شريعة الله لا شريعة البشر

شحاتة صقر

أقوال ليست عابرة

أقوال ليست عابرة - إياك أن ترد الأمر على الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا تَقُل إن هذه الشريعة لم تَعُدْ تناسب العصر الحديث، فإنك بذلك تكون قد كفرت، والعياذ بالله. الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - (¬1). - الإسلام والسياسة متداخلان لا انقصام بينهما، وهو شريعة وعقيدة لا ينفصل عن السياسة ولا تضر به؛ لأنه صمام الأمن والأمان لها، وغير المسلمين يلتزمون بالقانون الإسلامى كقانون فقط لا مساس فيه بالعقيدة ولا ما يتبعها من الأمور اللصيقة بها. الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق - رحمه الله - (¬2). ¬

_ (¬1) تفسير الشعراوي، عند تفسير قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} (سورة البقرة:37). (¬2) فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية www.islamic-council.com، تاريخ الفتوى: محرم 1402هجرية ـ 10 نوفمبر 1981م.

- إن أول واجب على مَن يَلِي أمور المسلمين تطبيق شريعة الله فيهم، ويناشد المجمع جميع الحكومات في بلاد المسلمين المبادرة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتحكيمها تحكيمًا تامًا كاملًا مستقرًا، في جميع مجالات الحياة، ودعوة المجتمعات الإسلامية، أفرادًا وشعوبًا ودولًا، للالتزام بدين الله تعالى وتطبيق شريعته، باعتبار هذا الدين عقيدة وشريعة وسلوكًا ونظام حياة. مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي (¬1). ¬

_ (¬1) قرار رقم: 48 بشأن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، مجلة المجمع العدد الخامس.

مقدمة

مقدمة إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} (آل عمران:102). {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} (النساء:1). {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)}. (الأحزاب:70). أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى النَّارِ.

إن الهجوم الشرس على المادة الثانية من الدستور، وشن الحرب على الدعوة والدعاة، وكثير من مظاهر التدين والمطالبة بدولة مدنية علمانية، إنما هو محاولة لطمس هوية مصر الإسلامية، وتفريغ الإسلام من محتواه بحيث يصبح اسمًا بلا رسم، إسلام معلَّب في واشنطن أو باريس أو لندن، إسلام مودرن ممسوخ يسير وفق أهواء البشر لا وفق حكم خالق البشر. والمسلمون لا يقبلون الثنائيات: اشتراكية أو ديمقراطية أو ديكتاتورية، ولا نقبل المصطلحات الوقادة مثل الحكم بالحق الإلهي أو الثيوقراطية. فنحن كمسلمين لا نرضى بالإسلام بديلًا، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (يوسف: 40)، ونريد أن نُحْكَم بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولو حكمنا عبد حبشي بشرع الله سنقول له: «سمعًا وطاعة». والديمقراطية دين عند أهلها، وثن يعبد من دون الله، ونظام يوناني قديم يفترق عن الإسلام في المنشأ والغاية، والشورى فيه ليست كالشورى عند المسلمين.

ولا نقبل التكريس للديمقراطية بزعم أنها عبارة عن تولية الحاكم وعزله ومراقبة نظام الحكم، فالمناداة بما يكرِّس لحكم الأغلبية ولو بغير شرع الله، والحريات في النظام الديمقراطي عبارة عن حرية شخصية، يزني الشخصُ ويُزنى به بلا اعتراض، حرية المرأة، تبرج واختلاط وعرى وخلاعة، حرية رأى وتعبير، يُكْفَر بخالق الأرض والسماء، حرية تملك ولو بالربا. تعلق المشانق، ويتهم بالخيانة العظمى، ويعاقب كل من خرج على دستور البلاد الوضعي، فكيف بمن كفر بالله، وخرج يصد عن سبيل الله. وديننا لا فصل فيه بين الأرض والسماء، والدنيا والآخرة، ولا يصح الفصل بين رجال الدين ورجال الدولة، فالحكم الإسلامي موضوع لإقامة الدين وسياسة الدنيا به، وعندنا علماء أما مصطلح رجال الدين فمأخوذ من أوربا. وكل مسلم مطالب أن يقيم الحق في نفسه وفي الخلق، وأن يحكم بشرع الله سواء كان حاكمًا أو محكومًا؛ في سياسته واقتصاده واجتماعه وأخلاقه وحياته الخاصة والعامة، لا فصل بين العلم والعمل، ولا يصح أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر بالبعض

الآخر قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (البقرة: 85). وإن وجود بعض الهفوات أو الجنايات من الدول التي تطبق الإسلام أو من حكام المسلمين لا يقدح في مرجعيةِ الشريعة، ووجوبِ إقامةِ الدين، وسياسةِ الدنيا به؛ فكل إنسان يؤخذ منه ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والحق مقبول من كل من جاء به والباطل مردود على صاحبه كائنًا من كان، والطبيب والمهندس قد يخطئ ولا نطالب بإلغاء مهنة الطب والهندسة فكذلك الأمر هنا. وما سعد أهل الكتاب ـ ومنهم أقباط مصر ـ إلا في ظلال تطبيق الشريعة، ونحن نتركهم وما يدينون، فإن تحاكموا إلينا حكمنا فيهم بشرع الله، ولا مشكلة في أن يكون لهم قانونهم الخاص بأحوالهم الشخصية كالطلاق والزواج. وما من دولة إلا وهي تطبق دستورها على جميع رعاياها، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن المسلمين هم الذين قاموا بحماية

النصارى، وقاموا بإعانتهم، ولا نغالي لو قلنا أن الذي يمارس الطائفية ويسرق سفينة الوطن ويريدها فتنة هو العلماني والديمقراطي والليبرالي الذي يساوي بين المسلم والكافر، ويحارب الإسلام ويشن الحرب على المتدينين، ويقبل حكم الشيوعيين، وأن يتولى مَن لا خلاق له توجيه دفة التعليم والإعلام والثقافة في أمة مسلمة المفترض أن تحكم بإسلامها؛ فالإسلام يعلو ولا يُعلى عليه. والإسلام المنزل من عند الله ـ هو دين الفطرة، الدين الذي يعرف أسرار الفطرة فيقدم لها ما يصلح لها وما يصلحها. الدين الذي يعالج الفطرة على أحسن وجه وأنسب طريقة، ليخرج منها بأقصى ما تستطيع أن تمنحه من الخير. الدين الذي يتلبس بالفطرة فيملؤها كلها ولا يترك فراغًا واحدًا لا ينفذ إليه. الدين الذي يأخذ الفطرة كما هي كلًا واحدًا لا يتجزأ، كلًا يشمل الجسم والعقل والروح، فيعالجها العلاج الشامل الذي يأخذ في حسابه الجوانب كلها. ويأخذها مرتبطًا بعضها ببعض في نظام وثيق.

ومن ثم لا يأخذ شعور الإنسان ويترك سلوكه. لا يأخذ آخرته ويدع دنياه .. وإنما يعمل حساب ذلك كله في توجيهاته وتشريعاته سواء. إن الإسلام يتناول الحياة كلها، بكل ما تشتمل عليه من تنظيمات. ويرسم للبشر صورة كاملة لما ينبغي أن تكون عليه حياتهم في هذه الأرض. إنه يتناول الإنسان من يقظته في الصباح الباكر حتى يسلم جنبه للنوم في آخر المساء. يعلمه ويلقنه ماذا يصنع وماذا يقول أول مايفتح عينيه، ثم حين يقوم، ثم حين يقضي ضرورته، ثم حين يؤدي صلاته، ثم حين يضرب في مناكب الأرض باحثًا عن رزقه: زارعًا أو صانعًا أو عاملًا أو بائعًا أو شاريًا .. ثم حين يتناول طعامه، ثم حين يستريح من القيلولة، ثم حين يعود في آخر اليوم، ثم حين يلقى زوجه وأطفاله، ثم حين يضع جنبه، ثم حين يأخذ في النوم .. بل إذا صحا كذلك في وسط النوم فزعًا أو غير مفزّع! وكما تناول الإنسان فردًا في جميع أحواله، فقد تناوله كذلك وهو يعيش في المجتمع مع غيره من الأفراد. فعلم المجتمع ولقنه

كيف تكون الصلات بين أفراده، وكيف تكون العلاقات. وكيف ينشئ تقاليده على المودة والإخاء والحب، والتكافل والتعاون. وكيف يشتري وكيف يبيع. وكيف يزرع وكيف يجني. وكيف يملك وكيف يوزع الثروة بين الأفراد. وكما تناول الفرد والمجتمع تناول كذلك الدولة ممثلة المجتمع. فأعطى ولي الأمر حقوقًا وأوجب عليه واجبات. وعلمه ولقنه كيف يحكم الناس، وكيف يقيم بينهم العدل، وكيف يوزع المال بينهم، بأي نسب وعلى أي الفئات ومن أي الموارد. وكيف يعلن الحرب وكيف يقيم السلم، وكيف يتعامل مع الدول والجماعات والأفراد. الحياة كلها بجميع دقائقها وتفصيلاتها. الحياة المادية والفكرية والروحية. الحياة الفردية والاجتماعية. الحياة بكل ما تشمله من مفاهيم. وكانت تلك هي طريقة الإسلام الفذة في إصلاح البشرية. إن الإسلام به نظام اقتصادي عادل، ونظام اجتماعي متوازن، ونظام سياسي راشد محكم الرباط؟

هل البشر الذين يشرعون ما يخالف شرع الله يُدِلّون على الله بعلمهم؟ ويحسبون أنهم الذين أدرى من الله ـ الذي خلق الخلق سبحانه وتعالى عما يصفونه علوًا كبيرًا. إن الإسلام قد بيَّن أن الحياة السليمة النظيفة المتكاملة لا يمكن أن تتم في داخل القلب معزولة عن واقع الحياة. لا يمكن أن تتم في الوجدان والمشاعر إن لم يكن لها رصيد مواز لها من العمل والسلوك. ومن ثم لم يجعل الدين عقيدة كامنة في الضمير. وإنما جعلها نظامًا قائمًا على عقيدة، ومجتمعًا قائمًا على هذا النظام. إن الإسلام دين الفطرة وكلمة الله، ومن ثم يجعل في حسابه الباطن والظاهر، والشعور والعمل، والوجدان والسلوك. من أجل ذلك يحرص الإسلام على واقع المجتمع أن يكون نظيفًا ليعاون الفرد على نظافة الضمير. ولن تكون نظافة المجتمع إلا بنظام اقتصادي عادل، ونظام اجتماعي متوازن، ونظام سياسي راشد محكم الرباط بالعقيدة الصحيحة والإيمان الصحيح (¬1). ¬

_ (¬1) قبسات من الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للأستاذ محمد قطب، باختصار وتصرف يسيرين.

ومن هذا المنطلق كانت هذه الرسالة التي جمعتها من كتاب الله ـ وكلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأقوال أهل العلم، تذكيرًا لإخواني المسلمين بهذه الشريعة الخالدة التي هي جزء من عقيدة المسلمين التي يكفر من أنكرها أو زعم أنها لا تصلح لهذا العصر. هذه الشريعة فيها عزنا ومجدنا، قال تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (الأنبياء: 10). وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (الزخرف: 44). اللهم مكِّنْ لدينك في الأرض، وأفتح له قلوب الناس. وأسأل الله - عز وجل - أن ينفعني والمسلمين بهذه الورقات وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه ـ سيدنا محمد ـ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. شحاتة محمد صقر [email protected] اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)

مفهوم الإفساد والإصلاح في الإسلام

مفهوم الإفساد والإصلاح في الإسلام الصلاح والإصلاح والعزة والكرامة واللحاق بركب التقدم، كل ذلك يتحقق بإسلام الوجه لله ـ بعيدًا عن المتاجرة بالشعارات، نحن نريد إقامة حضارة على منهاج النبوة. من أعظم الإفساد الصد عن سبيل الله ـ وتعطيل شريعته: قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)} (النحل: 88). وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا

وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)} (النمل: 45 - 51). تطبيق القوانين الوضعيّة والبعد عن شرع الله ـ من أعظم الفساد في الأرض: قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)} (المؤمنون: 71). وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} (الروم: 41). وقال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (الأعراف: 85). وقال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ

خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} (الأعراف: 56). أعداء الإسلام الذين يحاربون شرع الله ـ يقلبون الموازين ويتهمون دعاة الشريعة بالإفساد: قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)} (البقرة: 11 - 12). وقال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)} (غافر: 26).وقال تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} (الأعراف: 127). المسلم لا يطيع المفسدين من العَلَمانيين وغيرهم: قال تعالى: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)} (الشعراء: 151 - 152).

من الإفساد استضعاف المؤمنين وتعذيبهم: قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)} (القصص: 4). من الإفساد التخريب والتدمير: قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)} (البقرة: 204 - 206). الله ـ لا يحب الفساد والمفسدين: قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)} (القصص: 77). قال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (البقرة:205). الله ـ لا يصلح عمل المفسدين: قال تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ

سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)} (يونس: 81). الله ـ يعلم المفسد من المصلح: قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} (البقرة: 220).وقال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)} (آل عمران: 63). نتيجة الإفساد عذاب الله - عز وجل -: قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} (الفجر: 6 - 14). المفسدون خاسرون: قال تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)} (البقرة: 27). المفسدون لهم اللعنة: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ

مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)} (الرعد: 25). المفسدون يندمون حين لا ينفع الندم: قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)} (يونس: 90 - 92). لولا أن الله يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها وإقامتهم شعائر الكفر ومنعهم من عبادة الله تعالى، وإظهار دينه: قال تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)} (البقرة: 251).

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الإصلاح والنجاة: قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)} (هود: 116 - 117). الإصلاح لا يكون إلا بطاعة الله ـ واتباع شرعه: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)} (الأعراف: 170). الإصلاح طريق الأنبياء: قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا

يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)} (هود: 84 - 88). المؤمن المصلح يستعين بالله على المفسدين: قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)} (العنكبوت: 28 - 30). طريق الإصلاح في البعد عن طريق المفسدين من الشيوعيين والعَلَمانيين وغيرهم والبعد عن نظرياتهم التي تخالف شرع الله ـ: قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)}

(الأنبياء: 22 - 23). وقال تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)} (الأعراف: 142). قال ابن القيّم - رحمه الله - في قوله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} (الأعراف: 56): «قال أكثر المفسّرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي، والدّعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله لها ببعث الرّسل، وبيان الشّريعة، والدّعاء إلى طاعة الله؛ فإنّ عبادة غير الله والدّعوة إلى غيره والشّرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنّما هو بالشّرك به ومخالفة أمره. فالشّرك والدّعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره، ومطاع متّبع غير رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلّا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع، والدّعوة له لا لغيره، والطّاعة والاتّباع لرسوله ليس إلّا، وغيره إنّما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرّسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة.

ومَن تدبّر أحوال العالم وجد كلّ صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكلّ شرّ في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدوّ وغير ذلك فسببه مخالفة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والدّعوة إلى غير الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -» (¬1). اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) ¬

_ (¬1) التفسير القيم، لابن القيم (255).

شرع الله، لا شرع البشر شرع الخالق، لا شرع المخلوق الشريعة الإسلامية لا العلمانية

شرع الله، لا شرع البشر شرع الخالق، لا شرع المخلوق الشريعة الإسلامية لا العَلَمانية التغيير الذي ننشده نريد خلافة على منهاج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تسود فيها شريعة الله ـ، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} (الحج:41). ويجب على كل مسلم أن يعلم أن مسألة تطبيق شريعة الله ـ ليست مسألة هينة، بل هي من أصول التوحيد فالله ـ هو الذي خلق وبالتالي هو الذي يشرع، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} (الأعراف: 54).

والذي يشرع من دون الله يزعم أنه شريك لله ـ في الأمر والنهي والتحليل والتحريم؛ قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى: 21). وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف: 40). وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (النساء:65). وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (النساء:59). وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)} (النساء:66). وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا

تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} (المائدة:48 - 50). يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله -: «يقف الإنسان أمام هذه النصاعة في التعبير، وهذا الحسم في التقرير، وهذا الاحتياط البالغ لكل ما قد يهجس في الخاطر من مبررات لِتَرْك شيء ـ ولو قليل ـ من هذه الشريعة في بعض الملابسات والظروف. يقف الإنسان أمام هذا كله، فيعجب كيف ساغ لمسلم ـ يَدّعِي الإسلام ـ أن يترك شريعة الله كلها، بدعوى الملابسات والظروف! وكيف ساغ له أن يظل يَدّعِي الإسلام بعد هذا التَرْك الكلي لشريعة الله! وكيف لا يزال الناس يسمون أنفسهم «

مسلمين»؟! وقد خلعوا ربقة الإسلام من رقابهم، وهم يخلعون شريعة الله كلها؛ ويرفضون الإقرار له بالإلوهية، في صورة رفضهم الإقرار بشريعته، وبصلاحية هذه الشريعة في جميع الملابسات والظروف، وبضرورة تطبيقها كلها في جميع الملابسات والظروف! {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}. يتمثل الحق في صدوره من جهة الألوهية، وهي الجهة التي تملك حق تنزيل الشرائع، وفرض القوانين، ويتمثل الحق في محتوياته، وفي كل ما يعرض له من شئون العقيدة والشريعة، وفي كل ما يقصه من خبر، وما يحمله من توجيه. {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}. فهو الصوره الأخيره لدين الله، وهو المرجع الأخير في هذا الشأن، والمرجع الأخير في منهج الحياة وشرائع الناس، ونظام حياتهم، بلا تعديل بعد ذلك ولا تبديل. ومِن ثَمّ فكل اختلاف يجب أن يُرَدَّ إلى هذا الكتاب ليفصل فيه، سواء كان هذا الاختلاف في التصور الاعتقادي بين أصحاب الشرائع السماوية، أو في الشريعة التي جاء هذا الكتاب

بصورتها الأخيرة، أو كان هذا الاختلاف بين المسلمين أنفسهم، فالمرجع الذي يعودون إليه بآرائهم في شأن الحياة كله هو هذا الكتاب، ولا قيمه لآراء الرجال ما لم يكن لها أصل تستند إليه من هذا المرجع الأخير. وتترتب على هذه الحقيقه مقتضياتها المباشره: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ}. والأمر موجه ابتداء إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما كان فيه من أمر أهل الكتاب الذين يجيئون إليه متحاكمين، ولكنه ليس خاصًا بهذا السبب، بل هو عام، وإلى آخر الزمان، طالما أنه ليس هناك رسول جديد، ولا رسالة جديدة، لتعديل شيءٍ ما في هذا المرجع الأخير! لقد كمل هذا الدين، وتمت به نعمة الله على المسلمين، ورضيه الله لهم منهج حياه للناس أجمعين، ولم يعد هنالك من سبيل لتعديل شيء فيه أو تبديله، ولا لترك شيء من حكمه إلى حكم آخر، ولا شيء من شريعته إلى شريعة أخرى.

وقد علم الله حين رضيه للناس، أنه يسع الناس جميعًا، وعلم الله حين رضيه مرجعًا أخيرًا أنه يحقق الخير للناس جميعًا، وأنه يسع حياة الناس جميعًا، الى يوم الدين. وأي تعديل في هذا المنهج ـ ودعك من العدول عنه ـ هو إنكار لهذا المعلوم من الدين بالضرورة، يُخْرِجُ صاحبه من هذا الدين، ولو قال باللسان ألف مرة: إنه من المسلمين! وقد علم الله أن معاذير كثيره يمكن أن تقوم وأن يبرر بها العدول عن شيء مما أنزل الله واتباع أهواء المحكومين المتحاكمين وأن هواجس قد تتسرب في ضرورة الحكم بما أنزل الله كله بلا عدول عن شيء فيه، في بعض الملابسات والظروف، فحذر الله نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذه الآيات مرتين من اتباع أهواء المتحاكمين، ومن فتنتهم له عن بعض ما أنزل الله إليه. وأولى هذه الهواجس: الرغبة البشرية الخفية في تأليف القلوب بين الطوائف المتعددة، والاتجاهات والعقائد المتجمعة في بلد واحد، ومسايرة بعض رغباتهم عند ما تصطدم ببعض أحكام الشريعة، والميل إلى التساهل في الأمور الطفيفة، أو التي يبدو أنها ليست من أساسيات الشريعة!

وقد شاء الله ـ أن يحسم في هذا الأمر، وأن يقطع الطريق على الرغبة البشرية الخفية في التساهل مراعاة للاعتبارات والظروف، وتأليفًا للقلوب حين تختلف الرغبات والأهواء فقال لنبيه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}. إن الله لو شاء لجعل الناس أمة واحدة؛ ولكنه جعل لكل منهم طريقًا ومنهاجًا؛ وجعلهم مبتلين مختبرين فيما آتاهم من الدين والشريعة، وما آتاهم في الحياة كلها من عطايا، وأن كلًا منهم يسلك طريقه؛ ثم يرجعون كلهم إلى الله، فينبئهم بالحقيقة، ويحاسبهم على ما اتخذوا من منهج وطريق. إذن لا يجوز أن يفكر في التساهل في شيء من الشريعة لتجميع المختلفين في المشارب والمناهج؛ فهم لا يتجمعون: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.

بذلك أغلق الله ـ مداخل الشيطان كلها، وبخاصة ما يبدو منها خيرًا وتأليفًا للقلوب وتجميعًا للصفوف؛ بالتساهل في شيء من شريعة الله؛ في مقابل إرضاء الجميع! أو في مقابل ما يسمونه وحدة الصفوف! إن شريعة الله أبقى وأغلى من أن يُضَحَّى بجزء منها في مقابل شيء قَدَّر الله ألا يكون! فالناس قد خُلِقوا ولكل منهم استعداد، ولكل منهم مشرب، ولكل منهم منهج، ولكل منهم طريق. ولحكمة من حكم الله خلقوا هكذا مختلفين، وقد عرض الله عليهم الهدى وتركهم يستبقون، وجعل هذا ابتلاء لهم يقوم عليه جزاؤهم يوم يرجعون إليه، وهم إليه راجعون. وإنها لتعلة باطلة (¬1) إذن، ومحاولة فاشلة، أن يحاول أحد تجميعهم على حساب شريعة الله، أو بتعبير آخر على حساب صلاح الحياة البشرية وفلاحها؛ فالعدول أو التعديل في شريعة الله لا يعني شيئًا إلا الفساد في الأرض، وإلا الانحراف عن المنهج الوحيد القويم، وإلا انتفاء العدالة في حياة البشر، وإلا ¬

_ (¬1) تَعِلَّةُ الصبيِّ: ما يُعَلَّل ويتلهى به ليسكت.

عبودية الناس بعضهم لبعض، واتخاذ بعضهم لبعض أربابًا من دون الله. وهو شر عظيم وفساد عظيم، لا يجوز ارتكابه في محاولة عقيمة لا تكون؛ لأنها غير ما قدره الله في طبيعة البشر؛ ولأنها مضادة للحكمة التي من أجلها قدر ما قدر من اختلاف المناهج والمشارع، والاتجاهات والمشارب، وهو خالق الخلق وصاحب الأمر الأول فيهم والأخير، وإليه المرجع والمصير. إن محاولة التساهل في شيء من شريعة الله، لمثل هذا الغرض، تبدو ـ في ظل هذا النص الصادق الذي يبدو مصداقه في واقع الحياة البشرية في كل ناحية ـ محاولة سخيفة لا مبرر لها من الواقع، ولا سند لها من إرادة الله، ولا قبول لها في حس المسلم، الذي لا يحاول إلا تحقيق مشيئة الله. فكيف وبعض من يسمون أنفسهم «مسلمين» يقولون: إنه لا يجوز تطبيق الشريعة حتى لا نخسر «السائحين»؟!!! ويعود السياق فيؤكد هذه الحقيقة، ويزيدها وضوحًا؛ فالنص الأول: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ

عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} قد يعني النهي عن ترك شريعة الله كلها إلى أهوائهم! فالآن يحذره من فتنتهم له عن بعض ما أنزل الله إليه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}. فالتحذير هنا أشد وأدق؛ وهو تصوير للأمر على حقيقته؛ فهي فتنة يجب أن تُحْذَر، والأمر في هذا المجال لا يعدو أن يكون حكمًا بما أنزل الله كاملًا؛ أو أن يكون اتباعًا للهوى وفتنة يحذر الله منها. ثم يستمر السياق في تتبع الهواجس والخواطر؛ فيهون على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أمرهم إذا لم يعجبهم هذا الاستمساك الكامل بالصغيرة قبل الكبيرة في هذه الشريعة، وإذا هم تولوا فلم يختاروا الإسلام دينًا؛ أو تولوا عن الاحتكام إلى شريعة الله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}. فإن تولوا فلا عليك منهم؛ ولا يفتنك هذا عن الاستمساك الكامل بحكم الله وشريعته. ولا تجعل إعراضهم يفت في عضدك أو يحولك عن موقفك.

فإنهم إنما يتولون ويعرضون لأن الله يريد أن يجزيهم على بعض ذنوبهم، فهم الذين سيصيبهم السوء بهذا الإعراض، لا أنت ولا شريعة الله ودينه، ولا الصف المسلم المستمسك بدينه. ثم إنها طبيعة البشر: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} فهم يخرجون وينحرفون؛ لأنهم هكذا، ولا حيلة لك في هذا الأمر، ولا ذنب للشريعة! ولا سبيل لاستقامتهم على الطريق! وبذلك يغلق كل منافذ الشيطان ومداخله إلى النفس المؤمنة؛ ويأخذ الطريق على كل حجة وكل ذريعة لترك شيء من أحكام هذه الشريعة؛ لغرض من الأغراض، في ظرف من الظروف. ثم يقفهم على مفرق الطريق. . فإنه إما حكم الله، وإما حكم الجاهلية. ولا وسط بين الطرفين ولا بديل. . حكم الله يقوم في الأرض، وشريعة الله تنفذ في حياة الناس، ومنهج الله يقود حياة البشر ... أو أنه حكم الجاهلية، وشريعة الهوى، ومنهج العبودية. . فأيهما يريدون؟ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}

إن معنى الجاهلية يتحدد بهذا النص. فالجاهلية ـ كما يصفها الله ويحددها قرآنه ـ هي حكم البشر للبشر، لأنها هي عبودية البشر للبشر، والخروج من عبودية الله، ورفض ألوهية الله، والاعتراف في مقابل هذا الرفض بألوهية بعض البشر وبالعبودية لهم من دون الله. إن الجاهلية ـ في ضوء هذا النص ـ ليست فترة من الزمان، ولكنها وضع من الأوضاع. هذا الوضع يوجد بالأمس، ويوجد اليوم، ويوجد غدًا، فيأخذ صفة الجاهلية، المقابلة للإسلام، والمناقضة للإسلام. والذي لا يبتغي حكم الله يبتغي حكم الجاهلية، والذي يرفض شريعة الله يقبل شريعة الجاهلية، ويعيش في الجاهلية. وهذا مفرق الطريق، يقف الله الناس عليه. وهم بعد ذلك بالخيار! ثم يسألهم سؤال استنكار لابتغائهم حكم الجاهلية؛ وسؤال تقرير لأفضلية حكم الله. {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.

أجل! فمن أحسن من الله حكمًا؟ ومن ذا الذي يجرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس، ويحكم فيهم، خيرًا مما يشرع الله لهم ويحكم فيهم؟ وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الادعاء العريض؟ أيستطيع أن يقول: إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أرحم بالناس من رب الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أعرف بمصالح الناس من إله الناس؟ أيستطيع أن يقول: إن الله ـ وهو يشرع شريعته الأخيرة، ويرسل رسوله الأخير؛ ويجعل رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - خاتم النبيين، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات، ويجعل شريعته شريعة الأبد كان ـ يجهل أن أحوالًا ستطرأ وأن حاجات ستستجد، وأن ملابسات ستقع، فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان؟! ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحي شريعة الله عن حكم الحياة، ويستبدل بها شريعة الجاهلية. وحكم الجاهلية؛ ويجعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب، أو هوى جيل من أجيال البشر، فوق حكم الله، وفوق شريعة الله؟

ما الذي يستطيع أن يقوله، وبخاصة إذا كان يدعي أنه من المسلمين؟! الظروف؟ الملابسات؟ عدم رغبة الناس؟ الخوف من الأعداء؟!! ألم يكن هذا كله في علم الله ـ وهو يأمر المسلمين أن يقيموا بينهم شريعته، وأن يسيروا على منهجه، وألا يُفْتَنوا عن بعض ما أنزله؟ ألم يكن ذلك في علم الله وهو يشدد هذا التشديد، ويحذر هذا التحذير؟ يستطيع غير المسلم أن يقول ما يشاء. . ولكن المسلم. . أو من يدّعون الإسلام. . ما الذي يقولونه من هذا كله، ثم يبقون على شيء من الإسلام؟ أو يبقى لهم شيء من الإسلام؟ إنه مفرق الطريق، إما إسلام وإما جاهلية. إما إيمان وإما كفر. إما حكم الله وإما حكم الجاهلية. والذين لا يحكمون بما أنزل الله هم الكافرون الظالمون الفاسقون. والذين لا يقبلون حكم الله من المحكومين ما هم بمؤمنين.

إن هذه القضية يجب أن تكون واضحة وحاسمة في ضمير المسلم، وألا يتردد في تطبيقها على واقع الناس في زمانه، والتسليم بمقتضى هذه الحقيقة ونتيجة هذا التطبيق على الأعداء والأصدقاء! وما لم يحسم ضمير المسلم في هذه القضية، فلن يستقيم له ميزان، ولن يتضح له منهج، ولن يفرق في ضميره بين الحق والباطل، ولن يخطو خطوة واحدة في الطريق الصحيح. وإذا جاز أن تبقى هذه القضية غامضة أو مائعة في نفوس الجماهير من الناس، فما يجوز أن تبقى غامضة ولا مائعة في نفوس من يريدون أن يكونوا «المسلمين» وأن يحققوا لأنفسهم هذا الوصف العظيم» (¬1). اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) ¬

_ (¬1) في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب - رحمه الله - (2/ 901 - 905) باختصار وتصرف يسيرين.

حتى لا تنحرف صحوة الشعب في مصر عن مسارها الصحيح:

حتى لا تنحرف صحوة الشعب في مصر عن مسارها الصحيح: وحتى لا تنحرف صحوة الشعب في مصر عن مسارها الصحيح يجب التأكيد على هُويَّة مِصرَ الإسلاميةِ؛ كدَولةٍ إسلاميةٍ مرجعيةُ التشريع فيها إلى الشريعة الإسلامية، وكُلُّ ما يخالفها يُعَدُّ باطلًا، وهذه مسألة تُحَتِّمُها عقيدةُ الأُمَّة وعَقْدُها الاجتماعيُّ، فضلًا عن دُستورها وتاريخِها عبر خمسة عشر قرنًا، ولن تَسمح الأُمَّةُ لبعض المتسلِّقين على أكتاف الجماهير ـ بل دمائهم ـ أن يُزايدوا عليها، ولن يَسمح بها الشعب ولا الجيش، ولا الأزهر ولا الجماعات والاتجاهات الإسلامية جميعُها، وهذا في الحقيقة هو الضمان الحقيقي لحماية غير المسلمين واستمرارِ السلام والتسامح في المجتمع. ويجب تفعيل المادة الثانية مِن الدُّستور، ومراجعةِ كافَّة التشريعات المخالفةِ للشريعة، وصياغتِها مِن جديد بصورةٍ تُوافِق الشريعةَ؛ فإن الأُمَّةَ لم تَخترْ هذه المادةَ لتَبقى حَبيسةَ الأوراقِ لمُدَّةِ أكثر مِن ثلاثين سنة! وهذا مِن شأنه أن يُزيلَ التناقضَ الواقعَ في التشريعات والقوانين، كما يرفع الإثمَ عن أجهزة الدَّولة المختلِفة

خصائص الشريعة الإسلامية (الإسلام):

في مخالفة شَرْع الله والحُكْمِ بغير ما أَنزل اللهُ، وهو أعظم سببٍ لحصول النِّقَم والبلاءِ بالأُمَّة. خصائص الشريعة الإسلامية (الإسلام): الخصيصة الأولى: أنه من عند الله: مصدر الإسلام، ومشرع أحكامه ومناهجه، هو الله تعالى فهو وحيه الى رسوله الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - باللفظ والمعنى (القرآن الكريم) وبالمعنى دون اللفظ (السنة النبوية). فالإسلام بهذه الخصيصة يختلف اختلافًا جوهريًا عن جميع الشرائع الوضعية لأن مصدرها الانسان، أما الإسلام فمصدره رب الانسان، إن هذا الفرق الهائل بين الإسلام وغيره لا يجوز اغفاله مطلقًا ولا التقليل من أهميته. ما يترتب على كون الإسلام من عند الله: أولًا: كماله وخلوه من النقائص: يترتب على كون الإسلام من عند الله كماله وخلوه من معاني النقص والجهل والهوى والظلم، لسبب بسيط واضح هو أن صفات الصانع تظهر في ما يصنعه. ولما كان الله تعالى له الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ويستحيل في حقه خلاف ذلك،

فان أثر هذا الكمال يظهر في ما يشرعه من أحكام ومناهج وقواعد، وبالتالي لا بد أن يكون كاملا. وهذا بخلاف ما يصنعه الانسان ويشرعه فانه لا ينفك عن معاني النقص والهوى والجهل والجور، لأن هذه المعاني لاصقة بالبشر ويستحيل تجردهم عنها كل التجرد وبالتالي تظهر هذه النقائص في القوانين والشرائع التي يصنعونها. ثانيًا: ويترتب أيضا على كون الإسلام من عند الله، انه يظفر بقدر كبير جدا من الهيبة والاحترام من قبل المؤمنين به، مهما كانت مراكزهم الاجتماعية وسلطاتهم الدنيوية، لأن هذه السلطات وتلك المراكز لا تُخْرِجُهم من دائرة الخضوع لله تعالى واحترام شرعه، وطاعة هذا الشرع طاعة اختيارية تنبعث من النفس وتقوم على الايمان ولا يقسر عليها المسلم قسرًا. وفي هذا ضمان عظيم لحسن تطبيق القانون الإسلامي وعدم الخروج عليه ولو مع القدرة على هذا الخروج. أما القوانين والمبادئ الوضعية التي شرعها الانسان فإنها لا تظفر بهذا المقدار من الاحترام والهيبة، إذ ليس لها سلطان على النفوس ولا تقوم على أساس من العقيدة والايمان كما هو الحال

بالنسبة للإسلام ولهذا فان النفوس تجرؤ على مخالفة القانون الوضعي كلما وجدت فرصة لذلك وقدرة على الإفلات من ملاحقة القانون وسلطان القضاء ورأت في هذه المخالفة اتباعًا لأهوائها وتحقيقًا لرغباتها. إن القانون لا يكفي أن يكون صالحًا بل لا بد له من ضمانات تكفل حسن تطبيقه، ومن أول هذه الضمانات، إيجاد ما يصل هذا القانون بنفوس الناس ويحملهم على الرضى به والانقياد له عن طواعية واختيار. ولا يحقق مثل هذه الضمانة مثل الإسلام، لأنه أقام تشريعاته على أساس الإيمان بالله واليوم الآخر ورسوله محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإن الالتزام الاختياري بهذه التشريعات واحترامها هو مقتضى هذا الايمان. وللتدليل على صحة ما نقول نضرب مثلًا واحدًا بشأن واقعة معينة عالجها الإسلام بتشريعه ونجح في هذه المعالجة، وعالجت هذه الواقعة بالذات القوانين الوضعية وفشلت في هذه المعالجة.

من المعروف أن العرب قبل الإسلام كانوا مولعين بشرب الخمر لا يجدون فيه منقصة ولا منكرًا، وكانت زقاق الخمر ودنانه في البيوت كالماء المخزون في القِرَب. فلما أتى الإسلام بتحريم الخمر بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} (المائدة: 90) كان لكلمة {فَاجْتَنِبُوهُ} قوة هائلة تفوق قوة الجيش والشرطة وما يمكن أن تستعمله أي دولة لتنفيذ أوامرها بالقوة والجبر. لقد قام المسلمون الى زقاق الخمر فأراقوها، وإلى دنانه فكسروها، وفطموا نفوسهم من شرب الخمر حتى غدوا وكأنهم لا يعرفون الخمر ولم يتذوقوها من قبل .. لأن أمر الله ورد {فَاجْتَنِبُوهُ}، وأوامر الله من شأنها الاحترام والطاعة. وفي القرن العشرين أرادت الولايات المتحدة الأمريكية تخليص مواطنيها من الخمر، وقبل أن تشرع قانون تحريم الخمر، مهدت له بدعاية واسعة جدًا لتهيئة النفوس إلى قبول هذا القانون، وقد استعانت بجميع أجهزة الدولة وبذوي الكفاية في هذا الباب.

استعانت بالسينما ومسارح التمثيل وبالاذاعة وبنشر الكتب والرسائل والنشرات والمحاضرات والإحصائيات من قبل العلماء والاطباء والمختصين بالشؤون الاجتماعية. وقد قُدِّر ما أُنفِق على هذه الدعاية بـ (65) مليون من الدولارات وكتبت تسعة آلاف صفحة في مضار الخمر ونتائجه وعواقبه. وانفق ما يقرب من (10) عشرة ملايين دولار من أجل تنفيذ القانون. وبعد هذه الدعاية الواسعة والمبالغ المنفقة شرعت الحكومة قانون تحريم الخمر لسنة 1930م وبموجبه حرم بيع الخمور وشراؤها وصنعها وتصديرها واستيرادها. فما كانت النتيجة؟ لقد دلت الاحصائيات للمدة الواقعة بين تشريعه وبين سنة 1933م أنه قتل في سبيل تنفيذ هذا القانون مائتا نفس، وحُبس نصف مليون شخص، وغُرّم المخالفون له غرامات بلغت ما يقرب من أربعة ملايين دولار، وصودرت أموال بسبب مخالفته قدرت بألف مليون دولار.

الخصيصة الثانية: الشمول:

وكان آخر المطاف أن قامت الحكومة الأمريكية بالغاء قانون تحريم الخمر في أواخر سنة 1933م، ولم تستطع تلك الدعايات الضخمة التي قامت بها الدولة أن توجد القاعدة التي يرتكز عليها القانون في نفوس المواطنين وبالتالي قاموا بمخالفته مما حمل الحكومة على الغائه؛ لأن القانون لم يكن له سلطان على النفوس يحملها على احترامه وطاعته، ومن ثم فشل وأُلغِي. أما كلمة {فَاجْتَنِبُوهُ} التي جاء بها الإسلام في جزيرة العرب فقد أثرت أعظم التأثير وطُبِّقَت فعلًا، وأريقت الخمور مِن قِبَل أصحابها وامتنعوا عنها، لا بقوة شرطي ولا بقوة جندي ولا رقيب ولكن بقوة الإيمان وطاعة المسلمين لشرائع الإسلام واحترامهم لها. الخصيصة الثانية: الشمول: الإسلام نظام شامل لجميع شؤون الحياة وسلوك الانسان. وهذا الوصف للإسلام وصف حقيقي ثابت للإسلام لا يجوز تجريده منه الا بالافتراء عليه أو بسبب الجهل به. وشمول الإسلام هذا لشؤون الحياة وسلوك الانسان لا يقبل الاستثناء ولا التخصيص، فهو شمول تام بكل معاني كلمة

الخصيصة الثالثة: العموم:

الشمول، وهذا بخلاف المبادئ والنظم البشرية فإن الواحد منها له دائرته الخاصة التي ينظم شؤونها، ولا شأن له فيما عدا ذلك. وعلى هذا فلا يمكن للمسلم أن يقول إن هذا المجال لي أنظم أموري كما أشاء بمعزل عن تنظيم الإسلام، لا يمكن ان يقول المسلم هذا لأن الإسلام يحكمه من يافوخه إلى أخمص قدميه، وللإسلام في كل ما يصدر الانسان حكم خاص، كما له حكمه في كل ما يضعه في رأسه من أفكار وفي قلبه من ميول. وعلى هذا لا يجوز للمسلم أبدًا أن يسمح لغير نظام الإسلام أن ينظم أي جانب من جوانب حياته لأنه إن فعل ذلك دخل في نطاق معنى قول الله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)} (البقرة: 85). الخصيصة الثالثة: العموم: من بديهيات الإسلام وصفاته الأصلية أنه جاء لعموم البشر ولم يأت لطائفة معينة منهم أو لجنس خاص من أجناسهم،

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)} (سبأ: 28). وقال تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف: 158). وعموم الإسلام هذا غير مقصور على فترة معينة من الزمن أو جيل خاص من البشر وإنما هو عموم في الزمان كما هو عموم في المكان، ولهذا فهو باق لا يزول ولا يتغير ولا ينسخ، لأن الناسخ يجب أن يكون في قوة المنسوخ سواء أكان النسخ كليًّا أم جزئيًّا، وحيث أن الإسلام ختم الشرائع السابقة كلها وأن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فمعنى ذلك أن الشرائع الإلهية انقطعت وأن الوحي الالهي لم يعد ينزل على أحد، قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40). وعلى هذا لا يتصور أن ينسخ الإسلام أو يغيره شيء. وعموم الشريعة الإسلامية وبقاؤها وعدم قابليتها للنسخ والتبديل والتغيير بالتنقيص أو الزيادة كل ذلك يستلزم ـ عقلًا وعدلا ـ أن تكون قواعدها وأحكامها ومبادئها وجميع ما جاءت

الخصيصة الرابعة: الجزاء في الإسلام:

به على نحو يحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان ويفي بحاجاتهم ولا يضيق بها ولا يتخلف عن أي مستوى عال يبلغه المجتمع البشري. إن هذا والحمد لله متوافر في الشريعة الإسلامية؛ لأن الله تعالى، وهو العليم الخبير، إذ جعلها عامة في المكان والزمان، وخاتمة لجميع الشرائع، جعل قواعدها وأحكامها صالحة لكل زمان ومكان، ومهيأة للبقاء والاستمرار لهذا العموم. الخصيصة الرابعة: الجزاء في الإسلام: أحكام الإسلام، ليست نصائح وارشادات خالية من الثواب والعقاب. إنها ارشادات ونصائح حقًا ولكن لها ثواب حسن ينال الملتزم بها، ولها عقاب يصيب المخالف لها، على درجات متفاوتة في العقاب والثواب. والأصل في أجزية الإسلام وعقوباته أنها في الآخرة لا في الدنيا، ولكن مقتضيات الحياة وضرورة استقرار المجتمع وتنظيم علاقات الافراد على نحو واضح مؤثر وضامن لحقوق الناس كل ذلك دعا الى أن يكون مع الجزاء الأخروي جزاء دنيوي، أي مع

العقاب الأخروي عقاب توقعه الدولة في الدنيا على المخالف لأحكام الإسلام. ونطاق الجزاء في الإسلام واسع شامل شمول الإسلام لجميع شؤون الحياة ومِن ثَمّ فأجزية الإسلام تتعلق بأمور العقيدة والاخلاق والعبادات والمعاملات. فكل مخالفة لهذه الأمور لها جزاؤها في الآخرة وقد يكون لها جزاء في الدنيا أيضًا. والجزاء في الدنيا لا يمنع الجزاء في الآخرة عن المخالف العاصي الا اذا اقترنت معصيته بالتوبة النصوح والتوبة النصوح تقوم على الندم على ما اقترفه الانسان، وعلى العزم الأكيد على عدم العودة إلى هذه المخالفة، وعلى التحلل من حقوق الغير إذا كانت معصية تتعلق بهذه الحقوق. وقد ترتب على هذا الجزاء الأخروي خضوع المسلم لأحكام الشريعة خضوعًا اختياريًا في السر والعلن خوفًا من عقاب الله، وحتى لو استطاع الإفلات من عقاب الدنيا؛ لأن العقاب الأخروي ينتظره ولا يستطيع الإفلات منه. وهكذا تنزجر النفوس من مخالفة القانون الإسلامي إما بدافع الاحترام له والحياء من الله ـ، وإما بدافع الخوف من

الخصيصة الخامسة: المثالية والواقعية:

العقاب الآجل الذي ينتظر المخالفين، قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)} (آل عمران: 30). وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} (الزلزلة: 7 - 8 (.وفي هذا وذاك أعظم ضمان لزجر النفوس عن المخالفة والعصيان. الخصيصة الخامسة: المثالية والواقعية: المثالية في الإسلام: الإسلام يحرص على إبلاغ الانسان الكمال المقدور له، وهذا يكون بجعل تصرفاته وأقواله وأفعاله وتروكه وقصوده وأفكاره وميوله وفق المناهج والأوضاع والكيفيات التي جاء بها الإسلام، وقد تحقق ذلك كله في رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولذلك أمرنا الله ـ بالتأسي به، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21). وقوام هذه المثالية الاعتدال والشمول.

أولًا: الاعتدال: ونقصد بالاعتدال عدم الإفراط والتفريط في أي شيء وإعطاء كل ذي حق حقه، يدل على ذلك قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)} (الفرقان: 67). ثانيا: الشمول: والمثالية في الإسلام تتصف بالشمول، لان الإسلام يريد من المسلم أن يبلغ الكمال المقدور له بتناسق وفي جميع شؤونه، فلا يُقبِل على جانب واحد أو عدة جوانب ويبلغ فيها المستوى العالي من الكمال، بينما يهمل الجوانب الأخرى حتى ينزل فيها إلى دون المستوى المطلوب، إن مثله مثل من يقوي يديه ويترك سائر أعضائه رخوة هزيلة ضعيفة. وعلى هذا الأساس فَهِمَ الصحابة الكرام مثالية الإسلام فلم تأسرهم عبادة ولم تقيدهم عادة، وإنما تقلبوا في جميع العبادات والأحوال، فلم يحبسوا نفوسهم في مكان ولا على نوع من العبادة ولا على نمط معين من الأعمال، وانما باشروا الجميع، فعند الصلاة كانوا في المسجد يصلون، وفي حلقات العلم

يجلسون معلمين أو متعلمين، وعند الجهاد يقاتلون، وعند الشدائد والمصائب يواسون ويساعدون، وهكذا كان شأنهم في جميع الأحوال. الواقعية في الإسلام: الإسلام لا يغفل طبيعة الإنسان وتفاوت الناس في مدى استعدادهم لبلوغ المستوى الرفيع الذي يرسمه لهم، وفي ضوء هذا النظر الواقعي جعل الإسلام حدًا أدنى أو مستوى أدنى من الكمال لا يجوز الهبوط عنه لأن هذا المستوى ضروري لتكوين شخصية المسلم على نحو معقول، ولأنه أقل ما يمكن قبوله من المسلم ليكون في عداد المسلمين ولأنه وضع على نحو يستطيع بلوغه أقل الناس قدرة على الارتفاع إلى مستوى الكمال. إن هذا المستوى الأدنى يتكون من جملة من معانٍ يجب القيام بها وهي المسماة بالفرائض، كما يشمل جملة معانٍ يجب هجرها وهي المسماة بالمحرمات. إن هذه الفرائض والمحرمات جُعِلَتْ بقدر طاقة أقل الناس استعدادًا لفعل الخير وابتعادًا عن الشر، ومِن ثَمَّ يستطيع كل واحد الوفاء بمقتضاه، ولا يُعذَر في التخلف عنها.

نظام الحكم في الإسلام:

ولكن بجانب هذا المستوى الإلزامي الواجب بلوغه على كل مسلم، وضعت الشريعة مستوى آخر أرفع منه وأوسع منه وحببت إلى الناس بلوغ هذا المستوى العالي، فإلزامهم به ارهاق لهم وحرج شديد، والحرج في شرع الإسلام مرفوع لانه يخالف نظرة الإسلام الواقعية، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: 78).وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286). وهذا المستوى العالي يشمل المندوبات التي ترغب الشريعة في القيام بها، والمكروهات التي ترغب الشريعة في ترك المسلم لها. نِظام الحُكم في الإسلام: قد يسأل البعض، هل يوجد في الإسلام نظام للحكم؟ والجواب نعم، لأن من خصائص الإسلام الشمول، فمن البديهي أن يَرِدَ فيه من القواعد والأحكام ما يكوّن نظامًا خاصًا للحكم في الإسلام، فنحن نجد في القرآن الكريم الأمر بالشورى، ولزوم طاعة الحكام، والحكم بما أنزل الله، ونحو ذلك. وفي السنة النبوية تتكرر ألفاظ الأمير والإمام والبيعة، وطاعة الأمير في غير معصية الله. وفي اجتهادات الفقهاء القائمة

شروط الحاكم المسلم:

على نصوص القرآن والسنة كثير من الأحكام والقواعد المهمة المتعلقة بالحكم. وكل هذا يدل على أن للإسلام نظامه الخاص في الحكم. شروط الحاكم المسلم: يشترط في الخليفة جملة شروط، كلها تلتقي في تحقيق كفايته للنهوض بأعباء هذا المنصب الخطير على الوجه المرضي لله تعالى والمحقق لمصلحة الأمة. وهذه الشروط، على ما ذكره الفقهاء هي: أولًا: الإسلام: فيجب أن يكون مسلمًا لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء: 59 (. أي منكم أيها المسلمون، فهو من المسلمين. ولقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} (النساء: 141)، والخلافة أعظم السبيل فلا تكون لغير مسلم، ولأن حقيقة الخلافة، خلافة عن صاحب الشرع في حفظ الدين، فمن البديهي أن تودع هذه الأمانة بيد من يؤمن بهذا الدين، وأن لا تسند لمن يكفر به.

ولقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (آل عمران: 118). قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: «{لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} أي: من غيركم من أهل الأديان، وبطانة الرجل: هم خاصّة أهله الذين يطّلعون على داخل أمره. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو أيوب محمد بن الوَزَّان، حدثنا عيسى بن يونس، عن أبي حَيّان التيمي عن أبي الزِّنْباع، عن ابن أبي الدِّهْقانة قال: قيل لعمر بن الخطاب، سدد خطاكم: «إن هاهنا غُلاما من أهل الحِيرة، حافظ كاتب، فلو اتخذته كاتبًا؟ فقال: «قد اتخذت إذًا بطانة من دون المؤمنين». ففي هذا الأثر مع هذه الآية دلالة على أن أهل الذَّمَّة لا يجوز استعمالهم في الكتابة، التي فيها استطالة على المسلمين واطِّلاع على دَوَاخل أمُورهم التي يُخْشَى أن يُفْشوها إلى الأعداء

من أهل الحرب؛ ولهذا قال تعالى: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}. ثم قال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}، أي: قد لاح على صَفَحات وجوههم، وفلتات ألسنتهم من العداوة، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله، ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل؛ ولهذا قال: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}. وعن أبي موسى الأشعري سدد خطاكم قال: قلت لعمر سدد خطاكم: «إن لي كاتبًا نصرانيًا»، قال: «ما لَكَ؟ قاتلك الله، أما سمعت الله يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (المائدة:51)؛ ألَا اتخذت حنيفًا؟» قال: قلت: «يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه»، قال: «لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أُدْنِيهم إذ أقصاهم الله». (رواه ابن أبي شيبة والبيهقي بسند حسن). وقال الإمام ابن القيم: «ولما كانت التولية شقيقة الولاية كانت توليتهم نوعًا من توليهم وقد حكم تعالى بأن من تولاهم

فإنه منهم، ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم، والولاية تنافي البراءة، فلا تجتمع الولاية والبراءة أبدًا، والولاية إعزاز فلا تجتمع ومعاداة الكافر أبدًا» (¬1). ورغم وضوح هذا الأمر يعجب المرء حينما يجد نيجيريا ذلك البلد المسلم يحكمها نصراني رغم أن أكثر من90% من سكانها مسلمون، وما هذا إلا ثمرة من ثمار الديمقراطية الخبيثة التي تسوي بين المسلم والكافر. ثانيًا: أن يكون رجلًا: لقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} (النساء:34). ولقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»، وهذا حديث صحيح رواه البخاري وغيره من أئمة الحديث. ثالثًا: أن يكون جامعًا للعلم بالأحكام الشرعية لأنه مكلف بتنفيذها، ولا يمكنه التنفيذ مع الجهل بها، والعلم قبل العمل، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: 19). ¬

_ (¬1) أحكام أهل الذمة (1/ 242).

الدولة الإسلامية دولة قانونية:

واشترط بعض الفقهاء الاجتهاد ولم يكتفوا بمجرد العلم عن طريق التقليد. رابعًا: وأن يكون عدلًا في دينه: لا يعرف عنه فسق، متقيًا لله، ورعًا، عارفًا بأمور السياسة وشؤون الحكم جريئًا على إقامة حدود الله لا تأخذه في الله لومة لائم، شجاعًا، ذا دراية بمصالح الأمة وسبل تحقيقها مع حرص عليها وتقديمه لها. الدولة الإسلامية دولة قانونية: إن الخليفة والأمة خاضعون لسلطان الإسلام، ومعنى ذلك أن الدولة الإسلامية يمكن وصفها بأنها (دولة قانونية) أو (دولة قانون) أي أنها تخضع في جميع تصرفاتها وشؤونها، كما يخضع جميع الأفراد في جميع تصرفاتهم وعلاقاتهم إلى القانون. والقانون هنا، بالنسبة للدولة الإسلامية هو القانون الإسلامي المتمثل بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وما قام عليهما من استنباط صحيح واجتهاد سائغ مقبول، قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (الأعراف: 3).وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ

تُرْحَمُونَ (132)} (آل عمران: 132).وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (النساء: 59). ويترتب على ذلك أن نظام الحكم الإسلامي لا يقوم على معنى باطل قد يتلبس الحكم أو يقارنه أو يخالطه مثل الهوى والطغيان والتكبر في الأرض وحب الفساد والتسلط على الآخرين وغمط حقوق الناس وتسخيرهم للشهوات ونحو ذلك من المعاني الفاسدة التي لا تنفك عنها نظم الحكم الوضعية؛ لأن نظام الحكم الإسلامي خاضع للقانون الإسلامي المبرأ من هذه العيوب والمفاسد. وإذا كانت الدولة الإسلامية دولة قانون، وقانونها هو شرع الله ـ الإسلام ـ فإنَّ أي خلاف ينشب يكون مرجعه إلى هذا الشرع، لا إلى شيء غيره، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (النساء: 59). والمُحِقّ مَن كان الحق بجانبه ببرهان من الشرع ومن ثم تكون الدولة بجانبه وإن كان ضعيفًا، والمُبْطِل مَن لم يكن الحق

مقاصد الحكم في الإسلام:

بجانبه ببرهان من الشرع ومِن ثَمّ تكون الدولة ضده وإن كان قويًا. وإذا كانت الدولة الإسلامية دولة قانونية، خاضعة لسلطان الإسلام فإنَّ معنى ذلك أن الحكم الحقيقي والسلطان الحقيقي لمشرِّع هذا الإسلام وهو الله ـ قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (يوسف: 40). مقاصد الحكم في الإسلام: المقصد الأول: حراسة الدين: ويقصد بالدين هنا بداهة الإسلام، فهو الدين المطلوب حراسته بالحكم. وحراسته تعني شيئين: حفظه وتنفيذه. أولًا: حفظه: وحفظ الإسلام يعني إبقاء حقائقه ومعانيه ونشرها بين الناس كما بلغها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وسار عليها صحابته الكرام - رضي الله عنهم - ونقلوها إلى الناس من بعده. وعلى هذا لا يجوز أي تبديل أو تحريف في هذه الحقائق والمعاني؛ لأن التحريف والتبديل يدخلان في نطاق الابتداع المذموم في دين الله.

ولا يجوز التردد أبدًا في منع التبديل والتحريف بحجة حق الفرد في إبداء الرأي وحرية الفكر والاجتهاد؛ لأن الفرد إن كان مسلمًا فليس من حقه أن يبدل دين الله، وإذا اختار لنفسه الضلالة ولعقيدته الفساد فليس من حقه أبدًا أن يضل الآخرين أو يفسد عقائدهم. وإن كان الفرد غير مسلم فليس من حقه أبدًا أن يخرج على نظام دار الإسلام ويشوه حقائق الإسلام وإلا كان ناقضًا لعقد الذمة. ومع هذا فقد يقع المسلم في زيغ أو شبهة أو خطأ، نتيجة فهم سقيم أو تضليل خبيث فيجب على ولي الأمر ـ الخليفة أو نائبه ـ، أن يعمل على كشف الشبهة وإظهار الصواب بالدليل والبرهان حتى يظهر الحق وتقوم الحجة، فإن أصر المبطل على باطله وسعى ِإلى نشره في الناس منع من ذلك وأقيم عليه ما يوجبه الشرع. ومِن لوازم حفظ الدين تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظهر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرمًا ويسفكون فيها لمسلم أو معاهدًا دمًا، والحقيقة أن دفع الأعداء عن دار

الإسلام ضروري لحفظ الدين وبقائه؛ لأن استيلاء الكفرة على دار الإسلام ضياع للإسلام وطمس لحقائقه وفتنة عظيمة للمسلمين وزعزعة لعقائدهم بسبب حكم الكفرة له وما يبذلونه لصرف المسلمين عن دينهم الحق بالوعد والوعيد والتلبيس والخداع والتضليل. بل نستطيع القول إن من لوازم وتمام حفظ الدين إعلاءه وإظهاره على جميع أنظمة الكفر حتى لا يبقى للباطل حكم قائم ولا راية مرفوعة. ثانيًا: تنفيذ الدين: وأما تنفيذ الدين، الإسلام، وهو المظهر الثاني لحراسته، فيتحقق في أمور منها: تطبيق أحكامه في سائر معاملات الناس وعلاقاتهم فيما بينهم، وفي علاقاتهم مع الدولة، وفي علاقة الدولة ـ دار الإسلام ـ مع غيرها من الدول. ومنها: حمل الناس على الوقوف عند حدود الله والطاعة لأوامره وترغيبهم في ذلك ومعاقبة المخالفين بالعقوبات الشرعية.

ومنها إزالة المفاسد والمنكرات من المجتمع كما يقضي به الإسلام، إذ لا يمكن الادعاء بحفظ الدين مع ترك المفاسد والمنكرات بلا إنكار ولا إزالة مع توفر القدرة على ذلك. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المقصد من مقاصد الحكم الإسلامي، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)} (الحج: 41). المقصد الثاني: سياسة الدنيا بالدين: إن هذا المقصد يعني أن الدنيا داخلة في نطاق الدين، محكومة به، غير خارجة عنه. والقول الجامع في سياسة الدنيا بالدين هو إدارة شؤون الدولة والرعية على وجه يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة، وهذا يتم إذا كانت إدارة شؤون الحياة وفقًا لقواعد الشريعة ومبادئها وأحكامها المنصوص عليها أو المستنبطة منها وفقًا لقواعد الاجتهاد السليم. فهذه هي السياسة الشرعية لأمور الدنيا بالدين.

الشورى:

الشورى: مبدأ الشورى من أهم مقومات نظام الحكم في الإسلام، به نطق القرآن، وجاءت السنة، وأجمع عليه الفقهاء. وهو حق للأمة وواجب على الخليفة، والتفريط به سبب لعزله. والأدلة على وجوبه تستفاد من القرآن ومن سيرة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومن أقوال الفقهاء: أولًا: قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (آل عمران: 159). وظاهر الأمر يدل على الوجوب. ثانيًا: ومما يؤكد وجوب المشاورة على رئيس الدولة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على جلالة قدره وعظيم منزلته كان كثير المشاورة لأصحابه. في أي شيء تجري الشورى: المشاورة مع الأمة تجري في شؤون الدولة المختلفة وفي الأمور الشرعية الاجتهادية التي لا نص فيها، والمشاورة في أمور الدنيا أي في شؤون الدولة المهمة منها مثل تسيير الجيوش وإعلان الحرب وعقد المعاهدات وإسناد المناصب المهمة في الدولة إلى مستحقيها ونحو ذلك، فلا تكون المشاورة في كل شيء من شؤون الدولة حتى في صغائرها وجزئياتها، فإنَّ هذا غير ممكن ولا مطلوب ولا حاجة اليه ولا منفعة فيه ولا دليل عليه.

الشورى لا الديمقراطية:

الشورى لا الديمقراطية: إن الإسلام لا يقبل الديمقراطية إذ هما مذهبان مختلفان في أصولهما وجذورهما، أو فلسفتهما، ونتائج تطبيقهما. وأوجه الاختلاف بينهما أوصلها إلى أكثر من خمس وعشرين نقطة وجعل منها حاجزاَ للفصل مابين الشورى والديمقراطية فالديمقراطية غالباَ ما كانت تمارس في أنظمة سياسية لادينية , لاسيما في الغرب , لأن الاعتقاد كان سائدًا أن الحكم الديني ينتج طبقة كهنوتية ويجعل الحاكم مقدسًا، في حين أن الشورى تنبع عن مجتمع يؤمن بأن الإسلام لا يحكم بعيدًا عن معاني الإيمان المرتبطة بالحياة بكافة أشكالها وصورها ويجعل الدين منهاجًا للحياة , ولا يحصر العبادة في طائفة أو فرقة وإن كانت حاكمة أو عالمة. ومفهوم الأمة لا يتحدد في الإسلام بجنس أو عرق أو أرض , بل بمفهوم الأمة الأوسع وبالتالي روح العقيدة الإسلامية ومفهوم الوحدة بين المسلمين هي الأصل في حين أن النظام الديمقراطي يحدد ذلك في قطر معين , مع وجود المشاحنات والتنافر بين أبناء القطر الواحد.

وفي النظام الديمقراطي يكون الشعب هو مصدر التشريع وبالتحديد في إيكال أمر التمثيل إلى فئة تمثلهم في البرلمان أو المجلس النيابي , علما ان أرادة الشعب تتمثل غالباَ في الأغلبية أو الأكثرية , كما أن النظام النيابي أو البرلماني الديمقراطي يعوزه نوع من الدقة في مسألة التمثيل النسبي وهو أن ينال كل حزب سياسي نصيبًا من مقاعد الهيئة التشريعية , يتناسب مع ما ناله من مجمل الأصوات التي أدلي بها في الانتخابات وهو يتيح أيضًا فرصًا لمرشحي أحزاب الأقلية في الانتخابات للحصول على مقاعد فى المجلس , إلى ضبابية البرامج الانتخابية والدعائية , أي أن الذين يمثلون الشعب ليس بالتأكيد هم الشرعية وإن كانوا حاصلين على تفويض بناءً على إجراءات النظام البرلماني. في حين أن في نظام الشورى يكون التشريع فيه لله ـ وحده والحاكمية له سبحانه، وحتى في المسائل الاجتهادية أو الخلافية، الأصل أن لا تخرج عن مقررات الشريعة وهذا ما يوازيه في النظام الديمقراطي السيادة في الفكر الغربي , بيد أن سلطة الشعب في ظل النظام الإسلامي ليس مطلقة , بل هي مقيدة بمقرارات الشريعة وأحكامها أو بصورة أوضح , أن

الديمقراطية تتجاهل المبادئ العليا والشرائع السماوية , بل قد تكون في بعض الأحيان في حال رفض وازدراء لكل المعتقدات السماوية. والشورى مرتبطة بالنظام الإسلامي الذي يجمع ما بين الأخلاق والتشريع، والعمل السياسي الإسلامي لا يخرج عن إطار العمل الأخلاقي، لأن الغاية من هذا النظام هو العمل على كسب الدنيا والآخرة معاَ، من خلال تحقيق مصالح الأفراد والدولة بصورة فيها صلاح وعمران لمفهوم الاستخلاف في الأرض. في حين أن الديمقراطية تخضع غالبًا في الفكر الغربي إلى تحصيل المنافع والقيم النسبية , حسب رأي الأغلبية , لاسيما إذا كانت الأغلبية مطلقة وعليه قد تقع الحيل والمخادعات وسياسات مكيافيللي: «الغاية تبرر الوسيلة»، مما يوقع الفساد الأخلاقي والإصلاحي باسم الديمقراطية لاسيما إذا كان الدستور والقيم تنحصر في هذه الأغلبية , فمن الممكن أن تنحصر القيم التي تحكم الإجراءات الديمقراطية , وأن يقرر الناخبون القانون والقيمة , بدون أي مرجعية أخلاقية أو معرفية , كما فعل

هتلر بعد حصوله على الأغلبية من خلال العملية الديمقراطية فقام بتصفية الأقليات العرقية والدينية بموافقة الأغلبية الألمانية. وهذا النوع من الديمقراطية هو الممارس في الغرب، إذ بهذا النظام القائم على تحصيل المنفعة واللذة يمكن إجازة الزواج المثلي، أو السحاق أو الإجهاض، وغير ذلك من الأفعال المخالفة للقيم الإنسانية بحجج تحصيل الأغلبية من النواب , إذ يكون بعضهم مرشحًا من قبل هذه الجمعيات الشاذة أخلاقيًا وهذا ما يجعلنا نؤكد على أن الأنظمة الغربية تقوم على منظومة قيم تختلف جذريًا عن تلك القائمة عند المسلمين وليس المشكلة في النظام السياسي فقط , بل إجراءات تحصيل المصلحة للشعوب وهذا يعود بالأساس إلى فلسفة القيم والخلق. إن قيمة الشورى كمفهوم شرعي لها من الدلالات والمعاني الإيمانية ما هو أشمل وأوسع استخدامًا واستعمالًا من المقيدات والمحددات في العملية الديمقراطية, إذ أن المواطن في الدولة الإسلامية يستشعر مدى المسؤولية الشرعية أمام الله ـ في إنكار المنكر, وفي حمل الغير على ذلك, أي أن المسؤولية الشرعية أقوى من المسؤولية القانونية في النظام الديمقراطي.

من آفات الديمقراطية:

بل أجمع الفقهاء على وجوب طاعة الأئمة والولاة في غير معصية, وعلى تحريمها في المعصية. من آفات الديمقراطية: من أكبر الآفات التي تعاني منها الديمقراطية اليوم، سيطرة أرباب المال على مقاليدها, بدءًا من السيطرة على المؤسسة السياسية بما يتبعها من مؤسسات متحكمة وموجهة ثم التحكم في تأسيس الأحزاب الكبرى وتمويلها ثم تمويل الحملات الانتخابية الباهظة التكاليف، بطرق قانونية وغير قانونية، ثم امتلاك وسائل الإعلام الكبرى والتحكم فيها وتوجيهها لصالح من يريدون، وضد من يريدون، وهكذا نصل في النهاية إلى أغلبية برلمانية تابعة للأقلية، أو نصل إلى حكومة الأقلية المسماة بحكومة الأغلبية. ولا تزال كلمات برنادرشو عن الديمقراطية تمثل رأْيَ مَن رأَى الديمقراطية في الواقع ورأى ما فيها من خلل واضطراب وإفساد، وهذه هي كلماته: «الديمقراطية هي السماح لكل المسافرين بقيادة القطار لتكون النتيجة المحتومة الاصطدام والكارثة».

لقد بذلتْ أمريكا جهودًا ضخمة من أجل الدعوة إلى (الديمقراطية)، جهودًا سياسيّة وإعلامية ومؤسساتية وعسكرية، ولقد حقَّقت اختراقات واضحة في صفوف المسلمين، وكوّنت لها أتباعًا منهم يردِّدون نعيقها. ولكن مع كل هذا النشاط والنجاح النسبي الذي حققوه، فإن الديمقراطية التي وعدوا بها لم يظهر لها وجود إلا في المجازر التي أقاموها، والتدمير المروّع، والإبادة الجماعية، كل ذلك في العالم الإسلامي. فإن كانت هذه هي الديمقراطية التي يدعون لها فليطبّقوها في ديارهم أولًا لنرى الأشلاء والتدمير والإبادة هناك عندهم. أساس الديمقراطية ومحورها عزل الدنيا عن الآخرة، والانصراف كلية إلى الدنيا، كأن الدار الآخرة هي مسؤولية الفرد وحده ليست مسؤولية الأمة كلها، والإنسانية كلها. وأساس الإسلام هو الدار الآخرة وإيثارها على الدنيا، لتكون هذه القضية هي القضية الرئيسة في حياة البشرية، ولتكون قضية الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو هي الحقيقة الكبرى في

الكون كله والحياة كلها، وفي حياة الإنسان والبشرية كلها، وهي مسؤولية الأمة كلها لتصوغ نظامها ومواقفها من الإسلام! إنه فرق كبير واسع بين الإسلام والديمقراطية، فرق يجب أن لا يخفى على من يتلو كتاب الله ويدرس سنة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا يجوز أن يغيب عن بال العلماء المسلمين والدعاة المسلمين! إن الخسارة التي يُبتلى بها المسلمون بالدعوة إلى خدعة الديمقراطية هي خسارة الدنيا والآخرة. خسارة الدنيا لأَن هذه الدعوة لم تحقّقْ أيّ عزّة أو كرامة أو تقدم أو نصر للمسلمين، وخسارة الآخرة لأنها تنبذ الدار الآخرة التي هي الحقيقة الكبرى في الكون والحياة. نادوا بالديمقراطية لإنقاذ فلسطين وجعلوا لها عُرْسًا، فضاعت فلسطين وضاعت كل جهود لإنقاذها، وأصبحت الجهود شعارات تدوّي لا نهج فيها ولا خطة، إلا الانقسامات والصراع على الدنيا! ضاعت الأعراس وحلّت المآسي والأحزان، نادوا بالديمقراطية لإصلاح العراق، فدُمرت العراق وقُسّمت وتمزّقت شيعًا وأحزابًا، وفتنًا وصراعًا! وقِسْ على ذلك سائر بقاع المسلمين كالصومال والسودان وغيرهما!

ومع كلّ هذه المآسي الممتدة، والمصائب المتتالية، والأخطار المتلاحقة فلا زالت الديمقراطية موضوع حديث قطاع واسع من الإعلام، من الصحف والمجلات والندوات. كأنّ الناس قد نسوا التاريخ، فلنأخذ الحاضر والعهد القريب. ولنسأل أسئلة بسيطة: أين الديمقراطية التي جاء بوش بها إلى العراق لينشرها؟ فما وجدناها إلا مليون قتيل عراقي، وتفتَّت العراق قطعًا، وأحزابًا وصراعًا هائلًا لا يتوقف. أين الديمقراطية في العراق؟! أين الديمقراطية في أفغانستان؟! تدمير ومئات آلاف الضحايا، وشراء ضمائر الناس بالدولارات؟! أين هي أفغانستان؟! بقايا منها تكاد تبدو! كأنها دمّرت تدميرًا كاملًا! أين الديمقراطية في أكبر عملية سرقة يشهدها التاريخ، سرقة فلسطين من أهلها المسلمين وإعطائها لليهود، وطرد شعبها منها ليُشتّت في الأرض! لو تابعنا الأسئلة لوجدنا أن الديمقراطية ودعاتها لم تخرج عن كونها فسادًا وظلمًا في الأرض، وحروبًا لا تكاد تقف حتى تقوم حروب أخرى أهلكت الناس!

في تطبيق الشريعة الهداية والبركة لجميع المسلمين

في تطبيق الشريعة الهداية والبركة لجميع المسلمين قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللهِ» (رواه مسلم). وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ». (رواه الإمام موطأ مالك في الموطأ، وحسنه الألباني). وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)} (المائدة:65 - 67).

إن إقامة دين الله في الأرض معناها الصلاح والكسب والفلاح في حياة المؤمنين في هذه الدنيا وفي الآخرة على السواء، لا افتراق بين دين ودنيا، ولا افتراق بين دنيا وآخرة، فهو منهج واحد للدنيا وللآخرة، للدنيا وللدين. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ سدد خطاكم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِى الأَرْضِ خَيْرٌ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا». (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني). إن الأمن والطمأنينة والسعادة في الدنيا قبل الآخرة لن تكون إلا بتطبيق شرع الله في عباد الله، وإلا فهو الشقاء والنكد والفوضى والسلب والنهب والهرج والمرج، ولنعتبر ذلك حتى بالدول التي تسمى اليوم متقدمة فكم معدلات الجريمة فيها من قتل وسلب ونهب وسرقة وزنا وغيرها، إن الوحشية حقًّا هي في ترك الحبل على الغارب للمجرمين يعيثون في الأرض فسادًا أو في إيقاع عقوبة مخالفة لما شرعه الله من الحدود أو القصاص. وهذا التغيير الذي تسود فيه شريعة الله قادم لا محالة فعن حُذَيْفَةُ بنِ اليَمَان سدد خطاكمقال: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ

تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ» ثُمَّ سَكَتَ. (رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني). اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)

دين اسمه العلمانية

دين اسمه العَلَمانية العَلَمانية SECULARISM ترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيدًا عن الدين. وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم، وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم SCIENCE ، وقد ظهرت في أوروبا منذ القرن السابع عشر وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر وانتقلت بشكل أساسي إلى مصر وتركيا وإيران ولبنان وسوريا ثم تونس ولحقتها العراق في نهاية القرن التاسع عشر. أما بقية الدول العربية فقد انتقلت إليها في القرن العشرين، وقد اختيرت كلمة علمانية لأنها أقل إثارة من كلمة لا دينية. ومدلول العَلَمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيسًا في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة

الخاصة بينه وبين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما. وتتفق العلمانية مع الديانة النصرانية في فصل الدين عن الدولة حيث لقيصر سلطة الدولة ولله سلطة الكنيسة، وهذا واضح فيما ينسبه النصارى إلى السيد المسيح - عليه السلام - من قوله: «اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله». أما الإسلام فلا يعرف هذه الثنائية والمسلم كله لله وحياته كلها لله قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)} (الأنعام: 162). من أشهر دعاة العلمانية في العالم العربي والإسلامي: أحمد لطفي السيد، إسماعيل مظهر، قاسم أمين، طه حسين، عبدالعزيز فهمي، ميشيل عفلق، أنطون سعادة، سوكارنو، سوهارتو، نهرو، مصطفى كمال أتاتورك، جمال عبد الناصر، أنور السادات صاحب شعار «لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين»، د. فؤاد زكريا. د. فرج فودة وقد اغتيل بالقاهرة مؤخرًا، وغيرهم.

الأفكار والمعتقدات:

الأفكار والمعتقدات: - بعض العلمانيين ينكرون وجود الله أصلًا. - وبعضهم يؤمنون بوجود الله لكنهم يعتقدون بعدم وجود أية علاقة بين الله وبين حياة الإنسان. - الحياة تقوم على أساس العلم المطلق وتحت سلطان العقل والتجريب. - إقامة حاجز سميك بين عالمي الروح والمادة، والقيم الروحية لديهم قيم سلبية. - فصل الدين عن السياسة وإقامة الحياة على أساس مادي. - تطبيق مبدأ النفعية Pragmatism على كل شيء في الحياة. - اعتماد مبدأ الميكيافيلية في فلسفة الحكم والسياسة والأخلاق. - نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية وتهديم كيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الإجتماعية.

وإذا كان هناك عذر ما لوجود العلمانية في الغرب فليس هناك أي عذر لوجودها في بلاد المسلمين لأن النصراني إذا حكمه قانون مدني وضعي لا ينزعج كثيرًا ولا قليلًا لأنه لا يعطل قانونًا فرضه عليه دينه وليس في دينه ما يعتبر منهجًا للحياة، أما مع المسلم فالأمر مختلف حيث يوجب عليه إيمانه الاحتكام إلى شرع الله. ومن ناحية أخرى فإنه إذا انفصلت الدولة عن الدين بقى الدين النصراني قائمًا في ظل سلطته القوية الفتية المتمكنة وبقيت جيوشها من الرهبان والراهبات والمبشرين والمبشرات تعمل في مجالاتها المختلفة دون أن يكون للدولة عليهم سلطان بخلاف ما لو فعلت ذلك دولة إسلامية فإن النتيجة أن يبقى الدين بغير سلطان يؤيده ولا قوة تسنده حيث لا بابوية له ولا كهنوت ولا أكليروس. اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)

بعض الثمار الخبيثة التي أنتجتها العلمانية في بلاد المسلمين، وإلا فثمارها الخبيثة أكثر من ذلك بكثير:

بعض الثمار الخبيثة التي أنتجتها العلمانية في بلاد المسلمين، وإلا فثمارها الخبيثة أكثر من ذلك بكثير: 1 - الطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة. 2 - الزعم بأن الإسلام استنفذ أغراضه وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية. 3 - الزعم بأن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة ويدعو إلى التخلف. 4 - رفض الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، وإقصاء الشريعة عن كافة مجالات الحياة، والاستعاضة عن الوحي الإلهي المُنزَّل على سيد البشر محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، بالقوانين الوضعية التي اقتبسوها عن الكفار المحاربين لله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، واعتبار الدعوة إلى العودة إلى الحكم بما أنزل الله وهجر القوانين الوضعية، اعتبار ذلك تخلفًا ورجعية وردة عن التقدم والحضارة، وسببًا في السخرية من أصحاب هذه الدعوة واحتقارهم، وإبعادهم عن تولي الوظائف التي تستلزم الاحتكاك بالشعب والشباب، حتى لا يؤثروا فيهم.

5 - تشويه الحضارة الإسلامية وتحريف التاريخ الإسلامي وتزييفه، وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية، على أنها عصور همجية تسودها الفوضى، والمطامع الشخصية. وتضخيم حجم الحركات الهدامة في التاريخ الإسلامي والزعم بأنها حركات إصلاح. 6 - إذابة الفوارق بين حَمَلة الرسالة الصحيحة، وهم المسلمون، وبين أهل التحريف والتبديل والإلحاد، وصهر الجميع في إطار واحد، وجعلهم جميعًا بمنزلة واحدة من حيث الظاهر، وإن كان في الحقيقة يتم تفضيل أهل الكفر والإلحاد والفسوق والعصيان على أهل التوحيد والطاعة والإيمان، فالمسلم والنصراني واليهودي والشيوعي والمجوسي كل هؤلاء وغيرهم، في ظل هذا الفكر بمنزلة واحدة يتساوون أمام القانون، لا فضل لأحد على الآخر إلا بمقدار الاستجابة لهذا الفكر العلماني. وفي ظل هذا الفكر لا حرج عندهم أن يكون اليهودي أو النصراني أو غير ذلك من النحل الكافرة حاكمًا على بلاد المسلمين، وهم يحاولون ترويج ذلك في بلاد المسلمين تحت ما سموه بـ (الوحدة الوطنية)، بل جعلوا (الوحدة الوطنية) هي الأصل

وكل ما خالفها من كتاب الله أو سنة رسوله ص طرحوه ورفضوه، وقالوا: «هذا يعَرّض الوحدة الوطنية للخطر!!». 7 - الدعوة إلى تحرير المرأة وفق الأسلوب الغربي، ونشر الإباحية والفوضى الأخلاقية، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية، وتشجيع ذلك والحض عليه: وذلك عن طريق: أ - القوانين التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها، وتعتبر ممارسة الزنا والشذوذ من باب الحرية الشخصية التي يجب أن تكون مكفولة ومصونة. ب - وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة، ونشر الرذيلة بالتلميح مرة، وبالتصريح مرة أخرى ليلًا ونهارًا. جـ - محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات. 8 - محاربة الدعوة الإسلامية عن طريق:

أ - تضييق الخناق على نشر الكتاب الإسلامي، مع إفساح المجال للكتب الضالة المنحرفة التي تشكك في العقيدة الإسلامية، والشريعة الإسلامية. ب - إفساح المجال في وسائل الإعلام المختلفة للعلمانيين المنحرفين لمخاطبة أكبر عدد من الناس لنشر الفكر الضال المنحرف، ولتحريف معاني النصوص الشرعية، مع إغلاق وسائل الإعلام في وجه علماء المسلمين الذين يُبصِّرون الناس بحقيقة الدين. 9 - مطاردة الدعاة إلى الله، ومحاربتهم، وإلصاق التهم الباطلة بهم، ونعتهم بالأوصاف الذميمة، وتصويرهم على أنهم جماعة متخلفة فكريًا، ومتحجرة عقليًا، وأنهم رجعيون، يُحاربون كل مخترعات العلم الحديث النافع، وأنهم متطرفون متعصبون لا يفقهون حقيقة الأمور، بل يتمسكون بالقشور ويَدَعون الأصول. 10 - التخلص من المسلمين الذين لا يهادنون العلمانية، وذلك عن طريق النفي أو السجن أو القتل.

11 - إنكار فريضة الجهاد في سبيل الله، ومهاجمتها واعتبارها نوعًا من أنواع الهمجية وقطع الطريق. وذلك أن الجهاد في سبيل الله معناه القتال لتكون كلمة الله هي العليا، وحتى لا يكون في الأرض سلطان له القوة والغلبة والحكم إلا سلطان الإسلام، والقوم ـ أي العلمانيين ـ قد عزلوا الدين عن التدخل في شؤون الدنيا، وجعلوا الدين ـ في أحسن أقوالهم ـ علاقة خاصة بين الإنسان وما يعبد، بحيث لا يكون لهذه العبادة تأثير في أقواله وأفعاله وسلوكه خارج مكان العبادة. فكيف يكون عندهم إذن جهاد في سبيل إعلاء كلمة الدين؟!! والقتال المشروع عند العلمانيين وأذنابهم إنما هو القتال للدفاع عن المال أو الأرض، أما الدفاع عن الدين والعمل على نشره والقتال في سبيله، فهذا عندهم عمل من أعمال العدوان والهمجية التي تأباها الإنسانية المتمدنة!! 12 - إحياء الحضارات القديمة، والدعوة إلى القومية أو الوطنية، وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس أو اللغة أو المكان أو المصالح، على ألا يكون الدين

عاملًا من عوامل التجميع، بل الدين من منظار هذه الدعوة يُعد عاملًا من أكبر عوامل التفرق والشقاق. 13 - تربية الأجيال تربية لا دينية، وإفساد التعليم وجعله خادمًا لنشر الفكر العلماني وذلك عن طريق: أ- بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية بالنسبة للتلاميذ، والطلاب في مختلف مراحل التعليم. ب- تقليص الفترة الزمنية المتاحة للمادة الدينية إلى أقصى حد ممكن. جـ - منع تدريس نصوص معينة لأنها واضحة صريحة في كشف باطلهم. د- تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح مقتضبة ومبتورة لها، بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني، أو على الأقل أنها لا تعارضه. هـ- إبعاد الأساتذة المتمسكين بدينهم عن التدريس، ومنعهم من الاختلاط بالطلاب، وذلك عن طريق تحويلهم إلى وظائف إدارية أو عن طريق إحالتهم إلى المعاش.

لماذا يرفض المسلمون العلمانية:

وجعل مادة الدين مادة هامشية، حيث يكون موضعها في آخر اليوم الدراسي، وهي في الوقت نفسه لا تؤثر في تقديرات الطلاب. 14 - اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية عن الغرب ومحاكاته فيها. لماذا يرفض المسلمون العلمانية: 1 - نحن نرفض العلمانية لأنها تُحِل ما حرم الله: إذا كانت الشريعة مُلْزِمة من حيث المبدأ، فإن في داخل هذه الشريعة أحكامًا ثابتة لا تقبل التغيير، وأحكامًا عامة ثابتة في ذاتها، ولكنها تقبل أن تدخل تحتها متغيرات .. ومن بين الثوابت التي لا تقبل التغيير ولا يدخل تحتها متغيرات، أحكام العبادات كلها، والحدود، وعلاقات الجنسين. فماذا فعلت العلمانية بهذه الثوابت؟ إن الأنظمة العلمانية تبيح الزنا برضا الطرفين، و «المتشدد» منها يشترط موافقة الزوج أو الزوجة، والكثير منها يبيح اللواط للبالغين، وكلها يبيح الخمر والخنزير!!

فأما الزنا برضى الطرفين فنجد مثلًا أن قانون العقوبات في مصر والعراق يؤكد على أن الزنا إذا وقع برضى الطرفين وهما غير متزوجين وسنهما فوق الثامنة عشرة، فلا شيء عليهما، وإن كانا متزوجين فلا عقوبة عليهما ما لم يرفع أحد الزوجين دعوى ضد الزوج الخائن (¬1). وإذن ففي شريعة العلمانية يكتسب الزنا شرعية حين يقع برضاء الطرفين والصلة بامرأة بالغة برضائها لا تقوم به جريمة إذا لم يقع في ظروف تجلعه داخلًا تحت قانون مكافحة الدعارة. وتبيح العلمانية ظهور النساء على شواطئ البحر بملابس الاستحمام مع أنها تكشف العورات. فالعِرض في شريعة العلمانية هو مجرد حرية السلوك الجنسي، ولكل شخص في هذه الشريعة أن يتخذ لنفسه السلوك الجنسي الذي يروق له، والأفعال التي يحرّمها قانون العلمانية في جرائم العرض، إنما يحرمها لكونها تشكل اعتداء على الحرية الجنسية فحسب لا باعتبارها أمرًا يغضب الله ويحرّمه الدين فإذا اتخذت ¬

_ (¬1) قانون العقوبات المصري ـ مواد 267، 279، وقانون العقوبات العقوبات العراقي ـ المواد 232، 240.

الجريمة صورة الاغتصاب أو هتك العرض بالقوة فإن القانون الوضعي يُحرم ذلك لكونه اعتداء على الحرية الجنسية، لأن الجاني قد أرغم المجني عليه على سلوك جنسي لم تتجه إليه إرادته ورغبته. ونفس الأمر نجده في جريمة الزنا فهي لا تعد جريمة إذا كان الطرفان غير متزوجين، أو إذا ارتكبها الزوج في غير منزل الزوجية، ولا تتحرك الدعوى الجنائية في جريمة الزنا إلا بناء على شكوى من الزوج، وللزوج الحق في التنازل عن الشكوى بعد تقديمها، وبالتالي تنقضي الدعوى الجنائية، وتوقف إجراءات رفع الدعوى الجنائية وللزوج حق وقف تنفيذ العقوبة!! (¬1) ذلك قانون العلمانية، وتلك فلسفته فيما يتعلق بجرائم العِرْض والزنا، وما ذُكِرَ ليس إلا شرحًا لنصوص هذا القانون الذي تحكم به محاكمنا، ويدرسه طلاب كلية الحقوق. قانون يمجد الحرية الجنسية، ويجعل من الشرطة حاميًا لها، بل وتشرف الدول العلمانية على الملاهي الليلية وتعد لها شرطة خاصة لحمايتها، وكأنها بيوت رسمية للبغاء، بل هي على الحقيقة ¬

_ (¬1) شرح قانون العقوبات ـ محمود نجيب حسني، مجلة نادي القضاة 1981.

كذلك فلا يستطيع إنسان كائنًا من كان، منع راقصة من الذهاب إلى هذه الملاهي، وإلا اعتبر ذلك منع لموظفة من أداء وظيفتها، وتعرض مَنْ منعها للعقوبة الجنائية والمدنية، واحتفظ صاحب الملهى بحق مقاضاتها ومطالبتها بالتعويض لعدم وفائها بالتزامها التعاقدي معه!!. وهكذا تبيح العلمانية الزنا، وتهيئ له الفرص، وتعد له المؤسسات، وتقيم له الحفلات في الملاهي والمسارح. وأما الربا فهو عماد الاقتصاد العلماني، تؤسس عليه البنوك، وتقدم به القروض، بل ويدخل الناس فيه كرهًا، ومن شاء فليراجع المواد 226 ـ 233 من القانون المدني المصري، والتي تنص على الفوائد والقواعد المتعلقة بها فتحل ما حرم الله بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} (البقرة: 278 - 279). فكيف بمن يقيمون للربا بنوكًا ويعطون للتعامل به الشرعية الكاملة؟.

وأما الخمر فإن النظم العلمانية تبيح شربها، وتفتح المحلات لبيعها وشرائها والتجارة بها، وتجعلها مالًا متقومًا يَحْرم إهداره، بل إن النظم العلمانية تنشئ المصانع لإنتاج الخمور وتعطي على الاجتهاد في إنتاجها جوائز إنتاج، وبالتالي فهي تبيح تصديرها واستيرادها، وعقد الصفقات للتجارة بها، وتحرّم على الأطراف المتعاقدة عدم الالتزام بنصوص العقد أو عدم مطابقتها للمواصفات المتعاقد عليها، هكذا كأي سلعة تدخل في نظام التغذية!! .. وإذن فالعلمانية تحل شرب الخمر وبيعها وعصرها، فتحل ما حرم الله، وتحرم إهدارها والإنكار على شاربها وعدم الوفاء بالالتزام التعاقدي عليها، فهي تحرم ما أحله الله. فالعلمانية تحل ما حرم الله، وتحرم ما أحله الله .. وليس هذا في الزنا والربا والخمر فقط، أو في الحدود والتعازير فقط، أو في مادة أو أكثر من مواد القانون الوضعي العلماني، بل إن قضية تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحله الله هي قضية النظام القانوني العلماني بأكمله، وبجميع جوانبه المختلفة.

ولما كان تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله كفرًا لمن فعله، ومن قَبِله، فلا بد لنا لنبقى مسلمين من رفض الكفر، ورفض شريعة الكفر، ورفض العلمانية التي تقوم على هذه الشريعة. 2 - ونحن نرفض العلمانية لأنها كفر بواح: العلمانية هي قيام الحياة على غير الدين، أو فصل الدين عن الدولة، وهذا يعني ـ بداهة ـ الحكم بغير ما أنزل الله، وتحكيم غير شريعته سبحانه، وقبول الحكم والتشريع من غير الله؛ لذلك فالعلمانية هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في الشريعة، بل بلغ الأمر مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله المنزلة. قال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله -: «إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين، والرد إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضة ومعاندة لقول الله - عز وجل -: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ

كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59). فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي مع الإيمان في قلب عبد أصلًا، بل أحدهما ينافي الآخر؛ فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به، وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم. فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمدًا رسول الله بعد هذه المناقضة». إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، وهي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة. وقبول الكفر والرضا به كفر، ولذلك فلا بد لنا من رفض العلمانية لنبقى في دين الله، ونحقق لأنفسنا صفة الإسلام. 3 - نحن نرفض العلمانية لتكون شريعة الله هي العليا: فقد جاء الإسلام ليكون دين البشرية كلها، ولتكون شريعته هي شريعة الناس جميعًا ولتهيمن على ما قبلها من الشرائع، وتكون هي المرجع النهائي، ولتقيم منهج الله لحياة البشرية حتى

يرث الله ومن عليها. والمنهج الذي تقوم عليه الحياة في شتى شعبها ونشاطها، والشريعة التي تعيش الحياة في إطارها وتدور حول محورها، وتستمد منها تصورها الاعتقادي، ونظامها الاجتماعي، وآداب سلوكها الفردي والجماعي. الخلاصة: العلمانية دعوة إلى إقامة الحياة على أسس العلم الوضعي والعقل بعيدًا عن الدين الذي يتم فصله عن الدولة وحياة المجتمع وحبسه في ضمير الفرد ولا يصرح بالتعبير عنه إلاَّ في أضيق الحدود. وعلى ذلك فإن الذي يؤمن بالعلمانية بديلًا عن الدين ولا يقبل تحكيم الشرعية الإسلامية في كل جوانب الحياة ولا يحرم ما حرم الله يعتبر مرتدًا ولا ينتمي إلى الإسلام. والواجب إقامة الحجة عليه واستتابته حتى يدخل في حظيرة الإسلام وإلا جرت عليه أحكام المرتدين المارقين في الحياة وبعد الوفاة. اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)

مفهوم الدولة المدنية حتى لا تخدعنا الشعارات

مفهوم الدولة المدنية حتى لا تخدعنا الشعارات منذ عهد الاستعمار الحديث الذي حل بربوع المسلمين، الذي سموه زورا وبهتانا بعصر التنوير، بدأت تطرق آذاننا ألفاظ لمسميات لم نسمع بها من قبل ذلك نحن ولا آباؤنا، من ذلك كلمة «الدولة المدنية» التي يبشر القائلون بها والداعون إليها، بأن كل أزمات المسلمين في العصر الحاضر من الاستبداد السياسي إلى التخلف التقني، إلى الفقر والبطالة وتدني الخدمات، أن كل ذلك سيزول بمجرد أن تتحول دولنا إلى دول مدنية، ولما كانت المنافع المعلقة على هذا التحول منافع كبيرة يحرص كل إنسان يريد الخير لأمته ومجتمعه على الحصول إليها، كان لا بد لنا من معرفة مدلول هذا اللفظ حقيقة قبل قبوله والدعوة إليه، حتى لا نذهب إليه ثم يتبين لنا ما فيه من الفساد العريض، لكن بعد أن يكون فات القطار، فماذا تعني الدولة المدنية؟ هل يراد بالدولة المدنية، التعليم الحديث واستخدام التقنية

المعاصرة في شتى مناحي الحياة والإدارة الحديثة، والتوسع في العمارة وإنشاء الطرق السريعة؟ قد يكون هذا بعض المطلوب، لكن هل هذا هو المطلوب أو كل المطلوب؟ وهل يكفي أم لا بد من شيء آخر؟ وهل الشيء الناقص يعد جوهريا أو ثانويا؟ ولما كان الحديث طويلا متشعبا لكثرة المتكلمين في ذلك فقد لا نتمكن من إيراد كل ما قيل في الموضوع، لكننا نأمل أن تكشف لنا هذه الورقة عن حقيقة ذلك الأمر. الدولة المدنية في التراث الإسلامي: بالتقليب في كتبنا السابقة التي تحدثت عن الأحكام السلطانية أو السياسة الشرعية لا نجد لهذا المصطلح وجودا مع أن مفرداته «الدولة» و «المدنية» هي من مفردات لغتنا، مما يتبين معه أن المصطلح مستورد من بيئة غير بيئتنا ـ وهذا في حد ذاته ليس عيبًا، لو كان لا يحمل مضمونا مخالفا لما هو مقرر في ديننا ـ وعليه فإن محاولة البحث عنه في تراثنا لن تُجْدِي شيئًا، وعلينا أن نبحث عن معناه في البيئة التي ورَّدته إلينا ثم ننظر في معناه في تلك البيئة هل يناسبنا فنقبله أم يتعارض مع ديننا فنرفضه؟.

الدولة المدنية في الثقافة الغربية: هذا مفهوم مترجم ومعرب من الثقافة الغربية الحديثة ويقصد به: «الدولة التي تستقل بشئونها عن هيمنة وتدخل الكنيسة، فالدولة المدنية هي التي تضع قوانينها حسب المصالح والانتخابات والأجهزة والتي في نفس الوقت لا يخضع لتدخلات الكنيسة» والكنيسة في الغرب كانت هي راعية الدين والممثلة له، فاستقلال الدولة المدنية عن تدخل الكنيسة ووضعها للقوانين حسب المصالح، معناه عند القوم استقلالها عن الدين وهو ما يعني أن الدولة المدنية هي الدولة العلمانية. فمن الناحية التاريخية إذا رجعنا إلى أصل اصطلاحها الغربي، نجد أن للدولة المدنية مفهوما فلسفيًا سياسيًا، مناقضًا للدولة الدينية (الثيوقراطية)، والتي يتأرجح مفهومها (نظريا) بين حكم رجال الدين وتحكيم الدين نفسه في السياسة، بغض النظر عن طبيعة من يحكم به! ويتمثل مفهومها عمليا بتنحية الدين عن السياسية مطلقا، باعتبار الدين هو مجموعة قوانين إلهية مميزة للدولة الدينية. فكانت الدولة المدنية بمبدئها الرافض لتدخل الدين في

السياسة دولة علمانية. وأنها تمثل عبر التاريخ سواء في الشرق أو الغرب عند دعاتها إطارا سياسيا للعلمانية قابلا لتوظيف أي اتجاه فلسفي إيديولوجي في الحياة بشرط تنحية الدين عن السياسية. فالحكومة المدنية في الفضاء المعرفي الغربي تعني تنظيم المجتمع وحكمه بالتوافق بين أبنائه بعيدا عن أي سلطة أخرى سواء دينية أو غيرها، أي إن شرط (العلمانية) أساسي في تلك الحكومات. وهناك من يقابل بين الدولة المدنية والدولة البوليسية فيزعم أن كل دولة ليست مدنية هي دولة بوليسية قائمة على القمع والظلم بغض النظر عن أي انتماء عقدي. وكلامه هنا يعني أن الدولة الإسلامية دولة بوليسية لا يمكن القبول بها، لأنها من وجهة نظره ليست دولة ديمقراطية فيقول: والدولة المدنية: نقيض الدولة العسكرية، وكل حكم سلطوي قمعي لا يقوم على الأسس الديمقراطية، هو حكم بوليسي سواء كان متسميا باسم الدولة الدينية أو بغيره من الأسماء التي مهما تنوعت. فإن السلطة التي تحتكر الحكم عن طريق فئة واحدة وفكر

الدولة الثيوقراطية ليست من مصطلحاتنا:

واحد هي سلطة لدولة بوليسية استبدادية متخلفة، ليس هناك دولة دينية، وإنما دولة مدنية أو دولة بوليسية، لأن الدولة المدنية كفيلة باحتضان كل الأديان والأفكار، أما الدولة البوليسية فإنها دولة لا تقبل الآخر وتستعدي التعدد والتنوع مرة تحت مظلة الحكم العسكري المعلن ومرة تحت مظلة الحكم الديني، وكلاهما حكم بوليسي لا علاقة له بمبادئ الدين، فكل حكم لا يقوم على الأسس الديمقراطية ـ عنده ـ هو حكم بوليسي استبدادي متخلف، سواء كان يستمد مرجعيته من الإسلام أو من غيره. الدولة الثيوقراطية ليست من مصطلحاتنا: يحلو لكثير من الكتاب في هذا الموضوع من أصحاب الاتجاه التغريبي المقابلة بين ما يسمونه دولة مدنية ودولة ثيوقراطية، أي الحكم بمقتضى التفويض الإلهي للحاكمين مما يضفي عليهم صفة العصمة والقداسة، ويذكرون ما في الدولة الثيوقراطية من المثالب والعيوب والآفات، ويسقطون ذلك على الدولة الإسلامية، وهذا ليس من المنهج العلمي الذي يتبجح به هؤلاء فإن هذا اللفظ (ثيوقراطية) ليس من الألفاظ العربية، وهو لم يأت في أي كتاب من كتب المسلمين فكيف يحاسبوننا عليه؟

وهل هذا إلا كمثل من يتهم غيره بتهمة من عند نفسه ثم يحاسبه عليها وهو لا يعلم بها؟ فإذا كانت الدولة الثيوقراطية ليست من مصطلحاتنا أو مفرداتنا، لم يَجُزْ لأحد أن يحاكمنا إليها، ومن أراد فليجأ إلى ألفاظنا ومصطلحاتنا حتى يكون النقاش علميا. إن الدولة الثيوقراطية التي يتحدثون عنها بالصفات التي يذكرونها لا نعلم عن وجودها إلا ما كان في بلاد الغرب النصراني الذين نشأ فيهم هذا المصطلح، حيث تسلط علماء اللاهوت على كل شيء حتى على قلوب الناس بزعم تمثيلهم للإرادة الإلهية، فهذه خبرة نصرانية لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، فما الذي يدعو هؤلاء إلى محاكمتنا إلى لفظ ليس من عندنا ولا يحاكموننا إلى ألفاظنا ومصطلحاتنا الثابتة في كتب أعلام هذه الأمة؟ وهل هذه إلا دليل على أن هؤلاء يحاكمون تاريخنا وهم في الوقت نفسه ينظرون إلى تاريخ الغرب النصراني؟ وهو يعني اختزال الخبرة السياسية في العالم كله في الخبرة الغربية؟ وهذا في منتهى التبعية واحتقار الذات. إن ثقافتنا الإسلامية لم تعرف دولة مدنية وأخرى دينية،

فهذا التقسيم أفرزته حركة التنوير في الغرب المناهضة لسلطة الكنيسة المطلقة، والتي كانت تمثل نمط السلطة الدينية غير المرغوب فيها، وهو المعنى الذي يعنيه مصطلح (ثيوقراطية) الذي هو نظام حكم يستند على أفكار دينية في الأساس مستمدة من المسيحية واليهودية، وتعني حكمًا بموجب الحق الإلهي المزعوم، وهو نظام كان له وجود في العصور الوسطى في أوروبا، نتجت عنه دول دينية مستبدة. ولكننا في الشرق الإسلامي لم نعرف هذا اللون من الحكم، فليس في الإسلام مؤسسة دينية كالكنيسة، التي فيها التراتيبية المعهودة بين رهبانها ويجب ألا يسمح بقيامها؛ لقد نعى القرآن الكريم على أهل الكتاب، ما يحاول هؤلاء بافتراء واضح أن يلصقوه بأمة المسلمين، فقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} (التوبة: 31). وقد بَيّنَ أهلُ التفسير أن تلك الربوبية كانت في استقلال الأحبار والرهبان بالتشريع حتى إنهم لَيُحِلّون ما حرم الله ـ

ويُحَرّمون ما أحل الله تعالى، وهذا لم يكن بحمد الله تعالى في أمة المسلمين. وهناك اتجاه يحاول المواءمة بين الدولة المدنية في مفهومها الغربي وبين الإسلام، فيرى هذا الاتجاه أن المسألة هينة وأنها مجرد اصطلاح، والاصطلاح لا مشاحة فيه كما يذكر أهل العلم، وعلى ذلك فهم يقررون إن الدولة في الإسلام مدنية ليست دينية، بينما دستورها من القرآن والسنة؛ فالدولة مدنية لا دينية، أما مصدر الدستور والقانون فيها فحتمًا هو الكتاب والسنة وموروث الأمة فقهًا وفكرًا، والدولة المدنية في عصرنا هي دولة المؤسسات التي تحكم من خلالها. وهذا لا شك فيه محاولة للتوفيق بين الأفكار المعاصرة وبين ما هو مستقر في الشريعة بلا خلاف بين أحد من الأمة، إذ لم يدَّع أحد أن للأمة أن تُشَرّع بمحض إرادتها وفق ما تراه مصلحة من دون التفات إلى موافقة الشريعة أو مخالفتها. لكن هذا الكلام في الحقيقة يحمل التناقض في ثناياه؛ إذ كيف نقول عنها إنها لا دينية ثم نقول في الوقت نفسه إن دستورها هو الكتاب والسنة، فمعنى كونها لا دينية أنها لا ترتبط بالدين،

وكون دستورها الكتاب والسنة أنها ترتبط بالدين، وهذا تناقض، وهذه المشكلة يقع فيها من يحاول التوفيق بين المختلفات في الظاهر، من غير إزالة أسباب الخلاف الحقيقية. والحقيقة أن المشكلة لا تكمن في التسمية أو الاصطلاح، فقد كان بالإمكان أن تُسمى الدولة في الإسلام دولة مدنية أو غير ذلك من الأسماء، لو لم تكن تلك المصطلحات ذات استعمال مستقر مناقض للشريعة، ومن ثَمَّ يصير استعمال هذا المصطلح لوَصْف الدولة في الإسلام سببًا في اللبس وخلط الأمور، لأن هذا الاصطلاح لم يعد اصطلاحًا مجردًا وإنما صار اصطلاحًا محملًا بالدلالات التي حملها من البيئة التي قَدِمَ منها. فإذا كان بعض المتكلمين بهذا المصطلح والآخذين به يقولون بمرجعية الشريعة، فما الذي يحملهم على الإصرار على استعمال مصطلح أقل ما يقال فيه أنه مصطلح مشبوه، يدعو استعماله إلى تفرقة الأمة لا إلى جَمْعِها، كما يمثل نوعًا من التبعية الثقافية للغرب، في الوقت الذي لا يوجد فيه أي مسوغ مقبول للإصرار على هذا الاستعمال. ومما هو مقبول في العقل السليم أن الكلمة ذات المعنى

الصحيح إذا كانت تحتمل معنى فاسدا فإنه يعدل عنها إلى كلمة لا تحتمل ذلك المعنى الفاسد، وهذا الأمر المعقول قد أرشد إليه القرآن حينما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)} (البقرة: 104). قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: «نهى الله ـ تعالى ـ المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يُعَانُون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص ـ عليهم لعائن الله ـ فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا. يُوَرّون بالرعونة. وقال القرطبي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: «في هذه الآية دليلان: أحدهما على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض. الدليل الثاني: التمسك بسد الذرائع وحمايتها، والذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع». والخلاصة أنه يجب رفض هذا المصطلح لما اشتمل عليه من

ما هي عناصر الدولة المدنية؟ وما علاقة ذلك بالإسلام؟

مفاسد ولعدم الحاجة إليه فالدولة المدنية التي يجري عنها الحديث هي دولة علمانية، فهذا الاصطلاح (الدولة المدنية) هو مطاطي ينكمش في أحسن حالاته ليحاكي الغرب في كثير من مناهجه السياسية في الحكم مع الحفاظ على بعض الخصوصيات، ويتمدد حتى يصل إلى أصل استعماله دولة علمانية صرفة. ومَن وصف الدولة الإسلامية بأنها دولة مدنية وقع في خطأ لأن الدولة المدنية الحديثة تنكر حق الله في التشريع، وتجعله حقًا مختصًا بالناس، وهذا بخلاف الدولة الإسلامية، بل إن هذا يخرجها عن كونها إسلامية، ويُسمّى هذا النوع من الحكم في الإسلام بحكم الطاغوت، وكل حكم سوى حكم الله هو طاغوت. ما هي عناصر الدولة المدنية؟ وما علاقة ذلك بالإسلام؟ هناك عدة عناصر منها: 1 - وجود دستور مكتوب: والدستور هو أعلى وثيقة قانونية في الدولة وهو المرجعية النهائية لجميع القوانين والأنظمة، فكل ما خالفه من أفعال أو تصرفات فهي موصوفة بالبطلان المطلق، وكل قانون أو تنظيم

يسن مخالفا للدستور، هو باطل ولا تترتب عليه النتائج التي تغياها القانون أو التنظيم، وكل ما خالف الدستور فيجب نقضه وإلغاؤه. وقد يختلف الناس في شأن تدوين دستور، وهل هناك حاجة إلى ذلك لتحديد الحدود والالتزامات والحقوق والواجبات بين مختلف فئات المجتمع، وتحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أم يُكتفى بما هو موجود في النصوص الشرعية؛ وبما هو موجود في القضايا الإجماعية، والمعلوم من الدين بالضرورة؛ لوضوحه في الدلالة على ما يراد منه. والخلاف في ذلك سائغ وهو خلاف في الفقهيات وليس في العقائد، يحكم عليه بالصواب أو الخطأ، ولا يحكم عليه بالحق أو الباطل، أو بالإيمان أو الكفر، ولا يمكن أن يُمنع الخلاف في ذلك بين الناس إلا في ظل القهر والاستبداد، وليس هذا هو جوهر القضية. وإنما جوهر القضية ما الأساس الذي يدون عليه الدستور إذا قيل بتدوينه؟ هل هو الكتاب والسنة وما دلا عليه بوجوه الدلالات

المعتبرة، وفق القواعد الشرعية المنضبطة، أو الأساس هو العقل والمصلحة، والخبرة والتجارب، ولا شك أن الخلاف في هذا غير سائغ، وهو خلاف عقدي يحكم عليه بالحق أو الباطل أو بالإيمان أو الكفر، وليس خلافا فقهيا يحكم عليه بالصواب أو الخطأ. 2 - إمكانية تداول السلطة: المراد بالسلطة في هذا الكلام الحكومة، بما لها من حقوق وما عليها من واجبات وتبعات، وهي بلا شك في كل الأنظمة سواء الإسلامية وغير الإسلامية لها شروط ومواصفات، ينبغي تحقيقها والتحلي بها، والمشكلة لا تكمن في تداول السلطة، فعندنا من الواقع العملي أن السلطة تولاها بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أبو بكر - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ وهو من بني تيم ـ ثم تولاها عمر ـ وهو من بني عدي ـ ثم تولاها عثمان ـ وهو من بني العاص ـ ثم تولاها علي ـ وهو من بني هاشم ـ رضي الله تعالى عن الجميع. فالسُلطة انتقلت وتداولها المسلمون وفق الشروط والمواصفات التي دلت عليها الأحكام الشرعية، ولم يحتكرها أحد ويقصرها على نفسه، لكن ليس من معنى تداول السلطة أن يُحدد وقت معين لولي الأمر يفقد بها صلاحيته لولاية الأمر حتى

يجدد اختياره من جديد. والمشكلة الجوهرية مع أنصار الدولة المدنية في هذه المسألة تكمن في الشروط والمواصفات التي ينبغي توافرها فيمن يُولَّى الأمر، وليس في تداولها، فهل من شروط الحاكم عندهم أن يكون مسلما، أم يجوز أن يكون كافرا شقيًّا ما دام أنه يتمتع بصفة المواطنة؟ وهل يشترط عندهم أن يكون صالحًا تقيًّا أم يجوز أن يكون فاسقًا عصِيًّا لرب العالمين؟ وهل يشترط عندهم أن يكون رجلًا أم يجوز أن تكون امرأة؟ لكن أهمية الحديث عن تداول السلطة عند كثيرين تنبع من أن السلطة في عُرْفهم صارت مغنمًا من المغانم وليست مغرمًا، لذلك يطالبون بنصيبهم من هذا المغنم، والتداول لا يمثل قيمة جوهرية في الفقه السياسي الإسلامي، وإنما القيمة تكمن في قدرة ولي الأمر على القيام بمهامه على الوجه الأحسن، فإذا كان ولي الأمر قائمًا بما يجب عليه، محققًا للمقصود من نصبه من غير إخلال أو تقاعس عن القيام بمهامه وواجباته، فليس هناك معنى معقول لإخراجه عن السلطة بزعم تداولها، وفي الجهة المقابلة فإنه متى تقاعس ولي الأمر عن القيام بواجباته، ولم يكن نصبه محقِّقًا

للغرض المقصود منه فإن الشريعة لا تأمر بالإبقاء عليه واستمراره في منصبه، بل يوعظ وينصح ويوجه فإن استقام وإلا فالعزل طريقه. 3 - الاعتراف بالآخر: ما المراد بالاعتراف به؟ الاعتراف بوجوده، أم الاعتراف بحقوقه التي كفلتها له الشريعة، أم الاعتراف بواجباته التي أناطتها به الشريعة، أم الاعتراف بأنه على دين يخالف دين الإسلام، أم الاعتراف بأن له الحق في أن يدعو بين المسلمين إلى دينه، وأنه يحق له إقناعهم بالتحول إليه. - الاعتراف بالموجود لا حاجة له، فنفس وجوده دليل عليه وهذا من البدهيات لا يحتاج إلى اعتراف. - وأما الاعتراف بحقوقه وواجباته وفق الشريعة فلم يعارض في ذلك أحد ممن يؤخذ عنه العلم، ولا ينبغي أن يعارض في ذلك أحد. - وأما الاعتراف بأنه على غير دين الإسلام فهذا من أساسيات الإسلام، فكل من لم يشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو على غير دين الإسلام.

- ما بقي إلا شيء واحد وهو أن يكون الاعتراف بالآخر يعني الاعتراف بحقه في أن يدعو المسلمين إلى دينه، أو أن يُمكنوا من بناء أماكن لعبادتهم في أمصار المسلمين التي لم يكونوا بها من قبل، بل مصَّرها المسلمون. لكن نحن نسألكم هل هناك أدلة تدل على ذلك؟ وإذا لم تكن هناك أدلة تدل على ذلك، بل كانت الأدلة تدل على عكسه، كانت المطالبة به على أساس أنه من مواصفات الدولة المدنية، قدحا في تلك الدولة لأنها تقوم على مخالفة الشرع. 4 - قبول الديمقراطية: وقد أثبتت حوادث الأيام أن الديمقراطية في تلك الدول التي تزعم ريادتها في هذا المجال مجرد شعار أجوف، فلقد شنت أمريكا الدولة الديمقراطية ومعها بريطانيا الدولة الديمقراطية أيضًا، وبالتحالف مع عدة دول ديمقراطية أيضًا، حربا ظالمة على العراق بزعم وجود أسلحة دمار شامل في تلك البلد، ثم تبين بعد ذلك أن هذه الأخبار كانت ملفقة حتى إن وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول اعترف بذلك، فماذا كانت النتيجة

هل اعترفت أمريكا وبريطانيا وذيولهم بالخطأ، وندموا على ما فعلوا وقدموا تعويضات لهذا الشعب، الذي قتل منه بسبب هذه الحرب الهمجية أكثر من مائتي ألف مواطن. لقد اعترضت طوائف كثيرة من شعوبهم على تلك الحرب غير الأخلاقية فما أصغوا إليهم، ثم أين سيادة القانون التي يدّعونها، وهم قد خالفوا القانون الدولي الذي يلزمون به الدول الأخرى، وذلك بالتدخل في شئون دولة مستقلة من غير تفويض من (المجتمع الدولي)!!! بذلك. والأغرب من ذلك أن الأمم المتحدة نفسها قامت على أساس غير ديمقراطي، حيث هناك خمسة دول كل دولة منهم تملك تعطيل أي قانون أو مشروع حتى لو وافقت عليه دول العالم كلها، فأين الديمقراطية في ذلك؟، أم إنها احتكار للقرار الدولي، فلو وضع صوت دولة من هذه الدول في كفة وبقية العالم في كفة لرجحت كفة هذه الدولة. فما أشد هذا الظلم وأقساه على النفوس الأبِيّة، وكم ذقنا من مرارته كثيرا، فها هم اليهود يعتدون على إخواننا الفلسطينيين ويقتلون منهم في سيناريو شبه يومي، فلو قدر أن ضمير العالم

صحا لهذا الظلم الشنيع، وأخذ قرارا بالإدانة مجرد قرار لا يترتب عليه شيء في الواقع، وجدنا أمريكا تعترض عليه، بما لها من هذا الحق غير (الديمقراطي) فيصبح كأنه لا شيء. 5 - الحفاظ على حقوق الإنسان: الناس لهم حقوق كثيرة كفلتها لهم الشريعة ينبغي أن يُمَكَّنوا منها، ولا يجوز لأحد أن يحول بينهم وبين حقوقهم التي منحها الله لهم، ولا يفعل ذلك إلا جبار عنيد، فالحقوق ممنوحة من الله تعالى لم تمنحها الطبيعة ولم يمنحها الحاكم، وفي هذا أعظم صيانة لهذه الحقوق. ومن هذه الحقوق أن الكافر لا يكره على الدخول في دين الإسلام، بل يُعرَض عليه الإسلام فإن قبله ونطق الشهادتين دخل في الإسلام، وإن أبي وأصر على البقاء على دينه فلا يُكرَه ولا يُجْبَر على تغييره، وكل ما يطلب منه في هذه الحالة أن يفي بعقد الذمة الذي بينه وبين الدولة المسلمة ولا ينقضه، وهذا أمر مقرر، وكل ذلك لا خلاف عليه بيننا وبين من يقبل به سواء كان من أدعياء الدولة المدنية أم من غيرها. لكن هل من الحقوق أنه يجوز للمسلم أن يغير دينه إلى

اليهودية أو النصرانية أو إلى لا دين؟ هذا محل خلاف بيننا وبين دعاة الدولة المدنية، هم يرون ذلك حقا له، وأنه لا حد في الردة، وأن المرتد هو الشخص الخارج على النظام فهذا الذي يجب قتله. ومن غير كبير خوض في التفاصيل نقول: أنتم لستم أول المسلمين، ولا أنتم صحبتم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفقهتم عنه، كما أن الإسلام لم يكن معطلا قبلكم حتى جئتم أنتم تطبقونه، فخبرونا مَن مِن أهل العلم الذين يرجع إلى أقوالهم عند الخلاف، قال بهذا القول، فإذا لم تستطيعوا ـ ولن تستطيعوا ـ أن تُثبتوا أن أحدًا من أهل العلم بدين الله تعالى قد سبقكم بما تقولون، فقد أحدثتم في دين الله تعالى، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»، وهو حديث متفق عليه أخرجه الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما من أهل الحديث وفي رواية: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ». على أن هناك حادثتين تتعلقان بهذا الموضوع يحسن بنا إيرادهما تبين أن الكلام على حقوق الإنسان والدندنة حوله ليس في حقيقته أكثر من تمكين فئات الأقلية من التحكم في الأكثرية، تحت ضغط الدول المدنية الكبيرة وتأثيرها على متخذي القرارات

في الدول الضعيفة. فقد حدث أن امرأة نصرانية في مصر اهتدت إلى أن الإسلام هو دين الحق فأسلمت، لكن الذين يتكلمون عن حقوق المواطنة هاجوا وماجوا ومن ورائهم ضغط الدول المدنية الكبيرة حتى سَلَّمت الدولة المصرية المرأة المسلمة إلى الكنيسة لتعتقلها داخل الدير، وقد يضغطون عليها هناك تحت ظروف الاعتقال فيرُدّونها إلى الكفر مرة أخرى، فجعلت منها دولة داخل الدولة، ولم نسمع أي نكير من أي دولة مدنية كبيرة أو صغيرة على هذا الاعتداء الصارخ على حقوق الإنسان. ولو قارنت هذا بما حدث من رجل أفغاني ارتد عن دين الإسلام حينما قُدّم للمحاكمة، كيف قام العالم النصراني كله يدافع عن حقه في اختيار الدين الذي يريده، وأن محاكمته على اختياره هو اعتداء على حقوق الإنسان، وضغطوا على حكومة ذلك البلد حتى خرج في أقل من ثمانية وأربعين ساعة من أمام المحكمة التي يحاكم بها، ليسافر معززا مكرما لاجئا إلى بلد نصراني. 6 - السماح بالحريات:

الحرية مطلب تحرص عليه النفوس الأبِيّة التي تأنف أن تكون ذليلة أو تابعة لبشر مثلها، ولا ينبغي أن يحجر على الإنسان ويمنع من حريته التي كفلتها له الشريعة، لقد كان الاختلاف المذهبي أحد أبرز مظاهر حرية الرأي عند المسلمين، فرغم أنه خلاف في فهم الدين والعمل، فإنه لا جبر ولا إكراه على القبول برأي لا يرضاه الإنسان، ولكل إنسان الحق في الاحتفاظ برأيه والعمل به ما دام رأيه لا يصادم النصوص الشرعية ولا يخالف القواعد المرعية، ويحق للمسلم التمسك برأيه ولو كان في مواجهة رأي الخليفة، وهناك نماذج وأمثلة كثيرة حدثت في تاريخ المسلمين. فالخلاف في الرأي والتصورات ظاهرة إنسانية لا يمكن نفيها ولا القضاء عليها، والخلاف ليس مقصورا على المسلمين فكل أصحاب المذاهب الأخرى يختلفون، ولكن بفارق مهم جدًّا وهو أن المسلمين لهم مرجع يرجعون إليه جميعا، يكون لهم ضابطًا يعصمهم من تحول الخلاف في الرأي إلى افتراق وتشتت بين أفراد الأمة وانقسامها إلى طوائف وشيع وأحزاب، بعكس المذاهب الأخرى فليس لهم مرجع يرجعون إليه غير ما تهديهم إليه عقولهم

وغير ما يظنون منفعته وفائدته، وهذا من شأنه أن يجعل الإنسان متقلبًا لا يستقر على رأي أمدًا طويلًا، ضرورة قصور علم الإنسان وجهله، فما كان حقًّا وصوابًا عندهم اليوم قد يرونه غدًا خطأ وضلالًا. لكن هل من حرية الرأي أن يعيب المسلم أو غير المسلم الدين ويقدح في الشريعة؟ فالمسلم مطالب بأن يعظم شعائر الله وأن يعظم حرمات الله فمخالفة ذلك ليس من حرية الرأي، بل من الخروج على الدين الذي ينبغي أن يحاسب عليه من فعله. وهل من الممكن تحت زعم عدم التضييق على الإبداع والمبدعين أن يترك لهم الحبل على الغارب فيعيثون في أخلاق الأمة وعقيدتها وشعائرها فسادا؟، وأما غير المسلم فلا يطالب بذلك مثل المسلم، فإن عدم إسلامه يعني طعنه في دين الإسلام، لكن لا يقبل منه إظهار ذلك بين المسلمين، والإعلان به، أو الدعوة إليه. وهكذا لو ذهبنا نعدد كثيرًا من تلك الأمور التي يَعُدُّونَها من عناصر الدولة المدنية، فقد لا نجد اختلافًا عند الكلام المجمل، ولكن المحك الحقيقي عند ذكر التفصيلات حيث يظهر

الاختلاف، فمثلا مَنْ من الناس لا يريد العدل ولا يطالب به؟ لكن ما هو العدل؟ هذا يختلف باختلاف كل أمة، فما يكون عدلا عندك قد يكون ظلما عند الآخرين، فأمريكا اليوم مثلا ترى من العدل والحق أن يقوم اليهود بضرب الفلسطينيين في غزة بالطائرات والمدافع من أجل فك أسر الجندي اليهودي المأسور، بينما ترى أن محاولة الفلسطينيين فك أسراهم من الظلم الذي ينبغي أن يعاقبوا عليه. وبكلام مجمل: نقول لدعاة الدولة المدنية والمبشرين بها: هل ما تذكرونه عن الدولة المدنية من حيث معناها وعناصرها، دل عليه ديننا وشريعتنا بأي نوع من الدلالات المعتبرة عند أهل العلم؟ فإن قلتم: نعم دل على ذلك، قلنا: أين هي النصوص التي تتحدث عن ذلك وما وجه دلالتها؟ وإن قلتم: لم تدل على ذلك النصوص وإنما دلت على خلافه، قلنا: لا حاجة لنا فيما يخالف شرعنا. وإن قلتم: إن النصوص لم تدل على اعتباره كما أنها لم تدل

على إلغائه، فاجتهدنا نحن في ذلك من باب المصالح المرسلة، قلنا: لستم أنتم من أهل الاجتهاد، فليست لكم أية دراسات مقدرة في الشريعة، وكل علم له رجاله المتخصصون فيه، وهذه بدهية من بدهيات العلوم، ومن تكلم في غير فنه أتى بالأعاجيب. وإن قلتم: نحن لا يعنينا الاتفاق أو الاختلاف مع الأحكام الشرعية، والذي يهمنا هو ما نرى فيه المصلحة، قلنا: إذن فقد خلعتم بذلك ربقة الإسلام من أعناقكم. أنتم في ظاهركم تقرون وتعترفون أن الله تعالى هو خالق هذا الكون العجيب بسماواته العظامن وأراضيه الشاسعة، وخالق الحياة كلها، والذي أحكم هذا الكون إحكاما يحار فيه أولو الألباب، مقرين بعلم الله تعالى وحكمته وعظمته. أفتستكثرون على الله تعالى أن ينزل على عباده ما يهديهم في شئون حياتهم، أم تظنون أن الله تعالى خلق الخلق ورزقهم من المال والبنون، ثم تركهم يديرون حياتهم بغير بغير هداية منه ورشاد، ألم يقل الله تعالى منكرًا على من يريد أن يستقل ويضع بنفسه ما يحكم به مجتمعه قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ

أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة:50}. ما الذي يدعوكم للمطالبة بالدولة المدنية، وما الذي يحملكم على التضحية بدين الأمة، وما المكاسب التي ترونها في التمسك بالدولة المدنية، وهي ليست في الدين، وهل هناك ما يدعو إلى استخدام هذا الاسم المشتمل على قضايا مقبولة، وقضايا تتعارض مع الدين. ولماذا العدول عن اسم الدولة الإسلامية أو الشرعية أو الدينية، ما الذي تنقمونه من هذه التسمية، هل تشتمل على قضايا غير مقبولة؟ إن كانت هناك ممارسات غير مقبولة وقعت من بعض المسلمين أو حكامهم، فهل هي مقبولة إسلاميًّا؟ بمعنى آخر: هل هي من نواتج التمسك بالإسلام أو من نواتج البعد عنه والخروج عليه؟ وإذا كانت من نواتج البعد عنه والخروج عليه فلماذا تلصقونها به، وتحملونه ما هو منه بريء. هناك من يحاول أن يبين أن الدولة المدنية هي دولة المؤسسات، وأنها لا تعارض الدين ولا تعاديه.

إذا قلتم هذا فلماذا تأبون وصفها بدولة إسلامية أو شرعية أو شرعية أو دينية، ولماذا التركيز على أنها دولة مدنية، وهل كانت الدولة التي أقامها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - دولة مدنية أو دولة إسلامية، وكذلك الدولة التي أقامها خلفاؤه من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهلم جرا. هناك من يقول نريد دولة مدنية بمرجعية إسلامية، إن هذا القيد في حد ذاته يمثل اتهامًا حقيقيًا للدولة المدنية مِن قِبَل دعاتها، فإن هذا الكلام يبين أن المرجعية الدينية ليست من صفات الدولة المدنية ولا من خصائصها وأركانها، وإلا لما احتاج هذا المتكلم إلى إضافة ذلك القيد. والدولة المدنية لم تمنع السلطة من تفسير القانون حسب ما تهوى، واعتبر ذلك بما حدث من احتجاز أمريكا الدولة المدنية الكبرى لأكثر من أربعمائة مسلم في معتقل بخليج جوانتنامو مخالفة بذلك القانون الأمريكي والقانون الدولي واتفاقيات الأسري بجنيف، بل وصل الأمر أكثر من ذلك حيث التنصت على مكالمات الأمريكيين أنفسهم بدون سند قانوني وكل ما قدمته الإدارة من تفسير في ذلك أن الوضع خطير وأنه لا يمكن محاربة

الإرهاب إلا بتلك الطريقة وهذه دعاوى لا يعجز أحد عن تقديمها فماذا فعلت الدولة المدنية إزاء ذلك؟ وأخيرا: إن المشكلة الحقيقية التي تحياها مجتمعاتنا لا تحل بمجرد إقرار لفظ أو نفيه، فهناك كثير من الدول العربية التي تقول عن نفسها إنها دولة مدنية ولم يخرجها ذلك عن حالة التخلف التي هي سمة لكثير من مثل هذه المجتمعات، إن المشكلة الحقيقية تكمن في انفصال العمل عن القول، وأن كثيرًا من النخب الحاكمة تتعامل مع الحكم وكأنه تركة من حقها أن تفعل به ما تشاء، في ظل غياب رقابة شعبية ورسمية حقيقية قادرة على الفعل. ولو ولت النخب الحاكمة وجهها شطر شرع الله تعالى لأفلحت وأنجحت، ولقادت مجتمعاتها من حالات التخلف الراهنة في أغلب الميادين، إلى مدارج العلا، ائتوني على مدار التاريخ الإسلامي كله في البلاد التي حكمها الإسلام، بدولة تمسكت بالإسلام حقا، ثم لم تكن متقدمة على نظرائها في أغلب المجالات.

شبهات حول تطبيق الشريعة

شبهات حول تطبيق الشريعة قبل الرد: قبل الرد على الشبهات المتهافتة لأعداء الإسلام وشرعه المُحْكَم من الكفار والمنافقين ـ الذين يحملون أسماء إسلامية ولكنهم في الحقيقة حرب على الإسلام وأهله ـ يجب أن يُعلم أنه ليست هناك مقارنة بين شرع الله وشرع البشر، فالأمر كما قال الشاعر: ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا وهذه الردود إنما هي بيان لشبهات ثلة من الجهال ظنوا أنفسهم عقلاء بينما هم في الحقيقة لا يعرفون الفرق بين السيف والعصا، وإلا فالمسلم يكفيه أن يعلم أن هذا الحكم حكم الله فلا يرد على الله ـ حكمه بل يسلم تسليمًا، كما قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا

يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (النساء: 65). وكما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} (الأحزاب: 36). وشريعة الله ـ صالحة لكل زمان ومكان ويكفي أنها من عند الله، وهذا الأمر واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، ولكن العالمانيين وأساتذتهم من اليهود والنصارى يتعاموا عن هذه الحقيقة الواضحة؛ فهم كما قال المتنبي: وَلَيسَ يَصِحُّ في الأَفهامِ شَيءٌ ... إِذا اِحتاجَ النَهارُ إِلى دَليلِ وكانت هذه الردود حتى لا ينخدع السُذّج من المسلمين بباطل العَلَمانيين الذي يلبسونه ثوب الحق خداعً وتمويهً: إنّ الأفاعِي وإنْ لانَتْ ملامِسُها عندَ التقلّبِ في أنيابِها العطبُ اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)

الشبهة الأولى: أنتم أعلم بأمر دنياكم:

الشبهة الأولى: أنتم أعلم بأمر دنياكم: عَنْ أَنَسٍ سدد خطاكم أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ «لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ». قَالَ فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: «مَا لِنَخْلِكُمْ». قَالُوا: «قُلْتَ كَذَا وَكَذَا»، قَالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ». (رواه مسلم). قصة هذا الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مَرَّ في المدينة على قوم يؤبرون النخل ـ أي يلقحونه ـ فقال: «لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ»، فامتنع القوم عن تلقيح النخل في ذلك العام ظنًا منهم أن ذلك من أمر الوحي، فلم ينتج النخل إلا شيصًا (أي بلحًا غير ملقح، وهو مُرٌّ لا يُؤْكل) فلما رآه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على هذه الصورة سأل عما حدث له فقَالُوا:» قُلْتَ كَذَا وَكَذَا»، فقَالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ». وفي صحيح مسلم أيضًا عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ فَقَالَ: «مَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ». فَقَالُوا: يُلَقِّحُونَهُ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِى الأُنْثَى فَيَلْقَحُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا أَظُنُّ يُغْنِى ذَلِكَ شَيْئًا».

قَالَ: فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِذَلِكَ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِنِّى إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلاَ تُؤَاخِذُونِى بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِّى لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». الجواب: قصة الحديث واضحة الدلالة فيما تركه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للناس من أمور يتصرفون فيها بمعرفتهم، لأنهم أعلم بها وأخبر بدقائقها، إنها المسائل العلمية الفنية التطبيقية التي تتناولها خبرة الناس في الأرض، منقطعة عن كل عقيدة أو تنظيم سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، وهي في الوقت ذاته تصلح للتطبيق مع كل عقيدة وكل تنظيم، لأنها ليست جزءًا من أي عقيدة أو أي تنظيم. بل إنها حقائق علمية مجردة عن وجود الإنسان ذاته بكل عقائده وكل تنظيماته. كحقيقة اتحاد الأكسجين والهيدروجين لتكوين الماء، وحقيقة انصهار الحديد في درجة كذا مئوية. هي حقائق ليسن ناشئة عن وجود الإنسان. وإنما هي سابقة له، موجودة منذ وجدت هذه العناصر في الكون. وقصارى تدخل

الإنسان فيها أن يكتشفها ويعرفها، ثم يستغلها لصالحه، ويطبقها في حياته العملية. وقصة النخل لا تخرج عن كونها حقيقة علمية اكتشفها الإنسان فطبقها في حياته العملية: حقيقة التلقيح والإخصاب في عالم النبات. وهي عملية لا يتم بدونها تكون الثمرة ونضجها على النحو المعروف. والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقطع فيها برأي ـ كما هو ظاهر من الحديث ـ وإنما قال: «إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا» ولعل الشك الذي ساوره - صلى الله عليه وآله وسلم - قد جاء من اعتقاده بأن الله لا بد أن يكون قد أودع فطرة الحياة ما تتم به عملياتها البيولوجية دون حاجة إلى تدخل الإنسان. هي إذن المسائل التكنيكية البحتة بتعبيرنا العلمي الحديث. المسائل التي يتحصل عليها المؤمنون والكفار سواء. ولا تؤثر بذاتها في عقيدة القلب أو اتجاه الشعور. ومع ذلك فإن فريقًا من الناس يريدون أن يفهموا منها غير ما قصده الرسول وحدده. يريدون أن يبسطوها حتى تشمل الحياة الدنيا كلها، بتشريعاتها وتطبيقاتها، باقتصادياتها واجتماعياتها،

بسياساتها وتنظيماتها. فلا يدَعُون لدين الله ولرسول الله مهمة غير «تنظيف القلب البشري وهدايته» بالمعنى الروحي الخالص، الذي لا شأن له بواقع الحياة اليومي، ولا شأن له بتنظيم المجتمع وسياسة الأمور فيه. ثم يسندون هذا اللون من التفكير للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويجعلونه ـ هو - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ شاهدًا عليه!! ولكن قليلًا من النظر كان جديرًا أن يردهم إلى التفكير الصائب والتقدير الصحيح، ويرفع عنهم هذه الذلة الفكرية التي يعانونها إزاء الغرب، فتلوي أفكارهم ـ بوعي أو بغير وعي ـ وتفسد مشاعرهم فينحرفون عن السبيل. لو كان الإسلام رسالة روحية بالمعنى المفهوم لهذا اللفظ ـ المعنى الوجداني الخالص الذي لا شأن له بواقع الحياة اليومي ـ ففيم إذن كان هذا الحشد الهائل من التشريعات والتوجيهات في القرآن والحديث؟ وفيم إذن يقول الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7)، ثم يعقب في نفس الآية بالتهديد للمخالفين: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

فيم هذا كله إذا كانت المسألة هي «تنظيف القلب» ليس غير؟! إن تنظيف القلب البشري لمهمة ضخمة دون شك .. مهمة تحتاج إلى رسول! وإنها ـ حين تنجح ـ لهي الضمان الأول لسلامة الحياة كلها واستقامتها ونظافتها. فإن أخفقت .. فلا ضمان! والإسلام يوجه لهذا القلب أكبر عناية يمكن أن يوجهها إليه نظام أو دين. فهو يربطه دائما بالله، ويوجهه دائمًا لخشيته وتقواه والعمل على رضاه. ثم هو يتتبع هذا القلب في كل نزعة من نزعاته، وكل ميل من ميوله، في الأعمال الظاهرة والمشاعر المستترة، في السر الذي يخفى على الناس ولا يخفى على الله، بل فيما هو أخفى من السر، من المشاعر الساربة في حنايا الضمير. يتتبعه في كل ذلك، عملًا عملًا وخاطرًا خاطرًا وفكرة فكرة، فينظفها بخشية الله، والحياء من رقابته الدائمة التي لايغيب عنها شيء في الأرض ولا في السماء، ويوجهه إلى صفحة الكون الواسعة، وما فيها من آيات الله ـ، ليمسح عنه الغلظة التي تحجر المشاعر، والغبش الذي يحجب عنه النور، ويطلقه من

إسار الشهوات والضرورات التي تثقله وتشده إلى الأرض، لينطلق خفيفا صافيا شفيفا يسبح الله ويفرح بهداه. نعم، يبذل الإسلام ذلك الجهد الضخم كله «لتنظيف القلب»، ومن صميم مهمة الدين إذن في تنظيف القلب كانت هذه التشريعات وهذه التوجيهات التي تتناول الأسرة والمجتمع، وسياسة الحكم، وسياسة المال. يستوي في ذلك التشريع الاقتصادي، والتشريع السياسي، والتشريع الجنائي، والتشريع المدني، والتشريع الدولي، والتوجيهات العديدة المتعلقة بكل هذه الشئون. ولم يكن الإسلام ـ وهو جاد في تناول الإنسان والحياة البشرية بالتنظيم والتنظيف ـ ليغفل هذه الشئون الواقعية كلها، وينصرف إلى تهذيب الضمير في عالم المثل والأحلام. ولم يكن رسول الإسلام - صلى الله عليه وآله وسلم - ليتخلى عن مهمته الهائلة في ذلك الشأن، وينفض يديه منها، ويقول للناس: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»، أي تصرفوا أنتم في تشريعاتكم وتنظيماتكم، في سياسة المال وفي سياسة الحكم، في علاقات المجتمع، وفي القوانين التي تنظم الحياة.

الشبهة الثانية: شبهة التدرج:

كلا! لم يكن ليفعل ذلك. ولو فعل فما أدى إذن رسالة الله. والله هو الذي يقول له في مجال التكليف: قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} (الجاثية: 18). الشبهة الثانية: شبهة التدرج: القائلون بنظرية التدرج استدلّوا بقولهم أنّ الله حرّم الخمرة بالتدريج. الجواب: أولًا: بغضّ النظر عن كيفية تحريم الخمرة، فإنها منذ نزول آية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 90)، صارت حرامًا، وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يجوز أبدًا لأحد أن يستبيحها أو أن يعود ليحرّمها تدريجيًا ـ كما يدّعي القائلون بالتدرج ـ لأن زمن الوحي قد انتهى. ولا يجوز للحاكم أن يُسقط الحد عن شاربها، إلاّ إذا كان هناك رخصة شرعية كالاضطرار ـ مثلًا ـ لقوله تعالى: {فَمَنِ

اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المائدة: 3). ثانيًا: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} (المائدة: 44)، فكيف يوفِّق القائلون بالتدرّج بين هذه الآية وقولهم. فقولهم بجواز التدرج معناه جواز الحكم بغير ما أنزل الله مرحليًا، أي أنه لن يحكم بما أنزل الله في بعض المسائل، فيدخل تحت آية {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة: 45 (، أو آية: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)، أو آية وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (المائدة: 47). فهل يجوز تطبيق بعض أحكام الكفر مرحليًا للوصول إلى تطبيق أحكام الإسلام كاملة؟! أم أنه ينطبق علينا حينذاك قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (البقرة: 85).

ثالثًا: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء:97). هذه الآية هذه تُلزِمُ كُلَّ مسلم ـ حاكمًا كان أو محكومًا ـ بأن يجتنب كلَّ ما حرَّمه الله عليه، وبأن يقوم بكل ما فرضه الله عليه، ولو اقتضى منه ذلك أن يخسر بلده وأرضه وماله وبيته وأقاربه ويهاجر إلى حيث يستطيع أن يؤدّي ما ألزمه به الشرع. والأصل أنه إذا كان القائل بالتدرّج حاكمًا فإنه طليق اليد في الحكم بأحكام الشرعية الإسلامية، فإن لم يفعل، أو خلط أحكام الكفر بأحكام الإسلام، كان أشدَّ ظلمًا لنفسه من الذين ذكرتهم هذه الآيات.

رابعًا: ولعلّ النقطة الأبرز في بحث القائلين بالتدرّج تكمن في الاستطاعة، فالذي يقول بالتدرّج إنّما يستند إلى قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286). وفي رأيه لن يستطيع المسلمون اليوم إذا وصلوا إلى السلطة أن يطبّقوا الإسلام تطبيقًا شاملًا، لأن ذلك من شأنه إقامة الفتنة وإثارةُ البلبلة في المجتمع الإسلامي الناشئ. ونقول ردًّا على هؤلاء: إن الاستطاعة الشرعيّة التي تلجئ إلى الحرام ـ وهو هنا تطبيق غير ما أنزل الله ـ معروفة شرعًا ومحدّدة، وهي غير ما يُتوهّم من فتن واضطرابات، فمظنة وقوع الفتنة لأجل تطبيق الإسلام لا تشكِّل عذرًا شرعيًا للوقوع في الحرام، وهو تطبيق أحكام الكفر ـ مع الإيمان بعدم صلاحها ـ وقد أجمع الصحابة أيام الخليفة أبي بكر الصديق سدد خطاكم على محاربة مانعي الزكاة من المرتدّين، وقد كان أحرى بأبي بكر سدد خطاكم أن يتجنّب الفتنة، وأن يحقن دماء المسلمين، وأن لا يُقْدِم على محاربة غالبية قبائل العرب، والتي كانت قد منعت الزكاة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لقلّة إمكاناته، لكنه ـ والصحابة معه - رضي الله عنهم - لم يقبل تعطيل

حكم واحد من أحكام الشرع الإسلامي، رغم الخطر المحقّق الذي سيقع على الدولة الإسلامية فيما لو حارب القبائل. لذلك، على المسلمين تطبيق أحكام الإسلام كاملة تطبيقًا شاملًا، حالما يتوصلون إلى سُدّة الحكم، وعليهم حينذاك ـ أي على الخليفة ـ أن يواجهوا الأخطار والفتن التي قد تنشأ من جرّاء ذلك. طبعًا لا نستطيع أن ننكر أن تطبيق الإسلام في مجتمع أفراده مؤمنون بتطبيقه، مطيعون لله ورسوله ومجاهدون في سبيله، أفضل بكثير من تطبيقه في مجتمع لا يؤمن أفراده بالإسلام وصلاحيته، لذلك لا بد من إقناع الناس في المجتمع بالإسلام أولًا قبل محاولة تطبيقه عليهم، ورغم ذلك، إذا بويع لخليفة في أي ظرف، فإن عليه تطبيق الإسلام كاملًا غير منقوص. إذًا، لا يجوز التدرج في تطبيق أحكام الإسلام، و «حلال محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - حلال إلى يوم الدين، وحرام محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - حرام إلى يوم الدين»، ولا يجوز أن نحلّ حرامًا ولو لدقيقة، ولا أن نحرّم حلالًا ولو لدقيقة، إلا فيما رخّص به الشرع.

الشبهة الثالثة: أثر عمر - رضي الله عنه - في عدم قطع يد السارق في عام المجاعة:

أما القائلون بالتدرّج فندعوهم إلى تقوى الله، وعدم التقوّل على الإسلام والافتراء عليه؛ فأحقية الله فى الحاكمية هي من صميم عقيدة التوحيد, ولا يوجد تدرج فى التوحيد. ولقد قال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (رواه البخاري ومسلم)، فلما ذكر المناهي لم يَقُلْ «مَا اسْتَطَعْتُمْ»؛ لأن ترك ما يسخط الله واجب لا تدرج فيه, فكيف تترك حاكمية الله ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! الشبهة الثالثة: أثر عمر - رضي الله عنه - في عدم قطع يد السارق في عام المجاعة: الجواب: هذا الأثر لم يثبت عن عمر - رضي الله عنه - فقد رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) 10/ 28 بإسناد فيه مجهولان كما قال الشيخ الألباني في (إرواء الغليل) برقم (2428). وقد رواه ابن أبي شيبة (10/ 27)، وعبد الرزاق في (المصنف) برقم (18990) وفيه تدليس ابن جريج، وانقطاع

بين يحيى بن أبي كثير وبين عمر؛ على أنه يدور على نفس السند الأول فإن الرجلين المجهولين هما الساقطان بين يحيى وبين عمر. ثم رواه عبد الرزاق برقم (18991) لكن فيه أبان، وهو ابن أبي عياش: ضعيف الحديث جدًا؛ فلا يعتد بهذا الطريق، على أنها منقطعة بين أبان وبين عمر أيضًا! والخلاصة: لم يصح هذا عن عمر؛ ولو صح فلا دخل له بما يقوله أعداء الشريعة؛ لأن هذا ليس بإسقاط لحد؛ بل هو درءٌ لحد القطع بسبب الشبهة، وهي المجاعة ها هنا. حتى وإن صح الاثر المنسوب لفعل عمر سدد خطاكم فإنْ صحت الروايه فإن عمر سدد خطاكم حين أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة، لم يشرع عقوبة جديدة للسارق، وإنما رأى أن هناك شبهات تدرأ الحدّ؛ فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة غلب على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه، وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج.

الشبهة الرابعة: من الشبهات التي يعترض بها البعض أن القول بإسلامية الدولة يعني عدم إمكانية سؤال الحاكم أو محاسبته:

وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرون ولا يتميز المستغنى منهم والسارق لغير حاجة من غيره فاشتبه من يجب عليه الحد بمن لا يجب عليه، فدُرِئ، نعم إذا بان أن السارق لا حاجة به وهو مستغن عن السرقة قُطِع» (¬1) فكل ما فعله الخليفة الراشد أنه أسقط الحد لقيام مانع أو عدم توافر شرط، ولذلك ذكر ابن القيم أنه إذا بان أن السارق لا حاجة به حتى في عام المجاعة، فلابد من إقامة الحد عليه، فأين هذا مما هو حادث الآن من التشريع من دون الله - عز وجل -؟! الشبهة الرابعة: من الشبهات التي يعترض بها البعض أن القول بإسلامية الدولة يعني عدم إمكانية سؤال الحاكم أو محاسبته: فيقولون كون الدولة إسلامية أو شرعية أو دينية يمنع من نقد الحكام عند وقوعهم في الخطأ، ويجعلهم في مكانة عالية لا يقدر أحد على حسابهم، إذ كل ما يقولونه فهو تعبير عن الإرادة الإلهية. الجواب: أنتم تتحدثون عن دين غير دين الإسلام، وإلا فَأْتُوا لنا بآية ¬

_ (¬1) إعلام الموقعين (3/ 14 - 15).

أو حديث يدل على هذا الزعم، أو يمكن أن يستفاد منه هذا الزعم، ثم هذا تاريخ المسلمين مَنْ مِن الحكام ادعى هذه المنزلة؟ ومَنْ مِن أهل العلم قال بشيء مثل ذلك؟ وأمامكم سِيَرُ الخلفاء حيث كانت رعيتهم تنصحهم وتنتقد عليهم ما يرونه خطأ من تصرفاتهم، والأمثلة كثيرة وهي معلومة لكثير من الناس ومعلومة لكم أيضا، بل حتى في أشد المواقف حُلكة كان الناس يراجعون ولاة أمورهم أو يعترضون عليهم، فهذا أبو بكر - رضي الله عنه - عندما أراد قتال مانعي الزكاة، بعد وفاة الرسول - رضي الله عنه - عارضه عمر - رضي الله عنه -، فلم يمنعه أبو بكر من ذلك، ولم يقل له ـ كقول البطالين ـ: «نحن في زمن حرب، ولا صوت يعلو على صوت المعركة»، بل بَيَّن له بالدليل صواب موقفه، حتى اقتنع عمر - رضي الله عنهما - بذلك. ولو قدر أن هناك أحدا من الولاة منع من ذلك لعد عند الناس ظالما مما يعني أن الثقافة الشعبية لا تقبل مثل هذا الادعاء.

الشبهة الخامسة: من الشبهات أن الدولة الإسلامية أو الشرعية أو الدينية يترتب عليها ظلم المخالفين في الدين

الشبهة الخامسة: من الشبهات أن الدولة الإسلامية أو الشرعية أو الدينية يترتب عليها ظلم المخالفين في الدين. الجواب: هذا مجرد ادعاء عارٍ عن الدليل كما أن التاريخ والسيرة العملية التي درج عليها المسلمون في تعاملهم مع المقيمين بينهم من أهل الديانات المغايرة لدين الإسلام، تدحض ذلك. أما إذا كانت هناك حالات فردية يقع فيها بعض الناس في ذلك، فلا يَسْلَم مِن ذلك أحد سواء في معاملته مع هو من أهل دينه أو مع من يختلف معه، وإنما الشأن أن يكون النظام العام هو الذي يشرع ذلك أو يقبله. الشبهة السادسة: من الشبهات: أن يقال أن الدولة الإسلامية أو الدينية تحمل المخالفين على تغيير دينهم: وهذا أيضا ادعاء لا يعضده نصوص شرعية أو واقع تاريخي، والغريب أن هؤلاء الذين أهمهم هذا الأمر، لم يهمهم أمر الأمة كلها، فهم من أجل ألا يحمل المخالفون على تغيير دينهم بزعمهم، يطالبون الأمة بأن تتخلى عن التمسك بدينها في السياسة والاقتصاد والقضاء والمعاملات،

الشبهة السابعة: ومن الشبهات: أن حقوق المواطنة لا يمكن الحفاظ عليها إلا في ظل دولة لا تتخذ من الدين مرجعية لها،

والرجوع في ذلك كله إلى عقول الناس وخبرتهم. وهذا من أغرب أنواع الظلم إذ بزعم العدل مع المقيمين من غير المسلمين في بلاد المسلمين، يُظلم المسلمون أنفسهم في بلادهم، وهل هناك ظلم أشد من أن يُحمل المسلمون على ترك الكثير من أمور دينهم. الشبهة السابعة: ومن الشبهات: أن حقوق المواطنة لا يمكن الحفاظ عليها إلا في ظل دولة لا تتخذ من الدين مرجعية لها، أي أن الدولة ينبغي أن تكون علمانية لا دينية وهي الدولة المدنية. الجواب: أما المواطنة بمعنى الاعتراف لكل قاطن للدولة الإسلامية سواء كان من المسلمين أو كان من غيرهم بأنه مواطن فهذا لا ينازع فيه أحد، وكل واحد من مواطني الدولة الإسلامية له حقوق وعليه واجبات فكل إنسان له حق في العيش الكريم، وله حرمة سكنه وماله وعرضه، وله حق التكسب سواء عن طريق التجارة أو الصناعة أو الزراعة، وله الحق في أن يلقى معاملة عادلة لا ظلم فيها، وله حق التنقل والسكن في أي مكان يشاء، وله الحق في سِرّية مراسلاته، وله الحق في أن يبقى على دينه ولا

يكره على تغييره، وله الحق في العبادة، وله الحق في أن يتناول ما يبيحه له دينه وإن كان محرمًا في شريعة الإسلام. وهذه الحقوق التي يعطاها المواطن غير المسلم في الدولة الإسلامية لا يُعطَاها كثير من المسلمين الصادقين في بلادهم التي يزعم قادتها أن دولتهم دولة مدنية. لكن هناك بعض الأمور التي يختلف فيها غير المسلم عن المسلم وهذا أمر لا غرابة فيه، ما دام إن هذا الاختلاف مقرر بالشرع الذي يؤمن به المسلمون، لكن الذي لا يمكن قبوله أن تختلف بعض أحكامهم انطلاقًا من الهوى لا من الشرع. وعندنا من النصوص الشرعية ما يحفظ حق هؤلاء بل يصير إيصال الحقوق لهم وعدم الانتقاص منها من الدين الذي ينبغي اتباعه، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - المبلّغ عن ربه وحْيَه وأمرَه فيمن قتل ذميًّا بغير جُرم: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا». (رواه البخاري).

الشبهة الثامنة: ومن الشبهات أيضا حيادية الدولة:

الشبهة الثامنة: ومن الشبهات أيضًا حيادية الدولة: حيث يرون أن الدولة المدنية دولة حيادية تجاه جميع الأديان في المجتمع، بينما الدولة الإسلامية لا تتمتع بهذا الحياد، فمفهوم الدولة المدنية هو باختصار يعني حيادية الدولة التام تجاه الأديان. وعلمانية الدولة ببساطة شديدة هي أن تقف الدولة موقف الحياد من العقائد والمذاهب التي تدين بها مكونات شعبها، بمعنى ألا تكون في قراراتها وسياساتها وخططها وتعييناتها ـ بما في ذلك مناهجها التعليمية وسياساتها الإعلامية والثقافية ـ منطلقة من مذهب أو عقيدة أو مرجعية دينية معينة، وإن كانت عقيدة ومرجعية الأغلبية، لما في ذلك من تهميش لعقائد الآخرين وتمييز ضدهم وإخلال بمبادئ المساواة والعدالة والمواطنة، ومن هنا حرصت البلاد التي انتهجت الديمقراطية الليبرالية الحقة وأقامت الدولة المدنية الحديثة على عدم تضمين دساتيرها ما يفيد بديانة الدولة. الجواب: الحيادية تجاه الأديان تعني عدم ميل الدولة تجاه دين معين، وأنها تتعامل مع الجميع على قدم المساواة، فلا تمدح دينًا أو تدعو

إليه، ولا تذم دينًا أو تهاجمه. وهذه الحيادية التي يتكلمون عنها غير موجودة في واقع الأمر في الحقيقة في أي بلد من البلدان، وعندنا فرنسا التي تعد على رأس الدول المدنية كيف منعت النساء المسلمات في فرنسا من ارتداء الحجاب، وهذه دولة الدنمارك وهي دولة مدنية كيف سخر رسّاموها من خير البرية - صلى الله عليه وآله وسلم -. ثم هي من منظور آخر تناقض الإسلام مناقضة تامة، حيث سَوّتْ بينه وبين الأديان المحرفة كالنصرانية واليهودية وغيرها. ومن أغرب الغرائب أن يعمد هؤلاء الكتاب إلى المطالبة بتهميش عقيدة الأغلبية حرصًا على عدم تهميش عقيدة الآخرين، أيُّ عقل منكوس هذا الذي يقرر مثل هذا الكلام. ثم هذه الحيادية المزعومة ليست حيادية لأنها فقط أقصت الدين، وانحازت إلى العقل والخبرة والتجارب، والإسلام ـ وإن كان لا ينكر دور العقل الذي هو مناط التكليف، وكذلك دور الخيرة والتجارب ـ لكن ذلك لا يمكن أن يكون عوضًا عن الإسلام نفسه، أو يعارض به.

الشبهة التاسعة: العقوبات الشرعية قديمة وجامدة قد عفى عليها الزمان

وأما أن الإسلام لا يُكْرِهُ أحدًا على الدخول فيه فهذا حق، لكن هذا لا يعني أبدًا حيادية الدولة الإسلامية تجاه الإسلام، فإن من أهم واجبات ولي الأمر المسلم التي نص عليها أهل العلم باتفاق هي إقامة دين الله تعالى وتحكيم الشريعة، وسياسة الدنيا بالدين. الشبهة التاسعة: العقوبات الشرعية قديمة وجامدة قد عفّى عليها الزمان، وتجاوزتها الحضارة، ولم تعد ملائمة لهذا العصر، عصر التقدم والمدنية، والتحضر التقني والصناعي. فالأخذ بها تقهقر الإنسانية الراقية، ورجعة بها إلى عهود الظلام الدامس، والقرون الوسطى. ولئن كانت هذه العقوبات صالحة للبيئة البدوية التي نزل فيها القرآن، ومناسبة لأولئك الحفاة الجفاة من الأعراب قبل ألف وأربعمائة عام؛ فإنها لا تصلح للعالم المتحضر الحديث، ولا تناسب المتحضرين المتمدينين في القرن العشرين، وكيف يليق بهم أن يخضعوا لقانون نشأ بين جبال مكة والمدينة، وجلاميد الصحراء، وأحراش الجزيرة. الجواب: هذا قول متهافت ساقط من وجوه:

1 - أن العاقل المنصف لا يزن الأحكام والتشريعات بالزمان الذي صدرت فيه أو نُقلت منه، ولا بالبقعة التي جاءت منها أو كانت فيها، ولكن الميزان الذي تُقَوّم به هو مدى صلاحيتها، وتحقيقها للغاية المبتغاة منها. فالعاقل نصير الحق، وناشد الحكمة أنَّى وجدها، ومن أي شخص جاء بها، وفي أي زمان أو مكان وقعت فيه. وهو عدو الباطل، بصرف النظر عن مصدره وعن زمانه ومكانه، ومن دعا إليه وعمل به. وعليه؛ فليس كل قديم مردودًا، ولا كل جديد مقبولًا، ولا كل ما نشأ في البادية فاسدًا، ولا كل ما نشأ في الحضر صالحًا. 2 - أن مصدر هذا التشريع ليس بقعة من بقاع الأرض، ولا اجتهادًا بشريًا قاصرًا، وإنما هو شريعة الله التي أنزلها هدى ورحمة للعالمين. فهو لم ينبع من أرض عربية أو أعجمية، ولا اخترعته أدمغة بشرية، وإنما هو حكم الله الذي أوحى به إلى عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ليبلغه للناس، وليحملهم تبعة تطبيقه والعمل به. 3 - أن تعلق هؤلاء بالجديد ونبذهم للقديم؛ ليس مبنيًا على منطق عقلي سليم، وإنما هو استجابة لوهم من الأوهام النفسية التي تتعلق بالجديد أيًا كان نوعه، ظنًا منها بأنه لا يزال يحتفظ بذخره ومكنون خيراته، وتعاف القديم مهما كان نوعه أيضًا لتبرمها به وتوهمها بأن الزمن قد استحلب خيراته، وقضى على فوائده، وأن العقل البشري لا بد أن يكون قد تجاوزه إلى ما هو أجدى وأنفع. ولا يجوز لعاقل يحترم عقله أن يستجيب لهذه الإيحاءات النفسية الخاطئة، ويلغي ما يقتضيه العقل السليم، والمنطق الصحيح. ولئن كانت النفس البشرية تخيل لصاحبها أن القديم قد زال نفعه، وجنيت ثماره، فإن العقل السديد يقرر أن قيمة كل قديم وجديد بجدواه وآثاره، وتحقيقه للثمرة المرجوة منه. ورُبّ جديد كان مبعث شقاء ودمار على الإنسان، ورب قديم شهد له العقلاء، والتاريخ الغابر، والواقع المعاصر، على أنه كان ولا يزال مصدر خير وسعادة لكل من ظفر به.

ولقد علم كل إنسان أن مقومات الحياة في هذه الدنيا، من شمس وهواء، وأرض وماء، وزرع وضرع؛ لم يُخْلِقْها تعاقب الزمان، وكَرُّ الليالي والأيام! فهل قاطع أصحاب النفوس التي تشمئز من القديم هذه المقومات الأساسية لقِدَمِها؟ وهل تحولوا ساعة عن التعامل معها؟ والعقوبات المقدرة في الشريعة؛ إنما هي عقوبات على جرائم ثابتة لا يتبدل وجه المفسدة فيها مهما اختلفت الأزمان والأماكن، وتطورت الحياة والنظم. ولهذا فإنها لا تزال صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان. 4 - أن هذه الشبهة جاءت من قياس العقوبات الشرعية على العقوبات الوضعية التي تتطور مع الزمن، ويحصل فيها التغيير والتبديل بين الحين والحين، تلافيًا لما فيها من الأخطاء، وتحقيقًا لما هو أجدى وأكمل. وما دامت القوانين تُلغى أو تُعدل؛ فلم لا نفعل مثل ذلك في العقوبات الشرعية؟

وهذه نظرة خاطئة إلى الشريعة الإسلامية، ومكمن الخطأ فيها قياس شريعة الله ـ العادلة المحكمة، على الاجتهادات البشرية القاصرة التي تتأثر بما حولها من مؤثرات شخصية أو اجتماعية أو بيئية، أو غيرها. ولو سلمنا جدلًا: أنه ينبغي مسايرة التشريع للعصر؛ فما مقياس ذلك؟ إنْ كان يرجع إلى انتشار الفساد، وكثرة الإجرام، وتفشي الظلم والعدوان؛ فإن العقوبات في هذا الزمن يجب أن تزيد قسوة وشدة. وما كان يصلح لأولئك الأعراب البسطاء ذوي الإمكانات المحدودة؛ فإنه لا يصلح لمجرمي العصر، حيث الإجرام المنظم، وتوظيف التقنية الحديثة لخدمة محترفي الإجرام، والساعين في الأرض بالفساد والظلم. وإنْ كان المقياس هو التقدم العلمي والتقني، والتطور الصناعي والمدني؛ فإن الذي سنّ هذه العقوبات الشرعية هو الذي منح البشرية ما وصلت إليه من العلم والتقدم، فلا يمكن

الشبهة العاشرة: أن العقوبات الشرعية تتسم بالقسوة والهمجية التي تبعث على الاشمئزاز ولا تتناسب وروح هذا العصر، وإنسانيته، وحمايته لحقوق الإنسان وكرامته.

أن تكون هذه العقول المخلوقة أعلم ممن خلقها، وأكثر منه إدراكًا لمصالح البشرية وأسباب سعادتها وأمنها. وإنْ كان المقياس ضَعْفَ النفوس ورخاوتها، والرغبة في إطلاق العنان لها للتمادي في الظلم والإجرام، من غير رادع ولا زاجر؛ فليس هذا بمقياس. 5 - أن تحقيق هذه العقوبات الشرعية للأمن، وحمايتها لمصالح الناس، ومكافحتها للجرائم، على مدى القرون الماضية التي طبقت فيها، مع اختلاف البيئات والثقافات والأجناس؛ دليل على أنها تشريع من حكيم خبير، وأنه لا يمكن أن يقوم غيرُها مقامها، ولا أن يحقق الثمرة التي تتحقق من خلالها. الشبهة العاشرة: أن العقوبات الشرعية تتسم بالقسوة والهمجية التي تبعث على الاشمئزاز ولا تتناسب وروح هذا العصر، وإنسانيته، وحمايته لحقوق الإنسان وكرامته. الجواب: هذه شبهة داحضة من وجوه:

أولًا: أن العقوبة ليست مكافأة على عمل مبرور، وإنما هي جزاء مقرر على ارتكاب جريمة، يقصد به الإيلام والردع، وإذا لم تكن العقوبة مؤلمة؛ فليس لتطبيقها أي أثر في الزجر والردع. حتى تأديب الرجل ولده؛ لا بد أن يكون فيه شيء من الإيلام والقسوة، ليتأتى تأديبه وإصلاحه. وقديمًا قال الشاعر الحكيم:

فقسا ليزدجروا، ومَنْ يَكُ حازمًا فليَقْسُ أحيانًا على مَنْ يرحمُ ولا شك أن الإنسان يتمنى ألا توجد في المجتمع جريمة أبدًا، حتى لا توجد عقوبات أصلًا؛ بحيث يفهم كل فرد ما له فيقتصر عليه، وما عليه فيؤديه عن طواعية واختيار. ولكن هذا حُلم لا يمكن أن يتحقق، ورغبة خيالية تصطدم بالواقع المعاش. فهناك نفوس جاهلة حمقاء لا تلتزم بما لها وما عليها، ونفوس شريرة ظالمة قد تأصّل فيها الإجرام والإفساد، وسعت للإضرار بالآخرين وبخسهم حقوقهم. والحياة لا يمكن أن تستقيم وتنتظم إلا بالالتزام، واحترام حقوق الآخرين، وعدم المضارة بهم. فمن خرج عن هذا الالتزام، وسعى للإضرار بنفسه وبغيره، كان ردعه واجبًا عقلًا وشرعًا، ولا ردع إلا بقسوة وإيلام. واسم العقوبة مشتق من العقاب، ولا يكون العقاب عقابًا إذا كان موسومًا بالرخاوة والضعف. فعنصر القسوة ـ إذًا ـ يمثل الركن الأساسي لمعنى العقوبة، فلو فُقدت القسوة فُقدت معها العقوبة بدون شك.

ولكن ما هي الدرجة التي يجب أن تقف عندها قسوة العقوبة على جريمة ما؟ إن الذي يحدد هذه الدرجة هو تصور مدى خطورة الجريمة التي استلزمتها؛ أي أن القسوة يجب أن تكون ملائمة للجريمة، فتزيد بزيادة خطورتها وشدة آثارها، وتنقص بنقص ذلك. وهذه الحقيقة محل وفاق عند جميع المشتغلين بالتشريع والتقنين، مهما اختلفوا في تحليل فلسفة العقاب. وإن اختلاف القوانين العقابية الوضعية أكبر شاهد على ذلك. فإذا كان في الناس من يصف العقوبات الشرعية بقسوة زائدة على مقتضى هذه القاعدة التي لا خلاف فيها؛ فسبب ذلك أنهم يخطئون في تقويم خطورة الجرائم التي رتبت عليها هذه العقوبات، دون أن يعتبروا في ذلك نظرة المشرِّع لها، وتقويمه لخطورتها. والعجيب أن خصوم الشريعة الإسلامية يدركون هذه الحقيقة، ويفقهون هذا المعنى، عندما يكون البحث متعلقًا بقانون من القوانين الوضعية.

فرُبَّ كلمة لا نرى بها بأسًا، يتفوه بها فرد من رعايا دولة تطبق قانونًا وضعيًا؛ تواجهه بسببها عقوبة الإعدام. ورُبَّ فاحشة عظمى يجب مكافحتها، تشيع بين رعايا تلك الدولة؛ فلا يُؤْبَهُ بها، ولا يلتفت إليها بأي نقد أو استنكار! وليس أيسر على خصوم الشريعة الإسلامية من أن يدافعوا عن كلا المذهبين؛ بأن كل أمة إنما تسن قوانينها حسب مبادئها وفلسفتها التي تنظر بها إلى الإنسان والكون والحياة. أفيحق لكل أمة أن تسن ما تشاء من قوانين الردع والزجر، حسب نظرتها إلى الكون والإنسان والحياة ـ خطًا كانت النظرة أم صوابًا ـ، ثم لا يحق لخالق الكون والإنسان والحياة أن يشرع هو الآخر قوانين الردع والزجر بما يتفق مع مقاصد شريعته، ويتسق مع نظام كونه، ويحقق مصالح عباده؟!! والحكمة في تغليظ العقوبات الشرعية التي توصف بالوحشية والهمجية، من قتل القاتل، ورجم الزاني، وقطع السارق، وغيرها من العقوبات المقدرة؛ ظاهرة جلية، فإن هذه الجرائم هي أمهات المفاسد، وكل واحدة منها تتضمن اعتداء على واحدة أو أكثر من المصالح الخمس الكبرى، والتي أجمعت

الشرائع والعقلاء في كل زمان على وجوب حفظها وصيانتها؛ لأنها لا يمكن أن تستقيم الحياة بدونها. ولأجل هذا كان المرتكب لشيء منها جديرًا بأن تغلّظ عليه العقوبة، حتى تكون زاجرة له، ورادعة لغيره. وها هي ذي الجرائم الكبرى تعصف بكثير من الدول التي لا تطبق الشريعة الإسلامية، مع كل ما توفر لها من إمكانيات وقدرات، وتقدم مادي وتقني، وأجهزة أمنية وإدارية واستخبارية. ثانيًا: أن هؤلاء الطاعنين في هذه العقوبات قد اعتبروا مصلحة المجرم، ونسوا مصلحة المجتمع، وأشفقوا على الجاني، وأهملوا الضحية، واستكثروا العقوبة، وغفلوا عن قسوة الجريمة. ولو أنهم قرنوا العقوبة بالجريمة، ولاحظوا الاثنتين معًا، لخرجوا موقنين بالعدالة في العقوبات الشرعية، ومساواتها لجرائمها. فإذا استحضرنا مثلًا فعل السارق وهو يسير في جنح الظلام متخفيًا، ينقب الجدار، ويكسر القفل، ويُشهر السلاح،

ويروّع الآمنين، هاتكًا حرمة البيوت، وعازمًا على قَتْلِ مَن يقاومه، وكثيرًا ما تقع جريمة القتل كوسيلة يتذرع بها السارق إلى إتمام سرقته، أو الفرار من تبعاتها فيقتل من غير تمييز. وإذا تصورنا حالة النساء والأطفال في البيت وهم يستيقظون ويفتحون أعينهم على وجه السارق المرعب الشرس، وهو شاهر سلاحه يهدد من يواجهه. وتصورنا ما يُحدثه فعل السارق من قلق عند الناس جميعًا، وتعطيل لحركتهم، وبث للرعب في نفوسهم، وإذهاب لطاقاتهم في حماية أموالهم، وتأمينها بالمغاليق والأقفال؛ لأن السارق يبغي المال، وهو موجود عندهم جميعًا، فهم معَرّضون لإجرامه دون تمييز. لو تصورنا هذا أو بعضه مما يحدثه فعل السارق، ثم قارناه بقطع يده الآثمة الظالمة؛ لَمَا قلنا عن عقوبته: إنها قاسية ظالمة. وهكذا الشأن في بقية العقوبات، علينا أن نستحضر جرائمها، وما فيها من أخطار وأضرار، وظلم واعتداء، حتى نستيقن أن الله تعالى قد شرع لكل جريمة ما يناسبها، وجعل الجزاء من جنس العمل، (وما ربك بظلام للعبيد.

ثالثًا: أن الله تعالى أراد للناس أن يعيشوا آمنين مطمئنين، ولن يتيسر لهم ذلك إلا ببتر الفاسدين وقطع دابرهم. وهذه سنة الله في خلقه: فإن الإنسان إذا كان فيه عضو فاسد، لا علاج له إلا بقطعه كله أو بعضه، فلا مناص من الإقدام على ذلك. وهذا الطبيب الذي يستأصل بمبضعه المرهف هذا العضو الفاسد من جسم أخيه؛ أليس ضربه المبضع في لحمه، وقطعه الجزء الفاسد من جسمه مظهرًا من مظاهر القسوة؟! ولكنها قسوة هي عين الحكمة والرحمة والمصلحة، بخاصة إذا قيست بما يترتب على تركها من هلاك وتلف، وما ينشأ عنها من آلام وأوجاع تفوق مصلحة بقائها. والمجتمع هو الجسم كله، وما الفرد الفاسد إلا عضو من أعضائه. فهي تحفظ للمجتمع حقه، ولا تضحي به في سبيل الأفراد الخارجين عليه. والعقوبة التي تحابي هؤلاء الأفراد على حساب الجماعة؛ إنما تضيع مصلحة الفرد والجماعة معًا؛ لأنها تؤدي إلى ازدياد الجرائم واختلال الأمن، وانحلال المجتمع، وإذا دبَّ الانحلال في مجتمع، فقل على الأفراد وعلى المجتمع العفاء.

قال عز الدين بن عبد السلام: «وربما كانت أسباب المصالح مفاسد، فيؤمر بها أو تباح؛ لا لكونها مفاسد، بل لكونها مؤدية إلى المصالح، وذلك كقطع الأيدي المتآكلة، حفظًا للأرواح، وكالمخاطرة بالأرواح في الجهاد. وكذلك العقوبات الشرعية كلها ليست مطلوبة لكونها مفاسد، بل لأدائها إلى المصالح المقصودة من شرعها، كقطع السارق، وقطّاع الطريق، وقتل الجناة، ورجم الزناة وجلدهم وتغريبهم، وكذلك التعزيرات، كل هذه مفاسد أوجبها الشرع لتحصيل ما رتب عليها من المصالح الحقيقية» (¬1). رابعًا: أن الإسلام قبل أن يستأصل هؤلاء المجرمين، ويقرر عليهم العقوبات الرادعة؛ قد أعذر إليهم: حيث قدم لهم من وسائل التربية والوقاية ما كان يكفي لإبعادهم عن الجريمة التي اقترفوها؛ لو كانت لهم قلوب تعقل، أو نفوس ترحم. ثم إنه لا يطبقها أبدًا حتى يضمن أن الفرد الذي ارتكب الجريمة قد ارتكبها دون مسوّغ ولا شبهة اضطرار. فوقوعه فيها ¬

_ (¬1) قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ص 35 - 36.

بعد كل هذا دليل على فساده وشذوذه، واستحقاقه للعقوبات الرادعة المؤلمة. فهو مثلًا لا يقطع يد السارق إلا بعد توفير الوسائل التي تمنع من السرقة، فقد عمل على توزيع الثروة توزيعًا عادلًا، وجعل في أموال الأغنياء حقًا معلومًا للفقراء، وأوجب النفقة على الزوج والأقارب، وأمر بإكرام الضيف والإحسان إلى الجار، وجعل الدولة مسؤولة عن كفالة أفرادها بتوفير تمام الكفاية لهم في الحاجات الضرورية من مطعم وملبس ومسكن وغيرها، بحيث يعيشون حياة لائقة كريمة. كما أنها تكفل أفرادها بفتح أبواب العمل الكريم لمن يستطيعه، وتمكين كل قادر من أن يعمل بمقدار طاقته، وتهيئة الفرص المتساوية للجميع. وبذلك يمنع الإسلام الدوافع المعقولة للسرقة، فإن وقعت بعد ذلك؛ فإنه يتحقق من ثبوتها، وانتفاء موانعها، وعدم وجود شبهة تسقطها، كأن يرتكبها بدافع الحاجة والاضطرار. وهو يعترف بقوة الدافع الجنسي، وعنف إلحاحه على البشر، ولكنه يعمل على إشباع هذا الدافع بالطريق المشروع: طريق

الزواج، فيدعو إلى الزواج المبكر، ويعين العاجز عن تكاليفه المادية بوسائل كثيرة، من الزكاة والصدقات، والنفقة، وبيت المال. كما أنه يحرص على تنظيف المجتمع من كل وسائل الإغراء والإثارة التي تؤجج الغريزة، وتحرك كوامن الشهوة. كما أنه يأمر بغض البصر، وحفظ الفرج، والاستعفاف، ومجاهدة النفس والتسامي بها. ويحرص كذلك على شغل أوقات الفراغ، واستنفاد الطاقة الحيوية الفائضة بالتقرب إلى الله، والمسارعة إلى الخير، وفعل كل ما من شأنه أن يحقق لصاحبه النفع في الدنيا والآخرة. وبذلك كله يمنع الدوافع التي تسوِّغ الجريمة. ثم إذا وقعت فإنه يحتاط احتياطًا شديدًا في إثباتها، فلا يقيمها إلا على مَنْ أقَرّ بها إقرارًا صريحًا أربع مرات، وطلب تطهيره بالحد، ولم يتراجع عن إقراره حتى تنفيذ الحد عليه، أو يكون قد تبجح بارتكابها، حتى ليراه أربعة شهود وهو على هذه الحال.

وهكذا شأن الإسلام في بقية العقوبات، يعمل على وقاية المجتمع أولًا من دوافع الجريمة، ثم يدرأ الحدود بالشبهات زيادة في الاحتياط. فليست العقوبة هي الوسيلة الأولى أو الوحيدة للإصلاح والتقويم، ولكن حين يأتي دورها في التطبيق، فإنها تمثل مواجهة حاسمة للظاهرة الإجرامية. فهل يبقى بعد ذلك مجال للطعن في عدالة هذه العقوبات ومناسبتها؟!! خامسًا: أن الغاية الكبرى من هذه العقوبات هو التخويف والردع الذي يمنع وقوعها ابتداء، ولا يُحوِج إلى اللجوء إليها إلا في أضيق الحدود؛ فإن هؤلاء الذين يشنعون بهذه العقوبات يتصورون خطًا أنها كالعقوبات الوضعية، ستطبق كل يوم، وعلى أعداد غفيرة من الناس، فيتصورون في المجتمع الإسلامي مجزرة هائلة: هذا يُجلد، وهذا يُقطع، وهذا يُرجم. ولكن الواقع أن هذه العقوبات الرادعة؛ لا تكاد تنفذ إلا في نطاق محدود، وعلى أعداد يسيرة غارقة في الفساد، ومتأصلة في الشر والإفساد، وفي إيذاء الأمة، وزعزعة أمنها واستقرارها.

الشبهة الحادية عشرة: شبهة في قالب شعري:

الشبهة الحادية عشرة: شبهة في قالب شعري: قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة:38). هناك قصة تناقلها أهل التاريخ والأدب، والله أعلم بصحتها حتى لا نتهم أحدًا بما هو منه بريء، فلم ترد بسندٍ صحيح، ولكن نذْكُرُها لنأخذ منها العبرة بغض النظر عن أشخاصها، فقد رُوِيَ أن أبا العلاء المعري، (أو آخر يحمل نفس اللقب، الله أعلم) سأل: كم دية اليد؟ فقالوا: ديتها خمسمائة دينار من الذهب، فقال: في كم تقطع؟ فقالوا: إذا سرقت ربع دينار قطعت. فقال: يَدٌ بخمْسِ مِئِينٍ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ (¬1) ما بالُهَا قُطعَتْ في رُبْعِ دينارِ تناقضٌ ما لنا إلا السكوت له ونستعيذُ بمولانا من النارِ ¬

_ (¬1) أي ديتها خمسمائة دينار من الذهب.

الشبهة الثانية عشرة: المقاصد والمصالح وكلمات حق يراد بها باطل:

وهو بكلامه هذا يعترض على الله وكتابه، وقد رد عليه عبد الوهاب المالكي - رحمه الله - فقال: قُل للمعري عارٌ أيُّما عارِ جهْلُ الفتَى وهو عن ثوبِ التُقَى عاري لا تَقْدَحَنَّ بنودَ الشرعِ عنْ شُبَهٍ شعائرُ الدينِ لم تُقْدَح بأشعارِ يَدٌ بخمسِ مِئِينٍ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ ما بالُهَا قُطعَتْ في رُبْعِ دينارِ عِزُّ الأمانةِ أغْلاها، وأرخَصَها ذُلُّ الخيانةِ فافْهَمْ حكمةَ البارِي الشبهة الثانية عشرة: المقاصد والمصالح وكلمات حق يراد بها باطل: يتداول العلمانيون في خطابهم مفاهيم متعددة مثل: المقاصد والمصالح والمغزى والجوهر والروح والضمير الحديث والضمير الإسلامي والوجدان الحديث والمنهج والرحمة. وهي كلمات حق يراد بها باطل لأن بينها مفاهيم إسلامية يراد بها استئناس الضمير الإسلامي، مثلها مثل الكلمات

التبجيلية التي يتداولها العلمانيون أثناء الحديث عن القرآن الكريم تمهيدًا لإقصائه عن الحياة والتشريع وذلك كقولهم: «القرآن كتاب هداية وإقحامه في كل أمورنا الحياتية ليست من تخصصه». «والخطاب القرآني خطاب تثقيفي تربوي من أوله إلى آخره». «القرآن كتاب هداية وبشرى ورحمة، وليس كتاب قانون تعليمي». «القرآن ليس كتاب علم، وإنما خطاب ديني روحي أخلاقي كوني». «القرآن كتاب دين وإيمان وليس كتاب تقنين وتشريع». وعلى هذا السبيل تُستخدم المقاصد والمصالح فيقولون بتقديم المصلحة على النص في حال تعارضهما، وأنه يتصور إمكانية التعارض بين النص والمصلحة فيقترحون تقديم المصلحة المقطوعة أو المتوهمة على النص القطعي إن تعذر التوفيق، لأنهم يعتبرون المصلحة أصلًا مستقرًا يحكم على الأصول الأخرى برمتها بما فيها الكتاب والسنة. وخلاصة رأيهم أنهم يقولون بنسخ النصوص وتخصيصها بالمصلحة، لأن المصلحة عندهم أقوى وأخص أدلة الشرع؛ فالمصلحة ـ عندهم ـ أساس التشريع والنص تابع لها لأن النص

ثابت والمصلحة متغيرة، وهذا ـ عندهم ـ هو عين الصواب وأقرب الكلام من حقيقة الأحكام القرآنية ومن روح الإسلام. ومن هنا نتبين ـ بنظر الخطاب العلماني ـ نسبية التشريع المنزل تبعًا للحالات التاريخية والأوضاع الاجتماعية المختلفة، فيزعمون أن عقوبات مثل القطع والرجم كانت سارية المفعول في ذلك العصر التاريخي بسبب ملاءمتها للأحوال الاجتماعية آنذاك، حيث المجتمعات بدوية بدائية متنقلة فلا توجد سجون ولا جدران وإنما خيام، فكيف يسجن السارق؟ وكيف تحفظ الأموال؟ لا بد من عقوبة تميز السارق وتجعل الناس يحذرون منه أما اليوم فقد تغير الحال، مع أن كلامهم هذا فيه من التليس والكذب ما فيه؛ فمثلًا لم تكن كل المجتمعات بدوية متنقلة. وزعم العَلمانيون أن المنهج هو الشريعة، والشريعة هي المنهج، فقالوا إن معنى الشريعة في القرآن هو المنهج والمدخل والسبيل، وليست الشريعة القواعد والأحكام التفصيلة، ذلك لأن المنهج قادر على الحركة الدائمة مع الواقع أما الأحكام التفصيلية فهي نسبية مرتبطة بظروفها.

ولذلك ادعى العلمانيون أن الكثيرين يخطؤون عندما يظنون أن تطبيق الشريعة يعني تطبيق أحكامها وتفاصيلها، وقالوا إن الحق أنه تطبيق روحها، وروحها هو المنهج الذي يتقدم باستمرار، أما تفاصيل المعاملات وغيرها فليست هي الشريعة، وإنما هي أحكام الشريعة. وزعموا أن تطبيق الشريعة يعني إعمال الرحمة في كل شيء؛ لأن القرآن يقوم على منهج الرحمة أو التجديد والمعاصرة، ومن هنا ما دامت الرحمة هي المنهج، والمنهج هو الرحمة، فإن القانون المصري ـ بزعمهم ـ بكل فروعه المدنية والتجارية الآن موافق لشريعة الإيمان وروح القرآن. ونظام الربا في الإسلام ـ بزعمهم ـ يؤكد ذلك فقد تغير الحال ولم يعد الأمر كما كان استغلالًا لحاجة المدين يؤدي إلى إعساره وإفلاسه، ولم يعد ثمة نظام للربا وإنما نظام لحساب الفوائد على الديون في مجتمع يقوم فيه المشرع بدور الرقابة على المعاملات، ويحدد الفائدة بحيث لا تغني الدائن ولا تستغل المدين.

الجواب: التعميم، التلفيق، المغالطة، المجازفة والارتجال ممارسات تغلب على الخطاب العلماني، ولا يكف عن تعاطيها في أكثر الأحوال. إن العقل تابع للنقل بعكس ما يريد العلمانيون، أو بعكس ما يتجاهلون، قال الإمام الشاطبي: «إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعًا، ويتأخر العقل فيكون تابعًا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل، والعقل إنما ينظر من وراء الشرع، فالعقل غير مستقلٍ ألبتة، ولا ينبني على غير أصل، وإنما ينبني على أصل متقدم مسلم على الإطلاق ... ولا أصل مسلم إلا من طريق الوحي؛ لأن العقل إذا لم يكن متبعًا للشرع لم يبق له إلا الهوى والشهوة، وإذا ثبت هذا وأن الأمر دائر بين الشرع والهوى تزلزلت قاعدة حكم العقل المجرد فكأن ليس للعقل في هذا الميدان مجال إلا من تحت نظر الهوى فهو إذًا اتباع للهوى بعينه في تشريع الاحكام» (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: الموافقات (1/ 36، 78)،، الاعتصام (1/ 45، 50، 52، 53).

ولكن هل المقاصد هي بهذا الشكل العبثي الذي يطرحه الخطاب العلماني؟ هل هي مرنة بغير حدود وبغير ضوابط؟ وما هي المعايير التي تحدد المقاصد؟ وكيف يمكن الوصول إليها؟ وما المرجعية في ذلك؟ إن الفارق الأساسي بين العلماء المسلمين وأقطاب الخطاب العلماني في البحث عن المقاصد أن الأولين يبحثون عن مقاصد الشارع ـ ومراده من النص، أما الآخرون فيبحثون ـ فيما يبدو ـ عن مقاصد أنفسهم، ومرادات عقولهم، ومطالب أيديولوجياتهم، هذا فارق أساسي. إن المقاصد ليست كلمة تقال أو شعارًا يرفع وإنما هي مبدأ أصولي له ضوابطه ومعاييره التي تحكمه حتى لا تصبح ذريعة يُتوسَّل بها إلى إلغائه وتمييعه، فإن تحديد مقاصد الشارع لا ينبني على ظنون وتخمينات غير مطردة، إن الإمام الشاطبي يحدد هذه الضوابط ومن أبرز ها: 1 - الأصل في العبادات بالنسبة إلى المكلف التعبد دون الالتفات إلى المعاني، والأصل في أحكام العادات الالتفات إلى المعاني.

2 - المقاصد العامة للتعبد هي: الانقياد لأوامر الله - عز وجل - وإفراده بالخضوع والتعظيم لجلاله والتوجه إليه. 3 - المقصد الشرعي من وضع الشريعة هو: إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدًا لله اختيارًا كما هو عبد الله اضطرارًا. 4 - وُضعت الشريعة على أن تكون أهواء العباد تابعة لمقصود الشارع فيها، وقد وسع الله على العباد في شهواتهم وتنعماتهم بما يكفيهم ولا يُفضي إلى مفسدة ولا إلى مشقة. 5 - مشقة مخالفة الهوى ليست من المشاق المعتبرة ولا رخصة فيها ألبتة. 6 - العزيمة أصل والرخصة استثناء، ولهذا فالعزيمة مقصودة للشارع قصدًا أصليًا، أما الرخصة فمقصودة قصدًا تبعيًا. 7 - لم يقصد الشارع إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه ولا نزاع في أن الشارع كلف بما يلزم فيه كلفة ومشقة ما، ولكنه لا يقصد نفس المشقة، بل يقصد ما في ذلك من المصالح العائدة على المكلف.

8 - إذا كانت المشقة خارجة عن المعتاد بحيث يحصل للمكلف فساد ديني أو دنيوي فمقصود الشارع فيها الرفع على الجملة. 9 - من سلك إلى مصلحة غير طريقها المشروع فهو ساعٍ في ضد تلك المصلحة (¬1). تلك بعض القوانين والقواعد التي تضبط المقاصد ولكن كيف يتم الوصول إلى المقاصد أو معرفتها؟ هذه أيضًا بعض القوانين لذلك: 1 - الاحتكام إلى لغة النص وقوانين خطابه، وأصول المواضعة التي تعاهد عليها الذين نزل هذا النص بلغتهم وهم العرب. 2 - أن يوافقك القرآن كله على تفسير بعضه فإن القرآن كله كالآية الواحدة فلا يحكم ببعضه دون بعض. 3 - الأمر بالفعل يستلزم قصد الشارع إلى وقوع ذلك الفعل، والنهي يستلزم القصد إلى منع وقوع المنهي عنه. ¬

_ (¬1) انظر: الموافقات 1/ 266 - 268، 299، 300، 310، 2/ 427، 429، 455، 457، 469، 585، 586، الاعتصام 2/ 135.

4 - الدلالة الصريحة الواضحة التي لا تحتمل وجهًا آخر في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} (البقرة: 183). وقوله: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) (البقرة: 205) وقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (البقرة: 188). 5 - السنة المتواترة ويظهر ذلك جليًا في حالتين: - التواتر المعنوي الحاصل من مشاهدة عموم الصحابة لعمل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فحصل لهم بذلك علم بتشريع ذلك وإليه يرجع قسم المعلوم من الدين بالضرورة. - تواتر عملي يحصل لآحاد الصحابة من تكرار مشاهدة أعمال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. 6 - عِلَل الأحكام تدل على قصد الشارع فيها فحيثما وجدت اتُّبعت. 7 - كل أصلٍ ملائم لتصرفات الشارع، وكان معناه مأخوذًا من مجموعة أدلة حتى بلغ درجة القطع يبنى عليه ويُرجع إليه ولو لم يشهد له نص معين.

8 - إذا سكت الشارع عن أمر مع وجود داعي الكلام فيه دل سكوته على قصده إلى الوقوف عند حَدّ ما شرع. 9 - الاستقراء من خلال مجموع أدلة الشريعة كتابًا وسنة، وهو يفيد القطع؛ لأن كليات الشريعة لا تستند إلى دليل واحد بل إلى مجموعة أدلة تواردت على معنى واحد فأعطته صفة القطع، وتخلُّفُ بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كليًا (¬1). وهذا طريق مهم لمعرفة المقصد ولضبطه أيضًا، فإن الكتاب يجب أن يشهد لبعضه، ويجب أن يوافقك القرآن كله على بعضه، وبعضه على كله. وفي ذلك أبلغ رد على الخطاب العلماني الذي يريد منا أن نتخلى عن جزئيات الشريعة وتفاصيلها ودقائقها حفاظًا على روحها أو مغزاها أو مقاصدها أو جوهرها كما يقولون فإن الأجزاء مرتبطة بالكل والكل يشهد للأجزاء. ¬

_ (¬1) انظر: البرهان للزركشي (2/ 17)، الموافقات 1/ 29، 30، 37، 2/ 322، 362، 364،667، 668،3/ 111، 112، 114، 681، 683)، الاعتصام (1/ 361).

ومن هنا فإن الخطاب العلماني حين يتجاهل هذه القوانين والضوابط التي وضعها أهل المقاصد فإنه ليس من حقه أن يتكلم باسم المقاصد، لأن هذا لون من الهزلية أو المراوغة، إذ أن الذي ينضوي تحت شعار ليس من اختراعه عليه أن يلتزم بقوانين ذلك الشعار حتى يُعد من أهله، كما أن من انضم في معمعة من المعامع إلى أهل راية عليه أن يعرف إشاراتهم ومواضعاتهم وقوانينهم ونظامهم حتى لا يقتلونه. لو راعى العلمانيون نظام المقاصد وقواعدها وقوانينها لما خرجوا بارتجالات عبثية ينسبونها إلى دين الله عز وجل وكمثال على ذلك: لو أن نصر حامد أبو زيد تعلم ضوابط المقاصد لما قال بتساوي المرأة مع الرجل في الميراث في هذا العصر انطلاقًا من المغزى فالمرأة على حد قوله كانت لا تعطى شيئًا في الجاهلية، ثم جاء الإسلام فأعطاها نصف الذكر وهو ما يفهم من ظاهر الآيات وهذا هو المعنى، أما المغزى فهو تعليم لنا وإشارة أن نعطيها في المستقبل مثل حظ الذكر (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: نقد الخطاب الديني للهالك نصر حامد أبو زيد، ص 223، 225.

لو قرأ ما قاله الشاطبي من «أن سكوت الشارع عن أمر مع وجود داعي الكلام يدل على قصده إلى الوقوف عند حد ما شرع» (¬1) لما قال ما قال، ولَوَقَف عند حدود الله ـ؛ لأن الشارع لم يترك أي قرينة أو إشارة أو دلالة تفيد المغزى الذي يزعمه. ولو علم المدعو محمد شحرور أن من مقاصد الشارع الأصلية حفظ الأعراض، وصيانة الأبضاع، ومن مقاصده التبعية التي تخدم تلك تَصوُّن المرأة وتسترها لما قال بأنه يجوز للمرأة أن تخرج عارية إلا من شريط يستر سوأتها (¬2). وكثير مثل هذا لدى إخوانهم. ولذلك فإن توظيف المقاصد دون ضوابط أو معايير ما هو إلا وسيلة لهدم الشريعة، وإقصاء القرآن الكريم عن القيادة والمرجعية، وتبرير للحلول التي تمليها المناهج الحديثة، وتمرير للقيم التي تتطلبها المعقولية الحديثة. ¬

_ (¬1) انظر: الموافقات للشاطبي (2/ 681 – 682). (¬2) انظر: الكتاب والقرآن، قراءة معاصرة، للمدعو محمد شحرور، ص 606، 607.

المصالح: الكل متفق على أن المصلحة هي مناط التشريع، ولكن المشكلة أي مصلحة نعني؟ ومتى نعد الشيء مصلحة، ومتى نعده مفسدة؟ ومتى نعده نفعًا، ومتى نعده ضررًا؟ ومتى نعده مصلحة راجحة، ومتى نعده مصلحة مرجوحة، ومتى نعده مصلحة حقيقية معتبرة، ومتى نعده مصلحة وهمية متروكة. وما هو المعيار الذي يحكم المصالح؟ لأن ما يكون مصلحة لشخص قد يكون ضررًا لشخص آخر، وما يكون مصلحة لشخص في زمن قد يكون ضررًا له في زمن آخر؟ ثم المصالح منها ما هو ضروري ومنها ما هو تحسيني ومنها ما هو حاجي، وقد تتعارض أو تتداخل وقد يدق الفرق فتختلف التقديرات، فلا بد من وضع هذه الاعتبارات جميعًا في مراعاة المصلحة، حتى يمكن أن نحقق هذه المصلحة. ثم هل النص معيار المصلحة والحاكم عليها؟ أم المصلحة هي معيار النص والحاكمة عليه؟ وهل تتعارض المصلحة مع النص؟ وإذا تعارضت فما الحل؟

ثلاثة أمثلة لدعوى بعض أصحاب الخطاب العلماني بتعارض النص مع المصلحة، وبيان زيفها:

ثلاثة أمثلة لدعوى بعض أصحاب الخطاب العلماني بتعارض النص مع المصلحة، وبيان زيفها: المثال الأول: ذهب الرئيس التونسي السابق بورقيبة إلى أن صيام رمضان يسبب تعطيل الأعمال وضعف الإنتاج ودعا العمال سنة 1961م إلى الإفطار حفاظًا على الإنتاج الذي يدخل ضمن الجهاد الأكبر. ثم خرج فيما بعد من يُنظِّر لدعوة الرئيس ويبحث لها عن منافذ مشروعة لكي تتمكن من التسلل إلى ضعاف العقول وضعاف الإيمان فقال بعدم فرضية الصيام. فهل الصيام حقًا يتعارض مع مصلحة الإنتاج، ومصلحة النهوض الاقتصادي؟ إن الصوم يلغي وجبتين غذائيتين تقعان في وقت العمل هما وجبة الإفطار والغَدَاء، والصوم يوفر على الموظفين وقت هاتين الوجبتين، وهو وقت يمكن الاستفادة منه لصالح العمل والإنتاج، ثم إن الصوم يمنع الموظفين عن التدخين ومعلوم أن التدخين يأخذ من صاحبه دقائق متكررة على مدى اليوم كله قد تستغرق ساعة من ساعات العمل.

هذا بالإضافة إلى ما يسببه التدخين عمومًا من هدر كبير في القدرات والأوقات في غير رمضان بسبب أضراره المادية والصحية والنفسية فلماذا لا يُنظر إلى هذه الآفات التي يخفف منها شهر الصيام. ولماذا لا ينظر إلى الفوائد الروحية والتربوية والسلوكية والصحية التي تعود على المواطنين من الصيام وبالتالي على المصلحة العامة. المثال الثاني: يرى عدد من المعاصرين أن الحجاب لم يعد ملائمًا للعصر، ولا لمكانة المرأة وتحررها واقتحامها لكافة مجالات الحياة العامة من مدراس وجامعات ومعامل وإدارات وأسفار وتجارات، لأن هذا الحجاب يعوق حركة المرأة ويعرقل مصالحها. فهل هذه الدعوى صحيحة من جهة تحقق المصلحة أو عدمها؟ ليست هناك أي مصلحة حقيقية راجحة يعوقها الحجاب ويفوتها، والواقع المعيش والمشاهد في العالم كله الإسلامي والغربي أصبح اليوم يشكل أبلغ رد على كل ما يقال عن السلبيات

المدّعاة للحجاب، فلم يعد الحجاب قرينًا للجهل والأمية والخنوع والتخلف، بل أصبح في حد ذاته رمزًا للتحرر والتمسك بالحقوق والمبادئ، ورمزًا للصمود والمعاناة في سبيلها، وهي رمزية لم تكن له فيما سلف يوم كان شيئًا عاديًا يقبله الجميع ويسلم به الجميع. وهذا فضلًا عن كون ذوات الحجاب يوجدن اليوم بجدارة وكفاءة في كل موقع من مواقع العلم والعمل الراقية المتقدمة، ولا يختفين إلا من المواقع التي يُمنعن منها أو لا تليق بكرامتهن وخلقهن. إن الحجاب تظهر قيمته ومصلحته اليوم أكثر من أي وقت مضى، وبيان ذلك أن المرأة اليوم تنجرف مع تيار كاسح يكاد يختزل المرأة وقيمتها ودورها في الجسد المزوّق المنمق المعروض في كل مكان، والمرأة ـ على نطاق واسع وَعَتْ أو لم تَعِ قصدت أم لم تقصد ـ واقعة هي أيضًا في فتنة الجسد وفي فتنة اللباس، أو بعبارة القرآن الجامعة في فتنة التبرج، وجميع المتبرجات ـ من حيث يدرين أو لا يدرين ـ هن عارضات أزياء وعارضات أجسام، وكثيرات منهم يعشن يوميًا ـ وكلما خرجن إلى العموم ـ في منافسة

استعراضية لا تنتهي في الشوارع والإدارات، في الشواطئ والمنتزهات، وفي المدارس والجامعات في المناسبات والحفلات. وكمن يصب الزيت على النار يقوم عدد لا يحصى من الرجال بالإغراء والتشجيع، وتقوم مؤسسات تجارية وإعلامية وسياحية بتغذية هذا التوجه وتأطيره والمتاجرة به بشكل مباشر أو غير مباشر، وهكذا تدخل المرأة ـ الضحية الأولى في هذا المنزلَق ـ في دوامة تنحط فيها كرامتها وقيمتها، وتنحط فيها اهتماماتها وانشغالاتها، حيث تستهلك قدرًا كبيرًا من وقتها ومالها لتدبير شؤون جسدها ولباسها ومظهرها. والحقيقة أن الذي أصبح يعوق المرأة عن رقيها وتحررها وعن دراستها وعملها ليس هو الحجاب، بل الانغماس في التبرج والتزين، والهواجس الاستعراضية، هذا هو الواقع الرديء الذي تنجرف إليه المرأة انجرافًا يخرج بها ـ أو يهبط بها ـ من التكريم إلى التجسيم هو الذي يقف اليوم في وجهه اللباس الإسلامي الذي يمنع المرأة من الانزلاق في المنحدر المذكور، ويمنعها من أن تصبح مفتونة أو فاتنة بجسمها وأعضائها أو بلباسها وحليها، أو بأصباغها وعطورها، أو بمعاملاتها وعلاقاتها.

إن اللباس الجدي الساتر المتعفف المعتدل المتواضع أصبح اليوم ضرورة لوقف انحدار المرأة، ومساعدتها على الرفع من قيمتها وهمتها، وعلى استعادة كرامتها وتوازنها، وتلك هي المصلحة حقًا. المثال الثالث: يرى بعض العلمانيين المتطرفين أن قطع يد السارق من العقوبات المتخلفة البدائية الهمجية التي لا تليق بهذا العصر المتحضر، بينما يختار فريق آخر أن القطع عقوبة مرتبطة بظروفها التاريخية، وأنه كان يحقق المصلحة في الظروف العربية البدوية حين نزل النص بسبب عدم وجود السجون، وعدم إمكانية وجودها في بيئة يعيش أهلها على الحل والترحال، أما اليوم فلم يبق له ما يسوغه بسبب تغير الحال والظروف، وتوفر السجون فلم يعد الحد (القطع) يحقق المصلحة المرجوّة. وهم مجمعون على أن العقوبة فيها قسوة وعنف من منظورنا المعاصر، وأن هذه القسوة وهذا العنف إذا كان ملائمًا لذلك المجتمع البدوي القاسي، فإنه لا يليق بالمجتمعات المتحضرة اليوم.

والجواب أن العقوبات المنصوصة في الإسلام تتسم بقوة الزجر، وسهولة التنفيذ، فهي زاجرة إلى أقصى الحدود للجناة ولغيرهم، ومن حيث التنفيذ لا تكلف ميزانية ضخمة ولا جهازًا بشريًا واسعًا ولا وقتًا طويلًا كما هو الشأن في عقوبة السجن. فإذا جئنا إلى حد السرقة وهو القطع وجدناه محققًا مقصوده ومصلحته بدرجة عالية، والحق أن مجرد الإعلان عن إقرار عقوبة القطع يؤدي إلى زجر عدد واسع من السراق، وإراحة المجتمع من سرقاتهم ومحاكمتهم وحراستهم وإطعامهم في سجونهم، ويتحقق هذا بدرجة أوسع وأبلغ حين يُشرَع فعلًا في تنفيذ العقوبة ولو على أفراد معدودين، فإقرار عقوبة القطع والشروع في العمل بها قد يخفض جرائم السرقة إلى العشر أو أقل، وهذا هو عين المصلحة وأقصى درجاتها في موضوعنا الذي هو صيانة الأموال وأصحاب الأموال من العدوان والخوف. ومعنى هذا أننا سنكون أمام مصالح عظمى سيجنيها الأفراد والمجتمع والدولة ومؤسساتها وميزانيتها، مقابل أفراد قلائل سيتضررون بما كسبوه ظلمًا وعدوانًا. وإذا كان قطع بعض الأيدي يسبب تعطيلًا جزئيًا لأصحابها في عملهم وإنتاجهم، فإن

في سجن الألوف من السراق لشهور وسنوات تعطيلًا لهم، يضاف إلى ذلك أن السجن يشكل ـ في كثير من الحالات ـ مدرسة ممتازة لتعليم الإجرام، وربط العلاقات بين المجرمين، فهاتان مفسدتان لا بد من وضعهما في الميزان. فهل إذا نظرنا إلى المسألة من مختلف وجوهها المصلحية يبقى مجال للظن بأن حد السرقة لم يعد ملائمًا للمصلحة ولظروفنا الحالية؟ والرحمة تختلف من فهم إلى فهم، والعلمانيون الذين يرفضون الحد بدعوى الرحمة يقدمون مصلحة الفرد على مصلحة المجتمع، وينظرون إلى حال شخص ويغفلون عن حال أمة. إن الطبيب قد يلجأ إلى قطع بعض الأعضاء المريضة في الجسم حتى يسلم الجسم كله من المرض، والقطع فيه قسوة، ولكنه يُفعل رحمة بالجسم، والأب يضرب ولده تأديبًا وفي ضربه نوع قسوة، ولكنه يضربه رحمة به لكي يُقوِّم اعوجاجه، وفي الحياة أمثلة كثيرة لذلك كلها يستفاد منها أن الضرر الأشد والأعم يزال بالضرر الأخف والأخص، ويُختار دائمًا أهون الشرين، ومثل ذلك حد السرقة يتضرر الفرد ـ بما جنت يداه ـ رحمة بالمجموع.

ولكن الإشكال ليس في انعدام الرحمة وإنما في أمر آخر وهو أن هذه العقوبة وما شابهها من العقوبات البدنية المعمول بها في الشريعة الإسلامية ليست مُعتمَدة لدى الدول الغربية المتقدمة، بل أصبحت في نظر أهلها عقوبات مستهجنة ومستنكرة، إلى درجة أصبح معها عسيرًا على كثيرٍ من المسلمين ـ ومن مثقفيهم خاصة ـ استساغة هذه العقوبات والنظر إليها بتجرد وعقلانية. ترى لو كانت الدول الأوربية أو بعضها أخذت بعقوبة قطع يد السارق هل كان السياسيون والمفكرون والقانونيون في العالم الإسلامي سيجدون غضاضة أو حرجًا في تبني هذا الحكم وتفهم مصالحه وفوائده؟ إن الضغط الجاثم على النفوس والعقول له دور حاسم في تكييف النظرة وتوجيهها إلى كثير من القضايا التي استقرت عند العالم الغربي على نحو مخالف لما في شريعتنا. بقي أن نشير إلى أن أستاذنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ذكر للمصلحة خمسة ضوابط: الأول: اندراجها ضمن مقاصد الشرع. الثاني: عدم معارضتها للكتاب.

الثالث: عدم معارضتها للسنة. الرابع: عدم معارضتها للقياس. الخامس: عدم تفويتها مصلحة أهم منها. وكل واحد من هذه الضوابط يحتاج إلى شرح وتفصيل ليس هنا محله (¬1). اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) ¬

_ (¬1) انظر: ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، المصلحة في الشريعة الإسلامية للدكتور مصطفى زيد.

الشريعة خير كلها

الشريعة خيرٌ كلها إن الشريعة الإسلامية ما شرعت إلا لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل، أي في الدنيا والآخرة، ودرء المفاسد والاضرار عنهم في العاجل والآجل أيضًا، حتى إن بعض الفقهاء، قال ـ وقوله حق ـ: «إن الشريعة كلها مصالح، إما درء مفاسد أو جلب مصالح». ودرء المفسدة لا شك في أنه وجه من وجوه المصلحة؛ لأن المصلحة لها وجه إيجابي وهو جلب نفع لم يكن، ووجه سلبي وهو دفع ضرر أو مفسدة. وجميع الأحكام بلا استثناء مصالح لا يخرج منها أي حكم كان سواء أكان من أحكام الاعتقادات أو العبادات أو غير ذلك. نعم، قد يجهل البعض تفاصيل المصلحة في حكم من الاحكام، ولكن هذا الجهل ليس بحجة على انتفاء المصلحة، فإن الانسان قد يجهل تفاصيل منفعة دواء ولكن جهله به لا يمنع من

تحقيق المصحلة فيه، فإذا كان هذا واقعيًا فيما يضعه إنسان فكيف لا يكون فيما يضعه خالق الانسان؟ هذه واحدة. والثانية أن المصلحة المقصودة في التشريع الإسلامي لا تقتصر على مصالح الدنيا وإنما تتجاوزها الى مصالح الآخرة أي إلى إعداد الانسان للظفر بالسعادة الدائمة بالجنة. ونكتفي هنا بذكر بعض الأدلة الجزئية على هذه الحقيقة: 1 - قال تعالى في تعليل رسالة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107)، والرحمة تتضمن قطعًا رعاية مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، ولا يمكن أن تكون رحمة إذا أغفلت هذه المصالح. 2 - قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:179 (، فالقصاص شرع لتحقيق هذه المصلحة وهي الحياة للناس، أي الأمن والاستقرار والاطمئنان وحقن الدماء بزجر من تسول له نفسه الاعتداء على أرواح الناس.

3 - قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} (المائدة: 90 - 91). فتحريم الخمر يمنع عن الناس مفسدة الصد عن ذكر الله وعن الصلاة. 4 - تشريع الرخص عند وجود المشقات في تطبيق الأحكام اذا كانت هذه المشقات فوق طاقة البشر المعتادة، من ذلك اباحة النطق بكلمة الكفر عند الإكراه عليها بالتهديد بالقتل ونحوه، وإباحة المحرم عند الضرورة مثل أكل الميتة ولحم الخنزير عند التعرض للهلاك جوعًا، وإباحة الفطر في رمضان للمريض والمسافر. ولا شك أن دفع المشقة ضَرب من ضروب رعاية المصلحة ودرء المفسدة عن الناس. 5 - من محاسن الشريعة الإسلامية ملاءمتها لفطرة الإنسان وتلبيتها لحاجاته البدنية والعقلية والروحية، فمن محاسن الشريعة أنها حرمت كل ما يضر ببدن الإنسان وعقله، ومن ذلك تحريم المسكر لضرره، وتحريم قليله الذي لا يسكر لأنه سبيل إلى تناول

كثيره، ولا يمكن لكل الناس التحكم في الكمية، والتشريع يكون للجميع، إلى غير ذلك من الحكم المعلومة والمجهولة. 6 - بر الوالدين من محاسن الشريعة الإسلامية؛ ذلك أنه اعتراف بالجميل، وحفظ للفضل. 7 - ويُعَدّ الوقف من محاسن الشريعة الإسلامية الغرّاء، حيث أثبتت الدراسات الاقتصادية أنه أنجح وسيلة لاستمرار المؤسسات العلمية والاجتماعية في أداء وظيفتها ورسالتها. 8 - من محاسن الشريعة الإسلامية، أنها لم تُحرم شيئًا إلا عوضت خيرًا منه، مما يسد مسده، ويغني عنه، فالله ـ، لم يضيق على عباده من جانب، إلا وسَّع عليهم من جانب آخر، من جنسه، فإنه ـ لا يُريد بعباده عنتًا، ولا إرهاقًا، بل يُريد بهم اليُسرَ والخير والهداية والرحمة، فقد حرم الله عباده، الاستقسام بالأزلام، وعوضهم عنه دعاء الاستخارة، حرم عليهم الزنا، وأعاضهم عنه الزواج الحلال، حرم عليهم شرب المسكرات، وأعاضهم عنها بالأشربة اللذيذة. ليس في الدين حرمان، كما يتوهم الجهلة، فكل شهوة أودعها الله في الإنسان، جعل لها قناةً نظيفةً تتحرك من خلالها،

وكل حاجة، ألجأ الله إليها عباده، جعل لهم، أكثر من سبب لتحقيقها، فالحلال يُغني عن الحرام، أيما غناء. وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية حيث أن البيوت المسلمة التي بُنيت على أساس الرضا والرغبة غالبا ما تكون أكثر استقرارا وطمأنينة. 9 - والإسلام بتشريعه للطلاق يكون منسجمًا مع نهج التوسط بين الإفراط والتفريط، بخلاف غيره من الشرائع، والتي منها ما تبيح الطلاق على إطلاقه بلا محاذير ولو بغير سبب، ومنها ما يجعل الزواج مؤبدًا ولا تبيح الطلاق مطلقًا كما هو الحال في الغرب حيث عمت الفوضى في الحياة الاجتماعية وشاع اتخاذ الأخدان والعشيقات، فجاء الإسلام وجعل الطلاق حاجة من حاجات البشر لا يتم اللجوء إليها إلا عند الضرورة ووجود المبرر القوي لها. 10 - ومن محاسن الشريعة الإسلامية أن جعلت الطلاق بيد الرجل، وذلك لأن المرأة سريعة الغضب شديدة التأثر وغالبًا تدفعها طبيعتها إلى الجري وراء عواطفها بلا تَرَوٍّ، ذلك لأنها خلقت على رقة في الطبع، وبها من الغرائز ما يصلح أن تكون

مصدرًا للحنان والأمومة، إذ لو جعل الطلاق بيدها ـ وهي على ما أسلفنا من رقة العاطفة وسرعة الانفعال ـ لانهارت كثير من العلاقات الأسرية والزوجية في لحظة طائشة وبمجرد خصام عارض وهذا لا يمنع أن تكون هنالك نساء يتصفن بالحكمة والتروي ولكن أحكام الشرع تبنى على غالب الأحوال. 11 - من محاسن الشريعة الإسلامية تحريم الكذب لما فيه من مضار ومفاسد على الفرد والمجتمع. 12 - مِنْ أَعْظَمِ مَحَاسِنَ الشَّرِيعَةِ إيجَابُ الْغُسْلَ مِنْ الْمَنِيِّ دُونَ الْبَوْلِ: فَإِنَّ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ الله ـ: «سُلَالَةً»؛ لِأَنَّهُ يَسِيلُ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَأَمَّا الْبَوْلُ فَإِنَّمَا هُوَ فَضْلَةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الْمُسْتَحِيلَةِ فِي الْمَعِدَةِ وَالْمَثَانَةِ؛ فَتَأَثُّرُ الْبَدَنِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَعْظَمُ مِنْ تَأَثُّرِهِ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاغْتِسَالَ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ أَنْفَعِ شَيْءٍ لِلْبَدَنِ وَالْقَلْبِ وَالرُّوحِ، بَلْ جَمِيعُ الْأَرْوَاحِ الْقَائِمَةِ بِالْبَدَنِ فَإِنَّهَا تَقْوَى بِالِاغْتِسَالِ، وَالْغُسْلُ يَخْلُفُ عَلَيْهِ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَهَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ بِالْحِسِّ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَنَابَةَ تُوجِبُ ثِقَلًا وَكَسَلًا وَالْغُسْلُ يُحْدِثُ لَهُ نَشَاطًا وَخِفَّةً. ولَوْ شُرِعَ الِاغْتِسَالُ مِنْ الْبَوْلِ لَكَانَ فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ حَرَجٍ وَمَشَقَّةٍ عَلَى الْأُمَّةِ تَمْنَعُهُ حِكْمَةُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ وَإِحْسَانُهُ إلَى خَلْقِهِ. 13 - إن إباحة السَّلَم وتحريم الربا من محاسن الشريعة الكاملة, وقد أباح الله ـ السَّلَمَ لحاجة العباد إليه, وشرط فيه شروطا تخرجه عن المعاملات المحرمة, فهو عقد على موصوف في الذمة بصفات تميزه وتبعده عن الجهالة والغرر إلى أجل معلوم بثمن معجل في المجلس, يشترك فيه البائع والمشتري في المصلحة المترتبة على ذلك. فالبائع ينتفع بالثمن في تأمين حاجاته الحاضرة والمشتري ينتفع بالمسلم فيه عند حلوله؛ لأنه اشتراه بأقل من ثمنه عند الحلول وذلك في الغالب, فحصل للمتعاملين في عقد السلم الفائدة من دون ضرر ولا غرر ولا جهالة ولا ربا. أما المعاملات الربوية فهي مشتملة على زيادة معينة نص الشارع على تحريمها في بيع جنس بجنسه نقدا أو نسيئة, وجعله من أكبر الكبائر لما له ـ في ذلك من الحكمة البالغة, ولما للعباد

في ذلك من المصالح العظيمة والعواقب الحميدة التي منها سلامتهم من تراكم الديون عليهم, ومن تعطيلهم المشاريع النافعة والصناعات المفيدة اعتمادًا على فوائد الربا. 14 - تعدد الزوجات من محاسن الشريعة الإسلامية، ومن رعايتها لمصالح المجتمع وعلاج مشكلاته، وقد تنبه بعض أعداء الإسلام لهذا الأمر، واعترفوا بحسن ما جاءت به الشريعة في هذه المسألة، رغم عداوتهم لها، إقرارا بالحق واضطرارًا للاعتراف به، فمن ذلك ما نقله صاحب المنار في الجزء الرابع من تفسيره صفحة (360) عن جريدة (لندن ثروت) بقلم بعض الكاتبات ما ترجمته ملخصًا: «لقد كثرت الشاردات من بناتنا، رغم البلاء، وقَلّ الباحثون عن أسباب ذلك، وإذ كنت امرأة، تراني أنظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزنا، وماذا عسى يفيدهن بثي وحزني وتفجعي وإن شاركني فيه الناس جميعا، إذ لا فائدة إلا في العمل بما ينفع هذه الحالة الرجسة. ولله در العالم توس فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكافل للشفاء، وهو الإباحة للرجل التزويج بأكثر من واحدة، وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة، وتصبح بناتنا ربات بيوت،

فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد، وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجل، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة، أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين، أصبحوا كَلًّا وعالة على المجتمع الإنساني. فلو كان تعدد الزوجات مباحًا لما حاق بأولئك الأولاد وأمهاتهم ما هم فيه من العذاب والهوان، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن، فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل، وعليه ما ليس عليها، وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين». وقال غوستاف لوبون: «إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه، ويزيد الأسر ارتباطا, وتمنح المرأة احتراما وسعادة لا تجدهما في أوروبا». 15 - ومن محاسن الشريعة أن الأصل الشرعي هو: الحل في المعاملات والشروط.

16 - ومن محاسن الشريعة أَنَّ الْوَالِيَ وَالْقَاضِيَ وَالشَّافِعَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ (¬1)، وَهُوَ أَصْلُ فَسَادِ الْعَالَمِ، وَإِسْنَادُ الْأَمْرِ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، وَتَوْلِيَةُ الْخَوَنَةِ وَالضُّعَفَاءِ وَالْعَاجِزِينَ، وَقَدْ دَخَلَ بِذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا الله، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ قَبُولَ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِمُهَادَاتِهِ ذَرِيعَةٌ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَحُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ، فَيَقُومُ عِنْدَهُ شَهْوَةٌ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مُكَافَأَةً لَهُ مَقْرُونَةٌ بِشَرِّهِ وَإِغْمَاضٍ عَنْ كَوْنِهِ لَا يَصْلُحُ. 17 - ومن محاسن الشريعة أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّ تَوْرِيثَ الْقَاتِلِ ذَرِيعَةٌ إلَى وُقُوعِ هَذَا الْفِعْلِ؛ فَسَدَّ الشَّارِعُ الذَّرِيعَةَ بِالْمَنْعِ. 18 - ومن محاسن الشريعة أَنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نَهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَوْ يَسْتَامَ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ (¬2) أَوْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى التَّبَاغُضِ وَالتَّعَادِي. ¬

_ (¬1) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ سدد خطاكم، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» (رواه أحمد في المسند، وصححه الألباني). (¬2) المعنى: أَنْ يَكُون قَدْ اِتَّفَقَ مَالِكُ السِّلْعَةِ وَالرَّاغِبُ فِيهَا عَلَى الْبَيْع وَلَمْ يَعْقِدَاهُ، فَيَقُول الْآخَر لِلْبَائِعِ: أَنَا أَشْتَرِيه، وَهَذَا حَرَام بَعْد اِسْتِقْرَار الثَّمَن.

19 - ومن محاسن الشريعة أَنَّها نَهَت الْمَرْأَةَ إذَا خَرَجَتْ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ تَتَطَيَّبَ أَوْ تُصِيبَ بَخُورًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى مَيْلِ الرِّجَالِ وَتَشَوُّفِهِمْ إلَيْهَا، فَإِنَّ رَائِحَتَهَا وَزِينَتَهَا وَصُورَتَهَا وَإِبْدَاءَ مَحَاسِنِهَا تَدْعُو إلَيْهَا؛ فَأَمَرَهَا أَنْ تَخْرُجَ تَفِلَةً، وَأَنْ لَا تَتَطَيَّبَ، وَأَنْ تَقِفَ خَلْفَ الرِّجَالِ، وَأَنْ لَا تُسَبِّحَ فِي الصَّلَاةِ إذَا نَابَهَا شَيْءٌ، بَلْ تُصَفِّقَ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى، كُلُّ ذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ وَحِمَايَةً عَنْ الْمَفْسَدَةِ. 20 - ومن محاسن الشريعة أَنَّها نَهَت أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبَاعُ حَتَّى تُنْقَلَ عَنْ مَكَانِهَا، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى جَحْدِ الْبَائِعِ الْبَيْعَ وَعَدَمِ إتْمَامِهِ إذَا رَأَى الْمُشْتَرِي قَدْ رَبِحَ فِيهَا، فَيَغُرُّهُ الطَّمَعُ، وَتَشِحُّ نَفْسُهُ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ. 21 - ومن محاسن الشريعة أَنَّها أَمَرَتْ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْمَضَاجِعِ، وَأَنْ لَا يُتْرَكَ الذَّكَرُ يَنَامُ مَعَ الْأُنْثَى فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ ذَرِيعَةً إلَى نَسْجِ الشَّيْطَانِ بَيْنَهُمَا الْمُوَاصَلَةَ الْمُحَرَّمَةَ بِوَاسِطَةِ اتِّحَادِ الْفِرَاشِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ الطُّولِ، وَالرَّجُلُ قَدْ يَعْبَثُ فِي نَوْمِهِ بِالْمَرْأَةِ فِي نَوْمِهَا إلَى جَانِبِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ.

22 - ومن محاسن الشريعة أَنَّها نَهَتْ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى أَكْلِ مَالِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ حَقٍّ إذَا كَانَتْ مُعَرَّضَةً لِلتَّلَفِ، وَقَدْ يَمْنَعُهَا اللَّهَ. 23 - ومن محاسن الشريعة أنها جَعَلَت لِلْقَاذِفِ إسْقَاطَ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ فِي الزَّوْجَةِ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَكِلَاهُمَا قَدْ أَلْحَقَ بِهِمَا الْعَارَ، وهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ؛ فَإِنَّ قَاذِفَ الْأَجْنَبِيَّةِ مُسْتَغْنٍ عَنْ قَذْفِهَا، لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ أَلْبَتَّةَ؛ فَإِنَّ زِنَاهَا لَا يَضُرُّهُ شَيْئًا، وَلَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ فِرَاشَهُ، وَلَا يُعَلِّقُ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ، وَقَذْفُهَا عُدْوَانٌ مَحْضٌ، وَأَذًى لِمُحْصَنَةٍ غَافِلَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً. وَأَمَّا الزَّوْجُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ بِزِنَاهَا مِنْ الْعَارِ وَالْمَسَبَّةِ وَإِفْسَادِ الْفِرَاشِ وَإِلْحَاقِ وَلَدِ غَيْرِهِ بِهِ، وَانْصِرَافِ قَلْبِهَا عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ؛ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى قَذْفِهَا، وَنَفْيِ النَّسَبِ الْفَاسِدِ عَنْهُ، وَتَخَلُّصِهِ مِنْ الْمِسَبَّةِ وَالْعَارِ؛ لِكَوْنِهِ زَوْجَ بَغْيٍ فَاجِرَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى زِنَاهَا فِي الْغَالِبِ، وَهِيَ لَا تُقِرُّ بِهِ، وَقَوْلُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ؛ فَلَمْ يَبْقَ سِوَى تَحَالُفِهَا بِأَغْلَظِ الْإِيمَانِ، وَتَأْكِيدِهَا بِدُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِاللَّعْنَةِ وَدُعَائِهَا عَلَى نَفْسِهَا بِالْغَضَبِ إنْ كَانَا كَاذِبَيْنِ.

من محاسن الشريعة فرض الحجاب على المراة المسلمة ومنع الاختلاط بين النساء والرجال غير المحارم:

ثُمَّ يَفْسَخُ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا؛ إذْ لَا يُمْكِنُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَصْفُوَ لِلْآخَرِ أَبَدًا؛ فَهَذَا أَحْسَنُ حُكْمٍ يَفْصِلُ بِهِ بَيْنَهُمَا فِي الدُّنْيَا، وَلَيْسَ بَعْدَهُ أَعْدَلُ مِنْهُ، وَلَا أَحْكَمُ، وَلَا أَصْلَحُ، وَلَوْ جُمِعَتْ عُقُولُ الْعَالَمِينَ لَمْ يَهْتَدُوا إلَيْهِ، فَتَبَارَكَ مَنْ أَبَانَ رُبُوبِيَّتَهُ وَوَحْدَانِيَّتَهُ وَحِكْمَتَهُ وَعِلْمَهُ فِي شَرْعِهِ وَخَلْقِهِ. من محاسن الشريعة فَرْض الحجاب على المراة المسلمة ومَنْع الاختلاط بين النساء والرجال غير المحارم: بل إنَّها نَهَتْ أَنْ تَصِفَ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ لِزَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ سَدٌّ لِلذَّرِيعَةِ وَحِمَايَةٌ عَنْ مُفْسِدَةِ وُقُوعِهَا فِي قَلْبِهِ وَمَيْلِهِ إلَيْهَا بِحُضُورِ صُورَتِهَا فِي نَفْسِهِ، وَكَمْ مِمَّنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ بِالْوَصْفِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ. قال الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الصويان: «كنت في زيارة لأحد المراكز الإسلامية في ألمانيا فرأيت فتاة متحجبة حجابًا شرعيًا ساترًا قلَّ أن يوجد مثله في ديار الغرب؛ فحمدتُ الله على ذلك، فأشار عليَّ أحد الإخوة أن أسمع قصة إسلامها مباشرة من زوجها، فلما جلستُ مع زوجها قال:

«زوجتي ألمانية أبًا لجدٍّ، وهي طبيبة متخصصة في أمراض النساء والولادة، وكان لها عناية خاصة بالأمراض الجنسية التي تصيب النساء، فأجْرَت عددًا من الأبحاث على كثير من المريضات اللاتي كُنَّ يأتين إلى عيادتها، ثم أشار عليها أحد الأطباء المتخصصين أن تذهب إلى دولة أخرى لإتمام أبحاثها في بيئة مختلفة نسبيًا، فذهَبَتْ إلى النرويج، ومكثت فيها ثلاثة أشهر، فلم تجد شيئًا يختلف عمَّا رأته في ألمانيا، فقررت السفر للعمل لمدة سنة في السعودية. تقول الطبيبة: «فلما عزمتُ على ذلك أخَذْتُ أقرأ عن المنطقة وتاريخها وحضارتها، فشعَرْتُ بازدراء شديد للمرأة المسلمة، وعجبتُ منها كيف ترضى بذُلِّ الحجاب وقيوده، وكيف تصبر وهي تُمتهَن كل هذا الامتهان .. ؟! ولمَّا وصلتُ إلى السعودية علِمْتُ أنني ملزمة بوضع عباءة سوداء على كتفيَّ، فأحسست بضيق شديد وكأنني أضع إسارًا من حديد يقيدني ويشلُّ من حريتي وكرامتي (!!)، ولكني آثرت الاحتمال رغبة في إتمام أبحاثي العلمية.

لبِثْتُ أعمل في العيادة أربعة أشهر متواصلة، ورأيت عددًا كبيرًا من النسوة، ولكني لم أقف على مرض جنسي واحد على الإطلاق؛ فبدأتُ أشعر بالملل والقلق، ثم مضت الأيام حتى أتمَمْتُ الشهر السابع، وأنا على هذه الحالة، حتى خرجت ذات يوم من العيادة مغضَبة ومتوترة. فسألتني إحدى الممرضات المسلمات عن سبب ذلك، فأخبرتها الخبر، فابتسمت وتمتمت بكلام عربي لم أفهمْه، فسألْتُها: «ماذا تقولين؟!»، فقالت: إن ذلك ثمرة الفضيلة، وثمرة الالتزام بقول الله تعالى في القرآن الكريم: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} (الأحزاب: 35). هزتني هذه الآية وعرّفتني بحقيقة غائبة عندي، وكانت تلك بداية الطريق للتعرف الصحيح على الإسلام، فأخذت أقرأ القرآن العظيم والسنة النبوية، حتى شرح الله صدري للإسلام، وأيقنت أنَّ كرامة المرأة وشرفها إنما هو في حجابها وعفتها، وأدركت أن أكثر ما كُتب في الغرب عن الحجاب والمرأة المسلمة إنما كتب بروح غربية مستعلية لم تعرف طعم الشرف والحياء!».

دعوات غربية لتطبيق الشريعة الإسلامية كحل للأزمة المالية:

إن الفضيلة لا يعدلها شيء، ولا طريق لها إلا الالتزام الجاد بهدي الكتاب والسنة، وما ضاعت الفضيلة إلا عندما استُخدمت المرأة ألعوبة بأيدي المستغربين وأباطرة الإعلام (¬1). دعوات غربية لتطبيق الشريعة الإسلامية كحلٍ للأزمة المالية: نشر موقع الإسلام اليوم أن كبرى الصحف الاقتصادية الغربية دعت إلى تطبيق الشريعة الإسلامية كحل مؤكد للخروج من الأزمة المالية العالمية التي تهدد بانهيار أسواق المال العالمية، بعد الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي هزت أمريكا وأوروبا. فقد كتب (بوفيس فانسون) رئيس تحرير مجلة تشالينجز موضوعا بعنوان (البابا أو القرآن) تساءل الكاتب فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ ودور (المسيحية) كديانة، والكنيسة الكاثوليكية بالذات في تكريس هذا المنزع والتساهل في تبرير الفائدة، مشيرًا إلى أن هذا النسل الاقتصادي السيئ أودى بالبشرية إلى الهاوية. وتساءل الكاتب بأسلوب يقترب من التهكم من موقف الكنيسة قائلًا: «أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة ¬

_ (¬1) ثمرة الفضيلة، أحمد بن عبد الرحمن الصويان، مجلة البيان (العدد 161).

القرآن بدلًا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا (¬1) لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود». بدوره، طالب (رولان لاسكين) ـ رئيس تحرير صحيفة (لوجُورنال دِ فَيْنَانْس) ـ بوضوح أكثر بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة. وعرض لاسكين في مقاله بافتتاحية الصحيفة التي يرأس تحريرها والذي جاء بعنوان: «هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟»، المخاطر التي تحدق بالرأسمالية وضرورة الإسراع بالبحث عن خيارات بديلة لإنقاذ الوضع، وقدم سلسلة من المقترحات المثيرة في مقدمتها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية برغم تعارضها مع التقاليد الغربية ومعتقداتها الدينية. ¬

_ (¬1) المصرف: البنك.

ومن ناحيتها, أصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية ـ وهي أعلى هيئة رسمية تعنى بمراقبة نشاطات البنوك ـ في وقت سابق قرارًا يقضي بمنع تداول الصفقات الوهمية والبيوع الرمزية التي يتميز بها النظام الرأسمالي، وهو ما يتطابق مع أحكام الفقه الإسلامي. كما أصدرت نفس الهيئة قرارًا يسمح للمؤسسات والمتعاملين في الأسواق المالية بالتعامل مع نظام الصكوك الإسلامي في السوق المنظمة الفرنسية. والصكوك الإسلامية هي عبارة عن سندات إسلامية مرتبطة بأصول ضامنة بطرق متنوعة تتلاءم مع مقتضيات الشريعة الإسلامية. كما أكد تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي أن النظام المصرفي الإسلامي مريح للجميع مسلمين وغير مسلمين ويمكن تطبيقه في جميع البلاد فضلًا عن كونه يلبي رغبات كونية. وكانت لجنة المالية ومراقبة الميزانية والحسابات الاقتصادية للدولة بمجلس الشيوخ الفرنسي قد نظمت طاولتين مستديرتين في منتصف مايو 2008 حول النظام المصرفي الإسلامي لتقييم

الفرص والوسائل التي تسمح لفرنسا بولوج هذا النظام الذي يعيش ازدهارًا واضحًا وجمعت أعمال الطاولتين في تقرير واحد. وأعطت الطاولة المستديرة الأولى صورة عن أنشطة الصناعة المالية الفرنسية في سوق ما زال متركزًا في المنطقة العربية وجنوب شرق آسيا، والأهمية المتزايدة بالنسبة لفرنسا في أن تعتني بهذا المجال المالي المعتمد على الشريعة الإسلامية. كما ركزت الطاولة المستديرة الثانية على العوائق التشريعية والضريبية المحتمل أن تحول دون تطوير هذا النظام في فرنسا ومن ذلك مثلًا فتح مصارف إسلامية بفرنسا أو إقامة نظم تشريعية وضريبية على التراب الفرنسي تراعي قواعد الشريعة الإسلامية في المجال المالي أو إصدار صكوك. وإطلاق صفة (الإسلامي) على منتج مالي أو معاملة مالية يعني احترام خمسة مبادئ حددها النظام الإسلامي المالي، وهي تحريم الربا، وتحريم بيع الغرر والميسر، وتحريم التعامل في الأمور المحرمة شرعًا (كالخمر والزنا)، وتقاسُم الربح والخسارة، وتحريم التورق إلا بشروط.

كما سنحت للطاولة بحسب موقع الجزيرة نت الإطلاع على التجربة البريطانية في هذا المجال وما يمكن استخلاصه منها والإطلاع كذلك على الأفكار التي تتداول الآن في فرنسا حول هذا الموضوع من طرف المتخصصين والسلطات العمومية. وأكد التقرير تناقض الموقف الفرنسي من النظام المصرفي الإسلامي، فهناك اهتمام بهذا النظام وفي نفس الوقت يوجد جمود في التعاطي معه، فأغلب المجموعات المصرفية الفرنسية فتحت لها فروعًا في البلاد العربية والإسلامية تتعاطى مع النظام الإسلامي المالي، في حين ما زال موقف الفروع الرئيسية بفرنسا محجمًا في التعاطي معه. كما أنه لا توجد معوقات تشريعية أو ضريبية من شأنها أن تفسخ بيوعًا ذات صبغة إسلامية، بل إن بعض النصوص التشريعية الفرنسية في مجال الضرائب غير بعيدة عن النصوص الإسلامية. ودعا التقرير إلى توسيع دائرة النقاش حول هذا الموضوع ليشمل إلى جانب لجنة مجلس الشيوخ الجالية المسلمة الموجودة في فرنسا والمكونة من خمسة ملايين ونصف مليون شخص. وتعد

فرنسا متأخرة جدًا في مجال احتضان هذا النظام مقارنة مع الدول الأوروبية حيث كانت بريطانيا الرائدة في القبول به على أراضيها وقد أصدرت نصوصًا تشريعية وضريبية من شأنها أن تشجع النظام الإسلامي المالي وفتح بها أول مصرف إسلامي عام 2004. وتظهر منافسة النظام المصرفي الإسلامي للنظام المصرفي الغربي في كون معدل النمو السنوي للأنشطة الإسلامية يتراوح ما بين 10 إلى 15%. كما بلغ مجموع الأنشطة المسيرة من قبل المصارف ومؤسسات التأمين الإسلامية 500 مليار دولار نهاية عام 2007، وتبلغ قيمة الأصول المتداولة التي تراعي أحكام الشريعة والمعلن عنها وغير المعلن حدود 700 مليار دولار في الوقت الراهن. اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)

المادة الثانية من الدستور المصري بين التفعيل والتعطيل

المادة الثانية من الدستور المصري بين التفعيل والتعطيل مناقشة المادة الثانية مِن الدستور المصري، وخطورة التعرض لها بإلغاء أو تعديل إلى صيغة أضعف مما هي عليه الآن (¬1): إن الجانب التشريعي قد حرص الاحتلال على تكريس العالمانية فيه عن طريق: وضع دستور مكتوب، ثم قانون مدني مكتوب يُكرِّس لمبادئ العالَمانية، والتي استطاعت الصحوة الاسلامية أن تنتزع تحسينات جوهرية عليه لا يجوز بحال التفريط فيها، وتمثلت في شلِّ التوجه العالماني في النظام التشريعي عن طريق ذكر مرجعية الشريعة في الدستور. ¬

_ (¬1) باختصار من مقال الشيخ عبد المنعم الشحات المادة الثانية من الدستور بين التفعيل والتعطيل، الذي نُشِر على موقع صوت السلف: www.salafvoice.com 11 ربيع أول 1432هـ، 14فبراير 2011.

ما هو الدستور؟

وفي ظل التحرش بالمادة الثانية مِن الدستور الآن: نريد أن نعرف بعض الخلفيات القانونية، والتاريخية، التي يأتي بيانها في النقاط التالية: ما هو الدستور؟ * السلطة التشريعية هي: إحدى السلطات الثلاث التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة المدنية، وهو أخطرها على الإطلاق. والنظام الديمقراطي يجعل الشعب هو مصدر هذه السلطات؛ ومن ثَمَّ فقد جرى العمل على أن تصاغ تطلعات الأمة وتوجهاتها العامة في شكل قواعد محددة تمثل العقد الاجتماعي بين الشعب والسلطات الثلاث، وتبين كيفية إفراز هذه السلطات، ويصطلح على تسميتها بالدستور، وهو أشبه ما يكون في علومنا الشرعية بعلم: «القواعد الفقهية». إذن فالدستور هو: «أبو القوانين» المهيمن عليها، بل هو الموجه الرئيسي لأداء السلطة التنفيذية، ويُعرِّفه القانونيون بأنه هو: «القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة «بسيطة أم مركبة»، ونظام الحكم «ملكي أم جمهوري»، وشكل

الحكومة «رئاسية أم برلمانية»، وينظم السلطات العامة فيها مِن حيث التكوين والاختصاص، والعلاقات التي بين السلطات، وحدود كل سلطة، والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، ويضع الضمانات لها تجاه السلطة. * وُضِعَ أول دستور مصري عام 1882، وكان عالمانيًا قُحًّا، ولم يكن فيه أدنى إشارة إلى هوية الأمة وتميزها عن أمة الاحتلال. * وكردِّ فعل للمد الثوري في مصر تم وضع دستور 1923، والذي لم يختلف كثيرًا عن سابقه في احتقار هوية الأمة، وهو شيء طبيعي لدستور كُتب في ظل الاحتلال. وتمثل هذا في: - خلو الدستور من أي ذكر للشريعة الاسلامية. - وضع المادة الخاصة بدين الدولة ولغتها في ترتيب متأخر جدًا في الباب السادس مِن الدستور. فهل يمكن بعد ذلك لمسلم أن يعطي صوته لمرشح لمنصب الرئاسة ينادي بالعودة إلى دستور 1923؟!

* ظهرت الشريعة على استحياء في القانون المدني المصري لعام 1949، والذي تضمن خطابين: أحدهما: للسلطة التشريعية، والثاني: للسلطة القضائية، ووضع الشريعة في المرتبة الثالثة لكل منهما. فأما السلطة التشريعية: فقد خاطبها باستمداد الأحكام مِن: 1 - أحكام القانون المدني السابق، والذي صدر عام 1883 في ظل دستور 1882. 2 - القوانين اللاتينية لا سيما الفرنسي. 3 - ثم جاءت الشريعة الإسلامية في المرتبة الثالثة. وأما القاضي فخاطبه أن يحكم: 1 - بالمنصوص عليه في القانون. 2 - فإن لم يجد فبالعرف. 3 - فإن لم يجد حكم بالشريعة الإسلامية. * قامت ثورة يوليو 52، وألغت العمل بدستور 1923، وأصدرت بعده عدة بيانات دستورية لا ترقى إلى أن تكون دستورًا.

* بعد نكسة يونيو 67 ظهرت الروح الإسلامية قوية، وعرفت الأمة أنها لا عز لها إلا في الاسلام. * ظهر هذا جليًا في الدستور الدائم لمصر عام 1971، والذي اعتنى بهوية الأمة؛ فكان نص المادة الثانية منه، والتي تقع في الباب الأول الذي يتكلم عن شكل الدولة: «دين الدولة الرسمي الإسلام، ولغتها العربية، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيها». * كان مِن نتاج ذلك أن وافقت الأمة على الدستور، وانطلقت عجلة الإصلاح التي كان مِن نتاجها صور البطولة النادرة التي أظهرها الجنود في حرب العاشر مِن رمضان، والتي استعمل الجيش فيها العمليات الاستشهادية لتفجير حقول الألغام، وسد فوهات الدبابات برؤوسهم وأجسادهم. * بعد الحرب بدأت عجلة القوانين المخالفة للشريعة تدور، وبالطعن عليها أمام المحكمة الدستورية العليا كان التفسير: «إن وجود مصدر رئيسي لا يعني عدم وجود مصادر فرعية»؛ مما يعني أن المادة عديمة الفائدة.

* وفي عام 1980، وعندما أراد أنور السادات ـ الرئيس المصري آنذاك ـ أن يفتح مدد إعادة الترشيح للرئاسة، وحتى يقبل الناس ذلك في الاستفتاء أدخل معها تعديلًا على المادة الثانية باضافة «ال» إلى كلمة مصدر؛ لتصبح: «الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي مِن مصادر التشريع». * عند الطعن بعدم دستورية بعض الأحكام المخالفة للشريعة قررت المحكمة الدستورية العليا ثلاث نقاط في غاية الأهمية: 1 - أن المادة بهذه الصياغة تمنع مِن سن قوانين جديدة مخالفة للشريعة. 2 - أن المادة تخاطب السلطة التشريعية لا القضائية، ومِن ثمَّ فلا يجوز للقاضي أن يترك القانون الصادر عن السلطة التشريعية بحال، ومهما كان مخالفًا للشريعة. 3 - أن القوانين التي سبق سنها قبل هذا التعديل الدستوري اكتسبت حصانة دستورية، ولا يمكن إسقاطها إلا بنص صريح مِن السلطة التشريعية.

هل حمت المادة الثانية مصر من فساد الجهات التنفيذية؟ وهل أفادتها تشريعيا؟

وبناء عليه: فإننا نطالب بتفعيل المادة الثانية مِن الدستور على كل القوانين السابقة على هذا التعديل؛ لتكون كل القوانين موافقة للشريعة. هل حَمَتْ المادة الثانية مصر مِن فساد الجهات التنفيذية؟ وهل أفادتها تشريعيًا؟ الجواب: إن التشريع حتى إن كان شرعيًا مائة بالمائة لا يمكن أن يمنع فساد التنفيذ، وإنما مَنْع فساد التنفيذ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم ترك الظلم ينمو حتى يصير أمرًا واقعًا، وأما تشريعيًا فنحن بحاجة إلى تفعيل المادة حول القوانين القديمة. وأما الحديث منها: فقد وقفَتْ هذه المادة أمام القوانين الكارثية التي طالبت مؤتمرات السكان بها ـ على سبيل المثال ـ من إباحة الشذوذ، والاجهاض، وغيرها مِن القوانين. ولم يمر إلا ما وجد له بعض العلماء ـ أصلحهم الله ـ مخرجًا كرفع سن الرشد إلى ثمانية عشر عامًا استنادًا لمذهب منسوب إلى أبي حنيفة - رحمه الله -، ولكنهم طبقوه على غير وجهه، ويكفي أن تعرف أن ثمانية عشر عامًا قمرية تعادل نحو ستة عشر عامًا ونصف العام

شمسية، ومع هذا فهذا العور كاف في الطعن بعدم دستورية ذلك القانون. * مع الأخذ في الاعتبار أن هذه المادة لها أثر كبير في شكل العلاقة بين المواطنين ونظام الحكم، وفي حذفها توهين شديد لها. * الحاصل: يجب على جميع الأمة: 1 - الرفض القاطع لأي استفتاء يجرى على حذف هذه المادة، مهما وضع في هذا الاستفتاء مِن محفزات أخرى تغري بالموافقة. 2 - الرفض القاطع لأي تعديل لنصها، لا سيما التعديل الخبيث المتوقع بحذف «ال». 3 - رفض إلغاء الدستور الحالي، بل تعديل كل المواد المطلوب تعديلها منه مع بقائه؛ ضمانًا لبقاء هذه المادة. 4 - وفي حالة إلغاء الدستور وعمل أي دستور جديد لا يتضمن هذه المادة لا يصوَّت عليه بالموافقة، مهما كان مدغدغًا للعواطف بدون هذه المادة، نحن ورثنا وضعًا ما، إما أن نصلحه، أو على الأقل نحافظ عليه، وأما أن نزيده سوءًا؛ فلا .. وألف لا ..

ما هو دورنا

ما هو دورنا في ظل هذه الأوضاع بالغة السوء التي يعيشها المسلمون بسبب تغييب شريعة الله ـ، فإن على المسلمين واجبًا كبيرًا وعظيمًا ألا وهو العمل على تغيير هذا الواقع الأليم الذي يكاد يُحرِّف الأمة كلها بعيدًا عن الإسلام. والمسلمون جميعهم اليوم مطالبون ببذل كل الجهد: من الوقت والمال والنفس والولد لتحقيق ذلك، وإن كان العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله وأصحاب القوة والشوكة عليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، لأنهم في الحقيقة هم القادة وغيرهم من الناس تبع لهم. ولا خروج للمسلمين من هذا الواقع الأليم إلا بالعلم والعمل، فالعلم الذي لا يتبعه عمل لا يغير من الواقع شيئًا، والعمل على غير علم وبصيرة يُفسد أكثر مما يُصلح. وليس المقصود بالعلم العلم ببعض القضايا الفقهية الفرعية ولا ببعض الآداب ومحاسن العادات، كما يحرص كثير من الناس على مثل هذه الأمور، ويضعونها في مرتبة أكبر من مرتبتها في ميزان الإسلام، ولكني المقصود بالعلم، العلم الذي يورث إيمانًا

صحيحًا صادقًا في القلب، مؤثرًا حب الله ـ ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ودينه على كل ما سوى ذلك، وباعثًا على العمل لدين الله والتمكين له في الأرض وإن كلفه ذلك ما كلفه من بذل النفس والنفيس. ولن يتأتى ذلك إلا بالعلم الصحيح بحقيقة دين الإسلام، واليقين الكامل التام الشامل بحقيقة التوحيد أساس البنيان في دين الإسلام، ثم لابد مع ذلك من العلم بالمخاطر التي تتهدد الأمة الإسلامية، والأعداء الذين يتربصون بها والدعوات الباطلة والهدامة التي يُروَّج لها، وما يتبع ذلك من تحقيق البراءة من أعداء الدين، وتحقيق الولاية للمؤمنين الصادقين. وفي إطار الحديث عن العلم ونشره فإن فئة المعلمين من المدرسين والأساتذة من أدنى مراحل التعليم إلى أعلاها عليهم واجب من أهم الواجبات العامة في حقهم وآكدها وهذا الواجب يتمثل في: 1 - العمل على أسلمة المناهج بحيث تصب كل المناهج العلمية في إطار خدمة الإسلام، وبحيث لا يكون الهدف العلمي البحت، هو الهدف الوحيد من تدريس هذا العلم، ونظرًا لأن

ديننا من عند الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن المكتشفات العلمية هي من خلق الله فلا تعارض إذن ولا تناقض بين العلم والدين. وبالتالي فإن كثيرًا من الحقائق العلمية يمكن استخدامها كأدلة في مجال الإيمان، وكثير من القوانين العلمية يمكن استخدامها كردود أو إبطال لنظريات إلحادية من وجهة نظر العلم التجريبي الذي يؤمن به الملحدون ولا يعولون على غيره. 2 - تنقية المواد العلمية من الكفريات والضلالات المدسوسة بها، فقد يحدث أن يضع هذه المواد ومناهجها أناس غرباء على الدين، فالواجب على المدرس المسلم ألا يقوم بتدريس المادة العلمية كما هي، بل لا يحق له ذلك، وينبغي عليه كشف هذه الضلالات للطلاب وتحذيرهم منها، وبيان الصواب فيها. فلا يكتفي المعلم بدوره كمعلم للمادة فقط، بل يربط هذه العلوم بالإسلام وينقيها مما فيها من الشوائب ويكون في الوقت نفسه داعية وواعظًا ومرشدًا إلى جانب كونه معلمًا ومثقفًا.

حملة تطبيق الشريعة

3 - أن ينتهز المعلم الفرصة كلما سنحت له لتوضيح مفهوم من مفاهيم الإسلام، أو لتثبيت عقيدة من العقائد أو لبيان قضية من قضايا المسلمين أو لتعليم أدب من آداب الإسلام، وهكذا. وكل هذه الأمور يستتبع بالضرورة تحقيقها أن يرتفع المعلمون بمستواهم العلمي والشرعي في كثير من الأمور حتى يكونوا أكفاء لهذه المهمة النبيلة التي شرفهم الله بحملها. حملة تطبيق الشريعة (¬1): نحن بحاجة إلى استخدام كل الوسائل المتاحة لشن حملة ضخمة للمحافظة على هوية مصر الإسلامية، وإنقاذ المادة الثانية مِن الدستور في مواجهة هذه الحملة الشرسة التي يشنها العلمانيون وغيرهم لطمس هذه الهوية الإسلامية، وبغرض إقامة الدولة المدنية؛ ولذلك كان التحالف المشبوه لمنع تطبيق الشريعة. ¬

_ (¬1) باختصار من مقال الشيخ سعيد عبد العظيم: حملة تطبيق الشريعة، الذي نُشِر على موقع صوت السلف www.salafvoice.com 10 ربيع أول 1432هـ، 13فبراير 2011.

وسائل مقترحة: 1 - تكثيف الخطب والدروس في المساجد، والمراكز والمحافظات في هذا الموضوع. 2 - استخدام النت، وعمل مجاميع على الفيس بوك لبيان خطورة هذا الأمر. 3 - حشد علماء الأزهر والدعاة، وأصحاب النخوة والغيرة في الداخل والخارج للتركيز على هذا الأمر. 4 - رصد ما تتطلب هذه الحملة مِن قدرات وإمكانيات حتى لا تترك للعواصف التي سرعان ما تخبو. 5 - عمل ملصقات وكتابة لافتات مختصرة للتذكير بهذه القضية، بحيث توزع على الأفراد، ولوضعها في الشوارع. ويكون التركيز أولًا على الآيات والأحاديث التي توجب تحكيم الشريعة على الحاكم والمحكوم.

حملة الدفاع عن هوية مصر الإسلامية

حملة الدفاع عن هوية مصر الإسلامية (¬1): هدف الحملة: المحافظة على هوية مصر الإسلامية في وجه الدعوات المشبوهة لتعديل الدستور، وخاصة المادة الثانية منه لتحويل مصر المسلمة إلى دولة علمانية لا دين لها. نصائح لنشر الحملة ونشرها بين القطاعات المختلفة للمجتمع المصري المسلم الغيور على دينه وأمته: 1 - قم بإرسال دعوات الانضمام للحملة لأصدقائك ومعارفك على صفحة الفيسبوك ومن خلال قائمتك البريدية. 2 - التسجيل في الحملة يكون من خلال موقع الحملة في النموذج الخاص بذلك، أو عن طريق جمع التوقيعات في الجداول الورقية المرفقة بالموضوع. 3 - اطبع نموذج التوقيعات المرفق في صفحة الحملة، وانشره بين إخوانك وأهل منطقتك ومحيط عملك وأصدقائك. ¬

_ (¬1) باختصار من موقع صوت السلف www.salafvoice.com 10 ربيع أول 1432هـ، 13فبراير 2011.

4 - عاون إخوانك في عمل مراكز لتجميع نماذج التوقيعات المملوءة، على أن تقوم مراكز التجميع هذه بإرسال الحصاد اليومي للحملة سواء إلى البريد الإلكتروني لموقع الحملة، أو صفحة الفيسبوك الخاصة بها. 5 - تقوم مراكز التجميع بالتزويد اليومي لموقع الحملة أو صفحتها على الفيسبوك بصور نماذج التوقيعات المملوءة على هيئة صور مسحوبة بالماسح الضوئي (الإسكانر). 6 - تعاون مع إخوانك في تغطية فعاليات الحملة في منطقتك بالصوت والصورة، وإرسال هذه التغطيات بصفة دورية إلى موقع الحملة أو صفحتها على الفيسبوك. 7 - تعاون مع إخوانك على عمل لافتات وملصقات، وتوزيع أوراق دعاية للحملة بحيث تحتوي على آيات أو أحاديث أو عبارات الداعمة لهدف الحملة، ويمكن الاستفادة من مقالة: «حملة تطبيق الشريعة». لتلقي استفساراتكم واقتراحاتكم: البريد الإلكتروني للحملة: [email protected]

هاتف التنسيق مع الحملة: 01511905266 - 01511905277 صفحة الحملة على الفيس بوك: الصفحة الرسمية لحملة الدفاع عن هوية مصر الإسلامية. www.facebook.com/pages/alsfht-alrsmyt ... هذه وسائل وصور مقترحة لحملة تطبيق الشريعة، وحملة الدفاع عن هوية مصر الإسلامية ينبغي أن ينهض بها كل إنسان في موقعه، وعلى قدر استطاعته، وأن ينصبغ بها في حياته الخاصة والعامة ـ علمًا وسلوكًا ـ والدال على الخير كفاعله، ومدافعة الباطل بالحق، والكفر بالإيمان سنة ماضية في الخلق: قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} (البقرة:251). وكلنا يقين أن المستقبل للإسلام بغلبته وظهوره، وأن الله ناصرٌ دينَه كما نصر عبده - صلى الله عليه وآله وسلم - وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (الرعد:17). اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)

المراجع

المراجع - إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم. - أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان. - مجموع فتاوى الشيخ ابن باز - رحمه الله -. - نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم تأليف: عدد من المختصين بإشراف الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي. - الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة الندوة العالمية للشباب الإسلامي - تطبيق الشريعة للشيخ سعيد عبد العظيم، موقع صوت السلف. - في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب. - المستقبل لهذا الدين، للأستاذ سيد قطب. - قبسات من الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للأستاذ محمد قطب. - شبهات حول الإسلام للأستاذ محمد قطب. - العلمانية، للدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي. - العلمانية وثمارها الخبيثة، للشيخ محمد شاكر الشريف. - لماذا نرفض العلمانية، للدكتور محمد محمد بدري. - المدخل المقاصدي والمناورة العلمانية للدكتور أحمد إدريس الطعان، كلية الشريعة، جامعة دمشق. - الشورى لا الديمقراطية الدكتور عدنان علي رضا النحوي. - مقال وقفة مع الديمقراطية، للدكتور عدنان علي رضا النحوي. - مقال: هل العلمانية تتناقض مع الإسلام؟ محمد إبراهيم مبروك. - الدولة المدنية صورة للصراع بين النظرية الغربية والمُحْكَمات الإسلامية، للشيخ محمد بن شاكر الشريف، موقع صيد الفوائد. - دحض الشبهات التي تثار حول العقوبات الشرعية للدكتور عبد العزيز بن فوزان بن صالح الفوزان، مجلة البيان، العدد 193، رمضان 1424 ـ نوفمبر 2003. - إظهار محاسن الشريعة الإسلامية، زياد أبو رجائي، شبكة المنهاج الاسلامية. اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)

§1/1