شروط الصلاة في ضوء الكتاب والسنة
سعيد بن وهف القحطاني
المقدمة
المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في: ((شروط الصلاة))، بيَّنت فيها بإيجاز: مفهوم شروط الصلاة، وشرحت الشروط بأدلتها من الكتاب والسنة. وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات سماحة شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رفع الله درجاته في الفردوس الأعلى. والله أسأل أن يجعل هذا العمل القليل مباركًا،
وخالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كلَّ من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف حرر في ضحى يوم الجمعة الموافق 18/ 8/1420هـ
الشرط الأول: الإسلام
شروط الصّلاة الشرط في اللغة: العلامة، ومنه قول الله تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} (¬1). واصطلاحًا: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم (¬2) لذاته (¬3)، وشروط الصلاة تجب قبلها إلا النية فالأفضل مقارنتها لتكبيرة الإحرام، وتستمر الشروط حتى نهاية الصلاة، وبهذا فارقت الأركان التي تنتهي شيئاً فشيئاً؛ والأركان تتركب منها ماهية الصلاة، والشرط مع المشروط كالصفة مع الموصوف (¬4)، وشروط الصلاة تسعة على النحو الآتي: الشرط الأول: الإسلام، وضدُّه الكفر، والكافر ¬
الشرط الثاني: العقل
عمله مردود، ولو عمل أي عمل؛ لقول الله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} (¬1). وقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} (¬2). الشرط الثاني: العقل، وضده الجنون، والمجنون مرفوع عنه القلم حتى يفيق؛ لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم)) (¬3). الشرط الثالث: التمييز، وضده الصغر، وحدّه سبع سنين، ثم يُؤمر بالصلاة؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله ¬
الشرط الرابع: رفع الحدث
عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع)) (¬1). وهذه الشروط الثلاثة لكل عبادة، إلا الزكاة، فإنها تخرج من مال المجنون والصغير، وكذا الحج يصح من الصغير (¬2). الشرط الرابع: رفع الحدث، وهو الوضوء للحدث الأصغر، والغسل للحدث الأكبر؛ لقول الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬3)؛ ¬
الشرط الخامس: إزالة النجاسة
ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) (¬1)؛ولحديث عبد الله بن عمر رضي ... الله عنهما يرفعه: ((لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) (¬2)؛ ولحديث علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)) (¬3). الشرط الخامس: إزالة النجاسة من ثلاث: من البدن، والثوب، والبقعة. أما إزالة النجاسة من البدن؛ فلأحاديث الاستنجاء، والاستجمار، وغسل المذي، فإنها تدل على وجوب الطهارة من النجاسة؛ لأن الاستنجاء والاستجمار وغسل المذي من البدن تطهير للبدن الذي أصابته نجاسة، ومن ذلك حديث أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة (¬4) من ماء، ¬
وعنزة (¬1)، فيستنجي بالماء)) (¬2)؛ ولحديث المقداد في قصة علي رضي الله عنهما في المذي، وفيه: ((فليغسل ذكره وأنثييه)) (¬3)؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)) (¬4). وأما إزالة النجاسة من الثوب؛ فلحديث أسماء رضي الله عنها قالت: جاءت امرأةٌ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: ((تحتّه، ثم تقرصه بالماء، وتنضحه وتصلي فيه)) (¬5)؛ ولأحاديث غسل بول الجارية ونضح بول الغلام ما لم يطعم، فعن علي - رضي الله عنه - ¬
الشرط السادس: ستر العورة مع القدرة
يرفعه: ((بول الغلام يُنضح وبول الجارية يُغسل)) (¬1). وهذا ما لم يطعما، فإذا طعما غسلا جميعًا (¬2). وأما إزالة النجاسة من البقعة؛ فلحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوه وهَرِيقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)) (¬3). الشرط السادس: ستر العورة مع القدرة بشيء لا يصف البشرة، أجمع أهل العلم على فساد صلاة من صلى عريانًا وهو يقدر على ستر عورته (¬4)، وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة كلها عورة إلا وجهها في الصلاة (¬5)، لقول الله ¬
تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (¬1)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) (¬2). وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، إني رجل أصيد، أفأصلي في القميص الواحد؟ قال: ((نعم وازرره ولو بشوكة)) (¬3). وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - تصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: ((إذا كان الدّرعُ (¬4) سابغًا (¬5) يغطي ظهور قدميها)) (¬6). ¬
قال الإمام عبد العزيزبن عبد الله ابن باز –رحمه الله-: ((الواجب على المرأة الحرة المكلفة ستر جميع بدنها في الصلاة ما عدا الوجه والكفين؛ لأنها عورة كلها، فإن صلت وقد بدا شيء من عورتها: كالساق، والقدم، والرأس أو بعضه لم تصح َّصلاتها)) (¬1). وسمعته مراتٍ كثيرة يقول في حكم ستر الكفين في الصلاة: ((الأفضل للمرأة أن تستر كفيها في الصلاة خروجًا من الخلاف، فإن لم تفعل فصلاتها صحيحة)). وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه: ((وإذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره فلا ينظرن إلى شيء من عورته، فإنما أسفل من سرته إلى ركبته من عورته)) (¬2). وعن أبي الأحوص عن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬
قال: ((المرأةُ عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) (¬1). ولا بد من ستر العاتقين للرجل أو أحدهما عند القدرة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء)) (¬2). فظاهر الحديث يدل على لزوم ستر العاتقين جميعًا عند القدرة، فإن عجز فلا شيء عليه؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬3). ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في الثوب الواحد: ((فإن كان واسعًا فالتحف به وإن كان ضيقًا فاتزر به)) (¬4). قال سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز – رحمه الله -: ¬
الشرط السابع: دخول الوقت
((أما مع القدرة على ستر العاتقين أو أحدهما فالواجب عليه سترهما أو أحدهما في أصح قولي العلماء، فإن ترك ذلك لم تصح صلاته؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء)) (¬1). والله ولي التوفيق)) (¬2). الشرط السابع: دخول الوقت؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (¬3) أي مفروضًا في الأوقات؛ ولقوله سبحانه: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (¬4)، وهذه الآية دخل فيها أوقات الصلوات الخمس، فقوله تعالى: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} زوالها عن كبد السماء إلى جهة الغرب، وهو بداية دخول وقت صلاة الظهر، ويدخل في ذلك العصر، وقوله: {إِلَى ¬
غَسَقِ اللَّيْلِ} أي: بداية ظلمة الليل، وقيل: غروب الشمس. وأخذ منه دخول وقت: صلاة المغرب وصلاة العشاء، {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} يعني صلاة الفجر، ففي هذه الآية إشارة مجملة إلى أوقات الصلوات الخمس (¬1). أما أوقات الصلوات الخمس تفصيلاً فعلى النحو الآتي: 1ـ وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله؛ بعد فيء الظل؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظلُّ الرجلِ كطوله، ما لم يحضر وقت العصر)) (¬2)؛ ولحديث جابر - رضي الله عنه - في إمامة جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلوات الخمس في يومين، فجاءه في اليوم الأول فقال: ((قم فصلِّه، فصلى الظهر حين زالت الشمس)) ثم جاءه من الغد للظهر فقال: ((قم فصله، فصلى الظهر حين صار ¬
ظل كل شيء مثله)) ثم قال له في اليوم الثاني: ((ما بين هاتين الصلاتين وقت)) (¬1). ويسن الإبراد بصلاة الظهر في وقت الحر، لكن لا يخرجها عن وقتها؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا اشتد الحرُّ فأبردُوا بالصلاة، فإن شدّة الحرِّ من فيح جنهم)) (¬2).وسمعت سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ((السنة تأخير صلاة الظهر في وقت الحر، سفرًا وحضرًا، لكن لو اعتاد الناس التبكير للمشقة عليهم بكر بالصلاة؛ لأن التأخير يشق عليهم)) (¬3)،أما في غير وقت اشتداد الحر ¬
فالأفضل أن تصلى الصلاة في أول وقتها؛ لحديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((الصلاة في أول وقتها)) (¬1)، وسمعت العلامة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول: ((أي في أول وقتها بعد دخوله، ولو صليت في أثنائه أو في آخره فلا حرج، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي في أول الوقت، ويحافظ عليه إلا في حالين: الحال الأولى في صلاة العشاء إذا تأخر الناس حتى يجتمعوا. الحال الثانية في الظهر إذا اشتد الحر، وكان في المغرب أكثر تبكيرًا، وكان الصحابة يصلون ركعتين قبلها، أما ¬
بقية الأوقات فهي أوسع وقتًا من المغرب)) (¬1). 2ـ وقت العصر من خروج وقت الظهر، أي إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت صلاة العصر إلى أن تصفرَّ الشمس، أو إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، وهو مقارب لاصفرار الشمس، لكن اصفرار الشمس أوسع، وهو الذي استقر عليه التوقيت، ويجب أن تقدم الصلاة قبل الاصفرار؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ((ووقت العصر ما لم تصفرَّ الشمس)) (¬2)؛ ولحديث جابر - رضي الله عنه - في إمامة جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قم فصلِّه، فصلى العصر حين صار ظلُّ كل شيء مثله)) ثم جاء في اليوم الثاني فقال: ((قم فصله، فصلى العصر حين صار ظلُّ كل شيء مثليه)) (¬3). وهذا وقت الاختيار من ظل كل شيء مثله إلى اصفرار الشمس، أما وقت الضرورة فإذا اصفرت الشمس إلى غروب الشمس؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) (¬1)، وإذا كان متعمدًا فقد أدرك الوقت مع الإثم؛ لقوله – عليه الصلاة والسلام -: ((تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) (¬2). أما إذا كان ناسيًا أو نائمًا فقد أدركها في الوقت وصلاها أداءً (¬3). 3ـ وقت صلاة المغرب من غروب الشمس إلى غروب الشفق الأحمر؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ((ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق)) (¬4)، لكن الأفضل ¬
أن تُصلَّى في أول الوقت؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - في إمامة جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ((جاءه المغرب فقال: قم فصلِّه فصلى المغرب حين وجبت الشمس)) ثم جاءه في اليوم الثاني المغرب وقتًا واحدًا لم يزل عنه (¬1)؛ ولحديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: ((كنا نصلي المغرب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فينصرف أحدنا وإنه ليُبصرُ مواقع نبله)) (¬2). وسمعت سماحة العلامة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن هذا الحديث إنه: ((يدل على أن التبكير بالمغرب هو السنة المستقرة، لكن هذا لا يدل على أنَّ وقت المغرب وقتٌ واحد، بل آخر وقت المغرب هو غروب الشفق الأحمر)) (¬3). والسنة أن يصلي بعد الأذان ركعتين ثم تقام صلاة المغرب؛ لحديث عبد الله بن مغفل المزني - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صلّوا قبل صلاة المغرب)) قال في الثالثة: ¬
((لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنة (¬1). [أي طريقة واجبة مألوفة لا يتخلفون عنها] (¬2). وفي رواية: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى قبل المغرب ركعتين)) (¬3). وفي حديث أنس - رضي الله عنه -: ((وكنا نصلي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب)) (¬4). وقال - رضي الله عنه -: ((كنا في المدينة، فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري، فركعوا ركعتين، ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما)) (¬5). وهذا يدل أن هذه السنة ثبتت بالقول والفعل، والتقرير. وهذه الأحاديث تدلّ على أن السنة التبكير بصلاة المغرب بعد صلاة ركعتين عقب الأذان، وأن الوقت بين ¬
الأذان والإقامة قليل. 4ـ وقت صلاة العشاء من غروب الشفق الأحمر إلى نصف الليل الأوسط، ووقت الضرورة إلى طلوع الفجر، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ((ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط)) (¬1)؛ ولحديث جابر - رضي الله عنه - في إمامة جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه: ((جاءه العشاء فقال: قم فصلِّه فصلى العشاء حين غاب الشفق)) ثم في اليوم الثاني: ((جاءه حين ذهب نصف الليل فصلى العشاء)) (¬2). أما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر فوقت ضرورة لمن نسي أو نام؛ لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أَمَا إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصلِّ الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلِّها حين ينتبه لها)) (¬3). والأفضل في وقت صلاة العشاء التأخير ما لم يخرج ¬
وقتها، إذا لم يكن مشقة، فإذا كانوا جماعة في سفر، أو بادية، أو قرية فتأخير صلاة العشاء أفضل، إذا رأوا ذلك ما لم يشقّ على أحد، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أعتم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة حتى ذهب عامّةُ الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى فقال: ((إنه لوقتُها لولا أن أشق على أمتي)) (¬1). وهذا دليل على أن آخر وقت العشاء أفضله (¬2)، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يراعي الأخف على الأمة، فعن جابر - رضي الله عنه - قال: ((والعشاء أحيانًا وأحيانًا، إذا رآهم اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم أبطؤوا أخّر)) (¬3)؛ ولأهمية المحافظة على وقت صلاة العشاء كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره النوم قبلها، ففي حديث أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه -: ((وكان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها)) (¬4). وسمعت الإمام عبدالعزيز بن عبد ¬
الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ((كره النوم قبل صلاة العشاء لأنه قد يفوّت صلاة العشاء، وكره الحديث بعدها؛ لأن السمر قد يفوّت عليه صلاة الفجر)) (¬1). 5ـ وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الأبيض الصادق، وهو الفجر الثاني إلى نهاية الظلمة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصليها بغلس، ويمتد وقت الاختيار إلى طلوع الشمس (¬2)؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ((ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)) (¬3). ومما يؤكد التبكير بالفجر وصلاتها بغلس حديث جابر - رضي الله عنه - في إمامة جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: ((ثم جاءه الفجر فقال: قم فصلِّه، فصلى الفجر حين برق الفجر أو قد سطع الفجر)) ((ثم جاءه [من الغد] حين أسفر جدًّا ثم قال له: قم فصلِّه، فصلى ¬
الفجر، ثم قال: ما بين هذين وقت)) (¬1). وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتعجَّل بصلاة الفجر، ولا يؤخرها عن الوقت المختار، ففي حديث أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه -: ((وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة)) (¬2). وفي حديث جابر - رضي الله عنه -: ((والصبح كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلِّيها بغلس)) (¬3). وسمعت سماحة العلامة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ((الغلس هو الفجر الواضح الذي به غلس من ظلمة آخر الليل)) (¬4). أما حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - الذي قال فيه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم، أو أعظم للأجر)). ولفظ الترمذي: ((أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)) (¬5). ونقل الترمذي ¬
– رحمه الله – عن الشافعي، وأحمد، وإسحاق أن معنى الإسفار أن يتضح الفجر فلا يشك فيه)) (¬1). وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ((المراد لا تعجلوا حتى يتضح الصبح حتى لا يخاطر بالصلاة)) (¬2). وتدرك الصلاة أداءً في الوقت بإدراك ركعة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) (¬3). وسمعت سماحة العلامة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ((ويأثم إذا كان متعمدًا)) (¬4). ولا تجزئ الصلاة قبل الوقت، ويحرم تأخيرها عن وقتها المختار؛ لمفهوم أحاديث مواقيت الصلاة، ولقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ¬
الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (¬1). ويجب فورًا قضاء الفوائت مرتبة ولو كثرت، لقول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (¬2). ولحديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من نسي صلاة فليصلِّها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) وفي لفظ لمسلم: ((من نسي صلاة أو نام عنها ... )) (¬3)؛ ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، قال: يا رسول الله ماكدت أصلي صلاة العصر حتى كادت الشمس تغرب، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((والله ما صليتها)) فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب (¬4). وأُلحق بالنائم المغمى عليه ثلاثة أيام فأقل، وقد روي ¬
ذلك عن عمار، وعمران بن حصين، وسمرة بن جندب - رضي الله عنهم - (¬1). وقيل: يقضي المغمى عليه ولو طالت المدة، وقيل: إن أغمي عليه خمس صلوات قضاها وإلا فلا، وقيل: لا يلزمه قضاء الصلاة إلا أن يفيق في جزء من وقتها، والصواب ما اختاره شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبدالله ابن باز – رحمة الله عليه – وهو أن المغمى عليه يقضي الصلاة إذا كان الإغماء ثلاثة أيام فأقل؛ لأنه يلحق بالنائم، أما إذا كانت المدة أكثر من ذلك فلا قضاء عليه؛ لأن المغمى عليه مدة طويلة أكثر من ثلاثة أيام يشبه المجنون بجامع زوال العقل (¬2). أما الحائض فلا قضاء عليها إلا في حالتين: الحالة الأولى: إذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر، وإذا طهرت قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء، جاء ذلك عن عبد الرحمن بن عوف، ¬
وأبي هريرة، وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - (¬1)؛ ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها، كما يلزمه فرض الثانية (¬2)، وقال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -: ((عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده)) (¬3) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – (¬4)، وصوّبه الإمام شيخنا عبد العزيز بن عبدالله ابن باز – رحمه الله – وأفتى به حتى مات – قدس الله روحه ونوّر ضريحه – (¬5). الحالة الثانية: إذا أدركت المرأة وقت الصلاة ثم حاضت قبل أن تصلي، فقد اختلف أهل العلم هل تقضي أم لا؟ والصواب أن المرأة إذا أدركت وقت الصلاة ثم لم تصلِّ حتى تضيَّق الوقت – بحيث لا تستطيع الصلاة ¬
كاملة في آخره -، ثم حاضت قبل أن تصلي، وجب عليها أن تقضي هذه الصلاة بعد أن تطهر؛ لأنها فرَّطت في الصلاة، وهذا الذي يفتي به سماحة الإمام شيخنا عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - (¬1). وإذا كان وقت الصلاة الحاضرة يخشى خروجه صلى الحاضرة حتى لا تكون فائتة، ثم يصلي الفائتة (¬2). ويقضي الصلوات الفائتة على حالها الذي فاتت عليه: من عدد ركعاتها، أو سرِّيتها، وجهريتها؛ لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه - الطويل في نوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عن صلاة الفجر في السفر، وفيه: ((ثم أذَّن بلال بالصلاة، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين، ثم صلى الغداة، فصنع كما كان يصنع كل يوم)) (¬3). ويدل الحديث أيضًا على أن من فاتته صلاة واحدة صلى سنَّتها معها. ¬
الشرط الثامن: استقبال القبلة
الشرط الثامن: استقبال القبلة، لقول الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} (¬1). واستقبال جهة البيت الحرام شرط لصحة الصلاة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسيء في صلاته: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر)) (¬2)؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما في أهل قباء لما حُوِّلت القبلة، قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أُنزل عليه الليلة قرآنٌ، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة، فاستقْبَلُوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة)) (¬3)؛ ولحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: ((صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو ¬
بيت المقدس ستة عشر شهرًا [أو سبعة عشر شهرًا] ثم صرفنا نحو الكعبة)) (¬1). ومن تمكن من رؤية الكعبة وجب عليه استقبال عينها فإن حال بينه وبينها حائل، أو كان بعيدًا عنها استقبل جهتها، وتحرَّى لذلك قدر الإمكان، ولا يضر الانحراف اليسير؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) (¬2). وسمعت سماحة الإمام، شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن هذا الحديث: ((صحيح، وهذا يؤيد عدم التكلف في الجهة، وأنه متى صلى إلى الجهة ولو انحرف عنها قليلاً هكذا أو هكذا فلا يضره ذلك، فجهته التي صلى إليها هي القبلة، وهكذا قضاء الحاجة، يشرّق أو يغرّب أو يشمّل أو يجنّب على حسب جهته التي تخالف ¬
القبلة)) (¬1). قال – عليه الصلاة والسلام – في ذلك: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا)) (¬2). ويسقط استقبال القبلة في الأحوال الآتية: الحالة الأولى: إذا اجتهد في استقبال القبلة طاقته ثم صلى فأخطأ؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬3)؛ ولقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬4)؛ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما في صلاة أهل قباء إلى الشام، فأُخْبروا أن الله قد أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - باستقبال المسجد الحرام، فاستقبلوا الكعبة وهم في صلاتهم)) (¬5). والشاهد في الحديث أنهم بنوا على ما صلوا، ولم يقطعوا الصلاة، بل استداروا إلى الكعبة. وقد رُوِيَ عن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - أنه قال: ((كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة ¬
مظلمة فأشكلت علينا القبلة، فصلينا، فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا لغير القبلة، فنزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله})) (¬1). وسمعت الإمام عبد العزيز ابن باز – رحمه الله – يقول عن هذا الحديث: ((ضعيف عند أهل العلم، ولكن معناه صحيح، ويعضده عموم الأدلة والأصول المتبعة في الشريعة: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ}. والواجب على المسافر إذا حضرت الصلاة أن يجتهد ويتحرّى القبلة ثم يصلي حسب اجتهاده فإن ظهر بعد ذلك أنه صلى إلى غير القبلة أجزأته صلاته؛ لأنه أدَّى ما عليه)) (¬2). والمجتهد يتعرَّف إلى جهة القبلة: بالمحاريب في المساجد، أو بالبوصلة، أو يسأل إن وجد من يدله، أو بأي وسيلة يستطيعها. الحالة الثانية: عند العجز، كالأعمى الذي لا يجد من ¬
يوجهه، وعجز عن معرفة القبلة، والمريض الذي لا يستطيع الحركة، وليس عنده من يوجهه، والمأسور المربوط إلى غير القبلة، فقبلة هؤلاء هي الجهة التي يقدرون عليها، لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬1)؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) (¬2). الحالة الثالثة: عند اشتداد الخوف على النفس أو المال، فيستقبل الخائف الجهة التي يقدر عليها؛ لقول الله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} (¬3)؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) (¬4). الحالة الرابعة: صلاة النفل على الراحلة؛ لحديث عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: ((رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي على راحتله حيث توجهت به)) (¬5). زاد البخاري: ((ولم يكن رسول الله ¬
- صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة)) (¬1). وعن جابر - رضي الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي على راحلته حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة)) (¬2). وقد جاء في هذا المعنى أحاديث أخرى، عن ابن عمر (¬3)، وأنس (¬4) - رضي الله عنهم -. وعن أنس - رضي الله عنه - ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبّر، ثم صلى حيث وَجَّهَهُ ركابه)) (¬5). وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن هذا الحديث: ((هذا ظاهره خلاف الأحاديث الصحيحة في الصحيحين، فليس فيها ذكر استقبال القبلة عند الإحرام، وهذه الزيادة تكون مقيدة، ويكون هذا على سبيل الاستحباب إذا تيسر الاستقبال عند ¬
الشرط التاسع: النية
الإحرام فهذا حسن جمعًا بين النصوص، فإذا لم يفعله فالصلاة صحيحة عملاً بالأحاديث الصحيحة)) (¬1). الشرط التاسع: النية ومحلها القلب، والتلفظ بها بدعة، وهي لغة القصد، وهو عزم القلب على الشيء، وشرعًا: العزم على فعل العبادة تقربًا إلى الله تعالى؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إنما الأعمال بالنيات)) (¬2). والنية نيتان: نية للمعمول له: وهي الإخلاص لله تعالى، ونية للعمل: وهي تمييز العبادات بعضها عن بعض وقصدها ونيتها، فينوي تلك العبادة المعينة (¬3). وزمن النية: أول العبادة، أو قبلها، بيسير، والأفضل قرنها بالتكبير خروجًا من خلاف من شرط ذلك (¬4)، وسمعت سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ((ينوي مع التحريمة، وهذا هو الأفضل وإن تقدمت يسيرًا ¬
فلا بأس)) (¬1). ويشترط مع نية الصلاة تعيين ما يصليه بقلبه: من ظهر، أو عصر، أو جمعة، أو وتر، أو راتبة، لتتميز عن غيرها، وتجزئه نية الصلاة إذا كانت نافلة مطلقًا (¬2). ولا شك أن الصلاة عبادة عظيمة يشترط لها: الإخلاص لله - عز وجل - والمتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذان شرطان لكل عبادة. أما الإخلاص؛ فلقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)) (¬3). وأما المتابعة؛ فلقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (¬4). وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (¬5). وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. ¬