ الثَّانِي) سقط من بعض النسخ (ودُخُولِهَا) وهو الصواب. [الصداق] (¬1) الصَّدَاقُ كَالثَّمَنِ كَعَبْدٍ تَخْتَارُهُ هِيَ، لا هُوَ. وضَمَانُهُ وتَلَفُهُ واسْتِحْقَاقُهُ وتَعْيِيبُهُ أَوْ بَعْضِهِ كَالْبَيْعِ، وإِنْ وَقَعَ بِقُلَّةِ خَلٍّ فَإِذَا هِيَ خَمْرٌ، فَمِثْلُهُ، وجَازَ بِشَوْرَةٍ، وعَدَدٍ، مِنْ كَإِبِلٍ، أَوْ رَقِيقٍ، وصَدَاقِ مِثْلٍ ولَهَا الْوَسَطُ حَالاً. وفِي شَرْطِ ذِكْرِ جِنْسِ الرَّقِيقِ قَوْلانِ والإِنَاثُ مِنْهُ إَنْ أَطْلَقَ ولا عُهْدَةَ، وإِلَى الدُّخُولِ إِنْ عَلِمَ. قوله: (ولا عُهْدَةَ) أي: ليس فِي رقيق الصداق عهدة سنة ولا ثلاث. أَوِ الْمَيْسَرَةِ إِنْ كَانَ مَلِيَّاً، وعَلَى هِبَةِ الْعَبْدِ لِفُلانٍ، أَوْ يَعْتِقَ أَبَاهَا عَنْهَا أَوْ عَنْ نَفْسِهِ. ووَجَبَ تَسْلِيمُهُ إِنْ تَعَيَّنَ، وإِلا فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا وإِنْ مَعِيبَةً مِنَ الدُّخُولِ، والْوَطْءِ بَعْدَهُ، والسَّفَرِ إِلَى تَسْلِيمِ مَا حَلَّ، لا بَعْدَ الْوَطْءِ إِلا أَنْ يُسْتَحَقَّ. قوله: (أَوِ الْمَيْسَرَةِ إِنْ كَانَ مَلِيَّاً) كذا فِي سماع يحيى (¬2). ولَوْ لَمْ يَغُرَّهَا عَلَى الأَظْهَرِ، ومَنْ بَادَرَ أُجْبِرَ لَهُ الآخَرُ، إِنْ بَلَغَ الزَّوْجُ وأَمْكَنَ وَطْؤُهَا، وتُمْهَلُ سَنَةً إِنِ اشْتُرِطَتْ لِتَغْرِبَةٍ أَوْ صِغَرٍ، وإِلا بَطَلَ، لا أَكْثَرَ، ولِلْمَرَضِ والصِّغَرِ الْمَانِعَيْنِ لِلْجِمَاعِ، وقَدْرَ مَا تُهَيِّئُ مِثْلُهَا أَمْرَهَا. ¬
قوله: (ولَوْ لَمْ يَغُرَّهَا عَلَى الأَظْهَرِ) كذا قال ابن رشد فِي رسم العشور من سماع عيسى أنه أظهر الأقوال (¬1). إِلا أَنْ يَحْلِفَ لَيَدْخُلَنَّ اللَّيْلَةَ لا لِحَيْضٍ [34 / أ]، وإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أُجِّلَ لإِثْبَاتِ عُسْرِهِ ثَلاثَةَ أَسَابِيعَ، ثُمَّ تُلُوِّمَ بِالنَّظَرِ، وعُمِلَ بِسَنَةٍ وشَهْرٍ وفِي التَّلَوُّمِ لِمَنْ لا يُرْجَى وصُحِّحَ وعَدَمِهِ تَأْوِيلانِ، ثُمَّ طُلِّقَ عَلَيْهِ ووَجَبَ نِصْفُهُ، لا فِي عَيْبٍ وتَقَرَّرَ بِوَطْءٍ، وإِنْ حَرُمَ ومَوْتِ وَاحِدٍ، وإِقَامَةِ سَنَةٍ، وصُدِّقَتْ فِي خَلْوَةِ الاهْتِدَاءِ، وإِنْ بِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ. وفِي نَفْيِهِ وإِنْ سَفِيهَةً وأَمَةً والزَّائِرُ مِنْهُمَا وإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَقَطْ أُخِذَ، إِنْ كَانَتْ سَفِيهَةً، وهَلْ إِنْ أَدَامَ الإِقْرَارَ الرَّشِيدَةُ كَذَلِكَ؟ أَوْ إِنْ أَكْذَبَتْ نَفْسَهَا؟ تَأْوِيلانِ، وفَسَدَ إِنْ نَقَصَ عَنْ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلاثَةِ دَرَاهِمَ خَالِصَةً، أَوْ مُقَوَّمٍ بِهِمَا، وأَتَمَّهُ إِنْ دَخَلَ، وإِلا فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهُ فُسِخَ. قوله: (إِلا أَنْ يَحْلِفَ لَيَدْخُلَنَّ اللَّيْلَةَ) ليس هذا بمرويٍ عن مالك كما قيل، ولكن قال ابن عات: قال المشاور: إن طلب الزوج الأب بالابتناء بزوجته فمطله، وحلف الزوج بالطلاق أو بالعتق لابد أن أبتني بزوجتي الليلة، قضي له بذلك عَلَى الأب؛ لأنه حق له عَلَيْهِ كما يقضى لها عَلَيْهِ بالنفقة من وقت طلبها له بالبناء، وحقه فِي البناء أقوى من حقّها فِي النفقة، وفِي منعه من البناء منعه من الاستمتاع بها، وهذا مما لا يجوز له. ابن عرفة: وسمعت بعض قضاة شيوخنا يحكيه لا بقيد المطال. انتهى؛ وكذا لَمْ يقيده المصنف بذلك ولا يكون اليمين بطلاق أو عتاق. أَوْ بِمَا لا يُمْلَكُ كَخَمْرٍ وحُرٍّ، أَوْ بِإِسْقَاطِهِ. قوله: (أَوْ بِمَا لا يُمْلَكُ) هو وما بعده من الأنكحة الفاسدة معطوف عَلَى فعل الشرط من قوله: (وفسد إن نقص) أي: وفسد إن نقص عن ربع دينار أو تزوّجها [46 / أ] بما لا يملك أو تزوّجها بإسقاطه .. إلى آخر ما ذكر، فالتشريك (¬2) بين هذه المعاطيف فِي مطلق الفساد (¬3)، وأما صفة قيود الفسخ ومحلّه فلكلّ مقامٍ مقال. ¬
أَوْ كَقِصَاصٍ. قوله: (أَوْ كَقِصَاصٍ) دخل تحت الكاف التزويج بالقرآن؛ فإنه مما لا يتمول، وأما تعليمه فقال فِي آخر المعاطيف: (فِيهِ قَوْلانِ). أَوْ آبِقٍ، أَوْ دَارِ فُلانٍ، أَوْ سَمْسَرَتِهَا. قوله: (أَوْ آبِقٍ، أَوْ دَارِ فُلانٍ، أَوْ سَمْسَرَتِهَا) معطوفات عَلَى لفظ قصاص، فالكاف معها مقدرة. أَوْ بَعْضُهُ لأَجَلٍ مَجْهُولٍ، أَوْ لَمْ يُقَيَّدِ الأَجَلُ، أَوْ زَادَ عَلَى خَمْسِينَ سَنَةً، أَوْ بِمُعَيَّنٍ بَعِيدٍ كَخُرَاسَانَ مِنَ الأَنْدَلُسِ. وجَازَ كَمِصْرَ مِنَ الْمَدِينَةِ لا بِشَرْطِ الدُّخُولِ قَبْلَهُ، إِلا الْقَرِيبَ جِدَّاً، وضَمِنَتْهُ بَعْدَ الْقَبْضِ إِنْ فَاتَ أَوْ بِمَغْصُوبٍ عَلِمَاهُ لا أَحَدُهُمَا، أَوْ بِاجْتِمَاعٍ مَعَ بَيْعٍ كَدَارٍ دَفَعَتْهَا هِيَ أَوْ أَبُوهَا، وجَازَ مِنَ الأَبِ فِي التَّفْوِيضِ، وجَمْعُ امْرَأَتَيْنِ سَمَّى لَهُمَا أَوْ لإِحْدَاهُمَا. وهَلْ وإِنْ شَرَطَ تَزْوِيجَ الأُخْرَى، أَوْ إِنْ سَمَّى صَدَاقَ الْمِثْلِ؟ قَوْلانِ. ولا يُعْجِبُ جَمْعُهُمَا، والأَكْثَرُ عَلَى التَّأْوِيلِ بِالْمَنْعِ والْفَسْخِ قَبْلَهُ وصَدَاقِ الْمِثْلِ بَعْدُ، لا الْكَرَاهَةِ، أَوْ تَضَمَّنَ إِثْبَاتُهُ رَفْعَهُ كَدَفْعِ الْعَبْدِ فِي صَدَاقِهِ، وبَعْدَ الْبِنَاءِ تَمْلِكُهُ، أَوْ بِدَارٍ مَضْمُونَةٍ، أَوْ بِأَلْفٍ، وإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ فَأَلْفَانِ بِخِلافِ أَلْفٍ. وإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَلَدِهَا، أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَأَلْفَانِ. ولا يَلْزَمُ الشَّرْطُ وكُرِهَ، ولا الأَلْفُ الثَّانِيَةُ، إِنْ خَالَفَ كَإِنْ أَخْرَجْتُكِ فَلَكِ أَلْفٌ. أَوْ أَسْقَطَتْ أَلْفاً قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَى ذَلِكَ، إِلا أَنْ تُسْقِطَ مَا تَقَرَّرَ بَعْدَ الْعَقْدِ بِلا يَمِينٍ مِنْهُ، أَوْ كَزَوِّجْنِي أُخْتَكَ بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أُزَوِّجُكَ أُخْتِي بِمِائَةٍ، وهُوَ وَجْهُ الشِّغَارِ، وإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَصَرِيحُهُ. قوله: (أَوْ زَادَ عَلَى خَمْسِينَ سَنَةً) حكى ابن رشد فِي سماع أصبغ من جامع البيوع اتفاق المذهب عَلَى فسخ النكاح لأجل بعيد، وذكر فِي حدّه أربعة أقوال: الأول: ما فوق العشرين. الثاني ما فوق الأربعين. الثالث: لا يفسخ إِلا فِي الخمسين والستين. الرابع: لا يفسخ إِلا فِي السبعين والثمانين، وكلامه مشبع فقف عَلَيْهِ (¬1). ¬
وفُسِخَ فِيهِ وإِنْ فِي وَاحِدَةٍ، وعَلَى حُرِّيَّةِ وَلَدِ الأَمَةِ أَبَداً، ولَهَا فِي الْوَجْهِ، ومِائَةٍ وخَمْرٍ، أَوْ مِائَةٍ نَقْداً ومِائَةٍ لِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ الأَكْثَرُ مِنَ الْمُسَمَّى، وصَدَاقِ الْمِثْلِ. ولَوْ زَادَ عَلَى الْجَمِيعِ. قوله: (وَفُسِخَ فِيهِ وإِنْ فِي وَاحِدَةٍ، وعَلَى حُرِّيَّةِ وَلَدِ الأَمَةِ أَبَداً) لا يخفى أن أبداً متعلق بفسخ. وقُدِّرَ بِالتَّأْجِيلِ الْمَعْلُومِ إِنْ كَانَ فِيهِ، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً فِيمَا إِذَا سَمَّى لإِحْدَاهُمَا، ودَخَلَ بِالْمُسَمَّى لَهَا بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وفِي مَنْعِهِ بِمَنَافِعَ، وتَعْلِيمِهَا قُرْآناً، وإِحْجَاجِهَا. قوله: (وَقُدِّرَ بِالتَّأْجِيلِ الْمَعْلُومِ إِنْ كَانَ فِيهِ) هو كقول ابن الحاجب: فإن كان معها تأجيل معلوم قدر صداق المثل به (¬1). قال فِي " التوضيح ": كما لو تزوّجها بثلاثمائة، [مائة] (¬2) معجلة، ومائة إلى سنة، ومائة إلى موت أو فراق، فيقدر صداق المثل به أي: بالمؤجل إلى الأجل المعلوم فلا ينقص صداق مثلها عن المائة المعجّلة والمائة المؤجلة إلى سنة، إن نقص عنهما، فإذا زاد عَلَى الثلاث (¬3) مائة كان لها الزائد عَلَى قول مالك، أما إن زاد عَلَى المائة المعجّلة والمائة المؤجلة إلى سنة، فلها الزائد حالاً مع المائة الحالّة، وتبقى المائة إلى أجلها. ويَرْجَعُ بِقِيمَةِ عَمَلِهِ لِلْفَسْخِ. قوله: (وَيَرْجَعُ بِقِيمَةِ عَمَلِهِ لِلْفَسْخِ) عبارة اللخمي أبين من هذه إذ قال: قال ابن القاسم فِي " العتبية " فِي النكاح عَلَى الإجارة: يفسخ قبل، ويثبت بعد ولها صداق المثل ويرجع عَلَيْهَا بقيمة عمله، فقول المصنف: (للفسخ) إن أراد لفسخ الإجارة تناول عمله قبل البناء وبعده، وإن أراد لفسخ النكاح فإنما يتناول عمله قبل البناء فقط؛ لأن هذا النكاح لا يفسخ بعد البناء، وقد حصّل فِيهِ ابن عرفة خمسة أقوال: الأول: الكراهة، فيمضي بالعقد، والثاني: المنع، فيفسخ قبل البناء ويمضي (¬4) بعده ¬
بمهر المثل. والثالث: إن كان مع المنافع نقد جاز، وإِلا فالثاني. والرابع: إن لَمْ يكن نقد فالثاني، وإِلا فسخ قبل البناء ومضى بعده بالنقد وقيمة العمل. والخامس: بالنقد والعمل. تحرير: هذا فِي الإجارة، وأما كون المهر منافع عَلَى وَجه الجعل فلا يجوز، ففي سماع عيسى: من سقط ابنه فِي جبٍّ، فقال لرجلٍ: أخرجه، وقد زوجتك ابنتي، فأخرجه لا نكاح له، وله أجر إخراجه؛ لا يكون النكاح جعلاً. ابن رشد: اتفاقاً؛ لأن النكاح به نكاح فِيهِ خيار، لأن للمجعول له الترك متى شاء. ابن عرفة: إجراؤه عَلَى الخيار يوجب دخول خلافه (¬1) فِيهِ. وكَرَاهَتِهِ كَالْمُغَالاةِ فِيهِ، والأَجَلِ قَوْلانِ وإِنْ أَمَرَهُ بِأَلْفٍ عَيَّنَهَا أَوَّلاً فَزَوَّجَهُ بِأَلْفَيْنِ، فَإِنْ [34 / ب] دَخَلَ فَعَلَى الزَّوْجِ أَلْفٌ وغَرِمَ الْوَكِيلُ أَلْفاً إِنْ تَعَدَّى بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ. قوله: (وَكَرَاهَتِهِ كَالْمُغَالاةِ فِيهِ، [والأَجَلِ]) أما المغالاة فِيهِ ففي " المقدمات ": المياسرة فِي الصداق عند أهل العلم أحبّ إليهم من المغالاة فيه] (¬2)، ثم جلب الأحاديث، وأما الأجل فظاهر كلام مالك كراهته مطلقاً، وقد صرّح فِي " المدونة " بكراهته فِي بعض الصداق، ولو إلي سنة، ووجهه ما ذكره من مخالفة أنكحة الماضين؛ ولأنه (¬3) ذريعة إلى الإسقاط، وأخذه الباجي من حديث: " التمس ولو خاتماً من حديد " (¬4) فقال [هذا] (¬5) ¬
يقتضي أن حكم الصداق التعجيل، وإِلا كان يزوجها إياه بشيء مؤخر - صلى الله عليه وسلم -، (¬1) زاد ابن رشد: وقد ذكر الله تعالى فِي كتابه التعجيل فِي البيوع ولَمْ يذكره فِي النكاح. وإِلا فَتَحْلُفُهُ هِيَ إِنْ حَلَفَ الزَّوْجُ، وفِي تَحْلِيفِ الزَّوْجِ لَهُ إِنْ نَكَلَ وغَرِمَ الأَلْفَ الثَّانِيَةَ قَوْلانِ، وإِنْ لَمْ يَدْخُلْ ورَضِيَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الآخَرَ، لا إِنِ الْتَزَمَ الْوَكِيلُ الأَلْفَ. قوله: (وَإِلا فَتَحْلُفُهُ (¬2) هِيَ إِنْ حَلَفَ الزَّوْجُ) هكذا فِي النسخ الجيدة، فالضمير المفعول بـ (تحلّفه) (¬3) عائد عَلَى الوكيل، والمعنى: وإن لَمْ يثبت تعدي الوكيل بإقراره أو ببينة فإن الزوجة تحلّف الوكيل إن حلف الزوج، وكذا ذكر ابن يونس عن ابن المَوَّاز ونصّه: فإن حلف الزوج أولاً فلها أن تحلّف الرسول أنه أمره بألفين، فإن نكل غرم الألف. انتهى. وفِي بعض النسخ: (وإِلا فتحلف هي إن نكل الزوج)، فلفظ تحلف ثلاثياً غير متعدٍ فيكون إشارة لقول ابن يونس عن ابن المَوَّاز أَيْضاً، وإن لَمْ يكن عَلَى أصلّ النكاح بألفين ببينة غير (¬4) قول الرسول حلف الزوج؛ إِلا أنه (¬5) إِذَا نكل ها هنا لَمْ يغرم حتى تحلف المرأة؛ عَلَى أن أصل النكاح كان بألفين لا عَلَى أن الزوج أمر الرسول بألفين. انتهى، وما خالف النسختين المذكورتين لا معنى له (¬6). والله تعالى أعلم. ولِكُلٍّ تَحْلِيفُ الآخَرِ فِيمَا يُفِيدُ (¬7) إِقْرَارُهُ، إِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ ولا تُرَدُّ إِنِ اتَّهَمَهُ، ورُجِّحَ بُدَاءَةُ حَلِفِ الزَّوْجِ مَا أَمَرَهُ إِلا بِأَلْفٍ، ثُمَّ لِلْمَرْأَةِ الْفَسْخُ إِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى التَّزْوِيجِ بِالأَلْفَيْنِ، وإِلا فَكَالاخْتِلافِ فِي الصَّدَاقِ، وإِنْ عَلِمَتْ بِالتَّعَدِّي فَأَلْفٌ، وبِالْعَكْسِ فَأَلْفَانِ، وإِنْ عَلِمَ كُلٌّ، وعَلِمَ بِعِلْمِ الآخَرِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَأَلْفَانِ، وإِنْ عَلِمَ ¬
بِعِلْمِهَا فَقَطْ فَأَلْفٌ، وبِالْعَكْسِ فَأَلْفَانِ، ولَمْ يَلْزَمْ تَزْوِيجُ آذِنَةٍ غَيْرِ مُجْبَرَةٍ بِدُونِ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وعُمِلَ بِصَدَاقِ السِّرِّ إِذَا أَعْلَنَا غَيْرَهُ، وحَلَّفَتْهُ إِنِ ادَّعَتِ الرُّجُوعَ عَنْهُ، إِلا بِبَيِّنَةِ أَنَّ الْمُعْلَنَ لا أَصْلَ لَهُ، وإِنْ تَزَوَّجَ بِثَلاثِينَ عَشَرَةٍ نَقْداً وعَشَرَةٍ إِلَى أَجَلٍ وسَكَتَا عَنْ عَشَرَةٍ سَقَطَتْ، ونَقَدَهَا كَذَا مُقْتَضٍ لِقَبْضِهِ. قوله: (وَلِكُلٍّ تَحْلِيفُ الآخَرِ فِيمَا يُفِيدُ إِقْرَارُهُ، إِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ) هذا نصّ ابن الحاجب بعينه (¬1) [46 / ب] ولَمْ يقنع به حتى زاد بعده ما يداخله من كلام ابن يونس فقال: (وَرُجِّحَ بُدَاءَةُ حَلِفِ الزَّوْجِ مَا أَمَرَهُ إِلا بِأَلْفٍ، ثُمَّ لِلْمَرْأَةِ الْفَسْخُ إِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى التَّزْوِيجِ بِالأَلْفَيْنِ، وإِلا فَكَالاخْتِلافِ فِي الصَّدَاقِ)، والمقصود الأهم من كلام ابن يونس قوله: وإِلا فكالاختلاف فِي الصداق؛ لما فِيهِ من زيادة البيان، وإن كان (¬2) كلام ابن الحاجب لا يأباه، ولا ينافيه كما قاله فِي " التوضيح " بعدما (¬3) ذكر الصور الأربع فقال فِي الرابعة: وأما إن لَمْ تقم لواحد منهما بينة فنصّ ابن يونس وغيره عَلَى أن الحكم فيها (¬4) كاختلاف الزوجين فِي الصداق قبل البناء، فتحلف الزوجة أن العقد كان بألفين، ثم يقال للزوج: ارض بذلك أو احلف (¬5) أنك ما أمرته إِلا بألف، وينفسخ النكاح إِلا أن ترضى الزوجة بالألف. وكلام ابن الحاجب لا ينافيه؛ لأن قوله: (ولكلٍ تحليف الآخر [فيما يفيده إقراره] (¬6)) لا دلالة فِيهِ أن لمن شاء منهما أن يحلّف صاحبه أولا , انتهى، زاد ابن عبد السلام: لأن قصارى الأمر إِذَا لَمْ تقم بينة لكلّ واحد من الزوجين أن يصير كالزوجين إِذَا اختلفا فِي قدر الصداق قبل البناء، وقد علمت أن المبدأ (¬7) هناك الزوجة، فكذلك هنا. انتهى. ¬
فإن قلت: فما المراد بالبداية فِي قول المصنف: (وَرُجِّحَ بُدَاءَةُ حَلِفِ الزَّوْجِ)؟ قلت: تبدية يمين الزوج عَلَى تخيير المرأة يظهر ذلك بالوقوف عَلَى كلام ابن يونس، وذلك (¬1) أنه قال: ومن " المدونة ": ومن قال لرجلٍ: زوّجني فلانة بألف، فذهب المأمور فزوجه إياها بألفين، فعلم بذلك قبل البناء قيل للزوج: إن رضيت بألفين وإِلا فرق بينكما، إِلا أن ترضى المرأة بألف فيثبت النكاح (¬2). ثم قال ابن يونس: أراه يريد إنما هذا بعد أن يحلف الزوج أنه إنما أمر الرسول أن يزوجه بألف فإذا حلف قيل للمرأة: إن رضيت بألف وإِلا فرق بينكما، وإن نكل الزوج عن اليمين لزمه النكاح بألفين، وهذا إِذَا كان عَلَى عقد الرسول بألفين بينة، وإن لَمْ يكن عَلَى عقده بينة بألفين إِلا قول الرسول، فهاهنا يكون الحكم فِي هَا كاختلاف الزوجين فِي الصداق قبل البناء، تحلف الزوجة أن العقد كان بألفين، ثم يقال للزوج: إما أن ترضى بذلك أو فاحلف بالله أنك إنما أمرته بألف، وينفسخ النكاح، إِلا أن ترضى الزوجة بألف. انتهى نصّه برمته. وإنما طوّلنا بنصّه لنريك تداخله مع نصّ ابن الحاجب السابق، وبالجملة فقد يتشوش الذهن فِي فهم كلام المصنف من وجهين، أحدهما ما يتبادر لباديء الرأي أن طريقة ابن يونس مخالفة لما قبلها، إذ لَمْ تجر للمصنف عادة بالجمع بين النقول المتداخلة، وقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ هُنَا تَنَفَّسَ، وَخَالَفَ عَادَتَهُ. وثَانِيهِمَا مَا نُسِبَ لِابْنِ يُونُسَ مِنْ بدَاءَةِ حَلِفِ الزَّوْجِ، وقد علمت معناه وبالله تعالى التوفيق. ¬
نكاح التفويض
[نكاح التفويض] وجَازَ نِكَاحُ التَّفْوِيضِ (¬1) والتَّحْكِيمِ عَقْدٌ بِلا ذِكْرِ مَهْرٍ بِلا وُهِبَتْ، وفُسِخَ إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا قَبْلَهُ، وصُحِّحَ أَنَّهُ زِناً، واسْتَحَقَّتْهُ بِالْوَطْءِ، لا بِمَوْتٍ أَوْ طَلاقٍ، إِلا أَنْ يَفْرِضَ وتَرْضَى ولا تُصَدَّقُ فِيهِ بَعْدَهُمَا، ولَهَا طَلَبُ التَّقْدِيرِ، ولَزِمَهَا فِيهِ، وتَحْكِيمِ الرَّجُلِ إِنْ فُرِضَ الْمِثْلُ، ولا يَلْزَمُهُ، وهَلْ تَحْكِيمُهَا أَوْ تَحْكِيمُ الْغَيْرِ كَذَلِكَ؟ أَوْ إِنْ فُرِضَ الْمِثْلُ لَزِمَهُمَا وأَقَلُّ لَزِمَهُ فَقَطْ وأَكْثَرُ فَالْعَكْسُ؟ أَوْ لا بُدَّ مِنْ رِضَا الزَّوْجِ والْمُحَكَّمِ وهُوَ الأَظْهَرُ؟ تَأْوِيلاتٌ. قوله: (وَلا تُصَدَّقُ فِيهِ بَعْدَهُمَا) أي: ولا تصدّق فِي الرضى بمفروض بعد الموت والطلاق. والرِّضَا بِدُونِهِ لِلْمُرَشَّدَةِ ولِلأَبِ، ولَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ، ولِلْوَصِيِّ قَبْلَهُ، لا الْمُهْمَلَةِ، وإِنْ فَرَضَ فِي مَرَضِهِ فَوَصِيَّةٌ لِلْوَارِثِ، وفِي الذِّمِّيَّةِ والأَمَةِ قَوْلانِ، ورَدَّتْ زَائِدَ الْمِثْلِ إِنْ وَطِئَ، ولَزِمَ إِنْ صَحَّ. قوله: (وَالرِّضَا بِدُونِهِ) عطف عَلَى فاعل جاز. لا إِنْ أَبْرَأَتْ قَبْلَ الْفَرْضِ، أَوْ أَسْقَطَتْ فَرْضاً (¬2) قَبْلَ وُجُوبِهِ، ومَهْرُ الْمِثْلِ مَا يَرْغَبُ بِهِ مِثْلُهُ فِي هَا بِاعْتِبَارِ دِينٍ، وجَمَالٍ، وحَسَبٍ، ومَالٍ، وبَلَدٍ. قوله: (لا إِنْ أَبْرَأَتْ (¬3) قَبْلَ الْفَرْضِ، أَوْ أَسْقَطَتْ فَرْضاً قَبْلَ وُجُوبِهِ) أما التي أبرأت قبل الفرض فقال ابن الحاجب: تخرج عَلَى الإبراء عما جرى بسبب وجوبه دونه (¬4). قال فِي " التوضيح ": اختلف هل يلزم نظراً لتقدّم سبب الوجوب، وهو هنا (¬5) العقد أم لا؟ لأنها أسقطت حقّها قبل وجوبه كالشفيع يسقط الشفعة قبل الشراء، فِيهِ قَوْلانِ، وكالمرأة تسقط نفقة المستقبل عن زوجها هل يلزمها؟ لأن سبب وجوبها قد وجد أو لا يلزمها؛ ¬
لأنها لَمْ تجب بعد، قَوْلانِ، حكاهما ابن راشد، وكعفو المجروح عما يؤول إليه الجرح، وكإجازة الورثة الوصية للوارث، أو إجازتهم أكثر من الثلث للأجنبي فِي مرض الموصي، وأمثلة هذا كثيرة، أما إن لَمْ يجر سبب الوجوب فلا يعتبر باتفاق، حكاه القرافي. انتهى. وأما التي أسقطت فرضاً قبل وجوبه فلعلّه أشار بها لمسقطة النفقة التي تقدّم ذكرها. وفِي بعض النسخ أو أسقطت (¬1) شرطاً قبل وجوبه، ولا شكّ أنه من النظائر المنخرطة فِي هذا السلك، وقد عدّه القاضي ابن عبد السلام منها، ولكنّ المشهور فِي ذات الشرط أن إسقاطها إياه قبل وجوبه يلزمها، وبذلك قطع المصنف فِي فصل الرجعة إذ قال: (وَلا إنْ قَالَ مَنْ يَغِيبُ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا كَاخْتِيَارِ الْأَمَةِ نَفْسَهَا أَوْ زَوْجَهَا بِتَقْدِيرِ عِتْقِهَا بِخِلَافِ ذَاتِ، الشَّرْطِ تَقُولُ إنْ فَعَلَهُ زَوْجِي فَقَدْ فَارَقْته)، وبسبب (¬2) السؤال عن الفرق بين هاتين المسألتين قال مالك لابن الماجشون أتعرف دار قدامة (¬3)؟ وقد صرّح ابن عبد السلام بأن بعض نظائر هذا الأصل أقوى من بعض (¬4). وأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لأَبٍ، لا الأُمِّ، والْعَمَّةِ. قوله: (وأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لأَبٍ، لا الأُمِّ، والْعَمَّةِ) لفظ العمة معطوف عَلَى أخت وكأنه قال: وعمة [47 / أ] شقيقة أو لأبّ فإنها معتبرة بخلاف (¬5) الأم إن لَمْ تكن من نسب الأب، وبهذا التقدير يوافق ما لابن رشد فِي رسم الطلاق من سماع القرينين، ولا أعلم أحداً فرّق بين الأخت والعمّة (¬6). ¬
وفِي الْفَاسِدِ يَوْمَ الْوَطْءِ، واتَّحَدَ الْمَهْرُ، إِنِ اتَّحَدَتِ الشُّبْهَةُ كَالْغَالِطِ بِغَيْرِ عَالِمَةٍ. قوله: (وفِي الْفَاسِدِ يَوْمَ الْوَطْءِ) شامل لكلّ نكاحٍ فاسد كما قال فِي " الجواهر ": والوطء فِي النكاح الفاسد يوجب صداق المثل باعتبار يوم الوطء، لا يوم العقد (¬1)، وهو (¬2) مقتضى تقرير ابن عبد السلام لقول ابن الحاجب: ومهر المثل فِي الفاسد يوم الوطء (¬3). إِلا أن المصنف فِي " التوضيح " خصصه فقال: يعني أن نكاح التفويض (¬4) الفاسد يخالف نكاح التفويض الصحيح؛ فإن الصحيح يعتبر فِيهِ مهر المثل يوم العقد، والفاسد يعتبر فِيهِ يوم الوطء، واستغنى ابن الحاجب عن ذكر حكم الصحيح بالمفهوم عَلَى ما علم من عادته، وظاهر المذهب كمفهوم كلامه. وقيل: يعتبر فِي الصحيح يوم البناء إن دخل، ويوم الحكم إن لَمْ يدخل، وبنوا الاختلاف عَلَى الخلاف فِي هبة (¬5) الثواب إِذَا فاتت، هل تجب قيمتها يوم القبض أو يوم الهبة؟ وفرقوا هنا عَلَى المشهور كما فرقوا بين صحيح البيع وفاسده. وإِلا تَعَدَّدَ كَالزِّنَى بِهَا أَوْ بِالْمُكْرَهَةِ، وجَازَ بِشَرْطِ أَنْ لا يَضُرَّ بِهَا فِي عِشْرَةٍ، أَوْ كِسْوَةٍ ونَحْوِهِمَا. قوله: (وَإِلا تَعَدَّدَ كَالزِّنَى بِهَا أَوْ بِالْمُكْرَهَةِ) الضمير فِي بها يعود عَلَى غير العالمة، ولولا تمثيله بهاتين الصورتين لكان كلامه مشكلاً؛ لأنه شرط فِي اتحاد المهر الشبهة واتحادها، ثم قال: وإِلا فيدخل فِيهِ ما إِذَا انتفت الشبهة وكان الوطء زناً محضاً، ومن صور الزنا المحض ما لا يجب فِيهِ المهر فلا يصدق. قوله: (وإِلا تعدد)، كذا قال فِي: " توضيحه " فِي عبارة ابن الحاجب (¬6) تبعاً لابن عبد السلام. ¬
ولَوْ شَرَطَ أَنْ لا يَطَأَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ لَزِمَ فِي السَّابِقَةِ مِنْهُمَا عَلَى الأَصَحِّ، لا فِي أُمِّ وَلَدٍ سَابِقَةٍ فِي لا أَتَسَرَّى، ولَهَا الْخِيَارُ بِبَعْضِ شُرُوطٍ، ولَوْ لَمْ يَقُلْ إِنْ فَعَلَ شَيْئاً مِنْهَا. وَهَلْ تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ النِّصْفَ فَزِيَادَتُهُ كَنِتَاجٍ [35 / أ] وغَلَّةٍ ونُقْصَانُهُ لَهُمَا وعَلَيْهِما؟ أَوْ لا؟ خِلافٌ، وعَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ والْمُعْتَقِ يَوْمَهُمَا، ونِصْفُ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، ولا يُرَدُّ الْعِتْقُ، إِلا أَنْ يَرُدَّهُ الزَّوْجُ لِعُسْرِهَا يَوْمَ الْعِتْقِ، ثُمَّ إِنْ طَلَّقَهَا عَتَقَ النِّصْفُ بِلا قَضَاءٍ وتَشَطَّرَ، ومَزِيدٌ بَعْدَ الْعَقْدِ. قوله: (وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لا يَطَأَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ لَزِمَ فِي السَّابِقَةِ مِنْهُمَا عَلَى الأَصَحِّ، لا فِي أُمِّ وَلَدٍ سَابِقَةٍ فِي لا أَتَسَرَّى) أما مسألة لا أتسرى فمعروفة، وهذا الذي ذكر فِيهَا هو قول سحنون، ونحى إليه ابن لبابة ولَمْ يتابعا عَلَيْهِ، وأما مسألة أن لا يطأ فلم أقف عَلَيْهَا عَلَى هذا الوجه لأحدٍ بعد مطالعة مظان (¬1) ذلك من " النوادر "، وأسمعة " العتبية "، و " نوازل " ابن سهل، و " المتّيطية " و " طرر " ابن عات، و " مختصر " ابن عرفة، والذي يقوى فِي نفسي أن لفظ يطأ مصحّف من لفظ يتخذ إذ الياء فِي أولهما، والتاء والخاء قد تلتبسان بالطاء وقرنها والذال إِذَا علقت قد تلتبس بالألف، وإن لفظ لزم صوابه: لَمْ يلزم فسقط لَمْ وحرف المضارعة. فصواب الكلام عَلَى هذا: ولو شرط أن لا يتخذ أم ولد أو سرية لَمْ يلزم فِي السابقة منهما، ويكون قوله: (لا فِي أم ولد) سابقة فِي لا أتسرى إثباتا؛ لأن النفي إِذَا نفى النفي عاد إثباتاً، وبهذا يستقيم الكلام، ويكون موافقاً للمشهور فِي المسألتين كما ستراه بحول الله تعالى. ففي " النوادر " روى يحيي بن يحيي عن ابن القاسم فيمن شرط لزوجته أن كلّ جارية يتسررها (¬2) عَلَيْهَا فهي حرة وللرجل أمهات أولاد فيطأهن بعد ذلك أنهن يعتقن؛ لأن وطأه تسرر. وقاله أصبغ وأبو (¬3) زيد ابن أبي الغمر (¬4)، وقال سحنون: لا شيء عَلَيْهِ فِي ¬
أمهات أولاده، وإنما يلزمه الشرط فيما يستقبل من الملك، وأنكر هذه الرواية، قال ابن حبيب عن أصبغ وابن القاسم مثل ما روى يحيي بن يحيي، وقال: وأما لو قال فكل جارية اتخذها (¬1) عليك حرة فلا شيء عَلَيْهِ فيمن عنده قبل الشرط وذلك عَلَيْهِ فيمن يستقبل اتخاذهن، قال: وسواء علمت بمن عنده أو لَمْ تعلم؛ لأن الاتخاذ فعل واحد إِذَا اتخذ جارية فقد اتخذها وليس عودته إلى وطئها اتخاذاً، والعودة إلى المسيس تسرر؛ لأن التسرر الوطء فهو يتكرر، والاتخاذ كالنكاح يشترط أن لا ينكح عَلَيْهَا فلا شيء عَلَيْهِ فيمن عنده، وعَلَيْهِ فيمن ينكح من ذي قبل، وقاله ابن القاسم وأصبغ. انتهى بلفظه. وقد تضمّن التفريق بين التسري والاتخاذ وعَلَيْهِ يحوم المصنف، إِلا أنه قدّم وأخّر، وفِي المتيطية زيادة بيان أن الخلاف فِي الصورتين ولكن تعاكس فيهما (¬2) المشهور أن عَلَى حسب ما صوّبنا فِي كلام المصنف، وبنقل ذلك تتم الفائدة، قال فيمن التزم أن لا يتسرى: اختلف إِذَا كانت له سرية قبل النكاح هل له أن يطأها أم لا؟ فذهبت طائفة إلى أن له وطأها (¬3)، وذهبت طائفة أخرى إلى أنّه ليس له وطؤها، فوجه الأول أنّه إنما التزم أن لا يتخذ سرية فيما يستقبل، ووجه الثاني - وهو الأظهر - أن لا يمس سرره [سرر أمة] (¬4) فيما يستقبل، فهذا إن وَطأها فقد مسّ سررها إِلا أن يشترط التي فِي ملكه قبل تاريخ النكاح. ثم قال فِي الذي التزم أَيْضاً أن لا يتسرى: إِذَا كان له أمهات أولاد تقدّم اتخاذه إياهن قبل نكاحه فوطأهن بعد ذلك، فاختلف: هل يلزمه الشرط أم لا؟ فروى يحيي عن ابن القاسم فِي " العتبية " أنه يلزمه الشرط؛ لأن التسري (¬5) هو الوطء، ولأن التي تشترط أن لا [47 / ب] يتسرى معها إنما أرادت أن لا يمسّ معها غيرها وقاله أبو زيد وأصبغ، وقال سحنون: لا شيء عَلَيْهِ فِي أمهات أولاده قال ابن لبابة: قول سحنون جيّد، وقال بعض الموثقين: قول ابن القاسم أصحّ عند أهل النظر، وقاله أبو ¬
إبراهيم واختاره ابن زرب ولَمْ ير قول سحنون شيئاً وبه قال القاضي أبو الأصبغ بن سهل قال فضل: وهذا بخلاف شرطه أن لا يتخذ أم ولدإذا (¬1) هو لَمْ يقل ولا يتسرى ثم تظهر (¬2) له أم ولد قديمة من قبل عقد النكاح فإن أم الولد القديمة فِي هذا كالزوجة القديمة لا قيام للزوجة عَلَيْهِ بوطئها، ولا حجة لها فِي منعه منها، وإنما لها ذلك فيما يتخذ من أمهات الأولاد بعد عقد نكاحها. قال بعض الموثقين: ونزلت هذه المسألة فأفتى فِيهَا أبو عمر الباجي بهذا قال: ويحتمل أن يلزمه الشرط فِيهَا وإن كانت قديمة لما شرط من أن لا يتخذ أم ولد. انتهى، وذكر ابن عرفة أن هذا هو الذي يأتي عَلَى تعليل ابن القاسم بأن القصد بالشرط ألا يجمع معها غيرها. فإن قلت: فقد نوع المصنف الاتخاذ إلى اتخاذ أم الولد والسرية عَلَى ما صوبتم، ولَمْ يتكلّم فِي التسري إِلا عَلَى من كانت له أم ولدسابقة عكس ما نقلتم عن " المتيطية "؟ قلت: لعلّ المصنف يرى أن الأمر فِي ذلك وَاحد وإنما القصد التفريق بين الاتخاذ والتسري. تنبيه: قد ظهر من هذا أن: لا يتسرى. أشدّ من: لا يتخذ؛ لتعاكس المشهور فيهما، وأما لا (¬3) يطأ فهو أشد من: لا يتسرى. باعتبار ما فقد. قال ابن عات: قال ابن نافع: إنما التسري عندنا للاتخاذ وليس الوطء، فإن وطء جارية لا يريد اتخاذها للولد فلا شيء عَلَيْهِ إِلا أن يكون الشرط أن وَطء جارية فيلزمه ونحوه. روى علي (¬4) بن زياد، وقد أنكره المدنيون (¬5). ¬
وهَدِيَّةٌ اشْتُرِطَتْ لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا قَبْلَهُ، ولَهَا أَخْذُهُ مِنْهُ بِالطَّلاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وضَمَانُهُ إِنْ هَلَكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ كَانَ مِمَّا لا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا، وإِلا فَمِنَ الَّذِي فِي يَدِهِ، وتَعَيَّنَ مَا اشْتَرَتْهُ مِنَ الزَّوْجِ، وهَلْ مُطْلَقاً وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ أَوْ إِنْ قَصَدَتِ التَّخْفِيفَ؟ تَأْوِيلانِ. ومَا اشْتَرَتْهُ مِنْ جِهَازِهَا وإِنْ مِنْ غَيْرِهِ، وسَقَطَ الْمَزِيدُ فَقَطْ بِالْمَوْتِ، وفِي تَشْطِيرِ هَدِيَّةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ وقَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ لا شَيْءَ لَهُ وإِنْ لَمْ تَفُتْ إِلا أَنْ يُفْسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَيَأْخُذَ الْقَائِمَ مِنْهَا، لا إِنْ فُسِخَ بَعْدَهُ، رِوَايَتَانِ. وفِي الْقَضَاءِ بِمَا يُهْدَى عُرْفاً، قَوْلانِ، وصُحِّحَ الْقَضَاءُ بِالْوَلِيمَةِ دُونَ أُجْرَةِ الْمَاشِطَةِ وتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ نَفَقَةِ الثَّمَرَةِ والْعَبْدِ وفِي أُجْرَةِ تَعْلِيمِ صَنْعَةٍ قَوْلانِ، وعَلَى الْوَلِيِّ أَوِ الرَّشِيدَةِ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ لِبَلَدِ الْبِنَاءِ الْمُشْتَرَطِ، إِلا لِشَرْطٍ ولَزِمَهَا التَّجْهِيزُ عَلَى الْعَادَةِ بِمَا قَبَضَتْهُ. قوله: (وَلَهَا أَخْذُهُ مِنْهُ) أي من الولي، والجملة معترضة بين العامل والمعمول. إِنْ سَبَقَ الْبِنَاءَ، وقُضِيَ لَهُ إِنْ دَعَاهَا لِقَبْضِ مَا حَلَّ. قوله: (إِنْ سَبَقَ الْبِنَاءَ) أي: إن سبق القبض البناء كان حالاً أو مؤجّلاً فحل. إِلا أَنْ يُسَمِّيَ شَيْئاً فَيَلْزَمُ، ولا تُنْفِقُ مِنْهُ وَ [لا] (¬1) تَقْضِي دَيْناً، إِلا الْمُحْتَاجَةُ، وكاَلدِّينَارِ. قوله: (إِلا أَنْ يُسَمِّيَ شَيْئاً فَيَلْزَمُ) أي سواءً كان أقل مما قبضته أو أكثر كما إِذَا جرى بذلك عرفٌ، وعَلَيْهِ يتفرع ما ذكر بعد من المطالبة بجهازها عند موتها، وإِلا فالتي لا تتجهز بأزيد من صداقها لا يتصور فِيهَا هذه المطالبة فتأمله. ولَوْ طُولِبَ بِصَدَاقِهَا لِمَوْتِهَا، فَطَالَبَهُمْ بِإِبْرَازِ جِهَازِهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ عَلَى الْمَقُولِ، ولأَبِيهَا بَيْعُ رَقِيقٍ سَاقَهُ الزَّوْجُ لَهَا لِلتَّجْهِيزِ، وفِي بَيْعِهِ الأَصْلَ قَوْلانِ، وقُبِلَ دَعْوَى الأَبِ فَقَطْ فِي إِعَارَتِهِ لَهَا فِي السَّنَةِ بِيَمِينٍ، وإِنْ خَالَفَتْهُ الابْنَةُ، لا إِنْ بَعُدَ ولَمْ يُشْهِدْ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُ فَفِي ثُلُثِهَا، واخْتَصَّتْ بِهِ إِنْ أُورِدَ بِبَيْتِهَا، أَوْ أَشْهَدَ لَهَا، أَوِ اشْتَرَاهُ الأَبُ لَهَا، ووَضَعَهُ عِنْدَ كَأُمِّهَا. وإِنْ وَهَبَتْ لَهُ الصَّدَاَق أَوْ مَا يُصْدِقُهَا بِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ جُبِرَ عَلَى دَفْعِ أَقَلِّهِ، وبَعْدَهُ أَوْ بَعْضَهُ، فَالْمَوْهُوبُ كَالْعَدَمِ، إِلا أَنْ تَهَبَهُ عَلَى دَوَامِ الْعِشْرَةِ. قوله: (وَلَوْ طُولِبَ بِصَدَاقِهَا لِمَوْتِهَا، فَطَالَبَهُمْ بِإِبْرَازِ جِهَازِهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ عَلَى الْمَقُولِ) ¬
أشار بهذا لما ذكر الإمام المازري فِي بعض فتاويه وذلك أنه سئل عن رسم مضمنه أنهم يعرفون فلاناً، وصهره فلاناً، وأن فلاناً لما زوجه ابنته البكر فلانة بصداق جملته كذا - شرط فِي عقد النكاح أن يجهزها بألفي دينار مهدوية قال الشهود: ونعلم أن عادة المهدوية (¬1) وزرويلة أن من زوج ابنته البكر وهو ذو مال يلتزم من الجهاز ما يقابل به الصداق المسمى، ومن الناس من يشترط ومنهم من يعتمد عَلَى العادة من غير شرط، والمتعاقدان متفاهمان لذلك بالعادة ونعلم أن العادة بزرويلة إِذَا توفي الوالد وقام الزوج وطلب ما يقابل صداقه فإنه يقضى به؟ فأجاب: هذا أمر تعمّ به البلوى، وينبغي أن يكشف الشهود عن قولهم إن الآباء يلتزمون ما يقابل الصداق، وربما أجحفوا عَلَى أنفسهم بقدر هممهم فِيهِ، فهذه العادة به صحيحة؛ لكن قد يكون ذلك يفعلونه بقدر الأنفة والهمة التي تعمّ سائر الآباء إِلا من شذ منهم من أهل الخسة، أو يفعلونه لأنهم يرونه لازماً لهم كالدين، فيجبرون عَلَيْهِ إن أبوا، فهذا الثاني إن صحّت الشهادة به فهو المنظور فِيهِ. وأما الوجه الأول فلا يقضى به إِلا عَلَى تخريج خلاف فِي المذهب، ذكره ابن المَوَّاز فِي " هدية العرس " التي اشتهر فعلها عَلَى وجه المكارمة فقيل: لا يقضى بها؛ لأنها تفعل للمكارمة، فإذا قضينا بها فكأننا استندنا للعادة وخالفناها. وقيل يقضى بها كالمشترطة، وهذا وإن كان فِيهِ معاوضة فلابد من تحقيق الشهادة عَلَى نحو ما قلنا؛ لأن أصل الشريعة عدم إلزام المرأة وأبيها جهازاً، والصداق عوض عن البضع وهو المقصود، ولو كان عوضاً عن الانتفاع بالجهاز وهو مجهول لكان فاسداً؛ لكن الأصل البضع وما سواه تبع، وفِي المذهب رواية شاذة غريبة: أنه ليس عَلَى المرأة تجهيز بصداقها، فأحرى ما سواه، وأظنّها فِي " وثائق " ابن العطار، والرواية الأخرى تتجهز بالصداق خاصة، والجهازات الكائنة الآن خارجة عن مقتضى الروايات، فإذا كانت العادة تقتضيها فينبغي أن تتحقق، وقد نزلت هنا نازلة عجيبة [48 / أ] منذ خمسين ¬
عاماً (¬1) فاختلف فِيهَا شيخاي وهي: إِذَا ماتت الزوجة البكر قبل الدخول بها، فلمّا طلب الأبّ الصداق طلب الزوج الميراث من القدر الذي تتجهز به، فأفتى عبد الحميد بأن ذلك ليس عَلَى الأب، وأفتى اللخمي بأن ذلك (¬2) عَلَيْهِ، وكان الشيخ الأول يقول: هب أن الآباء يفعلون ذلك فِي حياة بناتهم رفعاً لقدرهن وتكبيراً لشأنهن وحرصاً عَلَى الحظوة عند الزوج، فإذا وقع موت الابنة فعلى من يجهز؟ ولا تقاس عادة عَلَى عادة، وقد تكلمت مع اللخمي لما خاطبني فِي هذه المسألة وسألني عن وجهها (¬3)؟ فأجبته (¬4) بما تقدّم، وجرى بيننا كلام طويل. انتهى مقصودنا منه. ولا يخفى جنوحه (¬5) لفتيا عبد الحميد، وقال فِي " المعْلم " فِي قوله - عليه السلام -: " تنكح المرأة لمالها ... " (¬6) حجة لقولنا: أن المرأة إِذَا رفع الزوج فِي صداقها ليسارها ولأنها تسوق إلى بيتها من الجهاز ما جرت عادة أمثالها به، وجاء الأمر بخلافه أن للزوج مقالاً فِي ذلك ويحط من الصداق الزيادة التي زادها لأجل الجهاز عَلَى الأصحّ عندنا إذا (¬7) كان المقصود من الجهاز فِي حكم التبع لاستباحة البضع كمن اشترى سلعتين فاستحقّ أدناهما فإن البيع ينتقض فِي قدر المستحقة خاصة. انتهى وقبله ابن عات. وسئل ابن رشد عما إِذَا ماتت الزوجة قبل الابتناء بها، فذهب والدها إلى أن يأخذ ميراثه فِي ابنته من صداقها نقده وكيله، وفِي السياقة التي ساقها إليه زوجها، وأبى الأب أن يبرز من ماله ذلك القدر الذي كان يبرز لها لو (¬8) كانت حيّة؟. ¬
فأجاب: إِذَا أبى الأب أن يبرز لها من ماله ما يكون ميراثاً عنها القدر الذي يجهز به مثلها إلى مثله عَلَى ما نقدها، وساق إليها فلا يلزم الزوج إِلا صداق مثلها عَلَى أن لا يكون جهازها إِلا بقيمة نقدها. انتهى. وقال قبلها - فِي (أجوبته) فيمن ساق لزوجته (¬1) سياقة عند عقد النكاح وطلب من أبيها أن يشورها (¬2) بشورة (¬3) تقاوم سياقته إذ العرف جارٍ عندهم بذلك، فأبى الأب - ما نصّه: (إِذَا أبى الأب أن يجهزها إليه بما جرى به العرف والعادة أن يجهز به مثلها إلى مثله عَلَى ما نقدها وساق إليها كان بالخيار بين أن يلتزم النكاح أو يردّه عن نفسه فيستردّ ما نقد ويسقط عنه ما أكلا (¬4) وساق) (¬5). انتهى. ومن فتاوى شيخ شيوخنا أبي محمد عبد الله العبدوسي: الذي جرى به العمل عندنا فِي أغنياء الحاضرة إجبار الأبّ أن يجهز ابنته بمثلي نقدها، فإذا نقدها الزوج عشرين جهّزها (¬6) الأب بأربعين، عشرين من نقدها وعشرين زيادة من عنده وهذا إنما هو إِذَا فات بالدخول، وأما إن طلب الزوج هذا قبل الابتناء فلا يجبر الأب عَلَى ذلك، ويقال للزوج إما أن ترضى أن يجهزها لك بنقدها خاصة وإِلا فطلّق ولا شيء عليك، وبهذا القضاء وعَلَيْهِ العمل انتهى، وبه مضى الحكم فِي ابنه أحمد اللمتوني (¬7) محتسب فاس فِي عصرنا هذا. ¬
كَعَطِيَّةٍ لِذَلِكَ فَفُسِخَ، وإِنْ أَعْطَتْهُ سَفِيهَةٌ مَا يُنْكِحُهَا بِهِ ثَبَتَ النِّكَاحُ ويُعْطِيهَا مِنْ مَالِهِ مِثْلَهُ وإِنْ وَهَبَتْهُ لأَجْنَبِيٍّ وقَبَضَهُ ثُمَّ طَلَّقَ اتَّبَعَهَا ولَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ إِلا إنْ تُبَيِّنَ أَنَّ الْمَوْهُوبَ صَدَاقٌ، وإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، أُجْبِرَتْ هِيَ، والْمُطَلِّقُ، إِنْ أَيْسَرَتْ يَوْمَ الطَّلاقِ، وإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى كَعَبْدٍ، أَوْ عَشَرَةٍ ولَمْ تَقُلْ مِنْ صَدَاقِي، فَلا نِصْفَ لَهَا، ولَوْ قَبَضَتْهُ رَدَّتْهُ لا إِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي عَلَى عَشَرَةٍ، أَوْ لَمْ تَقُلْ مِنْ صَدَاقِي، فَنِصْفُ مَا بَقِيَ وتَقَرَّرَ بِالْوَطْءِ. قوله: (كَعَطِيَّةٍ لِذَلِكَ فَفُسِخَ (¬1)) خصّ الفسخ الجبري تنبيهاً عَلَى أن الطلاق الاختياري أحرى. ويَرْجِعُ إِنْ أَصْدَقَهَا مَنْ تَعْلَمُ بِعِتْقِهِ [35 / ب] عَلَيْهَا. قوله: (وَيَرْجِعُ إِنْ أَصْدَقَهَا مَنْ تَعْلَمُ بِعِتْقِهِ عَلَيْهَا) فِي بعض النسخ يعلم بالياء - المثناة من أسفل، فيكون موافقاً لقول ابن الحاجب: وهو عالم (¬2)، وإن خالفه فِي التوضيح؛ إذ قال: لَمْ يرجع بشيء عَلَى الأصحّ، وعَلَى هذا فقصد المصنف التنبيه عَلَى الوجه المشكل؛ لأنه إِذَا لَمْ يعلم كان أحرى أن يرجع عَلَيْهَا، يريد وهي عالمة، وربما يتلمح ذلك من قوله بعد: (وإن علم) أي: الولي دونها، وفِي بعض النسخ (تعلم) بالمثناة من فوق، فيكون قد شرط فِي رجوعه عَلَيْهَا علمها هي، فمتى علمت رجع عَلَيْهَا سواء علم هو أم لَمْ يعلم، ومتى لَمْ تعلم هي لَمْ يرجع عَلَيْهَا سواءً علم هو أم لَمْ يعلم، فهذه أربع صور، صورتان فِي المنطوق، وصورتان فِي المفهوم، وقد ذكر اللخمي جميعها. وحاصل ما عنده فِيهَا: أنها إن علمت أنه قريبها دونه رجع عَلَيْهَا، وفِي عكسه لا يرجع عَلَيْهَا، واختلف فِي رجوعها عَلَيْهِ وإن علما جميعاً أو جهلا ثم علما رجع عَلَيْهَا واستحسن مالك مرة عدم رجوعه، وإن جهلا جميعاً فهو أبين فِي عدم الرجوع كهلاكه بأمر من الله - تعالى - وتنزيل ما فِي هذه النسخة عَلَى كلام اللخمي سهل، إِلا أنه فِي بعض الصور بالاتفاق، وفِي بعضها عَلَى قول (¬3). ¬
وهَلْ إِنْ رُشِّدَتْ وصُوِّبَ، أَوْ مُطْلَقاً إِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْوَلِيُّ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وهَلْ إِنْ رُشِّدَتْ وصُوِّبَ، أَوْ مُطْلَقاً إِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْوَلِيُّ؟ تَأْوِيلانِ) هذا راجع للعتق (¬1) والمصوب لاختصاص العتق بالرشيدة: [48 / ب] عياض وابن يونس وأبو الحسن الصغير، والمقيّد للقول بالإطلاق بعدم علم الولي هو ابن رشد، ويأتي كلامه. وإِنْ عَلِمَ دُونَهَا لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهَا، وفِي عِتْقِهِ عَلَيْهِ قَوْلانِ، وإِنْ جَنَى الْعَبْدُ فِي يَدِهِ فَلا كَلامَ لَهُ. قوله: (وإِنْ عَلِمَ دُونَهَا لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهَا، وفِي عِتْقِهِ عَلَيْهِ قَوْلانِ) الضمير فِي علم وفِي عَلَيْهِ للولي، وهذا الكلام قسيم قوله: إن لَمْ يعلم الولي، وأشار بهذا كلّه لقول ابن رشد فِي رسم قطع الشجر أول سماع ابن القاسم مقتصراً عَلَى طريقة ابن حبيب فِي العتق: لا اختلاف (¬2) بينهم إِذَا تزوجها عَلَى أبيها أو عَلَى أخيها أو عَلَى من يعتق عَلَيْهَا فِي أن النكاح جائز، ويعتق عَلَيْهَا علما أو جهلا، أو علم أحدهما دون الآخر بكراً كانت أو ثيبا، قال (¬3) ابن حبيب فِي " الواضحة " وهذا فِي البكر إِذَا لَمْ يعلم الأب أو الوصي، وأما إِذَا علم فلا يعتق عَلَيْهَا. واختلف: هل يعتق عَلَيْهِ هو أم لا؟ عَلَى قولين (¬4). انتهى. إِلا أن المصنف اشترط انفراده بالعلم دونها وليس ذلك فِي عبارة ابن رشد فتأمله، وانظر إِذَا لَمْ يعتق عَلَيْهَا وفرعنا عَلَى القول بعدم عتقه عَلَى الولي أَيْضاً ما الحكم. وإِنْ أَسْلَمَتْهُ فَلا شَيْءَ لَهُ، إِلا أَنْ تُحَابِيَ فَلَهُ دَفْعُ نِصْفِ الأَرْشِ، والشَّرِكَةُ فِيهِ، وإِنْ فَدَتْهُ بِأَرْشِهَا فَأَقَلَّ لَمْ يَأْخُذْهُ إِلا بِذَلِكَ، وإِنْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ وبِأَكْثَرَ فَكَالْمُحَابَاةِ. قوله: (وإِنْ أَسْلَمَتْهُ فَلا شَيْءَ لَهُ، إِلا أَنْ تُحَابِيَ) هذا أعمُّ من أن يكون فِي يده أو فِي يدها. ¬
التنازع في الزوجية
ورَجَعَتِ الْمَرْأَةُ [فِي الفَسْخِ قَبْلَه] (¬1) بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى عَبْدٍ أَوْ ثَمَرَةٍ، وجَازَ عَفْوُ أَبِي الْبِكْرِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وبَعْدَ الطَّلاقِ. ابْنُ الْقَاسِمِ، وقَبْلَهُ لِمَصْلَحَةٍ وهَلْ هُوَ وِفَاقٌ؟ تَأْوِيلانِ، وقَبَضَهُ مُجْبِرٌ، ووَصِيٌّ، وصُدِّقَا، ولو لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وحَلَفَا ورَجَعَ إِنْ طَلَّقَهَا فِي مَالِهَا إِنْ أَيْسَرَتْ يَوْمَ الدَّفْعِ، وإِنَّمَا يُبْرِئُهُ شِرَاءُ جِهَازٍ تَشْهَدُ بَيِّنَةٌ بِدَفْعِهِ لَهَا، أَوْ إِحْضَارِهِ بَيْتَ الْبِنَاءِ، أَوْ تَوْجِيهِهِ إِلَيْهِ. وَإِلا فَالْمَرْأَةُ. وإِنْ قُبِضَ اتَّبَعَتْهُ، أَوِ الزَّوْجَ. ولَوْ قَالَ الأَبُ بَعْدَ الإِشْهَادِ بِالْقَبْضِ لَمْ أَقْبِضْهُ، حَلَفَ الزَّوْجُ فِي كَالْعَشَرَةِ أَيَّامٍ. قوله: (وَرَجَعَتِ الْمَرْأَةُ فِي الفَسْخِ قَبْلَه بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَى عَبْدٍ أَوْ ثَمَرَةٍ) كذا فِي بعض النسخ، فليس مكرراً مع قوله قبل: (وترجع عَلَيْهِ بنصف نفقة الثمرة والعبد). [التنازع في الزوجية] إِذَا تَنَازَعَا فِي الزَّوْجِيَّةِ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ، ولَوْ بِالسَّمَاعِ بِالدُّفِّ والدُّخَانِ، وإِلا فَلا يَمِينَ. ولَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِداً وحَلَفَتْ مَعَهُ ووَرِثَتْ وأُمِرَ الزَّوْجُ بِاعْتِزَالِهَا لِشَاهِدٍ ثَانٍ زَعَمَ قُرْبَهُ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَلا يَمِينَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ وأُمِرَتْ بِانْتِظَارِهِ لِبَيِّنَةٍ قَرِيبَةٍ، ثُمَّ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ إِنْ عَجَّزَهُ قَاضٍ مُدَّعِيَ حُجَّةٍ، وظَاهِرُهَا الْقَبُولُ إِنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ، ولَيْسَ لِذِي ثَلاثٍ تَزْوِيجُ خَامِسَةٍ إِلا بَعْدَ طَلاقِهَا، ولَيْسَ إِنْكَارُ الزَّوْجِ طَلاقاً، ولَوِ ادَّعَاهَا رَجُلانِ فَأَنْكَرَتْهُمَا أَو أحدهُمَا وأَقَامَ كُلٌّ الْبَيِّنَةَ فُسِخَا كَالْوَلِيَّيْنِ، وفِي التَّوْرِيثِ بِإِقْرَارِ الزَّوْجَيْنِ غَيْرِ الطَّارِئَيْنِ والإِقْرَارِ بِوَارِثٍ ولَيْسَ ثَمَّ وَارِثٌ ثَابِتٌ. خِلافٌ. قوله: (وأُمِرَتْ بِانْتِظَارِهِ لِبَيِّنَةٍ قَرِيبَةٍ، ثُمَّ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ إِنْ عَجَّزَهُ قَاضٍ مُدَّعِيَ حُجَّةٍ، وظَاهِرُهَا الْقَبُولُ إِنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ) نصّها فِي رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح: (وسئل عن رجلٍ ادعى نكاح امرأة وأنكرته، وادعى بينة بعيدة، هل تؤمر بالانتظار؟ قال: [لا] (¬2) إِلا أن تكون بينة قريبة، ولا يضر ذلك بالمرأة ويرى الإمام لما ادعى وجهاً. ¬
قلت: فإن عجزه ثم جاء ببينة بعد ذلك وقد نكحت المرأة أو لَمْ تنكح قال قد مضى الحكم. قال ابن رشد: قوله: (لا تقبل منه بينة بعد التعجيز) خلاف ما فِي سماع أصبغ من كتاب الصدقات والهبات، وخلاف ظاهر ما فِي " المدونة "، إذ لَمْ يفرق فِيهَا بين تعجيز الطالب والمطلوب، وقال: إنما يقبل منه القاضي ما أتى به بعد التعجيز [إذا كان لذلك وجه، وقد قيل: إنه لا يقبل منه ما أتى به بعد التعجيز] (¬1) كان طالباً أو مطلوبا. وفرق ابن الماجشون فِي الطالب بين أن يعجز (¬2) فِي أول قيامه قبل أن يجب عَلَى المطلوب عمل وبين أن يعجز بعد أن وجب عَلَى المطلوب عمل، ثم رجع عَلَيْهِ، ففي تعجيز المطلوب قَوْلانِ، وفِي تعجيز الطالب ثلاثة أقوال، قيل: هذا فِي القاضي الحاكم دون من بعده من الحكام، وقيل بل ذلك فِيهِ وفيمن بعده من الحكام، وهذا الاختلاف إنما هو إِذَا عجّزه القاضي بإقراره عَلَى نفسه بالعجز، وأما إذا عجزه السلطان بعد التلوم والأعذار وهو يدّعي أن له حجة فلا يقبل منه ما أتى به بعد ذلك من حجة؛ لأن ذلك قد رد من قوله قبل نفوذ الحكم عَلَيْهِ فلا يسمع منه بعد نفوذه عَلَيْهِ (¬3). انتهى. قال ابن عبد السلام: إِلا أن هنا شيئاً وهو أن النكاح يتضمن حقّ الله تعالى فِي لحوق الولد .. وغير ذلك، فالتعجيز فِيهِ مشكل. انتهى. وقد أضرب عن نقل هذا الإشكال فِي " التوضيح "، ولَمْ يستثن فِي باب الأقضية من هذا المختصر إِلا الخَمْس حيث قال: (وعَجِّزُهُ إلَّا فِي دَمٍ وحَبْسٍ وعِتْقٍ ونَسَبٍ وطَلَاقٍ). وأما ابن عرفة فردّه بأن ابن سهل لما حكى القول بالتعجيز قال: إِلا فِي ثلاثة: العتق والطلاق والنسب، ذكره مطرف وابن وهب وأشهب. قال ابن سهل: وشبهها الحبس وطريق العامة وليس النكاح منها لما فِي سماع أصبغ، ¬
وبالتعجيز فِيهَا أفتى ابن لبابة وابن وليد ومحمد بن غالب ومحمد بن عبد العزيز وأيوب بن سليمان وأحمد بن يحيي، وأشار إلى (¬1) استدلالهم (¬2) بسماع أصبغ. قال ابن سهل: ولا يضرب فِيهِ من الأجل ما يضرب فِي الحقوق لما فِي [عقل الفروج من الضرر الذي ليس فِي الأموال ابن عرفة: فقوله: لا يضرب] (¬3) [فيه من الآجال ما يضرب فِي الحقوق] (¬4) عكس استشكال ابن عبد السلام التعجيز فِيهِ، وجوابه أن منع التعجيز إنما هو فيما ليس للمكلف إسقاطه بعد تقدير ثبوته، والنكاح ليس من ذلك بل للمكلّف إسقاطه إجماعاً، وأحكامه والولد الممتنع إسقاطهما إنما هو بعد تفويتهما، والتعجيز إنما يتعلق بما فِيهِ الخصومة والنزاع وهو النكاح نفسه لا أحكامه فتأمله. بِخِلافِ الطَّارِئَيْنِ. قوله: [49 / أ] (بِخِلافِ الطَّارِئَيْنِ) أي: فإنهما يتوارثان بلا خلاف، ولَمْ يذكر هنا ثبوت زوجيتهما اكتفاء بقوله فيما تقدم: (وقبل دعوى طارئة التزويج)، ولا مرية أن انتفاء الخلاف فِي التوريث مفرع عَلَى ثبوت الزوجية. وإِقْرَارِ أَبَوَيْ غَيْرِ الْبَالِغَيْنِ، وقَوْلِهِ تَزَوَّجْتُكِ فَقَالَتْ: بَلَى، أَوْ قَالَتْ: طَلَّقْتَنِي، أَوْ خَالَعْتَنِي، أَوْ قَالَ: اخْتَلَعْتِ مِنِّي، أَوْ أَنَا مِنْكِ مُظَاهِرٌ، أَوْ حَرَامٌ، أَوْ بَائِنٌ فِي جَوَابِ. طَلِّقْنِي. قوله: (وإِقْرَارِ أَبَوَيْ غَيْرِ الْبَالِغَيْنِ) أي فيتوارثان بلا خلاف (¬5) وذلك مستلزم لثبوت الزوجية كما فوقه، ولفظ إقرار بالجرّ عطفاً عَلَى إقرار المقدر فِي قوله: (بِخِلافِ الطَّارِئَيْنِ) وكذلك قوله: (وَقَوْلِهِ تَزَوَّجْتُكِ ... إلى آخره)، ويريد أن هذه الأجوبة إقرار بالنكاح، وهل يثبت بها أم لا يجري عَلَى ما تقدم. ¬
لا إِنْ لَمْ يُجِبْ، أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ أَقَرَّ فَأَنْكَرَتْ ثُمَّ قَالَتْ: نَعَمْ فَأَنْكَرَ، وفِي قَدْرِ الْمَهْرِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ جِنْسِهِ حَلَفَا، وفُسِخَ. قوله: (لا إِنْ لَمْ يَجَبْ) ينبغي أن يكون بفتح الجيم مبنياً للنائب؛ ليتناول جوابي الرجل والمرأة. والرُّجُوعُ لِلأَشْبَهِ، وانْفِسَاخُ النِّكَاحِ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ، وغَيْرُهُ كَالْبَيْعِ. قوله: (والرُّجُوعُ لِلأَشْبَهِ، وانْفِسَاخُ النِّكَاحِ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ، وغَيْرُهُ كَالْبَيْعِ) برفع غيره عطفاً عَلَى الرجوع، وإفراد ضميره ملاحظة لما ذكر، ومما اندرج فِيهِ التبدية باليمين، وهل نكولهما كأيمانهما، والغرض الذي أتى من التشبيه بالبيع الإحالة عَلَيْهِ فِي المشهورية التي عيّنها فِي الأربعة إذ قال فِي فصل اختلاف المتبايعين: (وَفُسِخَ إنْ حَكَمَ بِهِ ظَاهِرًا وبَاطِنًا كَتَنَاكُلِهِمَا وصُدِّقَ مُشْتَرٍ ادَّعَى الْأَشْبَهَ وحَلَفَ إنْ فَاتَ وبُدِئَ الْبَائِعُ) (¬1). إِلا بَعْدَ بِنَاءٍ، أَوْ طَلاقٍ، أَوْ مَوْتٍ، فَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ. قوله: (إِلا بَعْدَ بِنَاءٍ، أَوْ طَلاقٍ، أَوْ مَوْتٍ، فَقَوْلُهُ بِيَمِينٍ) يعني إن أشبه كما صرّح به غيره كاللخمي، ولعلّ ذلك مستفاد من الإحالة عَلَى البيع إذ لَمْ يتناولهما استثناؤه. ولَوِ ادَّعَى تَفْوِيضاً. قوله: (ولَوِ ادَّعَى تَفْوِيضاً) إغياءً فِي تصديقه قال فِي " المدونة ": قال مالك: فِي رجلٍ تزوج امرأة فهلكت قبل البناء فطولب بالصداق فقال: تزوجت عَلَى تفويض، فالقول قوله مع يمينه وله الميراث ولا صداق عَلَيْهِ (¬2). عِنْدَ مُعْتَادِيهِ (¬3). قوله: (عِنْدَ مُعْتَادِيهِ) كذا ينبغي أن يكون بالياء الساكنة المثناة من أسفل بعد الدال المكسورة جمع سلامة حذفت نونه للإضافة، وهو أعمّ من أن يكونوا معتادين للتفويض وحده أو للتفويض (¬4) والتسمية. ¬
فِي الْقَدْرِ والصِّفَةِ ورَدَّ الْمِثْلَ فِي جِنْسِهِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَوْقَ قِيمَةِ مَا ادَّعَتْهُ أَوْ دُونَ دَعْوَاهُ، وثَبَتَ النِّكَاحُ، ولا كَلامَ لِسَ فِي هَةٍ. ولَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى صَدَاقَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ [36 / أ] لَزِمَا، وقُدِّرَ طَلاقٌ بَيْنَهُمَا، وكُلِّفَتْ بَيَانَ أَنَّهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ. قوله: (فِي الْقَدْرِ والصِّفَةِ) متعلّق بقوله: (فقوله بيمين). وإِنْ قَالَ أَصْدَقْتُكِ أَبَاكِ فَقَالَتْ أُمِّي، حَلَفَا، وعَتَقَ الأَبُ، وإِنْ حَلَفَتْ دُونَهُ عَتَقَا، ووَلاؤُهُمَا لَهُمَا (¬1)، وفِي قَبْضِ مَا حَلَّ، فَقَبْلَ الْبِنَاءِ قَوْلُهَا، وبَعْدَهُ قَوْلُهُ، بِيَمِينٍ فِيهِمَا. عَبْدُ الْوَهَّابِ: إِلا أَنْ يَكُونَ بِكِتَابٍ، وإِسْمَاعِيلُ بِأَنْ لا يَتَأَخَّرَ عَنِ الْبِنَاءِ عُرْفاً، وفِي مَتَاعِ الْبَيْتِ، فَلِلْمَرْأَةِ الْمُعْتَادُ لِلنِّسَاءِ فَقَطْ بِيَمِينٍ، وإِلا فَلَهُ بِيَمِينٍ، ولَهَا الْغَزْلُ، إِلا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ الْكَتَّانَ لَهُ، فَشَرِيكَانِ، وإِنْ نَسَجَتْ كُلِّفَتْ بَيَانَ أَنَّ الْغَزْلَ لَهَا، وإِنْ أَقَامَ الرَّجُلُ بَيِّنَةً عَلَى شِرَاءِ مَا [يعرف] (¬2) لَهَا حَلَفَ، وقُضِيَ لَهُ بِهِ كَالْعَكْسِ، وفِي حَلِفِهِمَا (¬3) تَأْوِيلانِ. قوله: (وَإِنْ قَالَ: أَصْدَقْتُكِ أَبَاكِ. فَقَالَتْ: أُمِّي، حَلَفَا، وعَتَقَ الأَبُ) التحالف يقتضي أن ذلك قبل البناء، وكذا قال فِي " التوضيح " في عبارة ابن الحاجب (¬4). ¬
الوليمة
[الوليمة] (¬1) الْوَلِيمَةُ مَنْدُوبَةٌ بَعْدَ الْبِنَاءِ يَوْماً وتَجِبُ إِجَابَةُ مَنْ عُيِّنَ، وإِنْ صَائِماً، إِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَنْ يَتَأَذَّى بِه. قوله: (إِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَنْ يَتَأَذَّى بِه) أي: من الأراذل السفلة كما قال فِي " الجواهر " (¬2). ومُنْكَرٌ كَفَرْشِ حَرِيرٍ. قوله: (ومُنْكَرٌ كَفَرْشِ حَرِيرٍ) أي: ليجلس عَلَيْهِ الرجال، وظاهره أنه لا يجيب ولو تمكن له ترك الجلوس عَلَيْهِ وهو كذلك. وصُوَرٍ عَلَى كَجِدَارٍ. قوله: (وصُوَرٍ عَلَى كَجِدَارٍ) أشار به لقول ابن شاس: وكذلك إن كان عَلَى جدار (¬3) الدار صور أو ساتر، ولا بأس بصور الأشجار (¬4). قال ابن عرفة: قوله: (إن كان عَلَى جدران الدار صور لا أعرفه عن المذهب هنا لغيره؛ فإن أراد الصور المجسدة فصواب وإِلا فلا، وذكر ذلك أبو عمر عن غير المذهب محتجاً برجوعه - عليه السلام - عن بيت فاطمة - رضي الله عنها - لفراش رآه فِي ناحية البيت فانصرف وقال: " ليس ليّ أن أدخل بيتاً فِيهِ تصاوير " أو قال: " بيتاً مزوقاً " (¬5)، وبرجوع ابن مسعود وأبي أيوب لمثل هذا. والذي فِي المذهب ما فِي كتاب الصلاة الأول فقال ابن رشد، فِي رسم اغتسل، من سماع ابن القاسم، من كتاب الصلاة: فيتحصّل فِيهَا لأهل العلم بعد تحريم ما له ظل قائم أربعة أقوال: ¬
الأول: إباحة ما عدا ذلك ولو كان التصوير فِي جدار أو ثوب منصوب. والثاني: تحريم جميع ذلك. والثالث: تحريم [ما] (¬1) فِي جدار أو ثوب منصوب وإباحة ما فِي الثوب المبسوط. والرابع: تحريم ما بالجدار (¬2) وإباحة ما بالثوب (¬3) المبسوط والمنصوب (¬4). ابن عرفة: فظاهر المذهب أن فِي صور الثياب قولين: الكراهة، وهو ظاهر " المدونة "، والإباحة، وهو ظاهر قول أصبغ، وأياً ما كان فلا يصل ذلك لرفع وُجوب الإجابة (¬5). قال: وقول ابن شاس: أو ساتر. إن أراد بغير ثياب الحرير فلا أعرفه لغيره فِي المذهب، وإن أراد بالحرير، فإن كان بحيث يستند إليه كالمسمى فِي عرفنا بأجلاف فصواب، وأما ما لا يستند إليه وما هو إِلا لمجرد الزينة فالأظهر خفّته ولا يصح كونه مانعاً من وجوب الإجابة. انتهى. وهو عندنا مبني عَلَى أن لفظ ساتر فِي كلام ابن شاس معطوف عَلَى صور لا عَلَى جدران الدار، وهو [49 / ب] ظاهر، والظن بالمصنف أنه كذا فهمه، فيمكن أن يكون احترز بجدران من: كثوب. وأدرج ستر الجدران تحت الكاف من قوله: كفرش حرير، عَلَى أن من شأنه أن يمثّل بالأخفّ فِي مثل هذا؛ ليكون غيره أحرى. فتأمله. لا مَعَ لَعِبٍ مُبَاحٍ، ولَوْ فِي ذِي هَيْئَةٍ عَلَى الأَصَحِّ. قوله: (لا مَعَ لَعِبٍ مُبَاحٍ) معطوف عَلَى محذوف دلّ عَلَيْهِ السياق أي: تترك (¬6) الإجابة مع منكر لا مع لعبٍ مباح بكالغربال. ¬
وكَثْرَةُ زِحَامٍ، وإِغْلاقُ بَابٍ دُونَهُ، وفِي وُجُوبِ أَكْلِ الْمُفْطِرِ تَرَدُّدٌ، ولا يَدْخُلُ غَيْرُ مَدْعُوٍّ، إِلا بِإِذْنٍ، وكُرِهَ نَثْرُ اللَّوْزِ والسُّكَّرِ، لا الْغِرْبَالُ ولَوْ لِرَجُلٍ، وفِي الْكَبَرِ والْمِزْهَرِ ثَالِثُهَا يَجُوزُ فِي الْكَبَرِ. ابْنُ كِنَانَةَ: وتَجُوزُ الزُّمَارَةُ والْبُوقُ. قوله: (وكَثْرَةُ زِحَامٍ) فاعل بمحذوف معطوف عَلَى يحضر. [أي] (¬1): ولَمْ يكن كثرة زحام وكذا قوله: (وإِغْلاقُ بَابٍ دُونَهُ) ومثلها فِي الفضلات: علفتها تبناً وماءً بارداً فأما الزحام ففي سماع ابن القاسم: له فِي التخلف للزحام سعة، وله أشار فِي " الرسالة " (¬2)، وأما إغلاق الباب ففي " الجواهر ": ولا غلق باب دونه (¬3)، قال ابن عرفة: ما ذكره من غلق باب لا أعرفه ولا لفظه، والصواب إغلاق. انتهى. قلت: أنكر فقهه ولفظه وليسا بمنكرين؛ أما الفقه فقال ابن عبد الغفور: وكذلك إن وجد زحاماً أو غلق دونه الباب رجع أَيْضاً، وأما اللفظ فالاسم الثلاثي مسموع باتفاق، وفِي مصدريته خلاف، والفعل الثلاثي مهجور فِي الفصحى؛ ولذلك قال أبو الأسود الدؤلي: وَلا أَقُولُ لِقَدْرِ الْقَوْمِ قَدْ غَلَيَتْ ... وَلا أَقُولُ لِبَابِ الدَّارِ مَغْلُوقُ أي: إنه فصيح لا ينطق إِلا بالمستعمل، وقيل: أراد إنه عفيف لا يتطفل، وقد استوفينا الكلام عَلَيْهِ فِي: " تكميل التقييد وتحليل التعقيد ". ¬
القسم للزوجات
[القسم للزوجات] إِنَّمَا يَجِبُ الْقَسْمُ فِي الزَّوْجَاتِ فِي الْمَبِيتِ وإِنِ امْتَنَعَ الْوَطْءُ شَرْعاً أَوْ طَبْعاً كَمُحْرِمَةٍ، ومُظَاهَرٍ مِنْهَا، ورَتْقَاءَ، لا فِي الْوَطْءِ، إِلا لِضَرَرٍ كَكَفِّهِ لِتَتَوَفَّرَ لَذَّتُهُ لأُخْرَى، وعَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ إِطَافَتُهُ، وعَلَى الْمَرِيضِ إِلا أَنْ لا يَسْتَطِيعَ، فَعِنْدَ مَنْ شَاءَ. وفَاتَ إِنْ ظَلَمَ فِيهِ كَخِدْمَةِ مُعْتَقٍ بَعْضَهُ يَأْبَقُ. ونُدِبَ الابْتِدَاءُ بِاللَّيْلِ والْمَبِيتُ عِنْدَ الْوَاحِدَةِ، والأَمَةُ كَالْحُرَّةِ، وقُضِيَ لِلْبِكْرِ بِسَبْعٍ، ولِلثَّيِّبِ بِثَلاثٍ، ولا قَضَاءَ، ولا تُجَابُ لِسَبْعٍ، ولا يَدْخُلُ عَلَى ضَرَّتِهَا فِي يَوْمِهَا إِلا لِحَاجَةٍ، وجَازَ الأَثَرَةُ عَلَيْهَا بِرِضَاهَا بِشَيْءٍ أَوْ لا كَإِعْطَائِهَا عَلَى إِمْسَاكِهَا، وشِرَاءِ يَوْمِهَا مِنْهَا، ووَطْءِ ضَرَّتِهَا بِإِذْنِهَا، والسَّلامُ بِالْبَابِ، والْبَيَاتُ عِنْدَ ضُرَّتِهَا إِنْ أَغْلَقَتْ بَابَهَا دُونَهُ ولَمْ يَقْدِرْ يَبِيتُ بِحُجْرَتِهَا، وبِرِضَاهُنَّ جَمْعُهُمَا بِمَنْزِلَيْنِ مِنْ دَارٍ واسْتِدْعَاؤُهُنَّ لِمَحَلِّهِ، والزِّيَادَةُ عَلَى يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، لا إِنْ لَمْ يَرْضَيَا. ودُخُولُ حَمَّامٍ بِهِمَا، وجَمْعُهُمَا فِي فِرَاشٍ ولَوْ بِلا وَطْءٍ، وفِي مَنْعِ الأَمَتَيْنِ وكَرَاهَتِهِ قَوْلانِ، وإِنْ وَهَبَتْ نَوْبَتَهَا مِنْ ضَرَّةٍ، فَلَهُ الْمَنْعُ لا لَهَا، وَ [لا تَخْتَصُّ] (¬1) بِخِلافٍ مِنْهُ، ولَهَا الرُّجُوعُ، وإِنْ سَافَرَ اخْتَارَ إِلا فِي الْحَجِّ والْغَزْوِ، فَيُقْرَعُ. وتُؤُوِّلَتْ بِالاخْتِيَارِ مُطْلَقاً. قوله: (لا تَخْتَصُّ بِخِلافٍ مِنْهُ) هكذا فِي النسخ (¬2)، وصوابه وتختصّ بإسقاط لا، والضمير فِي تختص يعود عَلَى الضرة الموهوبة أي: وتختصّ الضرة الموهوبة بالنوبة دون بقية الضرات، فتضيفها لنوبتها فيكون لها يومان، وتبقى أيام القسم عَلَى حالها بخلاف هبة النوبة من [الزوج] (¬3) فإن الواهبة حينئذ تقدر كالعدم، ولا يخصّ هو بذلك اليوم غيرها، فإذا كان النسوة أربعاً كانت أيام القسم فِي المسألة الأولى أربعة عَلَى حالها، وفِي الثانية ثلاثة. قال ابن عبد السلام: وينبغي إِذَا وَهبت الزوج أن تُسأل: هل أرادت الإسقاط أو تمليك الزوج؟ ¬
فصل النشوز
فإن أرادت الثاني فله أن يخصّ بيومها من شاء، وتبعه فِي " التوضيح "، ونص اللخمي هبتها عَلَى ثلاثة أوجه، فإن أسقطت يومها ولَمْ تخصّ به أحداً عاد القسم أثلاثاً، وإن خصّت به واحدة كان لها ويبقى القسم أرباعاً. وقد وَهبت سودة يومها لعائشة (¬1)، فكان لها يومان، وقال بعض أهل العلم: إن وَهبت الزوج كان بالخيار بين: أن يسقط حقه فِيهِ ويكون القسم أثلاثاً، أو يخصّ به واحدة ويكون أرباعاً. ابن عرفة: ظاهر قوله: قال بعض العلماء: أن المذهب خلافه وهو مقتضى قول ابن الحاجب وابن شاس، فإن وَهبت الزوج قدرت كالعدم ولا يخصص هو (¬2)، وفِيهِ نظر؛ لاحتمال كونه كهبة أحد الشفعاء حقّه للمبتاع، وكهبة أحد غرماء المفلس حقّه له فيستغرقه من سواه، واحتمال كونه كهبة أحد أولياء القتيل حقّه للقاتل، والأول أظهر، والثاني أجرى عَلَى شرائه ذلك. فصل النشوز (¬3) ووَعَظَ مَنْ نَشَزَتْ ثُمَّ هَجَرَهَا ثُمَّ ضَرَبَهَا إِنْ ظَنَّ إِفَادَتَهُ، وبِتَعَدِّيهِ [36 / ب] زَجَرَهُ الْحَاكِمُ وسَكَّنَهُمَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ، وإِنْ أَشْكَلَ بَعَثَ حَكَمَيْنِ، وإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا مِنْ أَهْلِهِمَا إِنْ أَمْكَنَ، ونُدِبَ كَوْنُهُمَا جَارَيْنِ. قوله: (وَبِتَعَدِّيهِ زَجَرَهُ الْحَاكِمُ) أي: فإن كان الضرر بتعدّيه تولى الحاكم زجره باجتهاده كما تولى الزوج زجرها حين كان الضرر منها، فإن كان منهما معاً وعلم فالزاجر الإمام. قاله ابن عبد السلام. وبَطَلَ حُكْمُ غَيْرِ الْعَدْلِ، وسَفِيهٍ، وامْرَأَةٍ، وغَيْرِ فَقِيهٍ بِذَلِكَ، ونَفَذَ طَلاقُهُمَا، وإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجَانِ والْحَاكِمُ ولَوْ كَانَا مِنْ جِهَتِهِمَا. قوله: (وبَطَلَ حُكْمُ غَيْرِ الْعَدْلِ) يشمل الكافر والفاسق والصبي والعبد. ¬
لا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْقَعَا، وتَلْزَمُ إِنِ اخْتَلَفَا فِي الْعَدَدِ. قوله: (لا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْقَعَا) أكثر بالرفع عطفاً عَلَى طلاقها و (أوقعا) فِي موضع الصفة له، والعائد المفعول المحذوف أي: ولا ينفذ أكثر من واحدة أوقعاه، وكأنه نبه بالصفة عَلَى أن هذا بعد الوقوع، وأما فِي الابتداء فلا يجوز أن يوقعا أكثر من واحدة كما صرّح به المَتِّيْطِي. ولَهَا التَّطْلِيقُ بِالضَّرَرِ (¬1)، ولَوْ لَمْ تَشْهَدِ الْبَيِّنَةُ بِتَكَرُّرِهِ، وعَلَيْهِمَا الإِصْلاحُ، وإِنْ تَعَذَّرَ وإِنْ أَسَاءَ الزَّوْجُ طَلَّقَا بِلا خُلْعٍ والْعَكْسُ ائْتَمَنَاهُ عَلَيْهَا، أَوْ خَالَعَاهُ بِنَظَرِهِمَا، وإِنْ أَسَاءَا [مَعاً] (¬2)، فَهَلْ يَتَعَيَّنُ الطَّلاقُ بِلا خُلْعٍ، أَوْ لَهُمَا أَنْ يُخَالِعَا بِالنَّظَرِ وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ تَأْوِيلانِ، وأَتَيَا الْحَاكِمَ فَأَخْبَرَاهُ. قوله: (ولَهَا التَّطْلِيقُ بِالضَّرَرِ، ولَوْ لَمْ تَشْهَدِ الْبَيِّنَةُ بِتَكَرُّرِهِ) هذا مفرع عَلَى قوله: (وبِتَعَدِّيهِ زَجَرَهُ الْحَاكِمُ) وعَلَى مفهوم قوله: (إِنْ أَشْكَلَ) وهناك ذكره فِي " التوضيح "، فالضمير فِي (لها) مفرد مؤنث عائد عَلَى الزوجة، والإشارة إلى قول المَتِّيْطِي قرب آخر باب الشروط، ولو لَمْ يشترط الزوج لزوجه شرط فِي الضرر فشهد الشهود أنه يضر بها فِي نفسها وما لها، فهل يكون لها القيام بذلك عَلَيْهِ أم لا؟ حكى ابن الهندي فِي النسخة الكبرى من " وثائقه " فِي ذلك قولين: أحدهما: أن ذلك لها وتطلّق المرأة نفسها. قال: ويعضد هذا القول قوله - عليه السلام -: " لا ضرر ولا ضرار " (¬3)، ولو لَمْ يكن للمرأة ذلك لكان كالإجبار لها عَلَى احتمال الضرر، ومن قال بهذا القول يقول ذلك لها وإن لَمْ يشهد بتكرر الضرر، فيستوي فِي هذا القول من شرط ومن لَمْ يشترط. ¬
والثاني: أنها ليس لها أن تطلّق نفسها إِذَا لَمْ يشترط ذلك لها وبعقده (¬1) بيمين حتى يشهد بتكرر الضرر، فإذا شهد بذلك وَجب للسلطان النظر لها ويطلق عَلَيْهِ. المَتِّيْطِي: ونحو [50 / أ] هذا القول لأبي محمد بن أبي زيد فِي مسائله. ونَفَّذَ حُكْمَهُمَا ولِلزَّوْجَيْنِ إِقَامَةُ وَاحِدٍ عَلَى الصِّفَةِ، وفِي الْوَلِيَّيْنِ والْحَاكِمِ تَرَدُّدٌ، ولَهُمَا إِنْ أَقَامَهُمَا الإِقْلاعُ، مَا لَمْ يَسْتَوْعِبَا الْكَشْفَ ويَعْزِمَا عَلَى الْحُكْمِ وإِنْ طَلَّقَا واخْتَلَفَا فِي الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ تَلْتَزِمْهُ فَلا طَلاقَ. قوله: (ونَفَّذَ حُكْمَهُمَا) هو كقول المَتِّيْطِي فِي نص الوثيقة: فأمضى أي القاضي حكم الحكمين المذكورين عَلَى هذين الزوجين وأنفذه. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الطلاق
[باب الطلاق] جَازَ الْخُلْعُ وهُوَ الطَّلاقُ بِعِوَضٍ، وبِلا حَاكَمٍ (¬1)، وبِعِوَضٍ مِنْ غَيْرِهَا، إِنْ تَأَهَّلَ، لا مِنْ صَغِيرَةٍ، وسَفِيهَةٍ، وذِي رِقٍّ، ورَدَّ الْمَالَ وبَانَتْ. وجَازَ مِنَ الأَبِ عَنِ الْمُجْبَرَةِ، بِخِلافِ الْوَصِيِّ، وفِي خُلْعِ الأَبِ عَنِ السَّ فِي هَةِ خِلافٌ، وبِالْغَرَرِ كَجَنِينٍ، وغَيْرِ مَوْصُوفٍ. وَلَهُ الْوَسَطُ ونَفَقَةُ حَمْلٍ، إِنْ كَانَ. وبِإِسْقَاطِ حَضَانَتِهَا. ومَعَ الْبَيْعِ. قوله: (وبِلا حَاكَمٍ، وبِعِوَضٍ مِنْ غَيْرِهَا) أي: وجاز بلا حاكم، وجاز بعوض من غيرها، وليسا معطوفين عَلَى قوله قبل: (بعوض). ورَدَّتْ لِكَإِبَاقٍ الْعَبْدِ مَعَهُ نِصْفَهُ (¬2)، وعُجِّلَ الْمُؤَجَّلُ بِمَجْهُولٍ، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً بِقِيمَتِهِ. قوله: (ورَدَّتْ لِكَإِبَاقٍ الْعَبْدِ مَعَهُ نِصْفَهُ) الضمير فِي (معه) يعود عَلَى المبيع المدلول عَلَيْهِ بالبيع، وفِي (نِصْفَهُ) يعود عَلَى العبد، فهي تردّ المبيع من يدها لزوجها، وتردّ نصف العبد من يد زوجها لها لنفسها. ورُدَّتْ دَرَاهِمُ رَدِيئَةٌ، إِلا لِشَرْطٍ، وقيمته كَعَبْدٍ اسْتُحِقَّ. والْحَرَامُ كَخَمْرٍ، ومَغْصُوبٍ. قوله: (ورُدَّتْ دَرَاهِمُ رَدِيئَةٌ، [إِلا لِشَرْطٍ] (¬3) وقيمته كَعَبْدٍ اسْتُحِقَّ. والْحَرَامُ) ردّت هنا مبني للنائب والرادّ فِي الأولى: الزوج. وفِي الثانية الزوجة، وفِي الثالثة الحاكم، وفِيهِ استعمال اللفظ فِي حقيقته ومجازه؛ إذ الأول رد المقبوض ليبدل، والثاني تأدية قيمة المستحقّ، والثالث فسخ العقد. وإِنْ بَعْضاً، ولا شَيْءَ لَهُ كَتَأْخِيرِهَا دَيْناً عَلَيْهِ، وخُرُوجِهَا مِنْ مَسْكَنِهَا، وتَعْجِيلِهِ لَهَا مَا لا يَجِبُ قَبُولُهُ. وهَلْ كَذَلِكَ إِنْ وَجَبَ، أَوْ لا؟ تَأْوِيلانِ، وبَانَتْ ولَوْ بِلا عِوَضٍ نُصَّ عَلَيْهِ. قوله: (وإِنْ بَعْضاً) أي: فإن ذلك البعض (¬4) يرد وحده فِي هذا الباب. ¬
أَوْ عَلَى الرَّجْعَةِ كَإِعْطَاءِ مَالٍ فِي الْعِدَّةِ عَلَى نَفْيِهَا كَبَيْعِهَا، أَوْ تَزْوِيجِهَا. والْمُخْتَارُ نَفْيُ اللُّزُومِ فِيهِمَا، وطَلاقٌ حُكِمَ بِهِ، إِلا لإِيلاءٍ وعُسْرٍ بِنَفَقَةٍ، لا إِنْ شُرِطَ نَفْيُ الرَّجْعَةِ بِلا عِوَضٍ، أَوْ طَلَّقَ، أَوْ صَالَحَ وأَعْطَى. وهَلْ مُطْلَقاً، أَوْ إِلا أَنْ يَقْصِدَ الْخُلْعَ؟ تَأْوِيلانِ، ومُوجِبُهُ زَوْجٌ مُكَلَّفٌ ولَوْ سَ فِي هاً، أَوْ وَلِيُّ صَغِيرٍ أَباً، أَوْ سَيِّداً، أَوْ غَيْرَهُمَا، لا أَبُ سَ فِيهٍ، وسَيِّدُ بَالِغٍ، ونَفَذَ خُلْعُ الْمَرِيضِ ووَرِثَتْهُ دُونَهَا كَمُخَيَّرَةٍ ومُمَلَّكَةٍ فِيهِ، ومُولًى مِنْهَا، ومُلاعَنَةٍ، أَوْ أَحْنَثَتْهُ فِيهِ، أَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ عَتَقَتْ، أَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ووَرِثَتْ أَزْوَاجاً، وإِنْ فِي عِصْمَةٍ. وإِنَّمَا يَنْقَطِعُ بِصِحَّةٍ بَيِّنَةٍ. ولَوْ صَحَّ ثُمَّ مَرِضَ فَطَلَّقَهَا ثَانِيَةً لَمْ تَرِثْ إِلا فِي عِدَّةِ الطَّلاقِ الأَوَّلِ، والإِقْرَارُ بِهِ فِيهِ كَإِنْشَائِهِ. والْعِدَّةُ مِنَ الإِقْرَارِ. ولَوْ شُهِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِطَلاقِهِ [37 / أ]، فَكَالطَّلاقِ بِالْمَرَضِ، وإِنْ أَشْهَدَ بِهِ فِي سَفَرٍ ثُمَّ قَدِمَ ووَطِئَ وأَنْكَرَ الشَّهَادَةَ فُرِّقَ ولا حَدَّ، ولَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ صِحَّتِهِ فَكَالْمُتَزَوِّجِ فِي الْمَرَضِ ولَمْ يَجُزْ خُلْعُ الْمَرِيضَةِ وَهَلْ يُرَدُّ، أَوِ الْمُجَاوِزُ لإِرْثِهِ يَوْمَ مَوْتِهَا ووُقِفَ إِلَيْهِ؟ تَأْوِيلانِ، وإِنْ نَقَصَ وكِيلُهُ عَنْ مُسَمَّاهُ لَمْ يَلْزَمْ أَوْ أَطْلَقَ لَهُ أَوْ لَهَا حَلَفَ أَنَّهُ أَرَادَ خُلْعَ الْمِثْلِ، وإِنْ زَادَ وكِيلُهَا، فَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ، ورُدَّ الْمَالُ بِشَهَادَةِ سَمَاعٍ عَلَى الضَّرَرِ، وبِيَمِينِهَا مَعَ شَاهِدٍ أَوِ امْرَأَتَيْنِ ولا يَضُرُّهَا إِسْقَاطُ الْبَيِّنَةِ الْمُسْتَرْعَاةِ عَلَى الأَصَحِّ وبِكَوْنِهَا بَائِناً لا رَجْعِيَّةً أَوْ لِكَوْنِهِ يُفْسَخُ بِلا طَلاقٍ أَوْ لِعَيْبِ خِيَارٍ بِهِ، أَوْ قَالَ إِنْ خَالَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثاً، لا إِنْ لَمْ يَقُلْ ثَلاثاً، ولَزِمَتْ طَلْقَتَانِ. قوله: (أَوْ عَلَى الرَّجْعَةِ) ليس معطوفاً عَلَى لفظ (عَلَيْهِ) [الذي قبله] (¬1) فهو فِي حيّز الإغياء لا فِي حيّز النفي. وجَازَ شَرْطُ نَفَقَةِ وَلَدِهَا مُدَّةَ رِضَاعِهِ فَلا نَفَقَةَ لِلْحَمْلِ، وسَقَطَتْ نَفَقَةُ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ. قوله: (وجَازَ شَرْطُ نَفَقَةِ وَلَدِهَا مُدَّةَ رِضَاعِهِ) هو أعمّ من أن يكون شرط ذلك عَلَيْهَا حال حملها بذلك الولد أو بعد وَضعه، ولا ينافيه تفريعه عَلَى أحد الوجهين فِي قوله: (فَلا نَفَقَةَ لِلْحَمْلِ). ¬
وزَائِدٌ شُرِطَ كَمَوْتِهِ وإِنْ مَاتَتْ أَوِ انْقَطَعَ لَبَنُهَا أَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَعَلَيْهَا وعَلَيْهِ نَفَقَةُ الآبِقِ والشَّارِدِ، إِلا لِشَرْطٍ، لا نَفَقَةُ جَنِينٍ إِلا بَعْدَ خُرُوجِهِ وأُجْبِرَ عَلَى جَمْعِهِ مَعَ أُمِّهِ، وفِي نَفَقَةِ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلاحُهَا قَوْلانِ، وكَفَتِ الْمُعَاطَاةُ، وإِنْ عُلِّقَ بِالإِقْبَاضِ والأَدَاءِ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْمَجْلِسِ إِلا لِقَرِينَةٍ. قوله: (وزَائِدٌ شُرِطَ) أي: وسقط الزائد عَلَى الحولين مما شرط من نفقة الولد خلاف ما جرى عَلَيْهِ العمل من قول المخزومي ومن وافقه: هذا ظاهر لفظه، وقد يحمل عَلَى ما هو أعمّ من النفقة، وعَلَى كلّ حال فالمراد بقوله قبله: (أو غيره) الأجنبي لا الولد. ولَزِمَ فِي أَلْفٍ الْغَالِبُ. قوله: (ولَزِمَ فِي أَلْفٍ الْغَالِبُ) أشار به لقول ابن شاس إذ قال: إن أعطيتني ألف درهم وفِي البلد نقود مختلفة والغالب وَاحد، فأتت بغير الغالب لَمْ يقع الطلاق بل يختصّ وَقوعه بالغالب كالإقرار والمعاملة، ولو أتت بألفٍ معيب (¬1) لَمْ تطلّق؛ لوجوب تنزيل المطلق عَلَى المعتاد وهو السليم (¬2). فكأنه قال: ولزم الزوج فِي ألف قبول غالب السكة إِذَا بذلته المرأة فيقع الطلاق لا غير الغالب فلا يلزمه قبوله ولا يقع عَلَيْهِ طلاق (¬3) والْبَيْنُونَةُ إِنْ قَالَ إِنْ أَعْطَيْتَنِي أَلْفاً فَارَقْتُكِ، أَوْ أُفَارِقُكِ إِنْ فُهِمَ الالْتِزَامُ أَوِ الْوَعْدُ إِنْ ورَّطَهَا أَوْ طَلِّقْنِي ثَلاثاً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً وبِالْعَكْسِ أَوْ أَبِنِّي بِأَلْفٍ، أَوْ طَلِّقْنِي نِصْفَ طَلْقَةٍ، أَوْ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ فَفَعَلَ، أَوْ قَالَ بِأَلْفٍ غَداً فَقَبِلَتْ فِي الْحَالِ، أَوْ بِهَذَا. الْهَرَوِيِّ فَإِذَا هُوَ مَرْوِيٌّ. قوله: (وَالْبَيْنُونَةُ إِنْ قَالَ إِنْ أَعْطَيْتَنِي أَلْفاً فَارَقْتُكِ ... إلى آخره). أي: ولزمته البينونة إِذَا فعل ما ذكر فِي هذه المسائل. ¬
طلاق السنة
أَوْ بِمَا فِي يَدِهَا وفِيهِ مُتَمَوِّلٌ، أَوْ لا عَلَى الأَحْسَنِ، لا إِنْ خَالَعَتْهُ بِمَا لا شُبْهَةَ لَهَا فِيهِ أَوْ بِتَافِهٍ فِي إِنْ أَعْطَيْتِنِي مَا أُخَالِعُكِ بِهِ، أَوْ طَلَّقْتُكِ ثَلاثاً بِأَلْفٍ، فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِالثُّلُثِ، وإِنِ ادَّعَى الْخُلْعَ، أَوْ قَدْراً، أَوْ جِنْساً حَلَفَتْ وبَانَتْ، والْقَوْلُ قَوْلُهُ إِنِ اخْتَلَفَا فِي الْعَدَدِ كَدَعْوَاهُ مَوْتَ عَبْدٍ، أَوْ عَيْبِهِ قَبْلَهُ. وإِنْ ثَبَتَ [مَوْتُهُ] (¬1) بَعْدَهُ، فَلا عُهْدَةَ. قوله: (أَوْ بِمَا فِي يَدِهَا وفِيهِ مُتَمَوِّلٌ، أَوْ لا عَلَى الأَحْسَنِ) اليد مؤنثة فمن حقه أن يقول وفِيهَا، ولعلّه لاحظ معنى العضو فذكّر، وأشار بالأحسن لاختيار ابن عبد السلام إذ قال: اللزوم هو الأقرب؛ لأنه خالعها وهو مجوز لما ظهر من أمرها. انتهى وهو خلاف قول اللخمي: قول مالك بعدم اللزوم أحسن إِذَا كان الخلع عن مشاورة، وعند الجد , وإنما يتسامح الناس فِي مثل هذا عندما يكون من الهزل واللعب. [طلاق السنة] طَلاقُ السُّنَّةِ وَاحِدَةٌ بِطُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ بِلا عِدَّةٍ، وإِلا فَبِدْعِيٌّ وكُرِهَ فِي غَيْرِ الْحَيْضِ، ولا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ كَقَبْلَ الْغُسْلِ مِنْهُ، أَوِ التَّيَمُّمِ الْجَائِزِ، ومُنِعَ فِيهِ، ووَقَعَ، وأُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ ولَوْ لِمُعْتَادَةِ الدَّمِ لِمَا يُضَافُ فِيهِ لِلأَوَّلِ عَلَى الأَرْجَحِ، والأَحْسَنُ عَدَمُهُ لآخِرِ الْعِدَّةِ، وإِنْ أَبَى هُدِّدَ، ثُمَّ سُجِنَ، ثُمَّ ضُرِبَ [37 / ب] بِمَجْلِسٍ، وإِلا ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ. وجَازَ الْوَطْءُ بِهِ، والتَّوَارُثُ والأَحَبُّ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ. وفِي مَنْعِهِ فِي الْحَيْضِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ لأَنَّ فِيهَا جَوَازَ طَلاقِ الْحَامِلِ وغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِيهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ تَعَبُّداً لِمَنْعِ الْخُلْعِ وعَدَمِ الْجَوَازِ وإِنْ رَضِيَتْ، وجبرِهِ عَلَى الرَّجْعَةِ وإِنْ لَمْ تَقُمْ خِلافٌ. وصُدِّقَتْ أَنَّهَا حَائِضٌ، ورُجِّحَ إِدْخَالُ خِرْقَةٍ وتَنْظُرُهَا النِّسَاءُ، إِلا أَنْ يَتَرَافَعَا طَاهِراً، فَقَوْلُهُ وعُجِّلَ فَسْخُ الْفَاسِدِ فِي الْحَيْضِ والطَّلاقُ عَلَى الْمُولِي، وأُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ لا لِعَيْبٍ، ومَا لِلْوَلِي فَسْخُهُ أَوْ لِعُسْرِهِ بِالنَّفَقَةِ كَاللِّعَانِ، ونُجِّزَتِ الثَّلاثُ فِي شَرِّ الطَّلاقِ ونَحْوِهِ، وفِي طَالِقٌ ثَلاثاً لِلسُّنَّةِ إِنْ دَخَلَ بِهَا، وإِلا فَوَاحِدَةٌ كَخَيْرِهِ، أَوْ وَاحِدَةً عَظِيمَةً أَوْ قَبِيحَةً، أَوْ كَالْقَصْرِ، وثَلاثاً لِلْبِدْعَةِ، أَوْ بَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ، وبَعْضُهُنَّ لِلسَّنَّةِ، فَثَلاثٌ فِيهِمَا. قوله: (وَثَلاثاً لِلْبِدْعَةِ، أَوْ بَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ، وبَعْضُهُنَّ لِلسَّنَّةِ، فَثَلاثٌ فِيهِمَا) أي: فِي المدخول بها وغير المدخول بها، وهذا مقتضى ما فِي " النوادر ". ¬
أَرْكَانُهُ (¬1) أَهْلٌ، وقَصْدٌ، ومَحَلٌّ، ولَفْظٌ وإِنَّمَا يَصِحُّ طَلاقُ الْمُسْلِمِ والْمُكَلَّفِ، ولَوْ سَكِرَ حَرَاماً، وهَلْ إِلا إلا (¬2) يُمَيِّزَ، أَوْ مُطْلَقاً؟ تَرَدُّدٌ، وطَلاقُ الْفُضُولِيِّ كَبَيْعِهِ. قوله: (وَهَلْ إِلا إلا يُمَيِّزَ، أَوْ مُطْلَقاً؟ تَرَدُّدٌ) هذا وجه الكلام بإثبات لا النافية، ومن أسقطها وردّ الاستثناء لما دلت عَلَيْهِ لو من الخلاف فقد أبعد. تنبيه: هذه إحدى المسائل السبع التي نسب فِيهَا ابن الحاجب للباجي ما لابن رشد كذا قيل (¬3). ولَزِمَ، ولَوْ هَزَلَ، لا إِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ فِي الْفَتْوَى، أَوْ لُقِّنَ بِلا فَهْمٍ، أَوْ هَذَى لِمَرَضٍ، أَوْ قَالَ لِمَنِ اسْمُهَا طَالِقٌ يَا طَالِقُ وقُبِلَ مِنْهُ فِي طَارِقٌ الْتِفَافُ (¬4) لِسَانِهِ، أَوْ قَالَ: يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَطَلَّقَهَا فَالْمَدْعُوَّةُ. قوله: (وَقُبِلَ مِنْهُ فِي طَارِقٌ الْتِفَافُ لِسَانِهِ) التفاف اللسان (¬5) التواءه وهو بفائين مكتنفتين الألف، ومن جعل بعد الألف تاء مثناة من فوق فقد صحّف (¬6). وطَلُقَتَا مَعَ الْبَيِّنَةِ، أَوْ أُكْرِهَ. قوله: (وطَلُقَتَا مَعَ الْبَيِّنَةِ) أي حفصة وعمرة، ويحتمل أن يريد طارقاً وعمرة. ولَوْ بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ. قوله: (ولَوْ، بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ) حكم بمذهب المغيرة، وأشار بـ (لو) لمذهب " المدونة "، والصواب العكس، ولولا ما عطف عَلَيْهِ من قوله: (أو فِي فعل) لكان وَجه الكلام: لا بكتقويم جزء العبد (¬7). ¬
أَوْ فِي فِعْلٍ. قوله: (أَوْ فِي فِعْلٍ) الظاهر أنه معطوف عَلَى ما فِي حيّز (لَوْ)، وذلك مشعر (¬1) بأن الإكراه عَلَى الفعل مختلف فِيهِ، وأن المشهور أنه إكراه وهذا صحيح غير أنه يفتقر إلى تحرير؛ وذلك أن الأفعال التي ذكروا فِي الباب ضربان: أحدهما: الفعل الذي يقع به الحنث وفِيهِ طرق: الأولى طريقة اللخمي قال: إِذَا حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئاً، فأكره عَلَى فعله مثل: أن يحلف أن لا يدخل دار فلان، فحمل حتى أدخلها، أو أكره حتى دخل بنفسه، أو حلف ليدخلنها فِي وقت كذا، فحيل بينه وبين ذلك حتى ذهب الوقت، فهو [50 / ب] فِي جميع ذلك غير حانث. فأما إن حمل حتى أدخل فلا يحنث؛ لأن ذلك الفعل لا (¬2) يُنسب إليه، فلا يقال: فلان دخل الدار، ويختلف إِذَا أكره حتى دخل بنفسه أو حيل بينه وبين الدخول إِذَا حلف ليدخلنّ، فمن حمل الأيمان عَلَى المقاصد لَمْ يحنثه، ومن حملها عَلَى مجرد اللفظ أحنثه؛ لأن هذا دخل ووجد منه الفعل وينسب إليه، والآخر حلف ليفعلنّ فلم يوجد منه ذلك الفعل. الطريقة الثانية: لابن حارث قال فيمن حلف لا أدخل دار فلان: لو حمل فأدخلها مكرهاً دون تراخ منه ولا مكث بعد إمكان خروجه لَمْ يحنث اتفاقاً، وكذا لو أدخلته دابة هو راكبها ولَمْ يقدر عَلَى إمساكها زاد فِي سماع عيسى: ولا نزول (¬3) عنها. الطريقة الثالثة: لابن رشد فِي نوازل أصبغ قال: لا يحنث بالإكراه فِي: لا أفعل. اتفاقاً، إنما الخلاف فِي: لأفعلنّ، والمشهور حنثه، وقال ابن كنانة لا يحنث. ¬
الطريقة الرابعة: لابن رشد أَيْضاً قال فِي حنثه: ثالثها فِي يمين الحنث لا البر؛ لرواية عيسى، ومقتضى القياس، والمشهور، وعَلَى هذا المشهور اقتصر المصنّف فِي باب: الأيمان والنذور إذ قال: ووجبت به إن لَمْ يكره ببر وهذا فِي الحالف عَلَى فعل نفسه لا غيره. الضرب الثاني: الأفعال المحظورة شرعاً قال ابن رشد فِي رسم حمل صبياً من سماع عيسى من كتاب: الأيمان بالطلاق: وأما الإكراه عَلَى الأفعال فاختلف فِيهَا فِي المذهب عَلَى قولين: أحدهما: أن الإكراه فِي ذلك يكون إكراهاً وهو قول سحنون ودليل ما فِي النكاح الثالث من " المدونة ". والثاني: أن الإكراه لا يكون فِي ذلك إكراهاً ينتفع به المكره، وإلى هذا ذهب ابن حبيب وذلك فِي مثل شرب الخمر وأكل لحم الخنزير والسجود لغير الله تعالى والزنا بالمرأة المختارة لذلك أو المكْرِهة له عَلَى أن يزني بها ولا زوج لها .. وما أشبه ذلك مما لا يتعلّق به حقّ لمخلوق، وأما ما يتعلّق به حقٌّ لمخلوق كـ: القتل والغصب .. وشبه ذلك فلا اختلاف فِي أن الإكراه غير نافع فِي ذلك (¬1). زاد فِي " الذخيرة ": والفرق بين الأقوال والأفعال أن المفاسد لا تتحقق فِي الأقوال؛ لأن المكْرَه عَلَى كلمة الكفر معظِّم لربه بقلبه، والأيمان ساقطة الاعتبار بخلاف شرب الخمر والقتل ونحوهما فإن المفاسد فِيهَا متحققة، وعبّر ابن عبد السلام عن الفرق بينهما بـ: أن القول لا تأثير له فِي المعاني ولا الذوات بخلاف الفعل فإنه مؤثر. والذي أشار إليه ابن رشد فِي النكاح الثالث من " المدونة " هو قوله فِي الأسير: فإن ثبت إكراهه ببينة لَمْ تطلّق عَلَيْهِ (¬2). قال فِي " جامع الطرر ": هذا يقتضي أن من أكره عَلَى شرب الخمر وأكل [لحم] (¬3) الخنزير فإنه يأكل ويشرب كما أقامه منه ابن رشد: لأنه إِذَا أكره عَلَى النصرانية فقد أكره عَلَى الخمر والخنزير .. ونحو ذلك، وقبله أبو الحسن الصغير، فتأمله. ¬
فإذا تقرر هذا وأمكن حمل كلام المصنف عَلَيَّ الضربين كان أولى ولو بنوع تجوّز وتغليب، وربما تستروح من كلامنا عَلَى ألفاظ بعد هذا ما يزيدك بياناً [في ذلك] (¬1). وبالله تعالى سبحانه أستعين. إِلا أَنْ يَتْرُكَ التَّوْرِيَةَ مَعَ مَعْرِفَتِهَا بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ سِجْنٍ أَوْ قَيْدٍ. قوله: (إِلا أَنْ يَتْرُكَ التَّوْرِيَةَ مَعَ مَعْرِفَتِهَا) لا مرية أن هذا الاستثناء راجع للقول، كقول المكْرَه: أنت طالق، يريد من وثاق أو يريد وجعه بالطلق وهو المخاض، وأما الفعل بضرْبَيْه فلا يمكن التورية فِيهِ؛ لما علمت من كلام القرافي وابن عبد السلام فوق هذا. أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ بِمَلأٍ، أَوْ قَتْلِ وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ. وهَلْ إِنْ كَثُرَ؟ تَرَدُّدٌ، لا أَجْنَبِيٍّ، وأُمِرَ بِالْحَلِفِ لِيَسْلَمَ، وكَذَلِكَ الْعِتْقُ، والنِّكَاحُ، والإِقْرَارُ، والْيَمِينُ، ونَحْوُهُ. وأَمَّا الْكُفْرُ، وسَبُّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقَذْفُ الْمُسْلِمِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْقَتْلِ كَالْمَرْأَةِ لا تَجِدُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهَا، إِلا لِمَنْ يَزْنِي بِهَا، وصَبْرُهُ أَجْمَلُ. قوله: (أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ [بِمَلأٍ] (¬2)) كذا لابن رشد قال ابن عرفة: يريد يسيره، وأما كثيره فإكراه مطلقاً وقوله: (بِمَلأٍ) كذا فِي " الجواهر " (¬3) وأغفله ابن عرفة. قوله: (كَالْمَرْأَةِ لا تَجِدُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهَا، إِلا لِمَنْ يَزْنِي بِهَا) نصّها فِي كتاب الإكراه من " النوادر ": قال سحنون: فِي كتاب: " الشرح " - المنسوب لابنه - فِي امرأة خافت عَلَى نفسها الموت من الجوع أو العطش، فقال لها رجل أعطي ذلك عَلَى أن أطأك، فإن خافت الموت وَسِعَها ذلك؛ لأن هذا إكراه وليست كالرجل يكره عَلَى الزنا؛ لأنه لا يطأ من خاف عَلَى نفسه الموت، وليس إكراهه فِي ذلك إكراهاً، وأنكر أبو بكر بن اللباد قوله فِي المرأة وقال: يشبه نكاح المتعة. والله تعالى أعلم (¬4). انتهى. ¬
والظنُّ بالعلاّمة أبي عبد الله المقَّري أنه لَمْ يقف عَلَيْهِ فإنه آخر " قواعده " ذكر فتيا أبي موسى [بن] (¬1) الإمام بدرء الحدّ عنها؛ لقولهم: من سرق لجوع لَمْ يقطع، ثم ردّه بأن الجوع يبيح أخذ مال الغير باختلاف فِي لزوم الثمن، فسرقته إن لَمْ تكن جائزة فهي شبهة قوية بخلاف الزنا. لا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وقَطْعُهُ، وأَنْ يَزْنِيَ. قوله: (لا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وقَطْعُهُ، وأَنْ يَزْنِيَ) هذه من الأفعال التي تعلّق بها حقٌّ المخلوق، فهي فِي معرض الاستثناء من قوله: (أو فعل)، ومراده هنا [51 / أ] بالزنى: الزنى بمكرهة أو ذات زوج كما دلّ عَلَيْهِ كلام ابن رشد المتقدّم. وفِي لُزُومِ طَاعَةٍ أُكْرِهَ عَلَيْهَا قَوْلانِ، كَإِجَازَتِهِ كَالطَّلاقِ طَائِعاً، والأَحْسَنُ الْمُضِيُّ. قوله: (وفِي لُزُومِ طَاعَةٍ أُكْرِهَ عَلَيْهَا قَوْلانِ) هو بحذف مضاف أي: وفِي لزوم يمين طاعة. ومَحَلُّهُ مَا مُلِكَ قَبْلُهُ وإِنْ تَعْلِيقاً كَقَوْلِهِ لأَجْنَبِيَّةٍ هِي طَالِقٌ عِنْدَ خِطْبَتِهَا، أَوْ إِنْ دَخَلْتِ، ونَوَى بَعْدَ نِكَاحِهَا، وتَطْلُقُ عُقَيْبَهُ، وعَلَيْهِ النِّصْفُ. قوله: (كَقَوْلِهِ لأَجْنَبِيَّةٍ هِي طَالِقٌ عِنْدَ خِطْبَتِهَا) الظرف متعلّق بقوله، كأنه جعل وقوع هذا الكلام عند الخطبة بساطاً يدلّ عَلَى التعليق مع فقد النية، فقوله بعد هذا: (ونوى بعد نكاحها) راجع لقوله: (إن دخلت) فقط وإِلا فمتى نوى بعد نكاحها فلا فرق بين أن يقول عند خطبتها أو دون خطبتها، واعلم أن ابن عرفة لما استنبط التعليق بالسياق من مسألة استرجاعها الواقعة فِي ستور " المدونة " (¬2) قال: وكثيراً ما يقع شبهة فيمن يقال له: تتزوّج فلانة؟ فيقول: هي عَلَيَّ حرام، أو يسمع حين الخطبة عن المخطوبة أو عن بعض قرابتها ما يكره فيقول ذلك، فكان بعض المفتين يحمله عَلَى التعليق، فيلزمه التحريم محتجّاً بمسألة " المدونة "، وفِيهِ نظر؛ إذ لا يلزم من دلالة السياق عَلَى التعليق فِي الطلاق كونه ¬
كذلك فِي التحريم؛ لأن الطلاق لا يعلّقه (¬1) عاميّ ولا غيره فِي غير الزوجة (¬2)، [فكونه] (¬3) كذلك مع السياق ناهض فِي الدلالة عَلَى التعليق، والتحريم يعلقه العوامّ فِي غير الزوجة؛ ولذا يحرمون الطعام وغيره. وأرى أن يستفهم القائل: هل أراد به معنى تحريمه طعاماً أو ثوباً، وأنّه صيّرها كأخته أو خالته؟ أو معنى أنّها طالق؟ فإن أراد الأول لَمْ يلزمه شيء، وإن أراد الأخير لزمه التحريم، وكذا إن لَمْ ينو شيئاً، إذ لا تباح الفروج بالشكّ. إِلا بَعْدَ ثَلاثٍ عَلَى الأَصْوَبِ وإِنْ دَخَلَ، فَالْمُسَمَّى فَقَطْ كَوَطْءٍ بَعْدَ حِنْثِهِ ولَمْ يَعْلَمْ كَأَنْ أَبْقَى كَثِيراً بِذِكْرِ جِنْسٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ زَمَانٍ يَبْلُغُهُ عُمْرُهُ ظَاهِراً، لا فِي مَنْ تَحْتَهُ إِلا إِذَا تَزَوَّجَهَا. قوله: (إِلا بَعْدَ ثَلاثٍ عَلَى الأَصْوَبِ) ذكر هذا الفرع فِي هذا المحل من " التوضيح " فقال: لو أتى فِي لفظه بما يقتضى التكرار فقال قبل النكاح: كلما تزوجت فلانة فهي طالق. فظاهر كلام ابن المَوَّاز أنه يلزمه نصف الصداق ولو بعد الثلاث تطليقات، وقال التونسي وعبد الحميد وغيرهما: الصواب أن لا شيء عَلَيْهِ بعد الثلاث. انتهى (¬4). والذي لأبي إسحاق فِي شرح " المَوَّازية ": إِذَا عيّن قبيلة تكرر عَلَيْهِ كلما تزوج منها ويلزمه نصف الصداق كلما عقد النكاح فِي واحدة منهن إِلا أن يتكرر نكاحه فِي واحدة ثلاث مرات فيتزوجها رابعة قبل أن تتزوج زوجاً فلا يلزمه لها صداق؛ لأنه نكاح باطل وهي مطلقة ثلاثاً تزوّجت (¬5) قبل زوج فلا صداق لها قبل البناء. انتهى. قال صاحب " المناهج ": هذا إِذَا لَمْ يعثر عَلَيْهِ إِلا بعد الوقوع. انتهى، وقال ابن محرزعن ابن المَوَّاز أنه يلزمه نصف الصداق كلّما تزوجها، ولعله يريد فِي الموضع الذي ثبت ¬
ما لَمْ يستكمل الثلاث أو بعد استكمالها، وبعد زوج؛ لأن العقد لا يثبت بعد الثلاث، وإِذَا لَمْ يثبت العقد لَمْ يجب الصداق. ولَهُ نِكَاحُهَا. قوله: (ولَهُ نِكَاحُهَا) أشار به لقول ابن راشد القفصي: و [في] (¬1) المذهب أنه يباح له زواجها وتطلّق عَلَيْهِ، والقياس أن لا يباح له زواجها للقاعدة المقررة وهي: أن ما لا يترتب عَلَيْهِ مقصوده لا يشرع، والمقصود بالنكاح الوطء وهو غير حاصل بهذا العقد، وإليه ذهب بعض الفقهاء قال: وهو بمنزلة ما لو قالت له المرأة: أتزوجك عَلَى أني طالق عقب العقد، فإنه لا يجوز ولا تستحقّ عَلَيْهِ صداقاً إن تزوجته ولا فرق بين أن يكون الشرط منه أو منها. قلنا هنا فائدة وهي: أنه يتزوجها عقب طلاقه إن شاءت إِلا أن يعلق ذلك بلفظ يقتضي التكرار مثل: كلما فلا يباح له زواجها. انتهى. وقبله فِي " التوضيح " (¬2). ونِكَاحُ الإِمَاءِ فِي كُلِّ حُرَّةٍ. قوله: (فِي كُلِّ حُرَّةٍ) راجع للمسألة الثانية فقط. ولَزِمَ بِهِ فِي (¬3) الْمَصْرِيَّةِ فِي مَنْ أَبُوهَا كَذَلِكَ، والطَّارِئَةِ إِنْ تَخَلَّقَتْ [38 / ب] بِخُلُقِهِنَّ وفِي مِصْرِ يَلْزَمُ فِي عَمَلِهَا، إِنْ نَوَى، وإِلا فَلِمَحَلِّ لُزُومِ الْجُمُعَةِ، ولَهُ الْمُوَاعَدَةُ بِهَا، لا إِنْ عَمَّ النِّسَاءَ، أَوْ أَبْقَى قَلِيلاً كَكُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، إِلا تَفْوِيضاً أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ حَتَّى أَنْظُرَهَا فَعَمِيَ، أَوِ الأَبْكَارِ بَعْدَ كُلِّ ثَيِّبٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ خَشِيَ فِي الْمُؤَجَّلِ الْعَنَتَ، وتَعَذَّرَ التَّسَرِّي أَوْ آخِرُ امْرَأَةٍ، وصُوِّبَ وُقُوفُهُ عَنِ الأُولَى حَتَّى يِنْكِحَ ثَانِيَةً، ثُمَّ كَذَلِكَ، وهُوَ فِي الْمَوْقُوفَةِ كَالْمُولِي واخْتَارَهُ إِلا الأُولَى. قوله: (وَلَزِمَ بِهِ [فِي] (¬4) الْمَصْرِيَّةِ فِي مَنْ أَبُوهَا كَذَلِكَ) ليس صورته أن يقول: لا ¬
أتزوج مصرية كما قيل؛ ولكن صورته أن يقول كل مصرية أتزوجها [فهي] (¬1) طالق. وإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنَ الْمَدِينَةِ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا نُجِّزَ طَلاقُهَا، وتَؤوَّلَتْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ الطَّلاقُ إِذَا تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَهَا. قوله: (وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنَ الْمَدِينَةِ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا نُجِّزَ طَلاقُهَا، وتَؤوَّلَتْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ الطَّلاقُ إِذَا تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَهَا) هذان عند المصنف عَلَى ما بيّنه فِي " التوضيح " تَأْوِيلانِ على " المدونة ": الأول ظاهر " الجواهر " (¬2)، والثاني فهم اللخمي (¬3)، ولَمْ يعرج هنا عَلَى الشاذ، وهو قول سحنون بالإيقاف، وما نسب " للجواهر " زعم أنه ظاهر " المدونة " يعني: " تهذيب " البراذعي وفيما قال المصنف نظر، والذي فهم اللخمي وابن محرز عَلَيْهِ عوّل ابن عبد السلام وغيره. وما أحسن تحصيل ابن عرفة إذ قال: وفِيهَا: إن قال إن لَمْ أتزوج من الفسطاط فكل امرأة أتزوجها طالق لزمه الطلاق فيما يتزوّج من غيرها. [51 / ب] اللخمي عن سحنون: لا يحنث فيما يتزوج من غير الفسطاط ويوقف عنها كمن قال: إن لَمْ أتزوّج من الفسطاط فامرأتي طالق، والأول أشبه؛ لأن قصد القائل أن كلّ امرأة يتزوّجها قبل أن يتزوّج من الفسطاط طالق. ابن محرز: أحسب لمحمد مثل ما فِي " المدونة ". ابن بشير: هما عَلَى الخلاف فِي الأخذ بالأقلّ فيكون مولياً أو بالأكثر فيكون مستثنياً، وقول ابن الحاجب: بناءً عَلَى أنه بمعنى من غيرها أو تعليق محقق (¬4)، يريد أن معناه عَلَى الأول حمليّة، وعَلَى الثاني شرطية، وتقريرهما بما تقدّم من لفظ اللخمي واضح. ¬
واعْتُبِرَ فِي الْوِلايَةِ (¬1) عَلَيْهِ حَالُ النُّفُوذِ، فَلَوْ فَعَلَتِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَالَ بَيْنُونَتِهَا لَمْ يَلْزَمْ، ولَوْ نَكَحَهَا فَفَعَلَتْهُ حَنِثَ، إِنْ بَقِيَ مِنَ الْعِصْمَةِ الْمُعَلِّقِ فِيهَا شَيْءٌ كَالظِّهَارِ. قوله: (واعْتُبِرَ فِي الْوِلايَةِ عَلَيْهِ حَالُ النُّفُوذِ) الضمير فِي (عَلَيْهِ) للمحلّ وهو الزوجة، ابن عبد السلام: المراد بالولاية هنا الشيء الذي يلتزمه الزوج فِي زوجة من طلاق أو ظهار، وكذا ما يلتزمه (¬2) السيّد فِي عبده وأمته واستعمال هذا اللفظ فِي هذا المحلّ (¬3) قلق. " التوضيح " المراد أن الولاية عَلَى المحلّ الذي يلتزم فِيهِ الطلاق إنما تعتبر وَقت وَقوع المحلوف عَلَيْهِ لا وَقت الحلف، فإن كانت المرأة زوجته وقت وقوع المحلوف عَلَيْهِ لزمه الطلاق وإِلا فلا (¬4). لا مَحْلُوفٌ لَهَا فَفِيهَا وغَيْرِهَا، ولَوْ طَلَّقَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طُلِّقَتِ الأَجْنَبِيَّةُ، ولا حُجَّةَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا وإِنِ ادَّعَى نِيَّةً، لأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وهَلْ لأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهَا، أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (لا مَحْلُوفٌ لَهَا) يريد أو عَلَيْهَا فإنها بخلاف المحلوف بطلاقها المتقدّمة، وهذا مقتضى مسألة زينب وعزة من كتاب: الإيلاء من " المدونة " خلاف ما فِي كتاب الأيمان بالطلاق منها (¬5). ¬
وفِيمَا عَاشَتْ مُدَّةَ حَيَاتِهَا، إِلا لِنِيَّةِ كَوْنِهَا تَحْتَهُ، ولَوْ عَلَّقَ عَبْدٌ الثَّلاثَ عَلَى الدُّخُولِ فَعَتَقَ ودُخِلَتْ لَزِمَتِ الثَّلاثُ واثْنَتَيْنِ بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ عَتَقَ، ولَوْ عَلَّقَ طَلاقَ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لأَبِيهِ عَلَى مَوْتِهِ لَمْ يَنْفُذْ، ولَفْظُهُ طَلَّقْتُ، وأَنَا طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ، أَوْ مُطَلَّقَةٌ أَوِ الطَّلاقُ لِي لازِمٌ، لا مُنْطَلِقَةٌ. وتَلْزَمُ وَاحِدَةٌ، إِلا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ كَاعْتَدِّي، وصُدِّقَ فِي نَفْيِهِ، إِنْ دَلَّ الْبِسَاطَ عَلَى الْعَدِّ، أَوْ كَانَتْ مُوَثَّقَةً فَقَالَتْ أَطْلِقْنِي وإِنْ لَمْ تَسْأَلْ فتَأْوِيلانِ. قوله: (وفِيمَا عَاشَتْ مُدَّةَ حَيَاتِهَا) معطوف عَلَى قوله: (ولزم فِي المصرية)، و (مدة) مرفوع عَلَى أنه فاعل لزم، ويجوز نصبه عَلَى الظرفية أي: ولزمت اليمين فِي قوله: (ما عاشت مدة حياتها). والثَّلاثُ فِي بَتَّةٍ، وحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، أَوْ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، أَوْ نَوَاهَا بِخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، أَوِ ادْخُلِي. قوله: (والثَّلاثُ فِي بَتَّةٍ، وحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، أَوْ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، أَوْ نَوَاهَا بِخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، أَوِ ادْخُلِي) ليست هذه الألفاظ سواء عَلَى المشهور أما البتة فثلاث دخل بها أم لا، وأما (حبلك عَلَى غاربك) فقال فِي كتاب: التخيير والتمليك من " المدونة ": هي ثلاث ولا ينوي؛ لأن هذا لا يقوله أحد، وقد أبقى من الطلاق شيئاً (¬1). اللخمي: وهذا يقتضي أن لا ينوي قبل ولا بعد. وفِي كتاب محمد ينوي قبل. وأما: واحدة بائنة وادخلى، فقال فِي كتاب التخيير والتمليك من " المدونة ": وإن قال لها بعد البناء: أنت طالق واحدة بائنة فهي ثلاث، أو قال لها الحقي بأهلك، أو استتري أو ادخلي أو اخرجي يريد بذلك كله واحدة بائنة فهي ثلاث (¬2). فخصّ ذلك بما بعد البناء، ولعلّ المصنف سكت عن هذا القيد لوضوحه. وقد بان لك أن الضمير من قوله: (أو نواها) يعود عَلَى واحدة بائنة كما فِي " المدونة "، واقتصر المصنف عَلَى لفظ: (ادخلي) دون ما معه فِي " المدونة " لأنّه أخفّها فهي أحرى؛ ولذلك الحق بها: خلّيت سبيلك إِذَا نوى به (¬3) واحدة بائنة وإن لَمْ ينو به ذلك فسيقول فِيهِ: ¬
وثلاث إِلا أن ينوي أقلّ مطلقاً فِي: خلّيت سبيلك هذا أمثل ما يحمل عَلَيْهِ كلامه. والله تعالى أعلم. والثَّلاثُ، إِلا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ، إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي كَالْمَيْتَةِ والدَّمِ، ووَهَبْتُكِ ورَدَدْتُكِ لأَهْلِكِ، أَوْ أَنْتِ، أَوْ مَا أَنْقَلِبُ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِي حَرَامٌ. أَوْ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَائِنَةٌ، أَوْ أَنَا وحَلَفَ عِنْدَ إِرَادَتِهِ النِّكَاحِ، ودُيِّنَ فِي نَفْيِهِ إِنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَيْهِ وثَلاثٌ فِي لا عِصْمَةَ لِي عَلَيْكِ، أَوِ اشْتَرَتْهَا مِنْهُ إِلا لِفِدَاءٍ. قوله: (والثَّلاثُ، إِلا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ، إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي كَالْمَيْتَةِ والدَّمِ، ووَهَبْتُكِ ورَدَدْتُكِ لأَهْلِكِ، أَوْ أَنْتِ، أَوْ مَا أَنْقَلِبُ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِي حَرَامٌ. أَوْ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَائِنَةٌ، أَوْ أَنَا). الشرط راجع للاستثناء، فأما: أنت عَلَيَّ كالميتة والدم ولحم الخنزير. فقال فِي كتاب: " التخيير والتمليك " هي ثلاث وإن لَمْ ينو بها الطلاق (¬1)، قال أبو الحسن الصغير: ولو كان قبل البناء وقال أردت واحدة لنُوِّى، وأما وَهبتك ورددتك لأهلك وخليّة وبرية وبائن، قال: مني، أو لَمْ يقل: فصرّح فِيهَا فِي الكتاب المذكور بمثل ما هنا (¬2). قال اللخمي: هو المشهور من قول مالك وأصحابه، وأما أنت حرام فكذلك، قال عَلَيَّ أو لَمْ يقله، قاله اللخمي بخلاف ما يأتي، وأما: ما أنقلب إليه من أهل حرام فلم أقف عَلَيْهِ عَلَى هذا الوجه الذي ذكره المصنف، ولكن قال اللخمي: إن قال ما أنقلب إليه من أهلي حرام أو قال ما أنقلب إليه حرام، ولَمْ يذكر الأهل فهو طلاق، فإن قال: حاشيت الزوجة. لَمْ يصدّق؛ إِذَا سمى الأهل، ويصدق إِذَا لَمْ يسم الأهل، واختلف إِذَا قال: ما أنقلب إليه حرام إن كنت لي بامرأة أو إن لَمْ أضربك؟ فقال ابن القاسم: لا يحنث فِي زوجته؛ لأنه أخرجها من اليمين حين أوقع يمينه عَلَيْهَا علمنا أنه لَمْ يردها بالتحريم، وإنما أراد غيرها قال: وكذلك إِذَا قال للعبد إذا لم أبعك اليوم فرقيقي أحرار فإنه يحنث فِي رقيقه ولا يحنث فِيهِ. وقال أصبغ: يحنث فِي الزوجة وفِي العبد. انتهى. ¬
ومنه اختصر ابن شاس (¬1) ولَمْ يتنازل لما تنازل له المصنف، وحكى فِي " التوضيح " عن ابن العربي أنه قال: يلزمه [52 / أ] إِذَا قال: ما أنقلب إليه حرام ما يلزمه فِي قوله: الحلال (¬2) عَلَيَّ حرام وهو الطلاق إِلا أن يحاشيها. قال: ومثله للخمي إن لَمْ يقل: من أهلي (¬3). وثَلاثٌ، إِلا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ مُطْلَقاً فِي خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ. قوله: (وثَلاثٌ، إِلا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ مُطْلَقاً فِي خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ) تقدّم أنه لا يناقض ما قبله إذ لَمْ يتواردا عَلَى محلٍّ واحدٍ. ووَاحِدَةٌ فِي فَارَقْتُكِ ونُوِّيَ فِيهِ وفِي عَدَدِهِ فِي، اذْهَبِي، وانْصَرِفِي، أَوْ لَمْ أَتَزَوَّجْكِ، أَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ: لا، وأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ مُعْتَقَةٌ، أَوِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ، أَوْ لَسْتِ لِي [38 / ب] بِامْرَأَةٍ، إِلا أَنْ يُعَلِّقَ فِي الأَخِيرِ، وإِنْ قَالَ لا نِكَاحَ بَيْنِي وبَيْنَكِ، أَوْ لا مِلْكَ لِي عَلَيْكِ، أَوْ لا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ عِتَاباً، وإِلا فَبَتَاتٌ. قوله: (ووَاحِدَةٌ فِي فَارَقْتُكِ) بعد ما حكى اللخمي ما فِيهَا من الخلاف قال: والقول أنها واحدة دخل أو لَمْ يدخل أحسن؛ لأنّ الفراق والطلاق وَاحد، ومن فارق فقد طلّق ومن طلّق فقد فارق، قال الله - عز وجل - {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] وقال {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2] ولَمْ يأمرنا بالثلاث. انتهى، ونبذه شيخ شيوخنا الفقيه المحقق أبو القاسم التازغدري فقال: ليس هذا أمر بالطلاق، وإنما هو تخيير فِي ترك الارتجاع، والذي فِي " المدونة ": قال ابن وَهب عن مالك: وقوله: (قد خليت سبيلك) كقوله: قد فارقتك (¬4). أبو الحسن الصغير: وفارقتك واحدة. ¬
وَهَلْ تَحْرُمُ. بِوَجْهِي مِنْ وَجْهِكِ حَرَامٌ، أَوْ عَلَى وَجْهِكِ أَوْ مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ. قوله: (وهَلْ تَحْرُمُ بِوَجْهِي مِنْ وَجْهِكِ [حَرَامٌ] (¬1)؟ أَوْ عَلَى وَجْهِكِ، أَوْ مَا أَعِيشُ فِيهِ حَرَامٌ) هذه ثلاثة ألفاظ حكى فِيهَا قولين: الأول: وجهي من وجهك حرام. الثاني: وَجهي عَلَى وَجهك حرام. الثالث: ما أعيش فِيهِ حرام. [أمّا الأول فقال فِي سماع عيسى من كتاب التخيير: من قال لامرأته: وَجهي من وَجهك حرام] (¬2). لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره. ابن رشد: اتفاقاً؛ لأنه كقوله: أنت عَلَيَّ حرام (¬3) هي بعد البناء ثلاث، (¬4) لا ينوَّا فِي أقلّ منها، إِلا أن يأتي مستفتياً (¬5). ابن عرفة: قوله: هذا نصّ فِي أنه ينوّا بعد البناء إن كان مستفتياً كنقل ابن سحنون خلاف ظاهر " المدونة " وغيرها، وقول ابن رشد: اتفاقاً. قصور؛ لقول اللخمي: وقال محمد بن عبد الحكم: لا شيء عَلَيْهِ، وذهب فِي ذلك إلى ما اعتاده بعض الناس فِي قولهم عيني من عينك حرام، ووجهي من وجهك حرام، يريدون بذلك البغض والمباعدة. انتهى. وقد كان اللائق بالمصنف أن يجزم بما حكى عَلَيْهِ ابن رشد الاتفاق؛ فإن ذلك أدل دليل عَلَى شذوذ مقابله. وأما الثاني: فقال اللخمي: إن قال وجهي عَلَى وجهك حرام. كان طلاقاً، وقبله ابن راشد القفصي وابن عبد السلام، وزعم المصنف فِي " التوضيح " (¬6) أن اللخمي نصّ فِيهِ عَلَى عدم اللزوم بعد أن أشار لقول ابن راشد القفصي باللزوم، فادعى الخلاف فِيهِ، ¬
وجرى عَلَى ذلك هنا، وذلك كله وَهم. فقف عَلَى نصوص ما ذكرنا يتضح لك ما قررنا، فكان الواجب عَلَيْهِ أن يقطع هنا باللزوم. وأما الثالث: فالقَوْلانِ فِيهِ معروفان. قال اللخمي: قال محمد فيمن قال: ما أعيش فِيهِ حرام: لا شيء عَلَيْهِ، يريد أن الزوجة ليست من العيش، فلم تدخل فِي ذلك بمجرد اللفظ إِلا أن ينويها فيلزمه. قال عبد الحقّ: وأعرف فيها قولاً آخر، أن زوجته تحرم عَلَيْهِ، وأظنّه فِي " السليمانية ". انتهى. وما ظنّك بظنّ عبد الحقّ لِلَّهِ (¬1). أَوْ لا شَيْءَ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ لَهَا يَا حَرَامُ، أَوِ الْحَلالُ حَرَامٌ، أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ، أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ ولَمْ يُرِدْ إِدْخَالَهَا قَوْلانِ. قوله: (أَوْ لا شَيْءَ [عَلَيْهِ] (¬2). كَقَوْلِهِ لَهَا يَا حَرَامُ، أَوِ الْحَلالُ حَرَامٌ، أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ، أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ ولَمْ يُرِدْ إِدْخَالَهَا قَوْلانِ) أما الأول فيريد إِذَا كان فِي بلد لا يريدون به الطلاق (¬3)، وهو قوله (¬4) أنت حرام وسحت، وكقوله ذلك لماله، ذكره ابن يونس. وأما الأوسطان: فقال اللخمي: ولو قال: الحلال حرام ولَمْ يقل عَلَيَّ أو قال عَلَيَّ حرام ولَمْ يقل أنت لَمْ يكن عَلَيْهِ فِي ذلك شيء، ولَمْ يحك ابن عرفة خلافه. وأما الرابع فقال المَتِّيْطِي: كُتب من أشبيلية إلى القيروان فِي رجلٍ قال: جميع ما أملك عَلَيَّ حرام هل يكون كقوله: الحلال عَلَيَّ حرام، وتدخل الزوجة فِي التحريم إِلا أن يحاشيها أو لا تدخل؟، فقد اختلف فِيهَا عندنا ولَمْ توجد رواية فقال الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن: قوله: جميع ما أملك عَلَيَّ حرام لا تدخل فِيهِ الزوجة إِلا أن يدخلها بنية أو قول، وقد قال ابن القاسم فِي الذي قال: الأملاك عَلَيَّ حرام: أن الزوجة لا تدخل فِي ذلك، وقال ابن المَوَّاز: إن نوى عموم الأشياء دخلت الزوجة فِيهَا كالقائل: الحلال عَلَيَّ حرام. ¬
وقال الشيخ أبو عمران: الزوجات لسن ملكاً للأزواج، وإنما الأملاك الأموال، والإماء من الأملاك. وأما قوله: الحلال عَلَيَّ حرام، فلو قال فِي ذلك من جميع ما أملك لَمْ يكن عَلَيْهِ شيء، [52 / ب] وإِذَا قال الحلال عَلَيَّ حرام. سرى التحريم إلى الزوجات إِذَا لَمْ يعزلهن بنية، وأما الذي لفظ بتحريم ما يملك فلم يدخل فِي يمينه الزوجات اللاتي لا يملكهن، فاستغنى عن أن يستثنيهن ثانية. انتهى. فقصد المصنف أن ينبهك عَلَى هذا الفرق إذ قال فِي الأيمان والنذور: (إِلا أن يعزل فِي يمينه أولاً كالزوجة فِي الحلال عَلَيَّ حرام وهي المحاشاة). وإِنْ قَالَ ساَئِبَةٌ مِنِّي، أَوْ عَتِيقَةٌ، أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنَكِ حَلالٌ ولا حَرَامٌ. حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ، فَإِنْ نَكَلَ نُوِّيَ فِي عَدَدِهِ وعُوقِبَ، ولا يُنَوَّى فِي الْعَدَدِ إِنْ أَنْكَرَ قَصْدَ الطَّلاقِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ، أَوْ بَرِيَّةٌ، أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَتَّةٌ جَوَاباً لِقَوْلِهَا: أَوَدُّ لَوْ فَرَّجَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ صُحْبَتِكَ. وإِنْ قَصَدَهُ، بِكَاسْقِنِي الْمَاءَ، أَوْ بِكُلِّ كَلامٍ لَزِمَ، لا إِنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِالطَّلاقِ فَلَفَظَ بِهَذَا غَلَطاً، أَوْ أَرَادَ أَنْ يُنَجِّزَ الثَّلاثَ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وسَكَتْ. وسُفِّهَ قَائِلٌ يَا أُمِّي، ويَا أُخْتِي. قوله: (وإِنْ قَالَ ساَئِبَةٌ مِنِّي، أَوْ عَتِيقَةٌ، أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنَكِ حَلالٌ ولا حَرَامٌ. حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ، فَإِنْ نَكَلَ نُوِّيَ فِي عَدَدِهِ وعُوقِبَ) هذا قريب من قوله قبل: (ونوى فِيهِ وفِي عدده فِي اذهبي ... إلى آخره)، إِلا أنه صرّح فِي " المدونة " في هذا باليمين والعقوبة ولَمْ يصرّح بهما فِي الأول، فحكى المصنف فِي كلّ [واحدة] (¬1) عَلَى ما وَجده مع أنه استدل فِي " التوضيح " لليمين فِي الأول باليمين فِي هذا (¬2). ووقع لابن القاسم فِي أول رسم من طلاق السنة تأديب من قيل له: ألك امرأة؟ فقال: لا (¬3). وهذا يدلّ عَلَى استواء المحلّين أو تقاربهما؛ ولذلك ذكر المصنف معتقة فِي ¬
الأول تبعاً " للجواهر " إذ عدّه من الكنايات المحتملة، وعتيقة فِي الثاني كما فِي " المدونة "، ومعنى ليس بيني وبينك حلال ولا حرام ليس بيني وبينك شيء. قاله أبو الحسن الصغير. ولَزِمَتْ بِالإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، وبِمُجَرَّدِ إِرْسَالِهِ بِهِ مَعَ رَسُولٍ، أَوْ بِالْكِتَابِ عَازِماً، أَوْ لا إِنْ وَصَلَ إِلَيْهَا، وفِي لُزُومِهِ بِكَلامِهِ [النَّفْسِيِّ] (¬1) خِلافٌ. قوله: (وفِي لُزُومِهِ بِكَلامِهِ النَّفْسِيِّ خِلافٌ) عدل عن التعبير (¬2) بالنية إلى التعبير (¬3) بالكلام النفسي لما حرره القرافي فِي الفرق الثاني من قواعده إذ قال: اختلف العلماء فِي الطلاق بالقلب من غير نطق واختلفت عبارات الفقهاء فيه (¬4)، فمنهم من يقول فِي الطلاق بالنية: قَوْلانِ، وهم الجمهور، ومنهم من يقول: من اعتقد الطلاق بقلبه ولَمْ يلفظ به بلسانه ففيه قَوْلانِ، وهذه عبارة ابن الجلاب (¬5) والعبارتان غير مفصحتين عن المسألة، فإن من نوى طلاق امرأته وعزم عَلَيْهِ وصمم ثم بدا له لا يلزمه طلاق إجماعاً. فقولهم فِي الطلاق بالنية قَوْلانِ متروك، الظاهر إجماعاً، وكذلك من اعتقد أن امرأته مطلقة، وجزم بذلك ثم تبيّن له خلاف ذلك لَمْ يلزمه طلاق إجماعاً؛ وإنما العبارة الحسنة ما أتى به صاحب " الجواهر " (¬6)، وذكر أن ذلك معناه الكلام النفساني، ومعناه إِذَا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفساني ولَمْ يتلفّظ به بلسانه فهو موضع الخلاف، وكذلك أشار إليه القاضي أبو الوليد ابن رشد وقال: إنهما إن اجتمعا - أعني النفساني واللساني - لزم الطلاق، فإن انفرد أحدهما عن صاحبه فقَوْلانِ، فصارت النية لفظاً مشتركاً فِيهِ بين معان مختلفة فِي ¬
اصطلاح أرباب المذهب يطلق عَلَى القصد والكلام النفساني، فيقولون: صريح الطلاق لا يحتاج إلى النية إجماعاً (¬1)، وفِي احتياجه إلى النية قَوْلانِ، وهو تناقض ظاهر؛ لكنهم يريدون بالأول قصد استعمال اللفظ فِي موضوعه، فإن ذلك إنما يحتاج إليه فِي الكناية دون الصريح، ويريدون بالثاني القصد للنطق بصيغة التصريح (¬2) احترازاً من النائم ومن سبقه لسانه، ويريدون بالثالث الكلام النفساني، وقد بسطت هذه المباحث فِي كتاب: " الأمنية فِي إدراك النية " إِذَا تقرر أن الطلاق ينشأ بالكلام النفساني، فقد صارت هذه المسألة من مسائل الإنشاء بكلام النفس. وكذلك اليمين أَيْضاً وَقع الخلاف فِيهَا، هل تنعقد بإنشاء كلام النفس وَحده، أو لابد من اللفظ؟، وبهذا التقرير يظهر فساد قياس من قاس لزوم الطلاق بكلام النفس عَلَى الكفر والإيمان، فإنهما يكفي فيهما كلام النفس، وقع (¬3) ذلك فِي " الجلاب " وغيره (¬4)، ووجه الفساد أن هذا إنشاء والكفر لا يقع بالإنشاء إنما يقع بالإخبار والاعتقاد، وكذلك الإيمان والاعتقاد من باب العلوم والظنون لا من باب الكلام، وهما بابان مختلفان فلا يقاس أحدهما عَلَى الآخر، ومن وَجهٍ آخر وهو أن الصحيح فِي الإيمان أنه لا يكفي فِيهِ مجرد الاعتقاد، بل لابد من النطق باللسان مع الإمكان عَلَى مشهور مذاهب العلماء كما حكاه القاضي عياض فِي " الشفاء " وغيره، فينعكس هذا القياس عَلَى قائسه عَلَى هذا التقدير ويقال: وجب أن يفتقر إلى اللفظ قياساً عَلَى الإيمان بالله تعالى إن سُلّم له أن البابين واحد، فكيف وهما مختلفان، والقياس إنما يجري فِي المتماثلات. انتهى (¬5). ¬
وقال الإمام أبو القاسم بن الشاط السبتي فِي كتاب " أنوار الشروق عَلَى أنوار البروق ": قول الشهاب فِي هذا صحيح ظاهر، وقال فِي [53 / أ] " الذخيرة ": المراد بالنية فِي العبادات القصد وليس مراداً هنا، بل المراد [الكلام النفساني وهو غير العزوم والإرادات والعلوم والاعتقادات بل معناه يقول فِي نفسه: أنت طالق كما يقول بلسانه (¬1). وقال فِي فصل الإكراه منها: النية فِي المذهب لها معنيان: أحدهما] (¬2) الكلام النفساني وهو المراد بقولهم فِي الطلاق بالنية قَوْلانِ، وبقولهم: إن الصريح لابد فِيهِ من النية عَلَى الأصحّ مع أن الصريح (¬3) مستغنٍ عن النية التي هي القصد بالإجماع. وثانيهما: القصد الذي هو الإرادة وهو قسمان: أحدهما: القصد لإنشاء الصيغة، والنطق بها، وما أعلم فِي اشتراطه خلافاً، ولذلك من أراد أن ينطق بكلام فنطق بالطلاق؛ لأن لسانه التفّ لا يلزمه، وكذلك النائم والساهي. وثانيهما: القصد لإزالة العصمة باللفظ وليس شرطاً فِي الصريح اتفاقاً، وكذلك ما اشتهر من الكنايات، فإذا تحرر هذا فالمكره (¬4) لَمْ يختل منه القصد للصيغة بل قصدها وقصد اقتطاعها عن (¬5) معناها عَلَى قول اللخمي، وأما عَلَى ظاهر الروايات كما فِي " الجواهر " فلا حاجة لذلك، وتجديد قصد آخر لا يوجب اختلالاً (¬6) فِي القصد الأول، فعدّ صاحب " الجواهر " له فيمن اختل قصده مشكل، وكذلك العجمي لَمْ يختل فِي حقّه القصد للصيغة بل قصدها لكنه لَمْ يقصدها لمعنى الطلاق لجهله بالوضع، لكن الصريح لا يفتقر ¬
إِلا لقصد الصيغة، وإن غفل عن معناها فذكره (¬1) أَيْضاً فيمن اختل قصده مشكل، بل الذي يتجه فِيهِ أن يقال: أسقط الشرع طلاقه قياساً عَلَى المكره بجامع عدم الداعية لإزالة العصمة، والداعية غير القصد لأنها سببه (¬2). سؤال: انعقد الإجماع عَلَى عدم اشتراط القصد فِي الصريح، واللخمي وصاحب " المقدمات " يقَوْلانِ: الصحيح من المذهب اشتراط النية فكيف الجمع بينهما؟ جوابه: أن المشترط (¬3) النية التي هي الكلام النفساني فلابد من أن يطلّق (¬4) بقلبه كما يطلّق بلسانه، وهو يسمى نية كما تقدّم، وبهذا يجمع بين النقلين. انتهى. وقال تلميذه ابن راشد القفصي: ومما يدل عَلَى أن نية الطلاق لا توجب طلاقاً: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] المعنى: إِذَا أردتم إيقاع الطلاق فأوقعوه فِي حال تستقبل فِيهِ المرأة عدتها، ولو كان الطلاق يقع بالنية للزمه (¬5) طلقة بإرادة الطلاق، وأخرى بإصدار اللفظ. وإِنْ كَرَّرَ الطَّلاقَ بِعَطْفٍ بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ، فَثَلاثٌ إِنْ دَخَلَ كَمَعَ طَلْقَتَيْنِ مُطْلَقاً، وبِلا عَطْفٍ ثَلاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا، إِنْ نَسَقَهُ، إِلا لِنِيَّةِ تَأْكِيدٍ فِيهِمَا فِي غَيْرِ مُعَلَّقٍ بِمُتَعَدِّدٍ، ولَوْ طَلَّقَ فَقِيلَ مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إِخْبَارَهُ، فَفِي لُزُومِ طَلْقَةٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ قَوْلانِ و [فِي] (¬6) نِصْفِ طَلْقَةٍ، أَوْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفِ وثُلُثِ طَلْقَةٍ، أَوْ وَاحِدَةٍ فِي وَاحِدَةٍ. قوله: (وإِنْ كَرَّرَ الطَّلاقَ بِعَطْفٍ بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ، فَثَلاثٌ إِنْ دَخَلَ) تبع فِي هذا الشرط ¬
ابن شاس وابن الحاجب (¬1) مع أنه مرّضه فِي " التوضيح " تبعاً لابن عبد السلام، وقال ابن عرفة: من أنصف علم أن لفظ " المدونة " في لزوم الثلاث فِي: ثمّ والواو ظاهرٌ، ونص فِي من بنى أو لَمْ يبن، وهو مقتضى مشهور المذهب فيمن اتبع الخلع طلاقاً، ووجه فِي " التوضيح " ما قاله ابن شاس وابن الحاجب فِي: ثمّ، والفاء بأن غير المدخول بها تبين بالواحدة، والعطف بهما يقتضي التراخي، وقد يعترض عَلَى ذلك بأن المهلة المستفادة منهما إنما هي فِي غير الإنشاء كقوله فِي الإخبار: طلقت فلانة ثم طلقتها (¬2) يخبر بذلك عن أمر قد وَقع، وأما إِذَا كان الكلام إنشاءً فلا؛ لاستلزام الإنشاء الحال (¬3). انتهى، وأصله لابن عبد السلام إِلا أنه قال: هذا مقصور عَلَى (ثم) دون (الفاء) و (الواو) وهو التحقيق. أَوْ مَتَى مَا فَعَلْتُ، وكُرِّرَ، أَوْ طَالِقٌ أَبَداً طَلْقَةٌ واثْنَتَانِ فِي رُبُعِ طَلْقَةٍ ونِصْفِ طَلْقَةٍ، ووَاحِدَةٍ فِي اثْنَتَيْنِ، والطَّلاقَ كُلَّهُ، إِلا نِصْفَهُ، وأَنْتِ طَالِقٌ إِنْ تَزَوَّجْتُكِ، ثُمَّ قَالَ كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَهِيَ طَالِقٌ، وثَلاثٌ فِي إِلا نِصْفَ طَلْقَةٍ. قوله: (أَوْ مَتَى مَا فَعَلْتُ، وكُرِّرَ) أي: إِذَا قال لها: أنت طالق متى فعلت كذا وكرر الفعل المحلوف عَلَيْهِ فلا يلزمه إِلا طلقة، فهو كقوله فِي باب الأيمان (أَوْ دَلَّ لَفْظُهُ بِجَمْعٍ أَوْ بِكُلَّمَا أَوْ مَهْمَا لَا مَتَى مَا) يريد إِلا أن يُنوَّي بها معنى كلّما كما فِي " المدونة ". تنبيه: قرن المصنف (متى) فِي باب الأيمان بما، كما فِي " المدونة "، وجرّدها (¬4) منها هنا كما عند ابن رشد. قال ابن عرفة: ويستشكل قوله فِي " المدونة " إلا أن ينوي (بمتى ما) ¬
معنى (كلّما) بأن نية التكرار توجب التكرار بكلّ لفظ فلا وَجه لتخصيصه بمتى ما، ولذا لَمْ يعتبر ابن رشد اقترانها (¬1) بما، ويجاب: بأن (متى ما) قريبة من (كلّما)، فمجرّد إرادة كونها بمعناها يثبت التكرار بها دون يريد تعارض لفظ " المدونة "، ونقل القاضي وغيره من الأصوليين وابن بشير أنها مثل كلّما، فإذا تقرر هذا فإن ضبط قول المصنف [53 / ب] أو متى فعلتُ بضم التاء كان كرّر مبنياً للفاعل، وإن ضبط بكسر التاء كان كرر مبنياً للمفعول وإِلا قيل: وكررت بتاء التأنيث (¬2). فاعلمه. أَوِ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ، أَوْ كُلَّمَا حِضْتِ. قوله: (أَوِ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ) ابن عرفة: هذا إن كان عالماً بالحساب وإِلا فهو ما نوى. أَوْ كُلَّمَا أَوْ مَتَى مَا، أَوْ إِذَا مَا طَلَّقْتُكِ، أَوْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاقِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وطَلَّقَهَا وَاحِدَةً. قوله: (أَوْ كُلَّمَا أَوْ مَتَى مَا، أَوْ إِذَا مَا طَلَّقْتُكِ، أَوْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلاقِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وطَلَّقَهَا وَاحِدَةً) حاصل ما فِي " النوادر " أنه إِذَا قال: كلّما أو متى ما، أو إِذَا ما وَقع عليك طلاقي فأنت طالق لزمه بطلاقها واحدة ثلاث، ولو قال: طلّقتك. بدل: وَقع عليك طلاقي. فرجع سحنون إلى كونه كذلك، وكان يقول: إنما يلزمه اثنتان، وبه قال بعض أصحابه. انتهى. ومبنى الخلاف: هل فاعل السبب فاعل المسبب أم لا؟ قال ابن عرفة: ظاهره أن (إِذَا ما)، و (متى ما)، مثل (كلّما) دون إرادة كونهما مثلها خلاف نصّ " المدونة "، ونصّ رواية ابن حبيب فِي باب تكرير الطلاق، وفِي لفظ ابن شاس أن مهما ومتى ما مثل أن فِي عدم التكرار. انتهى (¬3)، واتبع المصنف هنا ما فِي " النوادر " وهو خلاف ما تقدّم فِي قوله أو ¬
متى فعلت، وكرر وخلاف قوله فِي باب: الأيمان لا متي ما، وكأنه استشعر هذا فِي " التوضيح " إذ قال: وألحقّ سحنون بكلّما فيما ذكرناه إذا (¬1) ما ومتى ما (¬2). وإِنْ شَرَّكَ طَلَقْنَ ثَلاثاً [ثَلاثاً] (¬3) وإِنْ قَالَ أَنْتِ شَرِيكَةُ مُطَلَّقَةٍ ثَلاثاً ولِثَالِثَةٍ، وأَنْتِ شَرِيكَتُهُمَا طُلِّقَتِ اثْنَتَيْنِ، والطَّرَفَانِ ثَلاثاً، أَوْ إِنْ طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلاثاً وطَلْقَةٌ فِي أَرْبَعٍ قَالَ لَهُنَّ بَيْنَكُنَّ [طَلْقَةٌ] (¬4)، مَا لَمْ يَزِدِ الْعَدَدُ عَلَى الرَّابِعَةِ. سَحْنُونُ. قوله: (أَوْ إِنْ طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ (¬5) ثَلاثاً) قال الأستاذ الطرطوشي: هذه المترجمة بالسريجية؛ لقول ابن سريج الشافعي: قال فقهاء الشافعية: لا يقع عَلَيْهَا الطلاق أبداً (¬6)، وقالت طائفة منهم يقع [المنجز دون المعلق وقالت طائفة: منهم يقع] (¬7) مع المنجز تمام الثلاث من المعلّق، وهو مذهب أبي حنيفة، وهو الذي نختاره وليس لأصحابنا فيه (¬8) ما يعوّل عَلَيْهِ، وقد ذكر ابن عرفة تمام كلامه فقف عَلَيْهِ. وأُدِّبَ الْمُجَزِّئُ. قوله: (وأُدِّبَ الْمُجَزِّئُ) أي مجزيء الطلاق. ¬
كَمُطَلِّقِ جُزْءٍ، وإِنْ كَيَدٍ، ولَزِمَ بِشَعْرُكِ طَالِقٌ، أَوْ كَلامُكِ عَلَى الأَحْسَنِ، لا بِسُعَالٍ وبُصَاقٍ ودَمْعٍ وصَحَّ اسْتِثْنَاءٌ بِإِلا، إِنِ اتَّصَلَ ولَمْ يَسْتَغْرِقْ، فَفِي ثَلاثٍ، إِلا ثَلاثاً، إِلا وَاحِدَةً، أَوْ ثَلاثاً، أَوِ الْبَتَّةَ، إِلا اثْنَتَيْنِ، إِلا وَاحِدَةً اثْنَتَانِ ووَاحِدَةٌ واثْنَتَيْنِ، إِلا اثْنَتَيْنِ [39 / أ]، إِنْ كَانَ مِنَ الْجَمِيعِ فَوَاحِدَةٌ، وإِلا فَثَلاثٌ، وفِي إِلْغَاءِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلاثِ واعْتِبَارِهِ قَوْلانِ، ونُجِّزَ إِنْ عُلِّقَ بِمَاضٍ مُمْتَنِعٍ عَقْلاً أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعاً، أَوْ جَائِزٍ كَلَوْ جِئْتَ قَضَيْتُكَ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ مُحَقَّقٍ، ويُشْبِهُ بُلُوغُهُمَا عَادَةً كَبَعْدَ سَنَةٍ، أَوْ يَوْمَ مَوْتِي، أَوْ إِنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ. قوله: (كَمُطَلِّقِ جُزْءٍ) أي: من المرأة، فهو تنظير لا تمثيل. أَوْ إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَراً، أَوْ لِهَزْلِهِ كَطَلاقٍ أَمْسِ، أَوْ بِمَا لا صَبْرَ عَنْهُ كَإِنْ قُمْتِ، أَوْ غَالِبٍ كَإِنْ حِضْتِ أَوْ مُحْتَمَلٍ وَاجِبٍ كَإِنْ صَلَّيْتِ، أَوْ بِمَا لا يُعْلَمُ حَالاً كَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ غُلامٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، أَوْ فِي هَذِهِ اللَّوْزَةِ قَلْبَانِ، أَوْ فُلانٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، أَوْ إِنْ كُنْتِ حَامِلاً، أَوْ لَمْ تَكُونِي، وحُمِلَتْ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ، واخْتَارَ مَعَ الْعَزْلِ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ إِطْلاعُنَا عَلَيْهِ كَإِنْ شَاءَ اللهُ أَوِ الْمَلائِكَةُ، أَوِ الْجِنُّ، أَوْ صَرَفَ الْمَشِيئَةَ إِلَى مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ، بِخِلافِ إِلا أَنْ يَبْدُوَ لِي فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ أَوْ كَإِنْ لَمْ تُمْطِرِ السَّمَاءُ غَداً [فَأَنْتِ طَالِقٌ] (¬1) إِلا أَنْ يَعُمَّ الزَّمَنَ. قوله: (أَوْ إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَراً، أَوْ لِهَزْلِهِ) الصواب إسقاط (أو) حتى يكون كقول ابن الحاجب حنث لهزله (¬2)، وقد سلّم فِي " التوضيح " أن تعليله (¬3) بالهزل ظاهر، وينبغي أن يوقف عَلَيَّ ما لابن عبد السلام وابن عرفة مما هو خلاف هذا تعليلاً وحكماً (¬4). أَوْ يَحْلِفَ لِعَادَةٍ فَيُنْظَرُ (¬5). وهَلْ يُنْتَظَرُ فِي الْبِرِّ وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ أَوْ يُنَجَّزُ كَالْحِنْثِ؟ تَأْوِيلانِ، أَوْ بِمُحَرَّمٍ. كَإِنْ لَمْ أَزِنْ إِلا أَنْ يُتَحَقَّقُ قَبْلَ التَّنْجِيزِ. ¬
قوله: (أَوْ يَحْلِفَ لِعَادَةٍ فَيُنْظَرُ (¬1)) كذا فِي " التوضيح " (¬2) تبعاً لقول عياض فِي (التنبيهات): لو حلف لعادة جرت له وعلامات عرفها واعتادها ليس من جهة التخرّص (¬3) وتأثير النجوم عند من زعمها لَمْ يحنث حتى يكون ما حلف عَلَيْهِ؛ لقوله - عليه السلام -: " إِذَا أنشأت بحرية ثم تشاءمت تلك عين غديقة " (¬4) ونقله عن بعض الشيوخ، والذي فِي رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب: الأيمان بالطلاق: ومن قال لامرأته أنت طالقٌ إن لَمْ تمطر السماء غداً أو إلى رأس الشهر ... وما أشبه ذلك عجل عَلَيْهِ الطلاق ولا ينتظر به استخبار ذلك وإن وجد ذلك حقاً قبل أن تطلق عَلَيْهِ لَمْ تطلق عَلَيْهِ. قال ابن رشد: ينقسم ذلك إلى وجهين: أحدهما: أن يرمي بذلك مرمى الغيب، ويحلف عَلَى أن ذلك لابد أن يكون، أو أنه لا يكون قطعاً من جهة الكهانة أو التنجيم أو تقحماً عَلَى الشكّ دون سبب من تجربة أو توسم شيء ظنه، فِي هذا الاختلاف أنه يعجل عَلَيْهِ الطلاق ساعة حلف، ولا ينتظر به، فإن غفل عن ذلك ولَمْ يطلق عَلَيْهِ حتى جاء الأمر عَلَى ما حلف عَلَيْهِ فقال المغيرة وعيسى: يطلق عَلَيْهِ، وقال ابن القاسم: هنا لا يطلّق عَلَيْهِ. والثاني: أن لا يرمي بذلك مرمى الغيب، وإنما حلف عَلَيْهِ لأنه غلب عَلَى ظنه عن تجربة أو شيء توسمه، فهذا يعجّل عَلَيْهِ الطلاق، ولا يستأنى به لينظر هل يكون ذلك أم لا، فإن لَمْ يطلق عَلَيْهِ حتى جاء الأمر عَلَى ما حلف عَلَيْهِ لَمْ يطلق عَلَيْهِ، وهو قول عيسى ودليل قول ابن القاسم فِي سماع أبي زيد. (¬5) انتهى. والذي فِي " المقدمات ": من حلف عَلَى ما لا طريق له إلى معرفته عُجّل عَلَيْهِ ¬
الطلاق (¬1) ولا يستأنى به. واختلف إن غفل عنه حتى جاء الأمر عَلَى ما حلف عَلَيْهِ فيتخرّج ذلك عَلَى ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يطلق عَلَيْهِ. والثاني: أنه لا يطلّق عَلَيْهِ. والثالث: أنه إن كان حلف عَلَى غالب ظنه لأمرٍ توسمه مما لا يجوز له فِي الشرع لَمْ تطلّق عَلَيْهِ، وإن حلف عَلَى ما ظهر له بكهانةٍ أو تنجيم أو عَلَى الشكّ أو عَلَى تعمّد الكذب طلّق عَلَيْهِ (¬2). انتهى فما ذكر ابن رشد فيمن غفل عنه جعله [54 / أ] المصنف ابتداءً وَفاقاً لعياض. والله سبحانه أعلم. أَوْ بِمَا لا يُعْلَمُ حَالاً ومَآلاً، ودُيِّنَ إِنْ أَمْكَنَ حَالاً، وادَّعَاهُ، فَلَوْ حَلَفَ اثْنَانِ عَلَى النَّقِيضِ كَإِنْ كَانَ هَذَا غُرَاباً، ولَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ يَقِيناً طُلِّقَتْ، ولا يَحْنَثُ إِنْ عَلَّقَهُ بِمُسْتَقْبَلٍ مُمْتَنِعٍ كَإِنْ لَمَسْتُ السَّمَاءَ، أَوْ إِنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ، أَوْ لَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَةُ الْمُعَلَّقِ بِمَشِيئَتِهِ، أَوْ لا يُشْبِهُ الْبُلُوغُ إِلَيْهِ، أَوْ طَلَّقْتُكِ وأَنَا صَبِيٌّ، أَوْ إِذَا مِتُّ، أَوْ مَتَى إِلا أَنْ يُرِيدَ نَفْيَهُ، أَوْ إِنْ وَلَدْتِ جَارِيَةً، أَوْ إِذَا حَمَلْتِ، إِلا أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً، وإِنْ قَبْلَ يَمِينِهِ كَإِنْ حَمَلْتِ ووَضَعْتِ، أَوْ مُحْتَمَلٌ غَيْرُ غَالِبٍ، وانْتُظِرَ إِنْ أَثْبَتَ كَيَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ وتَبَيَّنَ الْوُقُوعُ أَوَّلَهُ إِنْ قَدِمَ فِي نِصْفِهِ وإِلا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ مِثْلُ إِنْ شَاءَ، بِخِلافِ إِلا أَنْ يَبْدُوَ لِي كَالنَّذْرِ، والْعِتْقِ. وإِنْ نَفَى ولَمْ يُؤَجِّلْ كَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ مُنِعَ مِنْهَا. قوله: (أَوْ بِمَا لا يُعْلَمُ حَالاً ومَآلاً) ككونه من أهل الجنة أو النار، ابن عبد السلام: ولا يبعد تخريجه عَلَى الخلاف فِي مشيئة الملائكة أو الجن إِلا إِنْ لَمْ أُحْبِلْهَا، أَوْ إِنْ لَمْ أَطَأْهَا، وهَلْ يُمْنَعُ مُطْلَقاً؟ أَوْ إِلا فِي كَإِنْ لَمْ أَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ، ولَيْسَ وَقْتَ سَفَرٍ؟ تَأْوِيلانِ، إِلا إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ مُطْلَقاً أَوْ إِلَى أَجَلٍ، أَوْ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ بِرَأْسِ الشَّهْرِ الْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ الْبَتَّةَ، أَوِ الآنَ فَيُنْجِزُ. قوله: (إلا (¬3) إِنْ لَمْ أُحْبِلْهَا، أَوْ إِنْ لَمْ أَطَأْهَا) كذا فِي بعض النسخ بإلا الاستثنائية، وفِي بعضها بلا النافية، وكلاهما يؤدي المعنى، إِلا أن الأول أشبه بنص " المقدمات "، وهو أبعد من القلق فِي عبارة المصنف، يظهر بالتأمل. ¬
ويَقَعُ ولَوْ مَضَى زَمَانُهُ. قوله: (ويَقَعُ ولَوْ مَضَى زَمَانُهُ) يعني فيما إِذَا قال: إن لَمْ أطلقك رأس الشهر البتة فأنت طالق الآن البتة. كَطَالِقٌ الْيَوْمَ، إِنْ كَلَّمْتِ فُلاناً غَداً. وَإِنْ قَالَ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ، فَأَنْتِ طَالِقٌ الآنَ الْبَتَّةَ، فَإِنْ عَجَّلَهَا أَجْزَأَتْ، وإِلا قِيلَ لَهُ إِمَّا عَجَّلْتَهَا وإِلا بَانَتْ وإِنْ حَلَفَ عَلَى [39 / ب] فِعْلِ غَيْرِهِ، فَفِي الْبِرِّ كَنَفْسِهِ، وهَلْ كَذَلِكَ فِي الْحِنْثِ؟ أَوْ لا يُضْرَبُ لَهُ أَجْلُ الإِيلاءِ ويُتَلَوَّمُ لَهُ؟ قَوْلانِ. قوله: (كَطَالِقٌ الْيَوْمَ، إِنْ كَلَّمْتِ فُلاناً غَداً) هذا قياس يستظهر به عَلَى مخالفة ابن عبد السلام فِي التي قبلها؛ وذلك أن ابن عبد السلام قال فِيهَا: لا يلزم الحالف شيء بوجهٍ؛ لأنه إِذَا حلف عَلَى إيقاع البتة رأس الشهر بوقوع البتة الآن فله طلب تحصيل المحلوف عَلَيْهِ، وهو إيقاع البتة عند رأس الشهر، فإذا جاء رأس الشهر فله ترك ذلك الطلب واختيار الحنث كما لكلِّ حالف، فإذا اختاره لَمْ يكن (¬1) وقوع الحنث عَلَيْهِ؛ لانعدام زمان البتة المحلوف بها؛ لأنه إنما استلزمها (¬2) فِي زمان الحال الذي عاد ماضياً عند رأس الشهر. قال فِي " التوضيح ": وما قاله من عدم وَقوع الطلاق الماضي زمانه يأتي عَلَى ما قاله ابن عبد الحكم فيمن قال لزوجته: أنت طالق اليوم إن كلّمت فلاناً غداً، أنه إن كلّمه غداً فلا شيء عَلَيْهِ؛ لأن الغد مضى وهي زوجة، وقد انقضى وقت وقوع الطلاق، ومثله لابن القاسم فِي " المَوَّازية " فيمن قال لامرأة (¬3): إن تزوجتك فأنت طالق غداً، فتزوجها بعد غد فلا شيء عَلَيْهِ، وإن تزوجها قبل غد طُلّقت عَلَيْهِ، لكن قال أبو محمد: قول ابن عبد الحكم خلاف أصل مالك والطلاق يلزمه إِذَا كلّمه غداً، وليس لتعلّق الطلاق بالأيام (¬4) وَجه. ¬
وفِي " العتبية ": فأنت طالق اليوم إن دخل فلان الحمام غداً: لَمْ تكن طالقاً إِلا أن يدخل فلان الحمام غداً، وله وَطؤها (¬1)، نقل ذلك كله عياض فِي باب الظهار، وعَلَى هذا تلزمه البتة، ولو مضى زمنها، وأَيْضاً فالمسألة المذكورة بإثر هذه مما يرد ما قال ابن عبد السلام؛ لأنه لو كان ما قاله صحيحاً للزم فيما إِذَا قيل: إن لَمْ أطلقك واحدة بعد شهر فأنت طالق الآن البتة ألا يلزمه شيء، لما ذكر، ولكان لا يحسن الخلاف فِي تعجيل الواحدة فانظره (¬2). انتهى. قلت: ما ذكره عياض عن " العتبية " هو فِي رسم لَمْ يدرك من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق ونصّه: " وسئل عن رجلٍ قال لامرأته: أنت طالق اليوم إن دخل فلان غداً الحمام قال: لا تطلّق عَلَيْهِ حتى يدخل. قال ويمسها، ولَمْ يحملها ابن رشد: عَلَى ظاهرها كما عند أبي محمد وأبي الفضل عياض، بل قال هذا كلام فِيهِ تجوز، وقد وقع مثله فِي كتاب الظهار من " المدونة " في باب: الظهار إلى أجل، فليس عَلَى ظاهره؛ لأن فِيهِ تقديماً وتأخيراً ومعناه عَلَى الحقيقة دون تقديم وتأخير: وسئل عن رجلٍ قال اليوم لامرأته: أنت طالق إن دخل فلان غداً الحمام، فهذا صواب الكلام، وعَلَيْهِ (¬3) أتي الجواب: بأنه لا تطلّق عَلَيْهِ حتى يدخل " وقوله: (ويمسّها) يريد: فيما بينه وبين غد وهو صحيح؛ لأنها (¬4) يمين بالطلاق وهو فِيهَا عَلَى برٍ فلا اختلاف أن له أن يطأ إلى الأجل (¬5). انتهى. وقد حرر الإمام ابن عرفة المسألة غاية التحرير، فإنه لما ذكر المسألة السريجية المتقدمة الذكر وما يلتحق بها قال: إنها تتوقف عَلَى أصل وهو: جعل أمر مستقبل سبباً فِي طلاق مقيّد بزمن ماضٍ عنه هل يلزم اعتباراً بوقت التعليق أو لا يلزم، اعتباراً بوقت حصول ¬
السبب، ثم ذكر سماع عيسى المذكور وقبول أبي محمد له، وتأويل ابن رشد ثم قال: ولابن محرز عن ابن القاسم: فيمن (¬1) قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق أمس دخولك. لزمه. ابن عبد الحكم إن قال: أنت طالق اليوم إن كلّمت فلاناً غدا، فكلّمه فلا شيء عَلَيْهِ. أبو محمد: هذا خلاف أصل مالك، بل يلزمه الطلاق؛ لأنه لا يتعلّق بزمن، ابن عرفة: ففي المعلّق مقيداً بزمان قبل زمان سببه طريقان الإلغاء لابن رشد مع نصّ ابن عبد الحكم، والاعتبار لابن محرز مع أبي محمد، ونصّ ابن القاسم. قال: فإن قيل: قد وقع لمحمد عن ابن القاسم فيمن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق غداً. إن تزوجها غداً لزمه، وبعده لا شيء عَلَيْهِ، وهذا خلاف متقدم نقل ابن محرز [54 / ب] عنه. قلنا: يفرق بأن (¬2) زمن إنشاء التعليق فيما نقله ابن محرز قابل للطلاق لو نجز، وفيما نقله عنه محمد غير قابل، ومقتضى طريقة أبي محمد وهي (¬3) أسعد بالروايات صحة ما فهمه الطرطوشي عن المذهب فِي السريجية، وتبعه ابن العربي وابن شاس (¬4). انتهى. فإن سلّم أن مسألة ابن عبد السلام (¬5) من هذا القبيل فهو قد سلك الطريقة الأولى والمصنف مال إلى الثانية، فإن أراد بقوله: كطالق اليوم. الاستظهار بالقياس عَلَى هذا الفرع كما قدمنا فعلى ما ذكر أبو محمد أنه أصل مالك، وإن أراد مطلق التنظير فهو عَلَى ما اختاره فِي ذلك. والله تعالى أعلم. وإِنْ أَقَرَّ بِفِعْلٍ ثُمَّ حَلَفَ مَا فَعَلْتُ، صُدِّقَ بِيَمِينٍ، بِخِلافِ إِقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ فَيُنَجَّزَ، ولا تُمَكِّنْهُ زَوْجَتُهُ، إَنْ سَمِعَتْ إِقْرَارَهُ وبَانَتْ، ولا تَتَزَيَّنُ إِلا كُرْهاً، ولْتَفْتَدِ مِنْهُ، وفِي جَوَازِ قَتْلِهَا لَهُ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا قَوْلانِ، وأُمِرَ بِالْفِرَاقِ فِي إِنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي، أَوْ تَبْغَضِينِي، وهَلْ مُطْلَقاً، أَوْ إِلا أَنْ تُجِيبَ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثُ فَيُنَجَّزُ؟ تَأْوِيلانِ. وفِيهَا مَا يَدُلُّ لَهُمَا. ¬
قوله: (إِلا كُرْهاً) ينطبق عَلَى التمكين والتزين، ومعناه: إِلا مكرهة فكأنه تخصيص لقوله فِي " المدونة ": ولا يأتيها إِلا وهي كارهة (¬1)؛ إذ المكرهة أخصّ من الكارهة. وبِالأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا. ولا يُؤْمَرُ إِنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لا، إِلا أَنْ يَسْتَنِدَ وهُوَ سَالِمُ الْخَاطِرِ كَرُؤْيَةِ شَخْصٍ دَاخِلاً شَكَّ فِي كَوْنِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وهَلْ يُجْبَرُ؟ تَأْوِيلانِ. وإِنْ شَكَّ أَهِنْدٌ هِيَ أَمْ غَيْرُهَا؟ أَوْ قَالَ إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ أَنْتِ. طَلُقَتَا، وإِنْ قَالَ: أَوْ أَنْتِ، خُيِّرَ، ولا أَنْتِ، طَلُقَتِ الأُولَى. قوله: (وَبِالأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا) معطوف عَلَى (بِالْفِرَاقِ) (¬2) بحذف مضاف أي: وأمر بالفراق [في كذا وبإنفاذ الأيمان المشكوك فِيهَا يشير به لقوله فِي كتاب: الأيمان بالطلاق] (¬3) من " المدونة ": ومن لَمْ يدر بما حلف بطلاق أو بعتاق أو بمشي أو صدقة، فليطلّق نساءه ويعتق رقيقه ويتصدّق بثلث ماله ويمشي إلى مكة، يؤمر بذلك كله من غير قضاء (¬4). إِلا أَنْ يُرِيدَ الإِضْرَابَ، وإِنْ شَكَّ أَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً؟ لَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلا بَعْدَ زَوْجٍ. قوله: (إِلا أَنْ يُرِيدَ الإِضْرَابَ (¬5)) أي: بلا ويحتمل بلا وبأو، فيرجع للفرعين، عَلَى أن اللخمي إنما ذكرالإضراب (¬6) فِي لا. وصدق، إن ذكر فِي العدة. قوله: (وصدق، إن ذكر فِي العدة) ليس العدة بشرطٍ فِي التصديق بل فِي الرجعة، وقد زاد فِي " المدونة ": وإن ذكر ذلك بعد العدة كان خاطباً ويصدّق فِي ذلك (¬7). ¬
ثُمَّ إِنْ تَزَوَّجَهَا وطَلَّقَهَا فَكَذَلِكَ، إِلا أَنْ يَبُتَّ. قوله: (ثُمَّ إِنْ تَزَوَّجَهَا وطَلَّقَهَا فَكَذَلِكَ) قيّده فِي " التوضيح " بأن يطلقها واحدة واحدة أو اثنتين اثنتين قال: ولا يحصل الدوران مع الاختلاف وإن كان ظاهر كلام جماعة حصوله، وبيان ذلك [أنه] (¬1) إِذَا طلّقها فِي الثاني طلقتين وفِي الثالث طلقة وفِي الرابع طلقة، فإن فرض المشكوك فِيهِ ثلاثاً فهذه الأخيرة أول عصمة مستأنفة، وإن فرض اثنتين فهذه الأخيرة مستأنفة ثانية، وكذلك إن فرض واحدة فاعلمه. انتهى (¬2). يعني: أن ما زاد عَلَى النصاب يلغى، ويصير الأمر فِيهِ كمن طلّق زوجه أربعاً، والضابط هو ما يأتي لابن عرفة. قال اللخمي وإن شكّ هل طلّق واحدة أو ثلاثاً أمر أن لا يرتجع الآن ولا يقربها حتى تنكح زوجاً غيره، فإن تزوّجها بعد زوج ثم طلّقها كان له أن يرتجعها (¬3) قولاً وَاحداً، فإن كان طلاقه الأول ثلاثاً فقد أحلّها الزوج الآخر وبقيت عنده الآن عَلَى تطليقتين، وإن كان طلاقه الأول واحدة كانت هذه طلقة ثانية وبقيت عنده عَلَى واحدة، فإن طلّقها طلقةً أخرى لَمْ تحل له حتى تنكح زوجاً غيره لإمكان أن يكون طلاقه الأول واحدة، فتكون هذه ثالثة (¬4). وإن شكّ: هل طلّق واحدة أو اثنتين كان له أن يرتجع الآن، فإن ارتجعها ثم طلّق لَمْ يرتجعها ولا (¬5) يقربها حتى تنكح زوجاً غيره؛ لإمكان أن يكون الأول اثنتين وهذه الثالثة، وإن شكّ هل طلّق اثنتين أو ثلاثاً، ولَمْ يشك فِي واحدة أنه أوقعها لَمْ يقربها إِلا بعد زوج؛ لإمكان أن تكون الأولى ثلاثاً، فإن تزوجها بعد زوجٍ ثمّ طلّقها أمسك عنها أَيْضاً حتى تنكح زوجاً غيره؛ لإمكان أن تكون الأولى اثنتين وهذه الثالثة، فإن تزوّجها أَيْضاً بعد ¬
زوج ثم طلّقها كان له أن يرتجع فإن، كان الأول ثلاثاً (¬1) فقد بقي له فِيهَا واحدة، وإن كان الأول اثنتين فقد بقي له فيه (¬2) اثنتان (¬3). قال ابن عرفة: صور الشكّ فِي العدد أربع: مسألة الكتاب، والشكّ فِي واحدة أو اثنتين، والشكّ فِي واحدة أو ثلاث، والشكّ فِي اثنتين أو ثلاث، وضابط ما تحرم عَلَيْهِ فِيهِ قبل زوج إن طلّقها بعد أن تزوجها بعد زوج طلاقاً دون البتات كلما لَمْ ينقسم (¬4) مجموع طلاقه بعد زوج مع عدد طلاق كلّ شك بانفراد (¬5) عَلَى ثلاث لَمْ تحرم، وإن انقسم (¬6) ولو فِي صورة واحدة حرمت. قال الطرطوشي: إن شكّ فِي عدد طلاقه لزمه أكثره، ولو تيقن واحدة وشكّ فِي الثانية لَمْ يلزمه إِلا واحدة. قال ابن عرفة: لأن الأول شكّ فِي عدد ما وَقع، والثاني شكّ فِي الوقوع. وإِنْ حَلَفَ صَانِعُ طَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ لا بُدَّ أَنْ تَدْخُلَ، فَحَلَفَ [الآخَرُ] (¬7) لا دَخَلْتُ حُنِّثَ الأَوَّلُ. قوله: (وَإِنْ حَلَفَ صَانِعُ طَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ لا بُدَّ أَنْ تَدْخُلَ، فَحَلَفَ الآخَرُ لا دَخَلْتُ حُنِّثَ الأَوَّلُ) أي: أجبر (¬8) عَلَى الحنث، فضبطه بضم الحاء وكسر النون المشددة مبنياً للمجهول أدلّ عَلَى المعنى، ومما يناسب هذا الفرع من وَجه ما قاله فِي كتاب الهبات من " المدونة ": ومن لزمه دين لرجل أو ضمان عارية [55 / أ] يغاب (¬9) عَلَيْهَا، فحلف بالطلاق ثلاثاً ليؤدين ذلك، وحلف الطالب بالطلاق ثلاثاً أن قبله، فأما الدين فيجبر الطالب عَلَى قبضه، ¬
ويحنث ولا يجبر فِي أخذ قيمة العارية، ويحنث (¬1) المستعير إن أراد ليأخذنّه منّي، فإن أراد لأغرمنّه له قَبِله أو لَمْ يقبله لَمْ يحنث وَاحد منهما. والفرق أن الدين لزم ذمته، والعارية إنما ضمنها لغيبة أمرها، فإنما يقضي بالقيمة لمن طلبها، فِي ظاهر الحكم وله تركها، وقد تسقط أن لو قامت بينة بهلاكها (¬2). ولأبي إسحاق التونسي النظّار فِي هذه أبحاث حسان يوقف عَلَيْهَا فِي محلها. وإِنْ قَالَ إِنْ كَلَّمْتِ (¬3)، إِنْ دَخَلْتِ لَمْ تَطْلُقْ إِلا بِهِمَا، وإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِحَرَامٍ، وآخَرُ بِبَتَّةٍ، أَوْ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى دُخُولِ دَارٍ فِي رَمَضَانَ وذِي الْحِجَّةِ أَوْ بِدُخُولِهَا فِيهِمَا، أَوْ بِكَلامِهِ فِي السُّوقِ والْمَسْجِدِ، أَوْ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْماً بِمِصْرَ ويَوْماً بِمَكَّةَ. لُفِّقَتْ كَشَاهِدٍ بِوَاحِدَةٍ، وآخَرَ بِأَزْيَدَ، وحَلَفَ عَلَى الزَّائِدِ، وإِلا سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ، لا بِفِعْلَيْنِ أَوْ فِعْلٍ وقَوْلٍ كَوَاحِدٍ بِتَعْلِيقِهِ بِالدُّخُولِ، وآخَرَ بِالدُّخُولِ، وإِنْ شَهِدَا بِطَلاقِ وَاحِدَةٍ ونَسِيَاهَا لَمْ تُقْبَلْ وحَلَفَ مَا طَلَّقَ وَاحِدَةً. قوله: (وإِنْ قَالَ إِنْ كَلَّمْتِ، إِنْ دَخَلْتِ لَمْ تَطْلُقْ إِلا بِهِمَا) هذا تعليق التعليق. قال ابن عرفة: وتعليق التعليق تعليق عَلَى مجموع الأمرين، كإن دخلت هذه الدار فأنت طالق إن كانت لزيد، لا يحنث إِلا بدخولها، وكونها لزيد ولو عَلَى التحنيث بالأقل، وهنا أشبع ابن عرفة الكلام فِي الحلف عَلَى التعليق مثل قوله: والله إن فعلت كذا [لا] (¬4) كنت لي بامرأة فقف عَلَيْهِ. وإِنْ شَهِدَ ثَلاثَةٌ بِيَمِينٍ ونَكَلَ، فَالثَّلاثُ. قوله: (وَإِنْ شَهِدَ ثَلاثَةٌ بِيَمِينٍ ونَكَلَ، [فَالثَّلاثُ] (¬5)) هذا تأويل القابسي مسألة ربيعة الواقعة آخر كتاب الأيمان بالطلاق من " المدونة "، ففيها: قال ربيعة: ومن شهد عَلَيْهِ ثلاثة نفر كلّ وَاحد بطلقة ليس معه صاحبه فأمر أن يحلف فأبى فليفرق بينهما، وتعتدّ من ¬
يوم نكل (¬1). وقضى عَلَيْهِ عياض. قال القابسي: معناه أن كلّ وَاحد شهد [عَلَيْهِ] (¬2) بيمين حنث فِيهَا؛ فلذلك إِذَا نكل طلّق عَلَيْهِ بالثلاث، فظاهر هذا أنه يحلف لتكذيب كل واحد قال: وأما لو كان فِي غير يمين لزمته طلقة يريد لاجتماعهم عَلَيْهَا ويحلف مع الآخر، فإن نكل لزمته اثنتان فعلى هذا يكون وَفاقاً للمذهب عَلَى أحد القولين لمالك فِي التطليق عَلَيْهِ بالنكول، وذهب غيره إلى أن قول ربيعة خلاف؛ لأن ظاهره أنه إن حلف لَمْ يلزمه شيء، ومالك يلزمه واحدة لاجتماع اثنين عَلَيْهَا، وهو قول مطرف وعبد الملك وأصبغ. ¬
باب التخيير والتمليك
[باب التخيير والتمليك] وإِنْ فَوَّضَهُ لَهَا تَوْكِيلاً، فَلَهُ الْعَزْلُ إِلا لِتَعَلُّقِ حَقٍّ، لا تَخْيِيراً، أَوْ تَمْلِيكاً، وحِيلَ بَيْنَهُمَا حَتَّى تُجِيبَ، ووُقِفَتْ. وإِنْ قَالَ إِلَى سَنَةٍ مَتَى عُلِمَ فَتَقْضِي، وإِلا أَسْقَطَهُ الْحَاكِمُ، وعُمِلَ بِجَوَابِهَا الصَّرِيحِ فِي الطَّلاقِ، كَطَلاقِهِ، ورَدِّهِ كَتَمْكِينِهَا طَائِعَةً، ومُضِيِّ يَوْمِ تَخْيِيرِهَا ورَدِّهَا بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا. وهَلْ نَقْلُ قُمَاشِهَا ونَحْوُهُ طَلاقٌ؟ أَوْ لا؟ تَرَدُّدٌ. وقُبِلَ تَفْسِيرُ قَبِلْتُ، أَوْ قَبِلْتُ أَمْرِي، أَوْ مَا مَلَّكْتَنِي بِرَدٍّ أَوْ طَلاقٍ أَوْ بَقَاءٍ. وَنَاكَرَ (¬1) مُخَيَّرَةً لَمْ تَدْخُلْ، ومُمَلَّكَةً مُطْلَقاً إِنْ زَادَتْ عَلَى طَلْقَةٍ إِنْ نَوَاهَا، وبَادَرَ وحَلَفَ، إِنْ دَخَلَ، وإِلا فَعِنْدَ الارْتِجَاعِ، ولَمْ يُكَرِّرْ أَمْرُهَا بِيَدِهَا، إِلا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ كَنَسْقِهَا هِيَ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْعَقْدِ، وفِي حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ إِنْ طَلَّقَ قَوْلانِ، وقُبِلَ إِرَادَةُ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَمْ أُرِدْ طَلاقاً، والأَصَحُّ خِلافُهُ ولا نُكْرَةَ [40 / أ] لَهُ، إِنْ دَخَلَ فِي تَخْيِيرٍ مُطْلَقٍ. وإِنْ قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي سُئِلَتْ بِالْمَجْلِسِ وبَعْدَهُ، فَإِنْ أَرَادَتِ الثَّلاثَ لَزِمَتْ فِي التَّخْيِيرِ، ونَاكَرَ فِي التَّمْلِيكِ. وإِنْ قَالَتْ وَاحِدَةً بَطَلَتْ فِي التَّخْيِيرِ [وَإِنْ قَالَ وهَذِهِ] (¬2) يُحْمَلُ عَلَى الثَّلاثِ. أَوِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وقُبِلَ تَفْسِيرُ قَبِلْتُ، أَوْ قَبِلْتُ أَمْرِي، أَوْ مَا مَلَّكْتَنِي بِرَدٍّ أَوْ طَلاقٍ أَوْ بَقَاءٍ) لا إشكال في تفسير كل من الألفاظ الثلاثة بالطلاق والبقاء، وأما التفسير بالردّ ففيه نظر؛ لأن القبول ليس موضوعاً للردّ وليس الردّ من مقتضى القبول بل رافع لمقتضاه، وقد يجاب عنه بأنه لما كان الردّ من آثار قبول النظر في الأمر صحّ التفسير به على سبيل المجاز قاله في " التوضيح "، وأصله لابن عبد السلام. والظَّاهِرُ سُؤَالُهَا إِنْ قَالَتْ [اخْتَرْتُ الطَّلاَقَ] (¬3) أَيْضاً. وفِي جَوَازِ التَّخْيِيرِ قَوْلانِ. قوله: (وَالظَّاهِرُ سُؤَالُهَا إِنْ قَالَتْ: اخْتَرْتُ الطَّلَاقَ أَيْضاً) كذا في بعض النسخ، وهو الصواب إشارة لقول ابن رشد في " المقدمات ": وأما إن قالت قد اخترت [الطلاق] (¬4). ¬
فالذي أرى فيه على أصولهم أنها تسأل في التمليك والتخيير؛ لأن هذه (¬1) الألف واللام قد يراد بها الجنس، فيكون ثلاثاً، أو يراد بها العهد وهو الطلاق السنّي المشروع فتكون واحدة، فإذا احتمل اللفظ الوجهين وجب أن تسأل: أيهما أرادت؟ (¬2). وحَلَفَ فِي اخْتِارِي فِي وَاحِدَةٍ. قوله: (وحَلَفَ فِي اخْتِارِي فِي وَاحِدَةٍ) أي: لاحتمال أن يكون أراد في مرة واحدة فتكون البتة. أَوْ فِي أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَكِ طَلْقَةً وَاحِدَةً. قوله: (أَوْ فِي أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَكِ طَلْقَةً وَاحِدَةً) لفظ الأمهات اختاري في أن تطلّقي نفسك تطليقة واحدة، وفي أن تقيمي (¬3). عياض: ظاهر كلام ابن القاسم أنه سوّاها مع قوله: اختاري في واحدة، وأنه يحلف ما أراد إلا واحدة، وعليه تأولها ابن أبي زيد وغيره (¬4)، واختصرها ابن أبي زمنين، وكأن المراد عندهم محتمل لإمضاء الفراق في مرة واحدة باتاً لا يحتاج للإعادة والتكرار سواء سمى التطليقة أم لا. ويدل عليه أو تقيمي، والواحدة لا تبينها وهي معه في حكم المقيمة بعد. وقال عبد الحقّ في التعقيب: قال بعض القرويين يحلف لزيادة لفظة وفي أن تقيمي؛ لأنه قد علم أنها مع الطلقة مقيمة على حالها في عصمته، فلما زاد وفي أن تقيمي، استظهر عليه باليمين لذلك، فأما إذا أسقط هذا اللفظ وقال: اختاري في تطليقه فهذا لا إشكال فيه أن اليمين ساقطة عنه. وقال ابن محرز: إنما حلفه ابن القاسم لقوله: وفي أن تقيمي؛ لاحتمال أن يكون أراد البينونة؛ لأن ضد الإقامة البينونة، فقد تظافرت هذه النقول على أن السرّ في قوله: [55 / ب] " أو تقيمي " فعلى المصنف في إسقاطه درك. ¬
لا اخْتَارِي طَلْقَةً. وبَطَلَ إِنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ فِي اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ، أَوْ فِي تَطْلِيقَتَيْنِ. قوله: (لا اخْتَارِي طَلْقَةً) إشارة لقول أبي سعيد: وإن قال لها اختاري في طلقة، فقالت: قد اخترتها أو اخترت نفسي، لم يلزمه إلا واحدة، وله الرجعة (¬1). وليست في الأمهات. ومِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ، فَلا تَقْضِي إِلا بِوَاحِدَةٍ وبَطَلَ فِي الْمُطْلَقِ، إِنْ قَضَتْ بِدُونِ الثَّلاثِ كَطَلِّقِي [نَفْسَكِ] (¬2) ثَلاثاً، ووُقِفَتْ، إِنِ اخْتَارَتْ بِدُخُولِهِ عَلَى ضَرَّتِهَا، ورَجَعَ مَالِكٌ إِلَى بَقَائِهِمَا بِيَدِهَا فِي الْمُطْلَقِ، مَا لَمْ تُوْقَفْ أَوْ تُوطَأْ كَمَتَى شِئْتِ، وأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالسُّقُوطِ. وفِي جَعْلِ إِنْ شِئْتِ أَوْ إِذَا شِئْتِ كَمَتَى أَوْ كَالْمُطْلَقِ؟ تَرَدُّدٌ كَمَا إِذَا كَانَتْ غَائِبَةً وبَلَغَهَا، وإِنْ عَيَّنَ أَمَداً تَعَيَّنَ، وإِنْ قَالَتِ اخْتَرْتُ نَفْسِي وزَوْجِي أَوْ بِالْعَكْسِ، فَالْحُكْمُ لِلْمُتَقَدِّمِ. قوله: (وَمِنْ تَطْلِيقَتَيْنِ، فَلا تَقْضِي إِلا بِوَاحِدَةٍ) مستأنف. وهُمَا فِي التَّنْجِيزِ لِتَعْلِيقِهِمَا بِمُنَجَّزٍ وغَيْرِهِ كَالطَّلاقِ، ولَوْ عَلَّقَهُمَا بِمَغِيبِهِ شَهْراً فَقَدَمَ ولَمْ تَعْلَمْ وتَزَوَّجَتْ فَكَالْوَلِيَّيْنِ. قوله: (وهُمَا فِي التَّنْجِيزِ لِتَعْلِيقِهِمَا بِمُنَجَّزٍ وغَيْرِهِ كَالطَّلاقِ) لام التعليل من قوله: (لِتَعْلِيقِهِمَا) تصحّف كثيراً بالكاف، (وغَيْرِهِ) معطوف على التنجيز، وحذف تعليله لدلالة الأول، و (كَالطَّلاقِ) خبر المبتدأ، والتقدير: سهل. وبِحُضُورِهِ ولَمْ تَعْلَمْ، فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا، واعْتُبِرَ التَّنْجِيزُ قَبْلَ بُلُوغِهَا، وهَلْ إِنْ مَيَّزَتْ أَوْ مَتَى تُوْطَأُ؟ قَوْلانِ، ولَهُ التَّفْوِيضُ لِغَيْرِهَا. قوله: (وبِحُضُورِهِ ولَمْ تَعْلَمْ، فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا) كذا ينبغي أن يكون بتنكير (حضور) غير مضاف للضمير ليطابق قوله في " المدونة ": وإن قال لامرأته: إذا قدم فلان فاختاري. فذلك لها إذا قدم، ولا يحال (¬3) بينه وبين وطئها، وإن وطأها الزوج بعد قدوم فلان ولم ¬
تعلم المرأة بقدومه إلا بعد زمان فلها الخيار حين تعلم (¬1). وهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ؟ قَوْلانِ. ولَهُ النَّظَرُ، وصَارَ كَهِيَ إِنْ حَضَرَ، أَوْ كَانَ غَائِباً قَرِيبَةً كَالْيَوْمَيْنِ لا أَكْثَرَ فَلَهَا، إِلا أَنْ تُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا، أَوْ يَغِيبَ حَاضِرٌ ولَمْ يُشْهِدْ بِبَقَائِهِ. فَإِنْ أَشْهَدَ فَفِي بَقَائِهِ بِيَدٍ أَوْ يَنْتَقِلُ لِلزَّوْجَةِ قَوْلانِ، وإِنْ مَلَّكَ رَجُلَيْنِ، فَلَيْسَ لأَحَدِهِمَا الْقَضَاءُ إِلا أَنْ يَكُونَا رَسُولَيْنِ. قوله: (وهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ؟ قَوْلانِ) هكذا هو فيما وقفنا عليه من النسخ، وهل له بتذكير الضمير، وهو مشكل؛ فإنه إن حمل على الوكيل الحقيقي الذي هو قسيم المملك والمخيّر والرسول فلا خلاف أن للزوج أن يعزله ما لم يوقع الطلاق كما جزم به اللَّخْمِيّ وغيره، وقد صرّح ابن عرفة بـ: أنه متفقّ عليه، وإن حمل على أنه تجوز فيه فأطلقه على المملك فهذا ليس له أن يعزله، وقد قال في " المدونة ": وإذا ملّكها أمرها أو ملّك أمرها لأجنبي، ثم بدا له فليس ذلك له، والأمر إليهما (¬2). ولم يذكروا في ذلك خلافاً. فإن قلت: كيف أنكرتم وجود الخلاف في هذا الأصل وقد وقع في " النوادر " عن ابن الماجشون: أن من قال لختنته إذا تكاريت لابنتك وخرجت [بها] (¬3) من القرية فأمرها بيدك، فتكارت لها لتخرجها فأبى وبدا له فذلك له ولا شيء عليه. قلت: قد تأوّل الباجي قول ابن الماجشون فقال: معناه عندي أن له الرجوع في سبب التمليك [وهو بأن يمنع (¬4) أمها الخروج، ولو أخرجتها لم يكن له الرجوع في التمليك] (¬5)، وقبله ابن زرقون وغيره كابن عرفة، ولو سلّمنا كونه خلافاً لكان من الشذوذ بمكان، فكيف يعادله المصنف بما في " المدونة "؟!. ولأبي القاسم ابن محرز تحرير عجيب في تمييز أحد النوعين عن الآخر قال - رحمه الله ¬
تعالى -: التخيير والتمليك توكيل من الزوج على الطلاق وتمليك له إلا أنه لا يستطيع العزل فيه لما تعلّق للمخيرة والمملّكة فيه من الحقّ، وإن هو جعل أمر امرأته بيد رجلٍ إرادة موافقتها بذلك وإدخال المسرة عليها فكذلك ينبغي أيضاً أن يمنع من العزل لحقّها، ويؤمر هذا الذي جعل الأمر بيده أن لا يقضي إلا بما يعلم أنه يوافقها، وإن كان لم يرد بذلك موافقتها فهي وكالة كسائر الوكالات على أنواع المملوكات إن شاء أقرّ من وكّله وإن شاء عزله. انتهى. فإن كان المصنّف فهم كلام ابن محرز هذا على الخلاف لظاهر " المدونة "، فأشار إلى ذلك بالقولين، فعبارته غير وافية بذلك، مع ما فيه من البعد في المعنى. نعم قال أبو الحسن الصغير: انظر إذا قالت الزوجة: أسقطت حقي في التمليك، هل للزوج أن يعزل المملك لأنهم عللوا عدم عزل الوكيل بتعلّق حق الغير، وها هي قد أسقطته أو يقال: للوكيل حقّ في الوكالة فلا يعزله. انتهى. فلو كان المصنف أراد التنبيه على هذا لكان يقول مثلاً: وهل له عزل مملكة إن أسقطت حقّها؟ تردد. وأما إن حمل كلام المصنف على قول اللَّخْمِيّ: واختلف إذا قال طلق امرأتي هل هو تمليك أو وكالة فيحتاج إلى وحي يسفر عن ذلك. فإن قلت: ولعل صواب كلامه: وهل لها عزل وكيله بتأنيث الضمير المجرور باللام فيعود على الزوجة إذا أرادت عزل وكيل زوجها على طلاقها، ولعلّ الخلاف لا يعدم في هذا الأصل لتعارض ظواهر النصوص فيه. قلت: ولو وجدنا من صرّح بالخلاف في هذا لاستسهلنا دعوى التصحيف، واغتفرنا الهجوم عليه؛ ولكن غاية ما قال ابن رشد في رسم استئذان (¬1) من سماع عيسى من كتاب: النكاح قال ابن القاسم في الذي اشترط على زوج ابنته إن تزوّج عليها فأمرها بيده: أنه إن تزوّج عليها، فأراد الأبّ أن يفرق بينهما، وأرادت هي البقاء مع زوجها أن السلطان ينظر في ذلك، [56 / أ] فمن رأى الحظ في إرادته منهما كان القضاء قضاء الأب كان، أو الابنة. ولم يقل كما قال مالك في الذي جعل أمر امرأته بيد أبيها إن لم يأت إلى أجل سماه أنّه إن لم ¬
يأت إلى الأجل (¬1)، فأراد الأب أن يفرق بينهما، وأرادت هي البقاء مع زوجها أنّ القول في ذلك قولها، ويمنع أبوها من الفراق. والوجه فيما ذهب إليه أنه جعل اشتراط (¬2) الأبّ على زوج ابنته أنّ أمرها بيده إن تزوّج عليها حقاً (¬3)، فلم ير أن يخرج من يده إلا بنظر السلطان؛ لأنه يقول: أنا أعلم أنه إنما (¬4) تزوّج عليها إرادة الإضرار بها من حيث لم تعلم هي؛ ولذلك اشترطت أن أمرها بيدي، فوجب أن ينظر (¬5) السلطان في ذلك بخلاف جعل الزوج ذلك بيده دون أن يشترطه (¬6) عليه؛ لأنه إن لم يشترطه عليه فإنما فعله لزوجته لا له، فكانت أحقّ بالقضاء في ذلك منه والله أعلم، ولا فرق بين المسألتين إلا من جهة الشرط (¬7). انتهى. وإلى قريب منه يرجع ما لابن راشد القفصي عن اللَّخْمِيّ والمَتِّيْطِي (¬8). ¬
باب الرجعة
[باب الرجعة] يَرْتَجِعُ مَنْ يَنْكِحُ، وإِنْ بِكَإِحْرَامٍ [وَمَرَضٍ] (¬1)، وعَدَمِ إِذْنِ سَيِّدٍ طَالِقاً غَيْرَ بَائِنٍ فِي عِدَّةِ صَحِيحٍ. حَلَّ وَطْؤُهُ بِقَوْلٍ مَعَ نِيَّةٍ. كَرَجَعْتُ وأَمْسَكْتُهَا، أَوْ نِيَّةٍ عِلِى الأِظْهِرُ. قوله: (أَوْ نِيَّةٍ عِلِى الأِظْهِر) كذا صححه في " المقدمات " (¬2)، وهو عنده وعند اللَّخْمِيّ مخرج على أحد قولي مالك: بلزوم الطلاق واليمين بمجرد النية. وصُحِّحَ خِلافُهُ، أَوْ بِقَوْلٍ ولَوْ هَزْلاً. قوله: (وصُحِّحَ خِلافُهُ) هو المنصوص في " الموازية " (¬3)، والمصحح له هو ابن بشير، فإنه جعله المذهب، وردّ تخريج اللَّخْمِيّ، وقد بسطنا الكلام على ذلك في: " تكميل التقييد وتحليل التعقيد ". فِي الظَّاهِرِ لا الْبَاطِنِ، لا بِقَوْلٍ مُحْتَمَلٍ بِلا نِيَّةٍ كَأَعَدْتُ الْحِلَّ، ورَفَعْتُ [التَّحْرِيمَ] (¬4)، ولا بِفِعْلٍ دُونَهَا كَوَطْءٍ، ولا صَدَاقَ، وإِنِ اسْتَمَرَّ وانْقَضَتْ لَحِقَهَا طَلاقُهُ عَلَى الأَصَحِّ، ولا إِنْ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولٌ، وإِنْ تَصَادَقَا عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلاقِ، وأُخِذَ بِإِقْرَارِهِمَا، كَدَعْوَاهُ لَهَا بَعْدَهَا إِنْ تَمَادَيَا عَلَى التَّصْدِيقِ عَلَى الأَصْوَبِ، ولِلْمُصَدِّقَةِ النَّفَقَةُ، ولا تُطَلَّقُ لِحَقِّهَا فِي الْوَطْءِ، ولَهُ جَبْرُهَا عَلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ بِرُبْعِ دِينَارٍ، ولا إِنْ أَقَرَّ بِهِ [40 / ب] فَقَطْ فِي زِيَارَةٍ، بِخِلافِ الْبِنَاءِ، وفِي إِبْطَالِهَا إِنْ لَمْ تُنَجِّزْ كَغَدٍ أَوِ الآنَ فَقَطْ تَأْوِيلانِ، ولا إِنْ قَالَ مَنْ يَغِيبُ إِنْ دَخَلَتْ فَقَدِ ارْتَجَعْتُهَا، كَاخْتِيَارِ الأَمَةِ نَفْسَهَا أَوْ زَوْجَهَا بِتَقْدِيرِ عِتْقِهَا، بِخِلافِ ذَاتِ الشَّرْطِ تَقُولُ إِنْ فَعَلَهُ زَوْجِي فَقَدْ فَارَقْتُهُ وصَحَّتْ رَجْعَتُهُ، إِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ. قوله: (فِي الظَّاهِرِ لا الْبَاطِنِ) أشار به لقوله في " المقدمات " ولو انفرد القول دون النية لما صحّ له بذلك رجعة فيما بينه وبين الله تعالى، وإن حكمنا عليه بها بما ظهر من قوله ولم نصدقه فيما ادعاه من عدم النية، إلا على مذهب من يرى أن الطلاق يلزم المستفتي بمجرد القول دون النية، وهو قائم من " المدونة " إلا أنه بعيد في المعنى (¬5). ¬
أَوْ تَصَرُّفِهِ [وْ] (¬1) مَبِيتِهِ فِيهَا أَوْ قَالَتْ حِضْتُ ثَالِثَةً فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَوْلِهَا قَبْلَهُ بِمَا يُكَذِّبُهَا، أَوْ أَشْهَدَ بِرَجْعَتِهَا فَصَمَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ كَانَتِ انْقَضَتْ. قوله: (أَوْ تَصَرُّفِهِ ومَبِيتِهِ) كذا ينبغي أن يقرأ: (وَمَبِيتِهِ) معطوفاً بالواو لا بأو وفاقاً للمدونة (¬2) خلافاً لابن بشير وابن شاس وابن الحاجب (¬3)، وقد نبه (¬4) ابن عبد السلام على مخالفة ابن الحاجب ظاهر " المدونة " في ذلك، وقبله في " التوضيح " (¬5). واستوفيناه في: " تكميل التقييد ". ولَوْ تَزَوَّجَتْ وْ (¬6) وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ورُدَّتْ بِرَجْعَتِهِ ولَمْ تَحْرُمْ عَلَى الثَّانِي، وإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهَا حَتَّى انْقَضَتْ وتَزَوَّجَتْ أَوْ وَطِئَ الأَمَةَ سَيِّدُهَا، فَكَالْوَلِيَّيْنِ والرَّجْعِيَّةُ، كَالزَّوْجَةِ، إِلا فِي تَحْرِيمِ الاسْتِمْتَاعِ والدُّخُولِ عَلَيْهَا والأَكْلِ مَعَهَا، وصُدِّقَتْ فِي انْقِضَاءِ عِدَّةِ الإِقْرَاءِ والْوَضْعِ بِلا يَمِينٍ مَا أَمْكَنَ وسُئِلَ النِّسَاءُ، ولا يُفِيدُ تَكْذِيبُهَا نَفْسَهَا. قوله: (وَلَوْ تَزَوَّجَتْ ووَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ورُدَّتْ بِرَجْعَتِهِ) كذا في بعض النسخ، وهو بيّن كعبارة ابن الحاجب (¬7). ولا أَنَّهَا رَأَتْ أَوَّلَ الدَّمِ وانْقَطَعَ، ولا رُؤْيَةُ النِّسَاءِ لَهَا، أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا بَعْدَ كَسَنَةٍ، فَقَالَتْ لَمْ أَحِضْ إِلا وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُرْضِعٍ ولا مَرِيضَةٍ لَمْ تُصَدَّقْ، إِلا إِنْ كَانَتْ تُظْهِرُهُ وحَلَفَتْ فِي كَالسِّتَّةِ. ¬
قوله: (وَلا أَنَّهَا رَأَتْ أَوَّلَ الدَّمِ وانْقَطَعَ) هذه نفس عبارة ابن الحاجب (¬1) وليست في " المدونة ". قال ابن عبد السلام: " وفي هذا الوجه عندي نظر، وقد اضطرب المذهب: هل تحل المعتدة من الطلاق بنفس دخولها في الدم الثالث سواء تمادى بها أو لم يتمادى؟ والأكثرون على شرط التمادي، وإن كان مذهبهم أن الأصل تماديه إلا أنه إذا تحقق انقطاعه بعد ساعة من ظهوره لم يعتبر به في باب العدة والاستبراء، فعلى هذا إذا قالت: انقضت (¬2) عدتي عندما رأته بناءً منها على أنه يتمادى، ثم انقطع فأخبرت بانقطاعه فينبغي أن يقبل قولها، وكما هي مؤتمنة على وجوده أوّلا فهى مؤتمنة أيضاً على تماديه وانقطاعه ". انتهى وقبله في " التوضيح " (¬3). وقال ابن عرفة: من نظر وأنصف علم أن ابن عبد السلام قَبِل نقل (¬4) ابن الحاجب: أن المذهب أنها إذا قالت رأيت أول الدم وانقطع. أنه لا يقبل قولها، وأنه اختار من عند نفسه قبول قولها، وليس المذهب كما زعماه أنها إذا قالت: رأيت أول دم الحيضة الثالثة ثم قالت: قد انقطع أنه لا يقبل قولها، بل المذهب كلّه في هذه الصورة على قبول قولها أنه لم يتماد، وإنما الخلاف في إلغاء انقطاعه واعتباره، وهو نصّ " المدونة " و " العُتْبِيَّة "، وإنما يلغى قولها إذا قالت: دخلت في دم الحيضة الثالثة، ثم قالت: كنت كاذبة حسبما في " المدونة " (¬5). ¬
لا كَالأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (¬1)، ونُدِبَ الإِشْهَادُ، وأَصَابَتْ مَنْ مَنَعَتْ لَهُ، وشَهَادَةُ السَّيِّدِ كَالْعَدَمِ. قوله: (لا كَالأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) في كثيرٍ من النسخ وعشر مكان أشهر، وهو وهم. والْمُتْعَةِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ لِلرَّجْعِيَّةِ أَوْ وَرَثَتِهَا كَكُلِّ مُطَلَّقَةٍ فِي نِكَاحٍ لازِمٍ لا فِي فَسْخٍ كَلِعَانٍ، ومِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، إِلا مَنِ اخْتَلَعَتْ، أَوْ فُرِضَ لَهَا وطُلِّقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ، ومُخْتَارَةً لِعِتْقِهَا أَوْ لِعَيْبِهِ، ومُخَيَّرَةً، ومُمَلَّكَةً. قوله: (وَالْمُتْعَةِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ) عطف على الإشهاد أي: وندبت المتعة. ¬
باب الإيلاء
[باب الإيلاء] يَمِينُ [زَوْجٍ] (¬1) مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ، يُتَصَوَّرُ وِقَاعَهُ، وإِنْ مَرِيضاً بِمَنْعِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ، وإِنْ تَعْلِيقاً، غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ وإِنْ رَجْعِيَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ شَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ، ولا يَنْتَقِلُ بِعِتْقِهِ [بَعْدَهُ] (¬2).كَوَ اللهِ لا أُرَاجِعُكِ أَوْ لا أَطَؤُكِ حَتَّى تَسْأَلِينِي أَوْ تَأْتِينِي، أَوْ لا أَلْتَقِي مَعَهَا، أَوْ لا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ لا أَطَؤُكِ حَتَّى أَخْرُجَ مِنَ الْبَلَدِ إِذَا تَكَلَّفَهُ، أَوْ فِي هَذِهِ الدَّارِ إِذَا لَمْ يَحْسُنْ خُرُوجُهَا لَهُ، أَوْ إِنْ لَمْ أَطَأْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إِنْ وَطِئْتُكِ ونَوَى بِبَقِيَّةِ وَطْئِهِ الرَّجْعَةَ وإِنْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا. فِي تَعْجِيلِ الطَّلاقِ إِنْ حَلَفَ بِالثَّلاثِ، وهُوَ الأَحْسَنُ. قوله: (أَوْ فِي هَذِهِ الدَّارِ إِذَا لَمْ يَحْسُنْ خُرُوجُهَا لَهُ) أي: باعتبار حالهما معاً. أَوْ ضَرْبِ الأَجَلِ، قَوْلانِ فِيهَا، ولا يُمَكَّنُ مِنْهُ كَالظِّهَارِ، لا كَافِرٌ وإِنْ أَسْلَمَ، إِلا أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْنَا ولا: لأَهْجُرَنَّهَا، أَوْ: لا كَلَّمْتُهَا، أَوْ: لا وَطِئْتُهَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً. قوله: [56 / ب] (قَوْلانِ فِيهَا) هو كقول ابن رشد في سماع عيسى: في كونه (¬3) مولياً قولان، هما في " المدونة " (¬4). واجْتَهَدَ وطَلَّقَ فِي لأَعْزِلَنَّ. قوله: (واجْتَهَدَ وطَلَّقَ) مستأنف ومعطوف عليه منطبقان على المسائل الأربع بعدهما، ويجوز بناؤهما للنائب والفاعل، وهو الإمام. ¬
أَوْ لا أَبِيتَ (¬1) أَوْ تَرَكَ الْوَطْءَ ضَرَراً وإِنْ غَائِباً، أَوْ سَرْمَدَ الْعِبَادَةَ بِلا أَجَلٍ عَلَى الأَصَحِّ [41 / أ]، ولا إِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ بِيَمِينِهِ حُكْمٌ كَكُلِّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ، أَوْ خَصَّ بَلَداً قَبْلَ مِلْكِهِ مِنْهَا، أَوْ لا وَطِئْتُكِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، إِلا مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً، حَتَّى يَطَأَ وتَبْقَى الْمُدَّةُ، ولا إِنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ إِنْ وَطِئْتُكِ فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ الأَرْبَعَةِ. نَعَمْ إِنْ وَطِئَ صَامَهُ بَقِيَّتَهَا والأَجَلُ مِنَ الْيَمِينِ، إِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ لا إِنِ احْتَمَلَتْ مُدَّةُ يَمِينِهِ أَقَلَّ أَوْ حَلَفَ عَلَى حِنْثٍ فَمِنَ الرَّفْعِ والْحُكْمِ. قوله: (أَوْ لا أَبِيتَ) هذا هو الصواب بلا نون توكيد؛ لأنه جواب قسم منفي (¬2). وهَلِ الْمُظَاهِرُ إِنْ قَدَرَ عَلَى التَّكْفِيرِ وامْتَنَعَ كَالأَوَّلِ وعَلَيْهِ اخْتُصِرَتْ أَوْ كَالثَّانِي وهُوَ الأَرْجَحُ، أَوْ مِنْ تَبَيُّنِ الضَّرَرِ، وعَلَيْهِ تُؤُوِّلَتْ؟ أَقْوَالٌ. قوله: (أَوْ كَالثَّانِي وهُوَ الأَرْجَحُ) هذا كقوله في " التوضيح ": قال ابن يونس القول الثاني أحسن، ولعلّه في نسخة المصنف منه، وإلا فلم يوجد (¬3). كَالْعَبْدِ لا يُرِيدُ الْفَيْئَةَ، أَوْ يُمْنَعُ الصَّوْمَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ، وانْحَلَّ الإِيلاءُ بِزَوَالِ مِلْكِ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ، إِلا أَنْ يَعُودَ بِغَيْرِ إِرْثٍ. قوله: (كَالْعَبْدِ لا يُرِيدُ الْفَيْئَةَ، أَوْ يُمْنَعُ الصَّوْمَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ) أي: كالعبد المظاهر لا يريد الفيئة بالكفارة أو يمنعه سيّده الصوم لنقص العمل، وقد حصّل فيه (¬4) ابن حارث أولاً ثلاثة أقوال: الأول: لا يدخل عليه الإيلاء، وهو قول مالك في " الموطأ ". الثاني: أنه ¬
مولٍ وهو الذي روى محمد بن (¬1) القاسم عن مالك. الثالث: إن منعه سيّده الصوم فليس بمولٍ، وإن لم يرد الفيئة فهو مولٍ. انتهى. وعلى الأول درج ابن الحاجب (¬2) وتوجيهه في " المنتقى " (¬3) و " الاستذكار " (¬4)، وعلى الثاني مشى المصنف هنا ولا يصح حمل كلامه على الأول، فإذا تقرر أنه مولٍ فلا فرق بينه وبين الحر في جريان الأقوال الثلاثة في مبدأ ضرب الأجل، وفي كلام ابن عبد السلام تلويح بذلك، وإن كان لم يتنازل له بالذات، وقد ظهر من هذا [أن] (¬5) التشبيه في قوله: (كالعبد) أفادنا فائدتين إحداهما: أنه مول والأخرى جريان الأقوال الثلاثة في المبدأ وبالله تعالى التوفيق. كَالطَّلاقِ الْقَاصِرِ عَنِ الْغَايَةِ فِي الْمَحْلُوفِ بِهَا لا لَهَا. قوله: (كَالطَّلاقِ الْقَاصِرِ عَنِ الْغَايَةِ فِي الْمَحْلُوفِ بِهَا لا لَهَا) أي: لا عليها وهي المولى منها. ¬
وبِتَعْجِيلِ الْحِنْثِ، وبِتَكْ فِي رِ مَا يُكَفَّرُ وإِلا فَلَهَا ولِسَيِّدِهَا، إِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ وَطْؤُهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الأَجَلِ بِالْفَيْئَةِ وهِيَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْقُبُلِ، وافْتِضَاضُ الْبِكْرِ إِنْ حَلَّ، ولَوْ مَعَ جُنُونٍ، لا بِوَطْءٍ بَيْنَ فَخْذَيْنِ، وَحَنِثَ إِلا أَنْ يَنْوِيَ الْفَرْجُ، وطَلَّقَ إِنْ قَالَ لا أَطَأُ بِلا تَلَوُّمٍ، وإِلا اخْتُبِرَ مَرَّةً ومَرَّةً، وصُدِّقَ إِنِ ادَّعَاهُ، وإِلا أُمِرَ بِالطَّلاقِ، وإِلا طُلِّقَ عَلَيْهِ. قوله: (وبِتَعْجِيلِ الْحِنْثِ) هو كقوله في " المدونة " قال ابن القاسم وغيره: وإذا وقف المولي فعجل حنثه زال إيلاؤه، مثل أن يحلف أن لا يطأ بطلاق امرأة له أخرى أو بعتق عبد له بعينه، فإن طلّق المحلوف بها أو أعتق العبد أو حنث فيهما زال الإيلاء عنه (¬1). عياض: معناه طلاقاً باتاً أو آخر طلقة أي: بخلاف القاصر عن الغاية كما فوقه، وبه يظهر التداخل في كلام المصنف. ابن الحاجب: وتعجيل الحنث في المحلوف به بعد الوقوف وقبله ينحلّ به الإيلاء (¬2). وقال ابن رشد: ولا خلاف فيه إذ لا بقاء لليمين بعده. وفَيْئَةُ الْمَرِيضِ والْمَحْبُوسِ بِمَا يَنْحَلُّ بِهِ، وإِنْ لَمْ تَكُنْ يَمِينُهُ مِمَّا يُكَفَّرُ فِيهِ كَطَلاقٍ رَجْعِيَّةٌ فِيهَا أَوْ غَيْرِهَا (¬3)، وصَوْمٍ لَمْ يَأْتِ، وعِتْقِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَالْوَعْدُ، وبُعِثَ لِلْغَائِبِ، وإِنْ بِشَهْرَيْنِ، ولَهَا الْعَوْدُ إِنْ رَضِيتْ، وتَتِمُّ رَجْعَتُهُ إِنِ انْحَلَّ، وإِلا أُلْغِيَتْ. قوله: (وَفَيْئَةُ الْمَرِيضِ والْمَحْبُوسِ بِمَا يَنْحَلُّ بِهِ) أي: من زوال ملك وتعجيل حنث وتكفير. وإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ فِي: إِنْ وَطِئْتُ إِحْدَاكُمَا فَالأُخْرَى طَالِقٌ طَلَّقَ الْحَاكِمُ إِحْدَاهُمَا، وفِيهَا فِي مَنْ حَلَفَ بِاللهِ لا يَطَأُ واسْتَثْنَى أَنَّهُ مُولٍ، وحُمِلَتْ عَلَى مَا إِذَا رُوفِعَ ولَمْ تُصَدِّقْهُ، وأُورِدَ لَوْ كَفَّرَ عَنْهَا ولَمْ تُصَدِّقْهُ وفُرِّقَ بِشِدَّةِ الْمَالِ، وبِأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْحِلِّ. (وإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ فِي: إِنْ وَطِئْتُ إِحْدَاكُمَا فَالأُخْرَى طَالِقٌ طَلَّقَ الْحَاكِمُ إِحْدَاهُمَا) تبع في ¬
هذا ابن شاس وابن الحاجب (¬1). قال ابن عرفة: وقولهما مشكل إن أراد إيقاعه لامتناعه في مبهم، وإن أراد الحكم على الزوج به دون تعيين المطلّقة فكذلك، وإن أراد بعد تعيينه لها لا بالوطء فخلاف المشهور فيمن طلّق إحداهما غير ناوٍ تعيينها، وإن أراد بعد تعيينه لها بالوطء فخلاف الفرض لقولهما: وأبى الفيئة، والأظهر أنه مولٍ منهما لامتناعه من وطء كلّ واحدة منهما بيمين طلاق كقول ابن محرز فيمن قال: والله لا أطأ إحداهما، على القول بأنه مولٍ بنفس كلامه أنه مولٍ منهما جميعاً، ومن قامت منهما كان لها أن توقفه؛ لأنه ترك وطأها خوف انعقاد الإيلاء (¬2) عليه في الأخرى. انتهى. ونصّ ابن محرز: " من قال لامرأتين له: والله لا أطأ إحداكما سنة، ولا نية له في واحدة منهما بعينها فقد قيل: لا إيلاء عليه حتى يطأ إحداهما، فإذا وطئها كان من الأخرى مولياً، ويجيء على القول الآخر أنه مولٍ منهما جميعا من الآن ... ثم قال فيمن قامت .. إلى آخره. وقد سبق ابن عبد السلام لهذا الاستشكال فقال: فيها نظر؛ لأن القضاء يستدعي تعيين محل الحكم، إلا أن يريد ابن الحاجب أن القاضي يجبر الزوج هنا على طلاق أيتهما شاء، ولم يرد أن القاضي هو الذي يتولى إيقاع الطلاق فهذا صحيح؛ ولكنه بعيد من لفظه، ثم أورد بعد تسليم صحة المسألة: هل هو مولٍ من كلّ واحدة منهما [أو بواحدة منهما] (¬3) لا بعينها؟ وأجاب: أن الظاهر أنه مولٍ من كلٍ واحدة منهما أو أيتهما رفعته حكم لها بحكم الإيلاء؟ وإن رفعتاه جميعاً فكذلك قال: وقد ذكر بعض الشيوخ في نظيرة هذه المسألة قولين: هل يكون مولياً منهما [57 / أ] جميعاً (¬4) (¬5)؟ أو لا يكون مولياً إلا من إحداهما؟. انتهى. ¬
ومراده ببعض الشيوخ: ابن محرز، وفي " التوضيح ": ينبغي أن يُفهم على أن القاضي يجبره على طلاق واحدة أو يطلق واحدة بالقرعة، وإلا كان ترجيحاً بلا مرجّح. انتهى (¬1). فأما قول ابن عرفة: قولهما مشكل. إن أرادا إيقاعه لامتناعه (¬2) فمبهم (¬3) فهو نفس استشكال ابن عبد السلام، وأما قوله: وإن أرادا الحكم على الزوج به دون تعيين المطلقة فكذلك، وما بعده فهذا هو الذي قال فيه ابن عبد السلام: إنه صحيح، ولكنه بعيد من اللفظ، وأشار بقوله: (بخلاف المشهور) فيمن طلّق إحداهما غير ناوٍ، فتعيينها (¬4) إلى الخلاف الذي بين المصريين والمدنيين فيها، وأما قوله: (والأظهر أنه مولٍ منهما) فتأمل هل هو موافق لما انفصل به ابن عبد السلام عن الإيراد السابق أم هو خلاف له؟؛ لأن ابن عبد السلام إنما قاله بعد تسليم جواب ابن الحاجب ومن معه تسليماً جدلياً من باب إرخاء العنان، وابن عرفة استظهره بعد أن أراد السبر والتقسيم على الجواب المذكور، واستشكله من كلّ وجه. وأما ما وقع في بعض الطرر أن هذه المسألة في " الكافي " لابن عبد البر فليس بصحيح، بل نصّ ما وقفت عليه من نسختين من " الكافي ": (ولو حلف لكلّ واحدة منهما بطلاق الأخرى أن لا يطأها فهو بذلك مولٍ منهما، فإن رافعته واحدة منهما إلى الحاكم ضرب له فيها أجل الإيلاء من يوم رافعته، وإن رافعتاه جميعاً ضرب له فيهما أجل الإيلاء من يوم رافعتاه، ثم وقف عند انقضاء الأجل، فإن فاء (¬5) في واحدة منهما حنث في الأخرى، وإن لم يف في واحدة منهما طلقتا عليه جميعاً). انتهى (¬6). فمسألة " الكافي ": حلف لكلّ واحدة منهما بطلاق الأخرى أن لا يطأها، ومسألة ¬
المصنف قال لهما: إن وطئت إحداكما فالأخرى طالق، فهما مفترقتان في الصورة. نعم مسألة المصنف أصلها للغزالي في (الوجيز) ونصّ ما وقفت عليه فيه: (ولو قال إن وطأت إحداكما فالأخرى طالق وأبى الفيئة فللقاضي أن يطلّق إحداهما على الإبهام، ثم على الزوج أن يبين أو يعين، وقيل: لا يصحّ دعواهما مع الإبهام). انتهى. كأنه يعني أن يبين [ما نوى] (¬1) أو يعين بالنية من الآن، وقيل: لا يصحّ دعوى التبيين والتعيين مع الإبهام، فإن أراد هذا فاستعمال الدعوى في التبيين حقيقة وفي التعيين مجاز. والله سبحانه أعلم. ¬
باب الظهار
[باب الظهار] تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ مَنْ تَحِلُّ أَوْ جُزْأَهَا بِظَهْرِ مُحْرَمٍ أَوْ جُزْئِهِ ظِهَارٌ. وتَوَقَّفَ إِنْ تَعَلَّقَ بِكَمَشِيئَتِهَا، وهُوَ بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقَفْ، وبِمُحَقَّقٍ تَنَجَّزَ، وبِوَقْتٍ تَأَبَّدَ، أَوْ بِعَدَمِ زَوَاجٍ فَعِنْدَ الْيَأْسِ أَوِ الْعَزِيمَةِ، ولَمْ يَصِحَّ فِي الْمُعَلَّقِ تَقْدِيمُ كَفَّارَتِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ لُزُومِهِ، وصَحَّ مِنْ رَجْعِيَّةٍ ومُدَبَّرَةٍ، ومُحْرِمَةٍ، ومَجُوسِيٍّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، ورَتْقَاءَ لا مُكَاتِبَةٍ ولَوْ عَجَزَتْ عَلَى الأَصَحِّ، وفِي صِحَّتِهِ مِنْ كَمَجْبُوبٍ تَأْوِيلانِ. وصَرِيحُهُ بِظَهْرِ مُؤَبَّدٍ تَحْرِيمُهَا أَوْ عِضْوِهَا، أَوْ ظَهْرِ ذَكَرٍ، ولا يَنْصَرِفُ لِلطَّلاقِ. قوله: (أَوْ عِضْوِهَا، أَوْ ظَهْرِ ذَكَرٍ) لعلّ صوابه: لا عضوها أو كظهرٍ ذكر بالنفي، فإن جعل كل عضو من المؤبد تحريمها في الصراحة كالظهر خلاف المشهور (¬1)، ولا نعرف من ألحق ظهر الذكر بالصريح على القول بأنه ظهار. والله تعالى أعلم. وهَلْ يُؤْخَذُ بِالطَّلاقِ مَعَهُ إِذَا نَوَاهُ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ كَأَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ [41 / ب] أُمِّي، أَوْ كَأُمِّي؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (كَأَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ [أُمِّي أَوْ] (¬2) كَأُمِّي) تشبيه لمسألة بأخرى لا تمثيل للمسألة نفسها؛ ولذلك اغتفر فيه إدراج (كأمي)، وليس بصريح. وكِنَايَتُهُ كَأُمِّي، أَوْ أَنْتِ أُمِّي، إِلا لِقَصْدِ الْكَرَامَةِ، أَوْ كَظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ ونُوِيَ فِيهَا فِي الطَّلاقِ فالْبَتَاتُ كَأَنْتِ كَفُلانَةَ الأَجْنَبِيَّةِ، إِلا أَنْ يَنْوِيَهُ مُسْتَفْتٍ، أَوْ كَإِبْنِي، أَوْ غُلامِي، أَوْ كَكُلِّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ الْكِتَابُ. وَلَزِمَ بِأَيِّ كَلامٍ نَوَاهُ بِهِ. قوله: (فالْبَتَاتُ) جواب شرط مقدر مربوط بالفاء أي: فإن نوى الطلاق فهو البتات، ثم شبّه به مسائل اختار فيها القول بالبتات قائلاً: (كَأَنْتِ كَفُلانَةَ (¬3) ...) إلى آخره. لا بِإِنْ وَطِئْتُكِ وَطِئْتُ أُمِّي، أَوْ لا أَعُودُ لِمَسِّكِ حَتَّى أَمَسَّ أُمِّي، أَوْ لا أُرَاجِعُكِ حَتَّى أُرَاجِعَ أُمِّي فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ وتَعَدَّدَتِ الْكَفَّارَةُ إِنْ عَادَ ثُمَّ ظَاهَرَ، أَوْ قَالَ لأَرْبَعٍ مَنْ ¬
دَخَلَتْ، أَوْ كُلُّ مَنْ دَخَلَتْ، أَوْ أَيَّتُكُنَّ، لا إِنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ، أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ. أَوْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ، أَوْ كَرَّرَهُ، أَوْ عَلَّقَهُ بِمُتَّحِدٍ، إِلا أَنْ يَنْوِيَ كَفَّارَاتٍ فَتَلْزَمُهُ، ولَهُ الْمَسُّ بَعْدَ وَاحِدَةٍ عَلَى الأَرْجَحِ، وحَرُمَ قَبْلَهَا الاسْتِمْتَاعُ، وعَلَيْهَا مَنْعُهُ، ووَجَبَ إِنْ خَافَتْهُ رَفْعُهَا لِلْحَاكِمِ، وجَازَ كَوْنُهُ مَعَهَا، إِنْ أُمِنَ، وسَقَطَ إِنْ تَعَلَّقَ ولَمْ يَتَنَجَّزْ بِالطَّلاقِ الثَّلاثِ أَوْ تَأَخَّرَ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثاً، وأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَقَوْلِهِ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ، وأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، لا إِنْ تَقَدَّمَ أَوْ صَاحَبَ كَإِنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثاً، وأَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي، وإِنْ عُرِضَ عَلَيْهِ نِكَاحُ امْرَأَةٍ فَقَالَ هِيَ أُمِّي فَظِهَارٌ. قوله: (لا بِإِنْ وَطِئْتُكِ وَطِئْتُ أُمِّي، أَوْ لا أَعُودُ لِمَسِّكِ حَتَّى أَمَسَّ أُمِّي، أَوْ لا أُرَاجِعُكِ حَتَّى أُرَاجِعَ أُمِّي فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ) أما الأول فذكره ابن عبد السلام، وذكر ابن عرفة: أنه لم يجده لغيره. قال: وكونه ظهاراً أقرب من لغوه؛ لأنه إن كان معنى قوله: إن وطأتك وطأت أمي: لا أطأك حتى أطأ أمي فهو لغو، وإن كان معناه: وطئي إياك كوطئي أمي فهو ظهار، وهذا أقرب لقوله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 77] [ليس معناه: لا يسرق حتى يسرق أخ له من قبل،] (¬1) وإلا لما أنكر عليهم يوسف - عليه السلام -، بل معناه: سرقته كسرقة أخيه من قبل؛ ولذلك أنكر عليهم. وأما الثاني فهو في سماع يحيي قال ابن رشد: لأنه كمن قال: لا أمسّ أمي أبداً (¬2). وأما الثالث فذكره ابن يونس عن مالك. وتَجِبُ بِالْعَوْدِ، [ولا تُجْزِئُ قَبْلَهُ وتَتَحَتَّمُ بِالْوَطْءِ] (¬3) وهَلْ هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ، أَوْ مَعَ الإِمْسَاكِ؟ تَأْوِيلانِ وخِلافٌ. وسَقَطَتْ، إِنْ لَمْ يَطَأْ بِطَلاقِهَا ومَوْتِهَا، وهَلْ تُجْزِئُ إِنْ أَتَمَّهَا؟ تَأْوِيلانِ، وهِيَ إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ لا جَنِينٍ وعَتَقَ بَعْدَ وَضْعِهِ ومُنْقَطِعٍ خَبَرُهُ مُؤْمِنَةٍ، وفِي الْعَجَمِيِّ تَأْوِيلانِ. وفِي الْوَقْفِ حَتَّى يُسْلِمَ قَوْلانِ، سَلِيمَةٍ مِنْ قَطْعِ ¬
إِصْبَعٍ، وعَمًى، وبَكَمٍ، وجُنُونٍ وإِنْ قَلَّ، ومَرَضٍ أَشْرَفَ، وقَطْعُ أُذُنَيْنِ، وصَمَمٍ، وهَرَمٍ، وعَرَجٍ شَدِيدَيْنِ، وجُذَامٍ، وبَرَصٍ، وفَلَجٍ بِلا شَوْبِ عِوَضٍ، لا مُشْتَرًى لِلْعِتْقِ مُحَرَّرَةٍ لَهُ لا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وفِي إِنْ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، تَأْوِيلانِ. قوله: (وَتَجِبُ بِالْعَوْدِ، ولا تُجْزِئُ قَبْلَهُ وتَتَحَتَّمُ [57 / ب] بِالْوَطْءِ) كذا في النسخ التي وقفنا عليها بلا تكرار، ولا لبس. ولا عتق (¬1)، لا مُكَاتِبٍ، ومُدَبَّرٍ ونَحْوَهُمَا، أَوْ أَعْتَقَ نِصْفاً فَكُمِّلَ عَلَيْهِ، أَوْ أَعْتَقَهُ، أَوْ أَعْتَقَ ثَلاثاً عَنْ أَرْبَعٍ، ويُجْزِئُ أَعْوَرُ، ومَغْصُوبٌ، ومَرْهُونٌ، وجَانٍ، إِنِ افْتُدِيَا، ومَرَضٍ، وعَرَجٍ خَفِيفَيْنِ، وأَنْمُلَةٍ، وجَدْعٍ فِي أُذُنٍ وعِتْقُ الْغَيْرِ عَنْهُ ولَوْ لَمْ يَأْذَنْ، إِنْ عَادَ ورَضِيَهُ، وكُرِهَ الْخَصِيُّ، ونُدِبَ أَنْ يُصَلِّيَ ويَصُومَ، ثُمَّ لِمُعْسِرٍ عَنْهُ وَقْتَ الأَدَاءِ، لا قَادِرٍ وإِنْ بِمِلْكِ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ لِكَمَرَضٍ، أَوْ مَنْصِبٍ، أَوْ بِمِلْكِ رَقَبَةٍ فَقَطْ ظَاهَرَ مِنْهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ بِالْهِلالِ مَنْوِيَّ التَّتَابُعِ والْكَفَّارَةِ، وتُمِّمَ الأَوَّلُ إِنِ انْكَسَرَ مِنَ الثَّالِثِ، ولِلسَّيِّدِ الْمَنْعُ، إِنْ أَضَرَّ بِخِدْمَتِهِ ولَمْ يُؤَدِّ خَرَاجَهُ، وتَعَيَّنَ لِذِي الرِّقِّ، ولِمَنْ طُولِبَ بِالْفَيْئَةِ، وقَدِ الْتَزَمَ عِتْقَ مَنْ يَمْلُكُهُ لِعَشْرِ سِنِينَ، وإِنْ أَيْسَرَ فِيهِ تَمَادَى، إِلا أَنْ يُفْسِدَهُ. قوله: (ولا عتق) كذا هو بلا النافية وتنكير (عتق) وجرّه عطفاً على قوله: (بلا شوب عوض) (¬2). ونُدِبَ الْعِتْقُ فِي كَالْيَوْمَيْنِ، ولَوْ تَكَلَّفَهُ الْمُعْسِرُ جَازَ. وانْقَطَعَ تَتَابُعُهُ بِوَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا [42 / أ] أَوْ وَاحِدَةٍ مِمَّنْ فِيهِنَّ كَفَّارَةٌ وإِنْ لَيْلاً نَاسِياً، كَبُطْلانِ الإِطْعَامِ، وبِفِطْرِ السَّفَرِ، أَوْ بِمَرَضٍ هَاجَهُ، لا إِنْ لَمْ يَهِجْهُ كَحَيْضٍ، [وَنِفَاسٍ] (¬3)، وإِكْرَاهٍ، وظَنِّ غُرُوبٍ. قوله: (وظَنِّ غُرُوبٍ) فظن استصحاب الليل أحرى، وقد صرّح به في " المدونة " (¬4). ¬
وفِيهَا ونِسْيَانٍ، وبِالْعِيدِ إِنْ تَعَمَّدَهُ، لا جَهِلَهُ. وهَلْ إِنْ صَامَ الْعِيدَ وأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وإِلا اسْتَأْنَفَ، أَوْ يُفْطِرُهُنَّ. ويَبْنِي؟ تَأْوِيلانِ، وجَهْلُ رَمَضَانَ كَالْعِيدِ عَلَى الأَرْجَحِ، وبِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وشُهِّرَ أَيْضاً الْقَطْعُ بِالنِّسْيَانِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ بَعْدَ صَوْمِ أَرْبَعَةٍ عَنْ ظِهَارَيْنِ مَوْضِعَ يَوْمَيْنِ صَامَهُمَا وقَضَى شَهْرَيْنِ، وإِنْ لَمْ يَدْرِ اجْتِمَاعَهُمَا صَامَهُمَا و [قَضَى] (¬1) الأَرْبَعَةَ. قوله: (وفِيهَا ونِسْيَانٍ) إنما خصص النسيان بالعزو لـ " المدونة " (¬2) دون غيره مما ذكر معه مع أنه في " المدونة " أيضاً؛ لأن ابن رشد شهر في النسيان خلاف ما في " المدونة "؛ ولذلك قال بعد: (وشهر أيضاً القطع بالنسيان) وآخره ليركب عليه ما بعده حيث قال: (فإن لم يدر ...) إلى آخره، فكان هذا أحسن من أن لو قال: وفي القطع بالنسيان خلاف. ثُمَّ تَمْلِيكُ سِتِّينَ مِسْكِيناً أَحْرَاراً مُسْلِمِينَ لِكُلٍّ مُدٌّ وثُلُثَانِ بُرَّاً، وإِنِ اقْتَاتُوا تَمْراً أَوْ مُخْرَجاً فِي الْفِطْرِ فَعَدْلُهُ [شِبَاعاً] (¬3). قوله: (ثُمَّ تَمْلِيكُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) عدل عن الإطعام إلى التمليك؛ لئلا يفهم من الإطعام أنهم لابد أن يأكلوه. ولا أُحِبُّ الْغَدَاءَ ولا الْعَشَاءَ كَفِدْيَةِ الأَذَى، وهَلْ لا يَنْتَقِلُ إِلا إِنْ أَيِسَ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى الصِّيَامِ، أَوْ إِنْ شَكَّ؟ قَوْلانِ فِيهَا وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً عَلَى أَنَّ الأَوَّلَ قَدْ دَخَلَ فِي الْكَفَّارَةِ، وإِنْ أَطْعَمَ مِائَةً وعِشْرِينَ، فَكَالْيَمِينِ، ولِلْعَبْدِ إِخْرَاجُهُ إِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ. ¬
قوله: (كَفِدْيَةِ الأَذَى) يجب أن يرجع لقوله: (ولا أُحِبُّ الْغَدَاءَ ولا الْعَشَاءَ) كما في " المدونة " (¬1) ولا يصحُّ أن يكون أعمّ فيرجع لقدر المخرج مع عدم الاقتصار على الغداء والعشاء؛ لقوله في الحج: ([لكل] (¬2) مدّان). وفِيهَا أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَصُومَ، وإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الإِطْعَامِ، وهَلْ هُو وَهْمٌ لأَنَّهُ الْوَاجِبُ، أَوْ أَحَبُّ لِلْوُجُوبِ، أَوْ أَحَبُّ لِلسَّيِّدِ عَدَمُ الْمَنْعِ. قوله: (أَوْ أَحَبُّ لِلسَّيِّدِ عَدَمُ الْمَنْعِ) هذا هو الذي نسب في " التوضيح " لإسماعيل القاضي. أَوْ لِمَنْعِ السَّيِّدِ لَهُ الصَّوْمَ، أَوْ عَلَى الْعَاجِزِ حِينَئِذٍ فَقَطْ؟ تَأْوِيلاتٌ. قوله: (أَوْ لِمَنْعِ السَّيِّدِ لَهُ الصَّوْمَ) نسبه في " التوضيح " لعياض، ولابن عرفة في عزو تأويلات (¬3) المسألة تحرير وبحث، فعليك به. وفِيهَا إِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ فِي الْيَمِينِ أَجْزَأَهُ، وفِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ، ولا يُجْزِئُ تَشْرِيكُ كَفَّارَتَيْنِ فِي مِسْكِينٍ ولا تَرْكِيبُ صِنْفَيْنِ. قوله: (وَفِيهَا: إِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ فِي الْيَمِينِ أَجْزَأَهُ، وفِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ) ذكرها بإثر التي قبلها تبعاً للمدونة (¬4)، وكذا فعل ابن الحاجب (¬5) كالمستدل بها على صحة تأويل من حمل الأولى على ما إذا منعه من الصيام؛ لأنه لا يشكّ أن الشيء الذي في قلب الإمام من جهة (¬6) الإطعام إنما هو عدم صحة ملك العبد أو الشك في ذلك، قاله ابن عبد السلام، ¬
وزاد: قال محمد بن دينار: ليس على العبد المظاهر عتق ولا إطعام، ولو كان يجد ما يعتق ويطعم، ولكن يصوم. ولَوْ نَوَى لِكُلٍّ عَدَداً، أَوْ عَنِ الْجَمِيعِ كَمَّلَ، وسَقَطَ حَظُّ مَنْ مَاتَتْ، ولَوْ أَعْتَقَ ثَلاثاً عَنْ ثَلاثٍ مِنْ أَرْبَعٍ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً حَتَّى يُخْرِجَ الرَّابِعَةَ، وإِنْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ أَوْ طُلِّقَتْ. قوله: (وَلَوْ نَوَى لِكُلٍّ عَدَداً، أَوْ عَنِ الْجَمِيعِ كَمَّلَ، وسَقَطَ حَظُّ مَنْ مَاتَ) هذا استئناف مشتمل على صورتين خاصتين بالإطعام، وتصورهما (¬1) ظاهر. والله تعالى أعلم. ¬
باب اللعان
[باب اللعان] إِنَّمَا يُلاعِنُ زَوْجٌ وإِنْ فَسَدَ نِكَاحُهُ أَوْ فَسَقَا أَوْ رُقَّا، لا كَفَرَا إِنْ قَذَفَهَا بِزِنًى فِي نِكَاحِهِ، وإِلا حُدَّ تَيَقَّنَهُ أَعْمَى ورَآهُ غَيْرُهُ، وانْتَفَى بِهِ مَا وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وإِلا لَحِقَ بِهِ، إِلا أَنْ يَدَّعِيَ الاسْتِبْرَاءَ، وبِنَفْيِ حَمْلٍ وإِنْ مَاتَ أَوْ تَعَدَّدَ الْوَضْعُ أَوِ التَّوْأَمُ بِلِعَانٍ مُعَجَّلٍ كَالزِّنَا والْوَلَدِ إِنْ لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ وَضْعٍ أَوْ لِمُدَّةٍ لا يَلْحَقُ الْوَلَدُ لِقِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ أَوِ اسْتِبْرَاءٍ بِحَيْضَةٍ. قوله: (بِلِعَانٍ مُعَجَّلٍ) متعلق بمحذوف، أي: فينتفي الحمل بلعان معجّل: يدل عليه قوله: (بِنَفْيِ حَمْلٍ) وبه يصحّ المعنى. ولَوْ تَصَادَقَا عَلَى نَفْيِهِ إِلا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَو وهُوَ صَبِيٌّ حِينَ الْحَمْلِ أَوْ مَجْبُوبٌ، أَوِ ادَّعَتْهُ مَغْرِبِيَّةٌ عَلَى مَشْرِقِيٍّ، وفِي حَدِّهِ بِمُجَرَّدِ الْقَذْفِ، أَوْ لِعَانِهِ. خِلافٌ، وإِنْ لاعَنَ لِرُؤْيَةٍ وادَّعَى الْوَطْءَ قَبْلَهَا، وعَدَمِ الاسْتِبْرَاءِ. قوله: (ولَوْ تَصَادَقَا عَلَى نَفْيِهِ) يريد: فلابد من لعان الزوج وحده دون الزوجة، كذا قال ابن يونس وغيره. فَلِمَالِكٍ فِي إِلْزَامِهِ لَهُ وعَدَمِهِ ونَفْيِهِ أَقْوَالٌ. ابْنُ الْقَاسِمِ: ويُلْحَقُ إِنْ ظَهَرَ يَوْمَهَا، ولا يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى عَزْلٍ ولا مُشَابَهَةٍ لِغَيْرِهِ. قوله: (فَلِمَالِكٍ فِي إِلْزَامِهِ لَهُ وعَدَمِهِ ونَفْيِهِ أَقْوَالٌ) أي: فلمالك في إلزام الزوج بالولد وعدم إلزامه ونفي الولد ثلاثة أقوال، فهو كقول ابن الحاجب: " فألزمه (¬1) مرة، ولم يلزمه مرة، وقال بنفيه مرة " (¬2). وعلى ترتيبه. وإِنْ بِسَوَادٍ. قوله: (وإِنْ بِسَوَادٍ) هذا لقوله - عليه السلام -: " لعلّ عرقاً نزعه " ابن عبد السلام ففهم الأئمة من هذا الحديث أن الأشباه لا يعتمد عليها في اللعان، وأنها لا تصلح (¬3) مظنة في ذلك ولا علة، وأراد اللَّخْمِيّ أن يسلك بذلك مسلك التعليل، وزاد فألزم عكس العلّة فقال: ولو ¬
كان الأبوان أسودين قَدِما من الحبشة فولدت أبيض فانظر هل ينفيه بذلك؛ لأنه لا يظن أنه كان في آبائه أبيض، يعني أنه لا يمكن أن يقال ها هنا: " لعلّه نزعه عرق " (¬1). ابن عرفة: لا يلزم من نفي الظن نفي مطلق الاحتمال، وهو مدلول قوله - عليه السلام -: " لعله (¬2) نزعه عرق " وقول ابن عبد السلام إثر كلام اللَّخْمِيّ: المعنى لا يمكن أن يقال هنا: لعله نزعه عرق. واضح بطلانه ضرورة إمكانه. ولا وَطْءٍ بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ إِنْ أَنْزَلَ. قوله: (ولا وَطْءٍ بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ إِنْ أَنْزَلَ) في " النوادر " عن " المَوَّازِيِّة ": من أنكر حمل امرأته لكلّ وطء يمكن وصول المني منه للفرج لم ينفعه، وكذا في الدبر، فقد يخرج منه للفرج (¬3). ابن عرفة: ونحوه مفهوم قوله في كتاب: الاستبراء من " المدونة ": إن قال البائع (¬4): كنت أفخذ ولا أنزل وولدها ليس مني. لم يلزمه (¬5). اللَّخْمِيّ: إن أصاب بين الفخذين وشبهه لزمه الولد، ولا يلاعن ولا يحد؛ لأن نفيه لظنّه إلا أن يكون عن وطئه حملٌ. الباجي إثر ذكره ما في " المَوَّازِيِّة ": يتعذر وجود الولد من الوطء في غير الفرج، ولو صحّ ما حُدّت امرأة بحملها، [58 / أ] ولا زوج لها لجواز كونه من وطء في غير الفرج (¬6) انتهى. ابن عبد السلام: وكلام الباجي صحيح. ¬
ولا وَطْءٍ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ [42 / ب] إِنْ أَنْزَلَ قَبْلَهُ ولَمْ يَبُلْ، ولاعَنَ فِي [نَفْيِ] (¬1) الْحَمْلِ مُطْلَقاً، وفِي الرُّؤْيَةِ فِي الْعِدَّةِ وإِنْ مِنْ بَائِنٍ، وحُدَّ بَعْدَهَا كَاسْتِلْحَاقِ الْوَلَدِ، إِلا أَنْ تَزْنِيَ بَعْدَ اللِّعَانِ وتَسْمِيَةِ الزَّانِي بِهَا وأُعْلِمَ بِحَدِّهِ. قوله: (وَلا وَطْءٍ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ إِنْ أَنْزَلَ قَبْلَهُ ولَمْ يَبُلْ) كذا في " النوادر " عن " المَوَّازِيِّة ". لا إِنْ كَرَّرَ قَذْفَهَا بِهِ. قوله: (لا إِنْ كَرَّرَ قَذْفَهَا بِهِ) أي: لا إن كرر قذفها [به أي لا إن كرر قذفها] (¬2) بعد اللعان بما لاعنها به احترازاً مما إذا قذفها بأمر آخر وبما (¬3) هو أعمّ، وأبين منه قول ابن الحاجب: " ولو لاعنها ثم قذفها به لم يحدّ على الأصحّ " (¬4)، واقتصر هنا على قول ابن المواز، قال في " النوادر ": من قال لزوجته بعد أن لاعنها ما كذبت عليها وقذفها (¬5)، قال محمد: لا يحدّ؛ لأنه إنما لاعن لقذفه إياها (¬6)، وما سمعت فيها من أصحاب مالك شيئاً، وفي " المدونة " لربيعة يحدّ، ومثله في " الموازية " لابن شهاب. ابن عرفة: ويحتمل أن يكون قول محمد فيمن قذفها بما لاعنها به، وقول ابن شهاب وربيعة إذا لم يقيّد قذفه (¬7) بما لاعنها به، وقول ابن الحاجب ثم قذفها به لم يحدّ على الأصحّ (¬8)، لا أعرف مقابل الأصحّ لغير ربيعة وابن شهاب، واختيار التونسي، ولم يعزه اللَّخْمِيّ لغير ابن شهاب. انتهى وقال في " التوضيح ": " نقله عياض عن ابن نافع ". انتهى. ¬
قلت: إنما وجدته في " التنبيهات " منسوباً لربيعة وعبد الرحمن ابن القاسم بن محمد ونافع لا ابن نافع. فانظره. ووَرِثَ الْمُسْتَلْحِقُ الْمَيِّتَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وقَلَّ الْمَالُ، وإِنْ وَطِئَ أَوْ أَخَّرَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِوَضْعٍ أَوْ حَمْلٍ بِلا عُذْرٍ امْتَنَعَ، وشَهِدَ بِاللهِ أَرْبَعاً لَرَأَيْتُهَا تَزْنِي، أَوْ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي، ووَصَلَ خَامِسَةً بِلَعْنَةِ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. قوله: (ووَرِثَ الْمُسْتَلْحِقُ الْمَيِّتَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وقَلَّ الْمَالُ) الكلام عليه من وجوه: الأول: قال: إن كان له ولد، ولم يقل: إن كان له ابن تبعاً لقوله في " المدونة "، ومن نفى ولداً بلعان ثم ادعاه بعد أن مات الولد عن مال، فإن كان لولده ولد ضرب الحدّ ولحق به، وإن لم يترك ولداً لم يقبل قوله؛ لأنه [يتهم في ميراثه] (¬1)، ويحدّ ولا يرثه (¬2)، وقد قال ابن عرفة: ظاهره ولو كان الولد بنتاً، وذكر بعض المغاربة عن أحمد بن خالد أنه قال: إن كان بنتاً لم يرث معها، بخلاف إقرار المريض لصديقٍ ملاطف إن ترك بنتاً صحّ إقراره؛ لأنه ينقص قدر إرثها. الثاني: قيّد ولد المستلحق بأن يكون حراً مسلماً بحيث يزاحم الملاعن المستلحق في الميراث فتبعد التهمة، احترازاً من أن يكون عبداً أو كافراً، بحيث لا يزاحم المستلحق في الميراث فتقوى التهمة، على أنّي لم أقف على هذا القيد لغيره ممن يقتدى به، وهو خلاف ما نقل في " توضيحه " تبعاً لابن عبد السلام من قول أشهب، ولو كان الولد عبداً أو نصرانياً صُدّق ولحق به، وقول أبي اسحاق: لم يتهمه إذا كان له ولد وإن كان يرث معه السدس فكذلك العبد والنصراني وإن كانا لا يرثان، وهو أيضاً خلاف ما في " النوادر " من قول أصبغ، وإذا ترك ولداً أو ولد ولد وإن كان نصرانياً (¬3) صُدِّق، ولحق به، وحُدّ (¬4)، وإن لم ¬
يترك ولداً لم يلحق به، وحُدّ (¬1)، ولم يعرج ابن عرفة هنا على شيء من هذا بنفيٍ ولا إثبات. الثالث: قوله: (أو لم يكن وقلّ المال) ذكره أبو إبراهيم الأعرج الفاسي عن فضل (¬2)، ومن يد أبي إبراهيم أخذه ابن عرفة. الرابع: فهم من تفصيله (¬3) في الإرث دون الاستلحاق أن الولد لاحقٌ به على كلّ حال بناءً على أن استلحاق النسب ينفي كلّ تهمة، وكذا في " التقييد " وهي طريقة الفاسيين، ولهم نسبها ابن عرفة فقال: قال ابن حارث: اتفقوا فيمن لاعن ونفى الولد ثم مات الولد عن مال وولد فأقرّ الملاعن به: أنه يلحقه ويحدُّ، وأنّه إن لم يترك ولداً لم يلحقه، واختلفوا في الميراث: فقول ابن القاسم في " المدونة " يدل على وجوب الميراث وهو قوله: إن لم يترك ولداً لم يقبل قوله؛ لتهمته في الإرث، وإن ترك ولداً قُبِلَ قوله؛ لأنه نسب يلحق (¬4). وروى البرقي عن أشهب: أن الميراث قد ترك لمن ترك فلا يجب له ميراث، وإن ترك ولداً ثم قال، وما ذكره ابن حارث من الاتفاق على عدم استلحاقه إن كان الولد قد مات مثله لابن المواز وابن القاسم وأصبغ، وقال أبو إبراهيم وغيره من الفاسيين: إنما يتهم إن لم يكن له ولد في ميراثه فقط، وأما نسبه فثابت باعترافه (¬5). الخامس: قد قدمنا نصّ " المدونة " في حدّ من لاعن ثم استلحق الولد كما ذكره المصنف قبل، إذ قال: (كاستلحاق الولد) يعني حياً وميتاً، قال ابن عرفة: ظاهر " المدونة " مع غيرها أنه يحدّ باستلحاقه مطلقاً. وفي " النوادر " عن محمد: إن كان للرؤية فقط أو لها ولنفي الولد لم يحدّ، وإن كان لإنكار الولد [حدّ] (¬6)، ونقله الباجي ولم يتعقبه بشيء، وهو [58 / ب] عندي خلاف ظاهر " المدونة ". ¬
أَوْ إِنْ كُنْتُ كَذَبْتُهَا، وأَشَارَ الأَخْرَسُ أَوْ كَتَبَ. وشَهِدَتْ مَا رَآنِي أَزْنِي، أَوْ مَا زَنَيْتُ، أَوْ لَقَدْ كَذَبَ فِيهِمَا، وفِي الْخَامِسَةِ غَضَبُ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ. ووَجَبَ أَشْهَدُ، واللَّعْنُ والْغَضَبُ، وبِأَشْرَفِ الْبَلَدِ، وبِحُضُورِ جَمَاعَةٍ أَقَلُّهَا أَرْبَعَةٌ، ونُدِبَ إِثْرَ صَلاةٍ وتَخْوِيفُهُمَا، وخُصُوصاً عِنْدَ الْخَامِسَةِ، والْقَوْلُ بِأَنَّهَا مُوْجِبَةُ الْعَذَابِ، وفِي إِعَادَتِهَا إِنْ بَدَأَتْ خِلافٌ ولاعَنَتِ الذِّمِّيَّةُ بِكَنِيسَتِهَا ولَمْ تُجْبَرْ. قوله: (أَوْ إِنْ كُنْتُ كَذَبْتُهَا) أشار به لقول ابن محرز عن أصبغ: إن جَعل مكان: {إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:7] إن كنت كذّبتها، أو جعلت بدل {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:9] إنه لمن الكاذبين، أجزأ، زاد الباجي عنه: وأحب إلينا لفظ القرآن. فأشار إلى أن لفظ اللعان غير متعين، إلا أن لفظ القرآن أفضل، وظاهر قول ابن وهب تعيّنه بلفظ القرآن، كذا اختصره ابن عرفة. وإِنْ أَبَتْ أُدِّبَتْ ورُدَّتْ لِمِلَّتِهَا كَقَوْلِهِ وَجَدْتُهَا مَعَ رَجُلٍ فِي لِحَافٍ، وتَلاعَنَا، إِنْ رَمَاهَا بِغَصْبٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وأَنْكَرَتْهُ. قوله: (وإِنْ أَبَتْ أُدِّبَتْ ورُدَّتْ لِمِلَّتِهَا) أي: لحكام أهل ملّتها، وهو كقول (¬1) ابن شاس: وإن أبت فهما على الزوجية، وتردّ إلى أهل دينها بعد العقوبة، لأجل خيانة زوجها في فراشه، وإدخالها الإلتباس في نسبه. انتهى (¬2). والعامل في قوله: لأجل خيانة زوجها هو العقوبة، وكذا روى مطرّف عن مالك: أنها تردّ في النكول في هذا إلى أهل دينها، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ نقله في " النوادر " عن " الواضحة ". قال عبد الحقّ في " النكت ": " ذكر في الكتاب أن الكتابية تلاعن في كنيستها، وهي لو أقرّت أو نكلت عن اللعان لم تحدّ، والصغيرة قال [لا] (¬3) تلاعن؛ إذ لو أقرّت أو نكلت لم تحدّ، فلعلّ الفرق بينهما أن النصرانية قد يتعلّق عليها بإقرارها أو نكولها حدّ عند أهل ملّتها؛ لأنها مردودة إليهم، والصغيرة لا يتعلّق عليها شيء البتة فافترقتا لهذا ". انتهى بنصّه. ¬
أَوْ صَدَّقَتْهُ ولَمْ يَثْبُتْ، ولَمْ يَظْهَرْ، وتَقُولُ مَا زَنَيْتُ، ولَقَدْ غُلِبْتُ، وإِلا الْتَعَنَ فَقَطْ كَصَغِيرَةٍ تُوطَأُ، وإِنْ شَهِدَ مَعَ ثَلاثَةٍ الْتَعَنَ، ثُمَّ الْتَعَنَتْ، وحُدَّ الثَّلاثَةُ لا إِنْ نَكَلَتْ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِزَوْجِيَّتِهِ حَتَّى رُجِمَتْ، وإِنِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ ثُمَّ ولِدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَكَالأَمَةِ، ولأَقَلَّ، فَكَالزَّوْجَةِ وحُكْمُهُ رَفْعُ الْحَدِّ والأَدَبُ فِي الأَمَةِ والذِّمِّيَّةِ، وإِيجَابُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ، إِنْ لَمْ تُلاعِنْ. وقَطْعُ نَسَبِهِ، وبِالْتِعَانِهِمَا تَأْبِيدُ حُرْمَتِهِمَا، وإِنْ مُلِكَتْ أَوِ انْفَشَّ حَمْلُهَا. قوله: (أَوْ صَدَّقَتْهُ ولَمْ يَثْبُتْ، ولَمْ يَظْهَرْ) عبّر ابن شاس وغيره بالثبوت، وعبّر ابن الحاجب بالظهور وكأنه أعمّ (¬1)، وقد جمع المصنف بينهما. ولَوْ عَادَ إِلَيْهِ قُبِلَ كَالْمَرْأَةِ عَلَى الأَظْهَرِ، وإِنِ اسْتَلْحَقَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ لَحِقَا. قوله: (ولَوْ عَادَ إِلَيْهِ قُبِلَ كَالْمَرْأَةِ عَلَى الأَظْهَرِ) تصوره ظاهر: فأما المرأة ففيها القولان بين القرويين، ويأتي توجيههما، وأما الرجل ففيه لمن بعدهم ثلاث (¬2) طرق: الأولى: أنه مختلف فيه كالمرأة، وهو الذي أخذه ابن عرفة من كلام ابن يونس. الثانية: أنّ رجوعه متفق على قبوله، وبه قطع ابن شاس وابن الحاجب (¬3) والمصنف هنا، ووجّهه في " التوضيح " بأن الزوج مدعي والزوجة مدعى عليها فإذا نكل الزوج فكأنه صفح عنها، وأيضاً فإنه ما انحصر أمده بل له أن يقيم البينة، وأما هي فإنها مدعىً عليها فإذا نكلت فقد صدقته، وأيضاً فقد انحصر أمرها فيه. الثالثة: أن رجوعه غير مقبول في ظاهر المذهب مع التردد في جريان الخلاف فيه، وهو مقتضى كلام ابن رشد في " المقدمات " فإنه بعدما حكى الخلاف في رجوع المرأة وصحح ¬
القبول كما لوّح له المصنف بالأظهر قال ما نصّه: " وانظر هل يدخل هذا الاختلاف في الزوج إذا نكل عن اللعان ثم أراد أن يرجع إليه؟ فقد قيل: إنه يدخل في ذلك، والصحيح أنه لا يدخل فيه، والفرق بين المرأة والرجل في ذلك أن نكول المرأة عن اللعان كالإقرار منها على نفسها بالزنا، ولها أن ترجع عن الإقرار به، ونكول الرجل عن اللعان كالإقرار منه على نفسه بالقذف، وليس له أن يرجع عن الإقرار به " (¬1). انتهى. ومنه يظهر لك أن ما حكي عنه في " التوضيح " من تصحيح القول بقبول رجوع الرجل وهم، كما أن نقل كلام ابن رشد هذا بواسطة المَتِّيْطِي كما فعل ابن عرفة والمصنف في " التوضيح " قصور، ولو أراد المصنف أن يسلك طريقة ابن رشد في الزوجين معاً لكان يقول مثلاً: ولو عاد إليه لم يقبل لا المرأة على الأظهر فيهما (¬2). تكميل: قال ابن عرفة: وفي " تهذيب " عبد الحقّ ما حاصله: لو نكلت المرأة عن اللعان فقال أبو بكر ابن عبد الرحمن وأبو عليّ بن خلدون بقبول رجوعها إليه، محتجين بالقياس على قبول رجوعها عن إقرارها بالزنى، وقال ابن الكاتب وأبو عمران: بعدم قبول رجوعها، محتجّين بالقياس على عدم قبول رجوع من سلم أعذار بينة بحقّ عليه؛ لأن لعان الزوج كبينة عليها، ولعانها قدح فيها، وبالقياس على عدم قبول رجوع من نكل عن يمين إلى الحلف بها وردَّ (¬3) قياس أبي بكر الأول بالفرق بأن الحقّ في الزنا لله فقط، واللعان فيه حقّ للزوج، وهو بقاء عصمته إن كانت أمة أو غير محصنة، وبأن الإقرار بالزنا إقرار بما لم يثبت إلا به، وباللعان إقرار بما ثبت بزائدٍ عليه وهو أيمان الزوج، هذا حاصل استدلاله في نحو سبعة أوراق. ¬
وقال الباجي: عندي أن في " المَوَّازِيِّة " عن ابن القاسم مثل قول أبي بكر، ولسحنون في " العُتْبِيَّة " مثل قول ابن الكاتب (¬1) [59 / أ]، وعزا عبد الحميد الصائغ قول أبي بكر لأبي محمد اللوبي (¬2) وغيره قال: وما قاله ابن الكاتب له وجه لتعلّق حقّ الزوج، لكن لعلّه أراد أنها لا ترجع إلى اللعان، بمعنى أنها تبقى زوجة على القول أنها تقع الفرقة بلعانهما معاً إذ يتعلّق بنكولها ورجوعها [حقّ لله تعالى وحقّ للزوج، [كما لو] (¬3) أقرّ بسرقة مال رجل يجب به قطعه ثم رجع، فيسقط] (¬4) حقّ الله تعالى في قطعه لا حقّ الآدمي في المال. وإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةٌ فَبَطْنَانِ، إِلا أَنَّهُ قَالَ إِنْ أَقَرَّ بِالثَّانِي، وقَالَ لَمْ أَطَأْ بَعْدَ الأَوَّلِ سُئِلَ النِّسَاءُ، فَإِنْ قُلْنَ إِنَّهُ قَدْ يَتَأَخَّرُ هَكَذَا لَمْ يُحَدَّ. قوله: (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةٌ فَبَطْنَانِ، إِلا أَنَّهُ قَالَ إِنْ أَقَرَّ بِالثَّانِي، وقَالَ لَمْ أَطَأْ بَعْدَ الأَوَّلِ سُئِلَ النِّسَاءُ، فَإِنْ قُلْنَ إِنَّهُ قَدْ يَتَأَخَّرُ هَكَذَا لَمْ يُحَدَّ) كذا جاء ابن الحاجب بهذا الاستثناء (¬5)، على سبيل الاستشكال، ونص " المدونة " على اختصار أبي سعيد: فإن وضعت الثاني لستة أشهر فأكثر فهما بطنان، فإن أقرّ بالأول ونفى الثاني، فقال: لم أطأها بعد ولادتها الأول لاعن ونفى الثاني؛ إذ هما بطنان (¬6). فسكت ابن الحاجب والمصنف عن هذا الفرع لجريانه على أصل كونهما بطنين، ثم جاء في " المدونة " بالفرع المستشكل فقال: " وإن قال لم أجامعها بعد ما ولدت الأول وهذا الثاني ولدي فإنه يلزمه؛ لأن الولد للفراش ويسأل النساء، فإن قلن: إن الحمل يتأخر هكذا لم يحدّ وكان بطناً واحداً، وإن قلن لا يتأخر حدّ ولحق به، بخلاف الذي يتزوج امرأة فلم يبن بها حتى أتت بولد لستة أشهر ¬
من يوم تزوجت، فأقرّ به الزوج وقال: لم أطأها منذ تزوجتها، هذا يحد ويلحق به الولد (¬1). وقد أشار في " التقييد " لهذا الاستشكال ثم انفصل عنه أحسن الانفصال فقال: جزم أولاً بجعلهما بطنين ثم قال: يسأل النساء، وما ذاك إلا لأجل حدّ الزوج حدّ القذف؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، ثم قال: واختصرها اللَّخْمِيّ وإن أقرّ بهما جميعاً وقال: لم أجامعها بعدما ولدت سئل النساء، فالنزاع إنما هو في الثاني يدلّ عليه النظير (¬2) إذ كأنه نفاه وأثبته. انتهى. وإليه يرجع ما عند ابن عرفة فإنه قال: إنما لم يحدّ إذا قال النساء يتأخر لعدم نفيه إياه بقوله: لم أطأها بعد وضع الأول؛ لجواز كونه بالوطء الذي كان عنه الأول عملاً بقولهن يتأخر وحدَّ إذا قلن لا يتأخر لنفيه إياه بقوله: لم أطأها بعد وضع الأول منضماً (¬3) لقولهن لا يتأخر، فامتنع كونه عن الوطء الذي كان عنه الأول مع قوله: لم أطأ (¬4) بعده، وإقراره به مع ذلك فآل أمره لنفيه وإقراره به، فوجب لحوقه به وحده. انتهى. وأما ابن عبد السلام فحمله على أنه إنما أقر بالثاني بعد أن نفى الأول ولاعن فيه، وقرر الاستشكال بأنه إذا كان يتأخر كان كما لو ولدا في وقتٍ واحد أو كان (¬5) بينهما أقل من ستة أشهر، وقد قال في هاتين الصورتين: إن أقرّ بأحدهما ونفى الآخر حدّ ولحقا به، فكذا يجب الحكم فيما شاركهما في المعنى، فقبله في " التوضيح "، وعبّر عن الاستشكال بأن النساء إذا قلن: يتأخر هكذا، كان حكم الجميع حكم الحمل الواحد، فكان ينبغي أن يحدّ لتكذيبه نفسه في نفي الأول، وكأنه إنما أسقط الحدّ؛ لأن قول النساء لا يحصل به القطع فكان ذلك شبهة تسقط الحد، ويردّ على هذا أنه لو كان كذلك لزم أيضاً سقوط الحدّ إذا ¬
قلن إنه لا يتأخر؛ لأن قولهن لا يُحصِّل (¬1) القطع، وقد نصّ في " المدونة " على وجوب الحدّ في ذلك، ولم يقبله ابن عرفة، واعترضه بما يتأمل في كتابه، وجعل قوله بعد أن نفى الأول ولاعن فيه تحريفاً لمسألة " المدونة " بنقيض ما هي عليه مع وضوحها وشهرتها. قال: وقد يكون موجب ما قاله ابن عبد السلام اعتقاده أن لا موجب لما زعمه من استشكال ابن الحاجب غير ما ذكره، وليس كذلك لإمكان تقرير استشكاله بأن يقال: قوله في " المدونة " في وضعها الثاني لستة أشهر هما بطنان إن أقرّ بالأول ونفى الثاني وقال: لم أطأها بعد وضع الأول لاعن للثاني، ولم يقل يسأل النساء منافٍ لقوله في الثانية: يُسألن؛ لأن وضع الثاني للستة إن لم يستقل في دلالته مع قوله: لم أطأها بعد وضع الأول على قطعه عن الأول دون سؤالهن كما في الأولى لزم في الثانية فيحدّ، وإلا سُئلن في الأولى، فإن قُلن يتأخر حُدّ كما لو وضعتهما لأقلّ من ستة [59 / ب] أشهر، ويجاب باستقلاله حيث لا يعارض أصلاً، ولا يستقل حيث يعارضه، وهو في الثانية يعارض أصل درء الحدود بالشبهات بخلاف الأولى). انتهى. وهو راجع لاستشكال صاحب " التقييد " وانفصاله، وقوله: على قطعه متعلّق بدلالته، ثم قال: وقوله في " المدونة ": بخلاف الذي يتزوج المرأة فلم يبن بها ... إلى آخره، معناه أنه في هذه يحدّ من غير سؤال النساء عن التأخر، ووجهه واضح إذا لم يتقدّم للزوج فيها وطء، بحيث يحتمل كون الولد الذي أقرّ به منه، فاتضح منه في الولد نفيه وإقراره به، ومسألة الولدين تقدّم فيها من الزوج وطء هو الذي كان عنه الأول فعرض احتمال كون الولد الثاني منه إن صحّ تأخر الوضع ستة أشهر فلم (¬2) يكن قوله: ما وطأتها. بعد وضع الأول نفياً له، فيحدّ بإقراره به، فوجه المخالفة بين الفرعين بيّن، خلافاً لابن عبد السلام. ¬
باب العدة
[باب العدة] تَعْتَدُّ حُرَّةٌ، وإِنْ كِتَابِيَّةً أَطَاقَتِ الْوَطْءَ بِخَلْوَةٍ وبَالِغٍ غَيْرِ مَجْبُوبٍ أَمْكَنَ شَغْلُهَا مِنْهُ وإِنْ نَفَيَاهُ، وأُخِذَا بِإِقْرَارِهِمَا لا بِغَيْرِهَا. قوله: (وأُخِذَا بِإِقْرَارِهِمَا) تفريع على ما إذا نفيا الوطء في الخلوة الحاصلة، فيسقط حقّها من النفقة والسكنى وتكميل الصداق لإقرارها بنفي الوطءِ، ويسقط حقّه من الرجعة لذلك. إِلا أَنْ تُقِرَّ بِهِ أَوْ يَظْهَرَ حَمْلٌ، ولَمْ يَنْفِهِ بِثَلاثَةِ أَقْرَاءٍ أَطْهَارٍ، وذِاتِ الرِّقِّ قِرْءَانِ والْجَمِيعُ لِلاسْتِبْرَاءِ، لا الأَوَّلُ فَقَطْ عَلَى الأَرْجَحِ، ولَوِ اعْتَادَتْهُ فِي كَالسَّنَةِ أَوْ أَرْضَعَتْ، أَوِ اسْتُحِيضَتْ ومَيَّزَتْ، ولِلزَّوْجِ انْتِزَاعُ وَلَدِ الْمُرْضِعِ فِرَاراً مِنْ أَنْ تَرِثَهُ أَوْ لِيَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ رَابِعَةً، إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْوَلَدِ وإِنْ لَمْ تُمَيِّزْ أَوْ تَأَخَّرَ بِلا سَبَبٍ [43 / أ]، أَوْ مَرِضَتْ تَرَبَّصَتْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلاثَةٍ. كَعِدَّةِ مَنْ لَمْ تَرَ الْحَيْضَ والآيسَةِ ولَوْ بِرِقٍّ، وتُمِّمَ مِنَ الرَّابِعِ فِي الْكَسْرِ، لَغَا يَوْمُ الطَّلاقِ، وإِنْ حَاضَتْ فِي السَّنَةِ انْتَظَرَتِ الثَّانِيَةِ والثَّالِثَةِ، ثُمَّ إِنِ احْتَاجَتْ لِعِدَّةٍ، فَالثَّلاثَةِ. قوله: (إِلا أَنْ تُقِرَّ بِهِ) ليس بمكرر مع قوله: (وأُخِذَا بِإِقْرَارِهِمَا)؛ لأن هذا في غير الخلوة وذلك في الخلوة. ووَجَبَ إِنْ وُطِئَتْ بِزِناً أَوْ شُبْهَةٍ، ولا يَطَأُ الزَّوْجُ، ولا يَعْقِدُ، أَوْ غَابَ غَاصِبٌ أَوْ سَابٍ أَوْ مُشْتَرٍ ولا يُرْجَعُ لَهَا قَدْرُهَا. قوله: (ووَجَبَ إِنْ وُطِئَتْ بِزِناً أَوْ شُبْهَةٍ، ولا يَطَأُ الزَّوْجُ، ولا يَعْقِدُ، أَوْ غَابَ غَاصِبٌ أَوْ سَابٍ أَوْ مُشْتَرٍ ولا يُرْجَعُ لَهَا قَدْرُهَا) أي: ووجب قدر العدة على اختلاف أنواعها على الحرة إن وطئت بزنىً، فالضمير في وطئت للحرة المتقدمة في قوله: (تعتدّ حرة)، فهو في قوة قول ابن الحاجب: ويجب على الحرة عدة المطلّقة ... إلى آخره (¬1). وأما الأمة فتأتي في فصل الاستبراء. ويندرج في الشبهة الغلط والنكاح الفاسد، ويندرج في قوله: لا يعقد العقد على الأجنبية والعقد على الزوجة التي فسخ نكاحه إياها، إذا استعمل لفظ الزوج في حقيقته ¬
ومجازه، ويندرج في قوله: (أو مشتر)، مشتري الحرة جهلاً وفسقاً، [والضمير] (¬1) في (لها) يعود على المرأة (¬2) إن كان مفرداً، وإن كان مثنى فعلى المرأة والذي غاب عليها. وفِي إِمْضَاءِ الْوَلِيِّ أو فَسْخِهِ تَرَدُّدٌ. واعْتَدَّتْ بِطُهْرِ الطَّلاقِ، وإِنْ لَحْظَةً فَتَحِلُّ بِأَوَّلِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، إِنْ طُلِّقَتْ لَكَحَيْضٍ. وَهَلْ يَنْبَغِي أَنْ لا تُعَجِّلَ بِرُؤْيَتِهِ؟ تَأْوِيلانِ. ورُوجِعَ النِّسَاءُ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ هُنَا هَلْ هُوَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ؟ وفِي أَنَّ الْمَقْطُوعَ ذَكَرُهُ أَوْ أُنْثَيَاهُ يُولَدُ لَهُ فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ. أَوْ لا؟ ومَا تَرَاهُ الآيسَةُ، هَلْ هُوَ حَيْضٌ لِلنِّسَاءِ بِخِلافِ الصَّغِيرَةِ إِنْ أَمْكَنَ حَيْضُهَا، وانْتَقَلَتْ لِلإِقْرَاءِ والطُّهْرِ كَالْعِبَادَةِ، وإِنْ أَتَتْ بَعْدَهَا بِوَلَدٍ لِدُونِ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ لَحِقَ بِهِ، إِلا أَنْ يَنْفِيهُ بِلِعَانٍ، وتَرَبَّصَتْ إِنِ ارْتَابَتْ بِهِ، وهَلْ خَمْساً أَوْ أَرْبَعاً؟ خِلافٌ. وفِيهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الْخَمْسِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَوَلَدَتْ لِخَمْسَةٍ لَمْ يُلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وحُدَّتْ واسْتُشْكِلَتْ، وعِدَّةُ الْحَامِلِ فِي طَلاقٍ أَوْ وَفَاةٍ وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ، وإِنْ دَماً اجْتَمَعَ، وإِلا فَكَالْمُطَلَّقَةِ إِنْ فَسَدَ كَالذِّمِّيَّةِ تَحْتَ ذِمِّيٍّ، وإِلا فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وعَشْرٌ، وإِنْ رَجْعِيَّةً إِنْ تَمَّتْ قَبْلَ زَمَنِ حَيْضَتِهَا، وقَالَ النِّسَاءُ لا رَيْبَةَ بِهَا، وإِلا انْتَظَرَتْهَا إِنْ دَخَلَ بِهَا وتَنَصَّفَتْ بِالرِّقِّ، وإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلاثَةُ أَشْهُرٍ، إِلا أَنْ تَرْتَابَ فَتِسْعَةٌ، ولِمَنْ وَضَعَتْ غُسْلُ زَوْجِهَا، ولَوْ تَزَوَّجَتْ ولا يَنْقُلُ الْعِتْقُ لِعِدَّةِ الْحُرَّةِ ولا مَوْتُ زَوْجِ ذِمِّيَّةٍ أَسْلَمَتْ، وإِنْ أَقَرَّ بِطَلاقٍ مُتَقَدِّمٍ اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ مِنْ إِقْرَارِهِ ولَمْ يَرِثْهَا إِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عَلَى دَعْوَاهُ ووَرِثَتْهُ فِيهَا، إِلا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِهِ، ولا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَتِ الْمُطَلَّقَةِ، ويَغْرَمُ مَا تَسَلَّفَتْ، بِخِلافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا والْوَارِثِ، وإِنِ اشْتُرِيَتْ مُعْتَدَّةُ طَلاقٍ فَارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا حَلَّتْ إِنْ مَضَتْ سَنَةٌ لِلطَّلاقِ وثَلاثَةٌ لِلشِّرَاءِ أَوْ مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَفَاةٍ، فَأَقْصَى الأَجَلَيْنِ، وتَرَكَتِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَقَطْ، وإِنْ صَغُرَتْ ولَوْ كِتَابِيَّةً ومَفْقُوداً زَوْجُهَا التَّزَيُّنَ بِالْمَصْبُوغِ ولَوْ أَدْكَنَ، إِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ، إِلا الأَسْوَدَ والتَّحَلِّيَ، والتَّطَيُّبَ، وعَمَلَهُ والتَّجْرُ فِيهِ. قوله: (وفِي إِمْضَاءِ الْوَلِيِّ أو فَسْخِهِ تَرَدُّدٌ) أي إن التردد في إيجاب الاستبراء سواءً اختار الولي الإمضاء أو الفسخ، [وبهذا] (¬3) شرح في " التوضيح " قول ابن الحاجب: وفي ¬
أحكام زوجة المفقود
إيجاب ذلك في إمضاء الولي وفسخه قولان (¬1)، وإن كان في " المدونة " إنما فرّع ذلك على الفسخ فقط، وعبارة المصنف في غاية الحسن. والدَّهْنَ فَلا تَمْتَشِطْ بِحِنَّاءٍ أَوْ كَتَمٍ بِخِلافِ نَحْوِ الزَّيْتِ والسِّدْرِ، واسْتِحْدَادِهَا ولا تَدْخُلُ الْحَمَّامَ [43 / ب] وَلا تَطْلِي جَسَدَهَا ولا تَكْتَحِلْ، إِلا لِضَرُورَةٍ وإِنْ بِطِيبٍ، وتَمْسَحُهُ نَهَاراً. قوله: (والدَّهْنَ) كذا في النسخ التي وقفنا عليها الدهن، لا التزين؛ فلا تكرار. [أحكام زوجة المفقود] ولِزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي، والْوَالِي، ووَالِي الْمَاءِ، وإِلا فَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَيُؤَجَّلُ [الْحُرُّ] (¬2) أَرْبَعَ سِنِينَ، إِنْ دَامَتْ نَفَقَتُهَا، والْعَبْدُ نِصْفَهَا مِنَ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ كَالْوَفَاةِ وسَقَطَتْ بِهَا النَّفَقَةِ. ولا تَحْتَاجُ فِيهَا لإِذْنٍ، ولَيْسَ لَهَا الْبَقَاءُ بَعْدَهَا، وقُدِّرَ طَلاقٌ يَتَحَقَّقُ بِدُخُولِ الثَّانِي فَتَحِلُّ لِلأَوَّلِ إِنْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، فَإِنْ جَاءَ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيٌّ أَوْ مَاتَ فَكَالْوَلِيَّيْنِ، ووَرِثَتِ الأَوَّلَ إِنْ قُضِيَ لَهُ بِهَا، ولَوْ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي فِي عِدَّةِ [وَفَاةٍ] (¬3) فَكَغَيْرِهِ، وأَمَّا إِنْ نُعِيَ لَهَا، أَوْ قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ مُدَّعِياً غَائِبَةً فَطُلِّقَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَثْبَتَهُ، وذُو ثَلاثٍ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ، والْمُطَلَّقَةُ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ إِسْقَاطُهَا، وذَاتُ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ فِي عِدَّتِهَا فَيُفْسَخُ أَوْ تَزَوَّجَتْ بِدَعْوَاهَا الْمَوْتَ أَوْ بِشَهَادَةِ غَيْرِ عَدْلَيْنِ فَيُفْسَخُ، ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الصِّحَّةِ، فَلا تَفُوتُ بِدُخُولٍ، والضَّرْبُ لِوَاحِدَةٍ ضَرْبٌ لِبَقِيَّتِهِنَّ. وإِنْ أَبَيْنَ، وبَقِيَتْ أُمُّ وَلَدِهِ، ومَالُهُ، وزَوْجَةُ الأَسِيرِ ومَفْقُودِ أَرْضِ الشِّرْكِ لِلتَّعْمِيرِ، وهُوَ سَبْعُونَ، واخْتَارَ الشَّيْخَانِ ثَمَانِينَ، وحُكِمَ بِخَمْسٍ وسَبْعِينَ، وإِنِ اخْتَلَفَتِ الشُّهُودُ فِي سِنِّهِ فَالأَقَلُّ، وتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى التَّقْدِيرِ، وحَلَفَ الْوَارِثُ حِينَئِذٍ. وإِنْ تَنَصَّرَ أَسِيرٌ فَعَلَى الطَّوْعِ، واعْتَدَّتْ فِي مَفْقُودِ الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ. وهَلْ يُتَلَوَّمُ ويُجْتَهَدُ؟ تَفْسِيرَانِ. ووُرِثَ مَالُهُ حِينَئِذٍ كَالْمُنْتَجِعِ لِبَلَدِ الطَّاعُونِ، أَوْ فِي زَمَنِهِ. قوله: (وهَلْ يُتَلَوَّمُ ويُجْتَهَدُ؟ تَفْسِيرَانِ) لما ذكر ابن الحاجب أن زوجة المفقود في ¬
المعترك بين المسلمين تعتد بعد انفصال الصفيّن، قال: وروي بعد التلوم والاجتهاد (¬1). قال في " التوضيح ": جعله ابن الحاجب خلافاً للأول، وجعله غيره تفسيراً له ومثله لابن عبد السلام، إلا أنه استقرب التفسير، فإلى هذين القولين أشار هنا. وفِي الْفَقْدِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ والْكُفَّارِ بَعْدَ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ، ولْمُعْتَدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ والْمَحْبُوسَةِ بِسَبَبِهِ فِي حَيَاتِهِ السُّكْنَى، ولِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا إِنْ دَخَلَ بِهَا، والْمَسْكَنُ لَهُ أَوْ نَقَدَ كِرَاءَهُ، لا بِلا نَقْدٍ، وهَلْ مُطْلَقاً؟ أَوْ إِلا الْوَجِيبَةَ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وفِي الْفَقْدِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ والْكُفَّارِ بَعْدَ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ) هكذا هو في كثيرٍ من النسخ بظرفين مضافين لما بعدهما وهو الصواب، فالظرف الأول متعلّق بمحذوف، والثاني في موضع الصفة لسنة، والتقدير: تعتد بعد سنة كائنة بعد النظر، أشار به لقول المَتِّيْطِي فيمن فقد في حرب العدو، وروى أشهب وابن نافع عن مالك: أنه يضرب لامرأته أجل سنة من وقت النظر لها، ثم يورث عند انقضائها، وتنكح زوجته (¬2) بعد العدة. ولا إِنْ لَمْ يَدْخُلْ، إِلا أَنْ يُسْكِنَهَا، لا لِيَكْفُلَهَا، وسَكَنَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْكُنُ، ورَجَعَتْ لَهُ إِنْ نَقَلَهَا، واتُّهِمَ. أَوْ كَانَتْ بِغَيْرِهِ وإِنْ بِشَرْطٍ فِي إِجَارَةِ رَضَاعٍ، وانْفَسَخَتْ، ومَعَ ثِقَةٍ إِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنَ الْعِدَّةِ، إِنْ خَرَجَتْ ضَرُورَةً فَمَاتَ، أَوْ طَلَّقَهَا فِي كَالثَّلاثَةِ الأَيَّامِ، وفِي التَّطَوُّعِ أَوْ غَيْرِهِ إِنْ خَرَجَ لِكِرْبَاطٍ لا لِمُقَامٍ، إِنْ وَصَلَتْ، والأَحْسَنُ، ولَوْ لإِقَامَةٍ نَحْوَ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ، والْمُخْتَارُ خِلافُهُ وفِي الانْتِقَالِ تَعْتَدُّ بِأَقْرَبِهِمَا أَوْ أَبْعَدِهِمَا أَوْ بِمَكَانِهَا، وعَلَيْهِ الْكِرَاءُ رَاجِعاً، ومَضَتِ الْمُحْرِمَةُ أَوِ الْمُعْتَكِفَةُ أَوْ أَحْرَمَتْ وعَصَتْ، ولا سُكْنَى لأَمَةٍ لَمْ تُبَوَّأْ، ولَهَا حِينَئِذٍ الانْتِقَالُ مَعَ سَادَتِهَا كَبَدَوِيَّةٍ ارْتَحَلَ [44 / أ] أَهْلُهَا فَقَطْ، أَوْ لِعُذْرٍ لا يُمْكِنُ الْمُقَامُ مَعَهُ بِمَسْكَنِهَا كَسُقُوطِهِ أَوْ خَوْفِ جَارِ سُوءٍ، ولَزِمَتِ الثَّانِيَ والثَّالِثَ. قوله: (لا لِيَكْفُلَهَا) كذا هو في أصل ابن يونس من باب الكفالة التي هي الحضانة والتربية، وكذا عبّر عنه ابن عرفة فقال: " ففي (¬3) كون الصغيرة المضمومة أحقّ، ثالثها إن ¬
ضمها لا لمجرد كفالتها، وفي بعض النسخ: (لا ليكفها) من الكفّ الذي هو المنع، والصواب ما قدمنا. والْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهَا طَرَفَيِ النَّهَارِ، لا لِضَرَرِ جِوَارٍ لِحَاضِرَةٍ، ورَفَعَتْ لِلْحَاكِمِ، وأَقْرَعَ لِمَنْ يَخْرُجُ، إِنْ أَشْكَلَ. وهَلْ لا سُكْنَى لِمَنْ سَكَّنَتْ زَوْجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا؟ قَوْلانِ. قوله: [60 / أ] (والْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهَا طَرَفَيِ النَّهَارِ) كأنه أطلق طرفي النهار على الطرفين المكتنفين له من الليل فهو وفاق للمدونة (¬1)، ويبعد حمله على ما اختار اللَّخْمِيّ من أن تؤخر الخروج إلى طلوع الشمس وترجع لغروبها. قال: وهذا في بعض الأوقات وعند الحاجة، وليس لها أن تتخذه عادة، وقد لوّح لهذا بقوله: (فِي حَوَائِجِهَا). وسَقَطَتْ إِنْ أَقَامَتْ بِغَيْرِهِ. قوله: (وسَقَطَتْ إِنْ أَقَامَتْ (¬2) بِغَيْرِهِ) أي وسقطت أجرة السكنى. كَنَفَقَةِ وَلَدٍ هَرَبَتْ بِهِ، ولِلْغُرَمَاءِ بَيْعُ الدَّارِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؟ فَإِنِ ارْتَابَتْ فِهِيَ أَحَقُّ، ولِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، ولِلزَّوْجِ فِي الأَشْهُرِ، ومَعَ تَوَقُّعِ الْحَيْضِ قَوْلانِ. ولَوْ بَاعَ إِنْ زَالَتِ الرِّيبَةُ فَسَدَ. وأُبْدِلَتْ فِي الْمُتَهَدِّمِ، والْمُعَاِر، والْمُسْتَأْجِرِ الْمُنْقَضِي الْمُدَّةِ. قوله: (كَنَفَقَةِ وَلَدٍ هَرَبَتْ بِهِ) كذا أقام أبو محمد صالح من التي قبلها، وقد قيّد في تضمين الصناع وجوب النفقة على أبي اللقيط بما إذا تعمّد طرحه، ولابن عات عن الاستغناء قال المشاور: إذا خاف الأب أن تخرج به الحاضنة بغير إذنه، وشرط عليها إن نقلته بغير إذنه فنفقته وكسوته عليها لزمها ذلك، ونحوه لغيره من المفتين. وإِنِ اخْتَلَفَا فِي مَكَانَيْنِ أُجِيبَتْ، وامْرَأَةُ الأَمِيرِ ونَحْوِهِ لا يُخْرِجُهَا الْقَادِمُ، وإِنِ ارْتَابَتْ كَالْحُبُسِ حَيَاتَهُ، بِخِلافِ حُبُسِ مَسْجِدٍ بِيَدِهِ، ولأُمِّ وَلَدٍ يَمُوتُ عَنْهَا السُّكْنَى. وزِيدَ مَعَ الْعِتْقِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ كَالْمُرْتَدَّةِ والْمُشْبِهَةِ إِنْ حَمَلَتَا. قوله: (وإِنِ اخْتَلَفَا فِي مَكَانَيْنِ أُجِيبَتْ) أي: عند الإبدال في المتهدم ونحوه كما في " المدونة ". ¬
وهَلْ نَفَقَةُ ذَاتِ الزَّوْجِ إِنْ لَمْ تَحْمِلْ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْوَاطِئِ؟ قَوْلانِ. قوله: (وهَلْ نَفَقَةُ ذَاتِ الزَّوْجِ إِنْ لَمْ تَحْمِلْ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْوَاطِئِ؟ قَوْلانِ). لشراح ابن الحاجب (¬1) في صفة هذين القولين ثلاث عبارات: الأولى: هل النفقة في العدة عليها نفسها أو على واطئها؟ كما هنا، وهي التي في " التوضيح "، وفيما وقفنا عليه من نسخ ابن عبد السلام، ولم أرها لغيرهما ممن قبلهما، ويبعدها أن الخلاف لو كان كذلك لم تختص (¬2) بذات الزوج. الثانية: هل النفقة على زوجها أو على واطئها؟ وهو [الذي] (¬3) نسبه ابن عرفة لابن عبد السلام ووهّمه فيه. الثالثة: هل النفقة على زوجها أو عليها؟ وهو الذي عند ابن عرفة اعتماداً على نقل ابن يونس في كتاب النكاح الثاني في مسألة الأخوين، إذا أدخلت على كلّ واحد منهما زوجة أخيه، ونصّه: " ذكر عن أبي عمران أنه قال: لا نفقة لكلّ واحدة في الاستبراء على زوجها؛ لأنه لم يدخل بها ولا على الواطئ؛ لأنها غير زوجته، إلا أن يظهر حمل فترجع عليه بما أنفقت ". فأما من وطيء زوجة رجلٍ في ليلٍ يظنّ أنها زوجته ولم تحمل: فنفقتها في استبرائها على زوجها، كما لو مرضت فإنه ينفق عليها قال: وسواءً كان للتي أدخلت على غير زوجها مال أم لا، لا نفقة لها على واحد منهما، وذكر في بعض التعاليق: أن نفقة كلّ واحدة منهما على زوجها الحقيقي، والأول أصوب ". انتهى، وقبله في " التقييد "، وكتب عليه شيخ شيوخنا الفقيه أبو القاسم التازغدري قول أبي عمران: وأما من وطيء زوجة رجل. معناه: إن كانت مدخولاً بها، وإلا فهي كالأولى. ¬
باب الاستبراء
تنبيهات: الأول: إذا تأملت ما تقدّم علمت أنه كان الصواب أن يقول المصنف: ونفقة ذات الزوج إن لم تحمل ولم يبن بها عليها (¬1) لا على زوجها على الأرجح، وسنزيده بياناً. الثاني: فهم من قوله: (إن لم تحمل) أنها إن حملت من الواطئ تعينت نفقتها عليه، وكذا السكنى قال ابن عبد السلام: ولا أعلم في هذا خلافاً في المذهب، وإنما الخلاف إذا لم تحمل وكانت زوجاً لآخر؟. قال ابن عرفة: " لا يتم ما نقله ابن عبد السلام إلا في ذات زوج ولم يبن بها، ولو بنى بها لكانت النفقة والسكنى على زوجها لا على الغالط، إلا أن يأتي الزوج بما ينفي عنه ذلك الحمل حسبما تقدم في اللعان والنكاح في العدة ". فتأمله. انتهى. وقد يقال: إن ابن عبد السلام لوّح لهذا التحرير، حيث فرض أن الحمل من الغالط، ولا يتصور شرعاً أن ينسب حمل ذات الزوج المدخول بها لغير زوجها إلا أن ينفيه بلعان. الثالث: قال ابن عرفة: سكنى المغلوط بها قبل بناء زوجها بها على الغالط؛ لقوله في " المدونة ": كل من تحبس له فعليه سكناها (¬2). [باب الاستبراء] فصل: يَجِبُ الاسْتِبْرَاءُ بِحُصُولِ الْمِلْكِ، إِنْ لَمْ تُوقَنِ الْبَرَاءَةُ ولَمْ يَكُنْ وَطْؤُهَا مُبَاحاً، ولَمْ تَحْرُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وإِنْ صَغِيرَةً أَطَاقَتِ الْوَطْءَ، أَوْ كَبِيرَةً لا تَحْمِلانِ عَادَةً أَوْ وَخْشاً، أَوْ بِكْراً أَوْ رَجَعَتْ مِنْ غَصْبٍ أَوْ سَبْيٍ، أَوْ غُنِمَتْ، أَوِ اشْتُرِيَتْ ولَوْ مُتَزَوِّجَةٍ. قوله: (بِحُصُولِ الْمِلْكِ) ولم يقل بنقل الملك ليشمل ما أخذ بالغنيمة من أيدي الكفار مما [60 / ب] أخذوه من أموال المسلمين بالقهر، فإنهم إنما لهم فيه شبهة الملك على المذهب، وبهذا وجّه هذه العبارة في " التوضيح " إذ نقش له ابن عبد السلام فكتب ولهذا جاء بقوله بعد: (أَوْ غُنِمَتْ) منخرطاً في سلك الإغياء، وبهذا يتضح لك الفرق بين غنمت وسبيت، فليس قوله: (أَوْ غُنِمَتْ) بمستغنى عنه كما قيل. ¬
وطُلِّقَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَالْمَوْطُوءَةِ إِنْ بِيعَتْ أَوْ زُوِّجَتْ وقُبِلَ قَوْلُ سَيِّدِهَا. وجَازَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ مُدَّعِيهِ تَزْوِيجُهَا قَبْلَهُ، واتِّفَاقُ الْبَائِعِ والْمُشْتَرِي عَلَى وَاحِدٍ، كَالْمَوْطُوءَةِ بِاشْتِبَاهٍ، أَوْ سَاءَ الظَّنُّ كَمَنْ عِنْدَهُ تَخْرُجُ، أَوْ لِكَغَائِبٍ، أَوْ مَجْبُوبٍ أَوْ مُكَاتِبَةٍ عَجِزَتْ أَوْ أَبْضَعَ فِيهَا وإِنْ أَرْسَلَهَا مَعَ غَيْرِهِ، وبِمَوْتِ سَيِّدٍ، وإِنِ اسْتُبْرِئَتْ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وبِالْعِتْقِ، واسْتَأْنَفَتْ إِنِ اسْتُبْرِئَتْ، أَوْ غَابَ غَيْبَةً عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْدُمْ أُمُّ الْوَلَدِ فَقَطْ بِحَيْضَةٍ، وإِنْ تَأَخَّرَتْ، أَوْ أَرْضَعَتْ، أَوْ مَرِضَتْ، أَوِ اسْتُحِيضَتْ ولَمْ تُمَيِّزْ، فَثَلاثَةُ أَشْهُرٍ كَالصَّغِيرَةِ، والْيَائِسَةِ، ونَظَرَ النِّسَاءُ فَإِنِ ارْتَبْنَ، فَتِسْعَةٌ. قوله: (كَالْمَوْطُوءَةِ إِنْ بِيعَتْ أَوْ زُوِّجَتْ) يعني: أن من وطئ [أمته] (¬1) فلا يبيعها ولا يزوجها حتى يستبرئها. وَبِالْوَضْعِ كَالْعِدَّةِ. وحَرُمَ فِي زَمَنِهِ الاسْتِمْتَاعُ، ولا اسْتِبْرَاءَ، إِنْ لَمْ تُطِقَ الْوَطْءَ، أَوْ حَاضَتْ تَحْتَ يَدِهِ كَمُودَعَةٍ. قوله: (وبِالْوَضْعِ كَالْعِدَّةِ) أحال بالتشبيه على قوله في العدة: (وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ، وإِنْ دَماً اجْتَمَعَ). ومَبِيعَةٍ بِالْخِيَارِ، ولَمْ تَخْرُجْ ولَمْ يَلِجْ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا، أَوْ أَعْتَقَ وتَزَوَّجَ. قوله: (ولَمْ تَخْرُجْ ولَمْ يَلِجْ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا) هذان القيدان راجعان لمن حاضت تحت يده من مودعه ومبيعه بالخيار ومرهونة؛ ولذلك لم يثن الضمائر. أَوِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، وإن (¬2) بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَإِنْ بَاعَ الْمُشْتَرَاةَ وقَدْ دَخَلَ، أَوْ أَعْتَقَ، أَوْ مَاتَ، أَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ وَطْءِ الْمِلْكِ، لَمْ تَحِلَّ لِسَيِّدٍ ولا زَوْجٍ إِلا بِقُرْأَيْنِ. قوله: (أَوِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، وإنْ بَعْدَ الْبِنَاءِ) قال في " المدونة ": ومن اشترى زوجته قبل البناء أو بعده لم يستبرئ " (¬3). عياض: وقال ابن كنانة في غير المدخول بها: يستبريها. قال ابن القاسم: [لا تكون] (¬4) اليوم حلالاً وغداً حراماً لم يزدها اشتراؤه إلا خيراً قال أبو ¬
الحسن الصغير: وجه قول ابن كنانة أنها كانت من غير استبراء حلالاً بالنكاح الذي هو أوسع من الملك؛ لأنها تكون مصدقة والملك أضيق لأنها لا تصدّق في الحيض. قال ابن عرفة: مفهوم قول ابن كنانة: أنه لا يستبريء المدخول بها. انتهى. وعلى هذا فلا يحسن قول المصنّف: (وإن بعد البناء) [بصيغة الإغياء، وإنما يحسن علي ما استظهره في التوضيح من أن الاستبراء بعد البناء أحرى عند ابن كنانة] (¬1)، وإنما نبّه بالأخفّ على الأشدّ محتجّاً بأن فائدته أن (¬2) يظهر كون الولد [من] (¬3) وطيء الملك، فتكون به أم ولد اتفاقاً أو من وطيء النكاح، فتكون به أم ولد على اختلاف، ولا شكّ أن هذا التعليل حكاه ابن عبد السلام عن بعضهم، فأشار ابن عرفة إلى أنه خلاف نقل عياض عن ابن كنانة. عِدَّةِ فَسْخِ النِّكَاحِ، وبَعْدَهُ بِحَيْضَةٍ كَحُصُولِهِ بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ، أَوْ حَصَلَ (¬4) فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ. قوله: (أَوْ حَصَلَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ) أي: أو حصل الملك المتقدم في قوله: (بحصول الملك)، وفي كثيرٍ من النسخ: (حصلت) أي: الأمة، أي وموجبات الاستبراء من الملك، وما عطف عليه. وهَلْ إِلا أَنْ تَمْضِيَ حَيْضَةُ اسْتِبْرَاءٍ أَوْ أَكْثَرُهَا؟ تَأْوِيلانِ، أَوِ اسْتَبْرَأَ أَبٌ [44 / ب] جَارِيَةَ ابْنِهِ ثُمَّ وَطِئَهَا. قوله: (وهَلْ إِلا أَنْ تَمْضِيَ حَيْضَةُ اسْتِبْرَاءٍ أَوْ أَكْثَرُهَا؟ تَأْوِيلانِ) أما الأول: فقال في " التوضيح " به فسّر محمد المسألة فإنه (¬5) إذا كانت عادتها اثني عشر يوماً أو نحوها وملكها بعد أربعة أيام صدق عليها أنها في أول الدم؛ مع أنّها لا تستغني ببقية هذا عن الاستبراء، لكن إنما يأتي هذا على رأي أبي بكر بن عبد الرحمن الذي يراعي أكثر الأيام. ¬
وأما الثاني: فأشار به لما لخصّ في " التوضيح " من نقل ابن عبد السلام عن أبي حفص العطار عن أبي موسى بن مناس: " أن معظم الحيضة اليوم الأول والثاني؛ لأن الدم فيهما يكون أكثر اندفاعاً من باقي الحيضة وإن كثرت الأيام والدم القوي هو الذي يدفع ما في الرحم لا الرقيق ". انتهى. فالضمير في قوله: (أكثرها) يعود على الحيضة التي اعتادتها الأمة، من باب عندي درهم ونصفه والمراد: أكثرها دماً وأقواها اندفاعاً. فإن قلت: لم حملته على هذا، ولم تحمله على أكثر الأيام ولا على ما هو أعمّ؟؛ حتى يبقى الأكثر قابلاً لقول أبي بكر وأبي موسى. قلت: لو لم يكن الداعي إلى هذا المحمل إلا مطابقة المختصر للتوضيح لكان كافياً. وقال ابن عرفة: قال محمد: إن تأخر عن البيع ما يستقلّ حيضاً كفى ما لم يتقدم أكثر منه، قال: ولا نصّ إن تساويا، ومفهوما " المدونة " فيه متعارضان، والأظهر لغوه، ونقل أبو حفص العطار عن " المدونة " لفظ أول الحيضة وعظمها قال: واعتبر المعظم أبو موسى بن مناس بكثرة اندفاع الدم وهو دم اليومين أولاً، لا ما بعدهما، وإن كثرت أيامها، واعتبره أبو بكر بن عبد الرحمن بكثرة الأيام، وليس بصواب. ابن عرفة: هو ظاهر " المدونة " مع " المَوَّازِيِّة "، ففي " المدونة " قال مالك: ومن ابتاع أمة في أول الدم أجزأه من الاستبراء، وأما في آخره وقد بقي منه يوم أو يومان فلا (¬1)، وفي " المَوَّازِيِّة " على رواية " النوادر " إن لم يبق من حيضتها إلا يومان لم يجزه، وإن بقي أيام [61 / أ] قدر ما يعرف أنها حيضة أجزأه (¬2). وليس في " المدونة " لفظ عظمها، والأصوب اعتبار الأيام ما لم يقلّ دمها. وتُؤُوِّلَتْ عَلَى وُجُوبِهِ وعَلَيْهِ الأَقَلُّ. قوله: (وتُؤُوِّلَتْ (¬3) عَلَى وُجُوبِهِ) إنما لم يقل أيضاً اكتفاءً بمفهوم قوله: (وعليه الأقل). ¬
ويُسْتَحْسَنُ إِذَا غَابَ عَلَيْهَا مُشْتَرٍ بِخِيَارٍ لَهُ. وتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْوُجُوبِ أَيْضاً. قوله: (ويُسْتَحْسَنُ إِذَا غَابَ عَلَيْهَا مُشْتَرٍ بِخِيَارٍ لَهُ. وتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْوُجُوبِ أَيْضاً) أشار به لقوله في " المدونة ": وإن أحب البائع أن يستبريء الذي غاب المشتري عليها وكان الخيار له خاصة فذلك أحسن (¬1). إذ لو وطأها المبتاع لكان بذلك مختاراً وإن كان منهياً عن ذلك، كما استحب استبراء التي غاب عليها الغاصب. وتَتَوَاضَعُ الْعَلِيَّةُ، أَوْ وَخْشٌ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا عِنْدَ مَنْ يُؤْمَنُ والشَّأْنُ النِّسَاءُ، وإِذَا رَضِيَا بِغَيْرِهِمَا فَلَيْسَ لأَحَدِهِمَا الانْتِقَالُ، ونُهِيَا عَنْ أَحَدِهِمَا وهَلْ يُكْتَفَى بِوَاحِدَةٍ قَالَ يُخَرَّجُ عَلَى التُّرْجُمَانِ، ولا مُوَاضَعَةَ فِي مُتَزَوِّجَةٍ، وحَامِلٍ، ومُعْتَدَّةٍ، وزَانِيَةٍ كَالْمَرْدُودَةِ بِعَيْبٍ، أَوْ فَسَادٍ، أَوْ إِقَالَةٍ، إِنْ لَمْ يَغِبِ الْمُشْتَرِي. وفَسَدَ إِنْ نَقَدَ بِشَرْطٍ لا تَطَوُّعاً. وفِي الْجَبْرِ عَلَى إِيقَافِ الثَّمَنِ، قَوْلانِ. قوله: (وتَتَوَاضَعُ الْعَلِيَّةُ، أَوْ وَخْشٌ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا) قال عياض في كتاب العيوب من التنبيهات: الجارية الرافعة الجيدة، التي تراد للفراش لا للخدمة، وكذلك عِلْية الجواري بسكون اللام (¬2)، وقيل بكسرها وتشديدها، والأول أشهر، والوخْش: بسكون الخاء: خسيسة، وأصله الحقير من كلّ شيء أيضاً، وقال الجوهري: فلان من علية الناس، وهو جمع [رجل] (¬3) عليّ أي شريف أو رفيع مثل صبي وصبية، وفي مختصر العين أيضاً: فلان من علية الناس، ولا شكّ أن فِعلة بكسر الفاء وإسكان العين مسموع في الجموع كما قال ابن مالك: وفعله جمعاً بنقل يدرا وهو كما قال المرادي محفوظ في ستة أوزان منها: فعيل كهذا، ويجمع الأمثلة (¬4) الستة للحفظ هذا البيت: ¬
تداخل العدة والاستبراء
فصبية وشيخة وفتية ... وغلمة وغزلة وثنية (¬1) وَمُصِيبَتُهُ مِمَّنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ (¬2). قوله: (ومُصِيبَتُهُ مِمَّنْ قُضِيَ لَهُ بِهِ) الضميران في مصيبته وبه عائدان على الثمن، والضمير في (له) عائد على [من] (¬3) الموصولة أي: ومصيبة الثمن إذا هلك ممن كان يقضى له به لو سلم، ولا يصحّ تأنيث الضمير المجرور بالباء، وعوده على الأمة. [تداخل العدة والاستبراء] إِنْ طَرَأَ مُوْجِبٌ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّةٍ أَوِ اسْتِبْرَاءٍ انْهَدَمَ الأَوَّلُ وائْتَنَفَتْ كَمُتَزَوِّجٍ بَائِنَةً (¬4)، ثُمَّ يُطَلِّقُ، بَعْدَ الْبِنَاءِ، أَوْ يَمُوتُ مُطْلَقاً، وكَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ فَاسِدٍ ثُمَّ يُطَلِّقُ (¬5)، وكَمُرْتَجِعٍ، وَإِنْ لَمْ يَمَسَّ، طَلَّقَ أَوْ مَاتَ. قوله: (وَكَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ فَاسِدٍ ثُمَّ يُطَلِّقُ) هذا خاصٌّ بالطلاق، وأما في الوفاة فأقصى الأجلين (¬6) كما قال بعد (كَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ وَطْءٍ فَاسِدٍ مَاتَ زَوْجُهَا). إِلا أَنْ يُفْهَمَ ضَرَرٌ بِالتَّطْوِيلِ فَتَبْنِي الْمُطَلَّقَةُ، إِنْ لَمْ تُمَسَّ، وكَمُعْتَدَّةٍ وَطِئَهَا الْمُطَلِّقُ، أَوْ غَيْرُهُ فَاسِداً بِكَاشْتِبَاهٍ، إِلا مِنْ وَفَاةٍ فَأَقْصَى الأَجَلَيْنِ كَمُسْتَبْرَأَةٍ مِنْ وَطْءٍ فَاسِدٍ مَاتَ زَوْجُهَا. قوله: (إِلا أَنْ يُفْهَمَ ضَرَرٌ بِالتَّطْوِيلِ فَتَبْنِي الْمُطَلَّقَةُ، إِنْ لَمْ تُمَسَّ) تبع في هذا كغيره نقل ابن شاس قال ابن عرفة: وقول ابن شاس عن ابن القصار: إلا أن يريد برجعته تطويل عدتها (¬7) فلا، وقبوله [هو] (¬8) والقرافي، وجعله ابن الحاجب المذهب (¬9)، وقبوله ¬
ابن عبد السلام وابن هارون لا أعرفه، بل نصّ " الموطأ " السنة هدمها، وقد ظلم نفسه إن كان ارتجعها ولا حاجة له بها (¬1)، وقبله شراحه وكَمُشْتَرَاةٍ مُعْتَدَّةٍ، وهَدَمَ وَضْعُ حَمْلٍ أُلْحِقَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ غَيَرَهُ. قوله: (وكَمُشْتَرَاةٍ مُعْتَدَّةٍ) هذا تكرار للتنظير (¬2)؛ لأنه قدّمه بأشبع من هذا حيث قال في باب العدة: (وإِنِ اشْتُرِيَتْ مُعْتَدَّةُ طَلاقٍ فَارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا حَلَّتْ إِنْ مَضَتْ سَنَةٌ لِلطَّلاقِ وثَلاثَةٌ لِلشِّرَاءِ أَوْ مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَفَاةٍ، فَأَقْصَى الأَجَلَيْنِ). وبِفَاسِدٍ أَثَرَهُ وأَثَرَ الطَّلاقِ لا الْوَفَاةِ، وعَلَى كُلٍّ الأَقْصَى مَعَ الالْتِبَاسِ كَامْرَأَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَواحداهُمَا مُطَلَّقَةٌ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ. قوله: (لا الْوَفَاةِ) هذا كقول (¬3) ابن الحاجب: ولا يهدم في العدة للوفاة اتفاقاً، فعليها أقصى الأجلين (¬4). فقال ابن عبد السلام: إن أقصى الأجلين فيها غير ممكن، وخرّجه ابن عرفة على قوله في " المدونة "، والمنعي لها زوجها إذا اعتدت [وتزوجت] (¬5) ثم قدم زوجها الأول ردّت إليه، وإن ولدت من الثاني، إذ لا حجة (¬6) لها باجتهاد إمام أو تيقن طلاق، ولا يقربها القادم إلا بعد العدة من ذلك الماء بثلاث (¬7) حيض، أو ثلاثة أشهر، أو وضع حمل إن كانت حاملاً، فإن مات القادم قبل وضعها اعتدت منه عدة الوفاة، ولا تحلّ بالوضع دون تمامها، ولا بتمامها دون الوضع (¬8). ابن عرفة: " فإذا علم أن وفاة الأول كانت وهي في خامس شهر من شهور حملها من الثاني أمكن تأخر انقضاء (¬9) عدة الوفاة لها عن وضع حمل الثاني ". انتهى. ¬
وعلى هذا يحوم جوابه في " التوضيح " وحوله يدندن. وكَمُسْتَوْلَدَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ مَاتَ السَّيِّدُ والزَّوْجُ ولَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ عِدَّةِ الأَمَةِ أَوْ جُهِلَ، فَعِدَّةُ حُرَّةٍ، ومَا تُسْتَبْرَأُ بِهِ الأَمَةُ، وفِي الأَقَلِّ عِدَّةُ حُرَّةٍ، وهَلْ قَدْرُهَا كَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؟ قَوْلانِ. قوله: (وكَمُسْتَوْلَدَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ). معطوف على قوله: (كَامْرَأَتَيْنِ)، وفيه قلق؛ لأنه لا يصدق عليه قوله (¬1): (وعَلَى كُلٍّ) إلا إذا حمل [على] (¬2) أن معناه على كلّ من يذكر، وفيه بعد. ¬
باب الرضاع
[باب الرضاع] حُصُولُ لَبَنِ امْرَأَةٍ وإِنْ مَيِّتَةً وصَغِيرَةً، بِوَجُورٍ، أَوْ سَعُوطٍ أَوْ حُقْنَةٍ تَكُونُ غِذَاءً. قوله: (تَكُونُ غِذَاءً) الظاهر أنه راجع للحقنة فقط كقوله في " المدونة ": وإن حقن بلبن فوصل [61 / ب] إلى جوفه حتى يكون له غذاء حرم، وإلا لم يحرم (¬1). وقال ابن عبد السلام: شرط في " المدونة " في الحقنة مع كونها واصلة إلى جوفه أن تكون غذاءً له، وإلا لم تحرّم. أَوْ خُلِطَ، لا غُلِبَ، ولا كَمَاءٍ أَصْفَرَ، وبَهِيمَةٍ، واكْتِحَالٍ بِهِ مُحَرِّمٌ إِنْ حَصَلَ فِي الْحَوْلَيْنِ، أَوْ بِزِيَادَةِ الشَّهْرَيْنِ، إِلا أَنْ يَسْتَغْنِيَ، ولَو فِيهِمَا مَا حَرَّمَهُ النَّسَبُ. قوله: (لا غُلِبَ، ولا كَمَاءٍ أَصْفَرَ، وبَهِيمَةٍ، واكْتِحَالٍ بِهِ) معاطيف يفرق متبوعاتها (¬2) ذهن السامع، فـ (غلب) معطوف على (خلط)، و (لا كماء أصفر) معطوف على (لبن)، و (بهيمة) معطوف على (امرأة)، و (اكتحال به) معطوف على (وجور)، والكاف في (كماء أصفر) [مسلّطة] (¬3) على المعطوفين بعده، فتقدر مع بهيمة، واكتحال ففي معنى الماء الأصفر كل ما ليس بلبن وإن خرج من الثدي، وفي معنى البهيمة: الرجل إذا أدرَّ ثديه، وسلم إن ذلك يكون، وفي معنى الاكتحال: ما يدخل من الأذن، ومن مسام الرأس ... ونحو ذلك. إِلا أُمَّ أَخِيكَ، وأُمَّ أُخْتِكَ، وأُمَّ وَلَدِ وَلَدِكَ، وجَدَّةِ وَلَدِكَ، وأُخْتَ وَلَدِكَ، وأُمَّ عَمِّكَ وَعَمَّتِكَ، وأُمَّ خَالِكَ وخَالَتِكَ. قوله: (إِلا أُمَّ أَخِيكَ، وأُمَّ أُخْتِكَ ... إلى آخره). تبع في هذا تقي الدين بن دقيق العيد، وقد أنكر ذلك عليه ابن عرفة؛ فإنها لم تدخل في عموم الحديث فلا يحتاج إلى إخراج، واستوفينا نقله في: " تكميل التقييد وتحليل التعقيد "، وقد يستأنس في الجواب عن كلام المصنف بأن الاستثناء منقطع و (إلا) بمعنى لكن. ¬
فَقَدْ لا يَحْرُمْنَ مِنَ الرِّضَاعِ، وقُدِّرَ الطِّفْلُ خَاصَّةً وَلَداَ لِصَاحِبَةِ اللَّبَنِ، ولِصَاحِبِهِ مِنْ وَطْئِهِ لانْقِطَاعِهِ وإِنْ بَعْدَ سِنِينَ. واشْتَرَكَ مَعَ الْقَدِيمِ. قوله: (فَقَدْ لا يَحْرُمْنَ) وقع في بعض الطرر أن (قد) هنا بمعنى قط، وهو تكلف لغير حاجة. ولَوْ بِحَرَامٍ إِلا أَن لا يَلْحَقَ الْوَلَدُ بِهِ. قوله: (وَلَوْ بِحَرَامٍ إِلا أن [لا] (¬1) يَلْحَقَ الْوَلَدُ بِهِ) صوابه: ولو بحرام لا يلحق به الولد بإسقاط (إلا أن) وبه يستقيم الكلام، ويجري مع المشهور على ما في " توضيحه " (¬2). وحَرُمَتْ عَلَيْهِ إِنْ أَرْضَعَتْ مَنْ كَانَ زَوْجاً لَهَا لأَنَّهَا زَوْجَةُ ابْنِهِ كَمُرْضِعَةٍ مُبَانَتِهِ (¬3) أَوْ مُرْتَضِعٍ مِنْهَا. قوله: (كَمُرْضِعَةٍ مُبَانَتِهِ) هكذا هو الصواب بإسقاط التنوين للإضافة، وبنون مفتوحة بعد الألف ثم تاء باثنتين من فوق مخفوضة، ثم هاء الضمير المكسورة العائدة على الزوج، وهو اسم مفعول من أبان الرباعي. وإِنْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتَيْهِ اخْتَارَ، وإِنِ الأَخِيرَةَ، وإِنْ كَانَ قَدْ بَنَى بِهَا حَرُمَ الْجَمِيعُ. قوله: (وإِنْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتَيْهِ اخْتَارَ، وإِنِ الأَخِيرَةَ) أي: الأخيرة في الرضاع. قال في " المدونة ": فله أن يختار أولاهن رضاعاً أو آخرهن أو ما شاء، ويفارق البواقي (¬4). وأُدِّبَتِ الْمُتَعَمِّدَةُ لِلإَفْسَادِ. وفُسِخَ نِكَاحُ الْمُتَصَادِقَيْنِ عَلَيْهِ كَقِيَامِ بَيِّنَةٍ عَلَى إِقْرَارِ [45 / أ] أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ، ولَهَا الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ، إِلا أَنْ تَعْلَمَ فَقَطْ، فَكَالْكَفَّارَةِ، وإِنِ ادَّعَاهُ فَأَنْكَرَتْ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ ولَهَا النِّصْفُ، وإِنِ ادَّعَتْهُ فَأَنْكَرَ لَمْ يَنْدَفِعْ ولا تَقْدِرُ عَلَى طَلَبِ الْمَهْرِ قَبْلَهُ، وإِقْرَارُ الأَبَوَيْنِ مَقْبُولٌ قَبْلَ النِّكَاحِ، لا بَعْدَهُ كَقَوْلِ أَبِي أَحَدِهِمَا، ولا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ الاعْتِذَارَ، بِخِلافِ أُمِّ أَحَدِهِمَا فَالتَّنَزُّهُ ويَثْبُتُ بِرَجُلٍ وامْرَأَةٍ، وامْرَأَتَيْنِ إِنْ فَشَا قَبْلَ الْعَقْدِ، وهَلْ تُشْتَرَطُ ¬
باب النفقة والحضانة
الْعَدَالَةُ مَعَ الْفُشُوِّ؟ تَرَدُّدٌ، وبِرَجُلَيْنِ لا بِامْرَأَةٍ ولَوْ فَشَا. وَنُدِبَ التَّنَزُّهُ مُطْلَقاً. ورَضَاعُ الْكُفْرِ مُعْتَبَرٌ والْغِيلَةُ وَطْءُ الْمُرْضِعِ، وتَجُوزُ. قوله: (وأُدِّبَتِ الْمُتَعَمِّدَةُ لِلإَفْسَادِ). يحتمل تعلّق المجرور بأدبت وبالمتعمدة، والأول هو المناسب لما في " توضيحه ". [باب النفقة والحضانة] يَجِبُ لِمُمَكِّنَةٍ مُطِيقَةٍ لِلْوَطْءِ عَلَى الْبَالِغِ، ولَيْسَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفاً قُوتٌ، وإِدَامٌ وكِسْوَةٌ، ومَسْكَنٌ بِالْعَادَةِ بِقَدْرِ وسْعِهِ وحَالِهَا، والْبَلَدِ والسِّعْرِ، وإِنْ أَكُولَةً، وتُزَادُ الْمُرْضِعُ مَا تَقَوَّى بِهِ، إِلا الْمَرِيضَةَ وقَلِيلَةَ الأَكْلِ، فَلا يَلْزَمُهُ إِلا مَا تَأْكُلُ عَلَى الأَصْوَبِ ولا يَلْزَمُ الْحَرِيرُ. وحُمِلَ عَلَى الإِطْلاقِ وعَلَى الْمَدَنِيَّةِ لِقَنَاعَتِهَا، فَيُفْرَضُ الْمَاءُ، والزَّيْتُ، والْحَطَبُ، والْمِلْحُ، واللَّحْمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وحَصِيرٌ، وسَرِيرٌ احْتِيجَ لَهُ، وأُجْرَةُ قَابِلَةٍ، وزِينَةٌ تَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهَا كَكُحْلٍ، ودُهْنٍ مُعْتَادَيْنِ، وحِنَّاءٍ. قوله: (وحِنَّاءٍ) أي: لرأسها لا لخضابها، يدل عليه قوله: (تستضر بتركها). ومِشْطٍ. قوله: (ومِشْطٍ). إن أراد به ما تمتشط به من دهن وحناء فهذا متفق عليه، وعطفه حينئذ على عكس: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] وإن أراد آلة المشط فقد فرّق بينها وبين آلة الكحل؛ فإنه قال بعد: (لا مكحلة وقد اختلف فيهما) فقال اللَّخْمِيّ عن محمد يفرض لها ما يزيل الشعث كالمشط والمكحلة، وفهم الباجي أن الكحل يلزمه لا المكحلة قال: وعليه يلزمه ما تمشط (¬1) به من الدهن والحناء لا آلة المشط (¬2). وقال ابن رشد في سماع عيسى: اضطرب قول ابن القاسم في المشط. (¬3) فقال ابن عرفة: ما تقدّم للباجي ينفي اضطرابه. ¬
وإِخْدَامُ أَهْلِهِ. قوله: (وإِخْدَامُ أَهْلِهِ) الضمير في أهله لا يعود على الزوج بل على الإخدام؛ [فكأنه قال: وإخدام أهل الإخدام] (¬1)، وهذا كلام موجه يحتمل إضافة المصدر لفاعله ولمفعوله (¬2)، فكأنه بحسب شدة الاختصار أشار لاشتراط (¬3) كون الزوج أهلاً للإخدام لسعته مثلاً، وكون الزوجة أهلاً للإخدام لشرفها، وأقرب من هذا أن يكون لاحظ أن شرط الأهلية في أحدهما يتضمن ذلك في الآخر، فلا يكون أهلاً لإخدامها إلا إذا استحقته عليه وبالعكس. وإِنْ بِكِرَاءٍ. ولَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وقُضِيَ لَهَا بِخَادِمِهَا، إِنْ أَحَبَّتْ إِلا لِرِيبَةٍ، وإِلا فَعَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ، مِنْ عَجْنٍ، وكَنْسٍ وفَرْشٍ، بِخِلافِ النَّسْجِ والْغَزْلِ، لا مُكْحُلَةٌ، ودَوَاءٌ وحِجَامَةٌ، وثِيَابُ الْمَخْرَجِ. وَلَهُ التَّمَتُّعِ بِشَوْرَتِهَا، ولا يَلْزَمُهُ بَدَلَهَا، ولَهُ مَنْعُهَا مِنْ أَكْلٍ كَالثَّوْمِ لا أَبَوَيْهَا ووَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَدْخُلُوا لَهَا. وحُنِّثَ إِنْ حَلَفَ كَحَلْفِهِ أَنْ لا تَزُورَ وَالِدَيْهَا، إِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً، ولَوْ شَابَّةً، لا إِنْ حَلَفَ لا تَخْرُجُ وقُضِيَ لِلصِّغَارِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، ولِلْكِبَارِ فِي الْجُمْعَةِ كَالْوَالِدَيْنِ، ومَعَ أَمِينَةٍ، إِنِ اتَّهَمَهُمَا. قوله: (وإِنْ بِكِرَاءٍ) ابن عرفة: ومنهن من إخدامها بكراءٍ غضاضة عليها، ولا سيما إن كان ذلك لموت خادم مهرها. ولَهَا الامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ تَسْكُنَ مَعَ أَقَارِبِهِ إِلا الْوَضِيعَةَ كَوَلَدٍ صَغِيرٍ لأَحَدِهِمَا، إِنْ كَانَ لَهُ حَاضِنٌ، إِلا أَنْ يَبْنِيَ وهُوَ مَعَهُ، وقُدِّرَتْ بِحَالِهِ مَنْ يَوْمٍ، أَوْ جُمْعَةٍ، أَوْ شَهْرٍ، أَوْ سَنَةٍ، والْكُسْوَةُ بِالشِّتَاءِ والصَّيْفِ، وضُمِنَتْ بِالْقَبْضِ مُطْلَقاً كَنَفَقَةِ الْوَلَدِ، إِلا لِبَيِّنَةٍ عَلَى الضَّيَاعِ ويَجُوزُ إِعْطَاءُ الثَّمَنِ عَمَّا لَزِمَهُ، والْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِهِ إِلا لِضَرَرٍ. وسَقَطَتْ إِنْ أَكَلَتْ مَعَهُ، ولَهَا الامْتِنَاعُ، أَوْ مَنَعَتِ الْوَطْءَ، أَوْ الاسْتِمْتَاعِ، أَوْ خَرَجَتْ بِلا إِذْنٍ ولَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا إِنْ لَمْ تَحْمِلْ، وبَانَتْ. قوله: (َوَلَدٍ صَغِيرٍ لأَحَدِهِمَا، إِنْ كَانَ لَهُ حَاضِنٌ، إِلا أَنْ يَبْنِيَ وهُوَ مَعَهُ) أصل هذا لابن ¬
زرب ونصّه على اختصار ابن عرفة: " من تزوّج امرأة وله ولد صغير من غيرها فأراد إمساكه بعد البناء، وأبت ذلك فإن كان له من يدفعه إليه من أهله ليحضنه له ويكفله أجبر على إخراجه، وإلا أجبرت على إبقائه (¬1)، [62 / أ] ولو بنى بها والصبي معه ثم أرادت إخراجه لم يكن لها ذلك، وكذا الزوجة إن كان لها ولد صغير مع الزوج [حرفاً بحرف] (¬2). ولَهَا نَفَقَةُ الْحَمْلِ. قوله: (ولَهَا نَفَقَةُ الْحَمْلِ) إنما تعرّض هنا لوجوب نفقة الحمل للبائن، وأما ابتداء الإنفاق فإنما ذكره بعد هذا حيث قال: (ولا نَفَقَةَ بِدَعْوَاهَا، بِلْ بِظُهُورِ الْحَمْلِ وحَرَكَتِهِ فَتَجِبُ مِنْ أَوَّلِهِ). والْكِسْوَةُ فِي أَوَّلِهِ، وفِي الأَشْهُرِ قِيمَةُ مَنَابِهَا. قوله: (والْكِسْوَةُ فِي أَوَّلِهِ، وفِي الأَشْهُرِ قِيمَةُ مَنَابِهَا) هذا التفصيل خاص بالكسوة، والضمير في (منابها) للأشهر وتصوّر كلامه ظاهر. واسْتَمَرَّ، إِنْ مَاتَ. قوله: (واسْتَمَرَّ، إِنْ مَاتَ) هكذا في كثير من النسخ (استمرّ) من غير ألف التثنية (¬3)، ولا بأس به على أن يكون الفاعل باستمر ضميراً مفرداً يعود على المسكن المتقدم في قوله أول الباب: (قوت وإدام وكسوة ومسكن). فإن قلت: وأي قرينة تعين اختصاص الضمير بالمسكن دون ما عطف عليه، وتنفي المتبادر من رجوع الضمير لأقرب مذكور من نفقة وكسوة؟ قلت: القرينة الدالة على ذلك قوله بعده: (وردت النفقة لا الكسوة بعد أشهر) فقطع برد النفقة وفصّل في الكسوة، فدل على أن المستمر لهذه البائن الحامل أو الحامل (¬4) ¬
عند موت زوجها إنما هو للإسكان لا النفقة والكسوة، وهذا هو المساعد للمدونة السالم (¬1) من مخالفة النصوص، ولا ينكر اعتماد المصنف في الاختصار على هذا المقدار. وبالله تعالى التوفيق. لا إِنْ مَاتَتْ. قوله: (لا إِنْ مَاتَتْ) أي: فلا حقّ لورثتها في السكنى. ورُدَّتِ النَّفَقَةُ كَانْفِشَاشِ الْحَمْلِ، لا الْكِسْوَةُ بَعْدَ أَشْهُرٍ، بِخِلافِ مَوْتِ الْوَلَدِ، فَيَرْجِعُ بِكِسْوَتِهِ، وإِنْ [45 / ب] خَلَقَةً. وإِنْ كَانَتْ مُرْضِعَةً. فَلَهَا نَفَقَةُ الرِّضَاعِ أَيْضاً. قوله: (ورُدَّتِ النَّفَقَةُ). ردت مبني للنائب (¬2) فيتناول موته وموتها، والبائن الحامل والتي في العصمة (¬3) والرجعية، على أن كلامه ما زال في البائن الحامل بدليل ما بعده، والحكم في ردّ النفقة والتفصيل في الكسوة عامّ كما في " المدونة " (¬4) وغيرها. ولا نَفَقَةَ بِدَعْوَاهَا، بِلْ بِظُهُورِ الْحَمْلِ وحَرَكَتِهِ فَتَجِبُ مِنْ أَوَّلِهِ، ولا نَفَقَةَ لِحَمْلِ مُلاعَنَةٍ وأَمَةٍ، ولا عَلَى عَبْدٍ إِلا الرَّجْعِيَّةَ. قوله: (بِلْ بِظُهُورِ الْحَمْلِ وحَرَكَتِهِ) المقري في آخر النكاح من (قواعده) الولد يتحرك لمثل ما يتخلّق له، [ويوضع لمثلي ما يتحرك فيه، وهو يتخلّق] (¬5) في العادة تارة لشهر فيتحرك لشهرين ويوضع لستة، وتارة لشهر وخمسة أيام فيتحرك لشهرين وثلث ويوضع لسبعة (¬6)، وتارة لشهرٍ ونصف فيتحرك لثلاثة، ويوضع لتسعة؛ فلذلك لا يعيش ابن ثمانية، ولا ينقص الحمل عن ستة. ¬
وسَقَطَتْ بِالْعُسْرِ، لا إِنْ حُبِسَتْ، أَوْ حَبَسَتْهُ، أَوْ حَجَّتِ الْفَرْضَ ولَهَا نَفَقَةُ حَضَرٍ، وإِنْ رَتْقَاءَ، وإِنْ أَعْسَرَ بَعْدَ يُسْرٍ. فَالْمَاضِي فِي ذِمَّتِهِ وإِنْ لَمْ يَفْرِضْهُ حَاكِمٌ ورَجَعَتْ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ غَيْرَ سَرَفٍ، وإِنْ مُعْسِراً كَمُنْفِقٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، إِلا لِصِلَةٍ، وعَلَى الصَّغِيرِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلِمَهُ [الْمُنْفِقُ] (¬1) وحَلَفَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ. ولَهَا الْفَسْخُ إِنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَةٍ حَاضِرَةٍ، لا مَاضِيَةٍ، وإِنْ عَبْدَيْنِ، لا إِنْ عَلِمَتْ فَقْرَهُ أَوْ أَنَّهُ مِنَ السُّؤَالِ، إِلا أَنْ يَتْرُكَهُ أَوْ يَشْتَهِرَ بِالْعَطَاءِ ويَنْقَطِعَ فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ بِالنَّفَقَةِ والْكِسْوَةِ أَوِ الطَّلاقِ، وإِلا تُلُوِّمَ بِالاجْتِهَادِ. وزِيدَ إِنْ مَرِضَ أَوْ سُجِنَ ثُمَّ طُلِقَّ وإِنْ غَائِباً، أَوْ وَجَدَ مَا يُمْسِكُ الْحَيَاةَ، لا إِنْ قَدَرَ عَلَى الْقُوتِ، ومَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ، وإِنْ غَنِيَّةً. ولَهُ الرَّجْعَةُ، إِنْ وَجَدَ فِي الْعِدَّةِ يَسَاراً يَقُومُ بِوَاجِبِ مِثْلِهَا، ولَهَا النَّفَقَةُ فِيهَا وإِنْ لَمْ يَرْتَجِعْ، وطَلَبُهُ عِنْدَ سَفَرِهِ بِنَفَقَةِ مُسْتَقْبِلٍ لِيَدْفَعَهَا لَهَا، أَوْ يُقِيمَ بِهَا كَفِيلاً، وفُرِضَ فِي مَالِ الْغَائِبِ ووَدِيعَتِهِ، ودَيْنِهِ. قوله: (أَوْ حَبَسَتْهُ) فأحرى إذا حبسه غيرها. وأَقَامَتِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُنْكِرِ بَعْدَ حَلِفِهَا بِاسْتِحْقَاقِهَا، ولا يُؤْخَذُ مِنْهَا بِهَا كَفِيلٌ وهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ إِذَا قَدِمَ، وبِيعَتْ دَارُهُ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهِ، وأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْهُ فِي عِلْمِهِمْ. قوله: (وأَقَامَتِ الْبَيِّنَةَ) في بعض النسخ هكذا بالفعل الماضي المتصل بعلامة التأنيث، ونصب البينة على المفعولية، وهي خير من النسخ التي فيها: (وإقامة البينة) بالمصدر المضاف المعطوف؛ لما فيه من الفصل بين المعمول وهو بعد (حلفها) وعامله [وهو] (¬2) فرض بأجنبي. ثُمَّ بَيِّنَةٌ بِالْحِيَازَةِ قَائِلَةٌ هَذَا الَّذِي حُزْنَاهُ هِيَ الَّتِي شُهِدَ بِمِلْكِهَا لِلْغَائِبِ، وإِنْ تَنَازَعَا فِي عُسْرِهِ فِي غَيْبَتِهِ اعْتُبِرَ حَالُ قُدُومِهِ، وفِي إِرْسَالِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إِنْ - رَفَعَتْ مِنْ يَوْمَئِذٍ لِحَاكِمٍ لا لِعُدُولٍ وجِيرَانٍ، وإِلا فَقَوْلُهُ: كَالْحَاضِرِ وحَلَفَ لَقَدْ قَبَضَتْهَا لا بَعَثْتُهَا، وفِيمَا فَرَضَهُ، فَقَوْلُهُ إِنْ أَشْبَهَ، وإِلا فَقَوْلُهَا، إِنْ أَشْبَهَ وإِلا ابْتَدَأَ الْفَرْضَ، وفِي حَلِفِ مُدَّعِي الأَشْبَهِ تَأْوِيلانِ. قوله: (ثُمَّ بَيِّنَةٌ بِالْحِيَازَةِ قَائِلَةٌ هَذَا الَّذِي حُزْنَاهُ هِيَ الَّتِي شُهِدَ بِمِلْكِهَا لِلْغَائِبِ)،أي: ¬
ثم لابد بعد بينة ثبوت الملك واستمراره من بينة (¬1) بالحيازة، إمّا البينة الأولى (¬2) وإمّا غيرها تقول للعدلين الموجهين للحوز: هذه الدار التي حزناها هي التي شهدنا بملكها للغائب عند القاضي فلان، هذا إن كانت بينة الحوز هي بينة الملك، وإن كانت غيرها فإنها تقول: هذه الدار التي حزناها هي التي شهدت البينة الأولى بملكها .. إلى آخره. ويقع في بعض النسخ: شهدنا وهو قاصر على الوجه الأول، وفي بعضها شهد مبنياً للمفعول، وهو أولى لشموله للوجهين. فإن قلت: إذا كانت الثانية هي الأولى فكيف عطفها عليها، وهل هذا إلا عطف الشيء على نفسه؟ قلت: لما اختلف المشهود به فكانت شهادتهم أوّلاً على الملك واستمراره وشهادتهم ثانياً على الحوز حصلت المغايرة، فجاز العطف وإن اتحدت البينة، فإذا حملنا كلامه على شمول الوجهين كان أبين في حصول المغايرة ورصافة (¬3) العطف، ولا يصحّ أن يكون (¬4) أطلق البينة هنا على العدلين الموجهين؛ لأنهما لا يقولان لأحدٍ شيئاً بل لهما يقال، وأيضاً فإنهما نائبان عن القاضي، ففي أقضية " المتيطية ": إذا ثبتت الحيازة عند القاضي بشهادة [62 / ب] الشاهدين الموجهين لحضورها أعذر للمطلوب في مثل هذا الفصل. واختلف هل يعذر إليه في مثل هذه الحيازة أم لا؟ وبترك الإعذار فيها جرى العمل؛ لأن حيازة الشهود للملك وتعيينهم إياه إنما وجهه أن يكون عند القاضي نفسه حسبما يلزم في كلّ شيء يعينه الشهود من الحيوان والعروض كلها إنما يكون ذلك عند القاضي، فلما تعذر حضوره حيازة الأملاك لشغله عنه وبعد أكثرها منه، ولما في ذلك من المشقة عليه استناب (¬5) مكان نفسه عدلين ليعين ذلك لهما حسبما كان يعين له، وإن اجتزأ بواحد أجزأه، ¬
والاثنان أفضل والواحد والاثنان يقومان مقامه، فترك الإعذار فيهما أولى كما لا يعذر في نفسه، وجاء قول المصنف: (هي التي) مطابقاً للخبر دون المفسر، وذلك جائز، ففي التنزيل العزيز: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 78] وفيه: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} [القصص:32]. إِنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ ودَابَّتِهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْعًى، وإِلا بِيعَ كَتَكْلِيفِهِ مِنَ الْعَمَلِ مَا لا يُطِيقُ. ويَجُوزُ مِنْ لَبَنِهَا مَا لا يَضُرُّ بِنَتَاجِهَا، وبِالْقَرَابَةِ عَلَى الْمُوسِرِ نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ، وأَثْبَتَا الْعُدْمَ لا بِيَمِينٍ، وهَلْ الابْنُ إِذَا طُولِبَ بِالنَّفَقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَلاءِ أَوِ الْعُدْمِ، قَوْلانِ، وخَادِمِهِمَا وخَادِمِ زَوْجَةِ الأَبِ، وإِعْفَافُهُ بِزَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ، ولا تَتَعَدَّدُ إِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا أُمَّهُ عَلَى ظَاهِرِهَا لا زَوْجِ أُمِّهِ، وَجَدٍّ ووَلَدِ ابْنٍ (¬1)، ولا يُسْقِطُهَا تَزْوِيجُهَا بِفَقِيرٍ، ووُزِّعَتْ عَلَى الأَوْلادِ، وهَلْ عَلَى الرُّؤُوسِ أَوِ الإِرْثِ أَوِ الْيَسَارِ؟ أَقْوَالٌ ونَفَقَةُ الْوَلَدِ الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلاً قَادِراً عَلَى الْكَسْبِ [46 / أ]، والأُنْثَى حَتَّى يَدْخُلَ زَوْجُهَا، وتَسْقُطُ عَنِ الْمُوسِرِ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ، إِلا لِقَضِيَّةٍ أَوْ يُنْفِقُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ، واسْتَمَرَّتْ، إِنْ دَخَلَ زَمِنَةً ثُمَّ طَلَّقَ، لا إِنْ عَادَتْ بَالِغَةً، أَوْ عَادَتِ الزَّمَانَةُ. وَعَلَى الْمُكَاتَبَةِ نَفَقَةُ وَلَدِهَا، إِنْ لَمْ يَكُنِ الأَبُ فِي الْكِتَابَةِ. وَلَيْسَ عَجْزُهُ عَنْهَا عَجْزاً عَنِ الْكِتَابَةِ، وعَلَى الأُمِّ الْمُتَزَوِّجَةِ والرَّجْعِيَّةِ رِضَاعُ وَلَدِهَا بِلا أَجْرٍ، إِلا لِعُلُوِّ قَدْرٍ كَالْبَائِنِ، إِلا أَنْ لا يَقْبَلَ غَيْرَهَا أَوْ يُعْدِمَ الأَبُ أَوْ يَمُوتَ، ولا مَالَ لِلصَّبِيِّ، واسْتَأْجَرَتْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ. ولَهَا إِنْ قَبِلَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، ولَوْ وَجَدَ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا مَجَّاناً عَلَى الأَرْجَحِ فِي التَّأْوِيلِ. قوله: (وَلَهَا إِنْ قَبِلَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، ولَوْ وَجَدَ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا مَجَّاناً عَلَى الأَرْجَحِ فِي التَّأْوِيلِ) كذا في بعض النسخ (عندها) بضمير المؤنث وهو الصواب؛ لمساعدته لنقل ابن يونس ونصه قول مالك: " الأم أحقّ به بما يرضعه غيرها " يريد بأجر (¬2) مثلها، وقاله ¬
فصل في الحضانة
بعض القرويين: وإليه رجع ابن الكاتب، وهو الصواب، وسواء وجد من يرضعه عند الأم أم لا؛ لأنها وإن كانت عند الأم فهي التي تباشره بالرضاع والمبيت، وذلك تفرقة بينه وبين أمه؛ فلذلك كانت الأمّ أحقّ به بأجر (¬1) مثلها، وهذا أبين. [فصل في الحضانة] وحَضَانَةُ الذَّكَرِ لِلْبُلُوغِ، والأُنْثَى كَالنَّفَقَةِ لِلأُمِّ، ولَوْ أَمَةً عَتَقَ وَلَدُهَا وأُمَّ وَلَدٍ. قوله: (وحَضَانَةُ الذَّكَرِ لِلْبُلُوغِ، والأُنْثَى كَالنَّفَقَةِ لِلأُمِّ) للبلوغ متعلّق بحضانة وللأم هو الخبر، ولا يصحّ العكس لما يلزم عليه من الإخبار عن الموصول قبل كمال صلته، وأحال هنا حضانة الأنثى على نفقتها بخلاف الذكر فإنه قال قبل في نفقته: (حتى يبلغ عاقلاً قادراً على الكسب)، وقال هنا في حضانته: (للبلوغ) ومثله في " التوضيح " اتباعاً لما حرره ابن عبد السلام إذ قال: المشهور في غاية أمد النفقة أنها البلوغ في الذكر بشرط السلامة المذكورة،، والمشهور وفي غاية أمد الحضانة البلوغ في الذكر من غير شرط. ولِلأَب تَعَاهُدُهُ، وأَدَبُهُ، وبَعْثُهُ لِلْمَكْتَبِ، ثُمَّ أُمِّهَا، ثُمَّ جِدَّةِ الأُمِّ، إِنِ انْفَرَدَتْ بِالسُّكْنَى عَنْ أُمٍّ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا ثُمَّ الْخَالَةِ ثُمَّ خَالَتِهَا، ثُمَّ جِدَّةِ الأَبِ ثُمَّ الأَبِ ثُمَّ الأُخْتِ ثُمَّ الْعَمَّةِ. قوله: (ثُمَّ جِدَّةِ الأَبِ ثُمَّ الأَبِ) مراده بجدة الأب جدة المحضون من قبل أبيه، فهو أعمّ، وفي بعض النسخ ثم أم الأب. ثُمَّ هَلْ بِنْتُ الأَخِ أَوِ الأُخْتِ أَوِ الأَكْفَأُ مِنْهُمَا وهُوَ الأَظْهَرُ؟ أَقْوَالٌ ثُمَّ الْوَصِيِّ. قوله: (أَوِ الأَكْفَأُ مِنْهُمَا) ذكره على ملاحظة الشخص، وإلا فقد تقرر في فن (¬2) العربية أن تلو (أل) طبقٌ. ثُمَّ الأَخِ، ثُمَّ ابْنِهِ، ثُمَّ الْعَمِّ، ثُمَّ ابْنِهِ، لا جَدٍّ لأُمِّ، واخْتَارَ خِلافَهُ، ثُمَّ الْمَوْلَى الأَعْلَى، ثُمَّ الأَسْفَلِ. قوله: (ثُمَّ الأَخِ، ثُمَّ ابْنِهِ) يريد وبينهما الجدّ للأب كذا في " الموازية ". قال في ¬
" المقدمات " فيحتمل أن يريد الجد وإن علا ويحتمل أن يريد الجد الأدنى (¬1). فقف على تمامه في محلّه. وقُدِّمَ الشَّقِيقُ، ثُمَّ لِلأُمِّ، ثُمَّ لِلأَبِ فِي الجَّمِيعِ وفِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ بِالصِّيَانَةِ والشَّفَقَةِ. وشَرْطُ الْحَاضِنِ الْعَقْلُ، والْكِفَايَةُ، لا كَمُسِنَّةٍ. وحِرْزُ الْمَكَانِ فِي الْبِنْتِ يُخَافُ عَلَيْهَا والأَمَانَةُ وأَثْبَتَهَا. قوله: (وَقُدِّمَ الشَّقِيقُ، ثُمَّ [لِلأُمِّ] (¬2)، ثُمَّ لِلأَبِ فِي الجَّمِيعِ) إنما ذكره (¬3) عبد الوهّاب وابن رشد في الأخت (¬4)، زاد اللَّخْمِيّ: الأخّ كما ذكرنا في: " تكميل التقييد ". وعَدَمُ كَجُذَامٍ مُضِرٍّ، ورُشْدٌ، لا إِسْلامٌ، وضُمَّتْ إِنْ خِيفَ لِمُسْلِمِينَ، وإِنْ مَجُوسِيَّةً أَسْلَمَ زَوْجُهَا، ولِلذَّكَرِ مَنْ يَحْضُنُ، ولِلأُنْثَى الْخُلُوُّ عَنْ زَوْجٍ دَخَلَ، إِلا أَنْ يَعْلَمَ ويَسْكُتَ الْعَامَ، أَوْ يَكُونَ مَحْرَماً، وأَنْ لا حَضَانَةَ لَهُ كَالْخَالِ، أَوْ وَلِيَّاً كَابْنِ الْعَمِّ، أَوْ لا يَقْبَلُ الْوَلَدُ غَيْرَ أُمِّهِ. قوله: (ورُشْدٌ (¬5)) قد عرفت كلام اللَّخْمِيّ فيه وقال المَتِّيْطِي: اختلف في السفيهة؟ قيل: لها الحضانة. وقيل: لا حضانة لها. ابن عرفة: نزلت ببلد " باجة " فكتب قاضيها لقاضي الجماعة يومئذ بتونس وهو ابن عبد السلام، فكتب إليه بأن لا حضانة لها، فرفع المحكوم عليه الأمر إلى سلطانها الأمير أبي يحيي ابن الأمير أبي زكريا، فأمر باجتماع فقهاء الوقت مع القاضي المذكور لينظروا في ذلك، ¬
فاجتمعوا في القصبة، وكان من جملتهم ابن هارون والأَجُمِّي (¬1)، قاضي الأنكحة حينئذ بتونس، فأفتى القاضيان وبعض أهل المجلس بأن لا حضانة لها، وأفتى ابن هارون وبعض أهل المجلس بأن لها الحضانة، ورفع ذلك إلى السلطان المذكور، فخرج الأمر بالعمل بفتوى ابن هارون، وأمر قاضي الجماعة بأن يكتب بذلك إلى قاضي باجة، ففعل، وهو الصواب، وهو ظاهر عموم الروايات في المدوّنة وغيرها. تكميل: قال ابن عات: [63 / أ] " قال المشاور: وحضانة أولاد السؤّال والفقراء ومن لا قرابة له ينظر في ذلك السلطان للأصاغر بالأحوط لهم وما يراه صلاحاً من أحد الأبوين ". انتهى والمشاور هو ابن الفخار. أَوْ لَمْ تُرْضِعْهُ الْمُرْضِعَةُ عِنْدَ أُمِّهِ، أَوْ لا يَكُونُ لِلْوَلَدِ حَاضِنٌ، أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ، أَوْ عَاجِزاً، أَوْ كَانَ الأَبُ عَبْداً وهِيَ حُرَّةٌ، وفِي الْوَصِيَّةِ رِوَايَتَانِ. قوله: (أَوْ لَمْ تُرْضِعْهُ الْمُرْضِعَةُ عِنْدَ أُمِّهِ) صوابه (عند) بدلها فيعود الضمير على الأم المتقدّمة، والمراد بالبدل من انتقلت له الحضانة بعد تزويج الحاضنة الأولى كما فرضها اللَّخْمِيّ. وأَنْ لا يُسَافِرَ وَلِيٌّ حُرٌّ عَنْ وَلَدٍ حُرٍّ وإِنْ رَضِيعاً، أَوْ تُسَافِرَ هِيَ سَفَرَ نُقْلَةٍ لا تِجَارَةٍ، وحَلَفَ سِتَّةَ بُرُدٍ، وظَاهِرُهَا. بَرِيدَيْنِ إِنْ سَافَرَ لأَمْنٍ، وأَمِنَ فِي الطَّرِيقِ، ولَوْ فِيهِ بَحْرٌ، إِلا أَنْ تُسَافِرَ هِيَ مَعَهُ، لا أَقَلَّ. ولا تَعُودُ بَعْدَ الطَّلاقِ، أَوْ فَسْخِ الْفَاسِدِ عَلَى الأَرْجَحِ، أَوِ الإِسْقَاطِ، إِلا لِكَمَرَضٍ، أَوْ لِمَوْتِ الْجَدَّةِ والأُمُّ خَالِيَةٌ، أَوْ لِتَأَيُّمِهَا قَبْلَ عِلْمِهِ. قوله: (سِتَّةَ بُرُدٍ) راجع لسفرهما معاً كما عند ابن الحاجب إذ قال بعدما ذكر السفر البعيد: وسفره أو سفر الأم به دون ذلك لا يسقط (¬2) فقال ابن عبد السلام: جعل السفرين سواء في القدر، وهذا هو الفقه؛ لأن المقصود فيهما واحد؛ لكن الروايات فيهما مختلفة، فأشار المؤلف إلى تخريج الخلاف من كلّ واحد من السفرين في الآخر، ثم ذكر ¬
روايات وقال: " فانظر كيف اختلفت الروايات مع اتحاد القائل في بعضها، وكأنه خلاف ما أشار إليه المؤلف من التسوية بين الفصلين " انتهى. وقال في " التوضيح ": ما ذكره ابن الحاجب من تسوية سفر الولي والحاضنة نصّ عليه اللَّخْمِيّ وغيره، وهذا يدل أنه قصد هنا رجوعه لهما معاً، وكذا قوله قبلُ: (سَفَرَ نُقْلَةٍ لا تِجَارَةٍ) وقوله بعد: (لا أقلّ) وأما قوله: (وحلف)، وقوله: (إن سافر) ففي كلِّ واحد منهما ضمير مفرد مذكر، وذلك يعين اختصاصهما بالولي دون الحاضنة. ولِلْحَاضِنِ قَبْضُ نَفَقَتِهِ، والسُّكْنَى بِالاجْتِهَادِ، ولا شَيْءَ لِحَاضِنٍ لأَجْلِهَا. قوله: (وَلِلْحَاضِنِ قَبْضُ نَفَقَتِهِ، والسُّكْنَى بِالاجْتِهَادِ) أي باجتهاد القاضي في فرض النفقة وتقديرها، وفي تقسيط كراء السكنى وبالله تعالى التوفيق. [63 / ب] [64 / أ] (¬1) ¬
باب البيوع
[باب البيوع] باب: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وإِنْ بِمُعَاطَاةٍ، وبِبِعْنِي فَيَقُولُ بِعْتُكَ، أَوْ بِابْتَعْتُ أَوْ بِعْتُكَ وبِرِضَى الآخَرِ فِيهِمَا، وحَلَفَ، وإِلا لَزِمَ إَنْ قَالَ أَبِيعُكَهَا بِكَذَا، أَوْ أَنَا [46 / ب] أَشْتَرِيهَا بِهِ، أَوْ تَسَوَّقَ بِهَا فَقَالَ بِكَمْ؟ فَقَالَ بِمَائَةٍ، فَقَالَ أَخَذْتُهَا. وشَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ إِلا بِسُكْرٍ، فَتَرَدُّدٌ، ولُزُومِهِ تَكْلِيفٌ، لا إِنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْراً حَرَاماً، ورُدَّ عَلَيْهِ بِلا ثَمَنٍ، ومَضَى فِي جَبْرِ عَامِلٍ، ومُنِعَ بَيْعُ مُسْلِمٍ، ومُصْحَفٍ، وصَغِيرٍ لِكَافِرٍ. قوله: (ولُزُومِهِ تَكْلِيفٌ) لو قال رشد لكان أولى؛ لأنه أعم، وكأنه اعتمد قول ابن راشد القفصي: عبّر ابن الحاجب بالتكليف عن الرشد والطوع، على أنه في " التوضيح " ناقشه في الأول وصوّب الثاني بأن الأصوليين نصّوا أن الإكراه الملجئ يمنع التكليف (¬1)، أما تراه قال بعده: (لا إن أجبر عليه جبراً حراماً). وأُجْبِرَ عَلَى إِخْرَاجِهِ [وَإِنْ] (¬2) بِعِتْقٍ أَوهبةٍ. قوله: (وَأُجْبِرَ عَلَى إِخْرَاجِهِ وإِنْ بِعِتْقٍ أَوهبةٍ) غيا الإخراج بالعتق والهبة؛ لأن الإخراج بالبيع وهبة الثواب والصدقة أحرى منهما، على أن ابن عرفة قد قال: قول ابن شاس، وابن الحاجب: للكافر مشتري المسلم عتقه وصدقته وهبته من مسلم (¬3) قبلوه، ولا أعرفه نصاً، ودلالة بيعه عليه دون فسخه واضحة، وفيه على الفسخ نظر وفي أخذه مما يأتي في ولد النصرانية، نظر فقف [على تمامه] (¬4). ¬
ولَوْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ عَلَى الأَرْجَحِ، لا بِكِتَابَةٍ ورَهْنٍ وأَتَى بِرَهْنِ ثِقَةٍ، إِنْ عَلِمَ مُرْتَهِنُهُ بِإِسْلامِهِ ولَمْ يُعَيِّنْ، وإِلا عُجِّلَ كَعِتْقِهِ. وجَازَ رَدُّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ وفِي خِيَارِ مُشْتَرٍ مُسْلِمٍ يُمْهَلُ لانْقِضَائِهِ ويُسْتَعْجَلُ الْكَافِرُ كَبَيْعِهِ إِنْ أَسْلَمَ، وبَعُدَتْ غَيْبَةُ سَيِّدِهِ، وفِي الْبَائِعِ يُمْنَعُ مِنَ الإِمْضَاءِ وفِي جَوَازِ بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ بِخِيَارٍ تَرَدُّدٌ، وهَلْ مَنْعُ الصَّغِيرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ أَوْ مُطْلَقاً إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وَلَوْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ [عَلَى الأَرْجَحِ] (¬1)) قال ابن عرفة: ويلزم في ولدها الكبير الرشيد أي المسلم. وجبرُهُ تَهْدِيدٌ، وضَرْبٌ. قوله: (وجبرُهُ تَهْدِيدٌ، وضَرْبٌ). ليس [هذا] (¬2) براجعٍ لقوله: (وأجبر على إخراجه)؛ وإنما هذا في جبر العبد على الإسلام، وفي ذلك ذكره اللَّخْمِيّ فقال: ومحمل قول مالك وابن القاسم في الإجبار أنه بالتهديد والضرب ونحوه من غير قتل، ولو كان ذلك بالقتل ما حلّ البيع؛ لأن المشتري دخل على ما لا يدري هل يحيى أو يقتل؟ ولأنه لا يخلو ذلك العبد من أن يكون اشترى من السبي فيكون قد استحياه الإمام فلا يجوز قتله بعد ذلك، أو نزل به أحد من أهل الحرب فباعه من أحد المسلمين فكذلك لا يحلّ قتله. فإن كانت أمة فذلك أبين؛ لأن النساء لا يقتلن إذا لم يسلمن، زاد المازري: ولأنه لم يتدين بدين الإسلام ثم أرتد عنه، وكذا نقل في " توضيحه " (¬3). ولَهُ شِرَاءُ البَالِغٍ (¬4) عَلَى دِينِهِ، إِنْ أَقَامَ بِهِ، لا غَيْرِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ. قوله: (وَلَهُ شِرَاءُ البَالِغٍ عَلَى دِينِهِ، إِنْ أَقَامَ بِهِ). أي [إن] (¬5) أقام به المشتري في أرض الإسلام، وإن كان يخرج به لدار الحرب منع لما يخشى من اطلاع الكفار على عورة ¬
المسلمين. كذا في " الجواهر " (¬1) وعنها نقله في " التوضيح " (¬2). وقد قال ابن يونس عن ابن المواز: لا يُمكّن الحربيون من شراء علج، ونقله أبو اسحاق عن ابن القاسم، وقاله أيضاً اللَّخْمِيّ وابن رشد. والصَّغِيرِ عَلَى الأَرْجَحِ. قوله: (والصَّغِيرِ عَلَى الأَرْجَحِ) ظاهر اللفظ عطفه على قوله: (لا غَيْرِهِ) ولم أر لابن يونس فيه ترجيحاً في كتاب: التجارة لأرض الحرب؛ حيث هي مظنته. وشَرْطُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ طَهَارَةٌ، لا كَزِبْلٍ، وزَيْتٍ تَنَجَّسَ. قوله: (وزَيْتٍ تَنَجَّسَ) خرج به نحو ثوب (¬3) تنجس مما نجاسته عارضة وزوالها متمكن، ويجب تبيينه إن كان الغسل يفسده. وانْتِفَاعٌ لا كَمُحَرَّمٍ أَشْرَفَ، وعَدَمُ نَهْيٍ. قوله: (لا كَمُحَرَّمٍ أَشْرَفَ) تبع ابن عبد السلام في تقييده بالمحرم، وله نسبه في: " التوضيح " (¬4)، وقد ردّه ابن عرفة بأن ظاهر إطلاقاتهم، ونصّ ابن محرز منع بيع من في السياق، ولو كان مأكول اللحم للغرر في حصول الغرض من حياته أو صيرورته (¬5) لحماً، وفي حصول ذكاته لاحتمال عدم حركته بعد ذبحه. لا كَكَلْبِ صَيْدٍ، وجَازَ هِرٌّ، وسَبُعٌ لِلْجِلْدِ. قوله: (لا كَكَلْبِ صَيْدٍ) اقتصر فيه على القول بالمنع، فمثّل به وإن كان مأذوناً فيه؛ لأن غير المأذون [فيه] (¬6) أحرى بالمنع، وهذا في غاية الحسن. ¬
وحَامِلٌ مُقَرَّبٌ، وقُدْرَةٌ عَلَيْهِ، لا كَآبِقٍ، وإِبِلٍ أُهْمِلَتْ، ومَغْصُوبٍ إِلا مِنْ غَاصِبِهِ. قوله: (وحَامِلٌ مُقَرَّبٌ) إدراجه في شرط المعقود عليه يعين أن الحامل هنا معقود عليها لا عاقدة، وكذا قال ابن الحاجب: ويجوز بيع المريض المخوف عليه والحامل المقرب على الأصحّ (¬1). هو من باب إضافة المصدر إلى المفعول لا إلى الفاعل، وإنما سكت هنا عن المرض (¬2) المخوف غير المشرف اكتفاءً بمفهوم قوله قبل: (لا كمحرم أشرف) وأما الحجر عليهما فقد ذكره في باب الحجر إذ قال: (وَعَلَى مَرِيضٍ حَكَمَ الطِّبُّ بِكَثْرَةِ الْمَوْتِ بِهِ كَسُلٍّ وقُولَنْجِ وَحُمَّى قَوِيَّةٍ وحَامِلِ سِتَّةٍ). تحرير: ما اقتصر عليه المصنف هنا وصرّح ابن الحاجب بأصحيته، وهو الذي جعله ابن رشد المذهب، وأقامه من قول ابن القاسم في كتاب الخيار من " المدونة ": وإذا ولدت الأمة في أيام الخيار، كان ولدها معها في إمضاء البيع [64 / ب] أو ردّه لمن له الخيار بالثمن المشترط (¬3). وقال ابن يونس وعياض في مسألة كتاب الخيار: وهذه اعترضت بأنها بيع مريض، واعتذر عن ذلك فضل وابن أبي زمنين بأن بائعها لم يُعلم المشتري بحملها. عياض: وهذا معترض بأن علم أحد المتبايعين بموجب الفساد يوجبه على أحد القولين قال: وقد (¬4) يمكن أن يكون بيعها في آخر سادس شهورها، إذ لا يحكم لها بحكم المريض في أفعالها إلا فيما بعد السادس وتكون وضعته في السابع لتمام السادس في مدة الخيار، لا سيّما على رواية ابن وهب في إجازته في العبيد خيار شهر، وقد يمكن أن المتبايعين لم يعلما بحملها [جميعاً] (¬5) حين العقد، فوقع العقد على صحة، وإنما يقع فيها الفساد بعلمهما معاً باتفاق أو بعلم أحدهما على الخلاف، فقال ابن عرفة: مقتضى قوله: (من قبل الحاجة) للاعتذار. ¬
واقتصار الباجي على نقل قول ابن حبيب بالمنع أن المذهب منع بيع هذا المريض والحامل بعد ستة [أشهر] (¬1) خلاف نقل ابن رشد عن المذهب، ورد ابن محرز الحاجة للاعتذار المذكور بقوله: المذهب جواز بيع المريض والحامل بعد ستة أشهر، وللمتيطي في الهبة: " الحامل كالصحيحة حتى تدخل سادس شهورها، وقال بعضهم: حتى تدخل السابع، وقال الداودي حتى يأخذها الطلق. وهَلْ إِنْ رُدَّ لِرَبِّهِ مُدَّةً؟ تَرَدُّدٌ. ولِلْغَاصِبِ، نَقْضُ مَا بَاعَهُ إِنْ وَرِثَهُ، لا اشْتَرَاهُ، ووقف (¬2) مرهون على رضا مرتهنه، وملك غيره على رضاه ولو علم المشتري والعبد الجاني على [رضا] (¬3) مستحقها. قوله: (وهَلْ إِنْ رُدَّ لِرَبِّهِ مُدَّةً؟ تَرَدُّدٌ) منه يستروح أن فرض المسألة عزم الغاصب على الردّ. وحُلِّفَ إِنِ ادُّعِيَ عَلَيْهِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ. قوله: (وحُلِّفَ إِنِ ادُّعِيَ عَلَيْهِ الرِّضَا بِالْبَيْعِ) الباء سببية فتتعلّق بـ (الرضا) أو بـ (ادعى). ثُمَّ لِلْمُسْتَحِقِّ رَدُّهُ، إِنْ لَمْ يَدْفَعْ (¬4) السَّيِّدُ أَوِ الْمُبْتَاعُ الأَرْشَ. ولَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ (¬5)، ورَجَعَ الْمُبْتَاعُ بِهِ أَوْ بِثَمَنِهِ، إِنْ كَانَ أَقَلَّ. ولِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ، إِنْ تَعَمَّدَهَا ورُدَّ الْبَيْعُ فِي لأَضْرِبَنَّهُ مَا يَجُوزُ، ورُدَّ لِمِلْكِهِ، وجَازَ بَيْعُ عَمُودٍ عَلَيْهِ بِنَاءٌ لِلْبَائِعِ، إِنِ انْتَفَتِ الإِضَاعَةُ وأُمِنَ كَسْرُهُ ونَقَضَهُ الْبَائِعُ، وهَوَاءٍ فَوْقَ هَوَاءٍ، إِنْ وُصِفَ الْبِنَاءُ، وغَرْزُ جِذْعٍ فِي حَائِطٍ، وهُوَ مَضْمُونٌ، إِلا أَنْ يَذْكُرَ الْمُدَّةَ، فَإِجَارَةٌ تَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِهِ. وعَدَمُ حُرْمَةٍ، ولَوْ لِبَعْضِهِ، وجَهْلٍ بِمَثْمُونٍ، أَوْ ثَمَنٍ ولَوْ تَفْصِيلاً كَعَبْدَيْ رَجُلَيْنِ بِكَذَا، أَوْ رَطْلٍ مِنْ شَاةٍ، وتُرَابِ صَائِغٍ، ورَدَّهُ مُشْتَرِيهِ ولَوْ خَلَّصَهُ ولَهُ الأَجْرُ، لا مَعْدِنِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وشَاةٍ قَبْلَ سَلْخِهَا وحِنْطَةٍ فِي سُنْبُلٍ وتِبْنٍ، إِنْ بِكَيْلٍ وَقَتٍّ جُزَافاً، لا ¬
مَنْفُوشاً وزَيْتِ زَيْتُونٍ بِوَزْنٍ، إِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إِلا أَنْ يُخَيَّرَ، ودَقِيقِ حِنْطَةٍ، وصَاعٍ، أَوْ كُلٍّ صَاعٍ مِنْ صَبْرَةٍ، وإِنْ جُهِلَتْ، لا مِنْهَا، وأُرِيدَ الْبَعْضُ وَشَاةٍ، واسْتِثْنَاءَ أَرْبَعَةِ أَرْطَالٍ، ولا يَأْخُذُ لَحْمَ غَيْرِهَا. قوله: (ثُمَّ لِلْمُسْتَحِقِّ رَدُّهُ، إِنْ لَمْ يَدْفَعْ السَّيِّدُ أَوِ الْمُبْتَاعُ الأَرْشَ. ولَهُ أَخْذُ الثَّمَنِ) (¬1) لو قال: ثم للمستحق رده أو أخذ ثمنه إن لم يدفع السيد أو المبتاع الأرش لكان أولى؛ لينطبق الشرط على الوجهين، وليتصل قوله: (ورجع المبتاع) به بما تفرّع عليه من كون المبتاع دفع الأرش للمستحق، وقد كان دفع الثمن للبائع الذي هو السيّد، فيرجع عليه بالأقل منهما. وصُبْرَةٍ، وَثَمَرَةٍ، واسْتِثْنَاءَ قَدْرِ ثُلُثٍ، وجِلْدٍ، وسَاقِطٍ بِسَفَرٍ فَقَطْ، وجُزْءٍ مُطْلَقاً، وتَوَلاهُ الْمُشْتَرِي، ولَمْ يُجْبَرْ عَلَى [47 / أ] الذَّبْحِ فِيهِمَا بِخِلافِ الأَرْطَالِ، وخُيِّرَ فِي دَفْعِ رَأْسٍ [وَجِلْدٍ] (¬2) أَوْ قِيمَتِهَا وهِيَ أَعْدَلُ، وهَلِ التَّخْيِيرُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي؟ قَوْلانِ. ولَوْ مَاتَ مَا اسْتُثْنِيَ مِنْهُ مُعَيَّنٌ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي جِلْداً وسَاقِطاً، لا لَحْماً، وجِزَافٍ إِنْ رِيءَ ولَمْ يَكْثُرْ جِدَّاً، وجَهِلاهُ، وحَزرَا واسْتَوَتْ أَرْضُهُ، ولَمْ يُعَدَّ بِلا مَشَقَّةٍ، ولَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ، إِلا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ لا غَيْرِ مَرْئِيٍّ. قوله: (وصُبْرَةٍ، وثَمَرَةٍ، واسْتِثْنَاءَ قَدْرِ ثُلُثٍ (¬3)) ذكر القدر يدل أنه أراد الكيل لا الجزء. وإِنْ مِلْءَ ظَرْفٍ ولَوْ ثَانِياً بَعْدَ تَفْرِيغِهِ. قوله: (وإِنْ مِلْءَ ظَرْفٍ ولَوْ ثَانِياً بَعْدَ تَفْرِيغِهِ) في رسم أوصى من سماع عيسى من جامع البيوع قال ابن القاسم في رجلٍ وجد مكتلاً ملآن طعاماً فاشتراه [بدينار ففرغه، ثم قال: املأه لي ثانية بدينار: إن كان في موضع فيه مكاييل فلا أحبه، وهو بمنزلة صبرة اشتراها] (¬4) بدينار فلا بأس به، فإن قال له: أعطني الآن كيلها بدينار، لم يكن فيه خير، ¬
ولو وجد غرارة ملأى لم يكن بأس أن يشتريها بدينار، ولو جاءه بغرارة فقال له: املأ لي هذه الغرارة بدينار لم يكن فيه خير (¬1). قال ابن رشد: هذا كما قال: " إنما يجوز شراء ذلك جزافاً إذا لم يقصدا فيه إلى الغرر بأن يجده جزافاً في وعاءٍ أو غيره فيشتريه كما وجده، فالفرق بين شراء الطعام يجده في المكتل أو الغرارة جزافاً بدينار وبين قوله: املأ لي ذلك ثانية بدينار - أن الأول لم يقصد إلى الغرر إذا اشتراه كما وجده جزافاً. والثاني قصد إلى الغرر إذا ترك أن يشتريه بمكيال معلوم فاشتراه بمكيال مجهول، ولا يجوز الشراء (¬2) بمكيال مجهول إلا في موضع ليس فيه مكيال (¬3) معلوم على ما قاله في " المدونة " ودلّ عليه قوله في هذه الرواية: إن كان في موضع فيه مكاييل، فلما كان لا يجوز أن يقول له ابتداءً املأ لي هذه الغرارة بدينار إذ لا يعلم مبلغ كيلها لم يجز أن يقول ذلك بعد أن اشتراها ملأى كما وجدها إذ لا يعلم كيلها فتقدّم شراؤه إياها جزافاً. ولو قال رجل لرجلٍ صبّر لي من طعامك هاهنا صبرة وأنا أشتريها منك جزافاً لما انبغى أن يجوز ذلك؛ لما فيه من القصد إلى الغرر على قياس ما قلناه (¬4). انتهى. وبه - والله تعالى أعلم - يجاب عن قول المازري: وقد يهجس في النفس أنه لا فرق بين ما أجازوه ومنعوه، إذ لا يختلف حزر الحازر لزيتٍ في قارورة أو لقدر ملئها زيتاً. ويأتي قول ابن يونس إن شاء الله تعالى. وعلى ما قال ابن رشد عوّل شيخ شيوخنا أبو القاسم التازغدري فيما بلغنا عنه أنه أفتى بمنع: جزّف لي وأشترى منك. فقيل له فما تري في الجزار المسمى بالقماط (¬5) الذي يصبّر اللحم صبراً للبيع كل صبرة بدرهمين مثلاً، فيأتيه الرجل فيقول [65 / أ] له: زدني على هذا ¬
وأشتريه منك بدرهمين. فقال: حكم البعض حكم الكلّ. يعني: أن ذلك ممتنع في البعض كما امتنع في الكلّ، سأله عن ذلك شيخنا الفقيه الحافظ أبو عبد الله القوري كذا وجدته بخطه. ولما تكلّم الشيخ أبو العباس القباب على بيع الاستئمان آخر مسائل ابن جماعة، ذكر أن ما يفعله أهل بلادنا الآن حيث يأتي أحدهم إلى العطار فيدفع إليه درهما ويقول له: أعطني أبزاراً، فيأخذه ويجعل له شيئاً من الأبزار في [كاغد] (¬1) فيحمله (¬2) المشتري من غير معرفة ولا رؤية له: لا يجوز على ما نصّ عليه ابن القاسم ومضى عليه الأشياخ؛ إلا أنه ألزم على قول الداودي وابن جماعة جوازه. فليتأمل في أصله. إِلا فِي كَسَلَّةِ تِينٍ. قوله: (إِلا فِي [كَسَلَّةِ تِينٍ] (¬3)). في سماع أبي زيد: لو وجد عنده سلة مملوءة تيناً، فقال: أنا آخذها منك بدرهم واملأها ثانية بدرهم، فهو خفيف (¬4)، بخلاف غرارة القمح، [ألا تراه لا يسلّم في غرارة القمح] (¬5) ويسلّم في سلتين تيناً؛ لأنه معروف (¬6). ابن عبد السلام: أراد في " العُتْبِيَّة " أن الغرارة ليست بمكيال للقمح؛ لأن له مكاييل كالأردب [والقفيز والويبة] (¬7) فالعدول عن تلك المكاييل إلى غيرها غرر، وأما التين فلا مكيال له، ولكن كثر تقدير الناس له بالسلل، فجرى ذلك مجرى المكيال للتين، وهذا ظاهر من كلامه في الرواية. ¬
وقال ابن يونس بإثر كلامه في " العُتْبِيَّة ": وكذلك عندي هذه القارورة المملوءة بدرهم وملأها ثانية بدرهم هو خفيف؛ لأنه كالمرئي المقدر، ولو قاله قائل في الغزارة ما أبعد، ولكنه في القارورة أبين؛ لأنه لا يختلف ملؤها فليس فيه كبير خطر. ابن عبد السلام: المعنى الذي أشار إليه في الرواية أنسب، وأجرى على القواعد، فإذا تأملته فهمت الجواب عن كلام ابن يونس. وبهذا أجاب ابن عرفة وزاد: ذكر المازري أن بعضهم فرق بين الغرارة والسلة بأن القمح مكيل، فملء الغرارة منع بيع بمكيال مجهول والعنب غير مكيل فلم يكن ملء السلة منه كذلك. وعَصَافِيرَ حَيَّةٍ بِقَفَصٍ، وحَمَامِ بُرْجٍ، وثِيَابٍ. قوله: (وَعَصَافِيرَ حَيَّةٍ بِقَفَصٍ) هو وما بعده معطوف على غير مرئي؛ ولذا قال: (حَيَّةٍ). ونَقْدٍ، إِنْ سُكَّ، والتَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ، وإِلا جَازَ، فَإِنْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِعِلْمِ الآخَرِ بِقَدْرِهِ خُيِّرَ وإِنْ أَعْلَمَهُ أَوَّلاً فَسَدَ كَالْمُغَنِّيَةِ. قوله: (ونَقْدٍ، إِنْ سُكَّ، والتَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ، وإِلا جَازَ) الفرق بين المسكوك وغيره ظاهر، والفرق بين تعامل العدد والوزن أنه إذا كان التعامل بالعدد كانت الآحاد مقصودة، وإذا كان التعامل بالوزن يصير المقصود مبلغ الوزن، ولا غرض في الآحاد حينئذ، فهو كغير المسكوك من الثمن، فيجوز بيعه جزافاً، على هذا التعليل اقتصر ابن عبد السلام؛ ولكن قال: فيه نظر؛ لأن ما يتعامل به وزناً من المسكوك كثيراً ما يرغب في كثرة آحاده؛ لأنه يسهل به شرّاء السلع اليسيرة الثمن كنصف الدرهم وربعه، فعلى هذا التقدير تكون آحاده مقصودة فلا يجوز بيعه جزافاً، وفي هذه المسألة طرق، وقد استوفاها ابن عرفة. وجِزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ، أَوْ أَرْضٍ. قوله: (وجِزَافِ حَبٍّ مَعَ مَكِيلٍ مِنْهُ، أَوْ أَرْضٍ) (جزاف): عطف على قوله: (لا غَيْرِ مَرْئِيٍّ) وأرض عطف على الضمير في منه، ومراده: أنه لا يجوز اجتماع جزاف مما أصله أن يباع كيلاً كالحب مع مكيل منه أو مع مكيل مما أصله أن يباع جزافاً كالأرض.
وجِزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِهِ. قوله: (وجِزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِهِ) أي: ولا يجوز اجتماع جزاف مما أصله أن يباع جزافاً كالأرض مع المكيل منه، ولما أن كانت الأرض كناية عن الجنس المذكور ذكر الضمير العائد إليها، وفي بعض النسخ: (مع مكيلها). بالتأنيث على لفظ الأرض، وفي بعضها: (مع مكيلة) بالتاء المؤنثة، وهو وصف لأرض أي مع أرض مكيلة. لا مَعَ حَبٍّ. ويَجُوزُ جِزَافَانِ، ومَكِيلانِ، وجِزَافٌ مَعَ عَرْضٍ، وجِزَافَانِ عَلَى كَيْلٍ، إِنِ اتَّحَدَ الْكَيْلُ والصِّفَةُ، ولا يُضَافُ لِجِزَافٍ عَلَى كَيْلٍ، غَيْرُهُ مُطْلَقاً. قوله: (لا مَعَ حَبٍّ) أي: لا اجتماع (¬1) جزاف مما أصله أن يباع [جزافاً مع مكيل مما أصله أن يباع] (¬2) كيلاً كالحب، بحيث يأتي كل على أصله، فإنه يجوز، وإن اجتمعا في صفقة وفاقاً لابن زرب خلافاً لابن العطار. قال ابن عرفة: " ولابن محرز مثل ابن زرب " (¬3). انتهى. وقد ظهر لك أن كلام المصنف اشتمل على أربعة أقسام، ثلاثة ممنوعة [وواحد جائز] (¬4)، وتصور بقية كلامه فيما يضاف للجزاف ظاهر، وأصل (¬5) هذا كله لابن رشد في كتاب الغرر من " المقدمات "، وفي سماع ابن القاسم وسماع أصبغ من جامع البيوع (¬6). تنبيه: من البيّن أن الموزون والمزروع في هذا الباب في معنى المكيل، وقد (¬7) تنازل لذلك الشيخ أبو العباس القباب في قول ابن جماعة: لا يجوز أن يشتري الرجل قربة لبن على أن يزن زبدها. ¬
وجَازَ بِرُؤْيَةِ (¬1) بَعْضِ الْمِثْلِيِّ والصِّوَانِ، وعَلَى الْبِرْنَامِجِ، ومِنَ الأَعْمَى، وبِرُؤْيَةٍ لا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا. قوله: (وَجَازَ [65 / ب] بِرُؤْيَةِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ والصِّوَانِ) كذا في عدة نسخ، بجرّ الرؤية بالباء فالفاعل ضمير يعود على البيع (¬2). وحَلَفَ مُدَّعٍ لِبَيْعِ بِرْنَامِجٍ أَو (¬3) مُوَافَقَتَهُ لِلْمَكْتُوبِ، وعَدَمَ دَفْعِ رَدِيٍّ أَوْ نَاقِصٍ، وبَقَاءِ الصِّفَةِ، إِنْ شُكَّ، وغَائِبٍ، ولَوْ بِلا وَصْفٍ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ. قوله: (وَحَلَفَ مُدَّعٍ [لِبَيْعِ بِرْنَامِجٍ أو مُوَافَقَتَهُ] (¬4) لِلْمَكْتُوبِ) كذا في بعض النسخ المدعي تصحيحها بأو العاطفة التي لأحد الشيئين، فكأنهما على هذا فرعان يحلف فيهما البائع: أحدهما: أن يختلفا: هل كان البيع بينهما على البرنامج أم لا؟ (¬5) والثاني: أن يتفقا أنه كان على البرنامج ويختلفا في موافقة ما في العدل للمكتوب في البرنامج؟ فأما الثاني فالجواب فيه صحيح، وأما الأول فعهدته على المصنف أو على من قَوَّلَهُ ¬
ذلك ممن كتبه كذلك، ولعلّ الذاهب إلى ذلك اغترّ بلفظ " المدونة "؛ فإنه قال فيها في كتاب (بيع الغرر): ومن ابتاع عدلا ببرنامجه جاز أن يقبضه ويغيب عليه قبل فتحه، فإن ألفاه على الصفة لزمه، وإن قال: وجدته بخلاف الصفة فإن لم يغب عليه أو غاب عليه مع بيّنة لم تفارقه أو تقارّا فله الرضى به أو ردّه، وإن لم يعلم ذلك إلا بقوله، وأنكر البائع أن يكون مخالفاً للجنس المشترط أو قال (¬1) بعتك على البرنامج فالقول قول البائع؛ لأن المبتاع صدقه إذ قبضه على صفته (¬2). كذا اختصره أبو سعيد وابن يونس، وزاد: يريد مع يمينه. فأنت تراه فرض الكلام في " المدونة " أولاً في فرعنا الثاني، ثم عطف عليه فقال: (أو قال (¬3) بعتك على البرنامج، ثم جاء بالجواب، فقد يتبادر لبعض الأفهام أن المعطوف فرض آخر اختلفا فيه هل كان البيع على البرنامج أم لا؟، وعلى هذا الوجه أتى بها صاحب " الشامل " إذ قال: ولو ذهب به قبل فتحه ثم ادعى أنه مخالف للوصف أو أنه لم يشتره (¬4) على البرنامج فالقول للبائع مع يمينه؛ لأن المبتاع صدقه إذ (¬5) قبضه على صفته. انتهى. وهذا خلاف ما فهم عليه الشيخ أبو الحسن الصغير مسألة " المدونة " من أنها مسألة واحدة اتفق فيها المتبايعان أن بيعهما وقع على البرنامج، وإنما اختلفا في موافقة الصفة، فإنه بحث في قوله: أو قال بعتكه (¬6) على البرنامج. فقال: انظر يمينه على هذا الفصل لا فائدة لها، وهذا مثل ما في السلم الثاني، أو لقد باعه على ما كان فيه من الكيل الذي يذكر؛ لأن المشتري يوافقه أنه باعه على البرنامج؛ ولكنه لم يجد فيه ما سمي على البرنامج، والذي يخرجه عن الإلغاز أن يحلف لقد باعه على البرنامج، ولقد كان فيه ما وصفته. انتهى. ¬
فإن كان لفظ " المدونة ": وقال بعتكه بالواو، وكذا رأيته في نسخة عتيقة من " مختصر " أبي محمد فهذا التأويل واضح، وإن كان بأو فكأنها بمعنى الواو (¬1)، وليس عند ابن عرفة إلا أنها مسألة واحدة فإنه لم يزد على أن قال: وفيها له قبض العدل بذلك فإن وجده دون الصفة (¬2) أو العدد بالحضرة أو بعدها ببينة لم تفارقه صُدّق، وإلا فالقول قول البائع بيمينه لقبضه بتصديقه، وفي كثيرٍ من النسخ (وحلف مدعٍ لبيع برنامج أن موافقته للمكتوب) وهذا أمثل، وكأنه قصد إلى محاذاة لفظ " المدونة " في أن دعوى البائع اشتملت على أمرين أحدهما: وافق عليه المشتري فلا يحلف عليه البائع، وهو كون البيع على البرنامج، والثاني تخالفا فيه، وعليه يحلف البائع وهو موافقة العدل لما في البرنامج، وفي بعض النسخ أن موافقته المكتوب بـ (إن) الشرطية الداخلة على الماضي المتعدي بضمير النصب ورفع المكتوب على الفاعلية، ولا وجه له. أَوْ عَلَى يَوْمٍ. قوله: (أَوْ عَلَى يَوْمٍ) معطوف على ما في حيّز لو إشارة لخلاف ابن شعبان، كأنه قال: ولو كان الغائب الموصوف على مسيرة يوم، كأنه أقلّ البعد، وهذا مفرع على قوله بعد: (ولم تمكن رؤيته بلا مشقة)، فكان حقّه أن يؤخره عنه كما فعل ابن الحاجب (¬3) وابن عرفة، فإنه لما ذكر أن المعروف منع بيع حاضر العاقدين بصفته قال: وعلى المنع المعروف جواز بيع (¬4) الغائب على مسافة يوم. وقال اللَّخْمِيّ: روى ابن شعبان منعه قال المازري لسهولة إحضاره، ولعلّ المصنف إنما قدّمه لجمعه مع نظيره في الخلاف. [و] (¬5) وَصَفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ. قوله: (وْوَصَفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ). هكذا هو فيما رأيناه من النسخ مصدراً بواو الحال مع ¬
إثبات لفظ غير، وهو جار على ما نسب في " التوضيح " للمَوَّازِيِّة و " العُتْبِيَّة "، قال: ولا يشترط ذلك على ظاهر المذهب، وهو الذي أخذه جماعة من " المدونة "، وقال ابن العطار: به العمل، وذكر المَتِّيْطِي: أن الشيوخ اختلفوا في تأويل " المدونة " على القولين، وجعل اللَّخْمِيّ وابن رشد في " المقدمات " [66 / أ] ذلك شرطاً في جواز النقد). انتهى (¬1). فلو جرى على ما رجحه (¬2) في " التوضيح " لقال: أو وصفه بائعه، بالعطف بأو على غير (¬3) في حيز لو، وبإسقاط لفظ غير، ويكون في غاية الحسن (¬4). أَوْ (¬5) لَمْ يَبْعُدْ كَخُرَاسَانَ مِنَ إِفْرِيقِيَّةَ (¬6)، ولَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلا مَشَقَّةٍ. قوله: (إن لَمْ يَبْعُدْ كَخُرَاسَانَ مِنَ إِفْرِيقِيَّةَ). في " النوادر " عن ابن حبيب يجوز بيع الغائب على الصفة ما لم تتفاحش غيبته جداً، فنقله المازري غير معزوٍ كأنه المذهب، ولم يحدّه بتعيين مسافة وقال ابن شاس: كإفريقية من خراسان (¬7)، وقال اللَّخْمِيّ: لا يجوز إن كان بحيث يتغير عمّا رُئي عليه أو وصف به. ابن عرفة: ظاهر " المدونة " و " الجلاب " و " التلقين " (¬8)، الإطلاق، وهو ظاهر في الأرض البيضاء. ¬
وَالنَّقْدُ فِيهِ ومَعَ الشَّرْطِ فِي الْعَقَارِ، وضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي. قوله: (وَمَعَ الشَّرْطِ فِي الْعَقَارِ، وضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي). أي: وجاز النقد بشرط في العقار لأمنه، وضمان العقار من المشتري. وفِي غَيْرِهِ إِنْ قَرُبَ كَالْيَوْمَيْنِ، وضَمِنَهُ بَائِعٌ. قوله: (وفِي غَيْرِهِ إِنْ قَرُبَ كَالْيَوْمَيْنِ، وضَمِنَهُ بَائِعٌ). أي: وجاز النقد (¬1) في غير العقار إن قرب مكانه وضمان غير العقار من البائع. إِلا لِشَرْطٍ أَوْ مُنَازَعَةٍ، وقَبْضُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي. قوله: (إِلا لِشَرْطٍ أَوْ مُنَازَعَةٍ). استثناء الشرط بيّن، وأما المنازعة ففرعها ابن شاس على تضمين المشتري فقال: حيث قلنا إن الضمان من المشتري فتلفت السلعة فتنازعا في سلامتها حين العقد ففي تعيين المدعي منهما قولان؛ لتعارض أصل السلامة وانتفاء الضمان، وتبعه ابن الحاجب (¬2)، ونسب في " التوضيح " الأول: لابن حبيب وترجيح (¬3) اللَّخْمِيّ من قول ابن القاسم في المَوَّازِيِّة (¬4)، والثاني: لابن القاسم في " المدونة " انتهى. وأصل هذا للخمي والمازري، وقد أشبع ابن عرفة الكلام فيه، وذكره في هذا المختصر تفريع على غير أصل؛ لأنه قطع فيه أن ضمان غير العقار من البائع، وحمله على المنازعة فيما كان ضمانه من المشتري بشرط عييّ وتعسف، ولو سلم لكان مخالفاً لما نسبه في " التوضيح " للمدونة، فتدبره. (¬5) والله تعالى أعلم. ¬
باب الصرف
[باب الصرف] وحَرُمَ فِي نَقْدٍ وطَعَامٍ رِبَا فَضْلٍ ونَسَاء كَدِينَار (¬1) أَوْ دِرْهَمٍ وغَيْرِهِ بِمِثْلِهِمَا. قوله: (كدِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ وغَيْرِهِ بِمِثْلِهِمَا) كذا في كثير من النسخ بجر دينار بالكاف وعطف درهم بأو وعطف غيره بالواو، فضمير مثلهما يعود على دينار وغيره في صورة وعلى درهم وغيره في أخرى لا على دينار ودرهم، وتصوره ظاهر. ومُؤَخَّرٌ ولَوْ قَرِيباً، أَوْ غَلَبَةً، أَوْ عَقَدَ، ووَكَّلَ فِي الْقَبْضِ. قوله: (ومُؤَخَّرٌ). عطف على دينار، وهو توطئة لما بعده من المبالغة، وهو راجع لربا النساء، كما أنّ ما عطف هو عليه راجع لربا الفضل، من باب اللف والنشر. أَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا وطَالَ، أَوْ نَقْدَاهُمَا. قوله: (أَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا وطَالَ، أَوْ نَقْدَاهُمَا) الطول قيد في غيبة نقد أحدهما لا في غيبة نقديهما معا. قال في " المدونة ": وإن اشتريت من رجلٍ عشرين درهما بدينار وأنتما في مجلسٍ واحد، ثم استقرضت أنت ديناراً من رجل إلى جانبك، واستقرض هو الدراهم من رجلٍ إلى جانبه، فدفعت إليه الدينار وقبضت الدراهم فلا خير فيه (¬2)، ولو كانت الدراهم معه، واستقرضت أنت الدينار، [فإن كان أمراً قريباً كحل الصرة ولا تُبعث (¬3) وراءه ولا تقوم لذلك جاز، ولم يجزه أشهب] (¬4). قال ابن عبد السلام: فالحاصل أنهما (¬5) إن تسلفا معاً فاتفق ابن القاسم وأشهب على فساد الصرف، وظاهره طال أو لم يطل، وإن تسلف أحدهما وطال فكذلك. وإن لم يطل ¬
ففيه (¬1) اختلف ابن القاسم وأشهب؛ لأن تسلفهما (¬2) معاً (¬3) مظنة التأخير، بخلاف تسلف أحدهما. أَوْ بِمُوَاعَدَةٍ، أَوْ بِدَيْنٍ، إِنْ تَأَجَّلَ، وإِنْ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ غَابَ رَهْنٌ، أَوْ وَدِيعَةٌ، ولَوْ سُكَّ كَمُسْتَأْجَرٍ، وعَارِيَةٍ ومَغْصُوبٍ، إِنْ صِيغَ إِلا أَنْ يَذْهَبَ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ، فَكَالدَّيْنِ، وبِتَصْدِيقٍ فِيهِ كَمُبَادَلَةِ رِبَوِيَّيْنِ، ومُقْرَضٍ ومَبِيعٍ بِأَجَلٍ، ورَأْسِ مَالِ سَلَمٍ، ومُعَجَّلٍ قَبْلَ أَجَلِهِ وبَيْعٌ وصَرْفٌ، إِلا أَنْ يَكُونَ الجَّمِيعُ دِينَاراً، أَوْ يَجْتَمِعَا فِيهِ، وسِلْعَةٌ بِدِينَارٍ، إِلا دِرْهَمَيْنِ، إِنْ تَأَجَّلَ الجَّمِيعُ، أَوِ السِّلْعَةُ، أَواحد النَّقْدَيْنِ، بِخِلافِ تَأْجِيلِهِمَا أَوْ تَعْجِيلِ الجَّمِيعِ. قوله: (أَوْ بِمُوَاعَدَةٍ) هو مما انخرط في سلك الإغياء. كَدَرَاهِمَ مِنْ دَنَانِيرَ بِالْمُقَاصَّةِ، ولَمْ يَفْضُلْ. وفِي الدِّرْهَمَيْنِ كَذَلِكَ، وفِي أَكْثَرَ كَالْبَيْعِ والصَّرْفِ، وصَائِغٌ يُعْطَى الزِّنَةَ، والأُجْرَةَ كَزَيْتُونٍ، وأُجْرَتِهِ لِمُعْصِرِهِ، بِخِلافِ تِبْرٍ يُعْطِيهِ الْمُسَافِرُ، وأُجْرَتَهُ دَارَ الضَّرْبِ لِيَأْخُذَ زِنَتَهُ، والأَظْهَرُ خِلافُهُ. قوله: (كَدَرَاهِمَ مِنْ دَنَانِيرَ بِالْمُقَاصَّةِ، ولَمْ يَفْضُلْ) تشبيه (¬4) بقوله: (بِخِلافِ تَأْجِيلِهِمَا أَوْ تَعْجِيلِ الجَّمِيعِ) فِي مطلق الجواز سواء كان البيع فِي هذا نقداً أو مؤجلا، وهذه طريقة ابن رشد. وبِخِلافِ دِرْهَمٍ [47 / ب] بِنِصْفٍ، وفُلُوسٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ، وسُكَّا، واتَّحَدَتْ، وعُرِفَ الْوَزْنُ. قوله: (وَبِخِلافِ دِرْهَمٍ بِنِصْفٍ، وفُلُوسٍ) خرج بالدرهم الدينار والدرهمان كما يصرح به، وبالنصف ما زاد عليه، وفهم من فرض الفلوس أنه لا يشترط عدمها بالبلد خلافا لمن اشترط. ¬
وانْتُقِدَ الجَّمِيعُ وإِلا فَلا كَدِينَارٍ ودِرْهَمَيْنِ. قوله: (وإِلا فَلا كَدِينَارٍ ودِرْهَمَيْنِ (¬1)) كذا كان يصوبه شيخنا الفقيه الحافظ أبو عبد الله القوري أي: وإن لَمْ تتوفر الشروط فلا يجوز الردّ، ثم مثّل ببعض ما اختلفت (¬2) فيه الشروط فقال: (كَدِينَارٍ ودِرْهَمَيْنِ) أي فلا يجوز الردّ [في الدينار ولا فى الدرهمين] (¬3) فأكثر. ورُدَّتْ زِيَادَةٌ بَعْدَهُ لِعَيْبِهِ، لا لِعَيْبِهَا، وهَلْ مُطْلَقاً، أَوْ إِلا أَنْ يُوجِبَهَا، أَوْ إِنْ عُيِّنَتْ؟ تَأْوِيلاتٌ. قوله: (وَهَلْ مُطْلَقاً، أَوْ إِلا (¬4) أَنْ يُوجِبَهَا، أَوْ إِنْ عُيِّنَتْ) عطف (أو إن عينت) على (مُطْلَقاً) [66 / ب] ولو عطفه على المستثنى لقال أو لَمْ تعين. وإِنْ رَضِيَ [بِالْحَضْرَةِ] (¬5) بِنَقْصِ وَزْنٍ، أَوْ بِكَرَصَاصٍ، أَوْ رَضِيَ بِإِتْمَامِهِ، أَوْ بِمَغْشُوشٍ مُطْلَقاً صَحَّ. قوله: (وَإِنْ رَضِيَ بِالْحَضْرَة بِنَقْصِ وَزْنٍ، أَوْ بِكَرَصَاصٍ، أَوْ رَضِيَ بِإِتْمَامِهِ، أَوْ بِمَغْشُوشٍ مُطْلَقاً صَحَّ) القدر يشمل الوزن والعدد، والإتمام يشمل تكميل الوزن والعدد وتبديل الرصاص ونحوه، ولا يشمل تبديل المغشوش المذكور بعده، ومعنى الإطلاق فِي المغشوش كان رضا قابضه بالحضرة أم لا، ولا شك (¬6) أن الغش نقصان صفة لا قدراً، والرصاص الصرف ونحوه متردد بينهما، وقد درج المصنف على إلحاقه بالقدر. وأُجْبِرَ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يُعَيَّنْ. قوله: (وأُجْبِرَ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يُعَيَّنْ) الضمير فِي (عَلَيْهِ) يعود على الإتمام الذي هو تكميل الوزن، والعدد وتبديل الرصاص ونحوه. ¬
وإِنْ طَالَ نُقِضَ إِنْ قَامَ بِهِ. قوله: (وَإِنْ طَالَ (¬1) نُقِضَ إِنْ قَامَ بِهِ) كأنه يشمل نقص الوزن وشبهه كالرصاص الصرف والمغشوش غير المعين، بدليل ما بعده، ومفهوم قوله: (إن قام به) أنه إن رضي [به] (¬2) صح وإن طال. فإن قلت: هذا خلاف مفهوم قوله أولاً: (وإن رضي بالحضرة)؟ قلت: قصاراه تعارض مفهومين فِي محل مختلف فيه فخطبه سهل. كَنَقْصِ الْعَدَدِ، وهَلْ مُعَيَّنُ مَا غُشَّ كَذَلِكَ أَوْ يَجُوزُ فِيهِ الْبَدَلُ؟ تَرَدُّدٌ. قوله: (كَنَقْصِ الْعَدَدِ) ظاهره أن نقص العدد يوجب النقص مع الطول قام به أم لا، بِخِلافِ نقص الوزن، فكأنه فرق فِي هذا المحل بين نقص الوزن والعدد بِخِلافِ ما تقدم، وقد صرح فِي " التوضيح " بتعاكس المشهورين فيهما فقال: المشهور جواز الرضا مُطْلَقاً؛ لكن بشرط أن يكون النقص فِي الوزن وأما إن كان النقص فِي العدد فإنه لا يجوز الرضا على المشهور. انتهى (¬3) وعهدته عليه والذي رأيت لِلَّخْميّ: أن النقص فِي الصرف على وجهين فِي العدد وفِي الوزن، وهو فِي الوزن على وجهين: أحدهما: أن تكون الدنانير مجموعة. والثاني: أن تكون عددا كالقائمة والفرادى فيجد (¬4) كل دينار ناقصاً عن الوزن المعتاد، فإن انعقد الصرف على مائة دينار عددا أو على الوزن إِلا أنها غير معينة فوجد تسعة وتسعين (¬5) فالمشهور [من المذهب] (¬6) أن الصرف ينتقض قام بحقه فِي ذلك النقص أو لَمْ يقم، وإن كان الصرف على قائمة أو فرادى أو ما أشبه ذلك مما الصرف فيه على العدد، ¬
فوجد (¬1) بعضها تنقص عن الوزن المعتاد كان كالزائف إن تمسك به ولَمْ يقم صح الصرف. وإن رده دخل الخلاف: هل ينفسخ ما ينوبه أو جميع الصرف؟ لِلَّهِ وحَيْثُ نُقِضَ فَأَصْغَرُ دِينَارٍ، إِلا أَنْ يَتَعَدَّاهُ فَأَكْبَرُ مِنْهُ، لا الْجَمِيعُ، وهَلْ ولَوْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ دِينَارٍ؟ تَرَدُّدٌ. قوله: (وحَيْثُ نُقِضَ فَأَصْغَرُ دِينَارٍ) الباجي: لكراهة قطع الدنانير المضروبة، وقال ابن رشد فِي رسم تأخير صلاة العشاء، من سماع ابن القاسم، من كتاب الصرف: الدنانير المقطوعة يختلف فِي كراهة قطعها والصحاح (¬2) المدورة النقص التي لا تجوز إِلا بالوزن يتفق على كراهة قطعها، وأما القائمة التي تجوز عدداً فقطع الزائد منها على وَزنها المعلوم جائز لمن استصرفها ومكروه لمن باع بها. وأما ردها ناقصة فمكروه فِي البلد الذي تجوز فيه ناقصة، وحرام فِي البلد الذي لا تجوز فيه ناقصة (¬3). وقال فِي أول سماع أشهب منه: الدنانير التي قطعها من الفساد فِي الأرض هي (¬4) الدنانير القائمة التي تجوز عددا بغير وَزن، فإذا قطعت فردت ناقصة اغترّ بها الناس فكان ذلك من الفساد فِي الأرض، وقد قيل فِي قوله تعالى حكاية عن قوم شعيب: {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87] إنه قطع الدنانير والدراهم، وقيل التراضي بالربا، وقيل منع الزكاة، وأولى ما قيل أنهم أرادوا جميع ذلك (¬5)، وأما قطع الدنانير المقطوعة فليس من الفساد [في الأرض] (¬6)، إنما هو مكروه، فرأى مالك قطعها لتوقّي شبهة الربا أفضل من ¬
تركها لمن اقتضى دنانير فوجد [فيها] (¬1) فضلاً عن حقه فلا يعطيه عن الفضل دراهم، ولكن يقطع منها ما فضل فيرده على الدافع (¬2). انتهى مختصراً. وهَلْ يُفْسَخُ فِي السِّكَكِ أَعْلاهَا أَوِ الْجَمِيعُ؟ قَوْلانِ، وشَرْطُ الْبَدَلِ جِنْسِيَّةٌ، وتَعْجِيلٌ، وإِنِ اسْتُحِقَّ مُعَيَّنٌ سُكَّ بَعْدَ مُفَارَقَةٍ، أَوْ طُولٍ، أَوْ مَصُوغٌ مُطْلَقاً نُقِضَ، وإِلا صَحَّ، وهَلْ إِنْ تَرَاضَيَا؟ تَرَدُّدٌ. ولِلْمُسْتَحِقِّ إِجَازَتُهُ إِنْ لَمْ يُخْبَرُ الْمُصْطَرِفُ [بِتَعَدٍّ] (¬3) وجَازَ مُحَلًّى، وإِنْ ثَوْباً يَخْرُجُ مِنْهُ [عين] (¬4)، إِنْ سُبِكَ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ إِنْ أُبِيحَتْ، وسُمِّرَتْ، وعُجِّلَ [بِغَيْرِ صِنْفِهِ] (¬5) مُطْلَقاً، وبِصِنْفِهِ إِنْ كَانَ الثُّلُثَ، وهَلْ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالْوَزْنِ؟ خِلافٌ، وإِنْ حُلِّيَ بِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِأَحَدِهِمَا، إِلا إِنْ تَبِعَا الْجَوْهَرَ. وَجَازَتْ مُبَادَلَةُ الْقَلِيلِ (¬6) الْمَعْدُودِ دُونَ سَبْعَةٍ بِأَوْزَنَ مِنْهَا بِسُدُسٍ سُدُسٍ. قوله: (وَهَلْ يُفْسَخُ فِي السِّكَكِ أَعْلاهَا أَوِ الْجَمِيعُ (¬7) قَوْلانِ) كذا فرّعه (¬8) المازري على المشهور من اختصاص النقض بدينار إن أمكن ونسب الأول لأصبغ ووجّهه بأن العيب من جهة دافع الدراهم المردودة، فيكون مدلساً إن علم بالزائف ومقصراً فِي الانتقاد إن لَمْ يعلم به، فأمر أن يرد أجود ما فِي يديه من الدنانير، ونسب الثاني لسحنون، ووجّهه بأنه إذا كانت الدنانير سكّة مختلفه لَمْ يتأت الجمع فِي دينار وَاحد لأجل أن الدينار الذي تجتمع فيه الأجزاء تختلف فيه الأغراض [67 / أ] من المصطرفين (¬9)، فوجب فسخ الجميع. وقول الشارح فِي " الكبير ": ويجري على [المشهور] (¬10) فيما تقدم أن الفسخ يختص ¬
بالدينار الأصغر، إِلا أن يزيد عليه أن يختصّ الفسخ هنا بالدينار الأدنى إِلا أن يزيد [المنقوص أو المغشوش] (¬1) على قيمته، فينتقل إلى ما هو فوقه .. كلام فيه نظر. قوله: (والأَصَحّ تخصيصه بالمسكوك) (¬2). جيد وفِي إجباره على البدل خلاف كما قال: (وهل إن تراضيا تَرَدُّدٌ). والأَجْوَدُ أَنْقَصُ، [وو الأوزن] (¬3) أَجْوَدُ سِكَّةً مُمْتَنِعٌ، وإِلا جَازَ، ومُرَاطَلَةُ عَيْنٍ بِمِثْلِهِ بِصَنْجَةٍ أَوْ كَفَّتَيْنِ ولَوْ لَمْ يُوزَنَا عَلَى الأَرْجَحِ، وإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَعْضُهُ أَجْوَدَ، لا أَدْنَى وأَجْوَدُ. قوله: (والأَجْوَدُ أَنْقَصُ [أو الأوزن] (¬4) الأَجْوَدُ سِكَّةً مُمْتَنِعٌ) كذا فِي بعض النسخ وهو الصواب (¬5)، فأما الأجود الأنقص فالدوران فيه ظاهر، وأما الأوزن الأجود سكة فقال فِي الأمهات: قلت فإن كانت سكة الوازن أفضل قال: قال مالك: لا خير فِي هاشمي ينقص خروبة بقائمٍ عتيق وَازن، فتعجّبت (¬6) منه فقال لى طليب ابن كامل: لا تتعجب؛ قاله ربيعة، ابن القاسم: لا أدري من أين أخذه ولا بأس به عندي (¬7). واختصره أبو سعيد: وإن سألته أن يبدل لك ديناراً هاشمياً ينقص خروبة بدينار عتيق ¬
قائمٍ وَازن فلا خير فيه عند ربيعة ومالك، وقال ابن القاسم: لا بأس به عندي (¬1). قال اللَّخْمِيّ: إن كانت سكّة الأوزن أجود فكرهه مالك وأجازه ابن القاسم قال: ووجّهه شيخنا أبو الطيب بن خلدون باختلاف نفاق السكك فِي البلاد زاد ابن بشير: كمنع اقتضاء سمراء من محمولة زاد ابن شاس: وفتح من شعير قبل الأجل (¬2) أي: فِي القرض، فقال ابن عبد السلام: تبع أبا الطيب على هذا التعليل أكثر الشيوخ، ولا شكّ أنه ربما يكون هذا الذي قاله ولكنه ليس بأكثر؛ إنما هو نادر فلا ينبغي أن يعتبر فِي الأحكام؛ ولهذا تعجب ابن القاسم منه، على أن الموضع الذي تعجب فيه ابن القاسم ظاهره (¬3) أن الأزيد فيه كان أجود جوهرية لا فِي السكّة، إذ لا يمكن أن يقال أن سكة العتيق وهو القديم (¬4) الذي ضرب فِي أيام بني مروان خير من سكة الهاشمي الذي ضرب فِي أيام بني العباس؛ لأن هذه الفتوى إنما كانت بعد ظهور الدينار العباسي، ولَمْ يظهر إِلا بعد انقراض دولة بني مروان، فالترجيح بينهما إنما هو من جهة أن المرواني أوزن وأجود ذهباً وهذا هو المعروف فِي صفة العتيق؛ وبهذا يتبين لك أن انتصارهم (¬5) لمالك بمسألة اقتضاء القمح من الشعير السلف قبل حلول أجله غير بيّن؛ فإن الشعير قد يراد للعلف وشبهه الذي يقوم (¬6) فيه القمح مقامه، بِخِلافِ رديء القمح مع جيّده. إلا أن ابن الحاجب لما كان محل القولين عنده إنما هو إذا كانت الجودة من جهة السكة لا من جهة الجوهرية - جاء احتجاجه بمسألة الشعير الذي يوافق ابن القاسم (¬7) عليه حسناً جيداً (¬8) انتهى. ¬
على أن ابن عرفة قد زاد بحثاً فِي المسألة فقال بعد ذكر النقول التي قدمناها: هذا كلّه تسليم منهم بجري قول ابن القاسم على القياس، وصحة قوله لأسد (¬1) وسحنون: لا أدري من أين أخذه وكلاهما غير صحيح، أما الأول: فلأن الهاشمي الأنقص اختصّ بقبح النقص وفضل السكة؛ لأنها الثابتة الناسخة لسكة العتيق، والعتيق اختص بفضل الوزن (¬2) والطيب على ما قال ابن عبد السلام واختص بقبح السكة فقد دار الفضل [من الجهتين] (¬3) فيجب المنع، وهو قول مالك بِخِلافِ قول ابن القاسم وتعجبه وموافقة (¬4) طُليب له حيث اعتذر بأن ربيعة قاله، وبه يتبين عدم صحة قوله: لا أدري. والأَكْثَرُ عَلَى تَأْوِيلِ السِّكَّةِ والصِّيَاغَةِ كَالْجَوْدَةِ، ومَغْشُوشٌ بِمِثْلِهِ. قوله: (والأَكْثَرُ عَلَى تَأْوِيلِ السِّكَّةِ والصِّيَاغَةِ كَالْجَوْدَةِ) إنما نسب ابن عبد السلام للأكثر نقيض هذا، وتبعه فِي " التوضيح " (¬5) والطرق فيها متشعبة، وقد استوفاها ابن عرفة. وبِخَالِصٍ. والأَظْهَرُ خِلافُهُ. قوله: (وبِخَالِصٍ. وَالأَظْهَرُ خِلافُهُ) أشار به لقول ابن رشد، فِي رسم البيع والصرف، من سماع أصبغ: كان الشيوخ يختلفون فِي مراطلة الذهب الخالصة بالذهب التي ليست بخالصة، فمنهم من كان يجيز ذلك قياسا على قول أشهب يعني فِي " المدونة " حيث أجاز بيع الدراهم (¬6) الستوق (¬7) بالدراهم الجياد وزنا بوزن، (¬8) ومنهم من كان لا يجيز ذلك؛ لما ¬
فيه من التفاضل بين الذهبين، ويتأول قول أشهب على اليسير من الدراهم، قياساً على جواز بدل ناقص بوازن فِي العدد [67 / ب] اليسير من الدراهم على وجه المعروف وهو الصحيح (¬1). [و] (¬2) لِمَنْ يَكْسِرُهُ أَوْ لا يَغِشُّ [بِهِ] (¬3). وكُرِهَ لِمَنْ لا يُؤْمَنُ، وفُسِخَ مِمَّنْ يَغِشُّ، إِلا أَنْ يَفُوتَ، فَهَلْ يَمْلِكُهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِالْجَمِيعِ أَوْ بِالزَّائِدِ عَلَى مَنْ لا يَغِشُّ؟ أَقْوَالٌ، وقَضَاءُ قَرْضٍ بِمُسَاوٍ وأَفْضَلُ صِفَةً. وإِنْ حَلَّ الأَجَلُ بِأَقَلَّ صِفَةً وقَدْراً، لا أَزْيَدَ عَدَداً أَوْ وَزْناً، إِلا كَرُجْحَانِ مِيزَانٍ أَوْ دَارَ فَضْلٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وثَمَنُ الْمَبِيعِ مِنَ الْعَيْنِ كَذَلِكَ، وجَازَ بِأَكْثَرَ، ودَارَ الْفَضْلُ [مِنَ الْجَانِبَيْنِ] (¬4) بِسِكَّةٍ وصِيَاغَةٍ وجودةٍ. وإِنْ بَطَلَتْ فُلُوسٌ فَالْمِثْلُ. أَوْ عُدِمَتْ، فَالْقِيمَةُ وَقْتَ اجْتِمَاعِ الاسْتِحْقَاقِ والْعَدَمِ. قوله: (وَلِمَنْ (¬5) يَكْسِرُهُ أَوْ لا يَغِشُّ) كذا هو [بواو] (¬6) العطف فِي أوله فهو أعمّ من أن يكون فِي بيع أو صرف أو مراطلة (¬7). وتُصُدِّقَ بِمَا غُشَّ ولَوْ كَثُرَ، إِلا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى كَذَلِكَ، إِلا الْعَالِمَ بِعَيْبِهِ كَبَلِّ الْخُمُرِ (¬8) بِالنِّشَاءِ، وسَبْكِ ذَهَبٍ جَيِّدٍ ورَدِيءٍ، ونَفْخِ اللَّحْمِ. قوله: (وَتُصُدِّقَ بِمَا غُشَّ ولَوْ كَثُرَ، إِلا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى كَذَلِكَ، إِلا الْعَالِمَ بِعَيْبِهِ كَبَلِّ الخُمُر بِالنِّشَاءِ، وسَبْكِ ذَهَبٍ جَيِّدٍ ورَدِيءٍ، ونَفْخِ اللَّحْمِ) هذا كله مسلوخ من كلام ¬
اللَّخْمِيّ آخر، كتاب الصرف، قال بعد ما ذكر غش هذه الأشياء وما شاكلها من لبن وزعفران ومسك: ويجوز على قول مالك الصدقة بذلك كله، وعلى قول ابن القاسم: تغسل الخُمُر حتى يذهب ذلك منها، ولا يتصدّق بها (¬1) عليه، ويعاقب، فالخلاف فِي القليل: هل يطرح أو يتصدّق به عليه والخلاف فِي الكثير هل يتصدق به أو يترك لصاحبه ويعاقب. انتهى فاختار المصنف قول مالك، وأشار بلو لقول ابن القاسم. ¬
باب المطعومات
[باب المطعومات] عِلَّةُ طَعَامِ الرِّبَا اقْتِيَاتٌ وادِّخَارٌ (¬1). وهَلْ لِغَلَبَةِ [48 / أ] الْعَيْشِ؟ تَأْوِيلانِ، كَبُرٍّ (¬2) وشَعِيرٍ، وسُلْتٍ، وهِيَ جِنْسٌ؟ وعَلَسٍ، وأُرُزٍّ، ودُخْنٍ، وذُرَةٍ، وهِيَ أَجْنَاسٌ، وقُطْنِيَّةٍ، ومِنْهَا كِرْسِنَّةٌ، وهِيَ أَجْنَاسٌ. وتَمْرٍ، وزَبِيبٍ، ولَحْمِ طَيْرٍ، وهُوَ جِنْسٌ. ولَوِ اخْتَلَفَتْ مَرَقَتُهُ كَدَوَابِّ الْمَاءِ، وذَوَاتِ الأَرْبَعِ، وإِنْ وَحْشاً، والْجَرَادِ. وَفِي رِبَوِيَّتِهِ خِلافٌ وفِي جِنْسِيَّةِ الْمَطْبُوخِ مِنْ جِنْسَيْنِ قَوْلانِ، والْمَرَقُ، والْعَظْمُ، والْجِلْدُ كَهُوَ. قوله: (كَبُرٍّ وشَعِيرٍ، وسُلْتٍ، وهِيَ جِنْسٌ). المازري: لَمْ يختلف المذهب أن القمح والشعير جنسٌ وَاحد، ورأي السيوري أنهما جنسان، ووافقه على ذلك بعض من أخذ عنه. ابن عرفة: قال غير المازري هو عبد الحميد الصائغ قال: وفِي إجراء قول السيوري فِي السلت نظر، والأَظْهَر عدمه؛ لأنه أقرب للقمح من الشعير. ويُسْتَثْنَى قِشْرُ بَيْضِ النَّعَامِ، وذُو زَيْتٍ كَفُجْلٍ، والزُّيُوتُ أَصْنَافٌ كَالْعُسُولِ، لا الْخُلُولِ، والأَنْبِذَةِ. قوله: (وذُو زَيْتٍ كَفُجْلٍ) مما اندرج فيه الكتان، وقد قال ابن عرفة: وفِي كون بزر الكتان ربوياً رواية زكاته، ونقل اللَّخْمِيّ عن ابن القاسم: لا زكاة فيه إذ ليس بعيش. القرافي: وهو ظاهر المذهب. انتهى (¬3)، ثم قال بعد بنحو خمسة أوراق قال ابن حارث: اتفقوا فِي كل زيت يؤكل أنه ربوي وأجاز ابن القاسم التفاضل فِي زيت الكتان؛ لأنه لا يؤكل وقال أشهب: لا يباع قبل قبضه. المارزي: قال بعض أشياخي: إن دهن اللوز غير ربوي؛ لأنه لا يستعمل غالباً عندنا إِلا دواءً (¬4) وهو بعيد عن أصل المذهب، لأن بعض القوت والإدام يترك أكلها لغلائها، ودهن الورد والياسمين والبنفسج ونحوها، إنما يتخذ دواء فتخرج عن حكم الطعام عند بعض أشياخي. ¬
ابن عرفة: ما ذكره عن بعض أشياخه هو نصّ اللَّخْمِيّ، وقولهما فِي زيت الورد ونحوه يقتضي عدم وقوفهما عليه للمتقدمين. وفي رسم أسلم، من سماع عيسي، من ابن القاسم، من كتاب السلم والآجال: لا يعجبني الزنبق والخيري (¬1) بعضه ببعض إلى أجل متفاضلاً؛ لأن منافعه واحدة. ابن رشد: هذه أدهان حكم لها بحكم [الصنف] (¬2) الواحد على أصله فِي مراعاة المنافع دون الأسماء (¬3). والأَخْبَازِ، ولَوْ بَعْضُهَا قُطْنِيَّةً إِلا الْكَعْكَ بِأَبْزَارٍ، وبَيْضٍ، وسُكَّرٍ، وعَسَلٍ. قوله: (والأَخْبَازِ، ولَوْ بَعْضُهَا قُطْنِيَّةً) هذا المشهور عند ابن رشد وهو خلاف قول ابن جماعة: وأخبازها كأصولها. ومُطْلَقِ لَبَنٍ، وحُلْبَةٍ وهَلْ إِنِ اخْضَرَّتْ؟ تَرَدُّدٌ. ومُصْلِحُهُ كَمِلْحٍ، وبَصَلٍ، وثُومٍ وتَابِلٍ كَفُلْفُلٍ، وكُزْبَرَةٍ، وكَرَاوِيَا، وآنِيسُونٍ، وشَمَارٍ، وكَمُّونَيْنِ - وهِيَ أَجْنَاسٌ. قوله: (ومُطْلَقِ لَبَنٍ) هذا المعروف من المذهب، وقال اللَّخْمِيّ فِي كتاب السلم الثالث: يُختلف فِي بيع المخيض بالمخيض، والمضروب بالمضروب متفاضلا لأنهما لا يدخران، [فمن منع] (¬4) التفاضل بينهما منع أن يباع شيء منهما بحليب أو زبد أو سمن أو غيره مما تقدم ذكره؛ لأنه كالرطب باليابس، ومن أجاز التفاضل أجاز بيع أحدهما بأي ذلك أحب من الحليب وغيره. وقال مالك فِي " المدوّنة ": ولا بأس بالسمن باللبن الذي قد أخرج زبده (¬5)، وهذا لا يصح إِلا على القول أن التفاضل بينهما جائز؛ لأنه كالرطب باليابس، وأرى أن يجوز التفاضل فِي المخيض بالمضروب؛ لأنه مما لا يدخر، ومن منع ذلك حمله على الأصل، والاختلاف فيه كالاختلاف فِي التين [والعنب] (¬6) الشتوى هل ¬
يمنع التفاضل فيه ويحمل على الغالب من جنسه أو يجوز لأنه لا يدخر فِي نفسه، وذكر المازري أخذ هذا من " المدونة " ولم يتعقبه. وقال ابن بشير فِي كتاب التنبيه: ذكر اللَّخْمِيّ أن المذهب اختلف فِي اللبن المخيض، ولا نجد ذلك فِي المذهب؛ لأن اللبن مقتات وإن لَمْ يدخر [فدوامه كادخاره، والدليل عليه أنه لَمْ يختلف المذهب [68 / أ] أن الربا جار (¬1) فِي لبن الإبل وإن لَمْ يعمل منه ما يدخر] (¬2)، وإنما هذا لأنه متكرر الوجود، فأشبه ما يدخر للقوت، وإن اعتذر بأن لبن الإبل يعمل منه المصل (¬3)، وهو مدخر فهذا غير صحيح؛ لأن المصل صورة نادرة، وأَيْضاً فإنه لا يدخر للقوت بل للتصرف فِي الطبخ كالأباريز. ولما ذكر ابن شاس ما أخذ اللَّخْمِيّ من " المدونة "، قال: قال أبو الطاهر: فيما عوّل عليه نظر، ولعلّ قوله فِي " المدونة " مبني على أن السمن صيرته النار والصنعة جنساً آخر (¬4)، ولما ذكر ابن الحاجب تخريج اللَّخْمِيّ قال تبعاً لابن شاس: ورده ابن بشير بأن السمن نقلته الصنعة والنار، ثم زادوهما فإن بعده، فأما بلبن فيه زبد فلا (¬5). ابن عبد السلام: هذا الذي ردّ به على ابن بشير فِي غاية الظهور، إذ لو كانت النار والصنعة ناقلتين فِي هذا الموضع لجاز بيع الزبد بالسمن، وبيع اللبن الذي فيه زبد بالسمن؛ لحصول الصنعة والنار فِي السمن، وأما رده على اللَّخْمِيّ فقلق، وإنما يتوجه عليه الردّ أن لو كان تخريج اللَّخْمِيّ فِي كلّ لبن مضروب أو غير مضروب، فأما إذا كان تخريجه فِي المضروب وحده فإنه لا يتناوله أصلاً. انتهى. وتكلّف فِي " التوضيح " له توجيهاً بعيداً (¬6). وقال: ابن عرفة: توهيم ابن الحاجب ابن ¬
بشير بما ذكر من لفظ " المدونة " بيّن، ويجاب بأن مراده بالصنعة مجموع المخض، وما بعده لا ما بعده فقط. وتوهيمه اللَّخْمِيّ وهم. انتهى. وبقيت فيها مباحث (¬1) بين ابن عبد السلام وابن عرفة، فشأنك بها إن وجدت المكان والإمكان، ومساعدة المذاكرين الأعيان. لا خَرْدَلٍ، وزَعْفَرَانٍ، وخُضَرٍ (¬2)، ودَوَاءٍ، وتِينٍ، ومُوزٍ، وفَاكِهَةٍ ولَوِ ادُّخِرَتْ بِقُطْرٍ. قوله: (لا خَرْدَلٍ، وزَعْفَرَانٍ، وخُضَرٍ، ودَوَاءٍ، وتِينٍ) أما الخردل والخضر فما فيهما معروف، وأما الزعفران فقال ابن عرفة: قال ابن سحنون: اتفق العلّماء أن الزعفران جائز بيعه قبل استيفائه، ونقله ابن يونس بلفظ: أجمع العلّماء أنه ليس بطعام. وفي " تهذيب الطالب " قال عبد الحقّ: رأيت لابن سحنون من منع سلف زعفران فِي طعامٍ لأجل: يستتاب، فإن لَمْ يتب ضربت عنقه؛ لإجماع الأمة على إجازته (¬3)، فسألت أبا عمران عن ذلك؟ فقال: إن ثبت عنده ذلك الإجماع بخبر الواحد لَمْ يستتب، وإن ثبت له بطريق يحصل له العلم فذلك يستتاب. ابن عرفة: الصحيح أن الإجماع الذي يستتاب منكره ما كان قطعياً، وهو ما بلغ عدد قائله عدد التواتر، ونقل متواتراً على خلافٍ فيه. ثالث الأقوال: إن كان نحو العبادات الخمس، وما نقلوه من الإجماع فِي الزعفران لَمْ أجده فِي كتب الإجماع، ومن أوعبها كتاب الحافظ أبي الحسن بن القطان، ووقفت على نسخةٍ منه بخطه فلم أجده فيها بحال. وأما الدواء فكالصبر والشاهترج (¬4)، ومعناه بالعجمية: سلطان العشب، [قيل] (¬5): وهو المسمى عندنا بقول الصيب. ¬
وفي " النوادر " قال ابن القاسم فِي حب الغاسول: ليس بطعام وإن كان تأكله الأعراب إذا أجدبوا. وفِي " النوادر " عن ابن حبيب: الحرف دواء، ويجوز بالحلباء إلى أجل متساوياً ومتفاضلاً. انتهى. والحرف هو حبّ الرشاد، وفيه قوة حتى قالوا: اسقه الحرف وألقه من الجرف (¬1). وقال ابن عرفة من عند نفسه: النارنج غير طعام، والليم طعام. وأما التين فالبحث فيه معروف، ولكن وقع فِي آخر سماع أصبغ من كتاب السلم والآجال: قال أصبغ: لا بأس ببيع ذكار (¬2) التين بالتين إلى أجل متفاضلاً وغيره، وهو مثل النوى بالتمر (¬3). ابن رشد: هذا صحيح؛ لأن الذكار لا يؤكل بحال، فحكمه حكم العرض باتفاق (¬4). وأمّا التمر بالنوى فاختلف فيه قول مالك؛ من أجل ما فِي التمر من النوى، فأجازه مرة وكرهه مرة وفصّل مرة بين النقد والآجل وشبهه أصبغ به على مذهبه. وكَبُنْدُقٍ، وبَلَحٍ إِنْ صَغُرَ، ومَاءٍ. وَيَجُوزُ بِطَعَامٍ لأَجَلٍ، والطَّحْنُ، والْعَجْنُ، والصَّلْقُ إِلا التُّرْمُسَ، والتَّنْبِيذُ لا يَنْقُلُ، بِخِلافِ خَلِّهِ. قوله: (وكَبُنْدُقٍ) لا يخفى اندراج الجوز ونحوه تحت هذه الكاف، وأما البلوط فقال سند ابن عنان: يختلف فيه، [على] (¬5) الخلاف فيما يدّخر نادره، وقبله ابن عرفة. وطَبْخِ لَحْمٍ بِأَبْزَارٍ، وشَيِّهِ، وتَجْفِيفِهِ بِهَا، والْخُبْزِ، وقَلْيِ قَمْحٍ وسَوِيقٍ. قوله: (وطَبْخِ لَحْمٍ بِأَبْزَارٍ) (الأبزار) بفتح الهمزة جمع بزر، فيدخل فيه سائر التوابل السابقة، قال اللَّخْمِيّ: قال ابن حبيب فِي القديد والمشوي بيع أحدهما بالآخر [68 / ب] ¬
أو بالنيئ مثلاً بمثل لا يجوز؛ لأنه رطب بيابس (¬1)، وهذا (¬2) إذا كان لا أبزار فيهما أو فيهما أبزار، فإن كان الأبزار فِي أحدهما جاز مثلاً بمثل ومتفاضلا. قال ابن حبيب: وذلك إذا غيرته الصنعة بالتوابل والأبزار التي عظمت فيها النفقة (¬3)، فأما ما طبخ بالماء والملح فلا. قال ابن عرفة: فإن أضيف إلى الماء والملح بصل فقط أو ثوم - فكان بعض شيوخنا يراه معتبراً وهو مقتضى (¬4) آخر كلام ابن حبيب خلاف مقتضى أوله. وسَمْنٍ، وجَازَ تَمْرٌ، ولَوْ قَدُمَ بِتَمْرٍ، وحَلِيبٌ، ورُطَبٌ، ومَشْوِيٌّ. وَقَدِيدٌ، وعَفِنٌ، وزُبْدٌ وسَمْنٌ. قوله: (وسَمْنٍ) عدّ السمن فيما نقلته الصنعة كالجنوح إلى قول ابن بشير وقد تقدّم ما فيه عند قوله: (ومطلق لبن)، وقد عرفت قوله فِي كتاب: السلم الثالث من " المدونة ": ويجوز السمن بلبن أخرج زبده، فأما بلبن فيه زبده فلا يجوز (¬5). وعليه يحوم المصنف، إِلا أنّ جعله السمن منخرطاً فِي سلك المنقولات بالصنعة يعطي جواز السمن بلبنٍ فيه زبدة، بل وبالزبد وليس كَذَلِكَ، وقد ينفصل عنه بجواب ابن عرفة عن توهيم ابن بشير فراجعه. وبالله تعالى التوفيق. وَجُبْنٌ وأَقِطٌ بِمِثْلِهَا. قوله: (وجُبْنٌ وأَقِطٌ بِمِثْلِهَا) فِي " النوادر ": قال ابن حبيب: والجبن كلّه صنف بقريه وغنميه لا يجوز فيه التفاضل، ولا رطبه بيابسه (¬6). كَزَيْتُونٍ، ولَحْمٍ، لا رَطْبِهِمَا بِيَابِسِهِمَا، ومَبْلُولٍ بِمِثْلِهِ. قوله: (كَزَيْتُونٍ، ولَحْمٍ، لا رَطْبِهِمَا بِيَابِسِهِمَا) كذا فِي أكثر النسخ بتثنية الضميرين، فيكون لفظ رطبهما مجروراً عطفاً على ما بعد الكاف، وهو الجاري على اصطلاحه فيما بعد ¬
كاف التشبيه، وهو أَيْضاً مناسب لعبارة ابن الحاجب، وفِي بعض النسخ (لا رطبهما بيابسها) بضمير المؤنث العائد على أكثر من اثنين، فيدخل فيه رطب الجبن بيابسه كما تقدّم، والرطب بالتمر كما يأتي وحينئذ يقلق الكلام؛ لأنك إذا عطفت لفظ رطبها على ما بعد الكاف لَمْ يطابقه، وإذا عطفته على المرفوعات قبل الكاف خرج الزيتون واللحم، وإليهما انصبّ معظم القصد، لكن يمكن أن يجعل رطبها فاعلاً بمحذوف من باب عطف الجمل، وفيه تكلّف فكان الضبط الأول أولى. فأما الزيتون، ففي رسم أوصي أن ينفق على أمهات أولاده (¬1)، من سماع عيسى، من كتاب جامع البيوع، قال ابن رشد: بيع الزيتون الغضّ الطري بالزيتون الذي قد ذبل وعلم أنه قد نقص كيلاً بكيل، لا خلاف أنه لا يجوز (¬2). وذكر ابن الحاجب فِي رطبه بيابسه بتحري النقص قولين (¬3)؛ فقال ابن عرفة: لَمْ أجد من ذكر القولين نصاً فيه، وتخريجهما (¬4) من غيره واضح. انتهى. [وو قول] (¬5) صاحب " التوضيح " وَمن تبعه: القَوْلانِ فِي " المدونة " وهم (¬6)، وأما اللحم فقال فِي " المدونة ": ولا خير فِي اللحم النيء الغريض بقديد يابسٍ أو مشويٍ، لا متساوياً ولا متفاضلاً، وإن تحرى؛ [إذ لا يحاط] (¬7) بتحريه، وإلى هذا رجع مالك وهو أحبّ قوليه إليّ، بعد أن كان أجازه تحرياً (¬8). وجعل اللَّخْمِيّ شرط بيع اللحم بمثله من جنسه، كون الذبح [فيهما] (¬9) فِي وَقتٍ وَاحد أو متقارب، قال: فإن بعدا أو جفّ الأول لَمْ ¬
يجز وَزناً ويختلف فيه على تحري النقص، ويجوز تفضلاً من ربّ الأول إن لَمْ يكن أدنى كالدنانير الناقصة بالوازنة. ابن عرفة منع قطع الدنانير صيّر وزنه كجودته، وقطع اللحم متيسر. تكميل: قال اللَّخْمِيّ: لا يجوز الرطب بالتمر مثلا بمثل، ويختلف إذا تحريا نقص الرطب إذا جفّ، وقد اختلف قول مالك فِي بيع الطري من اللحم باليابس على التحرّي، وفِي العجين بالدقيق على التحرّي، وأجاز فِي كتاب محمد رطب الخبز بيابسه على التحري، والمنع فِي جميع ذلك أحسن؛ لأن الفضل فِي ذلك محرّم وإن قلّ، والتحرّي لا يأتي على حقيقة المماثلة، وقد ذكر ابن بشير تخريج اللَّخْمِيّ وقال: ليس كما ظنّه؛ فإن الرطب حالة كماله اليبس، وله يراد، واللحم حال كماله الرطوبة، واليبس تغّير [عن] (¬1) كمال؛ فلذا ألغي فِي أحد القولين، والعجين دقيق أضيف إليه شيء فجاز بيعه بالدقيق، وقبله ابن عبد السلام. وحاصله التفريق بأن الرطوبة فِي اللحم كمال لا اليبس، وفِي التمر على العكس وكون هذا ردّاً للقياس لا ينهض بل يردّ بأن نفس الرطب من اللحم قد يعود يابساً، فالتحرّي فيه قريب الصدق لإمكان تجربته طرياً ويابساً، وعين الرطب لا تصير تمراً فلا تمكن تلك التجربة (¬2) فيه، وبأنه قياس فاسد الوضع؛ لأنه فِي معرض النص وتقدّم نحو هذا فِي شحم الميتة. ولَبَنٍ بِزُبْدٍ، إِلا أَنْ يُخْرَجَ زُبْدُهُ. واعْتُبِرَ الدَّقِيقُ فِي خُبْزٍ بِمِثْلِهِ كَعَجِينٍ بِحِنْطَةٍ أَوْ دَقِيقٍ. وجَازَ قَمْحٌ بِدَقِيقٍ. قوله: (ولَبَنٍ بِزُبْدٍ، إِلا أَنْ يُخْرَجَ زُبْدُهُ) لو قال ولبن بزبد أو سمن وأسقط ذكر السمن من المنقولات [69 / أ] السابقة لكان أسعد بموافقة " المدونة " (¬3). ¬
فائدة: أنشد الشيخ أبو الحسن الصغير لبعضهم: السَّمْنُ والزُّبْدُ والأَجْبَانُ والْأَقِطُ ... فَالسَّمْنُ بِالزُّبْدِ كُلٌّ لا يَجُوزُ مَعَا وَالْجُبْنُ بِالأَقِطِ الْمَذْكُورِ بَيْعُهُمَا ... مُمَاثِلاً ذَاكَ عِنْدِي لَيْسَ مُمْتَنِعَا إن الْحَلِيبَ بِهَذَا الْكُلِّ مُمْتَنِعٌ ... وبِالضَّرِيبِ مُبَاحٌ مَا قَدْ امْتَنَعَا أَمَّا الْحَلِيبُ فَبِالْمَضْرُوبِ بِعْهُ ... ولا تَبْغِ الزِّيَادَةَ فِي شَيْءٍ فَيَمْتَنِعَا قال: وما ذكره من جواز بيع الجبن بالأقط متماثلا جاز على مفهوم كلام أبي إسحاق؛ لأنه قال: أما الجبن بالمضروب ففيه اختلاف فمن أجازه فعنده أنه لا يمكن أن يخرج من المضروب جبن بحال، ومن كرهه أمكن أن يخرج منه الأقط عنده، والجبن بالأقط لا يجوز التفاضل فيه فظاهره جواز التماثل فيهما خلاف قول اللَّخْمِيّ: لا يجوز بيع شيء من هذه بالآخر. انتهى. ولو قال بدلاً من البيتين الأولين: السَّمْنُ والزُّبْدُ والأَجْبَانُ مَعَ أَقِطٍ ... لا تبتعن بعضها بالبعض إذ منعا والجُبْن إن بِعْتَهُ بالمثْلِ منْ أَقِطٍ ... فَلا يَرَاهُ أَبُو اسْحَاقَ مُمْتَنِعَا لكان أتمّ وأعمّ، وأسلم من العيب المسمى بالإشارة إلى التصريح، وهو عند أرباب القوافي قبيح جداً كالوهم والخطأ على ما ذكرنا فِي ذيل (الخزرجية). وهَلْ إِنْ وُزِنَا؟ تَرَدُّدٌ. واعْتُبِرَتِ الْمُمَاثَلَةُ بِمِعْيَارِ الشَّرْعِ، وإِلا فَبِالْعَادَةِ، فَإِنْ عَسُرَ الْوَزْنُ جَازَ التَّحَرِّي إِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَحَرِّيهِ لِكَثْرَتِهِ. قوله: (وهَلْ إِنْ وُزِنَا؟ تَرَدُّدٌ) قال ابن عبد السلام: لما ذكر ابن القصار قولي مالك فِي بيع القمح بالدقيق جمع بينهما بأن القول بالجواز محمول على الوزن، وأن القول بالمنع محمول على الكيل، وهذا الجمع غير صحيح؛ لأن قائله فسّر قول مالك بما نصّ مالك على خلافه؛ وذلك أن مالكا قال فِي كتاب: الصرف من " المدونة " أنه لا يباع القمح وَزناً (¬1)، فإذا لَمْ ¬
يجز بيعه بالدراهم ونحوها مما هو مخالف لجنسه خشية الوقوع فِي الغرر؛ لأنه عدل به عن غير مكياله، فكيف يجوز بيعه وَزناً بما يمتنع التفاضل بينه وبينه وهو دقيقه. وذكر ابن عرفة نحو هذا عن بعض شيوخه وقال: كنت أجيبه بأنه فِي البيع غرر؛ لأن المعروف فيه الكيل والموزون منه مجهول القدر، فيؤدي إلى جهل قدر المبيع، وفِي المبادلة بين القمحين إنما المقصود اتخاذ قدر ما يأخذ وما يعطي، وهو حاصل فِي الوزن؛ ولذا أجازه اللَّخْمِيّ إذا كانت المماثلة تجوز بالكيل والوزن. تنبيه: ذكر الباجي عن " الموازية ": أن القمح بالدقيق يجوز بالرّزم كيلاً قال القباب: يعني أن الدقيق يرزم فِي المد، ويظهر أن هذا القول مشكل لاختلاف الرزم، وقد منعوا الكيل رزماً [للغرر فِي البيع] (¬1) فكيف بهذا؟. انتهى. وقد سبق ابن عبد السلام لاستشكاله فقال: وفيه نظر؛ لأن البيع بالرزم مكروه، ولو كان بالمخالف فِي الجنس فكيف بهذا؟ وقال ابن عرفة: إن أراد ابن عبد السلام كراهة تنزيه فهو تمسك منه بظاهر سماع ابن القاسم تركه أحبّ إليّ، وابن رشد حمله على الوجوب. قال: وكذا وجدته هنا رزماً بزاي بعد الراء، ويحتمل كون اللفظة (ردماً) بدال بعد الراء، والردم السدّ قاله الجوهري، فيكون مطلق الصب (¬2). ¬
باب البيوع المنهي عنها
[باب البيوع المنهي عنها] وفَسَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، إِلا بِدَلِيلٍ كَحَيَوَانٍ بِلَحْمِ جِنْسِهِ، إِنْ لَمْ يُطْبَخْ، أَوْ بِمَا لا تَطُولُ حَيَاتُهُ، أَوْ لا مَنْفَعَةَ فِيهِ، إِلا اللَّحْمَ، أَوْ قَلَّتْ فَلا يَجُوزُ إِنْ بِطَعَامٍ لأَجَلٍ كَخَصِيِّ ضَأْنٍ، وكَبَيْعِ الْغَرَرِ كَبَيْعِهَا بِقِيمَتِهَا، أَوْ عَلَى حُكْمِهِ، أَوْ حُكْمِ غَيْرِهِ، أَوْ رِضَاهُ وتَوْلِيَتِكَ سِلْعَةً لَمْ تَذْكُرْهَا، أَوْ ثَمَنَهَا بِإِلْزَامٍ، وكَمُلامَسَةِ الثَّوْبِ أَوْ مُنَابَذَتِهِ، فَيَلْزَمُ، وبَيْعِ الْحَصَاةِ. قوله: (بِإِلْزَامٍ) ينبغي أن يكون منطبقاً على قوله: (كَبَيْعِهَا بِقِيمَتِهَا) وما عطف عليه. وهَلْ هُوَ بَيْعُ مُنْتَهَاهَا. قوله: (وهَلْ هُوَ بَيْعُ مُنْتَهَاهَا؟) أي: بيع منتهى الحصاة من الأرض. أَوْ يَلْزَمُ بِوُقُوعِهَا أَوْ عَلَى مَا تَقَعُ عَلَيْهِ بِلا قَصْدٍ. قوله: (أَوْ يَلْزَمُ بِوُقُوعِهَا أَوْ عَلَى مَا تَقَعُ عَلَيْهِ بِلا قَصْدٍ) نفي القصد يرجع لهذين التأويلين معاً. أَوْ بِعَدَدِ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ؟ تَفْسِيرَاتٌ، وكَبَيْعِ مَا فِي بُطُونِ الإِبِلِ أَوْ ظُهُورِهَا، أَوْ إِلَى أَنْ يُنْتَجَ النِّتَاجُ - وهِيَ الْمَضَامِينُ والْمَلاقِيحُ - وحَبَلُ الْحَبَلَةِ، وكَبَيْعِهِ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، ورَجَعَ بِقِيمَةِ مَا أَنْفَقَ، أَوْ بِمِثْلِهِ، إِنْ عُلِمَ. [48 / ب] وَلَوْ سَرَفاً عَلَى الأَرْجَحِ ورُدَّ، إِلا أَنْ يَفُوتَ. قوله: (أَوْ بِعَدَدِ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ) عبّر عن هذا فِي " المعلم " بأن يقول: ارم بالحصاة، فما خرج كان لي بعدده دراهم أو دنانير، وكذا نقله فِي " الإكمال " وفِي " إكمال الإكمال " وعبارة اللَّخْمِيّ، وقيل: كان الرجل يضرب بالحصاة فما خرج كان له من الدنانير والدراهم (¬1) مثله قال: وهذا التأويل أبينها (¬2)؛ لأنه مجهول. ¬
وكَعَسِيبِ الْفَحْلِ يُسْتَأْجَرُ عَلَى عُقُوقِ الأُنْثَى. وجَازَ زَمَانٌ أَوْ مَرَّاتٌ، فَإِنْ أَعَقَّتِ انْفَسَخَتْ، وكَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ [يَبِيعُهَا] (¬1) بِالإِلْزَامِ بِعَشْرَةٍ نَقْداً، أَوْ أَكْثَرَ لأَجُلٍ أَوْ سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ [بِثَمَنٍ وَاحِدٍ] (¬2) إِلا لِجَوْدَةٍ ورَدَاءَةٍ، وإِنِ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا. قوله: (عَلَى عُقُوقِ الأُنْثَى) المعروف فِي اللغة: إعقاق. بصيغة الرباعي وكذا أعقت (¬3). لا طَعَامٍ وإِنْ مَعَ غَيْرِهِ كَنَخْلَةٍ مُثْمِرَةٍ مِنْ نَخَلاتٍ، إِلا الْبَائِعَ يَسْتَثْنِي خَمْساً مِنْ جِنَانِهِ، وكَبَيْعِ حَامِلٍ بِشَرْطِ الْحَمْلِ، واغْتُفِرَ غَرَرٌ يَسِيرٌ لِلْحَاجَةِ لَمْ يُقْصَدْ وكَمُزَابَنَة مَجْهُولٍ بِمَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ. قوله: (لا طعام (¬4)) أشار به لقوله آخر كتاب: الخيار من " المدونة ": وأما الطعام فلا يجوز أن يشتري منه على أن يختار (¬5) من صبر (¬6) مصبرة أو من نخيل أو شجر مثمر عدداً يسمّيه اتفق الجنس أو اختلف أو كذا وكذا عذقاً من هذه النخلة [69 / ب] يختارها المبتاع ويدخله التفاضل فِي بيع الطعام من صنفٍ وَاحد مع بيعه قبل قبضه إن كان على الكيل؛ لأنه يدع هذه وقد ملك اختيارها ويأخذ هذه وبينهما فضل فِي الكيل، ولا يجوز فيه التفاضل؛ وكَذَلِكَ إن اشترى منه عشرة آصع محموله بدينار أو تسعة سمراء على الإلزام لَمْ ¬
يجز، ويدخله ما ذكرنا وبيعه قبل قبضه، وكَذَلِكَ هذا القمح عشرة بدينار وهذا التمر عشرة بدينار إلزاماً، ويدخله بيعه قبل قبضه وهو من بيعتين فِي بيعة (¬1). وفي " التقييد ": هنا تنبيهان جيدان: أحدهما: أن تعليله بالتفاضل يدل على أنه إنما تكلّم على الربوي خاصة، وأما غيره فإن اشتراه جزافاً وَجده مكانه جاز إذا تبين الفضل، وإن كان على العدد جاز إذا كان على غير الإلزام، وإن كان على الإلزام لَمْ يجز؛ لأنه يدخله بيع الطعام قبل قبضه، فعلى هذا من أراد الخروج من الخلاف فِي شراء الخضرة فليتخيّر ما يأخذ وحينئذ يبتاعه إذ يدخله بيع الطعام قبل قبضه؛ لأنه مما يعد على القول أن بيع الطعام قبل قبضه يدخل فيما لا يدخر، وأما المزابنة (¬2) فمنتفية ليسارة القبضة، وإنما يدخل ذلك فِي الأحمال فتأمله. الثاني: أن المفهوم من قوله: فِي عشرة محمولة وتسعة سمراء لَمْ يجز؛ أنهما لو تساويا فِي الكيل لجاز، وعلى ذلك حملها فضل. وقال: إن فيه لمغمزاً؛ لأن الطعام بالطعام لا يجوز فيه خيار ساعة. وقبله عبد الحقّ فِي " التهذيب " قال: وليس يدخله بيع الطعام قبل قبضه؛ لأنه لو أسلم فِي محموله جاز أن يأخذ سمراء مثل الكيل بعد الأجل وهو بدل. وقال ابن حبيب: إن ذلك لا يجوز. قال الباجي: وعلته بيع الطعام قبل قبضه؛ لأن هذا بيع ليس باقتضاء، فيلزم على التعليل بالتأخير إذا اختلفت الأجناس أو كان مما يجوز فيه التفاضل أن يمنع لعدم المناجزة. قال أبو عمران: إِلا أن يكون فِي فور واحد فيجوز. انتهى. قلت: إنما يصحّ هذا فِي الجنس الواحد مما يجوز فيه التفاضل فأما إذا اختلفت الأجناس فلا يجوز بحال كالثياب، ثم قال فِي " التقييد ": ونحوه قول أبي اسحاق: لو ¬
كان مدان من حنطة يأخذ أحدهما قد وَجب عليه ولا فضل فِي صفة أحدهما على الآخر - لكان خفيفاً إذا لَمْ يتراخ (¬1) فِي ذلك؛ لأنه إذا تراخى يصير خياراً فِي بيع [بعض] (¬2) أحد الطعامين بصاحبه فلا يجوز ذلك، كما لا يجوز الخيار فِي الصرف ولا فِي المراطلة. انتهى. وقال ابن عرفة: قال ابن الكاتب (¬3): معنى رواية ابن حبيب إن تأخر الاختيار عن وَقت العقد. قال ابن عرفة: إن روعي مانع التأخير وَجب كون معناها إن عقدا على عدم تنجيز الاختيار، وبحث فِي قول فضل، وزاد عن التونسي: إن كان الاختيار فِي آحاد طعام يجوز فيه التفاضل كالقثاء لَمْ يدخله إِلا الغرر إن اختلفت كالثياب أو التراخي فِي بيع طعام بآخر لا بيع طعام قبل قبضه، وذكره المازري غير معزو. انتهى. وفِي رسم شكّ من سماع ابن القاسم من جامع البيوع: وسئل مالك عن التين يباع كيلاً أو وزناً وهو أخضر، فيريد أن يبدله من صاحبه بغيره قبل أن يقبضه؟ قال: لا خير فيه. قلت: فالبطيخ يباع كَذَلِكَ أترى أن يبدله بغيره؟ قال هو مثله لا خير (¬4) فيه. قال ابن رشد: المعنى فِي هذه المسألة أنه أراد أن يبدله بأكثر من صنفه أو من غير صنفه [أو بمثله من غير صنفه] (¬5) فذلك (¬6) لا يجوز؛ لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى، ولو أبدله من صنفه بمثله قبل أن يقبضه لجاز؛ لأنه بدل المثل، ولو قبضه لجاز بدله بغير صنفه أكثر أو أقل ولا يجوز بصنفه إِلا مثلا [بمثل] (¬7). فأما البطيخ فيجوز إذا قبضه أن يبدله بصنفه وبغير صنفه متفاضلاً باتفاق؛ لأنه مما لا يدخر أصلا، وكذا سائر الفواكه التي لا تدخر إِلا نادراً على المشهور فِي المذهب، وكَذَلِكَ ¬
لو قبض بعض ما اشترى منه من التين، ثم أراد أن يأخذ بالبقية (¬1) غير التين أو صنفاً آخر من التين أو أقل أو أكثر لَمْ يجز، ولو أراد أن ينتقل من صنفٍ إلى صنف آخر قبل أن ينبرم البيع بينهما وهما فِي حال التراوض لجاز (¬2)، وبعده فِي رسم حلف من السماع نفسه: وسئل مالك عمن اشتري بدينار قمحاً، فاكتال نصفه، ثم سأله أن يعطيه بالنصف الباقي زيتاً أو عدساً؟ فقال: لا خير فيه. قال ابن القاسم: لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفي. قال فِي قول مالك: وإن كان شعيراً وأخذ مثل كيله فلا بأس به (¬3). قال أبو العباس القباب: القمح والشعير عنده (¬4) صنف واحد، فهو كمن وَجب له قمح طيب فسمح فأخذ (¬5) منه ردياً (¬6)؛ فلهذا أجازه. انتهى. وتقدّم [70 / أ] قول عبد الحقّ، وقد ضبط ابن عرفة هذا الفصل فقال: وشراؤه الطعام على الاختيار لزوما لا يجوز فِي غير متماثلين مُطْلَقاً ولا فيهما ربويين جزافاً ولا كيلا إن اختلف قدره، ثم استشهد بنصّ " المدونة " السابق ثم قال: وشاهدت فتوى شيوخ شيوخنا أن شراء العنب من البائع الذي بعض عنبه أسود وبعضه أبيض: إنما يجوز إن عين المشتري الأخذ من أحدهما، وكذا شراء التين من البائع المختلف تينه، محتجاً بما تقدّم من نصّ " المدونة " وغيرها. وأفتيت بجواز ذلك؛ لأن المنع المذكور إنما هو فيما بيع على الإلزام حسبما مرّ، وبياعات أهل زماننا فِي الأسواق إنما هي بالمعاطاة؛ فهي منحلّة قبل قبض المبيع، ولا يعقدونها بالإيجاب والقبول اللفظي بحال، ويؤيد ما قلته سماع القرينين، يعني فِي رسم ¬
البيوع، من جامع البيوع، سئل مالك، فقيل له: جئت إلى صاحب فاكهة فأعطيته درهماً، وقلت له: أعطني رطباً، فلما دفعت إليه الدرهم بدا لي فقلت له: أعطني نصفه بطيخاً ونصفه تيناً؟ قال: أرجو أن يكون هذا خفيفاً، ولا بأس به. قال ابن رشد: إنما أجاز هذا لأن عقد البيع لَمْ يتمّ بينهما، وإنما كانا فِي حال التراوض إذ لَمْ يقطعا السعر بعد، فلو أراد أن يأخذ درهمه لكان ذلك له، ولو كان البيع قد انعقد بينهما لَمْ يجز ذلك على ما مضى فِي رسمي شكّ وحلف، من سماع ابن القاسم (¬1). وجَازَ إِنْ كَثُرَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ رِبَوِيٍّ، ونُحَاسٌ بِتَوْرٍ، لا فُلُوسٌ وكَكَالِئٍ بِمِثْلِهِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ بِمُؤَخَّرٍ، ولَوْ مُعَيَّناً يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ كَغَائِبٍ، أَوْ مُوَاضَعَةٍ [وَمُتَأَخِّرٍ جِدَادُهُ] (¬2)، أَوْ مَنَافِعَ عَيْنٍ، وبَيْعُهُ بِدَيْنٍ وتَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ ومُنِعَ بَيْعُ دَيْنِ مَيِّتٍ، أَوْ غَائِبٍ ولَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ، وحَاضِرٍ إِلا أَنْ يُقِرَّ، وكَبَيْعِ الْعُرْبَانِ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئاً عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَرِهَ الْبَيْعَ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ، وكَتَفْرِيقِ أُمٍّ فَقَطْ مِنْ وَلَدِهَا، وإِنْ بِقِسْمَةٍ، أَوْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا لِعَبْدِ سَيِّدِ الآخَرِ مَا لَمْ يُثْغِرْ مُعْتَاداً. قوله: (أو منافع عَيْنٍ) معطوف على (مُعَيَّناً). وصُدِّقَتِ الْمَسْبِيَّةُ ولا تَوَارُثَ. قوله: (ولا تَوَارُثَ) أي من الجانبين، فهو كقوله فِي " المدونة ": ولا يتوارثان بذلك (¬3). مَا لَمْ تَرْضَ، وفُسِخَ مَا لَمْ يَجْمَعَاهُمَا فِي مِلْكٍ، وهَلْ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَذَلِكَ، أَوْ يُكْتَفَى بِحَوْزٍ كَالْعِتْقِ؟ تَأْوِيلانِ. وجَازَ بَيْعُ نِصْفِهِمَا وبَيْعُ أَحَدِهِمَا لِلْعِتْقِ، والْوَلَدُ مَعَ كِتَابَةِ أُمِّهِ، ولِمُعَاهَدٍ التَّفْرِقَةُ. قوله: (مَا لَمْ تَرْضَ) هذا الذي اقتصر عليه هو اختيار اللَّخْمِيّ؛ فإنه قال: القول أنه حقّ للأم أحسن، ولو كان ذلك لحقّ الولد فِي الحضانة لَمْ يفرق بين الصغير وبين كلٍ من للصبي متعلق به فِي الحضانة كالجدة والخالة والعمة، وتسليمهم ذلك دليل على أن النهي ¬
إنما يختصّ بالأمّ من [الموجودة] (¬1)، ثم قال: وعلى القول أنه حقّ للأم [لئلا توله] (¬2) يصحّ رضاها، وبه أخذ إذا علم صحة رضاها، وأنها غير مكرهة ولا خائفة ولا مخدعة. انتهى. مع أنهم أخذوا من قوله فِي كتاب: التجارة لأرض الحرب من " المدونة " إلا أن يستغني الولد عنها إن ذلك من حقّ الولد، مع أن المصنف فِي " توضيحه " لَمْ يعرّج على اختيار اللَّخْمِيّ أصلا بل اقتصر على أن قال: واختلف: هل النهي لحقّ الولد؟ وعليه ما فِي " الموازية ": إذا رضيت الأم بالتفرقة فليس ذلك لها أو هو حقّ للأم، وعليه ما فِي المختصر: إذا رضيت الأم بالتفرقة فلا بأس، واختار المازري، وابن يونس، وغيرهما الأول (¬3). وكُرِهَ الاشْتِرَاءُ مِنْهُ، وكَبَيْعٍ وشَرْطٍ يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ كَأَنْ لا يَبِيعَ إِلا تَنْجِيزَ (¬4) الْعِتْقِ. قوله: (إِلا تَنْجِيزَ الْعِتْقِ) كذا الصواب بنصب تنجيز، وتجريده من باء الجر، وهو كقول ابن الحاجب: مثل أن لا يبيع ولا يهب غير تنجيز العتق للسنة (¬5). ولَمْ يُجْبَرْ إِنْ أَبْهَمَ كَالْمُخَيَّرِ بِخِلافِ الاشْتِرَاءِ عَلَى إِيْجَابِ الْعِتْقِ كَأَنَّهَا حُرَّةٌ بِالشِّرَاءِ، أَوْ يُخِلُّ بِالثَّمَنِ كَبَيْعٍ وسَلَفٍ. قوله: (ولَمْ [يجبر] (¬6) إن أبهم كالمخير) زاد فِي كتاب: البيوع الفاسدة (¬7): وكان للبائع ترك العتق وتمام البيع، أو يرّد [البيع] (¬8)، فإن ردّ بعد أن فات فعليه القيمة (¬9). فقف على بسطها فِي: " التقييد ". ¬
وصَحَّ إِنْ حُذِفَ أَوْ حُذِفَ شَرْطُ كالتَّدْبِيرِ (¬1). قوله: (أَوْ حُذِفَ شَرْطُ كالتَّدْبِير) كذا فِي بعض النسخ بإدخال الكاف (¬2) على التدبير، وهو مطابق لقوله فِي " التوضيح " إذا قلنا بفساد البيع وفسخه لأجل اشتراط التدبير ونحوه، فأسقط البائع (¬3) شرطه فقال ابن القاسم: يمضي. وقال أشهب: لا يمضي (¬4). كَشَرْطِ رَهْنٍ، وحَمِيلٍ، وأَجَلٍ ولَوْ غَابَ. وَتُؤُوِّلَتْ بِخِلافِه، وفِيهِ إِنْ فَاتَ أَكْثَرُ الثَّمَنِ والْقِيمَةِ إِنْ أَسْلَفَ الْمُشْتَرِي، وإِلا فَالْعَكْسُ، وكَالنَّجْشِ يَزِيدُ لِيَغُرَّ، وإِنْ عَلِمَ فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ، وإِنْ فَاتَ فَالْقِيمَةُ. قوله: (وكَالنَّجْشِ يَزِيدُ لِيَغُرَّ) هذا نحو تفسير المازري وغيره، وهو خلاف قول مالك فِي " الموطأ ": والنجش أن تعطيه فِي سلعة أكثر من ثمنها، وليس فِي نفسك اشتراؤها ليقتدي بك غيرك (¬5). قال ابن عرفة: وقول المازري وغيره: الناجش هو الذي يزيد فِي سلعة ليقتدي به غيره أعمّ من قول مالك؛ لدخول إعطائه مثل ثمنها أو أقل فِي قول المازري، وخروجه من قول مالك. وقال ابن العربي فِي " العارضة ": والذي عندي إن بلّغها الناجش قيمتها ورفع الغبن عن صاحبها فهو مأجور، ولا خيار لمبتاعها. قال ابن عرفة: وكان بالكتبيين من تونس رجل مشهور بالصّلاح عارف بالكتب، يستفتح للدلالين ما يبنون عليه فِي الدلالة، ولا غرض له فِي الشراء، وهذا جائز على ظاهر تفسير مالك واختيار ابن العربي لا على ظاهر تفسير المازري، ثم حصل فيمن لَمْ يزد على القيمة المنع؛ لظاهر قول الأكثر، والجواز لدليل قول مالك: والاستحباب لابن العربي. انتهى. واستبعد ابن عبد السلام قول ابن العربي. ¬
وجَازَ سُؤَالُ الْبَعْضِ لِيَكُفَّ عَنِ الزِّيَادَةِ لا الْجَمِيعِ، وكَبَيْعِ حَاضِرٍ لِعَمُودِيٍّ ولَوْ بِإِرْسَالِهِ لَهُ، وهَلْ لِقَرَوِيٍّ؟ قَوْلانِ. وفُسِخَ وأُدِّبَ وجَازَ الشِّرَاءُ لَهُ، وكَتَلَقِّي السِّلَعِ أَوْ صَاحِبِهَا كَأَخْذِهَا فِي الْبَلَدِ بِصِفَةٍ ولا يُفْسَخُ. وجَازَ لِمَنْ عَلَى كَسِتَّةِ أَمْيَالٍ أَخْذُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ، وإِنَّمَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ، وَرُدَّ ولا غَلَّةَ. قوله: (وجَازَ سُؤَالُ [70 / ب] الْبَعْضِ لِيَكُفَّ عَنِ الزِّيَادَةِ) هذا عكس النجش. فَإِنْ فَاتَ مَضَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ [بِالثَّمَنِ] (¬1)، وإِلا ضَمِنَ قِيمَتُهُ حِينَئِذٍ، ومِثْلَ الْمِثْلِيِّ بِتَغَيُّرِ سُوقِ غَيْرِ مِثْلِيٍّ وعَقَارٍ. قوله: (فَإِنْ فَاتَ مَضَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ) أشار به لقوله أول [كتاب] (¬2) البيوع الفاسدة: قال مالك: يرد الحرام البين فات أو لَمْ يفت، وما كان مما كرهه الناس رُدّ إِلا أن يفوت فيترك (¬3). كذا اختصره أبو سعيد وهو فِي الأمهات من رواية ابن وهب (¬4)، ومعنى يردّ فات أو لَمْ يفت: أنه [ترد] (¬5) عينه إن لَمْ يفت وقيمته إن فات، كذا فسره ابن يونس، وزاد قال ابن المواز عن ابن القاسم: مثال ما كرهه الناس أن يسلم فِي حائط بعينه وقد أزهى، ويشترط أخذه تمراً فيفوت بالقبض. وبِطُولِ زَمَنِ حَيَوَانٍ، وفِيهَا شَهْرٌ وشَهْرَانِ [49 / أ]، واخْتَارَ أَنَّهُ خِلافٌ، وقَالَ: بَلْ فِي شِهَادَةٍ، وبِنَقْلِ عَرْضٍ ومِثْلِيٍّ لِبَلَدٍ بِكُلْفَةٍ، وبِالْوَطْءِ، وبِتَغَيُّرِ ذَاتِ غَيْرِ مِثْلِيٍّ، وخُرُوجٍ عَنْ يَدٍ، وتَعَلُّقِ حَقٍّ كَرَهْنِهِ، وإِجَارَتِهِ، وأَرْضٍ بِبِئْرٍ، وعَيْنٍ، وغَرْسٍ، وبِنَاءُ عَظِيمَيِ الْمَؤُونَةِ. قوله: (وبِطُولِ زَمَنِ حَيَوَانٍ، وفِيهَا شَهْرٌ وشَهْرَانِ، واخْتَارَ أَنَّهُ خِلافٌ، وقَالَ: بَلْ فِي شِهَادَةٍ) نحوه فِي " التوضيح "، والذي لِلَّخْميّ فِي أول البيوع الفاسدة: اختلف فِي الطول فِي الحيوان فقال فِي كتاب التدليس فيمن اشترى عبداً شراءً فاسداً، فكاتبه ثم عجز بعد ¬
شهر: أنه طول، وقد فات (¬1)، وقال فِي السلم الثالث، فِي الشهرين والثلاثة: ليس بفوت فِي العبيد والدواب، إِلا أن يعلم أنه تغير، وهو أحسن، إِلا أن يكون المبيع صغيراً، فإن المدة اليسيرة يتغير فيها وينتقل (¬2). وقال المازري: اختلف فِي مجرد طول الزمان يمرّ على الحيوان ولَمْ يتغيّر فِي ذاته ولا سوقه، هل هو فوت؟ فذكر ما فِي الكتابين من " المدونة " ثم قال: اعتقد بعض أشياخي أنه اختلاف قول على الإطلاق، وليس كَذَلِكَ؛ إنما هو اختلاف فِي شهادة بعادة؛ لأنه أشار فِي " المدونة " إلى المقدار من الزمان الذي لا يمضي إِلا وقد تغيّر الحيوان، فتغيره فِي ذاته أو سوقه معتبر، وإنما الخلاف فِي قدر الزمان الذي يستدل به على التغير، فقال (¬3) ابن عرفة: فِي ردّه (¬4) على اللَّخْمِيّ تعسّف واضح؛ لأن حاصل كلامه أن الخلاف إنما هو فِي قدر الزمان الذي هو مظنة لتغيّره لا فِي التغير، وهذا هو نفس مقتضى (¬5) كلام اللَّخْمِيّ لمن تأمله وأنصف. انتهى. وأما ابن عبد السلام فكأنه قبل اعتراض المازري، فقال فِي قول ابن الحاجب: وفِي طول الزمان فِي الحيوان قَوْلانِ (¬6). يعني: أن فِي مجرد طول الزمان فِي الحيوان من غير ضميمة تغير فِي بدن ولا سوق (¬7) قولين، وأنكر بعضهم وُجود الخلاف فِي ذلك، وتأوّل ما وَقع فِي " المدونة " على أنه خلاف فِي شهادة: هل الطول المحدود بالحد الذي ذكره يستلزم التغير فِي البدن لا خلاف فِي مجرد الطول؟ وذلك أنه ذكر فِي كتاب: العيوب (¬8): أن مرور شهر على الحيوان يكون فوتاً، وذكر فِي كتاب السلم أن الشهر والشهرين لا يكون ¬
فوتاً. انتهى. فتأمل كلام هؤلاء الأئمة مع كلام المصنف هنا، وفِي " التوضيح " وَنصّه شارحاً لقول ابن الحاجب: وفِي طول الزمان فِي الحيوان قَوْلانِ. أي: وفِي مجرد الطول (¬1) فقط قَوْلانِ، فالقول بأنه مفيت مذهب " المدونة "، والقول الآخر ذكره ابن شاس (¬2)، وعلى المشهور فذكر فيها فِي العيوب أن مرور شهر (¬3) فوت. وذكر فِي السلم أن الشهر والشهرين ليس بفوت، وحمله اللَّخْمِيّ على الخلاف، ورأى المازري أنه ليس بِخِلافِ وإنما هو اختلاف فِي شهادة (¬4). وفَاتَتْ بِهِمَا جِهَةٌ هِيَ الرُّبُعُ فَقَطْ، لا أَقَلُّ. ولَهُ الْقِيمَةُ قَائِماً عَلَى الْمَقُولِ والْمُصَحَّحِ، وفِي بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقاً تَأْوِيلانِ، لا إِنْ قَصَدَ بِالْبَيْعِ الإِفَاتَةَ. قوله: (وفَاتَتْ بِهِمَا جِهَةٌ هِيَ الرُّبُعُ فَقَطْ) أي: وفاتت بالغرس والبناء جهة فقط هي الربع، يريد أو الثلث، والمسألة مبسوطة فِي نوازل أصبغ من كتاب " جامع البيوع "، ومن قول ابن رشد فيها: إذا كان الغرس بناحية منها وجلّها (¬5) لا غرس فيه، وجب أن يفوت منها ما غرس، ويفسخ البيع فِي سائرها إذ لا ضرر على البائع فِي ذلك إذا كان المغروس من الأرض يسيراً مما لو استحقّ من يد المشتري فِي البيع الصحيح لزمه الباقي ولم يكن له أن يردّه، ووجه العمل فِي ذلك أن ينظر إلى الناحية التي فوتها بالغرس ما هي من جميع الأرض، فإن كانت الثلث [أو الربع] (¬6) فسخ البيع فِي الباقي بثلثي الثمن أو بثلاثة أرباعه، فسقط عن المبتاع إن كان لَمْ يدفعه وردّ إليه إن كان قد دفعه وصح البيع فِي الناحية الفائتة ¬
باب بيوع الآجال
بالقيمة يوم القبض، فمن كان له منهما على صاحبه فضل رجع به عليه إذ قد تكون قيمة (¬1) تلك الناحية أقل مما نابها من الثمن أو أكثر (¬2). وارْتَفَعَ الْمُفِيتُ إِنْ عَادَ بِلا تَغَيُّرِ السُّوقِ. قوله: (وَارْتَفَعَ الْمُفِيتُ إِنْ عَادَ، [بِلا تَغَيُّرِ السُّوقِ] (¬3)) إشارة لقوله فِي أول البيوع الفاسدة: فإن تغيّر سوق السلعة ثم عاد لهيئته لَمْ يكن للمبتاع ردّها؛ لأن القيمة قد وجبت، وأما إن باعها ثم رجعت إليه بعيب أو شراء أوهبة أو ميراث فله الردّ إِلا أن يتغير سوقها قبل رجوعها إليه فذلك [71 / أ] فوت، وإن عاد لهيئته، وأشهب يفيتها بعقد البيع (¬4). وبالله تعالى التوفيق. [باب بيوع الآجال] ومُنِعَ لِلتُّهْمَةِ مَا كَثُرَ قَصْدُهُ كَبَيْعٍ، وسَلَفٍ، [وَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ] (¬5)، لا مَا قَلَّ كَضَمَانٍ بِجُعْلٍ. قوله: (وَمُنِعَ لِلتُّهْمَةِ مَا كَثُرَ قَصْدُهُ كَبَيْعٍ، وسَلَفٍ، وسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ) مثال ما يمنع لاتهامهما على قصد البيع والسلف أن يبيع (¬6) سلعتين بدينارين إلى شهر، ثم يشتري واحدة منهما بدينار نقداً، فالسلعة التي خرجت من اليد وعادت إليها ملغاة، وقد خرج من يد البائع سلعة ودينار نقداً يأخذ عنهما عند الأجل دينارين أحدهما عوض عن السلعة وهو بيع، والثاني عوض عن الدينار المنفرد وهو سلف. ومثال ما يمنع لاتهامهما على قصد سلف بمنفعة المسألة التي هي أصل هذا الباب، أن يبيع سلعة بعشرة إلى شهر، ثم يشتريها بثمانية نقداً، فقد رجعت إليه سلعته، وخرج من يده ثمانية يأخذ عنها عشرة. ¬
أَوْ أَسْلِفْنِي وأُسْلِفُكَ، فَمَنْ بَاعَ لأَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِجِنْسِ ثَمَنِهِ مِنْ عَيْنٍ وطَعَامٍ وعَرْضٍ فَإِمَّا نَقْداً أَوْ لِلأَجَلِ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ يُمْنَعُ مِنْهَا ثَلاثٌ، وهِيَ مَا عَجَّلَ فِيهِ الأَقَلُّ، وكَذَا الْمُؤَجَّلُ (¬1) بَعْضُهُ مُمْتَنِعٌ مَا يُعَجَّلُ فِيهِ الأَقَلُّ، أَوْ بَعْضُهُ كَتَسَاوِي الأَجَلَيْنِ، إِنْ شَرَطَا نَفْيَ الْمُقَاصَّةِ لِلدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، ولِذَلِكَ صَحَّ فِي أَكْثَرَ لأَبَعْدَ إِذَا [شَرَطَاهَا] (¬2)، والرَّدَاءَةُ والْجَوْدَةُ كَالْقِلَّةِ والْكَثْرَةِ، ومُنِعَ بِذَهَبٍ وفِضَّةٍ، إِلا أَنْ يُعَجِّلَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمُتَأَخِّرِ جِدَّاً. قوله: (أَوْ أَسْلِفْنِي وأُسْلِفُكَ) لفظ (أُسْلِفُكَ) منصوب بإضمار إن بعد الواو على معنى الجمع، قاله فِي " التوضيح " (¬3). وبِسِكَّتَيْنِ إِلى أَجَلٍ. قوله: (وبِسِكَّتَيْنِ إِلى أَجَلٍ) معطوف على (بِذَهَبٍ)، ويتناول ثماني عشرة صورة؛ لأنه إما للأجل نفسه أو لأقرب منه أو لأبعد، إما بمثل الثمن عدداً أو أقل أو أكثر والسكة الثانية إما أجود من الأولى أو أردأ (¬4) منها، وكلها ممنوعة للدين بالدين. كَشِرَائِهِ لِلأَجَلِ بِمُحَمَّدِيَّةٍ مَا بَاعَ بِيَزِيدِيَّةٍ. قوله: (كَشِرَائِهِ لِلأَجَلِ بِمُحَمَّدِيَّةٍ مَا بَاعَ بِيَزِيدِيَّةٍ) الدراهم المحمدية أجود من الدراهم اليزيدية، وهذا تمثيل لا تشبيه قصد فيه لعكس ما فرض فِي " المدونة " إذ قال: " وإن بعت ثوباً بعشرة دراهم محمدية إلى شهر فلا تبتعه بعشرة يزيدية إلى ذلك الشهر (¬5)، كذا اختصره أبو سعيد، زاد ابن يونس: لرجوع ثوبك إليك وكأنك بعت يزيدية بمحمدية إلى أجل " انتهى. وإنما قصد المصنف العكس (¬6)؛ لأنه مختلف فيه، فبيّن مختاره من الخلاف، وقد ذكر ¬
المازري أن فِي كون علته (¬1) اشتغال الذمتين بسكَّتين مختلفتين، أو لأن اليزيدية دون المحمدية طريقتين للأشياخ وعليهما منع عكس مسألة " المدونة " وجوازه، وعزى ابن محرز الأولى لأكثر المذاكرين والثانية لبعضهم. قال أبو الحسن الصغير: ومفهوم قوله فِي " المدونة ": " فلا تبتعه بعشرة يزيدية إلى ذلك الشهر. أنه لو ابتاعه بعشرة يزيدية نقداً لجاز، وليس هذا بمراد؛ لأنه كأنه ابتاعه بأقلّ، ولو بعت الثوب بعشرة يزيدية إلى شهر جاز أن تبتاعه (¬2) بعشرة محمدية نقداً كما لو ابتعته بأكثر من الثمن نقداً ". انتهى. وانظر كلام ابن يونس وأبي إسحاق فِي أصلهما. وإِنِ اشْتَرَى بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ ثَمَنَهُ، جَازَتْ ثَلاثُ النَّقْدِ فَقَطْ، وَالْمِثْلِيُّ صِفَةً ومِقْدَراً [كَعَيْنِهِ] (¬3). قوله: (وَإِنِ اشْتَرَى بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ ثَمَنَهُ، جَازَتْ ثَلاثُ النَّقْدِ فَقَطْ) المراد بالثمن هنا ثمن المبيع فِي الصفقة الأولى، أي فإن اشترى المبيع بعرض مخالف فِي الجنسية للثمن الذي كان باعه به كما إذا باع ثوباً بجمل ثم اشتراه ببغل أو بغيره مما هو مخالف للجمل فِي الجنسية، جازت صور النقد الثلاث، وهي أن تكون قيمة هذا العرض الثاني مساوية لقيمة الجمل فِي مثالنا أو أقل أو أكثر، ونبّه بقوله: (فقط) على منع صور الأجل التسع للدين بالدين. والدليل على أنه أراد هذا: أنه لما شرح فِي " توضيحه " قول ابن الحاجب: " فإن كانا نوعين جازت الصور كلها؛ إذ لا ربا فِي العروض " (¬4) قال: مراده بالصور كلها صور النقد الثلاث، وأما صور الأجل التسع فممتنعة؛ لأنه دين بدين. قال: وكأنه أطلق فِي قوله: لا ربا فِي العروض، ومراده نفي ربا الفضل لوضوحه؛ إذ لا يخفى على من له أدنى مشاركة أن ربا النساء يدخل فِي العروض حكى هذا عن شيخه المنوفي. (¬5) وأما ابن عرفة ¬
فقال: موافقاً لابن عبد السلام وقول ابن شاس: إن كان الثمنان عرضين من جنسين جازت الصور التسع (¬1)، تبع فيه ابن بشير، وتبعهما ابن الحاجب وهو وهم ". انتهى. ومراد ابن شاس بالصور التسع: الصور الاثنتا عشرة (¬2)؛ إِلا أنه عدّ ما كان لأجل دون الأجل كالنقد، واستدل ابن عرفة على توهيم الجماعة بقوله فِي كتاب: السلم الثالث من " المدونة ": وإن بعت ثوباً بمائة درهم إلى شهرٍ جاز أن تشتريه (¬3) بعرضٍ أو طعام نقداً كان ثمن العرض أقل من مائة أو أكثر، وإن اشتريته بعرض مؤجل إلى مثل أجل المائة أو دونه أو أبعد منه لَمْ يجز؛ لأنه دين بدين (¬4). [فَيَمْنِعُ] (¬5) بِأَقَلَّ لأَجَلِهِ، أَوْ أَبْعَدَ، إِنْ غَابَ مُشْتَرِيهِ بِهِ. قوله: [71 / ب] (فَيَمْنِعُ بِأَقَلَّ لأَجَلِهِ، أَوْ أَبْعَدَ، إِنْ غَابَ مُشْتَرِيهِ بِهِ) لا شكّ أن الواو هنا أولى من الفاء، وأن الشرط مختصٌ بهاتين الصورتين، وأما الثلاث التي فِي الضمن فممنوعة غاب أو لَمْ يغب. وهَلْ [غَيْرُ] (¬6) صَنْفِ طَعَامِهِ كَقَمْحٍ وشَعِيرٍ مُخَالِفٌ أَوْ لا؟ تَرَدُّدٌ وإِنْ بَاعَ مُقَوَّماً فَمِثْلُهُ كَغَيْرِهِ كَتَغَيُّرِهَا كَثِيراً. قوله: (وَهَلْ غَيْرُ صَنْفِ طَعَامِهِ كَقَمْحٍ وشَعِيرٍ مُخَالِفٌ أَوْ لا؟ تَرَدُّدٌ) سقط لفظ (غير) فِي بعض النسخ، ولا يصحّ إِلا إذا جعل الصنف بمعنى الجنس، وهو خلاف اصطلاح ابن الحاجب (¬7). ¬
وإِنِ اشْتَرَى أَحَدَ ثَوْبَيْهِ لأَبْعَدَ مُطْلَقاً أَوْ بِأَقَلَّ نَقْداً امْتَنَعَ. قوله: (وإِنِ اشْتَرَى أَحَدَ ثَوْبَيْهِ لأَبْعَدَ مُطْلَقاً أَوْ بِأَقَلَّ نَقْداً امْتَنَعَ) أطلق النقد على الحال، وما كان لأجل دون الأجل، فالممتنع عنده خمس صور. لا بِمِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ، وامْتَنَعَ بِغَيْرِ صِنْفِ ثَمَنِهِ، إِلا أَنْ يَكْثُرَ الْمُعَجَّلُ. قوله: (لا بِمِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ) أي: والمسألة بحالها من النقد بوجهيه، فهذه أربع صور صرّح بجوازها، يبقى من الاثنتي عشرة ثلاث جائزة [أَيْضاً] (¬1) وهي: ما كان للأجل نفسه، ولوضوحها سكت عنها، وأما قول ابن الحاجب: يمتنع منها ما تعجّل فيه الأقلّ (¬2). فقال فِي " التوضيح ": " ظاهره أنه لا يمتنع غيره وليس كَذَلِكَ؛ فإن الصور الثلاث التي بعد الأجل كلها ممتنعة أَيْضاً " نصّ [عليها] (¬3) المازري (¬4). ولم يتعقبه ابن عبد السلام، ولا ابن عرفة. ولَوْ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ سِلْعَةٍ نَقْداً مُطْلَقاً، أَوْ لأَبْعَدَ بِأَكْثَرَ. قوله: (ولَوْ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ سِلْعَةٍ نَقْداً مُطْلَقاً، أَوْ لأَبْعَدَ بِأَكْثَرَ) أطلق النقد أَيْضاً على الحال وما كان لأجل دون الأجل، فاشتمل هذا الكلام على سبع صور وسيصرّح بمفهوم قوله: (بأكثر) حيث يقول: (وبمثل وأقل (¬5) لأبعد)، وسكت عن الثلاث التي للأجل نفسه لوضوح جوازها، فخرج من كلامه أن سبعاً ممنوعة وخمساً جائزة. أَوْ بِخَمْسَةٍ وسِلْعَةٍ. قوله: (أَوْ بِخَمْسَةٍ وسِلْعَةٍ) أي: أو اشترى الثوب وحده بخمسة وسلعة، والمسألة بحالها من كون الثمن نقداً بوجهيه أو لأبعد، فهذه ثلاث ممنوعة تبقى من صور الأجل (¬6) واحدة للأجل نفسه وجوازها لا يخفى (¬7). ¬
امْتَنَعَ لا بِعَشَرَةٍ وسِلْعَةٍ. قوله: (امْتَنَعَ لا بِعَشَرَةٍ وسِلْعَةٍ) هذا مقابل ما يليه قبله، ولكنه خاصّ بحالتي النقد، وأما لأبعد (¬1) فممتنع عملاً بقوله: أو لا يمتنع منها (¬2) ثلاث، وهي ما عجّل فيه الأقل. وبِمِثْلِ وأَقَلَّ لأَبْعَدَ، ولَوِ اشْتَرَى بِأَقَلَّ لأَجَلِهِ ثُمَّ رَضِيَ بِالتَّعْجِيلِ فقَوْلانِ كَتَمْكِينِ بَائِعٍ مُتْلِفٍ مَا قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الأَجَلِ، وإِنْ أَسْلَمَ فَرَساً فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ، ثُمَّ اسْتَرَدَّ مِثْلَهُ مَعَ خَمْسَةٍ، مُنِعَ مُطْلَقاً. قوله: (وَبِمِثْلِ وأَقَلَّ لأَبْعَدَ) هذا مقابل ما قبل ما يليه، فهو تصريح بمفهوم قوله: (أَوْ لأَبْعَدَ بِأَكْثَرَ) كما قدّمنا، ففي الكلام تلفيف غير مرتب، وقد ظهر لك أن قوله: (لأبعد) يرجع للمثل والأقلّ، وأما قول ابن الحاجب مشيراً للمنع: وكَذَلِكَ بأكثر منه أو بمثله إلى أبعد (¬3). فقد قال فِي " التوضيح " تبعاً لابن عبد السلام: لا مانع من المثل، وإنما تبع ابن الحاجب فيه ابن بشير، فهو الذي ذكر المنع وحده، ولا وجه له، وقد نصّ ابن محرز والمازري على جوازه (¬4). كَمَا لَوِ اسْتَرَدَّهُ، إِلا أَنْ يَبْقَى الْخَمْسَةُ لأَجَلِهَا، لأَنَّ الْمُعَجِّلَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ أَوِ الْمُؤَخِّرَ مُسْلِفٌ، وإِنْ بَاعَ حِمَاراً لأَجَلٍ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ ودِينَاراً نَقْداً، أَوْ مُؤَجَّلاً مُنِعَ مُطْلَقاً، إِلا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ، لِلأَجَلِ. قوله: (كَمَا لَوِ اسْتَرَدَّهُ، إِلا أَنْ يَبْقَى الْخَمْسَةُ لأَجَلِهَا، لأَنَّ الْمُعَجِّلَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ أَوِ الْمُؤَخِّرَ مُسْلِفٌ) الاستثناء والتعليل (¬5) [قاصران] (¬6) على ما بعد الكاف على قاعدته الأكثرية المنبّه عليها أول الكتاب، ولما استثنى المنفي (¬7) للأجل بالجواز نفى المعجّل والمؤخر بالمنع، فعللّ ذلك بأن كلاً منهما مسلف أي: فأدى ذلك لاجتماع بيعٍ وسلف. ¬
فصل
وإِنْ زِيدَ غَيْرُ عَيْنٍ أوَ (¬1) بِيعَ بِنَقْدٍ لَمْ يُقْبَضْ. جَازَ، إِنْ عُجِّلَ الْمَزِيدُ، وصَحَّ أَوَّلُ مِنْ بُيُوعِ الأَجَلِ فَقَطْ، إِلا أَنْ يَفُوتَ الثَّانِي فَيُفْسَخَانِ، وهَلْ مُطْلَقاً [49 / ب]، أَوْ إِنْ كَانَتِ (¬2) الْقِيمَةُ أَقَلُّ؟ خِلافٌ. قوله: (وَإِنْ زِيدَ غَيْرُ عَيْنٍ أوَ بِيعَ بِنَقْدٍ لَمْ يُقْبَضْ. جَازَ، إِنْ عُجِّلَ الْمَزِيدُ) هكذا ينبغي أن يكون (أوَ بِيعَ) معطوفاً بأو لا بالواو، فهما مسألتان أعطاهما جواباً واحداً، والمزيد فِي الثانية منهما عين أو غيره ما لَمْ يختلف العينان كذهب وفضة أو كمحمدية ويزيدية فعلى ما تقدّم، وفهم من قوله: (لَمْ يُقْبَضْ) أنه لو قبض لجاز عجل المزيد أم لا، وهو قول أبي محمد ابن أبي زيد. [فصل] (¬3) جَازَ لِمَطْلُوبٍ مِنْهُ سِلْعَةٌ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِيَبِيعَهَا بِمَالٍ. قوله: (جَازَ لِمَطْلُوبٍ مِنْهُ سِلْعَةٌ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِيَبِيعَهَا بِمَالٍ) وفِي بعض النسخ بنماء: أي بزيادة، وهو حسن فإن هذا وإن كان جائزاً أحد وجوه العينة التي مدارها على طلب النماء فِي العين، وقد قال ابن عرفة: بيع أهل العينة: هو البيع المُتَحَيَّل به على دفع عين فِي أكثر منها. ولَوْ بِمُؤَجَّلٍ بَعْضُهُ، وكُرِهَ خُذْ بِمِائَةٍ مَا بِثَمَانِينَ، أَوِ اشْتَرِهَا ويُومِئُ لِتَرْبِيحِهِ ولَمْ يُفْسَخْ، بِخِلافِ. اشْتَرِهَا [لِي] (¬4) بِعَشَرَةٍ نَقْداً وآخُذُهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ لأَجَلٍ. وَلَزِمَتِ الآمِرَ، إِنْ قَالَ لِي. وفِي الْفَسْخِ إِنْ لَمْ يَقُلْ لِي إِلا أَنْ تَفُوتَ فَالْقِيمَةُ أَوْ إِمْضَائِهَا ولُزُومِهِ الاثْنَا عَشَرَ قَوْلانِ. وبِخِلافِ اشْتَرِهَا لِي بِعَشَرَةٍ نَقْداً وآخُذُهَا بَاثْنَيْ عَشَرَ نَقْداً، إِنْ نَقَدَ الْمَأْمُورُ بِشَرْطٍ، ولَهُ الأَقَلُّ مِنْ جُعْلِهِ أَوِ الدِّرْهَمَيْنِ فِيهِمَا والأَظْهَرُ والأَصَحُّ لا جُعْلَ لَهُ، وجَازَ بِغَيْرِهِ كَنَقْدِ الآمِرِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِي، فَفِي الْجَوَازِ والْكَرَاهَةِ قَوْلانِ، وبِخِلافِ اشْتَرِهَا لِي بِاثْنَيْ عَشَرَ لأَجَلٍ وأَشْتَرِيهَا بِعَشَرَةٍ نَقْداً، فَيَلْزَمُ الْمُسَمَّى، ولا تُعَجَّلُ الْعَشَرَةُ. قوله: (وَلَوْ بِمُؤَجَّلٍ بَعْضُهُ) ظاهره أن هذا مفرع على مسألة المطلوب منه سلعة كما قد ¬
يوهمه لفظ عياض إذ قال فِي كتاب: الصرف من " تنبيهاته ": الوجه الرابع المختلف فيه: ما اشترى ليباع ثمن بعضه معجّل وبعضه مؤجّل، فظاهر مسائل الكتاب والأمهات جوازه، وفِي " العتبية " كراهته لأهل العينة ". انتهى. فقد يسبق للوهم أن قوله: (بثمن) متعلّق بقوله: (ليباع) وليس ذلك بمراد إذ لَمْ يفرضوها هكذا بل زاد عياض بعده متصلاً به ما نصّه: " قال [72 / أ] ابن حبيب: إذا اشترى طعاماً أو غيره على أن ينقد بعض ثمنه ويؤخر بعضه إلى أجل فإن كان اشتراه ليبيعه كله لحاجته لثمنه فلا خير فيه، وكأنه إذا باعه بعشرةٍ نقداً وعشرةٍ إلى أجل قال له: خذه فبع منه ما تريد أن تنقدني، وما بقي فهو لك ببقية الثمن إلى الأجل، وإنما يعمل هذا أهل العينة وهو قول مالك، فروجع فيها غير مرة فقال: أنا قلته. قاله ربيعة وغيره قبلي " قال محمد بن لبابة: وغيره يعني ابن هرمز. وذكر ابن عبدوس نحوه من رواية ابن وهب وابن نافع عن مالك، ونزّل ابن لبابة ما جاء فِي ذلك من الجواز والمنع على التفريق بين أهل العينة وغيرهم، فجوز (¬1) فِي غير أهل العينة ومنع فِي حقّهم ". انتهى. وقال: فِي رسم يسلف من سماع ابن القاسم من كتاب: " السلم والآجال ": سئل مالك عن رجلٍ من أهل العينة باع من رجلٍ طعاماً بثمن إلى أجل على أن ينتقد (¬2) من ثمنه ديناراً؟ فكره ذلك. قال: وقال مالك: لست أول من كرهه، فقد كرهه ربيعة وغيره. قال ابن رشد: هذه بيعة واحدة صحيحة فِي ظاهرها، إذ يجوز للرجل أن يبيع سلعته بدينار نقداً ودينار إلى أجل فلا يتهم بالفساد فيها إِلا من علم ذلك من سيرته وهم أهل العينة، والذي يخشى فِي ذلك أن يكون الذي تراوضا عليه وقصدا إليه أن يبيع منه الطعام على أن يبيع منه بدينار فيدفعه إليه، ويكون الباقي له بكذا وكذا ديناراً إلى أجل؛ وذلك غرر؛ إذ لا يدري ما يبقى له من الطعام إذا باع منه بدينار، وقد قال بعض أهل العلّم: إنه لو دفع إليه الدينار من ماله لَمْ يكن بذلك بأس. ¬
وفِي سماع سحنون " أن ذلك لا يجوز وإن دفع إليه الدينار من عنده؛ لأنه يخلفه من الطعام يريد أن التهمة لا ترتفع عنه بذلك؛ لأنه إن كان البيع وقع على أن ينقده الدينار من الطعام فلا يصلحه أن يدفعه من عنده، كما أنه إذا وقع على الصحة لا يفسده أن ينقد الدينار من الطعام " (¬1). انتهى. وإذا تأملت هذه النقول علمت أن كلام عياض المذكور فيه تقديم وتأخير، وأن تقديره ما اشترى بثمن بعضه مؤجل وبعضه معجّل ليباع، فقوله: (بثمن) متعلّق (باشترى) لا (بيباع) (¬2)، فهي إذاً مسألة أخرى غير مفرعة على مسألة المطلوب منه سلعة، وقد نقل فِي " التوضيح " كلام عياض (¬3)، ولم يزد ما بعده مما فيه البيان لما قررنا، والظن بالمصنف أنه لا يفهمها على غير ما فرضها عليه الأئمة فهذا عجب فتدبره. فإن قلت: لعلّ المصنف إنما فرعها على مسألة المطلوب منه سلعة تنبيهاً على أن المختار عنده من الخلاف هو الجواز، وإن تركبت المسألة من الوصفين فتكون غير المركبة أحرى بالجواز. قلت: هذا أبعد ما يكون من التأويل، ولكن ربما يقربه الظن الجميل، وتبقى العهدة فِي التزام جواز المركبة عليه، والله سبحانه أعلم بما جنح إليه، وقد نقلها ابن شاس على ما فرضها عليه الأئمة، فذكر أن من صور العينة أن يشتري من أحد أهل العينة سلعة بعشرة نقداً وعشرة إلى أجل فيمنع منه خاصة، ويقدر كأنه اشتراها [ليبيع منها بعشرة يدفعها نقداً ويبقى له باقي السلعة] (¬4) لينتفع بثمنها معجلاً، ثم يدفع عنه عشرة مؤجلة، والغالب أن السلعة لا تساوي العشرين، فيؤول إلى ذهب فِي أكثر منها (¬5). ¬
باب بيع الخيار
وإِنْ عُجِّلَتْ أُخِذَتْ، ولَهُ جُعْلُ مِثْلِهِ، وإِنْ لَمْ يَقُلْ لِي فَهَلْ لا يُرَدُّ الْبَيْعُ إِذَا فَاتَ فَلَيْسَ عَلَى الآمِرِ إِلا الْعَشَرَةُ؟ أَوْ يُفْسَخُ الثَّانِي مُطْلَقاً إِلا أَنْ يَفُوتَ فَالْقِيمَةُ؟ قَوْلانِ. قوله: (أَوْ يُفْسَخُ الثَّانِي مُطْلَقاً إِلا أَنْ يَفُوتَ فَالْقِيمَةُ؟ قَوْلانِ) أي ويفسخ الثاني فات أو لَمْ يفت، إِلا أنه إذا فات رجع إلى القيمة يوم القبض. [باب [بيع] (¬1) الخيار] إِنَّمَا الْخِيَارُ بِشَرْطٍ. قوله: (إِنَّمَا الْخِيَارُ بِشَرْطٍ) أي لا بمجلس، وهي إحدى المسائل التي حلف عبد الحميد الصائغ بالمشي إلى مكة ألَّا يفتي فيها بقول مالك، والثانية: التدمية البيضاء. والثالثة: جنسية القمح والشعير. وقال ابن رشد: إنما تكلّم مالك على شعير بلده. كَشَهْرٍ فِي دَارٍ، ولا تَسْكُنُ، وكَجُمُعَةٍ فِي رَقِيقٍ، واسْتَخْدَمَهُ. قوله: (وَلا تَسْكُنُ) قال ابن محرز: قالوا وأما الدور فإنما له أن يدخلها بنفسه لاختبار أحوالها ومبيتها، فأما أن ينتقل إليها بأهله ومتاعه فإنه لا يمكن من ذلك، ومتى فعله أدى كراءه للبائع؛ لأن الغلة للبائع فِي أيام الخيار قبَل المشتري أو ردٌ، ولو أن المشتري شرط أن يسكنها بأهله مدة الخيار على أن لا يؤدي فيها كراءً لكان البيع فاسداً؛ لأنه من بيع العربان (¬2). وكَثَلاثٍ فِي دَابَّةٍ، وكَيَوْمٍ لرُكُوبِهَا، ولا بَأْسَ بِشَرْطِ الْبَرِيدِ. أَشْهَبُ. والْبَرِيدَيْنِ. قوله: [72 / ب] (وَكَثَلاثٍ فِي دَابَّةٍ، وكَيَوْمٍ فِي رُكُوبِهَا) يعني أن أمد الخيار فيها ثلاثة كالثوب، فإذا شرط ركوبها للاختبار فيوم، فليست بمنزلة الدار التي لا تسكن ¬
والثوب الذي لا يلبس مُطْلَقاً، ولا بمنزلة الرقيق الذي يستخدم مُطْلَقاً بل لها حالة بين حالتين بقدر الحاجة، إلى الاختبار. وبنحو هذا فسّر ابن يونس قوله فِي " المدونة: والدابّة تركب اليوم وشبهه " (¬1) فقال: قال ابن حبيب: يجوز الخيار فِي الدابّة اليوم واليومين والثلاثة كالثوب، وإنما ذكر مالك اليوم فِي شرط ركوبها، وأما على غير ذلك فلا فرق بينها وبين الثوب. ونحوه فِي " النكت ". وأما أبو عمران فعاب هذا على من قاله، وألزم عليه أن يكون فِي " المدونة " لَمْ يجب عما سئل عنه من أمد الخيار فِي الدابّة، وإنما أجاب عن الركوب. قال أبو الحسن الصغير: ولا يعني فِي " المدونة " ركوب النهار كلّه بل الركوب اليسير. انتهى، وهو راجع إلى قول الباجي: يحتمل أن يريد (¬2) ركوب اليوم فِي المدينة على حسب ما يركب الناس فِي تصرفاتهم والبريد والبريدين لمن خرج من المدينة يختبر سيرها (¬3). وفِي كَوْنِهِ خِلافاً تَرَدُّدٌ، وكَثَلاثَةٍ فِي ثَوْبٍ وصَحَّ بَعْدَ بَتٍّ. قوله: (وَفِي كَوْنِهِ خِلافاً تَرَدُّدٌ) لعلّ اللائق باصطلاحه تَأْوِيلانِ (¬4). وهَلْ إِنْ نَقَدَ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وهَلْ إِنْ نَقَدَ؟ تَأْوِيلانِ): أحدهما: أن الخيار إنما يصحّ بعد البتّ إذا نقد المشتري الثمن، فإن لَمْ ينقد لَمْ يجز؛ لأنه بيع دين بسلعة فيها خيار. ¬
والثاني: أنه يجوز نقد أو لَمْ ينقد؛ لأن المقصود بالخيار تطييب نفس من جعل له الخيار منهما. وضَمِنَهُ حِينَئِذٍ الْمُشْتَرِي، وفَسَدَ بِشَرْطِ مُشَاوَرَةِ بَعِيدٍ، أَوْ مُدَّةٍ زَائِدَةٍ، أَوْ مَجْهُولَةٍ أَوْ غَيْبَةٍ عَلَى مَا لا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، أَوْ لُبْسِ ثَوْبٍ ورَدَّ أُجْرَتَهُ. قوله: (أَوْ مَجْهُولَةٍ) كجعل الخيار إلى أن تمطر السماء قاله فِي " التوضيح " (¬1) وأما إن لَمْ يؤجلاه فقال فِي " المدونة ": ومن ابتاع شيئاً بالخيار ولم يضرب له أجلاً جاز البيع، وجعل له من الأمد ما ينبغي فِي مثل تلك السلعة (¬2). ويَلْزَمُ بِانْقِضَائِهِ. قوله: (ويَلْزَمُ بِانْقِضَائِهِ) أي: ويلزم (¬3) الشيء المبيع من هو بيده منهما بانقضاء أمد الخيار، وكأنه لوّح لكونه فِي اليد بقوله: (ورُدَّ فِي كالغد) قال فِي " المدونة ": ومن اشترى سلعة أو ثوباً على أنه بالخيار يومين أو ثلاثة، فلم يختر حتى مضت أيام الخيار، ثم أراد الردّ والسلعة فِي يده أو أراد أخذها وهي بيد البائع، فإن كان بعيداً من أيام الخيار، فليس له ردّها من يده ولا أخذها من يد البائع، وتلزم من هي بيده من بائع أو مبتاع، ولا خيار للآخر فيها، وإن كان بعد غروب الشمس من آخر أيام الخيار أو كالغد أو قرب ذلك فذلك له (¬4). ¬
ورُدَّ فِي كَالْغَدِ، وبِشَرْطِ نَقْدٍ كَغَائِبٍ، وعُهْدَةِ ثَلاثٍ، ومُوَاضَعَةٍ، وأَرْضٍ لَمْ يُؤْمَنْ رِيُّهَا، وجُعْلٍ. قوله: (كَغَائِبٍ) تفصيله قبل فِي الغائب، حيث قصد ذكره بالذات يعيّن أنه أراد هنا فِي التنظير ما بعد غير العقار. وإِجَارَةٍ لِحِرْزِ (¬1) زَرْعٍ. قوله: (وَإِجَارَةٍ لِحِرْز زَرْعٍ) حرز الزرع حفظه وحراسته، وكذا عدّ أبو اسحاق الغرناطي فِي " وثائقه " الإجارة على حراسة الزرع من هذه النظائر، وكذا نقل الشعبي عن ابن الهندي: أن من استأجر أجيراً يحرس له زرعاً لا يجوز أن ينقده الإجارة بشرط؛ لأن الزرع ربما تلف فتنفسخ فيه الإجارة، إذ لا يمكن فيه الخلف، فهو إن سلم كان إجارة وإن لَمْ يسلم كان سلفاً (¬2). تنبيهات: الأول: فِي بعض النسخ لجزّ زرع - بالجيم والزاي المشددة - بمعنى الحصاد، وهو صحيح المعنى؛ لأن العلّة التي فِي الحراسة موجودة فِي الحصاد، وقد التبس ذلك على كثير من النساخ فكتبوه بالباء مكان اللام وبضم الجيم وإسكان الزاي وهمزة بعدها، وهو تصحيف فظيع. الثاني: هذه العلّة التي ذكروها هنا جارية فِي كلّ ما لا يقضي فيه بالخلف (¬3) كالصبيين والفرسين وما ألحق بذلك، فيلزم أن لا يجوز النقد بشرط فِي شيءٍ منها والله تعالى أعلم. الثالث: قد اتضح لك أن الحكم الذي ذكره المصنف هنا مفرّع على عدم القضاء بالخلف (¬4) مع أنه لَمْ يذكره فِي باب الإجارة مع ما لا يقضي فيه بالخلف إذ قال: (وفسخت ¬
بتلف ما يستوفي منه لا به إِلا صبي (¬1) تعليم (¬2) ورضيع، وفرس نزو وروض، وسن لقلع، [74 / أ] فسكنت كعفو القصاص)، والعذر له أنه يغتفر فِي الكلام الجارف للنظائر ذكر غير المشهور عنده، وقد فعل هذا فِي أماكن (¬3). وأَجِيرٍ تَأَخَّرَ شَهْراً. قوله: (وَأَجِيرٍ تَأَخَّرَ شَهْراً) أي إذا تأخرت المنفعة المشتراة من الأجير المعين العاقل أو غيره شهراً ونحوه - لَمْ يجز النقد فيها بشرط كان الثمن المنقود عيناً أو عرضاً أو منافع من جنس تلك المنفعة أو من غير جنسها، فلو تأخرت إلى عشرة أيام أو ونحوها جاز؛ ففي سماع أشهب: لا بأس أن يقول الرجل العامل لمثله أعنّي خمسة أيام، [73 / أ] وأعينك خمسة فِي حصاد الزرع ودرسه وحمله. قال ابن رشد: لأنه من الرفق ومنعه ضرر بالناس؛ لأن الكثير منهم لا يقدر على الاستئجار وإن قدر ربما استغرقته الإجارة فكان ذلك ضرورة تبيح ذلك، وإنما يجوز ذلك فيما قلّ وقرب من الأيام، وإن اختلفت الأعمال؛ ففي رسم البيع، من سماع أصبغ عن أشهب: لا بأس أن يأخذ الرجل عبد الرجل نجاراً يعمل له اليوم على أن يعطيه عبده الخياط يخيط له غداً وإن قال له: احرث لي فِي الصيف وأحرث لك فِي الشتاء فلا خير فيه. والمرأة تقول للمرأة: انسجي ليّ اليوم وأنسج لك غداً لا بأس به، وكَذَلِكَ انسجي ليّ اليوم وأغزل لك غداً إذا وصفتا الغزل (¬4). ابن عرفة: وعلى هذا تجري مسألة دُولَة النساء الواقعة عندنا فِي عصرنا، فِي اجتماعهن فِي الغزل لبعضهن حتى يستوفين، فإن قربت مدة استيفائهن الغزل لجميعهن كالعشرة الأيام ونحوها، وعينت المبتدأ لها ومن يليها إلى آخرهن ووُصف الغزل: جازت، وإِلا فسدت. ¬
تنبيه: هذه النظائر فِي " الوثائق الغرناطية "، وزاد فيها الجنات والأرحاء [وو الأرض] (¬1) المبيعة على التكسير، وهو بيع الأرض مزارعة، وزاد بعضهم بيع الحائط على عدد النخل. ومُنِعَ وإِنْ بِلا شَرْطٍ فِي مُوَاضَعَةٍ وغَائِبٍ، وكِرَاءٌ ضُمِّنَ، وسَلَمٍ بِخِيَارٍ، واسْتَبَدَّ بَائِعٌ، أَوْ مُشْتَرٍ عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ، لا خِيَارِهِ ورِضَاهُ، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً عَلَى نَفْيِهِ فِي مُشْتَرٍ، وعَلَى نَفْيِهِ فِي الْخِيَارِ فَقَطْ، وعَلَى أَنَّهُ كَالْوَكِيلِ فِيهِمَا، ورَضِيَ مُشْتَرٍ كَاتَبَ، أَوْ زَوَّجَ ولَوْ عَبْداً. قوله: (وَمُنِعَ وإِنْ بِلا شَرْطٍ فِي مُوَاضَعَةٍ وغَائِبٍ، وكِرَاءٌ ضُمِّنَ، وسَلَمٍ بِخِيَارٍ) ذكر الأربعة غير واحد، وزاد أبو الحسن الصغير خامساً (¬2) وهو: العهدة، وكنت نظمت الخمسة وضابطها وحكمها وعلتها فِي بيتين من عروض الكامل فقلت: النقدُ فِيمَا لا يَنْجُزُ قَبْضُهُ ... بَعْدَ الخِيَارِ رِباً بِإِطْلاَقٍ يُرَى فَسخٌ لِدَيْنٍ فِيهِ وهُوَ بِعُهْدَةٍ ... سلم مواضعة وعَيْب والكرا وقولنا: فسخ لدين. بدل من: ربا. والضمير فِي " فيه " يعود على الدين أي: فسخ لدين فِي دين، وإن شئت جعلته عطف بيان وهو أنسب؛ إذ حقيقة القصد به منكشفة، ولا يمنع من ذلك تنكيره، فقد يكونان منكرين كما يكونان معرفين، فإن جعلت ربا خبراً ففسخ مرفوع، وإن جعلته مفعولاً ثانياً ليرى فانصب فسخاً، ولو أضمرت له مبتدأً لارتفع (¬3) على التقديرين ولَمْ يخصص الكراء فِي النظم بالمضمون. على أن المصنف قد خصصه به اتباعاً لِلَّخْميّ؛ لكن قال أبو الطاهر بن بشير: لا يجوز فِي السلم ولا فِي الكراء المضمون؛ لأنه فسخ دين فِي دين، وهو بيّن على القول بأن الخيار على الحلّ حتى ينعقد، وأما إن قلنا إنه على (¬4) العقد حتى ينحلّ فقد يقوى جواز هذا لكنهم ¬
لَمْ يقولوه، ويمكن أن يكون احتياطاً، ولو كان هذا معيناً أو غائباً أو ما يتواضع من الجواري فإنه يجري على القولين فِي جواز أخذ هذه الأشياء من دين ". انتهى. وقصدنا المعظم منه هذا الإجراء (¬1)، ولما (¬2) ذكره ابن عرفة قال: ومذهب " المدونة " منع أخذ هذه الأشياء عن الدين. وقال أبو الحسن الصغير: الكراء المضمون والمعين سواء يعني على مذهب ابن القاسم فِي " المدونة "، وقد ظهر لك أن المصنف لو لَمْ يقيّد الكراء بكونه مضموناً لكان أولى؛ ليجري على المشهور، ويوافق قوله فيما تقدّم أو منافع عين. أَوْ قَصَدَ تَلَذُّذاً، أَوْ رَهَنَ، أَوْ آجَرَ، أَوْ أَسْلَمَ لِلصَّنْعَةِ، أَوْ تَسَوَّقَ، أَوْ جَنَى إِنْ تَعَمَّدَ، أَوْ نَظَرَ الْفَرْجَ، أَوْ عَرَّبَ دَابَّةً، [أَوْ هَلبَهَا] (¬3) أَوْ وَدَّجَهَا، لا إِنْ جَرَّدَ جَارِيَةً وهُوَ رَدٌّ مِنَ الْبَائِعِ، إِلا الإِجَارَةَ. قوله: (أَوْ قَصَدَ تَلَذُّذاً) اتبع فِي هذه العبارة ابن الحاجب، وقد قبل فِي توضيحه قول ابن عبد السلام: فِي لفظة [قصد] (¬4) تجوّز؛ فإن: القصد بمجرده دون الفعل لا يدل على الاختيار أو يدل عليه؛ ولكنه لا يعلم حتى يرتفع النزاع بسببه إِلا أن يريد أن القاصد أقرّ على نفسه بذلك، ولعلّ هذا مراده؛ لأن فِي " المدونة ": وإذا كان الخيار للمبتاع في الجارية فجردها فِي أيام الخيار ونظر إليها فليس ذلك رضاً، وقد تجرد للتقليب إِلا أن يقرّ أنه فعل ذلك متلذذاً فهذا رضاً. قال: ونظر المبتاع إلى فرج الأمة رضاً؛ لأن الفرج لا يجرد فِي الشراء ولا ينظر إليه إِلا النساء ومن يحلّ له الفرج " (¬5) انتهى. وقد صرّح المصنف بهذين الفرعين بعد. انتهى (¬6). ¬
ولا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَوْ رَدَّ بَعْدَهُ، إِلا بِبَيِّنَةٍ. قوله: (وَلا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ اخْتَارَ أَوْ رَدَّ بَعْدَهُ، إِلا بِبَيِّنَةٍ) نحو هذه العبارة لابن الحاجب (¬1)، وناقشه ابن عبد السلام بأنه (¬2) قابل بين الاختيار والردّ؛ مع أنّ الردّ أحد نوعي الاختيار، ثم أجاب بما قد علمت، وأضرب فِي " التوضيح " عن هذه المناقشة، فالعبارة عنده مرضية؛ فمن ثمّ [73 / ب] انتحلها ها هنا، ويمكن على بعد أن يكون قوله: (اخْتَارَ) شاملاً لاختيار الإمضاء والردّ، ويكون قوله: (أَوْ رَدَّ) تنبيهاً على فرعٍ آخر، وذلك إذا قبض المشتري السلعة على خيارٍ فِي شرائها ثم قال بعد أيام الخيار: لَمْ أرضها وقد رددتها إلى ربّها، وأنكر ربّها أن يكون ردّها إليه؛ وعلى هذا ففاعل (رَدَّ) قاصر على المشتري، وفاعل (اخْتَارَ) متناول لهما؛ هذا إن ساعده النقل. ولا يَبِعْ [مُشْتَرٍ] (¬3)، فَإِنْ فَعَلَ، فَهَلْ يُصَدَّقُ أَنَّهُ اخْتَارَ بِيَمِينٍ، أَوْ لِرَبِّهَا نَقْضُهُ؟ قَوْلانِ. وانْتَقَلَ لِسَيِّدِ مُكَاتِبٍ عَجَزَ. قوله: (وَلا يَبِعْ مُشْتَرٍ) نهي فيجزم الفعل، أو نفي فيرفع، وعلى كلٍ منهما فهو مناسب لقوله فِي " المدونة ": ولا ينبغي أن يبيع حتى يختار (¬4). ولِغَرِيمٍ أَحَاطَ دَيْنُهُ ولا كَلامَ لِوَارِثٍ، إِلا أَنْ يَأْخُذَ [50 / أ] بِمَالِهِ. قوله: (وَلِغَرِيمٍ أَحَاطَ دَيْنُهُ ولا كَلامَ لِوَارِثٍ، إِلا أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ) أي: ولا كلام لوارث مع الغرماء إِلا أن يأخذ الشيء الذي فيه الخيار بماله الخاصّ به. قال فِي " المدونة ": قال ابن القاسم: وإن أحاط الدين بمال الميت فاختار غرماؤه أخذاً أو رداً، وذلك أوفر لتركته، وأرجى لقضاء دينه فذلك لهم دون ورثته، فإن ردّوا لَمْ يكن للورثة الأخذ إِلا أن يؤدوا (¬5) الثمن من أموالهم دون مال الميت (¬6). ¬
ابن يونس: حكي عن أبي محمد أن الغرماء إذا اختاروا الأخذ إنما يجوز ذلك لهم إذا كان ما طلع من فضل فللميت يقضون به دينه، وإن كان نقصان فعلى الغرماء بِخِلافِ المفلس يؤدي عنه الثمن هذا ما كان من فضل أو نقص فللمفلس أو عليه، والفرق بينهما أن الثمن لازم للمفلس والذي ابتاع بخيار لَمْ يلزمه ثمن إِلا شيء بمشيئة الغرماء فلم يجب أن يدخلوا على الورثة ضرراً. ولِوَارِثٍ، والْقِيَاسُ رَدُّ الْجَمِيعِ إِنْ رَدَّ بَعْضَهُمْ، والاسْتِحْسَانُ أَخْذُ الْمُجِيزِ الْجَمِيعَ، وهَلْ وَرَثَةُ الْبَائِعِ كَذَلِكَ؟ تَأْوِيلانِ، وإِنْ جُنَّ نَظَرَ السُّلْطَانُ وَ [انْتَظَرَ] (¬1) الْمُغْمَى، وإِنْ طَالَ فُسِخَ، والْمِلْكُ لِلْبَائِعِ، ومَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ، إِلا أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَالَهُ، والْغَلَّةُ وأَرْشُ مَا جَنَى أَجْنَبِيٌّ لَهُ، بِخِلافِ الْوَلَدِ، والضَّمَانُ مِنْهُ، وحَلَفَ مُشْتَرٍ إِلا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ، أَوْ يُغَابَ عَلَيْهِ، إِلا بِبَيِّنَةٍ، وضَمِنَ الْمُشْتَرِي إِنْ خُيِّرَ الْبَائِعُ الأَكْثَرَ، إِلا أَنْ يَحْلِفَ، فَالثَّمَنُ كَخِيَارِهِ، وكَغَيْبَةِ بَائِعٍ، والْخِيَارُ لِغَيْرِهِ. وإِنْ جَنَى بَائِعٌ والْخِيَارُ لَهُ عَمْداً فَرَدٌّ، وخَطَأً، فَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْعَيْبِ، وإِنْ تَلِفَتِ انْفَسَخَ فِيهِمَا، وإِنْ خُيِّرَ غَيْرُهُ وتَعَمَّدَ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ أَوْ أَخْذُ الْجِنَايَةِ، وإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ الأَكْثَرَ، وإِنْ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَخْذُهُ نَاقِصاً أَوْ رَدُّهُ، وإِنْ تَلَفَتِ انْفَسَخَ، وإِنْ جَنَى مُشْتَرٍ والْخِيَارُ لَهُ ولَمْ يُتْلِفْهَا عَمْداً فَهُوَ رِضاً، وخَطَأً فَلَهُ رَدُّهُ ومَا نَقَصَ، وإِنْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَ الثَّمَنَ، وإِنْ خُيِّرَ غَيْرُهُ وجَنَى عَمْداً أَوْ خَطَأً فَلَهُ أَخْذُ الْجِنَايَةِ أَوِ الثَّمَنِ، فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ الأَكْثَرَ، وإِنِ اشْتَرَى أَحَدَ ثَوْبَيْنِ وقَبَضَهُمَا لِيَخْتَارَ فَادَّعَى ضَيَاعَهُمَا ضَمِنَ وَاحِداً بِالثَّمَنِ فَقَطْ. ولَوْ سَأَلَ فِي إِقْبَاضِهِمَا، أَوِ [ادَّعَى] (¬2) ضَيَاعَ وَاحِدٍ ضَمِنَ نِصْفَهُ، ولَهُ اخْتِيَارُ الْبَاقِي. قوله: (وَلِوَارِثٍ) هو معطوف على قوله: (ولِسَيِّدِ مُكَاتِبٍ) وهذا الوارث لَمْ يحط الدين بمال موروثه بِخِلافِ الذي قبله، ومن العجب أن الظاهر من كلام الشارح أنه يصل هذا بما قبله وأنه يقرؤه: (ولا كلام لوارثٍ إِلا أن يأخذ ماله)، ولوارث بإسقاط الباء، ويعتقد أن ما من قوله: (ماله) موصولة، و (له) صلتها (ولوارث) معطوف على (له) وهذا ركيك ويلزم عليه مع ركاكته ثلاث محذورات: ¬
أوّلها: فوات الكلام على اجتماع الورثة والغرماء المحيط دينهم، مع شهرة المسألة فِي " المدونة " وَغيرها. وثانيها: فوات الكلام الصريح على الوارث المنفرد. وثالثها: التكرار والتهافت مع ما ذكر بعد من النظر والاستحسان. والله سبحانه أعلم. كَسَائِلٍ دِينَاراً فَيُعْطَى ثَلاثَةً لِيَخْتَارَ، فَزَعَمَ تَلَفَ اثْنَيْنِ، فَيَكُونُ شَرِيكاً. وإِنْ كَانَ لِيَخْتَارَهُمَا، فَكِلاهُمَا مَبِيعٌ، ولَزِمَاهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وهُمَا فِي يَدِهِ، وفِي اللُّزُومِ لأَحَدِهِمَا يَلْزَمُهُ النِّصْفُ مِنْ كُلٍّ. وفِي الاخْتِيَارِ لا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. قوله: (كَسَائِلٍ دِينَاراً فَيُعْطَى ثَلاثَةً لِيَخْتَارَ، فَزَعَمَ تَلَفَ اثْنَيْنِ، فَيَكُونُ شَرِيكاً). كذا فِي " المدونة " وو نصّه على اختصار أبي سعيد: " وكَذَلِكَ الذي يسأل رجلاً ديناراً فيعطيه ثلاثة دنانير ليختار أحدها، فيزعم أنه تلف منها ديناران، فإنه يكون شريكاً " (¬1). ومعنى قوله: (يكون شريكاً) أن له فِي كلّ دينار ثلاثة ويحلف على ما ذكر من الضياع فِي الثلثين إن كان متهماً. نقله فِي " جامع الطرر " عن " المقرب " وجعلها أبو اسحاق وابن محرز على ثلاثة أوجه: الأول: إذا قبضها على أن له أخذها غير معين إما قضاءً أو سلفاً فيجب أن يكون شريكاً فيها. الثاني: أن يقبضها ليريها أو يزنها، فإن وجد فيها طيباً وازناً أخذه وإِلا ردّها كلها، فهذه عنده على الأمانة فلا يضمن منها شيئاً. الثالث: أن يقبضها لتكون رهناً عنده حتى يقتضي حقّه معها أو من غيرها، فهذه يكون ضامناً لجميعها إِلا أن يثبت هلاكها. انتهى. وقبله عياض. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الرد بالعيب
[باب الردّ بالعيب] ورُدَّ بِعَدَمِ مَشْرُوطٍ فِيهِ غَرَضٌ كَثَيِّبٍ لِيَمِينٍ فَيَجِدُهَا بِكْراً وإِنْ بِمُنَادَاةٍ، لا إِنِ انْتَفَى. قوله: (كَثَيِّبٍ لِيَمِينٍ فَيَجِدُهَا بِكْراً) هذا التمثيل لابن عبد السلام، فإنه لما تكلّم على قول ابن الحاجب: وما فيه غرض ولا مالية [فيه] (¬1) ففيه روايتان (¬2). قال: هذا القسم مستبعد الوقوع؛ لأن الأثمان تابعة للأغراض، فإذا اشترط فِي المبيع وصف تتعلّق به الأغراض فلم يوجد ذلك الوصف فِي المبيع فالغالب [أن] (¬3) الثمن ينقص لأجله، إِلا فيما يتعلّق به الغرض للقليل من الناس، كما إذا اشترى أمة على أنها نصرانية فوجدها مسلمة، وقال أردتّ أن أزوجها من غلامي النصراني، أو اشترى أمة على أنها ثيّب فوجدها بكراً وقال: إن عليه يميناً فِي ملك الأبكار أو أنه (¬4) لا يطيق إصابتها فقد وقع فِي هذا النوع اضطراب ". انتهى. فأما مسألة النصرانية ففي سماع عيسى (¬5)، وأما مسألة الأمة فذكر أبو الأصبغ بن سهل: أنه كتب إليه [74 / أ] فيها من فاس، فأجاب بهذا، وقد أغفلها ابن عرفة. وسمعت شيخنا الفقيه الحافظ أبا عبد الله القوري يقول: قال أبو عبد الله محمد بن عمر بن الفتوح: " سبب انتقالي من تلمسان إلى فاس عجز فقهاء تلمسان عن مسألتين إحداهما: هذه، قالوا فيها هذا كمن ضاع له قب فوجد حماماً، والقبّ فِي اللغة هو الكوب واحد الأكواب (¬6)، والثانية مسألة كتاب: الأيمان والنذور من " المدونة " فيمن التزم من النذور ¬
ما لا يبلغه عمره ". انتهى. وقول المصنف: (ليمين) يشمل اليمين أن لا يملك وأن لا يطأ. وبِمَا الْعَادَةُ السَّلامَةُ مِنْهُ كَعَوَرٍ وقَطَعٍ، وخِصَاءٍ، واسْتِحَاضَةٍ، ورَفْعِ حَيْضَةِ اسْتِبْرَاءٍ، وعَسَرٍ، وزِناً، وشُرْبٍ وبَخَرٍ، وزَعَرٍ وزِيَادَةِ سِنٍّ، وظُفْرٍ، وبُجَرٍ، وعُجَرٍ، ووَالِدَيْنِ أَوْ وَلَدٍ، لا جَدٍّ، ولا أَخٍ، وجُذَامِ أَبٍ، أَوْ جُنُونِهِ بِطَبْعٍ، لا بِمَسِّ جِنٍّ وسُقُوطِ سِنَّيْنِ وفِي الرَّائِعَةِ الْوَاحِدَةُ، وشَيْبٍ بِهَا فَقَطْ، ولَوْ قَلَّ، وجُعُودَتِهِ، وصُهُوبَتِهِ، وكَوْنِهِ وَلَدَ زِناً ولَوْ وَخْشاً، وبَوْلٌ فِي فِرَاشٍ فِي وَقْتٍ يُنْكَرُ، إِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْبَائِعِ. قوله: (وَظُفْرٍ، وبُجَرٍ، وعُجَرٍ) الجوهري: الظَفَرَة بالتحريك جليدة تغشى العين ناتئة (¬1) من الجانب الذي يلي الأنف على بياض العين إلى سوادها، وهي التي يقال لها: ظفر. عن أبي عبيد وقد ظفرت عينه بالكسر تظفر ظفراً، وفِي " مختصر العين " الظفر (¬2): جليدة [تغشى البصر] (¬3) يقال عين ظفرة، وقد ظفر الرجل. الجوهري: والبجر بالتحريك خروج السرة ونتوئها وغلظ أصلها. وفِي " مختصر العين ": الأبجر العظيم البجرة وهي السرة، وقد بجر. الجوهري: العجرة بالضم العقدة فِي الخشب أو فِي عروق الجسد، ثم قال والعجر بالتحريك: الحجم والنتوء يقال: " رجل أعجر بين [العجر] (¬4) " أي عظيم البطن ونحوه فِي " مختصر العين " وقال المتيطي: العجرة هي العقدة تكون على ظهر الكفّ أو الذراع أو سائر الجسد، وهي عيب يردّ به. ¬
وإِلا حَلَفَ، إِنْ أَقَرَّتْ عِنْدَ غَيْرِهِ وتَخَنُّثِ عَبْدٍ، وفُحُولَةِ أَمَةٍ إِنِ اشْتَهَرَتْ، وهَلْ هُوَ الْفِعْلُ أَوِ التَّشَبُّهِ؟ تَأْوِيلانِ، وقَلَفِ ذَكَرٍ. وأُنْثَى مُوَلَّدٍ، أَوْ طَوِيلِ الإِقَامَةِ. قوله: (وَإِلا حَلَفَ، إِنْ أَقَرَّتْ عِنْدَ (¬1) غَيْرِهِ) أي: وإن لَمْ يثبت بولها عند البائع حلف البائع أنه لا يعلمه إن أقرّت أي وضعت بيد غير المتبايعين من امرأة أو رجل ذي زوجة، فيقبل خبر المرأة أو الزوج عن امرأته ببولها. قاله ابن حبيب، وصححه ابن رشد، ونقل اللَّخْمِيّ عن ابن عبد الحكم: يحلف البائع ويبرأ؛ إذ قد تُكْرِه الأمة مبتاعَها فتفعله، ولو أسقط المصنف الضمير من (غيره) لكان أبين، ولو قال: إن بالت عند أمين؛ لكان أبين من هذا كلّه. وخَتْنِ مَجْلُوبِهِمَا كَبَيْعٍ بِعُهْدَةٍ مَا اشْتَرَاهُ بِبَرَاءَةٍ. قوله: (كَبَيْعٍ بِعُهْدَةٍ مَا اشْتَرَاهُ بِبَرَاءَةٍ) كذا فِي سماع أشهب من ابتاع عبداً بالبراءة أو بيع ميراث فلا يبعه بيع الإسلام وعهدته حتى يبين أنه ابتاعه بالبراءة، ولو أخبره بذلك بعد العقد يريد فسخ البيع لَمْ يفسخ إنما عليه أن يبين، ثم للمبتاع رده إن شاء (¬2). ابن يونس: وكذا فِي كتاب محمد وذلك كعيب كتمه؛ لأنه يقول: لو علمت أنك ابتعته بالبراءة لم أشتره منك إذ قد أصيب به عيباً وتفلس أو تكون عديماً، فلا يكون لي الرجوع على بائعك قال بعض أصحابنا: يجب على هذا لو باع عبداً قد وهب [له] (¬3) ولَمْ يبين أنه وهب له أن يكون للمشتري متكلّم فِي ذلك؛ إذ لو ظهر له عيب لَمْ يكن له متكلم مع الواهب. وكَرَهَصٍ. قوله: (وَكَرَهَصٍ) الجوهري: والرهصة أن يدوي باطن حافر الدابة من حجر تطؤه مثل الوقرة قال الشاعر: ¬
كبَزْغِ البِيطَرِ الثَّقْفِ رَهْصَ الكَوادِنِ (¬1) قال الكسائي: " يقال: رهصت الدابة بالكسر وأرهصها الله مثل وقرت وأوقرها الله، ولَمْ يقل رهصت فهي مرهوصة ورهيص وقاله غيره ". انتهى. فيصحُّ هنا إسكان الهاء كما فِي قوله: رهص الكوادن. وفتحها كما حكى الكسائي. وعَثَرٍ. قوله: (وَعَثَرٍ) فِي " مختصر العين ": " عثر الرجل يعثر عثوراً، وعثر الفرس عثاراً، وعثرت على الأمر عثراً اطلعت عليه. انتهى. والجاري عليه أن يقول هنا: وعثار؛ ولكن قال فِي " خلاصة المحكم ": عثر يعثر ويعثر عثراً وعثاراً ومعثراً: كبا (¬2)، وعليه جرى هنا. وحَرَنٍ. قوله: (وحَرَنٍ) قال الجوهري: " فرس (¬3) حرون: لا ينقاد، وإذا اشتدّ به الجري وقف، وقد حرن يحرن حروناً، وحرُن (¬4) بالضم أي: صار حروناً، والاسم الحران، وفِي " مختصر العين " حرنت الدابة تحرن حراناً وحرنت " انتهى. فالآتي عليهما أن يقول هنا وحرون أو حران. وعَدَمِ حَمْلٍ [50 / ب] مُعْتَادٍ، لا ضَبْطٍ، وثُيُوبَةٍ، إِلا فِيمَنْ لا يُفْتَضُّ مِثْلُهَا، وعَدَمِ فُحْشِ ضِيقِ قُبُلٍ، وكَوْنِهَا زَلاءَ، وكَيٍّ لَمْ يُنَقَّصْ، وتُهْمَةٍ بِسَرِقَةٍ حُبِسَ فِيهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ بَرَاءَتُهُ. قوله: (وَعَدَمِ حَمْلٍ مُعْتَادٍ) أي: أن يجد الدابّة لا تحمل على ظهرها حمل أمثالها المعتاد. ومَا لا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إِلا بِتَغَيُّرٍ كَسُوسِ الْخَشَبِ، والْجَوْزِ، ومُرِّ قِثَّاءٍ، ولا قِيمَةَ، ورُدَّ الْبَيْضُ، وعَيبٍ قَلَّ بِدَارٍ، وفِي قَدْرِهِ. تَرَدُّدٌ ورَجَعَ بِقِيمَتِهِ كَصَدْعِ جِدَارٍ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا مِنْهُ. قوله: (ورَجَعَ بِقِيمَتِهِ) كذا فِي أكثر النسخ بإضافة (قيمة) إلى ضمير العيب القليل، ¬
فيكون قوله: (كَصَدْعِ جِدَارٍ) مثالاً للعيب القليل الذي هو عيب قيمة لا عيب ردّ، فعلى هذا لَمْ يذكر القليل جداً كسقوط شرافة، ويعضده قوله: (وفِي قدره تَرَدُّدٌ وفِي بعضها بقيمة) بإسقاط الضمير؛ كأنه أضاف قيمة لكاف [74 / ب] التشبيه، فيبقى قوله: (وَعَيبٍ قَلَّ بِدَارٍ) متناولاً للقليل جداً الذي لا ردّ فيه ولا قيمة كسقوط شرافة، ولكن يبعده قوله: (وفِي قدره تَرَدُّدٌ). إِلا أَنْ يَكُونَ وَجْهَهَا، أَوْ بِقَطْعِ مَنْفَعَةٍ. قوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ وَجْهَهَا) أي: إِلا أن يكون العيب القليل وجهها. كَمِلْحٍ بِبِئْرِهَا بِمَحَلِّ الْحَلاوَةِ. قوله: (كَمِلْحٍ بِبِئْرِهَا) كذا فِي بعض النسخ بكاف التشبيه، وهو خير من النسخ التي فيها أو ملح معطوفاً بأو. وإِنْ قَالَتْ أَنَا مُسْتَوْلَدَةٌ لَمْ تَحْرُمْ، لَكِنَّهُ عَيْبٌ، إِنْ رَضِيَ بِهِ بَيَّنَ. وتَصْرِيَةُ الْحَيَوَانِ كَالشَّرْطِ كَتَلْطِيخِ ثَوْبِ عَبْدِهِ بِمِدَادٍ فَيَرَدُّهُ بِصَاعٍ مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ، وحَرُمَ رَدُّ اللَّبَنِ، لا إِنْ عَلِمَهَا مِصْرَاةً، أَوْ لَمْ تُصِرَّ، وظَنَّ كَثْرَةَ اللَّبَنِ، إِلا إِنْ قُصِدَ واشْتُرِيَتْ فِي وَقْتِ حِلابِهَا، وكَتَمَهُ، ولا بِغَيْرِ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ عَلَى الأَحْسَنِ، وتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِهَا عَلَى الْمُخْتَارِ والأَرْجَحِ، وإِنْ حُلِبَتْ ثَالِثَةً، فَإِنْ حَصَلَ الاخْتِبَارُ بِالثَّانِيَةِ فَهُوَ رِضاً، وفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَهُ ذَلِكَ، وفِي كَوْنِهِ خِلافاً تَأْوِيلانِ. ومَنَعَ مِنْهُ بَيْعُ حَاكِمٍ، ووَارِثٍ رَقِيقاً فَقَطْ بَيَّنَ أَنَّهُ إِرْثٌ، وخُيِّرَ مُشْتَرٍ ظَنَّهُ غَيْرَهُمَا، وتَبَرِّي غَيْرِهِمَا فِيهِ [كَإِنْ] (¬1) لَمْ يَعْلَمْ إِنْ طَالَتْ إِقَامَتُهُ، وإِنْ عَلِمَهُ بَيَّنَ أَنَّهُ بِهِ ووَصَفَهُ أَوْ أَرَاهُ لَهُ ولَمْ يُجْمِلْهُ، وزَوَالُهُ إِلا مُحْتَمِلَ الْعَوْدِ، وفِي زَوَالِهِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ وطَلاقِهَا وهُوَ الْمُتَأَوَّلُ، والأَحْسَنُ، أَوْ بِالْمَوْتِ فَقَطْ وهُوَ الأَظْهَرُ، أَوْ لا، أَقْوَالٌ، ومَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا إِلا مَا لا يُنَقِّصُ، كَسُكْنَى الدَّارِ وحَلَفَ إِنْ سَكَتَ بِلا عُذْرٍ فِي كَالْيَوْمِ، لا كَمُسَافِرٍ اضْطُرَّ لَهَا أَوْ تَعَذَّرَ قَوْدُهَا لِحَاضِرٍ. قوله: (وإِنْ قَالَتْ أَنَا مُسْتَوْلَدَةٌ لَمْ تَحْرُمْ، لَكِنَّهُ عَيْبٌ، إِنْ رَضِيَ بِهِ بَيَّنَ) مفهوم قوله: (إِنْ رَضِيَ) أن له الردّ إن (¬2) لَمْ يرض، وظاهره وإن كانت الأمة إنما قالت ذلك بعد أن ¬
دخلت فِي ضمانه وهو مقتضى النسخ التي وقفت عليها من " التوضيح " (¬1)، وليس ذلك بصحيح، وإنما يصحّ ذلك لو ثبت أنها كانت ادعت ذلك وهي (¬2) فِي ضمان بائعها، كما فرضه شيخ الإسلام أبو عبد الله ابن عبد السلام، إذ قال: من اشترى أمة ثم اطلع على أنها ادعت على البائع أنه استولدها، وثبت ذلك عنده ببينة: لَمْ يحرم على المشتري استدامة ملكها بمجرد هذه الدعوى؛ ولكنه عيب يجب له به الردّ على البائع إن أحب، فإن رضي به أو صالح عنه، ثم أراد أن يبيع تلك الأمة لزمه أن يبين كما يلزمه ذلك فِي جميع العيوب، وكما كان يجب ذلك على بائعها منه، فيجب أن يحمل كلام المصنف هنا على فرض ابن عبد السلام، وإِلا كان مخالفاً للروايات ونصوص العلّماء. ففي أول مسألة من سماع ابن القاسم من كتاب " العيوب ": " قال مالك فيمن اشترى جارية فأقامت عنده سنين ثم قالت: قد ولدت من سيدي الذي باعني، لا يحرمها ذلك على سيدها، وذلك عيب تردّ به إن باعها وكتمه. قال ابن القاسم: يريد إذا باعها المشتري الذي زعمت له ذلك، فإنه إذا لَمْ يبين لمشتريها منه أنها قد ذكرت له أنها ولدت من (¬3) سيّدها الأول كان عيباً تردّ منه؛ لأن أهل الورع لا يقدمون على مثل هذا " (¬4). انتهى. وذكرها فِي " النوادر " ثم زاد، وكَذَلِكَ فِي كتاب محمد وابن حبيب قال ابن رشد: ولو قالت ذلك فِي عهدة الثلاث أو فِي الاستبراء يعني المواضعة لكان له ردّها [به] (¬5) على قياس قوله: إن ذلك عيب يجب عليه أن يبينه إذا باعها؛ لأن (¬6) ما حدث من العيوب فِي العهدة والاستبراء، فضمانه من البائع، وبذلك (¬7) أفتى ابن لبابة وابن مزين (¬8) وعبيد الله بن يحيي ¬
وغيرهم من نظائرهم، وقع ذلك فِي أحكام ابن زياد خلاف ما روى المدنيون عن مالك من أنّ ذلك ليس بعيب تردّ منه، إذ لا يقبل منها، وقد روى داود بن جعفر عن مالك نحوه قال: إذا سرق العبد فِي عهدة الثلاث ردّ بذلك، وإن أقرّ على نفسه بالسرقة (¬1) لم يردّ؛ لأنه يتهم على إرادة الرجوع لسيده، ومعنى ذلك عندي (¬2) إذا كانت سرقته التي أقرّ بها مما لا يجب [عليه] (¬3) القطع فيها " انتهى، وعليه اقتصر ابن عرفة، وناقشه فِي تقييد السرقة بما لا قطع فيه فقال: " وو ما يتوهم فِي هذا، وليس بمحل خلاف ". انتهى. ومن العجب أنه نقل فِي " التوضيح " كلام ابن رشد هذا بعد الكلام الموهم لما تقدم، فلعلّ ذلك من تصحيف الناسخ، وقد نقل ابن شاس: المسألة على ما هي فِي السماع المذكور، وزاد: أن الضابط فِي اعتبار حاله حدوث العيب أن كلّ حالة يكون ضمان المبيع فيها باقياً على بائعه، فحدوث العيب فيها يقتضي الخيار، وكل حالة انتقل الضمان فيها إلى المبتاع فلا ردّ له بما يحدث فيها من العيوب (¬4). فَإِنْ غَابَ بَائِعُهُ أَشْهَدَ. قوله: (فَإِنْ غَابَ بَائِعُهُ أَشْهَدَ) كذا لابن شاس وابن الحاجب (¬5) وقال اللَّخْمِيّ: قال ابن القاسم فِي كتاب محمد فيمن اشترى عبداً وأقام فِي يديه (¬6) ستة أشهر لغيبة البائع، ولَمْ يرفع إلى السلطان حتى مات العبد: فله أن يرجع بالعيب ويعذر بغيبة البائع؛ لأن الناس يستثقلون الخصوم عند القضاة، ولأنه يرجو إذا جاء البائع أن لا يكلفه ذلك. انتهى. ¬
واعتمده ابن عرفة ثم قال: وقول ابن الحاجب إن كان البائع غائباً استشهد شهيدين. يقتضي أن إشهاده (¬1) شرط فِي ردّه أو فِي سقوط اليمين عنه إن قدم ربه ولو لَمْ يدَّعِ عليه ذلك، ولا أعرفه لغير ابن شاس. فَإِنْ عَجَزَ أَعْلَمَ الْقَاضِيَ فَتَلَوَّمَ فِي بَعِيدِ الْغَيْبَةِ إِنْ رُجِيَ قُدُومُهُ. قوله: (فَتَلَوَّمَ فِي بَعِيدِ الْغَيْبَةِ إِنْ رُجِيَ قُدُومُهُ) كذا فِي النسخ المصححة، على أن رجاء القدوم شرط فِي التلوم. [75 / أ] كأنْ لَمْ يُعْلَمْ موضعهُ (¬2) عَلَى الأَصَحِّ. قوله: (كأنْ لَمْ يُعْلَمْ موضعه عَلَى الأَصَحِّ) القول بأن من لَمْ يعلم موضعه الذي تغيب فيه بمنزلة بعيد الغيبة فيقضي عليه بعد التلوم. هذا قول أبي مروان بن مالك من أئمة قرطبة فكّ الله أسرها، والقول بأنه بمنزلة القريب الغيبة فلا يقضي عليه حتى تزيد البينة غيبة بعيدة ثم تقول بحيث لا يعلمون هو قول (¬3) أبي عمر ابن القطان، والمصوب للأول هو أبو الأصبغ بن سهل قال: وقول ابن القطان محال فِي النظر؛ لأنه لا يجوز أن يكلف من يقول لا أعلم حيث غاب أن يزيد مغيباً بعيداً، فيجعل عالماً لما قد انتفى من علمه وهو تناقض ثم: استدلّ على صحة ما صوّب بمسائل من " المدونة " والأسمعة، وذلك مبسوط فِي " نوازله " وفِي " المتيطية ". وفهم من كلام المصنف أن القريب (¬4) الغيبة لا يقضى عليه وهو معنى قوله فِي المدونة: لَمْ يعجل الإمام على القريب الغيبة. أبو الحسن الصغير ويكتب إليه ليقدم، فإن أبى أن يقدّم حكم عليه كما يحكم على الملد الحاضر. ¬
وفِيهَا أَيْضاً نَفْيُ التَّلَوُّمِ، وفِي حَمْلِهِ عَلَى الْخِلافِ تَأْوِيلانِ. ثُمَّ قَضَى إِنْ أَثْبَتَ عُهْدَةً مُؤَرَّخَةً، وصِحَّةَ الشِّرَاءِ إِنْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِمَا، وفَوْتُهُ حِسَّاً كَكِتَابَةٍ وتَدْبِيرٍ، فَيُقَوَّمُ سَالِماً ومَعِيباً، ويُؤْخَذُ مِنَ الثَّمَنِ النِّسْبَةُ، ووُقِفَ فِي رَهْنِهِ وإِجَارَتِهِ لِخَلاصِهِ، ورُدَّ إِنْ لَمْ يَتَغَيَّرَ كَعَوْدِهِ لَهُ بِعَيْبٍ أَوْ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ كَبَيْعٍ أَوهبةٍ أَوْ إِرْثٍ، فَإِنْ بَاعَهُ لأَجْنَبِيٍّ مُطْلَقاً، أَوْ لَهُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ، أَوْ بِأَكْثَرَ إِنْ دَلَّسَ، فَلا رُجُوعَ وإِلا رَدَّ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ، ولَهُ بِأَقَلَّ كَمَّلَ، وتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ إِنْ تَوَسَّطَ [51 / أ]، فَلَهُ أَخْذُ الْقَدِيمِ ورَدُّهُ، ودَفْعُ الْحَادِثِ وقُوِّمَا بِتَقْوِيمِ الْمَبِيعِ يَوْمَ ضَمِنَهُ الْمُشْتَرِي. قوله: (وفِيهَا أَيْضاً نَفْيُ التَّلَوُّمِ، وفِي حَمْلِهِ عَلَى الْخِلافِ تَأْوِيلانِ) أشار بهذا لقول المتيطي، قد قال فِي كتاب: التجارة لأرض الحرب من " المدونة " إن بعدت غيبته قضى عليه (¬1)، ولم يذكر التلوم، ونحوه لابن القاسم فِي كتاب: القسم منها، وحمله غير واحد من الشيوخ على الخلاف لما فِي كتاب العيوب يعني من قوله: وأما البعيد فيتلوم له إن كان يطمع بقدومه، فإن لَمْ يأت قضى عليه برد العيب ثم يبيعه عليه الإمام ويقضي المبتاع ثمنه الذي نقد بعد أن تقول بينته: إنه نقد الثمن وهو كذا وكذا ديناراً، فما فضل حبسه الإمام للغائب عند أمين، وإن كان نقصانا رجع المبتاع على البائع بما بقي له من الثمن (¬2). ثم قال المتيطي عن بعض الموثقين: " وو القَوْلانِ متفقان، وكأنه قال يتلوم له الإمام إن طمع [بقدومه ولم] (¬3) يخف على العبد (¬4) ضيعة، فإن خاف ذلك عليه أو لَمْ يطمع بقدوم الغائب باع العبد ". انتهى. فقول المصنف: (نَفْيُ التَّلَوُّمِ) هو بحذف مضاف أي: نفي ذكر التلوم، ولو قال وفيها أَيْضاً السكوت عن التلوم؛ لكان أبين. ¬
ولَهُ إِنْ زَادَ بِكَصِبْغٍ أَنْ يَرُدَّ ويَشْتَرِكَ بِمَا زَادَ يَوْمَ الْبَيعِ (¬1) عَلَى الأَظْهَرِ، وجبرَ بِهِ الْحَادِثُ. قوله: (وَلَهُ إِنْ زَادَ بِكَصِبْغٍ أَنْ يَرُدَّ ويَشْتَرِكَ بِمَا زَادَ يَوْمَ الْبَيعِ عَلَى الأَظْهَرِ) صوابه على الأرجح إن كان أشار به إلى قول ابن يونس، حكي عن القابسي أنه قال: القيمة فِي ذلك يوم الحكم لا يوم البيع؛ لأنه إذا ردّه فقد فسخ البيع يوم الحكم، وهذا خلاف قولهم: إذا نقص فأراد الردّ وردّ ما نقص أن القيمة فِي هذا يوم البيع فكَذَلِكَ كان يكون إذا زاد، ولا فرق بينهما. قال ابن عرفة: ونسب المازري قول القابسي لمحمد فقط قائلاً: لأن الزيادة لَمْ يقع فيها معاقدة بين المتبايعين، وذكر قول ابن يونس ولم يتعقبه، وتعليل محمد فرق واضح بين الزيادة والنقص. ورأيت بخط شيخنا الفقيه الحافظ المشاور أبي عبد الله القوري مصلحاً فِي نسخته من هذا المختصر (ويشترك بما زاد يوم البيع على الأرجح والحكم على الأَظْهَر)؛ [وعلى هذا فالإشارة بقوله: (يوم البيع على الأرجح) إلى ما تقدّم من كلام ابن يونس، وبقوله: (والحكم على الأَظْهَر)] (¬2) إلى قول ابن رشد فِي (المقدمات) ما نصّه: " وأما الزيادة بما أحدثه المشتري في المبيع من صنعة مضافة إليه كالصبغ والخياطة والكمد ... وما أشبهه مما لا ينفصل عنه إِلا بفساد فلا اختلاف أن ذلك يوجب له الخيار بين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، أو يردّ ويكون شريكاً بما زاد؛ لأنه أخرج ماله فيه فلا يذهب هدراً، ووجه العمل فِي ذلك أن يُقَوّم الثوب يوم البيع سليماً من عيب التدليس، فإن كانت قيمته [مائة قوّم أَيْضاً يوم البيع بعيب (¬3) التدليس، فإن كانت قيمته] (¬4) ثمانين قوّم أَيْضاً يوم الحكم [غير مصبوغ] (¬5)، فإن كانت قيمته خمسة وثمانين قوّم أَيْضاً يوم الحكم ¬
مصبوغاً، فإن كانت قيمته خمسة وتسعين كان مخيّراً بين أن يمسك ويرجع بخمس الثمن، أو يردّ ويأخذ جميع الثمن، ويكون شريكاً فِي الثوب بما تقع العشرة التي بين القيمتين من الخمسة والتسعين، وذلك جزآن من تسعة عشر. وإن كانت الأسواق حالت بنقصان لَمْ يقوّم يوم الحكم غير مصبوغ، وقوّم مصبوغاً، فإن كانت قيمته يوم الحكم مصبوغاً خمسة وثمانين [75 / ب] كان شريكاً فِي الثوب إن ردّه بجزءٍ من سبعة عشر، وهو ما تقع الخمسة التي بين قيمته يوم الحكم مصبوغاً [وبين قيمته يوم الشراء غير مصبوغ من قيمته يوم الحكم مصبوغاً] (¬1). وتحصيل هذا الذي قلناه: أن الأسواق إن كانت حالة بزيادة لَمْ يكن بد أن يقوّم فِي الردّ يوم الحكم مصبوغاً أو غير مصبوغ، إذ لا يصح أن يكون شريكاً بما زادت الأسواق، وإن كانت الأسواق حالت بنقصان لَمْ يقوّم يوم الحكم إِلا مصبوغاً خاصّة، فكان شريكاً بما زادت قيمته يوم الحكم مصبوغاً على قيمته يوم الشراء غير مصبوغ على ما ذكرناه. وهذا قول بعض أهل النظر وفيه عندي نظر. والقياس: أن يقوّم يوم الحكم مصبوغاً وغير مصبوغ، وإن حالت الأسواق بنقصان فيكون شريكاً بما زاد الصبغ على كل حال؛ لأن حوالة الأسواق ليست بفوت فِي الزيادة ولا فِي النقصان، ويلزم البائع أن يأخذ ثوبه بزيادته ونقصانه فكما تكون له الزيادة ولا يشاركه بها المبتاع، وإنما يشاركه بما زاد الصبغ خاصّة فكَذَلِكَ يكون عليه [النقصان] (¬2) ويشاركه المبتاع بما زاد الصبغ ولا ينقص من ذلك بسبب حوالة الأسواق. وفُرِقَ بَيْنَ مُدَلِّسٍ وغَيْرِهِ إِنْ نَقَصَ كَهَلاكِهِ بِالتَّدْلِيسِ، وأَخْذِهِ مِنْهُ بِأَكْثَرَ، وتَبَرُّؤٍ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ ورَدِّ سِمْسَارٍ جُعِلا، ومَبِيعٍ لِمَحَلِّهِ إِنْ رُدَّ بِعَيْبٍ، وإِلا رُدَّ إِنْ قَرُبَ، وإِلا فَاتَ كَعَجْفِ دَابَّةٍ وسِمَنِهَا، وعَمًى، وشَلَلٍ، وتَزْوِيجِ أَمَةٍ، وجبرَ بِالْوَلَدِ. قوله: (وتَزْوِيجِ أَمَةٍ) يفسره قوله فِي " المدونة ": وإن زوّج الأمة من عبد (¬3) أو من ¬
رجلٍ حرّ ثم ظهر على عيبٍ فله ردّها وليس للبائع فسخ النكاح، وعلى المبتاع ما نقصها النكاح، وإن لَمْ ينقصها فلا شيء عليه (¬1). إِلا أَنْ يَقْبَلَهُ بِالْحَادِثِ، أَوْ يَقِلَّ، فَكَالْعَدَمِ كَوَعَكٍ، ورَمَدٍ، وصُدَاعٍ، وذَهَابِ ظُفُرٍ، وخَفِيفِ حُمًّى. قوله: (كَوَعَكٍ) مما فسّره به فِي المشارق أنه إزعاج الحمى المريض وتحريكها إياه، وفِي " مختصر العين ": " وعكته الحمى وعكاً: دكته ". وفِي صحاح الجوهري: الوعك مغث الحُمّى، والمغث ضرب ليس بالشديد " قال ابن الحاجب: وفيها الوعك والحمى والرمد من الأول (¬2) أي: اليسير. ابن عبد السلام: لَمْ أقف على الوعك فِي " المدونة "؛ إنما فيها الرمد والحمى. ابن عرفة: فيها مع الرمد والحمى الصداع وكلّ وجعٍ ليس بمخوف (¬3)، ثم ساق نصّ " الصحاح ". ووَطْءِ ثَيِّبٍ، وقَطْعِ مُعْتَادٍ والْمُخْرِجُ عَنِ الْمَقْصُودِ مُفِيتٌ. فَالأَرْشُ كَكِبَرِ صَغِيرٍ وهَرَمٍ، وافْتِضَاضِ بِكْرٍ، وقَطْعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ إِلا أَنْ يَهْلِكَ بِعَيْبِ التَّدْلِيسِ، أَوْ بِسَمَاوِيٍّ زَمَانَهُ كَمَوْتِهِ فِي إِبَاقِهِ، وإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي، وهَلَكَ بِعَيْبِهِ رَجَعَ عَلَى الْمُدَلِّسِ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ [رُجُوعُهُ عَلَى] (¬4) بَائِعِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، فَإِنْ زَادَ فَلِلثَّانِي، وإِنْ نَقَصَ فَهَلْ يُكَمِّلُهُ [الثَّانِي] (¬5)؟ قَوْلانِ. قوله: (وَافْتِضَاضِ بِكْرٍ) عدّ هذا من المفيت مخالف للمنصوص، وإنما هو من المتوسط، فلعلّ مخرج المبيضة وضعه فِي غير محلّه، وقد ذكره فِي التوضيح على الصواب فقال: " وأما وطءُ البكر فهو عند مالك من الثالث، وقيّده الباجي بالعلية. قال: وأما ¬
الوخش فذلك لا ينقصها بل يزيدها، وكذا نقل المازري عن بعض المتأخرين ". انتهى (¬1). ومراد المازري ببعض المتأخرين الباجي (¬2). قال ابن عرفة: ووطءُ البكر المنصوص من الثالث، وتخريج قول ابن وهب أحري. الباجي (¬3): قول مالك فِي وطءِ البكر: ما نقص من ثمنها. يريد إذا كانت ممن ينقصها الافتضاض؛ لأن الوخش لا ينقصها ربما زاد فيهنّ، وقبله المازري ونحوه قوله فِي كتاب: المرابحة من " المدونة ": لو كانت أمة فوطأها لَمْ يبين إِلا أن يكون افتضّها وهي ممن ينقصها، وأما الوخش التي ربما كان أزيد لثمنها فلا بيان عليه. (¬4). ولَمْ يُحَلَّفْ مُشْتَرٍ ادُّعِيَتْ رُؤْيَتُهُ إِلا بِدَعْوَى الإِرَاءَةِ، ولا الرِّضَا بِهِ إِلا بِدَعْوَى مُخْبِرٍ، ولا بَائِعٌ أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ لإِبَاقِهِ بِالْقُرْبِ. قوله: (وَلَمْ يُحَلَّفْ مُشْتَرٍ .. إلى قوله: بالقرب) اشتمل على ثلاث مسائل كلّها فِي " المدونة " (¬5). وهَلْ يُفْرَقُ بَيْنَ أَكْثَرِ الْعَيْبِ يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ وأَقَلِّهِ بِالْجَمِيعِ أَوْ بِالزَّائِدِ مُطْلَقاً أَوْ بَيْنَ هَلاكِهِ فِيمَا بَيْنَهُ أَوْ لا؟ أَقْوَالٌ. ورُدَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِحِصَّتِهِ ورُجِعَ بِالْقِيمَةِ، إِنْ كَانَ الثَّمَنُ سِلْعَةً. قوله: (ورُدَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِحِصَّتِهِ) هذا أعمّ من أن يكون الثمن عيناً أو سلعة، فما بعده أخصّ منه. ¬
إِلا أَنْ يَكُونَ الأَكْثَرَ، أَواحد مُزْدَوَجَيْنِ، أَوْ أُمَّاً ووَلَدَهَا، ولا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِأَقَلَّ اسْتُحِقَّ أَكْثَرُهُ، فَإِنْ كَانَ دِرْهَمَانِ وسِلْعَةٌ تُسَاوِي عَشَرَةً بِثَوْبٍ فَاسْتُحِقَّتِ السِّلْعَةُ وفَاتَ الثَّوْبُ فَلَهُ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِكَمَالِهِ، ورَدُّ الدِّرْهَمَيْنِ. قوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ الأَكْثَرَ) مستثنى مما علمت أنه أعمّ. ورَدُّ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ وعَلَى أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ والْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي الْعَيْبِ أَوْ قِدَمِهِ، إِلا بِشَهَادَةِ عَادَةٍ لِلْمُشْتَرِي. وحَلَفَ مَنْ لَمْ يُقْطَعْ بِصِدْقِهِ. قوله: (والْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي الْعَيْبِ أَوْ قِدَمِهِ، إِلا بِشَهَادَةِ عَادَةٍ لِلْمُشْتَرِي). هاتان مسألتان والاستثناء قاصر على الثانية منهما كما فِي " المدونة " (¬1) وغيرها. تنبيه: قيّد ابن الحاجب العيب المتنازع فيه بالخفي (¬2)؛ فقال ابن عبد السلام: كلامه يدل أن المذهب عنده أن لا قيام للمشتري بالعيب الظاهر، وهو قول ابن حبيب، وعليه يعتمد غير واحدٍ ممن صنّف فِي الأحكام، وكذا يعتمد عليه أصحاب الوثائق، ومذهب " المدونة " عند جماعة أنه لا يلزم المشتري سوى اليمين أنه لَمْ يره وقت البيع، ويحكم له بالردّ، ومنه مسألة الزلاء والأقطع والأعور فقد أوجب للمشتري فِي " المدونة " الردّ بذلك، وكثرة وقوع هذه المسائل وأشباهها يوجب ضعف قول من قال: لعلّ معنى ما فِي " المدونة " فِي أمة أو عبد عقد عليهما البيع، وهما غائبان. انتهى. قال ابن عرفة: ما نسبه لابن حبيب ذكره عنه ابن يونس، وصوّبه ونسب لمالك خلافه فِي مسألة الزلاء فِي " المدونة "، وفيما ذكره عن غير واحد من الموثقين [76 / أ] نظر؛ لأن المتيطي وغيره منهم وابن سهل وغيره من الأندلسيين أوجبوا اليمين على البتّ فِي العيب الظاهر، ومثله لابن عات فِي غير موضع من " الطرر " منها قوله: من امتنع من دفع ثمن ما ابتاعه لدعوى عيب به إن كان ظاهراً (¬3) الأطول فِي القيام به لَمْ يلزمه دفعه حتى يحاكمه. وقال ابن رشد: إن كان شيئاً ينقضي من ساعته. ¬
والحقّ أنه لا خلاف فِي الردّ بالعيب الخفي، وكلام المتقدمين والمتأخرين يدل على أن العيب الظاهر مشترك أو مشكك يطلق على الظاهر الذي لا يخفى غالباً على كلّ من اختبر المبيع تقليباً، ككون العبد مقعداً أو مطموس العينين، وعلى ما يخفى عند التقليب على من لَمْ يتأمل ولا يخفى غالباً على من تأمل، ككونه أعمى وهو قائم العينين، فالأول لا قيام به، والثاني يقام به اتفاقاً فيهما. ومما يدل على ذلك قول اللَّخْمِيّ قال مالك: يردّ بالعيب القديم من غير يمين، كان العيب مما يخفى أو ظاهراً مما لا يخفى. قال [في كتاب] (¬1) محمد: طالت إقامته أو لَمْ تطل. قال ابن القاسم: لا يمين له إِلا أن يكون من الظاهر الذي لا يشك أنه لا يخفى مثل قطع اليد أو الرجل أو العور. [قال اللَّخْمِيّ: أما العور] (¬2) فإن كان قائم العين وقد ذهب نورها فيصحّ أن يردّ به، وإن طال وإن كان مطموس العين لَمْ يردّ به وإن قرب إِلا أن يكون بفور الشراء، ولو قيل: إنه لا يصدّق أنه لَمْ يره لكان وجهاً، وكَذَلِكَ قطع اليد إذا كان قد قلب يديه، وإن قال كتمني العبد هذه اليد حلف على ذلك فيما قرب، وقطع الرجل أبين، ألا يمكّن من الردّ إِلا أن يكون بفور ما تصرف بين يديه عند العقد، وكان الشراء وهو جالس. قال مالك فِي كتاب محمد: لو ابتاع بعض النخاسين عبداً فأقام عنده ثلاثة أشهر حتى ضرع ونقص حاله فوجد عيباً لَمْ أر أن يردّ؛ لأنه يشتري فإن وجد ربحاً باع، وإلا خاصم، فأرى أن يلزم مثل هؤلاء فيما علموا وفيما لَمْ يعلموا. قال ابن القاسم: والذي هو أحبّ إليّ: إن كان عيباً يخفى أحلف أنه ما رآه وردّ، وإن كان على غير ذلك لزمه. ثم قال ابن عرفة: ولابن يونس فِي ترجمة الردّ بالعيب والتداعي فيه ما نصّه: " قال ابن حبيب: وهذا فيما يخفى، وأما الظاهر فاليمين على البت "، فما نقله ابن يونس أولاً عن ابن حبيب هو فِي القسم الأول، وما نقله عنه ثانياً هو فِي الثاني، فلو تأمل نقليه ما حمل قوله أولاً على الخلاف. ¬
قال: ثم وقفت على ما نقل ابن الحاجّ فِي " نوازله " عن ابن أبي زمنين ما نصّه: " من اشترى شيئاً وأشهد على نفسه أنه قلب ورضي، ثم وجد عيباً مثله يخفى عند التقليب حلف ما رآه، وردّه إن أحبّ، وإن كان ظاهراً مثله لا يخفى عند التقليب لزمه، ولا ردّ له، وإن لَمْ يشهد أنه قلّبه ورضي ردّه من الأمرين معاً، قاله عبد الملك وأصبغ ". انتهى كلام ابن عرفة. وما ذكر عن " نوازل " ابن الحاجّ مثله فِي " نوازل " ابن سهل عن ابن حبيب عن مطرف وأصبغ، وتأمل ما نقله اللَّخْمِيّ من قول مالك فِي الذي يشتري فإن وجد ربحاً [باع] (¬1) وإِلا خاصم هل فيه مستند من وجه ما؟ لما أفتى به شيخ شيوخنا أبو محمد عبد الله العبدوسي من عدم رد الدابة بالعيب بعد شهر. وقُبِلَ لِلتَّعَذُّرِ غَيْرُ عُدُولٍ وإِنْ مُشْرِكَيْنِ (¬2)، ويَمِينُهُ بِعْتُهُ وفِي [ذِي] (¬3) التَّوْفِيَةِ، وأَقْبَضْتُهُ، ومَا هُوَ بِهِ بَتَّاً فِي الظَّاهِرِ، وعَلَى الْعِلْمِ فِي الْخَفِيِّ. قوله: (وقُبِلَ لِلتَّعَذُّرِ غَيْرُ عُدُولٍ وإِنْ مُشْرِكَيْنِ) زاد ابن عرفة: والواجب فِي قبول غير العدل عند الحاجة إليه سلامته من جرحه من الكذب، وإِلا لَمْ يقبل اتفاقاً. والْغَلَّةُ لَهُ لِلْفَسْخِ ولَمْ تُرَدَّ، [بِخِلافِ وَلَدٍ، وثَمَرَةٍ أُبِّرَتْ، وصُوفٍ تَمَّ] (¬4) كَشُفْعَةٍ، واسْتِحْقَاقٍ، وتَفْلِيسٍ، وفَسَادٍ ودَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، إِنْ رَضِيَ بِالْقَبْضِ، أَوْ ثَبَتَ عِنْدَ حَاكِمٍ وإِنْ لَمْ يَحْكُمْ. قوله: (وَلَمْ تُرَدَّ (¬5) كَشُفْعَةٍ، واسْتِحْقَاقٍ، وتَفْلِيسٍ، وفَسَادٍ) أما غير الثمرة فواضح، وأما الثمرة فشهر المازري أنها لا تردّ مع أصولها إذا أزهت فِي الردّ بالعيب، والبيع ¬
الفاسد، وترد مع أصولها، وإن أزهت بالشفعة والاستحقاق ما لَمْ تيبس، وترد معها وإن يبست فِي التفليس ما لَمْ تجد. قال: وكان بعض أشياخي يرى أنه لا يتحقق فرق بين هذه المسائل، وأنه يخرّج فِي كلّ واحدة منها ما هو منصوص فِي الأخرى، وقبله ابن عرفة بعد أن نقل غيره، وعليه اقتصر فِي " التوضيح " (¬1) وقد كنت نظمت هذا المعنى فِي رجز، مع زيادة بعض الفوائد فقلت: الخَرجُ بالضّمَانِ فِي التفْليسِ ... والْعَيْبُ عن جَهْلٍ وعَنْ تدْلِيسِ وفاسدٍ وشفعةٍ ومستحقٍ ... ذي عوضٍ ولو كوقفٍ فِي الأحقّ والحدُ فِي الثمارِ فيما انتقيا ... يضبطه (¬2) تجد عفزاً شسيا [76 / ب] الخرج والخراج لغتان اجتمعتا فِي قراءة نافع ومن وافقه: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} [المؤمنون:72]، ودخل تحت الكاف من قولنا: كوقف الاستحقاق بالجزية، ومعنى فِي الأحقّ فِي القول الأحقّ، تلويحاً بقول المغيرة ومن وافقه، ومعنى انتفيا: اختير، وهو مبني لما لَمْ يسم فاعله، والتاء فِي: تجد للتفليس والجيم وحدها أو مع الذال للجد، والعين والفاء فِي (عفز) للعيب، والفساد، والزاي للزهو والشين والسين فِي: شسياً للشفعة والاستحقاق، والياء لليبس، واختصرتها فِي بيتٍ من (المجتث) فقلت: ضمن يخرج وافيِّاً ... تجد عفازا (¬3) شسياً على أنّا مسبوقون لهذا التركيب الذي هو (تجد عفازاً شسياً) [سبق إليه الوانوغيي] (¬4). ¬
ولَمْ يُرَدَّ بِغَلَطٍ إِنْ سُمِّيَ بِاسْمِهِ، ولا بِغَبْنٍ ولَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ، وهَلْ إِلا أَنْ يَسْتَسْلِمَ ويُخْبِرَهُ بِجَهْلِهِ، أَوْ يَسْتَأْمِنَهُ؟ تَرَدُّدٌ. ورُدَّ فِي عُهْدَةِ الثَّلاثِ بِكُلِّ حَادِثٍ، إِلا أَنْ يَبِيعَ بِبَرَاءَةٍ، ودَخَلَتْ [51 / ب] فِي الاسْتِبْرَاءِ. قوله: (وَلا بِغَبْنٍ ولَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ، وهَلْ إِلا أَنْ يَسْتَسْلِمَ ويُخْبِرَهُ بِجَهْلِهِ، أَوْ يَسْتَأْمِنَهُ؟ تَرَدُّدٌ) اقتصر هنا على طريقتين من الثلاث التي ذكر فِي " التوضيح " (¬1)، وترك منها طريقة عبد الوهاب فِي " المعونة " (¬2) أنه لا خلاف فِي ثبوت الخيار لغير العارف، وفي العارف القَوْلانِ، فلو قال هنا: وهل إِلا لغير عارف أو إِلا أن يستسلم ... إلى آخره لاستوفى، ولابن عرفة هنا تحرير فعليك به. والنَّفَقَةُ عَلَيْهِ ولَهُ الأَرْشُ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ الْمُسْتَثْنَى مَالُهُ، وفِي عُهْدَةِ السَّنَةِ بِجُذَامٍ وبَرَصٍ. قوله: (وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ ولَهُ الأَرْشُ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ الْمُسْتَثْنَى مَالُهُ) كذا فِي بعض النسخ: وهو جارٍ على قاعدته الأكثرية من ردّ الاستثناء لما بعد الكاف فقط، وضمير (له) الثاني عائد على العبد، وفي بعضها والنفقة والأرش كالموهوب له؛ وعلى هذا فله خبر مبتدأ (¬3) وضميره للبائع ولامه للملك بالنسبة للأرش، والموهوب، وبمعنى على بالنسبة للنفقة من باب قوله تعالى: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد:25] فيه استعمال اللفظ الواحد فِي حقيقته ومجازه وفيه الفصل بالخبر بين المستثنى والمستثنى منه (¬4). وجُنُونٍ (¬5)، لا بِكَضَرْبَةٍ إِنْ شُرِطَتَا أَوِ اعْتِيدَتَا، ولِلْمُشْتَرِي إِسْقَاطُهُمَا، والْمُحْتَمَلُ بَعْدَهُمَا مِنْهُ، لا فِي مُنْكَحٍ بِهِ أَوْ مُخَالِعٍ، أَوْ مُصَالِحٍ فِي دَمٍ عَمْدٍ، أَوْ مُسْلَمٍ فِيهِ، أَوْ بِهِ أَوْ قَرْضٍ، أَوْ عَلَى صِفَةٍ، أَوْ مُقَاطَعٍ بِهِ مُكَاتَبٌ، أَوْ مَبِيعٍ عَلَى كَمُفْلِسٍ. قوله: (وَجُنُونٍ، لا بِكَضَرْبَةٍ) أشار بهذا لما نقل فِي " التوضيح " عن الباجي (¬6) وغيره: ¬
أن الجنون الذي يردّ به فِي السنة على المشهور هو ما كان من مسّ الجانّ، ومعناه الوسوسة خلافاً لابن وهب الذي يراه موجباً للردّ، ولو كان بضربة أو غيرها ". انتهى (¬1). وقال ابن رشد فِي رسم الكبش من سماع يحيي: يردّ على ما فِي " المدونة " من الجنون وذهاب العقل وإن لَمْ يكن ذلك من مسّ جنون إذا لَمْ يكن ذلك من جناية (¬2)، وذهب ابن حبيب إلى أنه لا يجب ردّه إِلا من الجنون، وذهب ابن وهب إلى أنه يردّ بذهاب العقل، وإن كان ذهابه بجنايةٍ عليه، فهي ثلاثة أقوال. وبالله تعالى التوفيق (¬3). ومُشْتَرىً لِلْعِتْقِ، أَوْ مَأْخُوذٌ عَنْ دَيْنٍ، أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ، أَوْ وُرِثَ، أَوْ وُهِبَ أَوِ اشْتَرَاهَا زَوْجُهَا، أَوْ مُوصًى بِبَيْعِهِ مِنْ زَيْدٍ أَوْ مِمَّنْ أَحَبَّ، أَوْ بِشِرَائِهِ لِلْعِتْقِ، أَوْ مُكَاتَبٍ بِهِ، أَوِ الْمَبِيعِ فَاسِداً، وسَقَطَتَا بِكَعِتْقٍ فِيهِمَا وضُمِنَ بَائِعٌ مَكِيلاً بِقَبْضِهِ بِكَيْلٍ كَمَوْزُونٍ ومَعْدُودٍ، والأُجْرَةُ عَلَيْهِ، بِخِلافِ الإِقَالَةِ والتَّوْلِيَةِ والشَّرِكَةِ عَلَى الأَرْجَحِ، فَكَالْقَرْضِ. قوله: (أَوْ وُرِثَ، أَوْ وُهِبَ) عبّر عنهما الغرناطي بالمبيع فِي الميراث، والموهوب للثواب، وزاد العبد المقال فيه، ونظائر أخر ربما يتضمنها كلام المصنف. واسْتَمَرَّ بِمِعْيَارِهِ. ولَوْ تَوَلاهُ الْمُشْتَرِي، وقَبْضُ الْعَقَارِ بِالتَّخْلِيَةِ، وغَيْرِهِ بِالْعُرْفِ. وضُمِنَ بِالْعَقْدِ، إِلا الْمَحْبُوسَةَ لِلثَّمَنِ أَوِ الإِشْهَادِ، فَكَالرَّهْنِ إِلا الْغَائِبَ فَبِالْقَبْضِ، وإِلا الْمُوَاضَعَةَ فَبِخُرُوجِهَا مِنَ الْحَيْضَةِ، وإِلا الثِّمَارَ لِلْجَائِحَةِ، وبُرِّئَ الْمُشْتَرِي لِلتَّنَازُعِ والتَّلَفُ وَقْتَ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِسَمَاوِيٍّ يَفْسَخُ وخُيِّرَ الْمُشْتَرِي إِنْ عُيِّبَ أَوْ غَيَّبَ أَوِ اسْتُحِقَّ شَائِعٌ وإِنْ قَلَّ، وتَلَفُ بَعْضِهِ واسْتِحْقَاقُهُ كَعَيْبٍ بِهِ، وحَرُمَ التَّمَسُّكُ بِالأَقَلِّ إِلا الْمِثْلِيَّ. قوله: (واسْتَمَرَّ بِمِعْيَارِهِ. ولَوْ تَوَلاهُ الْمُشْتَرِي) أي واستمر الضمان فِي معيار الشيء المبيع من مكيال أو ميزان (¬4)، ولو تولى المشتري كيله أو وزنه. ¬
ولا كَلامَ لِوَاحِدٍ فِي قَلِيلٍ لا يَنْفَكُّ كَقَاعٍ، وإِنِ انْفَكَّ، فَلِلْبَائِعِ الْتِزَامُ الرُّبُعِ بِحِصَّتِهِ، لا أَكْثَرَ. ولَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْتِزَامُهُ بِحِصَّتِهِ مُطْلَقاً ورُجِعَ لِلْقِيمَةِ، لا إِلَى التَّسْمِيَةِ. وصَحَّ ولَوْ سَكَتَا، لا إِنْ شَرَطَا الرُّجُوعَ لَهَا وإِتْلافُ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ، والْبَائِعِ والأَجْنَبِيِّ يُوجِبُ الْغُرْمَ، وكَذَلِكَ [تَعَيُّبُهُ] (¬1). قوله: (ولا كَلامَ لِوَاحِدٍ فِي قَلِيلٍ لا يَنْفَكُّ كَقَاعٍ، وإِنِ انْفَكَّ، فَلِلْبَائِعِ الْتِزَامُ الرُّبُعِ بِحِصَّتِهِ، لا أَكْثَرَ. ولَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الْتِزَامُهُ بِحِصَّتِهِ مُطْلَقاً) اشتمل هذا الكلام مع شدة اختصاره على الأقسام الخمسة التي ذكر ابن رشد فِي رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم من كتاب: جامع البيوع إذ قال: الفساد الموجود فِي الطعام وما فِي معناه من المكيل والموزون من العروض ينقسم على خمسة أقسام: أحدها: أن يكون مما لا ينفكّ عنه الطعام كالفساد اليسير فِي قيعان الأهراء والبيوت. والثاني: أن يكون مما ينفك عنه الطعام؛ إِلا أنه يسير (¬2) لا خطب له. الثالث: أن يكون مثل الخمس والربع ونحو ذلك. الرابع: أن يكون مثل الثلث والنصف. الخامس: أن يكون أكثر من النصف وهو الجلّ. وأما إن كان مما لا ينفكّ عنه الطعام لجري (¬3) العادة فهو للمشتري لازم ولا كلام له فيه، وأما إن كان مما ينفكّ عنه الطعام إِلا أنه يسير لا خطب له فإن أراد البائع أن يلتزم المعيب (¬4) ويلزم المشتري السالم بما ينوبه من الثمن كان ذلك له بلا خلاف، وإن أراد المشتري أن يلتزم السالم ويردّ المعيب بحصته من الثمن لَمْ يكن ذلك له على ما فِي " المدونة "، وروى يحيي عن ابن القاسم أن ذلك له. ¬
وأما إن كان مثل الربع والخمس فإن [77 / أ] أراد البائع أن يلزم (¬1) المشتري السالم بحصته من الثمن ويستردّ المعيب كان ذلك له بلا خلاف، إذ لا اختلاف فِي أن استحقاق ربع الطعام أو خمسه لا يوجب للمبتاع ردّ الباقي، وإن أراد المبتاع أن يردّ المعيب (¬2) ويلتزم (¬3) السالم بحصته من الثمن لَمْ يكن له ذلك بلا خلافٍ أَيْضاً. وأما إن كان الثلث أو النصف، فأراد البائع أن يلزم المشتري السالم بحصته من الثمن لَمْ يكن ذلك له على مذهب ابن القاسم [وروايته عن مالك، وكان] (¬4) [ذلك له على مذهب أشهب] (¬5) واختيار سحنون، ولم يكن للمبتاع أن يلتزم السالم ويردّ المعيب بحصته من الثمن. [وأما إن كان الجلّ وأكثر من النصف فلا اختلاف فِي أنه ليس للبائع أن يلزم (¬6) المشتري بحصته من الثمن، ولا للمبتاع] (¬7) أن يردّ المعيب بحصته من الثمن (¬8). وقد أشار المصنف إلى الأول بقوله: (ولا كلام لواحدٍ فِي قليل لا ينفكّ كقاع)، وإلى الثاني والثالث بقوله: (وإن انفكّ فللبائع التزام الربع بحصته) أي: فللبائع التزام الربع المعيب فما دونه لنفسه بما ينوبه من الثمن، وإلى الرابع والخامس بقوله: (لا أكثر) أي ليس للبائع التزام المعيب لنفسه إذا كان أكثر من الربع كالثلث فما فوقه، وانطبق قوله: (وليس للمشتري التزامه بحصته مُطْلَقاً) على الأربعة التي بعد الأول؛ لخروج الأول بقوله: (لا كلام لواحد). ¬
وإِنْ أَهْلَكَ بَائِعٌ صُبْرَةً عَلَى الْكَيْلِ، فَالْمِثْلُ تَحَرِّياً لِيُوَفِّيَهُ ولا خِيَارَ لَكَ، أوَ أَجْنَبِيٌّ فَالْقِيمَةُ، إِنْ جُهِلَتِ الْمَكِيلَةُ، ثُمَّ اشْتَرَى الْبَائِعُ مَا يُوَفَّى، فَإِنْ فَضَلَ فَلِلْبَائِعِ، وإَنْ نَقَصَ، فَكَالاسْتِحْقَاقِ، وجَازَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ إِلا مُطْلَقَ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ. قوله: (أوَ أَجْنَبِيٌّ فَالْقِيمَةُ، إِنْ جُهِلَتِ الْمَكِيلَةُ، ثُمَّ اشْتَرَى الْبَائِعُ مَا يُوَفَّى). عدل هنا عن المثل إلى القيمة فراراً من الجهل بالتماثل بِخِلافِ استهلاك البائع، وصرح هنا بأن البائع يتولى الشراء، وهو ظاهر " المدونة " عند بعض الشيوخ. ولَوْ كَرِزْقِ قَاضٍ أُخِذَ بِكَيْلٍ، أَوْ كَلَبَنِ شَاةٍ. قوله: (أَوْ كَلَبَنِ شَاةٍ) معطوف على قوله: (أُخِذَ بِكَيْلٍ) أي: أو كان كلبن شاة، وهذا مناسب لاجتماعهما فِي كونهما فِي ضمان البائع قبل القبض، ولو عطفته على قوله: (كَرِزْقِ قَاضٍ) لكان فِي حيّز لو المشعرة بالخلاف؛ ولكنه يؤدي إلى تشتيت فِي الكلام، ويفوت معه التنبيه على مناسبتهما (¬1) فِي الضمان المذكور. ولَمْ يَقْبِضْ مِنْ نَفْسِهِ، إِلا كَوَصَيٍّ لِيَتِيمَيْهِ. وجَازَ بِالْعَقْدِ جُزَافٌ وكَصَدَقَةٍ، وبَيْعُ مَا عَلَى مُكَاتَبٍ مِنْهُ، وهَلْ إِنْ عُجِّلَ الْعِتْقُ تَأْوِيلانِ، وإِقْرَاضُهُ، أَوْ وَفَاؤُهُ عَنْ قَرْضٍ، وبَيْعُهُ لِمُقْتَرِضٍ، وإِقَالَةٌ مِنَ الْجَمِيعِ، وإِنْ تَغَيَّرَ سُوقُ شَيْئِكَ لا بَدَنَهُ كَسَمْنِ دَابَّةٍ، وهُزَالِهَا، بِخِلافِ الأَمَةِ، ومِثْلُ مِثْلِكَ، إِلا الْعَيْنَ، ولَهُ دَفْعُ مِثْلِهَا، وإِنْ كَانَتْ بِيَدِهِ، والإِقَالَةُ بَيْعٌ إِلا فِي الطَّعَامِ [52 / أ] وَالشُّفْعَةِ والْمُرَابَحَةِ، وتَوْلِيَةٌ وشِرْكَةٌ، إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَنْ يَنْقُدَ عَنْكَ، واسْتَوَى عَقْدَاهُمَا فِيهِمَا، وإِلا فَمَبِيعٌ كَغَيْرِهِ. قوله: (ولَمْ يَقْبِضْ مِنْ نَفْسِهِ، إِلا كَوَصَيٍّ لِيَتِيمَيْهِ) هذا كقول ابن الحاجب: ولا يقبض من نفسه لنفسه إِلا من يتولى طرفي العقد كالأب فِي ولديه (¬2) والوصي فِي يتيمة (¬3). فذكر فِي " التوضيح " أن لهذا الكلام تفسيرين: أحدهما: - وهو أولاهما - أن يكون أشار به لقوله فِي " المدونة ": وإن أعطاك بعد الأجل عيناً أو عرضاً فقال لك: اشتريه طعاماً وكله ثم اقبض حقك لَمْ يجز؛ لأنه بيع ¬
الطعام قبل قبضه إِلا أن يكون مثل رأس مالك ذهباً أو ورقاً (¬1) فيجوز بمعنى الإقالة. والثاني: وهو الذي قاله ابن عبد السلام: أن من كان عنده طعام وديعة وشبهها، فاشتراه من مالكه فإنه لا يجوز له بيعه بالقبض السابق على الشراء؛ لأن ذلك القبض السابق لَمْ يكن قبضاً تاماً، بدليل أن ربّ الطعام لو أراد إزالته من يده ومنعه من التصرف كان له ذلك، إِلا أن يكون ذلك القبض قوياً كما فِي حقّ الوالد لولديه الصغيرين؛ فإنه إذا باع طعام أحدهما من الآخر، وتولى البيع والشراء عليهما كان له بعد ذلك أن يبيع ذلك الطعام على من اشتراه له قبل قبضه ثانياً حسياً، وكَذَلِكَ الوصي فِي يتيمه، وكَذَلِكَ الأب فيما بينه وبين ابنه الصغير، وفي النفس شيء من جواز هذه المسألة (¬2)؛ لا سيما والصحيح عند أهل المذهب أن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه متعبّد به، فإن لَمْ يكن اتفاق فِي المسألة، فأصول المذهب تدل على جريان الخلاف فيها، والأقرب منعها. والله تعالى أعلم وقال ابن عرفة: ما ذكره ابن الحاجب سبقه به ابن شاس (¬3)، وما ذكراه هو ظاهر السلم الثالث من " المدونة " فيه لمالك: إن اشتريت طعاماً فاكتلته لنفسك ورجل واقف على غير موعد فلا بأس أن تبيعه منه على كيلك أو على تصديقك فِي كيله (¬4) إن لَمْ يكن حاضراً أو لَمْ يكن بينكما فِي ذلك موعد (¬5)، فقوله: (لا بأس أن تبيعه منه على كيلك) يريد به أن كيلك السابق لشرائك إياه يكفي فِي بيعك إياه مشتريه منك عن كيله ثانياً، فيجوز له بيعه بذلك دون كيله إياه بحضوره وعلمه لا بيان كفايته فِي شرائه لوضوح بيان ذلك وامتناع السؤال عنه، والاتفاق عليه، وهو دليل على أنّ علم مبتاع طعام كيله بحضوره إياه ودوام علمه ذلك بعد [77 / ب] شرائه إياه يتنزل منزلة كيله إياه بعد شرائه، فيلزم مثله فِي مسألتي الأبّ والوصي ضرورة علمهما بذلك لحضورهما. ¬
فقوله: فِي النفس من ذلك شيء. ليس كَذَلِكَ لوضوح جريه على نصّ " المدونة "؛ لكنه مع ذلك مختلف [فيه] (¬1) ولا يوجب ذلك فيه إشكالاً كأغلب مسائل " المدونة ". وَضَمِنَ الْمُشْرَكُ (¬2) الْمُعَيَّنَ. قوله: (وضمن المشرك (¬3) المعين) هذا هو الصواب (المشرَك) بلا تاء وبفتح الراء وبالكاف فِي آخره اسم مفعول من أشرك الرباعي، وما عدا هذا تصحيف، وأشار به لقوله فِي كتاب: السلم الثالث من " المدونة ": وإن ابتعت (¬4) سلعة بعينها فلم تقبضها حتى أشركت فيها رجلاً ثم هلكت السلعة قبل قبض المشرك (¬5) أو ابتعت طعاماً فاكتلته ثم أشركت (¬6) فيه رجلاً فلم تقاسمه حتى ذهب الطعام فضمان ذلك منكما، وترجع عليه بنصف الثمن (¬7). [قال عياض فِي قوله: (وترجع عليه بنصف الثمن)] (¬8): دليل على أنه لا فرق بين أن يكون نقد أو لَمْ ينقد، وأنها بِخِلافِ المحبوسة فِي الثمن لما كانت الشركة معروفاً، وقيل إن الهلاك ببينة، ولو كان بدعواه لجرى الخلاف فيه على [المحتسبة] (¬9) فِي الثمن، وهذا ضعيف. وطَعَاماً كِلْتَهُ وصَدَّقَكَ، وإِنْ أَشْرَكَهُ حُمِلَ إِنْ أَطْلَقَ عَلَى النِّصْفِ. قوله: (وَطَعَاماً كِلْتَهُ وصَدَّقَكَ) تقدم فوقه نصّ " المدونة "، وقال فيها بعد ذلك بيسير: وإن ابتعت طعاماً فاكتلته (¬10) ثم أشركت (¬11) فيه رجلاً أو وليته على تصديقك فِي كيله ¬
جاز وله أو عليه المتعارف من زيادة الكيل أو نقصانه، وإن كثر ذلك رجع عليك بحصة النقصان من الثمن ورد كثير الزيادة. وإِنْ سَأَلَ ثَالِثٌ شَرِكَتَهُمَا، فَلَهُ الثُّلُثُ. قوله: (وَإِنْ سَأَلَ ثَالِثٌ شَرِكَتَهُمَا، فَلَهُ الثُّلُثُ) أشار به لقوله فِي السلم الثالث من " المدونة ": وإذا ابتاع رجلان عبداً وسألهما رجل أن يشركاه فيه ففعلا فالعبد بينهم أثلاثاً (¬1). ابن محرز: معنى مسألة الكتاب أنه لقيهما مجتمعين. وإِنْ وَلَّيْتَ مَا اشْتَرَيْتَ بِمَا اشْتَرَيْتَ جَازَ، إِنْ لَمْ تُلْزِمْهُ، ولَهُ الْخِيَارُ. قوله: (وَإِنْ وَلَّيْتَ مَا اشْتَرَيْتَ بِمَا اشْتَرَيْتَ جَازَ، إِنْ لَمْ تُلْزِمْهُ، ولَهُ الْخِيَارُ) إشارة لقوله فِي السلم الثالث أَيْضاً: وإن اشتريت سلعة ثم وليتها لرجلٍ ولم تسمها له ولا ثمنها أو سميت أحدهما فإن كنت ألزمته إياها لَمْ يجز؛ لأنه مخاطرة وقمار، وإن كان على غير الإلزام جاز وله الخيار إذا رآها وعلم الثمن (¬2). وإِنْ رَضِيَ بِأَنَّهُ عَبد (¬3) ثُمَّ عَلِمَ بِالثَّمَنِ فَكَرِهَ، فَذَلِكَ لَهُ وإلا ضيّقُ صَرْفٌ، ثُمَّ إِقَالَةُ طَعَامٍ، ثُمَّ تَوْلِيَةٌ، وشَرِكَةٌ فِيهِ، ثُمَّ إِقَالَةُ عُرُوضٍ، وفَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ بَيْعُ الدَّيْنِ، ثُمَّ ابْتِدَاؤُهُ. قوله: (وَإِنْ رَضِيَ بِأَنَّهُ عَبد ثُمَّ عَلِمَ بِالثَّمَنِ فَكَرِهَ، فَذَلِكَ لَهُ) كذا فِي " المدونة " إثر الكلام السابق قال: وإن أعلمته أنه عبد فرضي [به] (¬4) ثم سميت له الثمن فلم يرض فذلك له، وهذا من ناحية المعروف يلزم المولى، ولا يلزم المولى إِلا أن يرضى، وأما إن كنت بعت منه عبداً فِي بيتك بمائة دينار ولم تصفه له ولا رآه قبل ذلك فالبيع فاسد، ولا يكون المبتاع فيه بالخيار إذا نظره؛ لأن البيع وقع على الإيجاب (¬5) والمكايسة، ولو كنت جعلته فيه بالخيار إذا نظره جاز وإن كان على المكايسة (¬6). ¬
باب المرابحة والمداخلة والثمار، والعرية والجائحة والمنازعة
[باب المرابحة والمداخلة والثمار، والعرية والجائحة والمنازعة] (¬1) وجَازَ مُرَابَحَةٌ. قوله: (وجَازَ مُرَابَحَةٌ) أي: وجَازَ البيع مرابحة، فـ (مُرَابَحَةٌ) منصوب عَلَى الحال. والأَحَبُّ خِلافُهُ ولَوْ عَلَى مُقَوَّمٍ. وهَلْ مُطْلَقاً، أَوْ إِنْ كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؟ تَأْوِيلانِ. وَحُسِبَ رِبْحُ مَا لَهُ عَيْنٌ [قَائِمَةٌ] (¬2). كَصَبْغٍ، وطَرْزٍ، وقَصْرٍ، وخِيَاطَةٍ، وكَمْدٍ، وفَتْلٍ، وتَطْرِيَةٍ وأَصْلُ مَا زَادَ فِي الثَّمَنِ كَحُمُولَةٍ، وشَدٍّ، وَطَيٍّ اعْتِيدَ أُجْرَتُهُمَا، وكِرَاءِ بَيْتٍ لِسِلْعَةٍ، وإِلا لَمْ يُحْسَبْ، كَسِمْسَارٍ لَمْ يُعْتَدْ. قوله: (وَالأَحَبُّ خِلافُهُ) هذا قريب من قوله فِي " التوضيح ": هو محتاج إلى صدق وبيان وإِلا أُكل الحرام فِيهِ بسرعة؛ لكثرة شروطه ونزوع النفس فِيهِ إلى الكذب؛ ولهذا قال ابن عبد السلام: كَانَ بعض من لقيناه يكره للعامة الإكثار من بيع المرابحة لكثرة ما يحتاج إليه البائع من البيان. انتهى (¬3). ومال المازري لمنعه إن افتقر إدراك جملة أجزاء الربح لفكرة حسابية. وفي " التنبيهات ": البيوع باعتبار صورها فِي العقد أربعة: بيع مساومة، وهو أحسنها، وبيع مزايدة، وبيع مرابحة وهو أضيقها، وبيع استرسال واستنامة، وجعل فِي " المقدمات " موضع المساومة المكايسة، وقال: البيع عَلَى المكايسة والمماكسة أحبّ إلى أهل العلّم وأحسن عندهم (¬4). فائدة: الاستنامة: النون قبل الألف والميم بعدها هكذا فِي [78 / أ] النسخ الصحيحة من " المقدمات " (¬5) و " التنبيهات " وغيرهما وهو صحيح لفظاً ومعنىً، قال الجوهري ¬
واستنام إليه أي: سكن إليه واطمأن، وقال فِي " مختصر العين ": واستنام الرجل استأنس إليه ". انتهى، وهو راجع لمعنى الاسترسال والاستئمان، ويقع فِي بعض " المقدمات ": الاستمانة بالميم قبل الألف والنون بعدها كأنه من باب الأمانة والأمن وهو وهم وتصحيف تأباه صناعة التصريف؛ لما علم من اختصاص باب الاستعاذة (¬1) بالأجوف. نعم يجوز (¬2) أن يقال فِيهِ الاستيمان عَلَى وزن الاستفعال من غير تاء من باب: الأمانة والأمن كالاستدخال والاستخراج ونحوهما من الصحيح، عَلَى أنه إِذَا قيل الاستمانة (¬3) من الأمانة والأمن فقد حذف فاءه الصحيحة فأين هذا من الاستعاذة، وبابها مما حذفت عينه المعتلة، فتعين أنه خطأ فاحش. وبالله تعالى التوفيق (¬4). إِنْ بَيَّنَ الْجَمِيعَ، أَوْ فَسَّرَ الْمَؤُونَةَ فَقَالَ هِيَ بِمِائَةٍ أَصْلُهَا كَذَا وحَمْلُهَا كَذَا، أَوْ عَلَى الْمُرَابَحَةِ وبَيَّنَ كَرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ ولَمْ يُفَصِّلا مَا لَهُ الرِّبْحُ، وزِيدَ عُشْرُ الأَصْلِ، والْوَضِيعَةُ كَذَلِكَ لا أَبْهَمَ كَقَامَتْ بِكَذَا، أَوْ قَامَتْ بِشَدِّهَا وطَيِّهَا بِكَذَا أَوْ لَمْ يُفَصِّلْ، وهَلْ هُوَ كَذِبٌ أَوْ غِشٌّ؟ تَأْوِيلانِ، ووَجَبَ تَبْيِينُ مَا يُكْرَهُ كَمَا نَقَدَهُ وعَقَدَهُ مُطْلَقاً. قوله: (إِنْ بَيَّنَ الْجَمِيعَ، أَوْ فَسَّرَ الْمَؤُونَةَ فَقَالَ هِيَ بِمِائَةٍ أَصْلُهَا كَذَا وحَمْلُهَا كَذَا، أَوْ عَلَى الْمُرَابَحَةِ [وبَيَّنَ] (¬5) كَرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ ولَمْ يُفَصِّلا (¬6) مَا لَهُ الرِّبْحُ)، ثُمَّ قال: (لا أَبْهَمَ كَقَامَتْ بِكَذَا، أَوْ قَامَتْ بِشَدِّهَا وطَيِّهَا بِكَذَا أَوْ لَمْ يُفَصِّلْ (¬7)) الشرط راجع لقوله: ¬
(وجَازَ) وكأنه يحوم عَلَى اختصار الأقسام الخمسة التي ذكرها عياض فِي " التنبيهات " إذ قال: لا تخلو مسائل المرابحة من وجوهٍ خمسة: أحدها: أن يبين جميع ما لزمه مما يحسب وما لا يحسب مفصلاً ومجملاً، ويشترط ضرب الربح عَلَى الجميع، فهذا وجه صحيح لازم للمشتري فِيمَا يحسب وما لا يحسب ويضرب الربح عَلَى جميعه بشرطه. الثاني: أن يفسّر ذلك أَيْضاً ويفسّر ما يحسب ويربح عَلَيْهِ وما لا يربح عَلَيْهِ وما لا يحسب جمله، ثُمَّ يضرب بالربح عَلَى ما يجب ضربه عَلَيْهِ خاصة، فهذا صحيح جائز أَيْضاً عَلَى ما عقداه. الوجه الثالث: أن يفسر المؤنة فيقول هي عليّ بمائة رأس مالها كذا، ولزمها فِي الحمل كذا، وفِي الصبغ والقصارة كذا، وفِي الشدّ والطي كذا، وباعها عَلَى المرابحة للعشرة أحد عشر أو للجملة أحد عشر، ولَمْ يفصلا ولا شرطا ما يوضع عَلَيْهِ الربح مما لا يوضع ولا ما يحسب مما لا يحسب، فمذهبهم جواز هذا وفضّ الربح عَلَى ما يجب، وإسقاط ما لا يحسب فِي الثمن، وفِي هذا نظر. الوجه الرابع: أن يبهم ذلك كلّه ويجمعه جملة فيقول: قامت عليّ بكذا، [أو ثمنها كذا] (¬1)، وباع مرابحة للعشرة درهم فهذا بيّن الفساد عَلَى أصولهم؛ لأنه لا يدري ما يحسب له الثمن وما لا يحسب وما يضرب له الربح مما لا يضرب، فهو جهل بالثمن منهما جميعاً، وإن علم ذلك البائع فالمشتري جاهل به، وهذه صورة البيوع الفاسدة، وهو عندي ظاهر " المدونة ". الوجه الخامس: أن يبهم فِيهَا النفقة بعد تسميتها فيقول: قامت عليّ بمائة بشدها وطيها وحملها وصبغها أو يفسرها فيقول: عشرة منها فِي مؤنتها، ولا يفسر المؤنة فهذه أَيْضاً فاسدة؛ لأنها عادت بمجهلة الثمن ويفسخ " قاله أبو اسحاق وغيره " انتهى بلفظه. ¬
إلا أنّا رتبناه عَلَى كلام المصنف، واسقطنا منه ما لا تعلّق له به، وقد أشار إلى الوجهين الأولين معاً بقوله: (إن بيّن الجميع) وإلى الثالث بقوله: (أو فسّر المؤنة فَقَالَ هِيَ بِمِائَةٍ أَصْلُهَا كَذَا وَحَمْلُهَا كَذَا، أَوْ عَلَى الْمُرَابَحَةِ وبَيَّنَ كَرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ ولَمْ يُفَصِّلا مَا لَهُ الرِّبْحُ)؛ إِلا أن المناسب لكلام عياض أن يقول عَلَى المرابحة بإسقاط أو ومعنى وبيّن: بيّن المقدار كما مثل، وإلى الرابع بقوله: (لا أبهم كقامت بكذا) وإلى الخامس بقوله: (أو [78 / ب] قامت بشدها وطَيِّها بكذا ولَمْ يفصل). والأَجَلِ، وإِنْ بِيعَ عَلَى النَّقْدِ. قوله: (والأَجَلِ، وإِنْ بِيعَ عَلَى النَّقْدِ) أي ووجب عَلَيْهِ بيان الأجل وإن باع هو السلعة بالنقد ثُمَّ أخر به، ففي (بيع) ضمير يعود عَلَى البائع بالمرابحة، وكذا فِي " المدونة " أن من ابتاع سلعة بدراهم نقداً ثُمَّ أخّر بالثمن فلا بيع مرابحة حَتَّى يبين ذلك. تكميل: قال فِي " المدونة ": فإن باعها بالنقد ولم يبين فالبيع مردود، وإن قبلها المبتاع بالثمن إلى ذلك الأجل (¬1). وللشيوخ فِيهَا كلام حسن، ولو قال المصنف وإن بيع بالنقد رد لانصرف كلامه لهذا الوجه، ولكن لَمْ أره كذلك فِي شيء من النسخ. وطُولِ زَمَانِهِ وتَجَاوُزِ الزَّائِفِ وهِبَةٍ إِنِ اعْتِيدَتْ وأَنَّهَا لَيْسَتْ بَلَدِيَّةً أَوْ مِنَ التَّرِكَةِ ووِلادَتِهَا. وإِنْ بَاعَ وَلَدَهَا مَعَهَا وجَذِّ ثَمَرَةٍ أُبِّرَتْ. قوله: (وطُولِ زَمَانِهِ) أي: ووجب (¬2) أن يبين طول إقامة الشيء المبيع بيده إن طال مقامه عنده قال فِي " المدونة ": وإن ابتاع سلعة أو عروضاً أو حيواناً فحالت أسواقها بزيادة أو نقصان أو تقادم مكثها عنده فلا يبيعها مرابحة حَتَّى يبين؛ لأن الناس فِي الطريّ أرغب من الذي تقادم فِي أيديهم (¬3). ¬
ما يتناوله البيع
وصُوفٍ تَمَّ، [أو لا] (¬1) وإِقَالَةِ مُشْتَرِيهِ، إِلا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، والرُّكُوبِ واللُّبْسِ والتَّوْظِيفِ ولَوْ مُتَّفِقاً إِلا مِنْ سَلَمٍ لا غَلَّةِ رَبْعٍ كَتَكْمِيلِ شِرَائِهِ، لا إِنْ وَرِثَ بَعْضَهُ، وهَلْ إِنْ تَقَدَّمَ الإِرْثُ، أَوْ مُطْلَقاً؟ تَأْوِيلانِ، وإِنْ غَلِطَ بِنَقْصٍ وصُدِّقَ، أَوْ أَثْبَتَ رَدَّ، أَوْ دَفَعَ مَا تَبَيَّنَ ورِبْحَهُ، وإِنْ فَاتَ خُيِّرَ مُشْتَرِيهِ بَيْنَ الصَّحِيحِ، ورِبْحِهِ وقِيمَتِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ، مَا لَمْ تَنْقُصْ عَنِ الْغَلَطِ ورِبْحِهِ، وإِنْ كَذَبَ لَزِمَ الْمُشْتَرِي، إِنْ حَطَّهُ، ورَبِحَهُ بِخِلافِ الْغِشِّ وإِنْ فَاتَتْ، فَفِي الْغِشِّ أَقَلُّ الثَّمَنِ والْقِيمَةِ، وفِي الْكَذِبِ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّحِيحِ ورِبْحِهِ، أَوْ قِيمَتِهَا، مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الْكَذِبِ ورِبْحِهِ، ومُدَلِّسُ الْمُرَابَحَةِ كَغَيْرِهَا. قوله: (وَصُوفٍ تَمَّ أو لا) هذا هو الصواب بزيادة (أو لا) حَتَّى يساعده قوله فِي " المدونة "، وأما إن جز صوف الغنم فليبينه كَانَ عَلَيْهَا يوم الشراء أم لا؛ لأنه إن كَانَ عَلَيْهَا يومئذ تاماً [فقد صارت له حصة من الثمن، وإن لَمْ يكن تاماً] (¬2) فلم ينبت إِلا بعد مدة تتغير فيها (¬3). [ما يتناوله البيع] تَنَاوَلَ الْبِنَاءُ والشَّجَرُ الأَرْضَ وتَنَاوَلَتْهُمَا، لا الْبَذْرَ والزَّرْعَ (¬4). قوله: (وتَنَاوَلَتْهُمَا والْبَذْرَ لا الزَّرْعَ) هذا هو الصواب، بتقديم البذر المثبت عَلَى الزرع المنفي أي: وتناولت الأرض البناء والشجر والبذر المغيّب فِيهَا لا الزرع البارز عَلَى وجهها؛ لأن إبّار الزرع خروجه من الأرض عَلَى المشهور. ومَدْفُوناً. قوله: (وَمَدْفُوناً) خرج به النابت من أصل الخلقة. كَلَوْ جُهِلَ. قوله: (كَلَوْ جُهِلَ) لو قال ولو جهل لكان أجرى عَلَى اصطلاحه. ¬
ولا الشَّجَرُ الْمُؤَبَّرَ، أَوْ أَكْثَرُ (¬1)، إِلا بِشِرْطٍ كَالْمُنْعَقِدِ، ومَالِ الْعَبْدِ، وخِلْفَةِ الْفَصِيلِ، وإِنْ أُبِّرَ النِّصْفُ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، ولِكِلَيْهِمَا السَّقْيُ، مَا لَمْ يَضُرَّ بِالآخَرِ، والدَّارُ الثَّابِتَ كَبَابٍ، ورَفٍّ، ورَحاً مَبْنِيَّةٍ [52 / ب] بِفَوْقَانِيَّتِهَا، وسُلَّماً سُمَّرَ، وفِي غَيْرِهِ قَوْلانِ، والْعَبْدُ ثِيَابَ مِهْنَتِهِ. قوله: (وَلا الشَّجَرُ الْمُؤَبَّرَ) هكذا فِي النسخ الصحيحة برفع الشجر ونصب المؤبر، أي: ولا يتناول الشجر الثمر المؤبر، وأما قوله: (أو أكثر) فمرفوع عَلَى كلّ حال، عطفاً عَلَى الضمير المستكن فِي المؤبر. وهَلْ يُوَفَّى بِشَرْطِ عَدَمِهَا وهُوَ الأَظْهَرُ؟ أَوْ لا كَمُشْتَرِطٍ زَكَاةً مَا لَمْ يَطِبْ، وأَلا عُهْدَةَ وأَلا مُوَاضَعَةَ ولا جَائِحَةَ؟ أَوْ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ لِكَذَا فَلا بَيْعَ؟ أَوْ لا غَرَضَ فِيهِ ولا مَالِيَّةَ وصُحِّحَ؟ تَرَدُّدٌ. وصَحَّ بَيْعُ ثَمَرٍ ونَحْوِهِ بَدَا صَلاحُهُ، إِنْ لَمْ يَسْتَتِرْ، وقَبْلَهُ مَعَ أَصْلِهِ أَوْ أُلْحِقَ بِهِ، أَوْ عَلَى قَطْعِهِ إِنْ نَفَعَ واضْطُرَّ لَهُ ولَمْ يُتَمَالأْ عَلَيْهِ، لا عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوِ الإِطْلاقِ، وبُدُوُّهُ فِي بَعْضِ حَائِطٍ كَافٍ فِي جِنْسِهِ، إِنْ لَمْ يُبَكَّرْ، لا بَطْنٌ ثَانٍ بِأَوَّلَ، وهُوَ الزَّهُوُّ، وظُهُورُ الْحَلاوَةِ، والتَّهَيُّؤُ لِلنُّضْجِ، وفِي ذِي النَّوْرِ بِانْفِتَاحِهِ، والْبُقُولِ بِإِطْعَامِهَا وهَلْ هُوَ فِي الْبِطِّيخِ الاصْفِرَارُ؟ أَوِ التَّهَيُّؤُ لِلتَّبَطُّخِ؟ قَوْلانِ. ولِلْمُشْتَرِي بُطُونُ كَيَاسِمِينَ، ومَقْثَأَةٍ. ولا يَجُوزُ بِكَشَهْرٍ، ووَجَبَ ضَرْبُ الأَجَلِ إِنِ اسْتَمَرَّ كَالْمَوْزِ، ومَضَى بَيْعُ حَبٍّ أَفْرَكَ قَبْلَ يُبْسِهِ بِقَبْضِهِ. قوله: (وَهَلْ يُوَفَّى بِشَرْطِ عَدَمِهَا وهُوَ الأَظْهَرُ؟ أَوْ لا). تمامه: (وصُحِّحَ تَرَدُّدٌ) وما بينهما [اعتراض بـ] (¬2) نظائر ترجع لقوله: (أو لا) والثاني مذهب " المدونة " قال ابن مغيث: وبه الفتوى، وإليه أشار بقوله: (وصُحِّحَ). ورُخِّصَ لِمُعْرٍ أَوْ قَائِمٍ مَقَامَهُ، وإِنْ بِاشْتِرَاءِ الثَّمَرَةِ فَقَطْ، اشْتِرَاءُ ثَمَرَةٍ تَيْبَسُ كَلَوْزٍ لا كَمَوْزٍ، إِنْ لَفَظَ بِالْعَرِيَّةِ (¬3) وبَدَا صَلاحُهَا، وكَانَ بِخَرْصِهَا ونَوْعِهَا يُوَفَّى عِنْدَ الْجِذَاذِ فِي الذِّمَّةِ. قوله: (لا كَمَوْزٍ) إشارة لقوله فِي " المدونة " ومن أعرى شيئاً من الخضر والفواكه مثل ¬
التفاح والرمان والخوخ والبطيخ والموز والقصب الحلو والبقول فلا يباع بخرصه؛ لأنه يقطع أخضر ولكن بعين أو بعرض حين جواز بيعه؛ لأنه لو أعرى ثمر نخل قد أزهت أو أرطبت لَمْ يجز له شراؤها بخرصها رطباً (¬1). وخَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ. قوله: (وخَمْسَةَ أَوْسُقٍ) بالنصب عَلَى خبر كَانَ المحذوفة أي: وكان خمسة أوسق، يدلّ عَلَيْهِ (وكَانَ بِخَرْصِهَا). ولا يَجُوزُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ مَعَهُ بِعَيْنٍ عَلَى الأَصَحِّ. قوله: (ولا يَجُوزُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ مَعَهُ بِعَيْنٍ عَلَى الأَصَحِّ) أشار به لقول ابن يونس: قال بعض أصحابنا: إِذَا أعراه أكثر من خمسة [أوسق] (¬2) فاشترى خمسةً بالخرص والزائد عَلَيْهَا بالدنانير أو الدراهم فقال بعض شيوخنا: إنه جائز، ومنع منه بعضهم، قال: والصواب (¬3) ألا يجوز؛ لأنها رخصة خرجت عن حدّها، كما لو أقاله من طعامٍ ابتاعه قبل قبضه وباعه سلعة في (¬4) عقد واحد، وكمساقاة وبيع وقراض وبيع .. ونحو ذلك من الرخص فإنه لا يجوز، وكذلك هذا، وإنما عبّر المصنف بالأَصَحّ دون الأَرْجَح؛ لأن ابن يونس حاكٍ للتصويب عن غيره. وقد ذكر المازري فِي هذا قولين عن الأشياخ، وخرّجه عَلَى البيع مع الصرف أو مع النكاح فِي عقدٍ واحد، وعَلَى نقله اقتصر ابن عرفة (¬5). ¬
إِلا لِمَنْ أَعْرَى عَرَايَا فِي حَوَائِطَ، فَمِنْ كُلٍّ، خَمْسَةٌ. قوله: (إِلا لِمَنْ أَعْرَى عَرَايَا فِي حَوَائِطَ، فَمِنْ كُلٍّ، خَمْسَةٌ) وفِي بعض النسخ وكلّ خمسة بواو الحال والأول أولى؛ لموافقته لقوله فِي " المدونة ": ومن أعرى أناساً شتى من حائط أو من حوائط له فِي بلدٍ واحد أو فِي بلدانٍ شتى خمسة أوسق لكلٍّ واحد أو أقلّ أو أكثر جَازَ له أن يشتري من كل واحدٍ قدر خمسة أوسق فأدنى (¬1). إِنْ كَانَ بِأَلْفَاظٍ لا بِلَفْظٍ عَلَى الأَرْجَحِ. قوله: (إِنْ كَانَ بِأَلْفَاظٍ لا بِلَفْظٍ عَلَى الأَرْجَحِ) كذا فِي " التوضيح " أن ابن يونس رجّح هذا القول (¬2)، والذي فِي أصل ابن يونس أنّه حكى هذا الترجيح عن غيره، ونصّه: قال بعض أصحابنا: يؤيد ذلك قول مالك فيمن اشترى حوائط فأصابتها جائحة إن كَانَ شراؤه ذلك فِي صفقات فجائحة كلّ حائط عَلَى حدة، وإن كَانَ فِي صفقة روعي ثلث الجميع. لِدَفْعِ الضَّرَرِ، أَوْ لِلْمَعْرُوفِ. قوله: (لِدَفْعِ الضَّرَرِ، أَوْ لِلْمَعْرُوفِ) أي: قصد أحدهما كافٍ فِي الجواز، [79 / أ] وهو مذهب " المدونة " قال فِيهَا: وأما العرية فيجوز شراؤها بالخرص لمعريها لوجهين: إما لرفع ضرر دخوله ولخروجه أو ليرفق فِي الكفاية (¬3)، ومفهومه أن الشراء إِذَا كَانَ لغير أحد هذين الغرضين (¬4) كالتجر لَمْ يجز، وقد صرح اللخمي بمنعه وإن بالعين. فَيَشْتَرِي بَعْضَهَا كَكُلِّ الْحَائِطِ، وبَيْعِهِ الأَصْلَ. وجَازَ لَكَ شِرَاءُ أَصْلٍ فِي حَائِطِكَ بِخَرْصِهِ، إِنْ قَصَدْتَ الْمَعْرُوفَ فَقَطْ، وبَطَلَتْ إِنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْزِ. قوله: (فَيَشْتَرِي بَعْضَهَا كَكُلِّ الْحَائِطِ، وبَيْعِهِ الأَصْلَ) أي فيجوز شراء العرية فِي هذه المسائل لوجود أحد الوجهين وهو المعروف، وإن فقد الآخر وهو [رفع الضرر فأما ¬
شراء] (¬1) بعض العرية أو كل الحائط المعري فصرح بجوازه فِي " المدونة " (¬2)، وأما شراء بائع الأصل عريته التي كَانَ أعراها قبل البيع وهو المراد بقوله: (وبَيْعِهِ الأَصْلَ) فقال عبد الحقّ ما نصّه: " يجوز له شراء العرية وإن باع أصل حائطه عَلَى قول [ابن القاسم] (¬3)؛ لأنه يجيز شراءها لوجهين: للرفق، ولرفع الضرر ". انتهى. ولَمْ يذكره فِي " المدونة " وإنما قال: وإِذَا باع المعري حائطه أو أصله دون ثمرته أو ثمرته دون أصله أو الثمرة من رجل، والأصل من آخر جَازَ لمالك الثمرة شراء العرية الأولى بخرصها (¬4). وهَلْ هُوَ حَوْزُ الأُصُولِ، أَوْ [وٍ] (¬5) أَنْ يَطْلُعَ ثَمَرُهَا؟ تَأْوِيلانِ. وزَكَاتُهَا وسَقْيُهَا عَلَى الْمُعْرِي، وكُمِّلَتْ بِخِلافِ الْوَاهِبِ. قوله: (وَهَلْ هُوَ حَوْزُ الأُصُولِ، أَوْ وأَنْ يَطْلُعَ ثَمَرُهَا؟ تَأْوِيلانِ) كذا هو الصواب (أو وإن يطلع) بواو العطف بعد أو؛ تنبيهاً عَلَى أن المعتبر فِي القول الثاني مجموع الأمرين. قال فِي " الصحاح ": اطّلع النخل إِذَا أخرج طلعه، ومثله فِي " مختصر العين " (¬6). وتُوضَعُ جَائِحَةُ الثِّمَارِ كَالْمَوْزِ والْمَقَاثِي، وإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ. قوله: (وتُوضَعُ جَائِحَةُ الثِّمَارِ كَالْمَوْزِ والْمَقَاثِي) كأنّه نبّه بالثمار عَلَى ما يدّخر كالنخل (¬7) والعنب، ونبّه بالموز عَلَى ما لا يدّخر كالخوخ والرمان، ونبّه بالمقاثي عَلَى ما يطعم بطوناً كالورد والياسمين حسبما هو مبسوط فِي " المدونة " (¬8)، وينطبق قوله: (وإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ) عَلَى الجميع. ¬
اختلاف المتبايعين
ومِنْ عَرِيَّتِهِ لا مَهْرَ إِنْ بَلَغَتْ ثُلُثَ الْمَكِيلَةِ، ولَوْ مِنْ كَصَيْحَانِيٍّ وبَرْنِيٍّ، وبُقِّيَتْ لِيَنْتَهِيَ طِيبُهَا وأُفْرِدَتْ، أَوْ أُلْحِقَ أَصْلُهَا، لا عَكْسُهُ أَوْ مَعَهُ، ونُظِرَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْبُطُونِ إِلَى مَا بَقِيَ فِي زَمَنِهِ، لا يَوْمَ الْبَيْعِ، ولا يُسْتَعْجَلُ عَلَى الأَصَحِّ. وفِي الْمُزْهِيَةِ التَّابِعَةِ لِلدَّارِ تَأْوِيلانِ وهَلْ هِيَ مَا لا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ كَسَمَاوِيٍّ وجَيْشٍ أَو وسَارِقٌ خِلافٌ وتَعْيِيبِهَا كَذَلِكَ وتُوضَعُ مِنَ الْعَطَشِ وإِنْ قَلَّتْ كَالْبُقُولِ والزَّعْفَرَانِ والرَّيْحَانِ والْقَرْطِ والْقَضْبِ (¬1) وَوَرَقِ التُّوتِ، ومُغَيَّبِ الأَصْلِ كَالْجَزَرِ ولَزِمَ الْمُشْتَرِي بِاقِيهَا وإِنْ قَلَّ، وإِنِ اشْتَرَى أَجْنَاساً فَأُجِيحَ بَعْضُهَا. وُضِعَتْ إِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَ الْجَمِيعِ وأُجِيحَ مِنْهُ ثُلُثُ مَكِيلَتِهِ، وإِنْ تَنَاهَتِ الثَّمَرَةُ، فَلا جَائِحَةَ. كَالْقَصَبِ الْحُلْوِ، ويَابِسِ الْحَبِّ، وخُيِّرَ الْعَامِلُ فِي الْمُسَاقَاةِ بَيْنَ سَقْيِ الْجَمِيعِ أَوْ تَرْكِهِ، إِنْ أُجِيحَ الثُّلُثُ [53 / أ] فَأَكْثَرُ، ومُسْتَثْنًى [كِيلَ] (¬2) مِنَ الثَّمَرَةِ تُجَاحُ بِمَا يُوضَعُ، يَضَعُ عَنِ الْمُشْتَرِي بِقَدْرِهِ. قوله: (ومِنْ عَرِيَّتِهِ) معطوف عَلَى ما فِي حيّز الإغياء. [اختلاف المتبايعين] إِنِ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ نَوْعِهِ حَلَفَا، وفُسِخَ، ورَدَّ مَعَ الْفَوَاتِ قِيمَتَهَا يَوْمَ بَيْعِهَا، وفِي قَدْرِهِ، كَمَثْمُونِهِ أَوْ قَدْرِ الأَجَلِ، أَوْ رَهْنٍ، أَوْ حَمِيلٍ حَلَفَا وفُسِخَ، إِنْ حُكِمَ بِهِ ظَاهِراً أَوْ بَاطِناً كَتَنَاكُلِهِمَا، وصُدِّقَ مَنِ (¬3) ادَّعَى الأَشْبَهَ، وحَلَفَ إِنْ فَاتَ. قوله: (إِنْ حُكِمَ بِهِ) [قيّد] (¬4) فِي الفسخين معاً. ومِنْهُ تَجَاهُلِ الثَّمَنِ، وإِنْ مِنْ وَارِثٍ، وبَدَأَ الْبَائِعُ، وحَلَفَ عَلَى [نَفْيِ] (¬5) دَعْوَى خَصْمِهِ مَعَ تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ، وإِنِ اخْتَلَفَا فِي انْتِهَاءِ الأَجَلِ، فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّقَضِّي، وفِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوِ السِّلْعَةِ فَالأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا، إِلا لِعُرْفٍ كَلَحْمٍ، أَوْ بَقْلٍ بَانَ بِهِ ولَوْ كَثُرَ، وإِلا فَلا، إِنِ ادَّعَى دَفْعَهُ بَعْدَ الأَخْذِ، وإِلا، فَهَلْ يُقْبَلُ [الدَّفْعُ] (¬6)؟ أَوْ فِيمَا هُوَ الشَّأْنُ أَوْ لا؟ أَقْوَالٌ. وإِشْهَادُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ مُقْتَضٍ لِقَبْضِ مَثْمُونِهِ. ¬
قوله: (وَمِنْهُ تَجَاهُلِ الثَّمَنِ) أي من الفوت، وكذا وقع لابن عبد السلام أن مجهلة الثمن عند أهل المذهب تتنزل منزلة الفوات، وردّه ابن عرفة بأنه لو كَانَ فوتاً ما (¬1) ردّت فِيهِ السلعة، [وقد قال فِيهَا: إن حلف ورثة المبتاع حلف ورثة البائع ورُدّت السلعة] (¬2). وحَلَّفَ بَائِعهُ، إِنْ بَادَرَ كَإِشْهَادِ الْبَائِعِ بِقَبْضِهِ. وفِي الْبَتِّ مُدَّعِيهِ كَمُدَّعِي الصِّحَّةِ إِنْ لَمْ يَغْلِبِ الْفَسَادُ. وهَلْ إِلا أَنْ يَخْتَلِفَ بِهِمَا الثَّمَنُ فَكَقَدْرِهِ؟ تَرَدُّدٌ. قوله: (وَحَلَّفَ بَائِعَهُ، إِنْ بَادَرَ) ينبغي أن يقرأ (حلّف) مشدد اللام رباعياً و (بائعه) بالنصب عَلَى المفعولية. أي: وحلّف المشتري بائعه إن بادر المشتري، وإِذَا خففت اللام ورفعت البائع عَلَى الفاعلية جَازَ، والفاعل بـ (بادر) ضمير المشتري عَلَى كلّ حال. والْمُسْلَمُ إِلَيْهِ مَعَ فَوَاتِ الْعَيْنِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ، أَوِ السِّلْعَةِ كَالْمُشْتَرِي [بالنقد] (¬3) فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، إِنِ ادَّعَى مُشْبِهاً. قوله: (وَالْمُسْلَمُ إِلَيْهِ مَعَ فَوَاتِ الْعَيْنِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ، أَوِ السِّلْعَةِ كَالْمُشْتَرِي بالنقد) السلعة معطوفة عَلَى العين، فالتقدير أو فوات السلعة، ولم يقيّد الفوات فِيهَا بشيء، فدلّ [على] (¬4) أنّه يقع بأدنى الأشياء، وهو حوالة الأسواق، وهذا هو المشهور. وإِنِ ادَّعَيَا مَا لا يُشْبِهُ فَسَلَمٌ وَسَطٌ، وفِي مَوْضِعِهِ صُدِّقَ مُدَّعِي مَوْضِعِ عَقْدِهِ، وإِلا فَالْبَائِعُ، وإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ تَحَالَفَا [تَفَاسَخَا] (¬5) وفُسِخَ كَفَسْخِ مَا يُقْبَضُ بِمِصْرَ، وجَازَ بِالْفُسْطَاطِ، وقُضِيَ بِسُوقِهَا، وإِلا فَفِي أَيِّ مَكَانٍ. قوله: (وإِنِ ادَّعَيَا مَا لا يُشْبِهُ فَسَلَمٌ وَسَطٌ). كذا هو الصواب بألف التثنيه فِي (ادَّعَيَا)، ويفهم من هذا التفريع (¬6) فِي المشبه بعض ما فاته ذكره فِي المشبه به وهو المشتري. ¬
باب السلم والقرض والمقاصة
[باب السلم والقرض والمقاصّة] شَرْطُ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، أَوْ تَأْخِيرُهُ ثَلاثاً ولَوْ بِشَرْطٍ، وفِي فَسَادِهِ بِالزِّيَادَةِ، إِنْ لَمْ تَكْثُرْ جِدَّاً تَرَدُّدٌ. قوله: (وَفِي فَسَادِهِ بِالزِّيَادَةِ، إِنْ لَمْ تَكْثُرْ جِدَّاً تَرَدُّدٌ) لَمْ يحتج إلى تقييده بالعين اكتفاءً بقوله بعد: (وتَأْخِيرُ حَيَوَانٍ ... إلى آخره)، والخلاف فِي المسألة للمتقدمين، وكأنه فهم عن المتأخرين تَرَدُّدا فِي النقل عنهم، فعبّر عنه بالتَرَدُّدٌ. وجَازَ بِخِيَارٍ لِمَا يُؤَخَّرُ، إِنْ لَمْ يُنْقَدْ، وبِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ، وبِجُزَافٍ، وتَأْخِيرُ حَيَوَانٍ بِلا شَرْطٍ. قوله: (وتَأْخِيرُ حَيَوَانٍ بِلا شَرْطٍ) ليس فِي الأمهات فِيهِ كراهة، وكذا اختصره ابن يونس، وظاهر " التهذيب " دخول الخلاف فِيهِ (¬1). وهَلِ الطَّعَامِ والْعَرْضِ كَذَلِكَ، إِنْ كِيلَ وأُحْضِرَ، أَوْ كَالْعَيْنِ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وَهَلِ الطَّعَامِ والْعَرْضِ كَذَلِكَ، إِنْ كِيلَ وأُحْضِرَ، أَوْ كَالْعَيْنِ؟ تَأْوِيلانِ) اعلم أنّه كره فِي " المدونة " تأخير الثوب والطعام بغير شرط (¬2)، فمن الشيوخ من رأى هذه الكراهة مقيدة بما إِذَا لَمْ يكل الطعام ولم يحضر الثوب، فأما إِذَا كَيّل الطعام وحضر (¬3) الثوب فقد انتقل ضمانهما إلى المسلم إليه، وصار كالحيوان، فلا معنى للكراهة، وعَلَى هذا التأويل نبّه بقوله: (وهل الطعام والعرض كذلك إن كيل وأحضر؟) ومن الشيوخ من حمل هذه الكراهة عَلَى إطلاقها وقال: إن الطعام والثوب لما كَانَ يغاب عَلَيْهِما [79 / ب] أشبها الدنانير والدراهم، فأشبهت (¬4) صورة التأخير فيهما الدين بالدين، بِخِلاف ما لو كَانَ رأس ¬
مال السلم ما لا يغاب عَلَيْهِ كالعبد، فإنه لا يتصور فِيهِ شبه الدين بالدين. وعَلَى هذا التأويل نبّه بقوله: (أو كالعين) إِلا أن تشبيهه بالعين يقتضي التحريم، وإنما ذكر ابن يونس وابن محرز وغيرهما الكراهة كما هو لفظ " المدونة ". نعم قال ابن عبد السلام عندما قرر ما قدمناه: رأى بعضهم أن الكراهة إِذَا كَانَ رأس مال السلم طعاماً أشد منها إِذَا كَانَ ثوباً؛ لأن الطعام مع كونه يغاب عَلَيْهِ هو أَيْضاً لا يعرف بعينه، والثوب يعرف بعينه فيقوى شبه الدين بالدين فِي الطعام ما لا يقوى فِي الثياب، فلم يقنع بهذا فِي " التوضيح " حَتَّى زاد ما نصّه: " ينبغي أن تحمل كراهة الإمام فِي الطعام عَلَى التحريم؛ لأنه إِذَا لَمْ [يكل لم] (¬1) يكن بينه وبين العين فرق، وينبغي إِذَا حضر الثوب أن يجوز؛ لأنه بحضوره يتعين ولا يكون ديناً بدين (¬2). ورُدَّ زَائِفٌ. قوله: (ورُدَّ زَائِفٌ) مصدر مضاف للمفعول معطوف عَلَى فاعل (جَازَ). وعُجِّلَ، وإِلا فَسَدَ مَا يُقَابِلُهُ لا الْجَمِيعُ عَلَى الأَحْسَنِ. قوله: (لا الْجَمِيعُ عَلَى الأَحْسَنِ) كأنه أشار بالأحسن لاختيار ابن محرز، وقد (¬3) قبله ابن عرفة ولَمْ يذكره فِي " التوضيح ". والتَّصْدِيقُ فِيهِ كَطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ، ثُمَّ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ الزَّائِدُ الْمَعْرُوفُ والنَّقْصُ، وإِلا فَلا رُجُوعَ لَكَ، إِلا بِتَصْدِيقٍ أَوْ بَيِّنَةٍ لَمْ تُفَارِقْ. قوله: (والتَّصْدِيقُ فِيهِ كَطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ) قرانه بطعام من بيع. يدل أن مراده التصديق فِي كيل الطعام المسلم فِيهِ، وأما التصديق فِي رأس المال فلا يجوز، وقد تقدمت له النظائر التي لا يجوز فِيهَا التصديق وأن هذا منها. ¬
وحَلَفَ لَقَدْ أَوْفَى مَا سَمَّى، أَوْ لَقَدْ بَاعَهُ عَلَى مَا كُتِبَ بِهِ إِلَيْهِ، إِنْ أَعْلَمَ مُشْتَرِيهِ، وإِلا حَلَفْتَ ورَجَعْتَ. قوله: (وَإِلا حَلَفْتَ ورَجَعْتَ) ينطبق عَلَى مفهوم قوله: (وحَلَفَ لَقَدْ أَوْفَى مَا سَمَّى) وعَلَى مفهوم قوله: (إِنْ أَعْلَمَ مُشْتَرِيهِ). وإِنْ أَسْلَمَتْ عَرْضاً فَهَلَكَ بِيَدِكَ فَهُوَ مِنْهُ إِنْ أَهْمَلَ، أَوْ أَوْدَعَ، أَوْ عَلَى الانْتِفَاعِ. قوله: (أَوْ عَلَى الانْتِفَاعِ) هذا كقول اللخمي: وإن أمكنه من الرقاب وهي لمنافع (¬1) استثناها (¬2) منه صدق. ومِنْكَ إِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ ووُضِعَ لِلتَّوَثُّقِ. قوله: (وَمِنْكَ إِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ ووُضِعَ لِلتَّوَثُّقِ) أي بإشهاد أو رهن أو كفيل، وأما حبسه فِي عوضه فلا، وقد قال اللخمي: لَمْ يكن له حبسه لما كَانَ الثمن إلى أجل بِخِلاف البيع عَلَى النقد. ونُقِضَ السَّلَمُ وحَلَفَت، وإِلا خُيِّرَ الآخَرُ، وإِنْ أَسْلَمْتَ حَيَوَاناً أَوْ عَقَاراً فَالسَّلَمُ ثَابِتٌ، ويُتَّبَعُ الْجَانِي، وأَنْ لا يَكُونَا طَعَامَيْنِ ولا نَقْدَيْنِ، ولا شَيْئاً فِي أَكْثَرَ أَوْ أَجْوَدَ كَالْعَكْسِ، إِلا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ كَفَارِهِ الْحُمُرِ فِي الأَعْرَابِيَّةِ، وسَابِقِ الْخَيْلِ. قوله: (وَنُقِضَ السَّلَمُ وحَلَفَت) كذا فِي بعض النسخ حلفت بـ: تاء الخطاب، وهو أولى لبيانه. لا هِمْلاجٍ، إِلا كَبِرْذَوْنٍ [53 / ب]، وجَمَلٍ كَثِيرِ الْحَمْلِ. قوله: (لا هِمْلاجٍ) فِي " الصحاح ": " الهملاج من البرازين واحد الهماليج، ومشيها الهملجة، فارسيٌ معرّب ". وفِي " الخلاصة ": " الهملجة والهملاج حسن سير الدابّة فِي سرعة (¬3)، ودابّة هملاج الذكر والأنثى فِيهِ سواء ". وفِي " مختصر العين " نحوه. ¬
وصُحِّحَ، وبِسَبْقِهِ. قوله: (وَصُحِّحَ، وبِسَبْقِهِ) أي: وصحح اعتبار سبقه أَيْضاً. قال ابن عبد السلام: " والمعتبر فِي الإبل عندهم الحمل خاصّة وليس السبق عندهم فِيهَا بمعتبر، وفِيهِ نظر، فإن العرب كانوا يقاتلون عَلَيْهَا ويريدون بعضها للركوب دون الحمل، وهو موجود إلى الآن والناس كإبل مائة لا تجد فِيهَا راحلة واحدة فما كَانَ منها يصلح للركوب فينبغي أن يسلم فِيمَا يصلح للحمل، وكذلك العكس ". انتهى. ونكت فِي " التوضيح " عَلَى قوله: المعتبر عندهم فِي الإبل الحمل خاصة فقال: " فسّر التونسي النجابة بالجري فقال: النجيب منها صنف وهو ما بان بالجري، والحميل (¬1) صنف والدنئ صنف، وينبغي اعتبار كل من الحمل والسبق والسير "، وهو الذي قاله اللخمي ". انتهى (¬2). وحاصل ما عند اللخمي: أن الإبل صنفان: صنف يراد للحمل، وصنف [يراد] (¬3) للركوب لا للحمل، وكل منهما جيد، وحاشٍ، فيسلم ما يراد للحمل [فِيمَا يراد للركوب وعكسه اتحد العدد أو اختلف، وما يراد للحمل] (¬4) أو للركوب لا يسلم بعضه فِي بعض إِلا أن يكثر عدد الردي، فتحصل المباينة (¬5)، فيجوز سلم صنف جيّد فِي كامل ردي. وقال المازري: الإبل لا تراد للجري والسبق، بل للحمولة، فيعتبر التفاضل فِيهَا من هذه الناحية، وتبعه ابن بشير (¬6). قال ابن عرفة: وهو خلاف متقدم نقل اللخمي، ثُمَّ ذكر اضطراب نقل الباجي فِيهِ، وناقش كلام ابن عبد السلام المتقدم، وقال: أوّله فِي السبق وآخره فِي السير (¬7). ¬
وبِقُوَّةِ الْبَقَرِ ولَوْ أُنْثَى وكَثْرَةِ لَبَنِ الشَّاةِ. قوله: (وبِقُوَّةِ الْبَقَرِ) معطوف فِي المعنى عَلَى قوله (كفَارِهِ الحُمُر)، كأنه قال: إِلا أن تختلف المنفعة كفاره الحمر أو تختلف المنفعة بقوة البقر، ولا يجوز أن يعطف عَلَى قوله: (بِسَبْقِهِ) الذي هو معمول لـ (صُحِّحَ)؛ لأن هذا هو أصل المذهب لا يحتاج لمن يصححه. وظَاهِرُهَا عُمُومُ الضَّأْنِ. وصُحِّحَ خِلافُهُ، وكَصَغِيرَيْنِ فِي كَبِيرٍ وعَكْسِهِ، أَوْ صَغِيرٍ فِي كَبِيرٍ وعَكْسِهِ، إِنْ لَمْ يُؤَدِّ إِلَى الْمُزَابَنَةِ، وتُؤُوِّلَتْ عَلَى خِلافِهِ كَالآدَمِيِّ وكَالْغَنَمِ وجِذْعٍ طَوِيلٍ غَلِيظٍ فِي غَيْرِهِ، وكَسَيْفٍ قَاطِعٍ فِي سَيْفَيْنِ دُونِهِ، وكَالْجِنْسَيْنِ، ولَوْ تَقَارَبَتِ الْمَنْفَعَةُ كَرَقِيقِ الْقُطْنِ والْكَتَّانِ، لا جَمَلٍ فِي جَمَلَيْنِ مِثْلِهِ عُجِّلَ أَحَدُهُمَا. قوله: (وَظَاهِرُهَا عُمُومُ الضَّأْنِ (¬1)) أشار به لقول أبي بكر بن يونس: [80 / أ] وظاهر " المدونة " أن الضأن (¬2) والمعز سواء ما عرف من ذلك بغزر اللبن والكرم جَازَ أن يسلم فِي غيره. وَكَطَيْرٍ عُلِّمَ، لا بِالْبَيْضِ والذُّكُورَةِ والأُنُوثَةِ ولَوْ آدَمِيَّاً، وغَزْلٍ وطَبْخٍ إِنْ لَمْ يَبْلُغِ النِّهَايَةَ، وحِسَابٍ، أَوْ كِتَابَةٍ. وَالشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ. قوله: (وَكَطَيْرٍ عُلِّمَ) لما ذكر فِي " التوضيح " قول ابن الحاجب: " وبِخِلاف طير الأكل [باتفاق (¬3). قال: يعني أن طير الأكل] (¬4) لا يجوز سلم صغيرها فِي كبيرها ولا كبيرها فِي صغيرها باتفاق فِي الصنف الواحد، وأخرج بطير الأكل طير التعليم فإنه يختلف بسببه ". انتهى (¬5). والذي عند ابن عبد السلام: أنّه أخرج بطير الأكل طير البيض، ولم يذكر طير التعليم هو ولا ابن عرفة. ¬
وأَنْ يُؤَجَّلَ بِمَعْلُومٍ زَائِدٍ عَلَى نِصْفِ شَهْرٍ كَالنَّيْرُوزِ، والْحَصَادِ والدَّرَاسِ وقُدُومِ الْحَاجِّ. واعْتُبِرَ مِيقَاتُ مُعْظَمِهِ، إِلا أَنْ يُقْبَضَ بِبَلَدٍ كَيَوْمَيْنِ، إِنْ خَرَجَ حِيَنِئذٍ بِبِرٍّ، أَوْ بِغَيْرِ رِيحٍ. والأَشْهُرُ بِالأَهِلَّةِ، وتُمِّمَ الْمُنْكَسِرُ مِنَ الرَّابِعِ، وإِلَى رَبِيعٍ حَلَّ بِأَوَّلِهِ وفَسَدَ فِيهِ عَلَى الْمَقُولِ فِيهِ (¬1) فِي الْيَوْمِ، وأَنْ يُضْبَطَ بِعَادَتِهِ (¬2) مِنْ كَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ، أَوْ عَدَدٍ كَالرُّمَّانِ، وقِيسَ بِخَيْطٍ، أَوِ الْبَيْضِ، أَوْ بِحِمْلٍ أَوْ جُرْزَةٍ فِي كَقَصِيلٍ، لا بِفَدَّانٍ. أَوْ بِتَحَرٍّ وهَلْ بِقَدْرِ كَذَا؟ أَوْ يَأْتِي بِهِ ويَقُولُ كَنَحْوِهِ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (زَائِدٍ عَلَى نِصْفِ شَهْرٍ) لعلّه أراد نصف الشهر الناقص، وإِلا فالوجه أن يقول: أقلّه نصف شهر ليوافق النصّ. وفَسَدَ بِمَجْهُولٍ وإِنْ نَسَبَهُ أُلْغِيَ، وجَازَ بِذِرَاعِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ كَوَيْبَةٍ وحَفْنَةٍ. قوله: (كَوَيْبَةٍ وحَفْنَة). أي: كويبة مع حفنة. عياض: " والويبة عشرون مدّاً ". انتهى، فهي خمسة آصع، والحفنة ملء يدٍ واحدة، كذا فِي كتاب الحج الثالث من " المدونة " (¬3). وقال الجوهري: " الحفنة ملء الكفين من طعام. وفِي الْوَيْبَاتِ والْحَفَنَاتِ قَوْلانِ. قوله: (وفِي الْوَيْبَاتِ والْحَفَنَاتِ قَوْلانِ) أي: مع الحفنات. وأَنْ تُبَيَّنَ صِفَتُهُ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْقِيمَةُ فِي السَّلَمِ عَادَةً. [قوله: (وأَنْ تُبَيَّنَ صِفَتُهُ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْقِيمَةُ فِي السَّلَمِ عَادَةً)] (¬4) كذا لابن الحاجب، فقال فِي " التوضيح " تبعاً لابن عبد السلام: ظاهره أن الصفة إِذَا كانت لا تختلف القيمة بسببها أنّه لا يجب بيانها فِي السلم (¬5). وعبارة غيره أقرب؛ لأنهم يقولون: يبين فِي السلم جميع الأوصاف التي تختلف الأغراض بسببها، واختلاف الأغراض لا يلزم منه اختلاف القيمة؛ لجواز أن يكون ما تعلّق به الغرض صفة يسيرة عند التجار، أو أن ¬
تكون الصفة المعينة وإن وجدت لكن فقدت صفة أخرى يكون فقدها مساوياً لوجود الصفة المذكورة قال: وإنما قال فِي السلم؛ لأن السلم يغتفر فِيهِ من الإضراب عن بعض الأوصاف ما لا يغتفر مثله فِي بيع النقد، ولا ينعكس؛ لأن السلم مستثنى من بيع الغرر، بل ربما كَانَ التعرض للصفات الخاصة فِي السلم مبطلاً [له] (¬1) لقوة الغرر. كَالنَّوْعِ، والْجَوْدَةِ، والرَّدَاءَةِ، وبَيْنَهُمَا. قوله: (كَالنَّوْعِ، والْجَوْدَةِ، والرَّدَاءَةِ، وبَيْنَهُمَا) ظرفٌ ساكن الياء كما عند الشارح لا فعل مفتوح الياء مشددها كما فِي بعض النسخ، فهو كقول المتيطي لما ذكر السلم فِي الطعام قال: " بعض الموثقين: وأما الصفة مع ذكر الجنس فلابد منها، ويكفي فِي ذلك أن يقال: جيّد أو متوسط أو رديء ". انتهى ونحوه فِي " النوادر " وغيرها. انتهى. واللَّوْنِ فِي الْحَيَوَانِ والثَّوْبِ، والْعَسَلِ، ومَرْعَاهُ. قوله: (والْعَسَلِ، ومَرْعَاهُ) لا أذكر من ذكر المرعى فِي العسل، والمصنف مطّلع (¬2)، ولم يذكره ابن عرفة مع كثرة اطلاعه؛ إِلا أنّه قال: حاصل أقوالهم وصف كلّ نوع تختلف أصنافه بما يعين الصنف المسلم فِيهِ دون غيره ". انتهى. وأما اللون فقال المتيطي: وتصف العسل بالبياض والخثرة والصفاء أو بالحمرة والملوسة، والصفاقة، وكذا ذكر اللون فِي التين والعنب والزبيب، وفِي " النوادر ": وتصف (¬3) السمن ببقري أو غنمي، وجيد أو وسط أو رديء، وإِلا لَمْ يجز، وتصف كذلك (¬4) العسل مع ذكر خاثر أو رقيق وإِلا فسخ. ¬
وفِي التَّمْرِ، والْحُوتِ، والنَّاحِيَةَ، والْقَدْرَ [وفِي الْبُرِّ] (¬1) وجِدَّتُه، ومِلأَهُ، إِنِ اخْتَلَفَ الثَّمَنُ بِهِمَا. قوله: (وفِي التَّمْرِ، والْحُوتِ، والنَّاحِيَةَ، والْقَدْرَ) كأنه يعني بالناحية بلد التمر والحوت، وبالقدر قدرهما فِي الصغر والكبر، فأما الحوت فهذا فِيهِ بين؛ لأنه قال فِي " المدونة ": والسلم فِي الحيتان الطرية جائز إِذَا سمى جنساً من الحوت وشرط ضرباً معلوماً صفته وطوله وناحيته (¬2). عَلَى أن عياضا ذكر تأويلين فِي الناحية هل هي القدر أو الجهة إِذَا اختلفت الجهات فكان حوت بعضها أفضل من بعض. وأما التمر فكأنه عوّل فِيهِ عَلَى بعض ما حكى فِي توضيحه عن المازري إذ قال: زاد بعض العلّماء فِي التمر البلد واللون وكبر الثمرة وصغرها وكونه جديداً أو قديماً (¬3). وسَمْرَاءَ، ومَحْمُولَةً بِبَلَدٍ هُمَا بِهِ، ولَوْ بِالْحَمْلِ، بِخِلافِ مِصْرَ فَالْمَحْمُولَةُ، والشَّامُ فَالسَّمْرَاءُ. قوله: (وسَمْرَاءَ، ومَحْمُولَةً بِبَلَدٍ هُمَا بِهِ، ولَوْ بِالْحَمْلِ) هذا اختصار ما فِي " التوضيح " (¬4)، وهو جارٍ عَلَى طريقة ابن بشير إذ قال ما نصّه: " إن كَانَ البلد مما ينبتان فِيهِ فلابد من ذكر أحد الصنفين، فإن لَمْ يذكر [ذلك] (¬5) فسد السلم، وإن كَانَ مما يجلبان إليه، فابن حبيب لا يرى أن يفسد السلم بترك ذكر أحد الصنفين. ورأى (¬6) الباجي أن مقتضى الروايات خلاف قوله: ولا ينبغي أن يختلف فِي مثل هذا، وإنما كل منهما تكلّم عَلَى شهادته، فإن اختلفت الأثمان أو الأغراض (¬7) باختلاف الصنفين فلابد من ذكر أحدهما، وإن لَمْ تختلف بذلك فلا معنى لذكره ". انتهى. ¬
وهو عكس نقل ابن يونس عن ابن حبيب، فإنه لما ذكر قوله فِي " المدونة ": وإن أسلم فِي الحجاز حيث تجتمع السمراء والمحمولة (¬1) ولَمْ يسم جنساً فالسلم فاسد حَتَّى [80 / ب] يسمي سمراء من محمولة، ويصف جودتهما فيجوز (¬2). قال ما نصّه: " قال ابن حبيب: وهذا فِي مثل بلدٍ تحمل إليه، فأما بلد تنبت فِيهِ السمراء والبيضاء فيجزيه، وإن لَمْ يذكر ذلك وذكر جيداً نقياً وسطا أو مغلوثاً وسطاً، وقول ابن حبيب: هذا لا وجه له، وسواء بلد ينبت فِيهِ الصنفان أو يحملان إليه؛ لابد فِي ذلك من ذكر الجنس إِذَا كانا مختلفين ". انتهى. وعلى طريقة ابن يونس اقتصر أبو الحسن الصغير وابن عرفة، كما اقتصر المصنف عَلَى طريقة ابن بشير، ولم أر من نبه عَلَى اختلاف الطريقتين. وبالله تعالى التوفيق. [وَنَقِيٍّ، أَوْ غَلِثٍ] (¬3). وفِي الْحَيَوَانِ وسِنُّهُ، والذُّكُورَةَ، والسِّمَنَ، وضِدَّيْهِمَا. قوله: (وَنَقِيٍّ، أَوْ غَلِثٍ) كذا فِي بعض النسخ بكسر القاف وتشديد الياء وعطف غلث عَلَيْهِ، وينبغي أن يكون بكسر اللام، وهو إشارة لقول المتيطي: " قال بعض الموثقين: وحسن أن يذكر مع ذكر الجيد أو المتوسط أو الرديء نقي أو متوسط فِي النقاء أو مغلوث، فإن سقط ذكر الصفة من العقد فسد السلم، وإن سقط ذكر النقاء منه لَمْ يفسد، وقاله أَيْضاً محمد بن أبي زمنين " انتهى. وفِي " النوادر " عن ابن حبيب ما يشهد لنقل المتيطي فِي هذه، ولنقل ابن يونس فِي التي فوقها. وفِي اللَّحْمِ، وخَصِيَّاً، ورَاعِياً، أَوْ مَعْلُوفاً، لا مِنْ كَجَنْبٍ. قوله: (وفِي اللَّحْمِ، وخَصِيَّاً) كذا هو فِي نسخٍ كثيرة بنصب خصياً وما عطف عَلَيْهِ، وذلك يدل عَلَى أن قوله: (وَالْقَدْرَ (¬4) وجِدَّتُه، ومِلأَهُ) وما بعده من المعاطيف منصوبة عطفاً عَلَى قوله: (صفته) ويلزم من ذلك أن يقرأ قوله (وأن يبين صفته) مبنياً للفاعل لا للنائب. ¬
وفِي الرَّقِيقِ، والْقَدَّ، والْبِكَارَةَ، واللَّوْنَ. قوله: (وَفِي الرَّقِيقِ، والْقَدَّ، والْبِكَارَةَ) كذا فِي أكثر النسخ بإسقاط اللون لتقدمه فِي الحيوان الذي هو أعم من الرقيق. قَالَ وكَالدَّعْجِ، وتَكَلْثُمِ الْوَجْهِ. قوله: (قَالَ وكَالدَّعْجِ، وتَكَلْثُمِ الْوَجْهِ) الجوهري: " الدعج شدة سواد العين مع سعتها، والكلثوم الكثير (¬1) لحم الخدين والوجه. وفِي الثَّوْبِ وَالرِّقَّةِ، والصَّفَاقَةَ، وضِدَّيْهِمَا. قوله: (وفِي الثَّوْبِ والرِّقَّةِ، والصَّفَاقَةَ، وضِدَّيْهِمَا) ليس هذا من تمام المحكي عن المازري بل هذه [مسألة] (¬2) ثاني سلوم (¬3) " المدونة " قال فِيهَا: ومن أسلم فِي ثوبٍ حرير واشترط طوله وعرضه ولم يشترط وزنه جَازَ إِذَا وصفه ووصف صفاقته وخفته وإنما السلم فِي الثياب بصفة وذراع معلوم (¬4) طوله وعرضه وصفاقته وخفته ونحوه (¬5). قال أبو الحسن الصغير: أي رقته وغلظه. قال ابن يونس: أنكر سحنون قوله فِي ثوب الحرير أبو الحسن الصغير، ورأى أن الصفة لا تحصره (¬6)، وأنّه لابد من الوزن؛ لتفاوت ذلك. ابن عرفة: لَمْ يذكر ابن يونس موجب إنكاره، فلعلّه عدم شرط وزنه، والصواب قول ابن القاسم، بل شرط وزنه مع صفة ما شرط من صفاقة أو خفة متنافٍ. وفِي الزَّيْتِ والْمُعْصَرَ مِنْهُ، وبِمَا يُعْصَرُ، وحُمِلَ فِي الْجَيِّدِ والرَّدِيءِ عَلَى الْغَالِبِ، وإِلا فَالْوَسَطُ، وكَوْنُهُ دَيْناً ووُجُودُهُ عِنْدَ حُلُولِهِ، وإِنِ انْقَطَعَ قَبْلَهُ. قوله: (والمعصر منه) كذا فِي النسخ عَلَى صيغة اسم مفعول الرباعي، ووجه الكلام ¬
المعتصر بزيادة التاء خماسية (¬1) أو المعصور ثلاثياً من قوله تعالى: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49] عَلَى القول بأنه بمعنى يستغلون (¬2)، وقيل بمعنى: ينجون، حكاهما الجوهري. لا نَسْلِ حَيَوَانٍ عُيِّنَ وقَلَّ أَوْ حَائِطٍ. قوله: (لا نَسْلِ حَيَوَانٍ عُيِّنَ وقَلَّ) كأنه معطوف عَلَى محذوف دلّ عَلَيْهِ السياق أي: فيجوز محقق الوجود عند حلوله لا نسل حيوان معين، وتبع فِي قيد القلة ابن شاس إذ قال: لو كانت الإشارة إلى نعم كثيرة لا يتعذر الشراء منها لمن أراد، وإنما أشير إليها لمعنى انفردت به لجاز السلم فِي نسلها إِذَا وصف (¬3). قال ابن عرفة: ظاهره أنّه هو المذهب، وظاهر " المدونة " منعه مُطْلَقاً من هنا (¬4)، ومن الزكاة الثاني إِذَا منع السلم إلى الساعي. ويتخرج جوازه من قول بعض الشيوخ: يجوز السلم فِي تمر قرية صغيرة لمن لا ملك له فِيهَا إِذَا كَانَ الغالب بيع بعض أهلها قدر ذلك. وشُرِطَ، إِنْ سُمِّيَ سَلَماً لا بَيْعاً إِزْهَاؤُهُ، وَسَعَةُ الْحَائِطِ وكَيْفِيَّةُ قَبْضِهِ، لِمَالِكِهِ، وشُرُوعُهُ وإِنْ لِنِصْفِ شَهْرٍ، وأَخْذُهُ بُسْراً، أَوْ رُطْباً [لا تَمْراً] (¬5). فَإِنْ شَرَطَ تَتَمُّرَ الرُّطَبِ مَضَى بِقَبْضِهِ، وهَلِ الْمُزْهِي كَذَلِكَ، وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ، أَوْ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ؟ [54 / أ] تَأْوِيلانِ. فَإِنِ انْقَطَعَ رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ، وهَلْ عَلَى الْقِيمَةِ وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ أَوِ الْمَكِيلَةِ؟ تَأْوِيلانِ. وَهَلِ الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ كَذَلِكَ؟ أَوْ إِلا فِي وجُوبِ تَعْجِيلِ النَّقْدِ فِيهَا؟ أَوْ تُخَالِفُهُ فِيهِ، وفِي السَّلَمِ فِيمَنْ لا مِلْكَ لَهُ تَأْوِيلاتٌ. وإِنِ انْقَطَعَ مَالَهُ إِبَّانٌ، ولَوْ مِنْ قَرْيَةٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي الْفَسْخِ والإِبْقَاءِ. قوله: (وَشُرِطَ، إِنْ سُمِّيَ سَلَماً لا بَيْعاً إِزْهَاؤُهُ ... إلى آخره) هو كقوله فِي " توضيحه ": " قال بعض القرويين: وهذه الشروط إنما تلزم إن سموه سلما، وأما إن سموه بيعاً فلا يلزم، ¬
ويكون عَلَى الفور إذ بعقد البيع يجب قبض المبيع ". انتهى (¬1). واشتراط الإزهاء فِي البيع عَلَى التبقية أحرى. وإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ وجَبَ التَّأْخِيرُ، إِلا أَنْ يَرْضَيَا بِالْمُحَاسَبَةِ، ولَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُقَوَّماً. [فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ ويَفْسَدُ بِهِ] (¬2) ويَجُوزُ فِيمَا طُبِخَ، واللُّؤْلُؤِ، والْعَنْبَرِ، والْجَوْهَرِ، والزُّجَاجِ، والْجِصِّ والزِّرْنِيخِ، وأَحْمَالِ الْحَطَبِ، والأَدَمِ، والصُّوفِ بِالْوَزْنِ، لا بِالْجِزَرِ، والسُّيُوفِ، و [تَوْرٍ وشِرَاءِ] (¬3) تَوْرٍ [جَازَ] (¬4) لِيُكَمِّلَ، والشِّرَاءُ مِنْ دَائِمِ الْعَمَلِ كَالْخَبَّازِ، وهُوَ بَيْعٌ وإِنْ لَمْ يَدُمْ فَهُوَ سَلَمٌ كَاسْتِصْنَاعِ سَيْفٍ أَوْ سَرْجٍ. قوله: (إِلا أَنْ يَرْضَيَا بِالْمُحَاسَبَةِ) كذا هو الصواب بتثنية الفاعل. وفَسَدَ بِتَعْيِينِ الْمَعْمُولِ مِنْهُ أَوِ الْعَامِلِ. قوله: (وفَسَدَ بِتَعْيِينِ الْمَعْمُولِ مِنْهُ أَوِ الْعَامِلِ) كذا فِي النسخ [81 / أ] الصحيحة كعبارة ابن الحاجب (¬5)، وإِذَا تأملت هذه العبارة وجدتها مع شدة اختصارها موفية نصاً ومفهوماً بقول (¬6) ابن رشد فِي " المقدمات ": " السلم فِي الصنائع عَلَى أربعة أقسام: إما أن لا يعين الصانع والمعمول منه، وإما أن يعينهما، وإما أن لا يعين الصانع ويعين المعمول منه وعكسه. فأما الأول فهو سلم لا يجوز إِلا بضرب الأجل ووصف العمل وتعجيل رأس المال. وأما الثاني: وهو أن يشترط عمله ويعين ما يعمل منه فليس بسلم، وإنما هو من باب البيع والإجارة فِي الشيء المبيع، فإن كَانَ يعرف وجه خروج ذلك الشيء من العمل أو تمكن إعادته للعمل فيجوز عَلَى أن يشرع فِي العمل أو عَلَى أن يؤخر الشروع فِيهِ بشرط ما ¬
بينه وبين ثلاثة أيام ونحوها، فإن كَانَ عَلَى أن يشرع فِي العمل جَازَ بشرط تعجيل (¬1) النقد وتأخيره، وإن كَانَ عَلَى أن يتأخر الشروع فِي العمل إلى ثلاثة أيام ونحوها لَمْ يجز تعجيل النقد بشرط حَتَّى يشرع فِي العمل. وأما الوجه الثالث: وهو أن لا يشترط عمله بعينه ويعين المعمول منه فهو أَيْضاً من باب البيع والإجارة فِي المبيع (¬2) إِلا أنّه يجوز عَلَى تعجيل العمل وتأخيره إلى نحو ثلاثة أيام بتعجيل النقد وتأخيره. وأما الوجه الرابع: وهو أن يشترط عمله دون أن يعين المعمول منه فلا يجوز عَلَى حال؛ لأنه يجتذبه أصلان متناقضان أحدهما لزوم النقد، لكون ما يعمل منه مضموناً، والثاني امتناعه لاشتراط عمل العامل بعينه (¬3). وإِنِ اشْتَرَى الْمَعْمُولَ مِنْهُ واسْتَأْجَرَهُ جَازَ، إِنْ شَرَعَ عَيَّنَ عَامِلَهُ أَمْ لا. قوله: (وإِنِ اشْتَرَى الْمَعْمُولَ مِنْهُ واسْتَأْجَرَهُ جَازَ) كذا قال ابن الحاجب بإثر المسألة المفروغ منها، فقال فِي " التوضيح ": فارقت هذه المسألة التي قبلها بأن التي قبلها لَمْ يدخل فِيهَا المبيع فِي ملك البائع أولاً، وهذه دخل فِي ملكه ثُمَّ أجّره عَلَى عمله. انتهى (¬4). وأصله لابن عبد السلام. لا فِيمَا لا يُمْكِنُ وَصْفُهُ كَتُرَابِ الْمَعْدِنِ والأَرْضِ، والدُّورِ، والْجِزَافِ، ومَا لا يُوجَدُ، وحَدِيدٍ وإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ السُّيُوفُ فِي سُيُوفٍ وبِالْعَكْسِ، ولا كَتَّانٍ غَلِيظٍ فِي رَقِيقِهِ، إِنْ لَمْ يُغْزَلا، وثَوْبٍ لِيُكَمَّلَ. قوله: (والأَرْضِ، والدُّورِ ... وما بعدهما) معطوفات عَلَى (ما) من قوله: (لا فِيمَا لا يمكن وصفه لا عَلَى تراب المعدن). ¬
ومَصْنُوعٍ قُدِّمَ لا يَعُودُ هَيِّنَ الصَّنْعَةِ كَالْغَزْلِ، بِخِلافِ النَّسْجِ إِلا ثِيَابَ الْخَزِّ. وإِنْ قُدِّمَ أَصْلُهُ اعْتُبِرَ الأَجَلُ، وإِنْ عَادَ اعْتُبِرَ فِيهِمَا، والْمَصْنُوعَانِ يَعُودَانِ يُنْظَرُ لِلْمَنْفَعَةِ. وجَازَ قَبْلَ زَمَانِهِ قُبُولُ صِفَتِهِ فَقَطْ كَقَبْلَ مَحَلِّهِ فِي الْعَرْضِ مُطْلَقاً. وفِي الطَّعَامِ إِنْ حَلَّ إِنْ لَمْ يَدْفَعْ كِرَاءً، أَوْ لَزِمَ بَعْدَهُمَا كَقَاضٍ إِنْ غَابَ. قوله: (هَيِّنَ الصَّنْعَةِ) من أوصاف مصنوع. وجَازَ أَجْوَدُ وأَرْدَأُ، لا أَقَلُّ، إِلا عَنْ مِثْلِهِ، ويُبْرِئُ مِمَّا زَادَ، ولا دَقِيقٌ عَنْ قَمْحٍ، وعَكْسُهُ، وبِغَيْرِ جِنْسِهِ، إِنْ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وبَيْعُهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ مُنَاجَزَةً، وأَنْ يُسْلَمَ فِيهِ رَأْسُ الْمَالِ، لا طَعَامٍ، ولَحْمٍ بِحَيَوَانٍ، وذَهَبٍ، ورَأْسُ الْمَالِ وَرِقٌ، وعَكْسُهُ. قوله: (وَجَازَ أَجْوَدُ وأَرْدَأُ) هذا خلاف تفصيل ابن شاس إذ قال: وإن أتى بالجنس وهو أجود وجب قبوله، وإن كَانَ أردى جَازَ قبوله ولم يجب. وتبعه ابن الحاجب (¬1). قال ابن عبد السلام: وهو قول غير واحد من المتأخرين، واستبعده هو وابن هارون، إذ لا يلزم الإنسان قبول المنة، وتبعهما فِي " التوضيح " فقال: " والمذهب خلافه؛ لأن الجودة هبة، ولا يجب قبولها، واستدل بقوله فِي الصرف من " المدونة ": ومن أقرضته دراهم يزيدية فقضاك محمدية أو قضاك دنانير عتقاء عن هاشمية، أو قضاك سمراء عن محمولة أو شعير لَمْ تجبر عَلَى أخذها حلّ الأجل أو لَمْ يحلّ. [قال ابن القاسم: وإن قبلتها جَازَ فِي العين من بيع أو قرض (¬2) قبل الأجل أو بعده، ولا يجوز فِي الطعام حَتَّى يحلّ] (¬3) الأجل كَانَ من قرض أو من بيع؛ لأن الطعام يرجى تغير أسواقه، وليس العين كذلك. ولابن القاسم قول فِي إجازته (¬4) من قرض قبل الأجل إن لَمْ يكن فِي ذلك وأبى ولا عادة. ¬
سحنون: وهو أحسن إن شاء الله تعالى. قال فِي " التوضيح ": والمحمدية والعتق والسمراء أفضل. انتهى (¬1). وكأنه أحال المسألة عن وجهها، وأما ابن عرفة فقال فِيمَا ذكر ابن هارون وابن عبد السلام عن ظاهر المذهب: نظر، بل ظاهر قوله فِي " المدونة ": من اشترى جارية على جنس [فوجد] (¬2) أجود منه لزمه (¬3)، كنقل ابن شاس؛ لأن مسألة " المدونة " عامة فِي البيع والسلم، والأَظْهَر إن دفعه [المسلم] (¬4) إليه عَلَى وجه التفضل لَمْ يلزم قبوله، وإن دفعه لدفعه عن نفسه مشقة تعويضه بمثل ما شرطه لزمه قبوله. وجَازَ بَعْدَ أَجَلِهِ الزِّيَادَةُ لِيَزِيدَهُ طُولاً كَقَبْلَهُ، إِنْ عَجَّلَ دَرَاهِمَهُ، وغَزْلٍ يَنْسِجُهُ. قوله: (إِنْ عَجَّلَ دَرَاهِمَهُ) هذا تنكيت على قول بعض شراح ابن الحاجب أن الضمير فِي قوله: (إن عجلها (¬5) يعود عَلَى الزيادة لا عَلَى ثمنها، [وقد ردّ] (¬6) ذلك عَلَيْهِ فِي " التوضيح " (¬7)، وسمعت أن قائل ذلك هو برهان الدين السفاقسي صاحب " إعراب القرآن العزيز ". لا أَعْرَضَ أَوْ أَصْفَقَ وَلا يَلْزَمُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ ولَوْ خَفَّ حَمْلُهُ. قوله: (لا أَعْرَضَ أَوْ أَصْفَقَ) هذا خلاف ما لابن شاس وابن الحاجب (¬8) أن [الأعرض ¬
كالأطول (¬1). قال فِي " التوضيح ": وفِيهِ نظر وإنما جوّز فِي " المدونة " الأطول، ومقتضى كلام اللخمي أن] (¬2) الأعراض (¬3) متفق عَلَى منعه؛ لأنه قال إِذَا زاده دراهم ليأخذ إِذَا حلّ الأجل [81 / ب] أصفق أوراق أو أعرض لَمْ يجز، وهو فسخ دين فِي دين، ويجوز ذلك إِذَا حلّ الأجل وكان العرض الثاني حاضراً أو قاما ليقضيه قبل الافتراق، وإن زاده قبل الأجل ليأخذ أطول وهو عَلَى الصفة فِي الجودة جَازَ عند ابن القاسم وقال سحنون: هو فسخ دين فِي دين، والأول أصوب وهو مقتضى كلام ابن يونس. انتهى (¬4). وأما ابن عرفة فأغفل كلام اللخمي وقال: قال الباجي: إن زاده عَلَى أن يزيده [في الصفاقة والطول ففي " المَوَّازِيَّة " لا يجوز؛ لأنه نقله لصفةٍ أخرى (¬5). ابن زرقون: ولا يجوز عَلَى أن يزيده] (¬6) فِي العرض. ابن عرفة: إن أراد مع الزيادة فِي الصفاقة فصواب، وإن أراد دونها ففِيهِ نظر، وظاهر قوله فِي " المدونة " كما لو دفعت إليه غزلاً ينسجه ستاً فِي ثلاثة ثُمَّ زدته دراهم وغزلاً عَلَى أن يزيدك فِي طول أو عرض جَازَ (¬7) أنّه فِي هذه جائز أَيْضاً، والحق إن كَانَ الثوب للتفصيل فزيادة العرض كالطول وإِلا لَمْ يجز؛ لأنه يصير العرض صفة فِيهِ. ¬
فصل
[فصل] (¬1) يَجُوزُ قَرْضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ فَقَطْ، إِلا جَارِيَةً تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ. ورُدَّتْ، إِلا أَنْ تَفُوتَ عِنْدَهُ بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَالْقِيمَةُ. كَفَاسِدِهِ، وحَرُمَ هَدِيَّتُهُ، إِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِثْلُهَا، أَوْ يَحْدُثْ مُوجِبٌ، كَرَبِّ الْقِرَاضِ وعَامِلِهِ. ولَوْ بَعْدَ شَغْلِ الْمَالِ عَلَى الأَرْجَحِ. قوله: (كَرَبِّ الْقِرَاضِ وعَامِلِهِ. ولَوْ بَعْدَ شَغْلِ الْمَالِ عَلَى الأَرْجَحِ) مقتضى " التوضيح " (¬2) أن هذا الإغياء المشعر بالخلاف مع التصريح بالأَرْجَحية راجع للثاني فقط؛ لأنه قال فِي " التوضيح ": وألْحق بهدية المديان هدية ربّ المال لعامله؛ لأنه يقصد بذلك أن يديم (¬3) العمل، وأما هدية العامل لربّ المال فإن لَمْ يشغل المال منع باتفاق، وإن شغله فللمتأخرين قَوْلانِ بناءً عَلَى اعتبار الحال أو المآل، واختار ابن يونس المنع مُطْلَقاً. انتهى (¬4). وأما ابن عرفة فقال ظاهر قول المازري أن خلاف المتأخرين عامّ فِي كونها من العامل لربّ المال وعكسه، وقال ابن بشير: أما هدية العامل لربّ المال فإن لَمْ يشغل المال منعت اتفاقاً، وإن شغل ففي المنع والجواز قَوْلانِ للمتأخرين، فخصّ النقل بكونها من العامل، وفِيهَا للقراض (¬5) هدية عامل القراض كالمديان. وذِي الْجَاهِ والْقَاضِي، ومُبَايَعَتِهِ مُسَامَحَةً. قوله: (وذِي الْجَاهِ والْقَاضِي) عطف من يأخذ عَلَى من يعطي اتكالاً عَلَى تمييز ذهن السامع. أو جَرُّ مَنْفَعَةٍ كَشَرْطِ عَفِنٍ بِسَالِمٍ. قوله: (وجَرُّ مَنْفَعَةٍ) الأصوب ضبطه مصدراً مرفوعاً معطوفاً بالواو على هديته كما فِي بعض النسخ. ¬
ودَقِيقٍ أَوْ كَعْكٍ بِبَلَدٍ، وخُبْزِ فُرْنٍ بِمَلَّةٍ، أَوْ عَيْنٍ عَظُمَ حَمْلُهَا كَسَفْتَجَةٍ، إِلا أَنْ يَعُمَّ الْخَوْفُ، وكَعَيْنٍ كُرِهَتْ إِقَامَتُهَا، إِلا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ نَفْعُ الْمُقْتَرِضِ فَقَطْ فِي الْجَمِيعِ [54 / ب] كَفَدَّانٍ مُسْتَحْصَدٍ خَفَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ يَحْصُدُهُ ويَدْرُسُهُ ويَرَدُّ مَكِيلَتَهُ، ومُلِكَ، ولَمْ يَلْزَمْ رَدُّهُ، إِلا بِشَرْطٍ، أَوْ عَادَةٍ، كَأَخْذِهِ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ، إِلا الْعَيْنَ. [قوله: (وَدَقِيقٍ أَوْ كَعْكٍ بِبَلَدٍ وخُبْزِ فُرْنٍ [بملة) هما] (¬1) فِي " المدونة " معا] (¬2). ¬
أحكام المقاصة
[أحكام المقاصة] تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ فِي دَيْنَيِ الْعَيْنِ مُطْلَقاً، إِنِ اتَّحَدَا صِفَةً وقَدْراً، حَلا أَواحدهُمَا، أَمْ لا. وإِنِ اخْتَلَفَا صِفَةً مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ أَوِ اخْتِلافِهِ، فَكَذَلِكَ إِنْ حَلا وإِلا فَلا كَأَنِ اخْتَلَفَا زِنَةً مِنْ بَيْعٍ، والطَّعَامَانِ مِنْ قَرْضٍ كَذَلِكَ، ومُنِعَا مِنْ بَيْعٍ، ولَوْ مُتَّفِقَيْنِ، ومِنْ قَرْضٍ وبَيْعٍ تَجُوزُ، إِنِ اتَّفَقَا وحَلا، لا إِنْ لَمْ يَحِلا، أَوْ حَلَّ أَحَدُهُمَا. وتَجُوزُ فِي الْعَرْضَيْنِ مُطْلَقاً إِنِ اتَّحَدَا جِنْساً وصِفَةً كَأَنِ اخْتَلَفَا جِنْساً واتَّفَقَا أَجَلاً، وإِنِ اخْتَلَفَا أَجَلاً مُنِعَتْ إِنْ لَمْ يَحِلا أَواحدهُمَا. وإِنِ اتَّحَدَا جِنْساً والصِّفَةُ مُتَّفِقَةٌ أَوْ مُخْتَلِفَةٌ جَازَتْ إِنِ اتَّفَقَ الأَجَلُ وإِلا فَلا مُطْلَقاً. قوله: (كَأَنِ اخْتَلَفَا زِنَةً مِنْ بَيْعٍ) هذا وفاق لابن شاس وابن الحاجب (¬1) وابن عبد السلام وابن هارون، وأما ابن عرفة فقال: الأسعد بالمذهب قول ابن بشير: إن اختلفا فِي المقدار والصفة لَمْ تجز المقاصّة إِلا أن يحلّ الأجلان، وكذلك إن اتفقا فِي المقدار دون الصفة لقبول (¬2) ابن يونس قول ابن حبيب: وإن كَانَ أحد المذهبين ناقضاً والآخر وازنا لَمْ تجز المقاصّة حَتَّى تحل الوازنة. وقال محمد: إن اختلف العدد فكان أولهما حلولاً (¬3) أكثرهما جازت المقاصّة ومثله فِي " النوادر "؛ ولأن علة بيع (¬4) الزيادة فِي البدل كونه صريح معاوضة فِي معينين حسيين تختلف الأغراض فِي أعيانهما، وإِلا لما طلبت المبادلة فيهما، فاندرجت تحت بيع الذهب بالذهب، فالزيادة فيها (¬5) رباً والمقاصة عرية عن هذا؛ لأن العوضين فِيهَا غير معينين، فكانت الزيادة فِيهَا محض هبة. انتهى. فتأمله مع ما فِي " التوضيح " (¬6). ¬
باب الرهن
[باب الرهن] الرَّهْنُ بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا يُبَاعُ، أَوْ غَرَراً (¬1)، ولَوِ اشْتُرِطَ فِي الْعَقْدِ وَثِيقَةً بِحَقٍّ كَوَلِيٍّ، ومُكَاتِبٍ، ومَأْذُونٍ، وآبِقٍ، وكِتَابَةٍ، واسْتُوفِيَ مِنْهَا، أَوْ رَقَبَتِهِ، إِنْ عَجَزَ، وخِدْمَةِ مُدَبَّرٍ، وإِنْ رُقَّ جُزْءٌ فَمِنْهُ، لا رَقَبَتِهِ وهَلْ يَنْتَقِلُ لِخِدْمَتِهِ؟ قَوْلانِ كَظُهُورِ حُبُسِ دَارٍ، ومَا لَمْ يَبْدُ صَلاحُهُ، وانْتُظِرَ لِيُبَاعَ، وحَاصَّ مُرْتَهِنُهُ فِي الْمَوْتِ والْفَلَسِ، فَإِذَا صَلَحَتْ بِيعَتْ فَإِنْ وَفَّى رَدَّ مَا أَخَذَهُ، وإِلا قُدِّرَ مُحَاصَّاً بِمَا بَقِيَ، لا كَأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ، أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ، وكَجَنِينٍ، وخَمْرٍ، وإِنْ لِذِمِّيٍّ، إِلا أَنْ يَتَخَلَّلَ، وإِنْ تَخَمَّرَ أَهْرَاقَهُ بِحَاكِمٍ، وصَحَّ مُشَاعٌ. قوله: (الرَّهْنُ بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ) أي: إعطاء من يجوز له البيع احترازاً من الصغير والمجنون والعبد والمحجور عَلَيْهِ ونحوهم وبالإعطاء عبّر ابن الحاجب (¬2)؛ فقال ابن عرفة: يتعقب بأنه لا يتناول الرهن بحال لأنه اسم والإعطاء مصدر وهما متباينان، وإنما الرهن مال قبض توثقاً به فِي دين. وحِيزَ بِجَمِيعِهِ، إِنْ بَقِيَ فِيهِ لِلرَّاهِنِ. قوله: (وَحِيزَ بِجَمِيعِهِ، إِنْ بَقِيَ فِيهِ لِلرَّاهِنِ) كذا فِي النسخ التي وقفنا عَلَيْهَا بجرّ جميعه بالباء أي: وحيز الجزء المشاع بحوز جميعه. وَلا يَسْتَأْذِنُ شَرِيكَهُ، ولَهُ أَنْ يَقْسِمَ ويَبِيعَ ويُسَلِّمَ. قوله: (وَلا يَسْتَأْذِنُ شَرِيكَهُ، ولَهُ أَنْ يَقْسِمَ ويَبِيعَ ويُسَلِّمَ) أي: وللشريك أن يقسم ما يقبل القسمة ويبيع حظه أو الجميع صفقة، ويسلّم ما باع لمبتاعه. [82 / أ] قال ابن عرفة: وصوّب الباجي قول ابن القاسم: " لا يفتقر لإذن الشريك؛ لأن ذلك لا يمنعه بيع حظه أو دعاءه لبيع جميعه، فإن باعه بغير جنس الدين كَانَ الثمن رهناً وإن كَانَ بجنسه قضى منه الدين إن لَمْ يأت برهنٍ مثله " (¬3) انتهى. وقال ابن عبد السلام: الصحيح عندي ما قال الباجي، فليتأمل مع قوله فِي " التوضيح ": ينبغي أن يستأذنه أَيْضاً عَلَى قول ابن ¬
القاسم؛ لأن الشريك قد يدعو [لبيع الجميع] (¬1)، [فيؤدي إلى بيع النصيب المرتهن، ومن حقّ المرتهن أن يتوثق فِي الرهن، حتى لا يكون لأحد حقّ فِي إزالة يده عنه إِلا بعد قضاء الدين، فإذا استؤذن لَمْ يكن له أن يدعو لبيع الجميع] (¬2) قبل القضاء. انتهى مختصراً. فشأنك به (¬3). ولَهُ اسْتِئْجَارُ جُزْءِ غَيْرِهِ ويَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ لَهُ، ولَوْ أَمَّنَا شَرِيكاً فَرَهَنَ حِصَّتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، وأَمَّنَا الرَّاهِنَ الأَوَّلَ بَطَلَ حَوْزُهُمَا، والْمُسْتَأْجَرُ والْمُسَاقَى، وحَوْزُهُمَا الأَوَّلُ كَافٍ والْمِثْلِيُّ ولَوْ عَيْناً بِيَدِهِ، إِنْ طُبِعَ عَلَيْهِ. وفَضْلَتُهُ، إِنْ عُلِمَ الأَوَّلُ ورُضِيَ ولا يَضْمَنُهَا الأَوَّلُ كَتَرْكِ الْحِصَّةِ الْمُسْتَحَقَّةِ. قوله: (ولَهُ اسْتِئْجَارُ جُزْءِ غَيْرِهِ ويَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ لَهُ) أي: وللراهن اكتراء جزء شريكه، ويقبض المرتهن الجزء للراهن، يريد أو يقاسمه الرقاب أو المنافع، قاله اللخمي. ورَهْنُ نِصْفِهِ، ومُعْطِي دِينَاراً لِيَسْتَوْفِيَ نِصْفَهُ [وَيَرُدَّ نِصْفَهُ] (¬4). فَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الثَّانِي أَوَّلاً قُسِمَ، إِنْ أَمْكَنَ. وإِلا بِيعَ وقُضِيَا، والْمُسْتَعَارُ لَهُ. قوله: (ورَهْنُ نِصْفِهِ) هو مجرور عطفاً عَلَى كـ (ترك)، وأشار به لقوله [في] (¬5) أول رهون " المدونة ": ومن ارتهن نصف ثوبٍ فقبض جميعه فهلك عنده لَمْ يضمن إِلا نصفه، ثُمَّ شبهه بمسألة الدينار (¬6). ورَجَعَ صَاحِبُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِمَا أَدَّى مِنْ ثَمَنِهِ نُقِلَتْ عَلَيْهِمَا، وضَمِنَ إِنْ خَالَفَ، وهَلْ مُطْلَقاً، أَوْ إِذَا أَقَرَّ الْمُسْتَعِيرُ لِمُعِيرِهِ وخَالَفَ الْمُرْتَهِنُ ولَمْ يَحْلِفِ الْمُعِيرُ؟ تَأْوِيلانِ، وبَطَلَ بِشَرْطٍ مُنَافٍ كَأَنْ لا يُقْبَضُ. قوله: (أَوْ بِمَا أَدَّى مِنْ ثَمَنِهِ) الفاعل بأدى ضمير يعود عَلَى صاحب الرهن المعار؛ ¬
لأنه لما كَانَ أداء الدين من ثمن شيئه كَانَ مؤدياً (¬1) وإن لَمْ يباشر الأداء فهو كقول أبي سعيد: ويتبع المعير المستعير بما أدى عنه من ثمن سلعته (¬2). وبِاشْتِرَاطِهِ فِي بَيْعِ فَاسِدٍ ظَنَّ فِيهِ اللُّزُومَ، وحَلَفَ الْمُخْطِئُ الرَّاهِنُ أنّه ظَنَّ لُزُومَ الدِّيَّةِ ورَجَعَ. قوله: (وَبِاشْتِرَاطِهِ فِي بَيْعِ فَاسِدٍ [ظَنَّ فِيهِ اللُّزُومَ) أشار به لقول ابن شاس: " ولو شرط عَلَيْهِ رهناً فِي بيعٍ فاسدٍ] (¬3) فظنّ لزوم الوفاء به فرهنه فله الرجوع عنه كما لو ظنّ أن عَلَيْهِ ديناً فأداه، ثُمَّ تبين أن لا دين فإنه يستردّ ". انتهى (¬4). وهو نصّ ما وقفت عَلَيْهِ فِي " وجيز " الغزالي، وقد أصاب ابن الحاجب فِي إضرابه عنه صفحاً، وأما المصنف فنقله فِي " التوضيح " عند قوله: (ويعمل له) (¬5)، وأما ابن عرفة فلم يعرّج عَلَيْهِ بقبولٍ ولا ردّ؛ خلاف المألوف من عادته، وما أراه إِلا مخالفاً للمذهب، فتأمله مع ما قبل ابن عرفة من قول (¬6) اللخمي: إن كَانَ الرهن بدينارين قضى أحدهما أو بثمن عبدين استحقّ أحدهما أو رد بعيب أو بمائة ثمن عبد بيع بيعاً فاسداً، فكانت قيمته [خمسين فالرهن رهن] (¬7) بما بقي (¬8). وتأمله أَيْضاً مع قول ابن يونس: قال ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: من ابتاع بيعاً فاسداً عَلَى أن يرتهن بالثمن رهناً صحيحاً أو فاسداً فرهنه إياه وقبضه: فإنه أحقّ به من الغرماء؛ لأنه عَلَيْهِ وقع البيع، وكذا إن كَانَ البيع صحيحاً والرهن فاسداً، عَلَى أن اللخمي وابن يونس [لم يتنازلا] (¬9) لظن اللزوم. ¬
أَوْ فِي قَرْضٍ مَعَ دَيْنٍ قَدِيمٍ، وصَحَّ فِي الْجَدِيدِ، وبِمَوْتِ رَاهِنِهِ أَوْ فَلَسِهِ قَبْلَ حَوْزِهِ، ولَوْ جَدَّ فِيهِ، وبِإِذْنِهِ فِي وَطْءٍ، أَوْ إِسْكَانٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، ولَوْ لَمْ يُسْكِنْ، وتَوَلاهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِهِ، أَوْ [55 / أ] فِي بَيْعٍ وسَلَّمَ، وإِلا حَلَفَ وبَقِيَ الثَّمَنُ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَهْنٍ كَالأَوَّلِ كَفَوْتِهِ بِجِنَايَةٍ، وأُخِذَتْ قِيمَتُهُ، وبِعَارِيَةٍ أُطْلِقَتْ وعَلَى الرَّدِّ. قوله: (أَوْ فِي قَرْضٍ) معطوف عَلَى قوله: (في بَيْعِ فَاسِدٍ). أَوِ اخْتِيَاراً (¬1)، فَلَهُ أَخْذُهُ، إِلا بِفَوْتِهِ بِكَعِتْقٍ، أَوْ حُبُسٍ. قوله: (أو اختياراً) يريد غير العارية؛ لتقدمها. أَوْ تَدْبِيرٍ، أَوْ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ، وغَصْباً، فَلَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقاً. قوله: (أَوْ تَدْبِيرٍ) كذا نقله ابن يونس عن " المَوَّازِيَّة "، وبحث ابن عبد السلام تكلّم فِيهِ ابن عرفة. وإِنْ وَطِئَ غَصْباً فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وعَجَّلَ الْمَلِيءُ الدَّيْنَ وقِيمَتَهُ، وإِلا بُقِّيَ وصَحَّ بِتَوْكِيلِ مُكَاتِبِ الرَّاهِنِ فِي حَوْزِهِ، وكَذَلِكَ أَخُوهُ عَلَى الأَصَحِّ لا مَحْجُورِهِ ورَقِيقِهِ والْقَوْلُ لِطَالِبِ تَحْوِيزِهِ لأَمِينٍ. وفِي تَعْيِينِهِ نَظَرَ الْحَاكِمِ، وإِنْ سَلَّمَهُ دُونَ إِذْنِهِمَا لِلْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، ولِلرَّاهِنِ ضَمِنَهَا أَوِ الثَّمَنَ، وانْدَرَجَ صُوفٌ تَمَّ، وجَنِينٌ. قوله: (وَإِنْ وَطِئَ غَصْباً فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وعَجَّلَ الْمَلِيءُ الدَّيْنَ وقِيمَتَهُ، وإِلا بُقِّيَ) أي: وإن لَمْ يكن الواطئ ملياً بقي الرهن لأجله، ومنه يفهم ما ذكر فِي " المدونة " من بيع الجارية بعد الوضع وبعد حلول الأجل (¬2). وقد أجاد بعض الأذكياء ممن لقيناه إذ نظم النظائر المذكورة فِي هذا المحلّ من " التوضيح " فقال: رحمه الله تعالى: تُبَاعُ عِنْدَ مَالِكٍ أُمُّ الْوَلَدْ ... لِلدَّيْنِ فِي سِتِّ مَسَائِلَ تُعَدْ ¬
وَهِيَ إنْ أَحْبَلَ حَالَ عِلْمِهِ ... بِمَانِعِ الْوَطْءِ وحَالَ عُدْمِهِ مُفْلِسٌ مَوْقُوفَةً لِلْغُرَمَا ... ورَاهِنٌ مَرْهُونَةً لِيَغْرَمَا أَوْ ابْنُ مِدْيَانِ إمَاءِ التَّرِكَةِ ... أَوْ الشَّرِيكُ أَمَةً لِلشَّرِكَةِ أَوْ عَامِلُ الْقِرَاضِ مِمَّا حَرَّكَهْ ... أَوْ سَيِّدُ جَانِيَةٍ مُسْتَهْلَكَهْ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ تَحْمِلُ الْأَمَهْ ... حُرّاً ولَا يَدْرَأُ عَنْهَا مَلْأَمَهْ والْعَكْسُ جَاءَ فِي مَحَلٍّ فَرْدِ ... وهْوَ حَمْلُ حُرَّةٍ بِعَبْدِ فِي الْعَبْدِ فِي الْعَبْدِ يَغْشَى مَالَهُ مِنْ مُعْتِقِهْ ... ومَا دَرَى السَّيِّدُ حَتَّى أَعْتَقَهْ فَالْأُمُّ حُرَّةٌ ومِلْكُ السَّيِّدِ ... بِمِثْلِ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ وَلَدِ وفَرْخُ نَخْلٍ، لا غَلَّةٌ وثَمَرَةٌ، وإِنْ وُجِدَتْ، ومَالُ عَبْدٍ. قوله: (وفَرْخُ نَخْلٍ) يشير به لقول ابن الجلاب (¬1): وفراخ النخل والشجر رهن مع أصولها، وعَلَى نقله اقتصر [82 / ب] المصنّف فِي " التوضيح " وَابن عرفة وقرانه بالشجر، وقوله: مع أصولها، يقوي أنّه بالخاء المعجمة، فهو كقول ابن رشد: فسيل النخل داخل مع أصله (¬2). تكميل: قال ابن بشير: ولا يدخل البيض فِي الرهن لتكرر الولادة. ¬
وارْتَهَنَ إِنْ أَقْرَضَ، أَوْ بَاعَ، أَوْ يَعْمَلْ لَهُ وإِنْ فِي جُعْلٍ، لا فِي مُعَيَّنٍ أَوْ مَنْفَعَتِهِ، ونَجْمِ كِتَابَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وجَازَ شَرْطُ مَنْفَعَتِهِ، إِنْ عُيِّنَتْ بِبَيْعٍ، لا قَرْضٍ وفِي ضَمَانِهِ إِذَا تَلِفَ تَرَدُّدٌ، وأُجْبِرَ عَلَيْهِ، إِنْ شُرِطَ بِبَيعٍ وعُيِّنَ وإِلا فَرَهْنٌ ثِقَةٌ. قوله: (وَارْتَهَنَ إِنْ أَقْرَضَ، أَوْ بَاعَ، أَوْ يَعْمَلْ لَهُ) كذا فِيمَا رأينا من النسخ وفِيهِ قلق، وعبارة ابن الحاجب أبين منه إذ قال: ويجوز عَلَى أن يقرضه أو يبيعه أو يعمل له (¬1). ويكون بقبضه الأول رهناً، وكذا عبارة ابن عرفة إذ قال: قال: المازري ويتقرر (¬2) الرهن والتزامه قبل انعقاد الحقّ الذي يؤخذ به الرهن، خلافاً للشافعي، وفِيهَا إن دفعت لرجلٍ رهناً بكلّ ما أقرض لفلان جَازَ. والْحَوْزُ بَعْدَ مَانِعِهِ لا يُفِيدُ، ولَوْ شَهِدَ الأَمِينُ، وهَلْ تَكْفِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْحَوْزِ قَبْلَهُ وبِهِ عُمِلَ؟ أَوِ التَّحْوِيزِ؟ (¬3). وفِيهَا دَلِيلُهُمَا ومَضَى بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إِنْ فَرَّطَ مُرْتَهِنُهُ، وإِلا فتَأْوِيلانِ، وبَعْدَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إِنْ بِيعَ بِأَقَلَّ، أَوْ دَيْنُهُ عَرْضاً، وإِنْ أَجَازَ تَعَجَّلَ وبَقِيَ إِنْ دَبَّرَهُ، ومَضَى عِتْقُ الْمُوسِرِ وَكِتَابَتُهُ، وعَجَّلَ، والْمُعْسِرُ يَبْقَى، فَإِذَا تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِيعَ كُلُّهُ والْبَاقِي لِلرَّاهِنِ، ومُنِعَ الْعَبْدُ مِنْ وَطْءِ أَمَتِهِ الْمَرْهُونُ هُوَ مَعَهَا، وحُدَّ مُرْتَهِنٌ وَطِئَ إِلا بِإِذْنٍ، وتُقَوَّمُ بِلا وَلَدٍ حَمَلَتْ أَمْ لا. قوله: (وَالْحَوْزُ بَعْدَ مَانِعِهِ لا يُفِيدُ. وَلَوْ شَهِدَ الأَمِينُ. وهَلْ تَكْفِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْحَوْزِ قَبْلَهُ وبِهِ عُمِلَ؟ أَوِ التَّحْوِيزِ، وفِيهَا دَلِيلُهُمَا) أشار بقوله: (وَبِهِ عُمِلَ) إلى قول ابن عات فِي " طرره " والعمل أنّه إِذَا وجد بيده وقد حازه كَانَ رهناً وإن لَمْ يحضر والحيازة ولا عاينوها؛ لأنه صار مقبوضاً وكذا الصدقة، وهو مراد ابن عبد السلام ببعض الأندلسيين. وأشار بقوله: (وفِيهَا دليلهما) إلى قول ابن رشد فِي " المقدمات " ما نصّه: " ولا تنفع الشهادة فِي حيازة الرهن إِلا بمعاينة البينة (¬4)؛ لأن فِي تقارّ المتراهنين بالحيازة إسقاط حقّ غيرهما إذ قد يفلس الراهن فلا يقبل منه إقراره بعد التفليس بالحيازة، ولو وجد الرهن ¬
بيد المرتهن بعد التفليس فادعى أنّه قبضه قبل التفليس، وجحد ذلك الغرماء لجرى الأمر عَلَى الاختلاف فِي الصدقة توجد بيد المتصدق عَلَيْهِ بعد موت المتصدق فيدعي قبضها فِي صحته، وفِي " المدونة " دليل القولين معاً ولو لَمْ يتعلق بذلك للغرماء حقّ لوجب أن يصدق الراهن ويقبل إقراره له؛ لأنه قد حاز الرهن فيكون بإقراره له شاهداً عَلَى حقه إلى مبلغ قيمته " (¬1). انتهى، ونقله المتيطي بلفظه. فأنت ترى المصنف ترك كلام ابن رشد فِي غير محله إذ ردّ دليلي " المدونة " لبينة الحوز والتحويز، وإنما قال ذلك ابن رشد فِيمَا إِذَا وجد الرهن بيد المرتهن بعد التفليس فادعى أنّه قبضه قبله ولا بينة له، وقال ابن عرفة: ظاهر عموم قوله فِي كتاب الهبة من " المدونة ": ولا يقضي بالحيازة إِلا بمعاينة البينة لحوزه فِي حبسٍ أو رهن أو هبة أو صدقة " (¬2). أن مجرد الإشهاد والإقرار بالحوز لغو، وكَانَ يجري فِي المذاكرات: أن التحويز فِي حوز الرهن شرط لا يكفي الحوز دونه لبقاء ملك الراهن بِخِلاف الهبة. وفِي هبة " المدونة " أَيْضاً: " ومن وهب لرجلٍ هبة لغير الثواب فقبضها الموهوب بغير أمر الواهب جَازَ قبضه إذ يقضى عَلَى الواهب بذلك إِذَا منعه إياها (¬3). ظاهر تعليله بالقضاء عَلَيْهِ بذلك يوجب كون الرهن كذلك، وفِي " النوادر " عن مطرف وأصبغ فِي الرهن يوجد بيد المرتهن بعد موت راهنه يقبل قوله: حزته فِي صحته وكذا فِي الهبة خلاف قول ابن حبيب وابن الماجشون لا يقبل فيهما ". انتهى. وفِي كتاب الهبة أَيْضاً: ولو أقرّ المعطِي فِي صحته أن المعطَى قد حاز وقبض وشهدت عَلَيْهِ بإقراره بينة ثُمَّ مات لَمْ يقبض بذلك إن أنكر ورثته (¬4). قال عياض: ظاهره بيد من [كانت حين] (¬5) المخاصمة فهذا الحكم فِيهَا وهو عَلَى قول عبد الملك وابن حبيب، وقال ¬
مطرف وأصبغ: إن كانت بيد المتصدق عَلَيْهِ وقت الاختلاف فذلك يكفِيهِ مع ثبوت أصل الصدقة والبينة عَلَى من يريد إخراجها من يده. قال أبو الحسن الصغير: " وسبب الخلاف الاستصحاب؛ لأن (¬1) استصحاب الملك لا ينتقل عنه إِلا بيقين، واستصحاب هذا الانتقال أنّه كَانَ بوجهٍ جائز " انتهى فتأمل [كلامه] (¬2) هذا كله مع تنزيل المصنف. والله سبحانه وتعالى أعلم. ولِلأَمِينِ بَيْعُهُ بِإِذْنٍ فِي عَقْدِهِ. قوله: (ولِلأَمِينِ بَيْعُهُ بِإِذْنٍ فِي عَقْدِهِ) إنما جَازَ وإن كَانَ فِي نفس العقد؛ لأنه محض توكيل سالم عن توهم كون الراهن فِيهِ مكرهاً كما قال ابن عرفة. كَالْمُرْتَهِنِ بَعْدَهُ. قوله: (كَالْمُرْتَهِنِ بَعْدَهُ) أي بعد العقد لا فِي نفس العقد كذا نسب فِي " التوضيح لصاحب البيان، وابن زرقون. قال: " لكن نقل المتيطي عن بعض الموثقين منعه؛ لأنه هدية المديان ". انتهى (¬3) والذي لابن رشد فِي رسم [83 / أ] شكّ من سماع ابن القاسم أن مذهب " المدونة " و " العُتْبِيَّة ": أن ذلك لا يجوز ابتداءً؛ لأنها وكالة اضطرار لحاجته إلى ابتياع ما اشترى أو استقراض ما استقرض ثُمَّ قال: " وأما لو طاع الراهن للمرتهن بعد العقد بأن يرهنه رهناً ويوكله عَلَى بيعه عند حلول أجل الدين لجاز باتفاق؛ لأن ذلك معروف من الراهن إلى المرتهن فِي الرهن والتوكيل عَلَى البيع ". انتهى القصد منه فقف عَلَيْهِ كلّه فِي أصله (¬4). ¬
وإِلا مَضَى فِيهِمَا، ولا يُعْزَلُ الأَمِينُ، ولَيْسَ لَهُ إِيصَاءٌ بِهِ. وبَاعَ الْحَاكِمُ، إِنِ امْتَنَعَ، ورَجَعَ مُرْتَهِنُهُ بِنَفَقَتِهِ فِي الذِّمَّةِ، ولَوْ لَمْ يَأْذَنْ، ولَيْسَ رَهْناً بِهِ إِلا أَنْ يُصَرَّحَ بِأَنَّهُ رَهْنٌ بِهَا. وهَلْ وإِنْ قَالَ: نَفَقَتُكِ فِي الرَّهْنِ؟ تَأْوِيلانِ. فَفِي افْتِقَارِ الرَّهْنِ لِلَفْظٍ مُصَرَّحٍ بِهِ: تَأْوِيلانِ. وإِنْ أَنْفَقَ مُرْتَهِنٌ عَلَى: كَشَجَرٍ خِيفَ عَلَيْهِ: بُدِئَ بِالنَّفَقَةِ، وتُؤُوِّلَتْ عَلَى [عَدَمِ] (¬1) جَبْرِ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ مُطْلَقاً، وعَلَى التَّقْيِيدِ بِالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وضَمِنَهُ مُرْتَهِنٌ، إِنْ كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ ولَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِكَحَرْقِهِ، ولَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ. قوله: (وَإِلا مَضَى فِيهِمَا) أي وإن قال إن لَمْ آت فوقع البيع من الأمين [أو] (¬2) المرتهن مضى. قال فِي " المدونة ": ومن ارتهن رهناً وجعله عَلَى يد عدل أو عَلَى يد المرتهن إلى أجل كذا، وشرط إن جاء الراهن بحقه إلى ذلك الأجل وإِلا فلمن عَلَى يديه الرهن بيعه فلا يباع إِلا بإذن السلطان، وإن اشترط (¬3) ذلك فإن بيع نفذ بيعه ولا يردّ (¬4). أَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ، إِلا بِبَقَاءِ بَعْضِهِ مُحْرَقاً. قوله: (أَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ، إِلا بِبَقَاءِ بَعْضِهِ مُحْرَقاً) الضمير فِي محلّه يعود عَلَى الرهن أي المحل المعتاد للرهن الذي لا ينتقل (¬5) منه عادة، وبه تقيّد فتوى الباجي بعدم الضمان فِي العلم. تنبيه: لم يعرّج هنا عَلَى ما اشترط ابن المواز من أن يعلم أن النار من غير سبب المرتهن؛ كأنه حمله عَلَى الخلاف، وقد نقل فِي " التوضيح " الخلاف فِي كونه خلافًاً أو تفسيراً (¬6). ¬
[55 / ب] وأَفْتَي بِعَدَمِهِ فِي الْعِلْمِ. قوله: (وَأَفْتَي بِعَدَمِهِ فِي الْعِلْمِ) ذكر هنا فِي " التوضيح " فتيا الباجي والمازري والسيوري (¬1)، واقتصر ابن عرفة عَلَى الأولى. وإِلا فَلا، ولَوِ اشْتَرَطَ ثُبُوتَهُ، إِلا أَنْ يُكَذِّبَهُ عُدُولٌ فِي دَعْوَاهُ مَوْتَ دَابَّةٍ. قوله: (وإِلا فَلا) أي لَمْ يكن بيده أو كَانَ مما لا يغاب عَلَيْهِ أو شهدت بينة بحرقه، أو علم احتراق محلّه وبقي منه شيء محرق فلا ضمان عَلَيْهِ. وحَلَفَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أنّه تَلِفَ بِلا دُلْسَةٍ، ولا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ واسْتَمَرَّ ضَمَانُهُ، إِنْ قُبِضَ الدَّيْنُ، أَوْ وُهِبَ، إِلا أَنْ يُحْضِرَهُ [الْمُرْتَهِنُ] (¬2)، أَوْ يَدْعُوهُ لأَخْذِهِ، فَيَقُولُ: أَتْرُكُهُ عِنْدَكَ. وإِنْ جَنَى الرَّهْنُ واعْتَرَفَ رَاهِنُهُ لَمْ يُصَدَّقْ إِنْ أَعْدَمَ، وإِلا بَقِيَ، إِنْ فَدَاهُ، وإِلا أُسْلِمَ بَعْدَ الأَجَلِ، ودَفْعِ الدَّيْنِ وإِنْ ثَبَتَتْ، أَوِ اعْتَرَفَا وأَسْلَمَهُ، فَإِنْ أَسْلَمَهُ مُرْتَهِنُهُ أَيْضاً، فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِمَالِهِ، وإِنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَفِدَاؤُهُ فِي رَقَبَتِهِ فَقَطْ، إِنْ لَمْ يُرْهَنْ بِمَالِهِ ولَمْ يُبَعْ إِلا فِي الأَجَلِ. قوله: (وحَلَفَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أنّه تَلِفَ بِلا دُلْسَةٍ، ولا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ) بهذا قال يحيي ابن مزين قال ابن عرفة: ولو ادعى الراهن تغييب المرتهن الرهن فقال العتبي: لا يمين عَلَيْهِ إِلا أن يدعي الراهن علم ذلك، وأنّه أخبره بذلك من وثق (¬3) به، فإن حلف حلف له المرتهن. وقال ابن مزين يحلف لقد ضاع وما دلس فِيهِ وما يعلم له موضعاً، وأنكر قول العتبي، وقال: يمين توجب يميناً هذا لا يكون، وأجابه العتبي بأن اللعان (¬4) اليمين فِيهِ ¬
توجب (¬1) يميناً. وقال ابن حارث: إن كَانَ ممن (¬2) يتهم بذلك حلف وإِلا فلا. وبِإِذْنِهِ فَلَيْسَ رَهْناً بِهِ، وإِذَا قُضِيَ بَعْضُ الدَّيْنِ أَوْ أُسْقِطَ، فَجَمِيعُ الرَّهْنِ فِيمَا بَقِيَ كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ، والْقَوْلُ لِمُدَّعِي نَفْيِ الرَّهْنِيَّةِ، وهُوَ كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، لا الْعَكْسُ إِلَى قِيمَتِهِ، ولَوْ بِيَدِ أَمِينٍ عَلَى الأَصَحِّ، مَا لَمْ يَفُتْ فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ، وحَلَفَ مُرْتَهِنُهُ، وأَخَذَهُ إِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ. قوله: (وبِإِذْنِهِ فَلَيْسَ رَهْناً بِهِ) تبع هنا ابن الحاجب فِي الاقتصار عَلَى قول ابن المواز وهو أحد قولي أشهب، وترك قول مالك وابن القاسم يكون رهناً به، ونقل ابن يونس قول أشهب: أنّه لا يكون رهناً، ثُمَّ عارض بين (¬3) قوله وقول ابن القاسم فِي هذه المسألة بقوليهما فِي مسألة اللؤلؤ من كتاب الوكالات، إِذَا أمر رجلاً أن يشتري له لؤلؤاً وقال له: انقد عني؛ فإن ابن القاسم عدّه مسلفا ولا يرى له إمساك اللؤلؤ بثمنه. وأشهب يرى له إمساكه رهناً قال: فخالف كل منهما أصله، وقد نقل هذا كله فِي " التوضيح " (¬4). وأصل هذه المعارضة لأبي إسحاق التونسي النظار، وله نسبها ابن عرفة، وزاد: ويجاب لابن القاسم بأن الدافع فِي الجناية مرتهن فانسحب عَلَيْهِ حكم وصفه. ولأشهب بتقدم اختصاص الراهن (¬5) بملك العبد قبل جنايته، فاستصحب وعدم تقدم اختصاص الأمر بالسلعة قبل الشراء ". انتهى. وأما ابن عبد السلام فقال: ظاهر ما فِي كتاب محمد عن ابن القاسم أنّه يكون رهناً بالفداء والدين. وهكذا فهم ذلك بعضهم وفِيهِ نظر؛ ولذلك والله تعالى أعلم أسقطه ابن الحاجب. انتهى. ولعلّ المصنف عَلَيْهِ اعتمد هنا، وإن لَمْ يعرج عَلَيْهِ فِي " توضيحه ". ¬
فَإِنْ زَادَ حَلَفَ الرَّاهِنُ، وإِنْ نَقَصَ حَلَفَا، وأَخَذَهُ إِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ بِقِيمَتِهِ. قوله: (فَإِنْ زَادَ حَلَفَ الرَّاهِنُ، وإِنْ نَقَصَ حَلَفَا) الضمير فِي (زاد) للمرتهن، وفي (نقص) للراهن، وفِي (حلفا) لهما، وبهذا شرح فِي " التوضيح " كلام ابن الحاجب وبه يطابق اللفظ المعنى والفاء فِي (فإن نقص) تشعر أن المسألة بحالها فهي أولى من الواو. وإِنِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ تَالِفٍ تَوَاصَفَاهُ، ثُمَّ قُوِّمَ، وإِنِ اخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ. قوله: (وإِنِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ تَالِفٍ تَوَاصَفَاهُ). تالف اسم فاعل من تلف، وقد أفرط فِي التصحيف من ضبطه بباء الجر الداخلة عَلَى (ألف): أحد عقود الأعداد فأحوجه ذلك إلى الاعتذار بأنه عَلَى سبيل التمثيل، وإِلا فلا فرق بين الألف والمائة وغيرهما (¬1). [83 / ب] وإِنْ تَجَاهَلا، فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، واعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ، إِنْ بَقِيَ. وهَلْ يَوْمَ التَّلَفِ أَوِ الْقَبْضِ أَوِ الرَّهْنِ إِنْ تَلِفَ؟ أَقْوَالٌ. وإِنِ اخْتَلَفَا فِي مَقْبُوضٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ وُزِّعَ بَعْدَ حَلِفِهِمَا كَالْحَمَالَةِ. قوله: (وإِنْ تَجَاهَلا، فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ) عبّر عن هذا فِي " التوضيح " بأن قال: وإن جهل الراهن والمرتهن قيمته وصفته فالرهن بما فِيهِ وليس لأحدهما قبل الآخر شيء، وعَلَى هذا حمل أصبغ الحديث الرهن بما فِيهِ قيل، ولا خلاف عندنا فِي ذلك. انتهى وأصله للخمي، وعلله بأن كلّ واحدٍ منهما لا يدري هل يفضل له عند صاحبه شيء أم لا. ¬
باب التفليس
[باب التفليس] لِلْغَرِيمِ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مِنْ تَبَرُّعِهِ، وسَفَرِهِ إِنْ حَلَّ بِغَيْبَتِهِ. قوله: (وسَفَرِهِ إِنْ حَلَّ بِغَيْبَتِهِ) الضمير فِي سفره يعود عَلَى المديان لا بقيد كونه أحاط الدين بماله؛ ولذلك أطلقه فِي " المدونة " إذ قال فِي السلم الثالث منها: ولك منع غريمك من بعيد السفر الذي يحل دينك قبل قدومه، ولا تمنعه من قريبه الذي يؤوب فِيهِ قبل محل أجل دينك (¬1). قال بعض الشيوخ: ما لَمْ يوكل من يوفِيهِ. قال ابن عبد السلام: وظاهر " المدونة " أنّه يمنع من بعيد السفر ولا يقبل منه توكيل؛ لكن هذا التقييد متجه إن كَانَ الوكيل ضامناً للحقّ وهو مليّ أو كَانَ للمديان مال يمكن منه القضاء بسهولة عند الأجل. انتهي. وهو نصّ فِي عدم اختصاصه بمن أحاط الدين بماله، ولعلّ المصنف لَمْ يقيدها بعدم التوكيل اعتماداً عَلَى ما نسب ابن عبد السلام لظاهر " المدونة " عَلَى أنّه أضرب عن نقل هذا الاستظهار فِي " التوضيح ". وإِعْطَاءِ غَيْرِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، أَوْ كُلَّ مَا بِيَدِهِ كَإِقْرَارِهِ لِمُتَّهَمٍ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ والأَصَحِّ، لا بَعْضِهِ ورَهْنِهِ، وفِي كِتَابَتِهِ قَوْلانِ. قوله: (وَإِعْطَاءِ غَيْرِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، أَوْ كُلَّ مَا بِيَدِهِ) كذا فِي " التوضيح " وَنسب الأول لبعض القرويين والثاني للسيوري (¬2)، وأصل النقل للمازري ونصه عَلَى اختصار ابن عرفة، قصر السيوري الخلاف [في قضاء] (¬3) بعض غرمائه عَلَى إمساكه بعض ماله ليعامل به الناس قال: ولو قضى ما بيده بعض غرمائه لَمْ يجز اتفاقاً للمعنى الذي فرق به بين إعتاقه وقضائه بعض غرمائه يعني أن قضاءه بعض غرمائه يؤدي إلى الثقة به فِي معاملته، وإِذَا عومل نمى ماله بِخِلاف إعتاقه. ¬
ثم قال المازري: ونحوه رأيت فِي بعض التعاليق لبعض القرويين: أنّه لو عجّل ديناً لبعض غرمائه قبل حلوله لَمْ يختلف فِي ردّه؛ لأنه لَمْ يعامل عَلَى ذلك، وحكيته فِي بعض الدروس بحضرة بعض المفتين فقال: يردّ من وجه آخر وهو أن قيمة المؤجل أقل من عدده معجلاً، فالزائد عَلَى قيمته هبة تردّ اتفاقاً وهو صحيح. ويبقى النظر: هل يردّ جميعاً أو ما زاد عدده عَلَى قيمته مؤجلاً؟ قال ابن عرفة: فِي جعله (¬1) إياه محل نظرٍ، نظرٌ؛ لأن ردّ ما زاد يؤدي إلى ضع وتعجل فيزال فاسد لحقّ آدمي بارتكاب فاسد لحقّ الله تعالى، والأخص يمنع ما منع الأعمّ. انتهى. وتأمل هل يجاب بأن ما تجر إليه الأحكام ليس كالمدخول عَلَيْهِ قصداً. ولَهُ التَّزَوُّجُ. قوله: (ولَهُ التَّزَوُّجُ) قال فِي " المقدمات ": " يجوز إنفاقه المال عَلَى عوض فِيمَا جرت العادة بفعله كالتزويج والنفقة عَلَى الزوجة " (¬2). انتهى. وهذا قبل التفليس، وأما بعده فقال فِي " المدونة ": وليس للمفلس أن يتزوج بالمال الذي فلس فِيهِ وله أن يتزوج فِيمَا بعده (¬3). وفِي تَزَوُّجِهِ أَرْبَعاً، وتَطَوُّعِهِ بِالْحَجِّ تَرَدُّدٌ، وفُلِّسَ حَضَرَ أَوْ غَابَ، إِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَلاؤُهُ بِطَلَبِهِ. قوله: (وَفِي تَزَوُّجِهِ أَرْبَعاً، وتَطَوُّعِهِ بِالْحَجِّ تَرَدُّدٌ) لما ذكر فِي " المقدمات " أفعاله قبل التفليس قال: لا يجوز إنفاقه فِيمَا لَمْ تجر العادة بفعله من الكراء فِي حج (¬4) التطوع وشبهه، وانظر: هل له أن يحجّ حجّة (¬5) الفريضة من مال غرمائه أم لا؟ , إن (¬6) كَانَ يأتي ذلك عَلَى الاختلاف فِي الحج: هل هو عَلَى الفور؟ أو عَلَى التراخي، وهل له أن يتزوج أربع ¬
زوجات؟ وتدبر ذلك (¬1) انتهى، وإليه أشار بالتَرَدُّدٌ؛ إِلا أن ابن رشد لَمْ يتَرَدُّدٌ فِي حجّ التطوع، وإنما تَرَدُّدٌ فِي حجّة الفريضة، فلعلّ مراد المصنف التطوع بتقديم (¬2) حجة الفريضة، وسماه تطوعاً باعتبار القول بالتراخي. تنبيهان: الأول: معنى قول ابن رشد: " وإن كَانَ يأتي ذلك عَلَى الاختلاف فِي الحج، وهل يأتي ذلك؟ "، وكثيراً ما يستعمل مثل هذا فِي: " المقدمات " وَ " البيان " و " الأجوبة " (¬3). الثاني: لما نقل ابن عرفة تَرَدُّد ابن رشد قال: الظاهر منعه من تزويج ما زاد عَلَى الواحدة لقلّته عادة، وكذا طلاقه وتكرر تزويجه لمطلق شهوته. وإِنْ أَبَى غَيْرُهُ دَيْناً حَلَّ زَادَ عَلَى مَالِهِ، أَوْ بَقِيَ مَا لا يَفِي بِالْمُؤَجَّلِ فَيُمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ، لا فِي ذِمَّتِهِ كَخُلْعِهِ، وطَلاقِهِ، وقِصَاصِهِ، وعَفْوِهِ، وعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ. وتَبِعَهَا مَالُهَا إِنْ قَلَّ، وحَلَّ بِهِ وبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ، ولَوْ دَيْنَ كِرَاءٍ، أَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ مَلِيَّاً، وإِنْ نَكَلَ الْمُفَلَّسُ، حَلَفَ كُلٌّ كَهُوَ، وأَخَذَ حِصَّتَهُ، ولَوْ نَكَلَ غَيْرُهُ عَلَى الأَصَحِّ، وقُبِلَ إِقْرَارُهُ بِالْمَجْلِسِ، أَوْ قُرْبِهِ إِنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِإِقْرَارٍ لا بِبَيِّنَةٍ، وهُوَ فِي ذِمَّتِهِ. وقُبِلَ تَعْيِينُهُ الْقِرَاضَ والْوَدِيعَةَ، إِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِهِ والْمُخْتَارُ قُبُولُ [56 / أ] قَوْلِ الصَّانِعِ بِلا بَيِّنَةٌ، وحُجِرَ أَيْضاً إِنْ تَجَدَّدَ مَالٌ وانْفَكَّ ولَوْ بِلا حُكْمٍ ولَوْ مَكَّنَهُمُ الْغَرِيمُ فَبَاعُوا واقْتَسَمُوا، ثُمَّ دَايَنَ غَيْرُهُمْ، فَلا دُخُولَ لِلأَوَّلِينَ كَتَفْلِيسِ الْحَاكِمِ إِلا كَإِرْثٍ، وصِلَةٍ وأَرْشِ جِنَايَةٍ وبِيعَ مَالُهُ بِحَضْرَتِهِ بِالْخِيَارِ ثَلاثاً ولَوْ كُتُباً، أَوْ ثَوْبَيْ جُمُعَةٍ، إِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُمَا، وفِي بَيْعِ آلَةِ الصَّانِعِ تَرَدُّدٌ وأُوجِرَ رَقِيقُهُ، بِخِلافِ مُسْتَوْلَدَتِهِ، ولا يُلْزَمُ بِتَكَسُّبٍ، وتَسَلُّفٍ واسْتِشْفَاعٍ، وعَفْوٍ لِلدِّيَّةِ، وانْتِزَاعِ مَالِ رَقِيقِهِ أَوْ مَا وهَبَهُ لِوَلَدٍ، وعُجِّلَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ واسْتُؤْنِيَ بِعَقَارِهِ، كَالشَّهْرَيْنِ، وقُسِمَ بِنِسْبَةِ الدُّيُونِ بِلا بَيِّنَةِ حَصْرِهِمْ، واسْتُؤْنِيَ بِهِ، إِنْ عُرِفَ ¬
بِالدَّيْنِ فِي الْمَوْتِ فَقَطْ، وقُوِّمَ مُخَالِفُ النَّقْدِ يَوْمَ الْحِصَاصِ، واشْتُرِيَ لَهُ مِنْهُ بِمَا خَصَّهُ، ومَضَى إِنْ رَخُصَ أَوْ غَلا، وهَلْ يُشْتَرَى فِي شَرْطِ جَيِّدٍ أَدْنَاهُ أَوْ وَسَطُهُ؟ قَوْلانِ. وجَازَ الثَّمَنُ، إِلا لِمَانِعٍ كَالاقْتِضَاءِ وحَاصَّتِ الزَّوْجَةُ بِمَا أَنْفَقَتْ، وبِصَدَاقِهَا كَالْمَوْتِ، لا بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ. قوله: (فَيُمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ) هذا هو المذهب، وأما قول ابن الحاجب: وفِي معاملته ثالثها بالنقد لا بالنسيئة، ورابعها بما يبقى لا بما يذهب (¬1). فقال فِيهِ ابن عبد السلام يعني: أن فِي صحة معاملة المفلس أربعة أقوال: الأول: الصحة مُطْلَقاً، ومقابله، والثالث: [84 / أ] يصح إِذَا كَانَ ما يأخذه المفلس نقداً، ولا يصحّ إِذَا كَانَ مؤجلاً، والرابع: يصحّ إِذَا كَانَ ما يأخذه مما لا يسرع إليه التلف؛ ولكنه يبقى عادة كالربع. قال: ولست عَلَى وثوق من نسبة هذه الأقوال إلى المذهب، بل رأيت من الحُفّاظ من ينكرها، والمنع (¬2) هو الذي يُعرف فِي المذهب؛ ولأجل ذلك حجر عَلَى المفلس، ولو كَانَ يصّح بيعه وشراؤه ما كَانَ للحجر عَلَيْهِ كبير فائدة، وإنما حكيت هذه الأقوال فِي مستغرق الذمة بالحرام والغصب عَلَى القول بأن حكمه حكم من أحاط الدين بماله لا حكم المفلس وهو الأَظْهَر. ومنهم من رأى حكمه حكم المفلس فمنع من معاملته مُطْلَقاً، هكذا حرره بعض المحققين من الشيوخ، وكذا أنكر ابن عرفة نقل ابن الحاجب وقال: من أمعن النظر والبحث علم ضرورة عدم وجودها فِي المذهب، وكلّ المذهب عَلَى وقف تصرفه عَلَى نظر الحاكم رداً وإمضاءً، وهذا هو نقل اللخمي والمازري وابن رشد وغيرهم من حفاظ المذهب، فالله تعالي أعلم من أين أتي هذا الرجل بهذه الأقوال. ¬
وقال فِي " التوضيح " الذي اقتصر عَلَيْهِ اللخمي والمازري وابن شاس أن بيعه وشراءه [لا يمضي] (¬1)، وفِي " الجلاب ": أن بيع المفلس وشراءه جائز ما لَمْ يجاب (¬2)، ولم أقف عَلَى غير هذين القولين عَلَى أن بعض شراح " ابن الجلاب " تأوله بأن مراده من ظهر عَلَيْهِ الفلس قبل أن [(¬3) يحجر الحاكم عَلَيْهِ (¬4). ... وإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوِ اسْتُحِقَّ مَبِيعٌ وإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رُجِعَ بِالْحِصَّةِ كَوَارِثٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ، وإِنِ اشْتَهَرَ مَيِّتٌ بِدَيْنٍ، أَوْ عَلِمَ وَارِثُهُ وأَقْبَضَ رُجِعَ عَلَيْهِ، وأُخِذَ مَلِيءٌ عَنْ مُعْدِمٍ، مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ، وفِيهَا الْبَدَاءَةُ بِالْغَرِيمِ، وهَلْ خِلافٌ، أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ؟ تَأْوِيلانِ، فَإِنْ تَلِفَ نَصِيبُ غَائِبٍ عُزِلَ لَهُ فَمِنْهُ كَعَيْنٍ وُقِفَ لِغُرَمَائِهِ، لا عَرْضٍ وهَلْ إِلا أَنْ يَكُونَ بِكَدَيْنِهِ؟ تَأْوِيلانِ، وتُرِكَ لَهُ قُوتُهُ، والنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ لِظَنِّ يُسْرَتِهِ وكِسْوَتُهُمْ كُلٌّ دَسْتاً مُعْتَاداً، ولَوْ وَرِثَ أَبَاهُ بِيعَ لا وُهِبَ لَهُ، إِنْ عَلِمَ وَاهِبُهُ أنّه يُعْتَقُ عَلَيْهِ. قوله: (وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوِ اسْتُحِقَّ مَبِيعٌ وإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رُجِعَ بِالْحِصَّةِ كَوَارِثٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ، وإِنِ اشْتَهَرَ مَيِّتٌ بِدَيْنٍ، أَوْ عَلِمَ وَارِثُهُ وأَقْبَضَ رُجِعَ عَلَيْهِ، وأُخِذَ مَلِيءٌ عَنْ مُعْدِمٍ، مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ،، وفِيهَا الْبَدَاءَةُ بِالْغَرِيمِ، وهَلْ خِلافٌ، أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ؟ تَأْوِيلانِ). اشتمل هذا الكلام عَلَى ثلاثة أقسام: الأول: طروء الغريم عَلَى الغرماء، وهو المراد بقوله: (وإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ أَوِ اسْتُحِقَّ مَبِيعٌ وإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رُجِعَ بِالْحِصَّةِ). الثاني: طروء الوارث [على الوارث] (¬5) أو الموصي له عَلَى الموصى له، وهو المراد بقوله: (كَوَارِثٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ). ¬
الثالث: طروء الغريم عَلَى الوارث، والوارث ضربان: مقبض لغيره من الغرماء وقابض لنفسه، وقد أشار إلى الوارث المقبض بقوله: (وإِنِ اشْتَهَرَ مَيِّتٌ بِدَيْنٍ، أَوْ عَلِمَ وَارِثُهُ وأَقْبَضَ رُجِعَ عَلَيْهِ)، وإلى الوارث القابض بقوله: (وأُخِذَ مَلِيءٌ عَنْ مُعْدِمٍ، مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَا قَبَضَهُ)، وباقي كلامه خاصٌّ بالوارث المقبض. فإن قلت: وأي قرينة تصرفه للمقبض دون القابض؟ قلت: ذكر الرجوع عَلَى الغريم يعين ذلك، فإن الدافع للغريم هو المقبض دون القابض. وبالله تعالى التوفيق. وحُبِسَ لِثُبُوتِ عُسْرِهِ، إِنْ جُهِلَ حَالُهُ ولَمْ يَسْأَلِ الصَّبْرَ لَهُ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ. [قوله: (ولَمْ يَسْأَلِ الصَّبْرَ لَهُ) أي لثبوت عسره، واللام لانتهاء الغاية] (¬1). فَغَرِمَ، إِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ ولَوْ أُثْبِتَ عُدْمُهُ. قوله: (فَغَرِمَ، إِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ ولَوْ أُثْبِتَ عُدْمُهُ) اختار المصنف هنا قول ابن رشد فِي: " المقدمات ": يغرم الحميل لتعذر اليمين اللازمة للغريم، وقال فِي باب: الحمالة: لا إن أثبت عدمه، فاقتصر عَلَى قول اللخمي: لا يغرم؛ لأن اليمين بعد ثبوت الفقر أنّه لَمْ يكتم شيئاً استحسان، إِلا أن يكون ممن يظن أنّه يكتم، وقد ذكر الطريقتين هنا فِي " التوضيح " (¬2) وكذلك ابن عرفة. أَوْ ظَهَرَ مَلاؤُهُ إِنْ تَفَالَسَ، وإِنْ وَعَدَ بِقَضَاءٍ وسَأَلَ تَأْخِيرَ كَالْيَوْمِ أَعْطَى حَمِيلاً بِالْمَالِ، وإِلا سُجِنَ كَمَعْلُومِ الْمَلاءِ وأُجِّلَ لِبَيْعِ عَرْضِهِ إِنْ أَعْطَى حَمِيلاً بِالْمَالِ، [وَإِلا سُجِنَ] (¬3). وَفِي حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ النَّاضِّ تَرَدُّدٌ. قوله: (أَوْ ظَهَرَ) معطوف عَلَى (إن جهل). ¬
وإِنْ عُلِمَ بِالنَّاضِّ. لَمْ يُؤَخَّرْ، وضُرِبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وإِنْ شُهِدَ بِعُسْرِهِ أنّه لا يُعْلَمُ (¬1) لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، ولا بَاطِنٌ، حَلَفَ كَذَلِكَ وزَادَ وإِنْ وَجَدَ لَيَقْضِيَنَّ وأُنْظِرَ. قوله: (وَإِنْ شُهِدَ بِعُسْرِهِ أنّه لا يُعْلَمُ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، ولا بَاطِنٌ، حَلَفَ كَذَلِكَ وزَادَ وإِنْ وَجَدَ لَيَقْضِيَنَّ وأُنْظِر) فهم من قوله: (لا يعلم) أن الشهادة عَلَى العلم لا عَلَى البتّ، وكذا نصّ عَلَيْهِ ابن رشد فِي رسم نقدها من سماع عيسى. زاد ابن عات: ولا يعلمونه تبدلت حالته بغيرها إلى حين إيقاعهم شهادتهم فِي هذا الكتاب. ابن رشد: فإن قال الشهود أنّه فقيرٌ عديمٌ لا مال له ظاهراً ولا باطناً ففي بطلانها قَوْلانِ بناءً عَلَى حملها عَلَى ظاهرها عَلَى البتّ أو عَلَى العلّم، ولو نصّوا عَلَى البتّ والقطع لبطلت. وفهم من قوله: (حلف كذلك) أنّه يحلف أَيْضاً عَلَى العلم لا عَلَى البتّ، وقد قال فِي " توضيحه ": " وإِذَا حلف المطلوب فقال أبو عمران يحلف عَلَى البت، وقال غيره: عَلَى العلّم، إذ قد يكون ملك [مالاً من إرثٍ أوهبةٍ ولم يعلم به. " (¬2) انتهى. والذي فِي " المقدمات ": أنّه إنما وجب استحلافه؛ لأن البينة لا تشهد] (¬3) إِلا عَلَى العلّم لا القطع، وفائدة قوله: (وإن وجد ليقضين) تظهر فِيمَا إِذَا ادعى الطالب عَلَيْهِ أنّه أفاد مالاً، ولم يأت ببينة فإنه لا يمين له عَلَيْهِ؛ لتقدم هذه اليمين قاله فِي " المقدمات " أَيْضاً، ولولا هذا لأحلفه كل يوم، قاله المتيطي. وحَلَّفَ الطَّالِبَ إِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ عِلْمَ الْعُدْمِ. وإِنْ سَأَلَ تَفْتِيشَ دَارِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، ورُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمَلاءِ إِنْ بَيَّنَتْ، وأُخْرِجَ الْمَجْهُولُ إِنْ طَالَ حَبْسُهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، والشَّخْصِ. قوله: (وَحَلَّفَ الطَّالِبَ إِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ [عِلْمَ الْعُدْمِ] (¬4)) كذا قال المتيطي وغيره، واختصر ابن عرفة: إن زعم المدين علم ربّ الدين عدمه لزمته اليمين أنّه ما يعلم عدمه، ¬
فإن نكل حلف المدين، وقاله غير واحدٍ من الفقهاء، وبه كَانَ يفتي ابن الفخار، قال ابن عرفة: وكَانَ بعض قضاة بلدنا تونس لا يحكم بهذه اليمين، [84 / ب] وهو حسن فيمن لا يظن به علم حال المدين لبعده عنه. وحُبِسَ النِّسَاءُ عِنْدَ أَمِينَةٍ، أَوْ ذَاتِ أَمِينٍ [56 / ب]، والسَّيِّدُ لِمُكَاتِبِهِ، والْجَدُّ، والْوَلَدُ لأَبِيهِ، لا عَكْسُهُ كَالْيَمِينِ إِلا الْمُنْقَلِبَةِ والْمُتَعَلِّقُ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ، ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَالأَخَوَيْنِ. قوله: (وَحُبِسَ النِّسَاءُ عِنْدَ أَمِينَةٍ، أَوْ ذَاتِ أَمِينٍ) أي: عند أمينة أيم أو ذات زوج أمين. فالعطف عَلَى محذوف، وقد صرّح بذلك ابن الحاجب فقال: وتؤتمن عَلَيْهِنّ أمينة أيم، أو ذات زوجٍ مأمون (¬1). والزَّوْجَيْنِ إِنْ خَلا، ولا يَمْنَعُ مُسْلِماً وخَادِماً. قوله: (وَالزَّوْجَيْنِ إِنْ خَلا) كذا نصّ عَلَيْهِ محمد: إِذَا سجنا معاً فِي حقٍ عَلَيْهِما. بِخِلافِ زَوْجَةٍ. وَأُخْرِجَ لِحَدٍّ. أَوْ ذِهَابِ عَقْلِهِ لِعَوْدِهِ. وَاسْتُحْسِنَ بِكَفِيلٍ بِوَجْهِهِ لِمَرَضِ أَبَوَيْهِ. وَوَلَدِهِ. وأَخِيهِ وقَرِيبٍ جِدَّاً لِيُسَلِّمَ لا جُمْعَةٍ. وَعِيدٍ. وَعَدُوٍّ. إِلا لِخَوْفِ قَتْلِهِ. أَوْ أَسْرِهِ. ولِلْغَرِيمِ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ الْمُحَازِ عَنْهُ فِي الْفَلَسِ لا الْمَوْتِ. ولَوْ مَسْكُوكاً. أَوْ آبِقاً. ولَزِمَهُ إِنْ لَمْ يَجِدْهُ إِنْ لَمْ يَفِدْهُ غُرَمَاؤُهُ. ولَوْ بِمَالِهِمْ. وأَمْكَنَ لا بُضْعٌ. وعِصْمَةٌ. وقِصَاصٌ. ولَمْ يَنْتَقِلْ لا إِنْ طُحِنَتِ الْحِنْطَةُ. أَوْ خُلِطَ بِغَيْرِ مِثْلٍ. أَوْ سُمِّنَ زُبْدُهُ، أَوْ فُصِّلَ ثَوْبُهُ أَوْ ذُبِحَ كَبْشُهُ، أَوْ تَتَمَّرَ رُطَبُهُ، كَأَجِيرِ رَعْيٍ، ونَحْوِهِ وذي حَانُوتٍ فِيمَا بِهِ. قوله: (بِخِلافِ زَوْجَةٍ) أي: فلا تدخل عَلَيْهِ إِذَا سجن. قاله سحنون، وليس قول سحنون عند المصنف بِخِلاف لقول محمد فوقه؛ إذ لَمْ يتواردا عَلَى محلٍ واحد، عَلَى أن ابن رشد قد قال فِي " نوازل " سحنون: قول محمد للزوجين أن يجتمعا فِي السجن خلاف قول سحنون: ليس له أن تدخل إليه امرأته، وقول سحنون أظهر (¬2)، وقبله ابن عرفة. ¬
ورَادٍّ لِسِلْعَةٍ بِعَيْبٍ. قوله: (ورَادٍّ لِسِلْعَةٍ بِعَيْبٍ) يعني إِذَا ردّ السلعة بعيبٍ] (¬1) ففلس البائع قبل أن يردّ إليه الثمن، فوجد المبتاع السلعة قائمة بيد البائع المفلس فإنه يكون أحقّ بها من الغرماء إن شاء عَلَى القول بأن الردّ بالعيب ابتداء بيع، وأما عَلَى القول بأنه نقض بيع فلا يكون له إليها سبيل (¬2)، هذا نصّ " المقدمات "، وعَلَيْهِ ينبغي أن يحمل كلام المصنف وإن أردت الزيادة فقف عَلَى باقي نصّ " المقدمات " وَعَلَى ما فِي سماع عيسى فِي كتاب " المديان والتفليس " (¬3) وعَلَى معارضة ابن عرفة له بما للخمي. وإِنْ أُخِذَتْ عَنْ دَيْنٍ وهَلِ الْقَرْضُ كَذَلِكَ، وإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ مُقْتَرِضُهُ، أَوْ كَالْبَيْعِ؟ خِلافٌ، ولَهُ فَكُّ الرَّهْنِ، وحَاصَّ بِفِدَائِهِ. لا بِفِدَاءِ الْجَانِي. قوله: (وَإِنْ أُخِذَتْ عَنْ دَيْنٍ) تصوره ظاهر ولم أقف عَلَيْهِ لمن قبله إِلا فِي مسألة البيع الفاسد التي ذكر فِيهَا بعد هذا ثلاثة أقوال. ونَقْضُ الْمُحَاصَّةِ إِنْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ. [(¬4) قوله: (وَنَقْضُ الْمُحَاصَّةِ إِنْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ) هذه مسألة مستقلة؛ لأن نقض المحاصّة يقتضي ردّ الحصّة وأخذ السلعة. ورَدُّهَا، والْمُحَاصَّةُ بِعَيْبٍ سَمَاوِيٍّ، أَوْ مِنْ مُشْتَرِيهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ [إن لَمْ يأخذ أرشاً] (¬5)، أَوْ أَخَذَهُ وعَادَ لِهَيْئَتِهِ. قوله: (وَرَدُّهَا، والْمُحَاصَّةُ بِعَيْبٍ سَمَاوِيٍّ، أَوْ مِنْ مُشْتَرِيهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ [إن لَمْ يأخذ] (¬6) ¬
أَوْ أَخَذَهُ وعَادَ لِهَيْئَتِهِ) أي: وله أن يردّ السلعة ويحاصّ بجميع ثمنها بسبب وجود عيب سماوي وما عطف عَلَيْهِ. وإِلا فَبِنِسْبَةِ نَقْصِهِ ورَدُّ بَعْضِ ثَمَنٍ قُبِضَ، وأَخْذُهَا، وأَخْذُ بَعْضِهِ، وحَاصَّ بِالْفَائِتِ كَبَيْعِ أُمٍّ وَلَدَتْ، وإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَاعَ الْوَلَدَ، فَلا حِصَّةَ، وأَخَذَ الثَّمَرَةَ، والْغَلَّةَ، إِلا صُوفاً تَمَّ، وثَمَرَةً مُؤَبَّرَةً، وأَخَذَ الْمُكْرِي دَابَّتَهُ، وأَرْضَهُ، وقُدِّمَ فِي زَرْعِهَا فِي الْفَلَسِ. ثُمَّ سَاقِيهِ. ثُمَّ مُرْتَهِنُهُ والصَّانِعُ أَحَقُّ، ولَوْ بِمَوْتٍ بِمَا بِيَدِهِ، وإِلا فَلا. إِنْ لَمْ يُضِفْ لِصَنْعَتِهِ شَيْئاً إِلا النَّسْجَ، فَكَالْمَزِيدِ يُشَارِكُ بِقِيمَتِهِ والْمُكْتَرِي بِالْمُعَيَّنَةِ، وبِغَيْرِهَا إِنْ قُبِضَتْ، ولَوْ أُدِيرَتْ ورَبُّهَا بِالْمَحْمُولِ وإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَا لَمْ يَقْبِضْهُ رَبُّهُ. وفِي كَوْنِ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِالسِّلْعَةِ يُفْسَخُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ، أَوْ لا أَوْ فِي النَّقْدِ؟ أَقْوَالٌ. وهُوَ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ، وبِالسِّلْعَةِ إِنْ بِيعَتْ بِسِلْعَةٍ واسْتُحِقَّتْ. قوله: (وَإِلا فَبِنِسْبَةِ نَقْصِهِ) أي: وإن لَمْ يكن أحد الوجوه الأربعة حاصّ بنسبة نقصه إن شاء. وقُضِيَ بِأَخْذِ الْمَدِينِ الْوَثِيقَةَ أَوْ تَقْطِيعِهَا، لا صَدَاقٍ قُضِيَ، ولِرَبِّهَا رَدُّهَا إِنِ ادَّعَى سُقُوطَهَا. قوله: (وَقُضِيَ بِأَخْذِ الْمَدِينِ الْوَثِيقَةَ أَوْ تَقْطِيعِهَا، لا صَدَاقٍ قُضِيَ، ولِرَبِّهَا رَدُّهَا إِنِ ادَّعَى سُقُوطَهَا) هذه المسائل مشروحة آخر رهون المتيطية. ولِرَاهِنٍ بِيَدِهِ رَهْنُهُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ. قوله: (وَلِرَاهِنٍ بِيَدِهِ رَهْنُهُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ) كذا فِي " المدونة " (¬1). ¬
كَوَثِيقَةٍ زَعَمَ رَبُّهَا سُقُوطَهَا. قوله: (كَوَثِيقَةٍ زَعَمَ رَبُّهَا سُقُوطَهَا) المتبادر أنّه مناقض لما فوقه؛ ولعلّك تلتمس له مخرجاً يساعد المنصوص ويزيل التناقض. نعم لو شبه مسألة الرهن بوثيقة ممحوة، زعم ربّها أنّه إنما محاها لظن القضاء، لكان ذلك حسناً، فقد وقع فِي رسم العرية من سماع عيسى من كتاب: " المديان والتفليس ": سئل عن رجلٍ قام بذكر حقٍ له ممحو عَلَى رجلٍ، فطلب منه ما فِيهِ وأقام عَلَيْهِ بما فِيهِ البينة، فادعى الغريم أنّه قد قضاه إياه ومحاه عنه، فهل يلزمه الحقّ أو ما ترى؟ فقال ابن القاسم: يلزمه الحقّ إِذَا ثبتت البينة ويحلف بالله ما قضاه ولا محاه عنه. وعن رجلٍ قام بذكر حقٍ ممحو عَلَى رجلٍ، وأقرّ صاحب ذكر الحقّ أنّه محاه، وظنّ أنّه قد قضاه وله بينة عَلَى ما فِيهِ، وقال الغريم قد قضيته وما محاه إِلا عن قبض فما ترى؟ قال ابن القاسم: يحلف الغريم بالله لقد قضاه ولا شيء عَلَيْهِ، وهذه مخالفة للأولى؛ لأن هذا [أقرّ له] (¬1) بأنه محاه، قال ابن رشد: الفرق بين المسألتين بيّن عَلَى ما قاله، ولا اختلاف فِي المسألة الأولى، وأما الثانية فيتخرج فِيهَا بالمعنى اختلاف حسبما ذكرته أول رسم من سماع ابن القاسم " انتهى. وقصدنا منه المسألة الثانية. وانظر ثالثة مسائل سماع ابن القاسم، من الكتاب المذكور (¬2). ولَمْ يَشْهَدْ شَاهِدَاهَا إِلا بِهَا. قوله: (وَلَمْ يَشْهَدْ شَاهِدَاهَا إِلا بِهَا) الظاهر إنها جملة مستأنفة لا حالية (¬3)؛ وعَلَى هذا فالمعنى: ولا يجوز أن يشهد شاهداً وثيقة الدين بما فِيهَا إِلا بحضورها. قال المتيطي: قال أبو عمر فِي كافِيهِ: وإِذَا كتب الشاهد شهادته فِي ذكر الحقّ، وطولب بها وزعم المشهود عَلَيْهِ أنّه قد ودى ذلك الحقّ لَمْ يشهد الشاهد حَتَّى يؤتى بالكتاب الذي فِيهِ شهادته بخطّه؛ لأن ¬
الذي عَلَيْهِ أكثر الناس أخذ الوثائق إِذَا أدوا (¬1) الدّيون، وقد اختلفوا: إِذَا أحضر المديان الوثيقة وقال: إنها لَمْ تصل إليه إِلا بدفع ما فِيهَا، وقال ربّ الدين سقطت منّي؟. فقيل: يشهد له؛ لإمكان ما ذكره، وقيل لا يشهد له؛ لأن ربّ الدين لَمْ يأت بما يشبهه فِي الأغلب؛ لأن الأغلب دفع الوثيقة إلى من هي عَلَيْهِ إِذَا أدى الدين، وأما الحاكم فيجتهد فِي ذلك إن شهد عنده، وفِي كتاب ابن حبيب: " ومن زعم أنّ صكّه بالحقّ ضاع منه، وسأل الشاهد أن يشهد له بما حفظه منه فذلك له إن حفظ ذلك. قاله مطرف. وقال ابن الماجشون: [85 / أ] لا يشهد له ". انتهى. وجعل الشارح الجملة حاليّة؛ لأنه قال فِي " الصغير ": والحكم فِي الوثيقة، يزعم ربّها سقوطها، وأبى شاهداها أن يشهدا إِلا بها: كذلك، أما إِذَا شهدت البينة بغير الوثيقة فلا احتياج إليها ". انتهى، وكأنه فهم أنّ هذه الساقطة لَمْ تصل ليد المديان فلا تناقض ما قبلها. فليتأمل] (¬2). ¬
باب الحجر
[باب الحجر] الْمَجْنُونُ مَحْجُورٌ لِلإِفَاقَةِ. والصَّبِيُّ لِبُلُوغِهِ بِثَمَانَ عَشْرَةَ. أَوِ الْحُلُمِ أَوِ الْحَيْضِ. أَوِ الْحَمْلِ، أَوِ الإِنْبَاتِ. وَهَلْ إِلا فِي , حَقِّ اللهِ تَعَالَى؟ تَرَدُّدٌ وصُدِّقَ إِنْ لَمْ يُرَبْ، ولِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ، ولَهُ إِنْ رَشَدَ، ولَوْ حَنِثَ بَعْدَ بُلُوغِهِ، أَوْ وَقَعَ الْمَوْقَعَ، وضَمِنَ مَا أَفْسَدَ إِنْ لَمْ يُؤَمَّنْ عَلَيْهِ، وصَحَّتْ وَصِيَّتُهُ، كَالسَّفِيهِ إِنْ لَمْ يُخَلِّطْ إِلَى حِفْظِ مَالِ ذِي الأَبِ بَعْدَهُ، وفَكِّ وَصِيٍّ، ومُقَدَّمٍ إِلا كَدِرْهَمٍ [57 / أ] لِعَيْشِهِ. قوله: (إِلَى حِفْظِ مَالِ ذِي الأَبِ بَعْدَهُ) بدل اشتمال من قوله: (لبلوغه) ويسهل ذلك [إذا استوى] (¬1) استواء الحرفين الجارّين لهما فِي الوضع لانتهاء الغاية، والرابط بين البدل والمبدل منه الضمير فِي (بعده)، وبهذا يلتحم الكلام ويتسق النظام، ويحتمل أن يكون قوله: (لبلوغه) متعلقاً بلفظ (الصبي)، فهو تحديد للصبا، ويكون قوله: (إلى حفظ) متعلّقاً بلفظ محجور، فهو تحديد للحجر، ويحتمل أن يكون قوله: (إلى حفظ) متعلقاً بلفظ (¬2) (ردّ) من قوله: (وللولي ردّ تصرف مميز)، والأول أنصع وأصنع، واقتصر عَلَى ذكر حفظ المال دون تنميته. وقال فِي " توضيحه ": نقل اللخمي الاتفاق عَلَى أن من لا يحسن التجر ويحسن الإمساك لا يحجر عَلَيْهِ، لكن ذكر المازري خلافاً فِيمَا ينفك به الحجْر عن المحجور عَلَيْهِ هل بمجرد حفظه فقط؟ أو بزيادة اشتراط حسن تنميته؟. ووجه الثاني (¬3) بأنه إن لَمْ يحسن ذلك كَانَ ذلك مؤدياً إلى فناء ماله. ووجَّه الأول بأنه لما كَانَ لا يلزم القابض من أب أو وصيٍ أو مقدم أن يتجر له، إنما يلزمه صيانته فمالكه أولى. قال: وينبغي عندي أن يلتفت إلى قلة المال وكثرته، ثُمَّ ذكر فِي " التوضيح ": أن هذا فِي الرشد الذي يخرج به من الحجر لا فِي الرشد الذي لا يضرب ¬
معه الحجر، فإنه متفق عَلَى أنّه لا يراعي فِيهِ القيد الثاني كما ذكره اللخمي. (¬1) والذي لابن عرفة قال عبد الوهاب: الرشد هو ضبط المال وإصلاحه. [المازري] (¬2): فِي كونه مجرد صونه، أو مع كونه يحسن تنميته: عبارتان. ابن عرفة: عزاهما اللخمي للمدونة " ولمحمد. لا طَلاقِهِ أو اسْتِلْحَاقِ نَسَبٍ ونَفْيِهِ، وعِتْقِ مُسْتَوْلَدَتِهِ، وقِصَاصٍ، ونَفْيِهِ، وإِقْرَارٍ بِعُقُوبَةٍ، وتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الإِجَازَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، لا ابْنِ الْقَاسِمِ، وعَلَيْهِمَا الْعَكْسُ فِي تَصَرُّفِهِ إِنْ رَشَدَ بَعْدَهُ، وزِيدَ فِي الأُنْثَى دُخُولُ زَوْجٍ، وشَهَادَةُ الْعُدُولِ عَلَى صَلاحِ حَالِهَا. قوله: (لا طَلاقِهِ أو اسْتِلْحَاقِ نَسَبٍ ونَفْيِهِ، وعِتْقِ مُسْتَوْلَدَتِهِ، وقِصَاصٍ، ونَفْيِهِ، وإِقْرَارٍ بِعُقُوبَةٍ) هذا معطوف عَلَى لفظ (تصرف) من قوله: (وللولي ردّ تصرف مميز)، وهذا خاصّ بالبالغ إذ هو الذي يكون له ولد يستلحقه (¬3) وأم ولد يعتقها بِخِلاف الصبي، فهو كقول ابن الحاجب: ولا حجر عَلَى العاقل البالغ فِي الطلاق واستلحاق النسب ونفِيهِ وعتق أم ولده، والإقرار بموجب العقوبات بِخِلاف المجنون (¬4). زاد فِي " التوضيح " تبعاً لابن عبد السلام. وهل يجوز عفوه عما دون النفس من قصاص وجب له أو حد قذف، وإليه ذهب ابن القاسم أولاً، وإليه ذهب مطرف وابن الماجشون ولا خلاف أنّه لا يصحّ عفوه عن جراح الخطأ؛ لأنها مال، فإن أدى جرح الخطأ إلى نفسه وعفا عن ذلك عند موته كَانَ ذلك فِي ثلثه كالوصايا. وإن وجب له قصاص فِي نفسٍ كما لو قتل أبوه أو ابنه عمداً صحّ عفوه عَلَى مذهب ابن القاسم الذي يرى أن الواجب فِي العمد قود كلّه. ابن عبد السلام: وفِيهِ نظر عَلَى مذهب مطرف وابن الماجشون المتقدم، وتَرَدُّدٌ المازري عَلَى مذهب أشهب الذي يرى أن ¬
الولي بالخيار بين القتل وأخذ المال، فأجراه عَلَى أن من ملك أن يملك هل يعدّ مالكا أم لا؟ (¬1). ولَوْ جَدَّدَ أَبُوهَا حَجْراً عَلَى الأَرْجَحِ، ولِلأَبِ تَرْشِيدُهَا قَبْلَ دُخُولِهَا كَالْوَصِيِّ، ولَوْ لَمْ يُعْلَمْ رُشْدُهَا. وفِي مُقَدَّمِ الْقَاضِي خِلافٌ والْوَلِيُّ الأَبُ، ولَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقاً، وإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ، ثُمَّ وَصِيُّهُ، وإِنْ بَعُدَ. وَهَلْ كَالأَبِ، أَوْ إِلا الرَّبْعَ فَبِبَيَانِ السَّبَبِ؟ خِلافٌ. ولَيْسَ لَهُ هِبَةٌ لِلثَّوَابِ، ثُمَّ حَاكِمٌ، وبَاعَ بِثُبُوتِ يُتْمِهِ، وإِهْمَالِهِ ومِلْكِهِ لِمَا بِيعَ. وَأنّه الأَوْلَى، وحِيَازَةُ الشُّهُودِ لَهُ، والتَّسَوُّقِ، وعَدَمِ إِلْغَاءِ زَائِدٍ، والسَّدَادِ فِي الثَّمَنِ، وفِي تَصْرِيحِهِ بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ قَوْلانِ، لا حَاضِنٍ كَجَدٍّ. قوله: (ولَوْ جَدَّدَ (¬2) أَبُوهَا حَجْراً عَلَى الأَرْجَحِ) لَمْ أقف عَلَى هذا الترجيح لابن يونس؛ ولكن ذكر ابن رشد فِي " المقدمات ": " أن القياس أن ليس للأب عَلَيْهَا تجديد عَلَى قول من حدّ لجواز [أفعالها] (¬3) حدّاً؛ لأنه حملها ببلوغها إليه عَلَى الرشد، وأجاز أفعالها، فلا يصدّق الأبّ فِي إبطال هذا الحكم بما يدّعيه من سفهها إِلا أن يعلم صحة قوله " (¬4). انتهى. فأنت ترى ابن رشد خصّ هذا بقول من حد لجواز أفعالها حدّاً من السنين؛ مع أنّ المصنف أضرب هنا عن القول بالتحديد بالسنين، وقد قبل ابن عرفة قياس ابن رشد، ولم يذكر شيئاً لابن يونس، وفِي هذا الترجيح نظر من وجهين أحدهما نسبته لابن يونس، والثاني تفريعه عَلَى غير القول بالتحديد. والله تعالى أعلم. وعُمِلَ بِإِمْضَاءِ الْيَسِيرِ، وفِي حَدِّهِ تَرَدُّدٌ. قوله: (وَفِي حَدِّهِ تَرَدُّدٌ) هذا التَرَدُّدٌ للموثقين من الأندلسيين قال ابن العطار: عشرون ديناراً دراهم، وقيل ثلاثون، وقيل: عشرة. قال بعضهم: الدينار المراد هنا هو ثمانية دراهم من دراهم دخل أربعين، ومعناه أن مائة وأربعين منها تعادل مائة، كيلا، وزِنَة الدرهم الواحد منها ست وثلاثون حبّة، وهو خمسة أسباع درهم الكيل، ودرهم الكيل ¬
منها مثل وخُمْسا [85 / ب] المثل؛ فزنة العشرين ديناراً التي يبيع بها الحاضن عَلَى المشهور من دراهمنا الصغيرة الضرب أحد وسبعون ديناراً عشرية الصرف بتقريب يسير. قلت: أما دراهمنا الصغيرة الضرب فالذي أخذناه عن شيخنا الفقيه الحافظ أبي عبد الله القوري - رحمه الله تعالى -: أن فِي درهم الكيل سبعة دراهم وخُمْس درهم من دراهم ثمانين الصغار، وفِيهِ أَيْضاً ستة دراهم وثلاثة أعشار الدرهم من دراهم سبعين الصغار، فلما اختبرنا ذلك وجدناه مبنياً عَلَى أن فِي الصغير الثمانيني سبع حبّات من الشعير، وعَلَى أنّ فِي الصغير السبعيني ثماني حبّات. [فقول الزهري فِي " قواعده " وزن صغيرنا تقريباً ثماني حبّات] (¬1) شعيراً وسطاً يعني به السبعيني، وعَلَيْهِ بنى التقريب المتقدّم. وأما بحساب الثمانيني فزنة العشرين المذكورة عشر أواقٍ وثُمْنَا أوقية وثلاثة أعشار ثمن الأوقية غير حبة شعير، واعلم أن الصغير الثمانيني هو الذي يطلق عَلَيْهِ أهل هذا الجيل صغيراً بالصنجة وكبيراً عدّة، وقد ذكرنا هذا كلّه فِي مسألة صبيان الأعراب من كتاب: النكاح الأول من: " تكميل التقييد وتحليل التعقيد " وبالله تعالى أستعين. ولِلْوَلِيِّ تَرْكُ التَّشَفُّعِ والْقِصَاصِ فَيَسْقُطَانِ، ولا يَعْفُو. قوله: (وَلِلْوَلِيِّ تَرْكُ التَّشَفُّعِ والْقِصَاصِ) هذا القصاص فِي الصبي غير البالغ إِذَا جنى عَلَيْهِ أو عَلَى وليّه فلا يعارض ما تقدّم فِي البالغ، وعبارة ابن الحاجب أبين إذ قال: " وللولي النظر فِي قصاص [الصغير] (¬2) أو الدية (¬3) ". ومَضَى عِتْقُهُ بِعِوَضٍ. قوله: (وَمَضَى عِتْقُهُ بِعِوَضٍ) يريد العتق الناجز بعوض من غير مال العبد. قال فِي كتاب المكاتب من " المدونة ": وللوصي أن يكاتب عبد من يليه عَلَى النظر ولا يجوز أن يعتقه عَلَى مالٍ يأخذه منه إذ لو شاء انتزعه، ولو كَانَ عَلَى عطية من أجنبي جَازَ عَلَى النظر ¬
كبيعه، وكذلك الأبّ له أن يكاتب عبد ابنه الصغير عَلَى النظر، ويبيع له ويشتري عَلَى النظر (¬1). إِلا أن ظاهر " المدونة " جوازه ابتداءً بِخِلاف ما هنا، وكأنه استروح من قوله: (ولو كَانَ عَلَى عطية) أن ذلك بعد الوقوع. كَأَبِيهِ إِنْ أَيْسَرَ، وإِنَّمَا يَحْكُمُ فِي الرُّشْدِ وضِدِّهِ، والْوَصِيَّةِ والْحُبُسِ الْمُعَقَّبِ، وأَمْرِ الْغَائِبِ، والنَّسَبِ، والْوَلاءِ، وحَدٍّ، وقِصَاصٍ، ومَالِ يَتِيمٍ - الْقُضَاةُ. قوله: (كَأَبِيهِ إِنْ أَيْسَرَ) أي كما يمضي عتق الأب دون غيره من الأولياء إِذَا كَانَ بغير عوض بشرط أن يكون موسراً قال فِي " المدونة " إثر الكلام المتقدم: " وإن أعتق عبد ابنه الصغير جَازَ عتقه إن كَانَ للأب مال، وإِلا لَمْ يجز. قال غيره: إِلا أن يوسر قبل النظر فِي ذلك فيتم ويقوم عَلَيْهِ ". زاد فِي كتاب الشفعة: " ولا يجوز فِي الهبة وإن كَانَ موسراً " (¬2). وإِنَّمَا يُبَاعُ عَقَارُهُ لِحَاجَةٍ، أَوْ غِبْطَةٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ مُوَظَّفاً، أَوْ حِصَّةً، أَوْ قَلَّتْ غَلَّتُهُ فَيُسْتَبْدَلُ خِلافُهُ، أَوْ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ، أَوْ جِيرَانٍ سُوءٍ، أَوْ لإِرَادَةِ شَرِيكِهِ بَيْعاً ولا مَالَ لَهُ، أَوْ لِخَشْيَةِ انْتِقَالِ الْعِمَارَةِ، أَوِ الْخَرَابِ ولا مَالَ لَهُ، أَوْ لَهُ والْبَيْعُ أَوْلَى، وحُجِرَ عَلَى الرَّقِيقِ إِلا بِإِذْنٍ، ولَوْ فِي نَوْعٍ فَكَوَكِيلٍ مُفَوَّضٍ، ولَهُ أَنْ يَضَعَ ويُؤَخِّرَ ويُضَيِّفَ إِنِ اسْتَأْنَفَ، ويَأْخُذُ قِرَاضاً، ويَدْفَعَهُ، ويَتَصَرَّفَ فِي كَهِبَةٍ، وأُقِيمَ مِنْهَا عَدَمُ مَنْعِهِ مِنْهَا ولِغَيْرِ مَنْ أُذِنَ لَهُ الْقَبُولُ بِلا إِذْنٍ، والْحَجْرُ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ، وأُخِذَ مِمَّا بِيَدِهِ وإِنْ مُسْتَوْلَدَةً كَعَطِيَّتِهِ، وهَلْ إِنْ مُنِحَ لِلدَّيْنِ؟ أَوْ مُطْلَقاً؟ تَأْوِيلانِ، لا غَلَّتِهِ، ورَقَبَتِهِ. قوله: (وَإِنَّمَا يُبَاعُ عَقَارُهُ لِحَاجَةٍ ... إلى آخره) عدّ ابن عرفة هذه الأسباب أحد عشر، وفِيهَا بعض زيادة ونقص بالنسبة لما هنا ونظمها فِي ستة أبيات من عروض الطويل فقال: وبَيْعُ عَقَارٍ عَنْ يَتِيمٍ لِقُوتِهِ ... وهَدْمٍ ومَا يُبْنَى بِهِ غَيْرُ حَاصِلِ ودَيْنٍ ولَا مَقْضِيَّ مِنْهُ سَوَاءُ قُلْ ... وشِرْكٍ بِهِ يُرْجَى بِهِ مِلْكُ كَامِلِ [وَدَعْوَى شَرِيكٍ لَا سَبِيلَ لِقَسْمِهِ ... وذِي ثَمَنٍ حِلٍّ كَثِيرٍ وَطَائِلِ] (¬3) ¬
كَذَا الْعَارِ عَنْ نَفْعٍ ومَا خِيفَ غَصْبُهُ ... أَوْ الدَّارِ فِي دُورِ الْيَهُودِ الْأَرَاذِلِ ومَا نَالَهُ تَوْظِيفُ أَوْ ثِقْلُ مَغْرَمٍ ... فَخُذْهَا جَوَاباً عَنْ سُؤَالِ السَّائِلِ ودَعْوَى الشَّرِيكِ الْبَيْعَ قَيَّدَ بَعْضُهُمْ ... بِلَا ثَمَنٍ يُعْطَى لِدَاعٍ مُفَاصِلِ وإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرِيماً (¬1)، فَكَغَيْرِهِ. قوله: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرِيماً، فَكَغَيْرِهِ) اسم (يَكُنْ) ضمير المأذون و (غَرِيماً) خبرها، فهو بمعنى المدين، وفِي كثيرٍ من النسخ: وإن لَمْ يكن غريمٌ بالرفع عَلَى أنّه فاعل يكن التامة، فالغريم عَلَى هذا بمعنى ربّ الحقّ. ولا يُمَكَّنُ ذِمِّيٌّ مِنْ تَجْرٍ فِي كَخَمْرٍ، إِنِ اتَّجَرَ لِسَيِّدِهِ، وإِلا فَقَوْلانِ، وعَلَى مَرِيضٍ حَكَمَ الطِّبُّ بِكَثْرَةِ الْمَوْتِ بِهِ كَسِلٍّ، وقَوْلَنْجٍ، وحُمًّى قَوِيَّةً، وحَامِلِ سِتَّةٍ، ومَحْبُوسٍ لِقَتْلٍ أَوْ لِقَطْعٍ، إِنْ خِيفَ الْمَوْتُ، وحَاضِرٍ صَفَّ الْقِتَالِ، لا كَجَرَبٍ، ومُلَجَّجٍ فِي بَحْرٍ، ولَوْ حَصَلَ الْهَوْلُ فِي غَيْرِ مُؤْنَتِهِ وتَدَاوِيهِ ومُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ، ووُقِفَ تَبَرُّعُهُ، وإِلا لِمَالٍ مَأْمُونٍ، وهُوَ الْعَقَارُ، فَإِنْ مَاتَ فَمِنَ الثُّلُثِ وإِلا مَضَى. وعَلَى الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا ولَوْ عَبْداً [57 / ب] فِي تَبَرُّعٍ زَادَ عَلَى ثُلُثِهَا. وَإِنْ بِكَفَالَةٍ وفِي إِقْرَاضِهَا قَوْلانِ وهُوَ جَائِزٌ حَتَّى يُرَدَّ فَمَضَى. إِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى تَأَيَّمَتْ، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا. قوله: (ومَحْبُوسٍ لِقَتْلٍ) معطوف عَلَى مريض، وأما قوله: (وحامل ستة) فيحتمل أن يكون معطوفاً عَلَى مريض أَيْضاً، ويحتمل أن يعطف عَلَى كسل بحذف مضاف أي وحمل حامل. كَعِتْقِ الْعَبْدِ. ووَفَاءِ الدَّيْنِ. قوله: (كَعِتْقِ الْعَبْدِ. ووَفَاءِ الدَّيْنِ) أي كما يمضي تبرع العبد إِذَا لَمْ يعلم به سيّده حَتَّى عتق وكما يمضي تبرع المديان إِذَا لَمْ يعلم به الغرماء حَتَّى وفّاهم ديونهم. قال فِي كتاب: المأذون من " المقدمات ": أما العبد فِيمَا وهب أو أعتق: فإذا لَمْ يعلم السيّد ذلك أو علم فلم يقض فِيهِ بردٍّ ولا إجازة حَتَّى عتق العبد والمال بيده فإن ذلك لازم له، ولا أعلم فِي هذا ¬
نص خلاف (¬1). وقال قبل ذلك فِي تبرع المديان بغير إذن غرمائه: إن ذلك ينفذ عَلَيْهِ إن بقي ذلك بيده إلى أن ارتفعت علة المنع بزوال الدين، وكلامه فيهما أشبع من هذا؛ ولكن هذه حاجتنا منه. ولَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ. إِنْ تَبَرَّعَتْ بِزَائِدٍ، ولَيْسَ لَهَا بَعْدَ الثُّلُثِ. تَبَرُّعٌ إِلا أَنْ يَبْعُدَ. قوله: (ولَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ. إِنْ تَبَرَّعَتْ بِزَائِدٍ) زاد ابن عرفة: ولولي الزوج منع زوجته إعطاءها [86 / أ] أكثر من ثلثها. ¬
باب الصلح
[باب الصلح] الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بَيْعٌ، أَوْ إِجَارَةٌ وعَلَى بَعْضِهِ هِبَةٌ وجَازَ عَنْ دَيْنٍ بِمَا يُبَاعُ بِهِ وعَنْ ذَهَبٍ بِوَرِقٍ. وعَكْسِهِ. إِنْ حَلا. قوله: (أَوْ إِجَارَةٌ) مثاله أن يدّعي عَلَى رجلٍ شيئاً معيناً، فيصالحه عَلَى سكنى دار أو خدمة عبد أو ما أشبه ذلك إلى أجل معلوم، وقد أبعد من ضبطه إجازة، بالزاي المعجمة. وعُجِّلَ كَمِائَةِ دِينَارٍ ودِرْهَمٍ عَنْ مِائَتَيْهِمَا. قوله: (كَمِائَةِ دِينَارٍ ودِرْهَمٍ عَنْ مِائَتَيْهِمَا) أي كمائة دينار ودرهمٍ واحد صلحاً عن مائة دينار ومائة درهم كما فِي " المدونة "، فهو مثال لقوله: وعَلَى بعضه هبة. وَعَلَى الافْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ. قوله: (وعَلَى الافْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ) أشار به لقوله فِي كتاب: الأيمان والنذور من " المدونة ": " ومن لزمته يمين فافتدى منها بمال جَازَ ذلك " (¬1). انتهى. وقد افتدى عثمان وحلف عمر. قال ابن عرفة: قيّدها غير واحدٍ بمعنى الصلح عَلَى الإنكار فِيمَا يجوز وما لا يجوز. أَوِ السُّكُوتِ. قوله: (أَوِ السُّكُوتِ) عياض: وحكم السكوت حكم الإقرار عَلَى قولي مالك وابن القاسم جميعاً، فما وقع من صلحٍ حرام عَلَى الإقرار أو السكوت فسخ عَلَى كلّ حال كالبيع. ابن عرفة: وقسّموه لإقرار (¬2) وإنكار، فبقول عياض: حكم السكوت حكم الإقرار تكون القسمة حقيقية بين الشيء ونقيضه، والمساوي لنقيضه ". انتهى. وقال ابن محرز أما الصلح عَلَى السكوت فإنه يعتبر فِيهِ حكم المعاوضة فِي الإقرار، ويعتبر عَلَى مذهب [مالك] (¬3) فِيهِ الوجوه الثلاثة التي فِي الإنكار، وعَلَى مذهب ابن القاسم إنما يعتبر الصلح فِي حقّ كل واحد منهما عَلَى انفراده، ولا يلتفت إلى ما يوجبه الحكم فِي ظاهره. ¬
أَوِ الإِنْكَارِ إِنْ جَازَ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ. وظَاهِرِ الْحُكْمِ، ولا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ. فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لَمْ يَعْلَمْهَا أَوْ أَشْهَدَ وأَعْلَنَ أنّه يَقُومُ بِهَا أَوْ وَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ. قوله: (أَوِ الإِنْكَارِ إِنْ جَازَ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ. وظَاهِرِ الْحُكْمِ، ولا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ) هذا قول مالك خلافاً لابن القاسم وأصبغ (¬1). تحرير: قال ابن عرفة: الصلح عَلَى الإنكار جائز باعتبار عقده، وأما فِي باطن الأمر فإن كَانَ الصادق المنكر فالمأخوذ منه حرام، وإِلا فحلال، فإن وفّى بالحقّ بريء، وإِلا فهو غاصب فِي الباقي، ولم يذكر المازري ولا ابن القصار ولا أحد من مشاهير شيوخ المذهب المعتاد منهم نقل غريب المذهب خلافاً فِي جوازه إِلا عياضاً عن ابن الجهم عن بعض أصحابنا، وكَانَ يجري لنا فِي البحث تخريج مثل قول الشافعي من قول سحنون: إن طلب السلابة شيئاً خفيفاً لَمْ يجز أن يعطوه خلاف ما فِي أول جهاد " المدونة " (¬2)؛ بجامع أنّه إعطاء مال لدفع عداء، وأن التخريج أحروي؛ لأن العداء فِي المحارب القتال المعروض للقتل وهو أشدّ من عداء الخصومة المعروض للحلف. وقال ابن عبد السلام: والنفس تميل فِيهِ لمذهب الشافعي. وفِي كتاب الجهاد من " المدونة " ما يقرب منه. قال ابن عرفة: والذي فِي أوّل الجهاد منها يدلّ عَلَى عكس ما قاله حسبما قدمناه، والذي أشار إليه من كتاب: الجهاد هو ما كَانَ يجري لنا فِي درسه من الأخذ من قول مالك هناك: وإِذَا تنازع رجلان فِي اسم مكتوب فِي العطاء، فأعطى أحدهما الآخر مالاً عَلَى أن يبرأ إليه من ذلك الاسم لَمْ يجز؛ لأن الذي أعطى الدراهم [إن كَانَ صاحب الاسم فقد أخذ الآخر (¬3) ما لا يحلّ له، وإن كَانَ الذي ¬
أخذ الدراهم] (¬1) هو صاحب الاسم لَمْ يجز؛ لأنه لا يدري ما باع قليلاً أو كثيراً، ولا يدري ما تبلغ حياة صاحبه، فهذا غرر لا يجوز (¬2). قال ابن عرفة: ويرد بأن المنع فِي مسألة الجهاد إنما كَانَ لدوران الأمرين أمرين كل منهما موجب للفساد حسبما قرره فِيهَا، والصلح عَلَى الإنكار ليس كذلك؛ لأنه عَلَى تقدير صدق المدعي لا موجب للفساد. كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ أَوْ يُقِرُّ سِرَّاً فَقَطْ عَلَى الأَحْسَنِ، لا إِنْ عَلِمَ بِبَيِّنَةٍ ولَمْ يُشْهِدْ، أَوِ ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ. قوله: (كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ أَوْ يُقِرُّ سِرَّاً فَقَطْ عَلَى الأَحْسَنِ) الفاعل بـ: (يعلن) يعود عَلَى المدعي المشهد، والفاعل بـ: (يقرّ) يعود عَلَى المدعى عَلَيْهِ؛ ولذلك يجب رفع (يقرّ)، والمعنى كمن أشهد ولم يعلن بإشهاده، وكمن يقر له المدعي عَلَيْهِ سراً فقط، وهذا مما يميّزه ذهن السامع اللبيب، فهما مسألتان، فأما المسألة الأولى: فذكر الخلاف فِيهَا ابن يونس وغيره واستظهر فِيهَا ابن عبد السلام عدم القيام عكس قول المصنف: (عَلَى الأحسن). فإن قلت: لعلّ قوله: (عَلَى الأحسن) خاصٌ بالثانية؟ قلت: هذا لا يصحّ؛ لأنه يلزم عَلَيْهِ أن يكون لَمْ يذكر خلافاً فيمن لَمْ يعلن الإشهاد فلا يكون للتفريق بين المعلن وغيره فائدة. وأما الثانية فطوّل فِيهَا ابن يونس، واقتصر من ذلك فِي " التوضيح " عَلَى ما نصّه: " إِذَا أقرّ فِي السرّ وجحد فِي العلّانية فصالحه غريمه عَلَى أن يؤخر سنة، وأشهد أنّه إنما صالحه لغيبة بينة، فإذا قدمت قام بها فقيل: ذلك له إِذَا علم أنّه كَانَ يطلبه وهو يجحده، وقيل: ليس ذلك له. قال المصنف: وأفتى بعض أشياخ شيخي: أن ذلك له للضرورة ¬
وهو قول سحنون والآخر لمطرف، وهذه المسألة تسمى: إيداع الشهادة (¬1). انتهى (¬2). فإن قلت: مسألة الذي أشهد أنّه يقوم بالبينة ولم يعلن [86 / ب] إشهاده أعمُّ من أن يكون لدد خصمه بالإقرار سرّاً والجحود علانية أو بغير ذلك، فالثانية مندرجة فِي الأولى؟ قلت: هو كذلك، ولو قصدنا أن نحمل كلامه فِي " مختصره " عَلَى محاذاة " توضيحه " لحملنا الثانية عَلَى أنّه لَمْ يشهد فِي السّر أنّه يقوم بالبينة، ولكن بمجرد الإقرار الذي يستدعيه منه بالتأخير (¬3)، فيكون ذلك أبعد من التداخل، وقد قال ابن عرفة: ولو صالحه عَلَى تأخيره سنة بعد أن أشهد بعد لشهادة عَلَى إنكاره أنّه إنما صالح ليقرّ له بحقّه ففي لزوم أخذه بإقراره ولغو صلحه عَلَى تأخيره ولغو إقراره ولزوم صلحه بتأخيره نقلا ابن يونس عن سحنون وابن عبد الحكم قائلاً: الأول أحسن والظالم أحقّ أن يحمل عَلَيْهِ. ابن عرفة: وعَلَيْهِ عمل القضاة والموثقين، وأكثرهم لَمْ يحك عن المذهب غيره، وحكى المتيطي عن ابن مزين عن أصبغ: لا ينفع إشهاد السر إِلا عَلَى من لا ينتصف منه كالسلطان أو الرجل القاهر، ولم يذكر الثاني، فالأقوال ثلاثة، وعَلَى الأول حاصل حقيقة الاسترعاء عندهم وهو المسمى فِي وقتنا إيداعاً هو إشهاد الطالب أنّه طلب فلاناً وأنّه أنكره وقد علم إنكاره بهذه البينة أو غيرها، وأنّه مهما أشهد بتأخيره إياه بحقّه أو بوضيعة شيء منه أو بإسقاط بينة الاسترعاء فهو غير ملتزم لشيء من ذلك، وأنّه إنما يفعله ليقرّ له بحقّه، وشرطه تقدمه عَلَى الصلح، فيجب تعيين وقته بيومه وفِي أي وقتٍ هو من يومه؛ خوف اتحاد يومهما. فإن اتحد دون تعيين جزء اليوم لَمْ يفد استرعاؤه. ¬
قال المتيطي وابن فتّوح: ولا ينفع الاسترعاء إِلا مع ثبوت إنكار المطلوب، ورجوعه فِي الصلح إلى الإقرار، فإن ثبت إنكاره وتمادى عَلَيْهِ فِي صلحه لَمْ يفد استرعاؤه شيئاً إن لَمْ تقم بينة تعرف أصل حقّه، وقول العوام صلح المنكر إثبات لحقّ الطالب جهل، وقول الموثق فِي الصلح: تساقطا الاسترعاء، والاسترعاء فِي الاسترعاء حسن؛ لأنه إِذَا استرعى أحد المصالحين حيث يجب له الاسترعاء، وقال فِي استرعائه أنّه متى أشهد عَلَى نفسه بقطع الاسترعاء فإنما يفعل ذلك لإظهار حقّه ويستجلب به إقرار خصمه ورجوعه عن إنكاره، فيكون له حينئذ القيام بالاسترعاء، ولا يضره ما انعقد عَلَيْهِ من إسقاط البينات المسترعاة، ونفعه الاسترعاء فِي هذا، وإن لَمْ يذكر فِي استرعائه أنّه متى أشهد عَلَى نفسه بإسقاط البينة المسترعاة، فهو راجع عن ذلك قطع ما انعقد فِي كتاب الصلح من إسقاطه لها قيامه بالاسترعاء. فإذا قلت: أنّه قطع الاسترعاء، والاسترعاء [في الاسترعاء] (¬1)، ثُمَّ استرعا وقال فِي استرعائه أنّه متى أشهد عَلَى نفسه بإسقاط البينات المسترعاة فإنما يفعل ذلك ليستجلب به إقرار خصمه لَمْ [ينتفع بهذا الاسترعاء إذ الاسترعاء فِي الاسترعاء، زاد المتيطي وقاله غير واحدٍ من الموثقين وفِيهِ تنازع، والأحسن فِي هذا كلّه أن يقر أن كل بينة تقوم له بالاسترعاء فهي ساقطة كاذبة، وإقراره أَيْضاً أنّه لَمْ يسترع ولا وقع بينه وبينه شيء يوجب الاسترعاء، فإن ذلك يسقط دعواه ويخرج به الخلاف إن شاء الله تعالى؛ لأنه يصير مكذباً لبينته ومبطلاً لها، وهذا من دقيق الفقه ". انتهى. وقد سبق ابن محرز إلى إنكار ما يجري عَلَى ألسنة العوام من أن: صلح المنكِر إثبات لحقّ الطالب. وقال ابن رشد فِي أول سماع ابن القاسم من كتاب العتق: وللتحرز من الخلاف يكتب فِي كتب الاصطلاحات أي فِي رسوم الصلح، وأسقط عنه الاسترعاء والاسترعاء فِي الاسترعاء، ومن الكُتّاب من يزيد ما تكرر وتناهى ولا معنى له؛ لأن الاسترعاء هو: أن ¬
يشهد قبل الصلح فِي السر أنّه إنما يصالحه لوجه كذا، فهو غير ملتزم للصلح، والاسترعاء فِي الاسترعاء هو أن يشهد أنّه لا يلتزم الصلح، وأنّه متى صالح وأشهد عَلَى نفسه فِي كتاب الصلح أنّه أسقط عنه الاسترعاء فِي السر، فإنه لا يلتزم ذلك ولا يسقط عنه القيام به، فلا تتصور فِي ذلك منزلة ثالثة، وهذا الاسترعاء فِي السرّ إنما ينفع عند من يراه نافعاً فِيمَا خرج عَلَى غير عوض، وأما ما خرج عَلَى عوض من العقود كلّها فلا اختلاف أن الاسترعاء فِيهِ غير نافع (¬1). فَقِيلَ لَهُ حَقُّكَ ثَابِتٌ فَائْتِ بِهِ، فَصَالَحَ ثُمَّ وَجَدَهُ. وعَنْ إِرْثِ زَوْجَةٍ مِنْ عَرْضٍ ووَرِقٍ وذَهَبٍ بِذَهَبٍ مِنَ التَّرِكَةِ قَدْرَ مَوْرِثِهَا مِنْهُ فَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. إِنْ قَلَّتِ الدَّرَاهِمُ. لا مِنْ غَيْرِهَا مُطْلَقاً إِلا بِعَرْضٍ إِنْ عَرَفَ جَمِيعَهَا وحَضَرَ، وأَقَرَّ الْمَدِينُ وحَضَرَ، وعَنْ دَرَاهِمَ وعَرْضٍ تُرِكَا بِذَهَبٍ كَبَيْعٍ وصَرْفٍ، وإِنْ كَانَ فِيهَا دَيْنٌ فَكَبَيْعِهِ، وعَنِ الْعَمْدِ بِمَا قَلَّ وكَثُرَ لا غَرَرٍ كَرِطْلٍ مِنْ شَاةٍ ولِذِي دَيْنٍ مَنْعُهُ مِنْهُ. قوله: (فَقِيلَ لَهُ حَقُّكَ ثَابِتٌ) أي فقال له المطلوب: حقك حق فات بالصك فامحه وخذ حقك فقال: قد ضاع وأنا أصالحك ففعل، ثُمَّ وجد ذكر الحقّ فلا رجوع له باتفاق. وإِنْ رُدَّ مُقَوَّمٌ بِعَيْبٍ، أَوِ اسْتُحِقَّ رُجِعَ بِقِيمَتِهِ كَنِكَاحٍ، وخُلْعٍ. قوله: (وَإِنْ رُدَّ مُقَوَّمٌ بِعَيْبٍ، أَوِ اسْتُحِقَّ رُجِعَ بِقِيمَتِهِ كَنِكَاحٍ، وخُلْعٍ) هذه الثلاث من النظائر السبع التي يرجع فِيهَا [87 / أ] لأرش العوض فِي الردّ بالعيب والاستحقاق والشفعة، وقد كنّا جمعناها فِي بيتٍ وهو: صُلْحَانِ عِتْقَانِ وبُضْعَانِ مَعاً ... عُمْرَى بِأَرْشِ عِوَضٍ بِهِ ارْجِعَا فالبيت مشتملٌ عَلَى إحدى وعشرين مسألة من ضرب ثلاثة فِي سبعة. وإِنْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ، أَوْ قَطَعُوا جَازَ صُلْحُ كُلٍّ، والْعَفْوُ عَنْهُ. وإِنْ صَالَحَ مَقْطُوعٌ، ثُمَّ نُزِيَ فَمَاتَ فَلِلْوَلِيِّ لا لَهُ رَدُّهُ، والْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ كَأَخْذِهِمُ الدِّيَّةَ فِي الْخَطَإِ، وإِنْ وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جَرْحٌ عَمْداً فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ بِأَرْشِهِ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ ولَزِمَ، وهَلْ مُطْلَقاً، أَوْ إِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ، لا مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ؟ تَأْوِيلانِ. وإِنْ صَالَحَ أَحَدُ ¬
وَلِيَّيْنِ، فَلِلآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ، وسَقَطَ الْقَتْلُ كَدَعْوَاكَ صُلْحَهُ فَأَنْكَرَ، وإِنْ صَالَحَ مُقِرٌّ بِخَطَإٍ بِمَالِهِ لَزِمَهُ، وهَلْ مُطْلَقاً أَوْ مَا دَفَعَ؟ تَأْوِيلانِ، لا إِنْ ثَبَتَ، وجَهِلَ لُزُومَهُ، وحَلَفَ، ورُدَّ، إِنْ طُولِبَ بِهِ مُطْلَقاً، أَوْ إِنْ طَلَبَهُ ووُجِدَ، وإِنْ صَالَحَ أَحَدُ وَلَدَيْنِ وَارِثَيْنِ، وإِنْ عَنْ إِنْكَارٍ، فَلِصَاحِبِهِ الدُّخُولُ كَحَقٍّ لَهُمَا فِي كِتَابٍ. قوله: (وَإِنْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ، أَوْ قَطَعُوا جَازَ صُلْحُ كُلٍّ، والْعَفْوُ عَنْهُ) كذا فِي النسخ التي بين أيدينا وهو صحيح جار مع نصّ " المدونة " (¬1)، وفِي تعدد القاتلين أو القاطعين، وكذلك الجارحون، وأما العكس فروى يحيي عن ابن القاسم: من قتل رجلين عمداً وثبت ذلك عَلَيْهِ فصالح أولياء أحدهما عَلَى الدية وعفوا عن دمه، وقام أولياء الآخر بالقود فلهم القود، فإن استقادوا بطل الصلح، ويرجع المال إلى ورثته؛ لأنه إنما صالحهم عَلَى النجاة. أَوْ مُطْلَقٍ إِلا الطَّعَامَ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ. قوله: (إِلا الطَّعَامَ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ) كأنه يعني ففي وجه استثنائه تَرَدُّدٌ. إِلا أَنْ يَشْخَصَ، ويُعْذِرَ إِلَيْهِ فِي الْخُرُوجِ أَوْ (¬2) الْوَكَالَةِ فَيَمْتَنِعُ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ الْمُقْتَضَى. قوله: (إِلا أَنْ يَشْخَصَ، ويُعْذِرَ إِلَيْهِ فِي الْخُرُوجِ أَوْ فِي الْوَكَالَةِ فَيَمْتَنِعُ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ الْمُقْتَضَى) المبالغة راجعة لمحذوف تقديره: فلا يدخل معه صاحبه، وإن لَمْ يكن بيد المطلوب غير ما اقتضى منه الذي شخص. أَوْ يَكُونَ بِكِتَابَيْنِ، وفِيمَا لَيْسَ لَهُمَا، وكُتِبَ فِي كِتَابٍ قَوْلانِ، ولا رُجُوعَ، إِنِ اخْتَارَ مَا عَلَى الْغَرِيمِ وإِنْ هَلَكَ. قوله: (أَوْ يَكُونَ بِكِتَابَيْنِ) منصوب عطفاً عَلَى إن يشخص. ¬
وإِنْ صَالَحَ عَلَى عَشَرَةٍ [58 / أ] مِنْ [خَمْسِيه] (¬1) فَلِلآخَرِ إِسْلامُهَا، أَوْ أَخْذُ خَمْسَةٍ مِنْ شَرِيكِهِ، ويَرْجِعُ بِخَمْسَةٍ وأَرْبَعِينَ، ويَأْخُذُ الآخَرُ خَمْسَةً، وإِنْ صَالَحَ بِمُؤَخَّرٍ عَنْ مُسْتَهْلِكٍ لَمْ يَجُزْ إِلا بِدَرَاهِمَ، كَقِيمَتِهِ فَأَقَلَّ، أَوْ ذَهَبٍ كَذَلِكَ، وهُوَ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ كَعَبْدٍ آبِقٍ، وإِنْ صَالَحَ بِشِقْصٍ عَنْ مُوَضِّحَتَيْ عَمْدٍ وخَطَإٍ، فَالشُّفْعَةُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الشَّقْصِ وبِدِيَةِ الْمُوَضِّحَةِ، وهَلْ كَذَلِكَ إِنِ اخْتَلَفَ الْجُرْحُ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وَإِنْ صَالَحَ عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ خَمْسِيه) بحذف نون خمسين للإضافة أي من الخمسين الواجبة له من المائة. تذييل: قال ابن عرفة: الصلح من حيث ذاته مندوب إليه، وقد يعرض وجوبه عند تعيّن مصلحته، وحرمته وكراهته لاستلزامه مفسدة واجبة الدرء أو راجحته كما مرّ فِي النكاح للخمي وغيره. قال ابن رشد: لا بأس بندب القاضي الخصمين إليه ما لَمْ يتبين له الحقّ لأحدهما؛ لقول عمر لأبي موسى: " واحرص عَلَى الصلح ما لَمْ يتبين لك فصل القضاء " (¬2)، وقيل فِي بعض المذاكرات: لا بأس به بعد التبيين إن كَانَ لرفقٍ بالضعيف منهما كالندب لصدقة عَلَيْهِ، وردّ بأنه يوهم الحق عَلَى من له الحقّ أو سقوطه له، بِخِلاف الصدقة. ابن رشد إن أباه أحدهما فلا يلحّ عَلَيْهِ إلحاحاً يوهم الإلزام. ابن عرفة: وقد نقل عن بعض القضاة بأطرابلس جبره عَلَيْهِ فعزل. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الحوالة
[باب الحوالة] شَرْطُ الْحَوَالَةِ رِضَا الْمُحِيلِ والْمُحَالِ فَقَطْ، وثُبُوتُ دَيْنٍ لازِمٍ فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِعَدَمِهِ وشَرَطَ الْبَرَاءَةَ صَحَّ، وهَلْ إِلا أَنْ يُفَلَّسَ أَوْ يَمُوتَ؟ تَأْوِيلانِ، وصِيغَتُهَا. قوله: (شَرْطُ الْحَوَالَةِ رِضَا الْمُحِيلِ والْمُحَالِ فَقَطْ) اتبع ابن شاس وابن الحاجب فِي كون رضاهما شرطاً لا شطراً (¬1) وقد قال ابن عرفة: المذهب توقف الحوالة عَلَى رضى المحيل والمحال، وصرح ابن شاس وابن الحاجب بأنهما من شروطهما، ولَمْ يعدهما اللخمي وابن رشد (¬2) منها، وهو الأحسن، والأَظْهَر أنهما جزآن منها؛ لأنهما كلما وجدا وجدت. وحُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ وإِنْ كِتَابَةً، لا عَلَيْهِ، وتَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ قَدْراً وصِفَةً، وفِي تَحَوُّلِهِ عَلَى الأَدْنَى تَرَدُّدٌ، وأَنْ لا يَكُونَا طَعَاماً مِنْ بَيْعٍ. [قوله: (لا عَلَيْهِ) أي: لا يشترط حلول الدين المحال عَلَيْهِ كَانَ كتابة أو غيرها] (¬3). لا كَشْفُهُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، ويَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحَالِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وإِنْ أَفْلَسَ أَوْ جَحَدَ، إِلا أَنْ يَعْلَمَ الْمُحِيلُ بِإِفْلاسِهِ فَقَطْ، وحَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ، إِنْ ظُنَّ بِهِ الْعِلْمُ، فَلَوْ أَحَالَ بَائِعٌ عَلَى مُشْتَرٍ بِالثَّمَنِ، ثُمَّ رُدَّ بِعَيْبٍ أَوِ اسْتُحِقَّ، لَمْ تَنْفَسِخْ، واخْتِيرَ خِلافُهُ، والْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ، إِنِ ادُّعِيَ عَلَيْهِ نَفْيُ الدَّيْنِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ، لا فِي دَعْوَاهُ وَكَالَةً أَوْ سَلَفاً. قوله: (لا كَشْفُهُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) كذا عند المازري؛ فإنه ذكر أن شرط بيع الدين علم حال ذمة المدين، وإِلا كَانَ غرراً قال: وبِخِلاف الحوالة؛ لأنها معروف، فاغتفر فِيهَا الغرر ونحوه قول اللخمي: أجاز مالك الحوالة مع جهل ذمة المحال عَلَيْهِ. وأما ابن يونس فقال: الحوالة بيع دين بدين، أجيزت رخصة، وشراء الدين لا يجوز حَتَّى يعرف ملاء الغريم من عدمه. ¬
[ابن عرفة: ولازم هذا الكلام أن الحوالة لا تجوز حَتَّى يُعرف ملاء الغريم من عدمه] (¬1)، وهو خلاف نقل المازري واللخمي، فتأمله. انتهى، وذكر المتيطي من شروط الحوالة كونها بمحضر المحال عَلَيْهِ، ولو جهل عسره ويسره، وزاد بن فتوح وإقراره بالدين، وقبلهما ابن عرفة. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الضمان
[باب الضمان] الضَّمَانُ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ، وصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ كَمُكَاتِبٍ، ومَأْذُونٍ إِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُمَا، وزَوْجَةٍ، ومَرِيضٍ بِثُلُثٍ، واتُّبِعَ ذُو الرِّقِّ إِنْ عَتَقَ، ولَيْسَ لِسَيِّدِهِ جَبْرُهُ عَلَيْهِ، وعَنِ الْمَيِّتِ والْمُفْلِسِ. قوله: (الضَّمَانُ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ) لَمْ يرتض ابن عرفة هذا التعريف، بل قال: الحمالة التزام دينٍ لا يسقطه، أو طلب من هو عَلَيْهِ لمن هو له، وقول ابن الحاجب تابعا لعبد الوهّاب: شغل ذمة أخرى بالحقّ (¬1). لا يتناولها؛ لأن شغل ذمةٍ أخرى إنما هو لازم لها لا نفسها؛ لأنها مكتسبة، والشغل حكم غير مكتسب كالملك مع البيع. فتأمله، وقول ابن عبد السلام: " إطلاق الحمالة عَلَى الطلب عرفاً إنما هو مجاز لا حقيقة. يردُّ بمنعه لظاهر إطلاقات " المدونة "، والأمهات والمتقدمين والرواة ". انتهى. فالضمان فِي تعريف ابن عرفة منوع إلى التزام الدين وإلى التزام طلبه، والضمان عنده مكتسب والشغل لازمه كما أن البيع مكتسب والملك لازمه. والضَّامِنِ، والْمُؤَجَّلِ حَالاً، إِنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّلُ، وعَكْسُهُ. قوله: (وعَكْسُهُ) هو أن يضمن الدين بعدما حلّ بشرط تأخيره لأجل قال فِي " المدونة ": وإن أخّره به بعد الأجل برهن أو حميل جَازَ؛ لأنه ملك قبض دينه مكانه فتأخيره به كابتداء سلف عَلَى [87 / ب] حميل أو رهن، وإن لَمْ يحل الأجل وأخّره به إلى أبعد من الأجل بحميل أو رهن لَمْ يجز؛ لأنه سلف بنفع (¬2). قال غيره: ولا يلزم (¬3) الحميل شيء، ولا يكون الرهن به رهناً وإن قبض فِي فلس الغريم أو موته. إِنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ أَوْ لَمْ يُوسِرْ فِي الأَجَلِ. قوله: (إِنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ أَوْ لَمْ يُوسِرْ فِي الأَجَلِ) يعني أن صحة الضمان فِي العكس المذكور مشروطة بأحد الشرطين: إما أن يكون الغريم الذي هو المدين موسراً بحيث ¬
يكون طالبه الذي أخره كمبتديء سلف بشرط حميل، وإليه أشار بقوله: (إِنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ)، وإما أن يكون المدين المذكور معسراً أو لَمْ تجر عادة فِي مثله؛ بأن يحدث له يسر فِي أثناء الأجل الذي أخّره إليه، وإليه أشار بقوله: (أَوْ لَمْ يُوسِرْ فِي الأَجَلِ) وذلك أن من له دين حالٌ عَلَى معسر، فأخّره به إلى أجل ما فلا يخلو أن يكون الغالب عَلَيْهِ أنّه يوسر عند حلول ذلك الأجل أو بعده أو قبله. فأما القسمان الأولان فلا يختلف المذهب فِي جوازهما؛ لأن تأخير الغريم المعسر فِي هذا الأجل واجب فليس الطالب بمُسَلِّفٍ حقيقة ولا حكماً. وأما القسم الثالث فمنعه ابن القاسم لاستلزامه سلفاً جرّ منفعة، وذلك أن هذا الغريم المعسر إِذَا كَانَ ينقضي عسره فِي الغالب بانقضاء شهرين مثلاً كبعض أصحاب الغلات، فإذا أخّره الطالب إلى أربعة أشهر فقد سلف الطالب غريمه إذ أخره الشهرين الأخيرين اللذين لا يجب عَلَيْهِ أن يؤخره فيهما؛ لأن من أخر ما وجب له يعدّ مسلفاً عَلَى المذهب (¬1)، وانتفع هذا المسلف بالحميل الذي أخذه من غريمه بهذا الدين فِي الشهرين السابقين وفِي الشهرين الأخيرين، وأجاز هذا أشهب؛ لأن يسار المديان بعد عسره متوهم لا ينبغي أن تتغيّر الأحكام بسببه. وأصل هذا ما تقدم من نصّ " المدونة " فيمن له دين عَلَى رجلٍ إلى أجلٍ لَمْ يحل فأخره إلى أبعد من الأجل بحميل أو رهن لَمْ يجز لأنه سلف بنفع (¬2). هذا تقرير ابن عبد السلام وأصله للخمي. وبِالْمُوسِرِ أَوِ الْمُعْسِرِ، لا الْجَمِيعِ. قوله: (وبِالْمُوسِرِ أَوِ الْمُعْسِرِ، لا الْجَمِيعِ) عطف عَلَى (من أهل التبرع) أي: [وصح الضمان من أهل التبرع] (¬3) وعن الميت وبالموسر، فـ (من)، و (عن)، و (الباء) متعلقات ¬
بـ (صحّ)، ومراده الموسر به والمعسر به، فحذف الباء، واستكنّ الضمير فِي اسم المفعول، ويحتمل أن تتعلّق هذه الحروف بضمير الضمان المستتر فِي (صحّ) عَلَى قول من يرى ذلك من النحاة، وهو خلاف ما جزم به ابن مالك فِي " الكافية " إذ قال: وأهمل المضمر والمحدود ... ومصدر فارقه التوحيد ويعني: أن المديان إِذَا كَانَ موسراً ببعض الدين، ومعسراً ببعضه كالنصف مثلاً فإنه يجوز أن يعطيه ضامناً بأحدهما خاصة، كما لو قضاه النصف الذي هو به موسر، وأعطاه حميلاً بالنصف [الذي] (¬1) هو به معسر، إذ لا مانع من ذلك، وكذلك لو أخرّه بنصف الدين، وأعطاه بهذا النصف الذي أخره به حميلاً، وأبقى النصف الثاني عَلَى الحلول لجاز ذلك؛ لأنه يعود الأمر فِيهِ إلى الصورة التي قبله؛ لأن له طلب ذلك النصف الذي لَمْ يؤخره به والفرض أنّه موسر به. وأما لو أخّره بالجميع عَلَى أن أعطاه حميلاً بالجميع أَيْضاً ما جَازَ ذلك؛ لأنه سلفٌ جرّ منفعة، ألا ترى أنّه مسلف للنصف الذي الغريم به موسر لتأخيره إياه عَلَى حميل به، وبالنصف الثاني، وذلك نفع فِي النصف الذي هو به معسر (¬2)، وأصل هذا للخمي وابن رشد، وهكذا قرره ابن عبد السلام، إِلا أنّه جعل فِي منع ضمان الجميع نظراً إِذَا فرضنا أن حاله فِي العسر لا تنتقل إلى اليسر فِي ذلك الأجل قال: لأنه لو كَانَ موسراً بالجميع لجازت المسألة ولو كَانَ معسراً لا يقدر عَلَى قضاء شيء من دينه لجازت المسألة أَيْضاً. وأما إن كَانَ ينتقل إلى اليسر قبل انقضاء الأجل فلا شكّ فِي المنع عَلَى أصل ابن القاسم فِي المسألة السابقة. قال ابن عرفة: لا يخفى عَلَى منصفٍ سقوط احتجاجه عَلَى ما زعمه من النظر؛ لأنه إِذَا كَانَ معسراً بالجميع فلا عوض عن الحمالة بوجه، وإِذَا كَانَ موسراً بالبعض فالعوض عنها موجود وهو تأخيره بالبعض الذي هو به موسر، فيدخله ضمان بجعل وسلف جر منفعة، حسبما قرره غير واحد. انتهى، واعتراضه عَلَيْهِ بيّن. والله تعالى أعلم. ¬
بِدَيْنٍ لازِمٍ، أَوْ آيِلٍ، لا كِتَابَةٍ بَلْ كَجُعْلٍ، ودَايِنْ فُلاناً، ولَزِمَ فِيمَا ثَبَتَ وهَلْ يُقَيَّدُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ؟ تَأْوِيلانِ ولَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْمُعَامَلَةِ، بِخِلافِ احْلِفْ وأَنَا ضَامِنٌ بِهِ، إِنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ضَامِنِهِ. قوله: (بِدَيْنٍ لازِمٍ، أَوْ آيِلٍ، لا كِتَابَةٍ بَلْ كَجُعْلٍ) الأَظْهَر فِي باء (بدين) السببية والعامل فِيهَا صحّ أو فاعله؛ عَلَى ما تقدم فِي قوله: (وبالموسر). فإن قلت: لو قال بدينٍ لازمٍ أو آيل كجعل لا كتابة؛ لكان أحسن. قلت: بل ترتيبه أحسن؛ لعطفه دائن عَلَى كجعل إذ هما معاً آيلان، واقتضى حسن الإلقاء أن لا يقدمهما لطول التفريع فِي الثانية منهما، وفِي بعض النسخ: (لا كتابة، بل بمعجّل كجعل)، والمعنى عَلَى هذا: لا يجوز الضمان بكتابة بل إنما يجوز بعوض عتق معجّل (¬1) كما يجوز بالجعل، فهو كقوله فِي " المدونة ": ولا تجوز الكفالة بكتابة المكاتب، وأما من عجّل عتق عبده عَلَى مال جازت الكفالة بذلك، وكذلك من قال لرجلٍ: عجّل عتق مكاتبك وأنا بما فِي كتابته كفيل، جَازَ وله الرجوع بذلك عَلَى المكاتب (¬2). وأما الجعل فلم يوقف فِي عينه عَلَى رواية فِي " المدونة " [88 / أ] ولا غيرها، ولكن نصّ المازري عَلَى جواز الضمان فِيهِ، ولله درّ المصنف حيث لَمْ يزر به نقل ابن شاس وأتباعه فِي ذلك؛ وذلك أن ابن شاس قال: لا يجوز ضمان الجعل إِلا بعد العمل، وتبعه ابن الحاجب (¬3)، وقرره ابن راشد القفصي، وكذلك ابن عبد السلام قائلاً: لأن الجعالة قبل العمل ليست بعقدٍ منبرم فأشبهت الكتابة. ولم يقنع حَتَّى زاد فِي جواز الحمالة بما بعد العمل نظر؛ لأن الخيار للعامل بعد العمل فقال فِي " التوضيح ": فِي هذا نظر أما أولا فإنه وإن لَمْ يكن ديناً لازماً فِي الحال فسيلزم فهو آيل إلى اللازم، وأما ثانياً فهو خلاف قول المازري: " ومن الحقوق المالية ما ليس بعقدٍ ¬
لازم كالجعل عَلَى مذهب من يرى أنّه لا يلزم بالعقد كقوله: إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير، فهذا تصحّ الحمالة به أَيْضاً قبل المجيء بالآبق، فإن جاء به لزم ما تحمّل به، وإن لَمْ يأت به سقطت الحمالة ". انتهى (¬1). وأما ابن عرفة فلم يذكر كلام المازري، ولكن قال: قول ابن شاس وابن الحاجب: لا يجوز ضمان الجعل إِلا بعد العمل، لا أعرفه لغيرهما وفِيهِ نظر، ومقتضى المذهب عندي الجواز لقول " المدونة " مع غيرها بصحة ضمان ما هو محتمل الثبوت استقبالاً، وتوجيه ابن عبد السلام نقل ابن الحاجب بقوله: لأن الجعالة قبل العمل ليست بعقد منبرم، فأشبهت الكتابة، يردّ بأن حمالة الكتابة تؤدي إلى الغرم مجاناً حسبما تقدم؛ لأنها ليست ديناً ثابتاً، والجعل مهما غرمه الحميل رجع به؛ لأنه بعد تقرره دين ثابت. وفِي " وجيز " الغزالي فِي ضمان الجعل فِي الجعالة وجهان (¬2). وإِنْ جُهِلَ، أَوْ مَنْ لَهُ، أوَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَأَدَائِهِ رِفْقاً لا عَنَتاً فَيُرَدُّ كَشِرَائِهِ. قوله: (وإِنْ جُهِلَ، أَوْ مَنْ لَهُ، أوَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَأَدَائِهِ) هذه ثلاثة من أركان الضمان: الأول: المال المضمون، وإليه أشار بقوله: (وإن جهل) قال فِيهِ ابن عرفة: جهل قدر المتحمل به غير مانعٍ اتفاقاً. الثاني: الشخص المضمون له، وإليه أشار بقوله: (أو من له) قال فِيهِ ابن عرفة المتحمل [له من ثبت حقه عَلَى المتحمل عنه] (¬3) ولو جهل؛ ولذا قال المازري: من ضمن دين ميّت لزمه ما طرأ عَلَيْهِ من دين غريم لَمْ يعلم به. الثالث: الشخص المضمون عنه، وإليه أشار بقوله: (أو بغير إذنه) فهو كقول ابن الحاجب: المضمون عنه لا يشترط رضاه، إذ يجوز أن يؤدي بغير إذنه (¬4). واحتج له ابن ¬
عبد السلام بإقرار سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضمان من ضمن الميت حسبما خرّج البخاري (¬1)، وحصول الرضى من الميّت محال. قال ابن عرفة: نصوص " المدونة " مع غيرها بصحة الحمالة دون رضى المتحمل عنه واضحة منها قولها: من تكفّل عن صبيٍ بحق قضي به عَلَيْهِ، فأداه عنه بغير أمر وليه فله أن يرجع به فِي مال الصبي (¬2). المتيطي وابن فتوح: من العلّماء من قال: لا تلزم الحمالة الذي عَلَيْهِ الحقّ إِلا بأمره؛ ولذا كتب كثير من الموثقين تحمل عن فلان بأمره. انتهى. فإن قلت: ضمير الغائب لا يعود عَلَى الأبعد إِلا بدليل، فما الدليل عَلَى عود الضمير من قوله: (أو بغير إذنه) عَلَى غير ما يليه؟ قلت: دليله قوله: بعده (كأدائه)، والذكي يفهم بالإشارة. وهَلْ إِنْ عَلِمَ بَائِعُهُ وهُوَ الأَظْهَرُ؟ تَأْوِيلانِ، لا إِنِ ادُّعِيَ عَلَى غَائِبٍ فَضَمِنَ ثُمَّ أَنْكَرَ، أَوْ قَالَ لِمُدَّعٍ عَلَى مُنْكِرٍ إِنْ لَمْ آتِكَ بِهِ لِغَدٍ فَأَنَا ضَامِنٌ بِهِ ولَمْ يَأْتِ بِهِ، إِنْ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ بِبَيِّنَةٍ، وهَلْ بِإِقْرَارِهِ؟ تَأْوِيلانِ كَقَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجِّلْنِي الْيَوْمَ، فَإِنْ لَمْ أُوَافِكَ غَداً فَالَّذِي تَدَّعِيهِ عَلَيَّ حَقٌّ، ورَجَعَ بِمَا أَدَّى ولَوْ مُقَوَّماً، إِنْ ثَبَتَ الدَّفْعُ، وجَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَا جَازَ لِلْغَرِيمِ عَلَى الأَصَحِّ. قوله: (وهَلْ إِنْ عَلِمَ بَائِعُهُ وهُوَ الأَظْهَرُ؟ تَأْوِيلانِ) إنما وقفت عَلَى هذا الترجيح لابن يونس وعنه نقل فِي " التوضيح " (¬3)، فإن لَمْ يقله ابن رشد فصوابه وهو الأَرْجَح. ورَجَعَ بِالأَقَلِّ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ. وإِنْ بَرِئَ الأَصْلُ بَرِئَ [58 / ب] لا عَكْسُهُ. وعُجِّلَ بِمَوْتِ الضَّامِنِ، ورَجَعَ وَارِثُهُ بَعْدَ أَجَلِهِ أَوِ الْغَرِيمِ إِنْ تَرَكَهُ، ولا يُطَالَبُ، إِنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ مُوسِراً، أَوْ لَمْ يَبْعُدْ إِثْبَاتُهُ عَلَيْهِ. ¬
قوله: (وَرَجَعَ بِالأَقَلِّ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ) الوجه فِي مثل هذا أن يعطف بالواو؛ لأنه لا يغني متبوعه، والمعنى: ورجع الضامن عَلَى الغريم بأقلّ الأمرين من الدين ومن قيمة ما دفع فِي الصلح إِذَا كَانَ المدفوع من ذوات القيم لا من ذوات الأمثال، وكذا بيّنه ابن عبد السلام، فالضمير فِي (منه) يعود عَلَى الدين كما عاد عَلَيْهِ الضمير المجرور بعن فِي قوله: (وجَازَ صلحه عنه)، والضمير فِي (قيمته) يعود عَلَى لفظ: ما من قوله: (بما جَازَ للغريم) وهي واقعة عَلَى المصالح به، وهذا من رقيق اللف والنشر المرتب وذهن السامع النحرير كفيل بتمييزه وفِي الإشارة ما يغني عن الكلم. والْقَوْلُ لَهُ فِي مَلائِهِ، وأَفَادَ شَرْطُ أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَ وتَقْدِيمِهِ، أَوْ إِنْ مَاتَ. قوله: (وَالْقَوْلُ لَهُ فِي مَلائِهِ، وأَفَادَ شَرْطُ أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَ وتَقْدِيمِهِ، وْ إِنْ مَاتَ) هكذا ذكر فِي " التوضيح " هذه الفروع الأربعة وقال: إنها مرتبة عَلَى المشهور يعني ألا يغرم الحميل إِلا فِي عدم الغريم أو غيبته. أما الفرعان الأولان فتصورهما ظاهر، وأما الثالث فالمراد بتقديم الحميل التبدية به. قال المازري: إن شرط الغريم التبدية بالحميل فإن كَانَ فِي اشتراطه منفعة لكونه أملأ أو أسمح قضاءً وجب الوفاء بشرطه، وإن لَمْ تظهر المنفعة جرى عَلَى الخلاف فِي الوفاء بما لا يفيد. زاد فِي " التوضيح " وَعمم فِي البيان الخلاف سواءً ظهر للشرط فائدة أم لا (¬1). وأما الرابع فأشار به إلى قوله فِي " المدونة ": وإن قال إن لَمْ يوفك حقك حَتَّى يموت [فهو عليّ، فلا شيء عَلَى الكفيل حَتَّى يموت الغريم (¬2). قال ابن يونس: يريد يموت] (¬3) عديماً. اللخمي: " وإن شرط الحميل أن لا يؤدي إِلا أن يموت هو أو يموت المكفول جَازَ، ولم يؤخذ بغير ما شرط ". [88 / ب] انتهى. وقد علمت أن المشترط فِي الرابع هو الحميل، وأن المشترط فِي الفرعين قبله هو ربّ ¬
الحق، عَلَى أنّه فِي " التوضيح " لَمْ يذكر اشتراط تعليق الغرم بالموت خصوصاً، ولكن قال: الرابع لو شرط الحميل أن لا يغرم إِلا بعد تعذر الوفاء من [المطلوب لَمْ يختلف فِي إعمال الشرط، وألحق المازري بذلك ما إِذَا كانت العادة عدم مطالبة الضامن إِلا بعد تعذر الوفاء من] (¬1) المديان. انتهى (¬2). يعني أن قول مالك الأول بالتخيير ينتفي مع الشرط أو العرف المذكورين، وعزا هذا ابن عبد السلام لبعض كبار الشيوخ وهو المازري. والله تعالى أعلم. كَشَرْطِ ذِي الْوَجْهِ، أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ، التَّصْدِيقَ فِي الإِحْضَارِ، ولَهُ طَلَبُ الْمُسْتَحِقِّ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ أَجَلِهِ، لا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إِلَيْهِ، وضَمِنَهُ إِنِ اقْتَضَاهُ لا أُرْسِلَ بِهِ، ولَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ، الْمُعْسِرَ، أَوِ الْمُوسِرَ، إِنْ سَكَتَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، إِنْ حَلَفَ أنّه لَمْ يُؤَخِّرْهُ مُسْقِطاً. قوله: (كَشَرْطِ ذِي الْوَجْهِ، أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ، التَّصْدِيقَ فِي الإِحْضَارِ) (التصديق) مفعول بشرط، وهو راجع لهما أي كشرط ضامن الوجه التصديق فِي إحضار المديان، وشرط رب الدين التصديق فِي عدم إحضاره، وأشار بهذا إلى قول المتيطي: وإِذَا اشترط ضامن الوجه أنّه مصدق فِي إحضار وجهه دون يمين تلزمه كَانَ له شرطه وإن انعقد فِي وثيقة الضمان تصديق المضمون له [فِي إحضار] (¬3) وجهه إن ادعى الضامن أنّه قد أحضره دون يمين تلزمه (¬4) فهو من الحزم للمضمون له وتسقط عنه اليمين إن ادعى الضامن عَلَيْهِ إحضاره. وإِنْ أَنْكَرَ، حَلَفَ أنّه لَمْ يُسْقِطْ ولَزِمَهُ، وتَأَخَّرَ غَرِيمُهُ بِتَأْخِيرِهِ، إِلا أَنْ يَحْلِفَ وبَطَلَ، إِنْ فَسَدَ مُتَحَمِّلٌ بِهِ. قوله: (وإِنْ أَنْكَرَ، حَلَفَ أنّه لَمْ يُسْقِطْ ولَزِمَهُ) أي: وإن أنكر الضامن حلف الطالب أنّه لَمْ يسقط الحمالة ولزم الضمان الضامن ويبقى الحقّ حالاً، وقد فهمت صدر المسألة. ¬
أَوْ فَسَدَتْ كَبِجُعْلٍ [وإن] (¬1) مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ كَمَدِينِهِ، وإِنْ ضَمَانَ مَضْمُونِهِ، إِلا فِي اشْتِرَاءِ شَيْءٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ بَيْعِهِ، كَقَرْضِهِمَا عَلَى الأَصَحِّ، فَإِنْ تَعَدَّدَ حُمَلاءُ اتُّبِعَ كُلٌّ بِحِصَّتِهِ، إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ. قوله: (أَوْ فَسَدَتْ (¬2) كَبِجُعْلٍ (¬3) وإن مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ كَمَدِينِهِ) كذا فِي كثيرٍ من النسخ (غير) بالغين المعجمة والياء والراء و (كمدينه) بكاف التشبيه، فهو كقوله فِي " توضيحه ": لا يجوز للضامن أن يأخذ جعلاً سواءً كَانَ من ربّ الدين أو المدين أو غيرهما (¬4). وفِي بعض النسخ: وإن من عند ربه لمدينه. بلفظ: عند، بالعين المهملة والنون والدال، ولمدينه باللام، وصوابه عَلَى هذا أن يقول: لا من عند ربه لمدينه، بلا النافية؛ حَتَّى يكون مطابقاً لقوله فِي " توضيحه ": اختلف إِذَا كَانَ ربّ الدين أعطى المديان شيئاً عَلَى أن أعطاه حميلاً، فأجازه مالك وابن القاسم وأشهب وغيرهم، وعن أشهب فِي " العُتْبِيَّة ": لا يصحّ. وعنه أَيْضاً أنّه كرهه. وقال اللخمي وغيره: الجواز أبين (¬5). كَتَرَتُّبِهِمْ. قوله: (كَتَرَتُّبِهِمْ) كأنه يشير به لقوله فِي " المدونة ": ومن أخذ من غريمه كفيلاً بعد كفيل فله فِي عدم الغريم أن يأخذ بجميع حقّه أيُّ الكفيلين شاء، بِخِلاف كفيلين فِي صفقة لا يشترط حمالة بعضهم ببعض، وليس أخذ الحميل الثاني إبراءاً للأول؛ ولكن كلّ واحد منهما حميل بالجميع (¬6). ¬
ورَجَعَ الْمُؤَدِّي بِغَيْرِ الْمُؤَدَّى عَنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ مَا عَلَى الْمُلْقِي، ثُمَّ سَاوَاهُ. قوله: (وَرَجَعَ الْمُؤَدِّي [بِغَيْرِ الْمُؤَدَّى] (¬1) عَنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ مَا عَلَى الْمُلْقِيّ، ثُمَّ سَاوَاهُ) (بِكُلِّ) بدل من (بغير) بدل بعض من كل، والعامل فيهما (رجع)، و (الْمُلْقِيّ) بكسر القاف وتشديد الياء اسم مفعول من الثلاثي. فَإِنِ اشْتَرَى سِتَّةٌ بِسِتِّمِائَةٍ بِالْحَمَالَةِ فَلَقِيَ أَحَدَهُمْ أَخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعَ، ثُمَّ إِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمْ أَخَذَهُ بِمِائَةٍ، ثُمَّ بِمِائَتَيْنِ. قوله: (فَإِنِ اشْتَرَى سِتَّةٌ) فِي بعض النسخ بالفاء، وفِي بعضها بالكاف، وكلاهما صحيح. فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا ثَالِثاً أَخَذَهُ بِخَمْسِينَ وبِخَمْسَةٍ وسَبْعِينَ فَإِنْ لَقِيَ الثَّالِثُ رَابِعاً أَخَذَهُ بِخَمْسَةٍ وعِشْرِينَ وبِمِثْلِهَا، ثُمَّ بِاثْنَيْ عَشَرَ ونِصْفٍ وبِسِتَّةٍ ورُبُعٍ. قوله: (فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا ثَالِثاً أَخَذَهُ بِخَمْسِينَ وبِخَمْسَةٍ وسَبْعِينَ). عياض: اختلفوا إِذَا لقي الثاني من الستة الثالثة فِي مسألة الكتاب، فإنه قال: يأخذه بخمسين، وهي التي قضاها عنه خاصة من الدين الذي عَلَيْهِ، ويرجع عَلَيْهِ بخمسة وسبعين نصف ما أدى بالحمالة وهي مائة وخمسون، فجميع ذلك مائة وخمسة وعشرون، وعَلَى هذا النحو [حسب] (¬2) الفقهاء كلهم المسألة، وصوروا التراجع بينهم إلى تمامها. وذهب أبو القاسم الطنيزي الفارض إلى أن هذا العمل - عَلَى هذا - غلط فِي الحساب، وأن صورة التراجع من الثاني مع الثالث يجب أن يكون عَلَى غير هذا العمل، بل يجب إِذَا التقى الثالث مع أحد الأولين وطلبه بالاعتدال معه أن يقول له الثالث نحن الثلاثة كأنّا اجتمعنا معاً باجتماع بعضنا ببعض، ولو اجتمعنا معاً لكان المال علينا أثلاثاً مائتان عَلَى كلّ واحد، مائتان غرمتهما أنت وصاحبك عني فخذ واحدة أنت التي تجب لك، وسأدفع إلى صاحبك المائة التي دفع عني إِذَا لقيته فتستوي فِي الغرم كل واحد مائتين كما لو اجتمعنا فِي دفعة واحدة، وهكذا إِذَا لقي الثالث الرابع وكذا فِي بقية المسألة فانظرها فِي " معاملة " الطنيزي. ¬
ابن عرفة: قبل عياض وغيره قول الطنيزي؛ وهو غلط فِي الفقه؛ لأن مآله عدم غرم الثالث بالحمالة؛ لأن جملة ما غرمه عَلَى قوله فِي لقائه بالثاني مائة وهي الواجبة عَلَيْهِ [فِيمَا عَلَيْهِ] (¬1) بالشراء، واستواؤها فِي التزام الحمالة يوجب استواؤهما فِي الغرم لها، واستواؤهما فِيهِ يوجب رجوع الثاني عَلَى الثالث بما قاله الفقهاء. وهَلْ لا يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ أَيْضاً إِذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْ لا وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ تَأْوِيلانِ. وصَحَّ بِالْوَجْهِ، ولِلزَّوْجِ، رَدُّهُ مِنْ زَوْجَتِهِ، وبَرِئَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ وإِنْ بِسِجْنٍ، أَوْ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ، إِنْ أَمَرَهُ بِهِ، إِنْ حَلَّ الْحَقُّ، وبِغَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ إِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ. قوله: (وهَلْ لا يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ أَيْضاً إِذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْ لا وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ تَأْوِيلانِ). كذا فِي كثير من النسخ [89 / أ] وهو كلام معكوس، وفِي بعض النسخ: (وَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ إِذَا كَانَ الْحَقُّ ... إلى آخره)، بإسقاط لفظ: (لا) ولفظ (أَيْضاً)؛ وهو الصواب المطابق لقول عياض. وفِي " التنبيهات " ما نصّه: " وأما إن كَانَ الحقّ عَلَى غيرهم وهم كفلاء فقط بعضهم ببعض، فها هنا اختلف إِذَا أخذ الحقّ من أحدهم، ثُمَّ لقي الآخر هل يقاسمه بالسواء فِي الغرم حَتَّى يعتدلا؟؛ إذ الحقّ عَلَى غيرهم، أو إنما يقاسمه بعد إسقاطه ما يخصّه من الحق كالمسألة الأولى؟ وإلى التسوية ذهب ابن لبابة والتونسي وغيرهما قالوا: لأنهم سواء فِي الحمالة، وليس يخص أحدهم ما لا يخصّ غيره، وإلى المحاسبة ذهب كثير من مشايخ الأندلسيين ونحوه فِي كتاب محمد، وفِي سماع أبي زيد فِي " المستخرجة "، وجعلوا ما ينوب كلّ واحد من المال وهو مائة بالحمالة كما [لو] (¬2) ثبت عَلَيْهِ من أصل دين كمسألة الستة فِي " المدونة ". انتهى. فإن قلت: لعل المصنف أراد بالأكثر ابن لبابة والتونسي وغيرهما، وينعشه أنّه فِي " التنبيهات " نسب مقابله لكثيرٍ من مشايخ الأندلسيين لا لأكثر المشايخ عَلَى الجملة؟ قلت: هذا بعيد جداً، ومما يوضح بُعده أنّ ابن رشد فِي " المقدمات " ما ذكر مع ¬
التونسي غيره، وصوّب ما فِي " المَوَّازِيَّة " وسماع أبي زيد (¬1)، وقال: هو الذي يأتي عَلَى ما فِي " المدونة " فِي مسألة الستة كفلاء (¬2). وبِغَيْرِ بَلَدِهِ، إِنْ كَانَ بِهِ حَاكِمٌ ولَوْ عَدِيماً، وإِلا أُغْرِمَ بَعْدَ خَفِيفِ تَلَوُّمٍ، إِنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ غَرِيمِهِ كَالْيَوْمِ ولا يَسْقُطُ [الْغُرْمُ] (¬3) بِإِحْضَارِهِ، إِنْ حُكِمَ. قوله: (وبِغَيْرِ بَلَدِهِ، إِنْ كَانَ بِهِ حَاكِمٌ) أشار به لقوله فِي " المدونة ": وكذلك إن دفعه (¬4) إليه بموضعٍ فِيهِ حكم وسلطان، وإن لَمْ يكن ببلده فيبرأ (¬5). فرع: لو شرط إحضاره ببلد فأحضره فِي غيره حيث تأخذه (¬6) الأحكام ففي براءته قَوْلانِ، نقلهما ابن عبد الحكم. ابن عرفة: وفِي تخريج المازري لهما عَلَى شرط ما لا يفيد نظر، ولو خرب الموضع المشترط فِيهِ حضوره ففي براءته بإحضاره فِيهِ قَوْلانِ نقلهما ابن عبد الحكم أَيْضاً، والنظر الذي أشار إليه ابن عرفة سبقه إليه شيخه ابن عبد السلام؛ إذ ذكر أن هذا الشرط قد يكون مقيداً كما إِذَا كَانَ البلد المشترط إحضاره فِيهِ هو موضع سكنى البينة، أو كَانَ الحقّ غير عين، وللطالب غرض فِي أخذه بمحل الاشتراط. انتهى. فإن قلت: هل يجوز أن يعود الضمير من قول المصنف وبغير بلده عَلَى الاشتراط المفهوم من قوله قبله: (إن لَمْ يشترط)؟، ويكون أشار به إلى أحد القولين فِي مسألة ابن عبد الحكم وسكت عن مسألة " المدونة "؛ لأن البراءة فِيهَا أحرى. ¬
قلت: لو صحّ تشهير القول بالبراءة فِي مسألة الاشتراط لبعد [هذا المحمل] (¬1) فما ظنّك به إن لَمْ يصحّ؟! إِلا إِنْ ثَبَتَ (¬2) عَدَمُهُ، أَوْ مَوْتُهُ فِي غَيْبَتِهِ ولَوْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ. قوله: (إِلا إِنْ ثَبَتَ عَدَمُهُ، أَوْ مَوْتُهُ فِي غَيْبَتِهِ ولَوْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ) (¬3) يتمشي هذا الكلام عَلَى أن يكون من باب اللف والنشر المرتب، وتقديره: لا إن أثبت عدمه فِي غيبته أو موته ولو بغير بلده (¬4). فأما إن أثبت عدمه فِي غيبته فقال اللخمي: لا يغرم، وعَلَيْهِ اقتصر هنا، بِخِلاف قوله فِي باب: التفليس: (فَغَرِمَ إنْ لَمْ يَأْتِ ولَوْ أَثْبَتَ عَدَمَهُ) فإنه اختار هناك قول ابن رشد فِي " المقدمات ": وإما إن أثبت موته فقال ابن القاسم فِي " المدونة ": وإِذَا مات الغريم بريء حميل الوجه؛ لأن النفس المكفولة قد ذهبت (¬5). وأشار بقوله: (ولو بغير بلده) إلى قول ابن القاسم فِي رسم سلف من سماع عيسى ما نصّه: " وإن مات بغير البلد الذي تحمّل فِيهِ قبل الأجل وكان المكان لو كَانَ حياً لَمْ يأت به حَتَّى يمضي الأجل فهو ضامن له وكذلك لو مات بعد الأجلّ بغير البلد كَانَ ضامناً له، طلبه أو لَمْ يطلبه؛ لأنه لو طلبه منه لَمْ يقدر عَلَى أن يأتيه (¬6) به. قال ابن القاسم: وكلّما قلت لك من خلاف هذه المسألة فدعه وخذ بهذا، وإن مات بغير البلد قبل الأجل وكَانَ فِيمَا بقى من الأجل ما يأتي به فِيهِ فلا شيء عَلَيْهِ ". انتهى. وصرّح ابن رشد بأن هذا خلاف ما له فِي " المدونة " (¬7). قال ابن عبد السلام: وإنما لزم الكفيل الغرم فِي هذا القول؛ لأن تفريطه فِي الغريم حَتَّى خرج عن البلد كعجزه عن ¬
إحضاره (¬1) وهو حيّ؛ لأنه لو منعه من الخروج لحلّ الأجل عَلَيْهِ وهو بالبلد، فتمكن رب الدين من طلبه. ورَجَعَ بِهِ، وبِالطَّلَبِ، وإِنْ فِي قِصَاصٍ كَأَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ، أَوِ اشْتَرَطَ نَفْيَ الْمَالِ، أَوْ قَالَ لا أَضْمَنُ إِلا وَجْهَهُ، وطَلَبَهُ بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ، وحَلَفَ مَا قَصَّرَ. قوله: (وَرَجَعَ بِهِ) أي بما أغرم قال فِي " المدونة ": ولو غرم الحميل ثُمَّ أثبت بينة أن الغريم قد مات فِي غيبته قبل القضاء رجع الحميل بما أدَّى عَلَى ربّ الدين؛ لأنه لو علم أنّه ميّت حين أخذ به الحميل لَمْ يكن عَلَيْهِ شيء، وإنما تقع الحمالة بالنفس ما كَانَ حياً (¬2). وغَرِمَ إِنْ فَرَّطَ أَوْ هَرَّبَهُ، وعُوقِبَ، وحُمِلَ فِي مُطْلَقِ أَنَا حَمِيلٌ، وزَعِيمٌ، وأَذِينٌ، وقَبِيلٌ، وعِنْدِي وإِلَيَّ وشِبْهِهِ عَلَى الْمَالِ عَلَى الأَرْجَحِ والأَظْهَرِ، لا إِنِ اخْتَلَفَا. قوله: (وَغَرِمَ إِنْ فَرَّطَ أَوْ هَرَّبَهُ، وعُوقِبَ) الذي فِي سماع حسين ابن عاصم من حمالة " العُتْبِيَّة ": " قلت لابن القاسم: فإن تبين أنّه [مُلَدٌّ] (¬3) وأنّه لا يطلبه؟ قال: وكيف يختبر هذا إِلا أن تقوم بينة أنّه خرج، فأقام بقرية ثُمَّ رجع ولم يتوجه إلى المحمول عنه وما أشبه ذلك، فأرى للسلطان أن يعاقبه بالحبس فِي ذلك عَلَى قدر [89 / ب] ما يرى، ويأمره بإحضار صاحبه إن قدر عَلَيْهِ، فأما ضمان المال فلا أراه عَلَيْهِ إِلا أن يكون لقيه فتركه أو غيّبه فِي بيته وأبى أن يظهره، فإذا ثبت ذلك ببينة رأيته ضامناً ". (¬4) انتهى. وقد نسبه ابن عرفة لسماع أبي زيد، وإنما وجدته فِي سماع حسين بن عاصم. وعند اللخمي فيمن قوى دليل تهمته بمعرفة مكانه وله عن طلبه وإظهاره ولو أغرم المال لكان وجهاً، وذكر عن ابن القاسم فِي " المَوَّازِيَّة ": إن لَمْ يعرف موضعه لَمْ يسجن فِيهِ، إِلا أن يتهم بمعرفة موضعه فيسجن عَلَى قدر ما يرى السلطان ويرجوا به الرد عَلَى صاحبه. ¬
ولَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِلْخُصُومَةِ ولا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ بِالدَّعْوَى، إِلا بِشَاهِدٍ، وإِنِ ادَّعَى بَيِّنَةً فَكَالسُّوقِ أَوْقَفَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُ. قوله: (ولَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِلْخُصُومَةِ) أشار به إلى قوله أول النصف الثاني من حمالة " المدونة ": وإن سأله وكيلاً بالخصومة حَتَّى يقيم البينة عند القاضي لَمْ يلزم المطلوب ذلك إِلا أن يشاء لأنا نسمع البينة فِي غيبة المطلوب (¬1). أبو الحسن الصغير: انظر هل [هو] (¬2) الوكيل الذي يقوم مقامه وينوب عنه؛ لأن المطلوب قد يغيب أو معنى الوكيل الملازم الذي يحرسه ويلازمه، وأما الوكيل بمعنى النائب فعلى حدّ ما يخاف وأن يغيب المطلوب يخاف تغيّب الوكيل. ¬
باب الشركة
[باب الشركة] الشَّرِكَةُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا. قوله: (الشَّرِكَةُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا) بهذا عرّفها ابن الحاجب (¬1) قال ابن عرفة: وقد قبلوه ويبطل طرده بقول من ملك شيئاً لغيره: أذنت لك فِي التصرف فِيهِ معي، وقول الآخر له مثل ذلك، وليس بشركة؛ لأنه لو هلك ملك أحدهما لَمْ يضمنه الآخر، وهو لازم الشركة ونفي اللازم ينفي الملزوم ويبطل عكسه بخروج شركة الجبر كالورثة وشركة المبتايعين شيئاً بينهم، وقد ذكرهما (¬2) إذ لا إذن فِي التصرف لهما؛ ولذا اختلف فِي كون تصرف أحدهما كغاصب أم لا. ثم استدل بما فِي سماع ابن القاسم فِي ضرب أحد السيّدين العبد بغير إذن شريكه (¬3) ونظائر ذلك، ثُمَّ قال: وحكمها الجواز كجزئيهما (¬4) البيع والوكالة، وعروض وجوبها بعيد (¬5) بِخِلاف عروض موجب حرمتها وكراهتها. وإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ والتَّوَكُّلِ. قوله: (وإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ والتَّوَكُّلِ) أصل هذا " للوجيز " وتبعه ابن شاس وابن الحاجب (¬6) وقبله شراحه، فزاد ابن عرفة: أهلية البيع؛ لأن كلّ واحدٍ منهما ¬
بائع من صاحبه نصف ماله، ولا تستلزمها أهليّة الوكالة؛ لجواز توكيل الأعمى اتفاقاً وتوكله (¬1) مع [الخلاف في] (¬2) صحة كونه بائعاً انتهى. فليتأمل. ولَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفاً كَاشْتَرَكْنَا بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ إِنِ اتَّفَقَ صَرْفُهُمَا، وبِهِمَا مِنْهُمَا [59 / أ]، وبِعَيْنٍ وبِعَرْضٍ، وبِعَرْضَيْنِ مُطْلَقاً. قوله: (ولَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفاً) يأتي الكلام إن شاء الله تعالى عَلَى لزومها عند قوله: (وله التبرع والسلف والهبة بعد العقد). وكُلٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أُحْضِرَ، لا فَاتَ، إِنْ صَحَّتْ، إِنْ خَلَطَا ولَوْ حُكْماً وإِلا فَالتَّالِفُ مِنْ رَبِّهِ، ومَا ابْتِيعَ بِغَيْرِهِ فَبَيْنَهُمَا. قوله: (وكُلٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أُحْضِرَ، لا فَاتَ، إِنْ صَحَّتْ) توهم هذه العبارة أن المعتبر فِي الفاسدة القيمة يوم الفوت، وعبارة ابن الحاجب أبين منها إذ قال: فلو وقعت فاسدة فرأس ماله ما بيع به عرضه (¬3). وقال الصقليان عبد الحقّ وابن يونس: فإن لَمْ يعرفا ما بيعت به سلعتاهما فلكلّ واحدٍ قيمة عرضه يوم البيع، وحمله عَلَى هذا بعيد. وعَلَى الْمُتْلِفِ نِصْفُ الثَّمَنِ، وهَلْ إِلا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وعَلَيْهِ؟ أَوْ مُطْلَقاً إِلا أَنْ يَدَّعِيَ الأَخْذَ لَهُ؟ تَرَدُّدٌ. وَلَوْ غَابَ [نَقْدُ] (¬4) أَحَدِهِمَا إِنْ لَمْ يَبِعْدُ ولَمْ يُتَّجَرْ لِحُضُورِهِ لا بِذَهَبٍ وبِوَرِقٍ، وبِطَعَامَيْنِ، ولَوِ اتَّفَقَا، ثُمَّ إِنْ أَطْلَقَا التَّصَرُّفَ وإِنْ بِنَوْعٍ، فَمُفَاوَضَةٌ. ولا يُفْسِدُهَا انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ، ولَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ إِنِ اسْتَأْلَفَ بِهِ أَوْ خَفَّ، كَإِعَارَةِ آلَةٍ، ودَفْعِ كِسْرَةٍ، ويُبْضِعَ، ويُقَارِضَ ويُودِعَ لِعُذْرٍ، وإِلا ضَمِنَ، ويُشَارِكَ فِي مُعَيَّنٍ، ويُقِيلَ، ويُوَلِّيَ، ويَقْبَلَ الْمَعِيبَ وإِنْ أَبَى الآخَرُ، ويُقِرُّ بِدَيْنٍ لِمَنْ لا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ، ويَبِيعَ بِالدَّيْنِ، لا الشِّرَاءُ بِهِ، كَكِتَابَةٍ. وعِتْقٍ عَلَى مَالٍ، وإِذْنٌ لِعَبْدٍ فِي تِجَارَةٍ ومُفَاوَضَةٍ. وَاسْتَبَدَّ آخِذُ قِرَاضٍ، ومُسْتَعِيرُ دَابَّةٍ بِلا إِذْنٍ، وإِنْ لِلشَّرِكَةِ، ومُتَّجِرٌ بِوَدِيعَةٍ بِالرِّبْحِ والْخُسْرِ، إِلا أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِتَعَدِّيهِ فِي الْوَدِيعَةِ. قوله: (وعَلَى الْمُتْلِفِ نِصْفُ الثَّمَنِ) كأنه أطلق المتلف عَلَى الذي تلف ماله سواءً كَانَ بسببه أو بغير سببه. ¬
وكُلٌّ وَكِيلٌ، فَيُرَدُّ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ، كَالْغَائِبِ إِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ، وإِلا انْتُظِرَ، والرِّبْحُ والْخُسْرُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ، وتَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ. قوله: (وكُلٌّ وَكِيلٌ، فَيُرَدُّ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ (¬1) كَالْغَائِبِ إِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ، وإِلا انْتُظِرَ) أصل ما أشار إليه قوله فِي أواخر كتاب: الشركة من " المدونة ": ومن ابتاع عبداً من أحدهما فظهر عَلَى عيبٍ فله ردّه بالعيب عَلَى بائعه إن كَانَ حاضراً، وإن كَانَ غائباً غيبةً قريبةً كاليوم ونحوه فلينتظر لعلّ له حجة، وإن كانت غيبته بعيدة، فأقام المشتري بينة أنّه ابتاع بيع الإسلام وعهدته؛ نظر فِي العيب، فإن كَانَ قديماً لا يحدث مثله ردّ [العبد عَلَى الشريك الآخر، وإن كَانَ يحدث مثله فعلى المبتاع البينة أن العيب كَانَ عند البائع، وإِلا حلف الشريك بالله ما أعلم أن هذا] (¬2) العيب كَانَ عندنا وبرئ، وإن نكل حلف المبتاع عَلَى البت أنّه ما حدث عنده ثُمَّ رده عَلَيْهِ (¬3). فمعنى كلامه فبسبب أنّ كلّ واحدٍ وكيل للآخر يردّ واحد العيب عَلَى حاضر لَمْ يتول البيع لتعذر وجود الغائب الذي تولاّه حالة كون هذا الردّ كالردّ عَلَى كلّ غائب فِي افتقار المشتري الرادّ إلى إثبات أنّه ابتاع بيع الإسلام، وعهدته، ثُمَّ نبّه عَلَى أنّ الرد عَلَى الحاضر الذي لَمْ يتول إنما هو إن بعدت غيبة شريكه الغائب، وإلا انتظر، فالشرط راجع للمشبه لا للمشبه به، وبهذا التشبيه يكون كلامه مطابقاً لما فِي " المدونة " متضمناً لنصوص نصها، فلله درّه ما ألطف إشارته. فإن قلت: وأين تقدم له الغائب الذي أحال عَلَيْهِ؟ قلت: فِي قوله فِي خيار النقيضة: (ثُمَّ قضى إن أثبت عهدة مؤرخة وصحة الشراء). فإن قلت: [90 / أ] عود الضمير فِي قوله: (غيبته) عَلَى الغائب المشبه به يغير فِي وجه هذه التمشية؟ ¬
قلت: إن سلمنا عوده عَلَيْهِ ولم نرده للغائب من الشريكين المفهوم من السياق فقصاراه أنّه من باب: عندي درهم ونصفه، وقد قيل بنحو هذا فِي قوله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} [العنكبوت:62] وفِي قوله سبحانه: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فاطر:11]. والله تعالى أعلم. ولِكُلٍّ أَجْرُ عَمَلِهِ لِلآخَرِ. قوله: (ولِكُلٍّ أَجْرُ عَمَلِهِ لِلآخَرِ) كأنه أطلق أجر العمل عَلَى حقيقته ومجازه، فحقيقته الأجرة التابعة للعمل، ومجازه الربح التابع للمال، وسهل له هذا قرينة قوله: (ولكل)؛ لدلالته عَلَى الجانبين. ولَهُ التَّبَرُّعُ، والسَّلَفُ، والْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ، والْقَوْلُ لِمُدَّعِي التَّلَفِ والْخُسْرِ، ولآخِذٍ لائِقٍ لَهُ. قوله: (ولَهُ التَّبَرُّعُ، والسَّلَفُ، والْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ) مثله لابن الحاجب (¬1)، وفسّره ابن عبد السلام بأن اختلاف نسبة الربح والعمل مع رأس المال إنما يفسد الشركة إن كَانَ شرطاً فِي عقدها، ولو تبرع به أحدهما بعده جَازَ. قال: وهو بيّن فِي شركة الأموال؛ لأن المذهب لزومها بالعقد دون الشروع، واختلف فِي شركة الحرث: هل هي كشركة الأموال؟ وهو قول سحنون، أو لا تلزم إِلا بالعمل وهو قول ابن القاسم، ففي هذه يصعب التبرع بعد العقد وقبل الشروع، وإن كَانَ ظاهر نصوصهم أن ذلك لا يقدح فِي صحتها. قال ابن عرفة: قول ابن عبد السلام: إن المذهب لزوم الشركة بالعقد دون الشروع وهو مقتضى (¬2) قول ابن الحاجب: يجوز التبرع (¬3) بعد العقد. خلاف قول ابن رشد فِي سماع ابن القاسم أنها من العقود الجائزة، وهو مقتضى (¬4) مفهوم السماع أنّه إن شرط ذلك ¬
بعد العقد لا يجوز، ونحوه قوله فِي " المقدمات ": هي من العقود الجائزة لكلّ منهما أن ينفصل عن شريكه متى شاء (¬1). ولهذه العلّة لَمْ تجز إِلا عَلَى التكافؤ (¬2) والاعتدال؛ لأنه إن فضل أحدهما صاحبه فِيمَا يخرجه فإنما سمح بذلك رجاء بقائه معه عَلَى الشركة فصار غرراً. وجاز فِي المزارعة كون قيمة ما يخرجه أحدهما أكثر مما يخرجه الآخر عَلَى قول سحنون؛ لأن المزارعة تلزم بالعقد، وقاله ابن الماجشون وابن كنانة وابن القاسم فِي كتاب ابن سحنون، ولا يجوز ذلك فِيهَا عَلَى قول من يرى أنها لا تلزم بالعقد، وهو معنى قول ابن القاسم فِي " المدونة " ونص سماع أصبغ. انتهى. وذكر فِي " التوضيح " أول الباب ما فِي " المقدمات " وَقال نحوه للخمي، ونسب لابن يونس وعياض و " مفيد الحكام " (¬3) أنها تلزم بالعقد، وتأوله باعتبار الضمان أي: إِذَا هلك شيء بعد العقد يكون (¬4) ضمانه منهما وإن لَمْ يخلطا قال: فإن قيل يلزم منه مخالفة قوله فِي " المدونة ": وإن بقيت كلّ صرة بيد صاحبها حَتَّى ابتاع بها أمة عَلَى الشركة فالأمة بينهما والصرة من ربها (¬5). فالجواب: قد قيّد اللخمي ذلك بما إِذَا كانت الصرة فِيهَا حق توفِيهِ من وزن أو انتقاد، وقال: " أما لو وزنت وانتقدت وبقيت (¬6) عند صاحبها عَلَى وجه الشركة فضاعت لكانت مصيبتها منهما؛ لأن الخلط عنده ليس بشرطٍ في الصحة "، هذا نصّ اللخمي، وهو يدل لما قلناه، وأَيْضاً فلجعله الأمة بينهما. انتهى ما فِي " التوضيح " (¬7) فليتأمل. ¬
ولِمُدَّعِي النِّصْفِ. قوله: (وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ) لعلّه أشار بها لقول ابن يونس: وإذا أشرك من ماله ممن يلزمه أن يشركه ثُمَّ اختلفا فقال: أشركتك بالربع، وقال: الآخر بالنصف، وقالا: نطقنا به، أو قالا: أضمرناه بغير نطق، فالقول قول من ادعى منهما النصف وإن لَمْ يدعه أحدهما رد إليه؛ لأنه أصل شركتهما فِي القضاء، وإن كانوا ثلاثة فعلى عددهم ما كانوا، ثُمَّ قال: وأما إن أشرك رجلاً فِي سلعة اشتراها ممن لا يلزمه أن يشركه، ثُمَّ اختلفا هكذا فإن كَانَ ذلك فِيمَا نويا ولم ينطقا به كانت بينهما نصفين أَيْضاً، وإن كانوا أكثر فعلى عددهم. وقال (¬1) قبل ذلك: ولو أقرّ أن فلاناً الغائب شريكه، ثُمَّ زعم بعد ذلك أنّه شريكه عَلَى الربع، وإنما هو شريكه فِي مائة دينار فإنه شريكه عَلَى النصف ". انتهى ما قصدنا نقله من كلام ابن يونس مما يمكن أن يكون المصنف قصد الإشارة إليه، فإن قلت: فهو عَلَى [هذا] (¬2) تكرار مع قوله آخر فصل الخيار: (وإِنْ أَشْرَكَهُ حُمِلَ إنْ أُطْلِقَ عَلَى النِّصْفِ). قلت: تكراره مع ما طال وتنوسي أهون من تكراره مع ما يليه (¬3). وحُمِلَ عَلَيْهِ فِي تَنَازُعِهِمَا، والاشْتِرَاكِ فِيمَا بِأَيْدِيهِمَا. إِلا لِبَيِّنَةٍ عَلَى كَإِرْثِهِ، وإِنْ قَالَتْ لا نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ لَهَا إِنْ شُهِدَ بِالْمُفَاوَضَةِ، ولَوْ لَمْ يُشْهَدْ بِالإِقْرَارِ بِهَا عَلَى الأَصَحِّ. قوله: (وحُمِلَ عَلَيْهِ فِي تَنَازُعِهِمَا) تبع فِي هذا ابن الحاجب إذ قال: وإِذَا تنازعا فِي قدر المالين حمل عَلَى النصف (¬4). وهذا قول أشهب فِي " المَوَّازِيَّة " لكن بشرط أن يحلفا معاً، وقال ابن القاسم فِي " المَوَّازِيَّة " أَيْضاً: إِذَا قال أحدهما لك الثلث ولي الثلثان وقال الآخر المال بيننا نصفين وليس المال بيد أحدهما: فلمدعي الثلثين النصف، ولمدعي النصف الثلث، ويقسم السدس بينهما نصفين. ¬
قال ابن عرفة: فما قاله ابن الحاجب خلاف قول أشهب؛ لإسقاطه اليمين، وخلاف قول ابن القاسم، ونقل خلاف نصوص المذهب عن المذهب لا يجوز. انتهى. قال ابن عبد السلام قول أشهب: بعد أيمانهما. ظاهره أنّه [90 / ب] يحلف كلّ واحد منهما وحلف من ادعى أن الثلثين له ثُمَّ يأخذ النصف لا تحتمله الأصول، وتبعه فِي " التوضيح " (¬1)، وانفصل عنه ابن عرفة بما حصله: أن أشهب لَمْ يبن عَلَى رعي دعواهما، وإِلا لزم أن يقول كما قال ابن القاسم؛ وإنما بنى عَلَى رعي تساويهما فِي الحوز والقضاء فالحوز يستقل (¬2) الحكم به دون يمين الحائز، فوجبت بيمين كلّ منهما؛ لأن الحكم له إنما هو لحوزه؛ ولهذا قال ابن يونس ما نصّه: " وحجّة أشهب أنهم تساووا فِي الحيازة واليمين، وإنما تفاضلوا فِي الدعوى، وذلك لا يوجب زيادة فِي الحيازة. ولِمُقِيمِ بَيِّنَةٍ بِأَخْذِ مِائَةٍ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ، إِنْ أَشْهَدَ بِهَا عِنْدَ الأَخْذِ، أَوْ قَصُرَتِ الْمُدَّةِ. قوله: (ولِمُقِيمِ بَيِّنَةٍ بِأَخْذِ مِائَةٍ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ، إِنْ أَشْهَدَ بِهَا عِنْدَ الأَخْذِ، أَوْ قَصُرَتِ الْمُدَّةِ) أشهد هنا رباعي أي: أشهد بها البينة قاصداً للتوثق كمسألة المودع، وقد تنازل لهذا فِي " توضيحه " (¬3) تابعاً لابن عبد السلام. كَدَفْعِ صَدَاقٍ عَنْهُ فِي أنّه مِنَ الْمُفَاوَضَةِ إِلا أَنْ يَطُولَ كَسَنَةٍ، إِلا بِبَيِّنَةٍ بِكَإِرْثٍ، وإِنْ قَالَتْ: لا نَعْلَمُ، وإِنْ أَقَرَّ وَاحِدٌ بَعْدَ تَفَرُّقٍ أَوْ مَوْتٍ فَهُوَ شَاهِدٌ فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ، وأُلْغِيَتْ نَفَقَتُهُمَا وكُسْوَتُهُمَا، وإِنْ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيِ السِّعْرِ كَعِيَالِهِمَا، إِنْ تَقَارَبَا، وإِلا حَسَبَا كَانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِهِ. قوله: (كَدَفْعِ صَدَاقٍ عَنْهُ فِي أنّه مِنَ الْمُفَاوَضَةِ إِلا أَنْ يَطُولَ كَسَنَةٍ، إِلا بِبَيِّنَةٍ ¬
بِكَإِرْثٍ، وإِنْ قَالَتْ: لا نَعْلَمُ) نصّ هذا الفرع عَلَى ما وقفت عَلَيْهِ فِي كتاب الشركة من أصل " النوادر " عن ابن سحنون: " كتب شجرة (¬1) إلى سحنون، فِي رجلٍ دفع عن أخيه وهو شريكه مفاوضة صداق (¬2) امرأته، ولم يذكر أنّه من ماله ولا من مال أخيه حَتَّى مات الدافع، فقام فِي ذلك ورثته وقالوا: هو من مال ولينا؟ فكتب إليه: " إن دفع وهما متفاوضان، ثُمَّ أقام سنين كثيرة فِي مفاوضهما لا يطلب أخاه بشيء (¬3) من ذلك فهذا ضعيف وإن كَانَ بحضرة ذلك فذلك بينهما شطرين، ويحاسب به إِلا أن يكون للباقي حجة ". (¬4) انتهى. فمعنى كلام المصنف: أن القول لمن ادعى فِي المسألة أن الصداق المدفوع من المفاوضة إِلا فِي وجهين: أحدهما: أشار إليه بقوله: (إِلا أن يطول كسنة)؛ وكأنه اعتمد فِي التحديد بالسنة عَلَى مفهوم قول سحنون: وإن كَانَ بحضرة ذلك فذلك بينهما، ورأى أن ما عارض هذا المفهوم من قوله: فِي مقابله سنين كثيرة غير مقصود. وثانيهما: أشار إليه بقوله: (وإِلا ببينة بكارثة وإن قالت: لا نعلم) وهكذا [هو] (¬5) فِي عدة نسخ بالواو العاطفة قبل إِلا، وهو كالتفسير لقول سحنون: إِلا أن يكون للباقي حجة، فإن الباقي من الأخوين إِذَا قامت له بينة أن الصداق المدفوع كَانَ من إرث آخر مثلاً، كَانَ ذلك له حجة، وإن قالت: البينة: لا نعلم تقدم هذا الإرث عَلَى المفاوضة ولا تأخر (¬6) عنها، فهذا أمثل ما انقدح لنا فِي تشقيق كلامه. والله سبحانه أعلم. ¬
وإِنِ اشْتَرَى جَارِيَةً لِنَفْسِهِ، فَلِلآخَرِ رَدُّهَا، إِلا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ (¬1)، وإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً لِلشِّرْكَةِ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وحَمَلَتْ قُوِّمَتْ، وإِلا فَلِلآخَرِ إِبْقَاؤُهَا، أَوْ مُقَاوَاتُهَا، وإِنِ اشْتَرَطَا نَفْيَ الاسْتِبْدَادِ فَعِنَانٌ. قوله: (وَإِنِ اشْتَرَى جَارِيَةً لِنَفْسِهِ، فَلِلآخَرِ رَدُّهَا، إِلا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ وإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً لِلشِّرْكَةِ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وحَمَلَتْ قُوِّمَتْ، وإِلا فَلِلآخَرِ إِبْقَاؤُهَا، أَوْ تقويمها). درج هنا عَلَى ما بسط فِي " توضيحه " أن لشراء الجارية ثلاثة أوجه: الأول: أن يشتريها لنفسه للوطء أو للخدمة ولم يطأها، ولشريكه ردّها فِي الشركة أو إجازتها له، وإليه أشار بقوله: (وإن اشترى جارية لنفسه فللآخر ردّها) الثاني: أن يشتريها للوطء بإذن شريكه، فلا شكّ أن شريكه أسلفه نصف ثمنها فله نماؤها وعَلَيْهِ تواها، وإليه أشار بقوله: (إِلا للوطء بإذنه). الثالث: أن يكون إنما اشتراها للشركة ثُمَّ وثب عَلَيْهَا فوطأها، وهذا الثالث فِي نفسه عَلَى ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون وثوبه عَلَيْهَا بإذن شريكه فهذه محللة فيتعين تقويمها سواءً حملت أو لَمْ تحمل، وإليه أشار بقوله: (وإن وطئ جارية للشركة بإذنه) أي: قومت وليس ذلك مقيداً بحملها كما ظنّ بعضهم. وثانيها: أن يكون ذلك بغير إذن شريكه؛ ولكنها حملت منه، فيجب تقويمها، وإليه أشار بقوله: (أو بغير إذنه وحملت قومت). وثالثها: أن يكون بغير إذنه ولم تحمل فقال عياض فِي كتاب: " أمهات الأولاد ": معروف مذهب مالك فِي " المدونة " فِي هذا الكتاب وغيره: تخيير غير الواطئ فِي التقويم والتماسك ". انتهى، وهو كقوله فِي " الرسالة ": فإن لَمْ تحمل فالشريك بالخيار بين أن يتماسك أو تقوم (¬2) عَلَيْهِ (¬3). وإليه أشار بقوله: (وإِلا فللآخر إبقاؤها أو تقويمها) والتقويم: ¬
تفعيل من القيمة، وكذا هو فِي هذا القول، وأما المقاواة التي هي المزايدة وهي مفاعلة من القوة ففي قولٍ آخر غير هذا (¬1). تنبيه: وقع فِي بعض النسخ: إِلا بالوطء أو بإذنه بجرّ اللفظين بالباء وعطف أحدهما عَلَى الآخر بأو بدل قوله: (إِلا للوطء بإذنه)، وهو أتمّ فائدة حسبما يظهر بالتأمل إِلا أن الآخر هو الجاري مع لفظ " التوضيح ". وجَازَ لِذِي طَيْرٍ وذِي طَيْرَةٍ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشِّرْكَةِ فِي الْفِرَاخِ، واشْتَرِ لِي ولَكَ، فَوَكَالَةٌ. وجَازَ وانْقُدْ عَنِّي. إِنْ لَمْ يَقُلْ وأَبِيعُهَا لَكَ، ولَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا، إِلا أَنْ يَقُولَ واحْبِسْهَا، فَكَالرَّهْنِ، وإِنْ أَسْلَفَ غَيْرَ الْمُشْتَرِي جَازَ، إِلا لِكَبَصِيرَةِ الْمُشْتَرِي، وأُجْبِرَ عَلَيْهَا، إِنِ اشْتَرَى [59 / ب] شَيْئاً بِسُوقِهِ، لا لِكَسَفَرٍ أَوْ قِنْيَةٍ، وغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ تُجَّارِهِ، وهَلْ وفِي الزُّقَاقِ لا كَبَيْتِهِ؟ قَوْلانِ. قوله: (وجَازَ لِذِي طَيْرٍ وذِي طَيْرَةٍ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشِّرْكَةِ فِي الْفِرَاخِ) كذا فِي " النوادر " من " العُتْبِيَّة " والموازية عن ابن القاسم عن مالك: إِذَا جاء الرجل بحمام ذكر وآخر بأنثى عَلَى أنّ ما أفرخا بينهما، فلا بأس به، وأرجو أن يكون خفيفاً والفراخ بينهما؛ لأنهما يتعاونان فِي الحضانة (¬2). وقبله ابن يونس، ولم يذكر غيره، ونصّها فِي سماع سحنون من شركة " العُتْبِيَّة " قال سحنون: " وأخبرنا ابن القاسم عن مالك فِي الرجل يأتي بحمامة أنثى، ويأتي الآخر [91 / أ] بذكر عَلَى أن تكون الفراخ بينهما: أنّ الفراخ بينهما لأنهما يتعاونان جميعاً عَلَى الحضانة. إِلا أن ظاهر كلام ابن رشد: أن هذا بعد الوقوع والفوات؛ لأنه قال: هذا عَلَى قياس قوله فِي أنّ الزرع فِي المزارعة الفاسدة يكون لصاحب العمل والأرض، يريد ويرجع صاحب الحمامة الأنثى عَلَى صاحب الحمامة الذكر بمثل بيض حمامته، ويأتي عَلَى قياس القول: بأن الزرع فِي المزارعة الفاسدة لصاحب البذر أن الفراخ ¬
تكون لصاحب الحمامة الأنثى؛ لأن (¬1) البيض له ولصاحب الحمامة الذكر قيمة ما أعان به من الحضانة " (¬2) انتهى. تكميل: زاد فِي السماع المذكور: " وإن جاء رجل ببيضٍ إلى رجل فقال له: اجعله تحت دجاجتك، فما كَانَ من فراخ فبيني وبينك، فالفراخ فِي هذا (¬3) لصاحب الدجاجة، وعَلَيْهِ لصاحب البيض مثله، وهو كمن جاء بقمح إلى رجل فقال له: ازرعه فِي أرضك بيننا، فإنما له مثله، والزرع لربّ الأرض " (¬4). وجَازَتْ بِالْعَمَلِ، إِنِ اتَّحَدَ، أَوْ تَلازَمَ، وتَسَاوَيَا فِيهِ، أَوْ تَقَارَبَا، وحَصَلَ التَّعَاوُنُ، وإِنْ بِمَكَانَيْنِ، وفِي جَوَازِ إِخْرَاجِ كُلٍّ آلَةً واسْتِئْجَارِهِ مِنَ الآخَرِ، أَوْ لا بُدَّ مِنْ مِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ؟ تَأْوِيلانِ كَطَبِيبَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الدَّوَاءِ، وصَائِدَيْنِ فِي الْبَازَيْنِ. وَهَلْ وإِنِ افْتَرَقَا؟ رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا، وحَافِرَيْنِ بِكَرِكَازٍ، ومَعْدِنٍ، ولَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ، وأَقْطَعَهُ الإِمَامُ، وقُيِّدَ بِمَا لَمْ يَبْدُ ولَزِمَهُ مَا يَقْبَلُهُ صَاحِبُهُ وضَمَانُهُ وإِنْ تَفَاصَلا. قوله: (وَجَازَتْ بِالْعَمَلِ، إِنِ اتَّحَدَ، أَوْ تَلازَمَ) قال ابن عبد السلام: " قال أبو عبد الله الذكي: لو كَانَ المعلمان (¬5) أحدهما قاريء والآخر حاسب، واشتركا عَلَى أن يقسما (¬6) عَلَى قدر عمليهما؛ لجرى ذلك مجرى جمع الرجلين سلعتيهما فِي البيع، وعَلَى هذا تجوز الشركة بين مختلفي الصنعة إِذَا كانت الصنعتان متلازمتين " انتهى. وقبله فِي " التوضيح "، وذكر عَلَى إثره (¬7) كلام اللخمي فِي الحائكين وطالبي اللؤلؤ (¬8). ¬
وأما ابن عرفة فقال: وقول أبي عبد الله الذكي فِي مسائله: لو اشترك قاريء وحاسب عَلَى أن يقتسما عَلَى قدر عملهما يجري ذلك عَلَى جمع الرجلين سلعتيهما فِي البيع، يردُّ بقوة الغرر (¬1) فِي الشركة؛ لجهل (¬2) قدر عمل كلّ واحد منهما وقدر عوضه، والمجهول فِي السلعتين قدر العوض فقط، ولا يتخرج عَلَى قول اللخمي: لو اشترك حائكان بأموالهما، أحدهما يتولى النسج والآخر لا يحسنه، ويتولى الخدمة والبيع والشراء، وقيمة عملهما سواء، جَازَ؛ لأن معمولهما لا يتمّ إِلا بعملهما معاً كالشريكين فِي استخراج اللؤلؤ، أحدهما يغوص، والآخر يقذف أو يمسك عَلَيْهِ. وأُلْغِيَ مَرَضُ كَيَوْمَيْنِ وغَيْبَتُهُمَا، لا إِنْ كَثُرَ، وفَسَدَتْ بِاشْتِرَاطِهِ كَكَثِيرِ الآلَةِ، وهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ تَرَدُّدٌ، وبِاشْتِرَاكِهِمَا بِالذِّمَمِ أَنْ يَشْتَرِيَا بِلا مَالٍ. قوله: (وَأُلْغِيَ مَرَضُ كَيَوْمَيْنِ وغَيْبَتُهُمَا) الضمير المثنى لليومين، وهو من الإضافة المقدرة بفي كقوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33] عَلَى رأي ابن مالك. وهُوَ بَيْنَهُمَا، وكَبَيْعِ وَجِيهٍ مَالَ خَامِلٍ بِجُزْءٍ مُنْ رِبْحِهِ، وكَذِي رَحًى وذِي بَيْتٍ، وذِي دَابَّةٍ لِيَعْمَلُوا، إِنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْكِرَاءُ. قوله: (وهُوَ بَيْنَهُمَا) أي: ما اشترياه أو أحدهما فِي شركة الذمم (¬3) فهو بينهما، وهذا هو المشهور، وقال سحنون: من اشترى شيئاً فهو له. وتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ، وتَرَادُّوا الأَكْرِيَةَ، وإِنِ اشْتُرِطَ عَمَلُ رَبِّ الدَّابَّةِ فَالْغَلَّةُ لَهُ، وعَلَيْهِ كِرَاؤُهُمَا. قوله: (وتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ) قابل لأن يكون بياناً لفرض المسألة كما قبله، أو تقريراً ¬
لحكمها بعد الوقوع كما بعده؛ فكأنه من النوع المسمى عند البيانيين بالتوجيه (¬1) كقول الشاعر فِي خياطٍ أعور: خَاطَ لِي عَمْرٌو قَبَاءً ... لَيْتَ عَيْنَيْهِ سَوَاءُ فَسَلِ الْنَاسَ جَمِيعَاً ... أمَدِيحَاً أمْ هِجَاءُ وحمْلُه عَلَى تقرير الحكم أولى، وأما فرض المسألة فمفهوم من قوة الكلام كما فِي قوله قبل: (وهو بينهما). وقُضِيَ عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لا يَنْقَسِمُ أَنْ يُعَمِّرَ أَوْ يَبِيعَ كَذِي سُفُلٍ، إِنْ وَهَى وعَلَيْهِ التَّعْلِيقُ والسَّقْفُ، وكَنْسُ مِرْحَاضٍ لا سُلَّمٌ، وبِعَدَمِ زِيَادَةِ الْعُلُوِّ، إِلا الْخَفِيفَ وبِالسَّقْفِ لِلأَسْفَلِ، وبِالدَّابَّةِ لِلرَّاكِبِ، لا مُتَعَلِّقٍ بِلِجَامٍ، وإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمْ رَحًى إِنْ أَبَيَا، فَالْغَلَّةُ لَهُمْ ويَسْتَوْفِي مِنْهَا مَا أَنْفَقَ، وبِالإِذْنِ فِي دُخُولِ جَارِهِ لإِصْلاحِ جِدَارِهِ ونَحْوِهِ. قوله: (وقُضِيَ عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لا يَنْقَسِمُ أَنْ يُعَمِّرَ أَوْ يَبِيعَ) ظاهره بيع جميع نصيبه كما فهم ابن عبد السلام من ظاهر إطلاقاتهم لا بقدر ما يعمر كما قال ابن الحاجب (¬2) وقبله ابن هارون، وقد جلب ابن عرفة ما فِيهَا من الأسمعة، فعليك به. وبِقِسْمَتِهِ، إِنْ طُلِبَتْ لا بِطُولِهِ عَرْضاً، وبِإِعَادَةِ السَّاتِرِ لِغَيْرِهِ، إِنْ هَدَمَهُ ضَرَراً، لا لإِصْلاحٍ أَوْ هَدْمٍ وبِهَدْمِ بِنَاءٍ بِطَرِيقٍ، ولَوْ لَمْ يَضُرَّ وبِجُلُوسِ بَاعَتِهِ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ لِلْبَيْعِ إِنْ خَفَّ. قوله: (وبِقِسْمَتِهِ، إِنْ طُلِبَتْ لا بِطُولِهِ عَرْضاً) أي: ويقضي بقسمة الجدار إن طلبت، ولا يقضي بقسمة طوله عرضاً، فإذا كَانَ الجدار مثلاً جارياً من المشرق إلى المغرب عَلَى صورة سور له شرافات وممشى لَمْ يقض عَلَيْهِما بقسمته عَلَى أن يأخذ أحدهما [جهة الشرفات، والآخر جهة الممشى، ولكن عَلَى أن يأخذ أحدهما] (¬3) الجهة الشرقية بشرافاتها ¬
وممشاها، والآخر الجهة الغربية بشرفاتها وممشاها، فلفظ (عرضاً) عَلَى هذا متعلّق بالمضاف المحذوف، ويجوز أن يتعلّق بلفظ (قسمة) الظاهر. ولذلك يقع فِي بعض النسخ: وبقسمته إن طلبت عرضاً لا بطوله، وهو فِي المعنى راجع للأول، وعَلَى كلّ تقدير فهو يحوم عَلَى إثبات الصفة التي قال بها اللخمي وابن الهندي، وحكاها ابن العطار عن ابن القاسم، وعَلَى نفي الصفة التي تأولها أبو إبراهيم الفاسي عَلَى " المدونة "، وحكاها ابن العطار عن عيسى بن دينار، ويتمّ هذا بالوقوف عَلَى نصوصهم. وذلك أنّه قال فِي كتاب القسم من " المدونة ": ويقسم الجدار إن لَمْ يكن فِيهِ ضرر (¬1)، فقال أبو الحسن الصغير: يعني بالقرعة، وإما بالتراضي، فيجوز وإن كَانَ فِيهِ ضرر، ويأتي الاعتراض الذي فِي قسم الساحة بعد قسم البيوت؛ لأنه قد يقع لأحدهما الجهة التي تلي الآخر إِلا أن يقتسماه عَلَى أنّ من صار ذلك له يكون للآخر عَلَيْهِ الحمل. وقال اللخمي: صفة القسم فِيهِ إِذَا كَانَ جارياً من [المشرق إلى المغرب] (¬2) أن يأخذ أحدهما طائفة مما يلي المشرق والآخر طائفة مما يلي المغرب، وليست القسمة أن يأخذ أحدهما مما يلي القبلة والآخر مما يلي الجوف؛ لأن ذلك ليس بقسمة؛ لأن كل ما يضعه عَلَيْهِ أحدهما من خشب فثقله ومضرته عَلَى جميع الحائط، وليس يختصّ [91 / ب] الثقل والضرر بما يليه، إِلا أن يريد أن يقسما الأعلى، مثل أن تكون أرضه شبرين فيبني كل واحد عَلَى أعلاه شبراً مما يليه لنفسه، ويكون ذلك قسمة للأعلى، وجملة الحائط عَلَى الشركة الأولى أو يكونا أرادا قسمته بعد انهدامه فيقتسمان أرضه ويأخذ كلّ واحد نصفه مما يليه. ابن عرفة: فصفة قسمه عند اللخمي أن يقسم طولاً لا عرضاً، وقال أبو إبراهيم: ظاهر " المدونة " قسمه عرضاً؛ لقوله: وكان ينقسم. قال: وأما طولاً فينقسم وإن قلّ، ¬
وقال ابن فتّوح فِي باب: الإرفاق: قال أحمد بن سعيد - وهو ابن الهندي -: سنّة قسم (¬1) الحائط أن يقسم بخيطٍ من أعلاه إلى أسفله فيقع جميع الشطر لواحد [وجميع الشطر لواحد] (¬2) إِلا أن يتفقا عَلَى قسمة عرضه عَلَى طوله. وقال محمد بن أحمد - وابن العطار -: قال عيسى بن دينار: يقسم بينهما عرضاً، يأخذ كل واحد منهما نصفه مما يليه، فإن كَانَ عرض الجدار شبرين أخذ هذا شبراً مما يلي داره، وهذا شبراً مما يلي داره، ولا تصلح (¬3) القرعة فِي مثل هذه القسمة. قال [ابن العطار] (¬4) وابن فتّوح فِي باب: الإرفاق، والمتيطي فِي باب القسم " عن ابن القاسم: " يُمدّ الحبل بينهما فِيهِ طولاً لا ارتفاعاً من أوله إلى آخره، ويُرشم (¬5) موقف (¬6) نصف الحبل ويقرع بينهما، ويكون لكلّ واحد منهما الجانب الذي تقع قرعته عَلَيْهِ. زاد ابن فتّوح: إلى ناحية بعينها، ولا تصحّ قسمة القرعة فِيهِ إِلا هكذا ". انتهى، وإِذَا طوى الحبل المذكور حقق نصفه. وإِذَا عرفت أن الطول والعرض يعقلان نسبة وإضافة أمكنك الجمع بين عبارة المصنف وابن عرفة وغيرهما، وظهر لك أنّ قول اللخمي وابن الهندي راجعٌ لما حكاه ابن العطار عن ابن القاسم، وهو الذي أثبت المصنف، وأن تأويل أبي إبراهيم عَلَى " المدونة " راجع لما حكاه ابن العطار عن عيسى، وهو الذي نفاه المصنف. ¬
تكميل: قال فِي " المدونة ": " وإن كَانَ لكلّ واحد عَلَيْهِ جذوع لَمْ يقسم وتقاوياه (¬1). قال اللخمي: وليس هذا بالبين؛ لأن الحمل الذي عَلَيْهِ لا يمنع القسم كما لا تمنع (¬2) قسمة العلّو والسفل، وحمل العلّو عَلَى السفل، وأرى أن يقسم طائفتين، عَلَى أنّ من صارت له طائفة كانت له وللآخر عَلَيْهِ الحمل، وقد أجاز ابن القاسم المقاواة، وإنما تصح المقاواة عَلَى أنّ من صار إليه الحائط كَانَ ملك (¬3) له، وللآخر عَلَيْهِ الحمل، فإذا جازت المقاواة عَلَى هذه الصفة كانت القسمة أولى ". فقال ابن عرفة: ظاهر قول ابن القاسم أنهما يتقاويانه كما لا ينقسم من العروض والحيوان أنّه لا حمل فِيهِ عَلَى من صار له (¬4). ولِلسَّابِقِ كَمَسْجِدٍ، وبِسَدِّ كُوَّةٍ فُتِحَتْ أُرِيدَ سَدٌّ خَلْفَهَا، وبِمَنْعِ دُخَّانِ كَحَمَّامٍ، ورَائِحَةِ كَدِبَاغٍ وأَنْدَرٍ قَبْلَ بَيْتٍ، ومُضِرٍّ بِجِدَارٍ. قوله: (ولِلسَّابِقِ كَمَسْجِدٍ) فِي كتاب السلام (¬5) من صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إِذَا قام أحدكم من مجلس (¬6) ثُمَّ رجع إليه فهو أحقّ ¬
به " (¬1) قال عياض فِي " الإكمال ": إِذَا كَانَ أولى به بعد القيام فأحرى قبله، ثُمَّ إن رجع عن بُعد فليس بأحقّ، وإن رجع عن قربٍ فقيل هو أحقّ به وجوباً؛ لأنه اختصّ به وملك الانتفاع به فكان أحقّ به حَتَّى يفرغ من غرضه. وحمله مالك عَلَى الندب؛ وعَلَى هذا فهو عامّ فِي كلّ مجلس، وحمله محمد بن مسلمة عَلَى مجلس العلم قال: هو أولى به إذا قام لحاجة، وإن قام تاركاً فليس بأولى، وقد اختلف فيمن اتسم بموضع من المسجد لتدريسٍ أو فتيا أو إقراء؟ فقال مالك: هو أحقّ به إِذَا عُرف به. وقال الجمهور هو أحقّ به استحساناً لا وجوباً، ولعلّه مراد مالك، وكذلك اختلف فيمن قعد من الباعة بموضعٍ من أقبية الطرقات غير المتملّكة، ثُمَّ قام ونيته الرجوع من غد؟ فقيل: هو أحقّ به حَتَّى يتمّ غرضه حكاه الماوردي عن مالك قطعاً للنزاع، وقيل: هو وغيره فِيهِ سواء، فمن سبق كَانَ أولى به، وأما إن لَمْ يقم فهو أحقّ به ما دام فِيهِ ". انتهى. وهو الذي اختصر المصنف حيث قضى للسابق للأفنية بها، ثُمَّ شبّه به السابق للمسجد، وكَانَ شيخنا الفقيه الحافظ أبو عبد الله القوري يحكي عن " العوفية ": أن من وضع بمحلٍ من المسجد شيئاً [يحجره به حَتَّى يأتي] (¬2) إليه يتخرج عَلَى مسألة: [هل يعرف ملك] (¬3) التحجير إحياء (¬4). ¬
واصْطَبْلٍ. قوله: (واصْطَبْلٍ) هو من جملة المعاطيف عَلَى دخان، وكأنه أشار به لقول صاحب المفيد تبعاً (¬1) لابن فتوح: يُمنع من إحداث اصطبل عند بيت جاره؛ لما فِيهِ من الضرر ببول الدوابّ وزبلها ببيت جاره، وحركتها فِي الليل والنهار المانعة من النوم، فتأمله مع ما يأتي فِي الأصوات. أَوْ حَانُوتٍ قُبَالَةَ بَابٍ، وبِقَطْعِ مَا أَضَرَّ مِنْ شَجَرَةٍ بِجِدَارٍ، إِنْ تَجَدَّدَتْ، وإِلا فقَوْلانِ، لا مَانِعِ ضَوْءٍ، وشَمْسٍ، ورِيحٍ، إِلا لأَنْدَرٍ. قوله: (أَوْ حَانُوتٍ قُبَالَةَ بَابٍ) كذا هو فِي كثيرٍ من النسخ معطوفاً بأو لا بالواو، وذلك يقتضي أن قوله: (قبالة باب) يرجع للاصطبل والحانوت (¬2) عَلَى التعاقب؛ لكن لم أقف عَلَى نصّ فِي إحداث اصطبل فِي مقابلة (¬3) الباب بل عَلَى نصّ (¬4) المفيد المذكور فوقه، وفِي بعض النسخ: وحانوت بالواو عطفاً عَلَى دخان، وعَلَى كلّ حال فكلامه هنا [92 / أ] محمول عَلَى السكة غير النافذة لقوله فِي مقابله: (وباب بسكة نافذة) عَلَى أنّ ما هنا مستغنى عنه بمفهوم قوله آخراً: (إِلا باباً إن نكب؛ لأنه فِي غير النافذة) وما ذكر من التفصيل هو الذي فِي آخر كتاب القسم من " المدونة " (¬5). وقال ابن رشد فِي سماع زونان من كتاب: " السلطان ": يتحصّل فِي فتح الباب وتحويله فِي الزقاق غير النافذ ثلاثة أقوال: ¬
أحدها: أنّه لا يجوز إِلا بإذن أهل الزقاق. قاله ابن زرب، وبه جرى العمل بقرطبة. والثاني: أنّ ذلك جائز فِيمَا لَمْ يقابل باب جاره ولا قرب منه فقطع مرفقاً قاله ابن القاسم فِي " المدونة " وابن وهب هنا. والثالث: أنّ له تحويل بابه عَلَى هذه الصفة إِذَا سدّ الباب الأول، وليس له أن يفتح باباً لَمْ يكن قبل بحال قاله أشهب (¬1). انتهى. ابن عرفة: ولم يحك المتيطي إِلا منع إحداثه وتحويل القديم بقرب باب جاره بحيث يضرّه ذلك، ثُمَّ قال ولو حوّله عن [بعد من] (¬2) باب جاره لَمْ يكن عَلَيْهِ لهم قيام؛ لأنه لَمْ يزدهم شيئاً عَلَى ما كَانَ عَلَيْهِ ثُمَّ قال ابن رشد: " ويتحصّل فِي فتح الرجل باباً أو حانوتاً فِي مقابلة جاره فِي السكّة النافذة ثلاثة أقوال: الأول: أنّ ذلك له جملةً من غير تفصيل، وهو قول ابن القاسم فِي " المدونة " وأشهب فِي " العُتْبِيَّة " (¬3). والثاني: ليس له ذلك جملةً " إِلا أن ينكب، وهو قول سحنون. والثالث: له ذلك إِذَا كانت السكّة واسعة، وهو قول ابن وهب فِي " العتبية " (¬4)، ¬
والواسعة سبعة أذرع (¬1) انتهى، وعَلَيْهِ اقتصر ابن عات. وفِي " أجوبة " ابن رشد: أنّه سئل: عن رجلين متجاورين بينهما زقاق نافذ، فأحدث أحدهما فِي داره باباً وحانوتين يقابل باب [دار] (¬2) جاره، ولا يخرج أحد من داره ولا يدخل إِلا عَلَى نظرٍ من الذين يجلسون فِي الحانوتين المذكورين لعمل صناعتهم، وذلك ضرر بين يثبته صاحب الدار، وكشفة عياله بينة؟ فجاوب: إِذَا كَانَ الأمر عَلَى ما وصفت فيؤمر أن ينكب [ببابه وحانوتيه] (¬3) عن مقابلة باب جاره، فإن لَمْ يقدر عَلَى ذلك ولا وجد إليه سبيلاً ترك ولم يحكم عَلَيْهِ بغلقها ". انتهى بنصّه وقبله ابن عرفة. وعُلُوِّ بِنَاءٍ. قوله: (وعُلُوِّ بِنَاءٍ) مجرور عطفاً عَلَى مانع، أشار به لقوله آخر كتاب القسم من " المدونة ": ومن رفع بنيانه فجاوز به بنيان جاره ليشرف عَلَيْهِ لَمْ يمنع من رفع بنيانه، ومنع من الضرر، ثُمَّ ذكر الرفع المانع (¬4). واللام فِي قوله: " ليشرف " لام الصيرورة، قال معناه أبو الحسن الصغير. وصَوْتِ كَكَمْدٍ، وبَابٍ لِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ. قوله: (وصَوْتِ كَكَمْدٍ) مجرور بالعطف عَلَى المنفي فِي قوله: (لا مانع ضوء) قال فِي كتاب: " كراء الدور " من " المدونة ": ومن اكترى داراً فله أن يدخل فِيهَا ما شاء من الدوابّ والأمتعة، وينصب فِيهَا الحدادين والقصارين والأرحاء ما لَمْ يكن ضرراً عَلَى الدار، أو تكون داراً لا ينصب ذلك فِي مثلها؛ لارتفاعها، ويمنع مما يتعارف الناس منعه (¬5). وقال ابن فتّوح: ويمنع من أحدث اصطبلاً عند بيت جاره لما فِيهِ من الضرر ببول الدوابّ وزبولها لبيت جاره، وحركتها فِي الليل والنهار والمانعة من النوم. ¬
وكذلك المطاحن وكير الحداد قال ابن عات: قال ابن عبد الغفور وعَلَى ما فِي " المدونة ": يكون لصاحب الدار أن ينصب فِي داره ما شاء من الصناعات (¬1) ما لَمْ يضر بحيطان جاره، وأما أن يمنع من وقع [ضرب] (¬2) أو دوّي رحا أو كمد لصوته (¬3) فلا، وكذلك ما أشبه ذلك، وقال المشاور بمثله كله، وقال: لأن الصوت لا يخرق الأسماع ولا يضر بالأجسام، فإن أضرّ [الضرب] (¬4) بالجدارات منع، وذلك بِخِلاف أن يحدث فِي داره أو حانوته دباغاً، أو يفتح بقرب جاره مرحاضاً ولا يغطيه أو ما تؤذيه رائحته؛ لأن الرائحة المنتنة تحرق الخياشيم، وتصل [إلى] (¬5) المَعِي (¬6) وتؤذي الإنسان؛ ولذلك قال عَلَيْهِ السلام " من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا، يؤذينا بريح الثوم " (¬7). فكلّ رائحة تؤذي يمنع منها لهذا قال: وبه العمل وفِي " المجالس " وقضى شيوخ الفتيا بطليطلة بمنع الكمادين إِذَا استضرّ بهم الجيران وقلقوا من ذلك؛ لاجتماع وقع ضربهم، والأول أولى إن شاء الله تعالى. انتهى نصّ " الاستغناء "، وفي ضرر الأصوات، طرق استوفاها ابن عرفة فِي إحياء الموات. والمفهوم من كلام المصنف فِي الرحا وشبهها المنع إن أضرّت بالجدارات لقوله: (ومضر بجدار) لا بالأسماع لقوله: (وصوت ككمد)، وحينئذ يكون قوله: (واصطبل) كالمستغنى عنه؛ لأنه باعتبار رائحته داخل فِي قوله: (ورائحة كدباغ)، وباعتبار مضرة الجدارات داخل فِي قوله: (ومضر بجدار) وباعتبار مجرد الصوت ملغي لقوله: (وصوت ككمد)، وأما باعتبار مقابلة الباب فلم أر من ذكره كما تقدم وهو ضعيف. والله تعالى أعلم. ¬
ورَوْشَنٍ وسَابَاطٍ لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ، بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ، وإِلا، فَكَالملْكِ لِجَمِيعِهِمْ، إِلا بَاباً إِنْ نُكِّبَ. قوله: (ورَوْشَنٍ (¬1) وسَابَاطٍ لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ، بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ، وإِلا، فَكَالملْكِ لِجَمِيعِهِمْ) أصل التفصيل [92 / ب] فِي هذا بين النافذة وغيرها لأبي عمر فِي " كافِيهِ " قال: لا يحدث فِي غير النافذة عسكراً وهو الذي يدعى التابوت والجناح (¬2) والأسقفة، فإن أذن بعضهم فِي ذلك وأبى بعضهم؛ فإن كَانَ الذين أذنوا آخر الزقاق وممرهم إلى منازلهم عَلَى الموضع المحدث فإذنهم جائز (¬3). ونقله المتيطي عنه، وعَلَيْهِ اقتصر ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام وابن هارون والمصنف. وأما ابن عرفة فقال: " لا أعرفه لأقدم من أبي عمر ابن عبد البر، وظاهر سماع أصبغ عن ابن القاسم فِي الأقضية خلافه، ولم يقيده ابن رشد بالطريق النافذة فتأمله ". انتهى. ولم أجدها فِي سماع أصبغ؛ ولكن بعده فِي نوازل سحنون قال فيمن له داران بينهما طريق: له أن يبني عَلَى جداريهما غرفة أو مجلساً فوق الطريق، وإنما يمنع من الإضرار بتضييق الطريق. ابن رشد: هذا إن رفع بناءه رفعاً يجاوز رأس المارّ راكباً (¬4)، ونحوه فِي " الزاهي " وكذا الأجنحة. تنبيه: في قوله: (فَكَالملْكِ لِجَمِيعِهِمْ) ولم يقل ملك، إشارة إلى أنها ليست بملكٍ تامّ لهم، وإِلا كَانَ لهم أن يحجروها عَلَى الناس بغلق، قاله ابن عبد السلام فِي عبارة ابن الحاجب (¬5) وهي نحو هذه، وزاد ظاهر كلام بعض الشيوخ: أن ليس لهم ذلك، وبه حكم بعض ¬
قضاة بلدنا، وهدّ (¬1) ذلك عَلَى من فعله، وقبله فِي " التوضيح " (¬2)، وهو دليل عَلَى إرادته هنا. وصُعُودِ نَخْلَةٍ. قوله: (وصُعُودِ نَخْلَةٍ) بالجرّ عطفاً عَلَى لا مانع وأَنْذَرَ بِطُلُوعِهِ، ونُدِبَ إِعَارَةُ جِدَارِهِ لِغَرْزِ خَشَبَةٍ، وإِرْفَاقٌ بِمَاءٍ، وفَتْحُ بَابٍ ولَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وفِيهَا إِنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَتَهُ. وَفِي مُوَافَقَتِهِ ومُخَالَفَتِهِ تَرَدُّدٌ. قوله: (وأَنْذَرَ بِطُلُوعِهِ) فِي " أجوبة " ابن رشد: أنّ عياضا سأله عن صومعةٍ أحدثت فِي مسجد فشكى منها بعض الجيران أن (¬3) الكشف عَلَيْهِ، هل له فِي ذلك مقال؟، وقد أباح أئمتنا لمن فِي داره شجرة الصعود فِيهَا لجمع ثمرتها مع الإنذار بطلوعه وأوقات الطلوع للأذان معلومة، وفِي مدّة قصيرة، وإنما يتولاها فِي الغالب أهل صلاح ومن لا يقصد مضرةً إن شاء الله تعالى. فأجاب: " ليست الصومعة فِي المسجد كالشجرة فِي دار الرجل؛ لأن الطلوع لجني الثمرة نادر، والصعود فِي الصومعة للأذان يتكرر مراراً فِي كلّ يوم، والرواية فِي سماع أشهب عن مالك بالمنع من الصعود فِيهَا: والرقي عَلَيْهَا منصوصة عَلَى علمك والمعنى فِيهَا صحيح، فِبهَا أقول: وإن كَانَ يطلع منها عَلَى الدور من بعض نواحيها دون بعض، فيمنع من الوصول منها إلى الجهة التي يطلع منها بحاجز يبنى (¬4) وبين تلك الجهة وغيرها من الجهات " (¬5). انتهى. والرواية عن سحنون فِي سماع أشهب من كتاب الصلاة يمنع الصعود فِيهَا، قال ابن رشد: هناك هذا صحيح عَلَى أصل مذهب مالك فِي أنّ الإطلاع من الضرر البيّن الذي ¬
يجب القضاء بقطعه، وكذلك يجب عنده عَلَى مذهب من يرى من أصحاب مالك أن من أحدث فِي ملكه اطلاعاً عَلَى جاره لا يقضى عَلَيْهِ بسدّه. ويقال لجاره استر عَلَى نفسك فِي ملكك، والفرق بين الموضعين عَلَى مذهبهم أنّ المنار ليس بملك للمؤذن؛ وإنما يصعد فِيهِ ابتغاء الخير والثواب، والاطلاع عَلَى حرم الناس محظور ولا يحلّ الدخول فِي نافلة من الخير بمعصية، وسواءً كانت الدور عَلَى القرب أو البعد إِلا البعد الكثير الذي لا تستبين معه الأشخاص ولا الهيئات ولا الذكور من الإناث، فلا يعتبر الاطلاع معه. وقد كَانَ بعض الشيوخ يستدلّ عَلَى هذا بقول عائشة - رضي الله تعالى عنها - " إن كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلّي (¬1) الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن (¬2) ما يعرفن من الغلس " (¬3). والله تعالى المستعان. ¬
باب المزارعة
[باب المزارعة] لِكُلٍّ، فَسْخُ الْمُزَارَعَةِ [60 / أ]، إِنْ لَمْ يُبْذَرْ، وصَحَّتْ، إِنْ سَلِمَا مِنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ، وقَابَلَهَا مُسَاوٍ، وتَسَاوَيَا. قوله: (وَتَسَاوَيَا) كأنّه أعمّ من قوله قبل: (وقابلها مساوٍ) فيغني عنه. إِلا لِتَبَرُّعٍ بَعْدَ الْعَقْدِ، وخَلْطُ بَذْرٍ إِنْ كَانَ، ولَو بِإِخْرَاجِهِمَا. قوله: (إِلا لِتَبَرُّعٍ بَعْدَ الْعَقْدِ) [أي بعد العقد] (¬1) الحاصل بالبذر فـ (أل) عهدية. فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بِذْرُ أَحَدِهِمَا وعُلِمَ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ، إِنْ غَرَّ. وعَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ النَّابِتِ. وإِلا فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ بَذْرِ الآخَرِ، والزَّرْعُ لَهُمَا. قوله: (فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ بِذْرُ أَحَدِهِمَا وعُلِمَ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ، إِنْ غَرَّ. وعَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ النَّابِتِ، وإِلا فَعَلَى كُلٍّ نِصْفُ بَذْرِ الآخَرِ، والزَّرْعُ لَهُمَا) أصل هذا ما نقله ابن يونس عن بعض القرويين وهو أبو اسحاق ونصّه: " قال بعض القرويين: وعند ابن القاسم خلطا أو لَمْ يخلطا الشركة جائزة، وإِذَا صحّت الشركة فِي هذا فنبت زرع أَحَدهمَا ولم ينبت الآخر، فإن غرّ (¬2) منه صاحبه وقد علم أنّه لا ينبت فعَلَيْهِ مثل [نصف] (¬3) بذر صاحبه [لصاحبه] (¬4)، والزرع بينهما ولا عوض له فِي بذره. وإِن لَمْ يعلم أنّه لا ينبت، ولم يغره فإن علم الذي نبت بذره أن يغرم لصاحبه مثل نصف بذره، عَلَى أنّه لا ينبت ويأخذ منه نصف بذره الذي نبت والزرع بينهما عَلَى الشركة غرّه أو لَمْ يغره، ولو (¬5) علم ذلك فِي إبان الزراعة، وقد غرّ هذا صاحبه، فأخرج زريعة يعلم أنها لا تنبت فلم تنبت فضمانها منه، وعَلَيْهِ أن يخرج مكيلتها من زريعة تنبت فيزرعها فِي ذلك القليب وهما عَلَى شركتهما ولا غرم عَلَى الآخر للغارّ، [93 / أ] وإن لَمْ يكن غرّ ولا ¬
علما فليخرجا جميعاً قفيزاً آخر فيزرعاه فِي القليب [إن أحبّا] (¬1) وهما عَلَى شركتهما. قال ابن عبد السلام: سكت فِي الرواية عن رجوع المغرور [على الغارّ بنصف قيمة العمل فيما لَمْ ينبت إِن كَانَ العمل عَلَى المغرور] (¬2)، وينبغي أن يكون له الرجوع عَلَيْهِ بذلك؛ لأنه غرور بالفعل، وقبله فِي " التوضيح "، وزاد وينبغي أن يرجع عَلَيْهِ بنصف قيمة كراء الأرض التي غرّه فيها (¬3). وأما ابن عَرَفَة فقال: هو كما قال فِي الرواية هنا؛ ولكن ذكر ابن يونس فِي الردّ بالعيب ما يدل عَلَى الخلاف فِي ذلك قال ما نصّه: " قال ابن حبيب: لَو زارع بما لا ينبت فنبت شعير صاحبه دون شعيره، فإن دلّس رجع عَلَيْهِ صاحبه بنصف مكيلته من شعيرٍ صحيح ونصف كراء الأرض الذي أبطل عَلَيْهِ، وقاله أصبغ: وقال ابن سحنون مثله إِلا الكراء لَمْ يذكره ". قال ابن عَرَفَة: فظاهر قول ابن سحنون سقوط الكراء، وهو ظاهر قول ابن القاسم فِي " المدونة " فيمن غرّ فِي إنكاح غيره أمة أنّه يغرم للزوج الصداق، ولا يغرم له ما يغرمه الزوج من قيمة الولد (¬4)، ونحوه قوله فِي كتاب: " الجنايات ": من باع عبداً سارقاً دلّس فيه، فسرق من المبتاع فردّه عَلَى سيّده بالعيب، فذلك فِي ذمته إِن عتق يوماً ما (¬5)، وأظن فِي " نوازل " الشعبي: من باع مطمورة دلّس فيها بعيب التسويس، فخزّن فيها المبتاع؛ فاستاس ما فيها أنّه لا رجوع له عَلَى البائع بما استاس فيها، قال: ولَو إكراها لرجع عَلَيْهِ. ¬
كَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْجَمِيعِ، أَوْ قَابَلَ بَذْرَ أَحَدِهِمَا عَمَلٌ أَوْ أَرْضُهُ وبَذْرُهُ، أَوْ بَعْضُهُ، إِنْ لَمْ يَنْقُصْ مَا لِلْعَامِلِ عَنْ نِسْبَةِ بَذْرِهِ. قوله: (كَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْجَمِيعِ ... [إِلَىآخره] (¬1)) تمثيل لما تصحّ فيه الشركة. أَوْ لأَحَدِهِمَا الْجَمِيعُ، إِلا الْعَمَلَ، إِنْ عَقَدَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ، لا الإِجَارَةِ، أَوْ أَطْلَقَا. قوله: (أَوْ لأَحَدِهِمَا الْجَمِيعُ، إِلا الْعَمَلَ، إِنْ عَقَدَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ، لا الإِجَارَةِ، أَوْ أَطْلَقَا) أشار بِهِ لما فِي " أجوبة " ابن رشد حيث سئل عن رجلين اشتركا فِي الزرع عَلَى أن جعل أَحَدهمَا الأرض والبذر والبقر، والثاني العمل، ويكون الربع للعامل بيده والثلاثة الأرباع لصاحبه هل يجوز ذلك أم لا. فأجاب: " لا يخلو الأمر فيها من ثلاثة أوجه أحدها: أن يعقداها بلفظ الشركة، والثاني: أن يعقداها بلفظ الإجارة، والثالث: أن لا يسميا فِي عقدهما شركةً ولا إجارة؛ [فإن عقداها بلفظ الشركة جازت، وإن عقداها بلفظ الإجارة لَمْ تجز، وإن لَمْ يسميا فِي عقدهما شركة ولا إجارة] (¬2)، وإنما قال له: أدفع إليك أرضي وبذري وبقري، وأنت تتولى العمل، ويكون لك ربع الزرع أو خمسه أو جزء من أجزائه، يسميانه فحمله ابن القاسم عَلَى الإجارة فلم يجزه، وإليه ذهب ابن حبيب، وحمله سحنون عَلَى الشركة فأجازها، هذا تحصيل القول عندي فِي هذه المسألة، وقد كَانَ من أدركنا من الشيوخ لا يحصلونها هذا التحصيل، ويذهبون إِلَى أنها مسألة اختلاف جملة من غير تفصيل، وليس ذلك عندي بصحيح " (¬3). انتهى. وقد قال اللخمي: اختلف إِذَا كَانَ البذر من عند صاحب الأرض والعمل (¬4)، وكانت البقر من عند الآخر، فأجازه سحنون، ومنعه محمد وابن حبيب فقال سحنون إِذَا ¬
اشتركا عَلَى ذلك، عَلَى أن ما أخرج الله تعالى من شيء فلصاحب الأرض [والبذر] (¬1) ثلثه، ولصاحب العمل ثلثه، وحقّ البقر الثلث، وكانت القيم كذلك جَازَ. اللخمي: ومثله إِذَا كانت البقر من عند صاحب الأرض والبذر ومن عند الآخر العمل، عَلَى أن له الثلث والقيم في ذلك أثلاثاً فهو جائز. وقال محمد فِي مثل هذا هو فاسد، وقد كَانَ يكون عَلَى أصله جائز إِلا أنه (¬2) قال: إِذَا سلم المتزارعان (¬3) من أن تكون الأرض لواحدٍ والبذر لواحد جازت الشركة إِذَا تساويا، وقال ابن حبيب: إِن نزل ذلك كَانَ الزرع لصاحب الأرض والبذر وللآخر أجرة عمله إِلا أن يقول، تعالى نتزارع عَلَى أن يكون نصف أرضي ونصف بذري ونصف بقري كراءً لنصف عملك، فيكون الزرع بينهما؛ لأن هذا قبض نصف البذر فِي أجرته وضمنه، والصواب فِي جميع هذا الجواز -[كما] (¬4) قال سحنون: إِذَا دخلا عَلَى وجه الشركة، وأن يعمل البذر عَلَى أملاكهما، وإِن كَانَ عَلَى أنّه يعمل عَلَى ملك صاحب البذر وللآخر ثلث ما يخرج كَانَ فاسداً قولاً واحداً؛ لأنه أجر نفسه بمجهول ما يكون بعد الخروج. قال ابن عَرَفَة: قوله: فسدت قولاً واحداً. نصٌّ فِي أن إجازة سحنون إنما هي إِذَا كَانَ عَلَى أن يعمل البذر عَلَى أملاكهما. قال ابن عبد السلام: هذه مسألة الخماس ببلدنا، وقد قال فيها ابن رشد: إِن عقداها بلفظ الشركة جاز اتفاقاً، وإِن كَانَ بلفظ الإجارة لَمْ يجز اتفاقاً، فإن عرى العقد من اللفظين فمحلّ الخلاف. ورأي ابن رشد أن هذا تحقيق المذهب، قال ابن عَرَفَة: زعمه أن مسألة عرفنا هي مسألة سحنون ومحمد، فيه نظر من وجوه: الأول: أن مسألتيهما ليس فيها اختصاص ربّ الأرض والبذر بشيء من غلة الحرث، ومسألة عرفنا بإفريقية فِي زمانه وقبله وبعده إنما هي عَلَى أنّ كلّ التبن لربّ الأرض والبذر. ¬
الثاني: أن مسألة سحنون ومحمد أن المنفرد بالعمل أخرج معه البقر، ومسألة عرفنا لا يأتي العامل [93 / ب] فيها إِلا بعمل يد هـ فقط، [وفي] (¬1) كونه كذلك يصيره أجيراً ويمنع كونه شريكاً، ودلالة كلام ابن رشد فِي المسألة التي سئل عنها عَلَى خلاف ما قلناه، وكذلك قول اللخمي ومثله إِن كَانَ من [عند أَحَدهمَا] (¬2) العمل فقط يردّ بمخالفته لأَقْوَال أهل المذهب، وقول ابن يونس: أراهم أنهم جعلوا إِذَا لَمْ يخرج العامل إِلا عمل يده فقط أنّه أجيراً وإِن كافأ عمله ما أخرج صاحبه، وإِن أخرج العامل شيئاً من المال إما بقراً أو بعض الزريعة وإِن قلّ وكافأ ذلك عمل يده ما أخرج الآخر فإنهما شريكان، وهم أهدى للصواب. ابن عَرَفَة: فحقيقة الشركة عدم انفراد أَحَدهمَا بإخراج المال والآخر بإخراج العمل، والإجارة بعكس ذلك. الثالث: ظاهر أَقْوَال أهل المذهب أن شرط الشركة كون العمل فيها مضموناً لا فِي عمل عامل معين، ومسألة عرفنا إنما يدخلون فيها عَلَى أن العمل معين بنفس العامل والحامل عَلَى هذا خوف الاغترار بقوله: فيعتقد فِي مسألة عرفنا قول بالصّحة وليس كذلك. فتأمله منصفاً. ولقد أجاد ونصح شيخ شيوخنا الفقيه أبو عبد الله محمد بن شعيب بن عمر الهنتاتي الهسكوري حيث سئل عن مسألة الخماس فِي الزرع بجزءٍ معين هل يجوز أم لا؟، وهل ينتهض عذر فِي إباحته بتعذر من يدخل عَلَى غير هذا (¬3)؟ فأجاب: بأنها إجارة فاسدة وليست شركة؛ لأن الشركة تستدعي الاشتراك فِي الأصول (¬4) التي هي مستند الأرباح وعدم المساعد عَلَى ما يجوز من ذلك لا ينهض عذراً؛ لأن علة الفساد فِي ذلك وأمثاله إنما هي من إهمال حملة الشريعة، ولَو تعرضوا لفسخ عقود ذوي الفساد لما استمروا عَلَى فسادهم، فإن حاجة الضعيف للقوي أشدّ قال الله العظيم ¬
{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف: 6 - 8]. انتهى [مختصراً] (¬1)، ونقلناه فِي: " تكميل التقييد وتحليل التعقيد " أشبع من هذا. تفريع: قال المتيطي: وإِن شرط (¬2) ربّ الأرض هدايا فِي العيدين والنيروز والمهرجان وساوى ذلك مَعَ عمل العامل كراء الأرض فهو جائز، ولا يجوز أن يشترط عَلَى العامل جزوراً مذبوحة ولا تيساً خصياً ولا بيضاً ولا حيواناً لا يراد إِلا للحم، ويدخل ذلك كلّه في كراء الأرض بالطعام. ومن الموثقين من يعقد هذه الهدايا عَلَى الطوع بعد الصفقة، ومنهم من يعقدها فِي صفقة أخرى، ويجعل ذلك عوضاً من كراء الدار التي يسكنها لعمارة (¬3) الملك، ومنهم من يعقدها شرطاً فِي الصفقة عَلَى ما قدمناه. قال بعض الموثقين: وهو أولى إِذَا كَانَ ذلك كلّه مَعَ عمل العامل مساوياً لكراء الأرض أو يفضل عَلَيْهِ بقليل، وأما الدار إِن سكتا عنها فِي صفقة المزارعة فهما يحملان فيها عَلَى عرف المكان إِذَا طلب ربها كراءها. تكميل: إذا فرعنا عَلَى جواز شركة الخماس فما حكم ما يعطي من جلّابيّه ومأكله؟ ذُكر أن فقهاء فاس سئلوا عنها، فأفتى أبو العباس القباب بالمنع وهو الظاهر فتفسد العقدة باشتراطه، وأفتى أبو عمران العبدوسي بالجواز، وزعموا أنّه وجده لابن العطار، وأفتى أبو موسى عيسى بن علال بأنه يمكن إجراؤها عَلَى إعانة المغارسة، كما أفتى بمنع المزارعة فِي القطن لأعوام لأنها مساقاة ومزارعة. كَإِلْغَاءِ أَرْضٍ، وتَسَاوَيَا غَيْرَهَا. قوله: (كَإِلْغَاءِ أَرْضٍ، وتَسَاوَيَا غَيْرَهَا) التشبيه راجع لقوله: (لا الإجارة) قال ¬
فِي " المدونة " فِي المتزارعين يشتركان فيخرج أَحَدهمَا أرضاً لها قدر من الكراء فيلغيها [لصاحبه] (¬1) ويعتدلان فيما بعد ذلك من العمل والبذر فلا يجوز إِلا أن يخرج صاحبه نصف كراء الأرض، ويكون جميع العمل والبذر بينهما بالسوية أو تكون أرضاً لا خطب لها فِي الكراء كأرض المغرب وشبهها فيجوز أن يلغى كراؤها لصاحبه، ويخرجا ما بعد ذلك بينهما بالسوية (¬2). أبو الحسن الصغير: لعلّ أرض المغرب كانت فِي وقته لا خطب لها؛ لقلّة عمارتها، أو أراد أرض برقة، ولم يسثن هنا ما لا خطب له من الأرض لاعتقاده أن استثناء التافه لا يختصّ بالأرض لقوله فِي " توضيحه ": لعلّ ابن الحَاجِب خصص الأرض تبعاً للمدونة، وإِلا فينبغي أن التطوع بالتافه مُطْلَقاً كذلك، وعَلَيْهِ تدل " الرسالة "؛ لأن فيها: " ولَو كانا اكتريا الأرض والبذر من عند واحد وعَلَى الآخر العمل جَازَ إِذَا تقاربت قيمة ذلك " (¬3). انتهى؛ مَعَ أنّه لَمْ ينبه هنا عَلَى استثناء التافه جملة. أَوْ لأَحَدِهِمَا أَرْضٌ رَخِيصَةٌ وعَمَلٌ عَلَى الأَصَحِّ. قوله: (أَوْ لأَحَدِهِمَا [94 / أ] أَرْضٌ رَخِيصَةٌ وعَمَلٌ عَلَى الأَصَحِّ) الظاهر أنّه معطوف عَلَى قوله: (كإلغاء الأرض) فهو أَيْضاً مشبه بقوله: (لا الإجارة) وعن (¬4) هذا عبّر فِي " توضيحه " بقوله: " إِذَا أخرج أَحَدهمَا البذر والآخر العمل والأرض، فإن كانت الأرض لها خطب لَمْ يجز، وإِن لَمْ يكن لها خطب فقَوْلانِ، الجواز لسحنون، وهو مبني عَلَى جواز التطوع بالتافه فِي العقد، والمنع لابن عبدوس، ورأى أنّه يدخله كراء الأرض بما يخرج منها. ابن يونس: وهو الصواب ". انتهى (¬5). ¬
فلعلّ قوله: (عَلَى الأَصَحّ) مصحّف من الأَرْجَح (¬1). وإِنْ فَسَدَتْ وتَكَافَآ عَملاً، فَبَيْنَهُمَا، وتَرَادَّا غَيْرَهُ، وإِلا فَلِلْعَامِلِ، وعَلَيْهِ الأُجْرَةُ، كَانَ لَهُ بَذْرٌ مَعَ عَمَلٍ، أَوْ أَرْضٌ، أَوْ كُلٌّ لِكُلٍّ. قوله: (وَإِنْ فَسَدَتْ وتَكَافَآ عَملاً، فَبَيْنَهُمَا، وتَرَادَّا غَيْرَهُ، وإِلا فَلِلْعَامِلِ، وعَلَيْهِ الأُجْرَةُ، كَانَ لَهُ بَذْرٌ مَعَ عَمَلٍ، أَوْ أَرْضٌ، أَوْ كُلٌّ لِكُلٍّ) تصوّر أوله ظاهر، واشتمل آخره عَلَى ثلاث صور: الأولى: أن يضيف العامل البذر إِلَى عمله، وإليها أشار بقوله: (كَانَ له بذر مَعَ عمل) وفرض الكلام فِي العامل مغنٍ عن قوله: (مَعَ عمل). الثانية: أن يضيف الأرض إِلَى عمله، وإليه أشار بقوله: (أو أرض) وهو مرفوع عطفاً عَلَى بذر. الثالثة: أن يكون الكلّ من عندهما إِلا العمل، فمن أَحَدهمَا وإليها أشار بقوله: (أو كل لكل) وفهم منه أنّ العامل إِذَا لَمْ يضف لعمله شيئاً كالخماس عندنا لا يكون له الزرع، وإنما له أجرة المثل فِي عمله، وهذا الذي اقتصر عَلَيْهِ هنا عقد فيه قول ابن يونس. قال ابن المواز من قول مالك وابن القاسم: إِن الزرع كلّه فِي فساد الشركه لمن تولى القيام بِهِ كَانَ مخرج البذر صاحب الأرض أو غيره، وعَلَيْهِ إِن كَانَ هو مخرج [البذر كراء أرض صاحبه، وإِن كَانَ صاحبه مخرج] (¬2) البذر فعَلَيْهِ له مثل بذره. وإِن وليا العمل جميعاً غرم هذا لهذا مثل نصف بذره، وهذا لهذا مثل كراء نصف ¬
أرضه، وكَانَ الزرع بينهما. قال ابن عَرَفَة فِي نقل ابن يونس: هذا يدلّ عَلَى أن من ولي القيام بِهِ إنما وليه بعمل يده مَعَ شيءٍ آخر، بقر أو بذر، ثم نقل ابن يونس فِي باب بعد هذا عن أبي محمد بن أبي زيد أنّه قال: الذي ذكر محمد عَلَى أصل ابن القاسم أن الزرع لصاحب العمل إِذَا أسلمت الأرض إليه ويغرم مثل البذر لمخرجه، وكراء الأرض لربها، وإِن بعض القرويين اعترضه بأنه لَمْ يوجد لابن القاسم أن من انفرد بالعمل وحده بدون شيء آخر معه يكون له الزرع إنما جعل له الزرع إِذَا انضاف إِلَى ذلك أرض أو بذر ". انتهى. وقد أشار إليه فِي " توضيحه " (¬1) فدلّ أنّه قصده هنا. ¬
باب الوكالة
[باب الوكالة] (¬1) صِحَّةُ الْوَكَالَةِ فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ مِنْ عَقْدٍ وفَسْخٍ، وقَبْضِ حَقٍّ وعُقُوبَةٍ، وحَوَالَةٍ، وإِبْرَاءٍ وإِنْ جَهِلَهُ الثَّلاثَةُ وحَجٍّ، ووَاحِدٍ فِي خُصُومَةٍ، وإِنْ كَرِهَ خَصْمُهُ، لا إِنْ قَاعَدَ خَصْمَهُ كَثَلاثٍ، إِلا لِعُذْرٍ وحَلَفَ فِي كَسَفَرٍ، ولَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ عَزْلُهُ، ولا لَهُ عِزْلَ نَفْسِهِ، ولا الإِقْرَارُ، إِنْ لَمْ يُفَوِّضْ لَهُ، أَوْ يَجْعَلْ لَهُ ولِخَصْمِهِ اضْطِرَارُهُ إِلَيْهِ قَالَ: وإِنْ قَالَ أَقِرَّ عَنِّي بِأَلْفٍ، فَإِقْرَارٌ، لا فِي كَيَمِينٍ، ومَعْصِيَةٍ كَظِهَارٍ بِمَا يَدُلُّ عُرْفاً. قوله: (كظهار) كذا قَالَ ابن شاس: لا تصحّ بالظهار (¬2)؛ لأنه منكر من القول وزور (¬3). وخرّج عَلَيْهِ ابن هارون الطلاق. وقَالَ ابن عبد السلام: الأقرب عندي فِي الظهار أنّه كالطلاق، وتعقبه ابن عَرَفَة بما يوقف عَلَيْهِ فِي " مختصره ". لا مُجَرَّدَ وَكَّلْتُكَ، بَلْ حَتَّى يُفَوِّضَ. قوله: (لا مُجَرَّدَ وَكَّلْتُكَ) ابن عبد السلام: اتفق مالك والشافعي عَلَى عدم إفادة الوكالة المطلقة، واختلفا فِي الوصية المطلقة؟ فقال الشافعي: هي فِي مثل الوكالة المطلقة. وقَالَ مالك: هي صحيحة، ويكون للوصي أن يتصرف فِي كلّ شيء لليتيم كوكالة التفويض، ولعلّ الفرق بينهما قرينة الموت، فإن اليتيم محتاج؛ لأن يتصرف له فِي كلّ شيء، فإذا لَمْ يوص عَلَيْهِ أبوه غير هذا الوصي ولم يستثن عَلَيْهِ شيئاً، والسبب الذي لأجله أوصى عَلَيْهِ وهو الحاجة إِلَى النظر عام وجب عموم المسبب ولا كذلك الوكالة، فإن الموكلّ قادر عَلَى التصرف فِي كلّ شيء مما له التصرف فيه ولا بد له من أمرٍ يستبدّ بِهِ عادة فاحتيج من أجل ذلك إِلَى تقييد الوكالة بالتفويض أو بغيره وقد ذكرت هنا فروق ليست بالبينة. وقَالَ ابن عَرَفَة: فلو أتى بلفظ التوكيل مُطْلَقاً كـ: أنت وكيلي، أو وكلتك؛ فطريقان. ابن بشير وابن شاس: لغو، وهو قول ابن الحَاجِب (¬4)، وقبله ابن عبد السلام وابن هارون، ¬
وقَالَ ابن رشد فِي رسم أسلم من سماع عيسى ما نصّه: " وإنما تكون الوكالة مفوضة فِي كلّ شيء إِذَا لَمْ يسم فيها شيئاً، وكذلك الوصية إِذَا قَالَ الرجل: فلان وصيي ولم يزد عَلَى ذلك كَانَ وصياً له فِي كلّ شيء: فِي ماله [94 / ب] وأبضاع بناته؛ ولهذا المعنى قالوا فِي الوكالة: إنها إِذَا طالت قصرت وإِذَا قصرت طالت. ابن عَرَفَة: فظاهر قوله أنّه إِذَا قَالَ: أنت وكيلي أو وكلتك عمّ ذلك وصحّ، وكان تفويضاً. فَيَمْضِي النَّظَرُ، إِلا أَنْ يَقُولَ وغَيْرُ النَّظَرِ، إِلا فِي الطَّلاقِ، وإِنْكَاحِ بِكْرِهِ، وبَيْعِ دَارِ سُكْنَاهُ وعَبْدِهِ، أَوْ يُعَيِّنَ بِنَصٍّ أَوْ قَرِينَةٍ، وتَخَصَّصَ، وتَقَيَّدَ بِالْعُرْفِ، فَلا يَعْدُهُ إِلا عَلَى بَيْعٍ، فَلَهُ طَلَبُ الثَّمَنِ وقَبْضُهُ، أَوِ اشْتِرَاءٍ فَلَهُ قَبْضُ الْمَبِيعِ ورَدُّ الْمَعِيبِ، إِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ مُوَكِّلُهُ، وطُولِبَ بِثَمَنٍ ومُثْمَنٍ، مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَرَاءَةِ كَبَعَثَنِي فُلانٌ لِتَبِيعَهُ، لا لأَشْتَرِي مِنْكَ، وبِالْعُهْدَةِ، مَا لَمْ يَعْلَمْ، وتَعَيَّنَ فِي الْمُطْلَقِ نَقْدُ الْبَلَدِ ولائِقٌ بِهِ، إِلا أَنْ يُسَمِّيَ الثَّمَنَ، فَتَرَدُّدٌ، وثَمَنُ الْمِثْلِ وإِلا خُيِّرَ، كَفُلُوسٍ، إِلا مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ لِخِفَّتِهِ، وكَصَرْفِ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ إِلا أَنْ يَكُونَ الشَّأْنُ، وكَمُخَالَفَتِهِ [مُشْتَرًى عُيِّنَ، أَوْ سُوقاً، أَوْ زَمَاناً] (¬1) أَوْ بَيْعِهِ بِأَقَلَّ، أَوِ اشْتِرَائِهِ بِأَكْثَرَ كَثِيراً. قوله: (فَيَمْضِي النَّظَرُ، إِلا أَنْ يَقُولَ وغَيْرُ النَّظَرِ) كذا لابن بشير، وتبعه ابن شاس وابن الحَاجِب (¬2) وابن عبد السلام وابن هارون. قَالَ فِي " التوضيح ": وفيه نظر؛ إذ لا يأذن الشرع فِي السفه، فينبغي أن يضمن الوكيل إذ لا يحلّ لهما ذلك. وقَالَ ابن عَرَفَة: مقتضى المذهب منع التوكيل عَلَى غير وجه النظر؛ لأنه فساد، وفِي [البيوع] (¬3) الفاسدة من " المدونة ": تقييد بيع الثمر قبل بدو صلاحه بقوله: إِذَا لَمْ يكن فساداً، ونقل اللخمي عن المذهب منع توكيل السفيه. ¬
[لا] (¬1) كَدِينَارَيْنِ فِي أَرْبَعِينَ وصُدِّقَ فِي دَفْعِهِمَا وإِنْ سَلَّمَ، مَا لَمْ يَطُلْ، وحَيْثُ خَالَفَ فِي اشْتِرَاءٍ لَزِمَهُ، إِنْ لَمْ يَرْضَهُ مُوَكِّلُهُ، كَذِي عَيْبٍ، إِلا أَنْ يَقِلَّ، وهُوَ فُرْصَةٌ، أَوْ فِي بَيْعٍ، فَيُخَيَّرُ مُوَكِّلُهُ. قوله: (لا كَدِينَارَيْنِ فِي أَرْبَعِينَ) كذا فِي بعض النسخ بلا النافية دون الاستثنائية؛ وهو أصوب. ولَو رِبَوِيَّاً بِمِثْلِهِ، إِنْ لَمْ يَلْتَزِمِ الْوَكِيلُ الزَّائِدَ عَلَى الأَحْسَنِ لا إِنْ زَادَ فِي بَيْعٍ، أَوْ نَقَصَ فِي اشْتِرَاءٍ، أَوِ اشْتَرِ بِهَا فَاشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ ونَقَدَهَا وعَكْسُهُ، أَوْ شَاةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى بِهِ اثْنَتَيْنِ لَمْ يُمْكِنْ إِفْرَادُهُمَا وإِلا خُيِّرَ فِي الثَّانِيَةِ [60 / ب]، أَوْ أَخَذَ فِي سَلَمِكَ حَمِيلاً، أَوْ رَهْناً وضَمِنَهُ قَبْلَ عِلْمِكَ بِهِ، ورِضَاكَ. قوله: (ولَو رِبَوِيَّاً بِمِثْلِهِ) أصل هذا قوله فِي كتاب السلم الثاني من " المدونة ": وإِن وكلت رجلاً عَلَى بيع طعام أو عرض، فباعه بغير العين من عرض أو طعام أو غيره، وانتقد فأحبّ إِلَى أن يضمن المأمور حين باع بغير العين إِلا [أن يجيز الآمر فعله ويأخذ ما باع به] (¬2). عياض: قيل معنى المسألة: باع الطعام بالعرض أو العرض بالطعام، وأما لَو باع الطعام بالطعام لَمْ يصح تخييره؛ لأنه كَانَ يصير طعاماً بطعام فيه خيار، وحمل بعض القرويين المسألة عَلَى وجهها، وأنّه جائز أن يقبل ما اشترى، ويجيز فعله ولم يعتبر الخيار، وهذا أصل مختلف فيه. وقَالَ اللخمي: اختلف إِذَا باع الطعام بالطعام، فأجاز ابن القاسم للآمر أن يأخذ الطعام الثاني، ومنعه أشهب وقَالَ: ليس للآمر إِلا مثل طعامه، ويباع له الثاني إِن كان فيه فضل، وهذا لئلا يربح الغاصب والمتعدي. انتهى. فقوله فِي " التوضيح ": مثاله لَو قَالَ بعها بقمح، فباعها بفول أو بدراهم، فباعها بذهب، صوابه لَو قَالَ: بع القمح بدراهم، فباعه بفول أو اشتر بالعين سلعة، فصرف العين بعين وجاءه بها. ¬
وفِي ذَهَبٍ فِي بِدَرَاهِمَ، وعَكْسِهِ، قَوْلانِ، وحَنِثَ بِفِعْلِهِ فِي لا أَفْعَلُهُ إِلا بِنِيَّةٍ. قوله: (وفِي ذَهَبٍ فِي بِدَرَاهِمَ) كذا فِي بعض النسخ بإدخال (فِي) عَلَى الباء الجارة لـ (دراهم) عَلَى سبيل الحكاية، وهو صواب. ومُنِعَ ذِمِّيٌّ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ وعَدَوٌّ عَلَى عَدُوِّهِ، والرِّضَا بِمُخَالَفَتِهِ فِي سَلَمٍ، إِنْ دَفَعَ لَهُ الثَّمَنَ، وبَيْعُهُ لِنَفْسِهِ ومَحْجُورِهِ بِخِلافِ زَوْجَتِهِ ورَقِيقِهِ إِنْ لَمْ يُحَابِ. واشْتِرَاءُ مَنْ يَعْتَقَ عَلَيْهِ إِنْ عَلِمَ ولَمْ يُعَيِّنْهُ مُوَكِّلُهُ وعَتَقَ عَلَيْهِ، وإِلا فَعَلَى آمِرِهِ، وتَوْكِيلُهُ إِلا أَنْ لا يَلِيقَ بِهِ أَوْ يَكْثُرَ، فَلا يَنْعَزِلُ الثَّانِي بِعَزْلِ الأَوَّلِ. قوله: (ومُنِعَ ذِمِّيٌّ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ) أصله فِي كتاب السلم الثاني من " المدونة " لا يجوز لمسلمٍ أن يستأجر نصرانياً إِلا للخدمة، فأما لبيعٍ أو شراءٍ أو تقاضٍ أو ليبضع معه فلا يجوز، وكذلك عبده النصراني (¬1). ابن يونس: لعملهم بالربا واستحلالهم له. قَالَ بعض القرويين: لأنه فِي وكالته [على الاقتضاء] (¬2) يتسلط عَلَى المسلمين بتسليط الوكالة، ويغلظ عليهم إِن منعوه، فكره ذلك لئلا يذل المسلمين. ابن الحَاجِب: وفيها لا يوكل الذمي عَلَى مسلم. (¬3) فناقشه ابن عبد السلام وابن عَرَفَة بأنه ليس فيها كونه عَلَى مسلم. وفِي رِضَاهُ إِنْ تَعَدَّى بِهِ تَأْوِيلانِ. قوله: (وفِي رِضَاهُ إِنْ تَعَدَّى بِهِ تَأْوِيلانِ) يريد (¬4) فِي سلم (¬5). ورِضَاهُ بِمُخَالَفَتِهِ فِي سَلَمٍ إِنْ دَفَعَ الثَّمَنَ بِمُسَمَّاهُ. قوله: (ورِضَاهُ بِمُخَالَفَتِهِ فِي سَلَمٍ إِنْ دَفَعَ الثَّمَنَ بِمُسَمَّاهُ) (ورضاه) عطف عَلَى نائب (منع) وبمخالفته متعلق (برضاه) وَ (بمسماه) متعلق (بمخالفته) فالمخالفة هنا فِي المسمى فليس بتكرار مَعَ قوله قبل: (والرضا بمخالفته فِي سلم إِن دفع له الثمن) لأن المخالفة ¬
هناك فِي الجنس أو النوع، وقد ذكرهما معاً فِي السلم الثاني من " المدونة " (¬1). أَوْ بِدَيْنٍ إِنْ فَاتَ، وبِيعَ، فَإِنْ وفَّى بِالْقِيمَةِ أَوِ التَّسْمِيَةِ، وإِلا غَرِمَ، وإِنْ سَأَلَ [الْوَكِيلُ] (¬2) غُرْمَ التَّسْمِيَةِ، [أَوِ الْقِيمَةِ] (¬3)، ويَصْبِرَ لِقَبْضِهَا، ويَدْفَعَ الْبَاقِي جَازَ، إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَهَا فَأَقَلَّ، وإِنْ أَمَرَ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ فَأَسْلَمَهَا فِي طَعَامٍ أُغْرِمَ التَّسْمِيَةَ أَوِ الْقِيمَةِ، واسْتُؤْنِيَ بِالطَّعَامِ لأَجْلِهِ فَبِيعَ وغَرِمَ النَّقْصَ، والزِّيَادَةُ لَكَ. قوله: (أَوْ بِدَيْنٍ) الوجه عطفه عَلَى (بمخالفته) ويحتمل عَلَى (بمسماه). وضَمِنَ، إِنْ أَقْبَضَ (¬4) ولَمْ يُشْهِدْ أَوْ بَاعَ بِكَطَعَامٍ. نَقْداً مَا لا يُبَاعُ بِهِ وادَّعَى الإِذْنَ، فَنُوزِعَ، أَوْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ، فَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ، فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّلَفِ كَالْمِدْيَانِ، ولَو قَالَ غَيْرُ الْمُفَوَّضِ: قَبَضْتُ وتَلِفَ، بَرِئَ ولَمْ يَبْرَإِ الْغَرِيمُ، إِلا بِبَيِّنَةٍ، ولَزِمَ الْمُوَكِّلَ غُرْمُ الثَّمَنِ إِلَى أَنْ يَصِلَ لِرَبِّهِ، إِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ لَهُ. قوله: (وَضَمِنَ، إِنْ أَقْبَضَ ولَمْ يُشْهِدْ) كذا فِي بعض النسخ بحذف مفعول (أَقْبَضَ) فيعمّ الدين والمبيع. وصُدِّقَ فِي الرَّدِّ كَالْمُودَعِ، فَلا يُؤَخِّرُ لِلإِشْهَادِ. قوله: (وصُدِّقَ فِي الرَّدِّ كَالْمُودَعِ، فَلا يُؤَخِّرُ لِلإِشْهَادِ) تبع فِي عدم التأخير للإشهاد ابن الحَاجِب إذ قَالَ: والمصدق فِي الرد ليس له التأخير لعذر الإشهاد (¬5). وقال فِي " توضحيه " تبعاً لابن عبد السلام وابن هارون لَو قيل إِن للوكيل والمودع تأخير الدفع حتى يشهد لكان حسناً؛ لأنهما يقَوْلانِ إِذَا لَمْ نشهد تتوجه علينا اليَمِين. قلنا: التأخير لتسقط اليَمِين ولا سيما الوَكِيل للخلاف الذي فيه. ¬
وأما ابن عَرَفَة فقال بعد كلام طويل: الحقّ أن لا تعقّب عَلَى ظاهر لفظ ابن الحَاجِب؛ لأنه يصدق بحمله عَلَى الصور التي يصدق فيها الدافع بغير يمين كالوَكِيل عَلَى قبض شيء يطلبه منه موكله بعد قبضه بمدة طويلة - يصدق فيها الوَكِيل دون يمين. ولأَحَدِ الوَكِيليْنِ الاسْتِبْدَادُ، إِلا لِشَرْطٍ، وإِنْ بِعْتَ وبَاعَ، فَالأَوَّلُ، إِلا بِقَبْضٍ، ولَكَ قَبْضُ سَلَمِهِ لَكَ، إِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، والْقَوْلُ لَكَ إِنِ ادَّعَى الإِذْنَ، أَوْ صِفَةً لَهُ، إِلا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ، فَزَعَمْتَ أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِغَيْرِهِ، وحَلَفَ كَقَوْلِهِ أَمَرْتَ بِبَيْعِهِ بِعَشَرَةٍ، وأَشْبَهَتْ، وقُلْتَ بِأَكْثَرَ، وفَاتَ الْمَبِيعُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ، أَوْ لَمْ يَفُتْ، ولَمْ تَحْلِفْ. وإِنْ وَكَّلْتَهُ عَلَى أَخْذِ جَارِيَةٍ فَبَعَثَ بِهَا فَوُطِئَتْ، ثُمَّ قَدِمَ بِأُخْرَى، وقَالَ هَذِهِ لَكَ، فَالأُخْرَى وَدِيعَةٌ، وإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وحَلَفَ أَخَذَهَا، إِلا أَنْ تَفُوتَ بِكَوَلَدٍ أَوْ تَدْبِيرٍ، إِلا لِبَيِّنَةٍ، ولَزِمَتْكَ الأُخْرَى، وإِنْ أَمَرْتَهُ بِمِائَةٍ، فَقَالَ: أَخَذْتُهَا بِمِائَةٍ وخَمْسِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفُتْ خُيِّرْتَ فِي أَخْذِهَا بِمَا قَالَ، وإِلا لَمْ يَلْزَمْكَ إِلا الْمِائَةُ، وإِنْ رْدَّتْ دَرَاهِمُكَ لِزَيْفٍ، فَإِنْ عَرَفَهَا مَأْمُورُكَ لَزِمَتْكَ وهَلْ، وإِن قَبَضْتَ؟ تَأْوِيلانِ وإِلا فَإِنْ قَبِلَهَا، حَلَفَتْ وهَلْ مُطْلَقاً؟ أَوْ لِعُدْمِ الْمَأْمُورِ مَا دَفَعْتَ إِلا جِيَاداً فِي عِلْمِكَ ولَزِمَتْهُ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (ولأَحَدِ الوَكِيليْنِ الاسْتِبْدَادُ، إِلا لِشَرْطٍ) كذا قَالَ ابن الحَاجِب، تبعاً لابن شاس (¬1) فقال ابن عبد السلام: يعني أنّ أمر الوَكِيلين مخالف للوصيين فإنه لا يجوز لأَحَدهمَا الاستبداد. ونحوه لابن هارون فقال ابن عَرَفَة: لا أعرفه لغيرهم، وكذا تعقبه المصنف فِي " توضيحه " فيشبه أن يكون قَالَ هنا: ولا لأحد الوَكِيلين بزيادة لا النافية عطفاً عَلَى قوله: (فلا يؤخر [للإشهاد] (¬2)) ولكن سقط للناقل لفظ لا، ويمكن أن يكون اتبع من ذكرنا منشداً بلسان حاله: وهَلْ أنا إلاّ مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ ... غَوَيْتُ، وإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ (¬3) ¬
وإِلا حَلَفْتَ (¬1) كَذَلِكَ، وحَلَفَ الدافع (¬2)، وفِي الْمُبَدَّإِ تَأْوِيلانِ. وانْعَزَلَ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ، إِن عَلِمَ، وإِلا فَتَأْوِيلانِ، وفِي عَزْلِهِ [61 / أ] بِعَزْلِهِ. ولَمْ يَعْلَمْ خِلافٌ وهَلْ لا تَلْزَمُ، أَوْ إِن وَقَعَتْ بِأُجْرَةٍ أَوْ جُعْلٍ، فَكَهُمَا، وإِلا لَمْ تَلْزَمْ؟ تَرَدُّدٌ. قوله: (وَإِلا حَلَفْتَ كَذَلِكَ، وحَلَفَ الدافع) (¬3) كذا هو فِي أكثر النسخ أي: وإِن لَمْ [95 / أ] يقبلها المأمور ولا عرفها حلفت أيها الموكل ما دفعت إِلا جياداً فِي علمك؟ وحلف أَيْضاً الدافع الذي هو الوَكِيل، وهو راجع لما فِي " المدونة " (¬4). والله تعالى أعلم. ¬
باب الإقرار
[باب الإقرار] يُؤَاخَذُ الْمُكَلَّفُ، بِلا حَجْرٍ بِإِقْرَارِهِ لأُهْلٍ لَمْ يُكَذِّبْهُ، ولَمْ يُتَّهَمْ، كَالْعَبْدِ فِي غَيْرِ الْمَالِ، وأَخْرَسَ (¬1). قوله: (بِلا حَجْرٍ) أحاله عَلَى ما تقدّم فِي باب الحجر، ومن جملة ذلك قوله: (وحجر عَلَى الرقيق إِلا بإذن) فيفهم منه أن إقرار المأذون له فِي التجارة والمكاتب لازم، وقد قَالَ فِي " النوادر " عن ابن سحنون قَالَ مالك وأصحابه: إقرار المأذون له من عبد أو مدبر أو أم ولد بدين أو وديعة أو عارية أو غصب لازم. ابن مُيَسِّر: وكذا بقراض لَمْ يستنكر (¬2). وفِي " الموازية " وكتاب ابن سحنون: إقرار المكاتب جائز ببيعٍ أو دين أو وديعة أو عارية أو بدار فِي يده بكراء المسلم أو كافر حر أو عبد، ولَو أحاط ما أقرّ بِهِ من دين بما فِي يده. وقَالَ ابن عبد الحكم: مثله فِي إقراره بالدين والبيع قَالَ: وإقراره بوديعة لا يحكم بِهِ عَلَيْهِ فيها إِلا أن يعتق وهي فِي يده، فإن تلفت قبل عتقه فلا شيء عَلَيْهِ فيها، ولا يلزمه إقراره بالعارية إِلا أن يعتق فتؤخذ منه، وإِن عجز أخذها سيده، وإقراره بغصبٍ أو جناية فِي غير بدنه لغو، وقاله محمد فِي الغصب والجناية، ونحوه فِي كتاب ابن سحنون. ومَرِيضٍ، إِنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ لِلأَبْعَدِ أَوْ لِمُلاطِفِهِ، أَوْ لِمَنْ لَمْ يَرِثْهُ، أَوْ لِمَجْهُولٍ حَالُهُ كَزَوْجٍ عُلِمَ بُغْضُهُ لَهَا أَوْ جُهِلَ، له (¬3) ابْنٌ أَوْ بَنُونَ، إِلا أَنْ تَنْفَرِدَ بِالصَّغِيرِ، ومَعَ الإِنَاثِ والْعَصَبَةِ، قَوْلانِ كَإِقْرَارِهِ لِلْوَلَدِ الْعَاقِّ. قوله: (وَمَرِيضٍ، إِنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ لِلأَبْعَدِ أَوْ لِمُلاطِفِهِ، أَوْ لِمَنْ لَمْ يَرِثْهُ، أَوْ لِمَجْهُولٍ حَالُهُ) الشرط كما قيل: راجع لما بعد الأبعد، واحترز بالأبعد من الأقرب والمساوي والمتوسط بينهما، وقد صرّح بأحكامهم فيما بعد، وقصده اختصار تحصيل ابن رشد فِي ثاني مسألة من ¬
رسم ليرفعن من سماع ابن القاسم من كتاب " المديان والتفليس " (¬1)، وفِي كثيرٍ من النسخ: إِن لَمْ يرثه بالنفي، وليس بشيء. أَوْ لأُمِّهِ، أَوْ لأَنَّ مَنْ لَمْ يُقَرَّ لَهُ أَبْعَدُ وأَقْرَبُ، لا الْمُسَاوِي والأَقْرَبِ. قوله: (أَوْ لأُمِّهِ) مقتضاه إجراء القولين فِي إقرار الزوج لزوجته إِذَا كَانَ لها منه ولد عاقّ له، فهو فِي معرض الاستثناء من قوله: (أو جهل وله ابن أو بنون) إِلا أن كون الزوجة المقرّ لها أم العاقّ ليس بشرط، بل لا فرق بين أن يكون منها أو من غيرها. قَالَ فِي " المقدمات ": فإن كَانَ الولد الكبير فِي الموضع الذي ترتفع التهمة فيه عن الأبّ فِي إقراره لزوجه عاقاً له لَمْ ترتفع عنه التهمة، وبطل الإقرار عَلَى ما فِي سماع أصبغ من " العتبية "، وإحدى الروايتين فِي " المدونة " وإِن كَانَ بعضهم عاقاً له، وبعضهم باراً له تخرج ذلك عَلَى الاختلاف فِي إقراره لبعض العصبة إِذَا ترك ابنة وعصبة. انتهى (¬2). ومثله فِي آخر مسألة من أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب " المديان والتفليس " (¬3)، وما نسبه للمدونة وهو فِي كتاب " المديان " منها (¬4). ¬
كَأَخِّرْنِي لِسَنَةٍ، وأَنَا أُقِرُّ، ورَجَعَ لِخُصُومَتِهِ. [قوله: (كَأَخِّرْنِي لِسَنَةٍ، وأَنَا أُقِرُّ، ورَجَعَ لِخُصُومَتِهِ) التشبيه راجع للمنفي فِي قوله: (لا المساوي والأقرب) وعلى نفي اللزوم يتفرع قوله: (ورجع لخصومته)] (¬1) والذي فِي " الاستغناء ": فيمن قَالَ لرجلٍ: اقضني المائة التي قبلك فقال: إِن أخرتني بها سنة أقررت لك بها، أو إِن صالحتني عنها صالحتك لَمْ يلزمه ويحلف. ولَزِمَ لِحَمْلٍ (¬2)، إِنْ وُطِئَتْ، [لِأَقَلَ مِنْ أَقَلِّهِ] (¬3)، وإِلا فَلأَكْثَرِهِ، وسُوِّيَ بَيْنَ تَوْأَمَيْهِ، إِلا لِبَيَانِ الْفَضْلِ بِعَلَيَّ، أَوْ فِي ذِمَّتِي أَوْ عِنْدِي، أَوْ أَخَذْتُ مِنْكَ، ولَو زَادَ إِنْ شَاءَ اللهُ، أَوْ قَضَى، أَوْ وَهَبْتَهُ لِي، أَوْ بِعْتَهُ، أَوْ وَفَّيْتَهُ. قوله: (وَلَزِمَ لِحَمْلٍ، إِنْ وُطِئَتْ، لِأَقَلَ مِنْ أَقَلِّهِ) كذا فِي بعض النسخ وهو الصواب. أَوْ [أَلَيْسَ] (¬4) أَقْرَضْتَنِي، أَوْ مَا أَقْرَضْتَنِي أَوْ أَلَمْ تُقْرِضْنِي. قوله: (أو أليس أقرضتني) كذا فِي بعض النسخ وهو الموافق لما فِي الرواية عن كتاب ابن سحنون. أَوْ سَاهِلْنِي. قوله: (أَوْ سَاهِلْنِي) الذي فِي " النوادر " عن ابن سحنون وابن عبد الحكم فيمن قَالَ لرجلٍ: أعطني كذا [فقال] (¬5) نفسني بِهِ أو أجلني بِهِ شهراً. أنّه إقرار. قَالَ ابن عَرَفَة: ولفظ ابن شاس عنه: ساهلني فيها (¬6)، دون: نفسني بها. لَمْ أجده فِي " النوادر " ولا فِي نقل المازري. انتهى. وتقدّم أخّرني لسنة وأنا أقرّ، ولم يذكره ابن عَرَفَة هنا. أَوِ اتَّزِنْهَا مِنِّي. قوله: (أَوِ اتَّزِنْهَا مِنِّي) الجوهري: يقال وزن المعطي واتزن الآخذ، وهو افتعل قلبوا ¬
الواو تاءً وأدغموا (¬1). انتهى. ولفظ (مِنِّي) هنا مقصود فلو قَالَ اتزنها ولم يقل مني لكانت مسألة القولين كما قَالَ بعد: (وَفِي حَتَّى يَأْتِيَ وَكِيلِي وشِبْهِهِ، أَوِ اتَّزِنْ، أَوْ خُذْ قَوْلانِ) واختصرها ابن عَرَفَة. قَالَ المازري: ولَو قَالَ له اجلس فزن أو فاتزنها أو انتقد أو انتقدها ففي كونه إقراراً نقل أبي محمد عن ابن سحنون وابن عبد الحكم قَالَ ابن عبد الحكم: اتزنها مني إقرار، وبإسقاط لفظ مني: لغو. أَوْ لأَقْضِيَنَّكَ (¬2) الْيَوْمَ. قوله: (أَوْ لأَقْضِيَنَّكَ الْيَوْمَ) فِي بعض النسخ: بلا النافية والفعل الماضي، وفِي بعضها باللام، والمضارع المؤكد، وفِي " النوادر " عن ابن سحنون وابن عبد الحكم ما يدل عَلَى صحتهما قَالَ: من قَالَ لرجلٍ أعطني كذا فقال: نعم أو سأعطيكه (¬3) أو أبعث لك بِهِ أو ليس عندي اليوم أو ابعث من يأخذه مني فهو إقرار. انتهى باختصار. ابن عَرَفَة: ويقوّي الأول اقتصاره عَلَيْهِ فِي " توضيحه " ناقلاً عن ابن عبد الحكم لَو قَالَ: والله لا أقضيكها اليوم أو لا أعطيكها أو لا أزنها لك أو لا تأخذها اليوم مني فإقرار. أَوْ نَعَمْ، أَوْ بَلَى، أَوْ أَجَلْ جَوَاباً لأَلَيْسَ لِي عِنْدَكَ؟. قوله: (أَوْ نَعَمْ، أَوْ بَلَى، أَوْ أَجَلْ جَوَاباً لأَلَيْسَ لِي عِنْدَكَ؟) الظاهر أن التقييد بالجواب راجع لهذه الحروف دون ما [95 / ب] قبلها، فهو كقول ابن الحَاجِب: ولو قَالَ أليس لي عندك ألف؟ فقال: بلى أو نعم لزمه (¬4). أَوْ لَيْسَ لِي مَيْسَرَةٌ لا أُقِرُّ، أَوْ عَلَيَّ، أَوْ عَلَى فُلانٍ، أَوْ مِنْ أَيِّ ضَرْبٍ تَأْخُذُهَا مَا أَبْعَدَكَ مِنْهَا، وفِي حَتَّى يَأْتِيَ وَكِيلِي وشِبْهِهِ، أَوِ اتَّزِنْ، أَوْ خُذْ قَوْلانِ كَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ فِيمَا أَعْلَمُ، أَوْ أَظُنُّ، أَوْ عِلْمِي، ولَزِمَ إِنْ نُكِرَ فِي أَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ عَبْدٍ، ولَمْ أَقْبِضْهُ كَدَعْوَاهُ الرِّبَا، وأَقَامَ بَيِّنَةً أنّه رَابَاهُ فِي أَلْفٍ، لا إِنْ أَقَامَهَا عَلَى إِقْرَارِ الْمُدَّعِي أنّه لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا إِلا الرِّبَا، أَوِ اشْتَرَيْتُ خَمْراً بِأَلْفٍ، أَوِ اشْتَرَيْتُ عَبْداً بِأَلْفٍ ولَمْ أَقْبِضْهُ. ¬
قوله: (لا أُقِرُّ) لا النافية من كلام المصنف، ومراده: أن من قَالَ أقرّ بصيغة المضارع المثبت لَمْ يلزمه إقرار، ولَمْ أجد هذا الفرع هكذا لأهل المذهب، وإنما رأيت فِي " وجيز " الغزالي: لَو قَالَ أنا أقر بِهِ. فقيل: إنّه إقرار، وقيل: أنّه وعد بالإقرار (¬1)، والذي فِي " مفيد الحكام " لابن هشام: أن من قَالَ: أقرّ لك بكذا عَلَى أنّي بالخيار ثلاثاً فِي التمادي والرجوع عن هذا الإقرار لزمه [الإقرار] (¬2) دماً كَانَ أو طلاقاً. أَوْ أَقْرَرْتُ بِكَذَا وأَنَا صَبِيٌّ. قوله: (أَوْ أَقْرَرْتُ بِكَذَا وأَنَا صَبِيٌّ) هذا خلاف ما فِي نوازل سحنون من الغصب، فيمن قَالَ لرجلٍ: كنت أقررت لك بألف دينار (¬3) وأنا صبي [أنّ ذلك يلزمه كما لَو قَالَ: كنت غصبتكها وأنا صبي؛ لكن قَالَ ابن رشد: قوله: (غصبتك ألف دينار وأنا صبي] (¬4) لا خلاف فِي لزومه؛ لأن الصبي يلزمه ما أفسد وكسر، وقوله: كنت أقررت لك بألف دينار وأنا صبي. يتخرّج عَلَى قولين أَحَدهمَا: أنّه لا يلزمه ذلك إِذَا كَانَ كلاما نسقاً متتابعاً وهو الأَصَحّ، وعَلَيْهِ يأتي قول ابن القاسم فِي " المدونة ": إِذَا قَالَ لزوجته قد طلقتك وأنا صبي أنّه لا يلزمه شيء، وكذا إِذَا قَالَ: طلّقتك وأنا مجنون؛ إِذَا كَانَ يعرف بالجنون (¬5). وإِذَا أقرّ بالخاتم لرجل، وقَالَ الفصّ ليّ، أو بالبقعة وقَالَ: البنيان ليّ، وكان الكلام نسقاً، والثاني أنّه يلزمه وإن كَانَ الكلام نسقاً متتابعاً؛ لأنه يتهم أن يكون استدرك ذلك ووصله بكلامه ليخرج عما أقرّ بِهِ، وعلى ذلك قول ابن القاسم فِي سماع أصبغ فِي تفرقته بين أن يقول: لفلان عليّ ألف دينار، وعَلَى فلان وفلان، وبين أن يقول: لفلان عليّ وعلى فلان وفلان ألف دينار قَالَ: لأن الأول أقرّ عَلَى نفسه بألف دينار فلا يقبل قوله بعد ذلك، وعلى فلان وفلان وإن كَانَ نسقاً. ¬
وعلى قول ابن القاسم فِي هذه المسألة يأتي قول سحنون فِي هذه الرواية، وهو قول ضعيف وما فِي " المدونة " أصحّ وأولى بالصواب، فالمسألتان مفترقتان، وإنما قوله: كنت أقررت لك بألف دينار وأنا صبي مثل قوله: [كنت] (¬1) استسلفتها منك وأنا صبي؛ لأن الوجهين جميعاً يستويان فِي أنهما لا يلزمانه فِي حال الصبا (¬2) ". انتهى. فاعتمد المصنف تصحيح ابن رشد و " إِن كَانَ [خلاف الرواية] (¬3)؛ فلذا عطفه عَلَى ما ينتفي فيه اللزوم. كَأَنَا مُبَرْسَمٌ إِنْ عُلِمَ تَقَدُّمُهُ أَوْ أَقَرَّ اعْتِذَاراً. قوله: (كَأَنَا مُبَرْسَمٌ إِنْ عُلِمَ تَقَدُّمُهُ) تقدم فوقه كلام ابن رشد، وفي " المفيد " إِذَا قَالَ: أقررت لك بألف درهم ديناً وأنا ذاهب العقل من برسام (¬4) نظر: فإن كَانَ يعلم أن ذلك أصابه صدّق، وإن لَمْ يعلم منه فلا يصدّق (¬5). أَوْ بِقَرْضٍ شُكْراً أَوْ ذَمَّاً عَلَى الأَرْجَحِ (¬6). قوله: (أَوْ بِقَرْضٍ شُكْراً أَوْ ذَمَّاً عَلَى الأَرْجَحِ) هكذا فِي بعض النسخ وهو الصواب إِن شاء الله تعالى قال فِي كتاب " الشهادات ": ومن أقرّ أنّه كَانَ تسلّف من فلان الميّت مالاً، وقضاه إياه، فإن كَانَ ما يذكر من ذلك حديثاً لَمْ يطل زمانه لَمْ ينفعه قوله: قضيت، وغرم لورثته إِلا أن يقيم بينة قاطعة عَلَى القضاء، وإن طال زمان ذلك حلف المقرّ، وبريء إِلا أن ¬
يكون ذلك عَلَى معنى الشكر يقول: جزى الله فلاناً خيراً؛ أسلفني وقضيته، فلا يلزمه فِي هذا شيء مما أقرّ بِهِ، قرب الزمان أو بعد (¬1). قال ابن يونس: يريد وكذلك إِذَا كَانَ على (¬2) معنى الذم، [وقيل إِذَا كَانَ عَلَى معنى الذم] (¬3) مثل أن يقول: أساء معاملتي، وضيّق عليّ حتى قضيته، فإنه يغرم، ولا وجه للفرق بين المدح والذم، والصواب أنهما سواء ". انتهى، وعَلَيْهِ فالأَرْجَح راجع للذم فقط، ولو قَالَ كالذم عَلَى الأَرْجَح لجرى عَلَى قاعدته الأكثرية، ونسب ابن محرز واللخمي التفريق بين الشكر والذم لسحنون. وقُبِلَ أَجَلُ مِثْلِهِ فِي بَيْعٍ، لا قَرْضٍ (¬4). قوله: (وقُبِلَ أَجَلُ مِثْلِهِ فِي بَيْعٍ، لا قَرْضٍ) أصل هذا قول ابن الحَاجِب، وألف مؤجلة يقبل فِي تأجيل مثلها عَلَى الأَصَحّ بِخِلاف مؤجلة من قرض (¬5). قَالَ ابن عَرَفَة: فقبل ابن هارون وابن عبد السلام نقله أن حكم القرض الحلول دون ذكر خلاف فيه، ولا أعرف هذا لغير ابن الحَاجِب، وظاهر لفظ " الواضحة " و " الزاهي ": ألا فرق بين القرض وغيره، بل قبول قوله فِي القرض أقرب وأحرى من قبوله فِي المعاوضة؛ لأن غالب المعاوضة النقد وغالب القرض التأجيل. وتَفْسِيرُ أَلْفٍ فِي كَأَلْفٍ، ودِرْهَمٍ، وخَاتَمٍ فَصَّهُ لِي نَسَقاً، إِلا فِي غَصْبٍ، فَقَوْلانِ، لا بِجِذْعٍ، وبَابٍ فِي لَهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، أَوِ الأَرْضِ كَفِي عَلَى الأَحْسَنِ، ومَالٌ نِصَابٌ والأَحْسَنُ تَفْسِيرُهُ كَشَيْءٍ، وكَذَا. قوله: (وَتَفْسِيرُ أَلْفٍ فِي كَأَلْفٍ، ودِرْهَمٍ) قطع هنا بقول ابن القصار فِي قبول (¬6) تفسير المقرّ وإن خالف جنس المعطوف مُطْلَقاً، وهو نقل صحيح بِخِلاف مقابله، فقد قَالَ فيه ¬
ابن عَرَفَة: نقل ابن الحَاجِب لزوم كونه من جنس المعطوف مُطْلَقاً، وقبول ابن عبد السلام وابن هارون له لا أعرفه، إِلا للمازري عن أبي ثور (¬1) ومحمد بن الحسن، وقَالَ سحنون: إِن كَانَ المعطوف غير موزون ولا مكيل ولا معدود كألف وعبد أو ثوب قبل تفسير المقر، وإن كَانَ أحد هذه كألف ودينار أو قفيز أو رطل وجب نوع المعطوف. وسُجِنَ لَهُ وَكَعَشَرَةٍ ونَيِّفَ. قوله: (وسُجِنَ لَهُ) أي: للتفسير فِي شيء، وكذا واللام إما للغاية أو للتعليل. وسَقَطَ فِي مِائَةٍ وشَيْءٍ. قوله: (وسَقَطَ فِي مِائَةٍ وشَيْءٍ) يشير بِهِ لما جاء عن ابن [96 / أ] الماجشون، أنّ من أقرّ بمائة دينار وشيء، ثم مات ولَمْ يسأل، فالشيء ساقط؛ لأنه مجهول ويلزمه ما سمى، وكذا لَو شهدت بينة بذلك سقط الشيء وثبت العدد ويحلف المطلوب، وقَالَ ابن الحَاجِب بعد أن ذكر من أقرّ بشيءٍ مفرد: أو قَالَ فِي مائة وشيء، لا يلزمه إِلا مائة (¬2)، فقال ابن عبد السلام: هذا إشارة إِلَى تخريج الخلاف فِي كلّ واحدة من المسألتين فِي الأخرى، لكنه لَمْ يجزم بِهِ؛ لأن الناس كثيراً ما يريدون بقولهم: لك عليّ عشرة وشيء. أنها عشرة كاملة. قال ابن عَرَفَة: هذا التعليل لسقوط شيء معطوف خلاف تعليل ابن الماجشون بأنه مجهول، والفرق عنده بينه مفرداً ومعطوفاً: أن لغوه مفرداً يؤدي إِلَى إهمال اللفظ المقرّ بِهِ، وإذا كَانَ معطوفاً سلم من الإهمال لإعماله فِي المعطوف عَلَيْهِ ". انتهى، وقال ابن راشد القفصي: قوله: ثم مات ولم يسأل. يقتضي أنّه لَو عاش سئل، ومقتضى ما نقله ابن شاس أنّه لا يسأل (¬3) وقبله فِي التوضيح، فكأنه هنا اعتمد فِي إطلاقه نقل ابن شاس وابن الحَاجِب. ¬
وفِي كَذَا، دِرْهَماً عِشْرُونَ وكَذَا، وكَذَا أَحَدٌ وعِشْرُونَ وكَذَا، وكَذَا أَحَدَ عَشَرَ وبِضْعٌ أَوْ دَرَاهِمَ ثَلاثَةٌ وكَثِيرَةٌ، أَوْ لا كَثِيرَةٌ ولا قَلِيلَةٌ أَرْبَعَةٌ. قوله: (وفِي كَذَا دِرْهَماً عِشْرُونَ، وكَذَا وكَذَا أَحَدٌ وعِشْرُونَ، وكَذَا وكَذَا أَحَدَ عَشَرَ) يعني والتمييز مفرد منصوب فِي الجميع قَالَ ابن عبد السلام: وعلى هذا فلو قَالَ: كذا درهم يعني بالإفراد والخفض لزمه مائة درهم؛ لأن ذلك أول عدد يضاف إِلَى المفرد، ولَو قَالَ كذا دراهم يعني بالجمع والإضافة لزمه ثلاثة؛ لأنها أوّل عدد يضاف إِلَى الجمع. هكذا كلام غير واحد من النحويين، ومثله عن ابن عبد الحكم. وقول سحنون: ما أعرف هذا هو الجاري عَلَى عرف الاستعمال لا مقتضى اللغة، وهو الحقّ، فإن وافق العرف اللغة فذاك، وإِن خالفها، وفسّر المقرّ كلامه بما لا يخالف العرف قبل منه عَلَى ما تقدّم وإِلا لَمْ يقبل ". انتهى. وذكر المازري نحو ما تقدم فِي إعراب التمييز ثم قَالَ: هذا حكم ذكر الدرهم بالنصب والخفض، ولَو قاله بالرفع فلا نصّ [فيه] (¬1)، ويمكن حمله عَلَى درهم واحد عَلَى أنّه خبر مبتدأ، أي هو درهم وقبله ابن عَرَفَة، ثم هذا عَلَى تسليم أن ما قاله ابن عبد الحكم مساعد للغة. والذي للمرادي أن مذهب البصريين أن تمييز (كذا) لا يكون إِلا مفرداً منصوباً مُطْلَقاً، وذهب الكوفيون إِلَى أنها تعامل معاملة ما يكنى بها عنه ووافقهم عَلَى ذلك ابن الدهان والمبرِّد وابن معطي، ونقله صاحب البسيط عن الأخفش قَالَ فِي " شرح التسهيل ": ومستند (¬2) هذا التفصيل الرأي لا الرواية، وذهب ابن عصفور إِلَى مذهب ثالث وهو: موافقتهم فِي المركب والعقد والمعطوف، ومخالفتهم فِي المضاف، وهو من الثلاثة إِلَى العشرة فيفسر بجمع معرف بالألف واللام مجرور بمن، وزعم أنّه مذهب البصريين بناءً عَلَى ما نقله ابن السيّد من أنّ البصريين والكوفيين اتفقوا عَلَى أن كذا وكذا كناية عن الأعداد المعطوفة، وأن كذا وكذا كناية عن الأعداد المركبة، وليس كما نقل. ¬
فإن قلت: لَمْ صرّح المصنف بذكر التمييز مَعَ كذا (¬1) المفرده وحذفه مَعَ المكرره عطفاً أو تركيبًا؟ قلت: يحتمل أن يكون حذفه (¬2) بعد المكررة اكتفاءً بما قدم فِي المفردة كما أشرنا إليه أولاً، وبِهِ فسّر ابن عبد السلام كلام ابن الحَاجِب (¬3)، ويحتمل أن يقال (¬4):حذفت تمييز المكررة لدلالتها عَلَى المكنى عنه بالعطف والتركيب دون تمييز كما تضمنه كلام ابن السيّد [المتقدم] (¬5)، وأثبت تمييز المفردة إذ لا دلالة لها عَلَى مكنى إِلا بذكر التمييز؛ ولذلك جعلها إِذَا تجرّدت عن التمييز بمثابة شيء الذي هو أنكر النكرات إذ قَالَ [قبل: (كشيء] (¬6) وكذا). على أن ابن عبد السلام قد قَالَ: ظاهر قول الفقهاء أنها أخصّ من لفظ شيء؛ [لأن لفظ شيء] (¬7) يصحّ تفسيره بالجزء كنصف درهم وربع ثوب، ولفظ كذا لا يقبل التفسير إِلا بواحد كامل من ذلك فقبله فِي " التوضيح ". وقَالَ ابن عَرَفَة: في (¬8) منع تفسير كذا بالنصف وغيره من الأجزاء نظر، وإنما يمتنع ذلك إِذَا ذكر مضافاً، والفرض كونه مفرداً (¬9)، وفِي " الصحاح " كذا كناية [عن الشيء وتكون كناية] (¬10) عن العدد. ¬
ودِرْهَمٌ، الْمُتَعَارَفُ، وإِلا فَالشَّرْعِيُّ، وقُبِلَ غِشُّهُ [62 / ب] ونَقْصُهُ إِنْ وَصَلَ، ودِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَهُ، أَوْ فَوْقَهُ، أَوْ عَلَيْهِ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ فَدِرْهَمٌ، أَوْ ثُمَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمَانِ، وسَقَطَ فِي، لا بَلْ دِينَارَانِ، ودِرْهَمٌ دِرْهَمٌ، أَوْ بِدِرْهَمٍ دِرْهَمٌ، وحَلَفَ مَا أَرَادَهُمَا. قوله: (ودِرْهَمٌ، الْمُتَعَارَفُ، وإِلا فَالشَّرْعِيُّ) كذا لابن الحَاجِب (¬1) قَالَ ابن عَرَفَة: هو قول ابن شاس تابعاً لنصّ الغزالي فِي " الوجيز " (¬2)، ولا أعرفه لأهل المذهب، ومقتضى قول ابن عبد الحكم غيره أن الواجب ما فسّره به المقر مَعَ يمينه. كَإِشْهَادٍ فِي ذُكْرٍ بِمِائَةٍ وفِي آخَرَ بِمِائَةٍ، وبِمِائَةٍ. قوله: (كَإِشْهَادٍ فِي ذُكْرٍ بِمِائَةٍ وفِي آخَرَ بِمِائَةٍ) اتبع فِي فرض [الإشهاد] (¬3) فِي وثيقتين قول ابن الحَاجِب: ولَو أشهد فِي ذكرٍ بمائة وفي (¬4) آخر بمائة فآخر قوليه مائة (¬5). قَالَ ابن عَرَفَة: قد قبله ابن عبد السلام، وصوّره بأنه أشهد فِي وثيقة بمائة لرجلٍ، ولم يذكر سببها ثم أشهد له فِي وثيقة أخرى بمائة من غير ذكر سبب، وكذلك ابن هارون، وتبعوا فِي ذلك لفظ ابن شاس (¬6) وهو وهم وغفلة؛ لأن المنصوص فِي عين المسألة خلاف ذلك. ففي " النوادر " عن كتاب ابن سحنون: من أشهد لرجلٍ فِي موطنٍ بمائة، ثم أشهد له فِي موطن آخر بمائة، فقال الطالب: هي مائتان، وقال المقرّ: هي مائة واحدة، فقال ¬
أصحابنا جميعاً: لا يلزمه [96 / ب] إِلا مائة بِخِلاف إذكار الحقوق ولَو أشهد له (¬1) فِي صكّ بمائة، وفِي صكٍّ آخر بمائة لزمه مائتان (¬2). وفِي رسم حمل صبياً من سماع عيسى من كتاب الشهادات (¬3) قَالَ ابن القاسم: لَو أشهد رجل عَلَى نفسه قوماً أن عَلَيْهِ لفلان مائة دينار، ثم أشهد من الغد آخرين أنّ له عَلَيْهِ مائة دينار، ثم أشهد من الغد آخرين أن له عَلَيْهِ مائة دينار لزمه ثلاثمائة دينار إِن طلبها وليّ الحقّ. قَالَ أصبغ: يعني إذا (¬4) أشهدهم مفترقين وادعى أنها مائة واحدة. قال: وأنا أرى إِن كَانَ له كتْبٌ فِي كل كتاب شهادة فهي أموال مختلفة، وإِن كَانَ كتاباً واحداً فهو حقّ واحد، وإِن كَانَ بغير كتاب فهي مائة واحدة ويحلف، وكذا إِن تقارب ما بين ذلك مثل أن يشهد هنا، ويقوم إِلَى موضعٍ أخر فيشهد آخرين. ابن رشد: قول ابن القاسم: يلزمه ثلاثمائة إِن طلبها ولي الحق. يأتي عَلَى القول بأن الشهادة لا تلفق، وأنّه إِذَا شهد لرجلٍ شاهدٌ أنّ فلانا أقرّ له بمائة يوم كذا، وآخر أنّه أقرّ له من الغد بمائة، وثالث أنّه أقر له من الغد بمائة فيحلف مَعَ كلّ شاهد ويستحق ثلاثمائة، وإما عَلَى أنها تلفق فيأخذ فِي هذه المسألة مائة واحدة باجتماع الشهود عَلَيْهَا بتلفيق الشهادة [ويحلف المطلوب: ما له] (¬5) عَلَيْهِ شيئا أو ما له عَلَيْهِ إِلا مائة واحدة [أشهد له بها شاهداً بعد شاهد، ولا يلزمه غيرها، فيأخذ فِي مسألة الكتاب مائة واحدة ويحلف المطلوب أنّه ما له عَلَيْهِ إِلا مائة واحدة] (¬6) أشهد له عَلَيْهَا شهوداً بعد شهود، فإن نكل عن اليَمِين حلف الطالب أنها ثلاث حقوق، وأخذ الثلاث مائة، وإِن أنكر أن يكون له عَلَيْهِ شيء أصلاً أدى الثلاث مائة ولم يكن عَلَى الطالب يمين. ¬
وقوله فِي الكتاب: أنّه يلزمه ثلاثمائة إِن طلبها وليّ الحقّ، يريد بعد يمينه أنها ثلاثة حقوق، فإن نكل عن اليَمِين حلف المطلوب أنّه حقّ واحد وأدى مائة واحدة، وتفرقة أصبغ فِي الحقّ بين أن يكون كتاباً واحداً فِي جميع الشهادات أو كتاب فِي كل شهادة، تفرقة صحيحة، لا اختلاف أن الرجل إِذَا أتى إِلَى القوم بكتاب عَلَيْهِ فيه مائة دينار، وأشهدهم عَلَى نفسه بِهِ، ثم أشهد عَلَى الكتاب بعد مدة (¬1) قوماً آخرين ثم بعد مدة قوماً آخرين أنّه حقّ واحد، وكذلك لا اختلاف فِي أن الرجل إِذَا أتى بكتاب عَلَيْهِ فيه مائة دينار إِلَى قومٍ، فأشهدهم عَلَى نفسه، ثم أتى بكتاب آخر إِلَى قومٍ آخرين عَلَيْهِ أَيْضاً فيه أيضا مائة دينار، فأشهدهم عَلَى نفسه [بِهِ ثم بكتاب ثالثٍ كذلك] فقام الطالب بالكتب الثلاثة أنّه يقضي له بالثلاثمائة (¬2)، وإنما مسألة الخلاف إِذَا أشهد شهوداً بعد شهود بغير (¬3) كتاب، وينهما مدة من الزمان وإن كتب صاحب الحقّ بما أشهد عَلَيْهِ كلّ جماعة كتاباً عَلَى حده لَمْ يخرج بذلك من الخلاف " (¬4). انتهى. قال ابن عَرَفَة: وهذا نصّ بِخِلاف نقل ابن شاس عن المذهب فتحققه. ومِائَتَيْنِ، [الأَكْثَرُ] (¬5)، وَجُلُّ الْمِائَةِ أَوْ قُرْبُهَا، أَوْ نَحْوَهَا الثُّلُثَانِ، فَأَكْثَرُ بِالاجْتِهَادِ. قوله: (وَمِائَتَيْنِ، الأَكْثَرُ) ظاهره أنّه فِي وثيقتين فيرد عَلَيْهِ ما ورد عَلَى ما قبله، ثم اقتصر ها هنا عَلَى القول الثاني فِي نقل ابن الحَاجِب إذ قَالَ: ومائة ومائتين فِي موطنين ثالثها: إِن كَانَ الأكثر أولا لزمه ثلاثمائة (¬6) اعتماداً عَلَى قول ابن عبد السلام، والقول الثاني منها أشبه بمذهب " المدونة " فِي تكرار الوصايا من جنسٍ واحد، ولهذه المسألة أَيْضاً مشابهة بمسألة من قام له شاهد واحد عَلَى مائة وشاهدان عَلَى مائتين. ¬
وعَلَى هذا القول حمل فِي " التوضيح " قول ابن سحنون اضطرب قول مالك فِي هذا، وآخر قوليه: أن يحلف المقر ما ذلك إِلا مال واحد ثم لا يلزمه إِلا مائتان. قال: وبِهِ أخذ ابن عبد الحكم وابن سحنون، وأما ابن عَرَفَة فقال: لا أعرف ثبوت الثاني وهو أكثر الإقرارين مُطْلَقاً (¬1) فِي المذهب نصاً (¬2) إِلا لابن الحَاجِب، ولَمْ يحكه ابن شاس، ولا يؤخذ من نقل الشيخ أبي محمد قول ابن سحنون فِي كتاب الإقرار: اضطرب قول مالك فِي هذا، وآخر قوليه أنّه لا يلزمه إِلا مائة؛ لأن ذلك إنما هو راجع لإقراره بمائة مرتين " انتهى. وكذا هو فِي " النوادر " لا يلزمه إِلا مائة بالإفراد، وكذا نقله ابن شاس ففي نقل " التوضيح " نظر، ثم قَالَ ابن عَرَفَة وقد يؤخذ ذلك من قوله فِي " المدونة " فِي كتاب السلم الثاني وكتاب الشهادات: من أقام شاهداً بمائة دينار وشاهداً بخمسين فإن شاء حلف مَعَ شاهد المائة وقُضي له بها وإِلا أخذ خمسين بغير يمين (¬3). فلم يجعل له حقاً إِلا فِي أكثر الإقرارين أو فِي أقلهما، لا فِي مجموعهما، هذا ظاهر " المدونة ". وقَالَ ابن يونس: قَالَ بعض أصحابنا القرويين: هذا إِن كَانَ فِي مجلس واحد ولَو كَانَ فِي مجلسين، وادعى الطالب المال: حلف مَعَ كلّ شاهد، وأخذ مائة وخمسين. وهَلْ يَلْزَمُهُ فِي عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ، عِشْرُونَ، أَوْ مِائَةٍ، قَوْلانِ وثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ، أَوْ زَيْتٌ فِي جَرَّةٍ وفِي لُزُومِ ظَرْفِهِ، قَوْلانِ. [قوله] (¬4): (وَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ، عِشْرُونَ، أَوْ مِائَةٍ؟ قَوْلانِ) فِي القول بعشرين نظر، والذي نقله المازري وأصله فِي " النوادر " أن من قَالَ له: عندي عشرة دراهم فِي عشرة دراهم لزمه عند سحنون مائة درهم، وقَالَ ابن عبد الحكم: [97 / أ] إنما ¬
يلزمه العدد الأول ويسقط ما بعده إِن حلف المقر أنّه لَمْ يرد التضعيف، وضرب الحساب بناءً عَلَى حمل اللفظ عَلَى المعنى اللغوي أو العرفي. وعبارة ابن شاس: ولو قَالَ: عشرة فِي عشرة. سئل المقر، فإن قَالَ: أقرضني عشرة فِي عشرة، أو فِي عشرين، أو باعني عشرة بعشرة، أو بعشرين لزمته عشرة مَعَ يمينه عَلَى ما زعم، وفِي قول سحنون أنّه يؤخذ بمائة درهم من قبل الحساب، ولَو قَالَ علي عشرة دراهم فِي عشرة دنانير لزمته عشرة دراهم إذ له مخرج بقوله: أعطانيها فيها (¬1). وأما ابن الحَاجِب فاختلفت (¬2) نسخه ففي بعضها: وعشرة فِي عشرة. قيل: عشرة وقيل مائة، وهذا هو الصواب المساعد للمنصوص. وفِي بعضها: قيل: عشرون، وقيل: مائة (¬3) وهو الذي فِي الشروح (¬4) المتداولة حتى قَالَ ابن عَرَفَة: وأول نقلي ابن الحَاجِب: وعشرة فِي عشرة قيل: عشرون وقيل مائة، وقبول ابن عبد السلام له وابن هارون لا أعرفه ولا لابن شاس إِلا أن يؤخذ مما فِي ترجمة من قَالَ: غصبتك ثوباً فِي ثوب من " النوادر " إذ قَالَ ما نصّه عن ابن عبد الحكم فِي قوله: ثوب فِي عشرة أثواب: " قَوْلانِ، قيل: لا يلزمه إِلا ثوب (¬5)، وقيل: أحد عشر ثوباً، فجعل (فِي) كحرف العطف. تحرير: قال ابن عبد السلام: إِن كَانَ المقرّ من أهل العلم بالعدد فينبغي أن يلزمه مائة، ولا ¬
يقبل منه غير ذلك إِذَا كَانَ كلامه مَعَ من هو مثله، وفي إلزامه مائة إِذَا [كان] (¬1) كلامه مَعَ العامّة نظر. وقَالَ ابن عَرَفَة: قول غير واحد من شيوخنا إِذَا كَانَ المقر عالماً بالحساب لزمه. قول سحنون: اتفاقاً. صواب (¬2) إِن كَانَ المقر [له] (¬3) كذلك وإِلا فلا. لا دَابَّةٌ فِي اصْطَبْلٍ، وأَلْفٌ، إِنِ اسْتَحَلَّ أَوْ أَعَارَنِي، لَمْ يَلْزَمْ كَأَنْ حَلَفَ فِي غَيْرِ الدَّعْوَى، أَوْ شَهِدَ فُلانٌ غَيْرُ الْعَدْلِ وهَذِهِ الشَّاةُ أَوْ هَذِهِ النَّاقَةُ، لَزِمَتْهُ الشَّاةُ، وحَلَفَ عَلَيْهَا، وغَصَبْتُهُ مِنْ فُلانٍ، لا بِلْ مِنْ آخَرَ، فَهُوَ لِلأَوَّلِ، وقُضِيَ لِلثَّانِي بِقِيمَتِهِ. وَلَكَ أَحَدُ ثَوْبَيْهِ عَيَّنَ وإِلا فَإِنْ عَيَّنَ الْمُقَرُّ لَهُ أَجْوَدَهُمَا حَلَفَ، وإِنْ قَالَ لا أَدْرِي. حَلَفَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ واشْتَرَكَا، والاسْتِثْنَاءُ هُنَا. كَغَيْرِهِ، وصَحَّ لَهُ الدَّارُ والْبَيْتُ لِي، وبِغَيْرِ الْجِنْسِ. كَأَلْفٍ، إِلا عَبْداً، وسَقَطَتْ قِيمَتُهُ. قوله: (لا دَابَّةٌ فِي اصْطَبْلٍ). أشار بِهِ لقول القرافي: وافقونا عَلَى أنّه إِذَا قَالَ له عندي دابّة فِي اصطبل أو نخلة فِي بستان: أنّ الظرف لا يلزم (¬4). وإِنْ أَبْرَأَ فُلاناً مِمَّا لَهُ قَبِلَهُ. أَوْ مِنْ كُلِّ حَقٍّ، أَوْ أَبْرَأَهُ. بَرِئَ مُطْلَقاً، ومِنَ الْقَذْفِ والسَّرِقَةِ. قوله: (وإِنْ أَبْرَأَ فُلاناً مِمَّا لَهُ قَبِلَهُ. أَوْ مِنْ كُلِّ حَقٍّ، أَوْ أَبْرَأَهُ. بَرِئَ مُطْلَقاً، ومِنَ الْقَذْفِ والسَّرِقَةِ) مقتضاه أنّ من قَالَ: أبرأت فلاناً مما لي قبله، أو من كلّ حقٍّ أو قَالَ: أبرأته ولم يزد؛ فإن فلاناً يبرأ مُطْلَقاً من الأمانات (¬5) والديون ومن حدّ القذف وغرم السرقة، بِخِلاف ما إِذَا قَالَ: أبرأته مما ليّ معه، فإنه إنما يبرأ مما يرجع إِلَى الأمانة دون الذمة كما ذكر بعد. وسكت عن لفظ (عند) و (على). وقد قَالَ المازري فِي السؤال الحادي والعشرين من الإقرار من شرح " التلقين ": إِذَا ¬
قَالَ: ما لي قبله حقّ حمل عَلَى أنّه أبرأه من سائر الحقوق كانت ديوناً فِي ذمته أو أمانة عنده، وإِذَا قَالَ: ما لي عنده حقّ. فالأمر عندنا كذلك خلافاً لأبي حنيفة الذي يخصه بالأمانات (¬1). وإِن قَالَ ما لي عَلَيْهِ حق فاختلف فيه سحنون وابنه. فرأى سحنون " أنّه يعمّ الديون والأمانات، ورأى ابنه أن ذلك إنما يحمل عَلَى ما كَانَ مضموناً كالديون والعواري المضمونة، وعندي أنّ لفظة عليّ لما كانت تقتضي ما وجب أدخل فيها سحنون المضمونات والوديعة والقراض، إذ يجب ردهما. وصرف ابنه هذا اللفظ لنفس المال لا لردّه، فنفس الوديعة ليست عَلَى المودع، وإِن كَانَ عَلَيْهِ أن يردّها، والحق فِي هذا الالتفات إِلَى المراد بهذه الألفاظ فِي اللغة والاستعمال أو عرف التخاطب. انتهى. فتأمله مَعَ ما فِي سماع أبي زيد آخر مسألة من كتاب الشهادات قَالَ " لَو أن رجلاً شهد له شاهد أن له عند عبد الله عشرة دنانير، وشهد شاهد آخر أنّ له عَلَى عبد الله عشرين ديناراً، لحلف مَعَ كلّ شاهد يميناً وأخذ الثلاثين. قَالَ ابن رشد: هذا بين؛ لأن قول أحد الشاهدين: له عنده خلاف قول الآخر عَلَيْهِ؛ لأن لفظة: عنده. تقتضي الأمانة، ولفظة عَلَيْهِ تقتضي الذمة، فكل واحد منهما شهد له عَلَى عبد الله بغير ما شهد له بِهِ عَلَيْهِ الآخر فله أن يحلف مَعَ كلّ واحد منهما ويستحقّ الثلاثين، وإِن شاء أن يحلف مَعَ أَحَدهمَا ويرد اليَمِين عَلَى المطلوب فيما شهد [به] (¬2) الشاهد الآخر، وإِن شاء أن يردّ اليَمِين عَلَى المطلوب فِي الجميع، وليس له أن يأخذ العشرة دون يمين، إذ لَمْ يجتمع له عَلَيْهَا الشاهدان. بِخِلاف إِذَا شهد أَحَدهمَا أن له عَلَيْهِ عشرة، وشهد الآخر أن له عَلَيْهِ عشرين هذا له أن يأخذ العشرة دون يمين؛ لاجتماع الشاهدين عَلَيْهَا، وإِن شاء أن يحلف مَعَ الشاهد ¬
الذي شهد له بالعشرين ويأخذها، وهذا إِذَا كانت الشهادتان فِي مجلسٍ واحد، ولفظٍ واحد اختلفا فيه، فقال أَحَدهمَا أنّه أقرّ له بعشرة، وقَالَ الآخر: بل أقرّ له بعشرين، وإِن كانت الشهادة فِي مجلسين فهما حقان وله أن يحلف مَعَ كل واحد منهما ويستحقّ ما شهد له بِهِ. ولَو قَالَ الشاهدان اللذان شهد أَحَدهمَا أن له عنده عشرة، وشهد الآخر أن له عَلَيْهِ عشرين إنها شهادة واحدة لبطلت شهادتهما إِن زعم ربّ الحقّ أنهما محقّان، وإِن زعم أن أَحَدهمَا محقّ حلف مَعَ الذي ادعى أنّه محقّ وأخذ ما حلف عليه (¬1). فَلا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ، وإِنْ بِصَكٍّ، إِلا بِبَيِّنَةٍ، أنّه بَعْدَهُ، وإِنْ أَبْرَأَهُ مِمَّا مَعَهُ. بَرِئَ مِنَ الأَمَانَةِ لا الدِّينِ. قوله: [97 / ب] (فَلا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ، وإِنْ بِصَكٍّ، إِلا بِبَيِّنَةٍ، أنّه بَعْدَهُ) قَالَ ابن رشد فِي رسم الرطب من سماع ابن القاسم من كتاب المديان: إِذَا كَانَ ذكر الحقّ الذي يقوم بِهِ الطالب قبل البراءة [فالقول قول المطلوب أنّه قد دخل فِي البراءة] (¬2) بلا اختلاف؛ لأن الحقوق إِذَا كانت لرجلٍ عَلَى رجل بتواريخ مختلفة، فالبراءة من شيء منها دليل عَلَى البراءة مما قبله، وهذا نحو قولهم فيمن أكرى داره مشاهرة أو مسانهة: إِن دفع كراء سنة أو شهر براءة للدافع مما قبل ذلك (¬3). ومثل ذلك ما فِي رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب: " التخيير والتمليك ": فِي الذي يباري (¬4) امرأته وهي حامل عَلَى أن تكفية مؤنة رضاع ولدها، ثم تطلبه بنفقة الحمل قَالَ: أنّه لا شيء عَلَيْهِ من ذلك؛ لأنه يعرف (¬5) أنّه لَمْ يكن يمنعها الرضاع ويعطيها ¬
هذا (¬1). وإنما الاختلاف إِذَا قام بذكر حقّ فادعى أنّه بعد البراءة وزعم المطلوب أنّه قبل البراءة، وأنّه قد دخل فيها ففي ذلك ثلاثة أَقْوَال مضى تحصيلها فِي سماع أبي زيد من كتاب الشهادات (¬2). وقَالَ فِي سماع يحيي من كتاب " الدعوى والصلح ": فابن نافع يرى القول قول الطالب، وابن القاسم وابن وهب وغيرهما يرون القول قول المطلوب " (¬3). انتهى وعَلَى هذا الثاني اقتصر المصنف هنا، وإِن كَانَ ابن رشد استظهر قول ابن نافع فِي سماع أبي زيد من كتاب " الشهادات " كما استضعف فيه تفريق سحنون بين أن يأتي المطلوب ببراءة واحدة تستغرق العدد أن يأتي ببراءات مفترقات. والله تعالى أعلم. ¬
باب الاستلحاق
[باب الاستلحاق] إِنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الأَبُ مَجْهُولَ النَّسَبِ، إِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْعَقْلُ لِصِغَرِهِ، أَوِ الْعَادَةُ ولَمْ يَكُنْ رِقَّاً لِمُكَذِّبِهِ أَوْ مَوْلًى. قوله: (وَلَمْ يَكُنْ رِقَّاً لِمُكَذِّبِهِ أَوْ مَوْلًى) أشار بِهِ لقوله فِي كتاب: " أمهات الأولاد " من " المدونة ": ومن استلحق صبياً فِي ملك غيره أو بعد أن أعتقه غيره لَمْ يصدق؛ إِذَا أكذبه (¬1) الحائز لرقه أو لولائه، ولا يرثه إِلا ببينة تثبت (¬2). لَكِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ. وفِيهَا أَيْضاً. يُصَدَّقُ. وإِنْ أَعْتَقَهُ مُشْتَرِيهِ إِنْ لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِ. قوله: (لَكِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ) ظاهر هذا الاستدراك أنّه يلحق بِهِ مَعَ بقاء رقّه أو ولائه لحائزهما، وهذا لا يقوله ابن القاسم هنا، وإنما نسبه ابن يونس لأشهب فقال: قَالَ أشهب: " يلحق بِهِ، ويكون أبناً لهذا، ومولى لمن أعتقه أو (¬3) عبداً لمن ملكه وإن أعتقه مولاه ورث أباه وورثه ". انتهى. نعم قَالَ ابن القاسم: نحو هذا فِي " المدونة " فِي المسألة الآتية فيمن ابتاع أمة فولدت عنده فادعاه البائع بعد عتق المبتاع الأم والولد قَالَ هناك: ألحقت بِهِ نسب الولد ولم أزل عن المبتاع ما ثبت له من ولائهما (¬4). قَالَ أبو الحسن الصغير: الفرق بينهما أنّه فِي الأولى لَمْ يملك أمه فليس معه قرينة تصدقه بِخِلاف هذه، وفِي بعض نسخ هذا المختصر: فإنه لا يلحق بِهِ وهو كالحشو. ¬
وإِنْ كَبِرَ أَوْ مَاتَ ووَرِثَهُ إِنْ وَرِثَهُ ابْنٌ، أَوْ بَاعَهُ ونُقِضَ ورَجَعَ بِنَفَقَتِهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ خِدْمَةٌ عَلَى الأَرْجَحِ. قوله: (وَإِنْ كَبِرَ أَوْ مَاتَ) يقتضي أن تصديقه لا يشترط كما قَالَ ابن الحَاجِب تبعاً لابن شاس: ولا كلام له ولَو كَانَ كبيراً (¬1)، وقطع بِهِ ابن عبد السلام وابن هارون، وحصّل فيه ابن عَرَفَة إِذَا كَانَ الولد ممن يعقل [ذلك طرقاً] (¬2): الأولى: لابن خروف والحوفي (¬3): اشتراطه. الثانية: للبيان وابن شاس: لا يشترط. الثالثة: لابن يونس: يشترط (¬4) فيمن جهل حوز مستلحقة أمه لا فِي غيره. وفِي أمهات الأولاد من " المدونة ": من ولد عنده صبي فأعتقه ثم استلحقه بعد طول الزمان لحق بِهِ وإِن كذّبه الولد (¬5). وفِي الشهادات منها: من ادعى عَلَى رجلٍ أنّه ولده أو والده لَمْ يحلف له (¬6)، فظاهره شرط التصديق، وكذا قوله فِي الولاء: من ادعى أنّه ابن فلان أو أبوه أو أنّه مولاه من فوق أو من أسفل وفلان يجحده فله إيقاع البينة عَلَيْهِ ويقضي له ". انتهى. ونسب فِي " التوضيح " الأولى " للكافي " [وشهادات] (¬7) " المدونة "، والثانية " للنوادر "، واعتمدها هنا. ¬
وإِنِ ادَّعَى اسْتِيلادَهَا بِسَابِقٍ، فَقَوْلانِ، فِيهَا وإِنْ بَاعَهَا فَوَلَدَتْ واسْتَلْحَقَهُ لَحِقَ ولَمْ يُصَدَّقْ فِيهَا، إِنِ اتُّهِمَ بِمَحَبَّةٍ، أَوْ عَدَمِ ثَمَنٍ، أَوْ فَرَاهَةٍ (¬1)، ورَدَّ ثَمَنَهَا، ولَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ مُطْلَقاً، وإِنِ اشْتَرَى مُسْتَلْحَقَةً والْمِلْكُ لِغَيْرِهِ عَتَقَ كَشَاهِدٍ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ. قوله: (وَإِنِ ادَّعَى اسْتِيلادَهَا بِسَابِقٍ، فَقَوْلانِ فِيهَا) قَالَ فِي كتاب أمهات الأولاد من " المدونة ": ومن باع (¬2) أمة فاعتقت لَمْ تقبل دعوى البائع أنّه كَانَ أولدها إِلا ببينة (¬3). عياض: قَالَ فِي كتاب " الآبق " مرة لا ترد مُطْلَقاً ومثله فِي كتاب " المكاتب "، ومرة قَالَ: ترد إليه إِن لَمْ يتهم فيها وحكى بعضهم أن له (¬4) فِي كتاب " الآبق " أن تردّ مُطْلَقاً، وليس ذلك فِي روايتنا ". انتهى مختصراً، ومراده ببعضهم اللخمي، فمعنى قول المصنف: (بسابق) بولد سابق احترازاً من التي بعدها (¬5)، والضمير فِي (فيها) للمدونة. وإِنِ اسْتَلْحَقَ غَيْرَ [الوَلَدٍ] (¬6) لَمْ يَرِثْهُ إِنْ كَانَ وَارِثٌ، وإِلا فَخِلافٌ وخَصَّهُ الْمُخْتَارُ بِمَا إِذَا لَمْ يَطُلِ الإِقْرَارُ، وإِنْ قَالَ لأَوْلادِ أَمَتِهِ: أَحَدُهُمْ وَلَدِي عَتَقَ الأَصْغَرُ، وثُلُثَا الأَوْسَطِ، وثُلُثُ الأَكْبَرِ. وإِنِ افْتَرَقَتْ أُمَّهَاتُهُمْ فَوَاحِدٌ بِالْقُرْعَةٍ، وإِذَا وَلَدَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ وأَمَةُ آخَرَ واخْتَلَطَا عَيَّنَتْهُ الْقَافَةُ، وعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ وَجَدَتْ مَعَ ابْنَتِهَا [62 / أ] أُخْرَى لا تُلْحَقُ بِهِ وَاحِدَةٌ، وإِنَّمَا تَعْتَمِدُ الْقَافَةُ عَلَى أَبٍ لَمْ يُدْفَنْ وإِنْ أَقَرَّ عَدْلانِ بِثَالِثٍ. ثَبَتَ النَّسَبُ. قوله: (وَإِنِ اسْتَلْحَقَ غَيْرَ الوَلَدٍ لَمْ يَرِثْهُ إِنْ كَانَ وَارِثٌ) كذا فِي النسخ الصحيحة بالشرط المثبت، ولا يصحّ غيره. وعَدْلٌ يَحْلِفُ مَعَهُ ويَرِثُ ولا نَسَبَ وإِلا فَحِصَّةُ الْمُقِرِّ. كَالْمَالِ. وهَذَا أَخِي، بِلْ هَذَا، فَلِلأَوَّلِ نِصْفُ إِرْثِ أَبِيهِ، ولِلثَّانِي نِصْفُ مَا بَقِيَ. قوله: (وعَدْلٌ يَحْلِفُ مَعَهُ ويَرِثُ ولا نَسَبَ) قد سلّم فِي " التوضيح " أن هذا خلاف ¬
المعروف من المذهب، وهو كذلك، والمعروف قوله آخر كتاب الولاء من " المدونة ": ومن مات وترك ابنين، فأقرّ أَحَدهمَا بأختٍ له فليعطها خمس ما بيده ولا تحلف الأخت مَعَ الأخ المقرّ بها (¬1)؛ لأنه شاهد واحد، ولا يحلف فِي النسب مَعَ شاهد واحد (¬2)، إِلا أن الباجي وافق عَلَى هذا فِي باب ميراث الولد المستلحق، وخالفه فِي باب: القضاء بإلحاق (¬3) الولد فقال: من ترك ولدين أقرّ أَحَدهمَا بثالث، فإن كَانَ المقر عدلاً حلف المقر له مَعَ شهادته، وأخذ من كلّ [98 / أ] منهما حصته ولا يثبت نسبه (¬4)، واتبعه عَلَى هذا الطرطوشي وابن شاس وابن الحَاجِب (¬5) والقرافي وابن عبد السلام. وعضده ابن عَرَفَة بقوله فِي كتاب الولاء من " المدونة ": ولَو أقرت البنتان أنّ فلاناً مولى أبيهما وهما عدلتان حلف معهما وورث الثلث الباقي إِن لم (¬6) يأت أحد بأحق من ذلك من ولاءٍ ولا عصبة ولا ولد معروف ولا يستحقّ (¬7) بذلك الولاء (¬8). وبما فِي " النوادر " عن " الموازية " (¬9): من ترك ابنتين وعصبة، فأقرت البنتان بأخٍ: فإن لَمْ تكونا عدلتين أعطته كلّ واحدة ربع ما بيدها، وإِن كانتا عدلتين حلف عند ابن القاسم، وأخذ تمام النصف من العصبة ". انتهى. فأنت ترى هذا القول قد انتعش. ¬
وإِنْ تَرَكَ أُمَّاً وأَخاً، فَأَقَرَّتْ بِأَخٍ فَلَهُ مِنْهَا السُّدُسُ، وإِنْ أَقَرَّ مَيِّتٌ بِأَنَّ فُلانَةَ جَارِيَتَهُ وَلَدَتْ مِنْهُ فُلانَةَ ولَهَا ابْنَتَانِ أَيْضاً ونَسِيَتْهَا الْوَرَثَةُ، والْبَيِّنَةُ، فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الْوَرَثَةُ. فَهُنَّ أَحْرَارٌ، ولَهُنَّ مِيرَاثُ بِنْتٍ، وإِلا لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ. وإِنِ اسْتَلْحَقَ وَلَداً ثُمَّ أَنْكَرَهُ. ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ. فَلا يَرِثُهُ ووُقِفَ مَالُهُ فَإِنْ مَاتَ فَلِوَرَثَتِهِ وقُضِيَ دَيْنُهُ وإِنْ قَامَ غُرَمَاؤُهُ وهُوَ حَيٌّ أَخَذُوهُ. قوله: (وَإِنْ تَرَكَ أُمَّاً وأَخاً، فَأَقَرَّتْ بِأَخٍ فَلَهُ مِنْهَا السُّدُسُ) نسب هذا فِي " النوادر " للموطأ، واتبعه الناس، ولابن عَرَفَة بحث معهم فِي ذلك (¬1) نازعه فيه السيتاني (¬2) فِي " شرح التلمسانية "، فقف عَلَى ذلك فِي محالّه وبالله التوفيق سبحانه. ¬
باب الإيداع
[باب الإيداع] الإِيدَاعُ تَوْكِيلٌ بِحِفْظِ مَالٍ وضُمِنَ بِسُقُوطِ شَيْءٍ عَلَيْهَا، لا إِنِ انْكَسَرَتْ فِي نَقْلِ مِثْلِهَا، وبِخَلْطِهَا، إِلا كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ، ودَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ. قوله: (وبِخَلْطِهَا، إِلا كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ، ودَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ) هذا كقول ابن الحَاجِب: ولَو خلط قمحاً بقمح أو دراهم بدنانير لَمْ يضمن (¬1). وقد ذكر فِي " التوضيح " اقتداءً بابن عبد السلام أنّه نبّه بِهِ عَلَى صورتين: الأولى: أن يخلط مثلياً بمثلي جنساً وصفة بحيث يتعذر التمييز. الثانية: أن يخلط جنساً بغير جنسه بحيث يمكن التمييز بلا كلفة كدنانير مَعَ دراهم وكقطن (¬2) مَعَ كتّان وكدراهم بدراهم تخالفها فلا ضمان فِي الصورتين (¬3)، وهو معنى قول ابن عَرَفَة: وخلط الوديعة بمثلها مكيلاً أو موزونا أو بغيره متيسراً ميزه مغتفر وبغيرهما يوجب ضمانه. لِلإِحْرَازِ، ثُمَّ إِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَبَيْنَكُمَا، إِلا أَنْ يَتَمَيَّزَ. قوله: (لِلإِحْرَازِ) إنما ذكر هذا القيد فِي " المدونة " فِي الصورة الأولى (¬4)، وأما الصورة الثانية فلم يذكرها فيها أصلاً. وبِانْتِفَاعِهِ بِهَا أَوْ بِسَفَرِهِ، إِنْ قَدَرَ عَلَى أَمِينٍ، إِلا أَنْ تُرَدَّ سَالِمَةً. وحَرُمَ سَلَفُ مُقَوَّمٍ ومُعْدِمٍ، وكُرِهَ النَّقْدُ والْمِثْلِيُّ كَالتِّجَارَةِ، والرِّبْحُ لَهُ، وبَرِئَ إِنْ رَدَّ غَيْرَ الْمُحَرَّمِ إِلا بِإِذْنٍ، أَوْ يَقُولَ: إِنِ احْتَجْتَ فَخُذْ وضَمِنَ الْمَأْخُوذَ فَقَطْ وبِقُفْلٍ بِنَهْيٍ، وبِوَضْعٍ بِنُحَاسٍ فِي أَمْرِهِ بِفَخَّارٍ، لا إِنْ زَادَ قُفْلاً، أَوْ عَكَسَ فِي الْفَخَّارِ، أَوْ أَمَرَ بِرَبْطٍ بِكُمٍّ فَأَخَذَ بِالْيَدِ كَجَيْبِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وبِنِسْيَانِهَا فِي مَوْضِعِ إِيدَاعِهَا، وبِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ ¬
بِهَا، وبِخُرُوجِهِ بِهَا يَظُنُّهَا لَهُ فَتَلِفَتْ، لا إِنْ نَسِيَهَا فِي كُمِّهِ فَوَقَعَتْ ولا إِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وبِإِيدَاعِهَا وإِنْ بِسَفَرٍ لِغَيْرِ زَوْجَةٍ وأَمَةٍ اعْتِيدَا بِذَلِكَ إِلا لِعَوْرَةٍ حَدَثَتْ، أَوْ لِسَفَرٍ عِنْدَ عَجْزِ الرَّدِّ، وإِنْ أُودِعَ بِسَفَرٍ. قوله: (إِلا أَنْ تُرَدَّ سَالِمَةً) أي بعد الانتفاع أو السفر. ووَجَبَ الإِشْهَادُ بِالْعُذْرِ. قوله: (ووَجَبَ الإِشْهَادُ بِالْعُذْرِ) أشار بِهِ لقوله فِي " المدونة ": إِلا أنّه لا يصدق أنّه أراد سفراً أو خاف عورة منزله فأودعه إِلا أن يعلم سفره أو عورة منزله فيصدق (¬1). فإن قلت: هذا خلاف قول ابن الحَاجِب: فإن أودع لعذرٍ كعورة منزله أو سفره عند عجز الرد لَمْ يضمن وإِن لَمْ يشهد (¬2). قلت: لَمْ يتواردا عَلَى محلٍ واحد، فإن المصنف أثبت هنا وجوب الإشهاد [بالعذر وابن الحَاجِب نفى وجوب الإشهاد] (¬3) بالإيداع، وبهذا فسّره ابن عبد السلام فقال: معناه: " أن اعتماده فِي الإيداع (¬4) لغيره عَلَى ما تقدّم من العذر كافٍ ولا يحتاج مَعَ ذلك إِلَى الإشهاد عَلَى الدفع لمن يودعه هكذا قَالَ فِي " المدونة ". انتهى. وقبله فِي " التوضيح " (¬5). وبَرِئَ، إِنْ رَجَعَتْ سَالِمَةً، وعَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهَا إِنْ نَوَى الإِيَابَ وبِبَعْثِهِ لَهَا، وبِإِنْزَائِهِ عَلَيْهَا فَمُتْنَ، وإِنْ مِنَ الْوِلادَةِ كَأَمَةٍ زَوَّجَهَا فَمَاتَتْ مِنَ الْوِلادَةِ، وبِجَحْدِهَا، ثُمَّ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الرَّدِّ خِلافٌ وبِمَوْتِهِ ولَمْ يُوصِ، ولَمْ تُوجَدْ، إِلا لِكَعَشْرِ سِنِينَ، وأَخَذَهَا إِنْ، ثَبَتَ بِكِتَابَةٍ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَهُ إِن ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ خَطُّهُ، أَوْ خَطُّ الْمَيِّتِ. قوله: (وبَرِئَ، إِنْ رَجَعَتْ سَالِمَةً) أي إِن رجعت من إيداعه إياها غيره فليس بتكرار مَعَ قوله: (إِلا أن ترد سالمة). ¬
وبِسَعْيِهِ بِهَا لِمُصَادِرٍ، وبِمَوْتِ الْمُرْسَلِ مَعَهُ لِبَلَدٍ، إِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ، وبِكَلُبْسِ [62 / ب] الثَّوْبِ، ورُكُوبِ الدَّابَّةِ، والْقَوْلُ لَهُ أنّه رَدَّهَا سَالِمَةً، إِنْ أَقَرَّ بِالْفِعْلِ، وإِنْ أَكْرَاهَا لِمَكَّةَ ورَجَعَتْ بِحَالِهَا، إِلا أنّه حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا فَلَكَ قِيمَتُهُ يَوْمَ كِرَائِهِ ولا كِرَاءَ أَوْ أَخْذُهُ [وَأَخْذُهَا] (¬1)، وبِدَفْعِهَا مُدَّعِياً أَنَّكَ أَمَرْتَهُ بِهِ، وحَلَفْتَ وإِلا حَلَفَ، وبَرِئَ، إِلا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الآمِرِ، ورَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ، وإِنْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ بِمَالٍ، فَقَالَ: تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَيَّ وأَنْكَرْتَ فَالرَّسُولُ شَاهِدٌ وهَلْ مُطْلَقاً؟ أَوْ إِنْ كَانَ الْمَالُ بِيَدِهِ؟ تَأْوِيلانِ. وبِدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى وَارِثِكَ. أَوِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ الْمُنْكِرِ كَعَلَيْكَ، إِنْ كَانَتْ لَكَ بَيِّنَةٌ مَقْصُودَةٌ لا بِدَعْوَى التَّلَفِ، أَوْ عَدَمَ الْعِلْمِ بِالرَّدِّ (¬2) أَوِ الضَّيَاعِ، وحَلَفَ الْمُتَّهَمُ. وَلَمْ يُفِدْهُ شَرْطُ نَفْيِهَا، فَإِنْ نَكَّلَ حَلَفْتَ وإِلا إِنْ شَرَطَ الدَّفْعَ لِلْمُرْسِلِ إِلَيْهِ بِلا بَيِّنَةٍ، وبِقَوْلِهِ. تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ تَلْقَانِي بَعْدَ مَنْعِهِ دَفْعَهَا كَقَوْلِهِ بَعْدَهُ بِلا عُذْرٍ، لا إِنْ قَالَ لا أَدْرِي مَتَى تَلِفَتْ. قوله: (وبِسَعْيِهِ بِهَا لِمُصَادِرٍ) من خطّ أبي علي الونشريسي الأكبر: " المصادر هو الجالس فِي الطرقات ليغرم الأعشار أو المرتب ". انتهى. وقَالَ ابن عبد السلام: أي: ووشى (¬3) بها إِلَى ظالم، وإذا قيل فيمن دلّ غاصباً عَلَى مال رجلٍ فغصبه أنّه ضامن، فأحرى هنا؛ لأن ذلك لَمْ يلتزم حفظ المال بِخِلاف المودَع " انتهى وقال ابن عَرَفَة: " قول ابن الحَاجِب وابن شاس: لَو سعى بها إِلَى مصادر ضمنها (¬4). واضح لتسببه فِي تلفها، ولا أعلم نصّ المسألة إِلا فِي " وجيز الغزالي ". انتهى. ونصّ الوجيز السادس: " من موجبات الضمان التضييع، وذلك أن يلقيه (¬5) فِي مضيعة أو يدل عَلَيْهِ سارقاً أو يسعى بِهِ إِلَى من يصادر المالك فيضمن (¬6). وجوز فِي " التوضيح " كسر دال (المصادر) وفتحه (¬7). ¬
وبِمَنْعِهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمَ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، لا إِنْ قَالَ ضَاعَتْ مُنْذُ سِنِينَ، وكُنْتُ أَرْجُوهَا ولَوْ حَضَرَ صَاحِبُهَا كَالْقِرَاضِ، ولَيْسَ لَهُ الأَخْذُ مِنْهَا لِمَنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِهَا. قوله: (بِمَنْعِهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْحَاكِمَ) الظاهر نصب الحاكم عَلَى المفعولية، وجوّز (¬1) فِي " التوضيح " رفعه عَلَى الفاعلية قَالَ: كما فِي بعض القرى أن الحاكم يأتي إليها (¬2). ولا أُجْرَةُ حِفْظِهَا، بِخِلافِ مَحَلِّهَا، ولِكُلٍّ تَرْكُهَا، وإِنْ أَوْدَعَ صَبِيَّاً، أَوْ سَفِيهاً أَوْ أَقْرَضَهُ، أَوْ بَاعَهُ فَأَتْلَفَ، لَمْ يَضْمَنْ، وإِنْ بِإِذْنِ أَهْلِهِ، وتَعَلَّقَتْ بِذِمَّةِ الْمَأْذُونِ عَاجِلاً، وبِذِمَّةِ غَيْرِهِ إِذَا أَعْتَقَ، إِنْ لَمْ يُسْقِطْهُ السَّيِّدُ. وإِنْ قَالَ هِيَ لأَحَدِكُمَا ونَسِيتُهُ، تَحَالَفَا. وقُسِمَتْ بَيْنَهُمَا وإِنْ أَوْدَعَ اثْنَيْنِ جُعِلَتْ بِيَدِ الأَعْدَلِ. قوله: (ولِكُلٍّ تَرْكُهَا) بِهِ فسر فِي " التوضيح " تبعاً لابن عبد السلام قول ابن الحَاجِب: وهي جائزة من الجانبين (¬3). وقال ابن عَرَفَة: هي من حيث ذاتها للفاعل والقابل مباحة، وقد يعرض وجوبها كخائف فقدها الموجب هلاكه أو فقره إِن لَمْ يودعها مَعَ وجود قابل لها يقدر علي حفظها، وحرمتها كمودع شيءٍ غصبه ولا يقدر القابل عَلَى جحده ليرده لربه أو للفقراء إِن كَانَ المودع مستغرق الذمة؛ ولذا ذكر عياض فِي (مداركه) عن بعض الشيوخ: أن من قبل وديعة من مستغرق ذمة ثم ردّها إليه ضمنها للفقراء (¬4). زاد فِي " نوازل البرزلي ": ولم تجر عادة فقهاء تونس بقبول ودائع الظلمة ثم قَالَ ابن عَرَفَة: وقد يعرض ندبها حيث يخشى ما يوجبها دون تحققه، وكراهتها حيث [يخشى] (¬5) ما يحرمها دون تحققه. ¬
باب العارية
[باب العارية] صَحَّ ونُدِبَ إِعَارَةُ مَالِكِ مَنْفَعَةٍ بِلا حَجْرٍ وإِنْ مُسْتَعِيراً. قوله: [98 / ب] (وإِنْ مُسْتَعِيراً) هو كقول ابن الجلاب (¬1): ومن استعار شيئاً إِلَى [مدة] (¬2) فلا بأس أن يكريه من مثله فِي المدة، ولا بأس أن يعيره أَيْضاً من مثله (¬3). وعَلَيْهِ اقتصر ابن شاس وابن الحَاجِب (¬4) وقبله ابن هارون وابن عبد السلام، وزاد وقد منع بعض الأئمة عارية المستعير، ولبعض شيوخ المذهب ركون (¬5) إِلَى ذلك قَالَ: لأن المستعير لَمْ يحصل له ملك (¬6) المنفعة حقيقة، وإنما حصل له الإذن فِي التصرف [على وجه ما، ورأى أن الإذن فِي التصرف أعمّ من ملك المنفعة الذي هو شرط صحة العارية، والأعمّ لا يستلزم الأخصّ] (¬7) بعينه وفيه نظر. ثم خرج الخلاف فِي العارية عَلَى الخلاف فِي الإجارة. [وقَالَ فِي " التوضيح ": مبنى الخلاف: هل المستعير مالك المنفعة أو الانتفاع؟ (¬8)، وأما ابن عَرَفَة فأغفل نصّ ابن الجلاب (¬9) وقال: يؤيد نقل ابن شاس وابن الحَاجِب قوله فِي الوصايا الثاني من " المدونة ": وللرجل أن يؤاجر ما أوصى له بِهِ من سكنى دار أو خدمة عبد. قَالَ فِي الوصايا الأول: إِلا أن يريد بالعبد ناحية الكفالة والحضانة؛ لكن قَالَ فِي الجعل والإجارة من " المدونة ": وإِن استأجرت ثوباً تلبسه يوماً إِلَى الليل فلا تعطه غيرك ¬
ليلبسه لاختلاف اللبس والأمانة. وكره مالك لمكتري الدابّة لركوبها كراءها من غيره ولو كَانَ أخفّ منه (¬1)، وتمام هذا فِي الإجارة، وما منع فيها فأحرى فِي العارية، وفِي " الزاهي " لابن شعبان: من استعار دابّة فلا يركبها غيره وإِن كَانَ مثله فِي الخفة والحال. لا مَالِكِ انْتِفَاعٍ. قوله: (لا مَالِكِ انْتِفَاعٍ) أصل هذا التحرير فِي الفرق الثلاثين من قواعد القرافي، وقد صححه ابن الشاط، وفِي الإجارات من " قواعد " المقري: من ملك المنفعة فله المعاوضة عَلَيْهَا وأخذ عوضها، ومن ملك أن ينتفع فليس له المعاوضة كسكنى المدرسة والرباط والجلوس فِي المسجد والطريق، وانظر المكان فِي الحمام. قَالَ القرافي: ومن ثم لَمْ تجز قبالة المدارس إِذَا عدم الساكن، لأنها إنما جعلت للسكنى لا للغلة كالمسجد للصلاة. مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ عَيْناً لِمَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ، لا كَذِمِّيٍّ مُسْلِماً وجَارِيَةٍ لِلْوَطْئِ، أَوْ خِدْمَةٍ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ، أَوْ لِمَنْ تَعْتِقُ (¬2) عَلَيْهِ، وهِيَ لَهُ، والأَطْعِمَةُ والنُّقُودُ قَرْضٌ بِمَا يَدُلُّ، وجَازَ أَعِنِّي بِغُلامِكَ لأُعِينَكَ إِجَارَةً وضَمِنَ الْمَغِيبَ عَلَيْهِ، إِلا لِبَيِّنَةٍ. وهَلْ، وإِنْ شَرَطَ نَفْيَهُ؟ تَرَدُّدٌ لا غَيْرُهُ ولَوْ بِشَرْطٍ، وحَلَفَ فِيمَا عُلِمَ أنّه بِلا سَبَبِهِ. كَسُوسٍ أنّه مَا فَرَّطَ وبَرئَ فِي كَسْرِ كَسَيْفٍ، إِنْ شُهِدَ لَهُ أنّه مَعَهُ فِي اللِّقَاءِ، أَوْ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَ مِثْلِهِ، وفَعَلَ الْمَأْذُونَ، ومِثْلَهُ ودُونَهُ، لا أَضَرَّ وإِنْ زَادَ مَا تَعْطَبُ [63 / أ] بِهِ، فَلَهُ قِيمَتُهَا، أَوْ كِرَاؤُهُ كَرَدِيفٍ. قوله: (مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ) اختصره من قول ابن الحَاجِب: " المستعير أهل للتبرع عَلَيْهِ فلا يعار ذمي مسلماً (¬3). قَالَ ابن عبد السلام: يريد أنّه يشترط فِي المستعير أن يكون أهلاً لأن يتبرع بالمستعار (¬4) بخصوصيته، وقبله فِي " التوضيح " (¬5)، وقَالَ ابن عَرَفَة: ¬
المستعير قابل ملك المنفعة، فلا يعار كافر عبداً مسلماً ولا ولد والده، وقول ابن الحَاجِب: والمستعير أهل للتبرع عَلَيْهِ. قاصرٌ؛ لأن الكافرَ والولدَ أهلٌ للتبرع عَلَيْهِ، وجواب (¬1) ابن عبد السلام بأن مراده زيادة بالمستعار بخصوصيته، يردّ بأن كل كلام لا يصح كذلك لصحة تقييده بما بِهِ يصح. واتُّبِعَ إِنْ أَعْدَمَ ولَمْ يَعْلَمْ بِالإِعَارَةِ، وإِلا فَكِرَاؤُهُ (¬2). قوله: (وإِلا فَكِرَاؤُهُ) كذا فِي بعض النسخ، وقد علمت معناه، وفِي بعضها: وإِلا (فكمردفه) ومعناه: وإِن كَانَ الرديف عالماً بالإعارة فهو كمردفه، فلربها أن يضمن من شاء منهما إما القيمة وإما الكراء. ولَزِمَتِ الْمُقَيَّدَةُ بِعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ لانْقِضَائِهِ، وإِلا فَالْمُعْتَادُ، ولَهُ الإِخْرَاجُ فِي كَبِنَاءٍ، إِنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ، وفِيهَا أَيْضاً قِيمَتُهُ، وهَلْ خِلافٌ، أَوْ قِيمَتُهُ إِن لَمْ يَشْتَرِهِ، أَوْ إِنْ طَالَ أَوِ اشْتَرَاهُ بِغَبْنٍ كَثِيرٍ؟ تَأْوِيلاتٌ. وإِنِ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْبِنَاءِ أَوِ الْغَرْسِ فَكَالْغَصْبِ، وإِنِ ادَّعَاهَا الآخِذُ والْمَالِكُ الْكِرَاءَ فَالْقَوْلُ لَهُ [بِيَمِينٍ] (¬3)، إِلا أَنْ يَأْنَفَ مِثْلُهُ، كَزَائِدِ الْمَسَافَةِ إِنْ لَمْ يَزِدْ، وإِلا فَلِلْمُسْتَعِيرِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ والْكِرَاءِ، وإِنْ بِرَسُولٍ مُخَالِفٍ كَدَعْوَاهُ رَدَّ مَا لَمْ يَضْمَنْ. قوله: (وإِلا فَالْمُعْتَادُ) هو خلاف ما فِي " المدونة " (¬4) إِلا أن ابن يونس صوّبه، وقوله: " وله الإخراج " وفاق لما فِي " المدونة "، فكلامه متناقض، وعدّها ابن الحَاجِب قولين (¬5)، ¬
وقبله ابن عبد السلام وابن عَرَفَة والمصنف، فلو قَالَ وإِلا فالمعتاد عَلَى الأَرْجَح وفيها وله الإخراج فِي كبناء ... إِلَى آخره لأجاد (¬1). وإِنْ زَعَمَ أنّه مُرْسَلٌ لاسْتِعَارَةِ حُلِيٍّ وتَلِفَ ضَمِنَهُ مُرْسِلُهُ، إِنْ صَدَّقَهُ، وإِلا حَلَفَ وبَرِئَ، ثُمَّ حَلَفَ الرَّسُولُ وبَرِئَ وإِنِ اعْتَرَفَ بِالْعَدَاءِ وضَمِنَ الْحُرُّ والْعَبْدُ فِي ذِمَّتِهِ، إِنْ عَتَقَ، وإِنْ قَالَ أَوْصَلْتُهُ لَهُمْ فعَلَيْهِ وعَلَيْهِمُ اليَمِين. قوله: (وَإِنْ زَعَمَ أنّه مُرْسَلٌ لاسْتِعَارَةِ حُلِيٍّ وتَلِفَ ... إِلَى قوله: فعَلَيْهِ وعليهم اليَمِين) اختصار عجيب مستوفٍ لما فِي رسم البراءة من سماع عيسى من كتاب العارية (¬2). ومُؤْنَةُ أَخْذِهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَرَدِّهَا عَلَى الأَظْهَرِ. قوله: (وَمُؤْنَةُ أَخْذِهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَرَدِّهَا عَلَى الأَظْهَرِ) كذا فِي " المقدمات " (¬3). وفِي عَلَفِ الدَّابَّةِ قَوْلانِ. قوله: (وفِي عَلَفِ الدَّابَّةِ قَوْلانِ) من " الاستغناء " قَالَ بعض أصحابنا: من [استعار] (¬4) دابّة أو شيئاً له نفقة فذلك عَلَى المعير [(¬5) وليس عَلَى المستعير منه شيء؛ لأنه لَو ¬
كَانَ عَلَى المستعير لكان كراءً، وقد يكون العلف فِي الغلاء أكثر من الكراء، فيخرج من عارية إِلَى كراء. ولبعض المفتين: إِلا فِي الليلة والليلتين فذلك عَلَى المستعير، وقيل أَيْضاً فِي الليلة والليلتين على ربّها، وأما فِي المدة الطويلة والسفر البعيد فعلى المستعير كنفقة العبد المخدم، وكأنه أقيس ". انتهى. وفِي كتاب " الوصايا الأول من " المدونة ": ونفقة الموصي بخدمته فِي الخدمة عَلَى المخدم (¬1). عياض: عَلَى الذي أُخدِم بضم الهمزة وكسر الدال، كذا ضبطناه (¬2) في الكتاب، وعَلَيْهِ اختصرها أكثرهم، قالوا وعَلَى الذي له الخدمة، وكذا جاءت مبينة فِي كتاب محمد وغيره، ثم قَالَ: وقد اختلف فِي زكاة الفطر عن العبد المخدم ففي " المدونة " فِي الزكاة: ذلك عَلَى ربه، وكذلك إِذَا جعل رقبته لآخر فعلى صاحب الرقبة (¬3)، وقَالَ أشهب فِي كتاب محمد عَلَى من له الرقبة (¬4) فيهما، وعَلَى الخلاف فِي ذلك يتصور الخلاف فِي نفقة المخدم، وقد ضبطه بعض الرواة هنا عَلَى الذي أخدم بالفتح فيهما أي عَلَى ربه. ¬
باب الغصب
[باب الغصب] الْغَصْبُ: أَخْذُ مَالٍ، قَهْراً، تَعَدِّياً، بِلا حِرَابَةٍ. وأُدِّبَ مُمَيِّزٌ كَمُدَّعِيهِ عَلَى صَالِحٍ، وفِي حَلِفِ الْمَجْهُولِ قَوْلانِ. وضَمِنَ بِالاسْتِيلاءِ. [99 / أ] قوله: (وضَمِنَ بِالاسْتِيلاءِ) أي: وضمن الغاصب المميز ما غصب بسبب استيلائه عَلَيْهِ إِذَا تغير فِي بدنه وإِن بسماوي أو جناية غير، وظاهره أنّه لا فرق فِي ذلك بين العقار وغيره (¬1) خلاف قول ابن الحَاجِب، ويكون أي الضمان بالتفويت بالمباشرة أو بإثبات اليد العادية، فالمباشرة كالقتل والأكل والإحراق وإثبات اليد العادية فِي المنقول بالنقل، وفِي العقار بالاستيلاء وإِن لَمْ يسكن (¬2)، عَلَى أنّه قبله فِي " التوضيح " (¬3) كابن عبد السلام، وأما ابن عَرَفَة فقال: مجرد حصول المغصوب فِي حوز الغاصب يوجب ضمانه بسماوي أو جناية غيره عَلَيْهِ. ثم قَالَ: وحاصل كلام ابن الحَاجِب وشارحيه: أن غير العقار لا يتقرر فيه الضمان بمجرد الاستيلاء، وليس المذهب كذلك بل مجرد الاستيلاء [وهو] (¬4) مجرد حقيقة الغصب يوجب الضمان، لو (¬5) غصب أمة كائنةً ببقعة أو غيرها من المتملكات فاستولى عَلَيْهَا بالتمكن من التصرف فيها دون ربها ضمنها، وروايات المذهب واضحة بهذا (¬6) لمن تأملها. انتهى. وابن الحَاجِب تابع لابن شاس (¬7) وعبارتهما منسوجة عَلَى منوال " وجيز " الغزالي فِي هذا المحل، وكلام المصنف هنا سالم من ذلك، وإن كَانَ قوله بعد هذا: (أو ركب) يحتمل أن يشير إليه فتأمله. ¬
وإِلا فَتَرَدُّدٌ. قوله: (وإِلا فَتَرَدُّدٌ) أي: وإن لَمْ يكن الغاصب مميزاً بل كَانَ غير مميز فقد تَرَدُّدٌ المتأخرون: هل الخلاف فِي ضمانه كما نقل ابن الحَاجِب؟ أم فِي السن المخرج له إِلَى التمييز؟ كما ذكر ابن عبد السلام؛ وذلك أن ابن الحَاجِب قَالَ: وأما غير المميز فقيل المال فِي ماله والدم عَلَى عاقلته. وقيل: المال هدر كالمجنون. وقيل: كلاهما هدر (¬1). فقال ابن عبد السلام: جعل مورد الخلاف فِي هذه المسألة عدم التمييز وهو حسن فِي الفقه؛ غير أن الروايات لا تساعده، وإنما تعرّضوا للتحديد فِي هذه المسألة بالسنين، فقيل: ابن سنتين. وقيل ابن سنة ونصف. وقيل غير ذلك فقبله فِي " التوضيح " (¬2) كما أشار إليه هنا. وأما ابن عَرَفَة فقال: قوله: والروايات لا تساعده. يردّ بنقل ابن رشد فِي ثاني مسألة من رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الجنايات إذ قَالَ: لا اختلاف فِي أن حكم الصبي الذي لا يعقل ابن سنة ونصف ونحوها فِي جناياته عَلَى الأموال والدماء حكم المجنون الذي لا يعقل سواء، وقد اختلف فِي ذلك عَلَى ثلاثة أَقْوَال] (¬3): أحدها: أن جنايتهم عَلَى الأموال فِي أموالهم، وعَلَى الدماء عَلَى عواقلهم إِلا أن يكون أقلّ من الثلث ففي أموالهم. والثاني: أن ذلك هدر فِي الأموال والدماء. [والثالث: تفرقته فِي هذه الرواية بين الأموال والدماء، وأما إِن كَانَ الصبي يعقل فلا اختلاف فِي أنّه ضامن لما جنى] (¬4) عَلَيْهِ من الأموال فِي العمد والخطأ وأن عمده فِي ما جناه من الدماء خطأ يكون عَلَيْهِ من ذلك فِي ماله ما كَانَ أدنى من الثلث، وعَلَى عاقلته ما بلغ الثلث فأكثر. وأما الكبير المولى عَلَيْهِ فحكمه فِي جنايته فِي الأموال والدماء حكم المالك لأمر نفسه يضمن ما استهلكه من الأموال ويقتصّ منه فيما جناه عمداً من الدماء (¬5). ¬
تنبيه: قد علمت من كلام ابن رشد هذا أن الأَقْوَال الثلاثة، فِي الصبي الذي لا يعقل وفِي المجنون - عَلَى حد السواء، وكذلك صرّح بالأَقْوَال الثلاثة فِي المجنون فِي أول رسم من سماع أشهب من الجنايات (¬1)، وفِي رسم مرض من سماع ابن القاسم من طلاق السنة (¬2)، وذلك خلاف ما قبله ابن عبد السلام وغيره كالمصنف فِي " التوضيح " من قول ابن الحَاجِب: وقيل المال هدر كالمجنون (¬3)، حيث اقتضى أن الأَقْوَال الثلاثة لا تجري فِي المجنون، ولَمْ يتنازل ابن عَرَفَة لهذا البحث وإنّه لمن وظيفه، ولا مرية أن ابن الحَاجِب اختصر هنا كلام ابن شاس (¬4)، وابن شاس اختصر كلام الشيخ أبي الوليد فِي " المقدمات "، ونص " المقدمات ": " واختلف إِن كَانَ صغيراً لا يعقل فقيل: إِن ما أصاب من الأموال والديات هدر كالبهيمة العجماء التي جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرحها جبارا (¬5) وقيل إِن ما أصابه من الأموال فِي ماله، وما أصابه من الدماء جملته عَلَى العاقلة إذ كَانَ الثلث فصاعداً كالخطأ سواء وقيل إِن ما أصابه من الأموال هدر، وما أصابه من الدماء جملته العاقلة إِن بلغ الثلث، وحكم هذا حكم المجنون المغلوب عَلَى عقله " (¬6). انتهى. وهو راجع لما فِي البيان؛ لأن المعنى وحكم هذا الصبي الذي لا يعقل حكم المجنون فِي جريان الأَقْوَال الثلاثة، [99 / ب] واختصار ابن شاس لا يأبى هذا التأويل؛ لأنه نقل عن الشيخ أبي الوليد ما فِي " المقدمات " عَلَى ترتيبه وختمه بأن قَالَ: كالمجنون. فلا يمتنع ¬
انطباق هذا التشبيه عَلَى المسألة كلها حتى يرجع لما فِي " البيان "، ولما فهم ابن الحَاجِب أن التشبيه قاصر عَلَى القول الذي يليه وقدّم وأخر كما تقدم من نصّه تحول [المعنى] (¬1). فليتأمله من فتح له فِي الإنصاف والتحقيق. وبالله تعالى التوفيق. كَأَنْ مَاتَ، أَوْ قُتِلَ عَبْدٌ قِصَاصاً، أَوْ رَكِبَ، أَوْ ذَبَحَ، أَوْ جَحَدَ وَدِيعَةً. قوله: (كَأَنْ مَاتَ .. إِلَى آخره) مشتمل عَلَى تمثيل لمفيتات المغصوب بعد الاستيلاء، وتشبيه بنظائر تشارك المفتيات فِي الضمان وإِن لَمْ ينطلق عَلَيْهَا اسم المغصوب حقيقة، فكأنه يقول: كما يضمن الغاصب فِي كذا بعد الاستيلاء، وكما يضمن شبيه الغاصب فِي كذا، فأما الموت والقصاص فمفيتان، وأما الركوب فهو هنا دخيل، إذ ليس بمفيت فلا يصلح للتمثيل ولا بمشارك فلا يصلح للتشبيه، فإن كَانَ أشار بِهِ لقول ابن الحَاجِب: ويكفي الركوب فِي الدابة (¬2). فقد وضعه فِي غير محله مَعَ مناقضته لقوله: (وضمن بالاستيلاء). وقد قَالَ ابن عبد السلام: مسألة الركوب ظاهرة باعتبار الغصب، فإنّ وضع اليد وحده كاف فِي تعلق الضمان فكيف إِذَا صحبه الركوب؟ فقال ابن عَرَفَة: ما علل بِهِ ظهور مسألة الركوب غصباً موجب إشكالها فِي كلام ابن الحَاجِب؛ لأن ظاهر قوله: يكفي الركوب فِي الضمان يقتضي نفيه بنفيه، والعلة المذكورة تناقضه وهي الحق، وقول ابن عبد السلام بها يناقض ظاهر ما تقدم له فِي تفسير قول ابن الحَاجِب وإثبات اليد العادية فِي المنقول بالنقل فتأمله منصفاً ". انتهى. وأما الذبح فجعله مفيتاً وقد قَالَ ابن الجلاب: ومن غصب شاة فذبحها ضمن لربها قيمتها، [وكَانَ له أكلها، وقَالَ محمد بن مسلمة: " لربها أخذها، ويضمن الغاصب ما بين قيمتها] (¬3) حيّة ومذبوحة ". انتهى (¬4). ¬
واختصره ابن الحَاجِب فقال: وإِذَا ذبح الشاة ضمن قيمتها (¬1). وقَالَ محمد: إِذَا لَمْ يشوها فلربها أخذها مَعَ أرشها. ابن عبد السلام: ظاهره أن ليس لربها فِي القول الأول إِلا قيمتها، وذبحها إفاتة، وهو ظاهر ما حكاه غيره، وقبله فِي " التوضيح " (¬2). وقَالَ ابن عَرَفَة: ما حكاه من: أن ذبحها فوت يوجب قيمتها لا أعرفه فِي الذبح نصاً بل تخريجاً مما حكى المازري فِي طحن القمح. وفِي رسم الصبرة من سماع يحيي من كتاب " الدعوى والصلح ": من ذبح لرجلٍ شاة فلزمه غرم قيمتها لَمْ يجز لربها أن يأخذ فيها حيواناً من جنسها؛ لأنّ رب الشاة إِذَا لَمْ يفت لحمها مخيّر فِي أخذها مذبوحة وفي أخذ قيمتها حيّة، فيدخله بيع اللحم بالحيوان، فإن فات لحمها فلا بأس بذلك (¬3). ابن عَرَفَة: فقبلها ابن رشد ولم يرد فيها شيئاً، ولا ذكر أن (¬4) لربها أخذها مذبوحة خلافاً. انتهى. وباقي النظائر تشبيه. أَوْ أَكَلَ بِلا عِلْمٍ، أَوْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى التَّلَفِ، أَوْ حَفَرَ بِئْراً تَعَدِّياً. قوله: (أَوْ أَكَلَ بِلا عِلْمٍ) لا يريد بِهِ أنّه لا يضمنه (¬5) إلا الأكل بل هي مسألة هبة الغاصب يهب الشيء المغصوب، وقد قَالَ فيها بعد هذا: (ووارثه وموهوبه إِن علما كهو وإِلا بُديء بالغاصب)، بهذا تأول فِي " توضيحه " كلام ابن الحَاجِب (¬6) تبعا لابن عبد السلام. وقَالَ ابن عَرَفَة: ظاهره أنّه مبدأ فِي ضمانه عَلَى الغاصب، ومقتضى المذهب أنّه كمن وهب غاصباً ما غصبه، ولا أعلم نفس هذه لغير ابن شاس من أهل المذهب (¬7) ". انتهى، ¬
ونصّها فِي " وجيز " الغزالي: " ولَو قدم إليه ضيافة ففيه قَوْلانِ؛ لمعارضة الغرور والمباشرة (¬1). وقُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُرْدِي. قوله: (وقُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُرْدِي) كذا قَالَ ابن شاس وابن الحَاجِب (¬2) تقديماً للمباشر زاد ابن عَرَفَة: وكذا نقله الطرطوشي فِي مسألة حل القفص الآتية. إِلا لِمُعَيَّنٍ فَسِيَّانِ. قوله: (إِلا لِمُعَيَّنٍ فَسِيَّانِ) قاله ابن راشد القفصي وابن عبد السلام، ولهما عزاه فِي " التوضيح " (¬3). أَوْ فَتَحَ قَيْدَ عَبْدٍ لِئَلا يَأْبَقَ أَوْ عَلَى غَيْرِ عَاقِلٍ، إِلا بِمُصَاحَبَةِ رَبِّهِ، أَوْ حِرْزاً لِمِثْلِيٍّ، ولَوْ بِغَلاءٍ بِمِثْلِهِ وصَبَرَ لِوُجُودِهِ، ولِبَلَدِهِ ولَوْ صَاحَبَهُ. قوله: (أَوْ فَتَحَ قَيْدَ عَبْدٍ لِئَلا يَأْبَقَ) لام التعليل من قوله: (لئلا) متعلقة (بقيد) نبه، بذلك عَلَى قول ابن عبد السلام: شرط فِي " المدونة " (¬4) فِي مسألة العبد أن يكون قيد خوف الإباق وهو شرط ظاهر، ولَو قيّد لقصد النكال بالعبد لَمْ يجب عَلَى من حلّه منه ضمان وقبله فِي " التوضيح " (¬5). ومُنِعَ مِنْهُ لِلتَّوَثُّقِ، ولا رَدَّ لَهُ كَإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ مَعِيباً زَالَ، وقَالَ أَجَزْتُ لِظَنِّ بَقَائِهِ كَنُقْرَةٍ صِيغَتْ، وطِينٍ لُبِنَ، وقَمْحٍ طُحِنَ وبَذْرٍ زُرِعَ، وبَيْضٍ أُفْرِخَ، إِلا مَا بَاضَ، إِنْ حَضَنَ، وعَصِيرٍ تَخَمَّرَ، وإِنْ تَخَلَّلَ، خُيِّرَ كَتَخَلُّلِهَا لِذِمِّيٍّ، وتَعَيَّنَ لِغَيْرِهِ. قوله: (ولا رَدَّ لَهُ) هذا معروف المذهب، أن ليس لربه جبر الغاصب عَلَى ردّه لبلد ¬
الغصب خلافاً للمغيرة، وهنا ذكر هذا الفرع فِي " التوضيح " (¬1) كابن عبد السلام وابن عَرَفَة. وإِنْ صَنَعَ كَغَزْلٍ وحَلْيٍ وغَيْرِ مِثْلِيٍّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ، وإِنْ جِلْدَ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ. قوله: (وإِنْ صَنَعَ كَغَزْلٍ وحَلْيٍ وغَيْرُ مِثْلِيٍّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ) كذا فِي النسخ التي وقفنا عَلَيْهَا (صنع) بالصاد المهملة والنون، مبنياً للفاعل أو للنائب، فينبغي أن ينصب لفظ (غَيْرُ) عَلَى الأول أو (¬2) يرفع عَلَى الثاني عَلَى حسب محل الكاف، وكأنه من باب: (61) عَلَفْتهَا تِبْنًا ومَاءً بَارِدًا (62) أي: وفوت غير مثلي، وإنما خصّ الصنعة أولا نظراً إِلَى الغالب، وفرّ بعضهم من هذا التخصيص فضبطه ضيّع بالضاد المعجمة والياء المشددة المثناة من أسفل [100 / أ] مبنيّاً للفاعل أو للنائب أَيْضاً، وزعم بعضهم أن قوله: (وإِن صنع) إغياء لمسألة تحليل الخمر أي وإِن خلل وهذا معروف الأَقْوَال عند ابن عَرَفَة إذ قَالَ: ففي كونها بتخليلها عند الغاصب له أو لربها. ثالثها إِن تسبب فِي تخليلها لتخريج عبد المنعم، والمعروف ومفهوم تعليل أبي محمد؛ وعَلَيْهِ فصنع بالصاد المهملة والنون مبني للنائب ليس إِلا، و (غير) مجرور عطفاً عَلَى ما بعد الكاف، و (بقيمته) بباء الجر مكان فاء الجواب، والمشبه بِهِ هو قوله: (المثلي ولو بغلاء بمثله) وكأنه قَالَ: وضمن المثلي بمثله كضمان غزل وحلي وغير مثلي بقيمته. ¬
أَوْ كَلْباً ولَوْ قَتَلَهُ تَعَدِّياً، وخُيِّرَ فِي الأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ تَبِعَهُ تَبِعَ هُوَ الْجَانِيَ، فَإِنْ أَخَذَ رَبُّهُ أَقَلَّ فَلَهُ الزَّائِدُ مِنَ الْغَاصِبِ فَقَطْ، ولَهُ هَدْمُ بِنَاءٍ عَلَيْهِ، وغَلَّةُ مُشْتَغَلٍ (¬1)، وصَيْدُ عَبْدٍ، وجَارِحٍ. قوله: (ولَوْ قَتَلَهُ تَعَدِّياً) راجع لقوله: (بقيمته يوم غصبه) ورده لـ (الكلب) كما فِي " الشامل " ليس بشيء. وكِرَاءُ أَرْضٍ بُنِيَتْ، كَمَرْكَبٍ خربٍ (¬2)، وأَخَذَ مَا لا عَيْنَ لَهُ قَائِمَةٌ، ولِلْغَاصِبِ صَيْدُ شَبَكَةٍ ومَا أَنْفَقَ فِي الْغَلَّةِ، وهَلْ إِنْ أَعْطَاهُ فِيهِ مُتَعَدِّدٌ عَطَاءً فَبِهِ؟ أَوْ بِالأَكْثَرِ مِنْهُ ومِنَ الْقِيمَةِ تَرَدُّدٌ وإِنْ وَجَدَ غَاصِبَهُ بِغَيْرِهِ [63 / ب] وغَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَهُ تَضْمِينُهُ، ومَعَهُ أَخْذَهُ إِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِكَبِيرِ حَمْلٍ. قوله: (وَكِرَاءُ أَرْضٍ بُنِيَتْ، كَمَرْكَبٍ خربٍ) أما إِذَا غصب ساحةً لا بناء فيها فبناها فقال اللخمي: لا أعلمهم اختلفوا فيمن غصب أرضاً فبناها ثم سكن أو اغتلّ أنّه لا يغرم سوى غلة القاعة، وحكى الخلاف فِي غاصب البناء الخرب وهو الذي اختصر ابن الحَاجِب فِي قوله: وإِذَا غصب داراً خراباً أو مركباً خراباً فأصلحه فاغتل فقال أشهب: ما زاد فللغاصب (¬3) كساحةٍ يعمرها. وقَالَ محمد الجميع للمالك، ووافق أشهب أصبغ. اللخمي: وهو أبين، فيقوم الأصل قبل إصلاحه فينظر ما كَانَ يؤاجر بِهِ ممن يصلحه فيغرمه، وما زاد عَلَى ذلك فللغاصب. ورأى محمد أن جميع الغلة للمغصوب منه، وله أخذ الدار مصلحة ولا شيء عَلَيْهِ إِلا قيمة ما لَو نزعه لكانت له قيمة، ورأى المالك يستحق البناء بقيمته منقوضاً فتكون غلته له. لا إِنْ هَزِلَتْ جَارِيَةٌ، أَوْ نَسِيَ عَبْدٌ صَنْعَةً ثُمَّ عَادَ. قوله: (لا إِنْ هَزِلَتْ جَارِيَةٌ، أَوْ نَسِيَ عَبْدٌ صَنْعَةً ثُمَّ عَادَ) هذا مقابل قوله: (كَأنَ مات) قَالَ ابن عَرَفَة: وقول ابن الحَاجِب وابن شاس: لَو هزلت الجارية ثم سمنت أو نسي العبد ¬
الصنعة ثم تذكرها حصل الجبر (¬1): هو كقوله فِي " المدونة ": من اطلع عَلَى عيبٍ قديم فيما ابتاعه فلم يردّه حتى زال فلا ردّ له (¬2)، والهزال والنسيان زوالهما فِي المغصوب كذلك، ولا أعرفها نصاً فِي المذهب لغيرهما، بل للغزالي قَالَ فِي " وجيزه ": ولَو هزلت الجارية ثم سمنت أو نسي العبد الصنعة ثم تذكر أو أبطل صنعة الإناء ثم أعاد مثله ففي حصول الجبر وجهان (¬3). ابن عَرَفَة: الأَظهَر أن الإناء لا ينجبر بذلك، ومسألة الغصب عندي تجري عَلَى ما تقدم من الخلاف فِي المودع يتعدى عَلَى الوديعة ثم يعيدها لحالها فِي المثلي منها، ومقتضى قوليهما أن الهزال فِي الجارية يوجب عَلَى الغاصب ضمانها ولم أقف عَلَيْهِ لغيرهما، ومفهوم قوله فِي المدونة: من غصب شابة فهرمت فهو فوت (¬4). مَعَ قوله فِي السلم الثاني: منها أن الهزال فِي الجارية لغو، بِخِلاف الدابّة (¬5)، خلاف ذلك. أَوْ خَصَاهُ فَلَمْ يَنْقُصْ. قوله: (أَوْ خَصَاهُ فَلَمْ يَنْقُصْ) بهذا جزم ابن شاس وابن الحَاجِب (¬6)، والذي فِي رسم العرية من سماع عيسى من كتاب " العيوب " قَالَ ابن القاسم: من عدا [على] (¬7) غلامٍ فخصاه فزاد فِي ثمنه فإنه يقوم عَلَى قدر ما نقص منه الخصاء. ¬
قَالَ ابن رشد: يريد إِذَا لَمْ يرد تضمينه، واختار حبسه، ومعنى قوله: يقوم عَلَى قدر ما نقص الخصاء أي ما نقص منه عند غير (¬1) أهل الطول من الأعراب وشبههم الذين لا رغبة لهم فِي الخصيان، وقَالَ سحنون: معناه أن ينظر إِلَى عبدٍ دني ينقص من مثله الخصاء، فما نقص منه كَانَ عَلَى الجاني فِي هذا المجني عَلَيْهِ ذلك الجزء من قيمته، وقد تأول بعض الناس ما وقع لمالك فِي رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب: الجراحات أن المعنى فِي ذلك أن ينظر ما تقع الزيادة من قيمته فيجعل ذلك نقصاناً منها يكون عَلَيْهِ غرمه، وذلك بعيد لا وجه له فِي النظر، والذي يوجبه النظر أن يكون عَلَيْهِ إِن خصاه فقطع أنثييه أو ذكره جميع قيمته، وإِن قطعهما جميعاً فقيمته مرتين، كما يكون عَلَيْهِ فِي الحر إِذَا قطع ذكره وأنثييه ديتان قياساً عَلَى قول مالك فِي المأمومة والجائفة والمنقلة والموضحة أن يكون عَلَيْهِ فِي ذلك من قيمته بحساب الجزء من ديته، وابن عبدوس يقول: إِذَا زاده الخصاء فلا غرم عَلَى الجاني، ولا يصح ذلك فِي المذهب، وإنما يأتي عَلَى قياس قول من يقول: أنّه لا شيء عَلَيْهِ فِي المأمومة والجائفة وشبههما مما لا نقصان فيه بعد البرء (¬2). قال ابن عبد السلام: كلام ابن رشد فِي هذا الفصل حسن، وقول ابن عبدوس: هذا هو الذي حكاه ابن الحَاجِب، زاد فِي التوضيح تبعاً لابن شاس (¬3) ومع هذا اقتصر عَلَيْهِ ههنا، ولابن رشد عَلَيْهَا كلام أطول من هذا فِي رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات (¬4). أَوْ جَلَسَ عَلَى ثَوْبِ غَيْرِهِ فِي صَلاةٍ، أَوْ دَلَّ لِصَّاً، أَوْ أَعَادَ مَصُوغاً عَلَى حَالِهِ، وعَلَى غَيْرِهَا فَقِيمَتُهُ كَكَسْرِهِ. قوله: (أَوْ جَلَسَ عَلَى ثَوْبِ غَيْرِهِ فِي صَلاةٍ) كذا لابن يونس عن ابن حبيب عن مطرف ¬
وابن الماجشون، [100 / ب] زاد ابن عَرَفَة: [وأخذ] (¬1) من قوله فِي " المدونة " ضمان موت فرس أحد المصطدمين فِي مال الآخر وحده ضمان الجالس عَلَى الثوب وحده (¬2)، وقاله بعض الموثقين من عند نفسه لا بالأخذ منها، والأَظْهَر كونه منهما كمحرم حبس الصيد المحرم [قتله] (¬3). أَوْ غَصَبَ مَنْفَعَةً فَتَلِفَتِ الذَّاتُ. قوله: (أَوْ غَصَبَ مَنْفَعَةً فَتَلِفَتِ الذَّاتُ) فرض ابن الحَاجِب هذا فِي سكنى الدار فقال: فلو غصبه السكنى فانهدمت الدار لَمْ يضمن إِلا قيمة السكنى (¬4). فقال ابن عبد السلام: معناه أنّه غير غاصبٍ للذات؛ لأنه لَمْ يقصد ملك رقبتها فهو متعدٍ، وقد علم الفرق فِي المذهب بين المتعدي والغاصب، وهو حسن لَو طردوه، ولكنهم جعلوا المتعدي عَلَى الدابّة فِي الكراء والعارية ضامناً للرقبة. فإن قيل: المتعدي عَلَى الدابّة ناقل لها، وفِي الدار غير ناقل لها؟ قيل: أسقط أهل المذهب وصف النقل فِي المغصوب عن درجة الاعتبار فِي ضمان الغاصب، وكذا ينبغي فِي المتعدي. قَالَ ابن عَرَفَة: ظاهر لفظ ابن الحَاجِب وشارحه (¬5): أنّه لا يضمن الدار ولا شيئاً منها سكن جميعها أو بعضها، وهو خلاف نقل ابن شاس عن المذهب قَالَ: فأمّا لَو غصب السكنى فقط فانهدمت الدار إِلا موضع سكناه لَمْ يضمن، ولَو انهدم مسكنه لغرم قيمته (¬6). ¬
والتحقيق فِي ذلك: إجراء المسألة عَلَى حكم تلف المتعدي فيه فِي مدة التعدي بأمرٍ سماوي لا تسبب فيه للمتعدي، وتقدم تحصيله فِي العارية، فنقل ابن الحَاجِب بناء عَلَى لغو ضمانه بذلك، ونقل ابن شاس بناء عَلَى ضمانه بذلك فتأمله، وبهذا يتبين لك ضعف مناقضة ابن عبد السلام بين مسألة التعدي بالسكنى ومسألة التعدي بالركوب؛ لأن الهلاك فِي زمن التعدي بالركوب لا يعلم كونه بغير سبب المتعدي بحال، والهدم يعلم كونه لا بسببه (¬1)، وقياسه فِي آخر كلامه التعدي عَلَى الغصب واضح ردّه بما فرّق بِهِ أهل المذهب بين التعدي والغصب من ذلك اعتبار لازمي ذاتيهما لازم ذات الغصب قصد تملك الرقبة فلم يغتفر معه فِي الضمان إِلَى نقل، ولازم ذات التعدي البراءة من قصد تملك الذات، فناسب وقف ضمانها عَلَى التصرف فيها بالنقل. أَوْ أَكَلَهُ مَالِكُهُ ضِيَافَةً، أَوْ نَقَصَتْ لِلسُّوقِ، أَوْ رَجَعَ بِهَا مِنْ سَفَرٍ ولَوْ بَعُدَ كَسَارِقٍ، ولَهُ فِي تَعَدِّي كَمُسْتَأْجِرٍ كِرَاءُ الزَّائِدِ، إِنْ سَلِمَتْ، وإِلا خُيِّرَ فِيهِ، وفِي قِيمَتِهَا وَقْتَهُ وإِنْ تَعَيَّبَ، وإِنْ قَلَّ كَكَسْرِ نَهْدَيْهَا، أَوْ جَنَى هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ. خُيِّرَ فِيهِ كَصِبْغِهِ فِي قِيمَتِهِ وأَخْذِ ثَوْبِهِ، ودَفْعِ قِيمَةِ الصَّبْغِ، وفِي بِنَائِهِ فِي أَخْذِهِ، ودَفْعِ قِيمَةِ نُقْضِهِ بَعْدَ سُقُوطِ كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا. قوله: (أَوْ أَكَلَهُ مَالِكُهُ ضِيَافَةً) أصل هذا قول ابن شاس: لَو قدم الغاصب الطعام إِلَى المالك فأكله مَعَ الجهل بحاله فإن الغاصب (¬2) يبرأ من الضمان، وتبعه ابن الحَاجِب (¬3)، ولم يعرفه ابن عرفه لغير من ذكر، وقَالَ: الجاري عَلَى المذهب أن لا يحاسب المغصوب من ذلك إِلا بما يقضى عَلَيْهِ أن لَو أطعمه من ماله مما ليس بسرف فِي حقّ الأكل ". انتهى. وكذا استشكله ابن عبد السلام بأن هذا الطعام قد لا يملكه ربه لأن يأكله؛ لأنه ذو ثمن معتبر، وشأن ربه أكل ما هو دونه لضيق حاله، أو لأنها عادة أمثاله، فينبغي فِي مثل هذه الصورة أن يضمنه الغاصب لربه، ويسقط عنه من قيمته القدر الذي انتفع بِهِ ربه أن لَو ¬
كَانَ من الطعام الذي شأنه أكله، وبنحوه قيد فِي " التوضيح " كلام ابن الحَاجِب فيه بقيد كلامه هنا (¬1). تنبيه: زاد ابن شاس: بل لَو أكرهه عَلَى أكله فأكله كرهاً لبريء الغاصب، فتبعه ابن الحَاجِب، ولَمْ يتبعه المصنف هنا، وكأنه رأى أن الصواب إجراؤه عَلَى حكم الإكراه المتقدم فِي قوله: أو أكره غيره عَلَى التلف. حسبما قبله فِي " التوضيح " من كلام ابن عبد السلام ونحوه لابن عَرَفَة. وقد ذكر الغزالي فِي " الوجيز " الخلاف فيما لَو غرّ الغاصب المالك فقدم إليه الطعام فأكله قَالَ وهاهنا أولى بأن يبرأ الغاصب، ولم يذكر أكل المالك كرها. ومَنْفَعَةَ الْبُضْعِ، والْحُرِّ بِالتَّفْوِيتِ. قوله: (ومَنْفَعَةَ الْبُضْعِ، والْحُرِّ بِالتَّفْوِيتِ) بنصب منفعة عطفاً عَلَى المثلي، ولفظ التفويت عبارة " الوجيز " و " الجواهر " (¬2)، وعبّر عنه ابن الحَاجِب بالاستيفاء إذ قَالَ: وأما البضع فلا يضمن إِلا باستيفائه لا بفواته، ففي الحرة صداق مثلها، وفِي الأمة ما نقصها، وكذلك منفعة الحر (¬3). ابن عَرَفَة: قول ابن شاس: لا يضمن إِلا بالتفويت هو مقتضى قوله فِي كتاب السرقة من " المدونة " مَعَ سائر الروايات: إِن رجع شاهدا الطلاق بعد البناء فلا غرم عَلَيْهِمَا (¬4)، وكذا فِي متعمدة إرضاع من يوجب رضاعها فسخ نكاحها. قَالَ ابن عبد السلام: فمن منع حرة أو أمة التزويج لَمْ يضمن صداقاً، لا أعلم فيه خلافاً، وتقدم فِي كتاب النكاح ما ¬
قد يتخرج منه خلاف لبعض الشيوخ. ابن عَرَفَة: لا أعرف ما يناسب هذا الأصل وهو: [منع] (¬1) متعة النكاح تعدياً إِلا قول اللخمي فِي النكاح الثاني. قال فِي " الموازية ": إِن قتل السيّد أمته [قبل البناء فله الصداق، وعَلَيْهِ إِن قتلت الحرة نفسها [فله الصداق] (¬2)، وهذا كقوله فِي [101 / أ] " المدونة ": إِن باع السيد أمته] (¬3) بموضعٍ لا يقدر الزوج عَلَى جماعها فله الصداق ولا أرى للزوجة فِي جميع ذلك شيئاً إِذَا كَانَ الامتناع منها أو من السيّد إِن كانت أمته (¬4)، وإشارة ابن عبد السلام إِلَى تخريجها عَلَى ما اختار اللخمي غير تامٍ؛ لأن اللخمي لَمْ يقل بعدم قيمة المنفعة بالعضو من حيث ذاتها، إنما اختار سقوط عوضها [المالي بعد تقرره عوضاً] (¬5) فيها لطالبه بتعمده إتلافها، ولا يلزم من سقوط المال بالتعدي ثبوت المال عن مجرد منفعة العضو؛ لأنه غير مالي ولَمْ يحصل له عوض مالي. وقَالَ ابن هارون: خرج بعضهم أن عَلَيْهِ قيمة ما عطله من المنافع كالدار يغلقها، والعبد يمنع منه سيده، ذكره المازري. قَالَ ابن عَرَفَة: وهذا لا أعرفه للمازري؛ إنما قَالَ إِذَا غاب غاصب عَلَى رائعة شك فِي وطئه إياها، فِي ضمانه إياها قولا الأخوين وابن القاسم، وله فِي كتاب الشهادات لَمْ يختلف المذهب أن شهيدي الطلاق بعد البناء إِذَا رجعا لا غرامة عَلَيْهِمَا، وأوجب الشافعي غرامتهما؛ لإتلافهما منافع البضع وهي مما يقوم كالحقوق المالية. واعتمد أصحابنا عَلَى أن من له زوجتين أرضعت كبراهما صغراهما فحرمتا عَلَيْهِ أنّه لا غرم عَلَيْهَا فيما حرمت بِهِ فرجها عَلَيْهِ، وعَلَى أن من قتل [زوجة رجل] (¬6) لا يغرم له ما أتلف عَلَيْهِ من متعة. ¬
وقول ابن شاس وابن الحَاجِب: وفِي الأمة ما نقصها (¬1). هو نصّ " المدونة " فِي الاستبراء، والأمة كالسلعة عَلَى واطئها غصباً ما نقصها الوطء كانت ثيباً أو بكراً (¬2)، ومثله فِي القذف، وقَالَ فِي الرهون منها: إِن وطأ الأمة مرتهنها فعَلَيْهِ ما نقصها وطؤه بكراً كانت أو ثيباً إِن أكرهها (¬3)، وكذا إِن طاوعته وهي بكر، فإن كانت ثيباً فلا شيء عَلَيْهِ، والمرتهن وغيره فِي ذلك سواء (¬4). ابن عَرَفَة: " وفِي تفرقته فِي الثيب بين وطئه إياها طائعة أو مكرهة نظر، والصواب عكس تفرقته؛ لأنه بوطئه إياها طائعة أحدث فيها عيباً وهو زناها، وليس هو كذلك فِي وطئه إياها مكرهة؛ لأنها غير زانية، وتقدم فِي الرد بالعيب أن زناها عيب ". انتهى. وفِي النظر، نظر؛ فإن الغالب أنها لا تزني طائعة إِلا وقد ألفت ذلك قبل. كَحُرٍّ بَاعَهُ وتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ. قوله: (كَحُرٍّ بَاعَهُ وتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ) أي: كما يضمن دية حر ولَمْ يصرح بالدية لتضمن الحرية لها. قَالَ ابن رشد فِي رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الغصب: وقد روى عن مالك فيمن غصب حراً فباعه أنّه يكلف طلبه، فإن أيس منه أدى ديته إِلَى أهله، ونزلت بطليطلة، فكتب القاضي بها إِلَى محمد بن بشير بقرطبة، فجمع القاضي ابن بشير أهل العلم بها، فأفتوه بذلك، فكتب إليه أن أغرمه ديته كاملة، فقضى عَلَيْهِ بذلك (¬5). وغَيْرِهِمَا بِالْفَوَاتِ. قوله: (وغَيْرِهِمَا بِالْفَوَاتِ) أي: وضمن منفعة غير البضع والحر بمجرد الفوات فهو مناقض لمفهوم قوله: (وغلة مستعمل) فكأنه اعتمد المشهور أولا، والمصوب ثانياً. ¬
وَهَلْ يَضْمَنُ شَاكِيهِ لِمُغَرِّمٍ زَائِداً عَلَى قَدْرِ الرَّسُولِ إِنْ ظَلَمَ. قوله: (وَهَلْ يَضْمَنُ شَاكِيهِ لِمُغَرِّمٍ زَائِداً عَلَى قَدْرِ الرَّسُولِ إِنْ ظَلَمَ) (زائداً) مفعول يضمن، وفاعل (ظلم) للشاكي ومفهوم الشرط أنّه إِن لَمْ يظلم لَمْ يغرم الزائد عَلَى قدر أجرة الرسول، بل يغرم قدر أجرة الرسول فقط. أَوِ الجَّمِيعَ. قوله: (أَوِ الجَّمِيعَ) أي: أو يضمن [الجميع] (¬1) إِن ظلم جميع المغرم من قدر أجرة الرسول والزائد، ومفهوم الشرط أنّه إِن لَمْ يظلم لَمْ يغرم القدر ولا الزائد، وبهذا يتّضح الفرق بين القولين. أَوْ لا؟ أَقْوَالٌ. قوله: (أَوْ لا؟) أي أو لا يضمن الشاكي الظالم شيئاً، فأحرى إِن لَمْ يظلم فهذا مفهوم موافقة، واللذان قبله مفهوما مخالفة، فقد اشتمل كلامه نصاً ومفهوماً عَلَى أَقْوَال ابن يونس الثلاثة، وأما ابن عَرَفَة فكأنه اقتصر عَلَى طريقة المازري فقال: قَالَ المازري فِي ضمان المتسبب فِي إتلاف بقول كصيرفي يقول فيما علمه زائفاً: طيب، وكمخبر من أراد صبّ زيت فِي إناء علمه مكسوراً بأنه صحيح، وكدالّ ظالماً عَلَى ما أخفاه ربه عنه عَلَيْهِ قَوْلانِ، وعزاهما أبو محمد للمتأخرين، المازري كقول أشهب وابن القاسم فِي لزوم الجزاء عَلَى من دلّ محرماً عَلَى صيدٍ فقتله بدلالته. ولَو شكى رجل رجلاً لظالم يعلم أنّه يتجاوز الحق فِي المشكو ويغرمه مالاً والمظلوم لاتباعه للشاكي عَلَيْهِ ففي ضمان الشاكي ما غرمه المشكو قَوْلانِ، وثالثها قول بعض أصحابنا لا ضمان عَلَيْهِ إِن كَانَ مظلوماً. ومَلَكَهُ إِنِ اشْتَرَاهُ، ولَوْ غَابَ أَوْ غَرِمَ قِيمَتَهُ إِنْ لَمْ يُمَوِّهْ. قوله: (ومَلَكَهُ إِنِ اشْتَرَاهُ، ولَوْ غَابَ) أشار بِهِ إِلَى قوله فِي كتاب الصرف من " المدونة " ولَو غصبك جارية جَازَ أن تبيعها منه وهي غائبة ببلد آخر، وينقدك إِذَا وصفها؛ لأنها فِي ¬
ضمانه، والدنانير فِي ذلك أبين (¬1). وأشار بالإغياء إِلَى خلاف أشهب القائل: إنما يجوز أن [101 / ب] تبيعها منه وهي غائبة بشرط أن تعرف القيمة، ويبذل ما يجوز فيها، والقَوْلانِ مبنيان عَلَى أصلي السلامة ووجوب القيمة. قال ابن عبد السلام: ودلت هذه المسألة عَلَى أن ليس من شرط بيع المغصوب من الغاصب أن يخرج من يد الغاصب، ويبقى بيد ربه ستة أشهر، فأكثر كما شرطه بعضهم، وقبله فِي " التوضيح " (¬2) مَعَ أنّه قَالَ أول البيوع: (وَمَغْصُوبٌ إلَّا مِنْ غَاصِبِهِ، وهَلْ إنْ رُدَّ لِرَبِّهِ مُدَّةً تَرَدُّدٌ). ورَجَعَ عَلَيْهِ بِفَضْلَةٍ أَخْفَاهَا، والْقَوْلُ لَهُ فِي تَلَفِهِ ونَعْتِهِ وقَدْرِهِ، وحَلَفَ. قوله: (وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِفَضْلَةٍ أَخْفَاهَا) أشار بِهِ لقول ابن القاسم فِي " المدونة ": إِلا أن يظهر أفضل من تلك القيمة (¬3) [بأمر بيّن فلربها الرجوع بتمام القيمة، وكَانَ الغاصب لزمته القيمة] (¬4) فجحد بعضها (¬5). عياض: وفِي بعض رواياتها: لرب الجارية أخذها وردّ ما أخذه، وإِن شاء تركها وحبس ما أخذ من القيمة. وحصّل ابن عَرَفَة فيها ثلاثة أَقْوَال الأول: انحصار حقه فِي تمام قيمتها، للمدونة. الثاني: تخييره فيه وفِي أخذها بردّ ما أخذ، وهو الذي أنكره أشهب. والثالث: تخييره فِي أخذها وفِي التمسك بما أخذ فقط لبعض رواياتها. قال: وعبّر المازري عن الأول بالمشهور، ولم يفسّر مقابله، فيحتمل كلاً من الأخيرين، وكَانَ يمضي لنا إجراء القولين عَلَى القول: بعدم التكفير بنفي الصفات بناءً عَلَى أن نفي الصفة الثابتة للموصوف لا يستلزم القول بنفيه، وعَلَى القول بالتكفير بِهِ بناءً عَلَى أن نفي الصفة الثابتة للموصوف يستلزم القول بنفيه. ¬
كَمُشْتَرٍ مِنْهُ، ثُمَّ غَرِمَ لآخِرِ رُؤْيَةٍ، ولِرَبِّهِ إُمْضَاءُ بَيْعِهِ، ونَقْضُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي، وإِجَازَتُهُ وضَمِنَ مُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمْ فِي عَمْدٍ، لا سَمَاوِيٍّ، وغَلَّةٍ، وهَلِ الْخَطَأُ كَالْعَمْدِ؟ تَأْوِيلانِ، وإِرْثُهُ، ومَوْهُوبُهُ إِنْ عَلِمَا كَهُوَ، وإِلا بُدِئَ بِالْغَاصِبِ، ورَجَعَ عَلَيْهِ بِغَلَّةِ مَوْهُوبِهِ، فَإِنْ أَعْسَرَ فَعَلَى الْمَوْهُوبِ. قوله: (كَمُشْتَرٍ مِنْهُ، ثُمَّ غَرِمَ لآخِرِ (¬1) رُؤْيَةٍ) أي كما يحلف عَلَى التلف مشترٍ من الغاصب لَمْ يعلم بالغصب، ثم يغرم القيمة لآخر رؤية وهذا مبسوط فِي رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الغصب (¬2)، وفِي كتاب ابن يونس. ولُفِّقَ شَاهِدٌ بِالْغَصْبِ لآخَرَ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ كَشَاهِدٍ بِمِلْكِكَ لآخَرَ (¬3) بِغَصْبِكَ. وجُعِلْتَ حَائِزاً، لا مَالِكاً، إِلا أَنْ تَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ، ويَمِينَ الْقَضَاءِ. قوله: (وَلُفِّقَ شَاهِدٌ بِالْغَصْبِ لآخَرَ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ كَشَاهِدٍ بِمِلْكِكَ لآخَرَ بِغَصْبِكَ. وجُعِلْتَ حَائِزاً، لا مَالِكاً، إِلا أَنْ تَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ، ويَمِينَ الْقَضَاءِ) هاتان مسألتان، أما الأولى: فقال فيها فِي " المدونة ": وإِن أقمت شاهداً أن فلاناً غصبك هذه الأمة، وشاهداً آخر عَلَى إقرار الغاصب أنّه غصبكها تمت الشهادة (¬4). قَالَ أبو الحسن الصغير: أي تمت الشهادة بالغصب ويقضى لك بها من غير يمين القضاء ولم تتم بالملك، إذ قد تكون بيده وديعة أو عارية أو رهنا أو بإجارة. وأما الثانية: فقال فيها فِي " المدونة ": ولَو شهد أَحَدهمَا أنها لك، وشهد آخر أنّه ¬
غصبكها فقد اجتمعا عَلَى إيجاب ملكك [لها] (¬1)، فيقضى لك بها ولم يجتمعا عَلَى إيجاب الغصب، فإن دخل الجارية نقص كَانَ لك أن تحلف مَعَ الشاهد بالغصب ويضمن الغاصب القيمة (¬2)، هكذا اختصرها أبو سعيد وأكثرهم تبعاً لأبي محمد، والذي فِي الأمهات (¬3): لَو أني أقمت شاهداً عَلَى أنّه غصبنيها، وأقمت آخر عَلَى أنها جاريتي قَالَ: لا أراها شهادة واحدة، [فإن دخل الجارية نقص حلف مَعَ الذي شهد له أنّه غصبها وأخذ قيمتها إِن شاء. قال عياض: لَمْ يجعلها] (¬4) شهادة واحدة فِي الفوات إذ لَمْ يتفقا عَلَى الغصب فيضمنه ولا عَلَى الملك فِي القيام فيأخذها بعد يمين القضاء أنّه لَمْ يفوت، وأنها ملكه إذ لَمْ يشهد شاهد الغصب بالملك التام، وإذ لَو شهد شاهدان بالملك ما حكم له بها حتى يحلف يمين القضاء أنها ما خرجت عن ملكه، ولَو تمت الشهادة عَلَى الغصب رُدت إليه ولم يحلف؛ ولأن الشهادة عَلَى الغصب ليست بشهادة عَلَى الملك إذ يقول: لا أدري أنها ملكه، ولعلها عنده وديعة أو عارية أو رهن أو بإجارة، وإنما رأيته أخذها من يده. وقد ذكر أبو عمران عن أصبغ أن ابن القاسم رجع عما فِي كتاب الغصب وقَالَ: أراها شهادة واحدة إِن لَمْ [تفت الأمة. قَالَ عياض: وهذا كله عندي غير اختلاف، وإنما لَمْ يرها فِي كتاب الغصب شهادة واحدة لما قلناه، وجعلها فِي الرواية الأخرى شهادة واحدة] (¬5)، ولم يقل: تامة؛ لأنها توجب فِي قيامها تقدم يدي القائم عَلَيْهَا دون الحكم له بملكها حتى يحلف مَعَ شاهد الملك ويمين القضاء، وحتى لَو جاء آخر بشاهدين عَلَى الملك أو شاهد عَلَيْهِ، وأراد أن يحلف [معه كَانَ أحق بِهِ إِلا أن يحلف هذا] (¬6) مَعَ شاهد الملك. ¬
واختلف: هل يمينه مَعَ شاهد الملك معارض لشاهدين بملك غيره أو يرجح عَلَيْهِ الشاهدان، وعَلَى هذه الرواية [102 / أ] الأخرة فِي المسألة اختصرها أبو محمد وقَالَ: فقد اجتمعا عَلَى إيجاب الملك، ولم يجتمعا عَلَى إيجاب الغصب، واتبعه أكثر المختصرين، وقد قَالَ بعد هذا: إِذَا شهدوا أنّه غصبها منه فقد شهدوا أنها له، وإِن قالوا: لا ندري هي للمغصوب أم لا؟ ثم قَالَ أما كنت ترده عَلَيْهِ، وهذا إنما يريد ردها إليه بتقديم يده عَلَيْهَا عَلَى ما قدمناه ". انتهى. وقد ظهر لك أن قول المصنف: (وجعلت [ذا يد] (¬1) لا مالكا) راجع للمسألتين، وأن قوله: (إلاَّ أَنْ تَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ) خاص بالثانية إذ لا شاهد ملك فِي الأولى. والله تعالى أعلم. وإِنِ ادَّعَتِ اسْتِكْرَاهاً عَلَى غَيْرِ لائِقٍ بِلا تَعَلُّقٍ، حُدَّتْ لَهُ. قوله: (وَإِنِ ادَّعَتِ اسْتِكْرَاهاً عَلَى غَيْرِ لائِقٍ بِلا تَعَلُّقٍ، حُدَّتْ لَهُ) قَالَ ابن رشد فِي كتاب: الغصب من " المقدمات ": إِن ادعت الاستكراه عَلَى رجلٍ صالحٍ لا يليق بِهِ ذلك، وهي غير متعلقة بِهِ، فلا اختلاف أنّه لا شيء عَلَى الرجل، وأنها تحدّ له حدّ القذف وحد الزنا إِن ظهر بها حمل، وأما إِن لَمْ يظهر بها حمل فيتخرج عَلَى وجوب حدّ الزنا عَلَيْهَا عَلَى الاختلاف فيمن أقرّ بوطءِ أمة رجلٍ، [وادعى أنّه اشتراها منه. أو بوطءِ امرأة] (¬2) وادعى أنّه تزوجها، فتحدّ عَلَى مذهب ابن القاسم إِلا أن ترجع عن قولها، ولا تحدّ عَلَى مذهب أشهب، وهو نصّ قول ابن حبيب فِي الواضحة " (¬3)، وقد أشبع القول فيها، فقف عَلَيْهِ. ¬
والْمُتَعَدِّي جَانٍ عَلَى بَعْضٍ غَالِباً، فَإِنْ أَفَاتَ الْمَقْصُودَ كَقَطْعِ ذَنَبِ دَابَّةٍ ذِي هَيْئَةٍ، أَوْ أُذُنِهَا، أَوْ طَيْلَسَانِهِ، أَوْ لَبَنِ شَاةٍ هُوَ الْمَقْصُودُ، أَوْ قَلْعِ عَيْنَيْ عَبْدٍ أَوْ يَدَيْهِ فَلَهُ أَخْذُهُ ونَقْصُهُ، أَوْ قِيمَتُهُ، وإِنْ لَمْ يُفِتْهُ فَنَقْصُهُ كَلَبَنِ بَقَرَةٍ ويَدِ عَبْدٍ أَوْ عَيْنِهِ، وعَتَقَ عَلَيْهِ، إِنْ قُوِّمَ، ولا مَنْعَ لِصَاحِبِهِ فِي الْفَاحِشِ عَلَى الأَرْجَحِ، ورَفَا الثَّوْبَ مُطْلَقاً، وفِي أُجْرَةِ الطَّبِيبِ قَوْلانِ. قوله: (وَالْمُتَعَدِّي جَانٍ عَلَى بَعْضٍ غَالِباً) اختصر هنا قول ابن الحَاجِب: وفيها والمتعدي يفارق الغاصب؛ لأن المتعدي جنى عَلَى بعض السلعة، والغاصب أخذها ككسر الصحفة وتحريق الثوب (¬1). وزاد غالباً، لقول ابن عبد السلام: أنّه لا يعمّ صور التعدي ألا ترى أنّ المكتري والمستعير إِذَا زاد فِي المساقة يكون حكمهما حكم المتعدي لا حكم الغاصب، وكذلك من أودعت عنده دابّة أو ثوب فاستعملهما، فهذا الفرق الذي ذكره عن " المدونة " لا يكفي فِي هذا الموضع. وقبله فِي " التوضيح " (¬2). وقَالَ ابن عَرَفَة: قول ابن عبد السلام لا يعمّ صور التعدي بناءً منه عَلَى أن جناية المكتري والمستعير عَلَى الدابة، ويردّ بأن من أجزائها من حيث كونها مأخوذة ملكها وجنايتهما لَمْ تتعلق بِهِ؛ ولذا فرق فِي " المدونة " وغيرها بين هبة العبد وبين هبة خدمته لرجل حياته، ورقبته بعده لآخر فِي زكاة الفطر والجناية (¬3)، قَالَ: ومقتضى الروايات أن التعدي هو التصرف فِي شيء بغير إذن ربه دون قصد تملّكه. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الاستحقاق
[باب الاستحقاق] وإِنْ زَرَعَ فَاسْتُحِقَّتْ فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ أُخِذَ بِلا شَيْءٍ، وإِلا فَلَهُ قَلْعُهُ، إِنْ لَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ. قوله: (وإِلا فَلَهُ قَلْعُهُ، إِنْ لَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَادُ لَهُ) شمل ما تراد له الزرع والمقاثي والبقل وغيرها من جنس ما زرع فيها الغاصب ومن غير جنسه، وهذا خلاف ما لأصبغ فِي " نوازله " من كتاب: كراء الأرضين، وخلاف ما حمل عَلَيْهِ عبد الحقّ وغيره لفظ " المدونة " من أن المراد بالإبان إبان ما زرع فيها الغاصب خصوصاً؛ مَعَ أنّه اقتصر عَلَى ذلك فِي " التوضيح " (¬1)، ولعله اعتمد هنا عَلَى قول ابن رشد فِي " نوازل " أصبغ المشار إليها: القياس أن يكون له قلعه بعد خروج إبان الزرع إِذَا كانت الأرض مما تصلح للمقاثي والبقل، وتبين أن رب الأرض لَمْ يقصد الإضرار بالغاصب بقلع زرعه، وإنما رغب فِي الانتفاع بأرضه للمقاتي أو البقل، إذ قد تكون المنفعة بذلك أكثر من المنفعة بالزرع. وقد يدلّ عَلَى ذلك قول ابن الماجشون فِي " المجموعة " عن مالك، وقول المغيرة: إِذَا أسبل الزرع فلا يقلع؛ لأنه من الفساد العامّ للناس، ويمنع من قلعه ذلك كما يمنع من ذبح الفتايا مما فيه الحمولة من الإبل والحرث من البقر وذوات الدر من الغنم؛ لأن الزرع إِذَا كَانَ يقلع عندهما ما لَمْ يسبل، ولا شكّ فِي أن إبان حرث الزرع ينقضي قبل أن يسبل الزرع بكثير فقد أوجبا قلع الزرع بعد خروج الإبان، وذلك لا يكون إِلا لمنفعة تكون لصاحب الأرض فِي أرضه بقية العام من مقثاة يضعها فيها أو بقل ... وما أشبه ذلك. وقد روى ابن عبد الحكم عن مالك: أن له أن يقلع الزرع، سواءً قدر أن يزرع أم لا، والأول أحبّ إلينا، وظاهر قوله: أن له أن يقلع الزرع وإِن لَمْ يقدر أن يزرع فِي الأرض شيئاً أصلاً، ومعنى ذلك عندي إِذَا كَانَ ينتفع بذلك بحمام أرضه [102 / ب] أو لوجهٍ من وجوه المنافع غير الزرع؛ لأنه إِذَا لَمْ يكن له بذلك منفعة بحال فهو بقلعه قاصد للإضرار، ¬
وقد قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا ضرر ولا ضرار " (¬1). ولَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ، [64 / أ] وإِلا فَكِرَاءُ السَّنَةِ كَذِي شُبْهَةٍ. قوله: (كَذِي شُبْهَةٍ) يريد إِن لَمْ يفت الإبَّان، وأشار بِهِ لقول ابن القاسم فِي " المدونة ": وإن كانت الأرض تزرع فِي السنة مرة، فاستحقها وهي مزروعة قبل فوات إبان الزرع، فكراء تلك السنة للمستحق، وليس له قلع الزرع؛ لأن المكتري زرع بوجه شبهة (¬2). أَوْ جُهِلَ حَالُهُ. قوله: (أَوْ جُهِلَ حَالُهُ) قَالَ فِي " المدونة ": وإِذَا كَانَ مكري الأرض لا يعلم أغاصب هو أم مبتاع، فزرعها مكتريها منه، ثم استحقت فمكريها كالمشتري حتى يعلم أنّه غاصب (¬3). وفَاتَتْ بِحَرْثِهَا فِيمَا بَيْنَ مُكْرٍ ومُكْتَرٍ، ولِلْمُسْتَحِقِّ أَخْذُهَا، ودَفْعُ كِرَاءِ الْحَرْثِ فَإِنْ أَبَى قِيلَ لَهُ أَعْطِ كِرَاءَ سَنَةٍ، وإِلا أَسْلِمْهَا بِلا شَيْءٍ، وفِي سِنِينَ يُفْسَخُ أَوْ يُمْضِي، إِنْ عَرَفَ النِّسْبَةَ، ولا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي لِلْعُهْدَةِ، وانْتَقَدَ إِنِ انْتَقَدَ الأَوَّلُ، وأَمِنَ هُو والْغَلَّةُ لِذِي الشُّبْهَةِ أَوِ الْمَجْهُولِ لِلْحُكْمِ كَوَارِثٍ ومَوْهُوبٍ. قوله: (وفَاتَتْ بِحَرْثِهَا فِيمَا بَيْنَ مُكْرٍ ومُكْتَرٍ) السياق يعطي أن هذا فِي استحقاق الأرض، كالذي قبله والذي بعده؛ وإنما فرضه فِي " المدونة " فِي استحقاق ما أكريت بِهِ فقال: ومن اكترى أرضاً بعبدٍ أو بثوب، ثم استحق أو بما يوزن من نحاس أو حديد بعينه يعرفان وزنه، ثم استحق ذلك، فإن كَانَ استحق قبل أن يزرع أو يحرث انفسخ الكراء، وإِن كَانَ [بعد] (¬4) ما زرع أو أحرث فيها عملاً فعَلَيْهِ قيمة كراء الأرض (¬5). عياض: هو بين أن نفس الحراثة وإن لَمْ يزرع فوت، وللمكري كراء (¬6) المثل كما لَو زرعت، ¬
ولا يختلف أن ذلك كله فوت بين المكري والمكتري، فأنت ترى المصنف قد استعمل هنا عبارة عياض بعينها. ومُشْتَرٍ [مِنْهُ] (¬1)، إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِخِلافِ ذِي دَيْنٍ عَلَى وَارِثٍ كَوَارِثٍ طَرَأَ عَلَى مِثْلِهِ، إِلا أَنْ يَنْتَفِعَ. وإِنْ غَرَسَ، أَوْ بَنَى قِيلَ لِلْمَالِكِ أَعْطِهِ قِيمَتَهُ قَائِماً، فَإِنْ أَبَى فَلَهُ دَفْعُ قِيمَةِ الأَرْضِ، فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْحُكْمِ، إِلا الْمُحَبَّسَةَ فَالنَّقْضُ. قوله: (بِخِلافِ ذِي دَيْنٍ عَلَى وَارِثٍ كَوَارِثٍ طَرَأَ عَلَى مِثْلِهِ) لَو قدم طرأ فقال: بِخِلاف ذي دين طرأ عَلَى وارث كوارثٍ عَلَى مثله؛ لاتّضح مراده وظهر تصوّره. وضَمِنَ قِيمَةَ الْمُسْتَحِقَّةِ، ووَلَدَهَا يَوْمَ الْحُكْمِ، وإلا أقَلَّ (¬2)، إِن أَخَذَ دِيَّةً لا صَدَاقَ حُرَّةٍ أَوْ غَلَّتَهَا، وإِنْ هَدَمَ مُكْتَرٍ تَعَدِّياً فَلِلْمُسْتَحِقِّ النَّقْضُ وقِيمَةُ الْهَدْمِ، وإِنْ أَبْرَأَهُ مُكْريهِ كَسَارِقِ عَبْدٍ، ثُمَّ اسْتُحِقَّ. قوله: (وضَمِنَ قِيمَةَ الْمُسْتَحِقَّةِ، ووَلَدَهَا يَوْمَ الْحُكْمِ) لا يخفى أن هذه مستحقة بملك لا بحرية. قَالَ ابن الحَاجِب: وكَانَ مالك يقول لمستحقها أخذها إِن شاء مَعَ قيمة ولدها، ثم رجع فقال قيمتها يوم استحقاقها، ثم رجع فقال: قيمتها وحدها يوم وطئها. قَالَ أشهب: ثم رجع إِلَى القول الأول (¬3). قَالَ ابن عبد السلام: والقول الثالث هو الذي أفتى بِهِ مالك لما استحقت أم ولده [إبراهيم قال فِي " التوضيح ": كذا سماه اللخمي والمازري، والذي نقله ابن رشد وعياض أم ولده] (¬4) محمد، قيل: وهو الصواب " انتهى (¬5)؛ إنما صوّب؛ لأنه لا يعرف له ولد اسمه إبراهيم، وإنما قَالَ فِي " المدارك ": [كان لمالك] (¬6) ابنان يحيي ومحمد؛ ولهذا قَالَ أبو الحسن الصغير: لعلّ إبراهيم تصحيف؛ وعَلَى هذا فلا يصحّ قول الشارح فِي " الكبير ": لعلها أمهما معاً. ¬
بِخِلافِ مُسْتَحِقِّ مُدَّعِي حُرِّيَّةٍ، إِلا الْقَلِيلَ، ولَهُ هَدْمُ مَسْجِدٍ. قوله: (بِخِلافِ مُسْتَحِقِّ مُدَّعِي حُرِّيَّةٍ، إِلا الْقَلِيلَ) هذا فِي مقابلة قوله: (لا صداق حرة أو غلتها) فلو وصله بِهِ لكان أولى وإِنِ اسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ (¬1). قوله: (وَإِنِ اسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ) كذا فِي بعض النسخ، وفِي بعضها فكالبيع، والأول أنصّ عَلَى المقصود. ورُجِعَ لِلتَّقْوِيمِ. قوله: (ورُجِعَ لِلتَّقْوِيمِ) أي لا للتسمية، وكذا فِي " المدونة " (¬2). ولَهُ رَدُّ أَحَدِ عَبْدَيْنِ اسْتُحِقَّ أَفْضَلُهُمَا بِحُرِّيَّةٍ. قوله: (وَلَهُ رَدُّ أَحَدِ عَبْدَيْنِ [اسْتُحِقَّ أَفْضَلُهُمَا] (¬3) بِحُرِّيَّةٍ) كذا فرض الاستحقاق فِي " المدونة ": بحرية (¬4). قَالَ أبو الحسن الصغير: ولم يره من باب صفقة جمعت حلالاً وحراماً؛ لأنهما لَمْ يدخلا عَلَى ذلك، فجعل ذلك من قبيل العيوب، وكذلك من اشترى ¬
شاتين مذبوحتين، فوجد إحداهما غير ذكية أو قلّتا خل فوجد إحداهما خمراً أو داراً فوجد بعضها حبساً مقبرة أو غيرها ". انتهى. فكأنه قصد الوجه المشكل. كَأَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ بِآخَرَ، وهَلْ يُقَوَّمُ الأَوَّلُ يَوْمَ الصُّلْحِ أَوْ يَوْمَ الْبَيْعِ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (كَأَنْ صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ بِآخَرَ) هذا هو الصواب بكاف التشبيه، فلا يخالف ما فِي " المدونة (¬1) ". وإِنْ صَالَحَ فَاسْتُحِقَّ مَا بِيَدِ مُدَّعِيهِ رَجَعَ فِي مُقِرٍّ بِهِ لَمْ يِفُتْ، وإِلا فَفِي عِوَضِهِ كَإِنْكَارٍ عَلَى الأَرْجَحِ، لا إِلَى الْخُصُومَةِ. قوله: (وإِنْ صَالَحَ فَاسْتُحِقَّ مَا بِيَدِ مُدَّعِيهِ رَجَعَ فِي مُقِرٍّ بِهِ لَمْ يِفُتْ، وإِلا فَفِي عِوَضِهِ كَإِنْكَارٍ عَلَى الأَرْجَحِ) لا يخلو هذا الكلام من نظر؛ لأنه [إن] (¬2) أراد بعوضه قيمة المقرّ بِهِ الفائت إِن كَانَ من ذوات القيم، ومثله إِن كَانَ من ذوات الأمثال فهذا صحيح فِي نفسه، ولكن لا يصحّ تشبيه مسألة الإنكار بِهِ، وإِن أراد بعوضه عوض المستحق فليس بصحيح فِي نفسه، ولكن تشبيه مسألة الإنكار بِهِ صحيح. ومَا بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَفِي الإِنْكَارِ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ [إن لم يفت] (¬3)، وإِلا فَبِقِيمَتِهِ، وفِي الإِقْرَارِ لا يَرْجِعُ كَعِلْمِهِ صِحَّةَ مِلْكِ بَائِعِهِ، لا إِنْ قَالَ دَارُهُ، وفِي عَرْضٍ بِعَرْضٍ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ، إِلا نِكَاحاً وخُلْعاً، وصُلْحَ عَمْدٍ، ومُقَاطَعاً بِهِ عَنْ عَبْدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ عُمْرَى، وإِنْ أُنْفِذَتْ وَصِيَّةُ مُسْتَحِقٍّ بِرِقٍّ لَمْ يَضْمَنْ وَصِيٌّ وحَاجٌّ إِنْ عُرِفَ بِالْحُرِّيَّةِ، وأَخَذَ السَّيِّدُ مَا بِيعَ، ولَمْ يَفُتْ بِالثَّمَنِ كَمَشْهُودٍ بِمَوْتِهِ، إِنْ عُذِرَتْ بَيِّنَتُهُ، وإِلا فَكَالْغَاصِبِ. قوله: (وَمَا بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَفِي الإِنْكَارِ يَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ إن لم يفت) كذا ثبت هذا الشرط فِي بعض النسخ، وهو صواب؛ ولذا قَالَ بعده: (وَإِلا فقيمته). ¬
باب الشفعة
ومَا فَاتَ، فَالثَّمَنُ كَمَا لَو دَبَّرَ، أَوْ كَبِرَ صَغِيرٌ. قوله: (ومَا فَاتَ، فَالثَّمَنُ) هذا مقابل قوله: (ولَمْ يفت) أي: وما فات رجع [103 / أ] المستحق بثمنه عَلَى من باعه. [باب الشفعة] الشُّفْعَةُ أَخْذُ شَرِيكٍ ولَوْ ذِمِّيَّاً بَاعَ الْمُسْلِمَ لِذِمِّيٍّ كَذِمِّيَّيْنِ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا، أُوْ مُحَبِّساً لِيُحَبِّسَ كَسُلْطَانٍ لا مُحَبَّسٍ عَلَيْهِ، ولَوْ لِيُحَبِّسَ وجَارٍ ولَوْ مَلَكَ تَطَرُّقاً. قوله: (ولَوْ ذِمِّيَّاً بَاعَ الْمُسْلِمَ لِذِمِّيٍّ) كذا هو فيما رأينا من النسخ، والأليق إدخال واو الحال عَلَى جملة باع أي: ولَو كَانَ الشريك الشفيع ذمياً، والحالة أن شريكه المسلم باع لذمي، وبهذا يظهر لك أنّه إنما خصّ البيع لذمي بالذكر؛ لأنه محل الخلاف الذي أشار إليه بلو، وأما البيع لمسلم فمسلم. ونَاظِرِ وَقْفٍ، وكِرَاءٍ، وفِي نَاظِرِ الْمِيرَاثِ. قَوْلانِ مِمَّنْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ اللازِمُ اخْتِيَاراً بِمُعَاوَضَةٍ. قوله: (ونَاظِرِ وَقْفٍ) بهذا قطع فِي التوضيح [أن ليس لناظر وقف المسجد أن يأخذ بالشفعة (¬1)، وزاد فِي " الشامل "] (¬2): عَلَى الأَصَحّ ولا أدري من أين نقله، [وليس] (¬3) يدخل ذلك فِي قول ابن رشد فِي رسم كتب من سماع ابن القاسم من كتاب: الشفعة: لَو أراد رجل أجنبي أن يأخذ بالشفعة للحبس كَانَ ذلك له عَلَى قياس ما تقدم فِي المحبس والمحبس عليهم إِذَا أرادوا الأخذ بالشفعة لإلحاقها بالحبس (¬4)، وقد قبل هذا الإلزام أبو الحسن الصغير وابن عَرَفَة. ولَوْ مُوصًى بِبَيْعِهِ [64 / ب] لِلْمَسَاكِينِ عَلَى الأَصَحِّ والْمُخْتَارِ. قوله: (وَلَوْ مُوصًى بِبَيْعِهِ لِلْمَسَاكِينِ عَلَى الأَصَحِّ والْمُخْتَارِ) اللخمي عن سحنون: إِذَا ¬
أوصى ببيع نصيبه ليصرف ثمنه فِي المساكين فلا شفعة للورثة فيه. قَالَ: لأنه كَانَ الميت باعه، والقياس أن يستشفع؛ لأن الميت أخّر البيع لبعد الموت، ولوقت لَمْ يقع البيع فيه إِلا بعد ثبوت الشركة، وذكر الباجي قول سحنون ثم قَالَ: والأَظْهَر عندي فِي هذه المسألة: ثبوت الشفعة؛ لأن الموصى لهم وإِن كانوا غير معينين فهم أشراك بائعون بعد ملك الورثة بقية الدار، وقد بلغني ذلك عن محمد ابن الهندي. لا مُوصًى لَهُ بِبَيْعِ جُزْءٍ. قوله: (لا مُوصًى لَهُ بِبَيْعِ جُزْءٍ) أشار بِهِ لقول اللخمي: وإذا أوصى الميت أن يباع نصيب من داره من رجلٍ بعينه، والثلث يحمله لَمْ يكن للورثة فيه شفعة؛ لأن قصد الميت أن يملكه إياه، فالشفعة ردٌّ لوصيته، ثم قَالَ: ولَو أوصى أن يباع من رجلٍ بعينه والشريك أجنبي كانت فيه الشفعة. عَقَاراً، ولَوْ مُنَاقَلاً بِهِ، إِنِ انْقَسَمَ، وفِيهَا الإِطْلاقُ، وعُمِلَ بِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ ولَوْ دَيْناً، أَوْ قِيمَتِهِ بِرَهْنِهِ وضَامِنِهِ، وأُجْرَةِ دَلاَّلٍ، وعَقْدِ شِرَاءٍ وفِي الْمَكْسِ تَرَدُّدٌ، أَوْ قِيمَةِ الشِّقْصِ فِي كَخُلْعٍ، وصُلْحِ عَمْدٍ. قوله: (عَقَاراً) منصوب عَلَى أنّه مفعول بأخذ شريك، وهو بيان لجنس المأخوذ بالشفعة، ومن لفظ الشريك يعلم أنّه أخذ جزء لا كلّ، فلا يحتاج لما فِي بعض النسخ من وصل لفظ جزء الذي قبله بِهِ منصوباً وجره بإضافته إليه. وجَزَافِ نَقْدٍ، وبِمَا يَخُصُّهُ إِنْ صَاحَبَ غَيْرَهُ، ولَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَاقِي، وإِلَى أَجَلِهِ إِنْ أَيْسَرَ أَوْ ضَمِنَهُ مَلِيءٌ، وإِلا عُجِّلَ الثَّمَنُ، إِلا أَنْ يَتَسَاوَيَا عُدْماً عَلَى الْمُخْتَارِ، ولا يَجُوزُ إِحَالَةُ الْبَائِعِ بِهِ، كَأَنْ أَخَذَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مَالاً لِيَأْخُذَ ويَرْبَحَ، ثُمَّ لا أَخْذَ لَهُ، أَوْ بَاعَ قَبْلَ أَخْذِهِ. قوله: (وَجَزَافِ نَقْدٍ) كذا فِي " الوجيز " و " الجواهر " (¬1)، وعَلَيْهِ درج ابن الحَاجِب حيث قَالَ: فإن لَمْ يتقوم كالمهر والخلع وصلح العمد ودراهم جزافاً فقيمة الشِقْص يوم ¬
العقد، وقيل فِي المهر صداق المثل، وقيل: يبطل فِي الدراهم (¬1). ابن عبد السلام: فِي صحة فرض دراهم جزافاً عَلَى المذهب نظر؛ لأن الدنانير والدراهم لا يجوز بيعها جزافاً، وإنما تبع ابن الحَاجِب فيه من تبع الشافعية. ابن عَرَفَة: ظاهر قوله: فِي صحة فرضها عَلَى المذهب نظر. أن كلّ المذهب عَلَى المنع، وقد قَالَ ابن حارث وغيره: أجاز ابن عبد الحكم فِي الدراهم السكيّة الجزاف، وتقدم ما فيها من الخلاف. انتهى. ولَمْ يتتبع بقية كلام ابن عبد السلام؛ لأنه أورد بعد هذا أن يقال: يحمل كلامه عَلَى ما إِذَا كَانَ التعامل بالوزن حيث يجوز الجزاف عَلَى قول، وانفصل بأن ذلك لا يصحّ؛ لأنه لَو كَانَ كذلك لرجع لقيمة الجزاف كما لَو وقع بصبرة طعام فقال فِي " التوضيح ": " يمكن أن يقال: لا يلزم ما ذكره؛ لأن الطعام إِذَا قوّم بالعين يقوّم بما هو الأصل فِي التقويم بِخِلاف الدراهم؛ لأنك إما أن تقومها بعرضٍ أو عين موافق أو مخالف، ففي العرض يلزم منه مخالفة الأصل؛ إذ الأصل [عدم] (¬2) تقويم العين بالعرض، وفِي [العين] (¬3) الموافق أو المخالف يلزم البدل أو الصرف المستأخر. ولهذا قيل فِي العين: إِن الشفعة تبطل، وهذا وإن كَانَ ممكناً من جهة القيمة، إِلا أن اللخمي نقل خلافه فقال: وإِن كَانَ الثمن جزافاً فقال محمد: إِن اشترى بحليٍ جزافاً فإن الشفيع يشفع بقيمته فإن كَانَ ذهباً قوّم بالفضة أو فضة قوم بالذهب، يريد: والقيمة فِي ذلك يوم الشراء لا يوم الأخذ بالشفعة، وكذلك كل ما اشترى بِهِ جزافاً فالقيمة يوم الشراء " (¬4) انتهى نصّ " التوضيح " بلفظه. وليس ببين، وما نقله من نصّ اللخمي يحيل إمكانه. والله سبحانه أعلم. ¬
بِخِلافِ أَخْذِ مَالٍ بَعْدَهُ لِيُسْقِطَ كَشَجَرٍ وبِنَاءٍ بِأَرْضِ حُبُسٍ، أَوْ مُعِيرٍ. قوله: (بِخِلافِ أَخْذِ مَالٍ بَعْدَهُ لِيُسْقِطَ) أي بعد عقد البيع. وقُدِّمَ الْمُعِيرُ بِنَقْضِهِ، أَوْ ثَمَنِهِ، إِنْ مَضَى مَا يُعَارُ لَهُ، وإِلا فَقَائِماً، وكَثَمَرَةٍ، ومَقَاثِ، وبَاذِنْجَانٍ، ولَوْ مُفْرَدَةً، إِلا أَنْ تَيْبَسَ. قوله: (وقُدِّمَ الْمُعِيرُ بِنَقْضِهِ، أَوْ ثَمَنِهِ، إِنْ مَضَى مَا يُعَارُ لَهُ، وإِلا فَقَائِماً) [103 / ب] قَالَ فِي " المدونة ": وإِذَا بنى رجلان فِي عرصة رجل بإذنه ثم باع أَحَدهمَا حصته من النقض فلرب الأرض أخذ ذلك النقض بالأقل من قيمته أو من الثمن الذي باعه بِهِ، فإن أبى فلشريكه الشفعة فيه بالضرر، والضرر أصل الشفعة (¬1). عياض: لَمْ يختلف أن رب العرصة مقدم فِي الأخذ عَلَى الشفيع ليس للشفعة لكن لرفع الضرر، ولما جلب فِي " التوضيح " نص " المدونة " هذا نقل قول أبي الحسن الصغير: ظاهرها أنّه يكون عَلَى المعير قيمة النقض مقلوعاً، سواءً مضى زمن تعار تلك الأرض إِلَى مثله أم لا؛ لكن قيّدها أبو عمران بما إِذَا مضى زمن تعار فيه، وإِلا فله قيمة بنائه قائماً وقال: هكذا وقع لسحنون. أبو الحسن الصغير: وهو مشكل؛ لأنه وإن لَمْ يمض أمد تعار إِلَى مثله فقد أسقط حقه فِي بقية المدة لما أراد الخروج فكان مثل ما إِذَا مضى أمد تعار إِلَى مثله ". انتهى نقل " التوضيح " (¬2)، وإليه أشار هنا، وما ذكره عن أبي الحسن الصغير قاله عند قوله فِي " المدونة " قبل النص المتقدم: ومن بنى فِي عرصة رجل بأمره، ثم أراد الخروج منها فلربّ العرصة أن يعطيه قيمة النقض أو يأمره بقلعه، فرأى المصنف أن لا فرق، وكأنه يقول هنا وقدم المعير بقيمة نقضه مقلوعاً أو ثمنه إِن مضى ما يعار له، وإِن لَمْ يمض ما يعار له فقيمته قائماً أو ثمنه. والله سبحانه أعلم. ¬
وحُطَّ حِصَّتُهُا إِنْ أَزْهَتْ، أَوْ أُبِّرَتْ. قوله: (وحُطَّ حِصَّتُهُا إِنْ أَزْهَتْ، أَوْ أُبِّرَتْ) أي: إِن كانت يوم البيع مزهية أو مأبورة وأخذ بالشفعة بعد يبسها فإنه لا شفعة له فِي الثمار، ويأخذ الأصل بالشفعة بحصته، ويحطّ عنه ما ينوب الثمرة؛ لأن لها حصة من الثمن، وأما إِن كانت غير مأبورة فلا يحط عنه من الثمن شيء، إذ لا حظَّ لها من الثمن. وفِيهَا أَخْذُهَا مَا لَمْ تَيْبَسْ أَوْ تُجَذَّ. وهَلْ هُوَ اخْتِلافٌ؟ تَأْوِيلانِ. وإِنِ اشْتَرَى أَصْلَهَا فَقَطْ أُخِذَتْ، وإِنْ أُبِّرَتْ ورَجَعَ بِالْمَؤُنَةِ. قوله: (وفِيهَا أَخْذُهَا مَا لَمْ تَيْبَسْ أَوْ تُجَذَّ. وهَلْ هُوَ اخْتِلافٌ؟ تَأْوِيلانِ) الأَظْهَر أن يكون معناه فِي موضع من " المدونة " أخذها ما لَمْ تيبس، وفي موضع آخر منها ما لَمْ تجذ، وكذا هو في الأمهات (¬1). فقال عياض: قَالَ بعضهم فرق بينهما إِذَا اشتراها مَعَ الأصل فقال يأخذها ما لَمْ تجد، وإِذَا اشتراها بغير أصل قَالَ: الشفعة فيها ما لَمْ تيبس، وعَلَى هذا تأول مذهبه فِي الكتاب، وقَالَ آخرون هو اختلاف من قوله فِي الوجهين فمرة يقول: فِي الوجهين حتى تيبس: ومرة يقول: حتى تجد، وظاهر اختصار ابن أبي زمنين وابن أبي زيد وغيرهما التسوية بين هذه الوجوه، وأن الشفعة فيها ما لَمْ تيبس. لكن ابن أبي زمنين قَالَ: وفِي بعض الروايات فإن كَانَ بعد يبس الثمرة وجدادها، فنبه عَلَى الخلاف فِي الرواية بما ذكره لا غير. انتهى. وأما أبو سعيد فإنه قَالَ فِي الموضع الأول ما لَمْ تيبس قبل قيام الشفيع، وقَالَ فِي الثاني: فإن قام بعد يبس الثمرة أو جدادها لَمْ يكن له فِي الثمرة شفعة (¬2). قَالَ أبو الحسن الصغير: هذه الرواية التي ذكرها عياض عن ابن أبي زمنين. ¬
فإن قلت: فيما حملت عَلَيْهِ كلام المصنف تكرار مَعَ قوله أولاً: (إِلا أن تيبس)، ولعل المصنف إنما حاذى اختصار أبي سعيد فأشار لما فِي الموضع الأول بقوله: (إِلا أن تيبس) الأول ولما فِي الموضع الثاني بقوله: (وفيها أخذها ما لَمْ تيبس أو تجذ). قلت: النسج عَلَى منوال الأمهات أصوب وأجرى مَعَ قوله: (وهل هو اختلاف؟ تَأْوِيلانِ) وكَبِئْرٍ لَمْ تُقْسَمْ أَرْضُهَا، وإِلا فَلا، وأُوِّلَتْ أَيْضاً بِالْمُتَّحِدَةِ، لا عَرْضٍ، أَوْ كِتَابَةٍ ودَيْنٍ، وعُلْوٍ عَلَى سُفْلٍ وعَكْسِهِ. قوله: (وكَبِئْرٍ لَمْ تُقْسَمْ أَرْضُهَا، وإِلا فَلا، وأُوِّلَتْ أَيْضاً بِالْمُتَّحِدَةِ) اختصر هنا بعض كلام ابن رشد إذ قَالَ فِي سماع يحيي: لا خلاف أعلمه فِي المذهب فِي إيجاب الشفعة فِي الماء إِذَا بيع مَعَ الأرض أو دونها ولم تقسم الأرض، واختلف فِي إيجاب الشفعة فيه إِذَا قسمت الأرض فقال فِي " المدونة ": لا شفعة فيه قَالَ فِي هذه الرواية: إِن فيه الشفعة فذهب سحنون وابن لبابة إِلَى أنّ ذلك ليس باختلاف من القول إِلا أنهما اختلفا فِي تأويل الجمع بينهما فقال سحنون: معنى مسألة " المدونة " أنها بئر واحدة فلا شفعة فيها إذ لا تنقسم، ومعنى رواية يحيي هذه أنها آبار كثيرة؛ لأنها (¬1) تنقسم لأن الشفعة تكون فيما ينقسم دون ما لا ينقسم. [104 / أ] وقَالَ ابن لبابة معنى مسألة " المدونة ": أنها بئر لا فناء لها ولا أرض، ومعنى رواية يحيي أن لها فناء وأرضا مشتركة يكون فيها القلد وذهب الباجي إِلَى أنّه اختلاف من القول (¬2) جار عَلَى الخلاف فِي الشفعة فيما لا ينقسم كالنخلة أو الشجرة [بين النفر، إذ لا تنقسم العين والبئر كما لا تنقسم النخلة والشجرة] (¬3). وكَانَ من أدركت من الشيوخ يقول: أنّه اختلاف من القول جارٍ عَلَى اختلاف قول مالك فيما هو متعلق بالأرض ومتشبث بها كالنقض والنخل دون الأرض، وكالكراء أو ما أشبه ذلك وهو أبين وأولى (¬4). ¬
فإن حملنا المتحدة فِي كلام المصنف عَلَى غير المتعددة وغير ذات الفناء ولَو بنوع تجوّز كَانَ تلويحاً بقولي من جعله وفاقاً، كما أن مفهوم (أَيْضاً) تلويح بقولي من جعله خلافاً، وفِي الإشارة ما يغني عن الكلم. وزَرْعٍ، ولَوْ بِأَرْضِهِ، وبَقْلٍ. قوله: (وزَرْعٍ، ولَوْ بِأَرْضِهِ) قَالَ فِي " المدونة ": ولم يكن له فِي الزرع شفعة؛ لأنه غير ولادة والثمرة ولادة (¬1). وعَرْصَةٍ، ومَمَرٍّ قُسِمَ مَتْبُوعُهُ. قوله: (وعَرْصَةٍ، ومَمَرٍّ قُسِمَ مَتْبُوعُهُ) ينبغي أن يرجع ضمير متبوعه لهما؛ ولكنه أفرده عَلَى ملاحظة ما ذكر. وحَيَوَانٍ إِلا فِي كَحَائِطٍ وإِرْثٍ، وهبةٍ بِلا ثَوَابٍ، وإِلا فبه (¬2) بَعْدَهُ، وخِيَارٍ إِلا بَعْدَ مُضِيِّهِ، ووَجَبَتْ لِمُشْتَرِيهِ، إِنْ بَاعَ نِصْفَيْنِ خِيَاراً ثُمَّ بَتْلا (¬3) فَأَمْضَى، وبَيْعِ فَاسِدٍ، إِلا أَنْ يَفُوتَ، فَبِالْقِيمَةِ، إِلا بِبَيْعٍ صَحَّ، فَبِالثَّمَنِ فِيهِ. قوله: (وحَيَوَانٍ إِلا فِي كَحَائِطٍ) فِي " المقدمات ": " وأما رقيق الحائط والرحا - أي حجر الرحا - فإنما الاختلاف فِي وجوب الشفعة فيهما إِذَا بيعا مَعَ الأصل، فإذا انفرد البيع فيهما عن الأصل لَمْ يكن فيهما شفعة باتفاق (¬4) " انتهى. وله مثله فِي سماع عيسى (¬5). ابن عَرَفَة: هذا خلاف قول اللخمي: اختلف فِي رحا الماء ورحا الدوابّ إِذَا بيعت بانفرادها أو مَعَ الأرض، ويختلف عَلَى هذا فِي رقيق الحائط ودوابّه إِذَا بيعت مَعَ الأصل أو بانفرادها. ابن عَرَفَة: والرحا أشبه بالأرض من الحيوان الباجي عن " الموازية ": لَو اقتسما الحائط، ثم ¬
باع أَحَدهمَا حظّه من الرقيق والآلة فلا شفعة فيه للآخر. أبو محمد عن " الموازية ": " لو (¬1) بيع شيء من ذلك عَلَى حدته ففيه الشفعة ما دام الأصل لَمْ ينقسم ". انتهى. وأما الشفعة فِي نفس دابّة بيت الرحا والمعصرة فلم أر من ذكرها، فانظر ما فائدة الكاف فِي قول المصنف: (كحائط). وتَنَازُعٍ فِي سَبْقِ مِلْكٍ، إِلا أَنْ يَنْكُلَ أَحَدُهُمَا، وسَقَطَتْ إِنْ قَاسَمَ. قوله: (وَتَنَازُعٍ فِي سَبْقِ مِلْكٍ، إِلا أَنْ يَنْكُلَ أَحَدُهُمَا) تصورها ظاهر، ونصّ عَلَيْهَا ابن شاس، وتبعه ابن الحَاجِب (¬2). قَالَ ابن عَرَفَة: لا أعرفها بنصها لأحد من أهل المذهب، وإنما هو نصّ " وجيز " الغزالي، فأضافها ابن شاس للمذهب، وأصول المذهب لا تنافيها، وهي كاختلاف المتبايعين فِي كثرة الثمن وقلته. أَوِ اشْتَرَى، أَوْ سَاوَمَ، أَوْ سَاقَى. قوله: (أَوِ اشْتَرَى) هذا المذهب، وذكر ابن شاس وابن الحَاجِب: أن أشهب يخالف فيه (¬3)، وقَالَ ابن عبد السلام: لا يتصور فيه اختلاف؛ لأنه إِذَا اشترى منه فإن شفع بالصفقة الأولى فذلك يستلزم فسخ الثانية مَعَ إبطال الصفقة الأولى، ودليل الرضا بها موجود وإِن شفع بالصفقة الثانية فقد أبطلها أَيْضاً، ولا فائدة فِي الانتقال من الشراء الثاني إِلَى الشفعة بثمنه، وكذلك أنكر هذا الخلاف ابن عَرَفَة وقَالَ: العجب من شيخنا السّطي فِي عدم تعقبه ذلك عَلَى ابن شاس فِي مسائله التي تعقبها عَلَيْهِ. أَوِ اسْتَأْجَرَ، أَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ أَوْ سَكَتَ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ. قوله: (أَوِ اسْتَأْجَرَ) زاد فِي " التوضيح " ويؤخذ من إسقاطه فِي " المدونة " الشفعة ¬
بالكراء أن الشفيع إِذَا قاسم المبتاع الأرض للحرث أنّه تسقط شفعته؛ لأن كل واحد أكرى نصيبه من صاحبه، وقاله ابن عبد الغفور، ولو قاسمه الغلة فقال ابن القاسم: لا تسقط، وقَالَ أشهب: تسقط كما لَو قاسمه بالخرص فيما يخرص للحاجة، وأما إِن جذت الثمرة فاقتسماها بالكيل فلا يقطع ذلك الشفعة (¬1). أَوْ شَهْرَيْنِ، إِنْ حَضَرَ الْعَقْدَ، وإِلا سَنَةً كَأَنْ عَلِمَ فَغَابَ، إِلا أَنْ يَظُنَّ الأَوْبَةَ قَبْلَهَا، فَعِيقَ، وحَلَفَ إِنْ بَعُدَ وصُدِّقَ إِنْ أَنْكَرَ عِلْمَهُ لا إِنْ غَابَ أَوَّلاً، أَوْ أَسْقَطَ لِكَذِبَ فِي الثَّمَنِ، وحَلَفَ. قوله: (أَوْ شَهْرَيْنِ، إِنْ حَضَرَ الْعَقْدَ) يريد أن من سكت شهرين ثم قام بعدهما يطلب الشفعة فإن شفعته تسقط إِن كَانَ حضر عقد الشراء وكتب شهادته فيه، وهذه طريقة ابن رشد، فإنه قَالَ فِي رسم البزّ من سماع ابن القاسم: تحصيل هذه المسألة أنّه إِن لَمْ يكتب شهادته، وقام بالقرب مثل الشهر والشهرين كانت له الشفعة دون يمين، وإن لَمْ يقم إِلا بعد السبعة أو التسعة أو السنة عَلَى ما فِي " المدونة " كانت له الشفعة بعد يمينه أنّه لَمْ يترك القيام راضياً بإسقاطه حقه، وإِن طال [104 / ب] الأمر أكثر من السنة لَمْ تكن له شفعة. وأما إِن كتب شهادته وقام بالقرب العشرة الأيام ونحوها كانت له الشفعة بعد يمينه، وإِن لَمْ يقم إِلا بعد الشهرين لَمْ تكن له شفعة (¬2). تنبيهان: الأول: قد علمت من كلام ابن رشد هذا أن الوصف المعتبر فِي إسقاط شفعة الساكت شهرين هو كتب شهادته فِي رسم الشراء الذي هو أخص من حضور العقد، فلو قَالَ المصنف: إِن كتب شهادته فيه لكان أولى. الثاني: قبل ابن عبد السلام تحصيل ابن رشد، وقال أبو الحسن الصغير وابن عَرَفَة: قول ابن رشد: إِن كتب شهادته ولم يقم إِلا بعد شهرين فلا شفعة له خلاف ظاهر " المدونة "؛ لأنه ¬
لَمْ يجعل فيها لكتب الشهادة فِي عقد الشراء تأثيراً إذ قَالَ فيها: والشفيع عَلَى شفعته حتى يترك أو يأتي من طول الزمان ما (¬1) يعلم أنّه تارك لشفعته، وإِذَا علم بالاشتراء فلم يطلب شفعته سنة فلا يقطع ذلك شفعته وإِن كَانَ قد كتب شهادته فِي الاشتراء، ومثله فِي " التوضيح " (¬2)؛ مَعَ أنّه قطع هنا بقول ابن رشد. وللمتيطي فِي المسألة كلام ينبغي أن يوقف عَلَيْهِ. أَوْ فِي الْمُشْتَرَى، أَوْ فِي الْمُشْتَرِي، أَوِ انْفِرَادِهِ، [عليه] (¬3). قوله: (أَوْ فِي الْمُشْتَرَى [أَوْ فِي الْمُشْتَرِي] (¬4)) يغلب عَلَى الظن أن المصنف هكذا قاله بلفظين الأول اسم مفعول والثاني اسم فاعل لعود الضمير من قوله بعده: (أو انفراده (¬5) عَلَيْهِ)، ولعل الناسخ من المبيضة ظن التكرار فأسقط أحد اللفظين. أَوْ أَسْقَطَ وَصِيٌّ أَوْ أَبٌ بِلا نَظَرٍ. قوله: (أَوْ أَسْقَطَ وَصِيٌّ أَوْ أَبٌ بِلا نَظَرٍ) قَالَ فِي " المدونة ": ولو سلم من ذكرنا من أب أو وصي أو سلطان شفعة الصبي لزمه ذلك، ولا قيام له إِن كبر (¬6). قَالَ فِي: " الوثائق المجموعة " وغيرها: إِلا أن يكون الأخذ نظراً وسداداً فيكون له الأخذ، قَالَ أبو الحسن الصغير: وظاهر الكتاب سواءً كَانَ الآخذ نظراً أم لا، وبِهِ قَالَ أبو عمران فِي الأب والوصي دون السلطان، وسبب الخلاف: هل الشفعة استحقاق أو بمنزلة الشراء. ¬
وشَفَعَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِيَتِيمٍ آخَرَ. قوله: (وشَفَعَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِيَتِيمٍ آخَرَ) هكذا هو مصدَّر بالواو لا بأو، وأشار بِهِ لما فِي " النوادر " عن " الموازية "، وهو لعبد الملك فِي " المجموعة " أن الوصي إِذَا باع شِقْصا لأحد الأيتام فله الأخذ بالشفعة لبقائهم، لا يدخل فيه من بيع عَلَيْهِ، ولا حجة عَلَى الوصي بأنه بائع؛ لأنه باع عَلَى غيره. محمد: ولَو كَانَ له معهم شِقْص لدخل فِي تلك الشفعة أحب إلي، وينظر فإن كَانَ خيراً لليتيم أمضى وإِلا ردّ لتهمته أن يغتزي بالبيع رخصا لأخذه بالشفعة. قَالَ فِي " التوضيح ": وكذلك إِذَا باع نصيب نفسه وأراد أخذه ليتيمه فلابد من نظر القاضي (¬1). قال ابن عبد السلام: ولابد من مراعاة موجب بيع عقار اليتيم وأن يكون الشِقْص المبيع لليتيم لا يقلّ ثمنه إِذَا بيع مفرداً عمّا لَو بيع الجميع، وأما لَو كَانَ وهو الغالب عَلَى الرباع إِذَا بيع الجميع كَانَ أوفر لنصيب اليتيم لبيع الجميع. أَوْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ وحَلَفَ وأَقَرَّ (¬2) بَائِعُهُ، وهِيَ عَلَى الأَنْصِبَاءِ، وتُرِكَ لِلشَّرِيكِ حِصَّتُهُ، وطُولِبَ بِالأَخْذِ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ لا قَبْلَهُ، ولَمْ يَلْزَمْهُ إِسْقَاطُهُ، ولَهُ نَقْضُ وَقْفٍ كَهِبَةٍ، وصَدَقَةٍ والثَّمَنُ لِمُعْطَاهُ، إِنْ عَلِمَ شَفِيعُهُ، لا إِنْ وَهَبَ دَاراً فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهَا. قوله: (أَوْ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ وحَلَفَ وأَقَرَّ بَائِعُهُ) هذا من المسقطات فلعلّ الناقل من المبيضة وضعه فِي غير محله. ومُلِكَ بِحُكْمٍ أَوْ دَفْعِ ثَمَنٍ، أَوْ إِشْهَادٍ. قوله: (ومُلِكَ بِحُكْمٍ أَوْ دَفْعِ ثَمَنٍ، أَوْ إِشْهَادٍ) أصل هذا قول ابن شاس ما نصّه: " الباب الثالث فِي كيفية الأخذ والنظر فِي أطراف الأول فيما يملك بِهِ ويملك بتسليم الثمن وإِن لَمْ يرض المشتري ويقضي القاضي له بالشفعة عند الطلب وبمجرد الإشهاد عَلَى الأخذ ¬
وبقوله: " أخذت وتملكت ثم يلزمه إِن كَانَ علم بمقدار الثمن، وإِن لَمْ يكن علم لَمْ يلزمه " (¬1) فقال ابن الحَاجِب فِي " اختصاره ": ويملك بتسليم الثمن أو بالإشهاد أو بالقضاء (¬2)، فقال ابن عبد السلام: يعني أن الشفعة يملكها الشفيع بأحد هذه الوجوه الثلاثة، ومراده بالإشهاد أنّه بمحضر المشتري وإِلا فلا معنى له. ويصلح أن يفسر هذا الموضع بما نقل ابن يونس عن ابن المواز: أنّه إِذَا أخره السلطان بالثمن اليومين والثلاثة فلم يأت بِهِ إِلَى ذلك الأجل فالمشتري أحقّ بها، وقَالَ عن أشهب وهو لابن القاسم فِي " العتبية ": أنّه إِذَا طلب التأخير بعد الأخذ فأخّر ثم بدا له وأبى المشتري [105 / أ] أن يقيله فالأخذ قد لزم الشفيع، فإن لَمْ يكن له مال بيع حظه الذي استشفع فيه وحظه الأول حتى يتم للمشتري جميع حقّه ولا إقالة له إِلا برضى المشتري. وقَالَ ابن رشد: يعني فِي سماع يحيي: " إِذَا وقّف الإمام الشفيع فلا يخلو من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يقول الشفيع قد أخذت، ويقول المشتري: وأنا قد سلّمت، فيؤجله الإمام فِي دفع المال للشفيع (¬3) فلا يأتي بِهِ، فليس لأَحَدهمَا أن يرجع عما التزمه ويحكم عَلَى الشفيع بما قدمناه عن " العتبية " قَالَ: والوجه الثاني: أن يوقفه الإمام فيقول قد أخذت ويسكت المشتري ويؤجله فِي الثمن فلا يأتي بِهِ فهذا إِن طلب المشتري أن يباع له فِي الثمن ملك الشفيع فذلك له، وإِن أحبّ أن يأخذ شقصه كَانَ له ذلك، ولا خيار للشفيع عَلَى المشتري، وهذا الوجه فِي " المدونة ". والثالث: أن يقول الشفيع: أنا آخذ ولا يقول قد أخذت، فيؤجله الإمام فِي الثمن، فاختلف فيه إِذَا لَمْ يأت بالثمن، فقيل: يرجع الشِقْص إِلَى المشتري إِلا أن يتفقا عَلَى إمضائه للشفيع وابتاعه بالثمن، وقيل: إِن أراد المشتري أن يلزم الشفيع الأخذ كَانَ ذلك له، ويباع ¬
ماله فِي الثمن، وإِن أراد الشفيع أن يردّ الشِقْص لَمْ يكن له ذلك، [وهو قول] (¬1) ابن القاسم وأشهب، والأول أبين (¬2). " انتهى ما أشار ابن عبد السلام إِلَى أنّه يصلح أن يفسر بِهِ هذا المحل. وقَالَ ابن عَرَفَة: لا أعلم هذا المعنى الذي قَالَ ابن شاس لأحدٍ من أهل المذهب، وتبع فيه " وجيز " الغزالي عَلَى عادته فِي إضافة كلام الغزالي للمذهب لظنه موافقته إياه، وهذا دون بيان لا ينبغي، وظاهر كلامهم أن المملوك بأحد هذه الوجوه هو نفس الأخذ بالشفعة لا نفس الشِقْص المشفوع فيه، وروايات المذهب واضحة بِخِلافه وأن ملك الآخذ نفسه، إنما هو بثبوت ملك الشفيع لشقص شائع من ربع واشتراء غيره شِقْصا آخر فهذا هو الموجب لاستحقاقه الأخذ؛ ولذا يكلفه القاضي إِذَا طلب منه الحكم له بالأخذ إثبات ذلك. قال ابن فتّوح والمتيطي وغيرهما، واللفظ لابن فتّوح: " وإِذَا طلب الشفيع المبتاع بالشفعة عند السلطان لَمْ يقض له بها حتى يثبت عنده البيع والشركة أو يحضر البائع ويثبت [عينه عنده] (¬3)، ويقرّ للشفيع بالبيع وبالشركة، ويقرّ المبتاع بالابتياع عَلَى الإشاعة، ويثبت أَيْضاً عينه عنده فيقضي عَلَيْهِ بالشفعة دون ثبوت الشركة والإشاعة، ولابد من ثبوت البيع أو إقرار البائع بِهِ فينظر السلطان حينئذٍ بينهما فِي الشفعة، ولا يحكم بإقرار المشتري والشفيع حتى يثبت عنده البيع، ومما يتم بِهِ تسجيل الحكم، ويوجب إنزال الشفيع أن يثبت عنده البيع عَلَى الإشاعة والشركة وملك البائع لما باعه من المبتاع ويثبت عنده الأعيان المذكورين. قال ابن عَرَفَة: وأما ملك الشفيع الشِقْص المشفوع فيه فلا أعلم فيه نصاً جلياً إِلا ما تقدم من نصّ " المدونة "، كأنه يشير إِلَى قوله فيها: وإِذَا قَالَ الشفيع بعد الشراء: اشهدوا أنّي قد أخذت بشفعتي ثم رجع، فإن علم الثمن قبل الأخذ لزمه، وإِن لَمْ يعلم بِهِ فله أن يرجع (¬4). ¬
قال: ونزلت عندنا هذه المسألة عام خمسين وسبعمائة فِي شفيع أخذ بشفعته فِي دارٍ يملك باقيها بشهادة عدلين دون أن يقف المشتري ويشهد عَلَيْهِ بذلك، ثم إِن الشفيع باع جميع الدار فقام المشتري فخاصم فِي الدار المذكورة لبيعها دون إشهاد الشفيع عَلَيْهِ بالأخذ، ولم يأت بشيءٍ لَو أتى بِهِ قبل البيع قدح فِي الشفعة عَلَيْهِ، فوقف القاضي فِي إمضاء البيع وفسخه، وشاور فِي ذلك شيخنا أبا عبد الله السطي فلم يذكر فِي ذلك شيئاً غير كلام ابن الحَاجِب، وما أشار إليه ابن [105 / ب] عبد السلام من كلام ابن رشد. وكنت أنا وبعض فقهاء الوقت وهو الفقيه أبو عبد الله بن خليل السكوني شهيدي النازلة، فعاتبنا القاضي فِي الشهادة فِي البيع، وكانت شهادتي فيها [عاطفاً] (¬1) عَلَيْهِ؛ لاعتقادي فقهه وكونه من خواصّ القاضي المذكور، فاحتججت عَلَى القاضي بنصي المدونة الأول قوله فِي كتاب الخيار: " إِذَا اختار من له الخيار من المتبايعين وصاحبه غائب، وأشهد عَلَى ذلك جَازَ عَلَى الغائب. والشفيع بمنزلة من له الخيار من المتبايعين، فهذا يدلّ عَلَى صحة أخذه فِي غيبة المشتري " الثاني: قوله فِي كتاب الشفعة: " ولا يجوز بيع الشفيع الشِقْص قبل أخذه بالشفعة، (¬2) فمفهوم قوله: (قبل أخذه) أنّه يجوز بعد أخذه، والعمل بمفهومات " المدونة " هو المعهود فِي طريقة ابن رشد وغيره من الشيوخ، وإِن كَانَ ابن بشير يذكر فِي ذلك خلافاً، فعمل الأشياخ الجلّة إنما هو عَلَى الأول. وانفصل الخصمان بعد طول ومرافعة لأهل الأمر عَلَى صلحٍ وقع بينهما " انتهى. وفِي استدلاله الثاني ضعف. وأما المصنف ففسر قول ابن الحَاجِب بأن معناه يملك الشفيع الشِقص بأحد الأمور الثلاثة (¬3)، وكذا قَالَ ابن راشد القفصي، ورأيت فِي " الكافي " لأبي عمر بن عبد البر ما نصّه: " والشفعة تجب بالبيع التامّ، وتستحقّ وتملّك بأداء الثمن " (¬4)، وقد ذكر بعد هذا فِي هذا المختصر وجوه ابن رشد الثلاثة المنقولة من سماع يحيي. ¬
فرع: في الحمالة من تقييد أبي عمران العبدوسي: من وجبت له شفعة فأشهد فِي خفية أنّي عَلَى شفعتي، وسكت حتى جاوز الأمد المسقط حق الحاضر ثم قام لَمْ ينفعه هذا الإشهاد، قيدتها من أحكام الدبوسي بعد ما بحثت عن هذه الأحكام فلم أجدها إِلا بسبتة. واسْتُعْجِلَ، إِنْ قَصَدَ ارْتِيَاءً أَوْ نَظَراً لِلْمُشْتَرَى إِلا كَسَاعَةٍ. [65 / أ] وَلَزِمَ إِنْ أَخَذَ وعَرَفَ الثَّمَنَ فَبِيعَ لِلثَّمَنِ، والْمُشْتَرِيَ إِنْ سَلَّمَ، فَإِنْ سَكَتَ فَلَهُ نَقْضُهُ، وإِنْ قَالَ أَنَا آخُذُ أُجِّلَ ثَلاثاً لِلنَّقْدِ. قوله: (وَاسْتُعْجِلَ، إِنْ قَصَدَ ارْتِيَاءً (¬1) أَوْ نَظَراً لِلْمُشْتَرَى إِلا [كَسَاعَةٍ] (¬2)) المشترَى بفتح الراء، وظاهر الاستثناء أنّه راجع للارتياء والنظر للمشترى، وهو ظاهر ما فِي سماع أشهب إذ قَالَ سئل عمن باع شِقْصاً فِي حائط غائب فقال: الشفيع: حتى أذهب وانظر إِلَى شفعتي وهي ليست [معه] (¬3) فِي القرية؟ قَالَ: ليس ذلك له. فراجعه السائل فقال: إِن كَانَ الحائط عَلَى ساعة من نهار فذلك له، وإِلا فليس له ذلك يخرج فيقيم أَيْضاً عشرة أيام ثم يجيء. قَالَ ابن رشد: هذا مثل ما فِي كتاب ابن المواز، وظاهر ما فِي " المدونة " من أن الشفيع إنما يؤخر فِي النقد لا فِي الارتياء فِي الأخذ (¬4). انتهى. فأنت ترى ابن رشد ساوى بين الارتياء والنظر للمشتري بعد تسليم استثناء الساعة، فلعلّ المصنف اعتمد عَلَى ذلك، وإِن كَانَ مخالفاً لقول المتيطي المشهور من المذهب. والذي عَلَيْهِ العمل وانعقدت بِهِ الأحكام فيمن طلب التأخير لينظر ويستشير أنّه لا يؤخر ساعةً واحدة، ويجبره السلطان عَلَى الأخذ أو الترك وقاله مالك فِي " العتبية "، ونحوه فِي كتاب ابن المواز، وظاهر ما فِي " المدونة ": أن الشفيع إنما يؤخر فِي النقد لا فِي ¬
الارتياء فِي الأخذ (¬1). انتهى. فأنت ترى مخالفة المتيطي لنصّ " العتبية " (¬2) فِي استثناء الساعة، بل نسب لها ما ليس فيها. والله تعالى أعلم. وإِلا سَقَطَتْ. قوله: (وَإِلا سَقَطَتْ) أي: وإن لَمْ يأت بالثمن فِي الثلاث سقطت شفعته. وإِنِ اتَّحَدَتِ الصَّفْقَةُ وتَعَدَّدَتِ الْحِصَصُ والْبَائِعُ لَمْ تُبَعَّضْ. قوله: (وإِنِ اتَّحَدَتِ الصَّفْقَةُ وتَعَدَّدَتِ الْحِصَصُ والْبَائِعُ لَمْ تُبَعَّضْ (¬3)) أي فإذا اتحد البائع فأحرى كاتحاد الحصّة. قَالَ فِي " المدونة ": ولَو اشترى رجل ثلاثة أشقاص من دار أو من دور فِي بلد أو بلدان من رجل أو رجال، وذلك فِي صفقةٍ واحدة وشفيع ذلك كلّه واحد فليس له أن يأخذ إِلا الجميع أو يسلم، وكذلك إِن اشترى من أحدهم حصّته من نخلٍ ومن آخر حصته من قرية، ومن آخر حصته من دار فِي صفقةٍ واحدة، أو كَانَ بائع ذلك كلّه واحداً [106 / أ] [أو وشفيع ذلك كله واحداً] (¬4)، فإما أخذ الجميع أو يدع (¬5). كَتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي، عَلَى الأَصَحِّ. قوله: (كَتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي، عَلَى الأَصَحِّ) هو قوله فِي " المدونة " بعد النصّ السابق: ولَو ابتاع ثلاثة ما ذكرنا من واحدٍ أو من ثلاثة فِي صفقةٍ والشفيع واحد فليس له أن يأخذ من أحدهم دون الآخر، وله أخذ الجميع أو يدع (¬6)، فهو باقتصاره عَلَى مذهب " المدونة " مستغنٍ عن أن يقول عَلَى الأَصَحّ، فلو قَالَ عوضاً من هذا كله: ولَو تعدد المشتري لكان أبين وأوجز. ¬
وَكَأَنْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ، أَوْ غَابَ أَوْ أَرَادَهُ الْمُشْتَرِي. قوله: (أَوْ أَرَادَهُ الْمُشْتَرِي) أي أو أراد المشتري وحده (¬1) التبعيض فلا يجبر عَلَيْهِ الشفيع كالعكس. وَلِمَنْ حَضَرَ حِصَّتُهُ. قوله: (وَلِمَنْ حَضَرَ حِصَّتُهُ) أي ولمن صار محاضراً بعد الغيبة، ولَو قَالَ: ولمن قدم كَانَ أبين. وهَلِ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ. قوله: (وَهَلِ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، [أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي] (¬2) أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ) هكذا فِي بعض النسخ، وبِهِ تصحّ المسألة عَلَى ما ذكر ابن رشد فِي " المقدمات " إذ قَالَ: قَالَ أشهب: إِذَا غاب الشفعاء إِلا واحداً، فأخذ جميع الشفعة، ثم جاء أحد الغُيّب كَانَ مخيراً فِي كتب عهدته إِن شاء عَلَى المشتري، وإِن شاء عَلَى الشفيع لأنه كَانَ مخيراً فِي الأخذ فهو كمشترٍ من المشتري وإِن جاء ثالث كَانَ مخيراً إِن شاء كتب عهدته عَلَى المشتري وإِن شاء عَلَى الشفيع الأول، وإِن شاء عَلَيْهِ، وعَلَى الثاني فقيل: إِن قول أشهب هذا خلاف لمذهب ابن القاسم، وأنّه لا يكتب عهدته عَلَى مذهب ابن القاسم إِلا عَلَى المشتري، وليس ذلك عندي بصحيح؛ والصواب أن قول أشهب مفسر لمذهب ابن القاسم (¬3). فقول المصنف: (وَهَلِ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي) هو التأويل الذي اختاره ابن رشد أن القادم مخير، فأو فيه للتخيير وقوله: (أو عَلَى المشتري فقط) هو التأويل الذي أنكره ابن رشد، ولكن بِهِ قطع عبد الحقّ فِي النكت، وعَلَى هذه الصورة ذكر التأويلين فِي " التوضيح (¬4). ¬
فلعلّ بعض من نَسَخَ من المبيضة ظنّ تكرار إحدى الجملتين فأسقطها، وهذا محتملٌ؛ لأن مقتضاه أن التأويل الأول تعيين عهدة القادم عَلَى الشفيع الأول ولم أر من قاله. كَغَيْرِهِ، ولَوْ [أَقَالَهُ] (¬1) إِلا أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَهَا؟ تَأْوِيلانِ، وقُدِّمَ مُشَارِكُهُ فِي السَّهْمِ، وإِنْ كَأُخْتٍ لأَبٍ أَخَذَتْ سُدُساً. قوله: (كَغَيْرِهِ، ولَوْ أَقَالَهُ إِلا أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَهَا) لا يخفى عَلَى من مارس اصطلاحه فِي هذا المختصر أن هذا التشبيه راجع للتأويل الثاني فقط، وأن قوله بعد ذلك: (تَأْوِيلانِ) راجع لأول الكلام. ودَخَلَ عَلَى غَيْرِهِ كَذِي سَهْمٍ عَلَى وَارِثٍ، ووَارِثٌ عَلَى مُوصًى لَهُمْ، ثُمَّ الْوَارِثُ، ثُمَّ الأَجْنَبِيُّ، وأَخَذَ بِأَيِّ بَيْعٍ شَاءَ، وعُهْدَتُهُ عَلَيْهِ، ونُقِضَ مَا بَعْدَهُ، ولَهُ غُلَّتُهُ. قوله: (ودَخَلَ عَلَى غَيْرِهِ) أي: ودخل الأخصّ عَلَى غيره من ذوي الفروض، وأما دخوله عَلَى الغاصب فمستفاد من قوله بعد: (كذي (¬2) سهم عَلَى وارث) أي: عَلَى عاصب. وفِي فَسْخِ عَقْدٍ كِرَائِهِ تَرَدُّدٌ، ولا يَضْمَنُ نَقْصَهُ. قوله: (وفِي فَسْخِ عَقْدٍ كِرَائِهِ تَرَدُّدٌ) مبناه عَلَى الشفعة هل هي كالاستحقاق قاله القرطبيون أو كالبيع قاله الطليطليون، فالقاف للقاف، والياء للياء. فَإِنْ هَدَمَ وبَنَى فَلَهُ قِيمَتُهُ قَائِماً، ولِلشَّفِيعِ النُّقْضُ إِمَّا لِغَيْبَةِ شَفِيعِهِ فَقَاسَمَ وَكِيلُهُ، أَوْ قَاضٍ عَنْهُ، أَوْ تَرَكَ لِكَذِبٍ فِي الثَّمَنِ، أَوِ اسْتُحِقَّ نِصْفُهَا، وحُطَّ مَا حُطَّ لِعَيْبٍ، أَوْ لِهِبَةٍ، إِنْ حُطَّ عَادَةً أَوْ أَشْبَهَ الثَّمَنَ بَعْدَهُ. وإِنِ اسْتُحِقَّ الثَّمَنُ، أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ بَعْدَهَا رَجَعَ الْبَائِعُ بِقِيمَةِ شِقْصِهِ، ولَوْ كَانَ الثَّمَنُ مِثْلِيَّاً إِلا النَّقْدَ، فَمِثْلُهُ، ولَمْ يَنْتَقِضْ مَا بَيْنَ الشَّفِيعِ والْمُشْتَرِي. وإِنْ وَقَعَ قَبْلَهَا بَطَلَتْ. وإِنِ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ فِيمَا يُشْبِهُ. قوله: (فَإِنْ هَدَمَ وبَنَى فَلَهُ قِيمَتُهُ قَائِماً، ولِلشَّفِيعِ النُّقْضُ إِمَّا لِغَيْبَةِ شَفِيعِهِ فَقَاسَمَ وَكِيلُهُ، أَوْ قَاضٍ عَنْهُ، أَوْ تَرَكَ لِكَذِبٍ فِي الثَّمَنِ، أَوِ اسْتُحِقَّ نِصْفُهَا) قد عرفت وجه السؤال الوارد هاهنا، وقد انفصل المصنف عنه هنا بخمسة أجوبة: ¬
أولها: أن يكون أحد الشريكين غاب ووكّل فِي مقاسمته شريكه، فباع شريكه نصيبه ثم قاسم الوَكِيل المشتري ولَمْ يأخذ بالشفعة. وثانيها أن يكون [الشفيع] (¬1) غائباً وله وكيل حاضر عَلَى التصرف فِي أمواله، فباع الشريك فلم ير الوَكِيل الأخذ بالشفعة، فقاسم المبتاع، وقد أشار إِلَى هذين معاً بقوله: (إما لغيبة شفيعه فقاسم وكيله). وثالثها: أن يكون شريك البائع غائباً فيرفع المشتري إِلَى السلطان يطلب القسم، والقسم عَلَى الغائب جائز، فقسم عَلَيْهِ بعد الاستقصاء وضرب الأجل ثم لا يبطل ذلك شفعة الغائب، وإليه أشار بقوله: (أو قاض عنه). ورابعها: أن يكون المشتري كذب فِي الثمن، فترك الشفيع الأخذ استغلاءً ثم قاسمه، وإليه أشار بقوله: (أو ترك لكذب فِي الثمن). وخامسها: أن يكون قد اشترى الجميع فأنفق وبنى وغرس ثم استحقّ رجل نصف ذلك مشاعاً، وإليه أشار بقوله: (أو استحقّ نصفها). فالثالث والخامس ذكرهما ابن يونس عن ابن المواز، وباقيها ذكره ابن شاس، وزاد سادساً وهو: أن يقول [106 / ب] وهبت الشِقْص بغير ثواب ولم أشتره فتسقط الشفعة عَلَى إحدى الروايتين فيقاسمه ثم يثبت الشراء (¬2)، فأما جوابا ابن المواز فصحيحان، [إلا أن] (¬3) ابن عَرَفَة قَالَ فِي قسم القاضي: يريد أنّه قسم عَلَيْهِ عَلَى أنّه شريك غائب فقط لا عَلَى أنّه وجبت له الشفعة، ولَو علم ذلك لَمْ يجز له أن يقسم عَلَيْهِ إذ لَو جَازَ قسمه لكان كقسمه هو بنفسه، إذ لا يجوز أن يفعل الحاكم عن غائب إِلا ما يجب عَلَى الغائب فعله، فلو جَازَ قسمه عَلَيْهِ مَعَ علمه بوجوب الشفعة لما كانت له شفعة، ولما تقرر لغائبٍ شفعة لقدرة المشتري عَلَى إبطالها بهذا. ¬
وأما أجوبة ابن شاس فقبلها ابن الحَاجِب (¬1) وابن عبد السلام وابن هارون، واعترضها ابن عَرَفَة بأن الأول إِن كَانَ معناه [أنه] (¬2) وكل فِي مقاسمته شريكه المعين لا فِي مقاسمته مطلق شريك فهذا راجع لأحد جوابي محمد؛ لأنه راجع للقسم عنه لظن القاسم صحته فبان خطؤه [وإِن كَانَ معناه أنّه وكله فِي مقاسمة مطلق شريك فلا شفعة له، فامتنع كونه تصويراً للمسألة، والثاني واضح رجوعه لأحد جوابي محمد أَيْضاً؛ لأنه راجع للقسم عنه لظن القاسم صحته فبان خطؤه] (¬3). والرابع والسادس باطلان فِي أنفسهما؛ لأن كذب المشتري فِي دعوي الثمن الكثير وفِي دعوى الهبة يصيره متعدياً فِي بنائه كغاصب بيده عرصة بنى بها بناءً وهو يدعي أنّه مالك، فبان أنّه غاصب، فحكمه فِي بنائه حكم الغاصب المعلوم غصبه ابتداءً وقد استشكل فِي " التوضيح " هذين الجوابين أَيْضاً فقال: وانظر لَمْ لم يجعل حكم المشتري إِذَا كذب فِي الثمن أو ادعى صدقه ونحوها ثم تبين خلاف ذلك كالمتعدي، ولعله الأَظْهَر فلا يكون له إِلا قيمة النقض، ولعل كلامهم محمول عَلَى ما إِذَا كَانَ بإظهار أكثر من الثمن من غير المشتري ". انتهى (¬4). وهذا المحمل لا يقبله لفظ ابن شاس، ويقبله لفظ المصنف هنا، وزاد أبو الحسن الصغير جوابين آخرين فقال: أو يكون قسم مَعَ رجلٍ زعم أنّه وكيل الغائب أو تكون هذه الدار بين ثلاثة أحدهم غائب، فباع أحد الحاضرين نصيبه فقسم المشتري مَعَ الحاضر يظن أن ليس له لشريك غيره. ¬
كَكَبِيرٍ يَرْغَبُ فِي مُجَاوِرَتِهِ (¬1) وإِلا فَلِلشَّفِيعِ وإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا ورُدَّ إِلَى الْوَسَطِ. قوله: (كَكَبِيرٍ يَرْغَبُ فِي مُجَاوِرَتِهِ) (يرغب) مبني للفاعل، و (مجاورته) بكسر الواو اسم فاعل، وهو كقوله فِي المدونة: إِلا أن يكون مثل هؤلاء الملوك يرغب أحدهم فِي الدار اللاصقة بِهِ (¬2). وإِنْ نَكَلَ مُشْتَرٍ، فَفِي الأَخْذِ بِمَا ادَّعَى أَوِ أَدَّى (¬3) قَوْلانِ، وإِنِ ابْتَاعَ أَرْضاً بِزَرْعِهَا الأَخْضَرِ فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهَا فَقَطْ واسْتَشْفَعَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الزَّرْعِ لِبَقَائِهِ بِلا أَرْضٍ. قوله: (وَإِنْ نَكَلَ مُشْتَرٍ، فَفِي الأَخْذِ بِمَا ادَّعَى أَوِ أَدَّى قَوْلانِ). ليس هذا مفرعاً عَلَى اختلاف المشتري والشفيع بل هو عَلَى اختلاف البائع والمشتري، يظهر بأدنى تأمل، وأشار بِهِ لقول ابن يونس: قَالَ ابن المواز: فإن حلف البائع أنّه باع بمائتين ونكل المبتاع لزمه الشراء بمائتين وأخذها الشفيع بمائة؛ لأنّه الثمن الذي أقرّ بِهِ المشتري، وقَالَ: إِن البائع ظلمه وأخذ ما ليس له. وقَالَ ابن عبد الحكم وأصبغ فِي " الواضحة ": بل يأخذها بمائتين. ابن يونس: لأن المشتري يقول إنما خلصت الشِقْص بهذه المائة الثانية، فصرت كأني ابتدأت الشراء بمائتين، لأني لَو حلفت (¬4) لانتقض البيع ولَمْ تكن للشفيع شفعة. وقَالَ اللخمي: قَالَ أشهب: عند محمد يأخذ الشفيع بمائة؛ لأنه الثمن الذي أقرّ بِهِ المشتري، وقَالَ ابن الماجشون وأصبغ عند ابن حبيب يستشفع بمائتين. ¬
كَمُشْتَرِي قِطْعَةٍ مِنْ جِنَانٍ بِإِزَاءِ جِنَانِهِ لِيَتَوَصَّلَ لَهُ مِنْ جِنَانِ مُشْتَرِيهِ، ثُمَّ اسْتُحِقَّ جِنَانُ الْمُشْتَرِي، ورَدَّ الْبَائِعُ نِصْفَ الثَّمَنِ ولَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ، وخُيِّرَ الشَّفِيعُ أَوَّلاً بَيْنَ أَنْ يَشْفَعَ أَوْ لا فَيُخَيَّرُ الْمُبْتَاعُ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ. قوله: (ثُمَّ اسْتُحِقَّ جِنَانُ الْمُشْتَرِي) هكذا هو فِي جميع النسخ التي رأينا وهو صواب، والجنان - بكسر الجيم - جمع جنة، كقصعة وقصاع. وبالله تعالى التوفيق.
باب القسمة
[باب القسمة] الْقِسْمَةُ تَهَايُؤٌ فِي زَمَنٍ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْراً، وسُكْنَى دَارٍ سِنِينَ كَالإِجَارَةِ، لا فِي غَلَّةٍ، ولَوْ يَوْماً، ومُرَاضَاةٌ فَكَالْبَيْعِ، وقُرْعَةٌ، وهِيَ تَمْيِيزُ حَقٍّ، وكَفَى قَاسِمٌ، لا مُقَوِّمٌ، وأَجْرُهُ بِالْعَدَدِ وكُرِهَ، وقُسِمَ الْعَقَارُ، وغَيْرُهُ بِالْقِيمَةِ، وأُفْرِدَ كُلُّ نَوْعٍ، وجُمِعَ دُورٌ وأَقْرِحَةٌ ولَوْ بِوَصْفٍ، إِنْ تَسَاوَتْ قِيمَةً ورَغْبَةً، وتَقَارَبَتْ كَالْمِيلِ، إِنْ دَعَا إِلَيْهِ أَحَدُهُمْ، ولَوْ بَعْلاً وسَيْحاً، إِلا مَعْرُوفَةً بِالسُّكْنَى، فَالْقَوْلُ لِمُفْرِدِهَا، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً بِخِلافِهِ، وفِي الْعُلْو والسُّفْلِ [65 / ب] تَأْوِيلانِ وأُفْرِدَ كُلُّ صِنْفٍ كَتُفَّاحٍ، إِنِ احْتَمَلَ، إِلا كَحَائِطٍ فِيهِ شَجَرٌ مُخْتَلِفَةٌ، وأَرْضٍ بِشَجَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ. قوله: (تَهَايُؤٌ فِي زَمَنٍ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْراً، وسُكْنَى دَارٍ سِنِينَ كَالإِجَارَةِ، لا فِي غَلَّةٍ، ولَوْ يَوْماً) هذه قسمة المنافع؛ ولهذا قيّدها بالزمن إذ لو (¬1) كانت قسمة رقاب لتأبدت فإن قلت: قد قرر ابن رشد وعياض وابن شاس أن قسمة المهايأة ضربان [مهايأة فِي الأعيان] (¬2) ومهايأة فِي الأزمان (¬3)، فالضرب الأول: [107 / أ] أن يأخذ أحد الشريكين داراً يسكنها، ويأخذ الآخر داراً يسكنها، وهذا أرضاً يزرعها [وهذا أرضاً يزرعها] (¬4)، والضرب الثاني: أن تكون المهايأة فِي عينٍ واحدة بالأزمنة كدارٍ يسكنها هذا شهراً (¬5) وهذا شهراً، أو أرض يزرعها هذا سنة وهذا سنة، وبذلك فسّر فِي " التوضيح " كلام ابن الحَاجِب (¬6)، فما باله هنا اقتصر عَلَى الأزمان دون الأعيان حيث قَالَ (فِي زمن)؟ قلت: وكذلك ينبغي أن يحمل كلامه هنا عَلَى القسمين؛ لأن الزمن المعلوم لابد منه فيهما، وعَلَى هذا فقوله: (كخدمة عبد شهراً) يتناول صورتين إحداهما: أن يكون العبد ¬
الواحد بين الشريكين يستخدمه كل واحد منهما شهراً. والثانية: أن يكون لهما عبدان يستخدم أَحَدهمَا أحد العبدين شهراً والآخر كذلك، ولا تشترط مساواة المدّتين، وإنما يشترط حصرهما، وافهم مثل ذلك فِي السكنى جوازاً وفِي الغلة منعاً. ومما يزيد هذا وضوحاً مناقشة ابن عَرَفَة لعياض إذ قَالَ: وقول عياض: هي ضربان، مقاسمة الزمان، ومقاسمة الأعيان، يوهم عروّ الثاني عن الزمان، وليس كذلك، ومحمله إِن كَانَ المشترك فيه واحداً فتعلّق القسم بالزمان لذاته وإِن كَانَ المشترك فيه متعدداً فتعلق القسم بالزمان [لذاته، وإِن كَانَ المشترك فيه متعدداً فتعلق القسم بالزمان] (¬1) فيه بالعرض؛ لأن متعلقه بالذات بعض آحاد المشترك فيه، ولابد فيه من الزمان، إذ بِهِ يعلم قدر الانتفاع. تنبيهان: الأول: قَالَ الباجي وعبد الوهاب عن المذهب: إنما تجوز قسمة المهايأة [وهي قسمة المنافع بالمراضاة لا بالإجبار والقرعة، وعلى هذا اقتصر ابن عَرَفَة وبه قطع عياض، والذي فِي " المقدمات ": لا تجوز] (¬2) بالسهمة عَلَى مذهب ابن القاسم ولا يجبر عَلَيْهَا من أباها ولا تكون إِلا عَلَى المراضاة. الثاني: قَالَ فِي " المقدمات ": ومن هذا الباب قسمة الحبس للاغتلال فقيل: أنّه يقسم ويجبر عَلَى القسم من أباه وينفذ بينهم إِلَى أن يحدث بينهم من الموت أو الولادة ما يغيره زيادة أو نقصان، واحتجّ من ذهب إِلَى ذلك بقولهم فيمن حبس فِي مرضه عَلَى ولده وولد ولده: أن الحبس يقسم بينهم أعني عَلَى عدد الولد وولد الولد، وبغير ذلك من الظواهر الموجودة فِي مسائلهم، وقيل: أنّه لا يقسم بحال واحتجّ من ذهب إِلَى ذلك بقول مالك فِي " المدونة ": إِن الحبس مما لا يقسم ولا يُجَزَّأ (¬3)، وقيل أنّه لا يقسم إِلا أن يتراضي المحبس عليهم فِي قسمته [قسمة] (¬4) اغتلال، فيجوز ذلك لهم (¬5) ". انتهى. ¬
وقد عزا ابن سهل هذه الأَقْوَال لأشياخ الشورى قَالَ ابن عَرَفَة: والأقرب حمل القسم عَلَى ثمن المنفعة ومنعه عَلَى الربع المحبس نفسه. وجَازَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، إِنْ جُزَّ، وإِنْ لِكَنِصْفِ شَهْرٍ، وأَخْذُ وَارِثٍ عَرْضاً، وآخَرَ دَيْناً، إِنْ جَازَ بَيْعُهُ، وأَخْذُ أَحَدِهِمَا قِطْنِيَّةً، والآخَرِ قَمْحاً. قوله: (وجَازَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، إِنْ جُزَّ، وإِنْ لِكَنِصْفِ شَهْرٍ) لا خفاء أن هذه العبارة جيدة موافقة لقوله فِي " المدونة ": " ولا بأس بقسمة الصوف عَلَى ظهر الغنم إِن جزاه الآن أو إِلَى أيامٍ قريبة يجوز بيعها إليها، ولا يجوز ما بعد (¬1)، وفِي بعض النسخ: إِن لَمْ يجز، وكأنه إصلاح ممن لَمْ يفهم معناه. وَخِيَارُ أَحَدِهِمَا كَالْبَيْعِ، وغَرْسُ أُخْرَى، إِنِ انْقَلَعَتْ شَجَرَتُكَ مِنْ أَرْضِ غَيْرِكَ، إِنْ لَمْ تَكُنْ أَضَرَّ كَغَرْسِهِ بِجَانِبِ نَهْرِكَ الْجَارِي فِي أَرْضِهِ. قوله: (وَخِيَارُ أَحَدِهِمَا كَالْبَيْعِ) أي: فِي قدر زمانه وإلا كَانَ تشبيهاً ضائعاً لغير فائدة. وحُمِلَتْ فِي طَرْحِ كُنَاسَتِهِ عَلَى الْعُرْفِ، ولَمْ تَطْرَحْ عَلَى شَجَرَةٍ (¬2)، إِنْ وَجَدَتْ سِعَةً، وجَازَ ارْتِزَاقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لا شَهَادَتُهُ. وفِي قَفِيزٍ أَخَذَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَيْهِ، [وَالآخَرُ ثُلُثَهُ] (¬3)، لا إِنْ زَادَ كَيْلاً أَوْ عَيْناً، لِدَنَاءَةٍ، وفِي كَثَلاثِينَ قَفِيزاً أَوْ ثَلاثِينَ دِرْهَماً أَخَذَ أَحَدُهُمَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وعِشْرِينَ قَفِيزاً إِنِ اتَّفَقَ الْقَمْحُ صِفَةً. قوله: (وَحُمِلَتْ فِي طَرْحِ كُنَاسَتِهِ عَلَى الْعُرْفِ، ولَمْ تَطْرَحْ عَلَى شَجَرَةٍ، إِنْ وَجَدَتْ) أشار بِهِ لقوله فِي " المدونة ": فإذا كنست نهرك حملت عَلَى سنة البلد فِي طرح الكناسة، فإن كَانَ الطرح بضفتيه لَمْ تطرح ذلك عَلَى أشجارهم إِن أصبت دونها من ضفتيه متسعاً، فإن لَمْ يكن فبين الشجر فإن ضاق عن ذلك طرحت فوق شجرهم إِذَا كانت سنة بلدهم طرح طين النهر عَلَى حافتيه (¬4). أبو الحسن الصغير: وأما إِن لَمْ تكن تلك (¬5) سنتهم فعلى رب النهر حمله إِلَى حيث يطرح. ¬
ووَجَبَتْ غَرْبَلَةُ قَمْحٍ (¬1)، إِنْ زَادَتْ غَلَّتُهُ عَنْ الثُّلُثِ وإِلا نُدِبَتْ. قوله: (وَوَجَبَتْ غَرْبَلَةُ قَمْحٍ، إِنْ زَادَتْ غَلَّتُهُ عَنْ الثُّلُثِ وإِلا نُدِبَتْ) كذا قَالَ ابن رشد فِي رسم شكّ من سماع ابن القاسم من كتاب: " السلطان " ونصه: " وأما غربلة القمح من التبن والغَلْث عند البيع فذلك واجب إِن كَانَ التبن والغَلْث فيه [كثيراً يقع فِي أكثر من الثلث؛ لأن بيعه عَلَى ما هو عَلَيْهِ من الغرر، ومستحب إِذَا كَانَ التبن والغلث فيه] (¬2) يسيراً (¬3). فائدة: يقال الغلث بالغين المعجمة وبالعين المهملة قاله عياض فِي كتاب القسم. فرع: فِي رسم إِن خرجت من سماع عيسى من جامع البيوع قَالَ مالك: لا بأس أن يجعل فِي الخلّ الماء الذي لا يصلح إِلا بِهِ. قَالَ ابن رشد: وكذلك الماء يجعل فِي اللبن [107 / ب] لاستخراج زبده قاله مالك فِي أول رسم من سماع أشهب من كتاب " السلطان " (¬4). وجَمْعُ بَزٍّ، ولَو كَصُوفٍ، وحَرِيرٍ، لا كَبَعْلٍ، وذَاتِ بِئْرٍ أَوْ غَرْبٍ. قوله: (وجَمْعُ بَزٍّ، ولَو كَصُوفٍ، وحَرِيرٍ) معطوف عَلَى فاعل جَازَ، عياض: البز - بفتح الباء - أطلقه فِي الكتاب فِي كلّ ما يلبس كَانَ صوفاً أو خزّاً أو كتّاناً أو قطناً أو حريراً، مخيطاً أو غير مخيط. وثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، إِنْ لَمْ يَجُذَّاهُ كَقَسْمِهِ بِأَصْلِهِ. قوله: (وثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، إِنْ لَمْ يَجُذَّاهُ) كأنه أشار بهذا لمفهوم قوله فِي " المدونة ": ولا بأس بقسمة البلح الصغير بالتحري عَلَى أن يجدّاه مكانهما إِذَا اجتهدا حتى يخرجا من [وجه] (¬5) الخطار، وإِن لَمْ تختلف حاجتهما إليه وإِن اقتسماه وفضل أَحَدهمَا صاحبه بأمر يعرف فضله جَازَ ذلك كما يجوز فِي البلح الصغير بلح نخلة ببلح نخلتين عَلَى أن يجداه ¬
مكانهما (¬1). ولمفهوم قوله قبله (¬2): ولا بأس بقسمة الزرع قبل أن يبدو صلاحه بالتحري عَلَى أن يحصداه مكانهما إِن كَانَ يستطاع أن يعدل بينهما فِي قسمه تحرياً؛ وكذلك القصب والتين، فإن تركا الزرع حتى صار حباً انتقض القسم وقسم ذلك كله كيلاً (¬3). أَوْ قَتَّاً أَوْ زَرْعاً أَوْ فِيهِ فَسَادٌ كَيَاقُوتَةٍ، وكَخَفِينٍ (¬4)، أَوْ فِي أَصْلِهِ بِالْخَرْصِ كَبَقْلٍ إِلا الثَّمَرَ أَوِ الْعِنَبَ إِذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَةُ أَهْلِهِ، وإِنْ بِكَثْرَةِ أَكْلٍ، أَوْ قَلَّ وحَلَّ بَيْعُهُ واتَّحَدَ بِبُسْرٍ ورُطْبٍ لا تَمْرٍ. قوله: (أَوْ قَتَّاً) كذا فِي " المدونة " فِي الزرع (¬5)، وأما الكتان ففي " النوادر " عن سحنون: لا يعتدل قسم الكتان قتاً وزريعته فيه أو بعد زوالها حتى يدق فيقسم (¬6). وعَلَى هذا اقتصر ابن عَرَفَة وزاد: وفِي كون القطن قبل زوال حبّه كذلك نظر، والأحوط منعه. وفِي " النوادر " أَيْضاً قَالَ ابن حبيب: يجوز قسم الكتان قائما لَمْ يجمع وحزماً قد جمع قبل إدخاله الماء وبعد إخراجه وقبل نفضه وبعده عَلَى التعديل (¬7) والتحري أو الرضا بالتفاضل (¬8). وقَالَ اللخمي: قَالَ مالك فِي كتاب ابن حبيب: كل ما يجوز فيه التفاضل فلا بأس بقسمه فِي شجره عَلَى التحري رطباً ويابساً أو بالأرض مصبراً مثل الفواكه الرطبة وثمر البحائر ومثل الكتان والخبط والنوى والتين تحرياً وإِن كَانَ الكتان أو الحناء قائماً قبل أن ¬
يجمع أو بعد ما جمع. قَالَ أبو الحسن الصغير: وانظر هل يقوم جواز قسم الكتان قتا من قوله فِي " المدونة ": وكذلك القصب والتين (¬1). وقُسِمَ بِالْقُرْعَةِ بِالتَّحَرِّي. كَالْبَلَحِ الْكَبِيرِ، وسَقَى ذُو الأَصْلِ. قوله: (كَالْبَلَحِ الْكَبِيرِ) هو كالاستثناء من قوله: (وحل بيعه) وكذا قَالَ: هو فِي كلام ابن الحَاجِب (¬2) قَالَ أبو الحسن الصغير: وقد ناقض بعضهم بينهما قَالَ: ولعلّه؟ إنما شرط الطيب هناك لكونه يجوز تأخيره بعد القسم إِلَى أن يصير تمراً ولا يبطل القسم، وأجاز هنا البلح إِذَا كانوا لا يتركونه إِلَى الطيب، وقبله فِي " التوضيح "، ومما يزيده بياناً أنّه قَالَ هناك فِي " المدونة ": " أراد بعضهم تيْبيسه " (¬3) وهنا إنما قَالَ يأكل هذا بلحاً [ويبيع الآخر بلحاً] (¬4) فلو أراد بعضهم تيبيسه لَمْ يجز قسمه بلحاً. كَبَائِعِهِ الْمُسْتَثْنِي ثَمَرَتَهُ، حَتَّى يُسَلِّمَ. قوله: (كَبَائِعِهِ الْمُسْتَثْنِي ثَمَرَتَهُ) هذا تجوُّز فِي العبارة؛ إذ الحكم يوجب بقاء الثمرة المأبورة للبائع. أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ، إِلا أَنْ يَقِلَّ، أَوْ لَبَنٍ فِي ضُرُوعٍ، إِلا لِفَضْلٍ بَيِّنٍ، أَوْ قَسَمُوا بِلا مَخْرَجٍ مُطْلَقاً، وصَحَّتْ، إِن سَكَتَا عَنْهُ، ولِشَرِيكِهِ الانْتِفَاعُ بِهِ ولا يُجْبَرُ عَلَى قَسْمِ مَجْرَى الْمَاءِ، وقُسِمَ بِالْقِلْدِ. قوله: (أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ، إِلا أَنْ يَقِلَّ) هذا الاستثناء للّخمي قَالَ: لأن هذا مما لابد منه ولا يتفق فِي الغالب أن تكون قيمة الدارين سواء. ابن عَرَفَة: ظاهر الروايات منع التعديل فِي قسم القرعة بالعين. ¬
كَسُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا، ولا يُجْمَعُ بَيْنَ عَاصِبَيْنِ، إِلا بِرِضَاهُمْ، إِلا مَعَ، كَزَوْجَةٍ، فَيُجْمَعُوا أَوَّلاً. قوله: (كَسُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا) قَالَ فِي " المقدمات ": وإِذَا اقتسم الشريكان الدار ولم يشترطا أن يقيما بينهما حاجزاً فلا يحكم بذلك عَلَيْهِمَا، ويقال لمن دعى إِلَى ذلك: استر عَلَى نفسك فِي حظك إِن شئت، وإِن اشترطا ذلك ولم يحدّاه أخذ من نصيب كلّ واحد منهما نصف بناء الجدار، وإِن كَانَ أَحَدهمَا أقلّ نصيباً من صاحبه، وكذلك تكون النفقة بينهما بالسواء إِلَى أن يبلغ مبلغ الستر إِذَا لَمْ يحدا فِي ذلك حداً، ولا اختلاف فِي هذا أعلمه (¬1). انتهى. وانتحله المتيطي: ولَمْ يزد عَلَيْهِ. وقَالَ اللخمي: الصواب أن يجعل كل واحد تحجيراً يستتر بِهِ عن صاحبه، ولا يجوز الرضا بغير تحجير؛ لأن فيه كشفاً لحريمهم فِي تصرفهم ودخول بعضهم عَلَى بعض. انتهى، وأما الجدار بين الرجلين يسقط فحصّل ابن رشد فِي بنائه أربعة أَقْوَال، وتكلّم عَلَيْهِ ابن عَرَفَة فِي باب الشركة. كَذَوِي سَهْمٍ، ووَرَثَةٍ، وكَتَبَ الشُّرَكَاءَ، ثُمَّ رَمَى. قوله: (كَذَوِي سَهْمٍ، ووَرَثَةٍ) أي: كما يجمع أصحاب السهم الواحد إِذَا قاسموا بقية الورثة، ولَو أسقط قوله: (وورثة) ما ضره ذلك. أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ، وأَعْطَى كُلاًّ لِكُلٍّ، ومُنِعَ اشْتِرَاءُ الْخَارِجِ، ولَزِمَ، ونُظِرَ فِي دَعْوَى جَوْرٍ أَوْ غَلَطٍ، وحَلَفَ الْمُنْكِرُ. قوله: (أَوْ كَتَبَ الْمَقْسُومَ، وأَعْطَى كُلاًّ لِكُلٍّ) معطوف عَلَى وصي لا عَلَى كتب الشركاء. فَإِنْ تَفَاحَشَ أَوْ ثَبَتَ نُقِضَتْ. قوله: (فَإِنْ تَفَاحَشَ أَوْ ثَبَتَ نُقِضَتْ) التفاحش ما ظهر لغير أهل (¬2) المعَرَفَة، والثبوت شهادة أهل المعَرَفَة بالتغابن، قاله أبو الحسن الصغير. ¬
كَالْمُرَاضَاةِ إِنْ أَدْخَلا مُقَوِّماً. قوله: (كَالْمُرَاضَاةِ إِنْ أَدْخَلا مُقَوِّماً) كذا قَالَ أبو عمران. وأُجْبِرَ لَهَا كُلٌّ، إِنِ انْتَفَعَ كُلٌّ. قوله: (وَأُجْبِرَ لَهَا كُلٌّ، إِنِ [انْتَفَعَ كُلٌّ] (¬1)) [108 / أ] لما ذكر فِي " التوضيح " ما فيها من الخلاف قَالَ: وقيد الخلاف بوجهين: أَحَدهمَا: أن تكون الدار للقنية أو من ميراث، وإِن كانت للتجارة لَمْ تقسم باتفاق؛ لأن فيها نقصاً للثمن، وهو خلاف ما دخلا عَلَيْهِ. وثانيهما: إِن هذا إنما هو فِي قسمة القرعة، وأما قسمة المراضاة والمهايأة فلا يجبر عَلَيْهِمَا من أباهما، لأنهما راجعان إِلَى البيع والإجارة، ولا يجبر أحد عَلَيْهِمَا. انتهى (¬2)، والثاني ظاهر، والأول قاله اللخمي وألزم عياض مثله فِي [البيع] (¬3)، ويأتي إِن شاء الله تعالى. ولِلْبَيْعِ إِنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مُفْرَدَةً لا كَرَبْعِ غَلَّةٍ أَوِ اشْتَرَى بَعْضاً، وإِنْ وَجَدَ عَيْباً بِالأَكْثَرِ فَلْيَرُدَّهَا. قوله: (ولِلْبَيْعِ إِنْ نَقَصَتْ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مُفْرَدَةً لا كَرَبْعِ غَلَّةٍ أَوِ اشْتَرَى بَعْضاً) ظاهره أنّه يجبر عَلَى [بيع] (¬4) ما لا ينقسم لنقص حصة شريكه مفردة، ولو التزم قدر أداء النقص لشريكه عَلَى أن يبيع مفرداً، فتأمله مَعَ قول اللخمي فِي كتاب الوصايا الأول: ما نصّه: " وإِن أوصي بنيه الصغار إِلَى عبده، فدعا الكبار إِلَى البيع، فإن رضوا ببيع أنصبائهم خاصّة جَازَ، وبقي العبد عَلَى حاله فِي الوصية، وإِن دعوا إِلَى بيع الجميع؛ لأن فِي بيع أنصبائهم بانفرادها بخسا كَانَ ذلك لهم عَلَى قول مالك، إِلا أن يرى أن أخذ بقيته حسن نظر أو يدفع إِلَى الشركاء قدر ذلك البخس فلا يباع عَلَى الصغار أنصباؤهم. " انتهى. ولَمْ يعرج عَلَيْهِ ابن عَرَفَة هنا مَعَ قوة عارضته. ¬
وأما استثناء ربع الغلة فهو قول ابن رشد ونصّه فِي " الأجوبة ": ولا يحكم ببيع ما لا ينقسم إِذَا دعى إِلَى ذلك أحد الأشراك إِلا فيما كَانَ فِي التشارك فيه ضرر بيّن كالدار والحائط، وأما مثل الحمام والرحا وشبه ذلك مما هو للغلة فلا (¬1). قَالَ فِي " التنبيهات ": كَانَ شيخنا القاضي أبو الوليد يذهب فِي رباع الغلات وما لا يحتاج للسكنى والانفراد إِلَى أن من أراد فِي مثل هذا بيع نصيبه أو مقاواته لَمْ يجبر شريكه. بِخِلاف ما يراد للسكنى والانفراد بالمنافع والسكنى فيه؛ لأن رباع الغلة إنما المراد منها الغلة، وقلما يحطّ ثمن بعضها إِذَا بيع عن بيع جملتها، بل ربما كَانَ الراغب فِي شراء بعضها أكثر من الراغب فِي شراء جميعها بِخِلاف دور السكنى، وما يريد أحد الأشراك الاختصاص بِهِ لمنفعة ما ". انتهى. ولابن رشد نسبه ابن عبد السلام بعد ما قرر أن المذهب الإطلاق. وأما ابن عَرَفَة فنقل ما فِي التنبيهات ثم قَالَ: المعروف عادة أن شراء الجملة أكثر ثمناً فِي رباع الغلة وغيرها إِلا أن يكون ذلك عندهم بالأندلس، وإِن كَانَ فهو نادر، ويلزم عَلَى مقتضى قوله أن لا شفعة فيها. انتهى. وجدت بخطّ بلدينا شيخ شيوخنا أبي القاسم ابن حبيب الخريشي المكناسي ناقلاً من كتاب أبي محمد عبد الله التادلي الموضوع عَلَى " المدونة ": [كَانَ الشيخ أبو الحسن اللخمي يفتي بأن الشريك إِذَا قَالَ: أنا أؤدي النقص الذي يناله شريكي فِي بيع نصيبه مفرداً فذلك له ولا مقال لشريكه؛ لأنّ الغلة قد ارتفعت بإزالة الضرر عنه بالنقص الذي يناله فِي بيع نصيبه ". انتهى، ومنه يظهر أنّه لا خصوصية عند اللخمي للعبد الوصي المتقدم الذكر، وإِن كَانَ يحتمل أن يخصّه لئلا يكن عَلَى الإيصاء بالإبطال قال] (¬2): وكَانَ الشيخ عبد الحميد الصائغ يفتي أن الجبر عَلَى البيع إنما هو فيما كَانَ لطيف الثمن كالديار والحوانيت ونحوها، وأما الرباع الكثيرة الأثمان كالفنادق والحمامات التي بيع النصيب فيها أفضل وأرغب عند الناس من شراء جميعها، فإنه لا ينبغي أن يختلف فِي إفراد ¬
بيع نصيبه منها خاصّة إذ لا [ينال شريكه] (¬1) فِي ذلك بخس؛ لأن كثيراً من الناس يرغب فِي شراء النصيب من الحمام والفندق لقلة ثمنه، ولا يرغب فِي شراء جميعه لكثرة ثمنه وتعذره " انتهى ومن تمام كلام عياض وما قاله شيخنا فِي رباع الغلات له وجه من النظر. انتهى. وأما استثناء من اشترى بعضاً فقال فِي التنبيهات: يجب أن يكون هذا الجبر فيما يورث أو اشتراه الأشراك جملة، وفِي صفقة، وأما لَو اشترى كلّ واحدٍ منهم جزءاً مفرداً أو بعضهم بعد بعض لَمْ يجبر أحد منهم عَلَى إجمال البيع مَعَ صاحبه إِذَا دعا إليه؛ لأنه كما اشترى مفرداً لذلك يبيع مفرداً، ولا حجة له هنا فِي بخس الثمن فِي بيع نصيبه مفرداً؛ لأنه كذلك اشترى فلا يطلب الربح فيما اشترى بإخراج شريكه من ماله. انتهى. وعنه نقله ابن عَرَفَة فكأنه لَمْ يسبق إليه، إِلا أنّه قَالَ قبله: والمعروف الحكم ببيع ما لا ينقسم بدعوى شريك فيه لَمْ يدخل عَلَى الشركة، وقيّده غير واحدٍ بنقص ثمن حظه مفرداً عن ثمنه فِي بيع كله. وقَالَ المتيطي فِي كتاب الشفعة: من أوصى بثلثه للمساكين فباع الوصي ثلث أرضه فلا شفعة فيه؛ لأن بيع الوصي له (¬2) كبيع الميت قاله سحنون، وقَالَ غيره فيه الشفعة للورثة. قَالَ ابن الهندي: وهو الأَصَحّ لدخول الضرر عَلَى الورثة، وربما آل ذلك لإخراجه من ملكهم إِذَا دعى مشتريه إِلَى مقاسمتهم ولم يحتمل القسم. ابن عَرَفَة: تعليله نصٌ فِي قبول دعوى البيع ممن دخل عَلَى الشركة. انتهى. ورأيت بخطّ بعض [108 / ب] المحققين، وأظنه شيخ شيوخنا أبا القاسم التازغدري ما نصّه: " طريقة عياض اشتراط اتحاد المدخل فِي دعوى الشريك إِلَى البيع، وطريقة اللخمي خلاف هذا، وأنّه لا يشترط؛ لأنه جعل الأصل فيما جعلت له الشفعة ما لا ينقسم خوف أن يدعو المشتري للبيع، والمشتري إنما دخل وحده، وقد جعله يدعوا إِلَى البيع، وتكرر هذا من كلامه فِي باب: تشافع الورثة والشركاء من كتاب الشفعة ". انتهى. على أن ابن عبد السلام عزا قول عياض للخمي فتأمله. ¬
تنبيه: قد تقدم للخمي أن الاختلاف فِي القسمة الجبرية إنما هو إِذَا كانت الدار ميراثاً أو للقنية، فإن كانت للتجارة لَمْ تقسم قولاً واحداً؛ لأن فيه نقصاً للثمن، وهو خلاف ما دخلا عَلَيْهِ. قَالَ عياض: [فعلى قول اللخمي ما اشترى للتجارة لا يجبر عَلَى قسمه من أباه يجب ألا يجبر من أبي بيعه عَلَيْهِ؛ لأنه عَلَى الشركة] (¬1) دخل فيه حتى يباع جملة فقال ابن عَرَفَة: دخوله عَلَى بيعه جملة مؤكد لقبول دعواه بيعه جملة، فكيف يصحّ قوله: لا يجبر عَلَى البيع من أباه، وإنما يصحّ اعتبار ما دخلا [عليه] (¬2) من شرائه للتجرة إذا اختلفا فِي تعجيل بيعه وتأخيره، والصواب فِي ذلك اعتبار معناه وقت بيع السلعة حسبما ذكره فِي القراض من " المدونة ". انتهى. ومن تمام كلام عياض وما قاله اللخمي فيما اشترى للتجارة صحيح. فرعان: الأول: قَالَ المتيطي فِي البيوع: إِن كانت دار مشتركة بين جماعة، فسكنها بعضهم، وبعضهم خارج عنها، فأراد الخارجون تسويقها وبيعها، وطلبوا إخلاءها لذلك، ودعى ساكنوها إِلَى غرم كرائها عَلَى الإباحة للتسويق، وأبى الخارجون؟ فأفتى ابن عتاب وحكى فتوى شيوخه بإخلائها لذلك إِلا أن يوجد من يكتريها من غير الشركاء بشرط التسويق، وشرط أمن ميله لبعض الشركاء وليس من ناحية بعضهم. وقَالَ أبو عمر بن القطان: بقاء الدور دون كراء ضرر فِي التي يكرى مثلها، والصواب إِن ثبت أن تسويقها للبيع خالية أفضل منه مسكونة وأوفر لثمنها أخليت، وإِلا قيل لهم: تقاووها ليسكنها بعضكم، فإن أبيتم أخليت وأشهرت للكراء بشرط التسويق، وإِذَا وقفت عَلَى ثمن فلمن أراد سكناها منهم أخذها بذلك إِلا أن يزيد عَلَيْهِ بعض من شركه. ابن عبد السلام: وأخبرني بعض قضاة بلدنا أنّه لا يحكم بالإخلاء فِي الحوانيت وشبهها، ويحكم بِهِ فِي الدور ونحوها. ¬
ابن عَرَفَة: وحكاية بعضهم قصر الإخلاء عَلَى الدور هو [مفهوم] (¬1) كلام الأندلسيين. الفرع الثاني: قَالَ ابن عبد السلام: المذهب فِي هذا أن المبيع إِذَا وقف عَلَى ثمن بعد أن سوِّق جميعه، فمن أراد من الشريكين أخذه بذلك الثمن أخذه بِهِ، سواءً كَانَ طالب البيع أو طالب التمسك. وقَالَ الداودي: وعَلَيْهِ حمل مسألة " المدونة " أنّه لا يكون أحقّ بالمبيع منهما إِلا طالب التمسك وحده، ونفى أن يكون أحد قَالَ غير هذا. انتهى. والذي فِي " المدونة ": وإِذَا دعي أحد الشريكين إِلَى قسمة ثوب بينهما لَمْ يقسم، وقيل لهما: تقاوياه فيما بينكما أو بيعاه، فإذا استقر عَلَى ثمن فلمن أبى البيع أخذه، وإِلا بيع (¬2). قال أبو الحسن الصغير: معنى تقاوياه: تزايدا فيه، يريد برضاهما ومعنى " بيعاه ": عرِّضاه للمساومة، وفيها أَيْضاً: وإِذَا دعي أحد الأشراك إِلَى قسم ما ينقسم من ربع أو حيوان أو عرض، وشركتهم بمورث أو غيره أجبر عَلَى القسم من أباه، فإن لَمْ ينقسم ذلك فمن دعا إِلَى البيع أجبر عَلَيْهِ من أباه. ثم للآبي أخذ الجميع بما يعطي فيه. قَالَ ابن عَرَفَة: فأخذوا منها أن ليس لطالب البيع أخذه إِلا بزيادة عَلَى ما وقف عَلَيْهِ من الثمن ومثله قول الباجي: إِن أرادوا المقاواة جَازَ ولا يجبر عَلَيْهَا من أبى، ومن دعي إِلَى البيع أجبر عَلَيْهِ من أبى، وقيل له خذ حظه بما أعطى وإِلا بع معه، ويحتمل أن يكون الشركاء فِي الأخذ بما بلغه المبيع من الثمن سواءً؛ لأن قوله فِي " المدونة ": لمن أبى البيع الأخذ بذلك (¬3)، أعم من كونه أباه أولاً أو أباه حين بلوغه الثمن المذكور، وهو ظاهر قول أبي عمر فِي " كافيه " ما نصّه: وما كَانَ مثل الدابّة والعبد والسفينة وما لا يمكن قسمه بين الشركاء أجبروا عَلَى التقاوي أو البيع، وصاحبه أولى بِهِ بأقصى ما يبلغ فِي النداء إِن أراده (¬4). وذكر عياض ما حاصله: من قصد بدعواه للبيع إخراج شريكه والانفراد بالمبيع عنه فليس له أخذه بما ¬
وقف عَلَيْهِ من الثمن، وإِن لَمْ يقصد ذلك فله أخذه بذلك، قَالَ فِي أول كلامه: أنّه ظاهر مسائلهم. وفِي آخره قاله ابن القاسم، وبِهِ أفتى الشيوخ وعمل القضاة، وفِي لفظه إجمال حاصله عندي ما ذكرته، ففي كون الشريك أحقّ بما بلغ المشترك المبيع [109 / أ] مُطْلَقاً وإِن لَمْ يكن الطالب بيعه. ثالثها: إِن لَمْ يكن قصد إخراج شريكه لأخذ غير واحد منها (¬1) ولأبي عمر ونقل عياض. انتهى. وكأنه عكس عزو الأولين، وما ذكره عن أبي عمر هو نصّه فِي باب جامع القسمة، وقَالَ قبله: وإِن أراد أحدهم البيع وأبى الآخر أجبر الذي أبى البيع عَلَى البيع وقيل له: إما بعت وإما أخذت أنصباء شركائك بما تبلغ من الثمن، فإن امتنع من هذا وذا أجبر عَلَى البيع حتى يحصل الثمن فيتقاسمانه، ولما ذكر المتيطي آخر القسمة نصّ " المدونة " المتقدم اختصره بلفظ: وإِن كَانَ مما لا ينقسم بيع عليهم إِلا أن يريد من كره البيع أن يأخذ ذلك بما يعطي فيه، فيكون ذلك له. ثم قَالَ: قَالَ: الباجي فِي " وثائقه ": ويكون أحقّ بِهِ. قَالَ ابن عبدوس عن سحنون: فإن اختلفوا فِي أخذه بعد بلوغه فِي النداء ثمناً ما فقال بعضهم: أنا آخذ وقال الآخر: أنا آخذ فإنهما يتزايدان. قَالَ غيره فِي " المجموعة " فإن قَالَ بعضهم: نتزايد عَلَيْهِ وقَالَ بعضهم: يقوِّمه بيننا أهل المعَرَفَة والعدل فمن كَانَ دعى إِلَى المزايدة فذلك له. قال بعض الفقهاء: إِذَا طلب أحدهم (¬2) المزايدة والآخر البيع نودي عَلَى السلعة، فإذا بلغت ثمناً كَانَ لصاحب المزايدة أخذها بذلك، إِلا أن يزيد عَلَيْهِ الآخر فيتزايدوا فيها حتى يسلّمها أحدهم لصاحبه بالزيادة فتلزمه. انتهى. وما ذكره عن بعض الفقهاء نقله ابن يونس عن بعض شيوخه آخر باب قسمة الطريق، ولعلّك [لا] (¬3) تجد هذه النقول مجموعة فِي غير هذا التعليق (¬4). وبالله تعالى التوفيق. ¬
فَإِنْ فَاتَ مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ بِكَهَدْمٍ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهُ، ومَا رَدَّ بَيْنَهُمَا، ومَا بِيَدِهِ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ ومَا سَلِمَ بَيْنَهُمَا، وإِلا رَجَعَ بِنِصْفِ الْمَعِيبِ مِمَّا فِي يَدِهِ ثَمَناً، والْمَعِيبُ بَيْنَهُمَا. قوله: (فَإِنْ [فَاتَ] (¬1) مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ بِكَهَدْمٍ رَدَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهُ، ومَا رَدَّ بَيْنَهُمَا) وفِي بعض النسخ: والمعيب بينهما، وكلاهما صحيح، وأما النسخ التي فيها: وما سلم بينهما كاللفظ الذي بعده فتصحّ باعتباره. وإِنِ اسْتُحِقَّ نِصْفٌ أِوْ ثُلُثٌ خُيِّرَ لا رُبُعٌ، وفُسِخَتْ فِي الأَكْثَرِ. قوله: (وإِنِ اسْتُحِقَّ نِصْفٌ أِوْ ثُلُثٌ خُيِّرَ لا رُبُعٌ، وفُسِخَتْ فِي الأَكْثَرِ) ابن يونس: بلغني عن بعض فقهائنا القرويين أنّه قَالَ: الذي يتحصّل عندي فِي وجود العيب أو الاستحقاق يطرأ بعد القسم أن ينظر، فإن كَانَ ذلك كالربع فأقل رجع بحصته ثمنا، وإِن كَانَ نحو النصف والثلث يكون بحصة ذلك شريكا فيما بيد صاحبه ولا ينتقض القسم، وإِن كَانَ فوق النصف انتقض القسم وابتدأه، واستحسن ابن يونس هذا التحصيل وقَالَ: ليس فِي الباب ما يخالفه إِلا مسألة واحدة ذكرها. ولما ذكر عياض اختلاف أجوبة " المدونة " فِي هذه المسألة قَالَ: فبحسب ذلك اختلف فيها المتأولون وحار فيها المتأملون وكثر فيها كلام المدققين، وتعارضت فيها مذاهب المحققين، فذهب المشايخ القرويون إِلَى أن ذلك كلّه تفريق بين البيع والقسمة، فمذهبه المعلوم فِي البيع: أن الثلث فزائداً كثير يرد منه، [وأن القسمة عَلَى ثلاث درجات تستوي فيها مَعَ البيع فِي اليسير الذي لا يردان منه] (¬2)، وذلك الربع فما دونه، وفِي الجلّ الذي يردّ منه البيع ويفسخ القسم ويفترقان فِي النصف والثلث ونحوهما فلا يفسخ عندهم فِي استحقاق النصف أو الثلث، ويكون بذلك شريكاً فيما بيد صاحبه، ثم ذكر ما ينقضه، وهذا نحو نقل ابن يونس. فإن قلت: لَو أن المصنف درج عَلَى هذا ما خصّه بالاستحقاق دون العيب، ولا ذكر ¬
التخيير فِي النصف والثلث بل كَانَ يقطع بأنه يكون بحصة [ذلك شريكاً فيما بيد صاحبه] (¬1)؟ قلت: لعلّه لَمْ يرد خصوصية الاستحقاق دون العيب، وإنما أراد ضابط الأقلّ والأكثر والمتوسط فيهما معاً بالنسبة لهذا الباب، ولعلّه فهم أن قول مشايخ القرويين: إِن كَانَ نحو النصف والثلث يكون بحصة ذلك شريكاً. معناه إِن شاء، وفيه نظر. والله تعالى أعلم. كَطُرُوِّ غَرِيمٍ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِعَدَدٍ عَلَى وَرَثَةٍ، أَوْ عَلَى وَارِثٍ، ومُوصًى [66 / أ] لَهُ بِالثُّلُثِ، والْمَقْسُومُ كَدَارٍ، وإِنْ كَانَ عَيْناً، أَوْ مِثْلِيَّاً، رَجَعَ عَلَى كُلٍّ، ومَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا، وإِنْ دَفَعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ مَضَتْ كَبَيْعِهِمْ بِلا غَبْنٍ، واسْتَوْفَى مِمَّا وَجَدَ ثُمَّ تَرَاجَعُوا، ومَنْ أَعْسَرَ فَعَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَعْلَمُوا، وإِنْ طَرَأَ غَرِيمٌ، أَوْ وَارِثٌ، أَوْ مُوصًى لَهُ عَلَى مِثْلِهِ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِجُزْءٍ عَلَى وَارِثٍ اتَّبَعَ كُلاًّ بِحِصَّتِهِ. قوله: ([كَطُرُوِّ غَرِيمٍ] (¬2) ... إِلَى قوله: اتبع كلّ بحصته) اشتمل عَلَى ثمانية أنواع من الأحد عشر نوعاً التي فِي " المقدمات " (¬3)، وكأنه أسقط الثلاثة لرجوعها للثمانية كما أشار إليه فِي " المقدمات " ورتبها عَلَى ترتيب ابن الحَاجِب لأصولها، وكلام ابن عبد السلام كافٍ فِي أصولها فراجعه. وأُخِّرَتْ، لا دَيْنٌ لِحَمْلٍ، وفِي الْوَصِيَّةِ قَوْلانِ، وقَسَمَ عَلَى صَغِيرٍ أِبٌ، أَوْ وَصِيٌّ ومُلْتَقِطٌ كَقَاضٍ عَنْ غَائِبٍ، لا ذِي شُرْطَةٍ أَوْ كَنَفَ أَخاً، أَوْ أَبٍ عَنْ كَبِيرٍ، وإِنْ غَابَ، وفِيهَا قَسْمُ نَخْلَةٍ، وزَيْتُونَةٍ إِنِ اعْتَدَلَتَا، وهَلْ هِيَ قُرْعَةٌ و [جَازَتْ] (¬4) لِلْقِلَّةِ، أَوْ مُرَاضَاةٌ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: [109 / ب] (وَأُخِّرَتْ، لا دَيْنٌ لِحَمْلٍ، وفِي الْوَصِيَّةِ قَوْلانِ) (لا دَيْنٌ) معطوف عَلَى الضمير فِي أخرت، وأشار بهذا الكلام لقول ابن رشد فِي المسألة الثالثة من سماع أشهب من كتاب القسمة، فقف علي هذه الثلاث مسائل، الدين يؤدى باتفاق ولا ينتظر وضع الحمل [والتركة لا يقسمها الورثة باتفاق حتى يوضع الحمل والوصايا يختلف: هل يعجل ¬
انفاذها قبل وضع الحمل؟] (¬1) أو لا يعجل حتى يوضع الحمل بعد إِن قَالَ: لا أعرف فِي الدين خلافاً إِلا ما ذكر فيه عن بعض الشيوخ من الغلط الذي لا يعدّ من الخلاف. قال: وقد قَالَ الباجي: شهدت ابن أيمن فِي حكم ميّت مات وترك امرأته حاملا أنّه لا يقسم ميراثه ولا يؤدى دينه حتى يوضع الحمل فأنكرت عَلَيْهِ فقال: هذا مذهبنا. ولَمْ يأت ابن أيمن بحجّة، والصحيح: أن يؤدى دينه ولا ينتظر وضع الحمل، ولا يدخل فِي هذا اختلاف قول مالك فِي تنفيذ الوصية قبل وضع الحمل؛ لأن العلّة فِي تأخير تنفيذ الوصية إِلَى أن يوضع الحمل عَلَى قول من رأى ذلك: هي أن بقية التركة قد تتلف فِي حال التوقيف قبل وضع الحمل، فيجب للورثة الرجوع عَلَى الموصى لهم بثلثي ما قبضوا، ولعلّهم معدمون أو غير معينين فلا يجدون عَلَى من يرجعون. وأما تأخير الدين حتى يوضع الحمل فلا علّة توجبه، بل يجب ترك التوقيف وتعجيل أداء الدين مخافة أن يهلك المال فيبطل حقّ صاحب الدين من غير وجه منفعة فِي ذلك للورثة، وإذا وجب أن يقضي دين الغائب مما يوجد له من المال مَعَ بقاء ذمته إِن تلف المال الموجود له كَانَ أحرى أن يؤدى الدين عن الميّت من تركته لوجهين: أَحَدهمَا: أن الميّت قد انقضت ذمته. والثاني: أنّ الحمل لا يجب له فِي التركة حقٌّ حتى يولد حياً ويستهلّ صارخاً، ولَو مات قبل ذلك لَمْ يورث عنه نصيب، والغائب حقّه واجب فِي المال الموجود، ولَو مات ورثه عنه ورثته، فإذا لَمْ ينتظر الغائب مَعَ وجود المال الذي يؤدى منه الدين الآن له كَانَ أحرى أن لا ينتظر الحمل إذ لَمْ يجب له بعد فِي التركة حقّ. ومن قول ابن القاسم فِي " المدونة " وغيرها: أن من أثبت حقا عَلَى صغير قضي له [عَلَيْهِ، ولم يُجعل للصغير وكيل يخاصم عنه فِي ذلك، فإذا قضى عَلَى الصغير] (¬2) بعد وضعه من غير أن يقام له وكيل فلا معنى لانتظار وضع الحمل بتأدية دين الميّت. ¬
وهذا كلّه بيّن لا ارتياب فيه ولا إشكال، وقد نقله ابن عَرَفَة إِلَى قوله: من غير وجه منفعة فِي ذلك للورثة (¬1)، ثم تعقّبه فقال فِي تغليطه ابن أيمن: وقوله: لا حجة له نظر، بل هو الأَظْهَر، وبِهِ العمل عندنا، ودليله من وجهين: الأول: أن الدين لا يجوز قضاؤه إِلا بحكم قاضٍ، وحكمه [متوقف عَلَى ثبوت موت المديان وعدد ورثته، ولا يتقرر عدد ورثته إِلا بوضع الحمل، فالحكم] (¬2) متوقف عَلَيْهِ، وقضاء الدين متوقف عَلَى الحكم، والمتوقف عَلَى متوقف عَلَى أمر متوقف عَلَى ذلك الأمر. الثاني: أن حكم الحاكم بالدين متوقف عَلَى الإعذار لكلّ الورثة، والحمل من جملتهم، ولا يتقرر الإعذار فِي حقّه إِلا بوصيٍ عَلَيْهِ أو مقدم، وكلاهما يستحيل قبل وضعه. فتأمله. ومن تمام كلام ابن رشد: " فإذا توفي الرجل وله زوجة وجب أن لا يعجل قسم الميراث حتى تسأل المرأة هل بها حمل أم لا؟، فإن قالت: أنا حامل وقفت التركة حتى تضع أو يظهر أنها ليس بها حمل بانقضاء أمد عدة الوفاة وليس بها حمل ظاهر، وإِن قالت: لست بحاملٍ قبل قولها وقسمت التركة، وإِن قالت لا أدري أخر قسم التركة حتى يتبين أنها ليس بها [حمل] (¬3)؛ بأن تحيض حيضة، أو يمضي أمد العدة وليس بها ريبة من حمل. قَالَ ابن عَرَفَة: ظاهره أنّه لا يشترط فِي عدة الوفاة فِي ذات الحيض حيضتها فِي العدة، وقد تقدم ما فيه من الخلاف. وفِي بعض التعاليق: أن القاضي ابن زرب بعث إليه القاضي ابن السليم بعَصَبَةِ ميّت وزوجةٍ له، ادعت أنها حامل، وأكذبها العصبة. قَالَ ابن زرب: فقلت لها: اتقي الله، ولا تدّعي الحمل، وليس بك حمل، وربما كانت علة فِي الجوف تسميها الأطباء الرحا، تظن المرأة أنها حامل ولا حمل بها، فقالت: أنا حامل، وما أرسلنا إليك ابن السليم إِلا عَلَى أنّك فقيه لا عَلَى أنك طبيب، فتبسمت ضاحكاً، وعجبت من حدتها، وتمادت عَلَى ادعاء ¬
الحمل إِلَى أن توفي القاضي ابن السليم، ووليت القضاء بعده، وتحاكموا عندي، فأمرت أن ينظرها القوابل، فنظرنها فقلن: لا حمل، فقضيت بقسم الميراث. قيل له: أو يجوز أن يُنظر إِلَى حرّةٍ؟ قَالَ: نعم؛ إِذَا بان اللدد، [110 / أ] وهذه آخر مسألة فِي ديوان ابن عَرَفَة. واسم هذه العلة الرحا مشارك لاسم رحاء الطحن فِي اللفظ، كذا هو فِي " ذخيرة " ثابت ابن [قرة الحرَّاني] (¬1) وغيرها من تصانيف الطب. وقَالَ أبو الوليد طفيل ابن عاصم فِي رجزه: يَعْرُضُ للنساء هذا الداء ... يدعى الرحا، وأصله الحساء [من ورم صلب يرى فِي الرحم] (¬2) وبالله تعالَى التوفيق. ¬
باب القراض
[باب القِرَاضِ] الْقِرَاضُ تَوْكِيلٌ عَلَى تَجْرٍ، فِي نَقْدٍ مَضْرُوبٍ، مُسَلَّمٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ، إِنْ عُلِمَ قَدْرُهُمَا، ولَوْ مَغْشُوشاً، لا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، واسْتَمَرَّ، مَا لَمْ يُقْبَضْ، أَوْ يُحْضِرْهُ، ويُشْهِدْ، ولا بِرَهْنٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ، وإِنْ بِيَدِهِ، ولا بِتِبْرٍ لَمْ يُتَعَامَلْ بِهِ بِبَلَدِهِ كَفُلُوسٍ، وعَرْضٍ، إِنْ تَوَلَّى بَيْعَهُ كَأَنْ وكَّلَهُ عَلَى دَيْنٍ، أَوْ لِيَصْرِفَ، ثُمَّ يَعْمَلَ. قوله: (ولا بِرَهْنٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ، وإِنْ بِيَدِهِ) ظاهره انطباق الإغياء عَلَيْهِمَا معاً، وإنما صرّحوا بِهِ فِي الرهن فيما رأينا، ولَو سلم فإنما ينبغي أن يجعل غاية ما بيد غيره لا ما بيده فيهما معاً، وفِي بعض الحواشي: أن معناه: ولَو كَانَ قائماً بيده لَمْ يفت وفيه بعد. فَأَجْرُ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ، ثُمَّ قِرَاضُ مِثْلِهِ فِي رِبْحِهِ كَلَكَ شِرْكٌ، ولا عَادَةَ، أَوْ مُبْهَمٍ، أَوْ أُجِّلَ، أَوْ ضُمِّنَ، أَوِ اشْتَرِ سِلْعَةَ فُلانٍ، ثُمَّ اتَّجِرْ فِي ثَمَنِهَا، أَوْ بِدَيْنٍ، أَوْ مَا يَقِلُّ، كَاخْتِلافِهِمَا فِي الرِّبْحِ، وادِّعَاءِ مَا لا يُشْبِهُ وفِيمَا فَسَدَ غَيْرُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ كَاشْتِرَاطِ يَدِهِ أَوْ مُرَاجَعَتِهِ أَوْ أَمِيناً عَلَيْهِ، بِخِلافِ غُلامٍ غَيْرِ عَيْنٍ بِنَصِيبٍ لَهُ، وكَأَنْ يَخِيطَ، أَوْ يَخْرِزَ، أَوْ يُشَارِكَ، أَوْ يَخْلِطَ، أَوْ يُبْضِعَ، أَوْ يَزْرَعَ، أَوْ لا يَشْتَرِي إِلَى بَلَدِ كَذَا أَوْ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ، إِنْ أَخْبَرَهُ فَقَرْضٌ. قوله: (فَأَجْرُ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ، ثُمَّ قِرَاضُ مِثْلِهِ ... إِلَى قوله: أو ما يقل) مشتمل عَلَى الصرف والنظائر التسع المنظومة فِي قول بعضهم: لِكُلِّ قِرَاضٍ فَاسِدٍ جَعْلُ مِثْلِهِ ... سِوَى تِسْعَةٍ قَدْ فُصِّلَتْ بِبَيَانِ قِرَاضٌ بِدَيْنٍ أَوْ بِعَرْضٍ ومُبْهَمٍ ... وبِالشِّرْكِ والتَّأْجِيلِ أَوْ بِضَمَانِ ولَا يَشْتَرِي إلَّا بِدَيْنٍ فَيَشْتَرِي ... بِنَقْدٍ وأَنْ يَبْتَاعَ عَبْدَ فُلَانِ وتَتَّجِرْ فِي أَثْمَانِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ ... الصَّمَدْ إنْ عُدَّتْ تَمَامُ ثَمَانِ ولَا تَشْرِ إلَّا مَا يَقِلُّ وُجُودُهُ ... فَيَشْرِي سِوَاهُ اسْمَعْ لِحُسْنِ بَيَانِ كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَإِنَّهُ ... خَبِيرٌ بِمَا يَرْوِي فَصِيحُ لِسَانِ وقد أنشدها فِي " التوضيح " (¬1)، ولما ذكر أبو الحسن الصغير اختصار أبي سعيد فِي ¬
قوله: ومن أخذ قراضاً عَلَى أن يخرج بِهِ إِلَى بلد يشتري منه تجارة فلا خير فيه. قَالَ مالك: يعطيه المال ويقوده كما يقود البعير، وإنما [كره] (¬1) مالك من هذا أن يحجر عَلَيْهِ ألا يشتري إِلَى أن يبلغ ذلك الموضع (¬2)، وقد تقدم ذكر من [أخذ قراضاً] (¬3) على أن يبتاع عبد فلان قَالَ: فِي هذا دليل عَلَى الرجوع فِي الأولى لقراض المثل ". انتهى فلو شاء الناظم إلحاقها بها لقال: وألحق بها ترك الشراء لبلدة ... لحجر بِهِ أضحى مقود جِرَّان (¬4) والجران زمام البعير. عَلَى أن المصنف ذكر هذه بعد. فيما يرجع فيه لأجرة المثل. أَوْ عَيَّنَ شَخْصاً، أَوْ زَمَناً، أَوْ مَحَلاًّ. قوله: (أَوْ عَيَّنَ شَخْصاً، أَوْ زَمَناً، أَوْ مَحَلاًّ) تحرير عجيب فِي أن تعيين الزمان من قبيل ما يترجّح فيه أجرة المثل، كما أن القراض إِلَى أجل من قبيل ما يترجح فيه قراض المثل، وتصور الفرق بينهما جلي. كَأَنْ أَخَذَ مَالاً لِيَخْرُجَ بِهِ لِبَلَدٍ فَيَشْتَرِي، وعَلَيْهِ كَالنَّشْرِ، والطَّيِّ الْخَفِيفَيْنِ، والأَجْرُ إِنِ اسْتَأْجَرَ، وجَازَ جُزْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، ورِضَاهُمَا بَعْدُ عَلَى ذَلِكَ، وزَكَاتُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا وهُوَ لِلْمُشْتَرِطِ، وإِنْ لَمْ تَجِبْ والرِّبْحُ لأَحَدِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا وضَمِنَهُ فِي الرِّبْحِ لَهُ، إِنْ لَمْ يَنْفِهِ، ولَمْ يُسَمِّ قِرَاضاً، وشَرْطُهُ عَمَلُ غُلامِ رَبِّهِ، أَوْ دَابَّتِهِ فِي الْكَثِيرِ، وخَلْطُهُ، وإِنْ بِمَالِهِ، وهُوَ الصَّوَابُ، إِنْ خَافَ بِتَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا رُخْصاً، وشَارَكَ، إِنْ زَادَ مُؤَجَّلاً بِقِيمَتِهِ، وسَفَرُهُ إِنْ لَمْ يَحْجُرْ قَبْلَ شَغْلِهِ، وادْفَعْ لِي، فَقَدْ وَجَدْتُ رَخِيصاً أَشْتَرِيهِ، وبَيْعُهُ بِعَرْضٍ، ورَدُّهُ بِعَيْبٍ، ولِلْمَالِكِ قَبُولُهُ، إِنْ كَانَ الْجَمِيعَ والثَّمَنُ عَيْنٌ، ومُقَارَضَةُ عَبْدِهِ وأَجِيرِهِ، ودَفْعُ مَالَيْنِ، أَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ قَبْلَ شَغْلِ الأَوَّلِ، وإِنْ [66 / ب] بِمُخْتَلِفَيْنِ إِنْ شَرَطَا خَلْطاً، أَوْ شَغَلَهُ، وإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ كَنُضُوضِ الأَوَّلِ، إِنْ سَاوَى، واتَّفَقَ جُزْؤُهُمَا، واشْتِرَاءُ رَبِّهِ مِنْهُ إِنْ صَحَّ، واشْتِرَاطِهِ أَنْ لا يَنْزِلَ وَادِياً، أَوْ يَمْشِيَ بِلَيْلٍ، أَوْ بِبَحْرٍ، أَوْ يَبْتَاعَ سِلْعَةً، وضَمِنَ. ¬
قوله: (كَأَنْ أَخَذَ مَالاً لِيَخْرُجَ بِهِ لِبَلَدٍ فَيَشْتَرِي) الظاهر أنّه تكرار مَعَ قوله: (أو لا يشتري إِلَى بلد) وقد وقع فِي بعض النسخ: أو لا يشتري إِلا ببلد. بأداة الاستثناء، وكأنه فرار من التكرار. إِنْ خَالَفَ كَأَنْ زَرَعَ أَوْ سَاقَى بِمَوْضِعِ جَوْرٍ لَهُ، أَوْ حَرَّكَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَيْناً، أَوْ شَارَكَ وإِنْ عَامِلاً أَوْ بَاعَ بِدَيْنٍ، أَوْ قَارَضَ بِلا إِذْنٍ وغَرِمَ لِلْعَامِلِ الثَّانِي، إِنْ دَخَلَ عَلَى أَكْثَرَ. قوله: (كَأَنْ زَرَعَ أَوْ سَاقَى بِمَوْضِعِ جَوْرٍ لَهُ) كذا فِي كثير من النسخ بإثبات لفظة (له) أي: للزرع أو المساقاة خاصّة، كأنه احترز مما إِذَا كَانَ الجور عاماً فِي كلّ سبب ومتجر، هذا معنى ما فِي بعض الحواشي، ولم أر من قيّد الجور هنا بهذا القيد، ولعل لفظ (له) كَانَ فِي المبيضة ملحقا بعد قوله بعد هذا: (أو شارك وإِن عاملاً)، فوضعه الكاتب هنا. كَخُسْرِهِ، وإِنْ قَبْلَ عَمَلِهِ والرِّبْحُ لَهُمَا كَكُلِّ آخِذِ مَالٍ لِلتَّنْمِيَةِ فَتَعَدَّى، لا إِنْ نَهَاهُ عَنِ الْعَمَلِ قَبْلَهُ. قوله: (كَخُسْرِهِ، وإِنْ قَبْلَ عَمَلِهِ) إطلاق الخسر عَلَى ما قبل عمله مجاز، وفِي بعض الحواشي أن الإغياء راجع لقوله: (إِن خالف) وفيه نظر. ولَوْ (¬1) جَنَى كُلٌّ، أَوْ أَخَذَ شَيْئاً فَكَأَجْنَبِيٍّ، ولا يَجُوزُ اشْتِرَاؤُهُ مِنْ رَبِّهِ، أَوْ بِنَسِيئَةٍ، وإِنْ أَذِنَ، أَوْ بِأَكْثَرَ، ولا أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِهِ، إِنْ كَانَ الثَّانِي يَشْغَلُهُ عَنِ الأَوَّلِ، ولا بَيْعُ رَبِّهِ سِلْعَةً بِلا إِذْنٍ، وجبرَ خُسْرُهُ. قوله: (وَلَوْ جَنَى كُلٌّ، أَوْ أَخَذَ شَيْئاً فَكَأَجْنَبِيٍّ) كذا فِي بعض النسخ، وهو مطابق للفظ ابن الحَاجِب (¬2)، وفِي بعضها أو جنى بالعطف، والخطب سهل. ومَا تَلِفَ وإِنْ قَبْلَ عَمَلِهِ، إِلا أَنْ يُقْبَضَ. قوله: (وَمَا تَلِفَ وإِنْ قَبْلَ عَمَلِهِ) إطلاق التلف عَلَى ما قبل العمل لا مجاز فيه بِخِلاف الخسر. ¬
وَلَهُ الْخَلَفُ. قوله: (ولَهُ الْخَلَفُ) ضمير (له) عائد عَلَى ربّ المال لا عَلَى العامل، وأشار بِهِ لقوله فِي " المدونة ": وإِذَا اشترى العامل سلعة ثم ضاع المال خيّر ربه فِي دفع ثمنها عَلَى القراض (¬1)، وهو خلاف ما نقل اللخمي عن المغيرة: أنّ ربّ المال يلزمه خلفه. وإِنْ تَلِفَ جَمِيعُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْخَلْفُ ولَزِمَتْهُ السِّلْعَةُ، وإِنْ تَعَدَّدَ فَالرِّبْحُ كَالْعَمَلِ، وأَنْفَقَ، إِنْ سَافَرَ ولَمْ يَبْنِ بِزَوْجَتِهِ، واحْتَمَلَ الْمَالُ لِغَيْرِ أَهْلٍ، وحَجٍّ، وغَزْوٍ بِالْمَعْرُوفِ فِي الْمَالِ، واسْتَخْدَمَ، إِنْ تَأَهَّلَ، لا دَوَاءٍ، واكْتَسَى، إِنْ بَعُدَ، ووُزِّعَ، إِنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ، وإِنْ بَعْدَ أَنِ اكْتَرَى. أَوْ تَزَوَّدَ. وإِنِ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ عَالِماً عَتَقَ عَلَيْهِ، إِنْ أَيْسَرَ. قوله: (وإِنْ تَلِفَ جَمِيعُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْخَلْفُ) كذا فِي النسخ التي وقفنا عَلَيْهَا، ولعلّ صوابه لَمْ يلزمه الجبر، وضمير المفعول للعامل، فيكون مطابقاً لقول ابن الحَاجِب: أما لَو اشترى بجميعه فتلف قبل إقباضه فأخلفه لَمْ يجبر التالف (¬2)، وقد قَالَ فِي " المدونة ": وإِن نقد [110 / ب] فيها رب المال كَانَ ما نقدا؛ لأن رأس ماله دون الذاهب (¬3). ابن يونس: إنما قَالَ ذلك ولَمْ يضفه إِلَى رأس المال الأول؛ لأنه لما ضاع رأس المال الأول كله انقطعت المعاملة بينهما، فإن دفع إليه الآن ربّ المال شيئاً فهو كابتداء [قراض] (¬4)، ولو أنّه إنما ضاع بعض المال فأتمّ له ربّ المال بقية ثمن السلعة فها هنا يكون رأس المال جميع ما دفعه إليه أولاً وآخراً، ولا يسقط ما ذهب؛ لأن المعاملة بينهما بعد قائمة لَمْ يتفاضلا فيها، فهو بِخِلاف ذهاب المال. اللخمي: فإن ضاعت خمسون أي: ورأس المال مائة كَانَ صاحب المال [بالخيار] (¬5) بين أن يخلفها ويكون رأس مال القراض مائة وخمسين أو لا يخلفها ويغرم ذلك العامل، ويكون شريكاً فيها بالنصف، وقف عَلَى تمام تفريعه فِي ¬
" تبصرته "، وظاهر كلام المصنف عَلَى ما فِي النسخ: أنّه إِذَا تلف جميعه لَمْ يلزم العامل قبول الخلف؛ لأنه قراض مؤتنف وهو جار مَعَ قوله: (ولزمته) فتأمله مَعَ تعليل ابن يونس المتقدم. وإِلا بِيعَ بِقَدْرِ ثَمَنِهِ ورِبْحِهِ قَبْلَهُ، وعَتَقَ بَاقِيهِ، وغَيْرَ عَالِمٍ، فَعَلَى رَبِّهِ، ولِلْعَامِلِ رِبْحُهُ فِيهِ. قوله: (وإِلا بِيعَ بِقَدْرِ ثَمَنِهِ) عبارة غيره: بقدر رأس المال، وهو أبين. ومَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وعَلِمَ عَتَقَ بِالأَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ ثَمَنِهِ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ فَضْلٌ، وإِلا فَبِقِيمَتِهِ، إِنْ أَيْسَرَ فِيهِمَا، وإِلا بِيعَ بِمَا وَجَبَ، وإِنْ أَعْتَقَ مُشْتَرًى لِلْعِتْقِ غَرِمَ ثَمَنَهُ ورِبْحَهُ. قوله: (ولَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ فَضْلٌ) هذا المشهور فِي الموسر كما نقل فِي " التوضيح " (¬1). ولِلْقِرَاضِ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ، إِلا رِبْحَهُ، فَإِنْ أَعْسَرَ بِيعَ مِنْهُ بِمَا لِرَبِّهِ، وإِنْ وَطِئَ أَمَةً قَوَّمَ رَبُّهَا، أَوْ أَبْقَى، إِنْ لَمْ تَحْمِلْ، فَإِنْ أَعْسَرَ اتَّبَعَهُ بِهَا، وبِحِصَّةِ الْوَلَدِ، أَوْ بَاعَ لَهُ بِقَدْرِ مَالِهِ، وإِنْ أَحْبَلَ مُشْتَرَاةً لِلْوَطْءِ فَالثَّمَنُ، واتُّبِعَ بِهِ، إِنْ أَعْسَرَ، ولِكُلٍّ فَسْخُهُ قَبْلَ عَمَلِهِ. قوله: (ولِلْقِرَاضِ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ، إِلا [رِبْحَهُ] (¬2)) هكذا فِي بعض النسخ: إِلا ربحه، بأداة الاستثناء لا بواو العطف، وهو الصواب، والضمير فِي ربحه للعامل، وأشار بِهِ لقول ¬
صاحب " المقدمات ": وإِن كَانَ موسراً فاشتراه للقراض ثم أعتقه عتق عَلَيْهِ وغرم لربّ المال قيمته يوم العتق إِلا قدر حظه منها إِن كَانَ فيه فضل (¬1). كَلِرَبِّهِ (¬2) إِنْ تَزَوَّدَ لِسَفَرٍ ولَمْ يَظْعَنْ، وإِلا فَلِنُضُوضِهِ، وإِنِ اسْتَنَضَّهُ فَالْحَاكِمُ، وإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ الأَمِينِ أِنْ يُكَمِّلَهُ، وإِلا أَتَى بِأَمِينٍ كَالأَوَّلِ، وإِلا سَلَّمُوا هَدْراً. وَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ فِي تَلَفِهِ وخُسْرِهِ، ورَدِّهِ إِنْ قُبِضَ بِلا بَيِّنَةٍ، أَوْ قَالَ قِرَاضٌ، ورَبُّهُ بِضَاعَةٌ بِأَجْرٍ، أَوْ عَكْسُهُ، أَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبَ، أَوْ قَالَ أَنْفَقْتُ مِنْ غَيْرِهِ، وفِي جُزْءِ الرِّبْحِ إِنِ ادَّعَى مُشْبِهاً، والْمَالُ بِيَدِهِ ووَدِيعَةٌ، وإِنْ لِرَبِّهِ، ولِرَبِّهِ إِنِ ادَّعَى الشَّبَهَ فَقَطْ، أَوْ قَالَ قَرْضٌ فِي قِرَاضٍ، أَوْ وَدِيعَةٌ. قوله: (كَلِرَبِّهِ إِنْ تَزَوَّدَ لِسَفَرٍ ولَمْ يَظْعَنْ) كذا كتبه بعضهم بإسقاط واو النكاية لئلا يكون فيه بعض التكرار مَعَ قوله: (ولكل فسخه قبل عمله) أَوْ فِي جُزْءٍ قَبْلَ الْعَمَلِ مُطْلَقاً، وإِنْ قَالَ وَدِيعَةً ضَمِنَهُ الْعَامِلُ، إِنْ عَمِلَ، ولِمُدَّعِي الصِّحَّةِ ومَنْ هَلَكَ وقَبِلَهُ كَقِرَاضٍ أُخِذَ، وإِنْ لَمْ يُوجَدْ وحَاصَّ [67 / أ] غُرَمَاءَهُ، وتَعَيَّنَ بِوَصِيَّةٍ، وقُدِّمَ فِي الصِّحَّةِ والْمَرَضِ، ولا يَنْبَغِي لِعَامِلٍ هِبَةٌ، أَوْ تَوْلِيَةٌ، ووَسَّعَ أَنْ يَأْتِيَ بِطَعَامٍ كَغَيْرِهِ، إِنْ لَمْ يَقْصِدِ التَّفَضُّلَ، وإِلا فَلْيَتَحَلَّلْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُكَافِئْهُ. قوله: (أَوْ فِي جُزْءٍ قَبْلَ الْعَمَلِ مُطْلَقاً) أي: أشبه أم لا. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب المساقاة
[باب المساقاة] إِنَّمَا تَصِحُّ مُسَاقَاةُ شَجَرٍ وإِنْ بَعْلاً ذِي ثَمَرٍ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ. قوله: (ذِي ثَمَرٍ) أخرج بِهِ الشجر الذي لَمْ يبلغ حدّ الإطعام كالودي، فإن مساقاته غير جائزة حسبما صرّح بِهِ اللخمي، وسيقول فِي الممنوعات: أو شجر لَمْ تبلغ خمس سنين، وهي تبلغ أثناءها. ولَمْ يُخْلِفْ. قوله: (ولَمْ يُخْلِفْ) مضموم الأول مكسور الثالث؛ إذ هو رباعي. قَالَ الجوهري: وأخلف النبات أي: أخرج الخلفة. إِلا تَبَعاً، بِجُزْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، شَاعَ وعُلِمَ بِسَاقَيْتُ. قوله: (إِلا تَبَعاً) ينبغي أن يكون منطبقاً عَلَى قوله: (لَمْ يحل بيعه ولم يخلف)، أما الثاني فظاهر من لفظه؛ لاتصاله بِهِ، وهو منصوص فِي الموز فِي رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب: المساقاة ونصّه: " سئل مالك عن الرجل يساقي النخل، وفيها شيءٌ من الموز الثلث أو دون ذلك؟ فقال: إنّي أراه خفيفاً. " قَالَ سحنون: إِن كَانَ الموز مساقاً مَعَ النخل جَازَ، وإن اشترطه العامل لَمْ يحلّ. قال ابن رشد: قول سحنون مفسرٌ لقول مالك (¬1). وأما الأول فهو الذي تعرّض له ابن الحَاجِب إذ قَالَ: ويغتفر طيب نوع يسير منه (¬2). أي: إِذَا كَانَ فِي الحائط أنواع مختلفة حلّ بيع بعضها، فإن كَانَ الذي أزهى منه الأقل جازت المساقاة، وإِلا فلا تجوز فيه ولا فِي غيره، كذا حكى الباجي عن " الموازية "، وحكى عنها اللخمي المنع. قَالَ ابن عبد السلام: ولعلّ معناه أن يكون كلّ واحدٍ من النوعين ما طاب، وما لَمْ يطب كثيراً وقبله فِي " التوضيح " وزاد: أما لَو كَانَ الحائط كلّه نوعاً واحداً أو طاب بعضه فلا تجوز مساقاته؛ لأن بطيب ¬
البعض يجوز البيع. قاله ابن يونس وغيره، ومنه احترز ابن الحَاجِب بقوله: (نوع) (¬1) وجزم ابن عَرَفَة بأن نقل الباجي خلاف نقل اللخمي. ولا نَقْصِ مَنْ فِي الْحَائِطِ ولا تَجْدِيدٍ، ولا زِيَادَةٍ لأَحَدِهِمَا، وعَمِلَ الْعَامِلُ جَمِيعَ مَا يُفْتَقَرُ إِلَيْهِ عُرْفاً كَإِبَّارٍ، وتَنْقِيَةٍ، ودَوَابَّ وأُجَرَاءَ، وأَنْفَقَ، وكَسَا، لا أُجْرَةُ مَنْ كَانَ فِيهِ، أَوْ خَلَفُ مَنْ مَاتَ، أَوْ مَرِضَ. قوله: (ولا نَقْصِ مَنْ [فِي] (¬2) الْحَائِطِ) كأنه وما عطف عَلَيْهِ من المنفيات جمل حالية، ويحتمل غير ذلك مما فيه قلق. لا مَا (¬3) رَثَّ عَلَى الأَصَحِّ كَزَرْعٍ، أَوْ قَصَبٍ، وبَصَلٍ، ومَقْثَأَةٍ، إِنْ عَجِزَ رَبُّهُ، وخِيفَ مَوْتُهُ، وبَرَزَ، ولَمْ يَبْدُ صَلاحُهُ، وهَلْ كَذَلِكَ الْوَرْدُ ونَحْوُهُ والْقُطْنُ؟ أَوْ كَالأَوَّلِ وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ تَأْوِيلانِ. وأُقِّتَتْ بِالْجِذَاذِ، وحُمِلَتْ عَلَى الأَوَّلِ، إِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ثَانٍ، وكَبَيَاضِ نَخْلٍ، أَوْ زَرْعٍ، إِنْ وَافَقَ الْجُزْءَ وبَذَرَهُ الْعَامِلُ، وكَانَ ثُلُثاً بِإِسْقَاطِ كُلْفَةِ الثَّمَرَةِ وإِلا فَسَدَ كَاشْتِرَاطِهِ رَبَّهُ، وأُلْغِيَ لِعَامِلٍ، إِنْ سَكَتَا عَنْهُ، أَوِ اشْتَرَطَهُ، ودَخَلَ شَجَرٌ تَبِعَ زَرْعاً، وجَازَ زَرْعٌ وشَجَرٌ وإِنْ غَيْرَ تَبَعٍ، وحَوَائِطَ، وإِنِ اخْتَلَفَتْ بِجُزْءٍ، إِلا فِي صَفَقَاتٍ وغَائِبٍ إِنْ وُصِفَ، ووَصَلَهُ قَبْلَ طِيبِهِ، واشْتِرَاطِ جُزْءِ الزَّكَاةِ [عَلَى أَحَدِهِمَا] (¬4) وسِنِينَ مَا لَمْ تَكْثُرْ جِدَّاً بِلا حَدٍّ، أَوْ عَامِلٍ دَابَّةً أَوْ غُلاماً فِي الْكَبِيرِ، وقَسْمُ الزَّيْتُونِ حَبَّاً كَعَصْرِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وإصْلاحِ جِدَارٍ، وكَنْسِ عَيْنٍ، وسَدِّ حَظِيرَةٍ، وإِصْلاحِ ضَفِيرَةٍ أَوْ مَا قَلَّ، وتَقَابُلُهُمَا هَدْراً، ومُسَاقَاةُ الْعَامِلِ آخَرَ ولَوْ أَقَلَّ أَمَانَةً، وحُمِلَ عَلَى ضِدِّهَا، وضَمِنَ. فَإِنْ عَجَزَ ولَمْ يَجِدْ: أَسْلَمَهُ هَدْراً ولَمْ تَنْفَسِخْ بِفَلَسِ رَبِّهِ وبِيعَ: مُسَاقًى ومُسَاقَاةُ وَصِيٍّ ومَدِينٍ بِلا حَجْرٍ ودَفْعُهُ لِذِمِّيٍّ لَمْ يَعْصِرْ حِصَّتَهُ خَمْراً لا مُشَارَكَةُ رَبِّهِ أَوْ إِعْطَاءُ أَرْضٍ لِتُغْرَسَ فَإِذَا بَلَغَتْ كَانَتْ مُسَاقَاةً أَوْ شَجَرٍ لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَ سِنِينَ وهِيَ تَبْلُغُ أَثْنَاءَهَا وفُسِخَتْ فَاسِدَةً بِلا عَمَلٍ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مُنْ أِكْثِرِ: إِنْ وِجِبِتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قوله: (لا مَا رَثَّ عَلَى الأَصَحِّ) كذا فِي بعض النسخ بالنفي أي: لا خلف ما رثّ، وهو ¬
صحيح، وفِي بعضها (كما رثّ) بالتشبيه، وعَلَى هذا فمن حقه أن يذكره قبل قوله: (لا أجره). (¬1) وبَعْدَهُ أُجْرَةُ مثله (¬2) إِنْ خَرَجَا عَنْهَا، كَأَنِ ازْدَادَ عَيْناً، أَوْ عَرْضاً، وإِلا فَمُسَاقَاةُ الْمِثْلِ كَمُسَاقَاتِهِ مَعَ ثَمَرٍ أَطْعَمَ، أَوْ مَعَ بَيْعٍ، أَوِ اشْتَرَطَ عَمَلَ رَبِّهِ، أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ غُلامٍ، وهُوَ صَغِيرٌ، أَوْ حَمْلَهُ لِمَنْزِلِهِ، أَوْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةً آخْرَ، أَوِ اخْتَلَفَ الْجُزْءُ سِنِينَ وحَوَائِطَ كَاخْتِلافِهِمَا، ولَمْ يُشْبِهَا. وإِنْ سَاقَيْتَهُ أَوْ أَكْرَيْتَهُ (¬3). فَأَلْفَيْتَهُ سَارِقاً [67 / ب] لَمْ تَنْفَسِخْ، والتَّحَفُّظْ (¬4) مِنْهُ كَبَيْعِهِ مِنْهُ، ولَمْ يَعْلَمْ بِفَلَسِهِ، وسَاقِطُ النَّخْلِ كَلِيفٍ كَالثَّمَرَةِ، والْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ، وإِنْ قَصَّرَ عَامِلٌ عَمَّا شُرِطَ حُطَّ بِنِسْبَتِهِ. قوله: (وَبَعْدَهُ أُجْرَةُ مِثْلِه) أي وبعد الشروع فِي العمل. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الإجارة
[باب الإجارة] صِحَّةُ الإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ وأَجْرٍ كَالْبَيْعِ وعُجِّلَ إِنْ عُيِّنَ، أَوْ بِشَرْطٍ، أَوْ عَادَةٍ، أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ لَمْ يَشْرَعْ إِلا كِرَاءُ حَجٍّ فَالْيَسِيرَ وإِلا فَمُيَاوَمَةً، وفَسَدَتْ إِنِ انْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ كَمَعَ جُعْلٍ لاَ بَيْعٍ. قوله: (أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ) [111 / أ] أي فِي منافع مضمونة. وَكَجِلْدٍ لِسَلاَّخٍ. قوله: (وكَجِلْدٍ لِسَلاَّخٍ) كذا قَالَ ابن شاس (¬1)، فقال ابن عَرَفَة: الجلد جار عَلَى ما تقدّم فِي بيعه، وكذا فِي " التوضيح "، ودخل تحت الكاف اللحم (¬2)، وقد صرّح فِي " المدونة ": أنّه لا تجوز الإجارة عَلَى سلخ شاةٍ بشيءٍ من لحمها (¬3). ونُخَالَةٍ لِطَحَّانٍ. قوله: (ونُخَالَةٍ لِطَحَّانٍ) كذا قَالَ ابن شاس (¬4)، فقال ابن عبد السلام: إنما امتنعت للجهل بقدرها؛ لأنه كالجزاف غير المرئي وبيعه كذلك لا يجوز، ولَو كَانَ كيلاً بأن يقول: اطحنه ولك صاع من نخالته، فيحتمل أن يتخرّج عَلَى القولين فِي الدقيق، ويحتمل الجواز عَلَى القولين؛ لأن صفة الدقيق قد تختلف ولا تختلف صفة النخالة غالباً، والنفس أميل إِلَى المساواة بين الدقيق والنخالة؛ لأن من الطحن ما تخرج نخالته كثيرة الأجزاء، ومنه ما لا تخرج كذلك، وقبله فِي " التوضيح "، وزاد: وعَلَى هذا فلا يجوز ما يفعل عندنا بمصر فِي طحن العامّة؛ لأنهم يعطون الطحّان أجرة معلومة والنخالة وهي مجهولة. وأما ابن عَرَفَة فلم يزد عَلَى أن قَالَ: النخالة تجري عَلَى الخلاف فِي الدقيق، وقَالَ البرزلي: ونظيره دخول المعصرة بالفيتور لا يجوز إِلا أن يكون قدراً معلوماً. ¬
وجُزْءِ ثَوْبٍ لِنَسَّاجٍ. قوله: (وجُزْءِ ثَوْبٍ لِنَسَّاجٍ) احترز بجزء الثوب من جزء الغزل، فإنه جائز، وبهذا فسّر فِي " توضيحه " كلام ابن الحَاجِب (¬1). أَوْ رَضِيعٍ. قوله: (أَوْ رَضِيعٍ) أشار بِهِ لقول ابن الحَاجِب: ولَو أرضعته بجزءٍ من الرضيع الرقيق بعد الفطام لَمْ يجز (¬2). قَالَ ابن عَرَفَة: هذه مثل مسألة " المدونة " فِي تعليم العبد بنصفه (¬3)، ولا أعرفها بشخصها فِي الرضاع لأهل المذهب، بل للغزالي فِي " الوجيز ". انتهى. وكأنه لَمْ يقف عَلَى قول ابن رشد فِي " مختصر المبسوطة ": سئل ابن كنانة عن الرجل يعطي فصيله لمن يغذيه بناقته، ويكون الفصيل بينهما؟ فقال: لا بأس بذلك إِذَا ابتذله ساعة يدفعه له. وقَالَ ابن القاسم: لا خير فيه. وإِنْ مِنَ الآنَ. قوله: (وإِنْ مِنَ الآنَ) خاص بمسألة الرضيع، وهو خلاف قول ابن الحَاجِب بعد الفطام (¬4)؛ لكنه اعتمد عَلَى قول أبي محمد فِي مسألة " المدونة " المذكورة، ولَو كَانَ الشرط فيه أن يقبض المعلِّم نصفه الآن عَلَى أن يعلمه سنة لَمْ يجز. قَالَ ابن عبد السلام: ولعلّ سبب ذلك أن الصبي لما كَانَ مما يتعين ولَو تعذر تعليمه بموتٍ أو غير ذلك لَمْ يلزم ربه خلفه، صار نقد الأجرة فيه كالنقد فِي الأمور المحتملة بشرط، وعَلَى هذا التقدير فسواء كانت الأجرة جزءاً منه أو غير ذلك، ويشاركه فِي هذا مسألة الرضيع. ¬
وبِمَا سَقَطَ، أَوْ خَرَجَ فِي نَفْضِ زَيْتُونٍ، أَوْ عَصْرِهِ. قوله: (وبِمَا سَقَطَ، أَوْ خَرَجَ فِي نَفْضِ زَيْتُونٍ، أَوْ عَصْرِهِ) هذا تلفيف، والمسألتان فِي " المدونة " (¬1)، قَالَ ابن يونس: ولَو قَالَ انفضه كله ولك نصفه جَازَ. كَاحْصُدْ وادْرُسْ ولَكَ نِصْفُهُ وكِرَاءِ الأَرْضِ بِطَعَامٍ أَوْ بِمَا تُنْبِتُهُ إِلا كَخَشَبٍ وحَمْلِ طَعَامٍ لِبَلَدٍ بِنِصْفِهِ إِلا أَنْ يَكُونَ يَقْبِضُهُ الآنَ وكَإِنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ بِكَذَا، وإِلا فَبِكَذَا. قوله: (كَاحْصُدْ وادْرُسْ ولَكَ نِصْفُهُ) العطف بالواو تنبيه عَلَى أن المراد الجمع بين الأمرين. واعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي فَمَا حَصَلَ فَلَكَ نِصْفُهُ. قوله: (واعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي فَمَا حَصَلَ فَلَكَ نِصْفُهُ) أي فما حصل من ثمنٍ أو أجرة بدلالة قوله بعد: (وَجَازَ بِنِصْفِ مَا يُحْتَطَبُ عَلَيْهَا) وهُوَ لِلْعَامِلِ، وعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا، عَكْسُ لِتُكْرِيهَا، وكَبَيْعِهِ نِصْفاً بِأَنْ يَبِيعَ نِصْفاً، إِلا بِالْبَلَدِ، إِنْ أَجَّلا ولَمْ يَكُنِ الثَّمَرُ مِثْلِيَّاً. وَجَازَ بِنِصْفِ مَا يُحْتَطَبُ عَلَيْهَا وصَاعِ دَقِيقٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْ زَيْتٍ لَمْ يَخْتَلِفْ، واسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ مِنْهُ وتَعْلِيمُهُ بِعَمَلِهِ سَنَةً مِنْ أَخْذِهِ واحْصُدْ هَذَا ولَكَ نِصْفُهُ ومَا حَصَدْتَ فَلَكَ نِصْفُهُ وإِجَارَةُ دَابَّةٍ لِكَذَا عَلَى إِنِ اسْتَغْنَى فِيهَا حَاسَبَ. قوله: (ومَا حَصَدْتَ فَلَكَ نِصْفُهُ) أشار بِهِ لقوله فِي " المدونة ": وإِن قَالَ: فما حصدت أو لقطت فلك نصفه جَازَ، وله الترك متى شاء؛ لأنه جُعْلٌ، وكذا أو جذذت (¬2). زاده اللخمي بِخِلاف ما سقط من النفض وما خرج من العصر فإنه ممنوع كما قَالَ قبل هذا: ¬
(وبما سقط أو خرج فِي نفض زيتون أو عصره) أما خارج الزيت فلا إشكال فِي جهل صفته، وأما ساقط الزيتون فقال فِي كتاب الجعل والإجارة من الأمهات: قلت: أرأيت مالكا لِمَ كره أن يقول الرجل [للرجل] (¬1): انفض لي زيتوني هذا، فما نفضت منه من شيءٍ فلك نصفه، قَالَ: لأنه لَو قَالَ حرّك شجري هذا فما سقط من ثمره من شيءٍ فلك نصفه فهذا لا يجوز؛ لأنه لا يدري أيسقط منها شيء إِذَا نفضها أم لا، وإنما النفض تحريك وهي إجارة فكأنه عمل بما لا يدري ما هو (¬2). ابن يونس: قَالَ ابن حبيب: حمل ابن القاسم النفض محمل التحريك، وليس كذلك. أبو الحسن الصغير: [فهي] (¬3) طرفان وواسطة التحريك فِي طرفٍ لا يجوز واللقط فِي طرفٍ يجوز والنفض واسطة جعله ابن القاسم كالتحريك وابن حبيب كاللقط، وقَالَ أبو عبد الله ابن العطار: معنى النفض هنا باليد، وأما بالقضيب فجائز كالحصاد بالمنجل، واللقط وهذا بعيد؛ لأن النفض باليد غير معتاد. انتهى. ومنه نقل فِي " التوضيح "، وقَالَ فِي " جامع الطرر ": وجهه إسماعيل القاضي بأن الشجر تختلف بالصلابة واللين، فقد يقلّ ما يسقط منها [111 / ب] وقد يكثر فهو غرر. واسْتِئْجَارُ مُؤَجَّرٍ، أَوْ مُسْتَثْنًى مَنْفَعَتُهُ، والنَّقْدُ فِيهِ إِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ غَالِباً، وعَدَمُ التَّسْمِيَةِ لِكُلِّ سَنَةٍ وكِرَاءُ أَرْضٍ لِتُتَّخَذَ مَسْجِداً مُدَّةً والنَّقْضُ لِرَبِّهِ إِنِ انْقَضَتْ وعَلَى طَرْحِ مَيْتَةٍ والْقِصَاصُ والأَدَبُ وعَبْدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ عَاماً ويَوْمٍ، وخِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَثَلاً وهَلْ تَفْسُدُ إِن جَمَعَهُمَا وتَسَاوَيَا، أَوْ مُطْلَقاً خِلاَفٌ وبَيْعُ دَارٍ لِتُقْبَضَ بَعْدَ عَامٍ، وأَرْضٍ لِعَشْرٍ. قوله: (واسْتِئْجَارُ مُؤَجَّرٍ، أَوْ مُسْتَثْنًى مَنْفَعَتُهُ) ما ذكر الشارح فيه من الاحتمال فِي معناه ذكر مثله ابن عبد السلام فِي لفظ ابن الحَاجِب قَالَ: والأول أقرب إِلَى لفظه، وبِهِ قطع فِي " التوضيح ". ¬
واسْتِرْضَاعٌ. قوله: (واسْتِرْضَاعٌ) أي: وجَازَ استرضاع وإِن كَانَ فيه استيفاء عين معيبة (¬1) لنصّ القرآن (¬2)، وللضرورة، فهو مما يستثنى من قوله بعد: (بلا استيفاء عين قصداً)؛ ولذا قَالَ ابن الحَاجِب: واستئجار المرضع وإِن كَانَ اللبن عيناً للضرورة (¬3). والْعُرْفُ فِي كَغَسْلِ خِرْقَةٍ ولِزَوْجِهَا فَسْخُهُ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ كَأَهْلِ الطِّفْلِ إِذَا حَمَلَتْ ومَوْتِ إحْدَى الظِّئْرَيْنِ ومَوْتِ أَبِيهِ، ولَمْ تَقْبِضْ أُجْرَةً إِلا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا مُتَطَوِّعٌ وكَظُهُورِ مُسْتَأْجَرٍ أُوجِرَ بِأَكْلِهِ أَكُولاً ومُنِعَ زَوْجٌ رَضِيَ مِنْ وَطْءٍ، ولَوْ لَمْ يَضُرَّ وسَفَرٍ كَأَنْ تُرْضِعَ مَعَهُ ولا يَسْتَتْبِعُ حَضَانَةً كَعَكْسِهِ. قوله: (وَالْعُرْفُ فِي كَغَسْلِ خِرْقَةٍ) أي وجَازَ اعتبار العرف، أو واعتبر العرف. وبَيْعُهُ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ بِثَمَنِهَا سَنَةً إِنْ شَرَطَ الْخُلْفَ كَغَنَمٍ عُيِّنَتْ (¬4)، وإِلا فَلَهُ الْخُلْفُ عَلَى آجِرِهِ. قوله: (وَبَيْعُهُ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ بِثَمَنِهَا سَنَةً إِنْ شَرَطَ الْخُلْفَ كَغَنَمٍ عُيِّنَتْ) أول مسألة فِي كتاب الجعل والإجارة ونصّها: " ومن باع من رجلٍ سلعة بثمنٍ [على أن يتجر له بثمنها سنة كَانَ كمن آجره] (¬5) عَلَى أن يتَّجِر له بهذه المائة الدينار سنة أو يرعى له غنماً بعينها سنة، فإن شرط فِي العقد (¬6) خلف ما هلك أو تلف منها جَازَ، وإِلا لَمْ يجز (¬7). كَرَاكِبٍ، وحَافَتَيْ نَهْرِكَ لِيَبْنِيَ بَيْتاً، وطَرِيقٍ فِي دَارٍ ومَسِيلِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ. قوله: (كَرَاكِبٍ) أي كما يجب خلف الراكب إِذَا تعذر ركوبه ولا ينفسخ الكراء، وسيقول (وَفُسِخَتْ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ لا بِهِ). ¬
لا مِيزَابٍ، إِلا لِمنزلك (¬1) فِي أَرْضِهِ، وكِرَاءُ رَحَى مَاءٍ بِطَعَامٍ، وغَيْرِهِ. قوله: (لا مِيزَابٍ، إِلا لِمنزلك فِي أَرْضِهِ) أي: إِلا أن يكون الميزاب لمنزلك يجري فِي أرضه، فاللام للاستحقاق كالجل للفرس، وفِي بعض النسخ: (إِلا لميزابك فِي أرضه). أي إِلا أن تستأجر لميزابك فِي أرضه، فاللام للتعليل. وعَلَى تَعْلِيمِ قُرْآنٍ مُشَاهَرَةً، أَوْ عَلَى الْحِذَاقِ. قوله: (وَعَلَى تَعْلِيمِ قُرْآنٍ مُشَاهَرَةً، أَوْ عَلَى الْحِذَاقِ) لفظ " المدونة ": أو عَلَى الحذاق (¬2) للقرآن بكذا " (¬3). عياض: يحذِّقَهم القرآن أي يحفظهم ويحسن تعليمه لهم. أبو الحسن الصغير: والحذاق التي كانت عندهم إنما هي الختمة، وأما عندنا اليوم فهي عَلَى الأجزاء إِلا أنّه معروف. انتهى. وقَالَ القابسي فِي " أحكام المعلمين والمتعلمين ": الحذقة حفظاً: حفظ كلّ القرآن ونظر قراءته فِي المصحف، ومحمل الحذقة فِي السور ما تقررت بِهِ عرفاً مثل: " لم يكن ". و " عم " و " تبارك ". و " الفتح ". و " الصافات ". قَالَ ابن عَرَفَة: لَمْ يذكر الفاتحة وهي حذقة فِي عرفنا. ثم قَالَ القابسي: وكذا عطية العيد تثبت بالعرف، وقول سحنون: لا تلزم الحذقة إِلا فِي ختم القرآن، وغيرها تفضّل. معناه: إِن لَمْ تكن عادة بغيرها. انتهى. وقد اختصر ابن عَرَفَة فِي ديوانه الضروري من كتاب القابسي هذا، وهو كثير الفوائد، فعليك بِهِ وبسماع أشهب (¬4) ونوازل سحنون (¬5). ¬
وأَخَذَهَا، وإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ. [68 / أ]. قوله: (وأَخَذَهَا، وإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ) الضمير للأجرة أي: وجَازَ أخذ أجرة التعليم وإِن لَمْ تشترط [فهو كقول ابن الحَاجِب: ولا بأس بما يأخذه المعلم عَلَى تعليم القرآن وإِن لَمْ يشترط] (¬1)، ويحتمل أن يعود الضمير عَلَى الحذقة العرفية لدلالة الحذاق بمعنى الختام عَلَيْهَا، فيكون من النوع المسمى فِي علم البديع بالاستخدام، كقول ابن الحَاجِب: وفِي لبن الجلالة وبيضها ومن شواهده: إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وإِنْ كَانُوا غِضَابَا (¬2) وكأنه عَلَى هذا يشير لنحو ما قدمنا فوقه عن القابسي، ويحتمل أن يكون أشار للقول الثاني من كلام المتيطي إذ قَالَ: واختلف فِي الحذقة، فذهب بعض أهل العلم أنّه لا حذقة عَلَيْهِ للمؤدب بحكم أن لا تكون بشرط ويكون معلوماً، وقاله أبو إبراهيم إسحق بن إبراهيم، وذهب غيره إِلَى أن يحمل ذلك عَلَى سُنة البلد، فإن جرت عادتهم بذلك حكم بها، ويقضى له بها عند ابن حبيب بقدر ما يرى عَلَى حفظ القرآن ظاهراً أو نظراً، وإِن كَانَ يخطيء فِي الحرف والحرفين، وإِذَا حسن خطّه وهجاؤه، وكتب كل ما يملى عَلَيْهِ وقرأ جلّ ما رآه (¬3) وجب عَلَيْهِ حذقته نظراً. انتهى. ومراده بالحذقة الختمة. وإِجَارَةُ مَاعُونٍ كَقَصْعَةٍ، وقِدْرٍ، وعَلَى حَفْرِ بِئْرٍ إِجَارَةً، وجَعَالَةً، وكُرِهَ حَلْيٌ. قوله: (وَإِجَارَةُ مَاعُونٍ كَقَصْعَةٍ، وقِدْرٍ) كذا فِي " المدونة " (¬4)، وفِي نقل المصنف له بمثاليه تنكيت عَلَى ابن العطار الذي منع إجارة القصعة والقدر، شهادة منه بأنهما لا يعرفان بعد الغيبة عَلَيْهِمَا. ¬
وكُرِهَ حَلْيٌ كَإِجَارِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ، [أَوْ ثَوْبٍ] (¬1) لِمِثْلِهِ أَوْ لَفْظٍ، وتَعْلِيمِ فِقْهٍ، وفَرَائِضَ كَبَيْعِ كُتُبِهِ، وقِرَاءَةٌ بِلَحْنٍ، وكِرَاءُ دُفٍّ، ومِعْزَفٍ لِعُرْسٍ. قوله: (كَإِجَارِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ، أَوْ ثَوْبٍ لِمِثْلِهِ) كذا فِي بعض النسخ بزيادة الثوب كما فِي " المدونة " (¬2). فهو صواب. وكِرَاءُ لِعِيدِ كَافِرٍ، وبِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْكِرَاءِ، وسُكْنَى فَوْقَهُ. قوله: (وكِرَاءُ لِعِيدِ كَافِرٍ) كذا فِي بعض النسخ بإدخال لام الجرّ عَلَى العيد، واحد الأعياد مضافاً لكافر، وفِي بعضها: (وكراء عبد لكافر) بإضافة كراء للعبد واحد العبيد، وإدخال لام الجرّ عَلَى الكافر، وكلاهما صحيح، وقد [112 / أ] قَالَ فِي باب الذكاة (¬3): (وَإِلاَّ كُرِهَ كَجِزَارَتِهِ، وبَيْعٍ، أو إِجَارَةٍ لِعَبْدِهِ). بِمَنْفَعَةٍ. قوله: (بِمَنْفَعَةٍ) يدلّ أنّ ما تجرّد عن المنفعة غير جائز كما قَالَ ابن يونس فيمن قَالَ: اطلع هذا الجبل ولك كذا، ولكن هذا من باب: الجعل، وقد قَالَ بعد هذا: (وفِي شرط منفعة الجاعل قَوْلانِ). تَتَقَوَّمُ، قُدِرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا بِلا اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ قَصْداً، ولا حَظْرٍ، وتَعَيُّنٍ، ولَوْ مُصْحَفاً. قوله: (تَتَقَوَّمُ، قُدِرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا بِلا اسْتِيفَاءُ (¬4) عَيْنٍ قَصْداً، ولا حَظْرٍ، وتَعَيُّنٍ) أصله للغزالي. قَالَ ابن عَرَفَة: تبع ابن شاس وابن الحَاجِب (¬5) الغزالي، فشرطا أن تكون ¬
متقومة غير متضمنة استيفاء عين قصداً مقدوراً عَلَى تسليمها (¬1) غير حرام ولا واجبة معلومة (¬2)، ففسروا متقومة بما لها قيمة، وهو قول الغزالي: عنينا بالمتقوم أن استئجار تفاحةً للشمّ والطعام لتزيين الحوانيت لا يصحّ، فإنه لا قيمة له، وعبّر ابن عَرَفَة بأن شرطها إمكان استيفائها دون إذهاب عين، وأن يقدر عَلَى تسليمها معلومة غير واجب تركها ولا فعلها، ولفظ تعين فِي كلام المصنف مصدر المطاوع مجرور عطفاً عَلَى المنفي أي: بلا استيفاء عين ولا حظر ولا تعين. وهو تحرير لقولهم: ولا واجبة، إذ مقتضاه أن المنع (¬3) معلق عَلَى تعين العبادة لا عَلَى وجوبها، ولا يلزم من تعيّن العبادة وجوبها؛ لأن أكثر مندوبات الصلاة متعينة كصلاة الفجر والوتر، وكذا صيام يوم عاشوراء ويوم عَرَفَة، فهذه يمنع الاستئجار عَلَيْهَا وإِن لَمْ تكن واجبة لتعينها عَلَى المكلف، ومعنى تعينها: أنها لا يصحّ وقوعها من غير من خوطب بها، فلو أجيز الاستئجار عَلَيْهَا لأدى إِلَى أكل المال بالباطل. قاله ابن عبد السلام. وأَرْضَاً غَمَرَ مَاؤُهَا، ونَدَرَ انْكِشَافُهُ. قوله: (وأَرْضَاً غَمَرَ مَاؤُهَا، ونَدَرَ انْكِشَافُهُ) هذا قول ابن القاسم فِي " المدونة "، وفِي سياقه فِي حيّز الإغياء تعريض بابن [الحَاجِب] (¬4) المقتصر فيه عَلَى قول غير ابن القاسم (¬5). ¬
وشَجَراً لِتَجْفِيفٍ عَلَيْهَا عَلَى الأَحْسَنِ. قوله: (وَشَجَراً لِتَجْفِيفٍ (¬1) عَلَيْهَا عَلَى الأَحْسَنِ) تسليم لوجود الخلاف، وقد قَالَ ابن عَرَفَة تبع ابن الحَاجِب (¬2) ابن شاس فِي قوله: فِي إجارة الأشجار لتجفيف الثياب قَوْلانِ (¬3)، وقبله شارحاه، ولا أعرف القول بالمنع، ومقتضى المذهب الجواز كإجارة مصبّ مرحاض وحائط لحمل خشب. لا لأَخْذِ ثَمَرَتِهِ، أَوْ شَاةٍ لِلَبَنِهَا، واغْتُفِرَ مَا فِي الأَرْضِ، مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ بِالتَّقْوِيمِ، ولا تَعْلِيمِ غِنَاءٍ، أَوْ دُخُولِ حَائِضٍ لِمَسْجِدٍ، أَوْ دَارٍ لِتُتَّخَذَ كَنِيسَةً كَبَيْعِهَا لِذَلِكَ، وتُصُدِّقَ بِالْكِرَاءِ، وبِفَضْلَةِ الثَّمَنِ عَلَى الأَرْجَحِ. قوله: (لا لأَخْذِ ثَمَرَتِهِ، أَوْ شَاةٍ لِلَبَنِهَا) (لأخذ) معطوف عَلَى تجفيف، وَ (شاة) بالنصب معطوف عَلَى شجراً، وأشار بهذا لقول ابن شاس، فلا يصحّ استئجار الأشجار لثمرها والشاة لنتاجها ولبنها وصوفها؛ لأنه بيع عين قبل الوجود (¬4). قَالَ ابن عَرَفَة وتبعه ابن الحَاجِب (¬5)، ولا أذكر هذا الفرع لأهل المذهب فِي الإجارات لوضوح حكمه من البياعات، وإنما ذكره الغزالي وتبعاه. انتهى. وأما ابن عبد السلام (¬6) فسلّم الثمرة والنِّتَاج والصوف، وبحث فِي اللبن فقال: أما استئجارها للبن فالمذهب أنّه لا يمتنع مُطْلَقاً، وإنما ينظر فيه فإن بيع اللبن جزافاً جَازَ بشرط تعدد الشياة وكثرتها، وإِن كَانَ عَلَى الكيل لَمْ يحتج إِلَى هذا الشرط، وإجارة الشاة لأجل لبنها قصاراه أن يؤدي إِلَى بيع لبنها، فلا ينبغي أن يطلق المنع منه. فتأمله. انتهى. ¬
واستوفي فِي " التوضيح " شروط الجواز المعروفة، ومن جملتها أن يكون فِي الأبان، ثم حمل كلام ابن الحَاجِب عَلَى ما إِذَا لَمْ يكن فِي الأبان كما فِي الثمرة والصوف. انتهى. وهو بيّن من تعليل ابن شاس بأنه بيع عينٍ قبل الوجود. وَلا مُتَعَيِّنٍ كَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، بِخِلافِ الْكِفَايَةِ. قوله: (ولا مُتَعَيِّنٍ كَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ) كرر شرط التعيين تأكيداً للتحرير المذكور، ونبّه بركعتي الفجر عَلَى ما هو أحرى منها. وعُيِّنَ مُتَعَلِّمٌ، ورَضِيعٌ، ودَارٌ، وحَانُوتٌ وبِنَاءٌ عَلَى جِدَارٍ، ومَحْمِلٌ، إِنْ لَمْ تُوصَفْ، ودَابَّةٌ لِرُكُوبٍ وإِنْ ضُمِنَتْ فَجِنْسٌ، ونَوْعٌ وذُكُورَةٌ، ولَيْسَ لِرَاعٍ رَعْيُ أُخْرَى، إِنْ لَمْ يَقْوَ، إِلا بِمُشَارِكٍ، أَوْ تَقِلَّ، ولَمْ يَشْتَرِطْ خِلافُهُ، وإِلا فَأَجْرُهُ لِمُسْتَأْجِرِهِ كَأَجِيرٍ لِخِدْمَةٍ آجَرَ نَفْسَهُ، ولَمْ يَلْزَمْهُ رَعْيُ الْوَلَدِ، إِلا لِعُرْفٍ. قوله: (وعُيِّنَ مُتَعَلِّمٌ، ورَضِيعٌ، ودَارٌ، وحَانُوتٌ وبِنَاءٌ عَلَى جِدَارٍ، ومَحْمِلٌ، إِنْ لَمْ يُوصَفْ) كذا فِي بعض النسخ، وفِي بعضها: وإِن يوصف، فيمكن رجوعه لجميعها، عَلَى أن البناء عَلَى جدار لا يكون إِلا بوصف. قَالَ فِي " التوضيح ": (المَحْمِلٌ) بفتح الميم الأولى وكسر الأخيرة - وعلاقة السيف بالعكس (¬1). وعُمِلَ بِهِ فِي الْخَيْطِ ونَقْشِ الرَّحَا، وآلَةِ بِنَاءٍ. قوله: (وعُمِلَ بِهِ فِي الْخَيْطِ ونَقْشِ الرَّحَا، وآلَةِ بِنَاءٍ) أما الأخيران فصرّح بهما فِي " المدونة " (¬2)، وأما الأول فقاله ابن شاس (¬3) فقال ابن عَرَفَة: هو كقول " المدونة " فِي آلة البناء قَالَ: وعرفنا فِي الأجير ألاّ خيط عَلَيْهِ، وفِي الصانع الخيط عَلَيْهِ، وأما ابن عبد السلام فقال: لا يختلف فِي اعتبار العوائد والعادة عندنا بتونس أن الخيط عَلَى الخياط، إِلا أن يخاط الثوب بالحرير فيكون عَلَى مالك الثوب، وقريب منه فِي " التوضيح " فِي عرفهم بمصر. ¬
وإِلا فَعَلَى رَبِّهِ. قوله: (وإِلا فَعَلَى رَبِّهِ) أي وإِن لَمْ يكن عرف فعلى أرباب الشيء المصنوع [112 / ب] من ثوبٍ ودقيق وجدار، هذا مقتضى كلامه، فالأول قاله ابن شاس وتبعه ابن الحَاجِب قائلاً عَلَى ما فِي النسخة الصحيحة: والخيط عَلَى الآجر ما لَمْ يكن عرف (¬1)، بمدّ الهمزة من غير ياء بعد الجيم. والثالث صرّح بِهِ فِي " المدونة " قائلا: فإن لَمْ تكن لهم سنة فآلة البناء عَلَى ربّ الدار (¬2). وأما الأوسط فقال فيه متصلاً بهذا: ونقش الرحا عَلَى ربها، فلعلّ عرفهم أن ربّ الرحا هو ربّ الدقيق كالدقاقين بفاس الذين يستأجرون الطحانين. وككثير من سكان القصر الكبير ممن تكون له رحا اليد ويستأجر من يطحن له بها، وإلا فما هنا مخالف " للمدونة ". والله تعالى أعلم. عَكْسُ إِكَافٍ، وشِبْهِهِ وفِي السَّيْرِ والْمَنَازِلِ، والْمَعَالِيقِ، والزَّامِلَةِ، ووِطَائِهِ بِمَحْمِلٍ، وبَدَلِ الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ، وتَوْفِيرِهِ. قوله: (عَكْسُ إِكَافٍ، وشِبْهِهِ) أي: فإن كَانَ فيه عرف عمل بِهِ، وإِلا فهو عَلَى ربّ الدابّة، فالعكس حيث لا عرف ولَو كَانَ حيث [لا] (¬3) عرف عَلَى المكتري كما فهم الشارح لكان مساوياً لما قبله لا عكساً (¬4) له، فإذا تقرر هذا ظهر منه أن المصنف عدل عن طريقة ابن شاس (¬5) وابن الحَاجِب، وعوّل عَلَى ما أقيم من قوله فِي كتاب: الرواحل والدوابّ من " المدونة ": ولا بأس أن تكتري من رجلٍ إبلا عَلَى أن عليك رحلتها (¬6)، فإن ظاهره لولا الشرط لكان ذلك عَلَى ربّ الإبل، حكاه ابن عبد السلام، وإِن كَانَ قد بحث فيه. ¬
وأما المصنف فارتضاه وجعله خلاف قول ابن الحَاجِب: وعَلَى مكري الدابّة [البرذعة] (¬1) وشبهها، والإعانة فِي الركوب والنزول ورفع الأحمال وحطها بالعرف (¬2). إذ مفهوم قوله: [بالعرف] (¬3) أنّه لَو لَمْ يكن عرف لكان ذلك عَلَى المكتري، وانظر هل تناول اسم الرحلة لرفع الأحمال وحطّها أبين من تناوله للآكاف وشبهه أم هما سواء. وقد فسّر أبو الحسن الصغير الرحلة بحلّ الإبل وربطها والقيام بها، وزاد هو وابن عَرَفَة إقامة أخرى من قوله فِي رواحل " المدونة " أَيْضاً: وإِذَا اكتريت من رجلٍ إبله ثم هرب الجمّال وتركها فِي يدك فأنفقت عَلَيْهَا فلك الرجوع بذلك، وكذلك إِن اكتريت من يرحلها رجعت بكرائه (¬4). عَلَى أن أبا إسحاق التونسي النظار تأولها بما إِذَا كانت العادة أن ربّ الإبل هو الذي يرحلها قَالَ ابن عَرَفَة: والأَظْهَر بمقتضى القواعد أن يلزم المكري البرذعة والسرج ونحوهما لا مؤنة الحطّ والحمل؛ لما فِي سماع عيسى من ابن القاسم فيمن اكترى منزلاً فيه علو ولا سلم له، فقال لربه: اجعل لي سلماً له، فتوانى ولم ينتفع بِهِ المكتري حتى مضت السنة، أنّه يطرح عنه مناب العلو من الكراء. قَالَ ابن رشد: لأنه باع [منه] (¬5) منافع الدار فوجب أن يسلّمها له وإسلامه العلو هو بجعل السلم له والكراء فِي هذا بِخِلاف الشراء (¬6). ابن عَرَفَة: فالسلم للعلو كالبرذعة والسرج ونحوهما. ¬
كَنَزْعِ الطَّيْلَسَانِ قَائِلَةً، وهُوَ أَمِينٌ، فَلا ضَمَانَ ولَوْ شُرِطَ إِثْبَاتُهُ، إِنْ لَمْ يَأْتِ بِسِمَةِ الْمَيِّتِ، أَوْ عَثَرَ بِدُهْنٍ، أَوْ طَعَامٍ بِآنِيَةٍ فَانْكَسَرَتْ، ولَمْ يَتَعَدَّ. أَوِ انْقَطَعَ الْحَبْلُ. ولَمْ يَغُرَّ بِفِعْلٍ كَحَارِسٍ ولَوْ حَمَّامِيَّاً. وأَجِيرٍ لُصَانِعٍ وسِمْسَارٍ. إِنْ ظَهَرَ خَيْرُهُ عَلَى الأَزْهَرِ. ونُوتِيٍّ غَرِقَتْ سَفِينَتُهُ بِفِعْلٍ سَائِغٍ. لا إِنْ خَالَفَ مَرْعًى شُرِطَ أَوْ أَنْزَى بِلا إِذْنٍ. أَوْ غَرَّ بِفِعْلٍ. فَقِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ. أَوْ صَانِعٍ فِي مَصْنُوعِهِ. لا غَيْرِهِ. قوله: (كَنَزْعِ الطَّيْلَسَانِ (¬1) قَائِلَةً) أي: وليلاً وإنما سكت عنه؛ لأنه أحرى قَالَ ابن عَرَفَة: وقول ابن شاس: إِذَا استأجر ثوباً للبس نزعه فِي أوقات نزعه عادة كالليل والقائلة (¬2). صواب كقوله فِي " المدونة ": من استأجر أجيراً للخدمة استعمله عَلَى عرف الناس من خدمة الليل والنهار (¬3). ابن عَرَفَة: فإن اختلف العرف فِي اللبس لزم بيان وقت نزعه أو دوام لبسه. فرع: قال ابن عبد السلام: ومما يرجع فيه إِلَى العرف فِي هذا الباب فِي المكان كما رجع إليه هنا فِي الزمان ما قاله بعض الشيوخ: من اكترى عَلَى متاع دواب إِلَى موضع وفِي الطريق نهر لا يجاز إِلا عَلَى المركب قد عرف ذلك كالنيل وشبهه، فجواز المتاع عَلَى ربّه، والدوابّ عَلَى ربّها، وإِن كَانَ يخاض فِي المخائض، فاعترضه حملان لَمْ يعلم بِهِ، فحمل المتاع عَلَى صاحب الدابّة، وتلك جائحة نزلت بِهِ، وكذلك إِن كَانَ النهر شتوياً يحمل بالأمطار، إِلا أن يكون وقت الكراء قد علموا جريه، وعلى ذلك دخلوا، فيكون كالنهر الدائم. انتهى. ونقله ابن عات من " الاستغناء " عن بعض شيوخ الفتوى، قَالَ ابن عَرَفَة: انظر هذا الأصل مَعَ زيادة وزن حمل الدابّة بالمطر، يعني: هل بينهما تعارض؟ ¬
ولَوْ مُحْتَاجاً لَهُ عمَلٌ، وإِنْ بِبَيِّنَةٍ. أَوْ بِلا أَجْرٍ. إِنْ نَصَبَ نَفْسَهُ وغَابَ عَلَيْهِمَا. فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ دَفْعِهِ. ولَوْ شَرَطَ نَفْيَهُ. أَوْ دَعَا لأَخْذِهِ. إِلا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ فَتَسْقُطُ الأُجْرَةُ، إِلا أَنْ يُحْضِرَهُ لِرَبِّهِ بِشَرْطِهِ وصُدِّقَ إِنِ ادَّعَى خَوْفَ مَوْتٍ فَنَحَرَ. قوله: (ولَوْ مُحْتَاجاً لَهُ عَمَلٌ) لفظ عمل نائب عن الفاعل، وضبطه بعضهم: عملَ (¬1)، بصيغة الفعل الماضي فردّه لما بعده، والأول أولى. أَوْ سَرِقَةَ مَنْحُورِهِ، أَوْ قَلْعَ ضِرْسٍ. قوله: (أَوْ سَرِقَةَ مَنْحُورِهِ) بكسر راء منحوره مضافاً لهاء الضمير (¬2)، أشار بِهِ لقوله فِي " المدونة ": ولَو قَالَ: ذبحتها ثم سرقت. صدّق (¬3)، وهو أولى من منحورة بتاء التأنيث، إذ لا يدلّ عَلَى تعيين ناحرها. أَوْ صِبْغ (¬4) فَنُوزِعَ فِيهِ. وفُسِخَتْ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ، لا بِهِ إِلا صَبِيِّ تَعْلِيمٍ ورَضِيعٍ، وفَرَسِ نَزْوٍ، ورَوْضٍ، وسِنٍّ [68 / ب] لِقَلْعٍ فَسَكَنَتْ كَعَفْوِ الْقِصَاصِ، وبِغَصْبِ الدَّارِ، وغَصْبِ مَنْفَعَتِهَا، وأَمْرِ السُّلْطَانِ بِإِغْلاقِ الْحَوَانِيتِ، وحَمْلِ ظِئْرٍ، أَوْ مَرَضٍ لا تَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رِضَاعٍ ومَرَضِ عَبْدٍ وهَرَبِهِ لِكَعَدُوٍّ، إِلا أَنْ يَرْجِعَ فِي بَقِيَّتِهِ بِخِلافِ مَرَضِ دَابَّةٍ بِسَفَرٍ ثُمَّ تَصِحُّ. قوله: (أَوْ صِبْغ) بصيغة الفعل عطفاً عَلَى (ادعى). [113 / أ] وخُيِّرَ إِنْ تَبَيَّنَ أنّه سَارِقٌ. قوله: (وخُيِّرَ إِنْ تَبَيَّنَ أنّه سَارِقٌ) لا يعارض قوله فِي المساقاة: وإِن ساقيته أو أكريته، فألفيته سارقاً لَمْ تفسخ (¬5)؛ لأن معناه أكريته دارك. ¬
وكَرُشْدِ صَغِيرٍ عَقَدَ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى سِلَعِهِ وَلِيٌّ إِلا لِظَنِّ عَدَمِ بُلُوغِهِ، وبَقِيَ كَالشَّهْرِ كَسَفِيهٍ، ثَلاثَ سِنِينَ، وبِمَوْتِ مُسْتَحِقِّ وَقْفٍ آجَرَ، ومَاتَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا عَلَى الأَصَحِّ، لا بِإِقْرَارِ الْمَالِكِ، أَوْ خُلْفِ رَبِّ دَابَّةٍ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ. أَوْ حَجٍّ وإِنْ فَاتَ مَقْصِدُهُ أَوْ فِسْقِ مُسْتَأْجِرٍ، وآجَرَ الْحَاكِمُ، إِنْ لَمْ يَكُفَّ، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدٍ وحُكْمُهُ عَلَى الرِّقِّ. وَأُجْرَتُهُ لِسَيِّدِهِ، إِنْ أَرَادَ أنّه حُرٌّ بَعْدَهَا. قوله: (وكَرُشْدِ صَغِيرٍ) كذا فِي بعض النسخ بكاف التشبيه، وهو الصواب، وهو راجع للتخيير.
فصل كراء الدواب والرباع
[فصل كراء الدوابّ والرباع] وكِرَاءُ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ، وجَازَ عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ عَلَفَهَا، أَوْ طَعَامَ رَبِّهَا، أَوْ عَلَيْهِ طَعَامَكَ، أَوْ لِيَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ، أَوْ لِيَطْحَنَ بِهَا شَهْراً، أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَى دَوَابِّهِ مِائَةً، ولَمْ يُسَمِّ مَا لِكُلٍّ، وعَلَى حَمْلِ آدَمِيٍّ لَمْ يَرَهُ، ولَمْ يَلْزَمْهُ الْفَادِحُ، بِخِلافِ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ، وبَيْعُهَا، واسْتِثْنَاءُ رُكُوبِهَا الثَّلاثَ، لا جُمُعَةً. وَكُرِهَ الْمُتَوَسِّطُ، وكِرَاءُ دَابَّةٍ إِلَى شَهْرٍ، إِنْ لَمْ يَنْقُدْ، والرِّضَا بِغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ الْهَالِكَةِ، إِنْ لَمْ يَنْقُدْ، أَوْ نَقَدَ، واضْطُرَّ، وفَعَلَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ، ودُونَهُ، وحِمْلٌ بِرُؤْيَتِهِ، أَوْ كَيْلِهِ، أَوْ وَزْنِهِ، أَوْ عَدِّهِ، إِنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ. قوله: (وَكِرَاءُ دَابَّةٍ إِلَى شَهْرٍ، إِنْ لَمْ (¬1) يَنْقُدْ) هكذا فِي بعض النسخ بجر (شَهْرٍ) بإِلَى، وهو الصوابّ فيكون إشارة لقوله فِي " المدونة ": ومن اكترى راحلةً بعينها عَلَى أَن يركب إِلَى اليوم أَو اليومين ومَا قرب جَازَ ذلك، وجَازَ فيه النقد، وإِن كَانَ الركوب إِلَى شهر أَو شهرين جَازَ مَا لَمْ ينقده (¬2). وقال غيره: لا يجوز. وإِقَالَةٌ [بِزِيَادَةٍ] (¬3) قَبْلَ النَّقْدِ وبَعْدَهُ، إِنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ، وإِلا فَلا، إِلا مِنَ الْمُكْتَرِي فَقَطْ، إِنِ اقْتَصَّا، أَوْ بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ. قوله: (وَإِقَالَةٌ بِزِيَادَةٍ قَبْلَ النَّقْدِ وبَعْدَهُ، إِنْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ، وإِلا فَلا، إِلا مِنَ الْمُكْتَرِي فَقَطْ، إِنِ اقْتَصَّا، أَوْ بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ) [(اقْتَصَّا) بالصاد المهملة المشددة وألف التثنية من باب القصاص (أَوْ بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ)] (¬4) معطوف عَلَى (من المُكْتَرَى) لا عَلَى (اقتصّا)، فاعلمه. واشْتِرَاطُ هَدِيَّةِ مَكَّةَ، إِنْ عُرِفَ. قوله: (واشْتِرَاطُ هَدِيَّةِ مَكَّةَ، إِنْ عُرِفَ) أشار بِهِ لقوله فِي " المدونة ": ولَو شرط عَلَيْهِ حمل هدايا مكة، فإن كَانَ أمراً عرف وجهه جَازَ، وإِلا لَمْ يجز (¬5). ¬
أبو الحسن الصغير: أي كسوتها وطيبها، فظاهره جواز تطيبها وكسوتها، إِلا أَن الصدقة أفضل كما قال فِي كتاب: الصلاة الأول، ويتصدّق بثمن مَا يُخلّق بِهِ المسجد أَو يُجمّر أحب إِلَى (¬1). انتهى. وقد قالوا: إِن كسوة الكعبة مخصص لعموم النهي عن كسوة الجدارات. وعَقَبَةِ الأَجِيرِ، لا حَمْلِ مَنْ مَرِضَ، ولا اشْتِرَاطُ إِنْ مَاتَتْ مُعَيَّنَةٌ أَتَاهُ بِغَيْرِهَا كَدَوَابٍّ لِرِجَالٍ، أَوْ لأَمْكِنَةٍ، أَوْ لَمْ يَكُنِ الْعُرْفُ نَقْدَ مُعَيَّنٍ. وإِنْ نَقَدَ، أَوْ بِدَنَانِيرَ عُيِّنَتْ، إِلا بِشَرْطِ الْخَلْفِ، أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ. أَوْ لِمَكَانٍ شَاءَ. أَوْ لِيُشَيِّعَ رَجُلاً، أَوْ بِمِثْلِ كِرَاءِ النَّاسِ، وإِنْ وَصَلْتُ فِي كَذَا فَبِكَذَا. أَوْ لِيَنْتَقِلَ لِبَلَدٍ وإِنْ سَاوَتْ إِلا بِإِذْنٍ كَإِرْدَافِهِ خَلْفَكَ. أَوْ حَمْلٍ مَعَكَ، والْكِرَاءُ لَكَ، إِنْ لَمْ تَحْمِلْ زِنَةً كَالسَّفِينَةِ، وضَمِنَ إِنْ أَكْرَى لِغَيْرِ أَمِينٍ، أَوْ عَطِبَتْ بِزِيَادَةِ مَسَافَةٍ أَوْ حَمْلٍ تَعْطَبُ بِهِ، وإِلا فَالْكِرَاءُ كَأَنْ لَمْ تَعْطَبْ، إِلا أَنْ يَحْبِسَهَا كَثِيراً فَلَهُ كِرَاءُ الزَّائِدِ، أَوْ قِيمَتُهَا. ولَكَ فَسْخُ عَضُوضٍ، أَوْ جَمُوحٍ، أَوْ أَعْشَى أَوْ دَبَرُهُ فَاحِشاً كَأَنْ يَطْحَنَ لَكَ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ إَرْدَبَّيْنِ بِدِرْهَمٍ، فَوُجِدَ لا يَطْحَنُ إِلا إِرْدَبَّاً. وإِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ مَا يُشْبِهُ الْكَيْلَ فَلا لَكَ ولا عَلَيْكَ. قوله: (وعَقَبَةِ الأَجِيرِ) هذا كقوله فِي " المدونة ": ولا بأس أَن يكتري محملاً ويشترط عقبة الأجير (¬2). أبو الحسن الصغير: أي: يعاقبه أجيره فِي الركوب، قال بعضهم: إنما يرفع الاشتراط الكراهة؛ لأنه يكره كراؤه من غيره إِذَا أكراها للركوب. أبو الحسن الصغير: وليس هذا بيّن؛ لأنه إِذَا لَمْ يشترط ذلك فكان يعاقبه، يصير كمن أكرى ممن هو أثقل منه؛ لأن المعيي أبداً أثقل من غيره، فظهر أَن فائدة الاشتراط رفع المنع. انتهى. ومَا قاله بعضهم هو ظاهر قول ابن القاسم فِي سماع عيسى، ومَا قاله أبو الحسن الصغير هو نصّ قول أصبغ فيه. قال ابن رشد: وقول أصبغ هو القياس (¬3). ¬
فصل
[فصل] (¬1) [69 / أ] جَازَ كِرَاءُ حَمَّامٍ، ودَارٍ غَائِبَةٍ كَبَيْعِهَا. قوله: (جَازَ كِرَاءُ حَمَّامٍ) مسألة مستقلة كقوله فِي " المدونة ": ولا بأس بكراء الحمامات (¬2)، وفِي " العتبية " والله مَا دخوله بصواب، قال ابن عرفة: لأن المكتري متعدٍ فِي فعله مَا ينفي صواب دخوله، ومكريه بريء منه. ولابن عات عن " مختصر الثمانية ": قال عبد الملك: يمنع السلطان [النساء] (¬3) الحمامات أشدّ منع، ويضربهن عَلَى ذلك، ويؤدب ربّ الحمام حتى لا يدخل امرأة [الحمام] (¬4)؛ إنما الحمام للرجال بشرط السترة، وقاله أصبغ. ابن عرفة: وأخبرنا شيخنا ابن عبد السلام: أَن بعض من لَهُ النظر الشرعي كَانَ أمر الحمامين باتخاذ أزر للنساء كما هو اليوم للرجال، فصار النساء يتضاربن بالأُزُر عَلَى وجه اللعب، فصارت المصلحة زيادة فِي المفسدة، ولا يشكّ اليوم منصف فِي حرمته للنساء ولا فِي أَن عدم قطعه لمن لَهُ عَلَيْهِ قدرة ترك تغيير منكر. أَوْ نِصْفِهَا، أَوْ نِصْفِ عَبْدٍ وشَهْراً عَلَى إِنْ سَكَنَ يَوْماً لَزِمَ، إِنْ مَلَكَ الْبَقِيَّةَ، وعَدَمُ بَيَانِ الابْتِدَاءِ وحُمِلَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، ومُشَاهَرَةً. قوله: (أَوْ نِصْفِهَا) عطف عَلَى دار، والضمير لَهَا وليس النصف بشرط، والمراد الجزء الشائع كما فِي " المدونة " (¬5). ولَمْ يَلْزَمْ لَهُمَا، إِلا بِنَقْدٍ فَقَدْرُهُ كَوَجِيبَةٍ بِشَهْرِ كَذَا، أَوْ هَذَا الشَّهْرِ، أَوْ أَشْهُراً، أَوْ إِلَى كَذَا. قوله: (وَلَمْ يَلْزَمْ لَهُمَا، إِلا بِنَقْدٍ فَقَدْرُهُ كَوَجِيبَةٍ بِشَهْرِ كَذَا، أَوْ هَذَا الشَّهْرِ، أَوْ أَشْهُراً، أَوْ إِلَى كَذَا) كأنه اختصر هنا قول عياض فِي " التنبيهات ": " لا خلاف إِذَا نصّ ¬
عَلَى تعيين السنة أَو الشهر، أَو جاء بما يقوم مقام التعيين أنّه لازم لَهُمَا، وذلك فِي خمس صور إِذَا قال هذه السنة أَو هذا الشهر أَو سنة كذا، أَو سمى العدد فيما زاد عَلَى الواحد، فقال: سنتين أَو ثلاثاً، أَو ذكر الأجل فقال: اكريها إِلَى شهر كذا أَو سنة كذا أَو نقده أشهرا أَو سنة أَو أكثر ". انتهى. فقول عياض: أَو سمى العدد فيما زاد عَلَى الواحد إليه أشار المصنف بقوله: (أَو أشهرا) [وكذا] (¬1) هو فِي بعض النسخ بصيغة الجمع، وهو الصواب. وفِي سَنَةٍ بِكَذَا، تَأْوِيلانِ. قوله: (وَفِي سَنَةٍ بِكَذَا، تَأْوِيلانِ) أشار بِهِ لقول عياض: واختلف إِذَا قال: أكري منك سنة بدرهم أَو شهراً بدرهم، فحمل أكثرهم ظاهر الكتاب أنّه مثل قوله: هذه السنة تلزمهما السنة أَو الشهر، وهو بين من أماكن فِي الكتاب، ثم ذكرها ثم قال: وهكذا لَهُ [113 / ب] فِي " العتبية " وفِي تفسير يحيي وكتاب ابن حبيب ثم قال: وذهب أبو صالح إِلَى أَن قوله: أكري منك سنة لا يقتضي التعيين، ولَهُ الخروج، ولربّه إخراجه متى شاء مثل قوله: كلّ سنة، وأَن مَا وقع فِي الكتاب من هذا إنما معناه سنة معينة، وخالفه ابن لبابة وغيره. وأَرْضِ مَطَرٍ عُشْراً، إِنْ لَمْ يَنْقُدْ، وإِنْ سَنَةً إِلا الْمَأْمُونَةَ كَالنَّيْلِ، والْمَعِينَةِ. قوله: (وأَرْضِ مَطَرٍ عُشْراً، إِنْ لَمْ يَنْقُدْ، وإِنْ سَنَةً إِلا الْمَأْمُونَةَ كَالنَّيْلِ، والْمَعِينَةِ) أي: وجَازَ كراء أرض المطر عشر سنين إِن لَمْ يشترط النقد، فإن شرطه لَمْ يجز وإن فِي سنة واحدة من العشر إِلا المأمونة من أرض المطر، كالنيل تشبيه لا تمثيل، والمعينة بالجر عطفاً عَلَى النيل، وهي ذات الماء المعين. فَيَجُوزُ ويَجِبُ فِي مَأْمُونَةِ النَّيْلِ إِذَا رُوِيَتْ، وقَدْرٍ مِنْ أَرْضِكَ، إِنْ عُيِّنَ، أَوْ تَسَاوَتْ. قوله: (فَيَجُوزُ) إنما لَمْ يستغن عنه بقوله أولاً: (جَازَ) ليفرق بين الجائز والواجب، ولهذا قال: (وَيَجِبُ فِي مَأْمُونَةِ النَّيْلِ إِذَا رُوِيَتْ) [أي: يقضى بِهِ لرب الأرض عَلَى ¬
المكتري، وأشار بِهِ لقول ابن رشد فِي " المقدمات ": فأما أرض النيل فيجب النقد فيها عند ابن القاسم إِذَا رويت] (¬1)؛ لأنها لا تحتاج إِلَى السقي فيما يستقبل، فبالري يكون المكتري قابضاً لما اكترى، وأما أرض السقي والمطر فلا يجب عَلَى المكتري فيها دفع الكراء حتى يتمّ الزرع ويستغني عن الماء (¬2). واحترز بقوله: مأمونة النيل. من أرض النيل غير المأمونة كما إِذَا كانت بعيدة أَو مرتفعة يبلغها الماء مرةً بعد الوفاء ومرة لا يبلغها [(¬3) أو لا يطول مقامه عَلَيْهَا. وتقسيم اللخمي فِي هذا الباب عجيب فعَلَيْكَ بِهِ. وعَلَى أَنْ يَحْرُثَهَا ثَلاثاً، أَوْ يُزَبِّلَهَا، إِنْ عُرِفَ. قوله: (وعَلَى أَنْ يَحْرُثَهَا ثَلاثاً، أَوْ يُزَبِّلَهَا، إِنْ عُرِفَ) كذا فِي " المدونة " (¬4) قال ابن يونس: يريد إذ كانت مأمونة؛ لأن زيادة الحرثات والتزبيل منفعة تبقى فِي الأرض إِن لَمْ يتمّ زرعها فيصير كنقدٍ اشترطه فِي غير المأمونة. وأَرْضَ سِنِينَ لِذِي شَجَرٍ بِهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً. قوله: (وأَرْضَ سِنِينَ لِذِي شَجَرٍ بِهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً) فِي بعض النسخ كذي بالكاف، وفِي بعضها لذي باللام، فإن كَانَ بالكاف فأرض منون وسنين طرف، والكلام مشتمل عَلَى فرعين مشبه بِهِ ومشبه، فأما المشبّه بِهِ فكأنه أعمّ من قوله (¬5) وأرض مطرعشراً، فليس بتكرار معه؛ لشمول هذا الجزاء لأرض الغرس والبناء، بِخِلاف الأول بدليل أنّه فصل فِي النقد فِي الأول دون هذا، وأما المشبه فقد عرفت مَا أشار بها إليه من نصّ " المدونة " (¬6)، وإِن كَانَ باللام فلعلّ أرض غير منون، وسنين مضاف إليه. ¬
وقد قال سيبويه: إِن الإضافة تقع بأدنى سبب؛ وحينئذ فالكلام مشتمل عَلَى فرعٍ واحدٍ وهو نصّ " المدونة " المشار إليه، وكأنه يقول: وجَازَ كراء أرضٍ سنين ماضية سنين مستقبلة من غرس بِهِ شجراً فِي السنين الماضية، وفيه قلق. وإِنْ لِغَيْرِكَ. قوله: (وإِنْ لِغَيْرِكَ) لا شكّ أنّه أشار بِهِ لقوله فِي " المدونة ": ولَو اكتريت أرضاً فأكريتها من غيرك فغرسها ثم انقضت مدة الكراء وفيها غرسه فلك أَن تكتريها من ربّها سنين مؤتنفة ثم إِن أرضاك الغارس وإِلا قلع غرسه (¬1) وإِذَا كَانَ لهذا أشار؛ فكأنه يقول عَلَى سبيل الإغياء: وإِن كَانَ الشجر لغيرك بإذاء الشجر فتجّوز فِي إطلاق ذي الشجر عَلَى مَا هو أعمّ من غارسها والتفت، فخاطبه بعد أَن ذكره بصيغة الغيبة، ولا يخفى مَا فِي ذلك، وعبارة " الشامل " أحسن إذ قال: ككرائها لذي شجر بها أَو غيره سنين مستقبلة، ودخل فِي الغير الأجنبي، والحكم سواء [وإِن لَمْ يذكره] (¬2) فِي " المدونة ". والله تعالى أعلم. لا زَرْعٍ. قوله: ([لا] (¬3) زَرْعٍ) أشار بِهِ لقوله فِي " المدونة ": قال ابن القاسم: ولَو كَانَ موضع الشجر زرع أخضر لَمْ يكن لربّ الأرض أَن يكريها [مَا دام زرع هذا فيها؛ لأن الزرع إِذَا انقضت الإجارة لَمْ يكن لرب الأرض] (¬4) قلعه (¬5). وشَرْطُ كَنْسِ مِرْحَاضٍ. قوله: (وشَرْطُ كَنْسِ مِرْحَاضٍ) أشار بِهِ لقوله فِي المدونة: ومن اكترى داراً أَو حماماً وشرط كنس المراحيض والتراب وغسالة الحمام عَلَى المكري جَازَ؛ لأنه أمرٌ معروف وجهه (¬6). ¬
فظاهر هذا أنّه عَلَى المكتري حتى يشترطه ربّ الدار، وقد قال بعد: ومن اكترى داراً فعلى ربّها مرمّتها وكنس المراحيض (¬1). فقيل: خلاف. وقيل: مَا هنا فيما حدث، ومَا هناك فيما سبق، حكاهما عياض، زاد المتيطي قيل: مَا هنا فِي غير الفنادق، ومَا هناك فِي الفنادق كما فِي سماع أبي زيد. أَوْ مَرَمَّةٍ، وتَطْيِينٍ مِنْ كِرَاءٍ. قوله: (أَوْ مَرَمَّةٍ، وتَطْيِينٍ) من كراء المرمة الإصلاح والتطيين الطرّ، وهو جعل الطين عَلَى سطوحها، والشرط هنا من ربّ الدار؛ ولذا قال: من كراء، بِخِلاف التي قبلها. أما المرمّة فقال فِي " المدونة ": ومن اكترى داراً أَو حماماً عَلَى أَن مَا احتاجا إليه من مرمة رمها المكتري، فإن اشترط [114 / أ] أَن ذلك من الكراء جَازَ (¬2) [وأما التطيين من الكراء فلم يصرّح بِهِ فِي " المدونة "، وإنما قال: ومن اكترى داراً عَلَى أَن عَلَيْهِ تطيين البيوت جاز] (¬3) ذلك إِذَا سمّى تطيينها فِي السنة مرة أَو مرتين أَو فِي كلّ سنتين مرة؛ لأنه معلوم. فقال أبو الحسن الصغير: ظاهره أَن هذا زيادة عَلَى الكراء، فيكون اكترى منه بما سمى، وبالتطيين، أَو ذلك من الكراء عَلَى مَا تقدّم. وجب، لا إِنْ لَمْ يَجِبْ، أَوْ مِنْ عِنْدِ الْمُكْتَرِي، أَوْ حَمِيمِ أَهْلِ ذِي الْحَمَّامِ، أَوْ نَوْرَتِهِمْ مُطْلَقاً، أَوْ لَمْ يُعَيَّنْ فِي الأَرْضِ بِنَاءٌ وغَرْسٌ، وبَعْضُهُ أَضَرُّ ولا عُرْفَ، وكِرَاءُ وَكِيلٍ بِمُحَابَاةٍ، أَوْ بِعَرْضٍ، أَوْ أَرْضٍ مُدَّةً لِغَرْسٍ فَإِذَا انْقَضَتْ فَهُوَ لِرَبِّ الأَرْضِ، أَوْ نِصْفُهُ، والسَّنَةُ فِي الْمَطَرِ بِالْحَصَادِ وفِي السَّقْيِ بِالشُّهُورِ، فَإِنْ تَمَّتْ ولَهُ زَرْعٌ أَخْضَرُ فَكِرَاءُ مِثْلِ الزَّائِدِ، وإِذَا انْتَثَرَ لِلْمُكْتَرِي حَبٌّ فَنَبَتَ قَابِلاً فَهُوَ لِرَبِّ الأَرْضِ كَمَنْ جَرَّهُ السَّيْلُ إِلَيْهِ ولَزِمَ الْكِرَاءُ بِالتَّمَكُّنِ، وإِنْ فَسَدَ بِجَائِحَةٍ أَوْ غَرَقَ بَعْدَ وَقْتِ الْحَرْثِ أَوْ عَدَمِهِ بَذْراً، أَوْ بِسِجْنِهِ، أَوِ انْهَدَمَتْ شُرُفَاتُ الْبَيْتِ، أَوْ سَكَنَ أَجْنَبِيٌّ بَعْضَهُ، لا إِنْ نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ، وإِنْ قَلَّ، أَوِ انْهَدَمَ بَيْتٌ فِيهَا، أَوْ سَكَنَهُ مُكْرِيهِ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بِسُلَّمٍ لأَعْلَى. ¬
أَوْ عَطِشَ بَعْضُ الأَرْضِ، أَوْ غَرِقَ، فَبِحِصَّتِهِ، وخُيِّرَ فِي مُضِرٍّ، كَهَطْلٍ، فَإِنْ بَقِيَ فَالْكِرَاءُ، كَعَطَشِ أَرْضِ صُلْحٍ وهَلْ مُطْلَقاً؟ أَوْ إِلا أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى الأَرْضِ؟ تَأْوِيلانِ عَكْسُ تَلَفِ الزَّرْعِ لِكَثْرَةِ دُودِهَا، أَوْ فَأْرِهَا، أَوْ عَطَشٍ، أَوْ بَقِيَ الْقَلِيلُ، ولَمْ يُجْبَرْ آجِرٌ عَلَى إِصْلاحٍ مُطْلَقاً، بِخِلافِ سَاكِنٍ أَصْلَحَ لَهُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وإِنِ اكْتَرَيَا حَانُوتاً، فَأَرَادَ كُلٌّ مُقَدَّمَهُ قُسِمَ، إِنْ أَمْكَنَ، وإِلا أُكْرِيَ عَلَيْهِمَا. قوله: (وجب، لا إِنْ لَمْ يَجِبْ) هذا القيد ذكره ابن فتحون فقال: جَازَ إِن كَانَ الكراء عَلَى النقد بالشرط أَو العرف، وبِهِ قيّد " المدونة " فِي " جامع الطرر " فقال: معناه: والكراء عَلَى النقد أَو كانت] (¬1) سنتهم النقد، وإِلا لَمْ يجز، إذ لا يدري مَا يحلّ عَلَيْهِ بالهدم، وأما اللخمي فقال: قال مالك فيمن اكترى داراً سنة بعشرين ديناراً عَلَى إِن احتاجت الدار إِلَى مرمة رمّها المكتري من العشرين ديناراً: لا بأس بِهِ (¬2)، يريد وإِن كَانَ الكراء مؤجلاً، فإن هذا الشرط لا يفسد العقد (¬3)؛ لأن القصد فِي ذلك مَا يحتاج فِي الغالب إِلَى إصلاحه مثل خشبةٍ تنكسر أَو ترقيع حائط ... والأشبه ذلك مما يقلّ خطبه، ويؤدي تعجيله إِلَى غرر. وإِنْ غَارَتْ عَيْنُ مُكْرى سِنِينَ بَعْدَ زَرْعِهِ، أنَفِقَتْ (¬4) حِصَّةُ سَنَةٍ فَقَطْ، وإِنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ بَيْتٍ وإِنْ بِكِرَاءٍ. فَلا كِرَاءَ، إِلا أَنْ تُبَيِّنَ، والْقَوْلُ لِلأَجِيرِ. أَنَّهُ وَصَّلَ كِتَاباً، أَوْ أنّه اسْتُصْنِعَ، وقَالَ رَبُّهُ وَدِيعَةٌ، أَوْ خُولِفَ فِي الصِّفَةِ وفِي الأُجْرَةِ. قوله: (وَإِنْ غَارَتْ عَيْنُ مُكْرى سِنِينَ بَعْدَ زَرْعِهِ، أنَفِقَتْ حِصَّةُ سَنَةٍ فَقَطْ) (مكتري) اسم مفعول، و (سنين) متعلّق بِهِ، والظاهر فِي (زرعه) أنّه مصدر مضاف للمفعول. إِنْ أَشْبَهَ وحَازَا. قوله: (إِنْ أَشْبَهَ وحَازَ) أشبه راجع للفروع الأربعة بِخِلاف حاز بالحاء المهملة ¬
لا كَبِنَاءٍ، وَلا فِي - رَدِّهِ، فَلِرَبِّهِ - وإِنْ بِلا بَيِّنَةٍ - وإِنِ ادَّعَاهُ، وقَالَ: سُرِقَ مِنِّي، وأَرَادَ أَخْذَهُ، دَفَعَ قِيمَةَ الصِّبْغِ بِيَمِينٍ، إِنْ زَادَتْ دَعْوَى الصَّانِعِ عَلَيْهَا، وإِنِ اخْتَارَ تَضْمِينَهُ، [69 / ب] فَإِنْ دَفَعَ الصَّانِعُ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ فَلا يَمِينَ، وإِلا حَلَفَا، واشْتَرَكَا، لا إِنْ تَخَالَفَا فِي لَتِّ السَّوِيقِ وأَبَى مَنْ دَفَعَ مَا قَالَهُ، اللَّاتُّ فَمِثْلُ سَوِيقِهِ، ولَهُ ولِلْجَمَّالِ بِيَمِينٍ فِي عَدَمِ قَبْضِ الأُجْرَةِ وإِنْ بَلَغَا الْغَايَةَ، إِلا لِطُولٍ فَلِمُكْتَرِيهِ، بِيَمِينٍ، وإِنْ قَالَ بِمِائَةٍ لِبَرْقَةَ، وقَالَ بَلْ لإِفْرِيقِيَّةَ حَلَفَا. وفُسِخَ، إِنْ عُدِمَ السَّيْرُ، أَوْ قَلَّ وإِنْ نَقَدَ. قوله: (لا (¬1) كَبِنَاءٍ) يجوز فتح بائه، [وشدّ نونه، وكسر بائه] (¬2) وتخفيف نونه. وإِلا فَكَفَوْتِ الْمَبِيعِ ولِلْمُكْرِي فِي الْمَسَافَةِ فَقَطْ، إِنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ فَقَطْ، أَوْ أَشْبَهَا، وانْتَقَدَ. وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ حَلَفَ الْمُكْتَرِي، ولَزِمَ الْجَمَّالَ مَا قَالَ، إِلا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَاه (¬3)، فَلَهُ حِصَّةُ الْمَسَافَةِ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي، وفُسِخَ الْبَاقِي، وإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا، وفُسِخَ بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى. قوله: (وَإِلا فَكَفَوْتِ الْمَبِيعِ وَ [لِلْمُكْترِي] (¬4) فِي الْمَسَافَةِ فَقَطْ، إِنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ فَقَطْ، أَوْ أَشْبَهَا، وانْتَقَدَ. وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ حَلَفَ الْمُكْتَرِي، ولَزِمَ الْجَمَّالَ مَا قَالَ، إِلا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَاه، فَلَهُ حِصَّةُ الْمَسَافَةِ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي، وفُسِخَ الْبَاقِي، وإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا، وفُسِخَ بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى) كذا فِي بعض النسخ، وفِي بعضها: وإلا فللمكري فِي المسافة فقط إِن أشبه قوله فقط .. إِلَى آخره. وقصده عَلَى كلّ حال اختصار الأقسام الأربعة التي ذكرها ابن يونس، فعلى الأولى أشار لما [إِذَا] (¬5) أشبه قول المكتري بقوله فكفوت المبيع، وعَلَى الثانية تركه فِي المفهوم، وأما الأقسام الثلاثة الباقية فقد صرّح بها فِي النسختين، وقد كَانَ فِي غنىً عن أَن يقول فِي المسافة فقط؛ لأنه فرض المسألة. ¬
وإِنْ قَالَ اكْتَرَيْتُكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِائَةٍ وبَلَغَاهَا، وقَالَ بَلْ لِمَكَّةَ بِأَقَلَّ، فَإِنْ نَقَدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ. قوله: (وَإِنْ قَالَ اكْتَرَيْتُكَ (¬1) لِلْمَدِينَةِ بِمِائَةٍ وبَلَغَاهَا، وقَالَ بَلْ لِمَكَّةَ بِأَقَلَّ، فَإِنْ نَقَدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ) أي فِي ادعائهما مَا يشبه، فهو كقول ابن القاسم فِي " المدونة ": ولَو قال المكري (¬2) أكريتك إِلَى المدينة بمائتين وقد بلغاها، وقال المكتري بل إِلَى مكّة بمائة، فإن نقده المائة فالقول قول الجمال فيما يشبه (¬3). ابن يونس: معناه إِذَا أشبه مَا قالا جميعاً. أبو الحسن الصغير: وأما إِن أشبه قول المكري خاصّة فإنه يحلف عَلَى دعوى المكتري ويكون لَهُ المائتان قاله فيما يأتي إِذَا لَمْ ينتقد. انتهى؛ ولذا قال المصنف بعد هذا: (وإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي فَقَطْ، فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ). وحَلَفَا وفُسِخَ، وإِنْ لَمْ يَنْقُدْ، فَلِلْجَمَّالِ فِي الْمَسَافَةِ، ولِلْمُكْتَرِي فِي حِصَّتِهَا مِمَّا ذُكِرَ بَعْدَ يَمِينِهَا وإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي فَقَطْ، فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ، وإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا، وإِلا سَقَطَتَا، وإِنْ قَالَ اكْتَرَيْتُ عَشْراً بِخَمْسِينَ، وقَالَ: خَمْساً بِمِائَةٍ حَلَفَا، وفُسِخَ، وإِنْ زَرَعَ بَعْضاً ولَمْ يَنْقُدْ فَلِرَبِّهَا مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُكْتَرِي إِنْ أَشْبَهَ وحَلَفَ وإِلا فَقَوْلُ رَبِّهَا إِنْ أَشْبَهَ وإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا. وَوَجَبَ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى، وفُسِخَ الْبَاقِي مُطْلَقاً وإِنْ نَقَدَ فَتَرَدُّدٌ. قوله: (حَلَفَا، وفُسِخَ) أي: مَا بقي وهو كقوله فِي " المدونة ": ويحلف لَهُ المكتري فِي المائة الثانية، ويحلف الجمال أنّه لَمْ يكره إِلَى مكة بمائة ويتفاسخان (¬4). ¬
باب الجعل
[باب الجعل] صِحَّةُ الْجُعْلِ بِالْتِزَامِ أَهْلِ الإِجَارَةِ جُعْلاً. قوله: (صِحَّةُ الْجُعْلِ بِالْتِزَامِ أَهْلِ الإِجَارَةِ جُعْلاً) أي صحة الجعالة بالتزام المتأهل بعقد الإجارة ثمناً، فظاهره أَن الشرط [قاصر] (¬1) عَلَى الجاعل دون المجعول لَهُ، وليس كَذَلِكَ إذ لا يصحّ شيء من ذلك إِلا من الرشيد أَو من المحجور بإذن وليّه كما قال ابن عبد السلام. وقال ابن عرفة: شرطه أهلية [المعاوضة] (¬2) فيهما. ابن شاس وابن الحاجب: شرطهما أهلية الاستئجار والعمل (¬3). ابن عبد السلام يعني بقوله: (والعمل) أَن عمل الجعالة قد يُمنع من بعض الناس كما لَو جُوعل ذمي عَلَى طلب مصحف ضاع لربّه، وكَذَلِكَ الحائض مدة الحيض. ابن عرفة: " هذا الامتناع إنما هو شرعي، ولا يتمّ إِلا بقصر الجعالة عَلَى الجائز منها، والأَظْهَر اعتبارها من حيث ذاتها، ويفسر الامتناع بالامتناع العادي، كمجاعلة من لا يحسن العوم عَلَى رفع متاع من قعر بئر كثيرة الماء طويلة ". انتهى. فليتأمل. عُلِمَ، يَسْتَحِقُّهُ السَّامِعُ بِالتَّمَامِ كَكِرَاءِ السُّفُنِ إِلا أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى التَّمَامِ فَبِنِسْبَةِ الثَّانِي. قوله: (عُلِمَ) منه يفهم مَا ذكر ابن عرفة حيث حدّه [114 / ب] أنّه لَو قال: إِن جئتني بعبدي الآبق فلك عمله كذا أَو خدمته شهراً كَانَ جعلاً فاسداً لجهل عوضه. انتهى. وهو مثل قوله فِي " المدونة ": وإِن قال: من جاءني بِهِ فله نصفه لَمْ يجز (¬4)؛ لأنه لا يدري مَا دخله، ومَا لا يجوز بيعه لا يجوز أَن يكون ثمناً لإجارة أَو جعل. ¬
وإِنِ اسْتُحِقَّ ولَوْ بِحُرِّيَّةٍ، بِخِلافِ مَوْتِهِ بِلا تَقْدِيرِ زَمَنٍ إِلا بِشَرْطِ تَرْكٍ مَتَى شَاءَ ولا نَقْدٍ مُشْتَرَطٍ. قوله: (وإِنِ اسْتُحِقَّ ولَوْ بِحُرِّيَّةٍ) كذا فِي النسخ بالإغياء، وأنت إِذَا تأملته وجدت اللائق أَن يقول: أَو استحق. بالعطف عَلَى المستثنى من مفهوم التمام. فِي كُلِّ مَا جَازَ فِيهِ الإِجَارَةُ بِلا عَكْسٍ ولَوْ فِي الْكَثِيرِ إِلا فِي كَبَيْعِ سِلَعٍ لا يَأْخُذُ شَيْئاً إِلا بِالْجَمِيعِ. قوله: (فِي كُلِّ مَا جَازَ فِيهِ الإِجَارَةُ بِلا عَكْسٍ) هذا عكس قوله فِي " المدونة ": وكل مَا جَازَ فيه الجعل جازت فيه الإجارة، وليس كل مَا جازت فيه الإجارة يجوز فيه الجعل (¬1) أي: فالإجارة أعم، ويشبه أَن يكون المصنف كتب فِي المبيضة فكلّ مَا جَازَ فيه جازت فيه الإجارة، عَلَى أَن يكون فاعل جَازَ الأول ضمير الجعل، فظنّه الناسخ تكراراً فأسقط إحدى الجملتين وعوّض الفاء بفي، وقد يصحّ بقاء اللفظ عَلَى حاله، عَلَى أَن يكون الإجارة مبتدأً وفِي (كلّ مَا جَازَ فيه) خبر مقدم، وفِي جَازَ أَيْضاً ضمير الجعل إِلا أنّه شديد التكلّف، فإذا زيد فِي أول الكلام: فاء أَو واو سهل شيئاً [مَا] (¬2). تحرير: قال ابن عرفة: صدق هذه الكلّية عَلَى ظاهر قول ابن الحاجب وابن رشد و " التلقين " (¬3) القائلين بصحة الجعل فِي العمل المجهول، لا يصحّ، وعلى منعه فيه صدقها واضح، ويلزم منه منع الجعل عَلَى حفر الأرض لاستخراج ماء ونحوه مَعَ جهل حال الأرض لنصّ " المدونة " بمنع الإجارة عَلَى حفرها لذلك مَعَ جهل حالها، فلو جَازَ الجعل فيه مَعَ الجهل كذبت الكلية لصدق نقيضها أَو منافيها، وهو قولنا بعض مَا يجوز فيه الجعل ليس ¬
بجائز فيه الإجارة أَو غير جائز فيه الإجارة، الأول سلب، والثاني عدول وذلك البعض هو الأرض المجهول حالها لَهُمَا. وفِي شَرْطِ مَنْفَعَةِ الْجَاعِلِ قَوْلانِ. ولِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ جُعْلُ مِثْلِهِ إِنِ اعْتَادَهُ. قوله: (وَفِي شَرْطِ مَنْفَعَةِ الْجَاعِلِ قَوْلانِ) هذا كقوله فِي " المقدمات ": واختلف هل من شروط صحته أَن يكون فيه منفعة للجاعل أم لا؟ عَلَى قولين (¬1)، وظاهر كلام عياض فِي " التنبيهات " أَن المشهور اشتراط المنفعة للجاعل؛ لأنه قال: هو أَن يجعل الرجل للرجل أجراً معلوماً ولا ينقده إياه عَلَى عمل [يعمله] (¬2) لَهُ معلوم أَو مجهول مما فيه منفعة للجاعل عَلَى خلاف فِي هذا الأصل عَلَى أنّه إِن عمله كَانَ لَهُ الجعل، وإن لَمْ يتمّ فلا شيء لَهُ مما لا منفعة فيه للجاعل إِلا بعد تمامه. وقال ابن يونس: قال عبد الملك: من جعل لرجلٍ جعلاً عَلَى أَن يرقى إِلَى موضعٍ من الجبل سماه لَهُ أنّه لا يجوز، ولا يجوز الجعل إِلا فيما ينتفع بِهِ الجاعل، يريد أنّه من أكل أموال الناس بالباطل. تكميل: قال المتيطي عن القابسي: لا يصلح الجعل فِي حفر بئرٍ أَو عينٍ [إلا] (¬3) فِي ملك الجاعل، وقاله الجمّ الغفير. قال بعض الموثقين: وهو أحسن، وأجاز مالك الجعل فِي الغرس فِي ملكه، وعقد ابن العطار وثيقة جعل فِي حفر بئر وطيها بالصخر فِي ملك الجاعل واشترط الصخر عَلَى المجعول لَهُ. ابن عرفة: فيدخله أمران الجعل فِي أرض الجاعل، واجتماع الجعل والبيع. وقال ابن عات: الجعل عَلَى الحفر فِي أرضٍ يملكها الجاعل خطأ، ومَا عقده ابن العطار جوّزه مالك فِي المغارسة، وهي فِي أرض الجاعل. ابن عرفة: إنما جوّزها مالك فِي ملك الجاعل؛ لأن عدم تمام العمل فيها لا يبقي نفعاً للجاعل فِي أرضه بِخِلاف الحفر فيها فتأمله، فاعتراضهم بها لغوٌ. ¬
كَحَلِفِهِمَا بَعْدَ تَخَالُفِهِمَا. وَلِرَبِّهِ تَرْكُهُ وإِلا فَالنَّفَقَةُ. وَإِنْ أَفْلَتَ فَجَاءَ بِهِ آخَرُ فَلِكُلٍّ نِسْبَتُهُ. قوله: (كَحَلِفِهِمَا بَعْدَ تَخَالُفِهِمَا) يشير لقول ابن الحاجب تبعاً لابن شاس: ولَو تنازعا فِي قدر الجعل تحالفا ووجب جعل المثل (¬1). ابن هارون: القياس قبول قول الجاعل؛ لأنه غارم، ولأنه كمبتاع سلعة قبضها وفاتت بيده، فالقول قوله إِن ادعى مَا يشبه وإِلا فقول خصمه إِن ادعى مَا يشبه (¬2) وإِلا تحالفا، ورُدَّا لِجُعْلِ المثلِ. ابن عبد السلام: إنما يصحّ مَا قاله ابن الحاجب إِن اختلفا بعد تمام العمل وأتيا بما لا يشبه، وإِلا فإن كَانَ العبد باقياً بيد المجعول لَهُ، وأتى بما يشبه فالقول قوله، فإن ادعى مَا لا يشبه وادعى الجاعل مَا يشبه [قبل قوله، فإن ادعى مَا لا يشبه] (¬3) حكم بما قاله ابن الحاجب، هذا الجاري عَلَى حكم الإجارة. ابن عرفة: هذا أصوب من قول ابن هارون، [115 / أ] والأَظْهَر تخريج المسألة عَلَى نصّ " المدونة " فِي القراض: أَن القول قول العامل إِن أتى بما يشبه (¬4). تتميم: زاد ابن شاس: إِذَا أنكر المالك سعي العامل فِي الردّ فالقول قول المالك (¬5)، وقبله ابن عرفة، ونحوه لابن عبد السلام. وإِنْ جَاءَ بِهِ ذُو دِرْهَمٍ وذُو أَقَلَّ اشْتَرَكَا فِيهِ ولِكِلَيْهِمَا الْفَسْخُ. وَلَزِمَتِ الْجَاعِلَ بِالشُّرُوعِ. قوله: (وإِنْ جَاءَ بِهِ ذُو دِرْهَمٍ وذُو أَقَلَّ اشْتَرَكَا فِيهِ) أي: فِي الدرهم وهو الأكثر. ¬
وفِي الْفَاسِدِ جَعْلُ الْمِثْلِ إِلا بِجُعْلٍ مُطْلَقاً فَأُجْرَتُهُ. قوله: (وَفِي الْفَاسِدِ (¬1) جَعْلُ الْمِثْلِ إِلا بِجُعْلٍ مُطْلَقاً [فَأُجْرَتُهُ) أي إِلا إِذَا عامله بجعلٍ مُطْلَقاً] (¬2) تمّ العمل أَو لَمْ يتمّ، وأشار بِهِ إِلَى أظهر الأَقْوَال عند ابن رشد، وذلك أنّه قال فِي سماع ابن القاسم من جاعل فِي آبقٍ لَهُ فقال: إِن وجدته فلك كذا وكذا وإِن لَمْ تجده فلك طعامك وكسوتك: لا خير فيه. ابن القاسم: إِن وقع فله جعل مثله إِن وجده، وإِن لَمْ يجده فله أجر مثله. أصبغ عن ابن القاسم: لا أجرة لَهُ. فقال ابن رشد: اختلف فِي الجعل الفاسد إِذَا وقع عَلَى ثلاثة أَقْوَال: أحدها: أنّه يرد إِلَى حكم نفسه، فيكون لَهُ جعل مثله إِن أتى بِهِ، ولا يكون لَهُ شيء إِن لَمْ يأت بِهِ، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم هذه. والثاني: [أنّه] (¬3) يرد إِلَى حكم غيره وهي الإجارة التي هي الأصل، فيكون لَهُ أجر مثله أتى بِهِ أَو لَمْ يأت. والثالث: أنّه إِن كَانَ لَمْ يخيبه إِن لَمْ يأت بِهِ كنحو هذه المسألة التي قال لَهُ فيها إِن لَمْ تجده فلك نفقتك (¬4)، وإن وجدته فلك كذا وكذا كَانَ لَهُ إجارة مثله أتى بِهِ أَو لَمْ يأت بِهِ وإن كَانَ لَمْ يسم شيئاً إِلا فِي الإتيان بِهِ كَانَ لَهُ جعل مثله إِن أتى بِهِ، [ولَمْ] (¬5) يكن لَهُ شيء إِن لَمْ يأت بِهِ. فوجه الأول أَن الجعل أصلٌ فِي نفسه، ووجه الثاني أَن الجعل إجارة بغرر جوزتها السنة، ووجه الثالث أنّه إنما يكون جعلاً إِذَا جعله لَهُ عَلَى الإتيان بِهِ خاصّة، فأما إِذَا جعل لَهُ فِي الوجهين فليس بجعلٍ، وإِن سماه جعلاً وإنما هو إجارة، وهذا أظهر الأَقْوَال، وإياه ¬
اختار ابن حبيب وحكاه عن مالك ومطرف وابن الماجشون، وهذه الثلاثة راجعة لأصل، وجارية عَلَى قياس، بِخِلاف قول ابن القاسم فِي هذه الرواية (أَن لَهُ جعل مثله إِذَا وجده وأجر مثله إِذَا لَمْ يجده) (¬1). ¬
باب إحياء الموات
[باب إحياء الموات] مَوَاتُ الأَرْضِ مَا سَلِمَ عَنْ الاخْتِصَاصِ بِعِمَارَةٍ ولَوِ انْدَرَسَتْ، إِلا بِإِحْيَاءٍ وبِحَرِيمِهَا كَمُحْتَطَبٍ، ومَرْعًى يُلْحَقُ غُدُوَّاً ورَوَاحاً لِبَلَدٍ، ومَا لا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ ولا يَضُرُّ بِمَاءٍ لِبِئْرٍ، ومَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِنَخْلَةٍ. قوله: (مَا لا يُضَيِّقُ عَلَى وَارِدٍ ولا يَضُرُّ بِمَاءٍ لِبِئْرٍ) كذا هو فِي النسخ بنفي الفعلين، وفِي " المدونة " روايتان مَا لا يضر ومَا يضر (¬1). قال عياض: وكلاهما صواب، فما يضر هو حريمها ومَا لا يضر هو حد حريمها. ومَطْرحِ (¬2) [70 / أ] تُرَابٍ، ومَصَبِّ مِيزَابٍ لِدَارٍ. قوله: (وَمَطْرَحِ تُرَابٍ، ومَصَبِّ مِيزَابٍ لِدَارٍ) تبع فِي هذا قول ابن شاس وابن الحاجب التابعين للغزالي، وحريم الدار المحفوفة بالموات مَا يرتفق بِهِ من مطرح تراب أَو مصبّ ميزاب (¬3). ابن عرفة: هذا الحكم فِي هذه الصورة لا أعرفه لأحدٍ من أهل المذهب بحال، لكن مسائل المذهب تدلّ عَلَى صحته. ولا تَخْتَصُّ مَحْفُوفَةٌ بِأَمْلاكٍ، ولِكُلٍّ الانْتِفَاعُ مَا لَمْ يَضُرَّ، وبِإِقْطَاعِ [الإِمَامِ] (¬4)، ولا يَقْطِعُ مَعْمُورَ الْعُنْوَةِ مِلْكاً، وبِحِمَى إِمَامٍ مُحْتَاجاً إِلَيْهِ قَلَّ مِنْ بَلَدٍ عَفَا لِكَغَزْوٍ. قوله: (وَلا تَخْتَصُّ مَحْفُوفَةٌ بِأَمْلاكٍ، ولِكُلٍّ الانْتِفَاعُ [مَا لَمْ يَضُرَّ) عبارة ابن الحاجب تابعاً لابن شاس: ولكلٍ الانتفاع] (¬5) بملكه وحريمه (¬6). ابن عرفة: فِي تسوية الانتفاع بملكه وحريمه بمجرد عطفه عَلَيْهِ نظر؛ لأن مسمى حريمه ¬
المغاير لمسمى ملكه لعطفه عَلَيْهِ إنما يصدق عَلَى الفناء وليس انتفاعه بِهِ كانتفاعه بملكه، إذ يجوز كراؤه ملكه مُطْلَقاً، وأما فناؤه ففي سماع ابن القاسم من مالك لأرباب الأفنية التي انتفاعهم بها لا يضر بالمارة أَن يكروها. ابن رشد: لأن كلّ مَا للرجل أَن ينتفع بِهِ فله أَن يكريه (¬1). ابن عرفة: وهذه كلّية غير صادقة؛ لأن بعض مَا للرجل أَن ينتفع بِهِ لا يجوز لَهُ أَن يكريه كجلد الأضحية وبيت المدرسة للطالب ونحوه، وفناء الدار هو مَا بين يدي بنائها فاضلاً عن ممر الطريق المعدّ للمرور غالباً كَانَ بين يدي بابها أَو غيره، وكَانَ بعض شيوخنا يشير إِلَى أنّه الكائن بين يدي بابها وليس كَذَلِكَ؛ لقوله فِي كتاب القسم من " المدونة ": وإِن قسما داراً عَلَى أَن يأخذ كلّ واحد طائفة، فمن صارت الأجنحة فِي حظه فهي لَهُ، ولا تعد من الفناء، وإِن كانت فِي هواء الأفنية وفناء الدار لهم أجمعين الانتفاع بِهِ (¬2). انتهى. والمقصود منه مَا اشتمل عَلَيْهِ من الفوائد، وأما المناقشة فشأنها سهل. وافْتَقَرَ لإِذْنٍ، وإِنْ مُسْلِماً، إِنْ قَرُبَ، وإِلا فَلِلإِمَامِ إِمْضَاؤُهُ أَوْ جَعْلُهُ مُتَعَدِّياً. بِخِلافِ الْبَعِيدِ، ولَوْ ذِمِّيَّاً بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. وَالإِحْيَاءُ بِتَفْجِيرِ مَاءٍ وبِإِخْرَاجِهِ، وبِبِنَاءٍ، وبِغَرْسٍ، وبِحَرْثٍ، وتَحْرِيكِ أَرْضٍ. وَبِقَطْعِ شَجَرٍ، وبِكَسْرِ حَجَرِهَا وبِتَسْوِيَتِهَا. لا بِتَحْوِيطٍ ورَعْيِ كَلإٍ، وحَفْرِ بِئْرٍ لِمَاشِيَةٍ. وجَازَ بِمَسْجِدٍ سُكْنَى لِرَجُلٍ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ، وعَقْدُ نِكَاحٍ، وقَضَاءُ دَيْنٍ، وقَتْلُ عَقْرَبٍ، ونَوْمٌ بِقَائِلَةٍ، وتَضْيِيفٌ بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ، وَإِنَاءٌ لِبَوْلٍ إِنْ خَافَ سَبُعاً كَمَنْزِلٍ تَحْتَهُ، ومُنِعَ عَكْسُهُ وكَإِخْرَاجِ رِيحٍ، ومُكْثٍ بِنَجَسٍ. قوله: (وافْتَقَرَ لإِذْنٍ) فاعل افتقر يعود عَلَى الموات بحذف مضاف أي: وافتقر إحياء الموات. ¬
وكُرِهَ أَنْ يَبْصُقَ بِأَرْضِهِ وحَكَّهُ، وتَعْلِيمُ صَبِيٍّ، وبَيْعٌ وشِرَاءٌ، وسَلُّ سَيْفٍ. قوله: (وكُرِهَ أَنْ يَبْصُقَ بِأَرْضِهِ وحَكَّهُ) أي والحكم بعد الوقوع أَن يحكه، وهذا فِي غير المحصّب والمحصر لقوله فِي فصل صلاة الجماعة لما ذكر الجائزات: (وبصق بِهِ إِن حصب أَو تحت حصيره) وكذا قيّده ابن عبد السلام هنا. وإِنْشَادُ ضَالَّةٍ، وهَتْفٌ بِمَيِّتٍ، ورَفْعُ صَوْتٍ كَرَفْعِهِ بِعِلْمٍ، ووَقِيدُ نَارٍ، ودُخُولُ كَخَيْلٍ لِنَقْلٍ، وفَرْشٌ ومُتَّكَأٌ. وَلِذِي مَأْجَلٍ، وبِئْرٍ، ومِرْسَالِ مَطَرٍ (كَمَاءٍ يَمْلِكُهُ) مَنْعُهُ وبَيْعُهُ. قوله: (وإِنْشَادُ ضَالَّةٍ) يريد: ونشدها [115 / ب] أَيْضاً ويتبين لك الفرق بينهما من قول الشاعر: (91) إِصَاخَةِ النَاشِدِ لِلْمُنْشِدِ إِلا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ ولا ثَمَنَ مَعَهُ. قوله: (إِلا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ ولا ثَمَنَ مَعَهُ) هو كقوله فِي " المدونة ": إِلا قوماً لا ثمن معهم، وإِن تركوا إِلَى أَن يردوا ماء غيره هلكوا فلا يمنعوا (¬1). ابن يونس: إِن كَانَ المسافرون لا ثمن معهم وجبت مواساتهم للخوف عليهم ولا يتبعون بثمنه، وإِن كانت لهم أموال ببلدهم؛ لأنهم اليوم أبناء السبيل يجوز لهم أخذ الزكاة؛ لوجوب مواساتهم، وأما اللخمي فقال: إِن لَمْ يكن معهم ثمن كَانَ لهم أخذه الآن، ويختلف هل يتبعون بالثمن متى أيسروا قياساً عَلَى من وجبت مواساته لأجل فقره، فاختلف فيه هل يتبع بشيءٍ إِن أيسر، وإن كانوا مياسير فِي بلادهم اتبعوا. والأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ كَفَضْلِ بِئْرِ زَرْعٍ خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ بِهَدْمِ بِئْرِهِ، وأَخَذَ يُصْلِحُ. وأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَفَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ بِصَحْرَاءَ هَدَراً إِنْ لَمْ يُبَيِّنِ الْمِلْكِيَّةِ. قوله: (والأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ) يريد إِن كَانَ معه ثمن كأنه رأى أَن ذكره الثمن يدل عَلَى [أَن] (¬2) الفرض مَعَ وجوده ثم شبه فِي الأَرْجَحية وغيرها فقال: (كَفَضْلِ بِئْرِ زَرْعٍ خِيفَ ¬
عَلَى زَرْعِ جَارِهِ بِهَدْمِ بِئْرِهِ، وأَخَذَ يُصْلِحُ)، فاقتضى كلامه أَن ابن يونس رجّح أَن الواجد لا يأخذه إِلا بالثمن فيهما، وهو موافق للمدونة فِي الأول، ومخالف لَهَا فِي الثاني، وذلك أنّه قال فِي " المدونة ": وكل من حفر فِي أرضه أَو داره بيراً فله منعها ومنع مائها، ومنع المارة من مائها إِلا بثمن (¬1). فقال ابن يونس: لَمْ ير هاهنا أَن يأخذوه بغير ثمن إِن كَانَ معهم، وقال فِي الذي انهارت بيره، وخاف عَلَى زرعه أَن لَهُ أَن يسقي بماء جاره الذي يجوز لَهُ بيعه بغير ثمن، وإحياء نفسه أعظم من إحياء زرعه، والأولى فِي كلا الأمرين أَن يأخذ ذلك بالثمن كما لَو مات جمله فِي الصحراء لكان عَلَى بقية الرفقة أَن يكروا منه. زاد أبو إسحاق التونسي: إِلا أَن يكون أراد أَن فضل ماء جاره لا ثمن لَهُ فلا يقدر عَلَى بيعه فيصحّ حينئذٍ الجواب، ويكون هذا الماء الذي باعه من المسافرين لَهُ ثمن، فيكون اختلاف الجواب لاختلاف المعنى. أبو الحسن الصغير: وفرق بعضهم بأن المسافرين مختارون لسبب السفر، والذي انهارت بيره ليس بمختار. انتهى. وقد قال المصنف فِي باب الصيد: (ولَهُ الثمن إِن وجد). وَبُدِئَ بِمُسَافِرٍ، ولَهُ عَارِيَةُ آلَةٍ ثُمَّ حَاضِرٍ، ثُمَّ دَابَّةِ رَبِّهَا. قوله: (وَبُدِئَ بِمُسَافِرٍ، ولَهُ عَارِيَةُ آلَةٍ ثُمَّ حَاضِرٍ، ثُمَّ دَابَّةِ رَبِّهَا) الضمير فِي ربِّها يعود عَلَى البئر، يريد ثم دابّة المسافر ثم دابّة الحاضر، ولَمْ يصرّح بِهِ اكتفاءً بما ذكر فِي أربابها، والذي فِي " المقدمات " وجه التبدئة فِي الشرب فِي بئر الماشية: إِذَا اجتمع أهل البئر والمارة وسائر الناس والماء يقوم بهم أَن يبدأ أولاً أهل الماء فيأخذون لأنفسهم حتى يرووا، ثم المارة حتى يرووا، ثم دوابّ أهل الماء حتى يرووا، [ثم دوابّ المارة حتى يرووا] (¬2)، ثم مواشي أهل الماء حتى يرووا، ثم الفضل لسائر مواشي الناس (¬3). ¬
لِجَمِيعِ (¬1) الرِّيِّ. قوله: (لِجَمِيعِ الرِّيِّ) لامه لام الغاية. إشارة لقول ابن رشد فِي المراتب كلّها " حتى يرووا " (¬2)، وفِي بعض النسخ بالباء كأنّه بدل اشتمال من قوله: (بمسافر). وَإِلا فَبِنَفْسِ الْمَجْهُودِ، وإِنْ سَالَ مَطَرٌ بِمُبَاحٍ سُقِيَ الأَعْلَى إِنْ تَقَدَّمَ لِكَعْبٍ، وأُمِرَ بِالتَّسْوِيَةِ، وإِلا فَكَحَائِطَيْنِ. وَقُسِمَ لِلْمُتَقَابِلَيْنِ كَالنِّيلِ، وإِنْ مُلِكَ أَوَّلاً قُسِمَ بِقِلْدٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وأُقْرِعَ لِلتَّشَاحِّ فِي السَّبْقِ. ولا يَمْنَعُ صَيْدَ سَمَكٍ، وإِنْ مِنْ مِلْكِهِ وهَلْ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَقَطْ؟ أَوْ إِلا أَنْ يَصِيدَ الْمَالِكُ؟ تَأْوِيلانِ. قوله: (وإِلا فَبِنَفْسِ الْمَجْهُودِ) راجع لـ: (فضل بئر ماشية) أي: إن لَمْ يكن فضل بديء بنفس المجهود، ويحتمل أَن يكون راجعاً لقوله: ([بجميع] (¬3) الري) أي: وإن لَمْ يكن فِي الفضل ريّ الجميع. قال ابن رشد فِي " المقدمات ": فأما إِن لَمْ يكن فِي الماء فضل وتبدية أحدهم تجهد الآخرين فأنّه يبدأ بأنفسهم ودوابّهم من كَانَ الجهد عَلَيْهِ أكثر بتبدئة صاحبه، فإن استووا فِي الجهد تساووا. هذا مذهب أشهب، وعَلَى مَا ذهب إليه ابن لبابة أنهم إِذَا استووا فِي الجهد فأهل الماء أحقّ بالتبدئة لأنفسهم ودوابّهم، وأما إِن قلّ الماء وخيف عَلَى بعضهم بتبدئة بعض الهلاك، فأنّه يبدأ أهل الماء فيأخذون لأنفسهم بقدر مَا يذهب عنهم الخوف، فإن فضل فضل أخذ المسافرون لأنفسهم بقدر مَا يذهب عنهم الخوف، فإن فضل فضل أخذ أهل الماء لدوابّهم بقدر مَا يذهب عنهم الخوف، فإن فضل فضل أخذ المسافرون لدوابّهم بقدر مَا يذهب عنهم الخوف، ولا اختلاف عندي فِي هذا الوجه (¬4). وَ [لا] (¬5) كَلأٍ بِفَحْصٍ وعَفَاءٍ لَمْ يَكْتَنِفْهُ زَرْعُهُ. بِخِلافِ مَرْجِهِ وحِمَاهُ. قوله: (ولا كَلأٍ بِفَحْصٍ وعَفَاءٍ لَمْ يَكْتَنِفْهُ زَرْعُهُ، بِخِلافِ مَرْجِهِ وحِمَاهُ) هذا التقسيم فِي ¬
الأرض المتملكة وتعرف هذه الأقسام. بالوقوف عَلَى كلام ابن رشد فِي " المقدمات " وهو الذي اختصر هنا ونصّه: [116 / أ] " وإِن كَانَ الكلأ فِي أرضٍ متملّكة فإنها تنقسم عَلَى أربعة أقسام: أحدها: أَن تكون محظّرة قد حظر عَلَيْهَا بالحيطان كالجنات (¬1) والحوائط. والثاني: أَن تكون غير محظّرة إِلا أنها حماه ومروجه التي قد بوّرها للرعي، وترك زراعتها من أجل ذلك. والثالث: فدادينه وفحوص أرضه التي لَمْ يبورها للرعي، وإنما ترك زراعتها لاستغنائه عن زراعتها أَو ليجمعها للحرث. والرابع العفاء والمسرح من أرض قريته. فأما الأول: وهو إِذَا كانت محظرة فلا اختلاف فيما كَانَ فيها من الكلأ أَن صاحبها أحقّ بِهِ، لَهُ أَن يبيعه ويمنعه احتاج إليه أَو لَمْ يحتج إليه. وأما الرابع: وهو العفاء والمسرح من أرض قريته، فلا اختلاف أنّه لا يبيعه ولا يمنع الناس عما فضل عن حاجته منه إِلا أَن يكون فِي تخلّف الناس بدوابهم ومواشيهم ضرر عَلَيْهِ من زرعٍ يكون حواليه فيفسد عَلَيْهِ بالإقبال والإدبار. وأما الثاني والثالث فاختلف فيهما عَلَى ثلاثة أَقْوَال: فقال ابن الماجشون: لَهُ أَن يبيع مراعي أرضه كَانَ بوَّرها للكراء أَو لَمْ يبورها لذلك. وقال أشهب: ليس لَهُ أَن يبيع، وإنما يكون أحقّ بمقدار حاجته ويترك الفضل للناس. وقال ابن القاسم: لَهُ أَن يبيع إِن أوقفها للمرعى، وليس لَهُ أَن يبيع مَا فِي فدادينه وفحوصه ". انتهى. ولَمْ يصرّح المصنف بالتي حظر عَلَيْهَا إما لاندراجها فِي حماه أَو لأنها أحرى منه، والذي عند الجوهري: العفاء بالفتح والمدّ الدروس والهلاك، والعفو الأرض الغُفْل لَمْ توطأ. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الوقف
[باب الوقف] صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ، وإِنْ بِأُجْرَةٍ. قوله: (وإِنْ بِأُجْرَةٍ) قصد لمخالفة قول ابن الحاجب، ويصحّ فِي العقار المملوك لا المستأجر (¬1). عملاً عَلَى مَا حكى فِي " توضيحه " من اعتراض قول ابن الحاجب، بأن ظاهره أَن المنافع المملوكة دون الرقبة لا يصحّ وقفها. وفِي " الإجارة " من " المدونة ": " لا بأس أَن يكري أرضه عَلَى أَن تتخذ مسجداً عشر سنين، فإذا انقضت كَانَ النقض للذي بناه " (¬2). انتهى. فليتأمل. وأما ابن عرفة فقال: وقول ابن الحاجب يصحّ فِي العقار المملوك لا المستأجر اختصاراً لقول ابن شاس: لا يجوز وقف الدار المستأجرة، (¬3) وفِي كون مراد ابن شاس نفي وقف مالك منفعتها أَو بائعها نظر. وفسّره ابن عبد السلام فِي لفظ ابن الحاجب بالأول، وهو بعيد؛ لخروجه بالمملوك، والأَظْهَر الثاني، وفِي نقله الحكم بإبطاله نظر؛ لأن الحبس إعطاء منفعة دائماً، وأمد الإجارة خاصّ فالزائد عَلَيْهِ يتعلّق بِهِ الحبس لسلامته من المعارض، ثم فِي لغو حوز المستأجر إياه للحبس، فيفتقر لحوزه بعد أمد الإجارة وصحته، فيتمّ من حين عقده قَوْلانِ مخرّجان عَلَى قول ابن القاسم وأشهب فِي مثلها من الهبة. وَلَوْ حَيَوَاناً ورَقِيقاً كَعَبْدٍ عَلَى مَرْضَى لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرَهُ. وَفِي وَقْفِ كَطَعَامٍ تَرَدُّدٌ. عَلَى أَهْلِ التَّمَلُّكِ كَمَنْ سَيُولَدُ، وذِمِّيٍّ وإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ. قوله: (وَلَوْ حَيَوَاناً) استدلّ لهذا اللخمي وتبعه المتيطي بقوله صلى الله عَلَيْهِ وسلم " من حبس فرساً فِي سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريّه فِي ميزانه يوم القيامة " أخرجه البخاري (¬4). فقال ابن عرفة: هذا الاستدلال وهم شنيع فِي فهمه إِن ¬
ضبط باء " حبس " بالتخفيف، وفِي روايته أَن ضبطها بالتشديد] (¬1). أَوْ يَشْتَرِطْ تَسْلِيمَ غَلَّتِهِ مِنْ نَاظِرِهِ لِيَصْرِفَهَا، أَوْ كَكِتَابٍ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ صَرْفِهِ فِي مَصْرِفِهِ وبَطَلَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وحَرْبِيٍّ، وكَافِرٍ لِكَمَسْجِدٍ، أَوْ عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ. قوله: (أَوْ يَشْتَرِطْ تَسْلِيمَ غَلَّتِهِ مِنْ نَاظِرِهِ لِيَصْرِفَهَا) أَو يشترط مجزوم عطفاً عَلَى مَا بعد لَمْ (¬2)، وفِي بعض النسخ تسليم بسكون السين وكسر اللام وياء بعدها، وفِي بعضها تَسَلُّم بفتح السين وضم اللام المشددة وهذا أنسب. أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ قَبْلَ عَامٍ. قوله: (أَوْ عَادَ لِسُكْنَى مَسْكَنِهِ قَبْلَ عَامٍ) فِي رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات: سئل عمن تصدّق عَلَى ولده وهم صغار يليهم بدار، وأشهد لهم، وكَانَ يكريها لهم فلما بلغوا الحوز قبضوها، وأكروها منه، فمات فيها فقال: لا أراها إِلا ¬
جائزة إِذَا كانوا قد قبضوها وحازوها وانقطعوا (¬1) بالحيازة وانتقل منها قيل لَهُ: وكم حد ذلك السنة والسنتان؟ قال: أرى ذلك وما أشبهه. قال ابن رشد: هذا مثل مَا مضى فِي رسم استأذن من أَن رجوع المتصدق إِلَى سكنى الدار التي تصدّق بها بعد أَن حيزت [116 / ب] عنه حيازة بينة حدها العام عَلَى مَا نصّ عَلَيْهِ فِي هذه الرواية لا يُبطل الصدقة، ومثله فِي رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ من كتاب الرهون [بِخِلاف الرهن] (¬2) إذ لا اختلاف فِي أنّه يبطل برجوعه إِلَى الراهن (¬3) وإِن طالت مدة حيازة المرتهن إياه لقوله عز وجلّ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283]، وفِي هذه المسألة بيان واضح؛ أن (¬4) الأب لَو رجع إِلَى سكنى الدار وبنوه صغار، لبطلت الهبة، وإِن كَانَ قد أخلاها وحازها لهم بالكراء المدة الطويلة، (فتفترق فِي هذا حيازة الكبار لأنفسهم من حيازة الأب للصغار)، وقد نصّ عَلَى ذلك محمد ابن المواز (¬5). أَوْ جُهِلَ سَبْقُهُ لِدَيْنٍ إِنْ كَانَ عَلَى مَحْجُورِهِ. قوله: (أَوْ جُهِلَ سَبْقُهُ لِدَيْنٍ إِنْ كَانَ عَلَى مَحْجُورِهِ) أي: [إن كَانَ الحبس عَلَى محجوره] (¬6)، والشَرْط قاصر عَلَى هذه دون مَا قبلها. قال فِي كتاب: الهبات من " المدونة ": ومن وهب لرجلٍ هبة لغير ثواب (¬7)، ثم ادعى رجلٌ أنّه ابتاعها من الواهب، وجاء ببينة، فقام الموهوب يريد قبضها فالمبتاع أحق بها (¬8)، وذلك كقول مالك فِي الذي حبس عَلَى ولد ¬
لَهُ صغار حبساً، ومات وعَلَيْهِ دين لا يدرى قبل الحبس أَو بعده، فقال البنون: قد حزنا بحوز الأب علينا، فإن أقاموا بينة أَن الحبس (¬1) كَانَ قبل (¬2) الدين فالحبس لهم، وإِلا بيع للغرماء، وكَذَلِكَ الهبة لغير ثواب، وقد استوعبها المتيطي آخر كتاب: الحبس. أَوْ عَلَى نَفْسِهِ ولَوْ بِشَرِيكٍ. قوله: (أَوْ عَلَى نَفْسِهِ ولَوْ بِشَرِيكٍ) معطوف عَلَى قوله عَلَى معصية. أَوْ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَهُ، أَوْ لَمْ يَحُزْهُ كَبِئْرٍ وُقِفَ عَلَيْهِ، ولَوْ سَفِيهاً أَوْ وَلِيُّ [71 / ب] صَغِيرٍ، أَوْ لَمْ يُخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وبَيْنَ كَمَسْجِدٍ قَبْلَ فَلَسِهِ، ومَوْتِهِ، ومَرَضِهِ. قوله: (أَوْ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لَهُ) قد تَرَدُّدٌ فِي فهم هذا فِي " توضيحه "، وذلك أنّه نقل فِي " الجواهر " عن كتاب محمد فيمن حبس غلة داره فِي صحته عَلَى المساكين، فكان يلي عَلَيْهَا حتى مات وهي بيده: أنها ميراث (¬3). قال: وكَذَلِكَ لَو شرط فِي حبسه أنّه يلي ذلك لَمْ يجزه لَهُ ابن القاسم وأشهب فقال فِي " التوضيح ": انظر قوله فِي " الموازية ": وكَذَلِكَ لَو شرط: هل المراد أنّه يبطل حبسه، وهو ظاهر لفظه، ويؤيده اختلافهم فيما إِذَا جعله بيد غيره عَلَى أَن يتسلّم (¬4) منه غلته ويصرفها، ولا شكّ أَن البطلان هنا أقوى (¬5)، أَو معنى قوله: لَمْ يجزه (¬6) لَهُ. ابن القاسم وأشهب، لَمْ يجيزا لَهُ الشَرْط، بل يصحّ ويخرج إِلَى غير يده. والأَظْهَر أَن معنى مَا فِي " الموازية " أَن المُحْبِّسَ مات ولَمْ يُحَزْ عنه، ولا إشكال فِي البطلان مَعَ ذلك، وأما إِن كَانَ حياً فأنّه يصحّ الوقف ويخرج إِلَى يد ثقة ليتمّ الحوز، وكذا فسّر ابن عبد السلام وقال: وإذا (¬7) [كان لا يوفي لَهُ بشرط] (¬8) الخِيَار فهذا الشَرْط أولى أَن ¬
لا يوفي بِهِ؛ لانبرام العقد معه. انتهى. فإن قيّد (¬1) كلامه هنا بأن يكون المحبس قد مات قبل الحوز، وإِلا كَانَ مخالفاً لفهم ابن عبد السلام، وفيه مَا فيه. وأما الفرع المختلف فيه الذي اعتضد بِهِ فقد قطع فيه قبل بالصحة إذ قال: (أَو يشترط تسلم غلته من ناظره ليصرفها). إِلا لِمَحْجُورِهِ إِذَا أَشْهَدَ، وصَرَفَ الْغَلَّةَ لَهُ، ولَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ، أَوْ عَلَى وَارِثٍ بِمَرَضِ مَوْتِهِ إِلا مُعَقِّباً خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ فَكَمِيرَاثٍ لِلْوَارِثِ كَثَلاثَةِ أَوْلادٍ وأَرْبَعَةِ أَوْلادِ أَوْلادٍ وعَقَّبَهُ وتَرَكَ أُمَّاً وزَوْجَةً فَيَدْخُلانِ فِيمَا لِلأَوْلادِ، وأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَقْفٌ. قوله: (إِلا لِمَحْجُورِهِ إِذَا أَشْهَدَ، وصَرَفَ الْغَلَّةَ لَهُ، ولَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ). ظاهر هذا الاستثناء أَن تحبيس الرجل عَلَى محجورة لا يفتقر للحوز إِذَا توفرت هذه الشروط الثلاثة، يريد الحوز الحسي، وأما الحكمي فلابد منه، والذي فِي كتاب الهبة من " المدونة ": ولا يكون واهب حائزاً للموهوب إلا (¬2) والدٌ أَو وصي، أَو من يحوز أمره (¬3). أبو الحسن الصغير: [قالوا] (¬4): هو مقدم القاضي. وفِي آخر كتاب الرهون منها: ومن حبَّس عَلَى صغار (¬5) ولده داراً أَو وهبها لهم أَو تصدق بها عليهم جَازَ ذلك، وحوزه لهم حوز إِلا أَن يكون ساكناً فِي كلّها أَو جلها حتى مات فيبطل جميعها، وتورث عَلَى فرائض الله عز وجلّ (¬6). وأما الدار الكبيرة ذات المساكين يسكن أقلها، وأكرى لهم باقيها فذلك نافذ لهم فيما سكن وفيما لَمْ يسكن، ولَو سكن الجلّ وأكرى الأقلّ بطل الجميع، وكَذَلِكَ دور يسكن واحدة منها وهي أقل حبسه أَو أكثره عَلَى مَا وصفنا. قال ابن عرفة فِي باب " الهبة " الحوز ¬
حكمي معنوي وحسي، فالأول حوز الولي لمن فِي حجره، فيدخل الكبير السفيه فيها لا (¬1) الوالد لولده العبد، ولا الأم لولدها إِلا أَن تكون عَلَيْهِ وصيةً ومضى عمل الموثقين عَلَى كتبهم، وتولى الأب قبض هذه الصدقة من نفسه لابنه، واحتازها لَهُ من نفسه. وكتب المتيطي في الوثيقة صرفها لَهُ من ماله وأبانها عن ملكه وصيرها من أملاك ابنه ثم قال والإشهاد بصدقته يغني (¬2) عن الحيازة وإحضار الشهود لَهَا فيما لا يسكنه الأب ولا يلبسه. وكره ابن القاسم أَن يذكر فِي كتاب الصدقة أَن الأبّ احتاز ذلك من نفسه بما يحوز بِهِ الآباء لمن يلون عليهم من الأبناء، ورأى أَن السكوت عنه أحسن؛ لأن السنة قد أحكمت [117 / أ] أنّه القابض لهم، ونقله ابن عات. انتهى، وكلام المتيطي عَلَيْهَا فِي كتاب: الحبس أوعب من هذا فقف عَلَيْهِ. ابن عبد السلام: وليس مرادهم أَن الحيازة [تسقط هنا، وإنما مرادهم أَن الحيازة] (¬3) تكون فِي هذا عَلَى وجهٍ مخالف لغيره. انتهى، وإنما أخرج المصنف دار سكناه لأنها (¬4) لا يصحّ تحبيسها إِلا بمعاينة البينة إياها فارغة من شواغل المحبس، وقد زدنا هذا بياناً عند قوله فِي باب: الهبة (وَحيز وإِن بلا إذن). وَانْتَقَضَ الْقَسْمُ بِحُدُوثِ وَلَدٍ لَهُمَا كَمَوْتِهِ عَلَى الأَصَحِّ، لا الزَّوْجَةِ والأُمِّ، فَيَدْخُلانِ، ودَخَلَتَا فِيمَا زِيدَ لِلْوَلَدِ بِحَبَسْتُ ووَقَفْتُ وتَصَدَّقْتُ، إِنْ قَارَنَهُ قَيْدٌ، أَوْ جِهَةٌ لا تَنْقَطِعُ، أَوْ لِمَجْهُولٍ وإِنْ حُصِرَ ورَجَعَ، إِنِ انْقَطَعَ لأَقْرَبِ فُقَرَاءِ عَصَبَةِ الْمُحَبِّسِ، وامْرَأَةٍ لَوْ رُجِّلَتْ عَصَّبَ. فَإِنْ ضَاقَ قُدِّمَ الْبَنَاتُ، وعَلَى اثْنَيْنِ وبَعْدَهُمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ لَهُمْ، إِلا كَعَلَى عَشَرَةٍ حَيَاتَهُمْ فَيُمْلَكُ بَعْدَهُمْ، وفِي كَقَنْطَرَةٍ ولَمْ يُرْجَ عَوْدُهَا فِي مِثْلِهَا، وإِلا وُقِفَ لَهَا، وصَدَقَةٌ لِفُلانٍ فَلَهُ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ فُرِّقَ ثَمَنُهَا بِالاجْتِهَادِ، ولا يُشْتَرَطُ التَّنْجِيزُ، وحُمِلَ فِي الإِطْلاقِ عَلَيْهِ كَتَسْوِيَةِ أُنْثَى بِذَكَرٍ. ¬
ولا التَّأْبِيدُ، ولا تَعْيِينُ مَصْرِفِهِ وصُرِفَ فِي غَالِبٍ وإِلا فَالْفُقَرَاءُ، ولا قَبُولُ مُسْتَحِقِّهِ، إِلا الْمُعَيَّنَ الأَهْلَ، فَإِنْ رَدَّ فَكَمُنْقَطِعٍ، واتُّبِعَ شَرْطُهُ إِنْ جَازَ كَتَخْصِيصِ مَذْهَبٍ أَوْ نَاظِرٍ. قوله: (كَمَوْتِهِ عَلَى الأَصَحِّ) عَلَيْهِ اقتصر ابن الحاجب (¬1) وهو خلاف ظاهر " المدونة " (¬2). أَوْ تَبْدِيَةِ فُلانٍ بِكَذَا، وإِنْ مِنْ غَلَّةِ ثَانِي عَامٍ، إِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ، أَوْ أَنَّ مَنِ احْتَاجَ مِنَ الْمُحَبِّسِ عَلَيْهِ بَاعَ. قوله: (أَوْ تَبْدِيَةِ فُلانٍ بِكَذَا، وإِنْ مِنْ غَلَّةِ ثَانِي عَامٍ، إِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ) أشار بِهِ لقول المتيطي فِي كتاب " الحبس ": وإِذَا قال يجري من غلته عَلَى فلان كل عام كذا وكذا فكانت لَهُ فِي سنة غلة كثيرة، ولَمْ تكن لَهُ فِي سنة أخرى غلة فأنّه يعطي ذلك فِي العام الثاني من غلة الأول، وإِن قال يجري عَلَيْهِ من غلة كل عام كذا وكذا، فأتى عام بلا غلة لَمْ يعط من غلة العام الأول شيء. انتهى. إلا أَن المصنف فرض عكس فرض المتيطي؛ لكن قال فِي كتاب: الوصايا الثاني من " المدونة ": فللموصى لَهُ أخذ وصيته كلّ عام مَا بقي من غلة العام الأول شيء، فإن لَمْ يبق منه شيء فإذا أغل (¬3) ذلك أخذ منه لكلّ (¬4) عام مضى لَمْ يأخذ لَهُ شيئاً (¬5). انتهى. فأنت ترى نصّ " المدونة " مشتملاً عَلَى الفرضين. ¬
أَوْ إِنْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ قَاضٍ أَوْ غَيْرُهُ رَجَعَ لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ كَعَلَى وَلَدِي ولا وَلَدَ لَهُ، لا بِشَرْطِ إِصْلاحِهِ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ. قوله: (أَوْ إِنْ (¬1) تَسَوَّرَ عَلَيْهِ قَاضٍ أَوْ غَيْرُهُ رَجَعَ لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ) أشار بِهِ لقول المتيطي: وإِذَا شرط المحبس فِي حبسه أنّه إِن ذهب قاضٍ أَو غيره إِلَى التسور فِي حبسه (¬2) هذا والنظر فيه، فجميع حبسه راجع إليه إِن كَانَ حياً، أَو إِلَى ورثته ميراثاً إِن كَانَ ميّتاً، أَو صدقة مبتولة عَلَى فلان كَانَ لَهُ شرطه. كَأَرْضٍ مُوَظَّفَةٍ، إِلا مِنْ غَلَّتِهَا عَلَى الأَصَحِّ، أَوْ عَدَمِ بَدْءٍ بِإِصْلاحِهِ أَوْ نَفَقَتِهِ. وأُخْرِجَ السَّاكِنُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِلسُّكْنَى، إِنْ لَمْ يُصْلِحْ، لِتُكْرَى لَهُ. وَأُنْفِقَ فِي فَرَسٍ لِكَغَزْوٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ عُدِمَ بِيعَ، وعُوِّضَ بِهِ سِلاحٌ كَمَا كَلِبَ. وبَيْعَ مَا لا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ عَقَارٍ فِي مِثْلِهِ، أَوْ شِقْصِهِ كَأَنْ أَتْلَفَ، وفَضْلُ الذُّكُورِ، ومَا كَبِرَ مِنَ الإِنَاثِ فِي إِنَاثٍ. قوله: (كَأَرْضٍ مُوَظَّفَةٍ) لما شرح أبو الحسن الصغير نصّ " المدونة " فِي التي قبلها قال: قالوا فيقوم منه أنّه لا يجوز تحبيس الأرض الموظفة، ثم ذكر مَا قال ابن الهندي وابن كوثر. لا عَقَارٌ وإِنْ خَرِبَ، ونِقْضٌ ولَوْ بِغَيْرِ خَرَابٍ، إِلا لِتَوْسِيعِ كَمَسْجِدٍ ولَو جبراً، وأُمِرُوا بِجَعْلِ ثَمَنِهِ لِغَيْرِهِ. قوله: (لا عَقَارٌ وإِنْ خَرِبَ، ونِقْضٌ ولَوْ بِغَيْرِ خَرَابٍ) ظاهره أَن الإغياء راجع للربع الخرب والنقض، ولم نره منصوصاً إِلا فِي الربع الخرب. وَمَنْ هَدَمَ وَقْفاً فعَلَيْهِ إِعَادَتُهُ. قوله: (وَمَنْ هَدَمَ (¬3) وَقْفاً فعَلَيْهِ إِعَادَتُهُ) كذا لابن شاس وابن الحاجب (¬4) وقبله ابن عبد السلام وابن هارون. فقال ابن عرفة: قبولهما إياه يوهم أنّه كل المذهب أَو مشهوره ¬
، ولا أعرفه؛ بل ظاهر " المدونة " أَن الواجب فِي الهدم القيمة مُطْلَقاً (¬1)، وقد قال عياض فِي " حديث جريج " (¬2) في أول كتاب: البر من هدم حائطاً فمشهور مذهب مالك وأصحابه أَن فيه وفِي سائر المتلفات القيمة، وقال الشافعي: عَلَيْهِ بناءُ مثله، وفِي: " العتبية " عن مالك مثله. انتهى. وأما المصنف فأنّه لما شرح نصّ ابن الحاجب قال: وهكذا ذكر فِي " النوادر " إِلا أنّه عزاه لابن كنانة فقال عنه: لا ينقض بنيان الحبس، وتبنى فيه حوانيت للغلة، وهو ذريعة إِلَى تغيير الحبس، ومن كسر حبساً من أهل الحبس أَو غيرهم فعَلَيْهِ أَن يردّ البنيان كما كَانَ. وَتَنَاوَلَ الذُّرِّيَّةُ ووَلَدُ فُلانٍ وفُلانَةَ أَوِ الذُّكُورُ والإِنَاثُ وأَوْلادُهُمْ الْحَافِدَ لا نَسْلِي وعَقِبِي، ووَلَدِي، ووَلَدِ وَلَدِي وأَوْلادِي، وأَوْلادِ أَوْلادِي وبَنِيَّ وبَنِي بَنِيَّ. قوله: (وَتَنَاوَلَ الذُّرِّيَّةُ ووَلَدُ فُلانٍ وفُلانَةَ أَوِ الذُّكُورُ والإِنَاثُ وأَوْلادُهُمْ الْحَافِدَ) أولادهم مقدر فِي الثانية بدليل ذكره فِي الثالثة، وأطلق الحافد فِي هذا الفصل نفياً وإثباتاً عَلَى ولد البنت، وقد ردّ ابن عرفة الاستدلال للذرية بقوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ ...} إِلَى {وَعِيسَى} [الأنعام:84 - 85] بأن مَا ثبت فيمن لا أب لَهُ لا يلزم ثبوته فيمن لَهُ أب، واستدل بجر الملاعنة المعتقة ولاء ولدها لمعتقها، ثم استطرد (¬3) مسألة الشرف من قبل الأم. فقف عَلَيْهِ. ¬
وَفِي وَلَدِي ووَلَدِهِمْ قَوْلانِ. والإِخْوَةُ الأُنْثَى. ورِجَالُ إِخْوَتِي ونِسَاؤُهُمُ الصَّغِيرُ. وبَنِي أَبِي وإِخْوَتَهُ الذُّكُورَ. وأَوْلادَهُمْ وآلِي وأَهْلِي الْعَصَبَةَ، ومَنْ لَوْ رُجِّلَتْ لَعَصَّبَ. قوله: (وَفِي وَلَدِي ووَلَدِهِمْ قَوْلانِ) هذا تصريح بالخلاف (¬1) الذي لوّح لَهُ ابن الحاجب بقوله: وولدي (¬2). وولدهم بين [في] (¬3) المسألتين. وعَلَيْكَ بـ " المقدمات " (¬4). وَأَقَارِبِي أَقَارِبَ جِهَتَيْهِ مُطْلَقاً، وإِنْ قَصَوْا. ومَوَالِيهِ الْمُعْتَقَ [71 / أ]، ووَلَدِهِ، ومُعْتَقَ أَبِيهِ وابْنِهِ. قوله: (وأَقَارِبِي أَقَارِبَ جِهَتَيْهِ مُطْلَقاً، وإِنْ قَصَوْا) أي: بعدوا، وفِي بعض النسخ وإِن نصارى أي: ذميين، ولَمْ أر من ذكره هنا، وهو مفرّع عَلَى جواز الوقف عَلَى الذمي، وبِهِ قطع إذ قال: (كمن سيولد وذمي) تبعاً لابن شاس وابن الحاجب (¬5) وابن عبد السلام. قال ابن عرفة: ولا أعرف فيها نصاً للمتقدمين، والأَظْهَر جريها عَلَى حكم الوصية؛ ففي سماع ابن القاسم: " كراهة الوصية لليهودي والنصراني، وكَانَ قبل ذلك يجيزه " (¬6). انتهى وكأنّه لَمْ يقف عَلَى مَا فِي " نوازل " ابن الحاجّ: من حبس عَلَى مساكين اليهود والنصارى جَازَ. وَقَوْمُهُ عَصَبَتَهُ فَقَطْ. وطِفْلٌ وصَبِيٌّ وصَغِيرٌ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ. وشَابٌّ وحَدَثٌ لأَرْبَعِينَ، وإِلا فَكَهْلٌ لِلسِّتِّينَ، وإِلا فَشَيْخٌ. وشَمِلَ الأُنْثَى. قوله: (وقَوْمُهُ عَصَبَتَهُ فَقَطْ) أي: الرجال دون النساء، قاله الباجي عن ابن شعبان، ولَمْ يحك ابن عرفة غيره. كَالأَرْمَلِ. قوله: (كَالأَرْمَلِ) أي فِي شمول الذكر [117 / ب] والأنثى، ولَمْ يحك ابن عرفة غيره ¬
وسلم الاستدلال عَلَيْهِ بقول جرير: (1) فَمَا لِحَاجَةِ هَذَا الأَرْمَل الذَّكْرَ (¬1) وقد يقال لَو كَانَ شاملاً للذكر لغةً ما وصفه بِهِ، ولكنه مجاز دعت إليه المقابلة كقول الآخر: قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... فقلت اطبخوا ليّ جبّة وقميصا (¬2) ولكن قد علم أنّه لا يلزم من بطلان الدليل بطلان المدلول، وقد قال ابن السكيت: الأرامل المساكين من رجال أَو نساء قال: ويقال لهم وإِن لَمْ يكن فيهم نساء، إِلا أَن ابن عبد السلام لما تكلّم عَلَى لفظ القوم قال: الذي يجب أَن يعوّل عَلَيْهِ فِي هذا الباب إنما هو عرف الاستعمال. وَالْمِلْكُ لِلْوَاقِفِ لا الْغَلَّةُ. قوله: (وَالْمِلْكُ لِلْوَاقِفِ لا الْغَلَّةُ). ابن عرفة: أول الباب صرّح الباجي ببقاء ملك المحبس عَلَى حبسه وهو لازم تزكية حوائط الأحباس عَلَى ملك محبسها، وقول اللخمي آخر الشفعة: الحبس يسقط ملك [المحبس] (¬3): غلط. انتهى. وفِي رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الحبس: سئل عن الرجل يحبس عَلَى أولاد لَهُ صغار أَو كبار، ووكل عَلَيْهِ من يحوزه لهم ويكريه، وكيف إِن قال أولاده الكبار نحن نحوزه لأنفسنا. قال: لا يكون ذلك لهم، (¬4) وهو عَلَى مَا وضعه عَلَيْهِ، قال ابن رشد: هذا كما قال؛ لأن الحبس ليس بملك للمحبس عليه كالهبة التي هي ملك للموهوب لَهُ، فلا يصحّ للواهب أَن يجعلها لَهُ عَلَى يد غيره إِذَا كَانَ كبيراً وإنما يغتله المحبس عَلَيْهِ عَلَى ملك ¬
المحبس، فللمحبس أَن يوكل عَلَيْهِ من يحوزه للكبير ويجري (¬1) عَلَيْهِ غلته، [ويحوز لَهُ ذلك عَلَيْهِ فِي حياته وبعد مماته، ولا كلام لَهُ فيه] (¬2). انتهى. وهو مثل مَا صرّح بِهِ الباجي: وهذا فِي غير المساجد، [وأما المساجد] (¬3) فلا خلاف أَن ملك المحبس قد ارتفع عنها، قاله القرافي فِي حبس " الذخيرة " ومثله فِي الفرق التاسع والسبعين من قواعده ونصّه: " الوقف هل يفتقر إِلَى القبول أم لا؟ فيه خلاف بين المذهب والعلماء، ومنشأ الخلاف: هل الواقف قد أسقط حقّه من المنافع فِي الموقوف فيكون ذلك كالعتق، أَو هو تمليك لمنافع العين الموقوفة للموقوف عَلَيْهِ، فيفتقر للقبول كالبيع والهبة، وهذا إِذَا كَانَ الموقوف عَلَيْهِ معيناً، أما غير المعين فلا يشترط قبوله لتعذره، هذا فِي منافع الموقوف، أما أصل ملكه فاختلف: هل يسقط (¬4) أَو هو عَلَى ملك الواقف، وهذا ظاهر المذهب؛ لأن مالكاً أوجب الزكاة فِي الحائط الموقوف عَلَى غير المعين نحو الفقراء والمساكين إِذَا كَانَ خمسة أوسق بناءً عَلَى أنّه عَلَى ملك الواقف، فيزكّى عَلَى ملكه، وأما الحائط عَلَى المعينين (¬5) فيشترط فِي حصة كلّ واحد منهم خمسة أوسق. واتفق العلماء فِي المساجد أنها من باب الإسقاط كالعتق لا ملك لأحدٍ فيها لقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18]، ولأنها تقام فيها الجُمعات، والجُمعَات لا تقام فِي المملوكات لا سيما عَلَى أصل مالك فِي أنها لا يصليها أرباب الحوانيت فِي حوانيتهم لأجل الملك والحجر، فلا تجري فِي المساجد القَوْلانِ. انتهى (¬6). ¬
والمقصود منه آخره، وقد قبل أبو القاسم بن الشاط السبتي جميعه، ويشهد لَهُ مَا فِي سماع موسى بن معاوية الصمادحي من كتاب الصلاة: سئل ابن القاسم عن مسجد بين قومٍ، فتنازعوا فيه واقتسموه بينهم، وضربوا وسطه حائطاً، أيجوز أَن يكون مؤذنهم واحداً وإمامهم واحداً؟ قال ابن القاسم: ليس لهم أَن يقتسموه؛ لأنّه شيء سبّلوه لله، وإِن كانوا بنوه جميعاً، وقال أشهب مثله، ولا يجزيهم مؤذن واحد ولا إمام واحد. قال ابن رشد: هذا كما قال، أنهم ليس لهم أَن يتقسموه؛ لأن ملكهم قد ارتفع عنه حين سبّلوه، فإن فعلوا فله حكم المسجدين فِي الأذان والإمام حين فصلوا بينهما بحاجز، يبين (¬1) بِهِ كل [واحد] (¬2) منهما عن صاحبه، وإن كَانَ ذلك لا يجوز لهم (¬3). وفِي قواعد المقري: وقف المساجد إسقاط إجماعاً، وفِي غيرها قَوْلانِ: نقل، وإسقاط. فَلَهُ ولِوَارِثِهِ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ إِصْلاحَهُ. قوله: (فَلَهُ ولِوَارِثِهِ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ إِصْلاحَهُ) بهذا قطع ابن الحاجب كابن شاس (¬4) تبعاً لابن شعبان، ووجهه ابن عبد السلام بما حاصله أَن الحبس مملوك لمحبسه، وكل مملوك لشخصٍ لا يجوز تصرف غيره فيه بغير إذنه بوجه. قال ابن عرفة: والجاري عندي فِي ذلك [على] (¬5) أصل المذهب التفصيل: فإن كَانَ خراب الحبس (¬6) لحادثٍ نزل بِهِ دفعة كوابل مطر أَو شدة ريح أَو صاعقة فالأمر كما قالوه، وإِن كَانَ يتوالى عدم إصلاحه (¬7) مَا ينزل بِهِ من [118 / أ] هدم، شيءٍ بعد شيء، ومن هو عَلَيْهِ يستغل مَا بقي منه فِي أثناء توالي ¬
الهدم عَلَيْهِ، كحال بعض أهل العلم وقتنا من أئمة المساجد، يأخذون غلته ويدعون بناءه حتى يتوالى عَلَيْهِ الخراب الذي يذهب كل منفعته أَو جلها، فهذا الواجب قبول من تطوع بإصلاحه، ولا مقال بمنعه (¬1) لمحبسه ولا لوارثه لأن مصلحه قام بأداء حقٍ عنه لعجزه عن أدائه أَو لدده. وأما المصنف فقال فِي " توضيحه " تبعاً لابن عبد السلام: يستحسن للواقف أَو ورثته تمكين غير الواقف من البناء إِذَا كَانَ وقفاً عَلَى وجه من وجوه الخير، وأراد الباني إلحاق مَا يبنيه بالوقف؛ لأن ذلك من باب التعاون عَلَى الخير. وَلا يُفْسَخُ كِرَاؤُهُ لِزِيَادَةِ، ولا يُقْسَمُ إِلا مَاضٍ زَمَانه، وأَكْرَى نَاظِرُهُ إِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ كَالسَّنَتَيْنِ. قوله: (وَلا يُفْسَخُ كِرَاؤُهُ لِزِيَادَةِ) يريد إِلا أَن يثبت الغبن قال ابن عات عن المشاوَر (¬2): إِن أكرى ناظر الحبس عَلَى يدي القاضي ربع الحبس بعد النداء عَلَيْهِ والاستقصاء، ثم جاءت زيادة لَمْ يكن لَهُ نقض الكراء ولا قبول الزيادة، إِلا أَن يثبت بالبينة أَن فِي الكراء غبناً عَلَى الحبس (¬3) فتقبل الزيادة، ولَو ممن كَانَ حاضراً، وكذا الوصي فِي مؤاجرة يتيمه وكرائه ربعه، ثم يجد زيادة لَمْ تنقض (¬4) الإجارة إِلا بثبوت غبن إِن فات وقت كرائها، فإن كَانَ قبل ذلك نقض الكراء، وأخذت الزيادة. ابن عرفة: ظاهر أول كلامه إِن لَمْ يكن غبن لَمْ تقبل الزيادة، ولَو لَمْ يفت الإبان، والأول أقيس، والثاني أحوط، وقد يؤخذ من قوله فِي كتاب: العتق الأول من " المدونة ": بيع السلطان عَلَى خيار ثلاثة أيام، فإن وجد زيادة وإِلا نفذ البيع (¬5). واستمر العمل فِي كراء الناظر فِي حبس تونس عَلَى أنّه قبول الزيادة فيكون عقده لازماً للمكتري غير لازمٍ ¬
للمكري، فإذا زاده أحد فِي الربع شيئاً أخرج مكتريه منه إِن لَمْ يزد عَلَى من زاد عَلَيْهِ، ومضى عَلَيْهِ عمل القضاة، كذا فسّر ابن عرفة (¬1) هذا العمل فِي الأكرية وزاد أنّه يتخرّج عَلَى قوله فِي " المدونة " فيمن استأجر رجلاً شهراً عَلَى بيع ثوب عَلَى أَن الأجير متى شاء ترك: أنّه جائز إِن لَمْ ينقده لأنها إجارة بخيار. (¬2) وعَلَى قوله فِي سماع ابن القاسم: من اكترى دابّة لطلب حاجة بموضع سماه عَلَى أنّه إِن وجد حاجته دونه رجع وغرم بحسب مَا بلغ من الكراء: فلا بأس بِهِ مَا لَمْ يتعد. قال ابن رشد: وسحنون لا يُجيز المسألتين، بِخِلاف مكتري الدار سنة عَلَى أنّه متى شاء خرج، هذا جائز عنده وعند الجميع إِن لَمْ ينقد، وإنما لَمْ يجزهما سحنون؛ لأنّه رأى ذلك مجهلة فِي الكراء والإجارة، وقال: فضل فِي مسألة " المدونة ": إنما منعها سحنون؛ لأنّه خيار إِلَى أمد بعيد وليس كما قال؛ لأنّه بالخِيَار فِي الجميع الآن، وكلما مضى من الشهر شيء كَانَ بالخِيَار فيما بقى، فليس كالسلعة التي يشتريها عَلَى أنّه بالخِيَار فيها إِلَى الأمد الطويل؛ لأنّه يحتاج إِلَى توقيفها لانقضاء أمد الخِيَار؛ فلذلك لا يجوز وليس ذلك فِي الإجارة والكراء، إِلا أَن يكتري الدابّة عَلَى أَن يركبها بعد شهر أَو يستأجر الأجير عَلَى أَن يخدمه بعد شهر عَلَى أنّه بالخِيَار فِي الإجارة والكراء إِلَى انقضاء الشهر " (¬3). انتهى ملخصاً. وبِهِ يتبين مَا أجمله ابن عبد السلام إذ قال فِي عمل أهل تونس: [هو] (¬4) قول منصوص عَلَيْهِ فِي المذهب ووقع فِي " المدونة " مَا يقتضيه، وإن كَانَ بعضهم رأى مَا فِي " المدونة " خارجاً عن أصول المذهب، واعتقد بعض من لقيناه أَن ذلك ¬
مخالف للإجماع؛ لأنّه راجع إِلَى بيع الخِيَار، ولَمْ يجزه أحد إِلَى سنة، وأشار ابن رشد إِلَى أَن هذه المسألة ليست كبيع الخِيَار الذي جعل أمد الخِيَار فيه سنة، فإن ذلك ينتقض فيه البيع من أصله إِذَا أراد حلّه من جعل لَهُ الخِيَار، وهنا لا ينتقض إِلا فيما بقي من المدة فقط " انتهى. وقد نقله فِي " التوضيح " عَلَى إجماله ولَمْ يزد. وَلِمَنْ مَرْجِعُهَا لَهُ كَالْعَشْرِ. وإِنْ بَنَى مُحَبَّسٌ عَلَيْهِ فَمَاتَ ولَمْ يُبَيِّنْ فَهُوَ وَقْفٌ. وعَلَى مَنْ لا يُحَاطُ بِهِمْ، أَوْ عَلَى قَوْمٍ وأَعْقَابِهِمْ، أَوْ عَلَى كَوَلَدِهِ ولَمْ يُعَيِّنْهُمْ فَضَّلَ الْمُوَلَّى أَهْلَ الْحَاجَةِ والْعِيَالِ فِي غَلَّةٍ وسُكْنَى. ولَمْ يَخْرُجْ سَاكِنٌ لِغَيْرِهِ، إِلا بِشَرْطٍ أَوْ سَفَرِ انْقِطَاعٍ، أَوْ بَعِيدٍ. قوله: (وَلِمَنْ مَرْجِعُهَا لَهُ كَالْعَشْرِ) زاد ابن الحاجب: وقد اكترى مالك منزله وهو كَذَلِكَ عشر سنين، واستكثرت (¬1). وأصل هذا الكلام لعبد الملك فِي " المبسوط " كما نقل المتيطي. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الهبة
[باب الهبة] الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ بِلا عِوَضٍ ولِثَوَابِ الآخِرَةِ. صَدَقَةٌ. وصَحَّتْ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ يُنْقَلُ، مِمَّنْ لَهُ تَبَرُّعٌ بِهَا، وإِنْ مَجْهُولاً، وكَلْباً، ودَيْناً وهُوَ إِبْرَاءٌ، إِنْ وُهِبَ لِمَنْ عَلَيْهِ، وإِلا فَكَالرَّهْنِ، ورَهْناً لَمْ يُقْبَضْ وأَيْسَرَ رَاهِنُهُ، أَوْ رَضِيَ مُرْتَهِنُهُ، وإِلا قُضِيَ عَلَيْهِ بِفَكِّهِ، إِنْ كَانَ الدَّيْنُ يُعَجَّلُ وإِلا بَقِيَ لِبَعْدِ الأَجَلِ. قوله: (وَإِلا فَكَالرَّهْنِ) هذا كقول ابن الحاجب: وتصح هبة الدين وقبضه كقبضه فِي الرهن (¬1). أحاله عَلَى قوله فِي باب الرهن: وقبض الدين بالإشهاد والجمع بين الغريمين إِن كَانَ عَلَى غير المرتهن (¬2). بِصِيغَةٍ، أَوْ مُفْهِمِهَا، وإِنْ بِفِعْلٍ. قوله: (بِصِيغَةٍ، [118 / ب] أَوْ مُفْهِمِهَا) الصيغة لفظ الهبة ومَا تصرف منها ومفهمها كأعطيتك (¬3) وبذلتك، وبنحو هذا فسّر كلام ابن الحاجب (¬4) فِي " توضيحه ". كَتَحْلِيَةِ وَلَدِهِ لا بِابْنِ مَعَ قَوْلِهِ دَارَهُ. قوله: (كَتَحْلِيَةِ وَلَدِهِ) بالحاء المهملة أي إلباسه الحلي، وأشار بِهِ إِلَى قول أبي عمر فِي باب: الصدقة من " الكافي ": وإِذَا حلى الرجل أَو المرأة ولداً لَهُمَا صغيراً حلياً، وأشهدا لَهُ بذلك ثم مات الأب أَو الأم، فالحلي الذي عَلَى الصبي لَهُ دون سائر الورثة (¬5). وَحِيزَ. قوله: (وَحِيزَ) أي: ولو حكماً [كما قدمنا] (¬6) فِي قوله: (إِلا لمحجوره إِذَا أشهد وصرف الغلة لَهُ ولَمْ تكن سكناه)، ويقول بعد: (إِلا لمحجورة إِلا مَا لا يعرف، ولَو ختم ودار ¬
سكناه ...) إِلَى آخره، وقد حام ابن الحاجب حول هذا المعنى إذ قال: وشرط استقرارها لا لزومها الحوز كالصدقة إِلا فِي صدقة أب عَلَى صغير؛ وعَلَى ذلك علماء المدينة (¬1). وهو فِي ذلك متبع لابن شاس (¬2). فقال ابن عرفة: ترك هذا الاستثناء خير من ذكره لاقتضائه (¬3) العموم فِي كلّ عطية من عينٍ أَو مثلي أَو مسكن، وإيهام قصره عَلَى الصدقة وعَلَى الصغير دون السفيه، وعَلَى الأب دون الوصي، والقاضي ومقدمه، فيوقع الناظر فيه فِي خطأٍ فاحش؛ ولأجل هذا ونحوه طرحه كثير من متقدمي الشيوخ ومتأخريهم " انتهى. وسبقه ابن عبد السلام لنحو هذه المناقشة وزاد أَيْضاً: فاستثناؤه يوهم أَن الحيازة تسقط فِي عطية الأب ابنه الصغير، وليس كَذَلِكَ، وإنما الذي اختص بِهِ الأب ومن تنزل منزلته فِي حقّ الصغير والسفيه أنّه يكون حائزاً لما وُهب لَهُمَا فيقال فِي الإشهاد رفع يد الملك ووضع يد الحوز وغير الأب، ومن فِي معناه لا يكون حائزاً هكذا، نعم ألحقوا الأب بالأجنبي فِي هبة دار سكناه فشرطوا معاينة الشهود للدار خالية من شواغل الأب، وزاد فِي " التوضيح ": مَعَ دار سكناه ثوب لباسه، وقال تبعا لأبي الحسن الصغير: نقل أبو محمد صالح الاتفاق عَلَى أنّه إِذَا أشهد عَلَى هبته لمحجوره ولم يزد عَلَى قوله اشهدوا أني وهبت له كذا، فإنها حيازة " انتهى. ومرّ بنا فِي بعض المجالس أَن ابن راشد القفصي وهب بعض تصانيفه لولده، وكتب عَلَى ظهر التصنيف الموهوب: ولا أقول كما يقول جهلة الموثقين: رفع يد الملك ووضع يد الحوز. وَإِنْ بِلا إِذْنٍ، وأُجْبِرَ عَلَيْهِ. قوله: (وَإِنْ بِلا إِذْنٍ) هو كقول ابن عرفة: والمذهب لغو التحويز فِي الحوز، ففي كتاب الهبة من " المدونة ": ومن وهب لرجلٍ هبة لغير ثواب فقبضها الموهوب بغير أمر الواهب جَازَ قبضه، إذ يقضى عَلَى الواهب بذلك إِذَا منعه إياها (¬4). ¬
ابن عبد السلام: يشترط إذن الواهب عَلَى القول الشاذ بعدم لزوم الهبة بالعقد، ولا شكّ أَن هذا مفهوم تعليل " المدونة "، وأما قوله: ولا يبعد تخريجه عَلَى المشهور من افتقاره فِي الرهن. فيردّ بقوة بقاء ملك الراهن. وَبَطَلَتْ إِنْ تَأَخَّرَ لِدَيْنٍ مُحِيطٍ، أَوْ وَهَبَ لِثَانٍ. وحَازَ أَوْ أَعْتَقَ الْوَاهِبُ أَوِ اسْتَوْلَدَ. قوله: (وَبَطَلَتْ إِنْ تَأَخَّرَ لِدَيْنٍ مُحِيطٍ) إنما لَمْ يقل: إِن تأخر لفلس تعويلاً منه عَلَى مَا قبل فِي " توضيحه " من تحرير ابن عبد السلام إذ قال فِي قول ابن الحاجب: ويشترط حصوله فِي صحة جسمه وعقله وقيام وجهه (¬1). ظاهر كلامهم فِي غير هذا الموضع أَن قيام الوجه هو السلامة من التفليس بالحكم، ومن قيام الغرماء بدين إِن أحاط دينهم بمال الغريم، ولَو لَمْ يحكم القاضي بفلسه، وأما هذا الموضع فإحاطة الدين بماله مانعة من الحيازة، فقيام الوجه إذن هنا هو السلامة من الدين المحيط. وقال ابن عرفة: إحاطة الدين بماله قبل العطية يبطلها اتفاقاً، وفِي كون إحاطته بعدها قبل حوزها كَذَلِكَ، وصحة حوزها حينئذ نقلا الباجي عن الأخوين وأصبغ قائلاً: بناءً عَلَى اعتبار يوم الحوز أَو العقد. وَلا قِيمَةَ. قوله: (وَلا قِيمَةَ) يرجع للمسائل الثلاث (¬2). واسْتَصْحَبَ هَدِيَّةً، أَوْ أَرْسَلَهَا ثُمَّ مَاتَ، أَوِ الْمُعَيَّنَةُ لَهُ، إِنْ لَمْ يُشْهِدْ كَأَنْ دَفَعْتَ لِمَنْ يَتَصَدَّقُ عَنْكَ بِمَالٍ ولَمْ تُشْهِدْ. قوله: (وِ اسْتَصْحَبَ هَدِيَّةً، أَوْ أَرْسَلَهَا ثُمَّ مَاتَ، أَوِ الْمُعَيَّنَةُ لَهُ، إِنْ لَمْ يُشْهِدْ) أي: وبطلت الهبة التي صحبها الواهب فِي طريقه ليوصلها للموهوب، أَو أرسلها مَعَ غيره ثم مات هذا الواهب الذي هو مستصحب، أَو مرسل أَو مات الذي عينت لَهُ الهبة استصحاباً، أَو إرسالاً إِن لَمْ يشهد الواهب فِي الصور الأربع، ومفهوم الشَرْط أنّه إِن أشهد فيهن لَمْ تبطل ¬
الهبة، فهذه أربع صور أخرى ثم مفهوم الصفة فِي قوله: (المعينة لَهُ) أَن من لَمْ يعين لَهُ إِذَا وجهت إليه استصحاباً أَو إرسالاً فمات قبل قبضها لَمْ تبطل. فهاتان صورتان أخريان. فمجموع مَا اشتمل عَلَيْهِ الكلام نصاً ومفهوماً عشر صور، وقد حمله الاختصار عَلَى حذف [119 / أ] مرفوع السببي فلم يتمثل قول من قال: وأبرزنّه مُطْلَقاً حيث تلا ... مَا ليس معناه لَهُ محصلاً لا إِنْ بَاعَ وَاهِبٌ قَبْلَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ، وإِلا فَالثَّمَنُ لِلْمُعْطَي، رُوِيَتْ بِفَتْحِ الطَّاءِ وكَسْرِهَا أَوْ جُنَّ، أَوْ مَرِضَ، واتَّصَلا بِمَوْتِهِ، أَوْ وَهَبَ لِمُودَعٍ، ولَمْ يَقْبَلْ لِمَوْتِهِ، وصَحَّ، إِنْ قَبَضَ لِيَتَرَوَّىَ، أَوْ جَدَّ فِيهِ، أَوْ فِي تَزْكِيَةِ شَاهِدِهِ أَوْ أَعْتَقَ، أَوْ بَاعَ، أَوْ وَهَبَ إِذَا أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ. قوله: (لا إِنْ بَاعَ وَاهِبٌ قَبْلَ عِلْمِ الْمَوْهُوبِ) كذا هو فِي بعض النسخ بأداتي النفي والشَرْط، وبِهِ يستقيم الكلام ولا يمتنع (¬1) منه عطف أوجز ومَا بعده عَلَى المثبتات، والعاقل يفهم. أَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِهَا، إِلا بَعْدَ مَوْتِهِ، وحَوْزُ مُخْدَمٍ ومُسْتَعِيرٍ مُطْلَقاً، ومُودَعٍ، إِنْ عَلِمَ، لا غَاصِبٍ ومُرْتَهِنٍ، ومُسْتَأْجِرٍ، إِلا أَنْ يَهَبَ الإِجَارَةَ، ولا إِنْ رَجَعَتْ إِلَيْهِ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ. قوله: (أَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِهَا، إِلا بَعْدَ مَوْتِهِ) أي وكذا تصحّ الهبة إِذَا لَمْ يعلم بها الموهوب فِي حياته، فلما مات علم بها ورثته فلهم القيام بها عَلَى الواهب الصحيح، وقد جوّز فِي " توضيحه " أَن يحمل عَلَى هذا قول ابن الحاجب: فلو مات قبل علمه ففي بطلانه قَوْلانِ (¬2). بعد أَن ذكر مَا اعترضه بِهِ بعض الشراح، وأظنه السفاقسي وعَلَى هذا فينبغي أَن نضبط (يُعلَم) بضم الياء وفتح اللام مبنياً للمجهول، وأما إِذَا لَمْ يعلم بها الموهوب إِلا بعد موت الواهب فإنها تبطل كما فِي " المدونة " وَغيرها، والقول الآخر الذي ذكر ابن الحاجب بالصحة لَمْ يوجد. ¬
بِأَنْ آجَرَهَا، أَوْ أَرْفَقَ بِهَا، بِخِلافِ سَنَةٍ، أَوْ رَجَعَ، مُخْتَفِياً أَوْ ضَيْفاً فَمَاتَ، وهبةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ، مَتَاعاً، وهبةُ زَوْجَةٍ دَارَ سُكْنَاهَا لِزَوْجِهَا، لا الْعَكْسُ، ولا إِنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ، إِلا لِمَحْجُورِهِ إِلا مَا لا يُعْرَفُ ولَوْ خَتَمَ ودَارَ سُكْنَاهُ، إِلا أَنْ يَسْكُنَ أَقَلَّهَا، ويُكْرِي لَهُ الأَكْثَرَ، وإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ، والأَكْثَرَ بَطَلَ الْجَمِيعُ. قوله: (بِأَنْ آجَرَهَا، أَوْ أَرْفَقَ بِهَا) الضمير المستكن فِي الفعلين للموهوب؛ فيجب بناء الثاني للفاعل كالأول. وجَازَتِ الْعُمْرَى كَأَعْمَرْتُكَ، أَوْ وَارِثَكَ. قوله: (كأعمرتك أَو وارثك) كذا ينبغي أَن يكون بواو العطف بعد أَو أي: كأعمرتك فقط أَو أعمرتك ووارثك فهما (¬1) مثالان. وَرَجَعَتْ لِلْمُعْمِرِ، أَوْ وَارِثِهِ كَحُبُسٍ عَلَيْكُمَا، وهُوَ لآخِرِكُمَا [71 / ب] مِلْكاً، لا الرُّقْبَى كَذَوَيْ دَارَيْنِ، قَالا إِنْ مُتَّ قَبْلِي، فَهُمَا لِي، وإِلا فَلَكَ كَهِبَةِ نَخْلٍ واسْتِثْنَاءِ ثَمَرَتِهَا سِنِينَ، والسَّقْيُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ فَرَسٍ لِمَنْ يَغْزُو سِنِينَ، ويُنْفِقُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ ولا يَبِيعُهُ لِبَعْدِ الأَجَلِ. قوله: (وَرَجَعَتْ لِلْمُعْمِرِ، أَوْ وَارِثِهِ كَحُبُسٍ عَلَيْكُمَا، وهُوَ لآخِرِكُمَا مِلْكاً) لفظ (ملك) منصوب عَلَى الحال من ضمير الفاعل فِي (رجعت)، وأشار بالتشبيه لقوله آخر كتاب الهبات (¬2) من " المدونة ": ومن قال لرجلين: عبدي هذا حبس عَلَيْكَما وهو للآخر منكما جَازَ ذلك، وهو للآخر يبيعه أَو يصنع بِهِ مَا يشاء (¬3). وَلِلأَبِ اعْتِصَارُهَا مِنْ وَلَدِهِ كَأُمٍّ فَقَطْ وَهَبَتْ ذَا أَبٍ، وإِنْ مَجْنُوناً، ولَوْ تَيَتَّمَ (¬4) عَلَى الْمُخْتَارِ، إِلا مَا أُرِيدَ بِهِ الآخِرَةُ كَصَدَقَةٍ بِلا شَرْطٍ. قوله: (وَلَوْ تَيَتَّمَ عَلَى الْمُخْتَارِ) هكذا فِي بعض النسخ بالفعل الماضي الدالّ عَلَى حدوث اليتم بعد الهبة، وهو فِي غاية الحسن. ¬
إِنْ لَمْ تَفُتْ، لا بِحِوَالَةِ سُوقٍ، بَلْ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ. قوله: (إِنْ لَمْ تَفُتْ، لا بِحِوَالَةِ سُوقٍ، بَلْ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ) كذا فِي بعض النسخ وهو الصواب. وَلَمْ يُنْكَحْ أَوْ يُدَايَنْ لَهَا، أَوْ يَطَأْ ثَيِّباً، أَوْ يَمْرَضْ كَوَاهِبٍ إِلا أَنْ يَهَبَ عَلَى هَذِهِ الأَحْوَالِ. قوله: (وَلَمْ يُنْكَحْ أَوْ (¬1) يُدَايَنْ لَهَا) أي: لأجل الهبة، وهو راجع للنكاح والمداينة. أَوْ يَزُولَ الْمَرَضُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ بِغَيْرِ مِيرَاثٍ، ولا يَرْكَبُهَا، أَوْ يَأْكُلُ غَلَّتَهَا، وهَلْ إِلا أَنْ يَرْضَى الابْنُ الْكَبِيرُ بِشُرْبِ اللَّبَنِ؟ تَأْوِيلانِ، ويُنْفِقُ عَلَى أَبٍ افْتَقَرَ مِنْهَا. قوله: (أَوْ يَزُولَ الْمَرَضُ عَلَى الْمُخْتَارِ) أي مرض الأب والابن. وَتَقْوِيمُ جَارِيَةٍ أَوْ عَبْدٍ لِلضَّرُورَةِ، ويُسْتَقْصَى، وجَازَ شَرْطُ الثَّوَابِ، ولَزِمَ بِتَعْيِينِهِ، وصُدِّقَ وَاهِبٌ فِيهِ، إِنْ لَمْ يَشْهَدْ عُرْفٌ لِضِدِّهِ. قوله: (وَتَقْوِيمُ جَارِيَةٍ أَوْ عَبْدٍ) معطوف عَلَى اعتصارها من قوله: (وَللأب اعتصارها من ولده). وَإِنْ لِعُرْسٍ، وهَلْ يَحْلِفُ، أَوْ إِنْ أَشْكَلَ؟ تَأْوِيلانِ، فِي غَيْرِ الْمَسْكُوكِ، إِلا لِشَرْطٍ، وهبةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ، ولِقَادِمٍ عِنْدَ قُدُومِهِ وإِنْ فَقِيراً لِغَنِيٍّ، ولا يَأْخُذُ هِبَتَهُ، وإِنْ قَائِمَةً، ولَزِمَ وَاهِبَهَا، لا الْمَوْهُوبَ لَهُ الْقِيمَةُ، إِلا لِفَوْتٍ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ، ولَهُ مَنْعُهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ. قوله: (وَإِنْ لِعُرْسٍ) أي: وإِن كانت الهدية لعرس فهي عَلَى الثواب. قاله ابن العطار والباجي، وهذا بِخِلاف مَا ذكر بعد فِي الهدية (¬2) للقادم من سفره. ¬
وَأُثِيبَ مَا يُقْضَى عَنْهُ بِبَيْعٍ، وإِنْ مَعِيباً، إِلا كَحَطَبٍ، فَلا يَلْزَمُ أَخْذُهُ، ولِلْمَأْذُونِ، ولِلأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ، وإِنْ قَالَ دَارِي - صَدَقَةٌ. بِيَمِينٍ مُطْلَقاً، أَوْ بِغَيْرِهَا ولَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِخِلافِ الْمُعَيَّنِ، وفِي مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ قَوْلانِ، وقُضِيَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وذِمِّيٍّ فِيهَا بِحُكْمِنَا. قوله: (وَأُثِيبَ مَا يُقْضَى عَنْهُ بِبَيْعٍ، وإِنْ مَعِيباً) لفظ (مَعِيباً) بفتح الميم وكسر العين ثم ياء ناشئة عن الكسرة ثم باء موحدة من باب (العيب). وأشار بِهِ لقوله فِي كتاب: الهبات من " المدونة ": وإِن وجد الواهب عيباً بالعوض فإن كَانَ عيباً فادحاً لا يتعاوض فِي مثله كالجذام والبرص فله رده وأخذ الهبة، إِن لَمْ تفت إِلا أَن يُعوضه، وإِن لَمْ يكن فادحاً نظر إِلَى قيمته بالعيب، فإن كانت كقيمة الهبة فأكثر لَمْ يجب لَهُ غيره؛ لأن مَا زاد عَلَى القيمة تطوع غير لازم، فإن كَانَ دون قيمتها فأتمّ لَهُ القيمة بريء. وليس للواهب ردّ العوض إِلا أَن يأبى الموهوب أَن يتمّ لَهُ قيمته؛ لأن كلّ مَا يعوضه مما يجري بين الناس فِي الأعواض يلزم الواهب قبوله، وإِن كَانَ معيباً إِذَا كَانَ فيه وفاءً بالقيمة (¬1). وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب اللقطة
[باب اللُقَطة] قال عياض: اللقطة بضم اللام وفتح القاف: مَا التقط. قال ابن عبد السلام: بهذا ضبطها الأكثر عَلَى خلاف القياس، ومنهم من أنكر فتح القاف، وزعم أنها بالسكون عَلَى القياس فِي فِعْلَة الساكن العين أنّه للمفعول، ومنهم من ذكر الوجهين. اللُّقَطَةُ مَالٌ مَعْصُومٌ عَرَضَ لِلضَّيَاعِ، وإِنْ كَلْباً، وفَرَساً وحِمَاراً. ورُدَّ بِمَعْرِفَةِ مَشْدُودٍ فِيهِ، وبِهِ، وعَدَدِهِ، بِلا يَمِينٍ، وقُضِيَ لَهُ عَلَى ذِي الْعَدَدِ والْوَزْنِ، وإِنْ وَصَفَ ثَانٍ وَصْفَ أَوَّلٍ، ولَمْ يَبِنْ بِهَا حَلَفَا، وقُسِمَتْ كَبَيِّنَتَيْنِ لَمْ يُؤَرَّخَا، وإِلا فَلِلأَقْدَمِ ولا ضَمَانَ عَلَى دَافِعٍ بِوَصْفٍ، وإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِغَيْرِهِ، واسْتُؤْنِيَ فِي الْوَاحِدَةِ، إِنْ جَهِلَ غَيْرَهَا لا غَلِطَ عَلَى الأَظْهَرِ، ولَمْ يَضُرَّ جَهْلُهُ بِقَدْرِهِ. قوله: (وَإِنْ كَلْباً) كذا لابن شاس وابن الحاجب (¬1). فقال ابن عرفة: يخص بالمأذون فيه ويعلم كونه كَذَلِكَ لعلم الملتقط حال ربه فيه أَو لغلبة صنفه للصيد وإِلا فلا، لقوله فِي كتاب الضحايا من " المدونة ": من قتل كلباً من كلاب الدور مما لَمْ يؤذن فيه فلا شيء عَلَيْهِ؛ لأنّه يقتل ولا يترك، وإِن كَانَ مأذوناً فيه فعَلَيْهِ قيمته (¬2)، هذا وجه نقلهما، وفِي اختصاصهما بهذا النقل نظر؛ لقوله فِي " المدونة ": من سرق كلباً صائداً أَو غير صائد لَمْ يقطع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم ثمنه (¬3)، إِلا أَن يراعى درء الحدّ بالشبهة. ¬
وَوَجَبَ أَخْذُهُ لِخَوْفِ خَائِنٍ لا إِنْ عُلِمَ خِيَانَتَهُ هُوَ فَيَحْرُمُ، وإِلا كُرِهَ عَلَى الأَحْسَنِ، وتَعْرِيفُهُ سَنَةً، ولَوْ كَدَلْوٍ، لا تَافِهاً، بِمَظَانِّ طَلَبِهَا بِكَبَابِ مَسْجِدٍ، فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَثِقُ بِهِ، أَوْ بِأُجْرَةٍ مِنْهَا، إِنْ لَمْ يُعَرِّفْ مِثْلُهُ وبِالْبَلَدَيْنِ إِنْ وُجِدَتْ بَيْنَهُمَا، ولا يُذْكَرُ جِنْسَهَا عَلَى الْمُخْتَارِ، ودُفِعَتْ لِحَبْرٍ، إِنْ وُجِدَتْ بِقَرْيَةِ ذِمَّةٍ، ولَهُ حَبْسُهَا بَعْدَهُ، والتَّصَدُّقُ، أَوِ التَّمَلُّكُ ولَوْ بِمَكَّةَ ضَامِناً فِيهِمَا كَنِيَّةِ أَخْذِهَا قَبْلَهَا ورَدِّهَا بَعْدَ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ، إِلا بِقُرْبٍ [72 / أ] فتَأْوِيلانِ، وذُو الرِّقِّ كَذَلِكَ، وقَبْلَ السَّنَةِ فِي رَقَبَتِهِ. قوله: (وإِلا كُرِهَ عَلَى الأَحْسَنِ) لما ذكر ابن عبد السلام قول ابن الحاجب: وفِي المأمون الاستحباب والكراهة، والاستحباب [119 / ب] فيما لَهُ بال (¬1). قال: وبعد تسليم هذا فالأَظْهَر من الأَقْوَال الثلاثة، الاستحباب أَو الوجوب إِن قيل بِهِ لوجوب إعانة المسلم عند الحاجة، والقدرة عَلَى الإعانة، فلو أَن المصنف أشار لهذا لكان يقول وإِلا استحسن عَلَى الأحسن. وَلَهُ أَكْلُ مَا يَفْسُدُ و [لا ضمان] (¬2) ولَوْ بِقَرْيَةٍ وشَاةٍ بِفَيْفَاءَ كَبَقَرٍ بِمَحَلِّ خَوْفٍ، وإِلا تُرِكَتْ كَإِبِلٍ. قوله: (وَلَهُ أَكْلُ مَا يَفْسدُ ولا ضمان) كذا فِي بعض النسخ، وهو جيّد. وَإِنْ أُخِذَتْ عُرِّفَتْ، ثُمَّ تُرِكَتْ بِمَحَلِّهَا. قوله: (وَإِنْ أُخِذَتْ عُرِّفَتْ) أي سنة كما فِي " المدونة " (¬3). وَكِرَاءُ بَقَرٍ ونَحْوِهَا فِي عَلَفِهَا كِرَاءً مَأْمُوناً ورُكُوبُ دَابَّةٍ لِمَوْضِعِهِ، وإِلا ضَمِنَ. قوله: (وَكِرَاءُ بَقَرٍ ونَحْوِهَا فِي عَلَفِهَا كِرَاءً مَأْمُوناً) هذا هو الصواب من باب الأمان؛ كعبارة ابن الحاجب (¬4) وغيره. ¬
وَغَلَّتُهَا دُونَ نَسْلِهَا، وخُيِّرَ رَبُّهَا بَيْنَ فَكِّهَا بِالنَّفَقَةِ، أَوْ إِسْلامِهَا، وإِنْ بَاعَهَا بَعْدَهَا فَمَا لِرَبِّهَا إِلا الثَّمَنُ، بِخِلافِ لَو وَجَدَهَا بِيَدِ الْمِسْكِينِ، أَوْ مُبْتَاعٍ مِنْهُ فَلَهُ أَخْذُهَا. قوله: (وَغَلَّتُهَا دُونَ نَسْلِهَا) المراد بالغلة هنا لبنها وزبدها وسمنها دون صوفها ودون الكراء، بدليل أنّه قدم الكراء إذ قال: (وَكِرَاءُ بَقَرٍ ونَحْوِهَا فِي عَلَفِهَا) والصوف حكمه حكم النسل بدليل قوله فِي خيار النقيصة: (بِخِلاف ولد وثمرة أبرت وصوف تم أولا) وقال ابن عرفة: نسل الضالة المعرفة وصوفها مثلها وحصل فِي لبنها وزبدها وسمنها حيث كَانَ لَهُ ثمن أربعة أَقْوَال: أحدها: أنه (¬1) مثلها لأبي عمر عن رواية ابن وهب. والثاني: جواز أكل ملتقطها مُطْلَقاً. لأبي محمد واللخمي عن رواية ابن نافع. والثالث: يجوز أَن يأكل منها بقدر قيامه بها؛ لظاهر نقل ابن رشد مَعَ سماع أشهب وابن نافع (¬2). والرابع: هذا فِي غير سمنها. لأبي محمد عن مُطَرِّف. وَلِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ. قوله: (وَلِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ) أي عَلَى المسكين المتقدم الذكر وهو الذي لَمْ يفوتها. إِنْ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهَا، إِلا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وإِنْ نَقَصَتْ بَعْدَ نِيَّةِ تَمَلُّكِهَا. فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا أَوْ قِيمَتِهَا. ووَجَبَ. لَقْطُ طِفْلٍ نُبِذَ كِفَايَةً، وحَضَانَتُهُ، ونَفَقَتُهُ، إِنْ لَمْ يُعْطَ مِنَ الْفَيْءِ إِلا أَنْ يَمْلِكَ. كَهِبَةٍ، أَوْ يُوجَدَ مَعَهُ. قوله: (إِنْ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهَا) أي حيث يكون لَهُ الخِيَار فِي أخذ قيمتها وذلك إِذَا وجدها ناقصة بعد التصدق، وهذا الخِيَار وإِن لَمْ يصرح بِهِ كما فعل ابن الحاجب (¬3) فهو ¬
مأخوذ من قوله بعد: (وَإِن نقصت بعد نية تملّكها فلربها أخذها أَو قيمتها من بابٍ أحرى). أَوْ مَدْفُونٌ تَحْتَهُ، إِنْ كَانَتْ مَعَهُ رُقْعَةً، ورُجُوعُهُ عَلَى أَبِيهِ إِنْ طَرَحَهُ عَمْداً، والْقَوْلُ لَهُ أنّه لَمْ يُنْفِقْ حِسْبَةً، وهُوَ حُرٌّ، ووَلاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وحُكِمَ بِإِسْلامِهِ فِي قُرَى الْمُسْلِمِينَ. كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلا بَيْتَانِ إِنِ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ، وفِي قُرَى الشِّرْكِ مُشْرِكٌ، ولَمْ يَلْحَقْ بِمُلْتَقِطِهِ، ولا غَيْرِهِ، إِلا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِوَجْهٍ، ولا يَرُدُّهُ بَعْدَ أَخْذِهِ إِلا أَنْ يَأْخُذُهُ لِيَرْفَعَهُ لِلْحَاكِمِ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ، والْمَوْضِعُ مَطْرُوقٌ. وقُدِّمَ الأَسْبَقُ، ثُمَّ الأَوْلَى، وإِلا فَالْقُرْعَةُ. ويَنْبَغِي الإِشْهَادُ. ولَيْسَ لِمُكَاتِبٍ ونَحْوِهِ الْتِقَاطٌ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ. وَنُزِعَ مَحْكُومٌ بِإِسْلامِهِ مِنْ غَيْرِهِ. قوله: (أَوْ مَدْفُونٌ تَحْتَهُ) معطوف عَلَى نائب يوجد، ولَو نصب حالاً معطوفاً عَلَى معه لكان أجود. وَنُدِبَ أَخْذُ آبِقٍ لِمَنْ يَعْرِفُ، وإِلا فَلا يَأْخُذْهُ، فَإِنْ أَخَذَهُ رُفِعَ لِلإِمَامِ. ووُقِفَ سَنَةً. ثُمَّ بِيعَ. قوله: (وَنُدِبَ أَخْذُ آبِقٍ لِمَنْ يَعْرِفُ) (يَعْرِفُ) ثلاثي والمجرور متعلق بآبق أَو فِي موضع الصفة لَهُ. وَلا يُهْمَلُ وأَخَذَ نَفَقَتَهُ، ومَضَى بَيْعُهُ وإِنْ قَالَ رَبُّهُ كُنْتُ أَعْتَقْتُهُ. ولَهُ عِتْقُهُ وهبتُهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ. وتُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ. وضَمِنَهُ إِنْ أَرْسَلَهُ إِلا لِخَوْفٍ كَمَنِ اسْتَأْجَرَهُ فِيمَا يَعْطَبُ فِيهِ. قوله: (وَلا يُهْمَلُ) أي لا يطلق بعد السنة بِخِلاف الإبل، وكذا فِي " المدونة " (¬1) وغير هذا التفسير بعيد. إلا إِنْ أَبِقَ مِنْهُ وإِنْ مُرْتَهِناً وحَلَفَ، واسْتَحَقَّهُ سَيِّدُهُ بِشَاهِدٍ ويَمِينٍ. قوله: (إلا إِنْ أَبِقَ مِنْهُ وإِنْ مُرْتَهِناً) الوجه كسر هاء مرتهناً عَلَى أنّه حال من الضمير ¬
فِي (منه)، وهو عائد عَلَى أخذ العبد، وفيه النوع المسمى فِي فن البديع بالاستخدام؛ لأن الكلام كَانَ فِي أخذ الآبق إِذَا ادعى أنّه أبق منه، فخرج منه لأخذ العبد رهناً إِذَا ادعى أنّه أبق منه فهو كقول ابن الحاجب: وفِي لبن الجلالة وبيضها (¬1). وَأَخَذَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِلا دَعْوَاهُ إِنْ صَدَّقَهُ. ولْيُرْفَعْ لِلإِمَامِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ مُسْتَحِقَّهُ إِنْ لَمْ يُخَفْ ظُلْمُهُ. وإِنْ أَتَى رَجُلٌ بِكِتَابِ قَاضٍ أنّه شَهِدَ عِنْدِي أَنَّ صَاحِبَ كِتَابِي هَذَا فُلانٌ هَرَبَ مِنْهُ عَبْدٌ، ووَصَفَهُ، فَلْيُدْفَعْ إِلَيْهِ بِذَلِكَ. قوله: (وَأَخَذَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِلا دَعْوَاهُ إِنْ صَدَّقَهُ) هذا كقوله فِي " المدونة ": وإِن ادعى أَن هذا الآبق لَهُ، ولم يقم بينة، فإن صدقه العبد دفع إليه (¬2). ابن يونس: يريد بعد التلوم ويضمنه إياه. ¬
باب الأقضية
[باب الأقضية] ابن عرفة: حال الفقيه من حيث هو فقيه كحال عالم (¬1) بكبرى قياس الشكل الأول فقط، وحال القاضي والمفتي كحال عالم بها مَعَ علمه بصغراه، ولا خفاء أَن العلم بهما أشقّ وأخصّ من العلم بالكبرى فقط، وأَيْضاً فقهاء القضاة والفتيا مبنيان عَلَى إعمال النظر فِي الصور الجزئية وإدراك مَا اشتملت عَلَيْهِ من الأوصاف الكائنة فيها، فيلغى طرديها (¬2) ويعمل معتبرها. [أحكام القضاء] أَهْلُ الْقَضَاءِ عَدْلٌ، ذَكَرٌ، فَطِنٌ، مُجْتَهِدٌ، إِنْ وُجِدَ وإِلا فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ، وزِيدَ لِلإِمَامِ الأَعْظَمِ قُرَشِيٌّ فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلِّدِهِ، ونَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى، وأَبْكَمَ، وأَصَمَّ ووَجَبَ عَزْلُهُ، ولَزِمَ الْمُتَعَيِّنَ أَوِ الْخَائِفَ فِتْنَةً إِنْ لَمْ يَتَوَلَّ، أَو ضَيَاعَ الْحَقِّ الْقَبُولُ. والطَّلَبُ. وأُجْبِرَ وإِنْ بِضَرْبٍ، وإِلا فَلَهُ الْهَرَبُ - وإِنْ عُيِّنَ وحَرُمَ لِجَاهِلٍ طالب (¬3) دُنْيَا [72 / ب]، ونُدِبَ لِيُشْهِرَ عِلْمَهُ. قوله: (وَحَرُمَ لِجَاهِلٍ، طالب دُنْيَا) كذا قال ابن عرفة فِي الذي تكون توليته ملزومة لما لا يحلّ من تكليفه تقديم من لا يحلّ تقديمه للشهادة. قال: وقد شاهدنا من ذلك مَا الله أعلم بِهِ. كَوَرِعٍ، غَنِيٍّ، حَلِيمٍ، نَزِهٍ. قوله: (كَوَرِعٍ، غَنِيٍّ، حَلِيمٍ، نَزِهٍ (¬4)) الورع: التارك للشبهات، لئلا يقع فِي الحرام، والنزه: الكامل المرؤة. نَسِيبٍ، مُسْتَشِيرٍ بِلا دَيْنٍ وحَدٍّ. قوله: (نَسِيبٍ) أي معروف النسب كما عبّر عنه ابن الحاجب (¬5). قال فِي " التوضيح " ¬
: لأن من لا يعرف أبوه من ولد لعان أَو زنا يطعن فيه، فلا يكون لَهُ فِي نفوس الناس كبير هيبة. انتهى وأصله لابن رشد (¬1). فرعان: الأول: قال ابن عرفة: المعروف أَن كونه معتقاً غير مانع، ومنعه سحنون خوف استحقاقه بملك. الثاني: قال ابن رشد: من خصاله المستحبة كونه من أهل البلد (¬2). قال ابن عبد السلام: ليعرف المقبولين والمسخوطين من الشهود ويعرف من حال المحقّ والمبطل مَا لا يعرف غير البلدي، وأمراء عصرنا يقصدون إِلَى ترجيح غير البلدي عَلَى البلدي؛ لأن أكثر الحسدة المتكلمين (¬3) فِي أعراض الناس إنما هم من [120 / أ] المشاركين فِي البلد، فإذا كَانَ القاضي غير بلدي قلّ حاسدوه فقل (¬4) كلام الناس فيه، وقال ابن عرفة قضاة بلدنا يجعلون كونه من أهل البلد فِي قضاة الكور موجباً للرغبة عنه، لفساد القضاة بالميل إِلَى قرابتهم ومعارفهم. وَزَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ. قوله: (وَزَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ) عطف عَلَى دين أي: وبلا وصف أَو عقل زائد فِي الدهاء، فإذا ضبط زائد (¬5) بإسكان الياء من غير ألف كَانَ مصدراً معطوفاً عَلَى مصدر فلا يحتاج إِلَى تقدير حذف المنعوت. قال الطرطوشي: الزيادة فِي عقله المفضية إِلَى الدهاء والمكر مذمومة؛ فقد عزل عمر بن الخطاب زياد بن سميّة وقال: كرهت أَن أحمل الناس عَلَى فضل عقلك. وكَانَ من الدهاة. وقال أبو عمر فِي " الاستيعاب ": كَانَ عمر بن الخطاب قد استعمله عَلَى بعض صدقات البصرة أَو بعض أعمال البصرة، وقيل بل كَانَ كاتباً لأبي موسى، فلما شهد ¬
علي المغيرة مَعَ الثلاثة ولَمْ يقطع الشهادة عزله فقال: يا أمير المؤمنين أخبر الناس أنك لَمْ تعزلني [لخزية] (¬1) قال بعض الأخيار: أنّه قال لَهُ مَا عزلتك [لخزية] (¬2) ولكني كرهت أَن أحمل الناس على فضل عقلك (¬3)؛ ولهذا أنكر ابن عرفة إنكار ابن عبد السلام لهذه الحكاية. وَبَطَانَةِ سُوءٍ، ومَنْعُ الرَّاكِبِينَ مَعَهُ، والْمُصَاحِبِينَ لَهُ، وتَخْفِيفُ الأَعْوَانِ، واتِّخَاذُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِمَا يُقَالُ فِي سِيرَتِهِ وحُكْمِهِ وشُهُودِهِ، وتَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ، إِلا فِي مِثْلِ اتَّقِ اللهَ فِي أَمْرِي فَلْيَرْفُقْ بِهِ، ولَمْ يَسْتَخْلِفْ، إِلا لِوُسْعِ عَمَلِهِ فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ مَنْ عَلِمَ مَا اسْتَخْلَفَ فِيهِ وانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ لا هُوَ بِمَوْتِ الأَمِيرِ، ولَوِ الْخَلِيفَةِ. قوله: (وَبَطَانَةِ سُوءٍ) كذا ذكر ابن الحاجب فِي الصفات المستحبة كونه سليماً من بطانة السوء (¬4). فقال ابن عرفة: الذي فِي " المعونة " أخص من هذا وهو أَن يستبطن أهل الدين والأمانة والعدالة والنزاهة، يستعين بهم (¬5)، وهذا أخصّ من كونه سليماً من بطانة السوء، وأما نفس السلامة من بطانة السوء فمقتضى قول أصبغ أنها من الشروط الواجبة. قال أبو محمد عنه: ينبغي للإمام أَن يعزل من قضاته من يخشى عَلَيْهِ الضعف والوهن أَو بطانة (¬6) السوء، وإِن أمن عَلَيْهِ الجور. وَلا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بَعْدَهُ أنّه قَضَى بِكَذَا. قوله: (وَلا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بَعْدَهُ أنّه قَضَى بِكَذَا) كذا قال ابن الحاجب (¬7). فقال ابن ¬
عرفة: مفهوم قوله: بعد العزل. أنّه قبل (¬1) العزل يقبل قوله مُطْلَقاً، وليس كَذَلِكَ ففي سماع أصبغ (¬2) شهادة القاضي بقضاءٍ قضى به (¬3) وهو معزول أَو غير معزول لا تقبل. ابن رشد: فِي هذه المسألة معنى خفي وهو أَن قول القاضي قبل عزله قضيت لفلان بكذا لا يقبل إِن كَانَ بمعنى الشهادة كتخاصم رجلين عند قاضٍ فيحتج أَحَدهمَا بأن قاضي بلد كذا قضى لي بكذا أَو ثبت عنده كذا، فيسأله البينة على (¬4) ذلك، فيأتيه من عنده بكتابه أنّي حكمت لفلان [بكذا أَو أنّه ثبت عندي لفلان كذا فهذا لا يجوز؛ لأنّه شاهد ولَو أتى الرجل] (¬5) ابتداءً للقاضي فقال لَهُ خاطب لي قاضي بلد كذا بما ثبت لي عندك عَلَى فلان أَو بما حكمت لي بِهِ عَلَيْهِ فخاطبه بذلك لقبل ذلك؛ لأنّه مخبر لا شاهد (¬6). ابن عبد السلام: وأما (¬7) بعد العزل فلا يقبل كَانَ عَلَى سبيل الإقرار أَو الشهادة (¬8). وَجَازَ تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ أَوْ خَاصٍّ بِنَاحِيَةٍ أَوْ نَوْعٍ والْقَوْلُ لِلطَّالِبِ، ثُمَّ مَنْ سَبَقَ رَسُولُهُ. قوله: (وجَازَ تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ أَوْ خَاصٍّ بِنَاحِيَةٍ أَوْ نَوْعٍ) احترز بالمستقل من المشترك الذي لا ينفذ حكمه إِلا بموافقة شريكه. قال المازري: تجوز تولية قاضيين ببلد عَلَى أَن يخص كل منهما بناحية من البلد أَو نوع من المحكوم فيه؛ لأن هذه الولاية يصحّ فيها التخصيص والتحجير (¬9)، وكَذَلِكَ على عدم التخصيص مَعَ استقلال كلّ منهما بنفوذ حكمه (¬10)، ومنعه بعض الناس بمقتضى السياسة خوف تنازع الخصوم فيمن يحكم بينهم، ¬
ومقتضى أصول الشرع جوازه؛ لأن لذي الحقّ استنابة من شاء عَلَى حقّه، والتنازع مرتفع شغبه باعتبار قول الطالب. واستدل عَلَى جواز التعدد بالقياس عَلَى تولية الواحد لبقاء حكم الإمام معه، وفرق بيسير رفع التنازع عند اختلاف حكمهما بعزل الإمام قاضيه وتعذر عزل أحد القاضيين الآخر، وأما (¬1) تعددهما بشرط وقف نفوذ حكمهما عَلَى اتفاقهما (¬2) فمنعه ابن شعبان وقال: لا يكون الحاكم نصف حاكم وغلا فيه الباجي، فادعى الإجماع عَلَى منعه، وأجاب عن الاعتراض بتعدد حكمي الصيد والنكاح بأنهما إِن اختلفا انتقل لغيرهما والقاضيان هما بولاية لا يصحّ التنقل فيها بعد انعقادها واختلافهما يؤدي لتضييع الأحكام والغالب اختلاف المجتهدين وإِن كانا مقلدين فولاية المقلد ممنوعة (¬3). قال المازري: وعندي أنّه لا يقوم دليل عَلَى المنع إِن اقتضت ذلك مصلحة ودعت إليه ضرورة فِي نازلة يرى الإمام أنّه لا ترتفع التهمة والريبة إِلا بقضاء رجلين فيها، [120 / ب] فإن اختلف نظرهما فِي ذلك استظهر بغيرهما. ابن عرفة: منع الباجي وابن شعبان فِي تولية قاضيين ولاية مطلقة لا فِي مسألة جزئية كما فرضه المازري، وذكر الباجي أنّه ولّى فِي بعض بلاد الأندلس ثلاثة قضاة عَلَى هذه الصفة، ولَمْ ينكره من كَانَ بذلك البلد من فقهائه، وقال ابن عرفة قبل هذا: هذا الكلام فِي القضاء وأما فِي نازلة معينة فلا أظنهم يختلفون فيها، وقد فعله علي ومعاوية فِي تحكيمهما أبا موسى وعمرو بن العاصي (¬4). ¬
وَإِلا أُقْرِعَ، كَالادِّعَاءِ، وتَحْكِيمُ غَيْرِ خَصْمٍ، وجَاهِلٍ، وكَافِرٍ، وغَيْرِ مُمَيَّزٍ فِي مَالٍ، وجَرْحٍ. لا حَدٍّ، ولِعَانٍ، وقَتْلٍ، ووَلاءٍ ونَسَبٍ وطَلاقٍ، وعِتْقٍ. ومَضَى، إِنْ حَكَمَ صَوَاباً، وأُدِّبَ، وفِي صَبِيٍّ، وعَبْدٍ، وامْرَأَةٍ، وفَاسِقٍ. ثَالِثُهَا، إِلا الصَّبِيَّ، ورَابِعُهَا وفَاسِقٌ، وضَرْبُ خَصْمٍ لَدَّ، وعَزْلُهُ لِمَصْلَحَةٍ. ولَمْ يَنْبَغِ. إِنْ شُهِرَ عَدْلاً بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ ولْيُبَرَّأْ عَنْ غَيْرِ سُخْطٍ وخَفِيفُ تَعْزِيرٍ بِمَسْجِدٍ لا حَدٌّ، وجَلَسَ بِهِ بِغَيْرِ عِيدٍ، وقُدُومِ حَاجٍّ، وخُرُوجِهِ، ومَطَرٍ ونَحْوِهِ، واتِّخَاذُ حَاجِبٍ وبَوَّابٍ، وبَدَأَ بِمَحْبُوسٍ، ثُمَّ وَصِيٍّ، ومَالِ طِفْلٍ، ومُقَامٍ ثُمَّ ضَالٍّ، ونَادَى بِمَنْعِ مُعَامَلَةِ يَتِيمٍ وسَفِيهٍ، ورَفْعِ أَمْرِهِمَا، ثُمَّ فِي الْخُصُومِ. قوله: (وَإِلا أُقْرِعَ، كَالادِّعَاءِ) أي كما يقرع فِي الادعاء، وهو المنبه عَلَيْهِ بقوله بعد: (وإلا فالجالب وإلا أقرع). وَرَتَّبَ كَاتِباً عَدْلاً [مَرْضِيَّاً] (¬1). قوله: (وَرَتَّبَ كَاتِباً عَدْلاً مَرْضِيَّاً) كذا فِي بعض النسخ مرضياً. اسم مفعول من الرضا، أشار بِهِ لقول ابن القاسم فِي " المدونة ": ولا يتخذ القاضي كاتباً من أهل الذمة ولا قاسماً ولا عبداً ولا مكاتباً، ولا يتخذ فِي شيءٍ من أمور المسلمين إِلا العدول المرضيين (¬2). كذا فِي غير نسخة من " التهذيب "، ولما نقله فِي " التوضيح " ذكر بإثره قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ: وسواء غاب الكاتب عَلَى كتابته أَو لَمْ يغب فلا يكون إِلا من أهل العدالة والرضا (¬3). ووقع فِي أكثر نسخ هذا المختصر (شرطاً) عوض (مرضياً)، وأظنّه تصحيفاً إذ لَمْ أر من عبّر هنا بالخلاف فِي الشَرْطية (¬4)؛ وإنما تَرَدُّدٌ اللخمي فِي وجوب العدالة. كَمُزَكٍّ، واخْتَارَهُمَا والْمُتَرْجِمُ مُخْبِرٌ كَالْمُحَلِّفِ. قوله: (كَمُزَكٍّ). أي فِي كونه عدلاً رضي فهو كقوله فِي " الرسالة ": ولا يقبل فِي ¬
التزكية إِلا من يقول عدل رضي أي ليجمع بين الآيتين {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]، {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282] وهذا يدلك عَلَى أَن (شرطا) تصحيف (مرضياً)، ولا شكّ أنهما فِي الخط متشابهان (¬1). وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ، أَوْ شَاوَرَهُمْ، وشُهُوداً. قوله: (وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ، أَوْ شَاوَرَهُمْ). المازري: ينبغي أَن يستشير ولَو كَانَ عالماً، وإِن كَانَ حضورهم يوجب حصره لَمْ يختلف فِي عدمه وإِن كَانَ بليداً بلادة لا يمكنه معها ضبط قولي الخصمين وتصوّر حقيقة دعواهما لَمْ يختلف فِي حضورهم إياه. وكَانَ عندنا قاض اشتهرت بالأمصار نزاهته، فرفع إليّ محاضر بين خصمين طال فيها النزاع والإثبات والتجريح، فتأملت المحاضر فوجدتها تتضمن أَن الخصمين متفقان فِي المعنى مختلفان فِي العبارة، ولَمْ يتفطن لذلك حتى نبهته لَهُ، فخجل منه وارتفع الخصام. فمثل هذا لابد أَن يحضره أهل العلم أَو كاتب يؤمن معه مثل هذا. ابن عرفة: قبول من هذه صفته القضاء جرحة. وَلَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ، ولَمْ يَشْتَرِ بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ كَسَلَفٍ وقِرَاضٍ، وإِبْضَاعٍ، وحُضُورِ وَلِيمَةٍ، إِلا لِنِكَاحٍ. قوله: (وَلَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ) ظاهره مُطْلَقاً كقول ابن الحاجب تبعاً لابن شاس: ولا يفتي الحاكم فِي الخصومات، وقال ابن عبد الحكم: لا بأس بِهِ كالخلفاء الأربعة (¬2). ابن عرفة وقبله ابن عبد السلام: فحملوا قول ابن عبد الحكم عَلَى الخلاف، وعزى ابن المناصف القول بعدم جوابه فيما يتعلّق بالخصومات لمالك، وعزاه ابن حارث لسحنون، ثم ذكر قول ابن عبد الحكم وقال: النهي فِي الكلام الأول عن فتيا القاضي فِي نفس ¬
الخصومات لأحد الخصمين، وكلام ابن عبد الحكم فِي فتياه فِي جملة الأشياء لَمْ يعن الخصومة بعينها. وفِي " الواضحة " للأخوين: لا ينبغي أَن يدخل عَلَى أحد الخصمين دون صاحبه لا وحده ولا فِي جماعة. وَقَبُولِ هَدِيَّةٍ ولَوْ كَافَأَ عَلَيْهَا، إِلا مِنْ قَرِيبٍ، وفِي هَدِيَّةِ مَنِ اعْتَادَهَا قَبْلَ الْوِلايَةِ، وكَرَاهَةِ حُكْمِهِ فِي مَشْيِهِ، أَوْ مُتَّكِئاً، وإِلْزَامِ يَهُودِيٍّ حُكْماً بِسَبْتِهِ، وتَحْدِيثِهِ بِمَجْلِسِهِ لِضَجَرٍ، ودَوَامِ الرِّضَا فِي التَّحْكِيمِ لِلْحُكْمِ قَوْلانِ، ولا يَحْكُمُ مَعَ مَا يُدْهِشُ عَنِ الْفِكْرِ، ومَضَى، وعَزَّرَ شَاهِداً بِزُورٍ فِي الْمَلإِ بِنِدَاءٍ، ولا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، ولِحْيَتَهُ، ولا يُسَخِّمُهُ. قوله: (وَقَبُولِ هَدِيَّةٍ) بعد مَا طوّل فيها. ابن عرفة قال: قد يخفف للمفتي فِي قبولها إِن كَانَ محتاجاً ولا سيما إِن كَانَ اشتغاله بأصولها يقطعه عن التسبب ولا رزق لَهُ عَلَيْهَا من بيت المال، وعَلَيْهِ يحمل مَا أخبرني بِهِ غير واحد عن الشيخ الفقيه أبي علي بن علوان: أنّه كَانَ يقبل الهدية، ويطلبها ممن يفتيه. ثُمَّ فِي قُبُولِهِ تَرَدُّدٌ، وإِنْ أَدَّبَ التَّائِبَ فَأَهْلٌ، ومَنْ أَسَاءَ عَلَى خِصْمِهِ أَوْ مُفْتٍ، أَوْ شَاهِدٍ، لا بِشَهِدْتَ بِبَاطِلٍ كَلِخَصْمِهِ كَذَبَتْ، ولْيُسَوِّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، ولَوْ مُسْلِماّ، [وَكَافِراً] (¬1). وقُدِّمَ الْمُسَافِرُ ومَا يُخْشَى فَوَاتُهُ، ثُمَّ السَّابِقَ، قَالَ وإِنْ بِحَقَّيْنِ بِلا طُولٍ، ثُمَّ أُقْرِعَ. قوله: (ثُمَّ فِي قُبُولِهِ تَرَدُّدٌ). ابن عبد السلام: قال بعض الشيوخ كابن الحاجب: إِن كَانَ ظاهر العدالة لَمْ تقبل توبته بلا خلاف؛ لأنّه لا يكاد تعرف توبته، وإن كَانَ غير ظاهرها فقَوْلانِ (¬2)، وقال ابن رشد بالعكس: إِن كَانَ ظاهر العدالة فقَوْلانِ وإِن لَمْ يكن ظاهرها لَمْ تقبل اتفاقاً. قال ابن عرفة مَا ذكره عن ابن رشد لا أعرفه لَهُ ولا لغيره، ثم جلب مَا فِي " المقدمات " ومَا فِي أول مسألة من سماع يحيي وهو خلاف مَا نسب لَهُ ابن عبد السلام، فقف عَلَى تمامه فِي أصله (¬3). ¬
وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْرِدَ وَقْتاً أَوْ يَوْماً لِلنِّسَاءِ كَالْمُفْتِي، والْمُدَرِّسِ. قوله: (كَالْمُفْتِي، والْمُدَرِّسِ) هذا كقول ابن شاس: وكذا يفعل المفتي والمدرس عند التزاحم (¬1) وقد قال ابن عرفة: لا أعرف هذا نصاً لأهل المذهب إنما قاله الغزالي فِي " الوجيز "، ولكن [تخريجهما] (¬2) [121 / أ] عَلَى حكم تزاحم الخصوم واضح، وكذا عَلَى سماع عيسى من ابن القاسم أحب إلي فِي الصانع الخياط يدفع الناس إليه ثيابهم واحداً بعد واحد أَن يبدأ بالأول فالأول، ولَمْ أسمع فيه [شيئاً] (¬3)، ولعله أَن يكون واسعاً إِن كَانَ الشيء الخفيف كالرقعة وأشباهها. ابن رشد: جعل الاختيار تقديم الأول فالأول دون إيجاب عَلَيْهِ إذ لَمْ يجب عَلَيْهِ عمله فِي يومٍ بعينه، وكذا قال الأخوان: لا بأس أَن يقدم الصانع من أحب مَا لَمْ يقصد مطلا، وكذا يقَوْلانِ فِي الرحا. ولسحنون: لا يقدم صاحب الرحا أحداً عَلَى من أتى قبله إِن كانت سنة البلد الطحن عَلَى الدولة، وإِن تحاكموا قضى بينهم بسنتهم، وليس قول سحنون بِخِلاف لقول غيره؛ لأن العرف كالشَرْط. ابن عرفة: وجرت عادة تدريس تونس فِي الأكثر بتقديم قراءة التفسير عَلَى الحديث، وتقديم الحديث عَلَى الفقه. وَأُمِرَ مُدَّعٍ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ بِالْكَلامِ [73 / أ]، وإِلا فَالْجَالِبُ، وإِلا أُقْرِعَ. قوله: (وَأُمِرَ مُدَّعٍ [تَجَرَّدَ] (¬4) قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ بِالْكَلامِ)، هذا إِذَا عرف المدعي، يدل عَلَيْهِ مَا بعده، وفِي النوادر عن أشهب: إِن جلس الخصمان بين يديه فلا بأس أَن يقول: مَا لكما أَو مَا خصومتكما، أَو يسكت ليبتدياه، فإن تكلّم المدعي أسكت الآخر حتى يسمع حجة المدعي ثم يسكته ويستنطق الآخر ليفهم حجة كل منهما، ولا يبتديء أَحَدهمَا فيقول: مَا تقول أَو مَا لك، إِلا أَن يكون علم أنّه المدعي، ولا بأس أَن يقول: أيكما المدعي، فإن ¬
قال أَحَدهمَا: أنا وسكت الآخر فلا بأس أَن يسأله عن دعواه، وأحب إليّ أَن لا يسأله حتى يقر خصمه بذلك. فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ، قَالَ وكَذَا شَيْءٌ، وإِلا لَمْ تُسْمَعْ كَأَظُنُّ، وكَفَاهُ بِعْتُ، وتَزَوَّجْتُ، وحُمِلَ عَلَى الصَّحِيحِ. قوله: (فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ، قَالَ وكَذَا شَيْءٌ، وإِلا لَمْ تُسْمَعْ كَأَظُنُّ). ابن عبد السلام: لا يقال إِن العلم والتحقيق مترادفان أَو كالمترادفين، فالإتيان بقوله: معلوماً. يغني عن قوله: محققاً، لأنا نقول: المعلوم راجع إِلَى تصور (¬1) المُدَّعَى فيه، فلابد أَن يكون متميزاً فِي ذهن المدعي والمدعى عَلَيْهِ، وفِي ذهن القاضي والمحقق راجع إِلَى جزم المدعي لأنّه مالك لما وقع النزاع فيه، فهو من نوع التصديق، فقد رجع كلّ واحدٍ من اللفظين لمعنى غير المعنى الذي رجع إليه [الآخر] (¬2) فلاشتراط العلم، لا يسمع: لي عَلَيْهِ شيء، ولاشتراط التحقيق، لا يسمع: أشكّ أَن لي عَلَيْهِ كذا أَو أظن ومَا أشبهه. انتهى. وأصل هذه العبارة لابن شاس قال: أولاً والدعوى المسموعة هي الصحيحة، وهي أَن تكون معلومة محققة، فلو قال لي عَلَيْهِ شيء لَمْ تسمع دعواه (¬3). ابن عرفة هو نقل " النوادر " عن " المجموعة " عن عبد الملك قال: إِذَا لَمْ يعين المدعي دعواه مَا هو وكم هو لَمْ يسأل المدعى عَلَيْهِ عن دعواه حتى يبينه الطالب فِي طلبه فيسأل حينئذ المطلوب عن دعواه. ونقله المازري عن المذهب وقال: وعندي لَو قال الطالب: أتيقن عمارة ذمة المطلوب بشيءٍ أجهل مبلغه وأريد جوابه بذكره مفصلاً أَو إنكاره جملة لزمه الجواب. ثم قال ابن شاس: وكَذَلِكَ لَو قال أظن إِن لي عَلَيْكَ شيئاً أَو قال: لك علي كذا أَو أظن أني قضيته لَمْ يسمع (¬4). قال ابن عرفة فاختصره ابن الحاجب بقوله: وشرط المدعي ¬
فيه أَن يكون معلوماً محققاً (¬1). فقبله ابن هارون وابن عبد السلام، ولَمْ يذكرا فيه خلافاً، وفِي رسم الطلاق من سماع أشهب وابن نافع من كتاب النكاح سئل عمن تزوج أمرأة بألف دينار، ودخل بها وأقام معها نحواً من ثمانية أشهر ثم مات، فطلبت صداقها، هل ترى اليمين عَلَى ورثته؟ فقال أرى عَلَى ورثته أَن يحلفوا مَا نعلم بقي لَهَا عَلَيْهِ صداق حتى مات. قال: وليس يدخل النساء عَلَى أزواجهن إِلا بالرضا من مهورهن. قال ابن رشد: أوجب اليمين عَلَى الورثة فِي هذه الرواية عَلَى العلم وإِن لَمْ تدع ذلك المرأة عليهم خلاف مَا فِي كتاب النكاح الثاني من " المدونة " من أنهم لا يمين عليهم إِلا أَن تدعي عليهم العلم، وخلاف مَا فِي كتاب بيع الغرر منها فِي مسألة التداعي فِي وقت موت الجارية الغائبة المشتراة عَلَى الصفة إِن كَانَ قبل الصفة أَو بعدها، وإنما تجب عليهم اليمين إِذَا كانوا ممن يظن بهم العلم عَلَى مَا قال فِي كتاب العيوب والأقضية من " المدونة " فإن نكلوا عن اليمين حلفت المرأة عَلَى مَا تدعي معرفته من أنها لَمْ تقبض صداقها وتستوجبه لا عَلَى أَن الورثة علموا أنها لَمْ تقبض، فهذه اليمين ترجع [121 / ب] عَلَى غير مَا نكل عنه الورثة، ولَهَا نظائر كثيرة، فيختلف فِي لحوق هذه اليمين للورثة؛ لأنها يمين تهمة إذا (¬2) لَمْ تحقق الزوجة عليهم الدعوى عَلَى مَا ذكرناه، ولا يختلف فِي رجوعها عَلَى الزوجة لمعرفتها بما تحلف عَلَيْهِ كما يختلف فِي رجوع يمين التهمة (¬3). وَإِلا فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنِ السَّبَبِ. قوله: (وَإِلا فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنِ السَّبَبِ) هذا تصريح بأن الحاكم هو الذي يسأل [عن السبب، فتأمل هل يعارض قوله فيما يأتي: (وَلمدعى عَلَيْهِ السؤال عن] (¬4) السبب) عَلَى أنّه اعتمد فيما يأتي قوله فِي " النوادر ": قال أشهب فِي " المجموعة ": إِن سأل المدعى عَلَيْهِ طالبه من أي وجه يدعي عَلَيْهِ هذا المال فقال قد تقدمت بيني وبينه مخالطة سئل عن ¬
ذلك ولم يقض القاضي بشيءٍ عَلَى المدعى عَلَيْهِ حتى يسمي المدعي السبب الذي كَانَ لَهُ بِهِ الحقّ أَو يقول لا أعلم وجهه ولا أذكره، فلا يكون عَلَيْهِ فِي ذلك يمين أنّه لا يذكره (¬1)، ويسأله البينة عَلَى دعواه. [ومثله فِي كتاب ابن سحنون وزاد: إِن أبى الطالب أَن يخبر بالسبب فإن قال: لأني لا أذكر وجه ذلك قُبل منه، وإِن لَمْ يقل (¬2) ذلك فلا يقضى لَهُ بشيء حتى يذكر سبب دعواه أَو يقول: لا أذكر سببه، ولا يمين عَلَيْهِ أنّه لا يذكر سببه، ويسأله البينة عَلَى دعواه] (¬3) ونقله الباجي بلفظ: إِن لَمْ يبين سبب دعواه أَو ادعى (¬4) نسيأنّه قبل منه بغير يمين وألزم المطلوب أَن يقرّ أَو ينكر قال الباجي: والقياس عندي أَن لا يوقف المطلوب حتى يحلف الطالب أنّه لا يذكر مَا يدعيه، إذ لعله بذكر السبب يجد مخرجاً، وإِن امتنع من ذكره من غير نسيان لَمْ يسأل المطلوب عن شيء (¬5). قال ابن عرفة فِي دلالة الرواية عَلَى مَا ذكر الباجي من قوله (¬6): وألزم المطلوب أَن يقرّ أَو ينكر نظر، فتأمله ونقل المازري كالباجي. انتهى. وفيه دليل عَلَى أَن السؤال من حق المُدَّعَى عَلَيْهِ كما اقتصر (¬7) عَلَيْهِ ابن الحاجب إذ قال: وللمدعى عَلَيْهِ أَن يسأل عن السبب وتقبل دعوى نسيانه دون يمين (¬8). وقال الباجي: القياس بيمين، وقد قبله فِي " التوضيح " (¬9) كابن عبد السلام، واعتمد المصنف هنا قول المتيطي، قال محمد بن حارث فِي " محاضره " يجب عَلَى القاضي أَن يقول للطالب: من أين وجب (¬10) لك مَا ادعيت؟، فإن قال: من سلف أَو بيع أَو ضمان أَو تعدٍ وشبهه لَمْ يكلفه ¬
أكثر من ذلك، وإِذَا ذكر المدعي دعواه ولَمْ يذكر السبب ولَمْ يكشفه القاضي عنه، فذلك غفلة من القاضي وجهل منه بالسنة؛ لأنه (¬1) إِذَا أبهم ذلك ولم يؤمن أَن يكون من وجه لا يوجب شيئاً إِذَا فسره، فيصير القاضي كالخابط عشواء، وكَذَلِكَ إِن ذكر عدد الدين ولم يذكر الحلول والتأجيل، وكَذَلِكَ إِن لَمْ يذكر قبض المتسلف للمال إِن كَانَ الدين من سلف كَانَ نقصاً فِي المقالة. ثُمَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ، أَوْ أَصْلٍ بِجَوَابِهِ. قوله: (ثُمَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ، أَوْ أَصْلٍ بِجَوَابِهِ) أي ثم أمر المدعى عَلَيْهِ بجوابه. ابن عرفة: وإِذَا ذكر المدعي دعواه فمقتضى المذهب أمر القاضي خصمه بجوابه إِن استحقت الدعوى جواباً وإِلا فلا كقول المدعي: هذا أخبرني البارحة أنّه رأى هلال الشهر أَو سمع من يعرف بلفظه (¬2) ولا يتوقف أمره بالجواب عَلَى طلب المدعي لذلك؛ لوضوح دلالة حال التداعي عَلَيْهِ. وقال المازري إِن لَمْ يكن من المدعي أكثر من الدعوى كَانَ يقول للقاضي: لي عند هذا ألف درهم، فللشافعية فِي أحد الوجهين: أنّه ليس للقاضي طلب المدعى عَلَيْهِ بجواب لعدم تصريح المدعي بذلك. وذكر أَن أخوين بالبصرة كانا يتوكلان عَلَى أبواب القضاة ولَهُمَا فقه، فلما ولي عيسى بن أبان قضاء البصرة، وهو ممن عاصر الشافعي أراد الأخوان أَن يعلماه مكانهما من العلم، فأتياه فقال لَهُ أَحَدهمَا: لي عند هذا كذا وكذا. فقال عيسى للآخر: أجبه فقال المدعى عَلَيْهِ: ومن أذن لك أَن تستدعي جوابي؟، وقال المدعي لَمْ آذن لك فِي ذلك فوجم عيسى بن أبان، فقالا لَهُ: إنما أردنا أَن نعلمك مكاننا من العلم، وعرّفاه بأنفسهما، وهذه مناقشة لا طائل (¬3) تحتها؛ لأن الحال شاهدة بذلك، وهو ظاهر مذاهب العلماء. ابن عرفة فظاهره إيجاب جوابه (¬4) بمجرد قوله: لي عنده كذا، وليس كَذَلِكَ بل لابد من ¬
بيان السبب من سلف أَو معاوضة أَو بت عطية، ونحوها؛ لجواز كونها بأمرٍ لا يوجب وجوبها [122 / أ] عَلَيْهِ كعدة أَو عطية من مال أجنبي. إِنْ خَالَطَهُ بِدَيْنٍ، أَوْ تَكَرُّرِ بَيْعٍ، وإِنْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ. قوله: (إِنْ خَالَطَهُ) كذا فِي بعض النسخ بأداة الشَرْط، وفِي بعضها: وخالطه (¬1) بالعطف عَلَى ترجيح (¬2) ولا يخفاك مَا فيهما معاً من القلق، فإن الخلطة شرط فِي توجه اليمين لا فِي إيجاب الجواب، ولا فِي سماع الدعوى وتكليف البينة كما تعطيه عبارتاه. فائدة: قال ابن عرفة: قطع ابن رشد فِي سماع أصبغ أَن مذهب مالك وكافة أصحابه الحكم بالخلطة (¬3)، ومثله لابن حارث (¬4) ونقل ابن زرقون عن ابن نافع: لا تعتبر (¬5) الخلطة. ابن عرفة ومضى عمل القضاة عندنا عليه، ونقل لي شيخنا ابن عبد السلام عن بعض القضاة أنّه لا يحكم بها إِلا إِن طلبها منه المدعى عَلَيْهِ. انتهى. والعجب من ابن عرفة حيث أغفل تمام كلام ابن رشد فِي السماع المذكور إذ قال مَا ¬
نصّه: وفِي " المبسوطة " لابن نافع أنّه قال لا أدري مَا الخلطة ولا أراها ولا أقول بها، وأرى الأيمان واجبة عَلَى المسلمين [عامة] (¬1) بعضهم عَلَى بعض لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " البينة عَلَى المدعي واليمين عَلَى المدعى عَلَيْهِ " (¬2) [وأغفل أَيْضاً قول المتيطي آخر الحمالة والرهون. وقال محمد بن عبد الحكم تجب اليمين عَلَى المدعى عليه] (¬3) دون خلطه وبِهِ أخذ ابن لبابة وغيره. وقال ابن الهندي: كَانَ بعض من يقتدى بِهِ يتوسط فِي مثل هذا إِذَا ادّعى قوم عَلَى أشكالهم بما يوجب اليمين أوجبها دون إثبات الخلطة، وإِن ادعى عَلَى الرجل العدل من ليس من شكله لَمْ يوجب عَلَيْهِ اليمين إِلا بإثبات الخلطة. وقال أبو الحسن الصغير: هذه من المسائل التي خالف فيها الأندلسيون مذهب مالك؛ لأنهم لا يعتبرون خلطة، ويوجبون اليمين بمجرد الدعوى وعَلَيْهِ العمل اليوم. انتهى. وقبله أبو عمران العبدوسي (¬4). لا بِبَيِّنَةٍ جُرِّحَتْ. قوله: (لا بِبَيِّنَةٍ جُرِّحَتْ) هو مثل قول المتيطي: وإن كَانَ الطالب أقام بينة بالدين فسقطت بوجهٍ مما تسقط بِهِ الشهادة أَو جرحها المطلوب فليس ذلك بخلطة توجب اليمين عَلَيْهِ، قاله مالك وابن القاسم وسحنون، وقال بعض العلماء: إِن ذلك خلطة توجب اليمين عَلَيْهِ وكَذَلِكَ إِن ترافعا قبل ذلك إِلَى الحاكم فِي حق آخر فقضى بينهما فليس ذلك بخلطة. ¬
إِلا الصَّانِعَ، والْمُتَّهَمَ، والضَّيْفَ وفِي مُعَيَّنٍ، والْوَدِيعَةَ عَلَى أَهْلِهَا، والْمُسَافِرَ عَلَى - رُفْقَتِهِ، ودَعْوَى مَرِيضٍ أَوْ بَائِعٍ عَلَى حَاضِرِ الْمُزَايَدَةِ، وإِنْ أَقَرَّ فَلَهُ الإِشْهَادُ عَلَيْهِ، ولِلْحَاكِمِ تَنْبِيهُهُ عَلَيْهِ، وإِنْ أَنْكَرَ قَالَ أَلَكَ بَيِّنَةٌ. قوله: (إِلا الصَّانِعَ، والْمُتَّهَمَ، والضَّيْفَ وفِي مُعَيَّنٍ، والْوَدِيعَةَ عَلَى أَهْلِهَا، والْمُسَافِرَ عَلَى - رُفْقَتِهِ، ودَعْوَى مَرِيضٍ أَوْ بَائِعٍ عَلَى حَاضِرِ الْمُزَايَدَةِ) هذه ثمانية ذكر المتيطي جميعها فِي الحمالة والرهون إِلا السلعة المعينة فلم يذكرها فِي النظائر، وقد ذكرها عبد الحقّ وابن يونس، وإلا الوديعة عَلَى أهلها فلم يذكرها عَلَى هذا الوجه الأعم وذكرها اللخمي وغيره. فالأول: الصانع واندرج فيه التاجر والثاني: المتهم بالسرقة والعداء والظلم، والثالث: الغريب ينزل بمدينة فيدعي عَلَى رجلٍ منها أنّه استودعه مالاً، فكأنّه عبّر بالضيف عن الغريب الطاريء عَلَى البلد سواء ضيفه المدعى عَلَيْهِ أَو لَمْ يضيفه (¬1)، وبهذا يساعد ظاهر نصّ المتيطي، ويُتبادر من لفظ المصنف غير هذا، ولكن لَمْ أر من ذكره. والرابع: الدعوى فِي شيءٍ معين قال عبد الحقّ عن بعض القرويين: إنما تراعى الخلطة فِي الأشياء المستهلكة وفيما تعلّق بالذمم، وأما الأشياء المعينة فاليمين فِي ذلك واجبة من غير خلطة. وقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا لا تجب اليمين إِلا بالخلطة فِي الأشياء المعينة وغيرها؛ إِلا مثل أَن يعرض رجل سلعة فِي السوق للبيع، فيأتي رجل فيقول: قد بعتها مني، فمثل هذا تجب فيه اليمين وإن لَمْ تكن خلطة، وهذا القول أبين عندي ونحوه لابن يونس. الخامس: دعوى الوديعة عَلَى من هو أهل لأن يودع عنده مثل هذا المال الحالّ (¬2). قال (¬3) فِي " توضيحه " وقيّده أصبغ وغيره بأن يكون المودع غريباً، وقيّده اللخمي بثلاثة قيود: أَن يكون المدعي يملك مثل ذلك فِي جنسه وقدره، وأَن يكون المدعى عَلَيْهِ ممن يودع ¬
مثل ذلك، وأَن يكون هناك مَا يوجب الإيداع. انتهى (¬1). فالثالث مساوٍ لهذا أَو أخص منه فتأمله. السادس: المسافر يدعي أنّه دفع مالاً لبعض أهل رفقته. السابع: الرجل يوصي عند الموت أَن لَهُ عَلَى فلان كذا. الثامن: عبّر عنه المتيطي بما نصّه: " الرجل يحضر المزايدة (¬2) فيقول البائع: بعتك بكذا ويقول المبتاع: بل بكذا، كذا رأيته فِي نسختين من " المتيطية "، وقد ظهر لك أَن بعض هؤلاء مدعى عَلَيْهِ كالصانع والمتهم وبعضهم [122 / ب] مدعٍ كالضيف والمريض. فَإِنْ نَفَاهَا واسْتَحْلَفَهُ فَلا بَيِّنَةَ، إِلا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ، أَوْ وَجَدَ ثَانِياً، أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الأَوَّلُ، ولَهُ يَمِينُهُ أنّه لَمْ يُحَلِّفْهُ أَوَّلاً، قَالَ: وكَذَا أنّه عَالِمٌ بِفِسْقِ شُهُودِهِ، وأَعْذَرَ بِأَبَقِيَتْ لَكَ حُجَّةٌ؟. قوله: (فَإِنْ نَفَاهَا واسْتَحْلَفَهُ فَلا بَيِّنَةَ، إِلا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ، أَوْ وَجَدَ ثَانِياً، أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الأَوَّلُ) لَمْ أفهم آخر هذا التركيب كما أحبّ، فلعلّ الكاتب غيّر فيه شيئاً، والذي فِي آخر أقضية (¬3) " المدونة ": وإِذَا أدلى الخصمان بحجتهما ففهم القاضي عنهما، وأراد أَن يحكم بينهما فليقل لَهُمَا أبقيت لكما حجة؟ فإن قالا لَهُ: لا، حكم بينهما ثم لا يقبل من المطلوب حجّة إِلا أَن يأتي بما لَهُ وجه مثل بينة لَمْ يعلم بها، أَو يكون أتى بشاهدٍ عند من لا يقضي بشاهد ويمين، ثم وجد شاهداً آخر بعد الحكم وقال: لَمْ أعلم بِهِ فليقض بهذا الآخر (¬4). ¬
قال ابن محرز ضمّ ابن القاسم شهادة الشاهد الذي قام بِهِ الآن إِلَى شهادة الأول صحيح وليس يختلف فيه [كما] (¬1) اختلف فيمن أقام شاهداً بحقٍّ ونكل عن اليمين معه، فردت لَهُ اليمين عَلَى المدعى عَلَيْهِ، ثم أقام شاهداً آخر؛ لأن هذا لَمْ يُمكّن من اليمين مَعَ شاهده فيكون مسقطاً لَهُ بنكوله، وهو كمن قام عَلَيْهِ شاهد بعتقٍ أَو طلاق فحلف عَلَى تكذيبه ثم أقام عَلَيْهِ شاهداً آخر فأنّه يضم إِلَى الشاهد الأول ويقضى عَلَيْهِ بالعتق والطلاق؛ [وذلك لأن الطالب ههنا لَمْ يمكن أَيْضاً من اليمين مَعَ الشاهد فِي العتق والطلاق؛ ولأنّه لا يملك إسقاط الحقّ فيه لَو كان ممكناً من اليمين، فلما لَمْ يكن لَهُ إسقاط الحقّ فيه] (¬2) لَمْ يكن عجزه عن شاهدٍ آخر مانعاً لَهُ من القيام بشهادة شاهد آخر لَمْ يعلم بِهِ أَو علم بِهِ فتركه متعمداً ثم قام بِهِ أَو قام بِهِ غيره. وأما الذي أقام شاهداً بحق فكان لَهُ أَن يحلف مَعَ شاهده فنكل عن اليمين وردها عَلَى المدعى عَلَيْهِ، ثم أقام شاهداً آخر، فإنما قيل لا تلفق لَهُ شهادة هذا إِلَى شهادة الأول؛ لأنّه لما نكل عن اليمين معه فقد رضي بإسقاطه وترك القيام بشهادته (¬3)، ثم اختلف: هل يستقل لَهُ الحكم بيمينه مَعَ شهادة هذا الشاهد الآخر أم لا، انتهى مرادنا منه؛ وبِهِ يتضح لك الفرق بين مَا ذكر المصنف هنا ومَا ذكر فِي الشهادات إذ قال: (وَإِن حلف المطلوب ثم أتى بآخر فلا ضم وفِي حلفه معه ويحلف المطلوب إِن لَمْ يحلف قَوْلانِ). وَنُدِبَ تَوْجِيهُ مُتَعَدِّدٍ فِيهِ، إِلا الشَّاهِدَ بِمَا فِي الْمَجْلِسِ، ومُوَجَّهَهُ، ومُزَكِّيَ السِّرِّ، والْمُبَرِّزِ بِغَيْرِ عَدَاوَةٍ، ومَنْ يُخْشَى مِنْهُ. وأَنْظَرَهُ لَهَا بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ حَكَمَ كَنَفْيِهَا، ولْيُجِبْ عَنِ الْمُجَرِّحِ، ويُعَجِّزُهُ، إِلا فِي دَمٍ، وحُبُسٍ وعِتْقٍ، ونَسَبٍ، وطَلاقٍ. قوله: (وَنُدِبَ تَوْجِيهُ مُتَعَدِّدٍ) لما ذكر المَتيْطِي نصّ وثيقة الموجهين فِي الحوز قال: ينبغي للقاضي أَن لا ينفذ حكمه عَلَى أحدٍ حتى يعذر إليه برجلٍ أَو رجلين، وإِن أعذر ¬
بواحد أجزأه، عَلَى مَا فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - فِي أنيس إذ قال لَهُ: " يا أنيس أغد عَلَى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " (¬1). وَكَتَبَهُ، وإِنْ لَمْ يُجِبْ حُبِسَ، وأُدِّبَ، ثُمَّ حَكَمَ بِلا يَمِينٍ، ولِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنِ السَّبَبِ، وقُبِلَ نِسْيَانه بِلا يَمِينٍ، وإِنْ أَنْكَرَ مَطْلُوبٌ الْمُعَامَلَةَ فَالْبَيِّنَةُ، ثُمَّ لا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ بِالْقَضَاءِ، بِخِلافِ لا حَقَّ لَكَ عَلَيَّ. قوله: (وَكَتَبَهُ) أي: وكتب القاضي التعجيز. قال فِي " المفيد ": حقّ عَلَى القاضي أَن يكتب التعجيز ويشهد عَلَيْهِ. وَكُلُّ دَعْوَى لا تَثْبُتُ إِلا بِعَدْلَيْنِ، فَلا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا. ولا تُرَدُّ كَنِكَاحٍ، وأَمَرَ بِالصُّلْحِ ذَوِي الْفَضْلِ والرَّحِمِ كَأَنْ خَشِيَ تَفَاقُمَ الأَمْرِ، ولا يَحْكُمُ لِمَنْ لا يَشْهَدُ لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ، ونُبِذَ حُكْمُ جَائِرٍ، وجَاهِلٍ لَمْ يُشَاوِرْ، وإِلا تُعُقِّبَ، ومَضَى غَيْرُ الْجَوْرِ، ولا يُتَعَقَّبُ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ. قوله: (وَكُلُّ دَعْوَى لا تَثْبُتُ إِلا بِعَدْلَيْنِ، فَلا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا. ولا تُرَدُّ) هذه عبارة ابن الحاجب (¬2). قال ابن عبد السلام: فإن قلت: قوله: (وَلا ترد) زيادة مستغنىً عنها؛ لأن ردّ اليمين فرع عن توجيهها (¬3)، فإذا لَمْ تتوجه لَمْ تردّ؟ قلت: الردّ الذي يستغني [عن نفيه بنفي] (¬4) التوجه هو الذي يكون فِي جانب المدعى عَلَيْهِ، [وقد يكون الرد من جانب المدعي إِلَى جانب المدعى عليه] (¬5)، كما إِذَا قام للمدعي شاهد فِي بعض هذه المسائل يعني كما قال بعد: (وَحلف بشاهدٍ فِي طلاق أوعتق). ¬
وَنَقَضَ، وبَيَّنَ السَّبَبَ مُطْلَقاً مَا خَالَفَ قَاطِعاً، وجَلِيَّ قِيَاسٍ كَاسْتِسْعَاءِ مُعْتَقٍ، وشُفْعَةِ جَارٍ، وحُكْمٍ عَلَى عَدُوٍّ. وشَهَادَةِ كَافِرٍ، ومِيرَاثِ ذِي رَحِمٍ، أَوْ مَوْلًى أَسْفَلَ، أَوْ بِعِلْمٍ سَبَقَ مَجْلِسَهُ، أَوْ جَعْلِ بَتَّةٍ وَاحِدَةً، أَوْ أنّه قَصَدَ كَذَا فَأَخْطَأَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ ظَهَرَ أنّه قَضَى بِعَبْدَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ، أَوْ صَبِيَّيْنِ، أَوْ كَافِرَيْنِ كَأَحَدِهِمَا، إِلا بِمَالٍ فَلا يُرَدُّ، إِنْ حَلَفَ، وإِلا أُخِذَ مِنْهُ إِنْ حَلَفَ، وحَلَفَ فِي الْقِصَاصِ خَمْسِينَ مَعَ عَاصِبِهِ، وإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ، وغَرِمَ شُهُودٌ عَلِمُوا، وإِلا فَعَلَى عَاقِلَةِ الإِمَامِ، وفِي الْقَطْعِ حَلَفَ الْمَقْطُوعُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ. ونَقَضَهُ هُوَ فَقَطْ، إِنْ ظَهَرَ أَنَّ غَيْرَهُ الأَصْوَبُ، أَوْ خَرَجَ عَنْ رَأْيِهِ، أَوْ رَأْيِ مُقَلِّدِهِ. قوله: (وَنَقَضَ، وبَيَّنَ السَّبَبَ مُطْلَقاً) أي سواء كَانَ حكمه أَو حكم غيره بدليل قوله فِي قسيمه (¬1) (وَنقضه هو فقط). وَرَفَعَ الْخِلافَ. قوله: (ورَفَعَ الْخِلافَ) قال القرافي فِي: الفرق السابع والسبعين: الخلاف يتقرر فِي مسائل الاجتهاد قبل حكم الحاكم، ويبطل الخلاف فيها (¬2) ويتعين قول واحدٍ بعد حكم الحاكم، وهو مَا حكم بِهِ الحاكم قال أبو القاسم بن الشاط السبتي: مَا قاله يوهم أَن الخلاف يبطل مُطْلَقاً فِي المسألة التي تعلّق بها حكم الحاكم، وليس الأمر كَذَلِكَ بل الخلاف يبقى عَلَى حاله، إِلا أنّه إِذَا استفتى المخالف فِي عين تلك المسألة التي وقع الحكم فيها لا تسوغ [له] (¬3) الفتوى فيها بعينها؛ لأنّه قد نفذ فيها الحكم بقولة قائل، ومضى العمل بها، فإذا استفتي فِي مثلها قبل أَن يقع فيها الحكم أفتى بمذهبه عَلَى أصله (¬4). ثم قال القرافي: اعلم أَن حكم الحاكم فِي مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم، وتتعين فتياه بعد الحكم عما كانت [عَلَيْهِ عَلَى القول الصحيح من مذاهب العلماء، فمين لا يرى وقف المشاع إِذَا حكم حاكم بصحة وقفه ثم ¬
رفعت الواقعة] (¬1) لمن كَانَ يفتي ببطلانه [123 / أ] نفذه وأمضاه، ولا يحلّ لَهُ بعد ذلك أَن يفتي ببطلانه. وكَذَلِكَ إِن قال لَهَا: إِن تزوجتك فأنت طالق، فتزوجها وحكم حاكم بصحة هذا النكاح فالذي كَانَ يرى لزوم الطلاق لَهُ ينفذ هذا النكاح، ولا يحلّ لَهُ بعد ذلك أَن يفتي بالطلاق وهذا (¬2) مذهب الجمهور، وهو مذهب مالك. قال ابن الشاط: مَا قاله من أنّه إِذَا حكم حاكم بصحة وقف المشاع ثم رفعت (¬3) الواقعة لمن كَانَ يفتي ببطلانه نفذه وأمضاه. لقائلٍ أَن يقول: لا ينفذه ولا يمضيه؛ ولكنه (¬4) لا يرده ولا ينقضه وفرق بين كونه ينفذه ويمضيه وكونه لا يرده ولا ينقضه. انظر تمام كلامهما وبحث ابن الشاط (¬5). والثاني أقوى من الأول. وقد كَانَ شيخنا الأستاذ أبو عبد الله الصغير - رحمه الله تعالى - يحكي عن شيخه [أبي عبد الله العكرمي أنّه قال: قال ليّ الشيخ الصالح الزاهد الورع أبو حفص عمر الرجراجي: عَلَيْكَ بـ: " قواعد "] (¬6) القرافي ولا تقبل منها إِلا مَا قبله ابن الشاط. لا أَحَلَّ حَرَاماً، ونَقْلُ مِلْكٍ، أَوْ فَسْخُ عَقْدٍ، أَو تَقَرُّرُ نِكَاحٍ بِلا وَلِيٍّ حُكْمٌ. قوله: (لا أَحَلَّ حَرَاماً) فيه تنبيهان الأول: قال ابن عبد السلام: ولا فرق بين الفروج والأموال، ثم قال: وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وكثير من أهل المذهب فيما حكى عنهم أبو عمر: إنما ذلك فِي الأموال لا فِي الفروج ". انتهى. وهو تصحيف إما فِي نسخة ابن عبدالسلام من " الاستذكار " وإما فِي شرحه هو، والذي رأيته فِي نسخةٍ من " الاستذكار " عتيقة مقروءة مقابلة بأصل المؤلف: وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وكثير من أصحابهما: إنما ¬
ذلك فِي الأموال. فلفظ أصحابهما بضمير التثنية العائد عَلَى أبي حنيفة وأبي يوسف ولا يصح غيره (¬1). ولا خلاف عند أهل المذهب أنّه لا فرق بين [الأموال والفروج كما قطع بِهِ ابن رشد وابن عرفة وغيرهما، ولَمْ يتعقبه ابن عرفة عَلَى ابن عبد السلام، إما] (¬2) لسلامة نسخته من هذا التصحيف، أَو لكونه (¬3) لَمْ يكمل كلامه بالقراءة. الثاني قال ابن الحاجب فِي تمثيله: كمن أقام شهود زور عَلَى نكاح امرأة، فحكم لَهُ به، وكَذَلِكَ لَو حكم الحنفي للمالكي بشفعة الجار (¬4)، أما المثال الأول فظاهر، وأما الثاني فقال ابن عبد السلام يعني فأنّه لا يحلّ للمالكي الأخذ بهذه الشفعة؛ لأنّه يعتقد بطلان مَا حكم لَهُ بِهِ القاضي، فيعود (¬5) الأمر فيه إِلَى مَا قبله، هكذا قالوا؛ وليس بالبيّن؛ لأن مَا تقدم الظاهر فيه مخالف لما فِي الباطن، ولَو علم القاضي بكذب الشهود لما حكم بهم إجماعاً، وفِي هذه الصورة القاضي والخصمان يعلمون من حال الباطن مَا يعلمون من حال الظاهر، والمسألة مختلف فيها، وحكم القاضي يرفع الخلاف فتنزل ذلك بعد ارتفاع الخلاف منزلة الإجماع، ومَا هذا سبيله يتناول الظاهر والباطن، والذي قلناه هو ظاهر كلام السيوري فِي بعض مسائله. وعَلَى مَا قاله ابن الحاجب؛ لَو غصب الغاصب شيئاً فنقله لمكان الغصب وكَانَ مما اختلف فيه هل يفوت بنقله أم لا؟ فقضى القاضي لربه بأخذه، وكَانَ مذهب ربه أنّه يفوت وتجب فيه القيمة، فينبغي عَلَى هذا أَن لا يكون لربه التصرف فيه. ابن عرفة: ظاهر قوله هكذا قالوا مَعَ عزوه مَا ظهر لَهُ من خلاف ذلك للسيوري أَن المذهب هو مَا قاله ابن الحاجب تبعاً لقول ابن شاس: إنما القضاء إظهار لحكم (¬6) الشرع لا ¬
اختراع لَهُ، فلا يحلّ للمالكي شفعة الجوار إِن قضى لَهُ بها الحنفي (¬1)، وليس كَذَلِكَ بل مقتضى المذهب خلافه. قال المازري فِي ائتمام الشافعي بالمالكي وعكسه: الإجماع عَلَى صحته، واعتذر عن قول أشهب: [أن] (¬2) من صلى خلف من لا يرى الوضوء من القُبْلة يعيد، وفِي كتاب الزكاة من " المدونة " إن (¬3) لَمْ يبلغ حظ كل واحد من الخليطين مَا فيه الزكاة وفِي اجتماعهما مَا فيه الزكاة فلا زكاة عَلَيْهِمَا (¬4)، فإن تعدى الساعي فأخذ من غنم أَحَدهمَا [شاة] (¬5) فليترادا فيها عَلَى عدد غنمهما، فتحليله لمن أخذت الشاة من غنمه الرجوع عَلَى خليطه بمنابه منها نصّ فِي صحة عمل المحكوم عَلَيْهِ بلازم مَا حكم بِهِ الحاكم المخالف لمذهب المحكوم عَلَيْهِ، فأحرى إِذَا كَانَ نفس مَا حكم بِهِ له (¬6)، ولا سيما عَلَى القول بأن كلّ مجتهدٍ مصيب. ولا أعلم لابن شاس فيه مستنداً إِلا اتباع " وجيز " الغزالي، وهذا لا يجوز لَهُ. وأما المصنف فِي " التوضيح " فقال قول ابن الحاجب، وكَذَلِكَ (¬7) لَو حكم الحنفي ... إِلَى آخره، نقله ابن محرز عن ابن الماجشون فقال: إِن حكم القاضي باجتهاده بقولٍ شاذٍ، فذهب ابن الماجشون إِلَى فسخ حكمه، وذلك كالحكم بالشفعة للجار، ثم أشار إِلَى أَن [123 / ب] استشكال ابن عبد السلام لما هنا كاستبعاد المازري؛ لقول ابن الماجشون بنقيض (¬8) الحكم بشفعة الجار ونظائره المذكورة فِي المختصر قبل هذا (¬9)، وفِي النفس من هذا شيء. ¬
ومقتضى كلام ابن عرفة أَن التحليل والتحريم لا ينبني عَلَى إمضاء حكم (¬1) القاضي ونقضه، فأنّه ذكر كل مسألة منهما فِي موضعها عَلَى حدتها، ولا إشارة لملازمة بينهما، فتأمله. لا أُجِيزُهُ، أَوْ أَفْتَى. قوله: (لا أُجِيزُهُ، أَوْ أَفْتَى) أصله قول ابن شاس: لَو رفع إليه نكاح امرأة زوجت نفسها بغير وليٍ؟ فقال: أنا لا أجيزه، ولم يحكم بفسخه، فهذا ليس بحكم ولكنه فتوى (¬2)، فتبعه ابن الحاجب (¬3)، وقال ابن عبد السلام: أنّه متفق عَلَيْهِ، ونحوه لابن هارون، فقال ابن عرفة: مقتضى جعله فتوى أَن لمن ولي بعده أَن ينقضه ضرورة أنّه لَمْ يحكم بِهِ الأول، والظاهر أنّه لا يجوز للثاني نقضه؛ لأن قول الأول حين رفع إليه: لا أجيزه ولا أفسخه حكم منه بأنّه مكروه، والكراهة أحد أقسام الشرع الخمسة يجب رعي كلّ حكم منها، ولازمه وحكم المكروه عدم نقضه بعد وقوعه؛ ولا سيّما عَلَى قول ابن القاسم فِي حكم الحاكم إِذَا كَانَ متعلقه تركاً. انتهى، فليتأمل. وَلَمْ يَتَعَدَّ لِمُمَاثِلٍ، بَلْ إِنْ [73 / ب] تَجَدَّدَ، فَالاجْتِهَادُ كَفَسْخٍ بِرِضَاعِ كَبِيرٍ، وتَأْبِيدِ مَنْكُوحَةِ عِدَّةٍ، وهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ولا يَدْعُو لِصُلْحٍ، إِنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ، ولا يَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ، إِلا فِي التَّعْدِيلِ والْجَرْحِ كَالشُّهْرَةِ بِذَلِكَ، أَوْ إِقْرَارِ الْخَصْمِ بِالْعَدَالَةِ، وإِنْ أَنْكَرَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ إِقْرَارَهُ بَعْدَهُ لَمْ يُفِدْهُ، وإِنْ شَهِدَا بِحُكْمٍ نَسِيَهُ أَوْ أَنْكَرَهُ أَمْضَاهُ. قوله: (وَلَمْ يَتَعَدَّ لِمُمَاثِلٍ، بَلْ إِنْ [73 / ب] تَجَدَّدَ، فَالاجْتِهَادُ كَفَسْخٍ بِرِضَاعِ كَبِيرٍ، وتَأْبِيدِ مَنْكُوحَةِ عِدَّةٍ، وهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) هذان المثالان ذكرهما ابن شاس فقال: إِذَا رفع إِلَى قاضٍ رضاع كبير فحكم بأن رضاع الكبير يحرم وفسخ النكاح من أجله فالقدر الذي يثبت بحكمه هو فسخ النكاح فحسب وأما تحريمها عَلَيْهِ فِي المستقبل فأنّه لا يثبت بحكمه، بل يبقى ذلك معرضاً (¬4) للاجتهاد فيه، وكَذَلِكَ لَو رفعت إليه حال امرأة ¬
نكحت فِي عدتها ففسخ نكاحها وحرمها عَلَى زوجها لكان القدر الذي ثبت من حكمه فسخ النكاح فحسب، وأما تحريمها فِي المستقبل فمعرّض للاجتهاد، وتبعه ابن الحاجب (¬1). قال ابن عرفة: وقد قبلوه وهو صواب فِي مسألة المعتدة، وأما فِي رضاع الكبير فغير صحيح أَو فيه نظر وبيانه أَن علة منع حكم الثاني بِخِلاف حكم الأول، هو كون حكم الثاني رافعاً لمتعلق حكم الأول بالذات، وهذا لأنّه دار معه وجوداً وعدماً، أما وجوداً (¬2) ففي أمثال حكم الحاكم الثاني بكون المبتاع الأول فيما باعه الآمر والمأمور أحق بالمبيع، ولَو قبضه المبتاع الثاني بعد حكم الحاكم الأول فإن قابضه أحقّ. وأما عدماً ففي جواز حكم عمر وعلي - رضي الله تعالى - عنهما بِخِلاف مَا حكم بِهِ من قبلهما في (¬3) قسم الفيء (¬4) وتقرر فِي أصول الفقه اعتبار الدوران، إِذَا ثبت هذا ونظرنا وجدنا حكم الثاني فِي مسألة الناكح فِي العدة غير رافعٍ لنفس متعلق الحكم الأول؛ لأن متعلق حكمه بالذات الفسخ، والتحريم تابع لَهُ، فلم توجد علة منع حكم الثاني فيها، ووجدنا حكم الثاني فِي مسألة رضاع الكبير رافعاً لنفس متعلق حكم الحاكم الأول بالذات، وهو تحريم رضاع الكبير، وفسخ نكاح الكبير تابع لهذا المتعلق بالذات لا أنه (¬5) متعلق حكمه بالذات، فيجب منع حكم الثاني عملاً بالعلة الموجبة لمنعه، فتأمله. ¬
وَأَنْهَى لِغَيْرِهِ مُشَافَهَةً، إِنْ كَانَ كُلٌّ بِوِلايَتِهِ، وبِشَاهِدَيْنِ مُطْلَقاً. واعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا، وإِنْ خَالَفَا كِتَابَهُ. قوله: (وَأَنْهَى لِغَيْرِهِ مُشَافَهَةً، إِنْ كَانَ كُلٌّ بِوِلايَتِهِ) كذا لابن الحاجب تابعاً لابن شاس (¬1) التابع لـ: " وجيز " الغزالي، وقبله ابن عبد السلام وابن هارون، فقال ابن عرفة: لا أعرف من جزم بِهِ من أهل المذهب؛ وإنما قال المازري: لا شكّ أَن ذكر القاضي ثبوت شهادة عنده عَلَى غائب ليس بقضية محضة، ولا نقل محض، بل هو مشوب (¬2) بالأمرين، فينظر (¬3) أولاهما بِهِ، ومما يتفرع عَلَى هذا أَن قاضيين لَو قضيا بمدينة عَلَى أَن كلّ واحد منهما ينفذ مَا ثبت عنده، فأخبر أَحَدهمَا الآخر أنّه ثبت عنده شهادة فلان وفلان لرجلين بالبلد وقضى بثبوتهما فإن قلنا: أنّه كنقل شهادة فلا يكتفي هذا القاضي المخاطب بأنهم شهدوا عند الآخر؛ لأن المنقول عنهم حضور، وإن قلنا: أنّه كقضية (¬4) فالقاضي الثاني ينفذ مَا قاله الأول، وهذا قد يقال فيه أَيْضاً إِذَا قبلنا قول القاضي وحده، وإن كَانَ كالنقل يكتفى بِهِ لحرمة القضاء، فكذا يصحّ نقله وإن كَانَ من نقل عنه حاضراً فهذا مما ينظر فيه، وذكر ابن عرفة بعده إلزاماً وانفصالاً، فقف عَلَيْهِ. وَنُدِبَ خَتْمُهُ، ولَمْ يُفِدْ وَحْدَهُ، وأَدَّيَا، وإِنْ عِنْدَ غَيْرِهِ، وأَفَادَ، إِنْ أَشْهَدَهُمَا أَنَّ مَا فِيهِ حُكْمُهُ، أَوْ خَطُّهُ كَالإِقْرَارِ ومَيَّزَ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مِنَ اسْمٍ وحِرْفَةٍ وغَيْرِهِمَا. قوله: (وَنُدِبَ خَتْمُهُ، ولَمْ يُفِدْ وَحْدَهُ) أي: ولَمْ يفد الختم أَو الكتاب دون الشاهدين. قال ابن عرفة: ولما كانت نصوص الروايات واضحة بلغوا ثبوت كتاب القاضي بمجرد الشهادة عَلَى خطه (¬5). قال ابن المناصف: اتفق أهل عصرنا فِي البلاد التي ينتهي إليها أمرنا ¬
عَلَى قبول كتب القضاة فِي الأحكام (¬1) والحقوق (¬2) بمجرد معرفة خطّ القاضي دون إشهاده عَلَى ذلك، ولا خاتم معروف، ولا يستطيع أحد فيما أظن صرفهم عنه؛ مَعَ أني لا أعلم خلافاً فِي مذهب مالك أَن كتاب القاضي لا يجوز بمجرد معرفة خطه، بل قولهم فِي القاضي يجد (¬3) فِي ديوانه حكماً بخطه، وهو لا يذكر أنّه حكم بِهِ أنّه لا يجوز لَهُ إنفاذه إِلا أَن يشهد عنده بذلك الحكم شاهدان، وكذا إِن وجده من ولي بعده، وثبت أنّه خطّ الأول فأنّه لا يعمل بِهِ، ولا يتخرج [124 / أ] القول بعمله بما يتقنه من خطه دون ذكر حكمه بِهِ من الخلاف فِي الشاهد يتيقن (¬4) خطه بالشهادة بالحقّ، ولا يذكر موطنها لعذر الشاهد، إذ مَا عمله هو مقدور كسبه، والقاضي كَانَ قادراً عَلَى إشهادة عَلَى حكمه ثم وجه عمل الناس بأن الظن الحاصل بأنّه كتاب القاضي الباعث بِهِ حصوله بالشهادة عَلَى خطه منضماً للشهود (¬5)، وهو القول بجواز الشهادة عَلَى خطّ الغير حسبما تقرر فِي المذهب لوجوب (¬6) كون هذا الظنّ كالظن الناشيء عن ثبوته ببينة عَلَى أنّه كتابه لضرورة دفع مشقة مجيء البينة مَعَ الكتاب، مَعَ انتشار الخطة وبعد المسافة. ابن عرفة: فإن قيل: تندفع المشقة بإشهاد القاضي عَلَى كتابه ببينة يشهد عَلَى خطها فِي بلد المكتوب إليه كما يفعله كثير من أهل الزمان لنكتة تذكر بعد؟ قلت: ثبوته بالشهادة عَلَى خط القاضي أقوى من ثبوته بالشهادة عَلَى خطّ البينة بشهادتهما (¬7) عَلَى القاضي؛ لأن ثبوته بالشهادة عَلَى خطّ القاضي مآله توقفه عَلَى مجرد الشهادة عَلَى الخطّ فقط، وثبوته بالشهادة عَلَى خط البينة مآله توقف الشهادة عَلَى الخطّ مَعَ شهادة البينة عَلَى القاضي، ومَا توقف عَلَى أمر واحد فقط أقوى مما يتوقف عَلَيْهِ مَعَ غيره ¬
لتطرق احتمال وهن ذلك الغير، لاحتمال فسق (¬1) البينة، أَو رقها فِي نفس الأمر قال: وإذا ثبت وجه العمل بذلك فإن ثبت خطّ القاضي ببينة عادلة عارفة بالخطوط وجب العمل بِهِ، وإِن لَمْ تقم بينة بذلك والقاضي المكتوب إليه يعرف خطّ القاضي الكاتب إليه فجائز عندي قبوله بمعرفة خطّه. وقبول سحنون كتب أمنائه بلا بينة يدل عَلَى ذلك، وليس ذلك من باب قضاء القاضي بعلمه الذي لا يجوز لَهُ القضاء بِهِ؛ لأن ورود كتاب القاضي عَلَيْهِ بذلك الحقّ كقيام بينة [عنده بذلك فقبوله الكتاب بما عرف من خطه كقبوله بينة] (¬2) بما عرف من عدالتهما (¬3)، ويحتمل أَن يقال: لابد من الشهادة عنده عَلَى خطه. قال ابن عرفة: ونحوه قول ابن سهل: إِن أثنى بخير عَلَى شهيدي كتاب القاضي، وإِن لَمْ يكن تعديلاً بيّناً، أَو زكى أَحَدهمَا وتوسم (¬4) فيهما صلاح وخطه وختمه يعرفه المكتوب إليه استحسن إنفاذه لعمل صدر الأمة (¬5) بإجازة الخاتم. ومنه خطاب ابن شماخ بكتابٍ أدرج فيه كتاب عيسى بن عتبة فقيه مكناسة، انظر تمامه فِي نوازل ابن سهل. قال ابن المناصف: ويجب عَلَى القاضي الذي ثبت عنده كتاب قاضٍ إليه فِي حقٍ يتأخر الحكم فيه - أَن يشهد عَلَى نفسه بثبوت ذلك الكتاب عنده الذي قبله بمعرفته خطه؛ لأنّه إِن لَمْ يفعل ذلك، واتفق أَن مات أَو عزل، وقد مات الذي كتبه لَهُ أَو عزل وخلف مكان المكتوب إليه قاضٍ آخر ألجأ صاحب الحقّ لإثبات ذلك الكتاب عنده بشهود عَلَى القاضي الذي كتبه فِي حين ولايته أنّه كتابه (¬6)، إذ لا يكتفى فِي ذلك بمعرفة الخطّ إِن كَانَ الذي كتبه مات أَو عزل؛ لما نبينه، وهو أَن ثبوت كتابه بمجرد الشهادة ¬
عَلَى خطه كمشافهته (¬1) بسماع نطقه بذلك وسماع ذلك منه، إنما يعتبر فِي ولايته وأما بعد عزله فلا. لما فِي " المدونة " وَغيرها: أنّه إذا (¬2) مات القاضي أَو عزل وفِي ديوانه شهادة البينات وعدالتها لَمْ ينظر فيه من ولي بعده، ولَمْ يجزه إِلا أَن تقوم عَلَيْهِ بينة، وإِن قال المعزول: قد شهدت بِهِ البينة عندي لَمْ يقبل قوله (¬3) ولا يكون نزاع كثير؛ لأنهم حملوا مَا وقع لمالك وغيره فِي قبول كتب القضاة ماتوا أَو عزلوا عَلَى إطلاقه، وتوهموا ذلك فِي مثل مَا عهدوه، ووقع التساهل فيه من ترك إشهاد القضاة عَلَى كتبهم، والاجتزاء بمعرفة الخطّ. ابن عرفة: ونزلت هذه المسألة عام خمسين وسبعمائة من هذا القرن الثامن، وقت نزول الطاعون الأعظم، أيام أمير المؤمنين أبي الحسن المريني، فِي خطاب ورد من مدينة فاس لتونس، فوصل خطاب قاضي فاس وقد تقرر علم موته بتونس، فطرح خطابه، فشكى من وصل بِهِ إِلَى أمير المؤمنين، فسأل إمامه ومفتيه شيخنا أبا عبد الله السطي - وكان حافظاً - فأفتى بإعمال خطابه، واحتج بنحو مَا ذكر ابن المناصف عن من نازعه، فوقفه أصحابنا عَلَى كلام ابن المناصف هذا، فرجع إليه، فظهر أنّه لَمْ يكن لَهُ بِهِ شعور. فَنَفَّذَهُ الثَّانِي، وبَنَى كَأَنْ نُقِلَ لِخُطَّةٍ أُخْرَى وإِنْ حَدَّاً، إِنْ كَانَ أَهْلاً أَوْ قَاضِيَ مِصْرٍ، وإِلا فَلا كَأَنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ، وإِنْ مَيِّتاً، وإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ فَفِي إِعْدَائِهِ أَوْ لا حَتَّى يُثْبِتَ أَحَدِيَّتَهُ قَوْلانِ، والْقَرِيبُ كَالْحَاضِرِ، والْبَعِيدُ جِدَّاً كَإِفْرِيقِيَّةَ، يُقْضَى عَلَيْهِ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ، وسَمَّى الشُّهُودَ، وإِلا نُقِضَ. قوله: (كَأَنْ نُقِلَ لِخُطَّةٍ أُخْرَى) ابن سهل: سألت ابن عات عن حاكمٍ من صاحب شرطة أَو غيره، يرتفع إِلَى [124 / ب] خطة القضاء، هل يستأنف النظر فيما وقع بين يديه من الأحكام ولم يكملها؟ أَو يصل نظره فيها، ويكمل عَلَى مَا مضى لَهُ؟ قال: يبني عَلَى مَا مضى. ¬
وَالْعَشَرَةُ أَوِ الْيَوْمَانِ مَعَ الْخَوْفِ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَهَا فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ، وحَكَمَ بِمَا يَتَمَيَّزُ غَائِباً بِالصِّفَةِ كَدَيْنٍ وجَلَبَ الْخَصْمَ، بِخَاتَمٍ، أَوْ رَسُولٍ، إِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى، لا أَكْثَرَ كَسِتِّينَ مِيلاً، إِلا بِشَاهِدٍ، ولا يُزَوِّجُ امْرَأَةً لَيْسَتْ بِوِلايَتِهِ. وهَلْ يُدَّعَى حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وبِهِ عُمِلَ؟ أَوِ الْمُدَّعَى وأُقِيمَ مِنْهَا وفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى لِغَائِبٍ بِلا وَكَالَةٍ؟ تَرَدُّدٌ. قوله: (وَالْعَشَرَةُ أَوِ الْيَوْمَانِ مَعَ الْخَوْفِ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَهَا) (مَعَ الخوف) قيد فِي (اليومين) لا فِي (الْعَشَرَةُ)، وضمير (مَعَهَا) لليمين. وبالله تعالى التوفيق.
باب الشهادة
[باب الشهادة] أقول - وبالله تعالى التوفيق - ذكر القرافي فِي الفرق الأول من قواعده أنّه أقام نحو ثماني سنين يطلب الفرق بين الشهادة والرواية (¬1)، إِلَى أَن ظفر بقول المازري فِي " شرح البرهان ": " هما خبران، غير أَن المخبر عنه إِن كَانَ أمراً عاماً لا يختصّ بمعين فهو الرواية (¬2)؛ كقوله عَلَيْهِ السلام: " الأعمال بالنيات " (¬3) أَو الشفعة فيما لم (¬4) ينقسم لا يختصّ بشخصٍ معين بل ذلك عَلَى جميع الخلق فِي جميع الأعصار والأمصار، بِخِلاف قول العدل عند الحاكم: لهذا عند هذا دينار، إلزام لمعين لا يتعداه لغيره فهذا شأن الشهادة المحضة، والأول هو الرواية (¬5) المحضة. ثمّ تجتمع الشوائب بعد ذلك. فناقشه أبو القاسم ابن الشاط السبتي وابن عرفة وبعض شيوخ بلده، فأما ابن الشاط فقال: لَمْ يقتصر الإمام فِي مفتتح كلامه الذي نقل منه الشهاب [على التفريق] (¬6) بالعموم والخصوص، ولكنّه ذكر مَعَ الخصوص قيداً آخر وهو إمكان الترافع إِلَى الحكام والتخاصم وطلب فصل القضاء (¬7)، ثم اقتصر فِي مختتم كلامه عَلَى ذكر الخصوص والعموم، والأَصَحّ اعتبار القيد المذكور، ويتضح ذلك بتقسيم حاصر وهو أَن الخبر إما أَن يقصد بِهِ أَن يترتب عَلَيْهِ فصل قضاءٍ وإبرام حكم وإمضاؤه، أَو لا؟ فإن قصد بِهِ ذلك فهو [الشهادة وإِن لَمْ يقصد بِهِ ذلك، فإما أَن يقصد بِهِ ¬
تعريف دليل حكم شرعي أَو لا، فإن قصد بِهِ ذلك فهي] (¬1) الرواية (¬2)، وإِلا فهو سائر أنواع الخبر (¬3). وأما ابن عرفة فقال: مَا ارتضاه القرافي واتبع فيه المازري من أَن الشهادة هي الخبر المتعلق بجزئي، [والرواية: الخبر المتعلّق بكلّي، يردّ بأن الرواية (¬4) تتعلّق بالجزئي] (¬5) كثيراً كحديث قوله صلى الله عَلَيْهِ وسلم " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة " (¬6)، وحديث تميم الداري فِي السفينة التي لعب البحر بهم فيها حتى ألقتهم بجزيرة، ووجدوا فيها [الرجل] (¬7) المفسّر بالدجال (¬8) إِلَى غير ذلك من الأحاديث المتعلقة بأمور جزئية؛ ولأجل هذا تجدهم يقولون: اختلف فِي القضايا العينية (¬9) هل تعم أَو لا؟ وكآية: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد:1] ... ونحوها كثير. وأما بعض شيوخ تونس فقال عَلَى مَا حكى عنه ابن عرفة: كيف يقيم مدة يطلب الفرق بينهما؟!، وهو مذكور فِي أيسر الكتب المتداولة بين المبتدئين وهو: " تنبيه " ابن بشير إذ قال فِي كتاب الصيام منه: [لما] (¬10) كَانَ القياس عند المتأخرين رد ثبوت الإهلال لباب الأخبار، إذ رأوا أَن الفرق بين باب الخبر وباب الشهادة: أَن كلّ مَا خصّ المشهود عَلَيْهِ فبابه باب الشهادة، وكل مَا عمّ فلزم القائل منه مَا يلزم المقول، فبابه باب الأخبار جعلوا فِي ¬
المذهب قوله بقبول خبر الواحد فِي الهلال (¬1)، ولا نجده [إلا] (¬2) فِي النقل عما يثبت عند الإمام، وكذا كَانَ يتعقّب عَلَيْهِ حكايته عن نفسه مثل ذلك فِي الفرق بين علم الجنس وعلم الشخص، مَعَ أنّه مذكور فِي " الجزولية " (¬3). انتهى. فقف عَلَى بقية هذه النقول فِي أماكنها وتأملها، وقف عَلَى مَا ذكرنا في علم الجنس فِي كتابنا المسمى [بإتحاف] (¬4) ذوي الاستحقاق ببعض مراد المرادي وزوائد أبي إسحاق ". [كتاب الشهادة] الْعَدْلُ حُرٌّ، مُسْلِمٌ، عَاقِلٌ، بَالِغٌ بِلا فِسْقٍ وحَجْرٍ وبِدْعَةٍ، وإِنْ تَأَوَّلَ كَخَارِجِيٍّ، وقَدَرِيٍّ. لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً، أَوْ كَثِيرَ كَذِبٍ، أَوْ صَغِيرَةَ خِسَّةٍ وسَفَاهَةٍ، ولَعِبَ نَرْدٍ. قوله: (وَإِنْ تَأَوَّلَ كَخَارِجِيٍّ، وقَدَرِيٍّ) أحرى إِذَا تعمد أَو جهل، فهو كقول ابن الحاجب: ولا يعذر بجهلٍ ولا تأويل كالقدري والخارجي (¬5). قال فِي توضيحه تبعاً لابن عبد السلام: يحتمل أَن يكون القدري مثالاً للجاهل؛ لأن أكثر شبههم عقلية، والخطأ فيها يسمى جهلاً، والخارجي مثالاً للمتأول؛ لأن شبههم سمعية، والخطأ فيها يسمى تأويلا، ويحتمل أَن يريد بالجاهل: المقلد من الفريقين، وبالمتأول المجتهد منهما (¬6). ذُو مُرُوءَةٍ. قوله: (ذُو مُرُوءَةٍ) نعت لحرّ أَو خبر عن العدل. ¬
بِتَرْكِ غَيْرِ لائِقٍ. مِنْ حَمَامٍ، وسَمَاعِ غِنَاءٍ. قوله: (بِتَرْكِ غَيْرِ لائِقٍ. مِنْ حَمَامٍ) كذا أطلق فِي الحمام فِي كتاب القطع، وقيده آخر كتاب الرجم بما إِذَا قامر عَلَيْهَا (¬1). وحِرْفَةٍ دَنِيّةٍ (¬2) ودِبَاغَةٍ، وحِيَاكَةٍ اخْتِيَاراً. قوله: (وَحِرْفَةٍ دَنِيّةٍ ودِبَاغَةٍ، وحِيَاكَةٍ (¬3)) اختياراً أشار بِهِ لقول ابن محرز: [لا] (¬4) تردّ شهادة ذوي الحرف [125 / أ] الدنية كالكناس والدباغ والحجّام والحائك إِلا ممن رضيها اختياراً ممن لا تليق بِهِ؛ لأنها تدل عَلَى خبلٍ فِي عقله، وعنه نقلها ابن شاس (¬5)، وعَلَيْهِ اقتصر ابن عرفة فِي " مختصره "، ونقل عنه البرزلي أنّه كَانَ يقول: الحياكة (¬6) بحسب البلدان، وهي فِي إقليم إفريقية من الصناعات الرفيعة يستعملها وجوه الناس. قال ابن عبد السلام: وقد ألحق بعض الفضلاء من أهل المذهب وبعض الأئمة خارج المذهب بمن اضطر إِلَى هذه الحرف من قصد باستعمالها، كسر نفسه، ومباعدتها من الكبر، وتخليقها بأخلاق الفضلاء، كما قد اشتهر ذلك عن جماعة. وَإِدَامَةِ شِطْرَنْج، وإِنْ أَعْمَى فِي قَوْلٍ، أَوْ أَصَمَّ فِي فِعْلٍ، لَيْسَ بِمُغَفَّلٍ، إِلا فِيمَا لا يَلْبِسُ، ولا مُتَأَكِّدِ الْقُرْبِ. كَأَبٍ، وإِنْ عَلا، أَوْ أُمٍّ وزَوْجِهِمَا ووَلَدٍ، وإِنْ سَفَلَ. كَبِنْتٍ وزَوْجِهِمَا وشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ، وَاحِدَةٌ كَكُلٍّ عِنْدَ الآخَرِ، وعَلَى شَهَادَتِهِ، أَوْ حُكْمِهِ، بِخِلافِ أَخٍ لأَخٍ، إِنْ بَرَّزَ، ولَوْ بِتَعْدِيلٍ، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً بِخِلافِهِ. كَأَجِيرٍ، ومَوْلًى، ومُلاطِفٍ، ومُفَاوِضٍ فِي غَيْرِ مُفَاوَضَةٍ، وزَائِدٍ أَوْ نَاقِصٍ، وذَاكِرٍ بَعْدَ شَكٍّ. قوله: (وَإِدَامَةِ شِطْرَنْج) قال أبو عبد الله بن هشام اللخمي فِي " لحن العامّة " ويقولون: شَطرنج بفتح الشين، وحكى ابن جني أن الصواب: كسرها ليكون عَلَى بناء ¬
جِردْحل، وذكر قبل ذلك أنّه يقال: بالشين والسين؛ لأنّه إما مشتقٌ من المشاطرة أَو التسطير، وقيّده هنا بالإدامة تعويلاً عَلَى قوله أول شهادات " المدونة ": ومن أدمن اللعب بالشطرنج لَمْ تجز شهادته، وإِن كَانَ إنما هو المرّة [بعد المرّة] (¬1) فشهادته جائزة إِن كَانَ عدلاً (¬2). وكره مالك اللعب بها، وإن قلّ. وقال هي أشد من النرد. قال الأبهري فِي تعليل هذا: لأنّه لا يسلم الإنسان من يسير لهو، وقد قال بعض الشعراء: (8) أفد طبعك المكدود (¬3) بالجد ... راحة يجم وعلله بشيءٍ من المزح ولكن إِذَا أعطيته المزح فليكن ... بمقدار ما يعطى الطعام من الملح (¬4) وفِي النكت ذكر عن أحمد بن نصر: إِذَا لعب بها فِي السنة أكثر من مرة فقد صار مدمنا. فرعان: الأول: قال ابن عرفة لا تجوز شهادة من يشتغل بمطلق علم الكيميا، وأفتى الشيخ الفقيه الصالح أبو الحسن المنتصر بمنع إمامته. انتهى. ورجّح أبو زيد ابن خلدون أنها عَلَى تقدير صحة وجودها، فانقلاب الأعيان فيها من السحر يأت لا من الطيبات وإنهم يظهرون بألغازهم الظنانة بها، وإنما قصدهم التستر من حملة الشريعة. الثاني: فِي سماع عيسى: الفرار من الزحف من الضعف جرحة، ومن علمت توبته منه وظهرت قبلت شهادته وإِلا ردّت، والضعف فِي العدد كما قال الله تعالى. قال ابن رشد: هو كبيرة، وقال بعض الناس: ليس بكبيرة (¬5). قال ابن عرفة: تحقيق توبته عسير؛ لأنها لا تعرف إِلا بتكرر جهاده وعدم فراره فيه، وانظر هل الفرار من الضعف جرحة مُطْلَقاً أَو مالم يكن ممن صار العدو فِي حقّه أكثر من الضعف بفرار من فرّ ¬
من الضِعف، وهذا هو المظنون (¬1) اعتقاده فِي بعض من فرّ فِي هزيمة أبي الحسن المريني فِي وقعة طريف من الفقهاء الذين كانوا معه كشيخنا (¬2) أبي عبد الله السطّي. وَتَزْكِيَةٍ وإِنْ بِحَدٍّ. قوله: (وإِنْ بِحَدٍّ) الذي للمتيطي عن الباجي: التعديل يجوز فِي كل شيء فِي الدماء وغيرها. وقال أحمد بن عبد الملك لا تكون عدالة فِي الدماء، وليس يقضى به (¬3)، وما تقدم أولى، وقاله مالك فِي كتاب: الديات من " المدونة ". وقبله ابن عرفة، ووهم من نقله بزيادة الحدود، فلو قال: ولَو بدم، لكان أولى. مِنْ مَعْرُوفٍ إِلا الْغَرِيبَ بِأَشْهَدُ أنّه عَدْلٌ رِضاً مِنْ فَطِنٍ عَارِفٍ لا يُخْدَعُ، مُعْتَمِدٍ عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ. قوله: (مِنْ مَعْرُوفٍ إِلا الْغَرِيبَ) أشار بِهِ لقوله فِي كتاب اللقطة (¬4) من " المدونة ": وإِن شهد قوم عَلَى حق (¬5) فعدّلهم قوم غير معروفين فعدل المعدّلين آخرون، فإن كَانَ الشهود غرباء جَازَ ذلك وإِن كانوا من أهل البلد لَمْ يجز ذلك؛ لأن القاضي لا يقبل عدالةً عَلَى عدالة إِذَا كانوا من أهل البلد حتى تكون العدالة عَلَى الشهود أنفسهم عند القاضي (¬6). لا سَمَاعٍ. قوله: (لا سَمَاعٍ) هو كقول ابن الحاجب: لا بالتسامع (¬7). ¬
مِنْ سُوقِهِ، أَوْ مَحَلَّتِهِ، إِلا لِتَعَذُّرٍ ووَجَبَتْ، إِنْ تَعَيَّنَ كَجَرْحٍ، إِنْ بَطَلَ حَقٌّ، ونُدِبَ تَزْكِيَةُ سِرٍّ مَعَهَا مِنْ مُتَعَدِّدٍ. قوله: (مِنْ سُوقِهِ، أَوْ مَحَلَّتِهِ، إِلا لِتَعَذُّرٍ) ليس المجرور متعلقاً بـ (سماع)، وإنما هو من صفات تزكية بحذف مضاف أي: من أهل سوقه أو محلته، وكأنّه قال: وتزكية حاصلة من معروف [حاصلة من فطن] (¬1) حاصلة من أهل سوقه أَو محلته، وأشار بِهِ لما ذكر اللخمي: أنّه يقبل تعديله من جيرانه وأهل سوقه ومحلته لا من غيرهم؛ لأن وقوفهم عن تعديله مَعَ كونهم أقعد بِهِ ريبة فِي تعديله، فإن لَمْ يكن فيهم عدل قبل من سائر بلده. وقال المتيطي ما نصّه: ولا يُزكِّي الشاهد إِلا أهل مسجده وسوقه وجيرانه، إِلا أن يكون مشهوراً بالعدالة، ورواه أشهب عن مالك، وبِهِ قال مطرف وابن الماجشون. قال ابن عبد الحكم (¬2) وأصبغ: أو يكون من قومٍ مبرزين فِي العدالة. انتهى. فانظره هل معناه أَو يكون التعديل من قومٍ مبرزين، وقد وقع فِي عبارة " التوضيح " قالوا: إِلا [125 / ب] أن يكون معدلوه أهل برازة فِي العدالة والفضل (¬3). وفِي بعض النسخ: إِلا المبرز عوضاً من قوله: (إِلا لتعذر)، وكأنّه إشارة لقولهم: إِلا أن يكون مشهوراً بالعدالة، أَو لقولهم إِلا أن يكون معدلوه أهل برازة. فتأمله. فائدة: قال ابن عرفة: لما ملك الأمير أبو الحسن المريني إفريقية قدم تونس، فوجد الشيخ الفقيه ابن عبد السلام قدّم شهوداً بتونس لَمْ يمض لتقديمهم إِلا عدة أشهر، فذكر له بعض من وثق بكلامه: ما أوجب أن أمر القاضي المذكور بوقفهم في (¬4) أمام الجامع الأعظم، فأنّه قدم فيهم لغرض فوقفهم، وطال وقفهم نحو عام حتى سعى بعضهم عَلَى يد من كَانَ يتكرر للشيخ أبي عبد الله السطي في أن يكلّم السلطان، عسى أن يفوض للقاضي فِي ردّ من ¬
شاء منهم، وكَانَ الساعي وعد الواسطة بأن يقدم (¬1) معه إِذَا وقع التفويض، فلما كلّم الشيخ السطي السلطان، وفوض الشيخ ابن عبد السلام قدم ولده والساعي ومن شاء، ولَمْ يقدم الواسطة، فبعث الشيخ السطي إِلَى الساعي وكلّمه فِي توفيته بما وعد بِهِ الواسطة، وأن يكلّم عنه الشيخ ابن عبد السلام فِي تقديمه، فأتاه عنه، وقال له: يقول لكم: إِن ارتهنتم (¬2) فيه قدمته. وكانت أسباب الحرج؛ إذ (¬3) نالت الشيخ السطي تصدر عنه شديدة، فأجابه بجواب اللائق من ذكره أنّه قال له: قل له: هذا منك غفلة أَو استغفال؛ أما تعلم أن المنصوص أنّه إنما يعدل الرجل أهل محلته وجيرانه، وذكر ما تقدم من نقل اللخمي والمتيطي، وقال له: هذا الذي طلبت (¬4) مني تعديله أنت عالم بأن معرفتي بِهِ حديثة لمدة يسيرة، وليس من بلدي وهو قاطن معك، مخالط لك كمخالطة غيره ممن قدمته، فلم يستطع أن يردّ إليه جواباً؛ لأن القول بالعلم لا يردّه ذو ديانة أنصف. وَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الاسْمَ، أَوْ لَمْ يَذْكُرِ السَّبَبَ. قوله: (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الاسْمَ) كذا فِي النوادر عن ابن سحنون عن أبيه: أن من عدّل رجلاً لَمْ يعرف اسمه قبل تعديله، وجعله ابن عرفة كالمنافي لقول سحنون فِي نوازله: لا ينبغي لأحدٍ أن يزكّي رجلاً إِلا رجلاً قد خالطه فِي الأخذ والإعطاء، وسافر معه ورافقه؛ ولقول اللخمي عن ابن المواز: لا يزكيه حتى تطول المخالطة فيعلم (¬5) باطنه كما يعلم ظاهره، قال: يريد يعلم باطنه فِي غالب الأمر لا أنّه يقطع بذلك. قال ابن عرفة: وانظر قبول سحنون تزكية من لَمْ يعرف اسمه مَعَ تعقب بعض أهل الزمان تزكية الشاهد بعض العوام مَعَ شهادته عَلَيْهِ بالتعريف بعد تزكيته إياه أَو قبلها ¬
بقريب. انتهى. والذي فِي أصل المتيطي: وتجوز تزكية من لا يعرف اسمه إِذَا كَانَ مشهوراً بكنيته [أو لقبٍ] (¬1) لا يعز [عَلَيْهِ ذكره، وربّ رجلٍ مشهور بكنيته لا يعرف] (¬2) له اسم، وهذا أشهب ابن عبد العزيز لا يكاد أكثر الناس يعرف اسمه: مسكين، وسحنون بن سعيد اسمه عبد السلام، وقد غلب عَلَيْهِ سحنون فِي حياته وبعد وفاته، وبِهِ كَانَ يخاطب عن نفسه. بِخِلافِ [74 / أ] الْجَرْحِ، وهُوَ الْمُقَدَّمُ، وإِنْ شَهِدَ ثَانِياً فَفِي الاكْتِفَاءِ بِالتَّزْكِيَةِ الأُولَى تَرَدُّدٌ. وبِخِلافِهَا لأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الآخَرِ، أَوْ أَبَوَيْهِ. قوله: (بِخِلافِ الْجَرْحِ) بفتح الجيم. فِي نوازل ابن الحاجّ: سئل مالك عن الذي يسأله القاضي عن حال الشاهد فيخبره ببعض ما يكون فيه الحدّ؟ فقال: إِذَا كَانَ القاضي هو الذي سأله فكشف عن الشاهد فليس عَلَى المخبر شيء. إِنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لَهُ. قوله: (إِنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لَهُ) ينطبق عَلَى الصورتين قبله كما عند ابن الحاجب، وقد صرّح بذلك ابن محرز. وَلا عَدُوٌّ [عَلَى عَدُوِّهِ] (¬3). قوله: (وَلا عَدُوٌّ) قال ابن عات عن الاستغناء: قال الشعباني: تقبل شهادة القراء فِي كلّ شيء إِلا شهادة بعضهم عَلَى بعض؛ لتحاسدهم كالضرائر، والحسود ظالم لا تقبل شهادته عَلَى من يحسده. وقال المتيطي فِي المبسوطة عن ابن وهب: لا تجوز شهادة القاريء عَلَى القاريء، يعني العلماء؛ لأنهم أشدّ الناس تحاسداً، وقاله سفيان الثوري ومالك ابن دينار. ابن عرفة، العمل عَلَى خلاف هذا، وشهادة ذوي القبول منهم مقبولة كغيرهم، ولعلّ قول ابن وهب فيمن ثبت التحاسد بينهم. انتهى. وسيقول المصنف: (وَلا عالم عَلَى مثله). ¬
وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ. قوله: (وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ) هذا قول ابن القاسم فِي سماع عيسى (¬1)، وزاد: ولَو كَانَ مثل ابن شريح وسليمان بن القاسم. ابن عرفة: عبد الرحمن بن شريح أبو شريح المعافري، وسليمان ابن القاسم من أشياخ عبد الرحمن بن القاسم. أَوْ مُسْلِمٍ وكَافِرٍ. [قوله: (أَوْ مُسْلِمٍ وكَافِرٍ) هو فِي حيّز الإغياء وكأنّه قال: ولَو طرأت العداوة الدنيوية بين مسلمٍ وكافر] (¬2). وَلْيُخْبِرْ بِهَا كَقَوْلِهِ بَعْدَهَا تَشْتُمُنِي (¬3) أَوْ تُشَبِّهُنِي بِالْمَجَنونِ (¬4) مُخَاصِماً، لا شَاكِياً. قوله: (وَلْيُخْبِرْ بِهَا كَقَوْلِهِ [126 / أ] بَعْدَهَا تَشْتُمُنِي (¬5) أَوْ تُشَبِّهُنِي بِالْمَجَنونِ مُخَاصِماً، لا شَاكِياً) كذا هو فِي نوازل أصبغ من الشهادات (¬6)، تشتمني من باب [الشتم لا تتهمني من باب] (¬7) التهمة، وقال فيه: أنّه لا يقدح، وحكى ابن رشد عنه أنّه فصل فِي الثمانية بين المخاصم والشاكي، وحكى عن ابن الماجشون أنّه قادح، واستظهره (¬8)، وكلام المصنف فِي " التوضيح " يدل أنّه لَمْ يقف عَلَى نقل ابن رشد هذا (¬9). ¬
وَاعْتَمَدَ فِي إِعْسَارٍ بِصُحْبَتِهِ، وقَرِينَةِ صَبْرِ ضَرٍّ كَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ. قوله: (وَاعْتَمَدَ فِي إِعْسَارٍ بِصُحْبَتِهِ) أي مخالطة، وهي عبارة المازري، وفي بعض النسخ بمحنة أي: بامتحان، وهو كقول ابن شاس وابن الحاجب: بالخبرة الباطنة (¬1)، وعَلَى كلّ حال فهذه طريقة المازري، وعند ابن عرفة احتمال فِي رجوع طريقة ابن رشد فِي المقدمات إليها. وَلا إِنْ حَرَصَ عَلَى إِزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ بِفِسْقٍ أَوْ صِباً، أَوْ رِقٍّ، أَوْ عَلَى التَّأَسِّي كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِيهِ. قوله: (وَلا إِنْ حَرَصَ عَلَى إِزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ بفِسْقٍ أَوْ صِباً، أَوْ رِقٍّ) شمل الفسق فسق الكفر وفسق المعصية، وقد صرّح غيره بهما. أَوْ مَنْ حُدَّ فِيمَا حُدَّ فِيهِ، ولا إِنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مُطْلَقاً، أَوْ شَهِدَ وحَلَفَ، أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ فِي مَحْضِ حَقِّ الآدَمِيِّ، وفِي مَحْضِ حَقِّ اللهِ تَعَالَى تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالإِمْكَانِ، إِنِ اسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ كَعِتْقٍ وطَلاقٍ، ووَقْفٍ، ورِضَاعٍ، وإِلا خُيِّرَ كَالزِّنَا بِخِلافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ، كَالْمُخْتَفِي، ولا إِنِ اسْتُبْعِدَ كَبَدَوِيٍّ لِحَضَرِيٍّ، بِخِلافِ إِنْ سَمِعَهُ، أَوْ مَرَّ بِهِ، ولا سَائِلٍ فِي كَثِيرٍ، بِخِلافِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ، أَوْ يَسْأَلِ الأَعْيَانَ، ولا إِنْ جَرَّ بِهَا نَفْعاً كَعَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا، أَوْ قَتْلِ الْعَمْدِ إِلا الْفَقِيرَ، أَوْ بِعِتْقِ مَنْ يُتَّهَمُ فِي وَلائِهِ، أَوْ بِدَيْنٍ لِمَدِينِهِ، بِخِلافِ الْمُنْفِقِ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وشَهَادَةِ كُلٍّ لِلآخَرِ، وإِنْ بِالْمَجْلِسِ والْقَافِلَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فِي حِرَابَةٍ، لا الْمَجْلُوبِينَ، إِلا كَعِشْرِينَ، ولا مَنْ شَهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ ولِغَيْرِهِ بِوَصِيَّةٍ، وإِلا قُبِلَ لَهُمَا، ولا إِنْ دَفَعَ كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ. قوله: (أَوْ مَنْ حَدٍ فِيمَا حُدَّ فِيهِ) ابن رشد هو المشهور من قول ابن القاسم (¬2). والْمُدَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّهِ. قوله: (والْمُدَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّهِ) أي لربّ الدين كقوله: إِذَا نهى السفيه جرى إليه أي ¬
إِلَى السفه، وضبط فِي " التوضيح " المدان (¬1) بتخفيف الدال عَلَى أنّه اسم مفعول من أدان الرباعي، وهو فِي بعض نسخ ابن الحاجب بتشديد الدال عَلَى أنّه اسم فاعل من [ادَّان] (¬2) المشدد الدال الخماسي، وأصله ادّتَن عَلَى وزن افتعل، وكلاهما صحيح، قال فِي مختصر العين: أدنت الرجل أعطيته دينا، وهذا يشهد للأول ثم قال: وأدان واستدان ودان أخذ الدين، وهذا يشهد للثاني ونحوهما للجوهري، إِلا أنّه فسّر الخماسي باستقرض بعد ما قال: دنت الرجل أقرضته فهو مدين ومديون. وَلا مُفْتٍ عَلَى مُسْتَفْتِيهِ، إِنْ كَانَ مِمَّا يُنَوَّى فِيهِ، وإِلا رَفَعَ، ولا إِنْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقٍ، وقَالَ أَنَا بِعْتُهُ لَهُ، ولا إِنْ حَدَثَ فِسْقٌ بَعْدَ الأَدَاءِ، بِخِلافِ تُهْمَةِ جَرٍّ، ودَفْعٍ وعَدَاوَةٍ. قوله: (وَلا مُفْتٍ عَلَى مُسْتَفْتِيهِ، إِنْ كَانَ مِمَّا يُنَوَّى فِيهِ) مثّله ابن رشد فِي سماع عيسى بالرجل يأتي العالم فيقول حلفت بالطلاق أن لا أكلم فلاناً فكلمته بعد ذلك بشهر لأني كنت نويت أن لا أكلمه شهراً، فإذا دعته امرأته (¬3) يشهد لها بما أقر بِهِ عنده من حلفه بالطلاق ألا يكلمه، وأنّه كلّمه بعد شهر لَمْ يجز له أن يشهد عَلَيْهِ بذلك؛ لأنّه يعلم من باطن اليمين خلاف ما يوجب ظاهرها (¬4). انتهى، وهو جارٍ مَعَ ما فِي " المدونة ". وَلا عَالِمٍ عَلَى مِثْلِهِ. قوله: (ولا عالم عَلَى مثله) كذا حكى ابن رشد فِي رسم القبلة من سماع ابن القاسم، وعزاه لابن وهب فِي المبسوطة (¬5)، وقدمناه بأشبع من هذا عند قوله: (ولا عدو). ¬
وَلا إِنْ أَخَذَ مِنَ الْعُمَّالِ، أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ بِخِلافِ الْخُلَفَاءِ، ولا إِنْ تَعَصَّبَ، كَالرِّشْوَةِ، وتَلْقِينِ خَصْمٍ. قوله: (ولا إِن أخذ [من العمال] (¬1)) كذا فِي سماع سحنون أن قبول الجوائز من العمال المضروب عَلَى أيديهم جرحة. قال ابن رشد: هذا صحيح، ومعناه عندي: إِذَا قبلوا (¬2) ذلك من العمال عَلَى الجباية الذين [إنما جعل] (¬3) لهم قبض الأموال وتحصيلها دون وضعها فِي وجوهها بالاجتهاد، وأما الأمراء الذين فوض لهم الخليفة أَو خليفته قبض الأموال وصرفها فِي وجوهها باجتهادهم كالحجاج وشبهه من أمراء البلاد الذين فوض إليهم جميع أمورها فجوائزهم كجوائز الخلفاء، فإن صحّ أخذ ابن عمر جوائز الحجاج فهذا وجهه (¬4). وَلَعِبٍ بِنَيْرُوزٍ. قوله: (وَلَعِبٍ بِنَيْرُوزٍ) الذي لابن عات وظاهره أنّه من الاستغناء يخرج (¬5) الرجل بصنيعة النيروز والمهرجان؛ إذ هو من فعل النصارى؛ لقول النبي صلى الله عَلَيْهِ وسلم: من أحبّ قوماً فهو منهم، (¬6) ولقوله عَلَيْهِ السلام: " من عمل عملاً ليس عَلَيْهِ أمرنا فليس منا " (¬7) انتهى، وقد [ذكر ابن الحاجّ] (¬8) فِي المدخل: من بِدع أهل مصر: مضاربتهم بالجلود فِي زمن الحاجوز حتى يتعذر عَلَى الفضلاء سلوك طرقاتها (¬9). ¬
وَمَطْلٍ، وحَلِفٍ بِعِتْقٍ وبِطَلاقٍ، وبِمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلاثاً [بِلا عُذْرٍ] (¬1)، وتِجَارَةٍ لأَرْضِ حَرْبٍ، وبِسُكْنَى مَغْصُوبَةٍ، أَوْ مَعَ وَلَدٍ شِرِّيبٍ وبِوَطْءِ مَنْ لا تُوطَأُ، وبِالْتِفَاتِهِ فِي الصَّلاةِ. قوله: (وَمَطْلٍ) كذا فِي نوازل سحنون (¬2). وَبِاقْتِرَاضِهِ حِجَارَةً مِنَ الْمَسْجِدِ، وعَدَمِ إِحْكَامِ الْوُضُوءِ والْغُسْلِ. قوله: (وبِاقْتِرَاضِهِ حِجَارَةً مِنَ الْمَسْجِدِ) أي: ويجرح فِي استسلافه حجارة المسجد وإِن ردّ مثلها، والذي فِي النوادر عن سحنون فِي كتاب ابنه فِي الذي يأخذ من لبن أَو حجارة اشتريت للمسجد واعترف بذلك، وقال: تسلّفتها ورددت مثلها، قال قد يجهل مثل هذا، أَو يظن أن ذلك يجوز له. وَالزَّكَاةِ لِمَنْ لَزِمَتْهُ، وبَيْعِ نَرْدٍ، وطُنْبُورٍ، واسْتِحْلافِ أَبِيهِ. وقُدِحَ فِي الْمُتَوَسِّطِ بِكُلٍّ، وفِي الْمُبَرِّزِ بِعَدَاوَةٍ وقَرَابَةٍ، وإِنْ بِدُونِهِ كَغَيْرِهِمَا عَلَى الْمُخْتَارِ، وزَوَالُ الْعَدَاوَةِ والْفِسْقِ، بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِلا حَدٍّ، ومَنِ امْتَنَعَتْ لَهُ. لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ ولَمْ يُجَرِّحْ شَاهِداً عَلَيْهِ، ومَنِ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فَالْعَكْسُ، إِلا الصِّبْيَانَ، لا نِسَاءً فِي كَعُرْسٍ فِي [74 / ب] جَرْحٍ، أَوْ قَتْلٍ. قوله: (والزَّكَاةِ لِمَنْ لَزِمَتْهُ) كذا قال ابن سحنون عن أبيه فيمن لا يعرف قدر نصيب (¬3) المال وهو ممن تجب عَلَيْهِ زكاته. ابن عرفة: إِلا أن يكون ممن ماله كثير لا يفتقر فِي زكاته لتحقيق قدر النصاب؛ لأنّه لا يتوقف إخراجه عَلَى معرفة قدره، وهذا فِي العين لا فِي الماشية والزرع. ¬
وَالشَّاهِدُ حُرٌّ. قوله: (وَالشَّاهِدُ حُرٌّ) يتضمن اشتراط (¬1) الحكم بإسلامه من بابٍ أحرى. مُمَيِّزٌ، ذَكَرٌ تَعَدَّدَ، لَيْسَ بِعَدُوٍّ، ولا قَرِيبٍ، ولا خِلافَ بَيْنَهُمْ، وفُرْقَةَ إِلا أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِمْ قَبْلَهَا، ولَمْ يَحْضُرْ كَبِيرٌ، أَوْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ، أَوْ لَهُ. قوله: (مُمَيِّزٌ) هو أعمّ مما حكى اللخمي عن عبد الوهاب من اشتراط كونه ممن يعقل الشّهَادَة. [126 / ب] قال ابن عرفة: كقوله فِي " المدونة ": وتجوز شهادة ابن عشر سنين وأقلّ مما يقاربها. (¬2) انتهى. بقي هذا [الشَرْط] (¬3) عَلَيْهِ كما بقي عَلَى ابن الحاجب عَلَى أنّه أشار فِي " التوضيح " للاستغناء عنه بالتمييز (¬4) وليس بظاهر. وَلا يَقْدَحُ رُجُوعُهُمْ، ولا تَجْرِيحُهُمْ، ولِلزِّنَا واللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ بِوَقْتٍ، ورُؤْيَا اتَّحَدَا، وفُرِّقُوا فَقَطْ أنّه أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا. قوله: (وَلا يَقْدَحُ رُجُوعُهُمْ، ولا تَجْرِيحُهُمْ) ابن عرفة: الأَظْهَر اعتبار منع الكذب قبول شهادة من عرف بِهِ منهم. وَلِكُلٍّ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ، ونُدِبَ سُؤَالُهُمْ، كَالسَّرِقَةِ مَا هِيَ؟ وكَيْفَ أُخِذَتْ؟ ولِمَا لَيْسَ بِمَالٍ ولا آيِلٍ لَهُ كَعِتْقٍ، ورَجْعَةٍ، وكِتَابَةٍ عَدْلانِ، وإِلا فَعَدْلٌ، وامْرَأَتَانِ، أَواحدهُمَا بِيَمِينٍ كَأَجَلٍ، وخِيَارٍ، وشُفْعَةٍ، وإِجَارَةٍ، وجَرْحِ خَطَإٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ أَدَاءِ كِتَابَةٍ، وإِيصَاءٍ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ. قوله: (وَلِكُلٍّ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ) أشار بِهِ لقوله فِي كتاب الرجم من " المدونة " قبل: فإن ¬
شهد أربعة عَلَى رجل بالزنا فقالوا تعمدنا النظر إليهما (¬1) لتثبت الشّهَادَة قال: كيف يشهد الشهود إِلا هكذا (¬2) فناقضها ابن هارون بعدم إجازته (¬3) فِي اختلاف الزوجين فِي عيوب الفرج نظر النساء إليه ليشهدن بما رأين من ذلك، وكذا إِن اختلفا فِي الإصابة وهي بكر قال: تصدق ولا ينظر النساء إليها قال: والفرق بين ذلك مشكل، وأورده ابن عبد السلام، وأجاب بقوله: إِن طريق الحكم هنا منحصرة فِي الشّهَادَة، ولا تقبل إِلا بصفتها الخاصة، وطريق الحكم فِي تلك الصور غير منحصرة فِي الشّهَادَة بل لها غير ذلك من الوجوه التي ذكرها الفقهاء فِي محلها، فلا ينبغي أن يرتكب محرم وهو النظر للفرج من غير ضرورة. ابن عرفة: يرد بأن صورة النقض إنما هي إِذَا لَمْ يتمكن إثبات العيب إِلا بالنظر، وكَانَ يجري لنا الجواب بثلاثة أوجه: الأول: أن الحدّ حقّ لله وثبوت العيب حق للآدمي (¬4)، وحقّ الله آكد لقوله فِي " المدونة " فيمن سرق وقطع يمين رجل عمداً: يقطع للسرقة ويسقط القصاص (¬5). الثاني: ما لأجله النظر وهو الزنا محقّق الوجود أَو راجحه، وثبوت العيب محتمل عَلَى السوية. الثالث: المنظور إليه فِي الزنا إنما هو مغيب الحشفة، ولا يستلزم ذلك [إلا] (¬6) من الإحاطة بالنظر إِلَى الفرج ما يستلزمه النظر إِلَى العيب. اللخمي: وقوله: وكيف يشهد الشهود إِلا هكذا؟ يريد: أن تعمد النظر لا يبطل الشّهَادَة، لمّا كَانَ المراد إقامة الحق، وهذا ¬
حسن فيمن كَانَ معروفاً بالفساد، وأما من لَمْ يكن معروفاً بذلك ففيه نظر، فيصحّ أن يقال: لا يكشفون عن ذلك ولا يطلبون تحقيق الشّهَادَة لما ندبوا إليه من الستر، ولأنهم لَو تبين ذلك لهم لاستحب (¬1) لهم أن لا يبلغوا الشّهَادَة، ويصحّ أن يقال: يكشفون عن تحقيق ذلك، فإن قذفه أحد بعد اليوم بلغوا الشّهَادَة فلم يحدّ القاذف، والستر أولى؛ لأن مراعاة قذفه من النادر. ابن عرفة: ولقوله فِي " المدونة ": ومن قذف وهو يعلم أنّه زنى حل له القيام بحد من قذفه (¬2). المازري: تعمد نظر البينة لفعل الزاني ظاهر المذهب أنّه غير ممنوع؛ لأنّه لا تصح الشّهَادَة إِلا بِهِ، ونظرة (¬3) الفجأة لا يكاد يحصل بها ما تتم بِهِ الشّهَادَة، ومنعه بعض الناس؛ لما نبه عَلَيْهِ الشرع من استحسان الستر. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام فِي قواعده إنما (¬4) يجوز للشهود أن ينظروا من ذلك ما يحصل وجوب الحد، وهو مغيب الحشفة فقط، والنظر للزائد (¬5) عَلَى ذلك حرام. ابن عرفة: وهذا كله إِن عجز الشهود عن منع الفاعلين من إتمام ما قصداه وابتدآه من الفعل، ولَو قدروا عَلَى ذلك بفعلٍ أَو قول فلم يفعلوا بطلت شهادتهم؛ لعصيانهم بعدم تغيير هذا المنكر، إِلا أن يكون فعلهما بحيث لا يمنعه التغيير لسرعتهما. أَوْ بِأنّه حُكِمَ لَهُ بِهِ. [قوله: (أَوْ بِأنّه حُكِمَ لَهُ بِهِ) أي: وكذا يثبت حكم القاضي بالمال بشاهد وامرأتين أَو بشاهد ويمين أَو بامرأتين ويمين، فليس] (¬6). ¬
كَشِرَاءِ زَوْجَةٍ، وتَقَدُّمِ دَيْنٍ عِتْقاً. قوله: (كَشِرَاءِ زَوْجَةٍ، وتَقَدُّمِ دَيْنٍ عِتْقاً) تمثيلاً؛ ولكنه تشبيه لإفادة حكم. وَقِصَاصٍ فِي جَرْحٍ، ولِمَا لا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ، كَوِلادَةٍ وعَيْبِ فَرْجٍ، واسْتِهْلالٍ وحَيْضٍ. قوله: (وَقِصَاصٍ فِي جَرْحٍ) معطوف عَلَى شراء زوجة (¬1) وكأنّه فِي معرض الاستثناء من قوله: (وَلِمَا لَيْسَ بِمَالٍ ولا آيِلٍ لَهُ (¬2) عَدْلانِ). وَنِكَاحٍ بَعْدَ مَوْتٍ، أَوْ سَبْقِيَّتِهِ (¬3)، أَوْ مَوْتٍ، ولا زَوْجَةٍ، ولا مُدَبَّرَ ونَحْوَهُ. قوله: (وَنِكَاحٍ بَعْدَ مَوْتٍ، أَوْ سَبْقِيَتِهِ أَوْ مَوْتٍ، ولا زَوْجَةٍ، ولا مُدَبَّرَ ونَحْوَهُ) حقّ هذا الكلام أن يكون متقدماً عَلَى قوله: (وَلما لا يظهر للرجال امرأتان) منخرطاً فِي سلك ما يقبل فيه عدل وامرأتان أَو إحدهمَا بيمين، فلعلّه كَانَ ملحقاً فِي المبيضة، فوضعه الناسخ فِي غير موضعه. وثَبَتَ الإِرْثُ والنَّسَبُ لَهُ، وعَلَيْهِ بِلا يَمِينٍ. قوله: (وثَبَتَ الإِرْثُ والنَّسَبُ لَهُ، وعَلَيْهِ بِلا يَمِينٍ) يجب أن يوصل بقوله: (ولما لا يظهر للرجال امرأتان كولادة وعيب فرج واستهلال وحيض) كما فِي عبارة ابن الحاجب، وقد فسّره فِي " التوضيح " بأن النسب والميراث يثبتان بشهادة امرأتين بالولادة والاستهلال للمولود، وعليه فإن شهدتا أنّه استهل ومات [127 / أ] بعد أمه ورثها وورثه وارثه، وقال ابن عرفة: لَمْ يتعرض ابن عبد السلام لشرح قول ابن الحاجب: ويثبت الميراث والنسب له وعَلَيْهِ، وقرره ابن هارون بقوله: مثل أن تشهد امرأتان بولادة أمة أقرّ السيّد بوطئها، وأنكر الولادة، فإن نسب الولد لاحقٌ بِهِ، وكذلك موارثته إياه له وعَلَيْهِ. ابن عرفة: هذا كقوله آخر " أمهات الأولاد " من " المدونة ": وإِن ادعت أمة أنها ولدت من سيّدها، فأنكر لَمْ أحلفه لها إِلا أن تقيم رجلين عَلَى إقرار السيّد بالوطء وامرأتين عَلَى ¬
الولادة فتصير أم ولد ويثبت النسب للولد إن كان معها ولد، إِلا أن يدعي السيّد استبراءً بعد الوطء، فيكون ذلك له (¬1). وهذه (¬2) نصّ فِي جواز شهادتهن فيما لا تجوز فيه شهادتهن [إذا كَانَ لازماً فيما لا تجوز فيه شهادتهن] (¬3)، وهو فِي الموطأ (¬4) وغيره. انتهى. ومن تمام نصّ " المدونة ": وإِن أقامت شاهدين عَلَى إقرار السيد بالوطء وامرأة عَلَى الولادة أحلفته. وأطلق فِي قوله بلا يمين كابن الحاجب. قال فِي " التوضيح ": كذا قال مالك وأطلق، ولا خلاف فِي هذا إِن كَانَ القائم بشهادتهن لا يعرف حقيقة ما شهدن بِهِ، وإِن كَانَ القائم بشهادتهن يتيقن صدقهن كالبكارة والثيوبة فحكى اللخمي والمازري فِي إلزامه اليمين قولين. قال ابن عبد السلام: ولا يطّرد هذا الخلاف فِي هذا الفصل (¬5). وَالْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ كَقَتْلِ عَبْدٍ آخَرَ. قوله: (والْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ) يريد بشهادة عدل وامرأتين أَواحدهمَا بيمين، ولَو وصله بِهِ لكان أحسن، وقد نكت [في توضيحه] (¬6) عَلَى ابن الحاجب فِي كونه لَمْ يصله بالأموال إذ قال (¬7) هنا: ولَو شهد عَلَى السرقة رجل وامرأتان ثبت المال دون القطع (¬8)؛ مَعَ ¬
أنّه (¬1) لا يوهم كون ذلك بشهادة امرأتين فقط، فما الظن بهذا (¬2)، ولكنّه اتكل عَلَى تمييز ذهن السامع اللبيب. وَحِيلَتْ أَمَةٌ مُطْلَقاً كَغَيْرِهَا، إِنْ طُلِبَتْ بِعَدْلٍ، أَوِ اثْنَيْنِ يُزَكِّيَانِ، وبِيعَ مَا يَفْسُدُ، ووُقِفَ ثَمَنُهُ مَعَهُمَا، بِخِلافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفَ، ويُبَقَّى بِيَدِهِ. وإِنْ سَأَلَ ذُو الْعَدْلِ أَوْ بَيِّنَةٍ سُمِعَتْ، وإِنْ لَمْ تَقْطَعْ وَضْعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَلَدٍ يُشْهَدُ لَهُ عَلَى عَيْنِهِ أُجِيبَ، لا إِنِ انْتَفَيَا، وطَلَبَ إِيقَافَهُ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، وإِنْ بِكَيَوْمَيْنِ، إِلا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً حَاضِرَةً، أَوْ سَمَاعاً يَثْبُتُ بِهِ، فَيُوقَفُ ويُوَكَّلُ بِهِ فِي كَيَوْمٍ، والْغَلَّةُ لَهُ لِلْقَضَاءِ، والنَّفَقَةُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ وجَازَتْ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ بِلا يَمِينٍ، وخَطِّ شَاهِدٍ مَاتَ، أَوْ غَابَ بِبُعْدٍ، وإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِمَا، إِنْ عَرَفَتْهُ كَالْمُعَيَّنِ، وأنّه كَانَ يَعْرِفُ مُشْهِدَهُ. قوله: (وَحِيلَتْ (¬3) وَحِيلَتْ أَمَةٌ مُطْلَقاً) أي: رائعة كانت أَو غير رائعة، بيد مأمون كانت أَو غير مأمون طلب القائم (¬4) الحيلولة أَو لَمْ يطلبها لحق الله تعالى؛ ولذا قال بعده: (كَغَيْرِهَا، إِنْ طُلِبَتْ) [أي: كغير الأمة إِن طلبت] (¬5) الحيلولة. ¬
وَتَحَمَّلَهَا عَدْلاً، لا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا، وأَدَّى بِلا نَفْعٍ، ولا عَلَى مَنْ لا يَعْرِفُ، إِلا عَلَى عَيْنِهِ، ولا يُسَجِّلُ عَلَى مَنْ زَعَمَتْ أَنَّهَا بِنْتُ فُلانٍ، ولا عَلَى مُنْتَقِبَةٍ لِتَتَعَيَّنَ لِلأَدَاءِ، وإِنْ قَالُوا أَشْهَدَتْنَا مُنْتَقِبَةً، وكَذَلِكَ نَعْرِفُهُا قُلِّدُوا، وعَلَيْهِمْ إِخْرَاجُهَا، إِنْ قِيلَ لَهُمْ عَيِّنُوهَا. وجَازَ الأَدَاءُ، إِنْ حَصَلَ الْعِلْمُ، وإِنْ بِامْرَأَةٍ، لا بِشَاهِدَيْنِ إِلا نَقْلاً. وجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وغَيْرِهِمْ، بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ مُتَصَرِّفٍ طَوِيلاً. وقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ، إِلا بِالسَّمَاعِ أنّه اشْتَرَاهَا مِنْ كَأَبِي الْقَائِمِ، ووَقْفٍ. قوله: (وَتَحَمَّلَهَا عَدْلاً) الذي ذكر المتيطي أن الشهود يعرفون أنّه كَانَ بوسم العدالة والقبول فِي تاريخ الشّهَادَة وبعدها إِلَى أن توفي، قاله مالك؛ خوف أن تكون شهادته قد سقطت لجرحة أَو كَانَ غير مقبول الشّهَادَة. ابن عرفة: قوله: إِلَى أن توفي. قيل: الصواب إِلَى حين الشّهَادَة عَلَى خطّه لجواز ثبوت تجريحه بعد موته ممن [أعذر له فِي شهادته، وردّ بأن ثبوت جرحته بعد موته] (¬1) يثبتها عَلَيْهِ قبل موته فاستمرار عدالته إِلَى موته ينفي ما ينتفي بقوله: (إِلَى حين الشّهَادَة عَلَى حظه (¬2))، ونقل ابن الحاج قول بعض قضاة إفريقية: لابد من زيادة، وأنّه وضعها فِي حين عدالته؛ لجواز (¬3) أن يقول: لَو حضر وضعتها فاسقاً، فلا أقوم بها - غير بيّن لوجوب رد شهادة من لَمْ تعلم عدالته. انتهى. فتأمله. فروع: الأول: قال ابن عرفة: فتوى شيخنا ابن عبد السلام بـ: [أن شرط الشّهَادَة عَلَى الخط حضوره ولا تصح عَلَيْهِ فِي غيبته. صواب، وهو ظاهر تسجيلات الموثقين المتيطي وغيره، واشتراط التجويز فِي الشّهَادَة باستحقاق الدور والأرضين. الثاني: قال ابن عرفة: لا تقبل الشّهَادَة عَلَى الخطّ إِلا من الفطن العارف بالخطوط وممارستها، ولا يشترط فيه أن يكون قد أدرك صاحب الخط، وحضرت يوماً مجلس قضاء ¬
ابن عبد السلام، فجاءه أحد عدول تونس ليرفع عَلَى خطّ ميّت فردّه وقال له: لَمْ تدرك هذا الميت، فلما انصرف قال لي: إنما لَمْ أقبله؛ لأنّه غير عارف بالخطوط، وليس عدم إدراكه مانعاً؛ فإنا نعرف خطوط كثير ممن لَمْ ندركه [كخطّ] (¬1) الشلوبين وابن عصفور وابن السيد؛ لتكرر خطوطهم علينا؛ مَعَ تلقينا من الشيوخ أنها خطوطهم. الثالث: قال ابن سهل عن ابن الماجشون: الشّهَادَة عَلَى الخطّ باطلة، وما قتل عثمان ابن عفان إِلا عَلَى الخط، وعَلَى معروف المذهب فِي الشّهَادَة عَلَى خط المقر قال المازري: [نزل] (¬2) سؤال منذ نيف وخمسين سنة، وشيوخ الفتوي متوافرون وهو: أن رجلين غريبين ادّعى أَحَدهمَا عَلَى صاحبه بمالٍ جليل فأنكره، فأخرج المدعي [كتاباً فيه [127 / ب] إقرار المدعى عَلَيْهِ، فأنكر كونه خطّه، ولم يوجد من يشهد عَلَيْهِ، وطلب المدعى] (¬3) كتبه، فأفتى شيخنا أبو الحسن اللخمي أنّه يُجبر عَلَى ذلك وعلى أن يُطوِّل فيما يكتب تطويلاً لا يمكن فيه أن يستعمل خطاً غير خطّه، وأفتى شيخنا عبد الحميد بأنّه لا يجبر عَلَى ذلك، ثم اجتمعت بعد ذلك بالشيخ أبي الحسن، وأخذ معي فِي إنكار ما أفتى بِهِ صاحبه الشيخ عبد الحميد، فقلت له احتج بأن هذا كإلزام المدعى عَلَيْهِ بينة يقيمها لخصمه عَلَيْهِ، وهذا لا يلزمه، فأنكر عليّ هذا، وقال: إِن البينة لَو أتى بها المدعي لقال المدعى عَلَيْهِ: شهدت عليّ بالزور فلا يلزمه أن يسعى فيما يعتقد بطلانه، بِخِلاف الذي يكتب خطه. ابن عرفة: الأَظْهَر ما قاله عبد الحميد (¬4)، ومقتضى قولهما، وظاهر سياق المازري له: أنّه لَو شهدت بينة عدلة (¬5) عَلَى مكتوب بشيء ما لا بحق المدعي [أنّه بخط المدعى عَلَيْهِ، وهو مماثل لخط الكتاب الذي قام بِهِ المدعي] (¬6) أنّه يثبت بذلك للمدعي دعواه، وفيه نظر؛ لأنّه ¬
لا يحصل للشاهد المدرك المماثلة بين الخطين؛ ظن كون الخطّ [الذي قام بِهِ المدعي خطّ المدعى عَلَيْهِ بمجرّد إدراكه المماثلة مرة واحدة، ولا يحصل إدراك كون الخط] (¬1) خط فلان إِلا بتكرار رؤية وضعه أَو سماع مفيد للعلم بأنّه خطه حسبما ذكرنا فِي الشّهَادَة عَلَى خط الغائب. وَمَوْتٍ بِبُعْدٍ إِنْ طَالَ الزَّمَانُ، بِلا رِيبَةٍ. وحَلَفَ، وشَهِدَ اثْنَانِ كَعَزْلٍ، وجَرْحٍ، وكُفْرٍ، وسَفَهٍ، ونِكَاحٍ، وضِدِّهَا [75 / أ]. قوله: (إِنْ طَالَ الزَّمَانُ، بِلا رِيبَةٍ) تبع فِي هذا قول ابن الحاجب: وتجوز شهادة السماع الفاشي عن الثقات فِي الملك والوقف والموت للضرورة بشرط طول الزمان وانتفاء الريب (¬2) وقد قال ابن عرفة: حمله ابن عبد السلام عَلَى إطلاقه، وليس عَلَى إطلاقه؛ إنما هو فِي الملك والوقف والصدقة والأشرية القديمة والنكاح والولاء والنسب والحيازة جميع ذلك يشترط فيه طول الزمان، وأما الموت فمقتضى الروايات والأَقْوَال: أن شهادة السماع القاصرة عن شهادة البت فِي القطع بالمشهود بِهِ يشترط فيها كون المشهود بِهِ بحيث لا يدرك بالقطع والبت بِهِ عادة، فإن أمكن عادة البت بِهِ لَمْ تجز فيه شهادة السماع، وهو مقتضى قول الباجي: أما الموت فيشهد فيه عَلَى السماع فيما بعد من البلاد، وأما ما قرب أَو كَانَ ببلدٍ الموت فإنما هي شهادة بالبت (¬3). وقد شهدت شيخنا القاضي ابن عبد السلام وقد طلب منه بتونس بعض أهلها إثبات وفاة صهر له مات ببرقة قافلاً من الحج، فأذن له، فأتاه بوثيقة بشهادة شهود عَلَى سماعٍ لوفاته عَلَى ما يجب كتبه فِي شهادة السماع، وكَانَ ذلك بعد مدة يتصور فيها بت العلم بوفاته نحو ثمانية أعوام فِي ظني فرد ذلك ولَمْ يقبله. انتهى. ولما حكى قبله قول الباجي فيشهد عَلَى الموت بالسماع فيما بعد من البلاد لا ما قرب قيّده (¬4) بأن قال: بشرط أن لا يطول زمن تقدم ¬
الموت كالعشرين عاماً ونحوها فإن هذا لا يقبل فيه إِلا البت، قاله بعض من لقيت، وهو صواب؛ لأنّه مظنة البت كمن ببلدٍ قريب. وَإِنْ بِخُلْعٍ، وضَرَرِ زَوْجٍ، وهبةٍ. قوله: (وإِنْ بِخُلْعٍ) إغياء للطلاق المندرج فِي قوله: (وضدها). وَوَصِيَّةٍ، ووِلادَةٍ، وحِرَابَةٍ، وإِبَاقٍ، وعُدْمٍ، وأَسْرٍ، وعِتْقٍ. قوله: (وَوَصِيَّةٍ) فسره فِي " التوضيح " بالإيصاء عَلَى الأيتام (¬1)، كما ذكر فِي الكافي، ويأتي نَصُّه إِن شاء الله تعالى. وَلَوْثٍ. قوله: (وَلَوْثٍ) أي لوث القسامة (¬2) فِي النفس ذكره اللخمي، وقبله ابن عبد السلام وابن هارون وابن عرفة، وفِي بعض النسخ (وإرث)، وقد ذكره المتيطي وغيره، وقد نظم الشيخ الفقيه القاضي المحدث أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي عرفة، اللخمي، السبتي، المعروف بابن العزفي رحمه الله تعالى مواطن شهادة السماع فقال: أَيَا سَائِلِي عَمَّا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ... ويَثْبُتُ سَمْعاً دُونَ عِلْمٍ بِأَصْلِهِ فَفِي الْعَزْلِ والتَّجْرِيحِ والْكُفْرِ بَعْدَهُ ... وفِي سَفَهٍ أَوْ ضِدِّ ذَلِكَ كُلِّهِ وفِي الْبَيْعِ والْإِحْبَاسِ والصَّدَقَاتِ ... والرَّضَاعِ وَخُلْعٍ والنِّكَاحِ وَحَلِّهِ [128 / أ] وفِي قِسْمَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ ووِلَائةٍ ... وَمَوْتٍ وحَمْلٍ والْمُضِرِّ بِأَهْلِهِ ¬
واستدرك عَلَيْهِ ابنه فقال: مِنْهَا الْهِبَاتُ والْوَصِيَّةُ فَاعْلَمَنْ ... ومِلْكٌ قَدِيمٌ قَدْ يُضَنُّ بِمِثْلِهِ ومِنْهَا وِلَادَة وَمِنْهَا حِرَابَةٌ ... ومِنْهَا الْإِبَاقُ فَلْيُضَمَّ لِشَكْلِهِ فَدُونَكَهَا عِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ سَبْعَةٍ ... تَدُلُ عَلَى حِفْظِ الْفَقِيهِ ونُبْلِهِ أَبي نَظَم العشرين من بعد واحد ... وأتبعتها ستاً تماماً لفعله وألحق ابن عبد السلام بها خمسة نظمها بعض الأذكياء فقال: وَقَدْ زِيدَ فِيهَا الْأَسْرُ والْفَقْدُ وَالْمَلَا ... ولَوْثٌ وَعِتْقٌ فَاظْفَرْنَ بِنَقْلِهِ فَصَارَتْ لَدَيَّ عَدَّ ثَلَاثِينَ ... أُتْبِعَتْ بِثِنْتَيْنِ فَاطْلُبْ نَصَّهَا وما ذكرنا من نسبة القطعتين للرئيس الفقيه ابن العزفي (¬1) السبتي وولده هو الذي وقفت عَلَيْهِ فِي فهرسة الولد المذكور أبي العباس، وقد تضمنت الفهرسة المذكورة أن أبا الفضل عياض ممن أجاز للوالد (¬2)، وأن أبا القاسم ابن فيرة الشاطبي ممن أجاز للولد، عَلَى أن ابن عبد السلام وابن هارون وابن عرفة ذكروا نسبتهما (¬3) لابن رشد وابنه؛ لكن قال ابن عبد السلام: لا أدخل تحت عهدة هذه النسبة. قال ابن عرفة: لبعدها عن كلامه فِي البيان، ولا يخفى أنّه اندرج فِي قوله: (أَو ضد ذلك كله أربعة وهي: الولاية (¬4) والتعديل والإسلام والرشد. فإن قلت: فيتعين أن يضبط قوله فِي البيت: الرابع وولائه بهمزة الياء المكسورة بعدها هاء ضمير مكسورة عائدة عَلَى ما ذكر، وإِلا فمتى جعل ولاية ضد العزل كَانَ تكراراً مَعَ ما تقدم، وسقط واحد من العدد المذكور، وفات ذكر الولاء وهو منها؟ ¬
قلت: الذي وقفت عَلَيْهِ فِي فهرسة ابن العزفي (¬1): ولاية من باب التولية، قال ابن مرزوق: أي كونه مولى عَلَيْهِ بإيصاء أَو غيره؛ وعَلَى هذا فلا تكرار؛ لأن الأولى ولاية القضاء وهذه ولاية النظر، ومن لازمه أن لا يسقط الواحد من العدد، وأما الولاء فمندرج فِي النسبة؛ لأنّه لحمة كلحمة النسب، لكن يتداخل مَعَ قول ابنه: ومنها الهبات والوصية. إِن فسّرت بالإيصاء لتوافق (¬2) نص الكافي؛ إِلا أن تحميل (¬3) الولاية [في كلام الوالد عَلَى تقديم القاضي، والوصية] (¬4) فِي كلام الولد عَلَى الإيصاء. قال ابن عرفة: تقدّم لي نظم لما ذكر المتيطي مَعَ بعض زيادة وهو: شهادة ظنٍ بالسماع مقالتي ... لما عد (¬5) متيطهم فِي النهاية فوقف قديم مثله البيع والولاء ... وموت وإرث والقضا كالعدالة [وجرج وإنكاح وكفر وضده ... ورشد وتسفيه وعزل ولاية] (¬6) وإضرار زوج والرضاع ونسبة ... تقاس وللخمي لوث قسامة وقد زادنا الكافي سماع تصرف ... وإنفاق ذي إيصاء أَو ذي نيابة وتنفيذ (¬7) إيصاء لعشرٍ وضعفها ... سنين ابن زرب زاده (¬8) فِي مقالتي وهذه الثماني عشرة التي نقل عن نهاية المتيطي هي فِي النكاح منها، وقد أغفل خمسة أخرى، ذكرها المتيطي فِي كتاب الحبس من نهايته إذ قال لما ذكر شهادة السماع عَلَى الحبس: قال محمد بن [أيمن] (¬9): وكذلك شهادة السماع فِي حيازة الحبس والصدقة جائزة. ¬
قال ابن عات (¬1): وكذلك عَلَى خطوط الشهود الأموات وكذلك فِي جائحات الأحباس، وقاله ابن زرب. قال ابن الطلاع: وكذلك فِي التقية، وخالفه فِي ذلك أبو الأصبغ ابن سهل، وقد كَانَ شيخنا أبو عبد الله القوري استلحقها بقطعة ابن عرفة فِي بيت لا أذكره الآن، وهذا عوض منه: وحوز كأحباس وجائحة بها ... وخط لميت أَو تقاة إذايه ودخل حوز الصدقة تحت الكاف والتقاة التقية، وقد قريء: {إِلا أن تتقوا منهم تقية} قال الزمخشري: قيل للمتقي تقاة وتقية كقولهم: ضرب الأمير لمضروبه، وينبغي أن يجعل هذا البيت المستلحق بعد البيت الثالث من أبيات ابن عرفة؛ حتى ينخرط فِي سلك ما للمتيطي دون اللخمي والكافي وابن زرب، ونص الكافي: وجائز أن يشهد أنّه لَمْ يزل يسمع أن فلاناً كَانَ فِي ولاية فلان، وأنّه كَانَ يتولى النظر له والإنفاق عَلَيْهِ بإيصاء أبيه بِهِ إليه أَو تقديم قاضٍ عَلَيْهِ وإِن لَمْ [يشهده] أبوه بالإيصاء ولا القاضي بالتقديم؛ ولكنه علم بذلك كله بالاستفاضة من أهل العدل وغيرهم ويصح بذلك سفهه (¬2) إِذَا شهد معه غيره بمثل شهادته وفيها بين أصحابنا اختلاف (¬3). انتهى. ولشيخ شيوخنا أبي [محمد] (¬4) عبد الله العبدوسي فيها نظم بديع وهو: يا سائلاً شهادة السماع ... أين ينفُذ بها سماع تجوز فِي مواضع شهيرة ... خذها إليك تحفة خطيرة منظومة نظم سلوك الجوهر ... يقصر عن نظامها ابن جَهْوَر (¬5) في العدل والتجريح ثم الكفر ... والبيع والولاء تلك تجري ¬
وسفه وضده والحُبُس ... [والصدقات والرضاع فاقبس] (¬1) [128 / ب] والخلع والنكاح والطلاق ... والموت والهبة والإباق وقسمة ونسب والحمل ... مَعَ المضر فاعلمن بالأهل والملك يقدم مَعَ الولادة ... ثم الحرابة فخذ إفادة وملاء وعدم والأسر ... والعتق والميراث دون نكر واللوث والإسلام ثم العزل ... ثم الولاية فذر تستمل واعلم بأن هذه الشّهَادَة ... عند ذوي التحصيل والإجادة يبقى بها ما بيد بلا نزاع ... اعرفه لعالم ولا دفاع وليس يؤخذ بها (¬2) ما باليد ... والخلف فيما ليس عند أحد وليس من شروطها العدول (¬3) ... بل اللفيف فادر ما أقول هذي ثلاثون بعيد اثنين ... محصورة العدد دون مين ويرغب الأجر من القدوس ... عبد الإله الناظم العبدوسي وقد ذيلته بأبيات استدركت فيها الباقي والله الواقي. فقلت: وزد لها عن حُبْس النهاية ... تقية المعروف بالإذاية (¬4) وخط من مات من الشهود ... وجائحات الحبس المعهود وحوزه وحوز ما تصدق ... بِهِ عن ابن أيمن أخى التقى ¬
[وزد عن الكافي الرضي المهذب ... تقديم حاكم وإيصاء الأب] (¬1) وزد عن المفيد لابن زَرْبِ ... تنفيذ إيصاءٍ بغير قرب وزد لها الزفاف للتحليل ... فتوى ابن رشد الرضي الجليل وابن مغيث زاد دفع النقد ... ونجل عات سامه بالردّ بنوة أخوة زاد الشهاب ... فِي فرق ركو بعد ذكر الأنتساب ولابن مرزوق أضف يا صاح ... زيادة الإقرار والجراح في وصايا المال عندنا نظر ... كالصرف والإنفاق من والي النظر أما الحيازة مَعَ القسامه ... للملك واللوث ترى علامه لولا التداخل وهي الزائد ... لبلغت خمسين بعد واحد ويرغب الرحمان فِي الجواز ... محمد بن أحمد بن غازي مستشفعاً بسيد الأنام ... عَلَيْهِ مني أفضل (¬2) السلام فإذا أضيف هذا الرجز العبدوسي كَانَ مستوفياً لجميع ما تقدم وزيادة، فأما نص ما فِي كتاب الحبس من نهاية المتيطي ونص الكافي فقد تقدما، وأما مفيد الحكام لابن هشام فذكر فيه أن ابن زرب: أفتى فِي وصي قامت له بينة بعد ثلاثين سنة عَلَى تنفيذ وصية أسندت إليه بالسماع من أهل العدل والثقة أنها جائزة، وأما ابن رشد ففي أجوبته: أنّه سئل عما يثبت بِهِ بناء المحلل؟ فأجاب: بأنّه يثبت بشاهدين عدلين وأن يكون بناؤه بها أمراً فاشياً مشتهراً بالسماع من لفيف الرجال والنساء، وإِن لَمْ تعرف عدالتهم. وأما ابن مغيث فِي آخر طرره فأنّه قال: إِذَا شهد الزوج (¬3) بالسماع أنّه تزوجها بنقد وكإلى مبلغه كذا إِلَى أجل كذا برضى وليها فلان وأنّه دفع إليها النقد، فالزوجية ثابتة والقول قوله فِي دفع النقد مَعَ يمينه، قال ابن عات: فقد أعمل شهادة السماع فِي دفع النقد. ¬
وذكر فضل فِي وثائقه مثله إِلا فِي دفع النقد فأنّه لَمْ يجعل فيه شهادة [السماع] (¬1) عاملة وهو أصحّ. انتهى. وأغفله ابن عرفة. وأما شهاب الدين القرافي فأنّه نقل فِي الفرق السادس والعشرين والمائتين وهو الذي رمزنا له (بركو) بحساب الجمل كلام صاحب القبس إذ قال: ما اتسع أحد فِي شهادة السماع اتساع المالكية، وعدّ مما حضر عَلَى خاطره منها خمسة وعشرين منها النسب، ثم قال القرافي: وزاد بعضهم البنوة والأخوة، [وقبله ابن الشاط. وقد سبق المتيطي لذكر البنوة والأخوة] (¬2) فِي آخر الوصايا، وأغفل ذلك ابن عرفة، وأما ابن مرزوق فذكر منها الإقرار والجراح فِي قصيدة له بائنة، ولم أر الجراح لغيره بِخِلاف لوث القسامة، وأما الإقرار فقد يندرج فِي طريقة عبد الوهاب الآتية، وأما قولنا: وفي وصايا المال عندنا نظر كالصرف [(¬3) والإنفاق من والي النظر فمعناه أن هذه الثلاثة فِي عدّها من مواطن السماع [نظر، أما] (¬4) الوصايا بالمال فلم أر من صرّح بها؛ وإنما ذكر ابن العربي والقرافي والغرناطي بلفظ الوصية غير مفسر، فالظاهر أنهم قصدوا ما فِي الكافي من الإيصاء بالنظر، بذلك فسّر صاحب " التوضيح " الوصية فِي لفظ ابن العزفي (¬5)، وراجع ما تقدم فِي لفظ ولاية. وأما التصرف والإنفاق من الوصي ومقدم القاضي ففي نظم ابن عرفة وزاد لنا الكافي: سماع تصرف وإنفاق ... ذي إيصاء أَو ذي نيابة فظاهره أن التصرف (¬6) والإنفاق مقصودان لذاتهما [بالشّهَادَة، وإذا تأملت نصّ الكافي ¬
المتقدم ظهر لك أن مقصود الشّهَادَة بالذات] (¬1) إنما هو تصحيح تقديم الحاكم وإيصاء الأب، وأن التصرف والإنفاق دليلان عَلَيْهِمَا، وأما قولنا: أما الحيازة مَعَ القسامة ... للملك واللوث ترى علامة فهو جواب عن سؤال مقدر كأنَ قائلاً قال: أغفلتم الحيازة القديمة، وقد ذكرها غير واحد [ورأسهم ابن حبيب عن الأخوين عن مالك، وأغفلتم القسامة وقد ذكرها غير واحد] (¬2) كالعبدي وقبله القرافي، فوقع الجواب بأن الحيازة علامة للملك القديم يستدل بها عَلَيْهِ وهي قيد فيه، وأن القسامة علامة للوث إذ هي مسببة عنه، فهما علامتان باعتبارين؛ ولذا استغنى بعضهم بذكر الملك عن الحيازة، وعكس آخرون، وعبّر ابن عبد السلام وغيره باللوث الموجب للقسامة، وأصل المسألة للخمي عن ابن القاسم، وقد أشبعنا (¬3) القول فِي هذا كله فِي تكميل التقييد وتحليل التعقيد [الذي وضعنا عَلَى المدونة] (¬4). واعلم أن الأرجوزة العبدوسية مبدوءة بالعدل (¬5) بـ: الدال، والقصيدة العزفية مبدوءة بالعزل بـ: الزاي، ولا يصح غير ذلك، يظهر بالتأمل وقوله (¬6): (سماع) اسم فعل كنزال ودراك وحذار، مبني عَلَى الكسر (¬7)، ولعل المراد بابن جهور (¬8) ههنا (¬9) عيسى بن إبراهيم بن عبد ربه المذكور فِي الصلة (¬10)، وأما قوله: (وملأ) فحقّه أن يكون ممدوداً، ولا يساعده الوزن، فلو قال وعدم وضده، والأيسر كَانَ أصوب، وأما قوله: ¬
وليس من [شروطها العدول] (¬1) ... بل اللفيف فادر ما أقول فلو قال عوضاً منه: وليس سمعها من العدول شرطا ... بل اللفيف فِي المنقول لكان أدلّ عَلَى المراد. تنبيه: فِي شهادة السماع طرق أخر منها: طريقة عبد الوهاب أنها مختصة بما لا يتغير حاله ولا ينتقل الملك فيه كالموت والنسب والوقف المحرم. قال: وفِي قبولها فِي النكاح قَوْلانِ، بناءً عَلَى اعتبار عدم تغيره إِذَا مات أَحَدهمَا واعتبار جواز التنقل فيه، وقبله الباجي والمازري، وذكر المازري فِي العتق قولين ووجه ثبوته بها بأنّه مما لا يتغير ولا ينفى. قال ابن عرفة: وهو الحق، ومنها طريقة ابن رشد فِي نوازل سحنون من كتاب الشهادات أن فيها أربعة أَقْوَال: أحدها أنها تصح فِي كل شيء. والثاني لا تصح فِي شيء. والثالث: تجوز فِي كل شيء إِلا أربعة أشياء النسب والقضاء والنكاح والموت؛ إذ (¬2) من شأنها أن تستفيض حتى تصح الشّهَادَة فيها عَلَى القطع. والرابع: عكسه (¬3). قال أبو محمد صالح ويجمعها (¬4) قولك: فلان ابن فلان القاضي نكح فمات. وَالتَّحَمُّلُ إِنِ افْتُقِرَ إِلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ. قوله: (وَالتَّحَمُّلُ إِنِ افْتُقِرَ إِلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) لَمْ يصرح هنا بحكم انتفاعه كما فعل فِي الأداء، وقال ابن عرفه فِي جواز أخذه عَلَى التحمل: خلاف، ثم قال: واستمر عمل الناس اليوم وقبله فِي إفريقية وغيرها عَلَى أخذ الأُجْرَة عَلَى تحملها بالكتب ممن انتصب لها ¬
وترك التسبب المعتاد لأجلها، وهو من المصالح العامة وإِلا لَمْ يجد الإنسان من يشهد له بيسر، وأخذها من يحسن [129 / أ] كتب الوثيقة فقهاً. وعبارة: (عَلَى [كتبه] وشهادته) لا يختلف فيه، ثم قال ابن المناصف: الأولى لمن قدر واستغنى ترك الأخذ، وعلى الأخذ تكون الأُجْرَة معلومة مسماة، وتجوز] (¬1) بما اتفقا عَلَيْهِ من قليل وكثير ما لَمْ يكن المكتوب له مضطراً للكاتب، إما لقصر القاضي الكتب عَلَيْهِ، لاختصاصه بموجب ذلك، وإما لأنّه لَمْ يجد بذلك الموضع غيره، فيجب عَلَى الكاتب أن لا يطلب فوق ما يستحق؛ فإن فعل فهو جرحة، وإِن لَمْ يسميا شيئاً ففيه نظر، وهو عمل الناس اليوم. وهو عندي محمل هبة الثواب، فإن أعطاه قدر أجر المثل لزمه، وإلا كَانَ مخيراً فِي قبول ما أعطاه، وتمسكه بما كتب له، إِلا أن يتعلق بذلك حق للمكتوب له فيكون فوتاً، ويجبران على (¬2) أجر المثل. ابن عرفة: وما زال الناس يعيبون أخذ الأُجْرَة فِي أكثر حوانيت الشهود بتونس؛ لأنهم يقسمون ما تحصّل لهم آخر عملهم عَلَى ثلاثة أجزاء، جزآن للشاهدين، وجزء لمن يُوثّق، وهو أكثر من واحد، وعمل الموثقين فِي الأكثر أكثر من عمل الشاهد؛ لأنّه مجرد كتب اسمه فِي الأكثر، وربما صرّح بعضهم بحرمة فعلهم. ولقد أخبرني ثقة: أن شيخنا القاضي أبا محمد الأجمي (¬3) أهدى إليه صهره أبو زوجه القاضي أبو علي بن قداح لبناً فشربه ثم أخبره أنّه أهداه له من يأخذ الأجر فِي شهادته فقام فقاءه، واستغرب المخبر حاله؛ لأنّه لما شهد طلع الحانوت، وكان يأخذ الأجر عَلَى شهادته، ثم أخبرني ثقة: أن الشاهد الذي كَانَ يشهد معه والموثقين كانوا يعطونه كل يوم ديناراً ذهباً، ويأخذ كل موثق منهم أكثر من ذلك، وكان الموثقون ثلاثة أَو أكثر. قال ابن عرفة: فسلّمه الله من القسمة الفاسدة المتقدم ذكرها. ¬
وَتَعَيَّنَ الأَدَاءُ مِنْ، كَبَرِيدَيْنِ، وعَلَى ثَالِثٍ، إِنْ لَمْ يُجْتَزْ بِهِمَا. قوله: (وَتَعَيَّنَ الأَدَاءُ) قال القرافي: لفظة أوَدِّى مَعَ أنّه إنشاء لا خبر، فلو قال: وديت لَمْ يعد عكس لفظ الإنشاء فِي بعت واشتريت، فإن أبيع، وأشتري لغو. قال ابن عرفة: الأَظْهَر أن هذا العرف تقرر لا لذات حقيقة الأداء وغيره، والأَظْهَر أن الإشارة المفهمة لذلك تكفي، وشهدت بعض المفتين أدّاها إشارة فلم يقبلها منه من أداها إليه. وفي النوادر لأشهب إذا قال: هذه شهادتي فذلك أداء لها. وَإِنِ انْتَفَعَ فَجُرْحٌ، إِلا رُكُوبَهُ لِعُسْرِ مَشْيِهِ وعَدَمِ دَابَّتِهِ، لا كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِدَابَّةٍ، ونَفَقَةٍ، وحَلَفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلاقٍ، وعِتْقٍ، لا نِكَاحٍ. فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ، وإِنْ طَالَ دُيِّنَ، وحَلَفَ عَبْدٌ، وسَفِيهٌ مَعَ شَاهِدٍ. قوله: (وإِنِ انْتَفَعَ فَجُرْحٌ) هذا المعروف، وقال ابن المناصف: قال بعض العلماء: يجوز للشاهد أخذ الأُجْرَة عَلَى الأداء، وإِن تعين عَلَيْهِ إِذَا كَانَ اشتغاله بأداء الشّهَادَة يمنعه من [اشتغاله بما يقيم] (¬1) بِهِ أوده. قال ابن عرفة: وهواحد الأَقْوَال فِي أخذ الأُجْرَة فِي الرِّوَايَة عَلَى الإسماع والسماع، الجواز، والمنع، والتفصيل. لا صَبِيٌّ وأَبُوهُ، ولَو (¬2) أَنْفَقَ وحَلَفَ مَطْلُوبٌ لِيُتْرَكَ بِيَدِهِ، وسُجِّلَ لِيَحْلِفْ، إِذَا بَلَغَ. قوله: (لا صَبِيٌّ وأَبُوهُ، ولَو أَنْفَقَ) أي: ولو كَانَ الأب منفقاً والصبي فقيراً بحيث تكون يمين الأب لفائدة سقوط النفقة عنه. قال ابن رشد: هذا هو المشهور المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، وقيّد الخلاف بما لَمْ يل الأب والوصي فيه المعاملة، فأما ما وليه أَحَدهمَا فاليمين عَلَيْهِ واجبة؛ لأنّه إِن لَمْ يحلف غرم. كَوَارِثِهِ قَبْلَهُ. قوله: (كَوَارِثِهِ قَبْلَهُ) أي كما يحلف وارث الصبي قبل زمان بلوغه إِذَا مات الصبي. إِلا أَنْ يَكُونَ نَكَلَ أَوَّلاً، فَفِي حَلِفِهِ قَوْلانِ. قوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ نَكَلَ أَوَّلاً، فَفِي حَلِفِهِ قَوْلانِ) اسم (يكون) عائد عَلَى الوارث، ¬
وصورته أن يكون الشاهد شهد بحقٍ لصغير وأخ له كبير مثلاً، فنكل الكبير واستؤني الصغير ثم مات الصغير، فكان الكبير وارثه، فأراد أن يحلف ففي تمكينه من اليمين قَوْلانِ للمتأخرين. قال بعض شيوخ عبد الحق: لا. وقال ابن يونس: نعم. قال المازري: ولا نصّ فيها للمتقدمين، ومن ثمّ عابوا قول ابن الحاجب: فلو كَانَ وارث الصغير معه أَو لا، وكَانَ قد نكل لَمْ يحلف عَلَى المنصوص؛ لأنّه نكل عنها (¬1). وَإِنْ نَكَلَ اكْتُفِيَ بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ الأُولَى. قوله: (وإِنْ نَكَلَ اكْتُفِيَ بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ الأُولَى) لا إشكال أن فاعل (نكل) ضمير الصبي أَو وارثه، وأما نكول المطلوب هنا فقد أغفله المصنف؛ مَعَ أنّه ذكره ابن الحاجب إذ قال: فإن نكل المطلوب ففي أخذه منه تمليكاً أَو وقفاً قَوْلانِ (¬2). وَإِنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ، ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ فَلا ضَمَّ، وفِي حَلِفِهِ مَعَهُ، وتَحْلِيفِ (¬3) الْمَطْلُوبِ إِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَوْلانِ. قوله: (وَفِي حَلِفِهِ مَعَهُ، [129 / ب] وتَحْلِيفِ الْمَطْلُوبِ إِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَوْلانِ) كذا فِي بعض النسخ وتحليف بصيغة مصدر المضعّف عطفاً عَلَى (حلفه)، وهو أظهر فِي الدلالة عَلَى رجوع القولين للفرعين. وَإِنْ تَعَذَّرَ يَمِينُ بَعْضٍ كَشَاهِدٍ بِوَقْفٍ عَلَى بَنِيهِ وعَقِبِهِمْ، أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ حَلَفَ وإِلا فَحُبُسٌ. قوله: (وَإِنْ تَعَذَّرَ يَمِينُ بَعْضٍ كَشَاهِدٍ بِوَقْفٍ عَلَى بَنِيهِ وعَقِبِهِمْ، أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ حَلَفَ وإِلا فَحُبُسٌ) أما البنون وعقبهم فإنما تعذرت اليمين عَلَى بعضهم كما قال، وأما الفقراء ونحوهم فاليمين فِي حقهم ممتنعة غير مرجوة (¬4) الإمكان كما عبّر ¬
عنه فِي " الجواهر " (¬1) فلا بد فيه من نوع تجوّز، وفاعل (حلف) ضمير المشهود عَلَيْهِ أي: حلف المشهود عَلَيْهِ لتعذر اليمين من المشهود له، فإن نكل ثبت الحبس فِي الفرعين، هذا (¬2) أقرب ما يحمل عَلَيْهِ لفظه. ومن قال: حلف المستحق فِي الأول والمطلوب فِي الثاني فيحتاج إِلَى وحي يسفر (¬3) عن ذلك، ويتضح لك مراده هنا بالوقوف عَلَى ما سلخ فِي توضيحه من الجواهر مما أصله للمازري، وخلاصته: أن فِي الفرع الأول أربعة أَقْوَال: الأول: لمالك من رواية مطرف وابن وهب أنّه إِذَا حلف واحد من البطن الأول مَعَ الشاهد ثبت الحبس للجميع. الثاني: لمالك من رواية ابن الماجشون أنّه إِذَا حلف جُلّهم ثبت الجميع. الثالث: قول ابن المواز الذي يذهب إليه أصحابنا امتناع اليمين مَعَ هذه الشّهَادَة عَلَى الإطلاق، فعلى هذا القول يكون كما لَو شهد الواحد عَلَى وقف الفقراء، والحكم فِي الفقراء علي ما نصّ عَلَيْهِ اللخمي أن يحلف المشهود عَلَيْهِ، فإن نكل الزم الحبس. الرابع: لبعض القرويين، ورجّحه اللخمي وغيره: أن من حلف ثبت نصيبه، ومن لا فلا، كالشاهد يشهد لحاضر وغائب أَو حمل. انتهى (¬4). فأنت تراه فِي القول الثالث ساوى بين هذا الفرع والفرع الثاني المتفق عَلَى نفي اليمين فيه عن المشهود لهم، ولم يقنع بذلك حتى ساوى بينهما أَيْضاً فِي رجوع اليمين لجهة المشهود ¬
عَلَيْهِ، فإن نكل ألزم (¬1) الحبس، اعتماداً عَلَى فهم اللخمي فِي الفرع الثاني فعلى هذا اقتصر فِي هذا المختصر وحمله عَلَى غير هذا خبط عشواء. والله تعالى أعلم. تحرير: الذي فِي النوادر فِي الفرع الثاني عن أشهب: أن شهادة واحد بحبس فِي السبيل أَو وصية فيه أَو لليتامى أَو من (¬2) لا يعرف بعينه ساقطة، ليس لأحدٍ ممن ذكر الحلف معه، وليحيي بن يحيي عن ابن القاسم مثله، ولما علله المازري بأن الحق لمجموع يتعذر حصوله والواحد منه لا يتقرر حقّه فيه إِلا بإحصاء المجموع قال: ويجب أن يحلف المشهود عَلَيْهِ عَلَى إبطال شهادة الشاهد كالشاهد عَلَيْهِ بالطلاق. قال ابن عرفة: وظاهر الروايات عدم حلفه لعدم تعيين طالبه ونقل اللخمي كالمازري قائلا: إِن نكل لزمه ما شهد بِهِ عَلَيْهِ. فَإِنْ مَاتَ، فَفِي تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ الأَوَّلِينَ أَوِ الْبَطْنِ الثَّانِي تَرَدُّدٌ. قوله: (فَإِنْ مَاتَ، فَفِي تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ الأَوَّلِينَ أَوِ الْبَطْنِ الثَّانِي تَرَدُّدٌ) هذا الكلام مستغنى عنه هنا؛ لأنّه مرتب عَلَى القول الرابع كما سلّمه فِي توضيحه (¬3)، وقد علمت مما أسلفناك: أنّه إنما درج هنا عَلَى القول الثالث، ولعل الحرص عَلَى تطبيق (¬4) هذا الكلام عَلَى ما قبله هو الحامل على ارتكاب المجازفة لمن جعل الفاعل بحلف المتقدم المستحق تارة والمطلوب أخرى، وذلك ضرب فِي حديد بارد فتأمله منصفاً. وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى حَاكِمٍ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي، إِلا بِإِشْهَادِهِ. قوله: (وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى حَاكِمٍ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي، إِلا بِإِشْهَادِهِ) كذا ذكر فِي توضيحه عن " المفيد " عن مطرف (¬5). ¬
استطراد: قال المازري: من الحكمة والمصلحة منع القاضي الحكم بعلمه خوف (¬1) كونه غير عدل، فيقول: علمت، فيما لا علم له بِهِ؛ وعلى هذا التعليل لا يقبل قوله: ثبت عندي كذا، إِلا أن يسمي البينة كما قال ابن القصار وابن (¬2) الجلاب (¬3) ورأى المازري أَيْضاً أن قول القاضي: ثبت عندي كذا ليس حكماً منه بمقتضى ما ثبت عنده؛ فإن ذلك أعم منه وألف فيه جزءاً، وقبله ابن عبد السلام، وبحث فيه ابن عرفة، وعارضه بما له فِي شرح التلقين فقف عَلَى الفرعين فِي أقضيته. كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي، أَو رَآهُ يُؤَدِّيهَا، إِنْ غَابَ الأَصْلُ، وهُوَ رَجُلٌ بِمَكَانٍ، لا يَلْزَمُ الأَدَاءُ مِنْهُ، ولا يَكْفِي فِي الْحُدُودِ الثَّلاثَةُ الأَيَّامِ، أَوْ مَاتَ، أَوْ مَرِضَ، ولَمْ يَطْرَأْ فِسْقٌ، أَوْ عَدَاوَةٌ، بِخِلافِ جِنٍّ. ولَمْ يُكَذِّبْهُ أَصْلُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ، وإِلا مَضَى بِلا غُرْمٍ. وَنَقَلَ عَنْ كُلٍّ اثْنَانِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلاً. وفِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ عَنْ كُلٍّ، أَوْ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ اثْنَانِ ولُفِّقَ نَقْلٌ بِأَصْلٍ، وجَازَ تَزْكِيَةُ نَاقِلٍ أَصْلَهُ ونَقْلُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ فِي بَابِ شَهَادَتِهِنَّ. قوله: (كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي). ظاهره وإن تسلسل وقد قال ابن عرفة: ظاهر عموم الروايات وإطلاقها (¬4) [130 / أ] صحة نقل النقل، ولم أقف عَلَيْهِ نصاً، وفي " المدونة " وغيرها: تجوز الشّهَادَة عَلَى الشّهَادَة فِي الحدود والطلاق والولاء، وكل شيء (¬5). ابن عرفة: والنقل عن الأصل شيء (¬6). وَإِنْ قَالا وَهِمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا سَقَطَتَا. قوله: (وَإِنْ قَالا وَهِمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا سَقَطَتَا) قال فِي كتاب السرقة من " المدونة ": وإِذَا ¬
شهد (¬1) رجلان عَلَى رجل بالسرقة ثم قالا قبل القطع: وهمنا، بل [هو] (¬2) هذا الآخر لَمْ يقطع واحد منهما (¬3). قال أبو الحسن الصغير: أما الأول فلأنهما رجعا عن (¬4) شهادتهما عَلَيْهِ، وأما الثاني: فلأنهما قد كانا برآه حين شهدا عَلَى الأول، وظاهره وإن كَانَ بعد الأمر بالحكم وقبل الإنفاذ. انتهى. والذي فِي النوادر عن الموازية: إذا (¬5) قالا قبل الحكم: وهمنا، لَمْ يقبلا، وقاله ابن القاسم وأشهب قالا: ولَو قالا فِي آخر عَلَى هذا شهدنا ووهمنا فِي الأول لَمْ يقبلا عَلَى واحد منهما، ورواه ابن القاسم. قال أشهب: كَانَ ذلك فِي حق أَو قتل أَو سرقة لإخراجهما أنفسهما عن العدالة بإقرارهما (¬6) أنهما شهدا عَلَى الوهم والشك (¬7). وَنُقِضَ، إِن ثَبَتَ كَذِبُهُمْ كَحَيَاةِ مَنْ قُتِلَ، أَوجبهِ، قَبْلَ الزِّنَا، لا رُجُوعُهُمْ، وغَرِمَا مَالاً ودِيَةً، ولَوْ تَعَمَّدَا، ولا يُشَارِكُهُمْ شَاهِدَا الإِحْصَانِ كَرُجُوعِ الْمُزَكِّي، وأُدِّبَا فِي كَقَذْفٍ، وحُدَّ شُهُودُ الزِّنَا مُطْلَقاً كَرُجُوعِ أَحَدِ الأَرْبَعَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وبَعْدَهُ حُدَّ الرَّاجِعُ فَقَطْ، وإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ، فَلا غُرْمَ، ولا حَدَّ، إِلا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الأَرْبَعَةِ عَبْدٌ فَيُحَدُّ الرَّاجِعَانِ والْعَبْدُ، وغَرِمَا فَقَطْ رُبْعَ الدِّيَةِ، ثُمَّ إِنْ رَجَعَ ثَالِثٌ حُدَّ هُو والسَّابِقَانِ، وغَرِمُوا رُبْعَ الدِّيَةِ، ورَابِعٌ فَنِصْفُهَا، وإِنْ رَجَعَ سَادِسٌ بَعْدَ فَقْءِ عَيْنِهِ، وخَامِسٌ بَعْدَ مُوضِحَةٍ، ورَابِعٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعَلَى الثَّانِي خُمُسُ الْمُوضِحَةِ مَعَ سُدُسِ [75 / ب] الْعَيْنِ كَالأَوَّلِ، وعَلَى الثَّالِثِ رُبُعُ دِيَةِ النَّفْسِ فَقَطْ، ومُكِّنَ مُدَّعٍ رُجُوعاً مِنْ بَيِّنَةٍ كَيَمِينٍ إِنْ أَتَى بِلَطْخٍ، ولا يُقْبَلُ رُجُوعُهُمَا عَنِ الرُّجُوعِ. قوله: (وَنُقِضَ، إِن ثَبَتَ كَذِبُهُمْ كَحَيَاةِ مَنْ قُتِلَ، أَوجبهِ، قَبْلَ الزِّنَا) أي: مثل أن يشهدا أن فلاناً قتل زيداً فلم يقتص منه بعد الحكم بالقصاص حتى قدم زيد حياً، أَو شهدا ¬
عَلَى محصن بالزنا فلم يرجم بعد الحكم برجمه حتى وُجد مجبوباً فإن الحكم ينقض فيهما؛ لإمكان نقضه، بِخِلاف ما لَو تأخر ثبوت الكذب على القصاص والرجم؛ ولهذا (¬1) قيّده ابن الحاجب بالإمكان إذ قال: أما لَو ثبت كذبهم نقض إِذَا أمكن (¬2). قال فِي " التوضيح ": احترز بذلك من الفوات بالاستيفاء إذ لَمْ يبق حينئذ إِلا الغرم (¬3)، وهذا خلاف قول ابن عبد السلام ثبوت كذبهم عسير لأنّه راجع إِلَى تجريح الشهود، والمشهود عليهم بالكذب فِي هذه الصورة يشهدون بكذب من شهد عليهم فيها [ويثبتون ما] (¬4) نفاه من شهد عليهم؛ فلهذا علّق ابن الحاجب ثبوت كذبهم عَلَى الإمكان (¬5)، وإليه يعود هذا الشَرْط لا إِلَى نقض الحكم. ومن هذا المعنى: إِذَا شهد عَلَى رجلٍ بالزنا، ثم تبين أنّه مجبوب؟ قال ابن عرفة: هذا وهم نشأ عن اعتقاده عسر ظهور كذبهم، ويرد ما ادعاه من عسره بما أقرّ بِهِ أخيراً من مسألة المجبوب، وبمسألة من شهد بقتله ثم قدم حياً، وبما يأتي من نص " المدونة "، كذلك لا يقال فيه: عسير، والحق الواضح لمن (¬6) أنصف أن الشَرْط راجع إِلَى نقض الحكم لا إِلَى ظهور كذبهم؛ لأن نقضه قد لا يمكن ككونه [حكماً بقطع أَو قتل وقع، وقد يمكن ككونه] (¬7) باستحقاق رفع ونحوه. وكقوله فِي أواخر كتاب الاستحقاق من " المدونة " فيمن شهدت بينة (¬8) بموته فبيعت تركته وتزوجت زوجته ثم قدم حياً، فإن كَانَ الشهود عدولاً، وذكروا ما يعذرون بِهِ فِي دفع تعمد الكذب؛ مثل أن يروه فِي معركة القتلى فيظنون أنّه ميّت أَو طعن فلم يتبين لهم أن ¬
بِهِ حياة، أَو شهدوا عَلَى شهادة غيرهم، فهذا ترد إليه زوجته، وليس له من متاعه إِلا ما وجده لَمْ يبع، وما بيع فهو أحق بِهِ بالثمن إِن وجده قائما لَمْ يتغير عن حاله. قال ابن القاسم: والذي أراد مالك تغير البدن وليس له أخذ ذلك حتى يدفع الثمن إِلَى مبتاعه، [وما وجده قد فاتت عينه عند مبتاعه] (¬1) أَو تغير عن حاله فِي بدنه، أَو فات بعتق أَو تدبير أَو كتابة أَو أمة تحمل من السيد، أَو صغير يكبر فإنما له الرجوع بالثمن عَلَى من باع ذلك كله، فإن لَمْ تأت البينة بما تعذر بِهِ من شبهة دخلت عليهم فذلك كتعمدهم الزور، فيأخذ متاعه حيث وجده إِن شاء بالثمن الذي بيع (¬2) به، وتردّ إليه (¬3) زوجته، وله أخذ ما أعتق من عبدٍ، أَو كوتب، أَو دُبّر أَو صغير كبر، أَو أمة اتخذت أم ولد، فيأخذها، وقيمة ولدها من المبتاع يوم الحكم، كالمغصوبة يجدها بيد مشتريها (¬4). انتهى نصّ " المدونة ". وإنما جلب منه ابن عرفة محل الحاجة هنا، وهو إِن لَمْ تأت البينة بما تعذر بِهِ، وإِلَى مسألة " المدونة " هذه أشار المصنف بقوله آخر الاستحقاق: (كَمَشْهُودٍ بِمَوْتِهِ إنْ تعذِرَتْ [130 / ب] بَيِّنَةُ، وإِلاَّ فَكَالْغَاصِبِ، ومَا فَاتَ فَالثَّمَنُ كَمَا لَوْ دَبَّرَ أَوْ كَبِرَ صَغِيرٌ). وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي (¬5) بِكَذِبِهِمْ، وحَكَمَ فَالْقِصَاصُ وإِنْ رَجَعَا عَنْ طَلاقٍ فَلا غُرْمَ كَعَفْوِ الْقِصَاصِ، إِنْ دَخَلَ، وإِلا فَنِصْفُهُ، كَرُجُوعِهِمَا عَنْ دُخُولِ مُطَلَّقَةٍ، واخْتَصَّ الرَّاجِعَانِ بِدُخُولٍ عَنِ الطَّلاقِ، ورَجَعَ شَاهِدَا الدُّخُولِ عَلَى الزَّوْجِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ إِنْ أَنْكَرَ الطَّلاقَ. قوله: (وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي (¬6) بِكَذِبِهِمْ، وحَكَمَ فَالْقِصَاصُ) لَمْ يتبع هنا قول ابن الحاجب: ولَو علم الحاكم بكذبهم فحكم، ولَمْ يباشر القتل فحكمه كحكمهم (¬7). لأنّه رآه كما قال ¬
ابن عبد السلام مخالفاً فِي ظاهره؛ لقوله فِي آخر كتاب الرجم من " المدونة ": وإِن أقرّ القاضي أنّه رجم أَو قطع الأيدي أَو جلد؛ تعمداً للجور قيد منه (¬1). عَلَى أن ابن الحاجب تابع لابن شاس (¬2) وابن شاس تابع للإمام المازري؛ فإنّه قال: لَو أن القاضي علم بكذب الشهود، [فحكم بالجور وأراق هذا الدم كَانَ حكمه حكم الشهود] (¬3) إِذَا لَمْ يباشر القتل بنفسه، بل أمر بِهِ من تلزمه طاعته، ولو أن ولي الدم علم بكذب الشهود فِي شهادتهم، وبأن (¬4) القاضي علم بذلك فقتل المشهود عَلَيْهِ بقتل وليه لاقتص منه بلا خلاف، عند المالكية، والشافعية. وقول أبي حنيفة: لا يقتل (¬5) كالشهود، خيال فاسد. انتهى. وبعد ما عضد ابن عرفة ما فِي " المدونة " بأن مثله فِي النوادر من رواية ابن القاسم، ومن رواية ابن سحنون عن أبيه: أن ما أقر بِهِ القاضي من تعمد جور أَو قامت عَلَيْهِ بِهِ بينة يوجب عَلَيْهِ القصاص قال: قد يفرق بين هذه المسائل ومسألة المازري بأن محمل هذه المسائل: أنّه أقر بالعداء (¬6) والجور دون استناد منه لسبب ظاهر، وهو (¬7) فِي مسألة المازري مستند فِي الظاهر لسبب، وهو البينة المذكورة، والاستناد إِلَى السبب الظاهر وإِن كَانَ كاذباً له أثر وشبهة، كقوله فِي " المدونة ": إِن لمن قذف، وهو يعلم من نفسه صدق قاذفه فيما رماه بِهِ أن يقوم بحدّه (¬8) خلافا لابن عبد الحكم. ¬
وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إِرْثٍ، دُونَ مَا غَرِمَ ورَجَعَتْ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهَا مِنْ إِرْثٍ وصَدَاقٍ. قوله: (ورَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إِرْثٍ) لَو قال: ورجع الزوج عَلَى شاهدي الطلاق كعبارة ابن الحاجب (¬1)، لكان أوضح. وَإِنْ كَانَ عَنْ تَجْرِيحٍ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْ طَلاقِ أَمَةٍ غَرِمَا لِلسَّيِّدِ مَا نَقَصَ بِزَوْجِيَّتِهَا. قوله: (وَإِنْ كَانَ عَنْ تَجْرِيحِ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْ طَلاقِ أَمَةٍ) ينبغي أن يقرأ تجريح بغير تنوين؛ لأنّه مضاف فِي التقدير لمثل ما أضيف إليه فأعطف (¬2) عَلَيْهِ فهو من باب قول الشاعر: يا من رأى عارضا يُسرّ بِهِ ... بين ذراعي وجبهة الأسد وَلَوْ كَانَ بِخُلْعٍ بِثَمَرَةٍ، لَمْ تَطِبْ، أَو بِآبِقٍ فَالْقِيمَةُ حِينَئِذٍ كَالإِتْلافِ بِلا تَأْخِيرٍ لِلْحُصُولِ فَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الأَحْسَنِ، وإِنْ كَانَ بِعِتْقٍ غَرِمَا قِيمَتَهُ، ووَلاؤُهُ لَهُ، وهَلْ إِنْ كَانَ لأَجَلٍ يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ والْمَنْفَعَةَ إِلَيْهِ لَهُمَا، أَوْ تُسْقَطُ مِنْهُمَا الْمَنْفَعَةُ، أَوْ يُخَيَّرُ فِيهِمَا؟ أَقْوَالٌ. وإِنْ كَانَ بِعِتْقِ تَدْبِيرٍ فَالْقِيمَةُ، واسْتَوْفَيَا مِنْ خِدْمَتِهِ. فَإِنْ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ فعَلَيْهِمَا، وهُمَا أَوْلَى، إِنْ رَدَّهُ دَيْنٌ، أَوْ بَعْضَهُ كَالْجِنَايَةِ. وإِنْ كَانَ بِكِتَابَةٍ فَالْقِيمَةُ، واسْتَوْفَيَا مِنْ نُجُومِهِ، وإِنْ رُقَّ فَمِنْ رَقَبَتِهِ، وإِنْ كَانَ بِإِيلادٍ فَالْقِيمَةُ، وأَخَذَا مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا، وفِيمَا اسْتَفَادَتْهُ قَوْلانِ، وإِنْ كَانَ بِعِتْقِهَا فَلا غُرْمَ، أَوْ بِعِتْقِ مُكَاتَبٍ فَالْكِتَابَةُ وإِنْ كَانَ بِبُنُوَّةٍ، فَلا غُرْمَ، إِلا بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ بِإِرْثٍ، إِلا أَنْ يَكُونَ عَبْداً فَقِيمَتُهُ، أَوَّلاً، ثُمَّ إِنْ مَاتَ وتَرَكَ آخَرَ فَالْقِيمَةُ لِلآخَرِ، وغَرِمَا لَهُ نِصْفَ الْبَاقِي. وإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أُخِذَ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ، وكُمِّلَ بِالْقِيمَةِ، ورَجَعَا عَلَى الأَوَّلِ بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ، وإِنْ كَانَ بِرِقٍّ لِحُرٍّ فَلا غُرْمَ، إِلا لِكُلِّ مَا اسْتُعْمِلَ، ومَالٍ انْتُزِعَ، ولا يَأْخُذُهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، ووُرِثَ عَنْهُ، ولَهُ عَطِيَّتُهُ، لا تَزَوُّجٌ. قوله: (وَلَوْ كَانَ بِخُلْعٍ بِثَمَرَةٍ، لَمْ تَطِبْ، أَو بِآبِقٍ فَالْقِيمَةُ حِينَئِذٍ كَالإِتْلافِ بِلا تَأْخِيرٍ ¬
لِلْحُصُولِ فَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الأَحْسَنِ) القيمة الأولى حين الرجوع، وهي مثبتة والقيمة (¬1) الثانية حين (¬2) الحصول، وهي منفية، فلم يتواردا عَلَى موضوع (¬3) ولا حكم، فلا تكرار ولا إعادة، وينبغي أن يقرأ فيغرم بالنصب جواباً للنفي، أوَ عطفا للمصدر المؤول عَلَى الصريح، وما أشار إليه من الأحسنية ذكره ابن راشد القفصي غيرَ معزوٍ فقال: وقول عبد الملك أقيس، وإنما يقع الغرم عَلَى الصفة التي كان عَلَيْهَا يوم الخلع كالإتلاف، ولا اعتبار (¬4) بقول ابن المواز: أنّه كَانَ تالفاً يومئذ؛ لأن ذلك إنما يعتبر فِي البيع وأما الإتلاف فلا. انتهى. وقبله فِي " التوضيح ". والله تعالى أعلم. وَإِنْ كَانَ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وعَمْرٍو، ثُمَّ قَالا لِزَيْدٍ غَرِمَا خَمْسِينَ لِلْغَرِيمِ فَقَطْ. قوله: (وَإِنْ كَانَ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وعَمْرٍو، ثُمَّ قَالا لِزَيْدٍ غَرِمَا خَمْسِينَ لِلْغَرِيمِ فَقَطْ) الغريم هو: المقضي عَلَيْهِ وفي بعض النسخ (لعمرو) مكان الغريم وهو تصحيف فظيع. وأصل هذه المسألة فِي النوادر عن ابن عبد الحكم: أن الشاهدين إِذَا شهدا عَلَى رجلٍ أنّه أقر لفلان وفلان بمائة دينار ثم رجعا بعد القضاء، وقالا: إنما شهدنا بها لأَحَدهمَا وعيناه: رجع المقضي عَلَيْهِ بالمائة بخمسين عَلَى الشاهدين، ولا تقبل شهادتهما للآخر بكل المائة؛ لجرحتهما برجوعهما ولا يغرمان له شيئاً؛ لأنّه إِن كَانَ له حق فقد بقي عَلَى من هو عَلَيْهِ وليس قول من قال: يغرمان له خمسين بشيء لأنهما إنما أخذا خمسين من المطلوب أعطياها لمن لا شيء له عَلَيْهِ، ولو كَانَ عبدا بعينه شهد أنّه أقر بِهِ لفلان وفلان فرجعا بعد القضاء بِهِ لهما وقالا إنما أقر بِهِ لفلان منهما فها هنا يغرمان لمن أقرا له قيمة نصفه لأنهما أتلفاه عَلَيْهِ، هذا ¬
إِن أقر من كَانَ العبد بيده أنّه [لمن شهدا له] (¬1) أخيراً وإِن ادعاه لنفسه وأنكر شهادتهما غرما نصف قيمته للمشهود عَلَيْهِ [131 / أ] وليس للمقر له أخيرا إِلا نصفه. قال ابن عرفه: يقوم من هذا أن ما فِي الذمة لا يتعين بحال ما دام فِي الذمة وأن التعرض إليه بغير الواجب لا يوجب فيه حكما، ونزلت فِي أوائل هذا القرن يعني [القرن] (¬2) الثامن مسألة وهي: أن رجلا له دين عَلَى رجل، فعدا السلطان عَلَى رب الدين فأخذه من غريمه، ثم تمكن رب الدين من طلب المدين بدينه فاحتجّ المدين بجبر السلطان عَلَى أخذه منه من حيث كونه حقاً لرب الدين؛ فأفتى بعض الفقهاء ببراءة المدين، وأفتى غيره بعدم براءته، محتجاً بأن ما فِي الذمة لا يتعين قال ابن عبد الحكم (¬3): ولو أقر الشاهد أنّه شهد أولاً لمن شهد له متعمداً للزور لانبغى (¬4) أن يتفق عَلَى تضمينه للثاني. قال ابن عرفة: فيه نظر؛ لأن مقتضى قول ابن عبد الحكم: أن لا (¬5) فرق بين تعمد الزور وعدمه فتأمله. وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ نِصْفَ الْحَقِّ كَرَجُلٍ مَعَ نِسَاءٍ. قوله: (وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ نِصْفَ الْحَقِّ) هذا راجع لجميع فروع الرجوع ولا يختصّ بمسألة زيد وعمرو. وَهُوَ مَعَهُنَّ فِي الرِّضَاعِ كَاثْنَتَيْنِ، وعَنْ بَعْضِهِ غَرِمَ نِصْفَ الْبَعْضِ، وإِنْ رَجَعَ مَنْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمَ بِعَدَمِهِ فَلا غُرْمَ، فَإِذَا رَجَعَ غَيْرُهُ فَالْجَمِيعُ. قوله: (وَهُوَ مَعَهُنَّ فِي الرِّضَاعِ كَاثْنَتَيْنِ) كذا قال ابن شاس وتبعه ابن الحاجب (¬6) ¬
وقبله ابن راشد القفصي وقال ابن هارون: جعلوا عَلَى الرجل (¬1) ضعف ما عَلَى المرأة، وفيه نظر، والقياس استواء الرجل والمرأة فِي الغرم فِي هذا الفصل؛ لأن شهادة المرأة فيه كشهادة الرجل، ونحوه لابن عبد السلام، وزاد: ولعل (¬2) وجهه أن الشّهَادَة لما آلت إِلَى المال حكم بالرجوع فيها بحكم الرجوع عن شهادة الأموال، وقال ابن عرفة: هذا التوجيه (¬3) وهم؛ لأنّ رجوع الرجل مَعَ نسوة فِي الأموال يوجب عَلَيْهِ غرم نصف الحق لا ضعف ما يجب عَلَى المرأة، وعندي أنّه يتوجه عَلَى غير المشهور فِي إضافة الغرم إِلَى عدد الشهود من حيث عددهم لا عَلَى أقل النصاب منهم، وهو قول ابن عبد الحكم، وأشهب فِي أربعة رجع ثلاثة منهم، أن عليهم ثلاثة أرباع الحق خلاف المشهور أن عليهم نصفه. فتأمله قال ابن عرفة: ولا أعرف هذه المسألة لأحد من أهل المذهب ولقد أطال الشيخ أبو محمد وابن يونس فِي هذا الباب فلم يذكراها؛ وإنما ذكرها الغزالي فِي " وجيزه " بلفظ ما ذكره ابن شاس، فظنّ ابن شاس موافقتها للمذهب فأضافها إليه، وهو متعقب. وَلِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُمَا بِالدَّفْعِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ. قوله: (ولِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُمَا بِالدَّفْعِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ) يعني أن الشاهدين إِذَا شهدا لرجل عَلَى آخر بحق، ثم رجعا عن شهادتهما ذلك كله قبل (¬4) أن يغرم المقضي عَلَيْهِ فله أن يطالبهما بالدفع للمقضي له؛ لأن الحق توجه عَلَيْهِ للمقضي له بشهادتهما أولاً، وتوجه عَلَيْهِمَا للمقضي (¬5) عَلَيْهِ برجوعهما عن شهادتهما فله أن يخرج عن هذه الخسارة بأن يلزمهما الدفع للمقضي له وكذا فِي النوادر عن ابن عبد الحكم وعبارة المصنف موفية بِهِ؛ فهي محررة بِخِلاف ما يعطيه لفظ ابن الحاجب من أن المقضي عَلَيْهِ يقبضه من الشاهدين ثم يدفعه للمقضي له. ¬
وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ، إِذَا تَعَذَّرَ مِنَ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، وإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ جُمِعَ. قوله: (وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ، إِذَا تَعَذَّرَ مِنَ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ) تبع فِي هذا ابن الحاجب (¬1) وهو خلاف ما فِي النوادر عن الموازية أنّه إِذَا حكم بشهادتهما ثم رجعا فهرب المقضي عَلَيْهِ قبل أن يؤدي، وطلب المقضي له أن يأخذ الشاهدين بما كانا يغرمان لغريمه لَو غرم لا يلزمهما [غرم] (¬2) حتى يغرم المقضي عَلَيْهِ فيغرمان له حينئذ؛ ولكن ينفذ القاضي الحكم للمقضي عَلَيْهِ عَلَى الراجعين بالغرم هرب أَو لَمْ يهرب، فإذا غرم أغرمهما كما لَو شهدا عَلَى رجلٍ بحق إِلَى سنة ثم رجعا فلا يرجع عَلَيْهِمَا حتى تحلّ السنة، ويغرم هو وله أن يطلب القضاء بذلك عَلَيْهِمَا الآن ولا يغرمان الآن. قال ابن عرفة: فقول (¬3) ابن الحاجب: وللمقضي (¬4) له ذلك إِذَا تعذر من المقضي عَلَيْهِ. وهم؛ لأنّه خلاف المنصوص، ولَو ذكره بعد ذكر المنصوص أمكن أن يكون قولاً انفرد بمعرفته. وقال ابن عبد السلام (¬5): لا أعلم من أين نقله إِلا أنّه يقال عَلَى هذا: إِذَا كَانَ الشاهدان فِي هذا الفرع لا يلزمهما الدفع إِلا بعد غرم المقضي عَلَيْهِ فغرمهما حينئذ مشروط بغرم المقضي عَلَيْهِ، ويلزم تأخير الشَرْط عن المشروط وذلك [131 / ب] مناقض لأصل المسألة: أن للمقضي عَلَيْهِ أن يطالبهما بالدفع للمقضي له قبل غرمه، ألا ترى أن غرمهما سابق عَلَى غرمه فيكون غرمهما سابقاً لاحقاً، وهو باطل. فقال ابن عرفة وقفه عَلَى غرمه (¬6) إنما هو فِي غيبته لا مَعَ حضوره، ولا يتوهم [تأخير] (¬7) الشَرْط عن المشروط إِلا من مجموع توقف غرمهما عَلَى غرمه، مَعَ لزوم غرمهما ¬
بمجرّد طلب غرمهما قبل غرمه، ويردّ بأنّه إنما شرط غرمهما بغرمه فِي حال غيبته لا فِي حال حضوره؛ لأنّه فِي غيبته يمكن أن لَو حضر أقر بالحق المشهود (¬1) عَلَيْهِ بِهِ، وإِذَا حضر وطلب غرمهما انتفى (¬2) هذا الاحتمال، فقوله: (يلزم تأخير الشَرْط عن المشروط) وهم، فتأمله. انتهى. وزعم المصنف فِي توضيحه أن ما قاله ابن الحاجب هو مقتضى الفقه؛ لأن الشهود غرماء غريمه (¬3)، ولعله لهذا تبعه هنا وما كَانَ ينبغي له ذلك. وإِلا رُجِّحَ بِسَبَبِ [76 / أ] مِلْكٍ. كَنَسْجٍ، ونَتَاجٍ إِلا بِمِلْكٍ مِنَ الْمُقَاسِمِ. قوله: (وَإِلا رُجِّحَ بِسَبَبِ مِلْكٍ. كَنَسْجٍ) أي: إِذَا ذكرت إحدى البينتين مَعَ الملك سبب الملك من نسيج ثوب ونتاج حيوان ونحوهما كنسخ كتاب واصطياد وحش، ولَمْ تذكر الأخرى سوى مجرد الملك، فإن ذاكرة السبب مرجحة عَلَى التي لَمْ تذكره، وبنحو هذا فسر ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب وقال فِي توضيحه: كما إِذَا شهدت إحداهما: أنّه صادها أَو نتجت عنده وشهدت الأخرى بالملك المطلق. انتهى. وقال فِي شهادات " المدونة ": ولَو أن أمة ليست بيد أَحَدهمَا فأتى أَحَدهمَا ببينة أنها له لا يعلمونها خرجت عن ملكه حتى سرقت له وأقام الآخر بينة أنها له [ولدت عنده] (¬4) لا يعلمونها خرجت عن ملكه بشيء وقضي (¬5) بها لصاحب الولادة (¬6). وقال اللخمي قال أشهب: فيمن أقام بينة (¬7) فِي أمة بيد رجل أنها ولدت عنده فلا ¬
يقضى له بها حتى يقولوا: أنّه كَانَ يملكها لا نعلم لغيره فيها حقاً وقد يولد فِي يديه ما هو لغيره وقال ابن القاسم: إنها لمن ولدت عنده أصوب، ومحمل (¬1) الأمر عَلَى أنها كانت له حتى يثبت أنها وديعة أَو غصب. انتهى وذكر فِي توضيحه عن التونسي نحوه. أَوْ تَارِيخٍ، أَوْ تَقَدُّمِهِ، وبِمَزِيدِ عَدَالَةٍ، لا عَدَدٍ، وبِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَاهِدٍ، ويَمِينٍ، أَوِ امْرَأَتَيْنِ. قوله: (أَوْ تَارِيخٍ) معطوف عَلَى (سبب). وَبِيَدٍ، إِنْ لَمْ تُرَجَّحْ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ، فَيَحْلِفُ، وبِالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ، وبِنَقْلٍ عَلَى مُسْتَصْحِبَةٍ. [قوله: (وَبِيَدٍ، إِنْ لَمْ تُرَجَّحْ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ، فَيَحْلِفُ) رجوع الحلف للمنطوق أبين من رجوعه للمفهوم] (¬2). وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ، وعَدَمِ مُنَازِعٍ، وحَوْزٍ طَالَ كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ. قوله: (وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ، وعَدَمِ مُنَازِعٍ، وحَوْزٍ طَالَ كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ) الملك: استحقاق التصرف فِي الشيء بكل أمر جائز فعلاً (¬3) أَو حكما لا بنيابة (¬4)، فيدخل ملك الصبي ونحوه لاستحقاقهما ذلك حكماً، ويخرج تصرف الوصي والوكيل وذي الإمرة. قاله ابن عرفة، وقال اللخمي: قال سحنون من حضر رجلاً اشترى سلعة من السوق، فلا يشهد أنها ملكه، والشّهَادَة بالملك أن تطول الحيازة وهو يفعل ما يفعل المالك بلا (¬5) منازع، وسواء حضروا بدء دخولها فِي يديه (¬6) أم لا، فليشهدوا بالملك، وإِن لَمْ تطل (¬7) ¬
الحيازة لَمْ يثبت الملك إِلا أن يشهدوا أنه (¬1) غنمها من دار الحرب وشبهه، قال اللخمي: انتهى قول سحنون. وإِلَى هذا ذهب أشهب ألا يثبت الملك بمجرد ولادة الأم إِلا أن تطول الحيازة، انتهى. وأما تحديد الطول هنا (¬2) فقال أبو الفضل راشد فِي كتاب: " الحلال والحرام " عن بعض المتأخرين: تجوز الشّهَادَة (¬3) بالملك لحائز سنة. وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْكَمَالِ فِي الأَخِيرِ. قوله: (وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْكَمَالِ فِي الأَخِيرِ) اعتمد فِي توضيحه عَلَى ما فِي التقييد، فعزى هذا التأويل لأبي إبراهيم الأعرج، وأبي الحسن الصغير من أئمة فاس وعزاه ابن عرفة لنصّ عارية " المدونة "، وظاهر قول ابن يونس وابن رشد، قال وكَانَ ابن عبد السلام وابن هارون يحملان " المدونة " عَلَى القولين وهو ظاهر نقل ابن عات فِي: الطرر عن ابن سهل، والأَظْهَر أن ما فِي العارية تفسير (¬4). لا بِالاشْتِرَاءِ، وإِنْ شُهِدَ بِإِقْرَارٍ اسْتُصْحِبَ وإِنْ تَعَذَّرَ تَرْجِيحٌ سَقَطَتَا، وبَقِيَ بِيَدِ حَائِزِهِ، أَوْ لِمَنْ يُقِرُّ لَهُ. قوله: (لا بِالاشْتِرَاءِ) الظاهر أنّه معطوف عَلَى (بالتصرف) وكأنّه قال: وصحة الملك بالتصرف وما (¬5) معه لا باشتراء، فهو إشارة إِلَى قول اللخمي قال سحنون فيمن حضر رجلاً اشترى سلعة من السوق: فلا يشهد أنها ملكه ولَو أقام [رجل بينة أنها ملكه ¬
وأقام] (¬1) هذا بينة أنّه اشتراها من السوق: كانت لصاحب الملك وقد يبيعها من لا يملكها، ولَو قال لا باشتراء منه لأمكن أن يعود الضمير عَلَى الخصم، وأن يكون المعنى: أن [132 / أ] شهود الملك لا يحتاجون إِلَى أن يقولوا أنّه لَمْ يخرج عن ملكه فِي علمهم إِذَا شهدوا أنّه اشتراها (¬2) من خصمه، بل يحكم بالاستصحاب (¬3) ولا يقبل قول الخصم أنّه عاد إليه كما ذكر ابن شاس (¬4) وأتباعه وإِن لَمْ يعرفه ابن عرفة نصاً فِي المذهب؛ وعَلَى هذا فيكون من نوع قوله بعده: (وإِن شهد بإقرار استصحب). وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، كَالْعَوْلِ. قوله: (وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، كَالْعَوْلِ) كذا فِي كثير من النسخ بالشَرْط المجرد من الواو ولا يصح غيره، وهو فِي غاية التحرير والضبط للمشهور؛ لأنّ الذي لَمْ يكن بيد أَحَدهمَا يتناول صورتين الأولى: أن لا يكون بيد واحدٍ منهما، والثانية: أن يكون بأيديهما معا، وذكر ابن الحاجب وأتباعه الاتفاق فِي الأولى ونقضه ابن عرفة بما ذكر ابن حارث من خلاف عبد الملك وسحنون وبما فِي النوادر من كتاب ابن سحنون عن أشهب. ¬
وَلَمْ يَأْخُذْهُ إِنْ شَهِدَ بِأنّه كَانَ بِيَدِهِ، وإِنِ ادَّعَى أَخٌ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ فَالْقَوْلُ لِلنَّصْرَانِيِّ وقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ، إِلا بِأنّه تَنَصَّرَ، ومَاتَ أَوْ جَهِلَ أَصْلُهُ فَيُقْسَمُ كَمَجْهُولِ الدَّيْنِ، وقُسِمَ عَلَى الْجِهَاتِ بِالسَّوِيَّةِ، وإِنْ كَانَ مَعَهُمَا طِفْلٌ، فَهَلْ يَحْلِفَانِ ويُوقَفُ الثُّلُثُ فَمَنْ وَافَقَهُ أَخَذَ حِصَّتَهُ ورُدَّ عَلَى الآخَرِ وإِنْ مَاتَ حَلَفَا وقُسِمَ، أَوْ لِلصَّغِيرِ النِّصْفُ ويُجْبَرُ عَلَى الإِسْلامِ؟ قَوْلانِ وإِنْ قَدِرَ عَلَى شَيْئِهِ، فَلَهُ أَخْذُهُ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ، وأَمِنَ فِتْنَةً ورَذِيلَةً. قوله: (ولَمْ يَأْخُذْهُ إِنْ شَهِدَ بِأنّه كَانَ بِيَدِهِ) هذا مختصر من قول ابن الحاجب: ولَو شهد أنّه كَانَ فِي يد المدعي أمس لَمْ يأخذه بذلك (¬1). قال ابن عبد السلام: لأن كونه فِي يده لا يدل عَلَى أنّه مالكه ولا أنّه مستحق لوضع يده عَلَيْهِ وهو أعم من ذلك كله، والأعمّ لا يشعر بالأخص فلم يبق إِلا مطلق الحوز، وها هو هذا محوز فِي يد الآخر. تكميل: قال ابن شاس: ولَو شهدوا أنّه انتزعه منه أَو غصبه أَو غلبه عَلَيْهِ فالشّهَادَة عَلَى هذا جائزة ويجعل المدعي صاحب اليد (¬2). ففرّق بينهما، وكذا فعل ابن الحاجب وأغفل المصنف هنا هذه الثانية، وذكر ابن عرفة أنّه لا يعرفهما معاً نصاً لمن قبل ابن شاس من أهل المذهب، مَعَ أنّ هذه الثانية فِي " النوادر " والكمال لله سبحانه. استطراد: قال فِي كتاب السرقة من " المدونة ": ومن شهدت عَلَيْهِ بينة أنّه سرق هذا المتاع من يد هذا، فقال السارق: أحلفوه أنّه ليس لي، فأنّه يقطع ويحلف الطالب ويأخذه، فإن نكل حلف السارق وأخذه، كذا اختصر أبو سعيد (¬3). وفِي التنبيهات استيعابه. قال أبو الحسن ¬
الصغير: هذه اليمين عَلَى نفي دعوى السارق وليست بيمين القضاء؛ لأن البينة لَمْ تشهد له بالملك. وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُكَ الْغَائِبُ أُنْظِرَ [فِي الْقَرِيبَةِ وفِي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ بِقَبْضِ مُوَكِّلِهِ ويُقْضَى لَهُ، فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ حَلَفَ واسْتَمَرَّ الْقَبْضُ، وإِلا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ واسْتُرْجِعَ مَا أُخِذَ مِنْهُ،] (¬1) ومَنِ اسْتَمْهَلَ لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ، أُنْظِرَ بِالاجْتِهَادِ كَحِسَابٍ وشِبْهِهِ، بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ كَأَنْ أَرَادَ إِقَامَةَ ثَانٍ. قوله: (وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُكَ الْغَائِبُ أُنْظِرَ فِي الْقَرِيبَةِ وفِي الْبَعِيدَةِ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَا عَلِمَ بِقَبْضِ مُوَكِّلِهِ ويُقْضَى لَهُ، فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ حَلَفَ واسْتَمَرَّ الْقَبْضُ، وإِلا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ واسْتُرْجِعَ مَا أُخِذَ مِنْهُ) أما حلف الوكيل ما علم بقبض موكله فهو كقول ابن كنانة، وقال ابن عبد السلام: أنّه بعيد جداً؛ لأنّه يحلف لينتفع غيره، وأما [ما] (¬2) بعده من الكلام فإنما ساقه ابن عبد السلام قولاً آخر فقال: وقيل: يقضى عَلَى المطلوب وترجى له اليمين عَلَى الموكل، فإذا لقيه أحلفه، وإِن نكل حلف المطلوب واسترجع ما دفعه، ولَمْ يزد فِي توضيحه عَلَى نسبة هذا القول لابن المواز، وأنت تراه هنا ركّب هذه الفتوى من القولين. فتأمله (¬3)، وأما ابن عرفة فلم يذكر هنا هذا القول الأخير؛ وإنما اعتني بنقل الأسمعة، فقف عَلَيْهِ. أَوْ لإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ فَبِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ. وفِيهَا أَيْضاً نَفْيُهُ، وهَلْ خِلافٌ، أَوِ الْمُرَادُ وَكِيلٌ يُلازِمُهُ، أَوْ لَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ تَأْوِيلاتٌ، ويُجِيبُ عَنِ الْقِصَاصِ الْعَبْدُ وعَنِ الأَرْشِ السَّيِّدُ والْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ. بِاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُو ولَوْ كِتَابِيَّاً، وتُؤُوِّلَتْ أَيْضاً عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ بِاللهِ فَقَطْ، وغُلِّظَتْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ بِجَامِعٍ كَالْكَنِيسَةِ، وبَيْتِ النَّارِ، وبِالْقِيَامِ، لا بِالاسْتِقْبَالِ وبِمِنْبَرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وخَرَجَتِ الْمُخَدَّرَةُ فِيمَا ادَّعَتْهُ، أَوِ ادُّعِيَ عَلَيْهَا، إِلا الَّتِي لا تَخْرُجُ نَهَاراً، وإِنْ مُسْتَوْلَدَةً فَلَيْلاً، وتُحَلَّفُ ¬
فِي أَقَلَّ بِبَيْتِهَا وإِنِ ادَّعَيْتَ قَضَاءً عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يَحْلِفْ إِلا مَنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ مِنْ وَرَثَتِهِ، وحَلَفَ فِي نَقْصٍ بَتَّاً، وغِشٍّ عِلْماً، واعْتَمَدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ كَخَطِّ أَبِيهِ، أَوْ قَرِينَةٍ، ويَمِينُ الْمَطْلُوبِ مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا، ولا شَيْءٌ مِنْهُ، ونَفَى سَبَباً، إِنْ عُيِّنَ وغَيْرَهُ، فَإِنْ قَضَى نَوَى سَلَفاً يَجِبُ رَدُّهُ وإِنْ قَالَ وَقْفٌ، أَوْ لِوَلَدِي لَمْ يُمْنَعْ مُدَّعٍ مِنْ بَيِّنَتِهِ، وإِنْ قَالَ لِفُلانٍ، فَإِنْ حَضَرَ ادُّعِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ فَلِلْمُدَّعِي [76 / ب] تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ، وإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وغَرِمَ مَا فَوَّتَهُ، أَوْ غَابَ لَزِمَهُ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ، وانْتَقَلَتِ الْحُكُومَةُ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَهُ بِلا يَمِينٍ، وإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ، أَخَذَهُ، وإِنِ اسْتَحْلَفَ ولَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، أَوْ كَالْجُمُعَةِ يَعْلَمُهَا لَمْ تُسْمَعْ. قوله: (أَوْ لإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ فَبِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ) يقيد هذا الإطلاق قوله آخر الضمان: (وَلَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِلْخُصُومَةِ ولَا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ بِالدَّعْوَى إلَّا بِشَاهِدٍ وإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً بِكَالسُّوقِ وقَفَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُ). وَإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وحَقِّهِ اسْتَحَقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إِنْ حَقَّقَ، ولْيُبَيِّنِ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ، ولا يُمَكَّنُ مِنْهَا إِنْ نَكَلَ. قوله: (وإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وحَقِّهِ اسْتَحَقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إِنْ حَقَّقَ) أي وإِن نكل من توجهت عَلَيْهِ اليمين فِي مال أَو حق مال كخيار وأجل استحق خصمه بسبب النكول مَعَ يمينه، وهو بشرط أن يحقق فيدعي معرفة احترازاً من يمين التهمة، وقد صرّح بالمفهوم فِي بعض النسخ فقال: (وبيمين تهمة بمجرد النكول)، وقد ظهر لك بهذا التقرير: أنّه غير مكرر مَعَ قوله فِي الأقضية: (فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ) قال وكذا شيء، وتقدم الكلام عَلَيْهِ فراجعه. بِخِلافِ مُدَّعٍ الْتَزَمَهَا، ثُمَّ رَجَعَ، وإِنْ رُدَّتْ عَلَى مُدَّعٍ وسَكَتَ زَمَناً فَلَهُ الْحِلْفُ. قوله: (بِخِلافِ مُدَّعٍ الْتَزَمَهَا، ثُمَّ رَجَعَ) كذا هو فِي جل النسخ وهو الصواب (¬1). ¬
وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وتَصَرَّفَ، ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ، لَمْ تُسْمَعْ، ولا بَيِّنَتُهُ، إِلا بِإِسْكَانٍ ونَحْوِهِ، كَشَرِيكٍ أَجْنَبِيٍّ حَازَ فِيهَا إِنْ هَدَمَ وبَنَى، وفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَهُمَا، قَوْلانِ، لا بَيْنَ أَبٍ وابْنِهِ، إِلا بِكَهِبَةٍ، إِلا أَنْ يَطُولَ مَعَهَا مَا تَهْلِكُ الْبَيِّنَةُ، ويَنْقَطِعُ الْعِلْمُ، وإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الأَجْنَبِيِّ، فَفِي الدَّابَّةِ وأَمَةِ الْخِدْمَةِ، السَّنَتَانِ، ويُزَادُ فِي عَبْدٍ وعَرْضٍ. قوله: (وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ ... إِلَى آخر الباب) مختصر من كلام ابن رشد فِي رسم يدير (¬1) من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق فعليك بِهِ. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الدماء
[باب الدماء] إِنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ، وإِنْ رُقَّ، غَيْرُ حَرْبِيٍّ، ولا زَائِدِ حُرِّيَّةٍ أَوْ إِسْلامٍ حِينَ الْقَتْلِ، إِلا لِغِيلَةٍ. [132 / ب] قوله: (إِلا لِغِيلَةٍ) هذا كقوله فِي " المدونة ": إِلا أن يقتله غيلة (¬1). قال ابن عرفة: هو استثناء منقطع لأنّه بالحرابة قتل؛ لأن الغيلة حرابة؛ ولهذا قال فيها: إِن قطع يديه ورجليه غيلة حكم عَلَيْهِ بحكم المحارب (¬2)، وعَلَى الإنقطاع حمل فِي توضيحه كلام ابن الحاجب. مَعْصُوماً لِلتَّلَفِ والإِصَابَةِ بِإِيمَانٍ أَوْ أَمَانٍ. كَالْقَاتِلِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ، وأُدِّبَ كَمُرْتَدٍّ، وزَانٍ أُحْصِنَ، ويَدِ سَارِقٍ فَالْقَوْدُ مُتَعَيِّناً، وإِنْ قَالَ إِنْ قَتَلْتَنِي أَبْرَأْتُكَ، ولا دِيَةَ لِعَافٍ مُطْلِقٍ إِلا أَنْ تَظْهَرَ إِرَادَتُهَا. فَيَحْلِفُ، ويَبْقَى عَلَى حَقِّهِ إِنِ امْتَنَعَ. كَعَفْوِهِ عَنِ الْعَبْدِ، واسْتَحَقَّ وَلِيٌّ دَمَ مَنْ قَتَلَ الْقَاتِلَ، أَوْ قَطَعَ يَدَ الْقَاطِعِ. كَدِيَةِ خَطَإٍ، فَإِنْ أَرْضَاهُ وَلِيُّ الثَّانِي، فَلَهُ، وإِنْ فُقِئَتْ عَيْنُ الْقَاتِلِ، أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ، ولَوْ مِنَ الْوَلِيِّ بَعْدَ أَنْ أُسْلِمَ لَهُ فَلَهُ الْقَوَدُ، وقُتِلَ الأَدْنَى بِالأَعْلَى كَحُرٍّ كِتَابِيٍّ بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ، والْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ مِنْ كِتَابِيٍّ ومَجُوسِيٍّ ومُؤَمَّنٍ كَذَوِي الرِّقِّ، وذَكَرٍ، وصَحِيحٍ، وضَدِّهِمَا، وإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ عَمْداً بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَسَامَةٍ خُيِّرَ الْوَلِيُّ، فَإِنِ اسْتَحْيَاهُ فَلِسَيِّدِهِ، إِسْلامُهُ، أَوْ فِدَاؤُهُ، إِنْ قَصَدَ ضَرْباً، ولَوْ بِقَضِيبٍ كَخَنْقٍ ومَنْعِ طَعَامٍ، أَوْ مُثَقَّلٍ. قوله: (مَعْصُوماً لِلتَّلَفِ والإِصَابَةِ) كأنّه يعني للتلف فِي النفس والإصابة فِي الجرح ففي النوادر لَو جرح مسلم مسلماً فارتد (¬3) المجروح ثم نُزِيَ فيه، فمات فاجتمع الناس عَلَى [أن لا قود] (¬4)؛ لأنّه صار إِلَى ما أحل دمه (¬5). أشهب: لَو قطع مسلم يد مسلم، ثم ارتد الذي ¬
قطعت يده فمات مرتداً أَو قتل لثبت القصاص فِي قطع اليد عَلَى الجاني، وليس لورثته أن [يقسموا عَلَى الجاني فيقتلوه] (¬1)؛ لأن الموت كَانَ وهو مرتد. وَلا قَسَامَةَ إِنْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ (¬2)، أَوْ مَاتَ مَغْمُوراً، وكَطَرْحِ غَيْرِ مُحْسِنٍ لِلْعَوْمِ. عَدَاوَةً، وإِلا فَدِيَةٌ، وكَحَفْرِ بِئْرٍ، وإِنْ بِبَيْتِهِ، ووَضْعِ مُزْلِقٍ، أَوْ رَبْطِ دَابَّةٍ بِطَرِيقٍ واتِّخَاذِ كَلْبٍ عَقُورٍ تُقُدِّمَ لِصَاحِبِهِ قَصْدَ الضَّرَرِ، وهَلَكَ الْمَقْصُودُ. قوله: (وَلا قَسَامَةَ إِنْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ، أَوْ مَاتَ مَغْمُوراً) كذا سوّى بينهما فِي " المدونة " فِي نفي القسامة فقال فِي الأول: وأما إِن شقت حشوته فتكلم وأكل وعاش يومين أَو ثلاثة فأنّه يقتل قاتله بغير قسامة، إِذَا كَانَ قد أنفذ مقاتله، وقال فِي الثاني: ومن ضرب فمات تحت الضرب أَو بقي مغموراً لَمْ يأكل ولَمْ يشرب ولَمْ يتكلم ولَمْ يفق حتى مات فلا قسامة فيه (¬3). كذا اختصرها أبو سعيد وهو موافق لما فِي الأمهات (¬4) فتأمله مَعَ قوله فِي توضيحه: ظاهر " المدونة " أن فِي المغمور القسامة. مَعَ حمله كلام ابن الحاجب عَلَى نفي القسامة عَلَى ما فِي النسخة التي رأيتها (¬5) من " التوضيح " (¬6). وَإِلا فَالدِّيَةُ، وكَالإِكْرَاهِ، وتَقْدِيمِ مَسْمُومٍ. قوله: (وإِلا فَالدِّيَةُ) لا يقال (¬7) فِي مثله استثناء (¬8). ¬
وَرَمْيِهِ عَلَيْهِ حَيَّةً وكَإِشَارَتِهِ بِسَيْفٍ فَهَرَبَ، وطَلَبَهُ، وبَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ، [وَإِنْ سَقَطَ فَبِقَسَامَةٍ] (¬1)، وإِشَارَتُهُ فَقَطْ خَطَأٌ. قوله: (وَرَمْيِهِ عَلَيْهِ) إشارة لما فِي النوادر عن (¬2) ابن حبيب عن أصبغ فيمن طرح (¬3) حيّة عَلَى رجل يعرف أنها قاتلة قال فِي توضيحه: ولو قيل بالقصاص فِي الحيّة ولَو لَمْ يعرف أنها قاتلة [ما بعد] (¬4). وقال ابن عرفة: مقتضى قوله فِي " المدونة ": إِذَا تعمده بضرب لطمة فمات قتل بِهِ (¬5). عدم شرط معرفة أن الحيّة قاتلة ما لَمْ يكن عَلَى وجه اللعب. وَكَالإِمْسَاكِ لِلْقَتْلِ، ويُقْتَلُ الْجَمِيعُ بِوَاحِدٍ، والْمُتَمَالِئُونَ، وإِنْ بِسَوْطٍ سَوْطٍ [77 / أ]، والْمُتَسَبِّبُ مَعَ الْمُبَاشِرِ، كَمُكْرِهٍ ومُكْرَهٍ، وكَأَبٍ، أَوْ مُعَلِّمٍ أَمَرَ وَلَداً صَغِيراً، أَوْ سَيِّدٍ أَمَرَ عَبْداً مُطْلَقاً، فَإِنْ لَمْ يَخَفِ الْمَأْمُورُ اقْتُصَّ مِنْهُ فَقَطْ، وعَلَى شَرِيكِ الصَّبِيِّ الْقِصَاصُ، إِنْ تَمَالآ عَلَى قَتْلِهِ، لا شَرِيكِ مُخْطِئٍ، ومَجْنُونٍ، وهَلْ يُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ سَبُعٍ وجَارِحِ نَفْسِهِ، وحَرْبِيٍّ ومَرَضٍ بَعْدَ الْجُرْحِ، أَوْ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ؟ قَوْلانِ. قوله: (وَكَالإِمْسَاكِ لِلْقَتْلِ) هذه عبارة ابن الحاجب (¬6)، فكأنّه فهم فِي توضيحه أن اللام للتعليل فقال: مفهومه أنّه لَو أمسكه لا للقتل لَمْ يقتل بِهِ، وهكذا فِي الموطأ (¬7) وأما ابن عبد السلام فكأنّه فهم أن اللام لانتهاء الغاية فقال: أطلق ولَمْ يعتبر زيادة قيد عَلَى الإمساك ¬
فجعله مخالفاً لما فِي الموطأ، وغيره، وتبعه ابن عرفة فقال بعد ما ذكر نص الموطأ وغيره: فإطلاق ابن الحاجب إيجاب الإمساك للقود بلا قيد - متعقب. تكميل: قال ابن شاس: وشرط القاضي أبو عبد الله بن هارون البصري من أصحابنا فِي وجوب القصاص عَلَى الممسك شرطاً آخر وهو: أن يعلم أنّه لولا الممسك لَمْ يقدر عَلَى ذلك (¬1). ومن يد ابن شاس أخذها ابن عرفة وزاد: يؤيده قوله فِي " المدونة ": إِذَا حمل رجل عَلَى ظهر آخر شيئاً فِي الحرز، فخرج بِهِ الحامل، فإن كَانَ لا يقدر عَلَى إخراجه إِلا بحمل (¬2) الحامل عَلَيْهِ قطعا معا، وإِن كَانَ قادراً عَلَى حمله دونه قطع الخارج فقط. انتهى (¬3). والذي وجدته فِي أول الطبقة التاسعة من " مدارك " عياض: القاضي أبو الحسن عَلَى ابن هارون من شيوخ المالكية من أهل البصرة، فإن كَانَ هو فلعل له كنيتان. وَإِنْ تَصَادَمَا، أَوْ تَجَاذَبَا مُطْلَقاً قَصْداً فَمَاتَا أَواحدهُمَا فَالْقَوَدُ، وحُمِلا عَلَيْهِ عَكْسُ السَّفِينَتَيْنِ، إِلا لِعَجْزٍ حَقِيقِيٍّ لا (¬4) لِكَخَوْفِ غَرَقٍ، أَوْ ظُلْمَةٍ، وإِلا فَدِيَةُ كُلٍّ عَلَى عَاقِلَةِ الآخَرِ، وفَرَسُهُ فِي مَالِ الآخَرِ كَثَمَنِ الْعَبْدِ، وإِنْ تَعَدَّدَ الْمُبَاشِرُ، فَفِي الْمُمَالأَةِ يُقْتَلُ الْجَمِيعُ، وإِلا قُدِّمَ الأَقْوَى، ولا يَسْقُطُ الْقَتْلُ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ بِزَوَالِهَا بِعِتْقٍ، أَوْ إِسْلامٍ ولاضَمِنَ وَقْتَ الإِصَابَةِ، والْمَوْتِ، والْجُرْحُ كَالنَّفْسِ فِي الْفِعْلِ، والْفَاعِلِ، والْمَفْعُولِ، إِلا نَاقِصاً جَرَحَ كَامِلاْ، وإِنْ تَمَيَّزَتْ جِنَايَاتٌ بِلا تَمَالُؤٍ، فَمِنْ كُلٍّ كَفِعْلِهِ. قوله: (وَإِنْ تَصَادَمَا، أَوْ تَجَاذَبَا مُطْلَقاً قَصْداً فَمَاتَا أَواحدهُمَا فَالْقَوَدُ) أي: فالحكم (¬5) ¬
القود، فهو بحذف مضاف فيكون كقول ابن الحاجب: فأحكام القصاص (¬1). فيستفاد (¬2) منه أنّه إِذَا مات أَحَدهمَا تمكن القصاص، وإِذَا ماتا معا بطل حقهما معاً؛ لأن من أحكام القصاص أن موت من وجب عَلَيْهِ القصاص يبطل حق من وجب له؛ حسبما قرر ابن عبد السلام، وتبعه فِي توضيحه. واقْتُصَّ مِنْ مُوضِحَةٍ، أَوْضَحَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ والْجَبْهَةِ والْخَدَّيْنِ، وإِنْ كَإِبْرَةٍ، وسَابِقِهَا مِنْ دَامِيَةٍ، وحَارِصَةٍ (¬3) شَقَّتِ الْجِلْدَ، وسِمْحَاقٍ كَشَطَتْهُ، وبَاضِعَةٍ شَقًتِ اللَّحْمَ، ومُتَلاحِمَةٍ غَاصَتْ فِيهِ بِمُتَعَدِّدٍ، ومِلْطَأةٍ قَرُبَتْ لِلْعَظْمِ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ، وجِرَاحِ الْجَسَدِ، وإِنْ مُنَقِّلَةً بِالْمِسَاحَةِ إِنِ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ كَطَبِيبٍ زَادَ عَمْداً، وإِلا فَالْعَقْلُ كَيَدٍ شَلاءَ عَدِمَتِ النَّفْعَ بِصَحِيحَةٍ، وبِالْعَكْسِ، وعَيْنِ أَعْمَى، ولِسَانِ أَبْكَمَ، ومَا بَعْدَ الْمُوضِحَةِ مِنْ مُنَقِّلَةٍ أَطَارَتْ فِرَاشَ الْعَظْمِ مِنَ الدَّوَاءِ، وآمَّةٍ أَفْضَتْ لِلدِّمَاغِ، ودَامِغَةٍ خَرَقَتْ خَرِيطَتَهُ (¬4)،كَلَطْمَةٍ، وشُفْرِ عَيْنٍ، وحَاجِبٍ، ولَحْيِةِ، وعَمْدُهُ كَالْخَطَإِ إِلا فِي الأَدَبِ. قوله: (بِالْمِسَاحَةِ) يتعلق باقتصّ وميمه مكسورة. وَإِلا أَنْ يَعْظُمَ الْخَطَرُ فِي غَيْرِهَا كَعَظْمِ الصَّدْرِ، وفِيهَا أَخَافُ فِي رَضِّ الأُنْثَيَيْنِ أَنْ يَتْلَفَ، وإِنْ ذَهَبَ كَبَصَرٍ (¬5) بِجُرْحٍ اقْتُصَّ مِنْهُ، فَإِنْ حَصَلَ، أَوْ زَادَ، وإِلا فَدِيَةٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ وإِنْ ذَهَبَ والْعَيْنُ قَائِمَةٌ، فَإِنِ اسْتُطِيعَ كَذَلِكَ، وإِلا فَالْعَقْلُ كَأَنْ شُلَّتْ يَدُهُ بِضَرْبَةٍ، وإِنْ قُطِعَتْ يَدُ قَاطِعٍ بِسَمَاوِيٍّ، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ قِصَاصٍ لِغَيْرِهِ، فَلا شَيْءَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وإِنْ قَطَعَ أَقْطَعُ الْكَفِّ مِنَ الْمِرْفَقِ، فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، أَوِ الدِّيَةُ كَمَقْطُوعِ الْحَشَفَةِ، وتُقْطَعُ الْيَدُ النَّاقِصَةُ إِصْبَعاً بِالْكَامِلَةِ بِلا غُرْمٍ، وخُيِّرَ إِنْ نَقَصَتْ أَكْثَرَ فِيهِ، وفِي الدِّيَةِ، وإِنْ نَقَصَتْ يَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَالْقَوَدُ ولَوْ إِبْهَاماً لا أَكْثَرَ. قوله: (وَإِلا أَنْ يَعْظُمَ الْخَطَرُ فِي غَيْرِهَا) كذا فِي النسخ التي رأينا، ولعله إنما قال: وكأن ¬
يعظم، بكاف التشبيه فالتبست عَلَى الناسخ بإلا، وأما جعله معطوفا عَلَى قوله: (وَإِلا فالعقل) فعجمة لا تليق بالمصنف؛ لأن إِلا الثانية استثنائية، والأولى مركبة من إِن الشَرْطية ولا النافية (¬1). وَلا يَجُوزُ بِكُوعٍ لِذِي مِرْفَقٍ، وإِنْ رَضِيَا، وتُؤْخَذُ الْعَيْنُ السَّلِيمَةُ بِالضَّعِيفَةِ خِلْقَةً أَوْ مِنْ كِبَرٍ، ولِجُدَرِيٍّ أَوْ لِكَرَمْيَةٍ فَالْقَوْدُ، إِنْ تَعَمَّدَ، وإِلا فَبِحِسَابِهِ وإِنْ فَقَأَ سَالِمٌ عَيْنَ أَعْوَرَ فَلَهُ الْقَوَدُ، وأَخْذُ الدِّيَةِ كَامِلَةً مِنْ مَالِهِ، وإِنْ فَقَأَ أَعْوَرُ مِنْ [77 / ب] سَالِمٍ مُمَاثِلَتَهُ فَلَهُ الْقِصَاصُ أَوْ دِيَةُ مَا تَرَكَ وغَيْرَهَا فَنِصْفُ دِيَةٍ فَقَطْ فِي مَالِهِ، وإِنْ فَقَأَ عَيْنَيِ السَّالِمِ. فَالْقَوَدُ ونِصْفُ الدِّيَةِ، وإِنْ قُلِعَتْ سِنٌّ فَنَبَتَتْ فَالْقَوَدُ، وفِي الْخَطَإِ كَدِيَةِ الْخَطَإِ، والاسْتِيفَاءُ لِلْعَاصِبِ كَالْوَلاءِ، إِلا الْجَدَّ والإِخْوَةَ فَسِيَّانِ، ويَحْلِفُ الثُّلُثُ، وهَلْ إِلا فِي الْعَمْدِ، فَكَأَخٍ؟ تَأْوِيلانِ، وانْتُظِرَ غَائِبٌ لَمْ تَبْعُدْ غَيْبَتُهُ، ومُغْمًى، ومُبَرْسَمٌ لا مُطْبَقٌ وصَغِيرٌ لَمْ يَتَوَقَّفِ الثُّبُوتُ عَلَيْهِ، ولِلنِّسَاءِ إِنْ ورِثْنَ ولَمْ يُسَاوِهِنَّ عَاصِبٌ ولِكُلٍّ الْقَتْلُ، ولا عَفْوَ إِلا بِاجْتِمَاعِهِمْ كَأَنْ حُزْنَ الْمِيرَاثَ وثَبَتَ بِقَسَامَةٍ والْوَارِثُ كَمُوَرِّثِهِ، ولِلصَّغِيرِ إِنْ عُفِيَ، نَصِيبُهُ مِنَ الدِّيَةِ، ولِوَلِيِّهِ النَّظَرُ فِي الْقَتْلِ، أَوِ الدِّيَةِ كَامِلَةً. كَقَطْعِ يَدٍ إِلا لِعُسْرٍ فَيَجُوزُ بِأَقَلَّ بِخِلافِ قَتْلِهِ فَلِعَاصِبِهِ، والأَحَبُّ أَخْذُ الْمَالِ فِي عَبْدِهِ، ويَقْتَصُّ مَنْ يَعْرِفُ بِأَجْرٍ مِنَ الْمُسْتَحِقِّ، ولِلْحَاكِمِ رَدُّ الْقَتْلِ فَقَطْ لِلْوَلِيِّ، ونَهَى عَنِ الْعَبَثِ. قوله: (وَلا يَجُوزُ بِكُوعٍ لِذِي مِرْفَقٍ، وإِنْ رَضِيَا) نحوه لابن الحاجب (¬2) وهو فِي النوادر عن الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وقبله أبو محمد وغيره وزعم ابن عرفة أن فيه [133 / أ] نظراً من وجهين: ¬
الأول: الدليل العام وهو الإجماع عَلَى وجوب ارتكاب أخف ضرر لدفع (¬1) ما هو أضرّ منه من نوعه، وضرر القطع من الكوع أخف منه من المرفق ضرورة، وقد قال ابن رشد فِي أجوبته: إِذَا لزم أحد الضررين وجب [ارتكاب] (¬2) أخفهما. والثاني: دليل ما فِي سماع عبد الملك [بن الحسن، يعني من كتاب الديات قال أخبرني من أثق بِهِ من أصحابي (¬3) عن ابن وهب أَو عن أشهب] (¬4) فيمن ذهب بعض كفه بريشة خرجت فِي كفه، فخاف منها عَلَى ما بقي من يده [فقيل له: اقطع يدك من المفصل. أنّه إِن كَانَ لا يخاف عَلَيْهِ الموت من قطعه فلا بأس. ابن رشد: إِن لَمْ يخف إِذَا لَمْ يقطع يده من المفصل إِلا عَلَى ما بقي من يده] (¬5) لَمْ يجز قطعها من المفصل إِن خيف عَلَيْهِ منه الموت، وإن خشي إِن لَمْ تقطع يده من المفصل أن يترامى أمر الريشة إِلَى موته منها فله قطعها من المفصل، وإن كَانَ مخوفاً إن (¬6) كَانَ الخوف عَلَيْهِ من الريشة أكثر، وقد أجاز مالك فِي " المدونة " لمن أحرقت سفينته أن يطرح نفسه فِي البحر، وإن علم أن فيه هلاكه، ولا خلاف أنّه يجوز له أن يفر من أمر يخاف منه الموت إِلَى أمر يرجو فيه النجاة، وإن لَمْ يأمن (¬7) منه الموت (¬8). انتهى. وفِي النظر، نظر، والله تعالى أبصر. وأُخِّرَ لِحَرٍّ وبَرْدٍ، كَبُرْءٍ. كَدِيَةٍ خَطَأً، ولَوْ كَجَائِفَةٍ، والْحَامِلُ. وإِنْ بِجُرْحٍ مُخِيفٍ لا بِدَعْوَاهَا، وحُبِسَتْ. كَالْحَدِّ، والْمُرْضِعُ لِوُجُودِ مُرْضِعٍ، والْمُوَالاةُ فِي الأَطْرَافِ، كَحَدَّيْنِ للهِ لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِمَا، وبُدِئَ بِأَشَدَّ لَمْ يُخَفْ. لا بِدُخُولِ الْحَرَمِ. قوله: (كَبُرْءٍ) أي: كما يؤخر قصاص ما سوى النفس حتى يبرأ ويعضده (¬9) قوله ¬
بعده: كدية الخطأ إِلا أنّه لَو عطفه عَلَيْهِ بالواو لكان أفصح، ويحتمل أن يريد كما يؤخر الجاني المريض حتى يبرأ، وهو المناسب لقوله قبله: (وَأُخِّرَ لِحَرٍّ وبَرْدٍ) وقد يمكن أن يكون أرادهما معا، وقد صرح ابن الحاجب بهما معا (¬1)، وهو عَلَى منواله (¬2) ينسج فِي الغالب. وَسَقَطَ إِنْ عَفَا رَجُلٌ كَالْبَاقِي والْبِنْتُ أَوْلَى مِنَ الأُخْتِ فِي عَفْوٍ، وضِدِّهِ، وإِنْ عَفَتْ بِنْتٌ مِنْ بَنَاتٍ نَظَرَ الْحَاكِمُ وفِي رِجَال ونِسَاءٍ لَمْ يَسْقُطْ إِلا بِهِمَا، أَوْ بِبَعْضِهِمَا، ومَهْمَا أَسْقَطَ الْبَعْضُ، فَلِمَنْ بَقِيَ نَصِيبُهُ مِنْ [دِيَةِ عَمْدٍ] (¬3) كَإِرْثِهِ، ولَوْ قِسْطاً مِنْ نَفْسِهِ. قوله: (وَسَقَطَ إِنْ عَفَا رَجُلٌ كَالْبَاقِي) المجرور نعت لرجل، أي: مساوٍ للباقي فِي درجته. كَإِرْثِهِ، ولَوْ قِسْطاً مِنْ نَفْسِهِ. قوله: (كَإِرْثِهِ، ولَوْ قِسْطاً (¬4) مِنْ نَفْسِهِ) أشار بِهِ لقوله فِي ديات " المدونة ": ومن قتل رجلاً عمداً فلم يقتل حتى مات أحد ورثة المقتول، فكان القاتل وارثه بطل القصاص؛ لأنّه ملك من دمه حصة فهو كالعفو، ولبقية أصحابه عليهم حظهم من الدية (¬5). ابن يونس: قال أشهب: إِلا أن يكون ممن لَو عفى لَمْ يجز عفوه إِلا باجتماعهم، فلا يبطل القصاص. قال فِي " التقييد ": قال أبو محمد صالح: هو ظاهر الكتاب من قوله: فهو كالعفو، ومن مسألة البنين والبنات إِذَا ماتت واحدة من البنات وتركت بنين). ولأبي محمد صالح أشار ابن عرفة: ببعض الفاسيين، فمراد المصنف بالتشبيه: أن إرث القاتل دم (¬6) نفسه كالعفو عنه، وهو من باب عكس التشبيه. ¬
وَإِرْثُهُ كَالْمَالِ، وجَازَ صُلْحُهُ فِي عَمْدٍ. بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، والْخَطَإِ كَبَيْعِ الدَّيْنِ، ولا يَمْضِي عَلَى عَاقِلِةِ. كَعَكْسِهِ، فَإِنْ عَفَا فَوَصِيَّةّ. قوله: (وَإِرْثُهُ كَالْمَالِ) أي: وارث الدم كالمال لا كالاستيفاء، فإذا مات ولي الدم تنزل [ورثته منزلته] (¬1) من غير خصوصية العصبة منهم عن ذوي الفروض، فيرثه البنات والأمهات، ويكون لهن العفو والقصاص، كما لَو كانوا كلهم عصبة؛ لأنهم ورثوه عمن كَانَ ذلك له، هذا قول ابن القاسم، وقد صرح بذلك فِي كتاب الرجم وكتاب الديات من " المدونة ". ففي الرجم: من قتل وله أم وعصبة فماتت الأم فورثتها مكانها إِن أحبوا أن يقتلوا قتلوا، ولا عفو للعصبة (¬2) دونهم، كما لَو كانت الأم باقية (¬3). وفِي الديات: إِن مات من ولاة الدم رجل وورثته رجال ونساء، فللنساء من القتل والعفو ما للرجال؛ لأنهم ورثوا الدم عمن له ذلك (¬4). قال ابن عرفة ففهم شارح ابن الحاجب (¬5): أن مراد ابن القاسم بالنساء الوارثات ما يشمل الزوجة وكذا الزوج فِي الرجال، وليس الأمر كذلك بل لا مدخل للأزواج فِي الدم؛ ففي النوادر عن " الموازية ": إن ترك القتيل عمداً بالبينة أُمَّاً وبنتاً وعصبة، فماتت الأم والبنت أَو العصبة فورثته فِي منابه (¬6)، إِلا الزوج والزوجة، فإن اختلف ورثة هذا الميت ¬
ومن بقي من أولياء القتيل (¬1) فلا عفو إِلا باجتماعهم (¬2). وذكر ابن رشد فِي الأجوبة: أن [133 / ب] ما فِي الموازية غير معزو، وهو (¬3) لابن القاسم فوجب حمل لفظ " المدونة " عَلَى هذا. وَتَدْخُلُ الْوَصَايَا فِيهِ، وإِنْ بَعْدَ سَبَبِهَا، أَوْ بِثُلُثِهِ، أَوْ بِشَيْءٍ إِذَا عَاشَ بَعْدَهَا مَا يُمْكِنُهُ التَّغْيِيرُ فَلَمْ يُغَيِّرْ بِخِلافِ الْعَمْدِ إِلا أَنْ يُنْفِذَ مَقْتَلَهُ، ويَقْبَلَ وَارِثُهُ الدِّيَّةَ وعَلِمَ، وإِنْ عَفَا عَنْ جُرْحِهِ، أَوْ صَالَحَ فَمَاتَ فَلأَوْلِيَائِهِ الْقَسَامَةُ، والْقَتْلُ، ورَجَعَ الْجَانِي فِيمَا أُخِذَ مِنْهُ، ولِلْقَاتِلِ الاسْتِحْلافُ عَلَى الْعَفْوِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَاحِدَةً وبَرِئَ، وتُلُوِّمَ لَهُ فِي بَيِّنَتِهِ الْغَائِبَةِ وقُتِلَ بِمَا قَتَلَ، ولَوْ نَاراً إِلا بِخَمْرٍ، ولِوَاطٍ، وسِحْرٍ، ومَا يَطُولُ وهَلْ والسُّمُّ، أَوْ يَجْتَهِدُ فِي قَدْرِهِ تَأْوِيلانِ، فَيُغَرَّقَ، ويُخْنَقَ، ويُحَجَّرَ. قوله: (وَتَدْخُلُ الْوَصَايَا فِيهِ، وإِنْ بَعْدَ سَبَبِهَا، أَوْ بِثُلُثِهِ، أَوْ بِشَيْءٍ إِذَا عَاشَ بَعْدَهَا [مَا يُمْكِنُهُ التَّغْيِيرُ فَلَمْ يُغَيِّرْ) كذا فِي بعض النسخ عَلَى المبالغة المعكوسة وصوابه: وإِن قبل (¬4) سببها فيه تستقيم المبالغة، ويكون المجروران معطوفين عَلَى الظرف، فالكل فِي حيّز المبالغة، وفِي بعض النسخ: وتدخل الوصايا فيه بعد سببها أَو بثلثه أَو بشيء قبلها إِذَا عاش بعدها] (¬5) ... إِلَى آخره كلفظ ابن الحاجب (¬6) وأصلها فِي كتاب الديات من " المدونة " قال فيه: وإِذَا عفا المقتول خطأً عن ديته جَازَ ذلك فِي ثلثه، فإن لَمْ يكن له مال وأوصى مَعَ ذلك بوصايا فلتحاصّ (¬7) العاقلة وأهل الوصايا فِي ثلث ديته، ولَو أوصى بثلثٍ لرجل بعد الضرب دخلت الوصية فِي ديته؛ لأنّه قد علم أن قتل الخطأ مال، وكذلك لَو أوصى بثلثه قبل أن يضرب وعاش بعد الضرب ومعه من عقله ما يعرف بِهِ ما هو فيه فلم يغير الوصية (¬8). ¬
وَضُرِبَ بِالْعَصَا لِلْمَوْتِ كَذِي عَصَوَيْنِ، ومُكِّنَ مُسْتَحِقٌّ مِنَ السَّيْفِ مُطْلَقاً، وانْدَرَجَ طَرَفٌ إِنْ تَعَمَّدَهُ، وإِنْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَقْصِدْ مُثْلَةً كَالأَصَابِعِ فِي الْيَدِ، ودِيَةُ الْخَطَإِ عَلَى الْبَادِي مُخَمَّسَةٌ بِنْتُ مَخَاضٍ، وبِنْتُ لَبُون ووَلَدُ لَبُونٍ، وحِقَّةٌ وجَذَعَةٌ [78 / أ]، ورُبِّعَتْ فِي عَمْدٍ بِحَذْفِ ابْنِ اللَّبُونِ، وثُلِّثَتْ فِي الأَبِ ولَوْ مَجُوسِيَّاً فِي عَمْدٍ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ كَجَرْحِهِ بِثَلاثِينَ حِقَّةً، وثَلاثِينَ جَذَعَةً وأَرْبَعِينَ خَلِفَةً بِلا حَدِّ سِنٍّ، وعَلَى الشَّامِيِّ، والْمَصْرِيِّ، والْمَغْرِبِيِّ، أَلْفُ دِينَارٍ، وعَلَى الْعِرَاقِيِّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، إِلا فِي الْمُثَلَّثَةِ، فَيُزَادُ نِسْبَةُ مَا بَيْنَ الدِّيَتَيْنِ، والْكِتَابِيُّ، والْمُعَاهِدُ نِصْفُهُ والْمَجُوسِيُّ والْمُرْتَدُّ ثُلُثُ خُمُسٍ، وأُنْثَى كُلٍّ نُصْفُهُ، وفِي الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ، وإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ. قوله: (وَضُرِبَ بِالْعَصَا لِلْمَوْتِ كَذِي عَصَوَيْنِ) لام (للموت) لانتهاء الغاية، وكاف (كَذِي) للتمثيل لا للتنظير وفي بعض النسخ: لذي بلام التعدية أَو لام التبيين. قال فِي " المدونة ": فإن ضربه عصوين فمات منهما، فإن القاتل يضرب بالعصا أبداً حتى يموت كذا اختصره أبو سعيد عَلَى الصواب فِي اللغة. في الأمهات: عصاتين، وعَلَيْهِ اختصر ابن يونس (¬1). وبالله تعالى التوفيق. ¬
فصل الدية
[فصل الدية] وَفِي الْجَنِينِ، وإِنْ عَلَقَةً عُشْرُ أُمِّهِ، ولَوْ أَمَةً نَقْداً، أَوْ غُرَّةٌ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٌ تُسَاوِيهِ، والأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا، والنَّصْرَانِيَّةُ مِنَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ كَالْحُرَّةِ إِنْ زَايَلَهَا كُلُّهُ حَيَّةً، إِلا أَنْ يَحْيَا فَالدِّيَةُ إِنْ أَقْسَمُوا، ولَوْ مَاتَ عَاجِلاً. قوله: (وَفِي الْجَنِينِ، وإِنْ عَلَقَةً عُشْرُ أُمِّهِ، ولَوْ أَمَةً نَقْداً، أَوْ غُرَّةٌ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٌ تُسَاوِيهِ) ظاهرة كابن الحاجب تخيير الجاني، وهو موافق لقول اللخمي: الذي يقتضيه قول مالك وابن القاسم وأشهب أن الجاني مخير فِي غرم (¬1) الغرة أَو عشر (¬2) دية الأم من كسبه، إِن كَانَ من أهل الذهب فخمسون ديناراً، وإِن كَانَ من أهل الورق فستمائة درهم، وإِن كَانَ من أهل الإبل فخمس فرائض عَلَى اختلاف فِي هذا، عَلَى أنّه سلّم فِي توضيحه أن قول اللخمي خلاف ظاهر " المدونة " وقال ابن عرفة بعد ذكر كلام اللخمي: إنما عزا الباجي التخيير لعيسى، وقد علمت أن قول المصنف: (وَلَو أمة) خاصّ بأول وجهي التخيير، وأشار بِهِ لقول ابن وهب: الواجب فِي جنين الأمة ما نقصها، وقد ذكر ابن الحاجب القولين (¬3). وَلَوْ تَعَمَّدَهُ بِضَرْبِ، ظَهْرٍ أَوْ بَطْنٍ أَوْ رَأْسٍ فَفِي الْقِصَاصَ خِلافٌ، وتَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِتَعَدُّدِهِ ووُرِّثَ عَلَى الْفَرَائِضِ. قوله: (وَلَوْ تَعَمَّدَهُ بِضَرْبِ، ظَهْرٍ أَوْ بَطْنٍ أَوْ رَأْسٍ فَفِي الْقِصَاصَ خِلافٌ) اعتمد فِي إلحاق الرأس بالظهر والبطن عَلَى ما ذكر عبد الحق عن أبي موسى بن مناس، وقد ردّه ابن عرفة برواية أبي محمد عن ابن القاسم فِي المجموعة أنّه قال: أما لَو ضرب رأسها أَو يدها أَو رجلها ففيه الدية، عَلَى أنّه ذكر فِي توضيحه قولي (¬4) أبي موسى وأبي محمد ولَمْ يعز الثاني لابن القاسم، وفيه ما ترى. ¬
وَفِي الْجِرَاحِ حُكُومَةٌ بِنِسْبَةِ نُقْصَانِ الْجِنَايَةِ، إِذَا بَرِئَ مِنْ قِيمَتِهِ عَبْداً فَرْضاً مِنَ الدِّيَةِ. كَجَنِينِ الْبَهِيمَةِ. إِلا الْجَائِفَةَ والآمَّةَ فَثُلُثٌ، والْمُوضِحَةَ فَنِصْفُ عُشْرٍ، والْمُنَقِّلَةَ والْهَاشِمَةَ. فَعُشْرٌ ونِصْفُهُ، وإِنْ بِشَيْنٍ فِيهِنَّ، إِنْ كُنَّ بِرَأْسٍ أَوْ لَحْيٍ أَعْلَى. قوله: (وَفِي الْجِرَاحِ حُكُومَةٌ بِنِسْبَةِ نُقْصَانِ الْجِنَايَةِ، إِذَا بَرِئَ مِنْ قِيمَتِهِ عَبْداً فَرْضاً مِنَ الدِّيَةِ) العامل في (من قيمته) (نقصان)، وفي (من الدية) (نسبة)، ومعنى (فرضاً) تقديراً لا حقيقة. وَالْقِيمَةُ لِلْعَبْدِ كَالدِّيَةِ، وإِلا فَلا تَقْدِيرَ، وتَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِجَائِفَةٍ نَفَذَتْ. كَتَعَدُّدِ الْمُوضِحَةِ، والْمُنَقِّلَةِ. قوله: (وَالْقِيمَةُ لِلْعَبْدِ كَالدِّيَةِ) أشار بِهِ لقوله فِي " المدونة ": فِي مأمومة العبد وجائفته في كل واحدة ثلث قيمته، وفِي منقلته عشر قيمته، ونصف عشر قيمته، وفِي موضحته نصف عشر قيمته، وفيما سوى ذلك من جراحه ما نقصه (¬1). وَالآمَّةِ إِنْ لَمْ تَتَّصِلْ وإِلا فَلا وإِنْ بِفَوْرٍ فِي ضَرَبَاتٍ، والدِّيَةُ فِي الْعَقْلِ، أَوِ السَّمْعِ، أَوِ الْبَصَرِ، [أَوِ الشَّمِّ] (¬2) أَوِ النُّطْقِ أَوِ الصَّوْتِ، أَوِ الذَّوْقِ أَوْ قُوَّةِ الْجِمَاعِ، أَوْ نَسْلِهِ، أَوْ تَجْذِيمِهِ أَوْ تَبْرِيصِهِ، أَوْ تَسْوِيدِهِ، أَوْ قِيَامِهِ وجُلُوسِهِ، أَوِ الأُذُنَيْنِ، أَوِ الشَّوَى أَوِ الْعَيْنَيْنِ، أَوْ عَيْنِ الأَعْوَرِ لِلسُّنَّةِ، بِخِلافِ كُلِّ زَوْجٍ، فَإِنَّ فِي أَحَدِهِمَا نِصْفَهُ، وفِي الْيَدَيْنِ وفِي الرِّجْلَيْنِ، ومَارِنِ الأَنْفِ، والْحَشَفَةِ، وفِي بَعْضِهِمَا بِحِسَابِهَا مِنْهُمَا لا مِنْ أَصْلِهِ، وفِي الأُنْثَيَيْنِ مُطْلَقاً، وفِي ذَكَرِ الْعَنِينِ قَوْلانِ، وفِي شُفْرَيِ الْمَرْأَةِ، إِنْ بَدَا الْعَظْمُ، وفِي ثَدْيَيْهَا، أَوْ حَلَمَتَيْهِمَا إِنْ بَطَلَ اللَّبَنُ، واسْتُؤْنِيَ بِالصَّغِيرَةِ. قوله: (وَإِلا فَلا (¬3) وإِنْ بِفَوْرٍ فِي ضَرَبَاتٍ) وجه الكلام وإن (بضربات فِي فور) كقول ابن شاس: وإِن كَانَ ذلك من ضربات (¬4) إِلا أنّه فِي فور واحد. ¬
وسِنِّ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يُثْغِرْ لِلإِيَاسِ كَالْقَوَدِ، وإِلا انْتُظِرَ سَنَةً، وسَقَطَا، وإِنْ عَادَتْ، ووُرِثَا، إِنْ مَاتَ، وفِي عَوْدِ السِّنِّ أَصْغَرَ بِحِسَابِهَا. قوله: (وَسِنِّ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يُثْغِرْ لِلإِيَاسِ كَالْقَوَدِ، وإِلا انْتُظِرَ سَنَةً) هذا كقول ابن الحاجب: وسن الصبي لَمْ يثغر يوقف عقلها إِلَى الإياس كالقود، وإِلا انتظر بها سنة (¬1). وقد تَرَدد ابن راشد القفصي فِي معنى قوله: (وإِلا انتظر بها سنة) وقال: لم أقف) عَلَيْهِ لغيره. وقال ابن عبد السلام: معناه أنّه إِذَا جاوز السن الذي تنبت فيه ولم تنقص سنة انتظرت بقية السنة، ووجبت الدية فِي الخطأ والقصاص فِي العمد وقبله فِي " التوضيح "، وقال ابن عرفة: لا نصّ فيها عَلَى أمد الوقف، ونقل الشيخ أبو محمد رواية المجموعة إِن [أيس من [134 / أ] نباتها] (¬2) أخذ الصبي العقل يقتضى أنّه زمن معتاد نباتها، والأَظْهَر أنّه الأكثر من معتاده أَو سنة (¬3). تكميل: ذكر فِي النوادر عن " الموازية " عن أشهب: إِن كَانَ الصبي حين قلعت سنه أثغر ونبتت أسنانه عجل له العقل فِي الخطأ والقود فِي العمد (¬4). وقال ابن عرفة: انظر هذا مَعَ قاعدة المذهب فِي وجوب الاستيناء، ونقل ابن رشد الإجماع عَلَيْهِ، فيجب حمله عَلَى أنّه قلع دون جرح. وَجُرِّبَ الْعَقْلُ بِالْخَلَوَاتِ. قوله: (وَجُرِّبَ الْعَقْلُ بِالْخَلَوَاتِ) أشار بِهِ إلى قول الغزالي فِي وجيزه: وإذا شككنا فِي زوال العقل، راقبناه فِي الخلوات، ثم لم (¬5) نخلفه؛ لئلا يتجانن فِي الجواب، كذا رأيته فِي نسختين منه بتفكيك يتجانن، والصواب: يتجانّ بالإدغام، ولَمْ يذكره ابن شاس ولا ابن الحاجب ولا ابن عرفة ولا المصنف فِي " التوضيح ". ¬
وَالسَّمْعُ بِأَنْ يُصَاحَ مِنْ أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ، مَعَ سَدِّ الصَّحِيحَةِ، ونُسِبَ لِسَمْعِهِ الآخَرِ، وإِلا فَسَمْعٌ وَسَطٌ، ولَهُ نِسْبَتُهُ، إِنْ حَلَفَ، ولَمْ يَخْتِلَفْ قَوْلُهُ، وإِلا فَهَدَرٌ، والْبَصَرُ بِإِغْلاقِ الصَّحِيحَةِ كَذَلِكَ. قوله: (وَالسَّمْعُ بِأَنْ يُصَاحَ مِنْ أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ، مَعَ سَدِّ الصَّحِيحَةِ، ونُسِبَ لِسَمْعِهِ الآخَرِ، وإِلا فَسَمْعٌ وَسَطٌ، ولَهُ نِسْبَتُهُ، إِنْ حَلَفَ، ولَمْ يَخْتِلَفْ قَوْلُهُ، وإِلا فَهَدَرٌ، والْبَصَرُ بِإِغْلاقِ الصَّحِيحَةِ كَذَلِكَ) قال فِي " المدونة ": وإِذَا أصيبت العين فنقص بصرها أغلقت الصحيحة، ثم جعل له بيضة (¬1) أَو شيء فِي مكان يختبر (¬2) بِهِ منتهى بصر السقيمة، فإذا رآها حولت له إِلَى موضع آخر فإن تساوت الأماكن أَو تقاربت قيست (¬3) الصحيحة ثم أعطى بقدر ما انتقصت المصابة من الصحيحة، والسمع مثله يختبر بالأمكنة أَيْضاً حتى يعرف صدقه من كذبه. وإِن ادعى المضروب أن جميع سمعه وبصره ذهب صُدّق مَعَ يمينه، والظالم أحقّ بالحمل عَلَيْهِ، ويختبر إِن قدر عَلَى ذلك بما وصفنا (¬4). ابن يونس: قال أشهب: ولَو ادعى أنّه نقص بصر عينه (¬5) جميعاً أَو أذنيه فأنّه يقاس بالبيضة فِي البصر، والصوت فِي السمع كما وصفنا، فإذا اتفق قوله، أَو تقارب قيس له ببصر رجل وسط مثله، كما تقدم. قال فِي كتاب محمد فِي الذي ادعى ذهاب جميع سمعه أو بصره: يختبر بالإشارة فِي البصر والصوت فِي السمع، ويغتفل مرة بعد مرة، وفسّر أبو الحسن الصغير ما في " المدونة " بأنّه يختبر من الجهات الأربع فِي السمع والبصر. وَالشَّمُّ بِرَائِحَةٍ حَادَّةٍ، والنُّطْقُ بِالْكَلامِ اجْتِهَاداً. قوله: (وَالشَّمُّ بِرَائِحَةٍ حَادَّةٍ) كذا قال أبو حامد فِي " وجيزه " يمتحن الشم بالروائح ¬
الحادة، وعند النقصان يحلف لعسر الامتحان، ولَمْ يذكره ابن شاس ولا ابن الحاجب ولا ابن عرفة، ولا المصنف فِي " التوضيح ". وَالذَّوْقُ بِالْمُقِرِّ (¬1)، وصُدِّقَ مُدَّعٍ ذِهَابَ الْجَمِيعِ بِيَمِينٍ والضَّعِيفُ مِنْ عَيْنٍ، ورِجْلٍ، ونَحْوِهِمَا خِلْقَةً كَغَيْرِهِ، وكَذَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا إِنْ لَمْ يَأْخُذْ عَقْلاً [78 / ب]، وفِي لِسَانِ النَّاطِقِ، وإِنْ لَمْ يَمْنَعِ النُّطْقَ مَا قَطَعَهُ، فَحُكُومَةٌ كَلِسَانِ الأَخْرَسِ، والْيَدِ الشَّلاءِ، والسَّاعِدِ، وأَلْيَتَيِ الْمَرْأَةِ، وسِنٍّ مُضْطَرِبَةٍ جِدَّاً، وعَسِيبِ ذَكَرٍ بَعْدَ الْحَشَفَةِ، وحَاجِبٍ، أَوْ هُدْبٍ. قوله: (وَالذَّوْقُ بِالْمُقِرِّ) كذا قال أبو حامد (¬2)، ويجرب الذوق بالأشياء المرة المقرة، وتبعه ابن شاس وابن الحاجب (¬3)، قال الجوهري: مقِر الشيء بالكسر يقر مقراً أي صار مراً فهو شيء مقر، والمقر أَيْضاً الصبر وبكلام الجوهري فسّر فِي " التوضيح " لفظ ابن الحاجب قال: وفِي بعض النسخ المنفّر (¬4): أي الذي لا يمكن الصبر عَلَيْهِ. وَظُفْرٍ، وفِيهِ الْقِصَاصُ. قوله: (وظُفْرٍ، وفِيهِ الْقِصَاصُ) أي: فِي عمده بِخِلاف ما قبله من حاجب وهدب، وقد قال قبل هذا: (كَلَطْمَةٍ وشُفْرِ عَيْنِ حَاجِبٍ ولِحْيَةٍ وعَمْدُهُ كَالْخَطَأِ إلاَّ فِي الأَدَبِ). ¬
وَأفْضَا (¬1)، ولا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مَهْرٍ، بِخِلافِ الْبَكَارَةِ، إِلا بِأُصْبُعِهِ، وفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرٌ، والأُنْمُلَةِ ثُلُثُهُ، إِلا فِي الإِبْهَامِ، فَنِصْفُهُ. قوله: (وأفْضَا) كذا هي عبارة ابن الجلاب (¬2) وابن الحاجب (¬3) وغير واحد [أفضا] (¬4) عَلَى وزن [أعطا، ووقع فِي " المدونة " أفضاها عَلَى وزن] (¬5) أقامها، (¬6) فيقتضي ذلك أن يكون المصدر أفاضه كأقامه، وبالأول قطع الجوهري لأنّه ذكره فِي مادة فضا المنقوص لا فِي مادة فاض الأجوف، ولَمْ يتناول له عياض فِي النكاح ولا فِي الرجم. وَفِي الأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ الْقَوِيَّةِ عُشْرٌ، إِنِ انْفَرَدَتْ وفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ، وإِنْ سَوْدَاءَ بِقَلْعٍ، أَوِ اسْوِدَادٍ، أَوْ بِهِمَا، أَوْ بِحُمْرَةٍ أَوْ بِصُفْرَةٍ، إِنْ كَانَا عُرْفاً كَالسَّوَادِ، وبِاضْطِرَابِهَا جِدَّاً، وإِنْ ثَبَتَتْ لِكَبِيرٍ قَبْلَ أَخْذِ عَقْلِهَا أَخَذَهُ كَالْجِرَاحَاتِ الأَرْبَعَةِ، ورُدَّ فِي عَوْدِ الْبَصَرِ وقُوَّةِ الْجِمَاعِ، ومَنْفَعَةِ اللَّبَنِ، وفِي الأُذُنِ إِنْ ثَبَتَ تَأْوِيلانِ، وتَعَدَّدَتِ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِهَا، إِلا الْمَنْفَعَةَ بِمَحَلِّهَا، وسَاوَتِ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ لِثُلُثِ دِيَتِهِ، فَتَرْجِعُ لِدِيَتِهَا، وضُمَّ مُتَّحِدُ الْفِعْلِ. قوله: (وَفِي الأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ الْقَوِيَّةِ عُشْرٌ، إِنِ انْفَرَدَتْ) الذي لابن القاسم فِي سماع يحيي: أن السادسة إِن كانت قوية ففيها عشر، ولَو قطعت عمداً إذ لا قصاص فيها وفي اليد كلها ستون وإِن كانت ضعيفة ففيها (¬7) حكومة، وإِن انفردت (¬8) ومَعَ اليد لا يزاد لها ¬
شيء. (¬1) واستظهره اللخمي، فلو قال المصنف: وفِي الإصبع الزائدة إِن قويت عشر مُطْلَقاً، وإِلا فحكومة إِن أفردت لوفّى بذلك ويكون معنى مُطْلَقاً عمداً أَو خطأ أفردت أم لا. تكميل: قال ابن رشد فِي السماع المذكور: وهو فِي كتاب الجنايات [134 / ب] فإن لَمْ تنقص الحكومة من قيمته شيئا أَو لعلها تزيد فيه لَمْ يكن فيه شيء إِلا الأدب (¬2) فِي العمد، ولا يدخل فيه من الاختلاف ما فِي العبد يخصى فتزيد قيمته لمخالفتها (¬3) فِي المعنى كما فِي رسم القبلة فِي سماع ابن القاسم (¬4). أَوْ فِي حُكْمِهِ، أَوِ الْمَحَلِّ فِي الأَصَابِعِ لا الأَسْنَانِ، والْمَوَاضِحِ، والْمَنَاقِلِ، والْعَمْدِ والْخَطَإِ، وإِنْ عَفَتْ، ونُجِّمَتْ دِيَةُ الْحُرِّ فِي الْخَطَإِ، بِلا اعْتِرَافٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ والْجَانِي، إِنْ بَلَغَ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوِ الْجَانِي، ومَا لَمْ يَبْلُغْ فَحَالٌّ عَلَيْهِ كَعَمْدٍ، ودِيَةٍ غُلِّظَتْ، وَسَاقِطٍ لِعَدَمِهِ إِلا مَا لا يُقْتَصُّ مِنْهُ مِنَ الْجُرْحِ لإِتْلافِهِ، فعَلَيْهَا، وهِيَ الْعَصَبَةُ، وبُدِئَ بِالدِّيوَانِ، إِنْ أُعْطُوا ثُمَّ بِهَا الأَقْرَبُ ثُمَّ الْمَوَالِي الأَعْلَوْنَ، ثُمَّ الأَسْفَلُونَ، ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ إِنْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِماً، وإِلا [فَالذِّمِّيُّ] (¬5) ذُو دِينِهِ، وضُمَّ كَكُورِ مِصْرَ والصُّلْحِيُّ أَهْلُ صُلْحِهِ، وضُرِبَ عَلَى كُلِّ مَا لا يَضُرُّ، وعُقِلَ عَنْ صَبِيٍّ، ومَجْنُونٍ، وامْرَأَةٍ، وفَقِيرٍ، وغَارِمٍ ولا يَعْقِلُونَ، والْمُعْتَبَرُ وَقْتُ الضَّرْبِ لا إِنْ قَدِمَ غَائِبٌ، ولا يَسْقُطُ لِعُسْرِهِ أَوْ مَوْتِهِ، ولا دُخُولَ، لِبَدَوِيٍّ مَعَ حَضَرِيٍّ، ولا شَامِيٍّ مَعَ مَصْرِيٍّ مُطْلَقاً والْكَامِلَةُ فِي ثَلاثٍ تَحِلُّ وآخِرُهَا يَوْمُ الْحُكْمِ والثُّلُثُ والثُّلُثَانِ بِالنِّسْبَةِ. قوله: (أَوْ فِي حُكْمِهِ) أي فِي حكم المتخذ كضربات فِي فور واحد. كذا قال ابن عبد السلام. ¬
وَنُجِّمَ فِي النِّصْفِ والثَّلاثَةِ الأَرْبَاعِ بِالتَّثْلِيثِ ثُمَّ لِلزَّائِدِ سَنَةٌ وحُكْمُ مَا وَجَبَ عَلَى عَوَاقِلَ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ كَحُكْمِ الْوَاحِدَةِ كَتَعَدُّدِ الْجِنَايَاتِ عَلَيْهَا، وهَلْ حَدُّهَا سَبْعُمِائَةٍ أَوِ الزَّائِدُ عَلَى أَلْفٍ؟ قَوْلانِ وعَلَى الْقَاتِلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ. قوله: (وَنُجِّمَ فِي النِّصْفِ والثَّلاثَةِ الأَرْبَاعِ بِالتَّثْلِيثِ ثُمَّ لِلزَّائِدِ سَنَةٌ) تبع فِي هذا قول ابن الحاجب والمشهور التنجيم (¬1) بالأثلاث وللزائد سنة، فالنصف والربع فِي ثلاثة (¬2). أي فالثلاثة الأرباع فِي ثلاث سنين، فأما ابن راشد القفصي فزعم أن هذا الذي شهره هو قول أشهب، وأما المصنف فِي " توضيحه " فذكر أنّه لَمْ يره منقولاً، فضلاً عن أن يكون مشهوراً، قال: ولعله أخذه مما فِي " المدونة " أن الثلاثة الأرباع فِي ثلاث سنين (¬3)، وأما ابن عبد السلام فصحح النسخ التي فيها: وللزائد نسبته. قال: ويقع فِي بعض النسخ: وللزائد سنة، وليس بجيّد؛ لأنّه عَلَى هذا التقدير يصير هو القول بأن فِي غير الكاملة ثلاث سنين، والفرض أن التفريع (¬4) عَلَى القول الذي يقابله، وهو اعتبار النسبة، وناقشه فِي " التوضيح ": بأن الذي يقول فِي غير الكاملة: بثلاث سنين يراها فِي ثلاث [سنين] (¬5) عَلَى السواء، وأما عَلَى هذا فالثلثان فِي سنتين وللزائد سنة، ثم قوله إثر هذا: فالنصف والربع فِي ثلاث سنين بغير (¬6) النسخة التي فيها سنة، وأما ابن عرفة فأعرض عن لفظ ابن الحاجب صفحاً. وَإِنْ صَبِيَّاً، أَوْ مَجْنُوناً أَوْ شَرِيكاً. قوله: (وَإِنْ صَبِيَّاً، أَوْ مَجْنُوناً أَوْ شَرِيكاً) مراده بالشريك المشترك فِي القتل مَعَ غيره، وأما الصبي والمجنون فقال ابن عبد السلام: جعلوا (¬7) الكفارة من خطاب الوضع لمّا كانت ¬
عوضاً عن النفس، فأشبهت أعواض المتلفات، فإن كَانَ هناك دليل شرعي من إجماع أَو غيره يوجب التسليم له فحسن وإِلا فمقتضى النظر (¬1) سقوطها عن الصبي والمجنون وردها إِلَى خطاب التكليف، وقد جعل الشرع عوضا عن الرقبة الصيام الذي هو من خطاب التكليف. وقال ابن عرفة: قول ابن شاس: تجب فِي مال الصبي والمجنون (¬2). واضح كالزكاة، ولم أجده لغيره من أهل المذهب نصاً، بل فِي " وجيز " الغزالي. إِذَا قَتَلَ مِثْلَهُ مَعْصُوماً خَطَأً عِتْقُ رَقَبَةٍ، ولِعَجْزِهَا شَهْرَانِ كَالظِّهَارِ. قوله: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) مبتدأ خبره عَلَى القاتل. لا صَائِل، و [لا] (¬3) قَاتِلِ نَفْسِهِ كَدِيَتِهِ. قوله: (لا صَائِل، ولا قَاتِلِ نَفْسِهِ كَدِيَتِهِ) كذا لابن شاس وابن الحاجب (¬4) قال ابن عرفة فِي الصائل هذا مقتضى المذهب؛ [لأنه] (¬5) غير خطأ ولم أجده نصاً إِلا للغزالي فِي " وجيزه " قال فيه: وفِي وجوبها عَلَى قاتل نفسه وجهان (¬6). ابن عرفة: قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء:92] يخرج قاتل نفسه لامتناع تصور هذا الجزء من الكفارة فيه وإذا بطل الجزء بطل الكل. ¬
وَنُدِبَتْ فِي جَنِينٍ، ورَقِيقٍ، وعَمْدٍ، و [ذمي] (¬1)، وعَلَيْهِ مُطْلَقاً جَلْدُ مِائَةٍ، ثُمَّ حَبْسُ سَنَةٍ، وإِنْ بِقَتْلِ مَجُوسِيٍّ، أَوْ عَبْدِهِ، أَوْ نُكُولِ الْمُدَّعِي عَلَى ذِي اللَّوْثِ وحَلِفِهِ، والْقَسَامَةُ سَبَبُهَا قَتْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فِي مَحَلِّ [79 / أ] اللَّوْثِ (¬2) كَأَنْ يَقُولَ بَالِغٌ، حُرٌّ، مُسْلِمٌ قَتَلَنِي فُلانٌ، ولَوْ خَطَأً أَوْ مَسْخُوطاً عَلَى وَرِعٍ. قوله: (وَنُدِبَتْ فِي جَنِينٍ، ورَقِيقٍ وعَمْدٍ وذمي) كذا فِي بعض النسخ بزيادة [ذمي] (¬3) وإسقاط العبد، لاندراجه فِي الرقيق وهو الصواب. أَوْ وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ أنّه ذَبَحَهُ، أَوْ زَوْجَةٌ عَلَى زَوْجِهَا. قوله: (أَوْ وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ أنّه ذَبَحَهُ) كأنّه قصد الوجه المشكل لينخرط فِي سلك الإغياء؛ لأنّه إِذَا قبلت القسامة الموجبة [للقود من الأب فأحرى الموجبة] (¬4) للدية المغلظة فتأمله. إِنْ كَانَ جُرْحٌ، أَوْ أَطْلَقَ وبَيَّنُوا، لا خَالَفُوا، ولا يُقْبَلُ رُجُوعُهُمْ، ولا إِنْ قَالَ بَعْضٌ عَمْداً، وبَعْضٌ لا نَعْلَمُ، أَوْ نَكَلُوا، بِخِلافِ ذِي الْخَطَإِ، فَلَهُ الْحَلِفُ، وأَخْذُ نَصِيبِهِ، وإِنِ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا واسْتَوَوْا حَلَفَ كُلٌّ، ولِلْجَمِيعِ دِيَةُ خَطَإٍ، وبَطَلَ حَقُّ ذِي الْعَمْدِ بِنُكُولِ غَيْرِهِمْ وكَشَاهِدَيْنِ بِجُرْحٍ، أَوْ ضَرْبٍ مُطْلَقاً. قوله: (إِنْ كَانَ جُرْحٌ) حقّه أن يقدم عَلَى الإغياء؛ لأن قوله: (أَوْ أَطْلَقَ) معطوف عَلَى ما بعد أو. أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَقْتُولِ عَمْداً أَوْ خَطَأً. قوله: (أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَقْتُولِ عَمْداً أَوْ خَطَأً) أي: وكشاهدين بإقرار المقتول أن فلاناً جرحه، وأما لَو قال: قتله لكان هو المثال الأول. ¬
ثُمَّ يَتَأَخَّرُ الْمَوْتُ يُقْسِمُ لَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ. قوله: (يُقْسِمُ لَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ) هذا مَعَ ثبوت الجرح بالشاهدين مُتَّجِه (¬1)، وأما الثابت بالشاهد الواحد فقال ابن عبد السلام: إِذَا مكناهم من القسامة فهل يكتفى بخمسين يمينا لقد ضربه ومات من ضربه، أَو يحلفون يميناً واحدة: لقد ضربه، ثم يحلفون خمسين يميناً: لِمَنْ ضَرْبِه مات؟، فِي ذلك نظر، وهل يجري عَلَى الحقوق المالية فِي الاستحقاق [بشاهد واحد: هل يجمع فِي يمينه بين فصل تصحيح شهادة الشاهد الشّهَادَة وفصل الاستحقاق] (¬2) أَو يحلف لكل واحدٍ من الفصلين يميناً مستقلّة (¬3)؟ فِي ذلك نظر. وقال ابن عرفة: ظاهر كلام ابن رشد ونصّه: أنهم يحلفون عَلَى الجرح والموت منه فِي كل يمين من الخمسين، يعني: حيث قال فِي رسم المكاتب من سماع يحيى من كتاب الديات، فعلى القول بالقسامة مَعَ الشاهد الواحد [في الجرح] (¬4) يحلفون لقد جرحه ولقد مات من جرحه، ولا يحلفون مَعَ الشاهدين عَلَى الجرح إلا لقد مات من ذلك الجرح، وأما مَعَ الشاهد عَلَى القتل فيحلفون لقد قتله خاصة فتفترق الوجوه الثلاثة [135 / أ] فِي صفة الأيمان (¬5). وأما الحقوق المالية ففي ترجمة " جامع الدعاوى " من ابن سهل: من قام له شاهدٌ واحدٌ باستحقاق شيءٍ حلف مَعَ شاهده أن [حقّه لحقّ] (¬6)، وحلف ما باع ولا وهب ولا خرج من يده بوجه، فجعل عَلَيْهِ يمينين. قاله ابن حبيب عن مطرف وأصبغ. وفي رسم الرهون من كتاب الرهون مثله، والذي جرى بِهِ العمل [مع الدعاوى] (¬7) ¬
فِي اليمين الواحدة، وكَانَ شيخنا ابن عتاب يقول من وجبت عَلَيْهِ يمين فِي دعوى، ورُدَّت عَلَيْهِ يمين فلابد له من يمينين، وحكاه عن [شيخه أبي المطرف] (¬1) وغيره، وخالفه فيه أبو عمر بن القطان. وكِشَاهِدٍ (¬2) بِذَلِكَ مُطْلَقاً، إِنْ ثَبَتَ الْمَوْتُ. قوله: (وكِشَاهِدٍ بِذَلِكَ مُطْلَقاً، إِنْ ثَبَتَ الْمَوْتُ) وإذا كَانَ الكلام هكذا مصدّراً بواو العطف وكاف التشبيه كَانَ أبين فِي الدلالة أنّه شروع فِي المثال الثالث، قال ابن الحاجب: وفِي العدل بالضرب أَو بالجرح أَو بمعاينة القتل دون ثبوت القتل قَوْلانِ. قال ابن عبد السلام: والأَصَحّ أنّه لابد من ثبوت الموت، وظاهر كلامه يشعر أنّه لَو شهد عدلان بالجرح (¬3) أَو بالضرب، ولَمْ تقم البينة عَلَى صحة موت المجروح أَو المضروب لاتفق عَلَى صحة القسامة، ولا فرق بين ذلك فِي ظاهر كلام الشيوخ؛ لأنّه إذا لَمْ تثبت وفاة المجروح فتمكين الأولياء من القسامة يومئذ مستلزم لقتل الجاني، وتزويج امرأة المقتول، وقسم ماله بشاهد أَو شاهدين عَلَى الجرح وذلك باطل؛ إذ يحتمل بقاء المجروح حياً. أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَقْتُولِ عَمْداً كَإِقْرَارِهِ مَعَ شَاهِدٍ مُطْلَقاً. قوله: (كَإِقْرَارِهِ مَعَ شَاهِدٍ مُطْلَقاً) أشار به لقوله في " المدونة ": ولو قال المقتول دمي عند فلان وشهد شاهد أنّه قتله لم يجتزأ بذلك [ولا بد من القسامة (¬4). فلا يؤخذ مما تقدم، ولكن من قوله بعد: (ووجبت] (¬5) إن تعدد اللوث) فاعلمه. ¬
أَوْ إِقْرَارِ الْقَاتِلِ فِي الْعَمْدِ (¬1) فَقَطْ بِشَاهِدٍ، وإِنِ اخْتَلَفَ شَاهِدَاهُ بَطَلَ، وكَالْعَدْلِ فَقَطْ فِي مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ، أَوْ رَآهُ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، والْمُتَّهَمُ قُرْبَهُ وعَلَيْهِ آثَارُهُ، ووَجَبَتْ، وإِنْ تَعَدَّدَ اللَّوْثُ، ولَيْسَ مِنْهُ وجُودُهُ بِقَرْيَةِ قَوْمٍ، أَوْ دَارِهِمْ، ولَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أنّه قَتَلَ ودَخَلَ فِي جَمَاعَةٍ اسْتُحْلِفَ كُلٌّ خَمْسِينَ، والدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى مَنْ نَكَلَ بِلا قَسَامَةٍ، وإِنِ انْفَصَلَتْ بُغَاةٌ عَنْ قَتْلَى، ولَمْ يُعْلَمِ الْقَاتِلُ، فَهَلْ لا قَسَامَةَ ولا قَوَدَ مُطْلَقاً؟ أَوْ إِنْ تَجَرَّدَ عَنْ تَدْمِيَةٍ وشَاهِدٍ؟ أَوْ عَنِ الشَّاهِدِ فَقَطْ؟ تَأْوِيلاتٌ. وإِنْ تَأَوَّلُوا فَهَدَرٌ كَزَاحِفَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ، وهِيَ خَمْسُونَ يَمِيناً مُتَوَالِيَةً بِتَّاً، وإِنْ أَعْمَى، أَوْ غَائِباً يَحْلِفُهَا فِي الْخَطَإِ مَنْ يَرِثُ، وإِنْ وَاحِداً، أَوِ امْرَأَةً، وجبرَتِ الْيَمِينُ عَلَى أَكْثَرِ كَسْرِهَا، وإِلا فَعَلَى الْجَمِيعِ، ولا يَأْخُذُ أَحَدٌ إِلا بَعْدَهَا، ثُمَّ حَلَفَ مَنْ حَضَرَ حِصَّتَهُ. قوله: (أَوْ إِقْرَارِ الْقَاتِلِ (¬2) فِي الْعَمْدِ فَقَطْ بِشَاهِدٍ) كذا فِي بعض النسخ فِي العمد وهُوَ الصواب، وأما النسخ التي فيها فِي الخطأ، فخطأ صراح (¬3) وهذا التفصيل الذي اقتصر عَلَيْهِ هنا [هو] (¬4) الأَظْهَر عند ابن رشد فقد (¬5) بين المسألة فِي رسم المكاتب من سماع يحيي، ثُمَّ حصّل فيها ثلاثة أَقْوَال: أحدها: إيجاب القسامة مَعَ الشاهد الواحد عَلَى إقرار القاتل بالقتل عمداً أَو خطأ. والثاني: أنّه لا قسامة فِي ذلك لا فِي العمد ولا فِي الخطأ. والثالث: الفرق بين العمد والخطأ. وإِلَى هذا ذهب سحنون وعَلَيْهِ أصلح ما فِي " المدونة " وهُوَ الأَظْهَر إذ قد قيل: إِن إقرار القاتل بالقتل خطأً ليس بلوث يوجب القسامة ¬
فكيف [إذا] (¬1) لَمْ يثبت قوله، وإنما شهد بِهِ شاهد واحد. انتهى (¬2). وما عزا الشارح للذخيرة عَن ابن زرب وهم؛ إنما فيها عنه نظائر أربع توجب القسامة منها: اعتراف القاتل غير المتهم [بالقتل] (¬3) بالخطأ، يريد إِذَا ثبت الاعتراف بعد لين كقوله فِي ديات " المدونة ": ومن أقر بقتل خطأ فإن اتهم أنّه أراد إغناء ولد المقتول كالأخ والصديق لَمْ يصدق (¬4). وبِهِ يظهر لك أن ما فِي " الشامل " ليس بصحيح. وَإِنْ نَكَلُوا، أَوْ بَعْضٌ حَلَفَتِ الْعَاقِلَةُ فَمَنْ نَكَلَ فَحِصَّتُهُ عَلَى الأَظْهَرِ، ولا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةً، وإِلا فَمَوَالٍ، ولِلْوَلِيِّ الاسْتِعَانَةُ بِعَاصِبِهِ، ولِلْوَلِيِّ فَقَطْ حَلِفُ الأَكْثَرِ، إِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى نِصْفِهَا، ووُزِّعَتْ، واجْتُزِئَ بِاثْنَيْنِ طَاعَا مِنْ أَكْثَرَ، ونُكُولُ الْمُعِينِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، بِخِلافِ غَيْرِهِ، ولَوْ بَعَدُوا فَتُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، فَيَحْلِفُ كُلٌّ خَمْسِينَ، ومَنْ نَكَلَ حُبِسَ، حَتَّى يَحْلِفَ. قوله: (وَإِنْ نَكَلُوا، أَوْ بَعْضٌ حَلَفَتِ الْعَاقِلَةُ فَمَنْ نَكَلَ فَحِصَّتُهُ عَلَى الأَظْهَرِ) فى " المقدمات " و " البيان " إِن نكلوا عَن الأيمان أَو بعضهم ففيه خمسة أَقْوَال: أحدها: رد الأيمان عَلَى العاقلة يحلفون كلهم، ولَو كانوا عشرة آلاف، والقاتل كأحدهم فمن حلف فلا غرم عَلَيْهِ، ومن نكل غرم ما يجب عَلَيْهِ وهُواحد قولي ابن القاسم وهُوَ أصحها، وعَلَيْهِ اقتصر هنا (¬5). ¬
ولا اسْتِعَانَةَ، وإِنْ أَكْذَبَ بَعْضٌ نَفْسَهُ بَطَلَ، بِخِلافِ عَفْوِهِ، فَلِلْبَاقِي نَصِيبُهُ مِنَ الدِّيَةِ، ولا يُنْتَظَرُ صَغِيرٌ، بِخِلافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، والْمُبَرْسَمِ إِلا أَنْ لا يُوجَدَ غَيْرُهُ فَيَحْلِفَ الْكَبِيرُ حِصَّتَهُ. قوله: (وَلا اسْتِعَانَةَ) إنما عزاه فِي " المقدمات " لمطرف (¬1)، فقال ابن عرفة ذكره ابن حارث رواية لمطرف وأبو محمد قولا له ورواية؛ وإنما اقتصر عَلَيْهِ المصنف هنا؛ لأن ابن عبد السلام عزاه للمدونة واستظهره، وإِلا فقول ابن القاسم فِي المجموعة: أن الأيمان ترد عليهم ويحلف معهم المتهم هُوَ الذي حمل أبو الحسن الصغير " المدونة " عَلَيْهِ، وهُوَ ظاهر " الرسالة " وعَلَيْهِ درج ابن الحاجب وهذا كله فِي " التوضيح ". وَالصَّغِيرُ مَعَهُ، ووَجَبَ بِهَا الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ، والْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ مِنْ وَاحِدٍ تَعَيَّنَ لَهَا، ومَنْ أَقَامَ شَاهِداً عَلَى جُرْحٍ، أَوْ قَتْلِ كَافِرٍ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ جَنِينٍ حَلَفَ وَاحِدَةً، وأَخَذَ الدِّيَةَ، وإِنْ نَكَلَ بَرِئَ الْجَارِحُ، إِنْ حَلَفَ، وإِلا حُبِسَ، فَلَوْ قَالَتْ دَمِي وجَنِينِي عِنْدَ فُلانٍ، فَفِيهَا الْقَسَامَةُ، ولا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ، ولَوِ اسْتَهَلَّ. قوله: (وَالصَّغِيرُ مَعَهُ) ما وجدته إِلا لابن الحاجب (¬2)، وقبله ابن عبد السلام، وعلله المصنف بأنّه أرهب، وأضرب عنه ابن راشد القفصي وابن عرفة. والله تعالى أعلم. ¬
باب الباغية
[باب الباغية] الْبَاغِيَةُ: فِرْقَةٌ خَالَفَتِ الإِمَامَ لِمَنْعِ حَقٍّ، أَوْ لِخَلْعِهِ. قوله: (أَوْ لِخَلْعِهِ) ابن يونس لَو قام عَلَى إمام من أراد إزالة ما بيده: فروى عيسى عَن ابن القاسم عَن مالك: إِن كَانَ مثل عمر بن عبد العزيز وجب عَلَى الناس الذبّ عنه والقيام معه، وأما غيره فلا، دعه وما يراد منه [135 / ب] ينتقم الله من الظالم بظالم ثُمَّ ينتقم من كليهما. فَلِلْعَدْلِ [79 / ب] قِتَالُهُمْ، وإِنْ تَأَوَّلُوا كَالْكُفَّارِ، ولا يُسْتَرَقُّونَ، ولا تُحْرَقُ شَجَرُهُمْ، ولا تُرْفَعُ رُؤُوسُهُمْ بِأَرْمَاحٍ، ولا يَدْعُوهُمْ بِمَالٍ. قوله: (وَلا يُسْتَرَقُّونَ، ولا تُحْرَقْ شَجَرُهُمْ، ولا تُرْفَعُ رُؤُوسُهُمْ بِأَرْمَاحٍ، ولا يَدَعُوهُمْ بِمَالٍ) معنى (يَدَعُوهُمْ): يتركوهم، وهُوَ بفتح الدال، واتفقت النسخ عَلَى إسقاط نون العلامة منه، وذلك يدل عَلَى إسقاطها من يسترقوا، كما فِي كثير من النسخ، وعلى تسكين آخر (تحرق) وترفع؛ بناءً عَلَى أن الكلام طلب لا خبر، وذلك سائغ؛ إِلا أن الغالب فِي عبارات الفقهاء الإخبار، وفِي عبارة الشارع (¬1) الطلب، وقد يشبه أن يكون لفظ المصنف ولا يوادعهم أي: ولا يتاركهم الإمام عَلَى مال (¬2) من الموادعة وهِيَ المتاركة، فالتبس اللفظ عَلَى ناقله من المبيضة، وحينئذ تبقى الأفعال مرفوعة، فأما نفي الاسترقاق والإحراق ففي " الذخيرة " عَن نظائر ابن بشير: " لا تسبى ذراريهم ولا تحرق مساكنهم ولا تقطع شجرهم (¬3). إِلا أن لفظ المصنف فِي الاسترقاق أعمّ. وأما المثلة بالرؤوس فأحرى فِي المنع مما فِي الجهاد، وقد ذكره فِي " الذخيرة " هنا، وأما منع الموادعة عَلَى مال فمذكور فِي " الذخيرة " عَن نظائر ابن بشير (¬4)، وفِي بعض نسخ ابن الحاجب. ¬
وَاسْتُعِينَ بِسِلاحِهِم (¬1) عَلَيْهِمْ إِنِ احْتِيجَ لَهُ، ثُمَّ رُدَّ كَغَيْرِهِ، وإِنْ أُمِّنُوا لَمْ يُتَّبَعْ مُنْهَزِمُهُمْ. قوله: (وَاسْتُعِينَ بِسِلَاحِهِم عَلَيْهِمْ إِنِ احْتِيجَ لَهُ، ثُمَّ رُدَّ كَغَيْرِهِ) أي: كغير السلاح من سائر أموالهم وهذا نصّ ما فِي " النوادر " عَن ابن حبيب عَن ابن الماجشون ولَمْ يذكروا غيره فهو المذهب، ويقع فِي نسخ هذا المختصر: (وَاستعين بمالهم). وهُوَ عندي تصحيف. والله سبحانه أعلم. وَلَمْ يُذَفَّفْ عَلَى جَرِيحٍ. قوله: (وَلَمْ يُذَفَّفْ عَلَى جَرِيحٍ) قال فِي " الذخيرة ": وهو بالذال المنقوطة (¬2). " انتهى. وكلام الجوهري يدل عَلَى الوجهين (¬3). وَكُرِهَ لِلرَّجُلِ قَتْلُ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ، ووَرِثَهُ، ولَمْ يَضْمَنْ مُتَأَوَّلٌ أَتْلَفَ نَفْساً أَوْ مَالاً، ومَضَى حُكْمُ قَاضِيهِ، وحَدٌّ أَقَامَهُ. قوله: (وَوَرِثَهُ) كذا فِي " الذخيرة " (¬4). وَرُدَّ ذِمِّيٌّ مَعَهُ لِذِمَّتِهِ، وضَمِنَ الْمُعَانِدُ النَّفْسَ والْمَالَ، والذِّمِّيُّ مَعَهُ نَاقِصٌ، والْمَرْأَةُ الْمُقَاتِلَةُ كَالرَّجُلِ. قوله: (وَرُدَّ ذِمِّيٌّ مَعَهُ لِذِمَّتِهِ) فِي " النوادر " إِن قاتل مَعَ المتأولين أهل الذمة وضع عنهم ما وضع عَن المتأولين وردوا إلي ذمتهم، وإِن قاتلوا مَعَ أهل العصبية المخالفين للإمام العدل فهو نقض لعهدهم يوجب استحلالهم، وإِن كَانَ السلطان غير عدل وخافوا جوره، واستعانوا بأهل العصبية لَمْ يكن ذلك منهم نقضاً (¬5). ¬
ابن عرفة: هذا إِن خرجوا مَعَ أهل العصبية طوعاً، وإِن أكرهوهم لَمْ يكن نفس خروجهم نقضاً؛ لصحة تعلق الإكراه بِهِ، فإن قاتلوا معهم كَانَ قتالهم نقضاً لعهدهم لامتناع تعلّق الإكراه بقتال من لا يحل قتاله. ونزلت هذه المسألة بتونس أيام حوصر أبو الحسن المريني، وقامت بغاة عَلَيْهِ بتونس، وحاصروا قصبتها، واستعانوا بأجناد النصارى، ثُمَّ قدر عليهم وردّهم إِلَى ذمتهم. وبالله تعالى التوفيق.
باب الردة
[باب الردة] الرِّدَّةُ: كُفْرُ الْمُسْلِمِ بِصَرِيحٍ، أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذِرٍ، وشَدِّ زُنَّارٍ. قوله: (الرِّدَّةُ كُفْرُ الْمُسْلِمِ) ابن عرفة الردة كفر بعد إسلام تقرر بالنطق بالشهادتين مَعَ التزام أحكامهما. وَسِحْرٍ، وقَوْلٍ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ، أَوْ شَكٍّ فِي ذَلِكَ أَوْ بِتَنَاسُخِ الأَرْوَاحِ أَوْ بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ جِنْسٍ نَذِيرٌ أَوِ ادَّعَى شِرْكاً مَعَ نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ. أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ أَوِ ادَّعَى أنّه يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ. أَوِ اسْتَحَلَّ كَالشُّرْبِ. قوله: (وَسِحْرٍ) حدّ ابن العربي السحر بأنّه كلام مؤلفٌ يُعظم بِهِ غير الله عز وجل، وتنسب (¬1) إليه المقادير والكائنات. عَلَى هذا اقتصر فِي " التوضيح "، وعليك بالفرق الثاني والأربعين والمائتين بين قاعدة ما هُوَ سحر يكفر بِهِ، وقاعدة ما ليس كذلك، فقد أتى فيه بالعجب العجاب، وشهد أبو القاسم بن الشاط لمعظمه بالصواب، واختصر من ذلك فِي " الذخيرة " مباحث نفيسة خطيرة. لا بِأَمَاتَهُ اللهُ كَافِراً عَلَى الأَصَحِّ، وفُصِّلَتِ الشَّهَادَةُ فِيهِ. واسْتُتِيبَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ بِلا جُوعٍ وعَطَشٍ ومُعَاقَبَةٍ وإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنْ تَابَ وإِلا قُتِلَ. واسْتُبْرِئَتْ بِحَيْضَةٍ. ومَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وإِلا فَفَيْءٌ وبَقِيَ وَلَدُهُ مُسْلِماً كَأَنْ تُرِكَ وأُخِذَ مِنْهُ مَا جَنَى عَمْداً عَلَى عَبْدٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لا حُرٍّ مُسْلِمٍ. قوله: (لا بِأَمَاتَهُ اللهُ كَافِراً عَلَى الأَصَحِّ) كذا ذكر ابن راشد القفصي عَن فتيا شيخه القرافي، وزاد عنه فِي الخطيب يأتيه كافر يريد أن ينطق بكلمة الإسلام فيقول له: اصبر حتى أفرغ من خطبتي، فإنّه يحكم بكفر الخطيب؛ لأن ذلك يقتضي أنّه أراد بقاء الكفر زماناً ما، قال: سمعته من شيخنا القرافي ولَمْ أر موضعه. انتهى، ولم أر مسألة الخطيب لغيره، وعنه نقلها فِي " التوضيح ". ¬
وأما الدعاء بأماته الله ونحوه، فقد أطال فيه القرافي النفس فِي الفروق الثلاثة الآخيرة من قواعده فِي أحكام الأدعية، وسلم ابن الشاط بعض مباحثه دون بعض، والوقوف عَلَى ذلك كله متأكد. كَأَنْ هَرَبَ لِدَارِ الْحَرْبِ. قوله: (كَأَنْ هَرَبَ لِدَارِ الْحَرْبِ) هذا كقول ابن شاس: ولَو قتل [136 / أ] حراً عمداً فِي ردته، وهرب إِلَى بلد الحرب لَمْ يكن لولاة المقتول فِي ماله شيء، ولا ينفق عَلَى ولده وعياله منه، بل يوقف فإن مات فهو فيء، وإِن تاب ثُمَّ مات كَانَ لورثته (¬1). إِلا حَدَّ الْفِرْيَةِ. والْخَطَأُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَأَخْذِهِ جِنَايَةً عَلَيْهِ. وإِنْ تَابَ فَمَالُهُ لَهُ. وقُدِّرَ كَالْمُسْلِمِ فِيهِمَا وقُتِلَ الْمُسْتَسِرُّ بِلا اسْتِتَابَةٍ إِلا أَنْ يَجِيءَ تَائِباً. ومَالُهُ لِوَرَثَتِهِ وقُبِلَ عُذْرُ مَنْ أَسْلَمَ. وقَالَ أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ إِنْ ظَهَرَ كَأَنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى، وأَعَادَ مَأْمُومُهُ، وأُدِّبَ مَنْ تَشَهَّدَ، ولَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ كَسَاحِرٍ ذِمِّيٍّ، إِنْ لَمْ يُدْخِلْ ضَرَراً عَلَى مُسْلِمٍ. قوله: (إِلا حَدَّ الْفِرْيَةِ) مخرّج من قوله: (لا حر مسلم) أي: ولا يؤخذ منه ما جنى عمداً عَلَى حرٍ مسلم إِلا حدّ الفرية. وَأَسْقَطَتْ صَلاةً، وصِيَاماً وزَكَاةً، وحَجَّاً تَقَدَّمَ. ونَذْراً، ويَمِيناً بِاللهِ، أَوْ بِعِتْقٍ، أَوْ بِظِهَارٍ، وإِحْصَاناً، ووَصِيَّةً، لا طَلاقاً، ورِدَّةُ مُحَلِّلٍ، بِخِلافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ وأُقِرَّ كَافِرٌ انْتَقَلَ لِكُفْرٍ آخَرَ وحُكِمَ بِإِسْلامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ بِإِسْلامِ أَبِيهِ فَقَطْ. قوله: (وَرِدَّةُ مُحَلِّلٍ) بالرفع عطفاً عَلَى الضمير فِي أسقطت. كَأَنْ مَيَّزَ، إِلا الْمُرَاهِقَ، والْمَتْرُوكَ لَهَا، فَلا يُجْبَرُ بِقَتْلٍ، إِنِ امْتَنَعَ، ويُوْقَفُ إِرْثُهُ، وبِإِسْلامِ سَابِيهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ والْمُتَنَصِّرُ مِنْ كَأَسِيرٍ عَلَى الطَّوْعِ، إِنْ لَمْ يَثْبُتْ إِكْرَاهُهُ، وإِنْ سَبَّ نَبِيَّاً أَوْ مَلَكاً، أَوْ عَرَّضَ، أَوْ لَعَنَهُ، أَوْ عَابَهُ، أَوْ قَذَفَهُ، أَوِ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ، أَوْ غَيَّرَ صِفَتَهُ. قوله: (كَأَنْ مَيَّزَ، إِلا الْمُرَاهِقَ، والْمَتْرُوكَ لَهَا) أي للمراهقة. ¬
أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصاً، وإِنْ فِي بَدَنِهِ، أَوْ خَصْلَتِهِ، أَوْ غَضَّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ، أَوْ وُفُورِ عِلْمِهِ، أَوْ زُهْدِهِ أَوْ أَضَافَ إِلَيْهِ مَا لا يَجُوزُ عَلَيْهِ، أَوْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا لا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ أَوْ قِيلَ لَهُ بِحَقِّ رَسُولِ اللهِ فَلَعَنَ [80 / أ]، وقَالَ أَرَدْتُ الْعَقْرَبَ قُتِلَ ولَمْ يُسْتَتَبْ حَدَّاً إِلا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ وإِنْ ظَهَرَ أنّه لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ. لِجَهْلٍ، أَوْ سُكْرٍ، أَوْ تَهَوُّرٍ. قوله: (أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصاً، وإِنْ فِي بَدَنِهِ، أَوْ خَصْلَتِهِ). كذا فِي أكثر النسخ، وفِي بعضها: (وإِن فِي دينه)، والذي فِي " الشفاء ": أَو ألحق بِهِ نقصاً فِي نفسه أَو نسبه أَو دينه أَو خصلة من خصاله (¬1). فتأمل ما يليق بِهِ الإغياء فِي كلام المصنف. وَفِيمَنْ قَالَ: لا صَلَّى اللهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ، جَوَاباً لِـ: صَلِّ، أَوْ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ، جَوَاباً لِـ: تَتَّهِمُنِي، أَوْ جَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمُ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - قَوْلانِ واسْتُتِيبَ فِي هُزِمَ، أَوْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ. قوله: (وَفِيمَنْ قَالَ: لا صَلَّى اللهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ، جَوَاباً لِـ: صَلِّ) كذا هو فِي النسخ الجيدة، وهُوَ الصواب الموافق لما فِي " الشفاء " (¬2)، وإِن سبب الخلاف: هل شتم الملائكة الذين يصلون عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - أَو شتم الناس لقرينة الغضب، ولَو قال: لا صلى الله عليه لَمْ يختلف فِي قتله. والله تعالى أعلم. أَوْ تَنَبَّأَ، إِلا أَنْ يُسِرَّ عَلَى الأَظْهَرِ، وأُدِّبَ اجْتِهَاداً فِي أَدِّ واشْكُ، لِلنَّبِيِّ أَوْ لَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ لَسَبَبْتُهُ، أَوْ يَا ابْنَ أَلْفِ كَلْبٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ عُيِّرَ بِالْفَقْرِ، فَقَالَ تُعَيِّرُنِي بِهِ والنَّبِيُّ قَدْ رَعَى الْغَنَمَ، أَوْ قَالَ لِغَضْبَانَ كَأنّه وَجْهُ مُنْكَرٍ، أَوْ مَالِكٍ، أَوِ اسْتَشْهَدَ بِبَعْضِ جَائِزٍ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حُجَّةً لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ شَبَّهَ لِنَقْصٍ لَحِقَهُ، لا عَلَى التَّأَسِّي كَإِنْ كُذِّبْتُ فَقَدْ كُذِّبُوا، أَوْ لَعَنَ الْعَرَبَ أَوْ بَنِي هَاشِمٍ، وقَالَ أَرَدْتُ الظَّالِمِينَ، وشُدِّدَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ قَرْنَانُ، وإِنْ نَبِيَّاً. قوله: (أَوْ تَنَبَّأَ، إِلا أَنْ يُسِرَّ عَلَى الأَظْهَرِ) أشار بِهِ لما فِي رسم يدير من سماع عيسى من ¬
ابن القاسم من كتاب المرتدين: يستتاب من تنبأ. قلت له أسرّ ذلك أَو أعلنه؟ فقال: وكيف يسرّ (¬1) ذلك؟ قلت يدعو إليه فِي السرّ. قال: إِذَا دعى إليه فقد أعلنه. ابن رشد: فيها نظر، والصوابّ أن يفرق فيها بين السرّ والإعلان، وأن يكون حكمه إِذَا دعا إِلَى ذلك فِي السرّ وجحد فِي العلانية حكم الزنديق، وهُوَ قول أشهب فيمن تنبأ من أهل الذمة وزعم أنّه رسولٌ إلينا، وأن بعد نبينا نبيّا أنّه إِن كَانَ معلناً بذلك استتيب إِلَى الإسلام، فإن تاب وإِلا قتل، سأل ابن عبد الحكم عَن ذلك أشهب لسحنون إذ كتب إليه أن يسأله له عَن ذلك (¬2). وَفِي قَبِيحٍ لأَحَدِ ذُرِّيَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي [آبَائِهِ] (¬3)، مَعَ الْعِلْمِ بِهِ. قوله: (وَفِي قَبِيحٍ لأَحَدِ ذُرِّيَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي آبَائِهِ، مَعَ الْعِلْمِ بِهِ) أشار بِهِ لقول عياض فِي " الشفاء ": وقد يضيق القول فِي نحو هذا لَو قال لرجلٍ هاشمي: لعن الله بني هاشم، وقال (¬4) أردت الظالمين منهم، أَو قال لرجلٍ من ذرية النبي - صلى الله عليه وسلم -[قولاً قبيحاً فِي آبائه أَو من نسله أَو ولده، عَلَى علم منه أنّه من ذرية النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬5)، ولم تكن قرينة فِي المسألتين تقتضي تخصيص بعض آبائه وإخراج النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن سبّه (¬6) منهم. وقد رأيت لأبي موسى بن مناس فيمن قال لرجلٍ: لعنك الله إِلَى آدم. أنّه إِن ثبت ذلك عَلَيْهِ قتل (¬7). انتهى، فالضمير فِي ذريته للرسول صلى الله عَلَيْهِ وسلم، والضمير فِي آبائه للفظ أحد. ولَو قال (¬8): وفِي قبيحٍ لآباء (¬9) أحد ذريته، لكان أبين. ¬
تنبيهات: الأول: سقط من بعض النسخ فِي آبائه، فنقله كذلك فِي " الشامل " وهو إحالة للمسألة عَن وجهها. الثاني: ليس فِي كلام عياض تصريح بتشديد الأدب عَلَى هذا القائل دون قتل كما نقل المصنف، بل لما ذكر عياض الأدب فِي لعن العرب وبني إسرائيل وبني آدم وفِي:: يابن ألف كذا. قال: ولَو علم أنّه قصد (¬1) سبّ من فِي آبائه من الأنبياء عَلَى علم لقتل (¬2)، ثُمَّ قال: وقد يضيق القول فِي مثل هذا إِلَى آخره. أي قد يضيق قول المتكلم بهذا السخف حتى لا يقبل التأويل، وليس يعني أنّه يضيق عَلَيْهِ فِي الأدب. الثالث: من هنا يظهر لك أن تسوية المصنف قبل هذا بين لعن العرب ولعن بني هاشم فيها نظر، ولا [يخفاك أن] (¬3) لفظ (يضيق) فِي عبارة عياض ثلاثي مبني للفاعل (¬4). كَأَنِ انْتَسَبَ لَهُ. قوله: (كَأَنِ انْتَسَبَ لَهُ) أشار بِهِ لقول عياض فِي آخر الفصل الأخير من " الشفاء ": روى أبو مصعب عَن مالك: من انتسب إِلَى آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -: يضرب ضرباً وجيعاً ويشهّر ويُحبس طويلاً حتى تظهر توبته؛ لأنّه استخفاف بحقّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬5). أَوِ احْتَمَلَ قَوْلُهُ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ، أَوْ لَفِيفٌ أَو [عَاقَ عَائِقٌ] (¬6) عَنِ الْقَتْلِ، أَوْ سَبَّ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى نُبُوَّتِهِ. ¬
قوله: (أَوِ احْتَمَلَ قَوْلُهُ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلٌ، أَوْ لَفِيفٌ عَاقَ عَائِقٌ عَنِ الْقَتْلِ) هذه أربع مسائل وهِيَ كلها فِي " الشفاء " ونصّها فيه، فأما من (¬1) لَمْ تتم الشهادة عَلَيْهِ إنما شهد عَلَيْهِ الواحد أَو اللفيف من الناس، أَو ثبت قوله لكن احتمل ولَمْ يكن [صريحاً فهذا] (¬2) يدرأ عنه القتل، ويتسلط عَلَيْهِ اجتهاد الإمام بقدر شهرة حاله وقوة الشهادة عليه وضعفها، وكثرة السماع منه وصورة حاله من التهمة فِي الدين والنبز بالسفه والمجون، فمن قوي أمره أذاقه من شديد النكال من التضييق (¬3) بالسجن والشدّ فِي القيود إِلَى الغاية [136 / ب] التي هِيَ منتهى طاقته مما لا يمنع القيام لضرورته ولا يقعده عَن صلاته، وهُوَ حكم كلّ من وجب عَلَيْهِ القتل لكن وقف عَن قتله لمعنى (¬4) أوجبه وتربص بِهِ لإشكال وعائق اقتضاه أمره وحالات الشدة فِي نكاله تختلف بحسب اختلاف حاله (¬5) انتهى. وفِي كثير من نسخ هذا المختصر: (فعاق عَن القتل)، بعطف عاق بالفاء وإضمار فاعله أي فعاق الاحتمال أَو كون الشاهد واحداً أَو لفيفاً؛ فهي عَلَى هذا ثلاث مسائل فَقَطْ. أَوْ صَحَابِيَّاً، وسَبُّ اللهِ كَذَلِكَ، وفِي اسْتِتَابَةِ الْمُسْلِمِ خِلافٌ كَمَنْ قَالَ لَقِيتُ فِي مَرَضِي. مَا لَو قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ. لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ. قوله: (أَوْ صَحَابِيَّاً) أشبع فيه الكلام [في] (¬6) آخر فصل من الشفاء، وختم بأن قال: قال أبو عمران فِي رجلٍ قال: لَو شهد علي أبو بكر الصديق أنّه كان (¬7) فِي مثل ما لا يجوز فيه الشاهد الواحد فلا شيء عَلَيْهِ، وإِن أراد غير هذا ضرب ضرباً يبلغ بِهِ حدّ الموت وذكروها روايةً (¬8). وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الزنا
[باب الزنا] الزِّنَا وَطْءُ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ، فَرْجَ آدَمِيٍّ، لا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، بِاتِّفَاقٍ، تَعَمُّداً، وإِنْ لِوَاطاً، أَوْ إِتْيَانَ أَجْنَبِيَّةٍ بِدُبُرٍ. قوله: (وَإِنْ لِوَاطاً) هُوَ كقول ابن الحاجب، فيتناول اللواط (¬1). قال ابن عبد السلام: أما تناول التعريف (¬2) له فظاهر؛ ولكن العلماء اختلفوا فِي هذا الفعل الخاصّ، هل يوجب الحدّ أم لا؟ والمذهب: أنّه يقتل من غير تفصيل، وعَلَى هذا فالمطلوب إخراجه كَانَ من هذا التعريف (لا إدخاله) (¬3) تحت الزنا، الذي حده إما الجلد وإما الرجم. أَوْ مَيِّتَةٍ غَيْرِ زَوْجٍ، أَوْ صَغِيرَةٍ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ لِلْوَطْءِ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مَمْلُوكَةٍ تَعْتِقُ. قوله: (أَوْ مَيِّتَةٍ غَيْرِ زَوْجٍ) أي: غير زوجة وهُوَ مخفوض نعتاً لزوجة، يريد: ولا أمة. أَوْ يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهَا، أَوْ مُحَرَّمَةٍ بِصِهْرٍ مُؤَبَّدٍ أَوْ خَامِسَةٍ، أَوْ مَرْهُونَةٍ، أَوْ ذَاتِ مَغْنَمٍ، أَوْ حَرْبِيَّةٍ، أَوْ مَبْتُوتَةٍ وإِنْ بِعِدَّةٍ، وهَلْ إِنْ أَبَتَّ فِي مَرَّةٍ؟ تَأْوِيلانِ. أَوْ مُطَلَّقَةٍ قَبْلَ الْبِنَاءِ. قوله: (أَوْ يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهَا) أشار بِهِ لقوله فِي " المدونة ": ومن اشترى حرة وهو يعلم بها فأقرّ أنّه وطأها حدّ (¬4). أَوْ مُعْتَقَةٍ بِلا عَقْدٍ كَأَنْ يَطَأَهَا مَمْلُوكُهَا أَوْ مَجْنُونٌ، بِخِلافِ الصَّبِيِّ، إِلا أَنْ يَجْهَلَ الْعَيْنَ أَوِ الْحُكْمَ، إِنْ جَهِلَ مِثْلُهُ، إِلا الْوَاضِحَ، لا مُسَاحَقَةٌ، وأُدِّبَ اجْتِهَاداً، كَبَهِيمَةٍ وهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الذَّبْحِ والأَكْلِ. قوله: (بِلا عَقْدٍ) لا شكّ فِي رجوعه للطلاق والعتق، وهُوَ كقول ابن الحاجب: ثُمَّ ¬
وطأها بغير تزويج. (¬1) إِلا أنّه قاله فِي المطلقة دون المعتقة ولا فرق (¬2). ومَنْ حَرُمَ لِعَارِضٍ. كَحَائِضٍ، أَوْ مُشْتَرِكَةٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ لا تَعْتِقُ أَوْ بِنْتٍ عَلَى أُمٍّ، لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، أَوْ عَلَى أُخْتِهَا، وهَلْ إِلا أُخْتَ النَّسَبِ لِتَحْرِيمِهَا بِالْكِتَابِ؟ تَأْوِيلانِ. وكَأَمَةٍ مُحَلَّلَةٍ، وقُوِّمَتْ وإِنْ أَبَيَا. قوله: (أَوْ مُعْتَدَّةٍ (¬3)) يعني مملوكته المعتدة يريد أَو المتزوجة [كما] (¬4) قال ابن الحاجب: أَو عدة أَو تزويج (¬5). أَوْ مُكْرَهَةٍ. قوله: (أَوْ مُكْرَهَةٍ) إنما تشبه ما قبلها فِي درء الحد ولا تؤدب [وكذا] (¬6) المبيعة فِي الغلاء. أَوْ مَبِيعَةٍ بِغَلاءٍ عَلَى الأَظْهَرِ. قوله: (أَوْ مَبِيعَةٍ بِغَلاءٍ عَلَى الأَظْهَرِ) كذا فِي بعض النسخ، والذي فِي رسم جاع (¬7) من سماع عيسى من كتاب القذف: سألت ابن القاسم عَن من جاع (¬8) فباع امرأته من رجلٍ، وأقرّت له بذلك فوطأها مشتريها؟ قال: وجدت فِي مسائل بعض أصحابنا عَن مالك - وهُوَ رأيي - أنهما يعذران وتكون طلقةً بائنة، ويرجع عَلَيْهِ المشتري بالثمن. قلت: فلو لَمْ يكن بها جوع؟ قال: [فحريٌ] (¬9) إذن أن تحدّ وينكل زوجها، ولكن درء الحدّ أحبّ إليّ؛ كقول مالك فيمن سرق لجوع لا يقطع. ابن رشد: لا شبهة أقوى من الجوع، وكونها طلقةٌ بائنة هو ظاهر قول مالك فِي سماع يحيي من كتاب العتق، وقيل هِيَ البتة، ووجه ¬
الشبهة أن (¬1) لَمْ يكن بها جوع أن المشتري يملكها بشراء (¬2) ملك الأمة، فيكون فِي وطئه إياها كالمكره لها، وإِن كانت طائعة، إذ لَو امتنعت لقدر عَلَى إكراهها (¬3). ابن عرفة: كون أصل فعلها فِي البيع الطوع ينفي كونها مكرهة، ثُمَّ قال ابن رشد: وعَلَى قول ابن الماجشون فيمن زوّج ابنته رجلاً فحبسها، وأرسل إليه أمته فوطأها، فإنها تحدّ إِلا أن تدعي أنها ظنّت أنها زوجت منه، تحد هذه إِن طاعت لزوجها ببيعها فوطأها المشتري، إِلا أن تدعي أنّه أكرهها عَلَى الوطء، وهو قول ابن وهب فِي سماع زونان من طلاق السنة. انتهى. ولَمْ ير مالك فِي أول رسمٍ من طلاق السنة عَلَى من زوّج امرأته طلاقاً إِلا أن ينويه. قال (¬4) ابن رشد هناك عَن محمد: وتزويجه إياها كبيعه لها سواء. كَإِنِ ادَّعَى شِرَاءَ أَمَةٍ. ونَكَلَ الْبَائِعُ، وحَلَفَ الْوَاطِئُ، والْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُكْرَهَ كَذَلِكَ، والأَكْثَرُ عَلَى خِلافِهِ، وثَبَتَ بِإِقْرَارٍ مَرَّةً، إِلا أَنْ يَرْجِعَ مُطْلَقاً، أَوْ يَهْرُبَ، وإِنْ فِي الْحَدِّ، وبِالْبَيِّنَةِ، فَلا يَسْقُطُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِبَكَارَتِهَا، وبِحَمْلٍ فِي غَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ، وذَاتِ سَيِّدٍ [80 / ب] مُقِرٍّ بِهِ، ولَمْ يُقْبَلْ دَعْوَاهَا الْغَصْبَ بِلا قَرِينَةٍ، يُرْجَمُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ. [قوله: (كَإِنِ ادَّعَى شِرَاءَ أَمَةٍ. ونَكَلَ الْبَائِعُ، وحَلَفَ الْوَاطِئُ) هذا مقتضى ما فِي أوّل قذف المدونة (¬5). إِنْ أَصَابَ بَعْدَهُنَّ بِنِكَاحٍ لازِمٍ. صَحَّ بِحِجَارَةٍ، مُعْتَدِلَةٍ، ولَمْ يَعْرِفْ بُدَاءَةَ الْبَيِّنَةِ، ثُمَّ الإِمَامُ كَلائِطٍ مُطْلَقاً، وإِنْ عَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ. وجُلِدَ الْحُرُّ الْبِكْرُ مِائَةً، وتَشَطَّرَ لِلرِّقِّ وإِنْ قَلَّ. قوله: (إِنْ أَصَابَ بَعْدَهُنَّ) مراده: إصابة التزويج التي يقع بها الإحصان لا إصابة الزنى ¬
التي توجب الحدّ، ويريد إصابةً صحيحةً كما قال فِي الإحلال: (حَتَّى يُولِجَ بَالِغٌ قَدْرَ الْحَشَفَةِ بِلا مَنْعٍ (¬1)). وَتَحَصَّنَ كُلٌّ دُونَ صَاحِبِهِ (¬2). وقوله: (وَتَحَصَّنَ كُلٌّ دُونَ صَاحِبِهِ) [137 / أ] زاد فِي بعض النسخ: بالعتق والوطء بعده وإسقاطه أولى؛ ليتناول (¬3) الكلام كلّ تحصين يمكن فِي أَحَدهمَا من الجهتين كالعتق أَو من أَحَدهمَا كالإسلام. وَغُرِّبَ الذَّكَرُ الْحُرُّ فَقَطْ عَاماً، وأَجْرُهُ عَلَيْهِ. وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ. فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَفَدَكٍ، وخَيْبَرَ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَيُسْجَنُ سَنَةً. قوله: (فَيُسْجَنُ سَنَةً) أي: من حين سجنه كما قال ابن الحاجب (¬4) فذكر العام قبله فِي التغريب (¬5) ضائع. تنبيه: ظاهر المذهب - والله تعالى أعلم - أن السجن فرع التغريب فلا سجن عَلَى عبدٍ ولا [على] (¬6) امرأة لما لَمْ يكن عَلَيْهِمَا تغريب، وقول اللخمي: إِن تعذر التغريب فِي المرأة؛ لعدم الولي أو الرفقة المأمونة لَمْ يسقط السجن خلاف أَو إلزام، وقد حكم فِي هذه الأيام بمدينة فاس - كلأها الله تعالى - بـ: سجن المرأة الزانية ببلدها بعد الجلد. فتأمله. وَإِنْ عَادَ، أُخْرِجَ ثَانِيَةً، وتُؤَخَّرُ الْمُتَزَوِّجَةُ لِحَيْضَةٍ، وبِالْجَلْدِ اعْتِدَالُ الْهَوَاءِ، وأَقَامَهُ الْحَاكِمُ والسَّيِّدُ إِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ بِغَيْرِ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وإِنْ أَنْكَرَتِ الْوَطْءَ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً، وخَالَفَهَا الرَّجُلُ. فَالْحَدُّ. ¬
قوله: ([وإِنْ عَادَ] (¬1)، أُخْرِجَ ثَانِيَةً) وهذه عبارة ابن شاس (¬2)، وله عزاها ابن عرفة ولم يزد، وأما ابن عبد السلام فطرق فِي معناها الاحتمال، واستظهر أنّه عاد بعد النفي إِلَى بلده هارباً قبل تمام السنة؛ ولذا اقتصر عَلَى الإخراج وفي قوله: (أُخْرِجَ) ولَمْ يقل أُعيد. زيادة فائدة؛ لأن لفظة (أعيد) أخصّ من لفظة (أُخْرِجَ)؛ لأنها تدل عَلَى الإعادة إِلَى المكان الذي سجن فيه أولا، وقد لا يرى الإمام خصوصية ذلك المكان لما يتبين له من عدم حصانته، فيرى أن يتمم عَلَيْهِ السنة فِي بلدٍ أحصن (¬3) من الأول وتبعه فِي " التوضيح ". وَعَنْهُ فِي الرَّجُلِ يَسْقُطُ مَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ، أَوْ يُولَدُ لَهُ وأُوِّلا عَلَى الْخِلافِ، أَوْ لِخِلافِ الزَّوْجِ فِي الأُولَى فَقَطْ أَوْ لأنّه يَسْكُتُ، أَوْ لأَنَّ الثَّانِيَةَ لَمْ تَبْلُغْ عِشْرِينَ تَأْوِيلاتٌ، وإِنْ قَالَتْ زَنَيْتُ مَعَهُ، فَادَّعَى الْوَطْءَ والزَّوْجِيَّةَ، أَوْ وُجِدَا فِي بَيْتٍ وأَقَرَّا بِهِ وادَّعَيَا النِّكَاحَ أَوِ ادَّعَاهُ فَصَدَّقَتْهُ أَوْ وَلِيُّهَا وقَالا لَمْ نُشْهِدْ حَدَّاً. قوله: (تَأْوِيلاتٌ) يغني عنه (أُوِّلا). ¬
باب القذف
[باب القذف] قَذْفُ الْمُكَلَّفِ حُرَّاً مُسْلِماً، بِنَفْيِ نَسَبٍ، عَنْ أَبٍ، أَوْ جَدٍّ، لا أُمٍّ، ولا إِنْ نُبِذَ. قوله: (وَلا إِنْ نُبِذَ) الذي فِي آخر سماع ابن القاسم: سئل مالك عَن منبوذ افتري عَلَيْهِ فقيل له: يا ابن الزانية؟ فقال: أرى أن يعذر بإذايته (¬1) إياه، ولا حدّ عَلَى من افترى عَلَيْهِ. قال ابن رشد: إنما لَمْ ير الحدّ عَلَى من قال لمنبوذ: يابن الزانية من أجل أن أمّه لا تعرف، ولا حدّ عَلَى من قذف مجهولاً لا يعرف، وكذلك لَو قال له: يابن الزاني. لَمْ يحدّ إذ لا يعرف أبوه، وكذلك قال ابن حبيب فِي " الواضحة ": أنّه لا حدّ عَلَى من قذف منبوذاً بأمه أَو بأبيه، وهو معنى قوله فِي هذه الرواية: ولا حدّ عَلَى من افترى عَلَيْهِ. وأما لَو قال له: يا ولد زنا؛ لوجب عَلَيْهِ الحد؛ لاحتمال أن يكون لرِشدة (¬2)، وإِن كَانَ قد نبذ، وأما اللقيط والمحمول (¬3) فيحدّ من قذفه بأبيه وأمه، قاله ابن حبيب فِي " الواضحة ". انتهى (¬4). وانظر الفرق بين المنبوذ واللقيط فِي آخر العتق الثاني من " التنبيهات ". وقال ابن عبد السلام: فِي قول ابن الحاجب: أَو النفي عَن الأبّ أَو الحدّ لغير المحمول (¬5): اللام فِي لغير المحمول متعلقة بالنفي، وهو بالحاء المهملة والميم بعدها، وكأنّه زيادة بيان؛ لأن المحمولين لا تعلم صحة أنسابهم إِلَى آبائهم المعينين بدليل أنهم لا يتوارثون بذلك، فإذا لَمْ تعلم آباؤهم، فمن نفى أحداً (¬6) منهم عَن بنوة فلان مثلاً لَمْ يتحقق أنّه قطعه عَن نسبه فلم يقذفه، فلا يحتاج إِلَى هذه الزيادة. انتهى. ¬
وانتحله ابن عرفة فقال: المحمول لا نسب له يعرف فلا يتصور نفيه انتهى (¬1)، ثُمَّ قال ابن عبد السلام: والذي قلناه هُوَ المذهب. عَلَى أنّه ينبغي أن يقال: يحدّ من نفى المحمول عَن الأب مُطْلَقاً كما (¬2) لَو قال لواحد منهم: ليس لك أب، بمعنى: أنّه ابن زنا؛ لأنا إنما منعناهم التوارث بالنسب لجهلنا بآبائهم، لا أنهم أبناء زناً، وقد علم أن [أبناء] (¬3) توأمي المتحملة (¬4) شقيقان عَلَى المشهور، ويحتمل أن يجاب عَن هذا بأن إذاية المحمولين بالنفي عَن أنسابهم دون إذاية غير المحمولين بذلك، فامتنعت مساواتهم فِي الحكم. انتهى. فتأمله مَعَ كلام ابن رشد. وعند ابن راشد القفصي (لغير المجهولين) بالجيم والهاء، وعابه ابن عبد السلام، وقال فِي " التوضيح ": احترز بِهِ من المجهول [كالمنبوذ] (¬5)، وأشار للسماع المذكور، فقف عَلَيْهِ وتأمله. أَوْ زِناً، إِنْ كُلِّفَ، وعَفَّ عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ بِآلَةٍ. قوله: (أَوْ زِناً، إِنْ كُلِّفَ، وعَفَّ عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ بِآلَةٍ) أي: متلبساً بآلةٍ فهو فِي موضع الحال من ضمير (كلف)، فيكون نصّاً على الاحتراز من جبه قبل التكليف. وَبَلَغَ كَإِنْ بَلَغْتِ الْوَطْءَ. قوله: (وَبَلَغَ) كرره مَعَ (كلف) (¬6) توطئة، ولَو أسقطه ما أضره. ¬
أَوْ مَحْمُولاً، وإِنْ مُلاعَنَةً وابْنَهَا، أَوْ عَرَّضَ غَيْرُ أَبٍ، إِنْ أَفْهَمَ يُوجِبُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وإِنْ كَرَّرَ لِوَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ إِلا بَعْدَهُ، ونِصْفَهُ عَلَى الْعَبْدِ. كَلَسْتُ بِزَانٍ، أَوْ زَنَتْ عَيْنُكَ أَوْ مُكْرَهَةً، أَوْ عَفِيفُ الْفَرْجِ، أَوْ لِعَرَبِيٍّ مَا أَنْتَ بِحُرٍّ، أَوْ يَا رُومِيُّ كَأَنْ نَسَبَهُ لِعَمِّهِ، بِخِلافِ جَدِّهِ. قوله: (أَوْ مَحْمُولاً) كذا فِي النسخ، وفسّر [137 / ب] بأنّه معطوف عَلَى قوله: (إِن نبذ) أي: أَو كَانَ محمولاً، ولا يخفاك ما فيه، والذي عندي أنّه تصحيف، وأن صوابه أَو مفعولاً، كأنه (¬1) قال: كَإنَ بلغت الصبية الوطء، أَو سمى القاذف الصبي مفعولاً، فهو كقوله فِي " التوضيح ": الظاهر أنّه أنما يشترط البلوغ فِي اللواط إِذَا كَانَ فاعلاً، وأما إِذَا كَانَ مفعولاً فلا، وهذا أولى من الصبية بذلك، وقاله الشيخ أبو محمد صالح وغيره. انتهى. وهُوَ مما تلقاه من تقاييد أئمتنا الفاسيين. أو كَأَنْ قَالَ، أَنَا نَغِلٌ، أَوْ وَلَدُ زِناً، أَوْ كَيَا قَحْبَةُ، أَوْ يَا قَرْنَانُ، أَوْ يَا ابْنَ مُنَزِّلَةِ الرُّكْبَانِ، أَوْ ذَاتِ الرَّايَةِ، أَوْ فَعَلْتُ بِهَا فِي عُكْنِهَا، لا إِنْ نَسَبَ جِنْساً لِغَيْرِهِ ولَوْ أَبْيَضَ لأَسْوَدَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْعَرَبِ، أَوْ قَالَ مَوْلىَ لِغَيْرِهِ أَنَا خَيْرٌ مِنْكَ، أَوْ مَا لَكَ أَصْلٌ ولا فَصْلٌ أَوْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ أَحَدُكُمْ زَانٍ، وحُدَّ فِي مَأْبُونٍ، إِنْ كَانَ لا يَتَأَنَّثُ، وفِي يَا ابْنَ النَّصْرَانِيِّ، أَوِ الأَزْرَقِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ كَذَلِكَ، وفِي مُخَنَّثٍ، إِنْ لَمْ يَحْلِفْ، وأُدِّبَ فِي يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ، أَوِ الْفَاجِرَةِ، أَوْ يَا حِمَارُ يَا ابْنَ الْحِمَارِ، أَوْ أَنَا عَفِيفٌ، أَوْ إِنَّكِ عَفِيفَةٌ، أَوْ يَا فَاسِقُ، أَوْ يَا فَاجِرُ، وإِنْ قَالَتْ بِكَ جَوَاباً لِزَنَيْتِ حُدَّتْ لِلزِّنَا والْقَذْفِ، ولَهُ، حَدُّ أَبِيهِ وفُسِّقَ، والْقِيَامُ بِهِ وإِنْ عَلِمَهُ مِنْ نَفْسِهِ كَوَارِثِهِ، وإِنْ قُذِفَ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَلَدٍ ووَلَدِهِ، وأَبٍ، وأَبِيهِ، ولِكُلٍّ الْقِيَامُ بِهِ. وإِنْ حَصَلَ مَنْ هُو الأَقْرَبُ والْعَفْوُ قَبْلَ الإِمَامِ، [81 / أ]، أَوْ بَعْدَهُ إِنْ أَرَادَ سِتْراً، وإِنْ قُذِفَ فِي الْحَدِّ ابْتُدِئَ لَهُمَا، إِلا أَنْ يَبْقَى يَسِيرٌ، فَيُكَمَّلُ الأَوَّلُ. قوله: (أو كَأَنْ قَالَ، أَنَا نَغِلٌ، أَوْ وَلَدُ زِناً) ذكر القاضي أبو عبد الله بن هارون المالكي البصري: أن من قال لرجلٍ: يا نغل. فأنّه يحدّ؛ لأنّه قذف، قال ولو قال الرجل لنفسه: أنا نغل فأنّه يحدّ؛ لأنّه قذف أمه، وكذلك لَو نسب نفسه إِلَى بطنٍ أَو نسب أَو عشيرة غير بطنه ¬
ونسبه وعشيرته فأنّه يحدّ؛ لأنّه قذف أمه، [هذا نصّ " الجواهر " (¬1) وعنها نقل ابن عرفة] (¬2)، وزاد: ينبغي ضبط الغين بالكسر عَلَى وزن حذر. انتهى. وفي " المحكم ": يقال: رجل نِغل ونغل أي: فاسد النسب. قال ابن عبد السلام فِي تعليل وجوب الحدّ: بأنّه قاذف لأمه طرد هذا أن من قال لرجلٍ: يا ولد زنا، ثُمَّ عفى المقول له عنه أن للأم القيام بحقّها فِي الحدّ. قال ابن عرفة هذا اللازم حقّ وهُوَ مقتضى قوله فِي " المدونة ": ومن قال لعبده وأبواه حرّان مسلمان لست لأبيك. ضرب سيّده الحد (¬3). ¬
باب السرقة
[باب السرقة] تُقْطَعُ الْيُمْنَى، وتُحْسَمُ بِالنَّارِ، إِلا لِشَلَلٍ، أَوْ نَقْصِ أَكْثَرِ الأَصَابِعِ، فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، ومُحِيَ لِيَدِهِ الْيُسْرَى. قوله: (وَمُحِيَ لِيَدِهِ الْيُسْرَى) أي: ومحي الانتقال إِلَى رجله اليسرى لأجل اختيار قطع اليد اليسرى، ولا يحتمل غير هذا. قال فِي " المدونة ": فإن سرق ولا يمين له، أَو له يمين شلاء (¬1) قطعت رجله اليسرى قاله مالك. قال ابن القاسم: ثُمَّ عرضتها عَلَيْهِ فقال: امحها. وقال: تقطع يده اليسرى (¬2)، يريد بمن (¬3) لا يمين له من فقدها بقصاص أَو سماوي لا سرقة تقدّمت، قال اللخمي: والانتقال لليد اليسرى أبين؛ لأن القرآن العظيم ورد بالأيدي؛ ولأنّه القياس؛ لأن اليد هِيَ الجانية، فكان عقوبتها قطعها. ولا تقطع الرجل إِلا فِي الموضع الذي وردت بِهِ السنة وهُوَ: أن تكون اليمنى قطعت فِي سرقة؛ ولأنّه لَو كَانَ أعسر لقطعت اليسرى مَعَ وجود اليمنى؛ لأنها التي سرقت. ثُمَّ يَدُهُ، ثُمَّ رِجْلُهُ، ثُمَّ عُزِّرَ وحُبِسَ، وإِنْ تَعَمَّدَ إِمَامٌ، أَوْ غَيْرُهُ يُسْرَاهُ أَوَّلاً، فَالْقَوْدُ، والْحَدُّ بَاقٍ، وخَطَأً أَجْزَأَ، فَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، بِسَرِقَةِ طِفْلٍ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ أَوْ رُبُعِ دِينَارٍ، أَوْ ثَلاثَةِ دَرَاهِمَ خَالِصَةٍ، أَوْ مَا يُسَاوِيهَا بِالْبَلَدِ شَرْعاً، وإِنْ كَمَاءٍ أَوْ جَارِحٍ لِتَعْلِيمِهِ. قوله: (ثُمَّ يَدُهُ، ثُمَّ رِجْلُهُ) أفرط (¬4) فِي الاختصار، فإنّه لَمْ يذكر قطع الرجل اليسرى من السالم الأعضاء إِذَا سرق فِي المرة الثانية؛ وكأنّه لما كَانَ قطع الرجل اليسرى من معتل (¬5) اليد اليمنى مقيساً عَلَيْهِ، قطع بذلك. ¬
أَوْ جِلْدِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ، أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ، إِنْ زَادَ دَبْغُهُ نِصَاباً، أَوْ ظُنَّا فُلُوساً، أَوِ الثَّوْبَ فَارِغاً، أَوْ شَرِكَةِ صَبِيٍّ، لا أَبٍ، ولا طَائِرٍ لإِجَابَتِهِ، ولا إِنْ تَكَمَّلَ بِمِرَارٍ فِي لَيْلَةٍ، أَوِ اشْتَرَكَا فِي حَمْلٍ، إِنِ اسْتَقَلَّ كُلٌّ، ولَمْ يَنُبْهُ نِصَابٌ مِلْكِ غَيْرٍ، ولَوْ كَذَّبَهُ رَبُّهُ، أَوْ أُخِذَ لَيْلاً وادَّعَى الإِرْسَالَ، وصُدِّقَ إِنْ أَشْبَهَ، لا مِلْكِهِ مِنْ مُرْتَهِنٍ ومُسْتَأْجِرٍ. قوله: (أَوْ جِلْدِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ) معطوف عَلَى (لِتَعْلِيمِهِ) (¬1)، ولا يصحّ المعنى إِلا بذلك، والضمير يعود عَلَى جارح وهو باب الاستخدام، وأما قوله أَو جلد ميتة فهو معطوف عَلَى جارح نفسه، فاعلمه. كَمِلْكِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، مُحْتَرَمٍ، لا خَمْرٍ، وطُنْبُورٍ، إِلا أَنْ يُسَاوِيَ بَعْدَ. كَسْرِهِ نِصَاباً، ولا كَلْبٍ مُطْلَقاً، أَوْ أُضْحِيَةٍ بَعْدَ ذَبْحِهَا، بِخِلافِ لَحْمِهَا مِنْ فَقِيرٍ، تَامِّ الْمِلْكِ، لا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وإِنْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ والْغَنِيمَةِ أَوْ مَالِ شَرِكَةٍ، إِنْ حُجِبَ عَنْهُ، وسَرَقَ فَوْقَ حَقِّهِ نِصَاباً لا جَدٍّ ولَوْ لأُمٍّ، ولا مِنْ جَاحِدٍ، أَوْ مُمَاطِلٍ لَحَقِّهِ، مخُرْجَ مِنْ حِرْزٍ، بِأَنْ لا يَعُدَّ الْوَاضِعُ فِيهِ مُضَيِّعاً، وإِنْ لَمْ يُخْرِجْ هُو. قوله: (كَمِلْكِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ) كذا لابن الحاجب (¬2)، قال ابن عرفة: لا أعرفه بنصّه إِلا لابن شاس (¬3)، وهُوَ نصّ الغزالي فِي " الوجيز "، ومقتضى مسائل المذهب تدلّ عَلَى صحته منها: عدم قطع الوالد فِي سرقته من مال ولده، ومنها قوله فِي " المدونة ": لا قطع فِي سرقة [السيّد] (¬4) من مال مكاتبه أَو مكاتب ابنه (¬5)، ومنها قوله فيها: وإن سرق متاعاً كَانَ أودعه رجلاً فجحده إياه: فإن أقام بينة أنّه استودعه هذا المتاع نفسه لَمْ يقطع (¬6). ¬
أَوِ ابْتَلَعَ دُرَّاً، أَوِ ادَّهَنَ بِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ نِصَابٌ، أَوْ أَشَارَ إِلَى شَاةٍ، بِالْعَلَفِ فَخَرَجَتْ. قوله: (أَوِ ابْتَلَعَ دُرَّاً) ابن يونس فِي " العتبية ": لَو ابتلع ديناراً فِي الحرز وخرج لقطع؛ لأنّه خرج بِهِ وهو شيء يخرج منه فيأخذه، وكذا قال ابن رشد فِي رسم أسلم (¬1) من سماع عيسى من كتاب السرقة فيمن ازدرد الدينار فِي الحرز فخرج بِهِ (¬2)، فالعجب من قول ابن عرفة: لا أعرفها بنصّها إِلا للغزالي فِي " الوجيز "، واحتياجه إِلَى تخريجها عَلَى ما فِي " المدونة " من دهن الرأس واللحية. أَوِ اللَّحْدَ أَوِ الْخِبَاءَ، أَوْ مَا فِيهِ، أَوْ فِي حَانُوتٍ، أَوْ فِنَائِهِمَا، أَوْ مَحْمَلٍ، أَوْ ظَهْرِ دَابَّةٍ وإِنْ غِيبَ عَنْهُنَّ، أَوْ بِجَرِينٍ، أَوْ سَاحَةِ دَارٍ لأَجْنَبِيٍّ، إِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ، كَالسَّفِينَةِ، أَوْ خَانٍ لِلأَثْقَالِ. قوله: (أَوِ اللَّحْدَ) كأنّه منصوب بمحذوف معطوف عَلَى ما فِي حيز (¬3) الإغياء، فاللحد عَلَى هذا وهُوَ: غشاء (¬4) القبر مسروق بنفسه، وأما ما فيه وهُوَ الكفن فقد ذكره بعد هذا فلا تكرار، ويدل عَلَى هذا عطفه عليه الخباء وما فيه، وهم وإِن لَمْ يصرحوا بسرقة اللحد نفسه خصوصاً فقد قالوا: القبر حرز لما فيه. أَوْ زَوْجٍ فِيمَا حُجِرَ عَلَيْهِ (¬5)، أَوْ مَوْقِفِ دَابَّةٍ لِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. قوله: (أَوْ زَوْجٍ فِيمَا حُجِرَ عَلَيْهِ) الزوج يتناول الذكر والأنثى، وعاد عَلَيْهِ الضمير مذكراً عَلَى ملاحظة اللفظ. أَوْ قَبْرٍ، أَوْ بَحْرٍ لِمَنْ رُمِيَ بِهِ لِكَفَنٍ، أَوْ سَفِينَةٍ بِمَرْسَاةٍ، أَوْ كُلِّ شَيْءٍ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ. قوله: (أَوْ قَبْرٍ) قد علمت أنّه غير مكرر مَعَ اللحد. ¬
أَوْ مَطْمَرٍ قَرُبَ، أَوْ قِطَارٍ ونَحْوِهِ، أَوْ أَزَالَ بَابَ الْمَسْجِدِ، أَوْ سَقْفَهُ، أَوْ أَخْرَجَ قَنَادِيلَهُ، أَوْ حُصْرَهُ أَوْ بُسْطَهُ، إِنْ تُرِكَتْ بِهِ، أَوْ حَمَّامٍ، إِنْ دَخَلَ لِلسَّرِقَةِ، أَوْ نَقَبَ، أَوْ تَسَوَّرَ أَوْ بِحَارِسٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي تَقْلِيبٍ، وصُدِّقَ مُدَّعِي الْخَطَإِ، أَوْ حَمَلَ عَبْداً لَمْ يُمَيِّزْ، أَوْ خَدَعَهُ. قوله: (أَوْ مَطْمَرٍ قَرُبَ) أشار بِهِ لما فِي سماع سعد (¬1) من سماع ابن القاسم: أن من سرق من مطامير فِي الفلوات أسلمها ربها وأخفاها، فلا قطع عَلَيْهِ، وما كَانَ بحضرة أهله معروفاً بيّناً قطع سارقه. [138 / أ] ابن رشد: لأن الأول لَمْ يحرز طعامه بحال (¬2). ابن عرفة: فقول ابن شاس وابن الحاجب: والمطامير فِي الجبال وغيرها حرز (¬3). إطلاقه خلاف المنصوص، ونحوه لابن عبد السلام والمصنف. أَوْ أَخْرَجَهُ فِي ذِي الإِذْنِ الْعَامِّ عن مَحَلِّهِ (¬4)، لا إِذْنٍ خَاصٍّ كَضَيْفٍ مِمَّا حُجِرَ عَلَيْهِ، ولَوْ خَرَجَ بِهِ مِنْ جَمِيعِهِ، ولا إِنْ نَقَلَهُ ولَمْ يُخْرِجْهُ، ولا فِي مَا عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَعَهُ، ولا عَلَى دَاخِلٍ تَنَاوَلَ مِنْهُ الْخَارِجُ ولا إِنِ اخْتَلَسَ، أَوْ كَابَرَ. قوله: (أَوْ أَخْرَجَهُ فِي ذِي الإِذْنِ الْعَامِّ عن مَحَلِّهِ) أي: عَن محل الأذن، وهكذا هُوَ فِي بعض النسخ، بعن (¬5) التي للمجاوزة لا باللام التي لانتهاء الغاية، وهو الصواب. قال فِي " المقدمات ": أما الدار التي أذن فيها ساكنها أَو مالكها إذناً عاماً للناس كالعالم أَو الطبيب يأذن للناس فِي دخولهم إليه فِي داره فهذه (¬6) يجب القطع عَلَى من سرق من بيوتها المحجرة إِذَا خرج بسرقته عَن جميع الدار ولا يجب القطع عَلَى من سرق من قاعة الدار، وما لَمْ يحجر ¬
من بيوتها، وإِن خرج من الدار ولا اختلاف فِي هذا، وإنما لَمْ يجب عَلَيْهِ القطع حتى يخرج من جميع الدار؛ لأن بقية الدار من تمام الحرز، ففارقت المحجرة فِي أنها لا تدخل إِلا بإباحة صاحبها. انتهى (¬1). ولَمْ يزد عَلَيْهِ فِي " التوضيح " شيئاً، وبهذا قطع فِي " النكت " قال: من سرق منها من بيت مغلق عَن الناس شيئاً فأخذ فِي الدار قبل أن يخرج منها لَمْ يقطع، وإِن أخذ بعد أن خرج منها قطع. وعَلَى هذا حمل أبو الحسن الصغير قوله فِي " المدونة ". قيل: فإن كانت الدار مأذوناً فيها وفيها تابوت فيه متاع لرجل وقد أغلقه، فأتى رجل ممن أذن له فكسره أَو فتحه، فأخرج المتاع، فأخذ بحضرة ما أخرج المتاع من التابوت قبل أن يبرح بِهِ قال: لا يقطع هذا وإن كَانَ ممن لَمْ يؤذن له لَمْ يقطع أَيْضاً؛ لأنّه لَمْ يبرح بالمتاع ولَمْ يخرجه من حرزه (¬2). وأما ابن يونس فذهب إِلَى غير هذا وقال: أما الدار غير المشتركة المأذون فيها فمن سرق منها من بيت حجرعَلَيْهِ فأخذ فِي الدار أَو بعد أن خرج من جميعها لَمْ يقطع، وقيل يقطع إِذَا أخرجه من البيت. انتهى. وعَلَى طريقة ابن يونس اقتصر ابن عرفة، وأما ابن عبد السلام فقال: والقياس كَانَ أن يعتبر خروجه بالمسروق من البيت إِلَى وسط الدار إِلا أنهم اعتبروا أن يخرج بِهِ عَن الدار. انتهى، وهُوَ القول الثاني عند ابن يونس، فإن كَانَ المصنف عوّل عَلَيْهِ فقال: لمحلّه (¬3) باللام عَلَى ما فِي أكثر النسخ فقد أبعد غاية. أَوْ هَرَبَ بَعْدَ أَخْذِهِ فِي الْحِرْزِ. قوله: (أَوْ هَرَبَ بَعْدَ أَخْذِهِ فِي الْحِرْزِ) ضمير أخذه للسارق أَو للشيء المسروق، وهذا أدلّ عَلَى أنّه هرَبَ بِهِ، وأحْرى إِذَا تركه وهرَبَ دونه. ¬
ولو (¬1) لِيَأْتِيَ بِمَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ، أَوْ أَخَذَ دَابَّةً بِبَابِ مَسْجِدٍ. قوله: (ولوْ لِيَأْتِيَ بِمَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ) أي ولَو هرَبَ بِهِ السارق لخروج ربه ليأتي بالشهود، وأشار بـ (لو) إِلَى خلاف أصبغ. أَوْ سُوقٍ أَوْ ثَوْباً بَعْضُهُ بِالطَّرِيقِ. قوله: (أَوْ سُوقٍ) يريد: لغير البيع بدلالة (¬2) ما تقدم. أَوْ ثَمَر مُعَلَّقٍ [أَو كثر] (¬3)، فَقَوْلانِ. وإِلا بَعْدَ حَصْدِهِ، فَثَالِثُهَا، إِنْ كُدِّسَ. قوله: (أَوْ ثَمَر مُعَلَّقٍ أَو كثر) كذا هى فِي النسخ من غير ألفات، فكأنّه جرّها عطفاً عَلَى (ما) من قوله: (وَلا فِي مَا عَلَى صَبِيٍّ) ولَو نصبها عطفاً عَلَى دابّة لجاز. وَلا إِنْ نَقَبَ فَقَطْ، وإِنِ الْتَقَيَا وَسَطَ النَّقْبِ، أَوْ رَبَطَهُ فَجَذَبَهُ الْخَارِجُ [81 / ب] قُطِعَا وشَرْطُهُ، التَّكْلِيفُ، فَيُقْطَعُ الْحُرُّ، والْعَبْدُ، والْمُعَاهَدُ، وإِنْ لِمِثْلِهِمْ إِلا الرَّقِيقَ لِسَيِّدِهِ، وثَبَتَتْ بِإِقْرَارٍ، إِنْ طَاعَ، وإِلا فَلا، ولَوْ عَيَّنَ السَّرِقَةَ، أَوْ أَخَذَ الْقَتِيلَ. قوله: (وَلا إِنْ نَقَبَ فَقَطْ) هذا مسلّم (¬4)، وإنما المشكل قول ابن الحاجب تابعاً لابن شاس: فلو نقب وأخرج غيره فإن كانا متفقين قطعا، وإِلا فلا قطع عَلَى واحد منهما (¬5). قال ابن عرفة: لا أعرف هذا الفرع لأحد من أهل المذهب، وإنما ذكره الغزالي فِي " وجيزه " على أصلهم أن النقب يبطل حقيقة الحر، ومسائل " المدونة " وغيرها تدل عَلَى أن النقب لا يبطل حقيقة [الحرز] (¬6)، وقولهما: إِن تعاونا قُطِعَا، ومقتضى " المدونة " [أنه] (¬7) لا يقطع إِلا من أخرجه إذ فيها: لَو قربه أَحَدهمَا لباب الحرز أَو النقب، فتناوله الآخر قطع الخارج ¬
وحده إذ هُوَ أخرجه، ولا يقطع الداخل (¬1). وهذه المسألة ردّ عَلَيْهِمَا فِي زعمهما أن النقب [يبطل] (¬2) حقيقة الحرز؛ إذ قال فيها لباب الحرز أَو النقب، وفِي قوله: (قطعا)؛ ولذا ونحوه كَانَ كثير من محققي شيوخ شيوخنا لا ينظرون كتاب ابن الحاجب، ويرون قراءة ابن الجلاب دونه. وَقُبِلَ رُجُوعُهُ ولَوْ بِلا شُبْهَةٍ، وإِنْ رُدَّ الْيَمِينُ فَحَلَفَ الطَّالِبُ، أَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وامْرَأَتَانِ، أَوْ وَاحِدٌ، وحَلَفَ. قوله: (وَقُبِلَ رُجُوعُهُ ولَوْ بِلا شُبْهَةٍ) أي كما إِذَا أكذب نفسه وتصحيف (¬3) (شبهة) بـ (بينة) فظيع. أَوْ أَقَرَّ [السيد] (¬4)، فَالْغُرْمُ بِلا قَطْعٍ، وإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ، فَالْعَكْسُ، ووَجَبَ رَدُّ الْمَالِ إِنْ لَمْ يُقْطَعْ مُطْلَقاً، أَوْ قُطِعَ، إِنْ أَيْسَرَ إِلَيْهِ مِنَ الأَخْذِ، وسَقَطَ الْحَدُّ إِنْ سَقَطَ الْعُضْوُ بِسَمَاوِيٍّ لا بِتَوْبَةٍ، وعَدَالَةٍ، وإِنْ طَالَ زَمَانُهُمَا وتَدَاخَلَتْ، إِنِ اتَّحَدَ الْمُوجِبُ، كَقَذْفٍ، وشُرْبٍ، أَوْ تَكَرَّرَتْ. قوله: (أَوْ أَقَرَّ [السيد]، فَالْغُرْمُ بِلا قَطْعٍ، وإِنْ [138 / ب] أَقَرَّ الْعَبْدُ، فَالْعَكْسُ) كذا فِي أكثر النسخ التي وقفنا عَلَيْهَا، ولا يصحّ غيره. قال فِي " المدونة ": إِن أقرّ عبد أَو مدبر أَو مكاتب أَو أم ولد بسرقة، قطعوا إِذَا عينوا السرقة وأظهروها، فإن ادعى السيّد أنّه ماله صدق مَعَ يمينه (¬5). قال ابن عرفة: فِي قبول قوله فِي المكاتب نظر. انتهى، وكأنّه لَمْ يقف عَلَى تقييد اللخمي له بغير المكاتب، زاد أبو الحسن الصغير وحكم المأذون حكم المكاتب. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الحرابة
[باب الحرابة] الْمُحَارِبُ: قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ سُلُوكٍ، أَوْ آخِذُ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ، وإِنِ انْفَرَدَ بِمَدِينَةٍ كَمُسْقِي السَّيْكَرَانِ لِذَلِكَ، ومُخَادِعِ الصَّبِيِّ أَوْ غَيْرِهِ لِيَأْخُذَ مَا مَعَهُ، والدَّاخِلُ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فِي زُقَاقٍ، أَوْ دَارٍ، قَاتَلَ لِيَأْخُذَ الْمَالَ. قوله: (وَالدَّاخِلُ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فِي زُقَاقٍ، أَوْ دَارٍ، قَاتَلَ لِيَأْخُذَ الْمَالَ) اللخمي: إِن علم بِهِ بعد أن أخذ المتاع وخرج بِهِ فقاتل حتى نجا بِهِ فهو سارق؛ لأنّ قتاله حينئذ ليدفع عَن نفسه، وإِن علم بِهِ قبل أن يأخذ المتاع فقاتل حتى أخذه كَانَ محارباً عند مالك، وعند عبد الملك: ليس بمحارب، وقال قبله عَن مالك فِي كتاب محمد فِي الذي يجد الرجل فِي السحر أَو عند العتمة فينتزع ثوبه فِي الخلوة لا قطع عَلَيْهِ، إِلا أن يكون لصاً أَو محارباً. فأما الذي يجد الرجل فِي الليل فيكابره (¬1) حتى ينتزع ثوبه عَن ظهره فلا قطع عَلَيْهِ. انتهى، وقبله كله ابن عبد السلام وابن عرفة. فَيُقَاتَلُ بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ، إِنْ أَمْكَنَ، ثُمَّ يُصْلَبُ فَيُقْتَلُ، أَوْ يُنْفَى الْحُرُّ كَالزِّنَا أَوْ تُقْطَعُ يَمِينُهُ ورِجْلُهُ الْيُسْرَى وِلاءً، وبِالْقَتْلِ يَجِبُ قَتْلُهُ، ولَوْ بِكَافِرٍ أَوْ بِإِعَانَةٍ، ولَوْ جَاءَ تَائِباً، ولَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ، ونُدِبَ لِذِي التَّدْبِيرِ الْقَتْلُ، والْبَطْشِ الْقَطْعُ، ولِغَيْرِهِمَا، ولِمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ النَّفْيُ، والضَّرْبُ، والتَّعْيِينُ لِلإِمَامِ، لا لِمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ونَحْوُهَا، وغَرِمَ كُلٌّ عَنِ الْجَمِيعِ مُطْلَقاً، واتُّبِعَ كَالسَّرِقَةِ، ودُفِعَ مَا بِأَيْدِيهِمْ لِمَنْ طَلَبَهُ بَعْدَ الاسْتِينَاءِ والْيَمِينِ، أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنَ الرُّفْقَةِ، لا لأَنْفُسِهِمَا ولَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أنّه الْمُشْتَهِرُ بِهَا ثَبَتَتْ، وإِنْ لَمْ يُعَايِنَاهَا. قوله: (فَيُقَاتَلُ بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ، إِنْ أَمْكَنَ، [ثُمَّ يُصْلَبُ فَيُقْتَلُ] (¬2)) هذا إفراط فِي الاختصار [حيث] (¬3) اكتفى بذكر القتال عَن ذكر القتل المبدوء بِهِ فِي قوله: تعالى: {أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة:33]. ¬
تحرير: قال اللخمي: يقتل المحارب بالسيف أَو الرمح لا بصفة تعذيب ولا بحجارة، ولا يرمى من مكان مرتفع، وإِن صلب صُلب قائماً لا منكوساً، وتطلق يداه، وظاهر القرآن أن الصلب حد قائم بنفسه كالنفي، والمذهب إضافته للقتل، ولمالك فِي بعض المواضع قال: يقتل أَو يصلب أَو يقطع أَو ينفى كظاهر القرآن. وَسَقَطَ حَدُّهَا بِإِتْيَانِ الإِمَامِ طَائِعاً، أَوْ تَرْكِ مَا هُو عَلَيْهِ. قوله: (وَسَقَطَ حَدُّهَا بِإِتْيَانِ الإِمَامِ طَائِعاً، أَوْ تَرْكِ مَا هُو عَلَيْهِ) هذا لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة:34]، وقيس عَلَيْهِ المرتد بجامع الإعلان، بِخِلاف السارق؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِن اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}] (¬1) [المائدة: 39]، وقيس عَلَيْهِ الزنديق بجامع الاستسرار (¬2)، وبسطه فِي " المقدمات " (¬3). فرع: قال الباجي عَن سحنون: لا يجوز أن يؤمن المحارب إِن سأل الأمان بِخِلاف المشرك؛ لأن المشرك يقر إِذَا أمن عَلَى حاله وبيده أموال المسلمين، ولا يجوز تأمين المحارب عَلَى ذلك ولا أمان له (¬4). محمد: إِن امتنع المحارب بنفسه حتى أعطى الأمان فاختلف فيه. فقيل: يتم له ذلك، وقيل: لا. قاله: أصبغ: امتنع فِي حصنٍ أَو مركب أَو غيره أمّنه السلطان أَو غيره؛ لأنّه حق لله - تعالى [وبالله التوفيق] (¬5) -. ¬
باب الخمر والحد والضمان
[139 / أ] [باب الخمر والحد والضمان] بِشُرْبِ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ، مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ، طَوْعاً بِلا عُذْرٍ وضَرُورَةٍ، وظَنِّهِ غَيْراً وإِنْ قَلَّ، أَوْ جَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ، أَوِ الْحُرْمَةِ لِقُرْبِ عَهْدٍ، ولَوْ حَنَفِيَّاً يَشْرَبُ النَّبِيذَ، وصُحِّحَ نَفْيُهُ ثَمَانُونَ بَعْدَ صَحْوِهِ وتَشَطَّرَ بِالرِّقِّ، إِنْ أَقَرَّ. قوله: (وَلَوْ حَنَفِيَّاً يَشْرَبُ النَّبِيذَ، وصُحِّحَ نَفْيُهُ) مما احتجّ بِهِ الباجي لتصحيحه أن قال: وقد قال مالك: ما ورد علينا مشرقي مثل سفيان الثوري؛ أما أنّه آخر ما فارقني عَلَيْهِ أن لا يشرب النبيذ (¬1)، وهذا يقتضي أنّه لَمْ يفارقه قبل ذلك عَلَيْهِ. أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِشُرْبٍ، أَوْ شَمٍّ، وإِنْ خُولِفَا. قوله: (أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِشُرْبٍ، أَوْ شَمٍّ، وإِنْ خُولِفَا). أي: وإِن خولف شاهد الشم؛ لأن من أثبت أولى ممن نفى، وهذا معنى قول الباجي: إِن اختلف الشهود فقال بعضهم: [هي رائحة مسكر، وقال بعضهم] (¬2): هِيَ رائحة غير مسكرة (¬3)؛ فقال ابن حبيب: إِن اجتمع منهم اثنان عَلَى أنها رائحة مسكر حد. تكميل: قال الباجي: وإِن شكّ الشهود [(¬4) في الرائحة فإن كَانَ من أهل السفه نكل وإِن كَانَ من أهل العدل خلي سبيله، رواه ابن القاسم فِي " العتبية " و " الموازية " انتهى. وفِي " النوادر " عَن عبد الملك: يختبر بقراءة قصار السور التي لا يشكّ فِي معرفته بها فإن لَمْ يقرأها واختلط، فقد شرب مسكراً ويحدّ (¬5). ¬
وَجَازَ لإِكْرَاهٍ، أَوْ إِسَاغَةٍ، لا دَوَاءٍ، ولَوْ طِلاءً، والْحُدُودُ بِسَوْطٍ وضَرْبٍ مُعْتَدِلَيْنِ، قَاعِداً، بِلا رَبْطٍ، ولا شَدِّ يَدٍ بِظَهْرِهِ، وكَتِفَيْهِ، وجُرِّدَ الرَّجُلُ والْمَرْأَةُ مِمَّا يَقِي، ونُدِبَ جَعْلُهَا فِي قُفَّةٍ. قوله: (وَجَازَ لإِكْرَاهٍ) تصريح بجواز إقدام المكره عَلَى شرب الخمر وهُو المترضى عند ابن عبد السلام إذ قال: المكره عَلَى شرب الخمر إما غير مؤاخذ عَلَى ما دل عَلَيْهِ قوله عَلَيْهِ السلام " رفع عَن أمتي خطؤها ونسيانها وما استكرهوا عَلَيْهِ " (¬1) وهُوَ الصحيح، وإما أن يكون ذلك شبهة تسقط الحد عنه عند من منع المكره من شرب الخمر، فإن بعضهم لَمْ يجز للمكره فعل ما لا (¬2) ينبغي بِخِلاف القول، وتبعه ابن عرفة فقال: لا يحدّ لوضوح الشبهة أَو عدم تكليفه وهُوَ الأَظْهَر لعموم اعتباره فِي الطلاق ونحوه. وَعَزَّرَ الإِمَامَ لِمَعْصِيَةِ اللهِ أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ حَبْساً، ولَوْماً، وبِالإِقَامَةِ، ونَزْعِ الْعِمَامَةِ، وضَرْبٍ بِسَوْطٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وإِنْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ أَوْ أَتَى عَلَى النَّفْسِ. قوله: ([حَبْساً] (¬3) حَبْساً، ولَوْماً، وبِالإِقَامَةِ، ونَزْعِ الْعِمَامَةِ، وضَرْبٍ بِسَوْطٍ، أَوْ غَيْرِهِ) لفظ (غير) يشمل الدرة والقضيب والحبل واليد ونحوها. قال ابن عرفة: ومما جرى بِهِ عمل القضاة من أنواع التعزير ضرب القفا مجرداً عَن ساتر بالأكفّ. وضَمِنَ مَا سَرَى كَطَبِيبٍ جَهِلَ، أَوْ قَصَّرَ، أَوْ بِلا إِذْنٍ مُعْتَبَرٍ، ولَوْ إِذْنَ عَبْدٍ بِفَصْدٍ أَوْ حِجَامَةٍ، أَوْ خِتَانٍ، وكَتَأْجِيجِ نَارٍ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، وكَسُقُوطِ جِدَارٍ مَالَ، أَوْ أُنْذِرَ [82 / أ] صَاحِبُهُ، وأَمْكَنَ تَدَارُكُهُ. قوله: (وَضَمِنَ مَا سَرَى) قال ابن عبد السلام: فِي هذا صعوبة؛ إذ الولاة والآباء مأمورون بالتأديب والتعزير، فتضمينهم ما يسير إليه التعزير مَعَ أمرهم بِهِ كتكليف ما لا ¬
يطاق وأشد من ذلك الإقادة منهم. انتهى، [وفِي مثل هذا] (¬1) كَانَ شيخ الجماعة أبو مهدي عيسى بن علال ينشد: ألقاه فِي البحر مكتوفاً وقال له ... إياك إياك أن تبتلّ بالماء أَوْ عَضَّهُ فَسَلَّ يَدَهُ فَقَلَعَ أَسْنَانه. قوله: (أَوْ عَضَّهُ فَسَلَّ يَدَهُ فَقَلَعَ أَسْنَانه) قال المازري: اختلف فِي المعضوض إِذَا جبذ يده فسقطت أسنان العاضّ، فالمشهور عندنا أنّه ضامن، وقال بعض أصحابنا: لا ضمان عَلَيْهِ. قال بعض المحققين من شيوخنا: إنما ضمّنه من [ضمّنه من] (¬2) أصحابنا؛ لأنّه يمكن النزع بالرفق حتى لا تنقلع أسنان العاضّ، وحملوا الحديث (¬3) عَلَى ذلك. قال ابن عرفة: وذكر ابن بشير قولين لا بقيد المشهور. انتهى. وقال ابن عبد السلام: الشاذ سقوط الضمان، وهُوَ الجاري عَلَى دفع الصائل، فكيف وفِي الصحيح: " لا دية " له، زاد أبو داود: إِن شئت أن تمكنه من يدك فيعضها ثُمَّ تنزعها من فيه (¬4). أَوْ نَظَرَ لَهُ مِنْ كَوَّةٍ فَقَصَدَ عَيْنَهُ. قوله: (أَوْ نَظَرَ لَهُ مِنْ كَوَّةٍ فَقَصَدَ عَيْنَهُ) لما ذكر المازري مسألة العاض المتقدمة قال: ومن هذا المعنى: لَو رمى إنسان من ينظر إليه فِي بيته فأصاب عينه فاختلف فيه أصحابنا، ¬
فأكثرهم عَلَى إثبات الضمان وأقلهم عَلَى نفيه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - " لَو أن امرءاً (¬1) اطّلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لَمْ يكن عليك جناح ". انتهى (¬2). وعَلَيْهِ اقتصر ابن عرفة، زاد فِي " التوضيح ": حمل أكثرهم الحديث عَلَى غير القاصد لفقئ العين أَو عَلَى نفي الإثم دون الضمان. [قال ابن رشد فِي رسم الأقضية الثالث من سماع ابن القاسم من كتاب الجناية: يحتمل الحديث أن يكون لَمْ يبلغ مالكاً (¬3)، ويحتمل أن يكون [139 / ب] بلغه فرأى القياس المعارض له مقدماً عَلَيْهِ، عَلَى ما حكى ابن القصار من أن مذهب مالك: إِذَا اجتمع خبر الواحد مَعَ القياس، ولَمْ يمكن استعمالهما جميعاً قدّم القياس، والحجة فيه أن خبر الواحد لما جَازَ عَلَيْهِ النسخ والغلط والسهو والكذب والتخصيص، ولَمْ يجد عَلَى القياس من الفساد إِلا وجه واحد وهُوَ: هل الأصل معلول بهذه العلة أم لا؟ فصار أقوى من خبر الواحد، فوجب أن يقدم عَلَيْهِ. ووجه القياس فِي ذلك أنّ هذا جناية من عاقل بفعله ما يجوز له فعله فوجب أن يكون خطأً ولا يكون هدراً، أصله إِذَا رمى طائراً فأصاب إنسانا. انظر تمام كلامه تطّلع [عَلَيْهِ] (¬4)، [فالمسائل عند بعض الشيوخ فِي هذا الباب ثلاثة: مسألة العضّ، ومسألة الفحل الصائل، ومسألة] (¬5) من ينظر إليه فِي بيته، والمشهور فِي الأولى الضمان، والمذهب فِي الثانية عدم الضمان، ومذهب الأكثر فِي الثالثة نفي الضمان وقال بعض الشيوخ، ومقتضى النظر عندي ¬
الضمان فِي الأولى والثانية، وثبوته فِي الثالثة. أما فِي الأولى فلأنه (¬1) نصّ الحديث أَو ظاهره وأَيْضاً، فإنهم عللوا سقوط الضمان فِي مسألة الجمل الصؤول بأنّه [مأذون له بالدفع عَن نفسه، وكذلك المعضوض] (¬2) مأذون له فِي نزع يده. ومن هذا المعنى: لَو ضرب رجل رجلاً بسيفٍ، فاتقى (¬3) المضروب السيّف بعصى فِي يده، فانقطع السيف، فإن المضروب لا يضمن السيف، وكَانَ بعض حذّاق المشايخ يختار فِي فتواه الضمان عَلَى الضارب إِن كَانَ ظالماً، وإِن كَانَ مظلوماً، وكَانَ ضربه جائزاً شرعاً فالضمان [على المضروب] (¬4). وانظر من أسند جرة زيت أَو زقّ خلٍ إِلَى باب رجل، ففتح ربّ الدار بابه غير عالمٍ بما أسند إليه، فسقطت الجرة أَو الزقّ، فتلف ما فيها هل يتعلّق بِهِ الضمان أم لا؟ القَوْلانِ. وإضافة الشيخ أبو الحسن الصغير القولين فِي مسألة الجرة لابن سهل وهمٌ (¬5) ظاهر، بل لَمْ يحك إِلا الضمان فَقَطْ. وأَيْضاً (¬6) مسألة ابن رشد غير مسألة ابن سهل، فإن مسألة ابن سهل فيمن وضع جرة من زيت حذاء باب رجل، ومسألة ابن رشد التي نفى (¬7) النصّ عنها إِذَا أسند الجرّة لنفس الباب، وبينهما من البون ما لا يخفى، فلا درك إِذاً عَلَى ابن رشد كما زعمه أبو الحسن الصغير، ومن هذا الأصل [من جلس عَلَى ثوب رجلٍ فِي الصلاة فيقوم ربّ الثوب المجلوس عَلَيْهِ وهو تحت الجالس فينقطع الثوب. فانظر هذه المسائل فإنها من النفائس والعرائس، قاله ابن يحيي] (¬8). ¬
وَإِلا فَلا كَسُقُوطِ مِيزَابٍ أَوْ بَغْتِ رِيحٍ لِنَارٍ كَحَرْقِهَا قَائِماً لِطَفْيِهَا، وجَازَ دَفْعُ صَائِلٍ بَعْدَ الإِنْذَارِ لِلْفَاهِمِ، وإِنْ عَنْ مَالٍ وقَصْدُ قَتْلِهِ، إِنْ عَلِمَ أنّه لا يَنْدَفِعُ إِلا بِهِ، لا جُرْحٌ، إِنْ قَدَرَ عَلَى الْهَرَبِ، بِلا مَضَرَّةٍ. قوله: (وإِلا فَلا) أشار بِهِ لمدلول قول ابن الحاجب: ولَو نظر من كوة أَو ستر باب فقصد (¬1) عينه فالقود (¬2). قال ابن عبد السلام: دلّ قوله: (فالقود) عَلَى أن مجرد القصد إِلَى عين الناظر لا يوجب حكماً، وأنّه لابد من القصد إِلَى فقئ عينه، وأن الداخل فقأ عين الناظر قاصداً، وأنّه لَو قصد مجرد الزجر بحصاة أَو شبهها، فصادفت عين الناظر فلا قود؛ لأن معنى القود هنا إتلاف عين الفاقيء بسبب فقئه عين الناظر. وَمَا أَتْلَفَتْ الْبَهَائِمُ لَيْلاً، فَعَلَى رَبِّهَا وإِنْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا. قوله: (وَمَا أَتْلَفَتْ الْبَهَائِمُ لَيْلاً، فَعَلَى رَبِّهَا وإِنْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا) كذا قال الباجي وغيره: الواجب فِي ضمنّه قيمته، وإِن كانت أكثر من قيمة الماشية، ورواه ابن القاسم (¬3). قال ابن عرفة: ومثله فِي سماع أشهب. ابن رشد: يريد وليس له أن يسلم الماشية فِي قيمة ما أفسدت بِخِلاف العبد الجاني؛ لأن العبد هُوَ الجاني إذ هُوَ مكلف والماشية ليست هِيَ الجانية، إذ ليست بمخاطبة، وإنما الجاني ربّها. قال أبو عمر عَن يحيي بن يحيي: إنما عَلَى ربها الأقلّ من قيمتها أَو قيمة ما أفسدت. قال: وأظنه قاسه عَلَى العبد الجاني. بِقِيمَتهٍ عَلَى الرَّجَاءِ والْخَوْفِ، لا نَهَاراً إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا رَاعٍ، وسُرِّحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ، وإِلا فَعَلَى الرَّاعِي. قوله: (بِقِيمَتهٍ عَلَى الرَّجَاءِ والْخَوْفِ) ابن رشد: إِن أفسدت الزرع وهُوَ صغير ففيه قيمته ولَو كَانَ يحلّ بيعه عَلَى الرجاء والخوف. قاله فِي سماع عيسى، ولا اختلاف فيه إِن كَانَ لا يرجى عوده لهيئته، ثُمَّ حكى الخلاف فيما يرجى عوده. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب العتق
[باب العتق] إِنَّمَا يَصِحُّ إِعْتَاقُ مُكَلَّفٍ، بِلا حَجْرٍ، وإِحَاطَةِ دَيْنٍ ولِغَرِيمِهِ رَدُّهُ، أَوْ بَعْضِهِ، إِلا أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَطُولَ، أَوْ يُفِيدَ مَالاً، ولَوْ قَبْلَ نُفُوذِ الْبَيْعِ رَقِيقاً لَمْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لازِمٌ. قوله: (إِلا أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَطُولَ) ينبغي أن يكون معطوفاً بأو لا بالواو وبشهادة النقول. والله تعالى أعلم (¬1). به وبفَكِّ الرَّقَبَةِ، والتَّحْرِيرِ وإِنْ فِي هَذَا الْيَوْمِ. قوله: (به وبفَكِّ الرَّقَبَةِ، والتَّحْرِيرِ) أي: بالإعتاق وبفك الرقبة وبالتحرير، فهو كقول ابن الحاجب: الصيغة الصريحة كالتحرير والإعتاق وفكّ الرقبة (¬2)، فضمير بِهِ للإعتاق، وفك معطوف عَلَيْهِ من غير إعادة الخافض عَلَى قول الكوفيين وابن مالك. بِلا قَرِينَةِ مَدْحٍ، أَوْ خُلْفٍ، أَوْ دَفْعِ مَكْسٍ، أَوْ بِلا مِلْكٍ، أَوْ لا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ، إِلا لِجَوَابٍ، وبِكَوَهَبْتُ لَكَ نَفْسَكَ، وبِكَاسْقِنِي، أَوِ اذْهَبْ، أَوِ اعْزُبْ بِالنِّيَّةِ، وعَتَقَ عَلَى الْبَائِعِ، إِنْ عَلَّقَ هُو والْمُشْتَرِي، وبِالاشْتِرَاءِ الْفَاسِدِ فِي إِنِ اشْتَرَيْتُكَ كَأَنِ اشْتَرَى نَفْسَهُ فَاسِداً، والشِّقْصُ، والْمُدَبَّرُ، وأُمُّ الْوَلَدِ ووَلَدُ عَبْدِهِ مِنْ أَمَتِهِ، وإِنْ بَعْدَ يَمِينِهِ. قوله: (بِلا قَرِينَةِ مَدْحٍ، أَوْ خُلْفٍ) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام، بمعنى المخالفة والعصيان، [140 / أ] وكذا قرن العصيان بالمدح فِي " المدونة " فقال: قال مالك: فيمن عجب من عمل عبده أَو من شيء رآه منه، فقال: ما أنت إِلا حر أَو قال له: تعالى يا حرّ، ولَمْ يرد شيء من هذا الحرية، وإنما أراد أنك تعصيني (¬3) فأنت فِي معصيتك إياي كالحر فلا شيء عَلَيْهِ فِي القضاء ولا فِي الفتيا (¬4). ¬
ومن ضبطه حَلِف بفتح الحاء المهملة وكسر اللام، وجعله بمعنى القسم فقد صحّف اللفظ، وذهب عَن المعنى. وَالإِمَاءُ (¬1) فِيمَنْ يَمْلِكُهُ، أَوْ لِي أَوْ رَقِيقِي، أَوْ عَبِيدِي، أَوْ مَمَالِيكِي، لا عَبِيدُ عَبِيدِهِ كَأَمْلِكُهُ أَبَداً. قوله: (وَالإِمَاءُ فِيمَنْ يَمْلِكُهُ) أي: وكذا يدخل الإماء فِي لفظ: من أملك وما بعده. وفِي بعض النسخ والأنثى فيمن أملك، والمعنى واحد. وأما الإنشاء بالنون والشين فهو هنا ضلال مبين (¬2)؛ عَلَى أنّه لَو سكت عَن الإماء لفهمنا دخولهن من قوله قبل: (وَأم الولد). ولا مرية أنّه عوّل هنا عَلَى قول فضل بدخولهن فِي لفظ العبيد، لتصويب اللخمي إياه لقوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]؛ ولأنّه جمع مكسر، وقد نقل هذا كلّه فِي " توضيحه "، وأما ابن عرفة فاقتصر عَلَى قول ابن يونس. قال ابن سحنون: ويدخل فِي رقيقي الإناث لا فِي عبيدي. وَوَجَبَ بِالنَّذْرِ، ولَمْ يُقْضَ إِلا بِبَتٍّ مُعَيَّنٍ وهُو فِي خُصُوصِهِ وعُمُومِهِ ومَنْعٍ مِنْ بِيْعٍ ووَطْءٍ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ، وعِتْقِ عُضْوٍ، وتَمْلِيكِهِ الْعَبْدَ وجَوَابِهِ كَالطَّلاقِ، إِلا لأَجَلٍ، واحداكُمَا، فَلَهُ الاخْتِيَارُ، وإِنْ حَمَلْتِ [فَأَنْتِ حُرَّةٌ] (¬3) فَلَهُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً، وإِنْ فَوَّضَ عِتْقُهُ لاثْنَيْنِ لَمْ يَسْتَقِلَّ أَحَدُهُمَا، إِنْ لَمْ يَكُونَا رَسُولَيْنِ، وإِنْ قَالَ إِنْ دَخَلْتُمَا فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا، وعَتَقَ بِنَفْسِ الْمِلْكِ الأَبَوَانِ، وإِنْ عَلَوَا. قوله: (وَوَجَبَ بِالنَّذْرِ، ولَمْ يُقْضَ إِلا بِبَتٍّ مُعَيَّنٍ) يشمل النذر المطلق والمعلق كما قال فِي " التوضيح ": وإخراج البت من النذر غير مناسب، كما قال ابن عبد السلام؛ لكنه يجري ¬
مجرى الاستثناء المنقطع. قال فِي أول العتق الأول من " المدونة ": الوصية بالعتق عِدَة، إِن شاء رجع فيها، ومن بتّ عتق عبده أَو حنث بذلك فِي يمين عُتِقَ عَلَيْهِ بالقضاء، ولَو وعده بالعتق أَو نذر عتقه لَمْ يقض عَلَيْهِ بذلك، وأمر بعتقه (¬1). اللخمي: من قال: عليّ عتق عبدٍ لزمه، فإن لَمْ يكن معيناً لَمْ يجبر، وإِن كَانَ معيناً فقال مالك: لا يجبر، ولأشهب عند محمد: إِن قال: لا أفعل قضي عَلَيْهِ، فإن قال: أفعل ترك، وإِن مات قبل أن يفعل لَمْ يعتق فِي ثلث ولا غيره. ولابن القاسم فِي " الموازية ": من جعل شيئاً للمساكين ولَمْ يعينهم فأنّه يجبر، فعلى هذا يجبر فِي العتق وإِن لَمْ يعينه. ابن عرفة: ففي القضاء عَلَى ناذر العتق بِهِ. ثالثها: إِن كَانَ معيناً ابن عبد السلام: وقول أشهب أقرب؛ لتعلق حقّ الآدمي بذلك؛ وهُوَ معين مَعَ تشوف الشرع للعتق. وَالْوَلَدُ وإِنْ سَفُلَ كَبِنْتٍ. قوله: (وَالْوَلَدُ وإِنْ سَفُلَ كَبِنْتٍ) أي: وإِن سفلت تنبيهاً عَلَى اندراج أولادها كما فِي " الرسالة " (¬2) وغيرها، وفِي بعض النسخ: لبنت. باللام مكان الكاف، كأنه (¬3) من تمام الإغياء، أي: وإِن كَانَ السافل لبنت، فضلاً عَن أن يكون لإبن، فيرجع للمعنى الأول، فلفظ الولد عَلَى الأول خاص بالذكر لتشبيه البنت بِهِ، وهُوَ عَلَى الثاني شامل للذكر والأنثى، فيكون أولى لتعميم الحكم فِي الأعلين والأسفلين. فتأمله. وَأَخٍ، وأُخْتٍ مُطْلَقاً، وإِنْ بِهِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، إِنْ عَلِمَ الْمُعْطِي، ولَوْ لَمْ يَقْبَلْ، ووَلاؤُهُ لَهُ، ولا يُكَمَّلُ فِي جُزْءٍ لَمْ يَقْبَلْهُ كَبِيرٌ، أَوْ قَبِلَهُ وَلِيٌّ صَغِيرٌ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ، لا بِإِرْثٍ، أَوْ شِرَاءٍ وعَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُبَاعُ، وبِالْحُكْمِ، إِنْ عَمَدَ لِشَيْنٍ بِرَقِيقِهِ، أَوْ رَقِيقِ رَقِيقِهِ. ¬
قوله: (وَأَخٍ، وأُخْتٍ مُطْلَقاً) لا يخفاك وجوب رفعهما عطفاً عَلَى (الأبوان)، وامتناع جرهما عطفاً عَلَى (بنت). فلو عرفهما لكان أولى. أَوْ لِوَلَدٍ صَغِيرٍ غَيْرُ سَفِيهٍ، وعَبْدٍ، وذِمِّيٍّ بِمِثْلِهِ، وزَوْجَةٍ، ومَرِيضٍ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ، ومَدِينٍ كَقَلْعِ ظُفْرٍ، وقَطْعِ بَعْضِ أُذُنٍ، أَوْ جَسَدٍ أَوْ سِنٍّ، أَوْ سَحْلِهَا أَوْ خَرْمِ أَنْفٍ، وحَلْقِ شَعْرِ أَمَةٍ رَفِيعَةٍ، أَوْ لِحْيَةِ تَاجِرٍ، أَوْ وَسْمِ وَجْهٍ بِنَارٍ، لا غَيْرِهِ، وفِي غَيْرِهَا فِيهِ قَوْلانِ. والْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ فِي نَفْيِ الْعَمْدِ، لا فِي عِتْقٍ بِمَالٍ، وبِالْحُكْمِ جَمِيعُهُ، إِنْ أَعْتَقَ جُزْءاً والْبَاقِي لَهُ كَأَنْ بَقِيَ لِغَيْرِهِ. قوله: (غَيْرُ سَفِيهٍ، وعَبْدٍ، وذِمِّيٍّ بِمِثْلِهِ) برفع (غَيْرُ) عَلَى أنّه فاعل (عَمَدَ). إِنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ يَوْمَهُ. قوله: (إِنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ يَوْمَهُ) أي يوم الحكم المتقدم فِي قوله: (وَبِالْحُكْمِ جَمِيعُهُ). إِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِماً أَوِ الْعَبْدُ، وإِنْ أَيْسَرَ [82 / ب] بِهَا، أَوْ بِبَعْضِهَا فَمُقَابِلُهَا، وفَضَلَتْ عَنْ مَتْرُوكِ الْمُفْلِسِ وإِنْ حَصَلَ عِتْقُهُ بِاخْتِيَارِهِ، لا بِإِرْثٍ، وإِنِ ابْتَدَأَ الْعِتْقُ، لا إِنْ كَانَ حُرَّ الْبَعْضِ، وقُوِّمَ عَلَى الأَوَّلِ. قوله: (إِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِماً أَوِ الْعَبْدُ، وإِنْ أَيْسَرَ بِهَا، أَوْ بِبَعْضِهَا فَمُقَابِلُهَا، وفَضَلَتْ عَنْ مَتْرُوكِ الْمُفْلِسِ وإِنْ حَصَلَ عِتْقُهُ بِاخْتِيَارِهِ، لا بِإِرْثٍ، وإِنِ ابْتَدَأَ الْعِتْقُ) هذه خمسة شروط معطوفة عَلَى الشَرْط الأول وهو قوله: (إِنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ) يومه فشروط التكميل إذن ستة؛ إِلا أنّه كرر أن فِي المعطوفات ما عدا الثالث، ولو أسقطها لكان أخصر وأبين، وأما قوله فِي أثنائها: (أَو ببعضها فمقابلها)، فكلام مستقل لَو أثبت فيه إِن لكان أولى. وَإِلا فَعَلَى حِصَصِهِمَا، إِنْ أَيْسَرَ، وإِلا فَعَلَى الْمُوسِرِ، وعُجِّلَ فِي ثُلُثِ مَرِيضٍ أُمِنَ، ولَمْ يُقَوَّمْ عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يُوصِ، وقُوِّمَ كَامِلاً بِمَالِهِ بَعْدَ امْتِنَاعِ شَرِيكِهِ مِنَ الْعِتْقِ ونُقِضَ لَهُ بَيْعٌ مِنْهُ، وتَأْجِيلُ الثَّانِي، أَوْ تَدْبِيرُهُ، ولا يَنْتَقِلُ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ أَحَدَهُمَا. قوله: (وَإِلا فَعَلَى حِصَصِهِمَا) أي: وإِن لَمْ يكن أول بل وقعا معاً كفرسي رهان، فعلى حصصهما.
وَإِذَا حُكِمَ بِمَنْعِهِ (¬1) لِعُسْرِهِ مَضَى. قوله: (وَإِذَا حُكِمَ بِمَنْعِهِ لِعُسْرِهِ مَضَى) كذا هُوَ فِي النسخ الصحيحة (بِمَنْعِهِ) ضد إجازته، والضمير المضاف إليه عائد عَلَى التقويم، فهذا مختصر من قول ابن الحاجب، وإِذَا حكم بسقوط التقويم لإعساره فلا تقويم بعد (¬2). كَقَبْلَهُ، ثُمَّ أَيْسَرَ، إِنْ كَانَ بَيِّنَ الْعُسْرِ. قوله: (كَقَبْلَهُ، ثُمَّ أَيْسَرَ) أي كقبل الحكم بمنع التقويم، وفي هذه قال ابن الحاجب: ولو لَمْ يحكم فأيسر ففي إثباته روايتان (¬3) أي: فِي إثبات التقويم. وَحَضَرَ الْعَبْدُ وأَحْكَامَهُ قَبْلَهُ كَالْقِنِّ، ولا يَلْزَمُ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ. قوله: (وَحَضَرَ الْعَبْدُ) معطوف عَلَى قوله: (إِنْ كَانَ بَيِّنَ (¬4) الْعُسْرِ). وَلا قُبُولُ مَالِ الْغَيْرِ، ولا تَخْلِيدُ الْقِيمَةِ فِي ذِمَّةِ الْمُعْسِرِ بِرِضَا الشَّرِيكِ، ومَنْ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ لأَجَلٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ لِيُعْتَقَ جَمِيعُهُ عِنْدَهُ، إِلا أَنْ يُبَتَّ الثَّانِي، فَنَصِيبُ الأَوَّلِ عَلَى حَالِهِ، وإِنْ دَبَّرَ حِصَّتَهُ تَقَاوَيَاهُ لِيُرَقَّ كُلُّهُ أَوْ يُدَبَّرَ، وإِنِ ادَّعَى الْمُعْتِقُ عَيْبَهُ فَلَهُ اسْتِحْلافُهُ، وإِنْ أَذِنَ، أَوْ أَجَازَ عِتْقَ عَبْدِهِ جُزْءاً قُوِّمَ فِي مَالِ السَّيِّدِ، وإِنِ احْتِيجَ لِبَيْعِ الْمُعْتِقِ [بِيعَ] (¬5)، وإِنْ أَعْتَقَ أَوَّلَ وَلَدٍ لَمْ يَعْتِقِ الثَّانِي، ولَوْ مَاتَ. قوله: (وَلا قُبُولُ مَالِ الْغَيْرِ) ابن عبد السلام: لا يلزم أحد الشريكين قبول مال الغير وإعتاق العبد وحمله عَلَى المعتق أجلى. وقال ابن راشد القفصي: المعنى: لا يلزم العبد قبول مال الغير ليعتق بِهِ. ¬
وَإِنْ أَعْتَقَ جَنِيناً، أَوْ دَبَّرَهُ فَحُرٌّ أوَ مُدَبِّرٌ (¬1). قوله: (وَإِنْ أَعْتَقَ جَنِيناً، أَوْ دَبَّرَهُ فَحُرٌّ أوَ مُدَبِّرٌ) هذا هُوَ الصواب؛ فيكون تلفيفا (¬2) مرتباً كما فِي " المدونة " (¬3). إِلا لِزَوْجٍ مُرْسَلٍ عَلَيْهَا، فَلأَقَلِّهِ. قوله: (إِلا لِزَوْجٍ مُرْسَلٍ عَلَيْهَا، فَلأَقَلِّهِ) مراده: فلأقل من أقله. وَبِيعَتْ إِنْ سَبَقَ الْعِتْقُ دَيْنا. قوله: (وَبِيعَتْ وإِنْ [140 / ب] سَبَقَ الْعِتْقُ دَيْنا) كذا (¬4) هُوَ الصواب بدخول واو النكاية عَلَى إِن، ورفع العتق عَلَى الفاعلية ونصب ديناً عَلَى المفعولية، وبذلك يوافق نصّ " المدونة " (¬5). وَرُقَّ، ولا يُسْتَثْنَى لِبَيْعٍ، أَوْ عِتْقٍ. قوله: (وَرُقَّ، ولا يُسْتَثْنَى لِبَيْعٍ، أَوْ عِتْقٍ) أي ورق هذا الجنين الذي [بيعت] (¬6) أمه للدين، ولا يستثنى الجنين من حيث الجملة لا لبيع أمه كهذه ولا لعتقها، فِي صورةٍ أخرى فإن من أعتق حاملاً كَانَ جنينها حراً معها. ¬
وَلَمْ يَجُزِ اشْتِرَاءُ وَلِيِّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى وَلَدٍ صَغِيرٍ بِمَالِهِ، ولا عَبْدٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ. قوله: (ولَمْ يَجُزِ اشْتِرَاءُ وَلِيِّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى وَلَدٍ صَغِيرٍ بِمَالِهِ) إسقاط (ولد) أولى؛ ليعم (¬1) الولي الأب وغيره وأن غيره أحرى. وَإِنْ دَفَعَ عَبْدٌ مَالاً لِمَنْ يَشْتَرِيهِ، فَإِنْ قَالَ اشْتَرِنِي لِنَفْسِكَ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، إِن اسْتَثْنَى مَالَهُ، وإِلا غَرِمَهُ كَلِتَعْتِقَنِي. قوله: (وَإِنْ دَفَعَ عَبْدٌ مَالاً لِمَنْ يَشْتَرِيهِ، فَإِنْ قَالَ اشْتَرِنِي لِنَفْسِكَ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ، إِن اسْتَثْنَى مَالَهُ، وإِلا غَرِمَهُ كَلِتَعْتِقَنِي)، أشار بِهِ لقوله فِي العتق الثاني من " المدونة ": وإِن دفع العبد مالاً لرجلٍ فقال له: اشترني لنفسك أَو دفعه إليه عَلَى أن يشتريه ويعتقه، ففعل الرجل ذلك فالبيع لازم، فإن كَانَ المشتري استثنى مال العبد لَمْ يغرم الثمن ثانية، وإِن لَمْ يستثنه فليغرم الثمن ثانية للبائع، ويعتق الذي شرط العتق، ولا يتبعه الرجل بشيء، ويرقّ له الأخر (¬2). وَبِيعَ فِيهِ. قوله: (وَبِيعَ فِيهِ) ينطبق عَلَى الرقيق منهما والعتيق (¬3)، فهو كقوله فِي " المدونة ": وإِن لَمْ يكن للمشتري مال بيع الرقيق عَلَيْهِ فِي الثمن؛ وكذلك يباع العتيق فِي ثمنه إِلا أن يفى (¬4) بيع بعضه بالثمن فيعتق (¬5) بقيمته، ولَو بقي من الثمن شيء بعد بيع جميعه كَانَ فِي ذمة الرجل (¬6). وَلا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ، والْوَلاءُ لَهُ. قوله: (وَلا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ، والْوَلاءُ لَهُ) لا يخفى أن هذا خاصٌ بالعتيق منهما دون ¬
الرقيق؛ ولكن لَو قال لا رجوع له عَلَى العتيق لَمْ يزده إِلا خيراً، فهذا إذن (¬1) كقوله فِي نصّ " المدونة " الذي قدمناه: ويعتق الذي شرط العتق، ولا يتبعه الرجل بشيء. وَإِنْ قَالَ لِنَفْسِي فَحُرٌّ ووَلاؤُهُ لِبَائِعِهِ، إِنِ اسْتَثْنَى مَالَهُ، وإِلا رُقَّ، وإِنْ أَعْتَقَ عَبِيداً فِي مَرَضِهِ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ، ولَوْ سَمَّاهُمْ، ولَمْ يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ، أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ ثُلُثِهِمْ أَوْ بِعَدَدٍ سَمَّاهُ مِنْ أَكْثَرَ أُقْرِعَ كَالْقِسْمَةِ، إِلا أَنْ يُرَتِّبَ فَيُتَّبَعُ، أَوْ يَقُولَ ثُلُثُ كُلٍّ، أَوْ أَنْصَافَهُمْ، أَوْ أَثْلاثَهُمْ، واتَّبَعَ سَيِّدَهُ بِدَيْنٍ، إِنْ لَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ، ورُقَّ، إِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِرِقِّهِ أَوْ تَقَدُّمِ دَيْنٍ وحَلَفَ. قوله: (وإِنْ قَالَ لِنَفْسِي فَحُرٌّ ووَلاؤُهُ لِبَائِعِهِ، إِنِ اسْتَثْنَى مَالَهُ، وإِلا رُقَّ) قد علمت معناه، وليس هذا القسم الثالث (¬2) فِي " المدونة "، وإنما نقله] (¬3) ابن يونس وغيره عَن " الموازية "، وقد ظهر لك أن المصنف أحسن فِي سياق هذه المسألة وأجاد ما شاء، فلعلّ من قال: لَمْ يحسن سياقتها لَمْ يثبت فِي نسخته (كلتعتقني). وَاسْتُؤْنِيَ بِالْمَالِ إِنْ شَهِدَ بِالْبَتِّ (¬4) شَاهِدٌ، أَوِ اثْنَانِ أَنَّهُمَا لَمْ يَزَالا يَسْمَعَانِ أنّه مَوْلاهُ أَوْ وَارِثُهُ، وحَلَفَ، وإِنْ شَهِدَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ، أَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ عَبْداً لَمْ يَجُزْ، ولَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ، ولا [يُجَرُ بذلك] (¬5) الْوَلاءُ، وإِنْ شَهِدَ عَلَى شَرِيكِهِ بِعِتْقِ نَصِيبِهِ فَنَصِيبُ الشَّاهِدِ حُرٌّ، إِنْ أَيْسَرَ شَرِيكُهُ، والأَكْثَرُ عَلَى نَفْيِهِ كَعُسْرِهِ. قوله: (وَاسْتُؤْنِيَ بِالْمَالِ إِنْ شَهِدَ بِالْبَتِّ شَاهِدٌ) البتّ فِي هذه مقابل السماع فِي التي بعدها، وهذا شامل للولاء والنسب؛ لقوله فِي التي بعدها: (أنّه مَوْلاهُ أَوْ وَارِثُهُ)، فقوله بعد ذلك: (ولا يجر بذلك الولاء) يريد: ولا يثبت النسب، وقد تقدّم فِي شهادة السماع أَقْوَال ابن رشد الأربعة، وأن الرابع عكس الثالث (¬6)، وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب التدبير
[باب التدبير] التَّدْبِيرُ تَعْلِيقُ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ وإِنْ زَوْجَةً فِي زَائِدِ الثُّلُثِ الْعِتْقَ بِمَوْتِهِ، لا عَلَى وَصِيَّةٍ كَإِنْ مُتُّ مِنْ مَرَضِي، أَوْ سَفَرِي هَذَا. قوله: (التَّدْبِيرُ تَعْلِيقُ مُكَلَّفٍ) لا شكّ فِي إخراجه الصبي والمجنون، وأما قول ابن الحاجب تبعاً لابن شاس: وشرطه التمييز لا البلوغ فينفذ من المميز (¬1). فقال ابن عبد السلام: ظاهره أنّه ينفذ من المميز ولَو كَانَ صغيراً، وهُوَ مشكل؛ لأن غير المكلف لا يلزمه شيء من التزاماته، وإنما لزمته الوصية إِذَا مات استحساناً؛ ولما روى عَن الماضين فيها؛ ولأن له الرجوع عنها ولا رجوع له عَن التدبير إِذَا لزمه، وقد نصّ عبد الملك عَلَى أن تدبير من لَمْ يبلغ الحلم لا يجوز، وكلّ من رأيته ممن يعتمد عَلَيْهِ ينكر هذا الموضع من كلام ابن الحاجب، وكذا (¬2) استشكله ابن راشد القفصي، وابن هارون وتبعهم فِي " التوضيح ". وقال ابن عرفة: هذا الاستشكال (¬3) واضح إِن حمل قوله: (فينفذ من المميز) على اللزوم، وإِن حمل عَلَى صحته دون لزومه فيصير كالوصية فيصحّ، وقد يؤيده قول ابن القاسم فِي ذات الزوج: لا حجة (¬4) لزوجها إنما هِيَ وصية. وقال الباجي فِي ترجمة وصية الصغير: قال عبد الملك: لا يجوز تدبير من لَمْ يحتلم. انتهى. وقول عبد الملك فِي " النوادر " وما فعل ابن عرفة من عزوه لنقل الباجي أخفّ مما فعل ابن راشد القفصي، من عزوه لحكاية بعض من سمعه من الفقهاء عَن الرجراجي. أَوْ بَعْدَ مَوْتِي إِن لَمْ يُرِدْهُ ولَمْ يُعَلِّقْهُ، أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ بِدَبَّرْتُكَ، وأَنْتَ مُدَبَّرٌ، أَوْ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي، ونَفَذَ تَدْبِيرُ نِصْرَانِيٍّ لِمُسْلِمٍ وأُوجِرَ لَهُ. قوله: (أَوْ بَعْدَ مَوْتِي إِن لَمْ يُرِدْهُ ولَمْ يُعَلِّقْهُ) أي وكذا يحمل (¬5) عَلَى الوصية. إذا قال: ¬
أنت حر بعد موتي بهذين الشَرْطين، وهذا قول ابن القاسم. قال فِي " المدونة " فيمن قال لعبده فِي صحته: أنت حرّ بعد موتي، فإن أراد (¬1) بِهِ وجه الوصية صدق، وإِن أراد بِهِ التدبير صدق. قال ابن القاسم: هِيَ وصية أبداً حتى يبين أنّه أراد التدبير ثُمَّ قال فيمن قال إِن كلمت فلاناً فأنت حرّ بعد موتي فكلمه لزمه عتقه بعد موته كما لَو حلف بالعتق ولَمْ يقل بعد موتي فحنث، فأنّه يلزمه قال وكذلك هذا يلزمه ويعتق من ثلته، [141 / أ] وصار حنثه بعتق العبد بعد الموت شبيهاً بالتدبير (¬2) ففرق فِي قوله: أنت حر بعد موتي بين غير المعلق، فجعله وصية وبين المعلق فجعله تدبيراً. وَتَنَاوَلَ الْحَمْلَ [83 / أ] مَعَهَا كَوَلَدٍ لِمُدَبَّرٍ مِنْ أَمَتِهِ بَعْدَهُ، وصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ، إِنْ عَتَقَ، وقُدِّمَ الأَبُ عَلَيْهِ فِي الضِّيقِ، ولِلسَّيِّدِ نَزْعُ مَالِهِ، إِنْ لَمْ يَمْرَضْ، ورَهْنُهُ، وكِتَابَتُهُ، لا إِخْرَاجُهُ بِغَيْرِ حُرِّيَّةٍ، وفُسِخَ بَيْعُهُ، إِنْ لَمْ يَعْتِقْ، كَالْمُكَاتِبِ وإِنْ جَنَى، فَإِنْ فَدَاهُ، وإِلا أَسْلَمَ خِدْمَتَهُ، تَقَاضَيَا، وحَاصَّهُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ ثَانِياً، ورَجَعَ، إِنْ وَفَّى وإِنْ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ اتُّبِعَ بِالْبَاقِي، أَوْ بَعْضُهُ بِحِصَّتِهِ، وخُيِّرَ الْوَارِثُ فِي إِسْلامِ مَا رُقَّ، أَوْ فَكِّهِ وقُوِّمَ بِمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلِ الثُّلُثُ، إِلا بَعْضاً عَتَقَ، وقَرَّ مَالُهُ بِيَدِهِ. قوله: (وَتَنَاوَلَ الْحَمْلَ مَعَهَا كَوَلَدٍ لِمُدَبَّرٍ مِنْ أَمَتِهِ بَعْدَهُ) أي: حملت بِهِ بعده أي: بعد التدبير؛ وبهذا فسّر ابن يونس " المدونة " (¬3) فقال: جعل ما فِي ظهر المدبر من ولد قبل التدبير بمنزلة ما فِي بطن المدبرة قبل التدبير، فخروج النطفة من المدبر كولادة المدبرة، وولادة المدبرة كحمل أمة المدبر. ¬
وَإِنْ كَانَ لِسَيِّدِهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ عَلَى حَاضِرٍ مُوسِرٍ بِيعَ بِالنَّقْدِ، وإِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ اسْتُؤْنِيَ قَبْضُهُ، وإِلا بِيعَ فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ أَوْ أَيْسَرَ الْمُعْدِمُ بَعْدَ بَيْعِهِ، عَتَقَ مِنْهُ حَيْثُ كَانَ، وأَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِسَنَةٍ إِنْ كَانَ السَّيِّدُ مَلِيئاً لَمْ يُوقَفْ، وإِذَا مَاتَ نُظِرَ، فَإِنْ صَحَّ اتُّبِعَ بِالْخِدْمَةِ وعَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وإِلا فَمِنَ الثُّلُثِ، ولَمْ يَتَّبِعْ، وإِنْ كَانَ غَيْرَ مَلِيءٍ وُقِفَ خَرَاجُ سَنَةٍ، ثُمَّ يُعْطَى السَّيِّدُ مِمَّا وُقِفَ مَا خَدَمَ نَظِيرُهُ، وبَطَلَ التَّدْبِيرُ بِقَتْلِ سَيِّدِهِ عَمْداً، وبِاسْتِغْرَاقِ الدَّيْنِ لَهُ ولِلتَّرِكَة، وبَعْضُهُ بِمُجَاوَزَةِ الثُّلُثِ، ولَهُ حُكْمُ الرِّقِّ، وإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ حَتَّى يُعْتَقَ فِيمَا وُجِدَ حِينَئِذٍ، وأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي ومَوْتِ فُلانٍ عَتَقَ مِنَ الثُّلُثِ أَيْضاً، ولا رُجُوعَ، وإِنْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِ فُلانٍ بِشَهْرٍ فَمُعْتَقٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. قوله: (حَيْثُ كَانَ) أي وإِن تداولته الأملاك. وبالله تعالى التوفيق.
باب الكتابة
[باب الكتابة] نُدِبَ مُكَاتَبَةُ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، وحَطُّ جُزْءٍ آخَرَ، ولَمْ يُجْبَرِ الْعَبْدُ عَلَيْهَا. وَالْمَأْخُوذُ مِنْهَا الْجَبْرُ بِكَاتَبْتُكَ، ونَحْوِهِ بِكَذَا، وظَاهِرُهَا اشْتِرَاطُ التَّنْجِيمِ وصُحِّحَ خِلافُهُ، وجَازَ بِغَرَرٍ كَآبِقٍ، وعَبْدِ فُلانٍ وَجَنِينٍ، لا لُؤْلُؤٍ لَمْ يُوصَفْ، أَوْ كَخَمْرٍ، ورُجِعَ لِكِتَابَةِ مِثْلِهِ، وفَسْخُ مَا عَلَيْهِ فِي مُؤَخَّرٍ أَوْ كَذَهَبٍ فِي وَرِقٍ ومُكَاتَبَةُ وَلِيٍّ مَا لِمَحْجُورِهِ بِالْمَصْلَحَةِ، ومُكَاتَبَةُ أَمَةٍ وصَغِيرٍ، وإِنْ بِلا مَالٍ وكَسْبٍ، وبَيْعُ كِتَابَةٍ، أَوْ جُزْءٍ لا نَجْمٍ، فَإِنْ وَفَّى فَالْوَلاءُ لِلأَوَّلِ وإِلا رُقَّ لِلْمُشْتَرِي، وإِقْرَارُ مَرِيضٍ بِقَبْضِهَا، إِنْ وُرِثَ غَيْرَ كَلالَةٍ ومُكَاتَبَتُهُ بِلا مُحَابَاةٍ، وإِلا فَفِي ثُلُثِهِ، ومُكَاتَبَةُ جَمَاعَةٍ لِمَالِكٍ فَتُوَزَّعُ عَلَى قُوَّتِهِمْ عَلَى الأَدَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ، وهُمْ، وإِنْ زَمِنَ أَحَدُهُمْ حُمَلاءُ مُطْلَقاً ويُؤْخَذُ مِنَ الْمَلِيءِ الْجَمِيعُ، ويُرْجِعُ إِنْ لَمْ يَعْتِقْ عَلَى الدَّافِعِ، ولَمْ يَكُنْ زَوْجاً ولا يَسْقُطْ عَنْهُمْ شَيْءٌ بِمَوْتِ وَاحِدٍ، ولِلسَّيِّدِ عِتْقُ قَوِيٍّ مِنْهُمْ، إِنْ رَضِيَ الْجَمِيعُ وقَوَوْا، فَإِنْ رُدَّ، ثُمَّ عَجَزُوا صَحَّ عِتْقُهُ، والخِيَار فِيهَا، ومُكَاتَبَةُ شَرِيكَيْنِ بِمَالٍ وَاحِدٍ لا أَحَدِهِمَا، أَوْ بِمَالَيْنِ، وبِمُتَّحِدٍ بِعَقْدَيْنِ، فَيُفْسَخُ، ورِضَا أَحَدِهِمَا بِتَقْدِيمِ الآخَرِ، ورَجَعَ لِعَجْزٍ بِحِصَّتِهِ كَإِنْ قَاطَعَهُ بِإِذْنِهِ مِنْ عِشْرِينَ عَلَى عَشَرَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ خُيِّرَ الْمُقَاطِعُ [83 / ب] بَيْنَ رَدِّ مَا فَضَّلَ بِهِ شَرِيكُهُ، وإِسْلامِ حِصَّتِهِ رِقَّاً، ولا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الآذِنِ وإِنْ قَبَضَ الأَكْثَرَ، فَإِنْ مَاتَ أَخَذَ الآذِنُ مَالَهُ، بِلا نَقْصٍ، إِنْ تَرَكَهُ، وإِلا فَلا شَيْءَ لَهُ، وعِتْقُ أَحَدِهِمَا وَضْعٌ لِمَا لَهُ، إِلا إِنْ قَصَدَ الْعِتْقَ كَإِنْ فَعَلْتَ فَنِصْفُكَ حُرٌّ، فَكَاتَبَهُ، ثُمَّ فَعَلَ وُضِعَ النِّصْفُ، ورُقَّ كُلُّهُ إِنْ عَجَزَ، ولِلْمُكَاتِبِ بِلا إِذْنٍ بَيْعٌ واشْتِرَاءٌ، ومُشَارَكَةٍ، ومُقَارَضَةٌ، ومُكَاتَبَةٌ، واسْتِخْلافُ عَاقِدٍ لأَمَتِهِ، وإِسْلامُهَا، أَوْ فِدَاؤُهَا، إِنْ جَنَتْ بِالنَّظَرِ، وسَفَرٌ لا يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ. قوله: (وَيُرْجِعُ إِنْ لَمْ يَعْتِقْ عَلَى الدَّافِعِ، ولَمْ يَكُنْ زَوْجاً) الأولى أن يكون لفظ (يرجع) مبنياً للمجهول حتى يعمّ [كلّ راجع] (¬1) من مكاتب أَو وارث أَو سيّد، ويناسب ما عطف عَلَيْهِ وهُوَ لفظ يؤخذ، و (عَلَى الدَّافِعِ) متعلق (بيعتق)، والمراد بِهِ المكاتب الذي دفع ذلك من ماله سواءً باشر الدفع هُوَ أَو غيره، ونصوصه واضحة، وأما الزوج فقال فِي آخر المكاتب من " المدونة ": لا يرثه ممن (¬2) معه فِي الكتابة إِلا من لَو أدى عنه لَمْ يرجع عَلَيْهِ إِلا الزوجة فإنها لا ترثه، ولا يرجع عَلَيْهَا إِن عتقت بأدائه فِي حياته أَو بعد موته فِي ماله، ولا يرجع عَلَيْهَا من يرثه من وارث أَو سيد (¬3). ¬
أبو الحسن الصغير: أقاموا منه أن الزوج لا يرجع عَلَى زوجته (¬1) إِذَا فداها بغير أمرها من يد العدو، وهُوَ يعرفها، وإن كَانَ بأمرها فهو سلف يرجع عَلَيْهَا بِهِ. وقال ابن يونس: قال ابن حبيب: عَن مطرف وابن الماجشون: لا يرجع أَحَدهمَا عَلَى الآخر إِذَا أدى عنه ما يعتق بِهِ من الكتابة، وقال أَيْضاً عَن ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون: إِذَا أفدا أحد الزوجين صاحبه. ابن يونس: يريد أَو ابتاعه فلا رجوع له عَلَيْهِ إِلا أن يكون فداه بأمره أَو فداه وهو غير (¬2) عارف بِهِ فليتبعه بذلك فِي ملائه وعدمه، زاد فِي بعض التقاييد: فانظر قوله: لا يرجع عَلَيْهَا إِن عتقت بأدائه، وكذلك لَو ودت هِيَ عنه. انتهى. وكأنّه أراد أن يجعل قول الأخوين (¬3) تفسيراً للمدونة فتأمله، ولَمْ يزد ابن عبد السلام وابن عرفة والمصنف فِي " التوضيح " عَلَى ما فِي " المدونة ". وَإِقْرَارٌ فِي رَقَبَتِهِ، وإِسْقَاطُ شُفْعَتِهِ، لا عِتْقٌ وإِنْ قَرِيباً وَهِبَةٌ، وصَدَقَةٌ، وتَزْوِيجٌ. قوله: (وإِقْرَارٌ فِي رَقَبَتِهِ) كذا فيما رأينا من النسخ، وهو عكس المقصود، فالصواب فِي ذمته (¬4). وَإِقْرَارٌ بِجِنَايَةِ خَطَإٍ، وسَفَرٌ بَعُدَ، إِلا بِإِذْنٍ، ولَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ، إِنِ اتَّفَقَا، ولَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ فَيُرَقُّ، ولَوْ ظَهَرَ مَالٌ كَأَنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ، أَوْ غَابَ عِنْدَ الْمَحِلِّ ولا مَالَ لَهُ، فَسَخَ الْحَاكِمُ، وتَلَوَّمَ لِمَنْ يَرْجُوهُ كَالْقِطَاعَةِ، وإِنْ شَرَطَ خِلافَهُ، وقَبَضَ، إِنْ غَابَ سَيِّدُهُ، وإِنْ قَبْلَ أَجَلِهِ، وفُسِخَتْ، إِنْ مَاتَ، وإِنْ عَنْ مَالٍ، إِلا لِوَلَدٍ، أَوْ غَيْرِهِ دَخَلَ مَعَهُ بِشَرْطٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَتُؤَدَّى حَالَةً وَرِثَهُ مَنْ مَعَهُ فَقَطْ، مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، وقَوِيَ وَلَدُهُ عَلَى السَّعْيِ سَعَوْا، وتُرِكَ مَتْرُوكُهُ لِلْوَلَدِ، إِنْ أَمِنَ كَأُمِّ وَلَدِهِ. قوله: (وَإِقْرَارٌ بِجِنَايَةِ خَطَإٍ) أشار بِهِ لقوله فِي كتاب الجنايات من " المدونة ": وإن أقرّ ¬
مكاتب بقتلٍ خطأ لَمْ يلزمه شيء عجز أَو عتق، ولَو أقرّ بدينٍ لزم ذمته عتق أَو رقّ (¬1). فصرّح بالفرق بين جناية الخطأ والدين، وإياه تبع المصنف. وَإِنْ وُجِدَ الْعِوَضُ مَعِيباً (¬2)، أَوِ اسْتُحِقَّ مَوْصُوفاً فَقِيمَتُهُ كَمُعَيَّنٍ، وإِنْ بِشُبْهَةٍ لَهُ وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، ومَضَتْ كِتَابَةُ كَافِرٍ لِمُسْلِمٍ، وبِيعَتْ كَأَنْ أَسْلَمَ، وبِيعَ مَعَهُ مَنْ فِي عَقْدِهِ، وكَفَّرَ بِالصَّوْمِ واشْتِرَاطُ وَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ، واسْتِثْنَاءُ حَمْلِهَا، أَوْ مَا يُولَدُ لَهَا، ومَا يُولَدُ لِمُكَاتَبٍ مِنْ أَمَتِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ، وقَلِيلٍ كَخِدْمَةٍ، بَعْدَ وَفَاءِ لَغْوٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، وإِنْ عَلَى سَيِّدِهِ رُقَّ كَالقِنِّ، وأُدِّبَ إِنْ وَطِئَ - بِلا مَهْرٍ، وعَلَيْهِ نَقْصُ الْمُكْرَهَةِ، وإِنْ حَمَلَتْ خُيِّرَتْ فِي الْبَقَاءِ، وأُمُومَةِ الْوَلَدِ، إِلا لِضُعَفَاءَ مَعَهَا، أَوْ أَقْوِيَاءَ لَمْ يَرْضَوْا وحُطَّ حِصَّتُهَا، إِنِ اخْتَارَتِ الأُمُومَةَ، وإِنْ قُتِلَ. فَالْقِيمَةُ لِلسَّيِّدِ، وهَلْ قِنَّاً، أَوْ مُكَاتِباً، تَأْوِيلانِ، وإِنِ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ صَحَّ، وعَتَقَ إِنْ عَجَزَ، والْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ فِي الْكِتَابَةِ والأَدَاءِ، لا الْقَدْرِ والأَجَلِ والْجِنْسِ، وإِنْ أَعَانه جَمَاعَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ رَجَعُوا بِالْفَضْلَةِ، وعَلَى السَّيِّدِ بِمَا قَبَضَهُ، إِنْ عَجَزَ، وإِلا فَلا، وإِنْ أَوْصَى بِمُكَاتَبَتِهِ فَكِتَابَةُ الْمِثْلِ، إِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، وإِنْ أَوْصَى لَهُ بِنَجْمٍ، فَإِنْ حَمَلَ الثُّلُثُ قِيمَتَهُ جَازَتْ. قوله: (وَإِنْ وُجِدَ الْعِوَضُ مَعِيباً، أَوِ اسْتُحِقَّ مَوْصُوفاً فَقِيمَتُهُ كَمُعَيَّنٍ، وإِنْ بِشُبْهَةٍ لَهُ وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ) هذه من مشكلات هذا المختصر، وما زلت أتمنى أن أقف عَلَى شرح مثل هذه المشكلات من كلام شيخ شيوخنا العلامة أبي عبد الله بن مرزوق، والشيخ البساطي والشيخ حلولو (¬3)، ولَمْ أجد إِلَى ذلك سبيلاً؛ لأن هذه الشروحات لَمْ تصل لهذه البلاد إِلا ليد من هُوَ بها ضنين، وقد كتب لي بعض الثقات كلام الإمام أبي عبد الله بن مرزوق عَلَيْهَا بالنظر إِلَى تمشية لفظها دون نقولها ونصّه: " كذا وجدت هذا الكلام فِي بعض النسخ، فإن كَانَ قوله: (وإِن وجد) معطوفاً عَلَى أن فِي قوله: (وفسخت إِن مات)، ويكون المعنى أن الكتابة تفسخ أَيْضاً إِن وجد السيّد العوض الذي كاتب (¬4) عَلَيْهِ عبده ¬
معيباً أَو استحقّ ذلك العوض من يده، وقد كَانَ كاتبه عَلَيْهِ موصوفاً فِي ذمة العبد أَو استحق من يده، وقد كَانَ كاتبه عَلَيْهِ معيناً، وهُوَ معنى قوله: (كمعين) وفسخ الكتابة لاستحقاق العوض الموصوف والمعين يثبت وإِن ملك المكاتب هذا العوض بوجه شبهة، وأحرى أن يثبت إِذَا ثبت أن ذلك العوض لا شبهة له فيه، بل سرقه أَو غصبه؛ ولهذه الأخروية غيا بقوله: (وَإِن بشبهة له)، والضمير للمكاتب أي: وإِن ثبت كون ذلك العوض للمكاتب بوجه شبهة لئلا يقال إِن كَانَ فِي يده بشبهة فهو معذور فلا تفسخ الكتابة بل يعود مكاتباً. وقوله: (إِن لَمْ يكن له مال) عَلَى هذا معناه إِن فسخ الكتابة لعيب العوض أَو استحقاقه موصوفاً أَو معيباً إنما هُوَ إِذَا لَمْ يكن للمكاتب مال، وأما إِن كَانَ للمكاتب مال فأنّه يبقى [141 / ب] مكاتباً ويرجع عَلَيْهِ بمثل العوض إِن كَانَ موصوفاً وبقيمته إِن كَانَ معيناً (¬1)، فقوله: (إِن لَمْ يكن له مال) شرط فِي فسخ الكتابة فِي هذه الصورة، ثُمَّ هذا الكلام عَلَى مقتضى (¬2) هذا الشرح مخالف للمذهب، فإن النصوص متظافرة عَلَى أن الكتابة لا تفسخ لعيب (¬3) العوض أَو استحقاقه بل يعود العبد مكاتباً إِن لَمْ يكن له مال، وأما إِن كَانَ له مال فإن عتقه يمضي ويرجع عَلَيْهِ بما ذكر، فالكتابة لا تفسخ عَلَى حال؛ وإنما الذي يفسخ إِن لَمْ يكن له مال هُوَ العتق الذي حصل له بدفع العوض المستحق عَلَى قول؛ وعَلَى هذا فالحكم عكس ما ذكر، فلو قال: لا إِن وجد .. إِلَى آخره لكان أولى، ولعلّه كذلك كَانَ وجعلت الواو مكان لا، ثُمَّ لَو كانت العبارة كذلك لما كَانَ لقوله: (وَإِن بشبهة (¬4) له إِن لَمْ يكن له مال) فائدة؛ لأن الحكم عدم فسخ الكتابة كَانَ له فِي به العوض شبهة أَو لا [كان له مال أَو لا] (¬5) وإصلاح (¬6) عبارته مَعَ الاختصار إِن قصد ذكر ما لا تفسخ معه ¬
الكتابة عَلَى عادته فِي مثله أن يقول لا بعيب عوض أَو استحقاقه. فإن قيل: ما ذكرت من مخالفة هذا الحكم للنصوص هُوَ كذلك إِلا أنّه ظاهر فِي الفقه، فأنّه إِن لَمْ يكن له مال بعد تعيب (¬1) العوض أَو استحقاقه تبين عجزه فتفسخ الكتابة، وربما يساعده ما فِي " المدونة " حين قال مالك: إِذَا أدى كتابته وعَلَيْهِ دين إِن علم أن ما دفعه من أموال الغرماء فلهم أخذه من السيد. قال ابن القاسم: ويرجع رقاً (¬2)، فظاهر قول ابن القاسم هذا فسخ الكتابة، ولا فرق بين الاستحقاق ودين الغرماء، فكأنه (¬3) كله دين عَلَى المكاتب، ولذلك قال ابن الحاجب: أما لَو غره بما لا شبهة له فيه ردّ عتقه، وكذلك لَو أعطى مال الغرماء (¬4)، وقد تتأول (¬5) النصوص التي لا تقتضي فسخ الكتابة مَعَ عيب العوض أَو استحقاقه عَلَى ما إِذَا كَانَ للمكاتب مال، وأما إِن لَمْ يكن له مال فإنها تفسخ للعجز، فيكون كلام المصنف مقيداً لها؟. قلنا: لا نسلم أن ما ذكر [هو] (¬6) ظاهر الفقه؛ فأنّه لا يلزم من كون المكاتب لا مال له أن يعجز فتفسخ الكتابة، بل قد يكون من لا مال له قوياً عَلَى السعي فلا تفسخ الكتابة، وما ذكرت من مساواة الاستحقاق لدين المكاتب فهو كذلك؛ ولكن ابن يونس قال مفسراً لقول ابن القاسم: ويرجع رقاً. يريد مكاتباً، وأما ما ذكرت من تأويل النصوص فيمن له مال فمردود بنصّ ابن نافع وغيره (¬7) عَلَى عود من لا مال له بعد استحقاق عوضه مكاتباً، وأما من له مال فلا يرد عتقه ويتبع بما ذكر (¬8). ورأيت فِي بعض النسخ بدل ما شرحنا: (وإِن وجد العوض معيباً فمثله أَو استحقّ ¬
موصوفاً فقيمته كمعين إِن بشبهة له، وإِن لَمْ يكن له مال (1) ع بِهِ دينا)، وهذا الكلام أقرب إِلَى الاستقامة وموافقة النقل، إِلا أن قوله فِي المستحق إِذَا كَانَ موصوفاً: يرجع فيه بالقيمة ليس كذلك، بل إنما يرجع فِي الموصوف بالمثل كما تقرر فِي العيب والاستحقاق، ويجب أن يقيد قوله فِي المعيب بمثله. بما إِذَا كَانَ موصوفاً. وأما إِن كَانَ معينا فإن الرجوع فيه بالقيمة ومعناه أن المكاتب إِذَا أدى العوض الذي كوتب عَلَيْهِ وعتق، فألفى السيد العوض معيباً فإن عتقه يمضي ويرجع السيّد عَلَى المكاتب بمثل ذلك العوض، ولا فرق فِي هذا العوض بين كونه من ذوات الأمثال أَو ذوات القيم؛ لأن عوض الكتابة (¬1) لما كَانَ فِي الذمة أشبه (¬2) [المسلم فيه، والمسلّم فيه إِذَا ظهر عيب بِهِ رجع على] (¬3) المسلّم إليه بمثله؛ لأنّه غير معين. وإِن أدى المكاتب العوض الذي كاتب عَلَيْهِ، وكَانَ ذلك العوض الذي كاتب عَلَيْهِ موصوفاً بعتق أَيْضاً ثُمَّ استحقّ ذلك العوض من يد السيّد فإن عتقه يمضي ويرجع السيّد عَلَيْهِ بقيمة العوض، وكذا إِن كَانَ العوض معيباً (¬4) فاستحقّ بعد أدائه وعتق المكاتب فإن العتق يمضي، ويرجع السيّد بالقيمة. وإِلَى هذا أشار بقوله: (كمعين) أي كما يرجع فِي المعين بالقيمة يرجع فِي الموصوف بالقيمة، وكأنّه أشار (¬5) إِلَى قياس الموصوف عَلَى المعين، وفيه بحث، وقوله: (إن بشبهة) هُوَ شرط فِي مضي العتق والرجوع بالقيمة فِي استحقاق الموصوف والمعين، ولا يرجع إِلَى المعيب؛ لأنّه لَمْ يزل عَلَى ملك المكاتب، ومفهوم هذا الشَرْط يقتضي أن هذا العوض المستحق إِن لَمْ يكن فيه شبهة للمكاتب فإن عتقه لا يمضي ويعود العبد مكاتباً، وهذا هُوَ ¬
قول مالك ورواية أشهب وابن نافع عنه فِي القطاعة. وقال [به] (¬1) ابن القاسم وغيره: ولا فرق بين القطاعة والكتابة، وقوله: (وإن لَمْ يكن له مال ... إِلَى آخره) أي وإن لَمْ يكن مال (¬2) للمكاتب الذي تعين [142 / أ] الرجوع عَلَيْهِ بالمثل فِي صورة العيب، وبالقيمة فِي صورة الاستحقاق، وملك العوض فِي صورة الاستحقاق بشبهة فأنّه يتبع بالمثل أَو القيمة ديناً فِي ذمته ولا يرجع مكاتباً؛ لأن عتقه قد تمّ وهُوَ معذور فيما ملك بشبهة، وأما من لا شبهة له فِي العوض فإن عتقه لا يمضي؛ لأنّه لا يعتق بالباطل كما قال مالك ويعود مكاتباً. هذا آخر ما نقل لي الثقة من كلام الإمام ابن مرزوق، نقلته مَعَ ما فيه من التطويل ليكون عرضة للنظر والتأمل. على أني أسقطت (¬3) منه شيئاً يسيراً. وقد كانت تمشيتة النسخة الأولى انقدحت لي قبل وقوفي عَلَى كلامه؛ لكن عَلَى أن يكون التقدير: وفسخت الكتابة إِن مات، وفسخت العتاقة إِن وجد العوض معيباً، كأنّه من النوع المسمى عند أهل البديع بالاستخدام؛ كقول ابن الحاجب: وفِي لبن الجلالة وبيضها (¬4)، وذهن السامع اللبيب يميزه، فعلى هذا لا يلزم ما أورد عَلَيْهِ من مخالفة المذهب، لكن عرض (¬5) لي قول ابن رشد فِي أول مسألة من سماع أشهب: لا اختلاف إِذَا قاطع سيده عَلَى عبد موصوف، واستحقّ من يده أنّه يرجع عَلَيْهِ بقيمته ولا يرده فِي الكتابة (¬6)، فلولا أنّه ذكر الموصوف مساوياً للمعين لتمت التمشية، وأما النسخة الثانية فكأنّه استند (¬7) فيها لظاهر تعليل ابن عبد السلام الرجوع بالمثل فِي المعيب فإن الكتابة إنما تكون بغير المعين، ¬
والأعواض غير المعينة إِذَا اطلع فيها عَلَى عيب قضى بمثلها، وقول ابن رشد الذي قدمناه: إِذَا قاطع عَلَى موصوف فاستحقّ رجع بقيمته، وهذا كما ترى، فالمسألة محتاجةً إِلَى مزيد تحرير (¬1). وَإِلا [فَلِلْوَارِثِ] (¬2) الإِجَازَةُ أَوْ عِتْقُ مَحْمِلِ الثُّلُثِ، وإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمُكَاتَبِهِ، أَوْ بِمَا عَلَيْهِ، أَوْ بِعِتْقِهِ جَازَتْ، إِنْ حَمَلَ الثُّلُثُ قِيمَةَ كِتَابَتِهِ، أَوْ قِيمَةَ الرَّقَبَةِ عَلَى أنّه مُكَاتَبٌ، وأَنْتَ حُرٌّ، عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ أَلْفاً، أَو وعَلَيْكَ أَلْفٌ لَزِمَ الْعِتْقُ والْمَالُ، وخُيِّرَ الْعَبْدُ فِي الالْتِزَامِ والرَّدِّ، فِي أَنْتَ حُرٌّ، عَلَى أَنْ تَدْفَعَ أَوْ تُؤَدِّيَ، أَوْ إِنْ أَعْطَيْتَ. قوله: (وَإِلا فَلِلْوَارِثِ الإِجَازَةُ أَوْ عِتْقُ مَحْمِلِ الثُّلُثِ) ينطبق عَلَى المسألتين قبله. أَوْ نَحْوِهِ [84 / أ]. قوله: (أَوْ نَحْوِهِ) معطوف عَلَى المجرور بفي [فَيُجَرُّ] (¬3)، ولَو كَانَ ما عطف عَلَيْهِ محكياً. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب أم الولد والولاء
[باب أم الولد والولاء] إِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْءٍ ولا يَمِينَ إِنْ أَنْكَرَ كَأَنِ اسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ ونَفَاهُ، ووَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وإِلا لَحِقَ بِهِ، ولَوْ لأَكْثَرِهِ، إِنْ ثَبَتَ إِلْقَاءُ عَلَقَةٍ فَفَوْقُ، ولَوْ بِامْرَأَتَيْنِ كَادِّعَائِهَا سِقْطاً رَأَيْنَ أَثَرَهُ عَتَقَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، ووَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ، ولا يَرُدُّهُ دَيْنٌ سَبَقَ كَاشْتِرَاءِ زَوْجَتِهِ حَامِلاً، لا بِوَلَدٍ سَبَقَ. قوله: (وَإِلا لَحِقَ بِهِ) أي وإِن لَمْ يدع الاستبراء أَو لَمْ تلد لستة أشهر. أَوْ وَلَدٍ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ. قوله: (أَوْ وَلَدٍ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ) لعله يعني كوطء الغلط والإكراه ونحو ذلك، ولا يحسن أن يفسر بقول ابن الحاجب: ولَو نكح أمة أَو وطأها بشبهة نكاح ثُمَّ اشتراها لَمْ تكن له بذلك أم ولد (¬1).لتقدمها فِي قوله: (لا بِوَلَدٍ سَبَقَ)؛ مَعَ أن الاستثناء بعده يأباه. إِلا أَمَةَ مُكَاتَبِهِ أَوْ وَلَدِهِ، ولا يَدْفَعُهُ عَزْلٌ، أَوْ وَطْءٌ بِدُبُرٍ، أَوْ فَخْذَيْنِ، إِنْ أَنْزَلَ، وجَازَ بِرِضَاهَا إِجَارَتُهَا، وعِتْقٌ عَلَى مَالٍ، ولَهُ قَلِيلُ خِدْمَةٍ وكَثِيرُهَا فِي وَلَدِهَا. قوله: (إِلا أَمَةَ مُكَاتَبِهِ أَوْ وَلَدِهِ) يريد والأمة المشتركة، وهِيَ أحرى وتأتي. وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهَما، وإِنْ مَاتَ فَلِوَارِثِهِ، والاسْتِمْتَاعُ بِهَا وانْتِزَاعُ [مَالِهَا] (¬2)، مَا لَمْ يَمْرَضْ، وكُرِهَ لَهُ تَزْوِيجُهَا، وإِنْ بِرِضَاهَا، ومُصِيبَتُهَا إِنْ بِيعَتْ مِنْ بَائِعِهَا، ورُدَّ عِتْقُهَا، وفُدِيَتْ، إِنْ جَنَتْ بِأَقَلِّ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْحُكْمِ والأَرْشِ، وإِنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ وَلَدَتْ مِنِّي، ولا وَلَدَ لَهَا صُدِّقَ إِنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ. [قوله: (وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهَما) إِن كَانَ بالتثنية فالمراد أم الولد وولدها من غيره بعد إيلاده (¬3). وَإِنْ أَقَرَّ مَرِيضٌ بِإِيلادٍ أَوْ بِعِتْقٍ فِي صِحَّتِهِ لَمْ تُعْتَقْ مِنْ ثُلُثٍ، ولا مِنْ رَأْسِ مَالٍ، وإِنْ وَطِئَ شَرِيكٌ فَحَمَلَتْ غَرِمَ نَصِيبَ الآخَرِ. قوله: (وَإِنْ أَقَرَّ مَرِيضٌ بِإِيلادٍ أَوْ بِعِتْقٍ فِي صِحَّتِهِ لَمْ تُعْتَقْ مِنْ ثُلُثٍ، ولا مِنْ رَأْسِ مَالٍ) ¬
يريد إِن لَمْ يرث المقرّ بإيلاد (¬1) ولد بدلالة ما قبله فِي قوله: (لا بِوَلَدٍ سَبَقَ)، وقيل الصحة راجع للعتق فَقَطْ. فَإِنْ أَعْسَرَ، خُيِّرَ فِي اتِّبَاعِهِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْوَطْءِ، أوَ بَيْعِهَا لِذَلِكَ وتَبِعَهُ بِمَا بَقِيَ، وبِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ. قوله: (فَإِنْ أَعْسَرَ، خُيِّرَ فِي اتِّبَاعِهِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْوَطْءِ، أوَ بَيْعِهَا لِذَلِكَ) أي بيع جزءها المقوم، كما قال ابن الحاجب (¬2)، فهو بحذف مضاف، وهُوَ كقوله فِي " المدونة ": ويباع عَلَيْهِ نصفها فِي ذلك (¬3). ابن يونس: يريد: وإِن كَانَ فيه فضل لَمْ يبع (¬4) منها إِلا ما بقي بنصف قيمتها، ويكون باقيها بحساب أم ولد. وَإِنْ وَطِآهَا بِطُهْرٍ فَالْقَافَةُ، ولَوْ كَانَ ذِمِّيَّاً، أَوْ عَبْداً، فَإِنْ أَشْرَكَتْهُمَا، فَمُسْلِمٌ، ووَالَى، إِذَا بَلَغَ، أَحَدَهُمَا كَأَنْ لَمْ تُوجَدْ، ووَرِثَاهُ، إِنْ مَاتَ أَوَّلاً، وحَرُمَتْ عَلَى مُرْتَدٍّ. أُمُّ وَلَدِهِ حَتَّى يُسْلِمَ. قوله: (وَإِنْ وَطِآهَا بِطُهْرٍ فَالْقَافَةُ، ولَوْ كَانَ ذِمِّيَّاً، أَوْ عَبْداً) أي فإن ألحقوه بأَحَدهمَا كَانَ ابناً له سواءً كَانَ هذا الذي ألحقوه بِهِ مسلما أَو ذمياً حراً أَو عبداً، أَو يكون الولد عَلَى دين من ألحقوه بِهِ إِن مسلماً فمسلم وإن كافراً فكافر، وكذا (¬5) فِي " المدونة " (¬6) وغيرها، وقد غيا هنا بلو مَعَ عدم الخلاف فِي المذهب. والله تعالى أعلم. ووُقِفَتْ كَمُدَبَّرِهِ، إِنْ فَرَّ لِدَارِ الْحَرْبِ، ولا تَجُوزُ كِتَابَتُهَا وعَتَقَتْ إِنْ أَدَّتْ. قوله: (وَوُقِفَتْ كَمُدَبَّرِهِ، إِنْ فَرَّ لِدَارِ الْحَرْبِ) أي: ووقفت أم ولد المرتد إِن فرّ لدار ¬
الحرب كما يوقف مدبره إِن فر لها أَيْضاً. يشير بِهِ لقوله فِي " المدونة ": ومن ارتد ولحق بأرض الحرب أَو أسر فتنصّر بها ووقف ماله وأم ولده ومدبّره (¬1)، فالشَرْط هاهنا لا يختص بما بعد أداة التشبيه، وكأنّه أهمل (¬2) فِي هذه الأواخر القاعدة التي أصّلناها فِي ذلك فِي مقدمة (¬3) الكتاب. ¬
أحكام الولاء
[أحكام الولاء] الْوَلاءُ لِمُعْتِقٍ، وإِنْ بِبَيْعٍ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ عِتْقِ غَيْرٍ عَنْهُ، بِلا إِذْنٍ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ سَيِّدُهُ، بِعِتْقِهِ حَتَّى عَتَقَ، إِلا كَافِراً أَعْتَقَ مُسْلِماً، ورَقِيقاً إِنْ كَانَ يُنْتَزَعُ مَالُهُ، وعَنِ الْمُسْلِمِينَ الْوَلاءُ لَهُمْ كَسَائِبَةٍ وكُرِهَ، وإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ عَادَ الْوَلاءُ بِإِسْلامِ السَّيِّدِ، وجَرَّ وَلَدَ الْمُعْتَقِ، كَأَوْلادِ الْمُعْتَقَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَسَبٌ حُرٌّ، إِلا لِرِقٍّ، أَوْ عِتْقٍ لآخَرَ، ومُعْتَقَهُمَا، وإِنْ أُعْتِقَ الأَبُ، أَوِ اسْتَلْحَقَ رَجَعَ الْوَلاءُ لِمُعْتِقِهِ عَنْ مُعْتِقِ الْجَدِّ والأُمِّ والْقَوْلُ لِمُعْتِقِ الأَبِ، لا لِمُعْتِقِهَا، إِلا أَنْ تَضَعَ لِدُونِ السِّتَّةِ مِنْ عِتْقِهَا وإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِالْوَلاءِ، أَوِ اثْنَانِ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَزَالا يَسْمَعَانِ أنّه مَوْلاهُ أَوِ ابْنُ عَمِّهِ لَمْ يَثْبُتْ، لَكِنَّهُ يَحْلِفُ، ويَأْخُذُ الْمَالَ بَعْدَ الاسْتِينَاءِ، وقُدِّمَ عَاصِبُ النَّسَبِ، ثُمَّ الْمُعْتِقُ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَالصَّلاةِ، ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِهِ، ولا تَرِثُ أُنْثَى، إِنْ لَمْ تُبَاشِرْهُ بِعِتْقٍ، أَوْ جَرَّهُ وَلاءٌ بِوِلادَةٍ، أَوْ عِتْقٍ وإِنِ اشْتَرَى ابْنٌ وَبِنْتٌ أَبَاهُمَا، ثُمَّ اشْتَرَى الأَبُ عَبْداً [فَأَعْتَقَهُ] (¬1) فَمَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الأَبِ، وَرِثَهُ الابْنُ وإِنْ مَاتَ الابْنُ أَوَّلاً، فَلِلْبِنْتِ، النِّصْفُ لِعِتْقِهَا نِصْفَ [84 / ب] الْمُعْتِقِ، والرُّبُعُ لأَنَّهَا مُعْتِقَةٌ نِصْفَ أَبِيهِ، وإِنْ مَاتَ الابْنُ، ثُمَّ مَاتَ الأَبُ. فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ بِالرَّحِمِ، والرُّبُعُ بِالْوَلاءِ، والثَّمَنُ بِجَرِّهِ. قوله: (وَإِنِ اشْتَرَى ابْنٌ وبِنْتٌ أَبَاهُمَا، ثُمَّ اشْتَرَى الأَبُ عَبْداً [فَأَعْتَقَهُ] (¬2) فَمَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الأَبِ، وَرِثَهُ الابْنُ). كون العبد مشتري ليس بشرط فهو حشو، وهذه فريضة القضاة تعرف بهذا الاسم لغلط (¬3) أربع مائة قاض فيها بتوريثهم البنت بالولاء مَعَ أن النسب مقدم عَلَيْهِ، قاله أبو حامد الغزالي ومن يده أخذه أبو الحسن بن خروف النحوي (¬4) الفرضي، وهو أشبيلي ممن قرأ بمدينة فاس - كلأها الله تعالى - على ابن طاهر النحوي (¬5). وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الوصية
[142 / ب] [باب الوصية] صَحَّ إِيصَاءُ حُرٍّ، مُمَيِّزٍ، مَالِكٍ وإِنْ سَفِيهاً أَوْ صَغِيراً، وهَلْ إِنْ لَمْ يَتَنَاقَضْ، أَوْ أَوْصَى بِقُرْبَةٍ؟ تَأْوِيلانِ وكَافِراً، إِلا بِكَخَمْرٍ لِمُسْلِمٍ، لِمَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ كَمَنْ سَيَكُونُ، إِنِ اسْتَهَلَّ، ووُزِّعَ لِعَدَدِهِ بِلَفْظٍ أَوْ إِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ، وقَبُولُ الْمُعَيَّنِ شَرْطٌ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَالْمِلْكُ لَهُ بِالْمَوْتِ وقُوِّمَ بِغَلَّةٍ حَصَلَتْ بَعْدَهُ ولَمْ يَحْتَجْ رِقٌّ لإِذْنٍ فِي قَبُولٍ كَإِيصَاءٍ بِعِتْقِهِ. قوله: (وَكَافِراً، إِلا بِكَخَمْرٍ لِمُسْلِمٍ) كذا قال ابن شاس (¬1)، فقال ابن عرفة: هُوَ واضح؛ لأنها عطية من مالكٍ تامِّ المِلك. وَخُيِّرَتْ جَارِيَةُ الْوَطْءِ، ولَهَا الانْتِقَالُ، وصَحَّ لِعَبْدِ وَارِثِهِ، إِنِ اتَّحَدَ، أَوْ بِتَافِهٍ أُرِيدَ بِهِ الْعَبْدُ. قوله: (وَخُيِّرَتْ جَارِيَةُ الْوَطْءِ) لا شك أنّه عَلَى مذهب " المدونة " (¬2) مقيّد بما إِذَا أوصى ببيعها للعتق، وعَلَى الصواب نقله عنها ابن الحاجب. وَلِمَسْجِدٍ، وصُرِفَ فِي مَصَالِحِهِ، ولِمَيِّتٍ عَلِمَ بِمَوْتِهِ، فَفِي دَيْنِهِ أَوْ وَارِثِهِ، ولِذِمِّيٍّ، ولِقَاتِلٍ عَلِمَ الْمُوصِي بِالسَّبَبِ، وإِلا. فَتَأْوِيلانِ وبَطَلَتْ بِرِدَّتِهِ، وإِيصَاءٍ بِمَعْصِيَةٍ، ولِوَارِثٍ كَغَيْرِهِ بِزَائِدِ الثُّلُثِ يَوْمَ التَّنْفِيذِ، وإِنْ أُجِيزَ. فَعَطِيَّةٌ. قوله: (وَلِمَسْجِدٍ، وصُرِفَ فِي مَصَالِحِهِ) ابن عبد السلام: فاللام الداخلة عَلَى المسجد ونحوه هِيَ التي تزعم الفقهاء أنها لام المصرف، وليست لام الملك، والمال الموصى بِهِ لَمْ يزل (¬3) عَلَى ملك ربّه. ولَوْ قَالَ إِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَلِلْمَسَاكِينِ، بِخِلافِ الْعَكْسِ. قوله: (وَلَوْ قَالَ إِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَلِلْمَسَاكِينِ) إغياء لقوله (ولِوَارِثٍ). ¬
وَبِرُجُوعٍ فِيهَا وإِنْ بِمَرَضٍ بِقَوْلٍ، أَوْ بَيْعٍ، وعِتْقٍ، وكِتَابَةٍ وإِيلادٍ، وحَصْدِ زَرْعٍ، ونَسْجِ غَزْلٍ، وصَوْغِ فِضَّةٍ، وحَشْوِ قُطْنٍ، وذَبْحِ شَاةٍ، وتَفْصِيلِ شُقَّةٍ، أَوْ إِيصَاءٍ بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ انْتَفَيَا، قَالَ إِنْ مِتُّ فِيهِمَا، وإِنْ بِكِتَابٍ، ولَمْ يُخْرِجْهُ. أَوْ أَخْرَجَهُ، ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ بَعْدَهُمَا، ولَوْ أَطْلَقَهَا، لا إِنْ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ، أَوْ قَالَ مَتَى حَدَثَ الْمَوْتُ أَوْ بَنَى الْعَرْصَةَ، واشْتَرَكَا. كَإِيصَائِهِ بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ، ثُمَّ بِهِ لِعَمْرٍو. قوله: (وَكِتَابَةٍ) كذا قال ابن شاس (¬1)، والكتابة رجوع. ابن عرفة: لَمْ أجده لأهل المذهب، ولَمْ يذكره الشيخ أبو محمد فِي " نوادره "، وإنما نصّ عليه (¬2) الغزالي فِي " الوجيز "، وأصول المذهب (¬3) توافقه؛ لأن الكتابة إما بيع أَو عتق وكلاهما رجوع، وهِيَ فِي البيع الفاسد فوت، هذا إِن لَمْ يعجز، وإِن عجز فليس برجوع. وَلا بِرَهْنٍ، وتَزْوِيجِ رَقِيقٍ، وتَعْلِيمِهِ. قوله: (وَتَزْوِيجِ رَقِيقٍ) كذا قال ابن شاس: إِن تزويج العبد والأمة ليس برجوع (¬4). ابن عرفة: ولم أجدها فِي نصوص مسائل مذهبنا، ولَمْ يذكرها أبو محمد فِي " النوادر "؛ وإنما نصّ عَلَيْهِ الغزالي فِي " الوجيز " ولكن أصول المذهب تقتضي ذلك؛ لأنّه نقض فِي الموصى بِهِ كالدار يهدمها. وَوَطْءٍ، ولا إِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَبَاعَهُ كَثِيَابِهِ واسْتَخْلَفَ غَيْرَهَا، أَوْ بِثَوْبٍ فَبَاعَهُ واشْتَرَاهُ، بِخِلافِ مِثْلِهِ، ولا إِنْ جَصَّصَ الدَّارَ، أَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ، ولَتَّ السَّوِيقَ، فَلِلْمُوصَى [لَهُ] (¬5) بِزِيَادَتِهِ. قوله: (وَوَطْءٍ) إطلاقه مقصود، وأما قول ابن شاس: والوطء مَعَ العزل ليس برجوع (¬6). فقال ابن عرفة: وهو خلاف إطلاق ابن كنانة، وسماع أصبغ، ونحوه لابن عبد السلام والمصنف. ¬
وَفِي نُقْضِ الْعَرْصَةِ. قَوْلانِ، وإِنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى فَالْوَصِيَّتَانِ كَنَوْعَيْنِ، ودَرَاهِمَ، وسَبَائِكَ، وذَهَبٍ، وفِضَّةٍ، وإِلا فَأَكْثَرُهُمَا، وإِنْ تَقَدَّمَ، وإِنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِهِ. عَتَقَ، إِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، وأَخَذَ بَاقِيَهُ وإِلا. قُوِّمَ فِي مَالِهِ، ودَخَلَ الْفَقِيرُ فِي الْمِسْكِينِ، كَعَكْسِهِ، وفِي الأَقَارِبِ، والأَرْحَامِ، والأَهْلِ أَقَارِبُهُ لأُمِّهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ لأَبٍ والْوَارِثُ. كَغَيْرِهِ، بِخِلافِ أَقَارِبِهِ هُو، وأُوثِرَ الْمُحْتَاجُ الأَبْعَدُ، إِلا لِبَيَانٍ. فَيُقَدَّمُ الأَخُ، وابْنُهُ، عَلَى الْجَدِّ، ولا يُخَصُّ. قوله: (وَفِي نقْضِ الْعَرْصَةِ (¬1) قَوْلانِ) هذا لفظ ابن الحاجب بعينه (¬2)، وقد جوز فِي " التوضيح " فِي نونه الوجهين (¬3). والزَّوْجَةُ فِي جِيرَأنّه لا عَبْدٌ مَعَ سَيِّدِهِ، وفِي وَلَدٍ صَغِيرٍ وبِكْرٍ قَوْلانِ، والْحَمْلُ فِي الْجَارِيَةِ إِنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ، والأَسْفَلُونَ فِي الْمَوَالِي، والْحَمْلُ فِي الْوَلَدِ، والْمُسْلِمُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ فِي عَبِيدِهِ الْمُسْلِمِينَ، لا الْمَوَالِي فِي تَمِيمٍ، أَوْ بَنِيهِمْ، ولا الْكَافِرُ فِي ابْنِ السَّبِيلِ، ولَمْ يَلْزَمْ تَعْمِيمٌ، كَغُزَاةٍ، واجْتَهَدَ، كَزَيْدٍ مَعَهُمْ، ولا [85 / أ] شَيْءَ لِوَارِثِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ، وضُرِبَ لِمَجْهُولٍ فَأَكْثَرَ بِالثُّلُثِ، وهَلْ يُقْسَمُ عَلَى الصِّحَّةِ (¬4)، قَوْلانِ، والْمُوصَى بِشِرَائِهِ لِلْعِتْقِ. يُزَادُ لِثُلُثِ قِيمَتِهِ ثُمَّ اسْتُؤْنِيَ، ثُمَّ وُرِثَ. قوله: (وَالزَّوْجَةُ فِي جِيرَانه) أي زوجة الجار. وبِبَيْعٍ مِمَّنْ أَحَبَّ بَعْدَ النَّقْصِ والإِبَايَةِ، واشْتِرَاءٍ لِفُلانٍ، وأَبَى بُخْلاً بَطَلَتْ، ولِزِيَادَةٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ، وبِبَيْعِهِ لِلْعِتْقِ نُقِّصَ ثُلُثُهُ. قوله: (وَبِبَيْعٍ مِمَّنْ أَحَبَّ بَعْدَ النَّقْصِ والإِبَايَةِ) أي: وإِن أوصى سيّده ببيعه ممن أحب استؤني ثُمَّ ورث بعد النقص والإباية، فلفظ: (الإباية) [معطوف بالواو] (¬5) عَلَى النقص، وكذا فِي بعض النسخ، وهُوَ صحيح، وفِي بعضها بالكاف مكان الواو، ولا معنى له، ومعلوم أن النقص فيها عَلَى قدر الزيادة فِي التي قبلها. ¬
وَإِلا خُيِّرَ الْوَارِثُ فِي بَيْعِهِ، أَوْ عِتْقِ ثُلُثِهِ، أَوِ الْقَضَاءِ بِهِ لِفُلانٍ، فِي لَهُ، وبِعِتْقِ عَبْدٍ لا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْحَاضِرِ، وُقِفَ، إِنْ كَانَ لأَشْهُرٍ يَسِيرَةٍ، وإِلا عُجِّلَ عِتْقُ ثُلُثِ مَا لِحَاضِرٍ، ثُمَّ تُمِّمَ مِنْهُ، ولَزِمَ إِجَازَةُ الْوَارِثِ بِمَرَضٍ لَمْ يَصِحَّ بَعْدَهُ، إِلا لِتَبَيُّنِ عُذْرٍ بِكَوْنِهِ فِي نَفَقَتِهِ، أَوْ دَيْنِهِ أَوْ سُلْطَانه، إِلا أَنْ يَحْلِفَ مَنْ يَجْهَلُ مِثْلُهُ أنّه جَهِلَ أَنَّ لَهُ الرَّدُّ، لا بِصِحَّةٍ ولَوْ لِكَسَفَرٍ، والْوَارِثُ يَصِيرُ غَيْرَ وَارِثٍ، وعَكْسُهُ الْمُعْتَبَرُ مَآلُهُ، ولَوْ لَمْ يَعْلَمْ واجْتَهَدَ فِي ثَمَنِ مُشْتَرًى لِظِهَارٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ بِقَدْرِ الْمَالِ، فَإِنْ سَمَّى فِي تَطَوُّعٍ يَسِيراً، أَوْ قَلَّ الثُّلُثُ، شُورِكَ بِهِ فِي عَبْدٍ، وإِلا فَآخِرُ نَجْمِ مُكَاتَبٍ، وإِنْ عَتَقَ فَظَهَرَ دَيْنٌ يَرُدُّهُ أَوْ بَعْضَهُ، رُقَّ الْمُقَابِلُ. قوله: (وإِلا خُيِّرَ الْوَارِثُ فِي بَيْعِهِ، أَوْ عِتْقِ ثُلُثِهِ، أَوِ الْقَضَاءِ بِهِ لِفُلانٍ، فِي لَهُ) ينبغي أن يعطف هنا لفظ (عتق) بالواو؛ ولأنّه لا يغني متبوعه، ولفظ (القضاء) بأو؛ لأنّه تنويع. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ ولَمْ يُعْتَقِ اشْتُرِيَ غَيْرُهُ لِمَبْلَغِ الثُّلُثِ. قوله: (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ اشْتِرَائِهِ ولَمْ يُعْتَقِ اشْتُرِيَ غَيْرُهُ لِمَبْلَغِ الثُّلُثِ) فِي بعض النسخ: لَمْ يعتق، وفِي بعضها لَمْ يعين (¬1)، وكلاهما صحيح. وَبِشَاةٍ أَوْ بِعَدَدٍ مِنْ مَالِهِ شَارَكَ بِالْجُزْءِ، وإِنْ لَمْ يَبْقَ إِلا مَا سَمَّاهُ فَهُوَ لَهُ، إِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، لا ثُلُثُ غَنَمِي فَتَمُوتُ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ. فَلَهُ شَاةٌ وَسَطٌ، وإِنْ قَالَ مِنْ غَنَمِي ولا غَنَمَ لَهُ. بَطَلَتْ كَعِتْقِ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ ومَاتُوا وقُدِّمَ لِضِيقِ الثُّلُثِ فَكَ أَسِيرٍ (¬2)، ثُمَّ مُدَبَّرُ صِحَّةٍ ثُمَّ صَدَاقُ مَرِيضٍ، ثُمَّ زَكَاةٌ أَوْصَى بِهَا، إِلا أَنْ يَعْتَرِفَ بِحُلُولِهَا، ويُوصِيَ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ. كَالْحَرْثِ والْمَاشِيَةِ، وإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا، ثُمَّ الْفِطْرُ، ثُمَّ عِتْقُ ظِهَارٍ وقَتْلٍ وأُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ كَفَّارَةُ يَمِينِهِ، ثُمَّ فُطْرُ رَمَضَانَ، ثُمَّ لِلتَّفْرِيطِ، ثُمَّ النَّذْرُ ثُمَّ الْمُبَتَّلُ، ومُدَبَّرُ الْمَرَضِ، ثُمَّ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ مُعَيَّناً عِنْدَهُ أَوْ يُشْتَرَى أَوْ لِكَشَهْرٍ، أَوْ بِمَالٍ فَعَجَّلَهُ، ثُمَّ الْمُوصَى بِكِتَابَتِهِ، والْمُعْتَقُ بِمَالٍ ولأَجَلٍ بَعُدَ. قوله: (وبِشَاةٍ أَوْ بِعَدَدٍ مِنْ مَالِهِ شَارَكَ بِالْجُزْءِ) لام (مَالِهِ) مجرورة عَلَى أنّه واحد الأموال كما عند شرّاح ابن الحاجب، ولا يبعد فتحها عَلَى أن تكون (ما) موصولة، و (له) صلتها أي من الذي له من ذلك الجنس، ولعلّ هذا أدلّ عَلَى المراد. ¬
ثُمَّ المعتق لِسَنَةٍ ثُمَّ لأَكْثَرَ. قوله: (ثُمَّ المعتق لِسَنَةٍ ثُمَّ لأَكْثَرَ) أي لأكثر من سنة، وكذا فِي " المقدمات " (¬1)؛ فأنّه ذكر فيها المعتق لشهر ثُمَّ لسنة ثُمَّ لسنتين كما فعل المصنف؛ إِلا أن زيادته هنا لأجل البعيد بعد الشهر وقبل السنة كما ترى، وحمله عَلَى أقلّ من سنة حتى يكون مرتبةً زائدة لَمْ أره لأحدٍ فتدبره. ثُمَّ عِتْقٍ لَمْ يُعَيَّنْ ثُمَّ حَجَّ إِلا لِضَرُورَةٍ فَيَتَحَاصَّانِ كَعِتْقٍ لَمْ يُعَيَّنْ، ومُعَيَّنٍ غَيْرِهِ، وجُزْئِهِ ولِلْمَرِيضِ اشْتِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِثُلُثِهِ، ويَرِثُ، لا إِنْ أَوْصَى بِشِرَاءِ أَبِيهِ (¬2)، وعَتَقَ، وقُدِّمَ الابْنُ عَلَى غَيْرِهِ، وإِنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ، أَوْ بِمَا لَيْسَ فِيهَا، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، ولا يَحْمِلُ الثُّلُثُ [قِيمَتَهُ] (¬3). خُيِّرَ الْوَارِثُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ، أَوْ يَخْلَعَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ. قوله: (ثُمَّ عِتْقٍ لَمْ يُعَيَّنْ (¬4) ثُمَّ حَجَّ إِلا لِضَرُورَةٍ فَيَتَحَاصَّانِ كَعِتْقٍ لَمْ [يُعَيَّنْ] (¬5) ومُعَيَّنٍ غَيْرِهِ، وجُزْء) حاصله أنّه جعل العتق غير المعين ومعين غيره، والجزء وحجّ الضرورة فِي رتبةٍ واحدة، ثُمَّ حجّ غير الضرورة فِي آخر الرتب. وَبِنَصِيبِ ابْنِهِ، أَوْ مِثْلِهِ، فَبِالْجَمِيعِ، لا اجْعَلُوهُ وَارِثاً، أَوْ أَلْحِقُوهُ بِهِ فَزَائِدٌ. قوله: (وَبِنَصِيبِ ابْنِهِ، أَوْ مِثْلِهِ، فَبِالْجَمِيعِ (¬6)) المراد بالجميع جميع نصيب الإبن، وهُوَ كل المال أَو الباقي بعد ذوي الفروض إِن كَانَ الابن واحداً أَو نصف المال أَو نصف الباقي إِن كانا ابنين (¬7) وثلث المال أَو ثلث الباقي إِن كانوا ثلاثة ثُمَّ هكذا، وبهذا التفسير ¬
يقرب الأقصى بلفظٍ موجز، ولما أراد ابن الحاجب بالجميع كلّ المال (¬1) ليس إِلا احتياج (¬2) إِلَى التطويل فقال: وإِذَا أوصى بنصيب (¬3) ابنه أَو بمثله، فإن كَانَ له ابن واحد فالوصية بالجميع أَو بقدر ما يبقى له، وإن كَانَ له ابنان فالنصف وإن كانوا ثلاثة فالثلث، [وإِن كانوا أربعة فالربع] (¬4)، وعَلَى هذا. وأما قول ابن الحاجب: وقيل: يقدر زائداً (¬5). فهو قول الفرضيين فِي مثل النصيب لا فِي النصيب؛ ولذا سوّى المصنف بينهما قطعاً بمذهب الفقهاء، فأجاد ما شاء. وَبِنَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ فَبِجُزْءٍ مِنْ عَدَدِ رُؤُوسِهِمْ، وبِجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ فَبِسَهْمٍ مِنْ فَرِيضَتِهِ وفِي كَوْنِ ضِعْفِهِ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَيْهِ. تَرَدُّدٌ، وبِمَنَافِعِ عَبْدٍ، وُرِثَتْ عَنِ الْمُوصَى لَهُ وإِنْ حَدَّدَهَا بِزَمَنٍ، فَكَالْمُسْتَأْجِرِ، وإِنْ قُتِلَ. فَلِلْوَارِثِ [85 / ب] الْقِصَاصُ أَوِ الْقِيمَةُ. قوله: (وبِنَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ فَبِجُزْءٍ مِنْ عَدَدِ رُؤُوسِهِمْ) هذا كقول ابن الحاجب: ولو أوصى بمثل نصيب أحد ورثته فله جزء سمى لعدد رؤوسهم (¬6)، قال فِي " توضيحه " فإن كَانَ عدد ورثته عشرة فله العشر أَو تسعة فله التسع، ولا التفات إِلَى ما يستحقّ كلّ واحد، وإليه يرجع كلام ابن عبد السلام. كَإِنْ جَنَى، إِلا أَنْ يَفْدِيهِ الْمُخْدَمُ، أَوِ الْوَارِثُ، فَتَسْتَمِرُّ. قوله: (كَإِنْ جَنَى) هذا التشبيه راجع لما تضمنه ما قبله من انقطاع الخدمة؛ ولهذا قال بعده: (إِلا أَنْ يَفْدِيهِ الْمُخْدَمُ، أَوِ الْوَارِثُ، فَتَسْتَمِرُّ). ¬
وَهِيَ، ومُدَبَّرٌ، إِنْ كَانَ بِمَرَضٍ فِيمَا الْمَعْلُومِ، ودَخَلَتْ فِيهِ، وفِي الْعُمْرَى، وفِي سَفِينَةٍ، أَوْ عَبْدٍ شُهِرَ تَلَفُهُمَا، ثُمَّ ظَهَرَتِ السَّلامَةُ قَوْلانِ، لا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَرَضِهِ، أَوْ أَوْصَى بِهِ لِوَارِثٍ، وإِنْ ثَبَتَ أَنَّ عَقْدَهَا خَطُّهُ، أَوْ قَرَأَهَا ولَمْ يُشْهِدْ، أَوْ يَقُلْ. أَنْفِذُوهَا. لَمْ تُنَفَّذْ، ونُدِبَ فِيهِ. تَقْدِيمُ التَّشَهُّدِ، ولَهُمُ الشَّهَادَةُ، وإِنْ لَمْ يَقْرَأْهُ، ولا فَتَحَ، وتُنَفَّذُ، ولَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ، وإِنْ شَهِدَا بِمَا فِيهَا ومَا بَقِيَ فَلِفُلانٍ، ثُمَّ مَاتَ فَفُتِحَتْ فَإِذَا فِيهَا. ومَا بَقِيَ لِلْمَسَاكِينِ. قُسِمَ بَيْنَهُمَا، وكَتَبْتُهَا عِنْدَ فُلانٍ فَصَدِّقُوهُ، أَوْ وَصَّيْتُهُ بِثُلُثِي فَصَدِّقُوهُ. يُصَدَّقُ، إِنْ لَمْ يَقُلْ لابْنِي، ووَصِيِّي فَقَطْ، يَعُمُّ، وعَلَى كَذَا. يُخَصُّ بِهِ كَوَصِيِّي، حَتَّى يَقْدَمَ فُلانٌ. قوله: (وهِيَ، ومُدَبَّرٌ، إِنْ كَانَ بِمَرَضٍ فِي الْمَعْلُومِ (¬1)) الضمير المؤنث للوصية لا للمنافع (¬2) فَقَطْ. أَوْ إِلا أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجَتِي، وإِنْ زَوَّجَ مُوصًى عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ، وقَبْضِ دُيُونِهِ. صَحَّ، وإِنَّمَا يُوصِي عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَبٌ، أَوْ وَصِيُّهُ كَأُمٍّ، إِنْ قَلَّ، ولا وَلِيَّ. ووُرِثَ عَنْهَا لِمُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ، عَدْلٍ، كَافٍ، وإِنْ أَعْمَى، وامْرَأَةً، وعَبْداً وتَصَرَّفَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وإِنْ أَرَادَ الأَكَابِرُ بَيْعَ مُوصًى اشْتُرِيَ لِلأَصَاغِرِ، وطُرُوُّ الْفِسْقِ يَعْزِلُهُ، ولا يَبِيعُ الْوَصِيُّ عَبْداً يُحْسِنُ الْقِيَامَ بِهِ، ولا التَّرِكَةَ إِلا بِحَضْرَةِ الْكَبِيرِ، ولا يَقْسِمُ عَلَى غَائِبٍ بِلا حَاكِمٍ، ولاثْنَيْنِ حُمِلَ عَلَى التَّعَاوُنِ، وإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوِ اخْتَلَفَا. فَالْحَاكِمُ، ولا لأَحَدِهِمَا إِيصَاءٌ، ولا لَهُمَا قَسْمُ الْمَالِ، وإِلا ضَمِنَا، ولِلْوَصِيِّ، اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ، وتَأْخِيرُهُ بِالنَّظَرِ، والنَّفَقَةُ عَلَى الطِّفْلِ بِالْمَعْرُوفِ، وفِي خَتْنِهِ وعُرْسِهِ وعِيدِهِ، ودَفْعُ نَفَقَةٍ لَهُ قَلَّتْ، وإِخْرَاجُ فِطْرَتِهِ، وزَكَاتِهِ، ورَفَعَ لِلْحَاكِمِ. إِنْ كَانَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ، ودَفْعُ مَالِهِ قِرَاضاً، أَوْ بِضَاعَةً، ولا يَعْمَلُ هُو بِهِ، واشْتِرَاءٌ مِنَ التَّرِكَةِ، وتُعُقِّبَ بِالنَّظَرِ، إِلا كَحِمَارَيْنِ قَلَّ ثَمَنُهُمَا، وتَسَوَّقَ بِهِمَا الْحَضَرُ والسَّفَرُ، ولَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، ولَوْ قَبِلَ، لا بَعْدَهُمَا، وإِنْ أَبَى الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلا قَبُولَ لَهُ بَعْدُ. قوله: (أَوْ إِلا أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجَتِي) أي فهي وصيتي [143 / أ] ما دامت أيّماً (¬3). ¬
وَالْقَوْلُ لَهُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ. قوله: (والْقَوْلُ لَهُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ) كذا لابن الحاجب (¬1)، فقال ابن عبد السلام: وكذا فِي أصلها. لا فِي تَارِيخِ الْمَوْتِ، ودَفْعِ مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ. قوله: (لا فِي تَارِيخِ الْمَوْتِ) كذا قال ابن شاس (¬2)، ومن يده أخذها ابن عرفة. وبالله تعالى التوفيق. ¬
باب الفرائض
[باب الفرائض] يَخْرُجُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَالْمَرْهُونِ، وعَبْدٍ جَنَى ثُمَّ مَؤُونَةُ تَجْهِيزِهِ بِالْمَعْرُوفِ، ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ، ثُمَّ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي، ثُمَّ الْبَاقِي لِوَارِثِهِ مِنْ ذِي النِّصْفِ الزَّوْجُ، وبِنْتٌ، وبِنْتُ ابْنٍ، إِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتٌ، وأُخْتٌ شَقِيقَةٌ، أَوْ لأَبٍ، إِنْ لَمْ تَكُنْ شَقِيقَةٌ. قوله: (يَخْرُجُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ (¬1) كَالْمَرْهُونِ، وعَبْدٍ جَنَى) أشار بِهِ لقول ابن رشد فِي " المقدمات ": فأما الحقوق المعينات فتخرج كلها، وإِن أتت عَلَى جميع التركة، وذلك مثل أم الولد والرهن وزكاة ثمر الحائط الذي يموت صاحبه، وقد أزهى، وزكاة الماشية إِذَا مات عند حلولها عَلَيْهِ، وفيها السن التي تجب فيها الزكاة، وما أقرّ بِهِ المتوفي من الأصول والعروض بأعيانها لرجلٍ أَو قامت عَلَى ذلك بينة. انتهى (¬2)، والعبد الجاني مرهون بجنايته فهو منها. وَعَصَبَ كُلاًّ أَخٌ يُسَاوِيهَا. قوله: (وَعَصَبَ كُلاًّ أَخٌ يُسَاوِيهَا) أما الأخت الشقيقة والأخت للأبّ فيعصب كل واحد منهما أخوها المساوي لها فِي كونهما شقيقين أَو لأبّ، وأما بنت الصلب فيعصبها أخوها كيف كَانَ، أما بنت الابن فيعصبها أخوها وابن عمّها، وقد يعصبها ابن أخيها أَو حفيد عمها، كما يشير إليه، فلا يخفاك ما فِي كلامه هذا. وَالْجَدُّ الأُولَيَانِ والأُخْرَيَيْنِ، ولِتَعَدُّدِهِنَّ الثُّلُثَانِ ولِلثَّانِيَةِ مَعَ الأُولَى السُّدُسُ، وإِنْ كَثُرْنَ، وحَجَبَهَا ابْنٌ فَوْقَهَا، أَوْ بِنْتَانِ فَوْقَهَا، إِلا الابْنَ فِي دَرَجَتِهَا مُطْلَقاً، أَوْ أَسْفَلَ [86 / أ] فَمُعَصِّبٌ، وأُخْتٌ لأَبٍ فَأَكْثَرُ مَعَ الشَّقِيقَةِ فَأَكْثَرَ كَذَلِكَ، إِلا أنّه إِنِّمَا يُعَصِّبُ الأَخُ [أُخْتَهُ لا مَنْ فَوْقَهُ] (¬3) والرُّبُعِ الزَّوْجُ بِفَرْعٍ، والزَّوْجَةُ فَأَكْثَرُ، والثَّمَنُ لَهَا، أَوْ لَهُنَّ بِفَرْعٍ لاحِقٍ، والثُّلُثَيْنِ لِذِي النِّصْفِ، إِنْ تَعَدَّدَ، والثُّلُثِ لأُمٍّ ووَلَدَيْهَا فَأَكْثَرَ، وحَجَبَهَا لِلسُّدُسِ وَلَدٌ وإِنْ سَفَلَ، وأَخَوَانِ، أَوْ أُخْتَانِ مُطْلَقاً ولَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي فِي زَوْجٍ ¬
أَوْ زَوْجَةٍ وأَبَوَيْنِ، والسُّدُسِ لِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الأُمِّ مُطْلَقاً وسَقَطَ بِابْنٍ، وابْنِهِ، وبِنْتٍ وإِنْ سَفَلَتْ وأَبٍ وجَدٍّ، والأَبِ والأُمِّ مَعَ وَلَدٍ وإِنْ سَفُلَ، والْجَدَّةِ فَأَكْثَرَ، وأَسْقَطَهَا الأُمُّ مُطْلَقاً، والأَبُ الْجَدَّةَ مِنْ جِهَتِهِ، والْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الأُمِّ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الأَبِ، وإِلا اشْتَرَكَتَا، واحد فُرُوضِ الْجَدِّ غَيْرِ الْمُدْلِي بِأُنْثَى ولَهُ مَعَ الإِخْوَةِ والأَخَوَاتِ الأَشِقَّاءِ أَوْ لأَبٍ الْخَيْرُ مِنَ الثُّلُثِ والْمُقَاسَمَةِ، وعَادَّ الشَّقِيقُ بِغَيْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ كَالشَّقِيقَةِ بِمَالِهَا، لَوْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ، ولَهُ مَعَ ذِي فَرْضٍ مَعَهُمَا السُّدُسُ، أَوْ ثُلُثُ الْبَاقِي، أَوِ الْمُقَاسَمَةُ ولا يُفْرَضُ لأُخْتٍ مَعَهُ. قوله: (وَالْجَدُّ الأُولَيَانِ والأُخْرَيَيْنِ) كذا فِي بعض النسخ، وهو الصواب. أي وعصب الجد والبنت وبنت الابن الأخت الشقيقة، والأخت للأب والأوليان. تثنية أولى والأخريان (¬1) تثنية أخرى، فهمزتهما مضمومة، والياء فيهما قبل العلامة منقلبةً عَن ألف التأنيث. إِلا فِي الأَكْدَرِيَّةِ، والْغَرَّاءِ، زَوْجٌ وجَدٌّ وأُمٌّ، وأُخْتٌ شَقِيقَةٌ، أَوْ لأَبٍ فَيُفْرَضُ لَهَا، ولَهُ، ثُمَّ يُقَاسِمُهَا. قوله: (إِلا فِي الأَكْدَرِيَّةِ، والْغَرَّاءِ) [(¬2) فائدة الواو نفي وهم جريان الثاني عَلَى الأول، حتى يظن أن الأكدرية تكون غراء وغير غراء، وأنّه احترز من الأكدرية غير الغراء، وأفهم مثله فِي قوله بعد: (إِلا فِي الْحِمَارِيَّةِ، والْمُشْتَرَكَةِ). وَإِنْ كَانَ مَحَلَّهَا أَخٌ لأَبٍ ومَعَهُ إِخْوَةٌ لأُمٍّ، سَقَطَ وعَاصِبٍ وَرِثَ الْمَالَ أَوِ الْبَاقِي بَعْدَ الْفُرُوضِ. قوله: (وَإِنْ كَانَ مَحَلَّهَا أَخٌ لأَبٍ ومَعَهُ إِخْوَةٌ لأُمٍّ سَقَطَ) [لو لَمْ يقيد] (¬3) الأخ بقوله: (لأب) لاندرجت شَبه المالكية (¬4) ثُمَّ منهم من فرع المالكية عَلَى الأكدرية كالمصنف وابن الحاجب وابن شاس، ومنهم من فرعها عَلَى المشتركة كالحوفي وأبي النجاء. ¬
وَهُو الابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ، وعَصَّبَ كُلٌّ أُخْتَهُ، ثُمَّ الأَبُ. قوله: (وَهُوَ الابْنُ) تصريح بأن الابن عاصب كما عند غير واحد، وقال ابن ثابت: فِي تعصيبه خلاف ابن عبد السلام: لعله اختلاف فِي تسمية. ابن عرفة: بل هُوَ معنى لقول اللخمي: ميراث موالي المرأة لعصبتها وعقلهم عَلَى قومها إِن لَمْ يكن لها ولد، فإن كَانَ فقال مالك: ميراثهم لولدها وجريرتهم عَلَى قومها، وقال ابن بكير: النظر أن لا ميراث لولدها منهم، وقال عبد الوهاب: قيل: يحمل (¬1) ولدها مَعَ العاقلة؛ لأن البنوة عاصبة فِي نفسها. ابن عرفة: فقول ابن بكير ظاهر فِي أن ولد المرأة ليس من العصبة، فالخلاف إذن معنوي. ثُمَّ الْجَدُّ والإِخْوَةُ كَمَا تَقَدَّمَ [الشَّقِيقُ] (¬2)، ثُمَّ لِلأَبِ، وهُو كَالشَّقِيقِ فِي عَدَمِهِ، إِلا فِي الْحِمَارِيَّةِ، والْمُشْتَرَكَةِ، زَوْجٌ، وأُمٌّ، أَوْ جَدَّةٌ وأَخَوَانِ فَصَاعِداً لأُمٍّ، وشَقِيقٌ وَحْدَهُ، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَيُشَارِكُونَ الإِخْوَةَ لِلأُمِّ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى. قوله: (ثُمَّ الْجَدُّ والإِخْوَةُ كَمَا تَقَدَّمَ الشَّقِيقُ، ثُمَّ لِلأَبِ) هكذا هُوَ الصواب بتجريد الشقيق من أداة العطف. وَأَسْقَطَهُ أَيْضاً الشَّقِيقَةُ الَّتِي كَالْعَاصِبِ لِبِنْتٍ، أَوْ بِنْتِ ابْنٍ فَأَكْثَرَ، ثُمَّ بَنُوهُمَا، ثُمَّ الْعَمُّ الشَّقِيقُ، ثُمَّ لأَبٍ، ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ الأَقْرَبُ، فَالأَقْرَبُ، وإِنْ غَيْرَ شَقِيقٍ، وقُدِّمَ مَعَ التَّسَاوِي الشَّقِيقُ مُطْلَقاً. قوله: (وَأَسْقَطَهُ أَيْضاً الشَّقِيقَةُ الَّتِي كَالْعَاصِبِ لِبِنْتٍ، أَوْ بِنْتِ ابْنٍ فَأَكْثَرَ) ضمير أسقطه المنصوب عائد عَلَى الأخ للأب، ولفظة (أَيْضاً) تدل عَلَى أنّه أسقط فِي غير هذه المسألة، وهُوَ مفهوم قوله: (وَهُو كالشقيق) فِي عدمه إِلا فِي الحمارية يعني فيسقط، واللام فِي قوله: (لبنت) لام التعليل أي: وأسقطته أَيْضاً الشقيقة التي صارت كالعاصب؛ لأجل ¬
بنت، والظاهر من الشارح أنّه صحّف هذه اللام بالكاف، فظنّ أن البنت وبنت الابن تسقطان (¬1) الأخ للأب، ودرج عَلَى ذلك فِي " الشامل " فقال: وسقط أخ لأب بأخت شقيقة، وابن وابنة وبنت فأكثر، وهذا من أفظع الوهم الخارق للإجماع الذي لا يحلّ السكوت عليه مَعَ إطلاقه فِي الأخت الشقيقة إذ لَمْ يقيّدها بالعاصبة كما هنا. وكم فيه من أشباه هذا، فيجب أن يحترز منه. ثُمَّ الْمُعْتِقُ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ، ولا يُرَدُّ، ولا يُدْفَعُ لِذَوِي الأَرْحَامِ ويَرِثُ بِفَرْضٍ وعُصُوبَةٍ الأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ مَعَ بِنْتٍ وإِنْ سَفَلَتْ كَابْنِ عَمٍّ أَخٌ لأُمٍّ. قوله: (ثُمَّ الْمُعْتِقُ كَمَا تَقَدَّمَ) أي: فِي فصل الولاء. وَوَرِثَ ذُو فَرْضَيْنِ بِالأَقْوَى، وإِنِ اتَّفَقَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَأُمٍّ، أَوْ بِنْتٍ أُخْتٌ، ومَالُ الْكِتَابِيِّ الْحُرِّ الْمُؤَدِّي لِلْجِزْيَةِ لأَهْلِ دِينِهِ مِنْ كُورَتِهِ. قوله: (وَوَرِثَ ذُو فَرْضَيْنِ بِالأَقْوَى، وإِنِ اتَّفَقَ فِي الْمُسْلِمِينَ) الأقوى مقدم وإِن كَانَ أقل ميراثاً، وغيّا بما يتفق فِي المسلمين لندوره كالغلط فِي التزويج لا فِي الوطء. وَالأُصُولُ اثْنَانِ، وأَرْبَعَةٌ، وثَمَانِيَةٌ، وثَلاثَةٌ، وسِتَّةٌ، واثْنَا عَشَرَ، وأَرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ، فَالنِّصْفُ، مِنَ اثْنَيْنِ، والرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، والثُّمُنُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ. قوله: (وَالأُصُولُ اثْنَانِ، وأَرْبَعَةٌ، وثَمَانِيَةٌ، وثَلاثَةٌ، وسِتَّةٌ، واثْنَا عَشَرَ، وأَرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ) اقتصر عَلَى هذه الأصول السبعة المتفق عَلَيْهَا، وأضرب عَن العددين المحتاج إليهما (¬2) عند اختيار الجد فِي بعض الصور ثلث الباقي. قال العقباني فِي " شرح الحوفي ": وهم ثمانية عشر كأم أَو جدة مَعَ خمس أَو عدلهن من الأخوات فأكثر وجد، فإن الباقي بعد ذوات السدس خمسة من ستة، والجد يختار ثلث ما بقى ولا ثلث للخمسة، فتضرب الستة فِي ثلاثة تبلغ ثمانية عشر، الثانية ستة وثلاثون، كما لَو زيد فِي المال زوجة فإن الباقي بعد السدس، والربع سبعة من اثني عشر، يأخذ الجد ثلثها، ولا ثلث لها، فتضرب الاثنى ¬
عشر فِي ثلاثة بستةٍ وثلاثين، ومن الفرّاض من رد هذا الضرب لانكسار بعض السهام كالأحياز فلا يعدهما. انتهى. وقال ابن عرفة: من ألغاهما جعل مناط عدد أصول الفرائض مقام الجزء المطلوب وجوده فِي الفريضة من حيث هُوَ مضاف لكلّ [143 / ب] التركة، ومن عدّهما (¬1) جعل مناط ذلك مقام الجزء المذكور مُطْلَقاً لا من حيث كونه مضافاً لكلّ التركة، وكَانَ يجري لنا التَرَدُّدٌ فِي كونه خلافاً لفظيا أَو معنوياً تترتب (¬2) عَلَيْهِ فائدة، وهِيَ: لَو باع بعض مستحقي غير ثلث ما بقي من حظّه من ربع، هل يدخل فيه الجد بالشفعة أم لا؟ كجد وأم وأخوين وأخت باعت الأخت حظّها من ربع، وفرعنا عَلَى قول أشهب أن العصبة لا يدخل عليهم أهل السهام، فعلى الأول يدخل الجد مَعَ الأخوين فِي الشفعة فِي حظّ الأخت، وعَلَى الثاني لا يدخل؛ لأنّه ذو سهم خاص. والثُّلُثُ مِنْ ثَلاثَةٍ، [والسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ، والرُّبُعُ والثُّلُثُ أَوِ] (¬3) السُّدُسُ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ. قوله: (وَالثُّلُثُ مِنْ ثَلاثَةٍ، والسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ) سقط من بعض النسخ، والصواب ثبوته. وَالثُّمُنُ والسُّدُسُ أَوِ الثُّلُثُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وعِشْرِينَ، ومَا لا فَرْضَ فِيهَا فَأَصْلُهَا عَدَدُ عَصَبَتِهَا، وضُعِّفَ لِلذَّكَرِ عَلَى الأُنْثَى، وإِنْ زَادَتِ الْفُرُوضُ أُعِيلَتْ، فَالْعَائِلُ السِّتَّةُ [86 / ب] لِسَبْعَةٍ، وثَمَانِيَةٍ، وتِسْعَةٍ، وعَشَرَةٍ، والاثْنَا عَشَرَ - لِثَلاثَةَ عَشَرَ وخَمْسَةَ عَشَرَ وسَبْعَةَ عَشَرَ، والأَرْبَعَةُ والْعُشْرُونَ لِسَبْعَةٍ وعِشْرِينَ وهِيَ الْمِنْبَرِيَّةِ زَوْجَةٌ، وأَبَوَانِ، وابْنَتَانِ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَارَ ثَمَنُهَا تِسْعاً، ورَدَّ كُلَّ صِنْفٍ انْكَسَرَ عَلَيْهِ سِهَامُهُ إِلَى وَفْقِهِ، وإِلا تَرَكَ، وقَابَلَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَخَذَ أَحَدَ الْمِثْلَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ الْمُتَدَاخِلَيْنِ وحَاصِلَ ضَرْبِ أَحَدِهِمَا فِي وَفْقِ الآخَرِ، إِنْ تَوَافَقَا وإِلا فَفِي كُلِّهِ، إِنْ تَبَايَنَا، ثُمَّ بَيْنَ الْحَاصِلِ والثَّالِثِ، ثُمَّ كَذَلِكَ، وضُرِبَ فِي [الْمَسْأَلَةِ وفِي] (¬4) ¬
الْعَوْلِ أَيْضاً، وفِي الصِّنْفَيْنِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً، لأَنَّ كُلَّ صِنْفٍ، إِمَّا أَنْ يُوَافِقَ سِهَامَهُ، أَوْ يُبَايِنَهُ، أَوْ يُوَافِقَ أَحَدَهُمَا ويُبَايِنَ الآخَرَ، ثُمَّ كُلٌّ إِمَّا أَنْ يَتَدَاخَلا، أَوْ يَتَوَافَقَا، أَوْ يَتَبَايَنَا أَوْ يَتَمَاثَلا، والتَّدَاخُلُ، أَنْ يُفْنِيَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ أَوَّلاً وإِلا فَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ فَمُتَبَايِنٌ، وإِلا فَالْمُوَافَقَةُ بِنِسْبَةِ الْمُفْرَدِ لِلْعَدَدِ الْمَفْنِيِّ، ولِكُلٍّ مِنَ التَّرِكَةِ بِنِسْبَةِ حَظِّهِ مِنَ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ تَقْسِمِ التَّرِكَةَ عَلَى مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ كَزَوْجٍ، وأُمٍّ، وأُخْتٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِلزَّوْجِ ثَلاثَةٌ، والتَّرِكَةُ. عِشْرُونَ، والثَّلاثَةُ مِنَ الثَّمَانِيَةِ رُبُعٌ وثُمُنٌ، فَيَأْخُذُ سَبْعَةً ونِصْفاً. قوله: (وَالثُّمُنُ والسُّدُسُ أَوِ الثُّلُثُ من أربعة وعشرين) صوابه أَو الثلثان لما قد علمت. وإِنْ أَخَذَ أَحَدُهُمْ عَرْضاً فَأَخَذَهُ بِسَهْمِهِ وأَرَدْتَ مَعْرِفَةَ قِيمَتِهِ. فَاجْعَلِ الْمَسْأَلَةَ سِهَامَ غَيْرِ الآخِذِ ثُمَّ اجْعَلْ لِسِهَامِهِ مِنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ. قوله: (وَإِنْ أَخَذَ أَحَدُهُمْ عَرْضاً فَأَخَذَهُ بِسَهْمِهِ وأَرَدْتَ مَعْرِفَةَ قِيمَتِهِ. فَاجْعَلِ الْمَسْأَلَةَ سِهَامَ غَيْرِ الآخِذِ ثُمَّ اجْعَلْ لِسِهَامِهِ مِنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ) عبارة ابن الحاجب أبين إذ قال: فإن كَانَ مَعَ التركة عرض فأخذه وارث بحصته، فأردت معرفة نسبته فاجعل المسألة سهام غير الآخذ، ثُمَّ اجعل لسهامه من تلك النسبة، فما حصل فهو ثمن العرض، فإذا أخذ الزوج العرض بحصته فاجعل المسألة خمسة لكل سهمٍ أربعة، ثُمَّ اجعل للزوج أربعةً فِي ثلاثة باثني عشر وهو ثمنه، فيكون (¬1) التركة اثنين وثلاثين (¬2). وتنازل فِي " التوضيح " لتفسير الثمن فقال: هُوَ ما اتفق عَلَيْهِ الورثة لا ما يساويه فِي السوق، وسبقه ابن عبد السلام، فلو قال هنا: وإِن كَانَ مَعَ العشرين عرض فأخذه أحدهم بحصته وأردت معرفة ثمنه ... إلى آخره لكان أولى (¬3)، ولزال (¬4) ما فيه من الحشو. ¬
فَإِنْ زَادَ خَمْسَةً لِيَأْخُذَ فَزِدْهَا عَلَى الْعِشْرِينَ، ثُمَّ اقْسِمْ. قوله: (فَإِنْ زَادَ خَمْسَةً لِيَأْخُذَ فَزِدْهَا عَلَى الْعِشْرِينَ، ثُمَّ اقْسِمْ) لَو زاد هنا: فإن زيد خمسة فحطّها منها ثُمَّ اقسم، لتمّ نسجه عَلَى منوال ابن الحاجب (¬1). وَإِنْ مَاتَ بَعْضٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ووَرِثَهُ الْبَاقُونَ كَثَلاثَةِ بَنِينَ مَاتَ أَحَدُهُمْ أَوْ بَعْضٌ كَزَوْجٍ مَعَهُمْ، ولَيْسَ أَبَاهُمْ فَكَالْعَدَمِ، وإِلا صَحِّحِ الأُولَى، ثُمَّ الثَّانِيَةَ، وإِنِ انْقَسَمَ نَصِيبُ الثَّانِي عَلَى وَرَثَتِهِ كَابْنٍ وبِنْتٍ مَاتَ وتَرَكَ أُخْتاً وعَاصِباً صَحَّتَا، وإِلا وَفِّقْ بَيْنَ نَصِيبِهِ، ومَا صَحَّتْ مِنْهُ مَسْأَلَتُهُ، واضْرِبْ وَفْقَ الثَّانِيَةِ فِي الأُولَى كَابْنَيْنِ وابْنَتَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا، وتَرَكَ زَوْجةً وبِنْتاً، وثَلاثَةَ بَنِي ابْنٍ، فَمَنْ لَهُ شَيْءٍ مِنَ الأُولَى ضُرِبَ لَهُ فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ، ومَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ فَفِي وِفْقِ سِهَامِ الثَّانِي، وإِنْ لَمْ يَتَوَافَقَا ضَرَبْتَ مَا صَحَّتْ مِنْهُ مَسْأَلَتُهُ فِيمَا صَحَّتْ مِنْهُ الأُولَى. كَمَوْتِ أَحَدِهِمَا عَنِ ابْنٍ وبِنْتٍ، وإِنْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَقَطْ بِوَارِثٍ. فَلَهُ مَا نَقَصَهُ الإِقْرَارُ تَعْمَلْ فَرِيضَةَ الإِنْكَارِ، ثُمَّ الإِقْرَارِ ثُمَّ انْظُرْ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ تَدَاخُلٍ وتَبَايُنٍ وتَوَافُقٍ، الأَوَّلُ والثَّانِي كَشَقِيقَتَيْنِ وعَاصِبٍ، أَقَرَّتْ وَاحِدَةٌ بِشَقِيقَةٍ أَوْ بِشَقِيقٍ، والثَّالِثُ. كَابْنَتَيْنِ وَابْنٍ أَقَرَّ بِابْنٍ، وإِنْ أَقَرَّ ابْنٌ بِبِنْتٍ، وبِنْتٌ بِابْنٍ فَالإِنْكَارُ مِنْ ثَلاثَةٍ، وإِقْرَارُهُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ فَتَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي خَمْسَةٍ بِعِشْرِينَ، ثُمَّ فِي [87] ثَلاثَةٍ يَرُدُّ الابْنُ عَشَرَةً، وهِيَ ثَمَانِيَةٌ. قوله: (وَإِنْ مَاتَ بَعْضٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ووَرِثَهُ الْبَاقُونَ كَثَلاثَةِ بَنِينَ مَاتَ أَحَدُهُمْ أَوْ بَعْضٌ كَزَوْجٍ مَعَهُمْ، ولَيْسَ أَبَاهُمْ فَكَالْعَدَمِ) (أَو بعض) عطف عَلَى (الْبَاقُونَ). وَإِنْ أَقَرَّتْ زَوْجَةٌ حَامِلٌ، واحد أَخَوَيْهِ أَنَّهَا وَلَدَتْ حَيَّاً، فَالإِنْكَارُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ كَالإِقْرَارِ، وفَرِيضَةُ الابْنِ مِنْ ثَلاثَةٍ تُضْرَبُ فِي ثَمَانِيَةٍ. قوله: (وَإِنْ أَقَرَّتْ زَوْجَةٌ حَامِلٌ، واحد أَخَوَيْهِ أَنَّهَا وَلَدَتْ حَيَّاً، فَالإِنْكَارُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ كَالإِقْرَارِ، وفَرِيضَةُ الابْنِ مِنْ ثَلاثَةٍ تُضْرَبُ فِي ثَمَانِيَةٍ) هذه من مسائل الاستهلال، وقد ذكرنا فِي " الجامع المستوفي لجداول الحوفي " أن المقرّ هنا يرث من المقر به] (¬2) لثبوت النسب؛ ¬
وإنما النزاع فِي الشَرْط وهُوَ الحياة بِخِلاف المسائل التي قبلها، فإن النزاع فيها فِي السبب الذي هُوَ النسب أَو نحوه (¬1). وَإِنْ أَوْصَى بِشَائِعٍ كَرُبُعٍ، أَوْ جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ أُخِذَ مَخْرَجُ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ إِنِ انْقَسَمَ الْبَاقِي عَلَى الْفَرِيضَةِ كَابْنَيْنِ وأَوْصَى بِالثُّلُثِ. فَوَاضِحٌ، وإِلا وُفِّقَ بَيْنَ الْبَاقِي وَالْمَسْأَلَةِ، واضْرِبِ الْوِفْقَ فِي مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ. كَأَرْبَعَةِ أَوْلادٍ، وإِلا. فَكَامِلُهَا. كَثَلاثَةٍ، وإِنْ أَوْصَى بِسُدُسٍ وسُبُعٍ، ضَرَبْتَ سِتَّةً فِي سَبْعَةٍ ثُمَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ وَفْقِهَا. قوله: (وَإِنْ أَوْصَى بِشَائِعٍ كَرُبُعٍ، أَوْ جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ أُخِذَ مَخْرَجُ الْوَصِيَّةِ) المخرج والمسمى والأمام والمقام بمعنى واحد فِي اصطلاح أهل الحساب؛ ولذا عبّرنا ببعضها عَن بعض فِي " منية الحساب ". وَلا يَرِثُ مُلاعِنٌ ومُلاعِنَةٌ، وتَوْأَمَاهَا شَقِيقَانِ، ولا رَقِيقٌ، ولِسَيِّدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ جَمِيعُ إِرْثِهِ، ولا يَرِثُ إِلا الْمُكَاتِبَ (¬2) ولا قَاتِلٌ عَمْداً عُدْوَاناً، وإِنْ أَتَى بِشُبْهَةٍ كَمُخْطِئٍ مِنَ الدِّيَةِ. قوله: (ولا يَرِثُ مُلاعِنٌ ومُلاعِنَةٌ) كذا عدّ ابن الحاجب اللعان من الموانع فقال: ومنها اللعان (¬3)، فأورد عَلَيْهِ ابن عبد السلام: أن الأكثرين إنما يعللون نفي الحكم بقيام مانعه إِذَا كَانَ السبب موجوداً، وهاهنا السبب وهُوَ الزوجية معدوم، فلم عدّ اللعان مانعاً من الميراث، فانفصل عنه بأنّه؛ إنما جعل ذلك وسيلة للكلام عَلَى ما يذكره من أن الميراث باقٍ بين [ابن] (¬4) الملاعنة وبين أمه عَلَى ما كَانَ عَلَيْهِ، وأن الميراث تغير بينه وبين أخوته، فمنهم من ينقطع (¬5) الميراث بينه وبينهم وهم إخوته لأبيه، ومنهم من يتوارث معه عَلَى أنّه أخّ لأمّ بعد أن كَانَ التوارث بينهما عَلَى أنهما شقيقان، فصار كأخيه من أمّه من غير الأبّ الذي لاعن فيه، ومنهم من يختلف فيه كالتوأمين، وهذا كله مدلول عَلَيْهِ من كلامه بعضه ¬
بالمطابقة وبعضه بالالتزام حيث قال: ويبقى الإرث بين الولد وبين أمه والتوأمان شقيقان. انتهى. وحوله يدندن المصنف، إِلا أنّه ما دلّ كلامه بالمطابقة إِلا عَلَى أن التوأمين شقيقان. وَلا مُخَالِفٌ فِي دِينٍ كَمُسْلِمٍ مَعَ مُرْتَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وكَيَهُودِيٍّ مَعَ نَصْرَانِيٍّ، وسِوَاهُمَا مِلَّةٌ وحُكِمَ بَيْنَ الْكُفَّارِ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِ، إِنْ لَمْ يَأْبَ بَعْضٌ، إِلا أَنْ يُسْلِمَ بَعْضُهُم فَكَذَلِكَ، إِنْ لَمْ يَكُونُوا كِتَابِيِّينَ، وإِلا فَبِحُكْمِهِمْ، ولا مَنْ جُهِلَ تَأَخُّرُ مَوْتِهِ. قوله: (كَمُسْلِمٍ مَعَ مُرْتَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ) إِن كَانَ أراد بغيره الزنديق والساحر عَلَى قول الأكثر كما قيل وهِيَ رواية ابن نافع فيعضده قوله فِي " التوضيح " [144] تبعَا لابن عبد السلام: والأَظْهَر رواية ابن نافع؛ إِلا أنّه خلاف قوله قبل فِي باب: الردّة: " (وَقَتْلُ الْمُسْتَسِرِّ بِلاَ اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِباً ومَالُهُ لِوَرَثَتِهِ) "، وهذه رواية ابن القاسم، ولا ينبغي له أن يعدل عنها. وَوُقِفَ الْقَسْمُ لِلْحَمْلِ، ومَالُ الْمَفْقُودِ لِلْحُكْمِ بِمَوْتِهِ، وإِنْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ قُدِّرَ حَيَّاً ومَيِّتاً، ووُقِفَ الْمَشْكُوكُ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ فَكَالْمَجْهُولِ. فَذَاتُ زَوْجٍ، وأُمٍّ، وأُخْتٍ، وأَبٍ مَفْقُودٍ، فَعَلَى حَيَاتِهِ مِنْ سِتَّةٍ، ومَوْتِهِ كَذَلِكَ، وتَعُولُ لِثَمَانِيَةٍ، وتَضْرِبُ الْوَفْقَ بِأَرْبَعَةٍ وعِشْرِينَ، لِلزَّوْجِ. تِسْعَةٌ، ولِلأُمِّ أَرْبَعَةٌ، ووُقِفَ الْبَاقِي. فَإِنْ ظَهَرَ أنّه حَيٌّ فَلِلزَّوْجِ ثَلاثَةٌ، ولِلأَبِ ثَمَانِيَةٌ، أَوْ مَوْتُهُ أَوْ مُضِيُّ التَّعْمِيرِ فَلِلأُخْتِ تِسْعَةٌ، ولِلأُمِّ اثْنَانِ، ولِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وأُنْثَى، تُصَحِّحُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى التَّقْدِيرَاتِ، ثُمَّ تَضْرِبُ الْوَفْقَ، أَوِ الْكُلِّ، ثُمَّ فِي حَالَتَيِ الْخُنْثَى تَأْخُذُ مِنْ كُلِّ نَصِيبٍ مِنَ الاثْنَيْنِ النِّصْفَ، وأَرْبَعَةٍ الرُّبُعَ، ومَا اجْتَمَعَ فَنَصِيبُ كُلٍّ كَذَكَرٍ، وخُنْثَى، فَالتَّذْكِيرُ مِنَ اثْنَيْنِ، والتَّأْنِيثُ مِنْ ثَلاثَةٍ، تَضْرِبُ الاثْنَيْنِ فِيهَا، ثُمَّ فِي حَالَتَيِ الْخُنْثَى لَهُ فِي الذُّكُورَةِ سِتَّةٌ، والأُنُوثَةِ أَرْبَعَةٌ، فَنِصْفُهَا خَمْسَةٌ وكَذَلِكَ غَيْرُهُ، وكَخُنْثَيَيْنِ، وعَاصِبٍ. فَأَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ، تَنْتَهِي لأَرْبَعَةٍ وعِشْرِينَ، لِكُلٍّ أَحَدَ عَشَرَ، ولِلْعَاصِبِ اثْنَانِ، فَإِنْ بَالَ مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ كَانَ أَكْثَرَ، أَوْ أَسْبَقَ، أَوْ نَبَتَتْ لِحْيَةٌ، أَوْ ثَدْيٌ، أَوْ حَصَلَ حَيْضٌ، أَوْ مَنِيٌّ، فَلا إِشْكَالَ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قوله: (وَوُقِفَ الْقَسْمُ لِلْحَمْلِ) أي: ولا يوقف الدين والقَوْلانِ فِي الوصية، هذه طريقة ابن رشد وقد استوفاها (¬1) فِي آخر باب: القسمة، إذ قال: " وأخرت لا دين لحمل (¬2)، وفِي ¬
الوصية قَوْلانِ " وغلّط ابن رشد ابن أيمن القائل بـ: تأخير الدين، واستظهره ابن عرفة، وقال: بِهِ العمل عندنا ودليله من وجهين الأول: أن الدين لا يجوز قضاؤه إِلا بحكم قاضٍ، وحكمه متوقف عَلَى ثبوت موت المديان وعدد ورثته، ولا يتقرر عدد ورثته إِلا بوضع الحمل، فالحكم متوقف عَلَيْهِ، وقضاء الدين متوقف عَلَى الحكم، والمتوقف عَلَى متوقف عَلَى أمرٍ متوقف عَلَى ذلك الأمر الثاني: أن حكم الحاكم بالدين متوقف عَلَى الإعذار لكلّ الورثة، والحمل من جملتهم، ولا يتقرر الإعذار (¬1) فِي حقّه إِلا بوصي عَلَيْهِ أَو مقدم، وكلاهما مستحيل قبل وضعه فتأمله. انتهى. وقد أشبعنا الكلام فيها آخر القسمة. تكميل: قال ابن شعبان: أول فرائض كتاب " الزاهي ": من هلك عَن زوجٍ حامل لَمْ تنفذ وصاياه، ولا تأخذ زوجته أدنى سهميها حتى تضع، وقال أشهب: تتعجّل أدنى السهمين، وهُوَ الذي لا شكّ فيه، وقيل يوقف من ميراثه توارث (¬2) أربعة ذكور، وحجة قائله أن أكثر ما تلده المرأة أربعة، وقد ولدت [أم] (¬3) ولد أبي إسماعيل أربعة ذكور: محمداً، وعمر وعلياً وإسماعيل، فبلغ محمد وعمر وعليّ الثمانين. فنقل ابن عرفة عَن الطبقة الخامسة من " تهذيب الكمال فِي أسماء رجال الكتب الستة ": أن محمداً هذا كوفي، خرّج عنه مسلم وأبو داود والنسائي. قال ابن عرفة: وسمعت من غير واحدٍ ممن يوثق بِهِ أن بني العشرة الذين بنى والدهم مدينة سلا بأرض المغرب كَانَ سبب بنائه إياها أنّه ولد له عشرة ذكور، من حمل واحد من امرأة له فجعلهم فِي مائدة، ورفعهم إِلَى أمير المؤمنين يعقوب المنصور، فأعطى كلّ واحد منهم ألف دينار ذهباً، وأقطع أباهم أرضاً بواد سلا، فبنا بها مدينة تعرف إِلَى الآن ببني العشرة. ¬
وبنا يعقوب المنصور مدينة " تسامتها "، والوادي يفصل بينهما، ثُمَّ [رأيت] (¬1) فِي هذا الوقت رجلاً يعرف ببني (¬2) العشرة، فسألته عَن نسبه وسببه فذكر ليّ مثل ذلك. انتهى كلام ابن عرفة، وكأنّه لَمْ يقف عَلَى ما فِي رسم الحسن من قسم الغرباء من تكملة ابن عبد الملك إذ قال: تقول بعض الأغمار: إِن سبب هذه الشهرة أنهم كانوا أخوة توائم، فسئل عَن ذلك أحد أعقابهم فقال: جعلوا أمنا خنزيرة تلد عشرة - حسيبهم الله. [كمل والحمد لله على كلّ حال: " شفاء الغليل فِي حلّ مقفل خليل " فمن أضافه لشرح بهرام الصغير سهل عَلَيْهِ بحول الله كل عسير، وذلك فِي: العشر الوسط من صفر من عام: خمسة وتسعمائة، عرفنا الله خيره وبركته بجاه سيدنا محمد النبي الأمين سيّد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجّلين، صلى الله وسلم عَلَى آله وصحبه الطيبين الطاهرين المنتخبين، والحمد لله ربّ العالمين. آمين. آمين. آمين] (¬3). ¬