شرح نقائض جرير والفرزدق

أبو عبيدة معمر بن المثنى

الجزء الأول

الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله قال أبو عبد الله محمدُ بنُ العباسِ اليزيديُّ، قال الحسنُ بنُ الحسينِ السُّكريُّ، قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ حبيبٍ: حُكي عن أبي عبيدةَ معمرِ ابنِ المثنى التيميُّ - من تيمِ قريش، مولىً لهم، فغَلبَ عليه نسبُهم - قال: كان التهاجي بين جريرٍ والفرزدقِ، فيما ذكرَ له مِسحلُ بنُ كسيبِ بنِ عمرانِ بنِ عطيةَ بنِ الخطفى، واسمُ الخَطفى حُذيفةُ بنُ بدرِ بن سَلمة، وإنما سُميَ الخَطفى بقوله: يَرفَعْنَ بِاللَّيلِ إذا مَا أَسدَفَا ... أَعناقَ جِنَّانٍ وَهَاماً رُجَّفا وَعَنقاً بَاقي الُرَّسِيمِ خَيْطفَا ويروى بعد الرسيم خَيطفا، عَنقاً: ضربٌ من سيرِ الإبل. خَيطَفا سريعاً، يقال: خَطف خَطفاً. وأُمُّ مِسحل زَيداء بنتُ جريرِ بنِ عطية، وكانت بَكرة بنتُ مُليص، أحد بني مُقلد بنِ كليب، تحت تَميم بنِ عُلاثة، أحد بني سَليط. وسَليطٌ هو كعب بنُ الحارثِ بن يربوع، فضربها

فَشجها، فلقي أخوها زوجَ أختِه تميماً فلامَهُ على ضربهِ، وشجه إياها، فوقع بينهما لَحاء - أي بين أخي بَكرة وتميم - فشجَّ تميمُ أخا بكرة أيضاً، فشجَّه فأمه. فحمل هلالُ بن صعصعة أحدُ بني كُليب ثُلث الدِّية، وهو ثلاثة وثلاثون بعيراً وثُلث بعيرٍ، وكذلك دِية الآمَّة، وتمام الدِّية مائة بعير - فالتأم ما بينهم على دَخن، فقال عطية بنُ الخطفَى في ذلك يتوعدُ تميمَ بنَ عُلاثة: تَلبَّثْ فَقَد دَايَنْتَ مَن أنتَ وَاثِقٌ ... بِلَيَّانهِ أَوْ قَابلٌ مَا تَيَسَّرا مِنَ المُفَلِسِ الغَاوِي الَّذي إنْ نَأَيْتَهُ ... زَمَاتاً وَأَجْرَرتَ الَّذي لَكَ أَعْسَرا إذَا ما جَدَعْنا مِنْكم أَنْفَ مِسْمعٍ ... أَقرَّ وَمَنَّاهُ الْصَّعَاصِعُ أَبْكُرَا جدعنا: قطعنا، مسمع: أُذُن، وأنف كلِّ شيء أوَّله. والصعاصع: يريد هلال بن صعصعة ومن يليله، وأبكُر: جمعُ بَكرٍ. فكانت الهدنة بينهم على دَخن - والهدنة الصلح والسكون - ثم اجْتوَر بنو جُحيش بن سيف بن جارية بن سَليط، وبنو الخَطفى، فتنازعوا في غديرٍ بالقاع، فجعلت بنو الخطفى تُهجِّيهم - أي تهجوهم - وكانت بنو جُحيش مُفحمين لا يقولون الشِّعر، فاستعانوا بغَّسانٍ بن ذُهيل بن البراءِ بن ثُمامة بن سيف بن جارية بن سَليط، فهجا غسانُ بن ذُهيل بني الخَطفي، عن بني عمِّه بني سيف بن جارية، وجرير بن عطية ترعيَةٌ، يرعى على أبيه الغَنم، لم يقل الشِّعر بعدُ - يقال ترعِيَةٌ وتِرعِيَّةٌ

وتِرعايَة، إذا كان لازماً للرعي - فتَفلَّت جريرٌ إليه، فزُبر، فقيل: أنت ضرعٌ وهو مُذكٍّ، فورَد جريرُ على أهله ذات يوم بإعجالتهم، وذلك على عِدَّ أن مُلك بني الزبير - والإعجالةُ اللبنُ يتعجَّل به الراعي إلى الحيِّ المقيم في الدار من المُرتَبع، والعِدَّانُ الوقت - فإذا هو بجماعة، فسأل ما هذا؟ فقالوا: غسَّانُ يُنشد بنا، فقال جرير: احملوني على بعيرٍ، فجاؤوه بقعودٍ فركبه، وأقبل حتى أشرف على غسَّانَ والجماعة، فرَجزَ بهم وهو أول شعرٍ قاله: لاَ تَحْسِبنِّي عَنْ سليط غَافَلا ... إنْ تَعْشُ لَيْلاً بِسَليطٍ نَازلاَ لاَ تَلقَ قِرَاناً وَلاَ صَوَاهلاَ ... وَلاَ قِرىً لِلنَّازلِينَ عَاجلاَ أَبلِغْ سَلِيطَ اللُّؤْمِ خَبْلاً خَابِلاَ ... أَبْلغْ أَبَا قَيْسٍ وَاَبْلِغْ بَاسِلاَ والصُّلْعَ مِنْ ثُمَامَةَ الحَواقِلاَ الحَواقل: جمع حوقلٍ، وهو المُسنُّ. إني لَمُهْدٍ لَهُمُ مَسَاحلا ... زُغْبَةَ وَالشَّحَّاجَ وَالقَنَابِلاَ المَساحِل: الحمير في أصواتها خشونةٌ وبُحةٌ، وهذه أسماءُ حمير. ويروى والثَّهَّاث. يَضْرِبنِ بالأَكْبَادِ وَيْلاً وَائلاَ ... رَعَيْنَ بِالُصَّلْبِ نَدىً شُلاَشِلاَ

يريد أنهن يضربنَ بطونهنَّ بجَرادِين ضِخام. والنَّدي هاهنا: البَقلُ. والشُّلاشل: النَّديُّ الغَضُّ، الذي يتشَلشلُ ماؤه. في مُسْتَحِيرٍ يَغمُزُ الجَحَافِلا ... زُغْبَةُ لاَ يَسْألُ إلاَّ عَاجلا أي سِفاداً عاجلاً. مُستحِيرٌ: ماءٌ مُتحيرِّ في الأرض قائمٌ، يريد أنه يغصِبُهنَّ على أنفسِهنَّ ولا يبالي ما لقِين من سفادِه. مَا يَتَّقي حُولاً وَلا حَوَاملا ... يَحْسِبُ شَكْوَى المُوجعَاتِ بَاطِلا يَرْهزُ رَهْزاً يُرْعِدُ الخْصَائِلا ... يَتْرُك أَصفانَ الخُصَى جَلاَجلا الخَصائل: العَضلُ في اليدين والرجلين واحدتها خَصِيلة، والأصفان: جماعة صفنٍ وهو جلد الخُصيتين. تَسْمَعُ في حَيْزومِهِ أَفَاكِلاَ ... قَدْ قَطَع الأمْرَاسَ وَالسَّلاَسِلاَ حيزومه: صدرُه، والأفاكل: الرِّعدةُ من النشاط، والأمراس: الحبال.

وقال جريرٌ أيضاً: إنَّ سَليطاً في الخَسَارِ إنَّهْ ... أَولاَدُ قَوْمٍ خُلِقُوا أَقنَّهْ واحد الأقنة قِنٌ: وهو الذي مُلِكَ هو وأبواه. لاَ تُوعدُوني يَا بني المْصُنَّه ... إنَّ لَهُمْ نُسَيَّة لُعِنَّهْ سُوداً مَغَالِيمَ إذَا بَطِنَّهْ ... كفِعلِ الأُتْنِ يَسْتَنِنَّهْ ويروى يفعَلْنَ فِعلَ الأُتُنِ المِسُنّهْ. يُولَعْنَ بِالبَيعِ وإنْ غُبِنَّهْ وقال أيضاً: إنَّ سَليطاً هُمْ شِرارُ الخَلْقِ ... قَلَّدْتُهُمْ قَلاَئِداً لاَ تُبْقي وقال أيضاً: إنَّ الُسَّليطي خَبيثٌ مَّطْعَمُهْ ... أَخْبَثُ شَيْءٍ حَسَباً وأَلأمُهُ مُحْرَنْفشاً بِحَسبٍ لاَ يَعْلَمُهُ ... اسْتُ السَّلِيطِيِّ سَوَاءٌ وَفَمُهْ

الاحرنْفاشُ: نفشُ الدِّيك عُرفه، وانتفاخ الحُفَّاث إذا غضِب، يريد أنهُ ينتفخ بما ليس عنده. والحُفَّاث حيّةٌ تكون باليمامة، عظيمة مُنكرةٌ الخَلقِ، فإذا غضِبت انتفختْ فصارت مِثل الجراب، ثم تَنفَّشُ ولا تؤذي، ويقال لها العَربدُّ أيضاً، وهي تأكل الفأر في بيوتهم ولا تؤذيهم. خِنْزيرُ بَقٍّ سَيِّئٌ تَنَسُّمهْ ... هَلْ لَكَ في بَيِضْ خُصيً تَلَقَّمُه إنَّ السَّليطِيَّ مُباحٌ مُحْرَمُهْ وقال لهم أيضاً: أَنْعَتُ حَصَّاءَ القَفَا جَمُوحَا ... ذَاتَ حَطَاط تَنْكَأُ الجُرُوحَا تَتْرُكُ فُحْجَانَ سَلِيطٍ رُوحاً الأفحجُ: الذي تَداني صدورُ قَدميه، وتُقبلُ إحدى رجليه على الأخرى، والأروحُ الذي تَداني عَقباه وتباعَد صدورُ قدميه. والحصَّاءُ: التي لا شعر عليها. والحَطاط: البَثر الصِّغار من شدَّة النَّعط كأن فيه بَثراً. فاستغاثت بنو سَليط بحكيم بن مُعية، أحد بني المِجرِّ، من بني ربيعة بن مالكِ بن زيدِ مناة، وهو ربيعةُ الجوع. وبنو المِجر من كِندةَ

دخلوا في هؤلاء على حلف، وكانت عند حُكيم امرأةٌ من بني سليط، فولَدت له بشِيراً، وكانوا حُلفاء لهم. وأقبل حُكيم مع بني سليط، ودون الموقف الذي به جرير أُكَيمةٌ، قال حكيم: فلما أوفَيتُها سمعته يقول: لا يتَّقي حُولاَ ولا حَواملا ... يترك أَصفان الخُصى جَلاجِلا فقلت لهم: لقد جَلجل الخُصى جَلجَلة، عرفت أنه بحرٌ لا يُنكش. يقال هو بحرٌ لا يُنكش ولا يُفثج، ولا يُؤبى، ولا يُغضغض، ولا يُغرَّض، ولا يُنكف، ولا يُنزح بمعنى واحد، ولا يَمكُل، ولا يُنالُ عَربُه. وأنشد لطُفيل بن عوفِ الغَنويِّ: ولا أقولُ وقعرُ الماءِ ذو عَرَبِ ... من الحرارةِ إن الماءَ مشغولُ فانصرفتُ وقلت: أيمِ الله لا جَلجَلتني اليوم. ولَحِم التهاجي بين غَسان بن ذُهيل وبين جرير فقال غسان: لَعَمْري لَئن كَانَتْ بَجيلَةُ زَانَهَا ... جَريرٌ لَقَدْ أَخْزى كُلَيْباً جَريرُهَا وَما يَذْبُحون الشَّاةَ إلاَّ بِمَيْسرٍ ... طَويلاً تناجيَها صغيراً قُدُورُهَا يقول: يشتركون في الشاة كما يشترك الأيسارُ في الجزور. وتناجيها تشاورُها.

رَمَيْتَ نِضَالاً عِنْ كُلَيب فَقَصَّرتْ ... مَرَاميكَ حَتَّى عَادَ صفْراً جفَيرُها المرامي السهام، واحدتها مرماة، والجفير والوفضة والقرن والجعبة واحد، والكنانة مثله، والصفر: الفارغ، وزعم أن المرامي سهام وأنشد للكميت: وبناتٍ لها وما ولدته ... ن إناثاً طوراً وطوراً ذكوراً يعني الوفضة يقال له سهم ومرماة فمرة يذكَّر ومرة يؤنث. سَتَعْلمُ مَا يُغْني مُعَيْدٌ وَمُعْرضٌ ... إذَا ما سَليطٌ غرَّقَتْكَ بُحُورُها مُعيدٌ: جدُّ جرير أبو أمه، وأُمُّه: أُم قيس بنت ين عُثيم بن حارثة ابن عوف بن كُليب، ومُعرِض من أخواله وكان يحمَّق. فأجابه جرير، وفيها تَصداقُ قول حُكيم، إنهم إنما تهاجَوا من أجل الغديرِ الذي بالقاع الذي تنازعوا فيه: أَلا بَكَرتْ سَلْمَى فَجدَّ بُكُورُهَا ... وَشَقَّ العَصَا بَعْد اجْتماعٍ أَميرُهَا شقُّ العصا: التَّفرق، ومن هذا يقال للرجل المخالف للجماعة قد شقَّ

العصا وأميرُها الذي تؤامِرُه، زوجهُا أو أبوها. إذَا نَحْنُ قُلْنَا قَدْ تَبَايَنَتِ الَّنَوى ... تُرَقْرِقُ سَلْمَى عَبْرَةً أَوْ تُميرُهَا النَّوى: نِيةُ القوم ووجهتُهم التي عَمدوا لها. وتَرقرقُ الدَّمع: امتلاءُ العين به قبل أن يفيض، وتميرُها: تُجيلها، وتَميرَها بفتح التاء تجلبها. لَهَا قَصَبٌ رَيَّانُ قَدْ شَجيَتْ به ... خَلاَخيلُ سَلْمىَ المصْمَتاتُ وَسُورُهَا كُلُّ عظم مُمِخٍّ فهو قصبةٌ. المُصمت الذي لا يجول ولا يتحرك. وشَجيت غصت خلاخيلُها وسورُها بيديها ورجليها، وسُورٌ جماعةُ سِوار. إذَا نَحْنُ لَمْ نَمْلِكْ لِسَلْمى زيَارَةً ... نَفسْنَا جَدَى سَلْمَى عَلَى مَنْ يَزُورُهَا فَهَلُ تُبْلغَنِّي الحَاجَ مَضْبُورَةُ القَرَى ... بَطيء بِمَوْرِ النَّاعجَات فُتُورُها المضبورة: المُوثقُة، والقرى: الظَّهر. والمورُ: الطريق. والناعجاتُ: الإبل البيض. نَجَاةٌ يَصِلُّ المَرْوُ تَحْتَ أَظَلِّها ... بِلاَحِقَةِ الأْظْلاَلِ حَامٍ هَجيرُهَا النجاةُ: السريعة. والمروُ: الحجارة البيض. وصليلها: صوتُها إذا قرع

بعضها بعضاً. والأظلُّ: باطن الخُفِّ. واللاحقةُ الأظلال: أراد فلاة حين عُقل ظِلُّها، فصار ظِلُّ كُل شيءٍ تحته، لم يفضل عنه. والهجير: الهاجر. وأنشد اللبيد: تسلُبُ الكانِسَ لم يُوْأَر بها ... شُعبةَ السَّاقِ إذا الظِّلُّ عَقَلْ يُؤأر يُشعر، وأنشد لذي الرمة: عواطفَ يستثبتنَ في مَكْنَسِ الضُّحى ... إلى الهَجْرِ أظلالا بطيئاً ضُهولُها عواطفَ وعواقد واحد، وهو الظَّبيُ الذي يعطفُ نفسَه، يضع رأسَه على جنبه. يَستثَبِتنَ يستفعلن من الثَّبات، كأنهن يستبردن الظِّلَّ ويستطِبنَهُ. أَلا لَيْتَ شِعْري عَنْ سَليط أَلمْ تَجِدْ ... سَليطٌ سِوى غَسَّانَ جَاراً يُجيرُهَا لَقَدْ ضَمَّنُوا اَلأحسَابَ صَاحِبَ سَوْءَةٍ ... يُنَاجي بِها نَفْساً لَئِيماً ضَميرُهَا وَنُبِّئْتَ غَسَّانَ بن واهصَة الخصُى ... يُلَجْلُج مِنِّي مُضْغَةً لا يُحيرُهَا يريد لا يَسيغها، والوَهصُ الشَّدخُ، يريد أنها تشدخُ خُصى الغنم، ويقال لمِا خُصِيَ على الشدخ مَوهُوصٌ وموجودٌ، فإذا سُلت

بيضتاه فهو ممتونٌ ومملوسٌ، وقد مُتِن ومُلِس، والاسم منه المَتنُ والمَلسُ. سَتَعْلمُ مَا يُغْني حُكَيْمٌ وَمَنْقَعٌ ... إذَا الحَرْبُ لَم يَرْجْعِ بصُلْحٍ سَفيرُهَا حُكيمُ بن مُعيَّة الرَّاجز، أحدُ بني ربيعةَ الجوع، ومُنقعٌ أحدُ بني نَصله بن بهدَلة، أحدُ بني ربيعة أيضاً، كان يُعينُ على جرير. والسَّفيرُ المُصلحُ بين القوم، يقال سَفر بين القوم سِفارة، والسفيرُ أيضاً، ما سَفرته الريحُ من ورقِ الشجر وغيره، تسفِرُه سَفراً، ومن هذا سُميت المِكنسة مِسفرةً، لأنها يُسفَر بها أي يُكنَس. ألاَ ساءَ مَا تُبلى سَليطٌ إذا رَبتْ ... جَوَاشِنُهَا وَازْدادَ عَرْضاً ظُهُورُهَا يريد أنها انتفخت رئاتُها من الجُبنِ فملأت صدورَها وظهورها. بِأسْتَاههَا تَرمْي سَليطٌ وَتَتَقَّي ... وَيَرمِي نضَالاً عَنْ كُلَيْبِ جَريرُهَا وَلمَّا عَلاَكمْ صَكُّ بَازٍ جَنَحتُمُ ... بأَسْتَاه خِرْبَانٍ تَصرُّ صُقُورُهَا الجُنوح: الميلُ إلى الأرض وغيرها. والخِربانُ: ذكورُ الحُبارى، واحدها خَربٌ. تَصِرُّ تصيح صقورها تصوِّت. يقول ليس عندكم دفعٌ إلا بأستاهكم، كما أن الحُبارى ليس عندها دفع إلا أن تَسلَح على البازي.

عَضَارِيطُ يَشْوُونَ الفَرَاسِنَ بِالضُّحَى ... إذَا مَا السَّرَايَا حَثَّ رَكْضاً مُغيرُهَا العضاريطُ جمع عُضرُوطٍ وهم الأتباعُ واحدهم عُضرُوط. والفراسنُ أخفاف الإبل واحدها فِرسِن. يقول: فذاك حظُّهم من الجزور - وهو شرُّ ما في الجَزُور - يريد أنهم لا يَيسِرون مع الناس، ولا يأكلون إلا شرَّ ما في الجزور، وقولُه إذا ما السرايا حثَّ ركضاً مُغيرُها، يقول: إذا ركب الناسُ لغارةٍ أو فزعٍ لم يركبوا معهم، يقول: ليسوا بأصحابِ حربٍ ولا خيلٍ يُعَيِّرُهم بذلك. فَمَا في سَليط فارِسٌ ذُو حَفيظَة ... وَمَعْقلُهَا يَومض الهِيَاجِ جُعُورُهَا يقول: إذا تَهايَج الناس أحدثُوا هُم فَزعاً وجُبناً، فلم يَستعِن بهم أحدٌ، فذلك نجواهم يوم الهياج ونجواهم به. ومن أمثالهم قولهم "اتَّقى بِسلحِه سَمُرةُ" وأصلُ ذلك أن رجلاً أراد ضرب غلام له يقال له سَمُرة، فَسلح الغلامُ فَخلاَّه، فذهبت مَثلاً. وذو حفيظةٍ: ذو غضب. ومَعقِلها: ملجأ قومها. أَضِجُّوا الَّروَايا بالمَزَادَ فَإنَّكُمْ ... ستَكْفَونَ كَرَّ الخَيْلِ تَدْمَى نُحُورُها يقول: اخدموا أنتم واستقوا فإن الحربَ يكفيكُمُوها غيرُكم. وقوله أَضِجُّوا، يقول: إنما أنتم رِعاءٌ. الرَّوايا: الإبل التي يُحمل عليها الماء، وهي التي يُستقَى عليها، وكلُّ ما استقُي عليه من بعيرٍ أو غيره فهو

راوِيةٌ، وبذلك سُمِّيَ راوية الشِّعر والعِلم لأنه يحمله. والمزادُ كلُّ ما استُقي فيه من الأدم، الواحدة مَزادةٌ. وقوله أَضِجُّوا الرَّوايا يعني ألحُّوا عليها بالاستقاء حتى تَضِجَّ حتى ترغُوَ للضَّجر. عَجِبتُ من الدَّاعيِ جُحَيْشاً وَصاَئداً ... وَعَيْسَاءُ يَسعَى بِالعلابِ نَفيرُها جُحَيش بنُ زيادٍ أحدُ بني زُبيد بن سَليط، وصائدٌ سَليطيٌ، وعيساءُ جدَّةُ غسان بن ذُهيلٍ. والعِلابُ جمعُ عُلبةٍ وهي التي يحلبُ فيها، وهي أعظمُ من الملعقةِ وأصغر من الجفنةِ وهي تُعمل من جلود الإبل. أَسَاعَيةٌ عَيْسَاءُ والضَّأنُ حُفَّلٌ ... فَمَا حَاوَلَتْ عَيْسَاء أَم مَا عذيِرُهَا التَّحفيلُ اجتماعَ اللبن في ضروعها، وكذلك التَّصريَة. والعذير الحال. إذَا ما تَعاظَمْتُم جُعُوراً فَشَرِّفُوا ... جُحَيْشاً إذَا آبَتْ من الصَّيْفِ عيرُهَا يقول: إذا جاءت الإبلُ بالمِيرة، كَثُرت عندهم الحِنطةُ والتَّمرُ، فيشبعون وتعظم جعورُهُم. قال أبو عثمان: حدثنا الأصمعيُّ، قال: تجاعَر حيَّان من العرب أي خَرِئوا، فاختار كلُّ حيٍّ منهم رجلاً، وكان سَبقُهُم في ذلك جَزُورا. قال: فأُطعِما من الليلِ طعاماً كثيراً، حتى اندحَّت بطونُهما، قال: ثم أصبحوا، فاجتمع الناسُ، قال: فجاء أحدُهما فوضع أمراً عظيماً، فهال

ذلك أصحاب الآخر، وخَبنوُا، وخشوا أن يُغلبوا فقال صاحبهم: لا تعجَلوا، ابشروا. قال: فجاء صاحبُهم إلى ما وضع صاحبُه ثم جَلَّله، ثم تَنحَّى ناحية فوضع مثله، قال: فغَلب فأخذه أصحابهُ فحملوه على أعناقهم، فقال الغالبُ لأصحابه: بأبي أنتم، أمَا إذا كان الظَّفرُ لنا فأشبعوني من أطايبها يعني من أطايب الجزور. أُنَاسٌ يَخَالُونَ الْعَبَاءَةَ فيهِمُ ... قَطِيفَةَ مِرْعَزَّى يَقلَّبُ نيرُهَا كَأنَّ سَليطاً في جَواشِنها الْخُصَى ... إذّا حَلَّ بَيْنَ الأمْلَحَيْن وَقيرُهَا يريد أن أبدانَهم مُعضَّلةٌ كَخلق العبيد قد اكتنزت من العمل فتَعضَّلت، ليست سَبطةً كَسُبوطةِ الأحرار. والأملحانِ ماءان ويقال جبلان لبني سَليط، وأنشد لعُمارة بن عَقيل: وكم بابٍ فتحتَ بغيرِ حقٍّ ... وكم مالٍ أكلتَ بغيرِ حِلِّ كأنك من خُصى سبعين بغلاً ... جُمِعْتَ فأنت كالثورِ المُوَلِّي المُولِّي: المسنّ. والوقِيرُ: الغَنمُ فيها حماران أو أحمِرةٌ ولا تسمى الغنم وقيرا إلا بحُمرِها. إِذا قِيلَ رَكْبٌ مِنْ سَلِيطٍ فَقُبِّحَتْ ... رِكَاباً وَرُكَباناً لَئيماً بَشيرُهَا

البشيرُ: المُبشِّر، والبشيرُ أيضاً الجَميلُ الوجه، يقال من البِشارة بَشرتُه، وأبشرتُه وَبشَّرتْهُ، وأنشد أبو تَوبَة: بَشَرْتُ عيالي أنْ رأيتُ صحيفةً ... أتتكَ من الحَجَّاجِ يُتْلَى كتابُها نهيتُكُمُ أن تركبوا ذاتَ ناطحٍ ... من الحربِ يُلوَى بالرِّداءِ نذيرُها ويروى: يسيرُها. يقول: أُتيتم. ذاتُ ناطحٍ: داهية. وَمَا بكُمُ صَبْرٌ عَلى مَشْرَفيَّةٍ ... تَعَضُّ فِرَاخَ الْهَام أَوْ تَسْتَطِيرُهَا المَشرفيَّةُ: سيوفٌ تُطبع بالمشارف، والمشارفُ القُرى ما بين الريفِ والبدو، مثل الأنبار من بغداد، والعُذيبِ من الكوفة، وهي المزالِفُ والمَذارِعُ، وفراخِ الهام أدمغتها. تَمَنَّيْتُمُ أنْ تَسْلُبُوا الْقَاعَ أَهْلَهُ ... كَذاكَ المُنَى غَرَّتْ جُحَيْشاً غُرُورُها وَقَدْ كَانَ في بَقْعَاءَ رِيٌّ لشائكُمْ ... وَتَلعَةَ والجَوْفاءُ يَجْري غدَيِرُهَا تَنَاهَوْا وَلاَ تَسْتَورْدُوا مَشُرفيَّة ... تُطيرُ شُؤُونَ الْهَامِ مِنْهَا ذَكْورُها لا تستوردوا: لا تجعلوا رءوسكم وِردا لها، وشؤون الهام: مواصل الرأس، واحدها شأنٌ والشَّأنُ ما بين قبيلتين من قبائل الرأس. كأَنَّ السَّليطيِّينَ أَنْقَاضُ كَمْاة ... لأوَّلِ جَانٍ بالْعَصا يَسْتَثيرُهَا واحدُ الأنقاض نَقضٌ وهو ما خرج من رأس الكَمأةِ إذا انشقت عنها

الأرضُ. يَصفُهم بالذُّلِّ وأنهم لايمتنعون، كما لا تمتنعُ هذه الكَمأةُ إذا استُثيرت بالعصا. ومن أمثال العَرب "هو أَذَلُّ من فَقْعٍ بِقاع" وهي الكَمأةُ البيضاءُ. غَضِبْتُمْ علينا أَو تَغَنَّيْتُمْ بِنَا ... أَن أخْضَرَّ من بَطنِ التِّلاَعِ غَمِيرُهَا الغميرُ الكَلأ اليابسُ يُصيبه المطر فينتثر فيكون خَلِيساً أبيض وأخضر. يقول: لما أخصبتم وَشعبتم تَغنَّيتمُ بهجائي. والتِّلاع مَسايل الماء المرتفعة وهي المنخفضةُ وهي من الأضداد. فَلَوْ كَانَ حِلْمٌ نَافِعٌ في مُقلَّد ... لَمَا وَغِرَتْ مِنْ جُرْمٍ صُدُورُهَا يعني مُقلَّد بن كُليب. والوَغر: الحِقد والعداوة. بَنُو الْخَطَفى والْخْيلُ أَيَّامَ سُوفَةٍ ... جَلَوْا عَنْكُمُ الظَّلْمَاء فَانْشَقَّ نُورُهَا كانت قيسُ عَيلان أغارت إلى بني سَليط فاكتسحت أموالهم، وسَبوا منهم سبايا فَركِبت بنو الخَطفى، فاستنقَذت ما في أيدي قيسٍ من إبل بني سليط وسباياها، فمنَّ ذلك عليهم جرير. وَسُوفة موضع بالمرُّوت وهو صحارٍ واسعة بين قُفيَّن أو بين شَرفين غليظين، وحائلُ ماءٌ ببطن المرُّوت، وسُوفة قريبةٌ منه فأُضيفت سوفة إليه، وأنشد: إذا قَطَعْنَ حائلاً والمَرُّتْ ... فَأبْعَدَ الله السُّوَيق المَلْتُوتْ وفي بئْرِ حصْنٍ أدركتنا حَفيظَةٌ ... وَقَدْ رُدَّ فيهَا مَرَّتَينَ حَفيرُهَا حفيرُها ما خرج منها. والحفيظة: الغضبُ. قال: كان بنو مُرَّة بن

حِمَّان طَمُّوا بئر حِصن بنُّ عوف بن مُعاوية الأكبر من كليب، وكانت ببطن المَرُّوت، وكانت لأهل الزُّلف من بني سليط فمٌ يدَّعونه، فطَمَّتها بنو حِمان، حتى جاء بنو عوف بن كُليب، رهطُ جريرٍ فنزلوا عليها فسَفرت السُّفراء بينهم واصطلحوا. فَجئْنا وَقدْ عَادَتْ مَرَاغَا وبَرَّكَتْ ... عَليْها مَخَاضٌ لَمْ تَجدْ مَنْ يُثيرُها يقول: دُفِنت بئركُم هذه مرتين، فاستثرناها لكم بعدما صارت مَراغا لم تَدفعوا عنها. المخَاضُ من الإبل ذَوات الحَمل، في بطونها أولادها. لَئِنْ ضَلَّ يَوْماً بالمُجَشَّرِ رَأْيُهُ ... وكَان لِعوْفٍ حَاسِداً لاَ يَضيرُهَا المُجشَّر من بني مُقلِد بن كُليب، وعوفٌ رَهطُ جرير. فَأَوَلَى وَأَولَى أَنْ أُصِيبُ مُقَلَّداً ... بفاشِيَةِ العَدْوى سَريعٍ نُشُورُهَا ويروى طُرُورها أراد بقصيدة جَرِّيةٍ تُعدي من دَنا منها، ونشورُها: انتشارُها أي تنتشر وتفشُو. فأولى وأولى: تَهدُّدٌ ووعيدٌ أي كُفُّوا عني لا أُصِبكُم بهذه المَعرَّة الفَاشية. لَقَدْ جُرِّدَتْ يَوْمَ الحِدَاب نسَاؤُهُمْ ... فَسَاءَتْ مَجَاليهَا وَقَلَّتْ مُهُورُهَا مجاليها حين جُليت كما تُجلى العَروس. وكان هذا اليومُ لبَكر بن وائل على سَليط فَسبوا منهم نساءً، فأدركتهم بنو رياحٍ وبنو ثعلبة ابني يربوع، فاستنقذوهنَّ من أيدي بكر. وقوله: قلَّت مهورُها، يقول: إنما مَلكُوهنَّ بالرِّماح ولم يَنقُدوا فيهن مَهراً. والحِداب: موضع. فردَّ على جريرٍ أبو الورقاءُ عُقبة بنُ مُليص المُقلَّدي فقال:

إنَّ الذَّي يَسْعى بِحُرِّ بلاَدَنا ... كَمُبْتَحثٍ نَاراً بِكفّ يُثيرُهَا وَمَا حَارَبَتْنَا مِنْ مَعَدٍّ قَبيلَةٌ ... فَتُقْلَع إلاَّ وَهَي تَدْمَى نُحُورُها وَإلاَّ رَمَيْنَاهَا بِصَدْرٍ وَكَلْكَلٍ ... مِن الشَّرِّ حَتَّى مَا يَهرُّ عَقُورُهَا أَبَا الخَطفَى وابْنيَ مُعَيْدٍ وَمُعْرِضٌ ... تٌسَدِّي أُمُوراً جَمَّةً لاَ تُنيرُهَا جَمَّة: كثيرة، ويقال: هذه بئرٌ جمَّةٌ أي كثيرةُ الماء. يقول: تُسدِّي أي تمدُّ خيوط الثوب طولاً. واللُّحمة عرضاً، وباللُّحمة والنِّير يتمَّ نسجُ الثوب، وهذا مثلٌ ومعناه أنه يقول: تَعُدُّ ما لا تدركه ولا يتم ذلك. وقال غسان: مَنْ شَاءَ بَايَعْتُهُ مَالي وَخلْعَتَهُ ... إذَا جَنَى الْحَرْبَ بَعْدَ السِّلْمِ جَانيها لاَ تَسأَلُونَ كليبِّياً فَيخْبِرَكُمْ ... أيُّ الرَّمَاحِ إذا هُزَّتْ عَوَاليْها أَمَّا كُلَيْبٌ فَإنَّ اللُّؤمَ حالفها ... مَا سَالَ في حَفلَةِ الزَّبَّاءِ واديهَا الزَّباء: ماءٌ لبني سَليط، وحفلتُه كثرتُه، يعني كثرة السَّيل واجتماعه. ومنه قولهم: احتفل الفرسُ إذا لم يُبق من جَهدهِ شيئاً. وكذلك احتفل الوادي إذا انتهى سيلهُ، وكلُّ ماءٍ تؤنِّثهُ فهو حفلةٌ، وإذا ذُكِّر فهو ماء. فأجابه جرير أسأَلْ سَليطاً إذَا مَا الحرْب أَفْزَعَهَا ... مَا شَأْنُ خَيْلُكُم قُعْساً هَواديهَا

القَعسُ دخولُ الظَّهر وخُروج الصَّدر، يريد أنهم يجذبون أعِنَّتها ولا يُجرونَها فيَلحقون بالفوارس فقد قعست لذلك. هواديها: أعناقُها ومثله. ولا يدرون ما الطَّعَنَانُ حتى ... يُمَدَّ الجَرْيُ من طَبَقِ العِنانِ طَبقُ العِنان أن تُطبٌِّق عند كفِّ الفَرس عن العَدو، فإذا بُسِطَ للفرسِ عدوُه خَلَّى عِنانه، والطَعنان أن يُبسطَ جَري الفَرس حتى يَحمى فيعَضُّ على مِسحَله، فيقال طَعن الفَرسُ في مِسحَله طعناً وطَعناناً - ومثله قولُ طَرفة: أَعْوَجيَّاتٌ على الشَّاأْوِ أُزم أي عَواضُّ على لُجمُها، يقول: لم يعتادوا رُكوب الخيلِ وركضَها، كما قال: لم يركبوا الخيلَ إلا بعدما كَبروا ... فهم ثِقالٌ على أكتافها عُنُفُ لاَ يَرْفَعُون إلى دَاع أَعَّنَتَها ... وَفي جَوَاشِنها دَاءٌ يُجَافِيهَا يقول: في صدور بني سليطٍ انتفاخٌ من الجُبنِ والفَزع، فهم لا يَثبتون على مُتون خيلهم، فذلك دارؤُها الذي يجافيها عن لُزُوم مُتون الخيل، ويروى إلى الداعي. وَمَا السَّليِطُّي إلاَّ سَوْءَةٌ خُلِقَتْ ... في الأَرْضِ لَيْسَ لَهَا سِتْرٌ يُوَارِيَها

وقال غسان: وَجَدَتْ كُلَيْبٌ غبَّ أَمْر سَفيههَا ... مُتَوخِّماً إذ رَام شَرَّ مَرَامِ المتوخِّم المُستَوخِم، يقول استوخَمت غِبَّ أمر سفيهها يعني جريراً حين رام قهري بشعره. الآنَ لَمَّا أبْيضَّ أَعْلَى مِسْحَلِي ... وَأَكَلْتَ مِنْ نَابي عَلى الأجُذَامِ المِسحل ما سفُل عن العارضين من اللِّحية، والأجذامُ جماعةُ جِذمٍ وجِذمُ كلِّ شيءٍ أصلُه، يريد أنه قد أسنَّ وذَرا ناباه، وأنشد: إذا مُقْرَمٌ منَّاذَرا حدُّ نابهِ ... تَخَمَّطَ منا نابُ آخَرَ مُقْرَم وأنشد: الآنَ لما أبيضَّ أعلىَ مِسْحَلي ... وَعَضِضْتُ من نابي على جِذْم يَرْجُو سقَاطي ابْنُ المْرَاغَة للْعِدَى ... سَفَهاً تَمَنَّيَ ضَلَّة الأْحْلاَمِ ووجدتُ بخطِّ أبي أحمد عبدِ السلام على النُّسخة، أنَّه وجَد في نُسخة أبي سعيد السِّيرافي زيادةُ على ما في النُّسخةِ التي لأبي أحمد وهو، وروَى عمرُو بنُ أبي عمرو: وَلَقَدْ نَزتْ بكَ مِنْ شَقَائِك بِطْنَةٌ ... أرْدَتْكَ حَتَّى طِحْت في الْقَمْقَامِ أي البحر.

وَنَشِبْتَ في لَهَوَاتِ لَيْثٍ ضَيْغَم ... شَثْنِ الْبَراثِنِ بَاسِلٍ ضِرْغَامِ نشِبت علقت، وضيغمٌ شديدُ العضِّ، والضَّغمُ، وشثنٌ غليظٌ، باسلٌ كريهُ المنظر، ضِرغامٌ أسَدٌ. قَبَحَ الإلهُ بَني كُلَيْب إنَّهُمْ ... خُورُ الْقُلُوبِ أَخِفَّةُ الأْحْلاَمِ قَوْمٌ إذَا ذُكِرَ الكِرَامُ بِصَالحٍ ... لَمْ يُذْكَرُوا في صَالِحِ الأْقْوَامِ صُبُرٌ عَلَى طُول الْهَوَان أَذُّل منْ ... نَعْلٍ منَ الأْنْعام للأْقْدام ويروى التَّوطاء. وَيَبَينُ بَخْرُ اللُّوْمِ حينَ رَأَيْتَهُمْ ... فيِ كُلِّ كَهْلٍ مِنْهُمُ وَغُلاَمِ فأجابه جرير: أَبَنِي أدَيْرةَ إنَّ فِيكُمْ فَأعْلَمُوا ... خَوَرَ الْقُلُوبِ وخَفَّةَ الأْحلاَمِ أُديرةُ تصغيرُ أُدرَة، كأنه رَمى أُمَّهم بالأدَر وليس يكون إلا في الرجال، ولا يكون في النساء، وقوله خَورٌ أي ضَعفٌ. بِئْسَ الفَوَارِس يَوْمَ نَعْفِ قُشَاوةِ ... وَالْخيْلُ عَادِيةٌ عَلى بِسْطَامِ

بسطامُ بنُ قيس بن مسعودِ بن قيس بن خالد بن عبد الله بن عمرو ابن الحارث بنِ همَّامِ بنِ مرَّة بنِ ذُهل بن شيبان، والنَّعفُ منتهى السَّيل من الوادي إلى أسفل الجبل. وحدُّ كلِّ أرضٍ نَعفٌ. قال: وقُشاوةٌ ضَفِرةٌ، وهو رملٌ مجتمعٌ في أعراضِها صخورٌ سودٌ وترابُها أبيض، فيقال لها الخرجاءُ للسَّوادِ والبياض. الظَّاعُنونَ عَلىَ الْعَمى بجَميعهمْ ... والخَافِضُونَ بِغَيْرِ دَارِ مُقَامِ العَمى الجَهل والضلالُ، والخافَض المُقيمُ. تَرَكُو الأُحَيْمرَ حينَ خَرَّقَهُ الْقنَا ... إنَّ المُحامُي يَوْمَ ذَاكَ مُحَامِ الأُحَيمرُ حُريث بنُ أبي مُليل، وهو عبدُ الله بنَ الحارثِ بنِ عُبيد بنِ ثَعلبَة بن يربوع. أَبْلَيتُمُ خَوَراً وَفَكَّ عُنَاتَكُمْ ... عَارِي الأشَاجِعَ مِنْ بَني هَمَّام يقول: أبليتُم قوَمكم ضعفاً وخوراً وجُبناً، وفكَّ عُناتكَم بِسطامٌ هذا، عُناتُكم أسراؤكُم والواحدُ عانٍ، والأشاجع عَصَبُ ظاهرِ الكفِّ، وعُريُها قِلَّة لحِمها وذلك ما يُنعتُ به الرجلُ إلا يكونَ مُرهَّلاً كثير اللحم، وواحدُ الأشاجع أشجع.

خبر يوم قشاوة

خَبرُ يومِ قُشاوَة وكان من حديثِ يومِ قُشاوةَ أن بِسطامَ بنَ قيس بنِ مسعود، خرج غازياً لبني يربوع حتى اطَّردَ نَعماً لرجلين من بني سَليط، يقال لأحدِهما سُعير، والآخر حُجير، وهما ابنا سفيان من بني يربوع، فأتىَ الصَّريخُ بني عاصمِ بن عُبيد بنِ ثَعلبة، وكانوا أدنى الناسِ منهم، فركب سبعةُ فوارسَ من بني عاصم، فيهم بُجيرِ بنُ عبدِ الله، ومُليلُ بنُ عبدِ الله وهما ابنا الطائية، والأُحيمرُ حُريثُ بنُ عبِد الله، ومالكُ بنُ حِطَّانِ ابنِ عوفِ بنِ عاصم، وهو مالكُ بنُ الجُرميَّة، وخرج معهم قومٌ من بني سَليط حتى أدركوا القوم، فلما نظروا إلى جيش بسِطام هابُوا أن يُقدِموا عليهم، فقال مُليلُ بنُ أبي مُليل: يا بَني يربوع إنه لا طاقةَ لكم بهذا الجيش إلا بمثلهِ، فأرسِلوا بُجيراً يستصرخ لكم، وإنما أمَرهُم بذلك مخافةً عليه أن يُقتَل، فقال بُجير لا والله لا ذَهبتُ صريخاً بعد أنْ عاينتُ القومَ، فلما غلبه قال لابنِ عمه أذهب أنت يا أُحيمر. فقال: وأنا والله لا أذهب، فقال لمالِك بن الجُرمية فاذهب أنت صَريخاً، فقال: وأنا لا أذهب، فقال لهم مُليل بنُ أبي مُليل: فأعطوني قولاً أثِقُ به وأطمئنُّ إليه، لَتضبِطنَّ لي أنفسَكُم ولا تُقدِموا على الجيش حتى آتِيكُم ففعلوا. وذهب مُليلٌ صريخاً، فلما ذهب، نظر إليه بسطام فقال لأصحابه ذاك الذي يركُض، سيجلبُ عليكم شرّاً، فانظروا أن تَفرغُوا من أصحابهِ من قبل أن يأتِيكُم الناسُ. فبرزَ بسطامُ في فرسانٍ من أصحابهِ حتى دنا من القومِ، فكلَّمُه بُجيرُ فقال له بسطام مَن أنت؟ قال: أنا بُجيرُ بنُ عبدِ الله بنِ الحارث، فقال: يا بُجيرُ ألم تكن تَزعُم أنك فَتى يربوعٍ وفارسُها؟ قال:

بلى، وأنا الآن أَزعُمه فَابرُز لي، فأبى أن يبرُز له بسطام، وقال بسطام: ما أظنُّ نِسوةَ بني يربوعٍ يَظنُنَّ بك هذا الظنَّ، أن تُحجِمَ عن الكتيبةِ حين رأيَتها، ثم قال لصاحبيه أُحَيمر ومالك مِثل ذلك. فلم يزل يَشحذُهم ويُحَضِّضهم كَيداً منه وخديعةً، حتى حملوا أفراسَهم وَسط القومِ، فأمَّا بُجيرُ فلِقيه الملبِّدُ بنُ مسعود، عمُّ بسطام، فاعتنق كلُّ واحد منهما صاحِبه فوقعا على الأرض عِكْمَي عَيرٍ، فاعتلاه بُجير، فلما خشي الملبِّدُ أن يظهَر عليه بُجير، نادَى رجلاً من بني شيبان، يقال له لُقيمُ بنُ أوس: يا لُقيمُ أغِثني فقد قتلني اليربوعيُّ، فمال إليه لُقيمُ فضربه على رأسه فقتلهُ، وخُرِّق أُحيَمر بالقنا، وتُرِك مطروحاً فظنوا أنهم قتلوه، وضُرِبَ مالكُ بنُ الجُرمية، فأُمَّ فعاش سنة مأموماً ثم مات من آمتِه، وانهزمت بنو سَليط، فلما انهزموا، قال بسطام: يا بني شَيبان أَيسُرُّكم أن تأسِروا أبا مُليل، قالوا: نعم، قال: فإنه أولُ فارسٍ يطلُع عليكم الساعةَ، أتاهُ مُليلٌ فأخبره خبرنَا وخبر ابنهِ، فلم ينتظر الناس، فليتخلّف معي منكم فوارسُ فإنكم ستجدونه مُكِبّاً على بُجيرٍ حين عاين جيفتَه فَكَمن له بِسطامُ في عشرةِ فوارسَ قريباً من مصرعِ أصحابهِ، فلم يلبثوا إلا قليلاً، حتى طلع عليهم على فرسِه بلعاءَ، فلما عاين بُجيراً نزل فأكبَّ على جيفتِه يقبِّلُه ويحتضِنهُ، وأقبل بِسطامُ ومَن كان معه يركُضون حتى أتَوه، فوجوده مُكِباً عليه، وبَلعاءُ يَعِلك لجامَه واقفاً فأسروه وأخذوا فرسه، فلما صار في يَديْ بسطام، قال: يا أبا مليل، إني لم آخُذك لأقتلك، قال: قد قتلتَ ابني وَودِدتُ أني مكانه، أما إنَّ طعامَك عليّ حرامٌ مادُمتُ في يدك، قال: فكان أبو مُليلُ يؤتى بالطعام فَيبيتُ يطرُد عنه الكلابَ مخافةَ أن تأكله، فيظنوا أنه أكله هو حتى جُهِدَ، فلما رأوا جَهده، قال بشرُ بنُ قيس لأخيه بسطام بن قيس: إني لا آمَنُ أن يموتَ أسيرُك هذا في يديك هَزلاً فتسبُّك به العربُ، فَبِعهُ نفسَه، فأتاه

وهو مجهودٌ فقال له: أبا مليل أتشتري مني نَفسك؟ قال: نعم، قال بكم؟ قال: بمائةٍ من الإبل، فإن لك مائةٍ بدمِ بُجير، قال: تِلادي أحبُّ من تلادك، والدَّمُ لك، فخلني أذهب، فخلاه بسطام، وأحلفه أن لا يُعقِّبَ، أي لا يغزوهم ثانية، فلما أتى قومه أخبرهم خبرهُ، فقال مُتمِّمُ بنُ نُويرَة: أبلغْ أبا قيس إذا ما لقيته ... نَعامةُ أدنَى دارِه فَظَليمُ بأنَّا ذوو جَدٍّ وأن قبيلَكُم ... بني خالدٍ لو تعلمون كريمُ وأن الذي آلَى لكم في بيوتكم ... بِمَقْسَمِهِ لو تعلمون أثيمُ يقول: إن الذي حلف لكم أن لا يُعقِّبُ عليكم، سيحَنثُ ولابد أن يغزوَكم ثانية. هو الفاجعُ المُبْكي سَراة صديقِهِ ... وذو طَلَبِ يومَ اللقاءِ غَشوم فنهجمُ أبياناً ونبكي نُسَيّةً ... بنسوتنا يوماً لهن نحيم النحيم: البكاء والنحيب، يقال نحم يَنحِم نَحماً ونحيماً ونحماناً. كان بُجيراً لم يقل ليَ ما ترى ... من الأمر أو ينظر بوجه قسيمِ هذا البيت مُكفأٌ وصاحبه يكفئُ. والقسيمُ الجميلُ، والاسم منه القَسامةُ، يقال رجلٌ قسيمٌ وسيمٌ، بين القسامَةِ والوَسامة.

ولو شئتَ نَجَّاكَ الكُميتُ ولم تكن ... كأنَك نَضبٌ للرجال رجيم ويروي للرماح. ولكن رأيتُ الموتَ أدرك تُبَّعاً ... ومَن بعدَه مِن حادثٍ وقديمِ فيالَ عُبَيدٍ حَلفةً إنَّ خيرُكم ... بجزرةَ بين الوَعْسَتَيْنِ مقيمُ أراد عُبيدَ بنَ ثعلبةَ بنِ يربوع. وجَزرَةُ من أرضِ الكُرمَة من بلادِ اليمامة. والوَعسُ من الرملِ اللَّينِ المَوطُوءُ الذي قد وَعَسته السائلة: غَدَرْتُمْ ولم تَرْبَعْ عليه ركابُكمُ ... كأنكُمُ لم تُفْجَعُوا بعظيمِ وكنتَ كذاتِ البَوِّرِ ريعَتُ فَرَجَّعَتْ ... وهل تَنْفَعَنْها نظرةٌ وشَميمُ يقول: كنتَ كالناقةِ التي نُحِرَ ولدُها فجاءت تشمُّه وترأَمُه، وهل ينفعها ذاك، فكذاك أنا لا أسكُن حتى أثأرَ به. أطَافَتْ فسافَتْ ثم عادَتْ فَرَجَّعتْ ... ألا ليس عنها سَجْرُها بِصَريمِ سافت شمَّت، والسَوفُ الشَّمُّ، وسَجرُها حنينُها، يقول: ليس حنينُها بمنصرم. وقال مالكُ بنُ نُويرةَ يهجو بني سَليط ويعيِّرُهم فِرارَهم وانصرافَهم عن أصحابهم:

لحا الله الفوارسَ مِن سَليطٍ ... خصوصاً إنهم سَلِموا وآوبوا أجئتم تطلبونَ العُذْرَ عندي ... ولم يُخْرَقْ لكم فيها إهابُ دَعَتْكُم خَلْفَكُم فأجبتموها ... مَجازِمُ في أعاليها الجُبَابَ المجازِمُ الأسقِيةُ المملوءةُ، والجبابُ شبيهٌ بالزُّبدِ يعلو لَبنَ اللِّقاح. كفِعلكُمُ غداةَ لِوَى حَييِّ ... فهذا من لقائِكِمُ عذابُ إذا لاقيتُمُ أبدا فَضَحتُمَ ... ذمارَكُمُ فليس لكم عِتابُ فكيف بكم وقد اخزيتموها ... إذا ذُكِرَ الحفَائِظُ والسِّبابُ وكانت جعفرٌ لو صادفتها ... هُمُ أصحابُ نَجدتِها فغابوا وهذا جعفر بن ثعلبة بن يربوع، جد عتيبة بن الحارث. ولو شَهِدَ الفوارسُ من عُبيدٍ ... لراثَ لِرَهْطِ بِسطامٍ إياب ولو سَمِعَ الدُّعاءَ بنو رياحٍ ... لجاء فوارسٌ منهم غِضاب فلا تَبْعَد فوارِسُنا وجادت ... على أرضٍ ثَوَرْا فيها الذِّهاب وقال مالكُ بن حِطَّان، وهو في المعركة قبل أن يموت: لَعَمِري لقد أقْدمَتُ مُقَدَم حارِدٍ ... ولكنَّ أقرانَ الظُّهورِ مَقَاتِلُ الأقرانُ الأعوانُ، الواحد قِرنٌ. الظَّهرُ هو الناصرُ.

ولو شَهِدَتْني من عُبَيدٍ عصابةٌ ... حُماةٌ لخاضوا الموتَ حيثُ أُنازِل بكلِّ لذيذٍ لم يَخُنْهُ ثِقافُهُ ... وعضبٍ حُسامٍ أخلصَتْهُ الصَّياقِل وما ذَنْبُنا أَنَّا لَقِينا قَبيلةً ... إذا وَاكَلَتْ فرسانُنا لا تُواكل يُساقونَنا كأساً مِنَ الموتِ مُرَّةً ... وعرَّدَ عنا المُقرِفونَ الحَناكِل الحناكلُ القِصارُ الأفعالِ، واحد حَنكل. وعَرَّد فرّ. فليت سُعيراً كان حَيْضاً بِرَجلِها ... وليت حُجَيراً غَرَّقته القوابل إذا مات الصَّبيُّ في الرَّحِم فقد غَرَّقتهُ القوابل. ولَيَتُهُم لم يركبوا في رُكُوبنا ... وليت سليطاً دونَها كان عاقِل رُكوبٌ جمعُ رَكبٍ، وعاقلُ وادٍ ببلاد قيس، وهو اليوم لباهلةَ بنِ أَعصُر. فما بين مَن هاب المِنَيَّةَ منكم ... ولا بيننا إلا ليالٍ قلائل وقال لُقيمُ بنُ أوسِ الشَّيبانيُّ في ذلك، ويذُكرُ أن الملبِّد قال: إنما قَتل لُقيمٌ بُجيراً حسداً لأنه أسَرهُ: إني وبيت الله لولا شدَّتي ... لَشَتَا المُلبِّد في رِجامٍ مُوْصَدِ أو غَيرَ ذلِكُمُ رهينةَ ماغثٍ ... بفوارسٍ شربوا سِمامَ الأسْوَد لَحِقُوا وَدَعْواهم عُبَيدٌ كُلُّهم ... فَلَقُوا مناياهم حِمامَ المَرْصَدِ أَفَكَانَ شكري أنْ زعمتَ نَفَاسَةٌ ... نَقْذِيكَ أمسِ وليتني لم أشهد

نَقذِيك من الاستنقاذ أي استنقاذي إياك. جَلَّلتُ مَفْرِقَهُ وما هلهلتُه ... لَيْنَ المَهَزِّ وصارماً لم يَنْأَد هَلهَلتُهُ لَبَّثتُهُ - وأنشد: هَلْهِلْ بِكَعْبٍ بعد ما وقعت ... فوق الجبينِ بساعدٍ فَعْمِ لمَ يَنأدِ لم يَعوجّ ولم يَنثنْ. وقال غسان: أَيَرْجُو جَريرٌ أَنْ يَنَالَ مَسَاعِي الْ ... كِرَامِ بآبَاءٍ لِئَامٍ جُدُودُهَا فأجابه جرير: لَقَدْ وَلَدَتْ غَسَّانَ ثَالبةُ الشَّوى ... عَدُوسُ السُّرى لاَ يَقْبَلُ الْكَرْمَ جيدُهَا ورُوى ثالِثةُ، جعلها كالضَّبُع تمشي على ثلاث والثَّالِبة المعِيبةَُ، أراد أنها مُشقَّقةُ القَدمين من الرَّعي، والعدُوس الدائمةُ السُّرى، والكَرمُ القِلادة، ورُوى باليةُ الشَّوى يعني القوائم.

جَبَيْتَ جَبَا عَبْدٍ فأَصْبَحتَ مُورِداً ... غَرَائِبَ يَلْقىَ ضَيْعَةً مَنْ يَذُودُهَا جَبيت جمعتَ وجَبوتَ أيضاً، هذا مثلٌ، يقول: جمعتَ جمعَ عبدٍ فعجزتَ حين وردت عليك قوافيَّ أن تنقضَها، كما يعجِزُ الضعيفُ عن ذِيادِ الغرائبِ عن الماء. أَلمْ تَرَ يا غَسَّانُ أَنَّ عَدَاوَتِي ... تُقَطِّعُ أَنْفَاسَ الرِّجالِ كَؤُودُهَا الكؤُودُ العقبةُ الصَّعبةُ المَصعدِ، يقال: عَقبةٌ كَؤودٌ وكَأداءُ. قال أبو عمرو: وكان غسانُ بنُ ذُهيل حَدُثاً، أي حَسن الحديث، وكان جالساً يُنشِد لبيدَ بن عُطارد بنِ حاجبِ بنِ زُرارة بالكُناسَة ويحدِّثُه، فجاء رجلٌ من بني عُليم بنِ جٌنابِ، ثم أحدُ بني مَصاد، يقال له جَنباءُ، وذاك حين اجتمع الناسُ على معاوية، فقال: مَن هذا الذي يُنشِدُكم؟ قيل له: غسَّانُ بنُ ذُهيلٍ السَّليطيُّ، فقال: أنت الذي تُغيرُ على الناس؟ فقال له غسانُ أنا الذي بلغك. فقال جَنباءُ، أما والله لو أَغرت على رجلٍ حرٍّ بعدُ، لقد فطمك. وكانت تميمُ حالفت كَلباً بعد قتل عثمانٍ، في الفتنة، فكَفل على بني تميم، أحدُ بني دَيسق اليربوعي، وعلى كلبٍ رجلٌ من بني عُليم. فقال غسان: هل لك أن أُخَالِعك الحِلف وأُغاوِرَك؟ ففعل. فأغار غسَّان على الكَلبيِّ مع أخويهِ معنٍ وسَليطٍ ابني ذُهيل ودَوسرٍ بن غسان، فتَنقَّى خمسين من كرائِم إبلهِ، فبعث بها مع ابنه دَوسر إلى هَجر، فبَيَّعها فزحفت بنو ثعلبة إلى بني سَليط، فحملها قيسُ بنُ حنظلةَ بنِ النَّطف السَّليطيُّ عن أخواله، وأُمُّ قيس بنِ حنظلة قُتيلةُ بنتُ عبدِ عمروٍ من بني عوف بنِ حارثةَ، رهطِ غسان، فقال

غسانُ في ذلك، وجاء الكلبي ينشُد إبِلَه: يُسَائِلُني جَنْبَاءُ أَيْنَ مَخَاضُهُ ... فَقُلتُ لَهُ لاَ تَعْلُ عَثْرَةُ تَاعِسِ حَوَاهَا اُمْرؤٌ سَهْلٌ إذَا هُوَ بَاعَهَا ... وَإنْ وُكِسَتْ أَثْمَانُهَا لَمْ يُمَاكِسِ قَلِيلُ الُسِّوَامٍ غيْرَ دِرْعٍ حَصينَة ... وأَبْيَضَ مِمَّا أَخْلَصَ الْقَيْنُ يَابِسِ يقول: هو صُلب الحديدِ، ليس بأنيث، وذلك مما يُمدح به السيفُ. كَفَاكَ فَأَلْهَاكَ ابْنَ نَثْلَةَ بَعْدَهَا ... عُلاَلَةُ بَيُّوتٍ مِنَ المَاءِ قَارِس أخبره أنه أَبدَلهُ عن البانِها شُربَ الماءِ القَراح، والقارِسُ الباردُ، والبيُّوت ما بات في الحياض. وابنُ نَثلة جَنباء هذا. تَسُوفُ أَدَاحِي النَّعَامِ إفَالُهَا ... بِقُودِ الْهَوَادي مُشرِفَاتِ البَرَاعِسِ الأداحي مواضعُ بَيض النَّعام، واحدها أَدحَى. وإفالُها أولادُها، واحدها أفيل. خبَّر أنها تراعي الوحشَ لِعزَّة قومِها، آمنةٌ أن يُغارَ عليها. والبرَاعسُ الكرامُ واحدها بِرعِيسٌ. لَهَانَ عَلَيْهَا مَا يَقُولُ ابنُ دَيْسَقٍ ... إذَا مَارَعتْ بَينَ الِّلوى فَالعَرائِسِ تُحَضِّضُ حَمَّاداً لِيَسْعَى بِذمَّةٍ ... عَلَيْكَ بِرَهْطِ الأَبْلَخِ المُتَشاوِسِ

أراد حمادَ بنَ الربيع، أحد بني عاصم بنِ عُبيد بن ثعلبةَ بنِ يربوع، وكان جَبناءُ مجاوِراً حمَّاداً هذا، والأبلخ المتكِّبرُ. إذَا هِيَ حَلَّتْ بَيْنَ سَعْدٍ وَمَالكٍ ... وَعَمْرٍ وأُجيرَتْ بِالرِّمَاحِ المْدَاعِسِ سعدٌ ومالكٌ ابنا زيدِ مَناة، وعمرُو بنُ تميم، والدَّعس الطَّعن. بَنِي طارق أَوْفُوا بِذِمَّةٍ جَارِكُمْ ... وَلاَ تَضْرِبُوا مِنْهَا بِرَطْبٍ وَيابِسِ فأجابه جريرٌ عن جَبناءَ، وحضَّ عليه بني عاصمٍ، وعيَّرهُ الغدرَ بجارِ بني يربوعٍ فقال: أَلاَ حيِّ أَطْلاَلَ الرُّسٌومِ الدَّوَارِسِ ... وَآرِيَّ أَمْهَارٍ وَمَوْقِدَ قَابِسِ لَقْد خَبَّرَتني النَّفْسُ أَنِّي مُزَايِلٌ ... شَبابِي وَوَصْلَ المُنْفِسَاتِ الأَوَانِس وَأَصْبَحْتُ مِنْ هِنْدٍ عَلَى قُرْبِ دَارِهَا ... أَخَا الْيَأسِ أَوْرَاجٍ قَليلاً كَآيس وَطَامِحَةِ العْيْنَيْنِ مَطْرُوفَةِ الهَوَى ... عَنِ الزَّوْجِ أَوْ مَنْسُوبَةِ الحَالِ عَانِسِ العانسُ التي كَبِرت في منزل أهلِها ولم تُزوَّج، وقولُه منسوبةُ الحالِ أراد أنها كريمةٌ، طامِحةُ العينين تطمحُ عينُها إلى غير زوجِها إذا كانت فارِكاً، والفاركُ المُبغِضةُ لزوجها، ومطروفة الهوى تَطرِف الهَوى من هاهنا إلى هاهنا، كأنها تستطرفُ غير زوجِها.

بَنِي عَاصمٍ أَوْفُوا بِذمَّةِ جَارِكُمْ ... وَلَمْ تَضْرِبُوا مِنْهَا بِرَطْبٍ وَيابِسِ يقول: لم يلحقكم شيءٌ من العيبِ، رطبٌ ولا يابسٌ. ورُويَ وَلم تُضرَبوا. إذا مَا دَعَا جَنْبَاءُ قَالَ ابْنُ دَيْسَقٍ ... لَعَالَكَ فِيهَا عَالياً غَيْرَ تَاعِسِ إذا عثَر الشَّابُّ قيل لعاً لك، دعاءٌ كأنه قال: نَعشكَ اللهُ ورَفعك. جَرَتْ لأخِي كَلْبٍ غَدَاةَ تَأَبَّسَتْ ... عُبَيْدٌ بِرَدِّ البُزْل مِنْهَا القَنَاعِس جرت لأخي كلبٍ يعني جنباءَ، والقناعِسُ من الإبلِ الثِّقالُ، الواحدُ قِنعاسٌ. ألاَ إنَّ حَمَّاداً سُيُوفيِ بِذمَّةٍ ... عَلْيْكَ وَرَدِّ الأبْلَخِ المُتَشَاوِسِ حمادُ بنُ الربيع أحدُ بني عاصم بنِ عُبيد. الأبلخُ المُتَعظِّمُ. والمنشاوسُ الذي ينظر بمؤخَّرِ عينه كِبراً. أَلَسْتُمْ لئاماً إذْ تَرُومُونَ جَارَهُمْ ... وَلَوْلاَهُمُ لَمُ تَدْفَعُوا كَفَّ لاَمِس

يقول: لولا بنو ثعلبةَ، لم تدفع عنهم بنو سليط كفَّ لامِس، وكانوا نُهزَةُ لمن أرادهم. فَانَّكَ لاَقٍ لِلأغَرِّ ابْنِ دَيْسَقٍ ... فَوَارِسَ سَلاَّبينَ بَزَّ الفَوَارِس فَلاَ أَعْرِفَنَّ فَنَّ الخَيْلَ تَعْدُو عَلَيْكُمُ ... فَتَطْعُنَ في ذِي جَوْشَنٍ مُتقَاعِسِ في ذي جوشنٍ: رجلٌ ذو جوشنٍ، والجوشنُ الصَّدرُ. متقاعسٌ: متأخِّرٌ عن الحرب. إذَا اطَّرَدُوا لم يَخفَ دَاءُ ظُهُورِهُمْ ... عَلَى مَارَبَا مِنْ نَخْضِهَا المُتَكَاوِسِ يعني لم يخفَ انتفاخُ أجوافِهم من الجُبن. وتكاوسُ اللحمِ انتفاخهُ. والنَّخضُ اللحمُ. وقال جريرٌ ولم يُسمع لها بنقيضة: تَلْقَى السَّليطيَّ والأبطَالُ قَدْ كُلِمُوا ... وَسْطَ الرِّجَالِ بَطيناً وَهُوَ مَفْلُولُ لَمْ يَرْكبُوا الخَيْلَ إلاًّ بَعْدَ مَا هَرِمُوا ... فَهُم ثِقَالٌ عَلَى أَكْتَافِهَا مِيلُ فقال رجلٌ منهم: أدام الله لهم البِطنة والسلامة. والأميلُ من الرجال الذي لا يستوي على السرج إذا ركب.

ومما قال جريرٌ لبني سَليطٍ ولم توجد له نقيضة: جَاءَتْ سَليطٌ كَالحَميرِ تَرْدِمُ ... فَقُلْتُ مَهْلاً وَيَحْكُمْ لاَ تُقْدِمُوا تَردِمُ تَحبقُ، والحبقُ الضُّراطُ، وهو الرَّدام. معناه لا تقدموا عليَّ. إنِّي بأَكْل الحَائِنينَ مُلذَمُ ... قَدْ عَلمَتْ أُسَيِّدٌ وَخَضَّمُ أنَّ أَبَا خَزْدَةَ شَيْخٌ مُرْجَمُ المُلذمُ المولعُ بالشيءِ، يقال لذِم بالشيءِ وغَرِي به وسَدِك به وعَسِك به ولَكَى به ولَغِي به وعَسِق به بمعنى واحد. إنْ عُدَّ لُؤْمٌ فَسَليطٌ أَلأَمُ ... مَا لَكُم أسْتٌ في الْعُلا وَلاَ فَمُ وَلاَ قَديمٌ في الْقَديمِ يُعْلَمُ وقال لهم أيضاً ولم نجد له نقيضةً: إنَّ سَليطاً كَاسْمِهَا سَلِيطُ ... لَوْلاَ بَنُو عَمروٍ وَعَمْروٌ عِيطُ قُلْتُ دِيَافِيُّونَ أَوْ نَبِيطُ

عمرو بنُ يربوع وهم حلفاءُ سَليط، والعِيطُ الطِّوالُ الضِّخامُ، واحدُهم أَعيَطُ، والمرأة عَيطاءُ، لا يُعطون أحداً طاعةً، وأصلهُ من قولهم، اعتاطت الناقةُ إذا أبتْ أن تحمل. ودِيافُ قريةٌ بالشَّام، قلت: هم نَبيطُ الشام، ونبيطُ يعني نَبط العراق. والسَّليط الحديدُ اللسانِ، يقال سِكينٌ سليطٌ. وقال لبني سَليطٍ ولا نقيضة لها: نُبِّئْتُ غَسَّانَ بْنَ وَاهصَة الخُصَى ... بِقُصْوَانَ فيِ مُسْتَكْلِئِينَ بِطَانٍ المُستكلِئون أهل الكلاءِ والخِصب. البِطان الشِّباعُ. وَلَمَّا رَأَيْتُ الْحَيَّ ضَبَّةَ أَطْرَقُوا ... عَلَى مَالَقُوا من ذِلَّةٍ وَهَوان أي سكتوا وأقرُّوا بالذُّلِّ في موضِعهم. خَرَجْتُ خُرُوجَ الثَّوْرِ إذْ عَسِكَتْ بِه ... مُقَلَّدَةُ الأَوْتَار غَيْرُ سَمان شبَّه نفسه بالثَّور تكتنِفه الكلابُ، فيقتُل فيها ويجرَح ويُفلِت سالماً. وذكروا أن بني سليطٍ بعثوا ربيئةً لهم على فرسٍ، فنام الرِّبيئةُ، ونفَرت الفرسُ، فلم يدرٍ كيف أُخذت، وذهبت نازعةً إلى أوطانها، وجاء

الجيشُ الذين كانوا يتَوقَّعُهم بنو سليطٍ فوجدوا الرَّبيئةَ نائماً فجاوَزوه إلى الحيِّ، فاكتسحوهم، فقال في ذلك جريرٌ ولا نقيضةَ لها: ولَعَمْرِي لَقَدْ نَامَ السَّلِيطِيُّ نَوْمَةً ... عَلَى حَزَّةٍ مَا كَانَ حُرٌّ يَنَامُهَا لَقَدْ نَفَرَتْ مِنْ ريحهمْ أَعْوَجِيَّةٌ ... مِنَ الْجُرْدِ لَمْ يَعْرِفْ سَلِيطاً لِجَامُهَا الأعوجيةُ منسوبةٌ إلى أعوجُ، فَرس لبني هلال بن عامر بن صَعصَعة، وكانت أُمُّه سَبلُ لِغنيِّ بن أعصُر بن سعد بن قيس بن عيلان بنِ مُضر، وكانا من أجودِ خيلِ العرب. قال أبو عبيدة: حَدَّثني أبو منيعٍ الكُليبيُّ، قال: كان جريرٌ يقول لولا ما فعل العبدُ ابنُ أُّمِّ غسَّان، لنشرتُ من أيَّام بني سليط مالا يَبيدُ جدَّ الدَّهر، أو حيريَّ الدَّهر، - وجدَّ الدَّهر في معنى يدَ الدَّهر، يريدُ أبداً - قال: وكانوا فرساناً. قال: ولقي فَضالة أحد بني عَرين بن ثعلبةَ بن يربوع - وكانت أمُّ فَضالة هنداً بنتَ حوطِ بن قِرواش بن حُصين بن ثُمامة بن سيف بن جاريةَ بن سَليط - جريراً فقال له: أَتشتِمُ أخوالي؟ أمَا والله لأقتلنَّك. وأما العُرنِيُّ الشاعر، فزعم أنَّ الذي لقي جريراً عبد الله بن فَضالة. فقال جرير: أَتُوعِدُنِي وَرَاءَ بَنِي رِيَاحٍ ... كَذَبَتْ لتَقْصُرَنَّ يَدَاكَ دُونِي

عَرينٌ مِنْ عُرَيْنَةَ لِيْسَ مِنَّا ... بَرِئْتُ إلى عُرَيْنَةَ مِنْ عَرِينِ عَبِيداً مُسْبَعينَ لِعَبْدِ قَيْس ... مِنَ الْقِنِّ المُوَلَّدِ والْقَطِينَ قُبَيِّلةٌّ أَنَاخَ اللُّؤْمُ فِيها ... فَلَيْسَ الُّلؤْمُ تَارِكَهَا لِحِين فَنِعْمَ الْوَفْدُ وَفْدُ بَنِي رِيَاحٍ ... ونعم فَوَارِسُ الفَزْعِ اليَقِينِ عَرَفْنَا جَعْفَراً وَبَنِي عُبَيْدٍ ... وَأَنْكَرَنَا زَعَانِفَ آخَرِينِ الزَّعانف الأتباع، واحدهم زعنِفةٌ، وهو مأخوذٌ من زعانف الثَّوب وهي أهدابُه. وذكر مِسحل بن كُسيب قال: وَلدت كهفةُ بنتُ مصادٍ الطائي أحد بني نبهان لِثُمامة بن سيف بن جارية بن سَليط خمسةً سَلمة وأبا بَراءٍ وشجاراً وحُصيناً وقُتيباً بني ثُمامة، فأتى العنَّاب أعورُ بني نبهان، واسمُه نُعيم بن شريكٍ، بني أُخته هؤلاء الذين سميناهم يسترفِدُهم في حَمالةٍ، او حفر ركيةٍ، فأعطوه فأرضوه وزيَّنوا له أن يسأل جريراً، وكان جريرٌ لا يعطي أحداً لا يخافُه. قال مِسحل حدَّثتني أُمي زيداءُ بنت جريرٍ قالت: بينما نحن بالجلاميد من الحَزن، إذا نحن بِبلقٍ قد ضُرب بناحيةٍ منَّا، وكان جريرُ أشدَّ الناس فَرقاً من السلطان، فلما رأى البَلق، كاد يموت، فبعث من يسألُ، فقِيل له: هذا الأعور النَّبهانيُّ، فدعا بجفنة فملأها زُبداً، وملأ أخرى من بَرنِيِّ هَجر، ووَطبٍ من لبنٌ فبعث به إليه، فلما وُضِع بين يديه، قال: ما هذا؟

وجعل يُتَفِّف عليه، فأبلغ الرسول جريراً ذلك، فلما أصبح النَّبهاني وجريرٌ جالسٌ في كُسيحةٍ له أمام بيته - والكُسيحة الموضع يُكسح ويُجعل حَواءً يُصَّلى ويُجلس فيه - وقد صَّلى الصبح وكان لا يتكلم إذا صلَّى الصُّبح حتى تطُلع الشمس ولو تناحر الحيُّ، فلما طلُعت الشمس، والنبهاني قاعدٌ قد سأله فلم يُجبه، قبل ذلك، أقبل عليه جريرٌ حين طلعت الشمس، فقال: أما والله إنك لغنيٌّ مُقو ولو شئت لاكتفيت فقد بلغنا خَبرُك. وإنما أراد بنو ثمامة أن يمنعه جريرٌ فيهجوه. قال: وحول بيت جرير بيوتٌ كثيرةٌ، فقال له جرير: ما مِمَّن ترى إلا واجبُ الحقِّ لا أجد له مَدفعاً، وما كُل الحقِّ أنا واسعُ له، فانصرف راشداً أحسن الله إليك، فانصرف، فهجا جريراً فقال: قُلْتُ لَهَا أُمِّي سَليطاً بأَرضِهَا ... فَبِئْسَ مُنَاخُ النَّازِلِينَ جَرِيرُ وَلَوْ عْندَ غَسَّانَ السَّليطيِّ عَرَّسَتْ ... رَغَا قَرَنٌ مِنْهَا وَكَاسَ عَقيِرُ القَرن البعير المقرون، ويقال: قد أرغى فلانٌ لفلانٍ، إذا قرن له بعيراً فأعطاه، ويقال سألتُ فلاناً فما أرغاني ولا أثغاني، أي ما أعطاني شاة تثغو، وكَاس عَقير يريد عَقر له بعيراً فقام على ثلاث. يقول لو نزلتُ بغسان لأعطاني جملاً يرغو في قرن، أي في حبل، وعقر لي آخر. وأَنْتَ كُلَيبيٌّ لكَلْبٍ وكَلْبَةٍ ... لَهَا عنْدَ أَطْنَاب الْبيوتِ هَريرُ

فقال جرير يرد عليه: عَفَا ذُو حَمَامٍ بَعْدَنا وَحفيرُ ... وَبالسِّرِّ مَبْدى منْهُمُ وَمَصيرُ تَكَلَّفُها لاَ دانياً منْكَ وَصْلُتَها ... وَلاَ صَرْمُهَا شَيْءٌ عَلَيْكَ يَسيرُ فَإِنْ يُسْلِمِ الله الرَّوَاسم بالضُّحى ... وَمرُّ القَوَافي يهتدي ويجور الرَّواسم الإبل، والرَّسيم سيرٌ رفيعٌ. ويروى، لئن سلم الله المراسيل بالضحى. المراسيل الإبل السهلة الناجية، الواحدة مِرسال، يقول: مَرُّ القوافي يهتدي فيبلغ من قيل فيه وتجور عنهم أيضاً إلى قومٍ آخرين. وروى أبو عمرو: فإن سلم الله الرواسيم بالضحى. تُبَلِّغْ بَني نَبهانَ منِّي قَصَائداً ... تَطَالَعُ منْ سَلْمَى وَهُنَّ وُعُورُ سلمى لبني نبهان خصوصاً، واسمُ نبهان أسودان، وإنما سُمِّي نبهان لأنه حضنه عبدٌ لأبيه يقال له نبهان، فغلب عليه اسمه وأجأ لِثُعل وسائر بني الغوث، ورُوِى لتعِترفن نبهانُ مني قصائداً وروى اليربوعيُّ: إذا ما علت جَوْزا من الرَّملِ طالَعَتْ ... خَنَاذيذَ من سَلمى ... قال أبو عبيدة: الخناذيذُ المشرفة من الجبال والخيل. إذَا حَلَّ مِنْ نَبْهَانَ أَرْبابُ ثَلَّة ... بأَوْسَاطِ سَلْمَى دقَّةٌ وفُجُورُ الثَّلة القطعة من الغنم، وروي بأوشالٍ، والوشل الماء يغدرُه السَّيل في النُّقرة، تكون في أعلى الجبل، وفي الصخرة. الدِّقة من لُؤم

الأصل. تَرَى قَزَمَ المعْزى مُهُورَ نسَائِهِمْ ... وَفي قَزَمِ المْعزى لَهُنَّ مُهُورُ وروي تُساق من المِعزَى مهور نسائِهم. القزم العليلة، واحدتها قَزمةٌ ورُوي ترى شرط المعزى، وشرطُ المال أخسُّه وشِراره. يقول: ليس تبلُغ أقدارهم أن تمهر نساؤهم الإبل إنما يُمهرون خَسيس المِعزى. تَغَنَّى ابْنُ نَبْهَانيَّةٍ طَالَ بَظْرُها ... وَبَاعُ ابْنَها عنْدَ الفِضَالِ قَصيرُ وروي ألست لنبهانيَّة، وروي ألست ابن نبهانية، وروي يوم الحِفاظ. كَثيرةُ صئْبَان النِّطَاقِ كَأَنَّها ... إذَا رَشحَتْ منْهَا الْمَغَابِنُ كيرُ الكِير موضع النار للحدَّاد، والكُور الرَّحل، والنِّطاق خيطٌ تشدُّ به المرأة وسطها إذا اعتملت فيكثر لزومه لها، حتى تكثُر صِئبانُها لدوامه عليها. ومغابِنها مراقُّ بطِها يُخبِر أنها دَنيَّة تُباشر العمل. وَجَدْنَا بني نَبْهَانَ أَذْنَابَ طَيَّءِ ... وَللنَّاسِ أَذْنَابٌ تُرَى وَصُدُورُ وَأَعْوَرَ منْ نَبْهَانَ أَمَّا نَهِارُهُ ... فَأَعْمى وَأَمَّا لَيْلُهُ فَبَصيرُ أي هو أعمى النهار عن الخيرات، بصير الليل بالسَّوءات، يسرق ويزني. وَاَعْوَرَ مِنْ نَبْهَانَ يَعْوي وَدُونَهُ ... مِنَ اللَّيْلِ بَابَا ظُلْمَةٍ وَستُورُ يريد ظُلمة دونها ظلمة، يعوي يقول عوى وهو مُضلٌّ ببلد، فهو

يستنبحُ الكلاب لتجيبه فيستدلُّ بها على الناس. دَعَا وَهُوَ حَيٌّ مِثْلُ مَيْت فَانْ يَحنْ ... فَهَذا لَهُ بَعدْ الممَاتِ نُشورُ يقول: هذا القِرَى له حياةٌ بعد موته لبقاء الهجاء له في الناس. رَفَعْتُ لَهُ مَشْبُوبَةً يُهتَدَى بِهَا ... يَكَادُ سنَاهَا في السَّماء يَطِيرُ مشبوبة أراد ناراً مُشعلة. سناها ضوؤها. فَمَا رَاعَنَا إلاَّ يُضَاحِكُ نَارنَا ... عَرِيضُ أفَاعي الْحَالبَيْنِ ضَريرُ أراد أن عروق بطنه لهزاله باديةٌ كالأفاعي من الضُّرِّ، ويروى فلما استوى جَنباه ضَاحك نارنا عريض، ويروى عظيم. ضرير الجسم سيُّء الحال. وقوله فلما استوى جنباه يعني حين شَبِع فاعتدل. أَخُو البْؤْس أَمَّا مَا بَدَا مِنْ عظَامِهِ ... فَبَاد وَأَمَّا مُخُّهُنَّ فَرِيرُ وروي أخو البؤس أما لحُمه عن عظامِه فَعار. الرَّير المخُّ الرقيق وإذا هُزِلت الدابةُ رقَّ عظمُه ومُّخه، وإذا سَمِن رقَّ مُّخه وغلُظ عظمُه. فَقُلْتُ لعَبْدَيْنَا أَدِرّاَ رَحَاكُمَا ... فَقَد جَاءَ رَجَّافُ الْعَشيِّ جَرُورُ ويروى فقد جاء زحَّاف العشاء جرور، زحَّاف العشاء يزحف إلى العشاء، وجرور يجُرُّ ما في الإناء إليه. أَبُو مَنْزِلِ الأَضْيافِ يَغْشَوْنَ نَارَهُ ... وَيَعْرفُ حَقَّ النَّازِلِينَ جَريرُ إذا لَمْ يُدِرُّوا عَاتماً عَطَفَتْ لَهُمْ ... سَرِيعَةُ إبْشَار اللِّقاحِ دَروُرُ

العاتم التي يتأخَّر حلبُها حتى يذهب صدرٌ من الليل، ومن هذا صلاةُ العتمة. ويقال عَتمت الإبل واعتمت، يقول: إذا لم يكن لبَنٌ يُقرى منه الضِّيفان عقرت لهم ناقة كريمة رِبعيَّة، والرِّبعي من النِّتاج واللَّقاح أوّله وهو أجوده، ويقال أبشَر وبَشَّر وبَشَر بمعنى واحد، وهو أن تشُول بذنبها، يقال منه ناقةٌ مُبشرٌ. وقال جرير لعنَّاب هذا ولا نقيضة لها: مَا أَنْتَ يَا عَنَّابُ مِنْ رَهْطِ حَاتمٍ ... وَلاَ مِنْ رَوَابي عُرْوَةَ بِنَ شَبيبِ الرَّابية ما أشرف من الأرض شبَّه عُظماء الرجال لها، عُروة رجل من جَدِيلة طيِّء. رَأيْنا قُروماً مِنْ جَديلَة أَنْجَبوا ... وَفَحلُ بَني نَبْهَانَ غَيْرُ نَجيبِ وَسَوْدَاءُ مِنْ نَبْهَانَ تَثْني نِطَاقَها ... بأَخْجَى قَعُورٍ أَوْ جَوَاعِرَ ذِيبِ الأخجى الكثير الماء القامِسَة، والقعور البعيد المِسبار، وهو أخبث له. وقوله أو جَواعر ذيب، يعني أنها رَسحاء لا أليين لها مثل الذيب، قعورٌ له قعرٌ وهو الحِرُ. والجاعرتان رأسا الفخذين من تحت الذَّنب، والغُرابان رأساهما من فوق الذَّنب والحَجبتان رأساهما المُشرفان على الخاصرتين. إذا ضَحكَتْ شَبَّهْت أَضْرَاسَهَا الْعُلى ... خَنَافِسَ سُوداً في صَرَاةِ قَليبِ الصَّراة الماء المجتمع المُتغِّير، يقال شاة مُصراةٌ إذا حُفِّلت فلم تَحلب حتى يجتمع لبنُها. قال ابن حبيب: من هاهنا روى المفضل.

وكان الذي هاج بين جرير والفرزدق الهجاءَ، أن البَعيث المُجاشعيَّ سُرقت إبله، سرقها ناسٌ من بني يربوع، يقال لهم بنو ذُهيل، فطلبها البعيث، حتى وجدَها في أيديهم. واسم البَعيث خِداش بن بشِر بن خالد ابن الحارث بن بيبة بن قُرط بن سفيان بن مجاشع، وإنما بَعَّثة بيتٌ قاله: تَبَعَّثَ منِّي ما تَبَعَّثَ بعدما ... أُمِرَّتْ قُوَاي واستمرَّ عزيمي فلما وجدَها البعيث في أيديهم قالوا: إنما كانت مع لصٍّ فانتزعناها منه، وكانت بينه وبينهم ضَربة رَحِم من قِبل النَّوار بنت مُجاشع ن وكانت وَلدتهم. وغسان بن ذُهيل السَّليطي يومئذٍ يهاجي جريراً، فجَعل البعيثُ يقول: وجدنا الشَّرف والشِّعر في بني النَّوار بنت مجاشع، فبلغ ذلك عطية بنَ جِعال أحد بني غُدانة بن يربوع، فقال: وما أنت وهذا يا بَعيث، أتدخلُ بين بني يربوعٍ وأنت رجلٌ من بني مجاشع. فبلغ ذلك جريراً فأنشأ يقول: طَافَ الْخَيالُ وَاَيْنَ منْكَ لِمَامَا ... فَارْجِعْ لِزَوْرِكَ بِالسَّلاَمِ سَلاَمَا أراد طاف الخيال لِماماً وأين هو منك، والزَّورُ الخيال بعينه، ويقال رجلٌ زورٌ وامرأةٌ زور ونِسوةٌ زورٌ وقومٌ زورٌ، وكذلك في التثنية،

وأنشد: ومشيُهُنَّ بالخُبَيْبِ مَوْرُ ... كما تَهادَى الفَتَياتُ الزَّوْرُ يَسْأَلْنَ بالغَوْرِ وأينَ الغَوْرَ ... والغَوْرُ مِنهنَّ بعيدُ جَوْر فارجع لِزورِك أي فارجِع عليه السلام كما سلَّم عليك. فَلَقَدْ أَنَى لَكَ أَنْ تُوَدِّعَ خُلَّةً ... فَنَيْت وَكَانَ حبَالُهَا أَرْمَامَا الخُلَّة المودَّة، والأرمام الأخلاق، واحدها رِم. وروى أبو عبيدة وعاد حبالُها. فَلَئِنْ صَدَرْتَ لَتَصْدُرَنَّ بحَاجَة ... وَلَئِنْ سُقيتَ لَطَالَ ذَا تَحْوَامَا التحوام من الحَومِ حول الماء والدَّوران حوله والحائمُ هاهنا العطشان. يَا عَبْدَ بَيْبَةَ مَا عَذيركَ مُحْلباً ... لِتُصيب عرَّة مُجرِبٍ وَتُلاَمَا ما عذيرُك ما حالُك، وانشد: إنَّ ربَّي لولا تدارُكُه المل ... كَ بأهلِ العِراقِ ساءَ العذيرُ

والعوفُ الحال أيضاً، وأنشد: أزبُّ السَّاعِديَنِ بعوفِ سَوْءِ ... من الحيِّ الذين على قِنَانِ والقنانُ جبلٌ لبني فقعسٍ من بني أسد. والمُحِلب المعين، والعُرَّة الجَرب، والمُجرِب الذي قد جَرِبت إبلُه. نُبِّئْتُ أَنَّ مُجَاشعاً قَدْ أَنْكَرُوا ... شَعَراً تَرَادَفَ حَاجبَيْكَ تُؤَامَا أراد أنه أزبّ الحاجبين، كثيرُ شعرهما، يقال: ما أشدَّ زَبب شعرك. ويروى شعراً تَردَّف، أي رَكِب بعضه بعضاً، تُؤاما تَنبِت شَعرتان في مكان. يَا ثَلْطَ حَامضَة تَرَوَّحَ أَهْلُهَا ... عَنْ مَاسِط وتندَّت الْقُلاَّمَا الثَّلطُ سَلحُ البعير، والحامضة التي تأكل الحَمض، يقال: حامِضةٌ وحَمضِيةٌ، فإذا رعت الإبل الخُلَّة فهي خُلِّية وعاديةٌ وعُدويةٌ، فإذا رعت الطَّلح فهي طِلاحيَّةٌ. وماسِط ماءٌ لبني طُهيَّة، مِلحٌ يَمسُط ما في بطونِها يُخرجه لملوحته وخُبثه. والقُلاَّم القاقُليُّ وهو من الحُموض. والتَّنديةُ أن تُسقى الإبل فإذا نَهِلت نُدِّبت حول الماء في الحمِض شيئاً، ثم تُعَلُّ فلا تكون التَّندية إلا في الحمض. أُنْبئْتُ أَنكَ يَا ابْنَ وَرْدَةَ آلِفٌ ... لِبَني حُدَيَّةَ مُقْعَداً وَمُقَامَا

وردةُ أمُّ البَعيث وهي من سَبي أصفهان، وكان القَعقاعُ بن مَعبِد بن زُرارة بن عُدس وَهبها لأبيه. وحُديُّة أمُّ بني ذُهيل غسان وإخوته. وإذَا انْتَحَيْتُكُمُ جَميعاً كُنْتُمُ ... لاَ مُسْلمينَ وَلا عَلَيَّ كِرامَا انتحيتُكم قصدتُكم وأردتُكم. ويروى انتحيتهم أي انتحيتَهم أنت يا بعيثُ وعاونتَهم. وَلَقَدْ لَقِيتَ مَؤونَةً منْ حَرْبِنا ... نَزَلَتْ عَلَيْكَ وَألْقَت اْلأَجرَاما الأجرامُ جماعةُ جِرم، أراد ثِقل الحرب. وجِرم الرجل بَدنه، وجِرمُه صوته، وجِرمُه رائحتُه. مَهْلاً بَعيثُ فَإنَّ أُمَّكَ فَرْتَنَا ... حَمْرَاءُ أَثخَنَت الْعُلُوجَ رُداما يقال للأمة فرتنا وتُرنا، والردام الضراط. يقال: ردمَ يردمَ رُداما، يعني حبقا يعني الضراط. يقال ردمَ يردِم، وحبقَ يحبِقَ، وحصَم وحَصَّ حُصاصا، وخبج وخضف كله بمعنى واحد. كانتْ مُجَرَّبَةً تروزَ بكَفِّهَا ... كَمرَ العبيد وتلعبُ المهزَاما المهزام لعبة لهم يلعبونها يُغطّى رأس بعضهم ثم يُلكم، فيقال له: من لكمك؟ فيقول: فلان، وإنما يريد أنها امرأة جريئة تلاعب الرجال، والمهزام الدّستبند.

ولقد أصابَ بني حُدَيَّةَ ناطِحٌ ... ولقد بُعثتُ على البعيث غَرَاما قال: فبلغ ذلك البعيث، فركب إلى بني الخطفى، فقال عجلتم علي، فقالوا بلغنا عنك أمرٌ، فإن شئت قلت كما قلنا، وإن شئت صفحت، قال بل أصفح. فأقام فيهم مجاورا لهم ثلاث سنين، ثم إنه أبق له عبدان، فلحقا بهجر، فركب عمرو بن عطية أخو جرير وعطاء بن الخطفى فردّا عليه عبديهِ بغير جعالة. ثم إنه فارقهم راضياً، فقدم على ناس من بني مجاشع، فسألوه عن بني الخطفى، فأثنى عليهم خيراً. فقال له رجل منهم: لحسن ما جازيتهم على الذي قالوا لك، ثم أنشده قول جرير: نُبِّئتُ أن مجاشعاً قد أنكروا ... شَعَراً ترادَفَ حاجِبيك تؤاما يقال لحسن ما فعلت، ولحسن ما فعلت، قال وأنشدنا أبو توبة: لا يمنعُ الناسُ مني ما أردتُ ولا ... أعطيهُمُ ما أرادوا حَسنَ ما أدَبا فلم يزالوا به حتى أغضبوه، فهجا البعيث بني كليب بأبيات يقول فيها: أجريرُ أقصَر لا تَحِنْ بك شِقوَةٌ ... إن الشقيَّ ترَى له أعلاماً فقالت بنو كليب لعطاء بن الخطفى: اركب إلى بني مجاشع

وأستنههم من أنفسهم، فقد قالوا كما قيل لهم. فأتاهم عطاء، فقال: أي بني مجاشع، أنتم الإخوة والعشيرة وقد قلتم كما قيل لكم فانتهوا عنا، فأبى البعيث إلا هجاءهم، فالتحم الهجاء بين جرير والبعيث وسقط غسان. فقال البعيث يهجو جريرا: ألا حَيِّيا الرَّبعَ القَواءَ وسَلِّمَا ... ورَبعاً كجُثمان الحَمامَين أدهَما القواء المكان الخالي، ويروى ونؤيا. يقال مكان قواء وقي، والجثمان جسم الحمامة يعني القمرية، وشبه الربع وما فيه من لون الرماد والدمنة وأثر مصب اللبن وأثر بياض الأرض، بريش القمرية لما فيه من السواد والبياض، أدهم ربع حديث العهد بالناس، قال الأصمعي ولو كان قديماً قال أغبر، ويقال: جثمان وجسمان. بِصارَةَ فالقَوِّينِ لأَياً عرفتُهُ ... كما عرفَ الحَبرُ الكتابَ المُنمنما وروي فالفرقين. صارة والفرقان موضعان. وقوله لأيا عرفته أي بعد بُطء عرفته. والحبر العالم. والمنمنم المزيّن المُصلح. مِنَ الغاليَات في وسامٍ كأنما ... تُشابُ رُضاباً منْ سَحابٍ مُحَطَّمَا الوسام الجمال والرضاب الريق. شبهه بماء السحاب، والمحطم الي يتحطم بماء كثير وروي لبيضاء حلّت في وسام، وتُشاب رضابا يعني بردا. محطما مكسرا. الغاليات ذات المهور الغالية.

مَدَحنَا لها رَوقَ الشبابِ فعارضَتْ ... جِنَابَ الصَبّيَ في كاتِمِ السِّرِّ أعجمَا روق الشباب وريقة أوله. ومعارضتها انقيادها. والسر الكاتم المكتوم، وهذا ضد، يقال: سر كاتم، وشِعر شاعر، وماء دافق، ويقال للناقة الراحلة وهي مرحولة فجعلوا المفعول فاعلاً. قوله: فعارضت جناب الصبي أي دخلت معنا فيه دخولاً ليست بمُباحته، ولكن تُرينا أنها داخلة معنا فيه، وليست بداخلة، والصبي يعني الغزل. وقوله في كاتم السر أعجما يعني في فعل كاتم السر لا يتبينه من يراه، وهو مستعجم على غيرنا، وهو واضح عندنا. بَنِي الخَطفَى هل تَدفِنُنَّ أباكُمُ ... كُليباً ومَولاكُم حَراماً ليُكتَما أراد عمرو بن يربوع، وأمه الحرام بنت العنبر. وكليب وعمرو خسيسان من بني يربوع. فكُلُّ كُليبيٍّ عليه علامةٌ ... من اللُّؤمِ تبدو حاسراً ومُعمَّما ويروى عمامة. فانكَ قد جاريتَ سابقَ حَلُبَة ... نجيبَ جيَاد بينَ فرعينِ مُعلما معلم مسوّم، ويروى معلنا يعني معروفاً يعلم مكانه. لِزازَ حِضَارٍ يسبِقُ الخيلَ عَفوُهُ ... على الدَّفعَةَ الأولى وفي العقَب مِرجَما العقب العدو بعد العدو، والمرجم المدفع الذي يدفع بنفسه، لزاز قوي

شديد، وأصل اللزاز مُتّرس الباب ويقال له الشجار. لقى حَملَتهُ أمُّهُ وهيَ ضَيفةٌ ... فجاءتْ بِنَزّ للنُّزَالة أرشَما اللقى الملقى المُهان. وإنما يخاطب بهذا جريراً وأن أمه حملته، وهي ضيفة لقوم، فجروا بها، أراد أنها جاءت به نزّاً خفيفاً. والأرشم الذي ليس بصحيح ولا هجان اللون، ويقال: لقى غير منعّم ولا ممهّد وقوله حملته أمه وهي ضيفة أي على غير تمكّن ولا تفرّش، وذلك أذكى للولد، وأحرى أن يُنزع إلى أبيه ولا إلى أمه، نزّ خفيف ذكي شجاع، قال والنزالة النطفة والنز الخفيف قال: يعني سرعة مائها. أرشم أصحم الوجه إلى السواد، ويقال الأرشم الذي به وسم وخطوط، ويقال: الذي يشتمل على الطعام ويحرص عليه، ويروى من نُزالة أرشما. مُدَامِنُ جَوعَات كأنّ عُروقَهُ ... مَسَارِبُ حَيَّات تَشَرَّبنَ سِمسِما وروى تشربن سَمسما. وسَمسم بلد. تشربن ذهبن فيه وجئن. يقول: كأن عروقه من هُزاله وجوعه مثل آثار حيّات غلاظ. تشربن دُهن سِمسم، مسارب حيات يقول: هو بادي العروق معصب قليل اللحم وذلك أحق له في المجاراة. فألقى عَصا طَلحَ ونَعلاً كأنها ... جَنَاحُ سُمانَى صَدرُها قد تَخذَّمَا يريد أنه راع، وأن سلاحه عصا، وشبه نعله بجناح سمانى في دقتها وصغرها، يقول: إنه غير تام الخلق وأنشد:

ولو أخذوا نعلَ الغَطَمَّشِ لاحتذَوا ... لأقدامِهم منها ثمانِي أنعُلِ الغطمش رجل من بني ضبّة كان لصاً وتخذّم تقطّع. وأبيضَ ذي تاج أشاطَت رمَاحُنا ... بمعُتركَ بين السّنَابك أقتَمَا أشاطت أهلكت، ومعترك الحرب موضع وقعتها، والسنابك مقاديم الحوافر، والأقتم الأغبر، الغبرة دون الكدرة ثم الكدرة ثم القترة ثم القتمة وهي أشدهن سواداً. هَوى بينَ أيدي الخيلِ إذ خَطرَتْ به ... صُدور العَوالي ينضَحُ المِسكَ والدّما خطرت به اهتزت فيه، لأن الطعن إذا هُزّ الرمح فيه اتسع، صدور العوالي صدور الرماح، وقوله ينضح المسك والدما يقول: هو ملك فإذا ظهر دمه خالط ما تطلّى به من المسك ففاح ريح المسك. ونحنُ حَدَرنَا طَيِّئاً عن بلادهَا ... ونحن رَدَدنا الحوفَزانَ مُكلَّمَا أما يوم طيءٍ الذي ذكر فإن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، لما حضرته الوفاة أوصى إلى عمرو بن عمرو بن عدس أن يطلب بثأره من عمرو بن ملقط الطائي، وكان هو الذي وشى بهم إلى عمرو ابن المنذر اللخمي. وعمرو بن المنذر هو مضرّط الحجارة، فحرّق من بني تميم يوم أوارة، تسعة وتسعين رجلاً وامرأة تمّ بها نذره، فأمر عمرا أن يُغير على طيء، فلما مات زرارة أغار عمرو بن عمرو بن عدس على طيء فقتل بشراً كثيراً، وأفلته عمرو بن ملقط، وهو قول علقمة بن عبدة:

أصَبنَ الطريفَ والطريفَ بَن مالكٍ ... وكان الشِّفاءُ لو أصَبنَ الملاقِطا إذاً علموا ما قدَّمُوا لنفوسِهم ... من الشَّرِّ إن الشرِّ مُردٍ أراهِطا ضَرَبنا بُطونَ الخيلَ حتى تَدارَكتْ ... ذوي كَلعٍ والأشعثَين وخَثعَما هذا يوم نجران، وكان الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع، انصرف من الكلاب، فأغار على نجران وهو في ألفين، وفيها أخلاط من اليمن من حمير وهم المتكلِّعون بلغة حمير، وكانت القبائل إذا اجتمعت وتناصرت فقد تكلَّعت، والاسم منه التكلّع، ومنهم سُميفع بن ناكور الكلاعي، الوافد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وله أربعة آلاف أهل بيت قن من العرب مماليك أسرهم في الجاهلية، فسأله عمر أن يبيعهم إياه، على أن يكتب له بثلث ماله إلى الشام، وثلثه إلى العراق، وثلثه إلى اليمن، فقال أمهلني أرُح إليك. فلما راح قال: ما صنعت؟ قال: قد أعتقهم لله، وقُتل بعد مع معاوية بصفين. والأشعثان الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن جبلة الكندي وأخو الأشعث. وخثعم هو أفتل بن أنمار أخو بجيلة، قال بن الكلبي إنما سمي خثعماً بجمل كان له. فهزم جمعهم الأقرع بن حابس وغنم وسبى. قال ابن حبيب كان هشام يقول معدا كرب. وكلُّ مَعَدٍّ قد جَزينا قُرُوضَهُم ... فبُؤسَى ببُؤسَى أو بَنعمَاءَ أنعُما بؤسى فُعلى لا ينصرف، يقول جزينا لناس بالبؤسى، وبالنعماء أنعما

وأما قصة الحوفزان، فكان من حديثه أنه كان عميرة بن طارق بن ديسق أحد بني ثعلبة ابن يربوع تزوج مرية بنت جابر بن بُجير بن شريط العجليّ - وهي أخت أبجر لأمه وأبيه، أمهما أسماء بنت أبي حوط النمريّ الذي يقال له أبو حوط الحظائر، وأم عميرة ابنة بجير - فخرج حتى ابتنى بها في بني عجل، وتحت عميرة أيضاً بنت النطف بن الخيبري أحد بني سليط بن يربوع. فقال أبجر لعميرة وهما في بيت عميرة: إني لأرجو أن آتيك بابنة النطف، فقال عميرة: ما أراك تُبقي عليّ من أن تحرُبني وتشينني، ثم إن أبجر ندم، فقال: ما كنت لأغزو قومك ولكني متياسر في هذا الحي من تميم، فقال له عميرة: قد علمت ما كنت لتفعل. فغزا أبجر والحوفزان متساندين، هذا فيمن تبعه من اللهازم - واللهازم قيس وتيم اللات ابنا ثعلبة بن عكابة، وعنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وعجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل - والحوفزان في بني شيبان، واسم الحوفزان الحارث بن شريك. وإنما سمي الحوفزان، لأن قيس بن عاصم المنقري زجّه بالرمح حين فاته فحفزه عن سرجه فعرج منها. ووكّل أبجر بعميرة أخاه حرقصة بن جابر، وتحت أبجر امرأة من بني طهية يقال لها سلمى بنت محصن، ففصل الجيش من عين صيد، وأقبلت بكر بن وائل يفرون، مخافة أن يُعقّب عليهم، حتى نزلوا النويطف دون عين صيد من القصيمة، ثم ساروا حتى نزلوا الكلواذة من أرض السواد، وهي أرض بين البصرة والكوفة، فأقبل عميرة إلى سلمى عشاء، فقال: يا سلمى كيف أنت لو قد جاء غلمان بكر بن وائل بنساء قومك يقودونهن، وإني رجل موكّل بي فإلا تُعينيني على حيلتي أبرم بها، قالت: فأني أعينك بما أردت وهي حُبلى برافع بن أبجر متم، فأصبح الناس ظاعنين، وقالت: إني ماخض، فسار عميرة في السلف المتقدمين، ثم قال

لحرقصة: لعليّ لو رجعت إلى أهلي فاحتملتهم، فقد ولدتْ صاحبتُهم، فقال حرقصة: لا أبالي أن تفعل. فكرّ عميرة على ناقة له يقال لها الجنيبة؛ فلقي المرأة قد احتُملت هي وصواحبها فوافقته، فقالت: قد خبأت حيث كان فراشي زادك وسقاءك، فمضى حتى استثارهما ثم نفذ: فلم يفقده الناس حتى تحالوا مغرب الشمس، ففقده حرقصة، فأتى أخته مرية امرأة عميرة، فقال لها: أين هو؟ قالت: لاقانا ضحى فوافقنا ثم مضى إلى دارنا فلم نره بعد، فاستحيا حرقصة أن يذكر أمره لأحد حتى جن عليه الليل، وتحدث به الرجال من قبل النساء. فأقبلوا إلى حرقصة، فقالوا: ويلك ما صنع الرجل؟ قال: ما أظنه إلا ذهب. قالوا: إن تكن في شك فإنا مستيقنون. فسار عميرة يومه وليلته والغد حتى إذا لقي أنف الزور من الصحراء وغربت الشمس وأناخ، فحل راحلته وقيدّها وعصب يديها، ثم نام، حتى إذا علاه الليل قام فلم ير الناقة، قال: فسعيت يميناً وشمالاً، فإذا أنا بسواد من الليل عظيم، فحسبته الجيش فبت أرصده، أخاف أن يأخذوني حتى أضاء الصبح، فإذا خمسون ومائة نعامة، وإذا ناقتي تخطر قائمة قريبة مني، وأنا غضبان على نفسي، فأجددت السير يومي ذاك حتى أرد سفار، فأجد في منازل القوم نسعة فسقيت راحلتي - وسفار ماء لبني تميم - وطعمت من تمر كان معي، وشربت ثم ركبت مسي الثالثة، فأصبحت بالحطّامة من ذي كريب، فإذا أنا بناس يعلقون السدر - يعني يرعونه - فتحرّفت عنهم مخافة أن يأخذوني، فناداني بعضهم: إنما نحن صُدّار البيت فلا تخف - والصدار الراجعون، أراد أنهم كانوا حجاجاً - فنفذت حتى أُصبّح طلح وبها جماعة بني يربوع، فقلت قد غزاكم الجيش من بكر بن وائل برئيسين وكراع وعدد، فبعث بنو رياح بن يربوع فارسين طليعة، أحدهما غلام للمشبّر أخي بني هرمي بن رياح،

وبعث بنو ثعلبة فارسين ربيئة في وجه آخر، أحدهما المطوّح بن أطيط، والآخر جراد بن أنيف بن الحارث بن حصبة، ومكث بنو يربوع يوقدون نارهم على صمد طلح، وأطلعوا السبي للشقيق فكانوا كذلك ثلاثاً - والشقيق من الرمل الجدد بين الرملين وربما كان ميلاً وخمسة أميال وأكثر - ثم إن فارسي بني ثعلبة جاءا فقالا لم نحسس شيئاً، فقال عميرة: فما تمنيت الموت قط إلا يومئذ، حين جاء الفارسان لم يُحسا شيئاً مخافة أن يكونوا أرادوا غيرهم، فيكون ما حدثتهم باطلاً، وليلة ذهبت ناقتي مخافة أن أوخذ فيقال نام فأُخذ، فلما تعالى النهار من اليوم الثالث، طلع فارسا بني رياح، فإذا العبد لا يوقّي فرسه خباراً ولا حجراً ولا جُرفاً، وهو على الخصي فرس بني قيس بن عتّاب بن هرمي، فقالا: تركنا القوم حين نزلوا القسومية، قال: فتلببنا ثم ركبنا ثم أخذنا طريقاً مختلفاً حتى وردنا الينسوعة حين غابت الشمس، فوجدنا معركة القوم حين استقوا وسقوا ونثروا التمر وتخففوا للغارة، ثم أخذوا بطن المذنب، فاتبعناهم حتى وارى أثرهم عنا الليل، واستقبلوا أسفل ذي طلوح وتحتي فرس ذريعة العنق، فمضت بي الخيل ففقدني عتوة بن أرقم بن نويرة، فقال: يا بني يربوع، إن عميرة قد مضى ليُنذر أخواله. فقال عتيبة بن الحارث بن شهاب: كذبت ما ينفس عميرة علينا الغنم والظفر، أما خاصّته فأنا لها جار، وعتيبة رأس بني يربوع يومئذ قال: فسمعت ما قال الرجلان فوقفت حتى أدركوني، وقد خشيت لغط القوم مخافة أن يُنذروا بأنفسهم، حتى إذا كنا حيث اطّلع الطريق من ذي طلوح، وقفنا وأمسكنا بحكمات الخيل ثم بعثنا طليعة أخرى، فأتانا فأخبرنا أنهم بالطلحتين، نزول بأسفل وادي ذي طلوح. فمكثنا حتى إذا برق الصبح، ركبنا وركب القوم، واستعدوا للغارة. وقد كان أبجر حين مروا

بسفار، قال للحوفزان: تعلّم أني لأظن عميرة قد دهانا، وإني لأعرف هذا النوى. قال الحوفزان ما كان ليفعل. قال: فدفعنا الخيل عليهم، وهم يريدون أن يغيروا: فكنت أول فارس طلع، فناديت با أبجر؟ هلم إليّ. قال: من أنت. قلت عميرة، قال: كذبت، فسفرت عن وجهي فعرفني، فنزل عن فرس كان مركّباً عليها - المركّب الذي يركب فرس غيره، ويغزو عليه، فله نصف الغنيمة وأنشد: لا تركبُ الخيلَ إلا أن تُرَكَّبَها ... ولو تَجَمَّعنَ من حُمرٍ ومن سُودَ لابن الغزالة السكوني - وابن الغزالة في شيبان - وعليّ مُلاءة لي حمراء فطرحتها، ثم جلس عليها، وقد قال لي قبل أن يجيء: إني مركّب. قلت: فتعال على ذلك، وتحتي فرس لأبي مليل. قال: فأقبل وما نظر إلى ذاك. قال: وأُخذ الجيش كلهم، فلم يُفلت منهم أحد غير شيخ من بني شيبان، ثم أحد بني أسعد بن همام نجا على فرس له، وقد كان أخوه معه فأُخذ، فلما أتى الحي سألته بنت أخيه عن أبيها، فقال الشيخ: تسائلني هُنيدَةُ عن أبيها ... وما أدري وما عَبَدَتْ تميمُ غداةَ عَهِدْتُهُنَّ مُغَلصَماتٍ ... لهُنَّ بكلِّ مَحنيةٍ نحيمُ فما أدى أجُبنا كان طِبيِّ ... أم الكُوسَى إذا عُدَّ الحزيمُ الكوسى من الكيس، والضوقى من الضيق، والخورى من الخير. وقالت امرأة لضرتها: ما أنت بالخورى ولا الضوقى حراً والحزيم من الحزم، ومغلصمات مشددة الأعناق. وأُخذ الحوفزان يومئذ، أخذه حنظلة بن بشر بن عمرو بن عمرو بن عدس، وكان نقيلاً في بني

يربوع، ولم يشهدها من بني مالك بن حنظلة غيره، فاختصم عبد الله بن الحارث، وعبد عمرو بن سنان بن وعلة بن عوف بن جارية بن سليط، فاختصموا فيه، فقال الحوفزان حكّموني في نفسي، فوالله لا أخيّب ذاحق فحكّموه فأعطى أبا مليل عبد الله بن الحارث مائة من الإبل، وأعطى عبد عمرو بن سنان مائة، وجعل ناصيته لحنظلة بن بشر، فقال عبد عمرو للحوفزان: إن بين بني جارية بن سليط، وبين بني مرة بن همام موادعة، وإنه لا يحل لي أن أرزأك منها شيئاً، وأما أبو مليل فكان يسمي المائة التي أخذ منه الخباسة، والخباسة الغنيمة، وأنشد للبيد: خُبَاساتُ الفوارِسِ كُلِّ يومٍ ... إذا لم يُرْجَ رِسلٌ في السَّوام وردها عبد عمرو بن سنان. وأُخذ سوادة بن يزيد بن بجير، أخذه عتوة ابن أرقم، فانتزعه عميرة بن طارق. وأُخذ عبد الله بن عنمة الضبي يومئذ، وكان في بني شيبان، فافتكه متمم بن نويرة. وأُسر سويد بن الحوفزان، وأسر سعد بن فلحس الشيباني أحد بني أسعد بن همام. فقال عميرة بن طارق: أقِلِّي عليَّ اللومِ يا أُمَّ خِثرِما ... يَكُنْ ذاك أدنى للصواب وأكرَمَا ولا تعذُليني أنْ رأيتِ مَعاشِرا ... لهم نَعَمٌ دَثْرٌ وأن كُنتُ مُصرِما المصرم صاحب الصرمة وهي القطعة من الإبل، والدثر الكثير يقال عليه مال دثر ودبس ودبر، وعُكمس وعُكامس وعُكاجس وعكنان إذا

كان كثيراً. متى ما نَكُنْ في الناسِ نحنُ وهمْ معاً ... نكن منهُمُ أكسى جُنوبا وأطعَمَا مَنَاكِ الإلهُ إن كرِهتِ جِمَاعَنا ... بمثلِ أبي قُرطٍ إذا الليلُ أظلما مناك الإله مثل بلاك الله به، وكان أبو قرط هذا رجلاً بخيلاً، كثير المال، إذا ما رأى ذَوداً ضَنِئنَ لعاجِزٍ ... لئيمٍ تصدّى وجههُ حيثُ يمَّما الذود ما بين الثلاث إلى العشر، وضنئن أنسلن - والضنؤ النسل وأنشد: ابنُ عجوزٍ ضَنؤها غيرُ أمِرْ صَهصَلِقِ الصوتِ بعينيها الصَّبرَ تعدو على الحيِّ بِعودٍ من سَمُرْ ... حتى يَفِرَّ أهلُها كُلَّ مَفَرْ لو نُحرَتْ في بيتِها عشرُ جُزُرْ ... لأصبحتْ من لحِمهِنَّ تعتذر بِحَلِفٍ سَحٍّ ودمعٍ منهمر السح المتتابع، والمنهمر السائل. يسوقُ الفِراءَ لا يُحسَيِّنَ غيرَهُ ... كَفيحا ولا جاراً كريماً ولا ابنمَا وروي يسوّق وفرا. والوفر وطاب مملوءة، لا يُحسيّن غيره أي لا يشرب منهن غيره. والفراء إبل كانت له تُدعى بهذا الاسم، والفراء الحمير واحدها فرأ مقصور، يقول: لا يحسّين ضيفاً من ألبانها، والكفيح الذي يأتيك فُجاءة يقال لقيته كفاحاً ونقاباً ولُقاطاً والتقاطاً.

وعين عُنّة، وصَحرة بحرة، وفِلاطاً بمعنى واحد. فَدعَ ذا ولكن غيرهُ قد أهمّني ... أميرٌ أرادَ أن أُلامَ وأشتَما فلا تأمُرَنِّي يا ابنَ أسماءَ بالتي ... تُجِرُّ الفتى ذا الطعمِ أن يتكلما الأجرار أن يُشق لسان الفصيل إذا أرادوا فطامه لئلا يرضع - وأنشد: فلو أنّ قومي أنطقتني رِماحُهُمُ ... نطقتُ ولكنَّ الرماحَ أجَرَّتِ هذا يقوله عمرو بن معدي كرب في بعض حروبه، التي كانت بينه وبين بلحرث بن كعب، قاله في يوم نهد وجرم. وكان ذلك اليوم عليه، يقول: لو أن قومي أبلوا بلاء حسنا ذكرت ذلك، ولكن رماحهم أساءت البلاء فقطعت لساني عنهم. - وذو الطعم ذو الحزم والعقل، يقال: ما به طعم، ولا نويص، ولا حَراك ولا نَوص، ولا نَطيش، ولا حَبض، ولا نبض، إذا لم يكن عنده قوة ولا حراك. بأن تغتزُوا قومي وأجلِسَ فيكُمُ ... وأجعلَ علمي ظَنَّ غَيبٍ مُرَجَّما ولمّا رأيتُ القومَ جَدَّ نفيرُهم ... دعوتُ نَجيِّى مُحرِزاً والمُثَلَّما هذان رجلان من البراجم - والبراجم من بني مالك بن حنظلة، وهم الظليم وكلفة ومرة وقيس - وكان محرز والمثلم في بني عجل، فلما أراد أبجر الغزو شاورهما يستعين برأيهما.

وأعرضَ عني قَعنَبٌ وكأنما ... يرى أهلَ أُودٍ من صُداءَ وسَلهَمَا قعنب رجل من البراجم، وكان ممن شاوره، فلم يُشر عليه بخير، وأهل أود بنو يربوع. وصداء في بلحرث بن كعب، وهم إخوتهم وعدادُهم فيهم. وسلهم من خثعم، د وسلهم في مذحج أيضا: فكَلَّفتُ ما عندي من الهمِّ ناقتي ... مخافَةَ يومٍ أن أُلامَ وأندَما فمَرَّتْ بجنبِ الزَّورِ ثُمَّتَ أصبحتْ ... وقد جاوزتْ بالأقحُواناتِ مَخرِما كأن يديها إذ أجَدَّ نَجَاؤُها ... يَدا مُغولٍ خرقاءَ تُسعِدُ مأتَما تُرائِي الذين حولَها وهي لُبُّها ... رَخِيٌّ ولا تبكي لِشَجوٍ فَتَيلَمَا ويروى ترائي اللواتي حولها وهي بالُها، وتيلم أراد تألم من الألم وهي لغته. ومرَّتْ على وحشِيِّها وتذَكَّرِتْ ... نَصِّياً وماءً من عُبَيَّةَ أسحَمَا عبية وعُباعب ماءان لبني قيس بن ثعلبة ببطن فلج، وفلج لبني العنبر، والنصي نبت من الجنبة وهو نصي ما كان رطباً، فإذا جفّ فهو حلي وهو أبيض. فقامت عليه واستقرَّ قُرورُها ... من الآينِ والنَّكراءِ في آلِ أزنَمَا وقرارها واحد، وأزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع. سأُجشِمها من رَهبَةٍ أن يُعزَّهم ... عَدُوٌّ من المَومَاةِ والأمرِ مُعظَما حَلفتُ فلم تَأثَمْ يميني لأثأرَنْ ... عَدِيّاً ونُعمانَ بنَ قَيلٍ وأيهَمَا

ويروى ترائي اللواتي حولها وهي بالُها، وتيلم أراد تألم من الألم وهي لغته. ومرَّتْ على وحشِيِّها وتذَكَّرِتْ ... نَصِّياً وماءً من عُبَيَّةَ أسحَمَا عبية وعُباعب ماءان لبني قيس بن ثعلبة ببطن فلج، وفلج لبني العنبر، والنصي نبت من الجنبة وهو نصي ما كان رطباً، فإذا جفّ فهو حلي وهو أبيض. فقامت عليه واستقرَّ قُرورُها ... من الآينِ والنَّكراءِ في آلِ أزنَمَا وقرارها واحد، وأزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع. سأُجشِمها من رَهبَةٍ أن يُعزَّهم ... عَدُوٌّ من المَومَاةِ والأمرِ مُعظَما حَلفتُ فلم تَأثَمْ يميني لأثأرَنْ ... عَدِيّاً ونُعمانَ بنَ قَيلٍ وأيهَمَا هؤلاء قوم من بني يربوع، قتلتهم بنو شيبان يوم مليحة. وَبَرَّتْ يميني إذ رأيتُ ابنَ فَلحَسٍ ... يُجَرُّكما جَرُّوا هَدِيَّ ابنِ أصرَما الهدي الجار ههنا، والهدي العروس، والهدي الشيء يُهدى. فأفلت بسطامٌ جَريضاً بنفسِه ... وغادرنَ في كَرشاءَ لَدناً مُقَوَّما جريضاً يجرض بريقه يغص به، وذلك إذا كان بآخر رمق، ويقال أفلتَ فلان جريضاً وأفلت جريعة الذقن وأفلت بذمائه وأفلت بحشاشة نفسه، وكرشاء رجل.

أثُمَّ أخَذتَ بعد ذاكَ تلومُني ... فسَائِل ذوي الأحلامِ مَنْ كان أظلَمَا وقال عميرة أيضاً: ألاَ أبلِغَا أبا حِمارٍ رسالةً ... وأبجَرَ أنّي عنكما غيرُ غافِلِ أبو حمار الحوفزان، كان له ابنان أحدهما يقال له الحمار، والآخر العِفو، وهو الجحش والعِفا أيضا. رسالةَ مَنْ لو طاوَعُوهُ لأصبحوا ... كُساةً نشاوىَ بين دُرنَا وبابل نَهيتُكُم حتى اتّهَمتُم نصيحتي ... وأنبأتُكُم في الحيِّ ما أنا فاعلُ فلما رأيتُ أن عَصَوني ولم أكُنْ ... ضعيفا كمطروقٍ من القومِ خاملِ وكلَّفتُ ما عندي عَلاةً رَجيلةً ... مِراحا وفيها جُرأةٌ وتَخَايُلُ علاة شديدة، شبهها بعلاة الحداد وهو السندان. والقصرة السندان أيضا. والقرزوم خشبة الحذاء، وهي الجبأة أيضاً، والتخايل الاختيال، والرجيلة القوية. مُذكَّرةً تمضي إذا الليلُ جَنَّها ... تَنَائِفَ منها مَعلَمٌ ومجاهلُ يستحب للناقة أن تكون مذكرة الخلق، ويستحب للفحل أن يكون في خلق الناقة، يقال: بعير مُنّوق وناقة مذكرة.

فأورَدتُها ماء كَسَى الدِّمنُ فوقَهُ ... وريشُ الحَمامِ كالسِّهامِ النَّواصلِ الدمن: القماش والسرجين. السهام النواصل: يعني التي قد سقطت نصالها، فشبه ريش الحمام بها. وأدليتُ في أجْنٍ بِدَلوٍ صغيرةٍ ... لأسقِيَ في حوضٍ جَبىً غير طائِلِ قليلاً فلم تُعطَنْ به وزَجَرتُها ... على حاجة في نفسِها لم تُداخِلَ الأعطان: أن تسقى البعير أول نهلة، فإن كان له مُندّى نديته قليلا ثم عللته، وإن لم يكن مُندّى أنخته في العطن قريباً من الماء هُنيهة ثم عللته. والمداخلة: أن تُدخِل البعير بين بعيرين إذا كان ضعيفاً أو مريضاً، أو أحببت أن تورده بعد ما نهل. فراحَتْ كأنّ الرَّحلَ حُشَّ بجوَنَةٍ ... بذاتِ السِّتارِ أخطأتها الحبائِلُ الجونه هاهنا القطاة، وحش جُعل ظهرها حشواً للرحل. فما ذُقتُ طعمَ النومِ حتى رأيتُني ... أُعارِضُهم وِردَ الحِماسِ النَّواهِلِ الخماس الإبل التي ترد في كل خمس، وهو أخبث الأوراد. والخمس: أن تُغبّ ثلاثة أيام وترد في اليوم الرابع، والنواهل العطاش هاهنا، وقد تكون الرواء في غير هذا الموضع. بفِتيانِ صِدقٍ فوقَ جُردٍ كأنها ... طَوالِب عِقبانٍ عليها الرَّحائِلُ فأسرَعتُما إنفاقَ ما جِئتُما له ... وما كان بَيعاً بالخِفاف المَثاقِلُ ولكنها سُوقٌ تكون صِفاقُها ... سُريجيّةً قد أرهَفَتها الصَّياقِلُ

سريجية سيوف منسوبة إلى سريج طابع من بني أسد. فإذا وقعَتْ هاتا فلوُّوا رُؤوسَكم ... عليَّ وعضُّوا بعدَها بالأنامِلِ سيمنعني الدَّعَّاءُ بالسَّهلِ منكم ... وقيسٌ نَجِيَّي غيرُ مِيلٍ مَعَازِلِ فأبلِغْ بني عِجلٍ ألم يكُ فيهم ... لِقُربايَ راعٍ أو لفضليَ حامِلُ قال أبو جعفر: إذا قال أحدهم الشعر بالركبانية أكفأ، والركبانية أن يتغنّى به ويقطّع كما يقطّع العروض. فيهديهُمُ إذْ أخطأوا قصدَ سُبلِهم ... ولا يَبتَغوا وَسطَ العَدوِّ غوائِلي فإنيَ لو أمهَلتُكُم فغَزَوتُكُم ... فجئتم بسَبيٍ كالظِّباءِ وجامِلِ رَهِبتُ بأن لا تشكروا لي وتفخروا ... عليَّ إذا نازَلتُكُم بالمنازِلِ فأهوِنْ عليَّ بالوعيدِ وأهلِهِ ... إذا حَلَّ بيتي بين شركٍ وعاقلِ وقال عميرة أيضاً: ألمْ يعلمْ سَوادَةُ أيُّ ساعٍ ... وذي قُربى له بلوِىَ الكَثيبِ سوادة بن يزيد بن بجير، أسره عتوة بن أرقم فانتزعه عميرة منه. غداةَ يقالُ ذاك أخو غليظٍ ... يُشَلُّ به على عُريٍ سَليبِ دَأبتُ له ولم تَملأ ذِراعي ... رماحُ القومِ دونكَ في الخُطُوبِ كأني إذ مَننتُ عليكَ فضلي ... مَننتُ على مُقَطَّعَةِ القلوبِ أُرَينبِ خُلَّةٍ باتتْ تَعَشَّى ... أبارِقَ كلُّها وَخْمٌ جَدِيبُ قوله أُرينب خلة، يقول: كأني حمّلت منتي أرينبا لا جزاء عندها ولا

شكر. قال أبو جعفر؛ الأرنب أخور الوحش، وإن القُنبرة تطمع فيها حتى تضربها، والأبارق جمع أبرق وهو رمل وحجارة. فأنبأني ولم يكُ ذاك حَيفاً ... بخُلدِ الدهرِ والمالِ الرغيبِ فلما أن أتيتَ بَني لُجيمٍ ... بِدُرنَا حيثُ تُسمِعُكَ الشُّروبُ نطقتَ مقالةً كَذِباً وزُوراً ... تُرَقِّعُ كُلَّ بُهتانٍ وحُوبِ ذكرتَ به عَجائزَ قاعِداتٍ ... أرامِلَ كُلُّها كَلٌّ رَقُوبَ وأبجَرَ قد دعوتُ ولم يُجِبني ... وأصدقُهُ ويكذِبهُ الكَذوبُ فلما أنْ رأى ما قُلتُ حقاً ... له طُرقٌ موارِدُها شَعوبُ تجنّبَ رِحلتي ولقد يَراهُم ... على شقَّاءَ ليس لها خَبيبُ أراد أنه هارب لا يخبّ ولا يُقرّب ولكنه يُجهد الركض أتاني وهو مُنتَخَبٌ حَشَاهُ ... وما يُدعَى هناك وما يُجيبُ وألفَى مُهرَةَ الكِنديِّ فيها ... مَدِيدُ الحَبِّ واللبنُ الحليبُ المديد الماء والدقيق تُسقاه الإبل والخيل. يقول: مهرة الكندي صُنعه لها وإحسانه إليها. فنَجَّتهُ وقد كان العَوالي ... من الصَّلَوَينِ مُكتَنِعَ الرقيبِ الصلوان مكتنفا الذنب، والمكتنع القريب. وقال عبد الله بن عنمة الضبي، يتشكر لممتم بن نويرة، ويتلهف على عميرة بن طارق، بإنذاره قومه على أخواله بني عجل: عميرةُ فَاقَ السَّهمُ بيني وبينه ... فلا يَطعَمَنَّ الخمرَ إن هو أصعدا

يريد أنه أفسد ما بينه وبينه، وهذا مثل ضربه لأن السهم لا يصلح إلا بفوقه. يقال: فاق السهم وإنفاق إذا انكسر فوقه. يقول: فلا يطعمن الخمر إن هو أفلت، وليكن على حذر. فلم أرَ جاراً وابنَ أُختٍ وصاحباً ... تكيدَّ منا قبلَهُ ما تَكَيَّدا رأيتُ رِجالاً لم نكن لنَبيعَهم ... يَباعونَ بالبُعرانِ مَثنىً ومَوحَدا طعامُهُمُ لحمٌ حرامٌ عليهِمُ ... ويُسقَونَ بعدَ الريِّ شِرباً مُصَرَّدا يقول: إذا رَووا سقوا أسراهم شرباً قليلاً، والشرب النصيب. فإنَّ ليربوعٍ على الجيشِ مِنَّةً ... مُجَلَّلَةً نالت سُويداً وأسعَدا جَزَى الله رَبُّ الناسِ عني مُتَمِّماً ... بخيرِ الجزاءَ ما أعَفَّ وأمجدا كأني غداةَ الصَّمدِ حينَ دعوتُهُ ... تفرَّعتُ حِصناً لا يُرامُ مُمَرَّدا أُجِيَرتْ به دِماءنا فوفَى بها ... وشاركَ في إطلاقنا وتَفَرَّدا أبا نَهشَلٍ فإنني غيرُ كافرٍ ... ولا جاعِلٍ من دونِكَ المالَ مُؤصَدا وقال متمم في ذلك: ونحنُ جَرَرنا الحوفزانَ إلى الرَّدَى ... وأبجرَ كَبَّلنا وقد كاد يَشعَبُ جَرى لهمُ بالغيِّ من أهلِ بارِقٍ ... فأنجَحَ ذو كيدٍ من القومِ قُلَّبُ عميرة بن طارق، وهو الذي أوقعهم في الأسر والغي، والقلّب المتصرف، يقال: رجل حُوّل قُلّب وأنشد: الحُوَّلُ القُلَّب الأريبُ ولا ... يدفع زَوَّ المَنِيَّةِ الحِيلُ زو المنية ما يعدل منها إلى المأمور به، وما انزوى منها إليه.

وقال جرير يرد على البعيث: لمنْ طَلَلٌ هاجَ الفُؤادَ المُتَيمَّا ... وهَمَّ بسَلمَانَينِ أنْ يتكَلَّمَا قال الأصمعي: المتيم المضلل. قال: وهو مأخوذ من الأرض التيماء. قال: والتيماء والتيهاء بمعنى واحد، وهي الأرض التي تُتوه الناس وتتيههم أي تضللهم وتهلكهم، وقال غيره: المتيم المعبّد ومنه تيم الله أي عبد الله. أمنزِلَتَي هِنِدٍ بنَاظِرَةَ أسلَمَا ... وما راجَعَ العِرفَانَ إلاَّ تَوَهُّمَا ناظرة ماء لبني عبس، وقوله اسلما: دعاء لهما بالسلامة من الإقواء، توهما تفرسا بعد هنيهة. وقد آذِنَتْ هندٌ حَبيباً لتصرمَا ... على طُول ما بَلَّى بهِندٍ وهَيَّمَا وقد كانَ من شأن الغواني ظَغائِنٌ ... رَفَعنَ الكُسَا والعبقَريَّ المُرَقِّمَا كأنَّ رُسومَ الدارِ ريشُ حَمامةٍ ... مَحاهَا البِلَى فأستَعجَمَت أن تكلَّمَا وروى كأن ديار الحي، شبه الدار بريش حمامة لاختلاف لونها. طَوى البَينُ أسبابَ الوِصَالِ وحاولَتْ ... بكِنْهِلَ أسبَابُ الهَوى أن تَجَذَّمَا كنهل موضع من بلاد بني تميم، وفي ذلك اليوم قُتل الهرماس، وروي بكنهل أقران. والأقران الحبال تجذّم تقطّع. كأنَّ جمَالَ الحيِّ سُربِلنَ يانعاً ... منَ الوَارِدِ البَطحاءِ مَنْ نخلِ مَلهَمَا

قوله سربلن يانعاً شبّه ما على الهوادج من الرقُم، بالبُسر الأحمر اليانع، وهو المدرك في حمرته وصفرته، وملهم قرية باليمامة لبني يشكر، وأخلاط من بكر. سُقيت دَمَ الحيَّاتِ ما بالُ زائِرٍ ... يُلِمُّ فيُعطَى نَائلاً أن يُكلَّما سُقيت دم الحيات دعا عليها، يقول: تعدّين كلامك نائلاً لي، ودم الحيات سمها. وعهدي بِهنِدِ والشَّبَابُ كأنهُ ... عَسيبٌ نَمَا في رِيَّةٍ فتَقوَّمَا العسيب هاهنا البردية؛ والرية العين الكثيرة الماء، ونما ارتفع، وإنما يريد أنه غض، لين المفاصل، حسن القوام، وروي وأحدث عهدي والشباب. بهِندٍ وهندٌ هَمُّهُ غيرَ أنهَا ... ترى البُخلَ والعِلاَّتِ في الوَعدِ مَغنَمَا لقد عَلِقَتْ بالنفسِ مِنها عَلائِقٌ ... أبَتْ طُولَ هذا الدهرِ أن تتصرَّما دَعتكَ لها أسبابُ طُولِ بَليَّةٍ ... ووجدٌ بِها هاجَ الحديثَ المكَتَّما ويروى أسباب كل بلية، ويروى هاج الفؤاد المتيما. الحديث المكتم حبه إياها. على حين أنْ ولَّى الشبابُ لشَأنِهِ ... وأصبحَ بالشَّيبِ المُحِيلِ تعَمَّما المحيل الذي قد أحال السواد إلى البياض. ألا ليتَ هذا الجهلَ عنا تصَرَّما ... وأحدَثَ حِلماً قلبُهُ فتَحَلَّما أُنيخَتْ رِكَابي بالأحِزَّةِ بعدما ... خَبَطنَ بَحورانِ السَّريحَ المُخَدَّمَا

الأحزة جمع حزيز وهو ما غلُظ من الأرض وانقاد، وظهر البصرة يسمى الحزيز وحوران من عمل دمشق. والسريح النعال، واحدتها سريحة. والمخدم المشدود إلى أرساغها بالسيور الخدام. وأُدني وسَادي مِنْ ذِراعِ شِمِلَّةٍ ... وأترُكَ عَاجاً قد علِمتِ ومعصَمَا الشملة الخفيفة. والعاج أسورة من عاج، ومن ذبل، ومن قرون، يقال لها: المسك أيضاً. وعَاوٍ عَوى من غيرِ شَيئٍ رَمَيتُهُ ... بِقَارِعَةٍ أنَفَاذُهَا تَقطُرُ الدَّمَا أنفاذها جماعة نفذ، ورويَ إنفاذُها، وإنفاذها مصدر، وروى أبو عبيدة أقطارُها تقطر الدما. وإني لقَوالٌ لكلِّ غَريبةَ ... ورُودٍ إذا السَّارِي بَلَيلٍ تَرَنَّما الغريبة من الشعر التي لم يُقل مثلها. والورود التي ترد البلدان على أفواه من يتغنى بها إذا سار ليله كما قال الفرزدق: تَغنَّى يا جريرُ لغيرِ شيءٍ ... وقد ذهبَ القصائدُ للرُّواةِ فكيفَ ترُدُّ ما بعُمانَ منها ... وما بجبالِ مصرَ مُشَهَّراتِ وكما قال الأعشى: به تُنفَضُ الأحلاسُ في كلِّ منزلٍ ... وتُعقَدُ أطرافُ الحبالِ وتُطلَقُ خَروجٍ بأفواهِ الرُّواةِ كأنها ... قَرى هُندُوانِيٍّ إذا هُزَّ صَمَّمَا

قرى كل شيء متنه، وتصميم السيف مضيه في ضريبته. سيف مطبق إذا وقع في المفصل. والمصمم الذي يقطع العظام وغيرها من السلاح، والسراط كذلك، والسقاط الذي يقطع الضريبة ويسقط من ورائها، وأنشد للنمر بن تولب: تظلُّ تحفِرُ عنهُ إن ضَربتَ به ... بعدَ الذراعينِ والساقين والهادي خروج ماضية، يعني ما قال فيه من الشعر، والرواة حملة الشعر، الواحد راوية وهو مأخوذ من الرواية، وهو ما استُقي عليه من جمل أو غيره، والقرى الظهر، وهندواني سيف منسوب إلى الهند، وصمم مضى في العظم. فانِّي لهاجيهِم بكلِّ غريبة ... شَرُودٍ إذا الساري بلَيلٍ تَرَنَّما غرائبَ أُلاَّفاً إذا حانَ وردُهَا ... أخَذنَ طريقاً للقصائدِ مَعلَمَا لعمري لقد جَارَى دَعيُّ مجاشع ... عَذُوماً على طول المُجارَاة مرجَمَا عذوما عضوضاً. مرجما يرجم الأرض بنفسه رجماً شديداً، أي يضربها ضرباً. فأينَ بَنو القعقاعِ عَن ذَودِ فَرتَنَا ... وعن أصلِ ذاكَ القِنِّ أن يُتَقَسَّمَا يعني القعقاع بن معبد بن زرارة، كانت أم البعيث أمَة له، واسمها وردة، من سبي إصبهان اشتراها منه، أو وهبها له بشر بن خالد، فولدت البعيث، وكل أمَة عند العرب فهي تُدعى فرتنا، والقن ابن العبد والأمة، وقوله أن يُتقسما المعنى: أين

هم عنه أن لا يتقسموه فإنه هو عبد لهم. فتؤخذَ مَن عندِ البعَيثِ ضَريبَةٌ ... ويُترَكَ نَسَّاجاً بدَارِينَ مُسلَمَا أرى سَوءةً فَخرَ البَعيث وأمُّهُ ... تُعَارِضُ خالَيه يَسَاراً ومُقسَمَا يبَينُ إذا ألقى العمَامَةَ لُؤمُهُ ... وتعرفُ وجهَ العَبد حينَ تَعَمَّما فهلاَّ سَألتَ الناسَ إن كُنتَ جاهلاً ... بأيّامِنَا يا ابنِ الضَّروُطِ فتَعلَمَا ورِثْنَا ذُرى عِزٍّ وتُلقَى طريقَنَا ... إلى المجدِ عَادِيَّ الموَارِدِ مَعلَمَا ويروى نحوط حمى مجد وتُلقى، الموارد الطرق واحدها مورد، عادي قديم، معلم ظاهر، والمجد الشرف، ويقال في مثل: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار. يضرب مثلاً للرجل، يخبر بفضله، ثم يُبر عن غيره أنه أفضل منه. وما كانَ ذُو شَغبٍ يُمارِسُ عيصَنَا ... فينظُرَ في كَفَّيه إلا تَنَدَّما العيص الشجر الملتف، وقوله فينظر في كفيه. يقول: إذا تعيّف فنظر في يديه علم أنه لاقٍ شراً. سَأحمَدُ يَربوعاً على أنّ وردَهَا ... إذا ذيدَ لم يُحبَس وإن ذادَ حَكَّمَا الورد هاهنا الجيش، شبهه بالورد من الإبل، والورد الإبل بعينها، والورد الماء والورد الحمّى، والورد العطش، والورد الجزء من الليل يكون على الرجل يُصلّيه ويقرؤه وأنشد: ظلَّت تَخفَّقُ أحشائي على كبدي ... كأنني من حِذارِ البَينِ مورُودُ

وذيد حبس، يقول: إذا دُفع لم يندفع، وإذ ذاد هو منع، والتحكيم المنع، والحاكم من هذا أُخذ لأنه يمنع الناس من الظلم، وكذلك حكمة اللجام، لأنها تمنع من غرب الدابة، ويقال قد حكم الرجل إذا انتهى وكف. قال المرقّش: يأتي الشبابُ الأقورِينَ ولا ... تَغبِط أخاكَ أن يُقالَ حَكَم مَصَاليتُ يومَ الرَّوعِ تَلقى عصيَّنَا ... سُرَيجيَّةً يَخلينَ ساقاً ومَعصَمَا مصاليت ماضون، واحدهم مصلات، والسريجية نسبها إلى بني سريج من بني معرض بن عمرو بن أسد بن خزيمة، وكانوا قيونا. ويخلين يقطعن كما يُخلى البقل. وإنّا لقَوَّالُونَ للخَيلِ أقدَمي ... إذا لم يَحِدْ وغُل الفوارِسَ مُقدَمَا الوغل الضعيف، والوغل دخول الرجل على القوم يأكلون ويشربون، ليس منهم، فيأكل معهم من غير أن يُدعى. وقال عمرو بن قميئة: إنْ أكُ مِسكيراً فلا أشربُ ال ... وَغْلَ ولا يسلَمُ مني البعير والواغل الطفيلي وهو الراشن، والوغل ما جلّ في الغربال عن دقة. ومَنَّا الذي ناجى فَلم يُخزِ قَومَهُ ... بأمرٍ قويٍّ مُحرزا والمُثلَّمَا المناجي عميرة بن طارق، والمناجيان البرجميان اللذان ناجاهما عميرة، حين أراد أبجر أن يغزو بني يربوع، وهو يوم بلقاء،

خبر يوم ذات كهف ويوم طخفة

ويوم صمد، ويوم أود، ويوم ذي طلوح. ويومَ أبي قابُوسَ لم نُعطِهِ المُنى ... ولكن صَدَعْنَا البْيَضَ حتى تَهزَّمَا خبرُ يومِ ذاتِ كهفٍ ويومِ طخفَةَ وكان من حديثه أنه لما هلك عتّاب بن هرمي بن رياح بن يربوع، وكانت الردافة له وكان الملك إذا ركب ردف وراءه، وإذا نزل جلس عن يمينه فتُصرّف إليه كأس الملك إذا شرب، وله ربع غنيمة الملك من كل غزوة يغزو، وله إتاوة على كل من في طاعة الملك فنشأ له ابن يقال له عوف بن عتاب، فقال حاجب بن زرارة: إن الردافة لا تصلح لهذا الغلام لحداثة سنه، فاجعلها لرجل كهل. قال: ومن هو؟ قال: الحارث ابن بيبة المجاشعي فدعا الملك بني يربوع، فقال: يا بني يربوع، إن الردافة كانت لعتّاب وقد هلك، وابنه هذا لم يبلغ فأعقبوا إخوتكم، فإني أريد أن أجعلها للحارث بن بيبة. فقالت بنو يربوع: إنه لا حاجة لأخوتنا فيها، ولكن حسدونا مكاننا من الملك، وعوف بن عتّاب على حداثة سنه، أحرى للردافة من الحارث بن بيبة، ولن نفعل ولا ندعها، قال: فإن لم تدعوها فأذنوا بحرب. قالوا: دعنا نسر عنك ثلاثاً ثم آذنّا بحرب. فسارت بنو يربوع ذاهبة عن الملك، ومعها برجمة من البراجم، والملك يومئذ المنذر بن ماء السماء، فخرجت بنو يربوع حتى نزلوا شعباً بطخفة فدخلوا فيه هم وعيالهم - فجعلوا العيال في أعلاه، والمال في أسفله. وهو شِعب حصين له مدخل كالباب. فلما مضى له ثلاث ليال، أرسل في أثرهم قابوس ابنه، وحسّاناً أخاه في جيش كثير من أفناء الناس، واحتبس عنده شهاب بن عبد قيس بن كُباس بن

جعفر بن ثعلبة بن يربوع، وحاجب بن زرارة، فلما مضى للجيش ثلاث، دعاهما الملك. وكانت الملوك تعطى العرب على حسن ظنونهم؛ والكلام الحسن، تُستقبل به الملوك. فقال لحاجب بن زرارة: يا حاجب، قد سهرت الليلة، فأرسلت إليك لتحدثني أنت وشهاب، وأرسل إلى شهاب أيضاً، فقال لشهاب: ما ظنك بالجيش؟ فقال شهاب: ظني أنك قد أرسلت جيشاً مختلف الأهواء، وإن كثروا، إلى قوم عند نسائهم وأموالهم، يدهم واحدة، وهواهم واحد، يقاتلون فيُصدقون، فظني أن سوف يظفرون بجيشك، ويأسرون ابنك وأخاك. فقال حاجب: أنت قد اهترت - أي كبرت - فقال شهاب: أنت أكذب. فتراهن هو وحاجب على مائة لمائة من الإبل. وكان لشهاب رئي من الجن مغضباً، فانتبه من الليل وهو يقول: أنا بَشيرُ نفسية ... نَفَّرتُ حاجباً مِيَهْ فرددها مراراً، فسمعها الملك، فقال لحاجب: ما يقول هذا؟ قال يُهجر. قال: لا والله ما أُهجر، ولكن جيشك قد هزم، وأُسر ابنك وأخوك، وآية ذلك أن يُصبّحك راكب بعيراً، جاعلاً أعلى رمحه أسفله يُخبرك بذاك. وانطلق الجيش، حتى أتوا الشعب، فدخلوا فيه، حتى إذا كانوا في متضايقه حملت عليهم بنو يربوع النعم، وخرجت الفرسان

من شعابه، فقعقوا بالسلاح للنعم فذعرها ذلك، وحُمل على الجيش فردوا وجوههم، واتبّعتهم خيل بني يربوع، تقتل وتطعن، فأدرك طارق بن ديسق بن حصبة بن أزنم قابوس بن المنذر، فاعتنقه وضرب طارق فرس قابوس بالسيف على وجهها، فأطن جحفلتها، ومضى حتى ذبحها، واحتطّه عن السرج. وشد عمرو بن جوين بن أهيب بن حميري بن رياح على حسان أخي المنذر فأسره وهُزم الجيش، وأُخذت الأنهاب، وقُتل يومئذ أبو مندوسة المجاشعي لا يُدرى من قتله. فصبّح الملك تلك الغداة التي قال في ليلتها شهاب. رجل انهزم من أول الجيش، على بعير، فأخبره ما قال له شهاب لم يخرم منه شيئاً. فدعا شهاباً، فقال: يا شهاب: أدرك ابني وأخي، فإن أدركتهما حيّين فلبني يربوع حكمهم، وأرد عليهم ردافتهم، وأُهدر عنهم ما قتلوا، وأهنئهم ما غنموا وأحمل لهم من قُتل منهم، فأعطيهم بها ألفي بعير. فخرج شهاب، فوجد الرجلين حيين، قد جُزّت ناصية قابوس جزّها طارق، فقال قابوس لطارق: إن الملوك لا تُجزّ نواصيها. قال: قد قال ذاك ابن المتمطر لابن عمك حين أسره ثم أطلقه فكفره. لو خِفتُ أن تُدعَى الطَّلاقةُ غيرهَا ... لَقِظْتُ ودوني بطنُ جوٍّ ومِسْطَحٌ فهل مَلِكٌ في الناسِ بعدكَ مُطلَقٌ ... له لِمَّةٌ إلا هوَ اليومِ أجلَحُ وإن شهاباً أتاهم فضمن لهم ما قال لهم المنذر، فرضوا، وعادت الردافة إلى ابن عتّاب بن هرمي، فلم تزل لهم حتى مات الملك، وقال شريح بن الحارث اليربوعي: وكنتُ إذا ما بابُ مَلكٍ قَرَعتُهُ ... قرعتُ بآباءٍ أُولي شَرفٍ ضَخمِ بأبناءِ يربوعٍ وكان أبوهُمُ ... إلى الشَّرفِ الأعلى بآبائه يَنمي همُ مَلكُوا أملاكَ آل مُحَرَّقٍ ... وزادوا أبا قابوسَ رَغماً على رَغمِ

وقادوا بِكُرهٍ من شهابٍ وحاجبٍ ... رُؤوسَ مَعدٍّ بالأزِمَّةِ والخُطمِ عَلا جدُّهُم جَدَّ الملوكِ فأطلقوا ... بطِخفَةَ أبناءَ الملوكَ على الحُكمِ وأيهاتَ من أنقاضِ قاعٍ بقَفرةٍ ... بُدورٌ أنافت في السماءِ على النَّجمِ حِمانَا حِمَى الأُسدِ التي بِشُبُولها ... تَجُرُّ من الأقرانِ لَحماً على لَحمِ وكنّا إذا قومٌ رَمينا صفاتَهُم ... تركنا صُدوعا بالصَّفاةِ التي نرمي ونرعى حِمَى الأقوامِ غيرَ مُحَرَّمٍ ... علينا ولا يرعى حِمانا الذي نحمي وقال متمم بن نويرة: ونحن عَقرنا مُهرَ قابوسَ بعدما ... رأى القومُ منه الموتَ والخيلُ تُحلَبُ عليه دِلاصٌ ذاتُ نَسجأٍ وسَيفُهُ ... جُرازٌ من الجُنثيُّ أبيضُ مِقضَبُ وقال عمرو بن حوط بن سلمى بن هرمي بن رياح: قَسَطنا يومَ طِخفَةَ غيرَ شَكٍّ ... على قابوسَ إذكُرِهَ الصباحُ لَعَمرُ أبيكَ والأنباءُ تَنمي ... لَنِعمَ الحيُّ في الجُلّى رياحُ أبَوا دِينَ الملوكِ فهُم لَقَاحٌ ... إذا هِيجُوا إلى حَربٍ أشاحُوا فما قومٌ كقومي حين يَعلُو ... شهابُ الحربِ تُسعِرُهُ الرِّماح وما قومٌ كقومي حين يُخشى ... على الخودِ المُخدّرةِ الفِضَاح

أذبُّ عن الحَفَائِظِ في مَعَدٍّ ... إذا ما جدَّ بالقومِ النِّطاح كأنهم لِوَقعِ البِيضِ بُزْلٌ ... تَغُضُّ الطَّرفَ وارِدةً قِماحُ القماح الرافعة رؤوسها عن الماء لا تشرب. صَبرنَا نَكسِرُ الأسلاَتِ فيهم ... فَرُحْنَا ناهِرِينَ لهم وراحوا ورُحنَا تَخفِقُ الرَّاياتُ فينا ... وأبناءُ المُلوكِ لهم أُحاح الأُحاح أصله الفلي، وهو العطش. وقدْ أثكَلَتْ أُمَّ البَحِيرَين خَيلُنا ... بِوِردٍ إذا ما استعْلَنَ الرَّوعُ سَوَّماً البحيرين أراد بحيراً وفراساً ابني عبد الله بن عامر بن سلمة بن قشير. واستعلن ظهر، وسوّم أعلم للقتال. وكان من حديث هذا اليوم، وهو يوم المرُّوت، أن قعنب بن الحارث ابن عمرو بن همام بن يربوع، التقى هو وبحير بن عبد الله بن عامر ابن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بعكاظ، والناس متوافقون. فقال بحير، يا قعنب، ما فعلت البيضاء فرسك، قال: هي عندي. قال فكيف شكرك لها؟ قال: وما عسيت أن أشكرها به؟ قال: وكيف لا تشكرها وقد نجتك مني؟ قال قعنب: ومتى كان ذلك؟ قال حيث أقول: لو أمكنتني من بَشامةَ مُهرتي ... لَلاقَى كما لاقت فوارسُ قَعنبِ تمطَّت به البيضاء بعد اختِلاسِهِ ... على دَهَشٍ، وخِلتُني لم أُكُذَّبَ

فأنكر ذلك قعنب، وتلاعنا وتداعيا أن يقتل الصادق منهما الكاذب. ونذر قعنب أن لا يراه بعد ذلك الموقف إلا قتله أو مات دونه. فضرب الدهر من ضربانه، ثم إن بحيراً أغار على بني العنبر يوم إرم الكلبة، وهو نقاً قريب من النباح، فأصاب منهم ناساً، وانفلت منهم منفلتون، فأنذروا بني حنظلة وبني عمرو بن تميم، فركبوا في أثر بحير، وقد سار بمن أخذ من بني العنبر. فكان أول من لحق، بنو عمرو بن تميم، فقال بحير لأصحابه: أنظروا ما ترون؟ قالوا: نرى خيلاً عارضة الرماح. قال: أولئكم بنو عمرو بن تميم. فلحقوا ببحير وهو بالمروت، فاقتتلوا شيئاً من قتال، ثم لحق بنو مالك بن حنظلة، فقال بحير لأصحابه انظروا ما ترون؟ قالوا: نرى خيلاناً ناصبة الرماح. قال: أولئكم بنو مالك بن حنظلة فقاتلوا شيئاً من قتال، ثم لحقت خيل شماطيط فقال بحير: ما ترون؟ قالوا نرى خيلاً شماطيط - أي متفرقة أرسالاً - ليس معها رماح. قال أولئكم بنو يربوع رماحهم عند آذان الخيل وما قوتلتم منذ اليوم إلا الساعة، فكان أول من لحق منهم، نعيم بن عتاب، فطعن المثلم بن قرط أخا بني قشير فصرعه وأسره. ثم لحق قعنب بن عصمة بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بحيراً فطعنه، فأذراه عن فرسه، فوثب عليه كدّام بن نخيلة المازني، فأبصره قعنب بن عتاب وهو في يد كدام، فحمل عليه فأراد كدام منعه، فقال قعنب: رأسك مازِ والسيف - أراد يا مازني رأسك والسيف - فخلى عنه كدام، فضربه قعنب بن عتاب فأطار رأسه. وأخذ يومئذ أرقم بن نويرة صهبان بن ربيعة بن قشير، وكانت أم صهبان امرأة من مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. فقالت بنو عمرو:

يا بني يربوع قتلتم أسيرنا في أيدينا - يعنون بحيراً - فهمّوا بالقتال. فقال أرقم بن نويرة: يا بني يربوع أعطوا بني مازن ابن أختهم من أسيرهم، فأعطاهم بنو يربوع صهبان فرضيت بنو مازن، فأطلقوه. وقتلت بنو يربوع يومئذ بُريك بن قُرط بن عامر وأخاه. وأما المُثلم فإنه بقي بعد طعنه نعيم إياه، فافتدى نفسه بمائة من الإبل، وهُزم بنو عامر. فقال أوس بن حجر: زَعَمتُم أن غَولاً والرِّجامَ لكم ... ومَنعِجاً فاَذكُرُوا والأمرُ مُشترَكُ وقلتم ذاكَ شِلوٌ سوفَ نأكُلُهُ ... فكيف أكلُكُمُ الشِّلوَ الذي تَرَكُوا نفسي الفِداءُ لمن أدَّاكُمُ رَقَصاً ... تَدمَى حَرَاقِفُكُم في مشيكم صَكَكُ الحرقفتان من الإنسان وغيره: رأسا الوركين المتصلان بالصلب، وهما الغرابان، والصكك اصطكاك الركبتين عند المشي. وقال أوس بن بحير في ذلك: لَعَمرُكَ ما أصابَ بَنُو رِياحٍ ... بما احتَمَلوا وغيرُهُم السَّقيمُ بقَتلِهِمُ امرءاً قد أنزَلَتهُ ... بنو عمروٍ وأوْهَطَهُ الكُلومُ فإن كانت رياحاً فاقتُلوها ... وآلُ نُخَيلَةَ الثَّأرُ المُنيمُ الثأر المنيم: الذي ينام صاحبه ويهدأ إذا أدركه.

وقال يزيد بن عمرو بن الصعق: أوارِدَةٌ عليَّ بنو رِياحٍ ... بِعِيرِهِمُ وقد قَتَلُوا بَحيراً فقالت العوراء أخت بني رياح ترد عليه: قَعِيدَكَ يت يزيدُ أبا قُبيسٍ ... أتُنْذِرُ كي تُلاقينَا النُّذورا وتُوضِعُ تُخبِرُ الأقوامَ أنَّا ... وُجِدْنَا في ضِراسِ الحربِ خُورا الإيضاع: السير الرفيع، يقال أوضعت بعيري ووضع هو. وأنشد لأبي محمد الفقعسي سِلْقٍ وراعٍ فإذا كان فَزَعْ ... ألفَيتَني مُحتَمِلاً بَزِّي أضع ألم تعلم قَعِيدَكَ با ابنَ عَمروٍ ... بأنّا نَقمَعُ الشَّيخَ الفَخُورا ونُطلِقُهُ فيَكفُرُ ما سَعَينا ... ونلفِيه لِنُعمانَا كَفورا فأبلِغْ إن عَرضتَ بني كِلابٍ ... بأنّا نحنُ أقعَصنَا بَحيرا وغادَرنَا بُرَيكَيكُم جميعاً ... فأصبحَ مُوثَقا فينا أسيرا أي بريك وأخوته. أفَخراً في الرَّخاءِ بغيرِ فخرٍ ... وعندَ الحربِ خَوَّاراً ضَجُورا وكان المصفّى أخو بني قشير، قتل عمرو بن واقد الرياحي، فقتله نعيم بن عتاب يوم المروت، فقال نعيم في ذلك:

ما زِلتُ أرميِهم بثَغرَةِ نَحرِهِ ... وفارسِهِ حتى ثأرتُ ابنَ واقدِ أُحاذِرُ أن يُخزى قبيلي ويُؤثَروا ... وهم أُسرتي الدُّنيا وأقربُ والدِ شَهيدي سُوَيدٌ والفَوارسُ حوله ... وما أبتَغَي بعدَ سُويدٍ بشاهِدِ أسرة الرجل، وفصيلته وعشريته، وناهضته، وظهرته، البطن الذي هو منه دون القبيلة العظمى. وقالتْ بَنو شَيبانَ بالصَّمدِ إذ لَقُوا ... فَوارِسَنا يَنعَونَ قَيلاً وأيهَمَا كان يوم الصمد، وهو الذي ذكره جرير، وهو يوم ذي طلوح لبني يربوع خاصة، ولم يكن فيه من بني دارم إلا رجل واحد، نقيل في بني يربوع، وهو حنظلة بن بشر وعمرو بن عمرو بن عُدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، الذي شرك في أسر الحوفزان، فافتخر به البعيث والفرزدق على جرير، وهو لجرير دونهما. وأما قيل وأيهم، فكان سبب قتلهما يوم طلحات حومل، وهو يوم مليحة، وذلك أن بسطام بن قيس خرج مغتزياً، وذلك حين ولى الربيع، واشتد الصيف، وقد توجّهت بنو يربوع بينهم، وبين طلح، فذكر لأخريات بني يربوع، أنهم رأوا منسراً فبعثوا مرسلاً أخا بني حرملة بن هرمي بن رياح، فأشرف ضفرة حومل - والضفرة والعقدة: الحبل المتراكم من الرمل - فرُفع له عشرون بعيراً، يعدهن عند طلحات حومل، فحسب أنه ليس غيرهم، والجيش في الخبراء دونهم - والخبراء التي تمسك الماء وتُنبت السدر، والجماعة خبارى - فكرّ يدعو يا آل يربوع الغنيمة، فتسارع الناس أيهم يسبق إليها، فجاءوا متقطعين، فسقطوا على الجيش من دون

الطلحات في الخبراء، فلم تجئ عصبة إلا أُخذوا، وقُتل يومئذ عصمة ابن النحّار بن ضباب بن أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، فقال بسطام حين رآه قتيلاً، ويحكم من قتل ابن النحار؟ وما قُتل هذا إلا لتثكل رجلاً أمه، فكان قاتله الهيش بن المقعاس، من بني الحارث بن همام، فقتلته بنو يربوع بابن النحار يوم العُظالى. وأصابوا نعمان بن قيل. وأيهم اليربوعيين، أصابتهما بنو شيبان، فلما أخذ بنو شيبان اليربوعيين وأسروهم، نظر بنو شيبان فإذا هم لا ماء معهم يبلّغهم، فقالوا: يا بني يربوع، إنكم تموتون قبلنا، وإنّا شاربون ما معنا من الماء، ومانعوه منكم، وليس مُبلغنا، فاختاروا إن شئتم أن تجيرونا بغير طلاقة ولا نعمة، حتى نتوّفى كل سقاء، ونسقى كل دابة من طلح، وإما أن نرجع بكم، فهو هلاكنا وهلاككم. فأجارهم بنو يربوع على غير طلاقة ولا نعمة، فخلّوا عن اليربوعيين واستقى بنو شيبان، فذلك قول عميرة بن طارق: حلفتُ فلم تَأثَمْ يميني لأثأرَنْ ... عَدِيّاً ونعمانَ بنَ قَيلٍ وأيهَمَا وغِلمتَنَا السَّاعِينَ يومَ مُلَيحةٍ ... وحَومَلَ في الرَّمضَاء يوماً مُجَرَّما أشَيبانُ لو كانَ القِتالُ صَبَرتُمُ ... ولكنَّ سَفعاً مِنْ حريقٍ تَضَرَّمَا يقول: لو كنتم تُناصِفون القتال لصبرتم، ولكن لقيتم النار لا يد لكم بها، كما قال أوس بن حجر: فما جَبنُوا أنَّا نَسُدُّ عليهم ... ولكن لَقُوا ناراً تَحُسُّ وتَسفَعُ تحس تحرق، وقوله نسد عليهم من السداد، أي لسنا نناصفهم

خبر يوم أعشاش ويوم صحراء فلج

القتال، ولكن كنا عليهم مثل النار. وعَضَّ ابنُ ذي الجَدَّينِ حولَ بُيُوتِنا ... سَلاَسِلُهُ والقِدُّ حَولاً مُجَرَّمَا ابن ذي الجدين بسطام بن قيس. ويروى وسط بيوتنا. خبرُ يومِ أعشاشٍ ويومِ صحراءِ فَلْجٍ وكان من قصة هذا اليوم، ما حكاه الكلبي، عن المفضّل بن محمد، عن زياد بن علاقة التغلبي، أن أسماء بن خارجة الفزاري حدّثه بذلك، قال: أغار بسطام بن قيس ببني شيبان، على بني مالك بن حنظلة، وهم حالّون بالصحراء من بطن فلج، ومع بني مالك الثعلبات، بنو ثعلبة بن سعد بن ضبة، وثعلبة بن عدي بن فزارة، وثعلبة بن سعد بن ذبيان، وعتيبة بن الحارث بن شهاب، نقيل في بني مالك، ليس معهم يربوعي غيره، فأخذ بسطام بن قيس نسوة فيهن أم أسماء بن خارجة، وهي امرأة من بني كاهل بن عذرة بن سعد هذيم - وإنما كان هذيم عبداً لأبي سعد، فحضن سعداً، فغلب عليه - وأسماء يومئذ غلام شاب يذكر ذلك، فأتى الصّريخ بني مالك، فركبوا في أثره، فاستنقذوا ما أصاب، وأردكه عتيبة بن الحارث بن شهاب بن عبد قيس بن كباس بن جعفر بن ثعلبة بن يربوع، فأسره وأخذ أم أسماء، وقد كان بسطام قتل مالك بن حطّان بن عوف بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، وبجير بن عبد الله بن الحارث بن عاصم - وعبد الله هو أبو مليل - وأثقل الأحيمر اليربوعي، فأشفق عتيبة أن يأتي به بني عبيد بن ثعلبة، مخافة أن يقتلوه بمالك بن حطّان أو ببجير، ورغب في الفداء، فأتى به عامر بن مالك بن جعفر، وكانت عمته خولة بنت شهاب، ناكحاً في بني الأحوص - ولدت زعموا في بني الأحوص - فزعموا أن بسطاماً لما

توسط بيوت بني جعفر قال: واشيناناه ولا شيبان لي، فبعث إليه عامر ابن الطفيل، إن استطعت أن تلجأ إلى قبتي فافعل، فإني سأمنعك، وإن لم تستطع فاقذف بنفسك في الرَّكيَّ التي خلف بيوتنا، وكانت الركي بديئاً، إنما حُفر منها قامتان، فأتت أم حمل - وهي تابعة له كانت من الجن - عتيبة، فخبّرته بما كان من أمر عامر، فأمر عتيبة ببيته، فقوّض وركب فرسه، وأخذ سلاحه، ثم أتى مجلس بني جعفر وفيه عامر بن الطفيل فحيّاهم، ثم قال: يا عامر، إنه قد بلغني الذي أرسلت به إلى بسطام، فأنا مخيّرك فيه خصالاً ثلاثاً، فاختر أيتهن شئت، قال عامر: ما هن يا أبا حزرة؟ قال: إن شئت فأعطني خلعتك وخلعة أهل بيتك - يعني بخلعته ماله ينخلع عنه - حتى أُطلقه لك، فليست خلعتك وخلعه أهل بيتك بشر من خلعته وخلعة أهل بيته، فقال عامر: هذا مالا سبيل إليه. فقال عتيبة: فضع رجلك مكان رجله، فلست عندي بشر منه، فقال عامر: ما كنت لأفعل فقال عتيبة: فأُخرى هي أهونهن، فقال عامر: ما هي؟ قال عتيبة: تتبعني إذا أنا جاوزت هذه الرابية، فتقارعني عنه الموت، فإما لي، وإما علي. فقال عامر: تيك أبغضهن إليّ فانصرف عتيبة إلى بني عبيد بن ثعلبة، فإنه لفي بعض الطريق، إذا نظر بسطام إلى مركب أم عتيبة، فقال يا عتيبة: أهذا مركب أمك؟ قال: نعم. قال: ما رأيت كاليوم قط مركب أم سيد، مثل هذا إنّ حِدج أمك لرث. قال عتيبة: ألك إرث، قال: نعم. قال عتيبة: أما واللات والعزى، لا أطلقك حتى تأتيني أمك بكل شيء ورّثك قيس بن مسعود، وبجملها، وحدجها، فأتته أم بسطام على جملها وحدجها، وبثلاثمائة بعير. وهي ليلى بنت الأحوص بن عمرو بن ثعلبة الكلبي فقال عتيبة في ذلك: أبْلِغْ سَراةَ بني شَيبانَ مَالَكَةً ... إني أباتُ بعبدِ الله بِسطامَا

أبأته من البواء وهو أن يُقتل الرجل بمن قتل. قاظَ الشِّرِبَّةَ في قيدٍ وسِلسِلَةٍ ... صوتُ الحديدِ يُغَنِّيهِ إذا قاما إنْ يحصُروكَ بذي قارٍ فَذَاقِنَةٍ ... فقد أُعَرِّفُهُ بِيداً وأعلاما وقال عتيبة أيضاً: ألاَ مَنْ مُبلِغٌ جَزءَ بنَ سَعدٍ=فكيف أصاتَ بَعدُكُم النَّقِيلُ أصات من الصيت والشرف. وروى الكلبي: أصاب، والنقيل يعني نفسه، لأنه كان نقيلاً في الثعلبات. أُحامي عن ذِمار بني أبيكمُ ... ومثلي في غُواتِكِمُ قليلُ كما لاقى ذَوو الهِرماسِ مني ... غَداةَ الرَّوعِ إذ فُرِيَ الشَّليلُ إذا اختَلَفتْ نواصي الخيل ظنُّوا ... بأنّ بصَعدَتي يُشفى الغليلُ صعدته رمحه. وأنشد عن أبي توبة: صعدة نابتة في حائر ... أينما الريح تميلها تمل وقال جرير في ذلك اليوم ولم تتم قصيدته الأولى بعد: ألا طالَ ما لم نُعُطِ زيقاً بحُكمِهِ ... وأدّى إلينا الحُكمَ والغُلُّ لازِبُ حَوينَا أبا زِيقٍ وزيقاً وعَمَّهُ ... وجدَّةُ زيقٍ قد حَوَتها المَقَانِبُ ألم تعلموا يا آل زِيقٍ فوارسي ... إذا احمرَّ من طُولِ الطِّرادِ الحواجبُ حوت هانئاً يومَ الغبيطينِ خيلُنا ... وأدرَكنَ بِسطاماً وهُنَّ شَوازِبُ رجع إلى القصيدة.

وتَكذِبُ أستاهُ القُيونِ مُجاشِعٌ ... متى لم نَذُذْ عن حَوضِنَا أن يُهدّمَا جعل مجاشعاً قيوناً لعبد كان لصعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان يسمى جبيراً، فنسب جرير غالباً أبا الفرزدق إلى القين، ولذلك يقول جرير: وجَدنَا جُبَيراً أبا غالبٍ ... بعيدَ القَرابَةِ من مَعبدِ أتَجعَلُ ذا الكِيرِ من دارِمٍ ... وأينَ سُهيلٌ من الفَرقَدِ إذا عُدَّ فَضلُ السعيِ مِنّا ومنهُمُ ... فَضَلنَا بني رَغوانَ بُؤسى وأنعُمَا بنو رغوان بنو مجاشع، وكان مجاشع خطيباً، فسمعت كلامه امرأة بالموسم فقالت: كأنه يرغو فسمي بهذا. وحكي أن مجاشعاً وفد على بعض الملوك، فكان يُسامره، وكان نهشل بن دارم رجلاً جميلاً، ولم يكُ وفّاداً إلى الملوك، فسأله الملك عن نهشل فقال له: إنه مقيم في ضيعه، وليس ممن يفد إلى الملوك، فقال: أوفده. فأوفده، فلما اجتهره نظر إلى جماله، قال: حدثني يا نهشل، فلم يجبه، فقال له مجاشع: حدّث الملك يا نهشل، فقال: الشر كثير وسكت، ثم أعاد إليه مجاشع، فقال: حدّث الملك. فقال إني والله لا أحسن تكذابك وتأثامك تشول بلسانك شولان البروق. البروق بفتح الباء هي التي تشول بذنبها فيظن أنها لاقح وليس بها ذلك، فأرسلها مثلا. ألمْ تَرَ عَوفاً لا تزالُ كِلاَبُهُ ... تَجُرَّ بِأكمَاعِ السِّباقَين ألحُمَا عوف بن القعقاع بن معبد بن زرارة، والسباقان واديان، وأكماعهما نواحيهما، والألحم التي ذكر: لحم مزاد بن الأقعس بن ضمضم، أخي

هبيرة بن ضمضم. وكان من حديث هذا اليوم، أن الحارث بن حاطب، كان على صدقات بني حنظلة، فورد على بني مالك بن حنظلة فصنعوا له طعاماً، فسبق طعام بني طهية طعام بني عوف بن القعقاع فاقتتلوا بينهم، فقتلت بنو طهية قيس بن عوف بن القعقاع رُمي بحجر فانتهوا إليه وهو يقول: ظُهير قتلني، وفيهم رجلان كل واحد منهما يسمى ظهيراً، فادّعوا على ظهير أخي بني ميثاء، وجاء عوف برجلين يشهدان على ظهير هذا، فشهدا أن ظُهيراً هو القاتل، وكان أحدهما من بني ضبة، والآخر من بكر بن وائل. فقال لهم الأمير: هل تطعنون في شهادة هذين الرجلين الشاهدين؟ فقال الأخضر بن هبيرة ابن المنذر بن ضرار الضبي، وكان أخواله بنو ميثاء، أشهد على الضبي أنه لم تبق سوأة إلا وقد عملها، غير أني لم أره يأتي أمه! فأبطل شهادة الضبي، فقُضي لعوفٍ بالدية، فأبى عوف أن يأخذها وخلّى سبيل ظهير. وأن مورق بن قيس بن عوف بن القعقاع، لقيَ غلاماً من بني ميثاء، يقال له حكيم بن برق، نحره فقتله بأبيه وقال: كَسَوتُ حُكيماً ذا الفَقَارِ ومَنْ يكُنْ ... شِعاراً له ترِنن عليهِ أقارِبُه فمن مُبلِغٌ عُليَا طُهيّةَ أنني ... رَهِينٌ بيومٍ لا تَوارى كَواكِبُه جَزاءً بيومِ السَّفحِ عند ابنِ حاطِبٍ ... ومِثلُ خَبِيِ السَّوءِ دَبّتْ عقارِبُه ثم إن بني طهية استعدت زياد بن أبيه، فبعث إلى بني عوف هبيرة ابن ضمضم المجاشعي، فطلب بني عوف فأدركهم بكنهل، فقتل منهم عمرو بن عوف، وجعل عمرو يرتجز ويقول: إن كنتَ لا تدري فإني أدري ... أنا القُباعُ وابنُ أمِّ الغَمرِ هل أُقتَلَنْ إن قَتَلتُ ثأرِي

ويروى وابن أم عمرو. فأمهل الناس حتى إذا مات معاوية واضطرب الأمر، نهض بنو عبد الله بن دارم فأخذوا هبيرة بن ضمضم، فقالوا: قتلت عمرو بن عوف. فقال: إنما كنت عبداً مأموراً، والله ما أردتُ قتله، وإنما بَوّأت له بالرمح ليستأسر، فحمل نفسه على الرمح، ودفع اليهم مزاد بن الأقعس ابن أخيه رهينة بالرضا، وكان مزاد غلاماً حديث السن، فلما فارق هبيرة الحي، دعا عوف غلاماً له أسود يقال له نُبيه، فأمره بضرب عنق مزاد، ففعل. فخرج أحد الأقعسين الأقعس أو هبيرة يطلب عوفاً بدم مزاد، فأتاه ليلا فلما دنا منه هابه فرماه بسهم، فأصاب ركبته ثم انصرف، فعرج عوف من الرمية، فقال الفرزدق: لو كنتَ بالمغلوبِ سيفَ ابنَ ظالمٍ ... ضربتَ أبا قيسٍ أرَنَّتْ أقارِبُهُ ولكن وجدتَ السَّهمِ أهونَ فُوقَةً ... عليكَ فقد أودَى دمٌ أنت طالِبُه حَسِبتَ أبا قيسٍ حمارَ شَريعَةٍ ... قَعدْتَ له والصُّبحُ قد لاحَ حاجِبُه فإنْ أنتُما لم تجعلا بأخيكُما ... صَدىً بينَ أكماعِ السباقِ يُجاوِبُه فليتَكُما يا ابنَي سُفينَةَ كُنتما ... دماً بينَ رجَلَيها تسيلُ سَبَائِبُهُ

وقد لَبِسَتْ بعدَ الزبيرَ مجاشِعٌ ... ثيابَ التي حَاضَتْ ولم تَغسِلِ الدَّمَا يعيره بإخفار النعر بن الزمام المجاشعي الزبير بن العوام، وقد استجاره فقتل في جواره. وكان من حديث قتل الزبير رضي الله عنه أن الزبير لما انصرف عن الجمل يريد المدينة، جاء رجل إلى الأحنف بن قيس، فقال: هذا الزبير بن العوام قد مر آنفاً، فقال: ما أصنع به، جمع بين الفئتين من المسلمين عظيمتين، فقتل بعضهم بعضاً، ثم لحق بقومه. فاستجار النعر بن الزمام المجاشعي، فنهض عمرو بن جرموز، وفضالة بن حابس، ونفيع بن كعب بن عمير السعديون، فاتبعوا الزبير فلحقوه بوادي السباع - وادي السباع فيما بين مكة إلى البصرة، بينه وبين البصرة خمسة فراسخ - فكرّ عليهم الزبير حين رآهم فانهزموا عنه، ولحق الزبير ابن جرموز، فقال: أنشدك الله يا أبا عبد الله، فكفّ عنه ورجع الزبير، فانصرف فضالة ونقيع ولزمه ابن جرموز فسايره، في ليلة مقمرة، فكرّ عليه الزبير، فقال: أنشدك الله يا أبا عبد الله فكف عنه. وسايره وأغفى الزبير فطعنه فأذراه عن فرسه، فقال الزبير: ما له قاتله الله يُذكّر بالله وينساه، ومات الزبير. ورجع ابن جرموز إلى علي رضي الله عنه - فأخبره أن قاتل الزبير بالباب، فقال: بشروا قاتل ابن صفية بالنار، وكان ابن جرموز أخذ سيف الزبير فأخذه علي منه، وقال سيف طالما فرّج الغماء عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد عَلِمَ الجيرَانُ أنّ مجاشِعاً ... فُرُوجُ البَغَايا لا يرى الجَارَ مَحرَما ولو عَلقَتْ حبلَ الزبيرِ حبَالُنَا ... لكانَ كَناجٍ في عَطالَةَ أعصَمَا

يقول: لو تعلق منا الزبير بذمة لأصبح في عز ومنعة كناج: كوعل في عطالة، وعطالة اسم جبل بالبحرين منيع شامخ. ألم تَرَ أولادَ القُيُون مجاشِعاً ... يَمُدُّونَ ثَدياً عندَ عَوفٍ مُصَرَّمَا عوف بن القعقاع قاتل مزاد هذا. يقول: يتقربون إليه برحم غير مرعية ولا موصولة، مصرّم مقطّع والتصريم أن يكوى خلف الناقة حتى ينقطع لبنها ويكون أشد لها. ولمّا قَضى عَوفٌ أشَطَّ عليكُم ... فأقسَمتُم لا تفعلُونَ وأقسَما أشط: جار كلّفكم شططاً، فلم يرض منكم دون قتل مزاد هذا، يقول: أقسمتم لا تعطونه إلا الدية وأقسم لا يأخذ إلا الجزاء أي القتل. أبَعدَ ابنِ ذَيَّالٍ تقولُ مجاشِعاً ... وأصحابَ عوفٍ يُحسِنُونَ التَّكلُّمَا ابن ذيال: عمرو بن جرموز بن فاتك بن ذيال السعدي. معنى تقول: تظن، ولا تقول تظن في القول إلا في فعل مستقبل، وأنشد: أنُوَّاماً تقولُ بني لُؤَيٍّ ... قَعيدَ أبيكَ أم مُتَنَاوِمينا معنى تقول تظن بني لؤي. فأُبتُمْ خَزَايَا والخَزيزُ قِرَاكُمْ ... وباتَ الصَّدى يدعو عِقالاً وضَمضَمَا عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع، وضمضم بن مرة بن سيدان، والصدى: صدا مزاد المقتول، خزايا واحدهم خزيان والمرأة خزيا، والمصدر الخزى، وهو كل أمر يُستحى منه، والخزير شيء يُعمل من الدقيق شبه العصيدة.

حديث داحس عن الكلبي

وتغضَبُ مِن شأنِ القُيُونُ مجاشِعٌ ... وما كانَ ذِكرُ القَين سِرَّا مُكَتَّمَا ولاقيتَ مني مِثلُ غاية دَاحسٍ ... وموقِفِهِ فأستَأخِرَنْ أو تقَدَّمَا يقول: لقيت مني نكداً وشؤما، كما لقي عبس وذبيان، ابنا بغيض وفزارة بن ذبيان في داحس. ترى الخُور جِلداً من بَنَاتِ مجاشِعٍ ... لدى القَينِ لا يَمنعنَ منهُ المُخَدَّمَا الخور الفاسدة، والمخدم موضع الخلخال، قوله جلداً يعني جلوداً. إذا ما لَوى بالكَلبَتينِ كتيفَةً ... رَأينَ وراءَ الكِيرِ أيراً مُحَمَّمَا الكتيفة ضبة من حديد، والمحمم الأسود يريد أنه حداد. ويروى ترى الخور أجلاد بنات مجاشع. لقد وجدتْ بالقين خُورُ مجاشِعٍ ... كوَجدِ النصارى بالمسيحِ بن مَريمَا شبه نساءهم بالخور من الإبل، وهي الغزار الرقيقة الجلود، الطويلة الأوبار، اللينات الأبشار. حديث داحس عن الكلبيِّ ذكر الكلبي قال: كان من حديث داحس، أن أمه فرس كانت لقرواش ابن عوف بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، يقال لها جلوى، وكان أبوه ذا العُقّال.

وكان لحوط بن أبي جابر بن أوس بن حميري بن رياح. وإنما سمي داحساً، أن بني يربوع احتملوا ذات يوم سائرين في نجعة، وكان ذو العقال مع ابنتي حوط بن أبي جابر تجنبانه، فمرت به جلوى فرس قرواش، فلما رآها الفرس ودى. وضحك شباب من الحي رأوه، فاستحيت الفتاتان فأرسلتاه فنزا على جلوى، فوافق قبولها فأقصّت، ثم أخذه لهما بعض الحي فلحق بهما حوط، وكان رجلاً شريراً سيء الخلق، فلما نظر إلى عين الفرس قال: والله لقد نزا فرسي فأخبراني ما شأنه، فأخبرتاه الخبر، فقال: يال رياح، لا والله لا أرضى أبداً حتى آخذ ماء فرسي. فقال له بنو ثعلبة: والله ما استكرهنا فرسك، إنما كان منفلتاً، فلم يزل الشر بينهم حتى عظم، فلما رأى ذلك بنو ثعلبة قالوا: دونكم ماء فرسكم، فسطا عليها حوط، وأدخل يده في ماء وتراب، ثم أدخلها في رحمها، حتى ظن أنه قد أخرج الماء، واشتملت الرحم على ما فيها، فنتجها قرواش مهراً، فسمي داحساً لذلك، وخرج كأنه أبوه ذو العقال، وفيه يقول جرير: إنَّ الجيادَ يَبِتنَ حولَ قِبَابِنَا ... مِنْ آل أعوَجَ أو لِذي العُقَّالِ أعوج فرس لبني هلال، فلما تحرك المهر شيئاً مرَّ مع أمه وهو فلو يتبعها، وبنو ثعلبة سائرون فرآه حوط فأخذه، فقالت بنو ثعلبة: يا بني رياح، ألم تفعلوا فيه ما فعلتم أول مرة، ثم هذه الآن، فقالوا: هو فرسنا، ولن نترككم، أو نقاتلكم عليه، أو تدفعوه إلينا، فلما رأى ذلك بنو ثعلبة قالوا: إذاُ لا نقاتلكم عليه، أنتم أعز علينا منه. هو فداؤكم فدفعوه إليهم، فلما رأى ذلك بنو رياح قالوا: والله لقد ظلمنا اخوتنا

مرتين، وقد حلموا وكرموا، فأرسلوا به إليهم مع لقوحين، فمكث عند قرواش ما شاء الله أن يمكث، وخرج أجود خيول العرب. ثم إن قيس ابن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي، أغار على بني يربوع، فلم يصب أحداً غير ابنتي قرواش بن عوف، ومائة من الإبل لقرواش، وأصاب الحي خلوفاً لم يشهد من رجالهم، غير غلامين من بني أزنم ابن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، فجالا في متن الفرس مرتدفيه، وهو مقيد، أعجلهما القوم عن حل قيده. واتبعهما القوم، فضبر بالغلامين ضبراً حتى نجوا به، ونادتهما إحدى الجاريتين، إن مفتاح القيد مدفون في مرود الفرس بمكان كذا وكذا، فسبقا إليه حتى أطلقاه فلما رأى ذلك قيس بن زهير، رغب في الفرس، فقال لهما: لكما حكمكما وادفعا إلي الفرس، فقالا أو فاعل أنت؟ قال: نعم، فاستوثقا منه على أن يرُدّ ما أصاب من قليل أو كثير، ثم يرجع عوده على بدئه، ويُطلق الفتاتين، ويُخلّى عن الإبل، وينصرف عنهم راجعاً. ففعل ذلك قيس فدفعا إليه الفرس فلما رأى ذلك أصحاب قيس قالوا: لا نُصالحك أبداً، أصبنا مائة من الإبل، وامرأتين، فعمدت إلى غنيمتنا، فجعلتها في فرس لك، تذهب به دوننا، فعظم في ذلك الشر بينهم، حتى اشترى منهم غنيمتهم بمائة من الإبل. فلما جاء قرواش، قال للغلامين الأزنميين أين فرسي؟ فأخبراه، فأبى أن يرضى إلا أن يُدفع إليه فرسه، فعظم في ذلك الشر، حتى تنافروا فيه، فقضي بينهم أن تُرد الفتاتان والإبل إلى قيس بن زهير، ويُرد عليه الفرس، فلما رأى ذلك قرواش رضي بعد شر. وانصرف قيس بن زهير، ومعه داحس فمكث ما شاء الله. فزعم بعضهم أن الرهان إنما هاجه بين قيس بن زهير، وحذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن

بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر أن قيساً دخل على بعض الملوك، وعنده قينة لحذيفة بن بدر تغنيه بقول امرئ القيس: دارٌ لِهرٍّ والرَّبابِ وفَرْتَنَا ... ولَميسَ قبلَ حَوادِث الأيام - وهن فيما يُذكر نسوة من بني عبس - فغضب قيس بن زهير، وشق رداءها، وشتمها. فغضب حذيفة، فبلغ ذلك قيساً، فأتاه ليسترضيه، فوقف عليه، فجعل يكلمه وهو لا يعرفه من الغضب، وعنده أفراس له فعابها، وقال: أيرتبط مثلك مثل هذه يا أبا مُسهر؟ فقال حذيفة: أتعيبها؟ قال: نعم فتجاريا حتى تراهنا. ويزعم بعضهم أن الذي هاج الرهان، أن رجلاً من بني عبد الله بن غطفان، ثم أحد بني جوشن، وهم أهل بيت شؤم، أتى حذيفة زائراً، فعرض عليه حذيفة خيله فقال: ما أرى فيها جواداً مبراً - المبر الغالب، وأنشد: أبرُّ على الخُصُومِ فليس خَصمٌ ... ولا خَصمانِ يَغلِبُهُ جِدالا فقال له حذيفة: ويحك فعند من الجواد المبر؟ قال: عند قيس بن زهير. فقال: هل لك أن تراهنني عنه؟ قال: نعم، قد فعلت. فراهنه على ذكر من خيله وأنثى. قال: ثم إن العبدي أتى قيس بن زهير، فقال: إني قد راهنت على فرسين من خيلك، ذكر وأنثى، وأوجبت الرهان. فقال

قيس: لا أبالي من راهنت غير حذيفة، قال: ما راهنت غيره. فقال له قيس: إنك ما عملت لأنكد، ثم ركب قيس حتى أتى حذيفة، فوقف عليه، فقال له: ما غدا بك؟ قال: غدوت لأواضِعك الرهان، قال: بل غدوت لتغلقه. قال: ما أردت ذلك، فأبى حذيفة إلا الرهان، فقال قيس: أخيّرك بثلاث خلال، فان بدأت واخترت فلي خلّتان ولك الأولى، وإن بدأت واخترت فلك خصلتان ولي الأولى. قال حذيفة: فابدأ. قال: الغاية من مائة غلوة، قال حذيفة: فالمضمار أربعون ليلة، والمجرى من ذات الإصاد ففعلا، ووضعا السبق على يدي غلاّق أو ابن غلاّق أحد بني ثعلبة بن سعد، فزعموا أن حذيفة أجرى الخطّار والحنفاء، وزعمت بنو فزارة أنه أجرى قُرزُلاً والحنفاء، وأجرى قيس داحساً والغبراء. وزعم بعضهم أن ما هاج الرهان، أن رجلا من بني المعتم بن قطيعة ابن عبس يقال له سراقة، راهن شاباً من بني بدر، وقيس غائب، على أربع جزائر من خمسين غلوة، فلما جاء قيس كره ذلك، وقال لم ينته رهان قط إلا إلى شر. ثم أتى بني بدر فسألهم المواضعة، فقالوا: لا، حتى يُعرف لنا سبقُنا، فإن أخذنا فحقنا، وإن تركنا فحقنا. فغضب قيس ومحك، وقال: أما إذ فعلتم ذلك، فأعظِموا الخطر، وأبعدوا الغاية. قالوا: فذلك لك، فجعلوا الغاية من واردات إلى ذات الإصاد، وذلك مائة غلوة، والثنية فيما بينهما، وجعلوا القصبة في يدي رجل من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان، يقال له حصين. ويقال رجل من بني العشراء من بني فزارة، وهو ابن أخت لبني عبس، وجعلوا البركة ماء، وجعلوا السابق أول الخيل يكرع فيها. ثم إن حذيفة بن

بدر، وقيس ابن زهير أتيا المدى الذي أُرسلن منه، ينظران إلى الخيل كيف خروجها منه، فلما أُرسلت عارضاها، فقال حذيفة: خدعتك يا قيس، فقال: ترك الخداع من أجرى من مائة. فأرسلها مثلا. ثم ركضا ساعة، فجعلت خيل حذيفة تنزق خيل قيس. فقال حذيفة: سُبقت يا قيس. فقال قيس: جري المُذكّيات غلاب. فأرسلها مثلا. ثم ركضا ساعة، فقال حذيفة: إنك لا تركض مركضاً. فأرسلها مثلا. ثم قال: سُبقت خيلك يا قيس. فقال قيس: رويد يعلون الجدد. فأرسلها مثلا. وقد جعلت بنو فزارة كميناً بالثنية، فاستقبلوا داحساً فعرفوه فأمسكوه وهو السابق، ولم يعرفوا الغبراء، وهي خلفه مصلّية، حتى مضت الخيل وأسهلت من الثنيّة، ثم أسهلوه فتمطّر في آثارها، أي أسرع. فجعل يبدرها فرسا فرسا، حتى سبقها إلى الغاية مصلّيا، وقد طرح الخيل غير الغبراء، ولو تباعدت الغاية سبقها فاستقبلها بنو فزارة فلطموها ثم حلّؤوها عن البركة ثم لطموا داحساً، وقد جاءا متواليين. وكان الذي لطمه عمير بن نضلة، فجفّت يده فسمي جاسئا، فجاء قيس وحذيفة في أخرى الناس، وقد دفعتهم بنو فزارة عن سبقهم، ولطموا فرسيهم، ولو تطيقهم بنو عبس لقاتلوهم، وإنما كان من شهد ذلك من بني عبس، أبياتاً غير كثير. فقال قيس بن زهير: يا قوم إنه لا يأتي قوم إلى قومهم شراً من الظلم، فأعطونا حقنا. فأبى بنو فزارة أن يعطوهم شيئاً، وكان الخطر عشرين من الإبل. فقالت بنو عبس فأعطونا بعض سبقنا، فأبوا. فقالوا: أعطونا جزوراً ننحرها، نطعمها أهل الماء، فإنا نكره القالة في العرب. فقال رجل من بني فزارة: مائة جزور وجزور واحدة سواء، والله ما كنا لنقر بالسبق علينا ولم

نسبق، فقام رجل من بني مازن بن فزارة فقال: يا قوم إن قيساً كان كارهاً لأول هذا الرهان، وقد أحسن في آخره، وإن الظلم لا ينتهي إلا إلى شر، فأعطوه جزوراً من نعمكم. فأبوا. فقام إلى جزور من إبله فعقلها ليُعطها قيساً ويرضيه، فقام ابنه فقال: إنك لكثير الخطأ، أتريد أن تخالف قومك وتُلحق بهم خزاية بما ليس عليهم، فأطلق الغلام عقالها، فلحقت بالنعم. فلما رأى ذلك قيس بن زهير، احتمل ومن معه من بني عبس، فأتى على ذلك ما شاء الله. ثم إن قيساً أغار فلقي عوف بن بدر فقتله، وأخذ إبله، فبلغ ذلك بني فزارة فهمّوا بالقتال وغضبوا، فحمل الربيع بن زياد أحد بني عوف بن غالب بن قُطيعة بن عبس دية عوف ابن بدر، مائة عُشراء متلية - والعُشراء التي أتى على حملها عشرة أشهر من ملحقها، والمتالي التي نتج بعضها والباقي يتلوها في النتاج. وأم عوف وأم حذيفة بنت نضلة بن جوية بن لوذان بن عدي بن فزارة - واصطلح الناس، ومكثوا ما شاء الله. ثم إن مالك بن زهير أتى امرأة يقال لها مليكة بنت حارثة، من بني غراب بن فزارة، فابتنى بها باللقاطة قريباً من الحاجر. فبلغ ذلك حذيفة بن بدر، فدس له فوارس على أفراس من مسانّ خيلهم، وقال لا تُنظروا مالكاً إن وجدتموه أن تقتلوه، والربيع بن زياد بن عبد الله بن سفيان بن قارب العبسي، مجاور حذيفة بن بدر، وكانت تحت الربيع بن زياد معاذة بنت بدر، فانطلق القوم فلقوا مالكاً فقتلوه، ثم انصرفوا عنه فجاؤوا عشية، وقد جهدوا أفراسهم، فوقفوا على حذيفة، ومعه الربيع بن زياد، فقال حذيفة: أقدرتم على حماركم؟ قالوا: نعم، وعقرناه، فقال الربيع: ما رأيت كاليوم قط، أهلكت أفراسك من أجل حمار. فقال حذيفة لما أكثر عليه الربيع من الملامة، وهو يحسب أن الذي أصابوا حمار: إنّا لم نقتل حمارا، ولكنا قتلنا مالك بن زهير، بعوف بن بدر. فقال الربيع:

بئس لعمر القتيل قتلت. أما والله إني لأظنه سيبلغ ما تكره فتراجعا شيئاً ثم تفرقا. فقام الربيع يطأ الأرض وطئاً شديدا، وأخذ يومئذ حمل ابن بدر ذا النون، سيف مالك بن زهير، فزعموا أن حذيفة لمّا قام الربيع أرسل أمَة له مولّدة، فقال اذهبي إلى معاذة بنت بدر، امرأة الربيع، فانظري ماذا ترين الربيع يصنع. فانطلقت الجارية حتى دخلت البيت، فاندست بين الكفاء والنضد، وجاء الربيع فنفذ البيت، حتى أتى فرسه، فقبض بمعرفته، ثم مسح متنه، حتى قبض بعكوة ذنبه، ثم رجع إلى البيت ورمحه مركوز بفنائه، فهزّه هزاً شديداً، ثم ركزه كما كان، ثم قال لامرأته اطرحي لي شيئاً، فطرحت له شيئاً فاضطجع عليه، وكانت قد طهرت تلك الليلة فدنت إليه، فقال إليك، فقد حدث أمر، ثم تغنّى فقال: نام الخَليُّ وما أُغمِّضُ حارِ ... مِن سيِّيءِ النَّبَأِ الجليلِ السارِي مِن مِثلهِ تُمسي النِّساءُ حواسِراً ... وتقوم مُعوِلةً معَ الأسحار مَن كان مسروراً بمقتَلِ مالكٍ ... فليأتِ نِسوَتنا بِوَجهِ نهار قد كُنَّ يَخبأنَ الوجوهَ تَسَتُّرا ... فاليومَ حين بَدونَ للنُظَّار يَحبَأنَ حُرَّاتِ الوُجوهِ على امرئٍ ... سَهلِ الخليقةِ طَيِّبِ الأخبار أفَبَعدَ مَقتلِ مالكِ بنِ زُهيرٍ ... ترجو النساءُ عَواقبَ الأطهار ما إنْ أرى في قَتلهِ لِذَوي الحِجَا ... الا المَطِيَّ تُشَدُّ بالأكوار ومُجَنَّباتٍ ما يَذُقْنَ عَذَوَّفاً ... يقذِفنَ بالمُهرَاتِ والأمهار

ومَساعِرا صَدَأُ الحديدِ عليهِمُ ... فكأنّما طُلِيَ الوجوهُ بِقار يا رُبَّ مَسرورٍ بمقتلِ مالكٍ ... ولَسَوفَ يَصرِفُهُ لِشرِّ مَحَار فرجعت الأمَة فأخبرت حذيفة فقال: هذا حين اجتمع أمر إخوتكم، ووقعت الحرب. وقال الربيع لحذيفة وهو يومئذ جار لحذيفة: سيرني، فإني جاركم. فسيّره ثلاث ليال، ومع الربيع فضلة من خمر، فسار الربيع ثلاث ليال فدسّ في أثره فوارس فقال لهم: اتبعوه، فإذا مضت ثلاث ليال فإن معه فضلة من خمر، فإن وجدتموه قد هراقها، فهو جاد وقد مضى، فانصرفوا، وإن لم تجدوه هراقها فاتبعوه، فإنكم تجدونه قد مال لأدنى منزل فأرتع وشرب فاقتلوه، فتبعه القوم فوجدوه قد شق الزق ومضى فانصرفوا، فلما أتى الربيع قومه، وقد كان بينه وبين قيس بن زهير شحناء، وذلك أن الربيع ساوم قيس بن زهير بدرع كانت عنده، فلما نظر إليها وهو راكب، وضعها بين يديه، ثم ركض بها، فلم يردّها على قيس، فعرض قيس لفاطمة بنت الخرشب الأنمارية، من بني أنمار بن بغيض، وهي إحدى منجبات قيس، وهي أم الربيع بن زياد العبسي، وهي تسير في ظغائن من بني عبس، فاقتاد جملها، يريد أن يرتهنها بالدرع حتى تُرد عليه، فقالت له: ما رأيت كاليوم قط فعل رجل، أين ضل حلمك، أترجو أن تصطلح أنت وبنو زياد أبداً، وقد أخذت أمهم، وذهبت بها يميناً وشمالاً، فقال الناس في ذلكم ما شاءوا أن يقولوا، وحسبك من شر سماعه. فأرسلتها مثلا. فعرف قيس بن زهير ما قالت، فخلّى سبيلها واطّرد إبلاً لبني زياد،

فقدم بها مكة، فباعها من عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن سعد تيم بن مرة القرشي. فقال في ذلك قيس بن زهير: ألمْ يَبلُغكَ والأنباءُ تَنمِي ... بما لاقت لَبُونُ بني زيادِ ومَحبَسُها على القُرَشِيِّ تُشرَى ... بِأدراعٍ وأسيافٍ حِداد كما لاقيتُ من حَمَلِ بنِ بدرٍ ... وإخوتِه على ذاتِ الإصاد همُ فَخرُوا عليَّ بغيرِ فخرٍ ... وذادوا دونَ غايتهِ جوادي وكنتُ إذا مُنيتُ بخَصمِ سَوءٍ ... دَلَفتُ له بداهيةٍ نآد ويروى بآبدة بداهيةٍ تَدُقُّ الصُّلبَ منه ... فتقصِمُ أو تجوبُ عن الفُؤاد وكنتُ إذا أتاني الدهرَ رِبقٌ ... بداهيةٍ شَدَدتُ لها نِجادي ألم يعلم بنو الميقابِ أني ... كريمٌ غيرُ مُغتَلِثِ الزِّناد ويروى معتلث. الوقب الأحمق. والميقاب التي تلد الحمقى. أُطَوِّفُ ما أُطوِّفُ ثم آتي ... إلى جارٍ كجارِ أبي دُؤادَ جاره يعني ربيعة الخير بن قرط بن سلمة بن قشير - وجار أبي دؤاد يقال له الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان. وكان أبو دؤاد في جواره، فخرج صبيان الحي يلعبون في غدير، فقمس الصبيان ابن أبي دؤاد فقتلوه، فخرج الحارث، فقال: لا يبقى في الحي صبي إلا غُرّق في الغدير، فودوا ابن أبي دؤاد ديات عدة، فهو قول أبي دؤاد:

إبلي الإبلُ لا يُحَوِّزُها الرَّا ... عُونَ مَجَّ النَّدى عليها المُدامُ إليكَ رَبيعةَ الخيرِ بنِ قُرطٍ ... وَهُوباً للطَّريفِ وللتِّلادِ كفاني ما أخافُ أبو هِلالٍ ... ربيعةُ فانتَهتْ عني الأعادي تظلُّ جيادُهُ يَجزِمنَ حولي ... بذاتِ الرِّمثِ كالحِدَأِ الغَوادي كأني إذ أنَختُ إلى ابنِ قُرطٍ ... عَلِقتُ إلى يَلَملَمَ أو نِضَادِ وقال قيس بن زهير أيضاً: إنْ تكُ حربٌ فلم أجنِهَا ... جَنَتهَا صُبَارَتُهُم أوهُمُ حّذارِ الرَّدى إذ رَأوا خيلَنا ... مُقَدَّمُها سابحٌ أدهَمُ عليه كَمِيٌّ وسِربَالُهُ ... مُضَاعَفَةٌ نَسجُها مُحكَمُ فإن شَمَّرَتْ لكَ عن ساقِها ... فَوَيهاً ربيعُ ولا تَسأمُوا نَهيتُ رَبيعاً فلم يَنزَجِرْ ... كما انزَجَرَ الحارِثُ الأضجَمُ وروى ابن الأعرابي الحارث الأجذم. والأضجم رجل من بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار، وهو صاحب المرباع. فكانت الشحناء بين بني زياد وبين بني زهير، فكان قيس يخاف خذلانهم إياه، فزعموا أن قيساً دسّ غلاماً له مولّدا، فقال انطلق كأنك تطلب إبلاً، فإنهم سيسألونك، فاذكر مقتل مالك، ثم احفظ ما يقولون. فأتاهم العبد، فسمع الربيع يتغنى بقوله:

أفبَعدَ مقتلِ مالكَ بنِ زُهيرٍ ... تَرجُو النساءُ عواقِبَ الأطهارِ فلما رجع العبد إلى قيس، فأخبره بما سمع من الربيع بن زياد، عرف قيس أن قد غضب. فاجتمعت بنو عبس على قتال بني فزارة فأرسلوا إليهم أن رُدوا علينا إبلنا التي وديناها عوفاً أخا حذيفة بن بدر لأمه فقال لا أعطيكم دية ابن أمي، وإنما قتل صاحبكم حمل بن بدر، وهو ابن الأسدية فأنتم وهو أعلم. وزعم بعض الناس أنهم كانوا ودوا عوف بن بدر مائة متلية - أي دنا نتاجها - وأنه أتى على تلك الإبل أربع سنين، وقد توالدت. وإن حذيفة بن بدر أراد أن يردها بأعيانها، فقال له سنان بن أبي حارثة المريّ: أتريد أن تُلحق بنا خزاية، فتعطيهم أكثر مما أعطونا، فتسبّنا العرب بذلك، فأمسكها حذيفة وأبي بنو عبس أن يقبلوا إلا إبلهم بعينها، فمكث القوم ما شاء الله أن يمكثوا. ثم إن مالك بن بدر خرج يطلب إبلاً له، فمر على بني رواحة، فرماه جنيدب، أخو بني رواحة بسهم فقتله، فقالت ابنة مالك بن بدر، وهذا يوم المعنقة: فللهِ عَينَا مَن رأى مِثلَ مالِكٍ ... عَقيرةَ قومٍ أن جَرَى فَرَسانِ فليتَهما لم يَشرَبا قَطُّ قَطرَةً ... وليتَهما لم يُرسلاَ لِرِهانِ

أحَلَّ جُنيدِبُ أمسِ نَذرَهُ ... وأيُّ قتيلٍ كان في غَطَفانِ إذا سَجَعَت بالرَّقمتَين حمامةٌ ... أو الرَّسِّ تبكي فارِسَ الكُتُفانِ ثم إن الأسلع بن عبد الله بن ناشب بن زيد بن هدم بن لدم بن عوذ ابن غالب بن قطيعة بن عبس، مشى في الصلح، ورهن بني ذبيان ثلاثة من بنيه، وأربعة من بني أخيه، حتى يصطلحوا، وجعلهم على يدي سبيع بن عمرو من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان، فمات سبيع وهم عنده، فلما حضرته الوفاة، قال لابنه مالك بن سبيع إن عندك مكرمة لا تبيد إن احتفظت بهؤلاء الأغيلمة، وكأني بك، لو قد مُت قد أتاك خالك حذيفة - وكانت أم مالك هذا بنت بدر - فعصر عينيه وقال: هلك سيدنا، ثم خدعك عنهم حتى تدفعهم إليه فيقتلهم، فلا شرف بعدها. فان خفت ذلك، فاذهب بهم إلى قومهم. فلما ثقل، جعل حذيفة يبكي ويقول: هلك سيدنا فوقع ذلك له في قلب مالك، فلما هلك سبيع أطاف بابنه مالك وأعظمه فقال له: يا مالك إني خالك، وأنا أسن منك، فادفع إلي هؤلاء الصبيان ليكونوا عندي، إلى أن ننظر في أمرنا، ولم يزل به حتى دفعهم إلى حذيفة باليعمرية - واليعمرية ماء بواد من بطن نخل من الشربة لبني ثعلبة - فلما دفع مالك إلى حذيفة الرهن، جعل يبرز كل يوم غلاماً فينصبه غرضاً ثم يرمي ويقول: ناد أباك، فينادي أباه حتى تخرقه النبل، وقال لواقد بن جنيدب: ناد أباك، فجعل ينادي يا عماه، خلافا عليهم، يكره أن يأبس أباه بذلك - والأبس القهر والحمل على المكروه - وقال لابن جنيدب بن الأسلع: ناد حبينة، فجعل ينادي يا عمراه، باسم أبيه حتى قُتل، قتله عتبة بن قيس بن زهير. ثم

إن بني فزارة اجتمعوا، هم وبنو ثعلبة وبنو مرة، فالتقوا هم وبنو عبس بالخاثرة من جنب ذي بقر، فقتلوا منهم مالك بن سبيع بن عمرو الثعلبي، قتله الحكم بن مروان بن زنباع العبسي، وعبد العزى بن حذار الثعلبي، والحارث بن بدر الفزاري، وهرم بن ضمضم المري، قتله ورد ابن حابس العبسي، ولم يشهد ذلك اليوم حذيفة بن بدر، فقالت نائحة هرم بن ضمضم المري: يا لَهفَ نفسي لَهفَةَ المَفجُوعِ ... إذ لا أرى هرِما على مَودُوع أمِنْ أجلِ سيِّدِنا ومصرعِ جَنبِهِ ... عَلِقَ الفؤادُ بحنظَلٍ مَصدُوعِ ثم إن حذيفة جمع وتهيأ، فاجتمع معه بنو ذبيان بن بغيض، فبلغ بني عبس أنهم قد ساروا إليهم، فقال قيس بن زهير: أطيعوني، فوالله لئن لم تفعلوا لأتكئن على سيفي حتى يخرج من ظهري، قالوا: فإنّا نطيعك، فأمرهم فسرّحوا السوام والضعفاء بليل، وهم يريدون أن يظعنوا من منزلهم ذلك، ثم ارتحلوا في الصبح، وأصبحوا على ظهر المعنقة، وقد مضى سوامهم وضعفاؤهم، فلما أصبحت طلعت الخيل عليهم من الثنايا، فقال: خذوا غير طريق المال، فإنه لا حاجة للقوم أن يقعوا في شوكتكم، ولا يريدون بكم في أنفسكم شراً من ذهاب المال. فأخذوا غير طريق المال، فلما أدرك حذيفة الأثر ورآه قال: أبعدهم الله وما خيرهم بعد ذهاب أموالهم. فاتّبع المال، وسارت ظعن بني عبس والمقاتلة من ورائهم، وتبع حذيفة وبنو ذبيان المال، فلما أدركوه ردّوا

أوله على آخره، ولم يُفلت منهم شيء، وجعل الرجل يطرد ما قدر عليه من الإبل، فيذهب بها. وتفرّقوا واشتد الحر، فقال قيس بن زهير: يا قوم إن القوم قد فرّق بينهم المغنم، فأعطفوا الخيل في آثارهم، فلم تشعر بنو ذبيان، إلا والخيل دوائس، فلم يقاتلهم كبير أحد، وجعل بنو ذبيان إنما همة الرجل في غنيمته، أن يحوزها ويمضي بها، فوضعت بنو عبس فيهم السلاح، حتى ناشدتهم بنو زياد البقية، ولم يكن لهم هم غير حذيفة فأرسلوا مجنبتين في أثره، وأرسلوا خيلاً تنفضُ الناس، ويسألونهم حتى سقط خبر حذيفة من الجانب الأيسر، على شدّاد بن معاوية بن ذهل بن قراد بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس، وعمرو بن الأسلع، والحارث بن زهير، وقرواش بن هني بن أسيد بن جذيمة، وجنيدب، وكان حذيفة استرخى حزام فرسه، فنزل عنه، فوضع رجله على حجر مخافة أن يُقتص أثره، ثم شد الحزام فوضع صدر قدمه على الأرض، فعرفوه وعرفوا حنف فرسه - والحنف أن تُقبل إحدى اليدين على الأخرى، وفي الناس أن تُقبل إحدى الرجلين على الأخرى، وأن يطأ الرجل على وحشيّهما، وجمع الأحنف حنف - فاتبعوه، ومضى حتى استغاث بجفر الهباءة، وقد اشتد الحر، فرمى بنفسه، ومعه حمل بن بدر، وحنش بن عمرو، وورقاء بن بلال، وأخوه، وهما من بني عدي بن فزارة، وقد نزعوا سروجهم وطرحوا سلاحهم، ووقعوا في الماء، وتمعّكت دوابهم، وبعثوا ربيئة فجعل يطّلع فينظر، فإذا لم ير شيئاً رجع فنظر نظرة فقال: إني رأيت شخصاً، كالنعامة أو كالطائر، فوق القتادة من قبل مجيئنا، فقال حذيفة: هنّا وهنّا عن شداد على جروة - وجروة فرس شدّاد، والمعنى دع ذكر شداد عن يمينك وشمالك، واذكر غيره لما كان يخاف من شداد - فبينما هم يتكلمون، إذا هم بشداد بن معاوية واقفاً عليهم، فحال

بينهم وبين الخيل، ثم جاء عمرو بن الأسلع، ثم جاء قرواش، حتى تتاموا خمسة، فحمل جنيدب على خيلهم، فاطّردها وحمل عمرو بن الأسلع وشداد عليهم في الجفر، فقال حذيفة يا بني عبس: فأين العود والأحلام؟ فضرب حمل بن بدر رأس كتفيه وقال: اتق مأثور القول بعد اليوم. فأرسلها مثلا. وقتل قرواش ابن هني حذيفة، وقتل الحارث بن زهير حمل بن بدر، وأخذ منه ذا النون سيف مالك بن زهير، وكان حمل أخذه من مالك بن زهير يوم قتله، فقال الحارث في ذلك: تركتُ على الهَباءَةِ غيرَ فَخرٍ ... حُذيفَةَ حولَه قِصَدُ العوالي سيُخبِرُ قومَهُ حَنَشُ بنُ عمروٍ ... إذا لاقاهُمُ وابنَا بلال ويُخبِرُهُم مكانَ النُونِ مني ... وما أُعطِيُتُهُ عَرقَ الخِلال العرق المكافأة والمودة، والخلال الخُلّة. يقول: لم يعطوني السيف عن مودة، ولكني قتلت وأخذت، فأجابه حنش بن عمرو أخو بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان:. سيُخبرُكَ الحديثَ بكم خَبيرٌ ... يجاهِدُكَ العَداوَةَ غيرُ آلِ بُداءَتُها لِقرواشٍ وعمروٍ ... وأنت تَجولُ جَوبُكَ في الشِّمال الجوب الترس، يقول بداءة الأمر لقرواش وعمرو بن الأسلع، حين اقتحما الجفر وقتلا من قتلا، وأنت تُرسك في يدك تجول، لم تغن شيئاً.

ويقال لك البداءة ولفلان العوادة. وقال قيس بن زهير: تَعلَّم أنَّ الناسِ مَيتٌ ... على جَفرِ الهَباءَةِ ما يَريمُ ولو ظُلمُهُ ما زِلتُ أبكي ... عليه الدهرَ ما طَلعَ النُّجومُ ولكنَّ الفتى حملَ بنَ بدرٍ ... بَغى، والبَغيُ مَرتَعُهُ وخِيمُ أظُنُّ الحِلمَ دلَّ عليَّ قومي ... وقد يُستَجهَلُ الرجلُ الحليمُ فلا تَغشَى المظَالِمُ أن تَراهُ ... يُمتَّعُ بالغِنَى الرجُلُ الظلومُ ولا تَعجَلْ بأمرِكَ واستَدِمهُ ... فما صَلَّى عَصاكَ كمُستديمِ يقول عليك بالتأني، وإياك والعجلة، فإن العجول لا يُبرم أمراً، كما أن الذي يُثقف العود إذا لم يُجد تصليته على النار لم يستقم له. أُلاقي من رجالٍ مُنكَرَاتٍ ... فأُنكِرُها وما أنا بالغَشُومِ ولا يُعِييكَ عُرقُوبٌ لِلأيٍ ... إذا لم يُعطِكَ النِّصفَ الخصيمُ قوله عرقوب، يقول: إذا لم يُنصفك خصمك فأدخل عليه عرقوباً ينسخ حجته. ومارستُ الرِّجالَ ومارَسُوني ... فمُعوَجٌ عليَّ ومستقيمُ وقال في ذلك شداد بن معاوية العبسي وهو أبو عنترة: مَنْ يَكُ سائلاً عني فإني ... وجَروَةَ لا تَرُودُ ولا تعارُ مُقرَّبَةُ الشِّتاءِ ولا تَرَاها ... أمامَ الحَيِّ تتبَعُها المِهار

لها بالصِّيفِ آصِرَةٌ وجُلٌّ ... وسِتٌّ من كرائِمِها غِزار ألاَ أبلغْ بني العُشَراءِ عني ... عَلانِيَةً وما يُغني السِّرارُ قتلتُ سَراتَكُم وحَسَلتُ منكم ... حَسيلاً مثلَ ما حُسِلَ الوَبَار وحسالة الناس، وحفالتهم، ورعاعهم، وخمانهم، وشرطهم، وحثالتهم، وحشارتهم، وغفاهم السفلة. وكان ذلك اليوم يوم ذي حسى، ويزعم بعض بني فزارة، أن حذيفة يومئذ كان أصاب فيمن أصاب من بني عبس، تُماضر بنت الشريد السلمية، أم قيس فقتلها وكانت في المال. ولم أقتَلُكُمُ سِرّاً ولكِنْ ... عَلانيَةً وقد سَطعَ الغُبارُ ثم إن بني عبس ظعنوا، فحلّوا إلى كلب بعراعر، وقد اجتمع عليهم بنو ذبيان، فقاتلتهم كلب فهزمتهم عبس، وقتلوا مسعود بن مصاد الكلبي، أحد بني عُليم بن جناب، فقال عنترة في ذلك، وهي في شعره: ألا هل أتاها أنَّ يومَ عُرَاعِرٍ ... شَفى سَقَماً لو كانتِ النفسُ تَشتفِي قال: فأجلتهم الحرب، فلحقوا بهجر، وامتاروا منها، ثم حلُّوا على بني سعد بني سعد بن زيد مناة، وهم بالفروقِ، وقد آمنتهم بنو سعد ثلاث ليال، فأقاموا، ثم إنهم شخصوا عنهم، فاتبّعهم ناس من بني سعد، فقاتلهم العبسيون فامتنعوا، حتى رجع بنو سعد، وقد خابوا ولم يظفروا منهم بشيء، فقال عنترة في ذلك:

ألا قاتلَ الله الطُّلولَ البَواليا ... وقاتلَ ذِكرَاكَ السِّنينَ الخَواليا ونحن منَعنَا بالفَروُقِ نِساءَنا ... نُطَرِّفُ عنها مُسبِلاتٍ غَواشيا وسُئل قيس بن زهير، كم كنتم يوم الفروق؟ قال مائة فارس كالذهب، لم نكثر فنفشل، ولم نقل فنضعف. ثم سارت بنو عبس حتى وقعوا باليمامة، فقال قيس بن زهير: إن بني حنيفة قوم لهم عز وحصون، فحالفوهم، فخرج قيس بن زهير حتى أتى قتادة بن مسلمة الحنفي، وكان أحد جرّاري ربيعة - قال ابن حبيب: الجرار من قاد ألف فارس، فإن لم يقد ألف فارس فليس بجرار - وهو يومئذ سيدهم، فعرض عليهم قيس نفسه وقومه، فقال: ما يُرد مثلكم، ولكن لي في قومي أمراء، لابد من مشاورتهم، وما نُنكر حسبك ولا نكايتك، فلما خرج قيس من عنده، قيل له ما تصنع، تعمد إلى أفتك العرب وأجرئهم فتُدخله أرضك، فيعلم وجوه أرضك، وعورة قومك، ومن أين يؤتون؟ فقال كيف أصنع وقد وأيت له - أي وعدت - أستحيي من رجوعي، فقال له السمين الحنفي: أنا أكفيك. قيس هو رجل حازم متوثق، لا يقبل إلا الوثقة، فلما أصبح غدا فلقيه السمين الحنفي، فقال: إنك على خير، وليست عليك عجلة، فلما رأى ذلك قيس، ومر على جمجمة إنسان بالية فضربها برجله، وقال: رُبّ خسف قد أقرّت به هذه الجمجمة، مخافة مثل هذا اليوم، وإن مثلي لا يقبل إلا القوي من الأمر. فلما لم ير ما يُحب، احتمل فلحق ببني عامر بن صعصعة، فنزل هو وقومه على بني شكل، من بني الحريش، وهم بنو أختهم، وكانت أمهم عبسية، فجاوروهم وكانوا يرون عليهم أثرة، وسوء جوار، واستخفافاً بهم. فقال نابغة بني ذبيان:

لَحا الله عُبساً عَبسَ آل بُغيِّضٍ ... كَلَحي الكِلابِ العَوياتِ وقد فَعَل فأصبحتُمُ والله يفعلُ ذاكُمُ ... يَعزُّكُمُ مَولَى مواليكم حَجَل إذا شاءَ منهم ناشِئٌ دَربَخَتْ له ... لطيفَةُ طَيءِّ الكَشحِ رابِيَةُ الكَفَل دربخت له جبّت وقامت على أربع حتى يأتيها. فأصبحتُمُ والله يَفعلُ ذاكُمُ ... تَنيكُ النِّساءَ المُرضِعاتِ بَنُو شَكَل فمكثوا مع بني عامر، يتجنون عليهم، ويرون منهم ما يكرهون، حتى غزتهم بنو ذبيان وبنو أسد ومن تبعهم من بني حنظلة، يوم جبلة، فأصابوا يومئذ زبّان بن بدر، فكانوا معهم ما شاء الله. ثم إن رجلاً من الضباب، أسره بنو عبد الله بن غطفان، والضبابي هو أخو الحنبص، فاستودعه الذي أسره يهودياً ليغزو، ثم يعود فاتهمه اليهودي بامرأته فخصاه، فقال لحنبص الضبابي لقيس بن زهير: أدَّ إلينا ديته، فإن مواليك بني عبد الله أصابوا صاحبنا، وبنو عبد الله بن غطفان حلفاء بني عبس، فقال قيس: ما كنا لنفعل. فقال: والله لو أصابه مر الريح لوديتموه. فقال قيس في ذلك: لَحى الله قوماً أرَّشُوا الحربَ بيننا ... سَقَونَا بها مُرّاً مِنَ الشِّربِ آجِنا وحَرمَلَةَ النَّاهيهمُ عَنْ قِتَالِنا ... وما دَهرَهُ إلا يكونُ مُطَاعِنَا أُكَلَّفَ ذا الخُصيّينِ إن كانَ ظالماً ... وإن كان مَظلوماً وإن كان شَاطِنا

خَصَاهُ امرؤٌ من أهلِ تَيمَاءَ طَابنٌ ... ولا يَعدَمُ الأنسِيُّ والجِنُّ طَابِنا الطابن الفطن، يقول: يخصه يهودي وأكلف أناديته. فهلاَّ بَني ذُبيانَ وسطَ بُيُوتهم ... رَهَنتَ بمَرِّ الريحِ إن كنتَ رَاهِنا وخَابَستُهُم حقِّي خلالَ بُيُوتهم ... وان كنتُ ألقَى من رجالٍ ضَغَائِنا إذا قلتُ قد أُفلِتُ من شرِّ حَنبَصٍ ... لَقيتُ بأُخرى حنبَصاً مُتَباطِنا فقد جَعلتْ أكبَادُنَا تَجتوِيكُمُ ... كما تجتوِي سُوقُ العَضَاهِ الكَرازِنَا تَدَرَّوَننا بالمُنكَراتِ كأنّما ... تَدرَّونَ ولداناً تَرَمَّى الرَّهَادِنا تدرّوننا تختلوننا والرهادن جمع رهدن وهو شبيه بالعصفور، ويقال باللام كما قالوا غرين وغريل، وهو التقن في أسفل الحوض، وترمى من الرمي. وقال النابغة الذبياني يرد على قيس بن زهير: إبكِ بُكاءَ النِّساءِ إنكَ لن ... تهَبِطَ أرضاً تُحبُّها أبدَا نحن وَهَبنَاكَ للحَريش وقد ... جَاوَرتَ في أرضِ جَعفَرٍ عَددا وأغار قرواش بن هني العبسي، وبنو عبس يومئذ في بني عامر، على بني فزارة، فأخذه أحد بني العشراء، الأخرم بن سيار، أو قطبة بن

سيار بن عمرو بن جابر بن عقيل بن سمي بن مازن بن فزارة، أخذه تحت الليل فقال له: من أنت؟ فقال له: رجل من بني البكاء، فعرفت كلامه فتاة من بني مازن بن فزارة كانت ناكحاً في بني عبس، فعرفت صوته فقالت: أبا شريح، أما والله لنعم مأوى الأضياف، وفارس الخيل أنت. قال: ومن هو؟ قالت: قرواش بن هني، فدفعوه إلى بني بدر فقتلوه وكان قتل حذيفة. وزعم بعض الناس أنهم دفعوه إلى بني سبيع، فقتلوه بمالك بن سبيع. وكان قتل مالك بن سبيع الحكم بن مروان بن زنباع، فقال نهيكة بن الحارث الفزاري: صبراً بغيضَ بنَ رَيثٍ إنها رَحِمٌ ... جِئتُم بها فأناخَتكُم بِجَعجَاع فما أشَطَّتْ سُميٌّ أنْ هُمُ قَتلوا ... بني أُسيدٍ بقتلى آل زِنباعِ لقد جزتكُم بنو ذُبيانَ ضاحِيَةً ... بما فعلتُم ككَيلِ الصَّاعِ بالصَّاع قتلاً بقتلٍ وتعقيراً بعَقرِكُم ... مهلاً حُميضَ فلا يسعى بنا الساعي وقال في ذلك عنترة هَدِيُّكُم خيرٌ أباً من أبيكُمُ ... أعَفُّ وأوفى بالجِوارِ وأحْمَدُ الهدي هاهنا الأسير، والهدي الجار، والهدي العروس، والهدي ما أهديت إلى بيت الله الحرام. أهل العالية يخفّفون الهدى إلى بيت الله عز وجل، وأهل نجد يُحركونه ويثقلونه -

وأحمىَ لدى الهَيجا إذا الخيلُ صَدَّها ... غَداةَ الصَّباحِ السَّمهَرِيُّ المُقصَّدُ فهلاَّ وفي الغَوغاءُ عمرو بنُ جابرٍ ... بذَمَّتِهِ وابنُ اللقيطَةِ عِصيَدُ سَيأتيكُمُ مني وإن كنتُ نائِياً ... دُخانُ العَلَندَى حولُ بيتيَ مِذوَدُ أي هجاء يذود عني، والعلندي شجر كثير الدخان مؤذ، يقول: يأتيكم هجاء مؤذ. قصائدُ مِن بَزِّ امرئٍ يحتذِيكمُ ... وأنتم بجسمي فارتَدُوا أو تقلَّدوا وقال قيس بن زهير: ما لي أرى إبلي تَحِنُّ كأنها ... نَوحٌ تُجاوِبُ مَوهِناً أعشارا الموهن بعد صدر من الليل. وأعشار جمع عشر. لن تهبطي أبداً جُنوبَ مُويسِرٍ ... وقَنا قُراقِرَتينِ والإمرارا أجَهِلتِ من قومٍ هَرَقتُ دِمَاءَهم ... بيَدي ولم أدِهِم بجَنبِ تعَارا إنَّ الهوادَةَ لا هوادةَ بيننا ... إلا التجاهُدُ فاجَهدِنَّ فَزارا إلا التَّزاوُرُ فوقَ كلِّ مُقَلِّصٍ ... يهدِي الجِيادَ إذا الخميسُ أغارا فلأهبِطَنَّ الخيلَ حُرَّ بِلادِكم ... لُحقَ الأياطِلِ تَنبِذُ الأمهارا حتى تزورَ بلادَكم وتُرَى بها ... مِنكُم مَلاحِمُ تُخشِعُ الأبصارا وقال قيس بن زهير في مالك بن زهير، ومالك بن بدر: أخي والله خيرٌ من أخيكُم ... إذا ما لم يَجِد بَطلٌ مَقاما

أخي والله خيرٌ من أخيكُم ... إذا لم يَجِد راعٍ مَساما ويروى مُساما. يقال: سامت الإبل مَساما، وأسمتُها مُساما. أخي والله خيرٌ من أخيكُم ... إذا الخَفِراتُ أبدَينَ الخِداما قتلتُ به أخاكَ وخيرَ سَعدٍ ... فإنْ حَرباً حُذُيفُ وإن سلاما تَرُدُّ الحربُ ثَعلبةَ بنَ سعدٍ ... بحمدِ الله يَرعَونْ البِهاما وتُغني مُرَّةَ الأثرَينَ عنّا ... عُروجُ الشَّاءِ تَترُكهُ قِياما وكيف تقولُ صبرُ بني حجَانٍ ... إذا غَرِضوا ولم يَجِدُوا مَقاما غرضوا ملُّوا في هذا الموضع. ولولا آلُ مُرَّةَ قد رأيتُم ... نَواصِيَهُنَّ يَنضُونَ القَتَاما وقال نابغفة بني ذبيان: أبْلِغْ بني ذبيانَ إلاّ أخَالَهم ... بعَبسٍ إذا حَلُّوا الدِّماخَ فأظلَمَا بجَمعٍ كلَونِ الأعبَلِ الوَردِ لونُهُ ... ترى فيه نَواحيهِ زُهيرا وحذيَما الأعبل الحجارة البيض، ويقال الجبل الأبيض، واحدها أعبل، والجمع أعابل. همُ يَرِدُونَ الموتَ عند لقائِهِ ... إذا كان وَردُ الموتِ لابدَّ أكرَما

ثم إن بني عبس ارتحلوا عن بني عامر، فساروا يريدون بني تغلب، فأرسلوا إليهم أن أرسلوا إلينا وفداً، فأرسل إليهم بنو تغلب ثمانية عشر راكباً، فيهم ابن الخمس التغلبي، قاتل الحارث بن ظالم. وفرح بهم بنو تغلب وأعجبهم ذلك. فلما رأى الوفد بني عبس قال لهم قيس: انتسبوا نعرفكم، فانتسبوا حتى مر بابن الخمس، فقال: أنا ابن الخِمس، فقال قيس: إن زمانا أمنتنا فيه لزمان سوء. قال ابن الخمس: وما أخاف منك؟ والله لأنت أذل من قُراد تحت منسم بعيري. فقتله قيس، وإنما قتله بالحارث بن ظالم لأن الحارث كان قتل بزهير بن جذيمة، خالد بن جعفر بن كلاب، فلما دخل الحارث على النعمان، قال: من كان له عند هذا ثأر فليقتله، فقام إليه ابن الخمس فقتله، فقال: تقتلني ياابن شر الأظماء. قال: نعم يا ابن شر الأسماء. فقتل قيس ابن الخمس بالحارث بن ظالم. فلما رأى ذلك قيس، قال: يا بني عبس، ارجعوا إلى قومكم فهم خير الناس لكم فصالحوهم، فأما أنا فلا والله لا أجاور بيتاً غطفانياً أبداً، فلحق بعمان فهلك بها. ورجع الربيع وبنو عبس فقال الربيع بن زياد في ذلك: حَرَّقَ قيسٌ عليَّ البلادَ ... حتى إذا اضطَرَمتْ أجذَما جَنِيَّةُ حربٍ جَناها فما ... تُفُرِّجَ عنه ولا أُسلِما عَشيَّةَ يُردِفُ آلَ الرِّبا ... بِ يُعجِلُ بالرَّكضِ أنْ يُلجِما

ونحنُ الفوارسُ يومض الهَريرِ ... إذ تُسلِمُ الشَّفَتانِ الفَمَا ويروى إذ تقلص، أراد تقلص الشفتان من الهول. إذا ذُعِرَتْ من بَياضِ السُّيو ... فِ قُلنا لها أقدِمي مُقدَمَا ولما انصرف الربيع بن زياد، وكان يُدعى الكامل، أتى بني ذبيان ومعه ناس من بني عبس، فأتى الحارث بن عوف بن أبي حارثة، فوقفوا عليه فقالوا: هل أحسست لنا الحارث بن عوف، وهو يعالج نحياً. فقال: هو في أهله. ولبس ثيابه، فطلبوه ثم رجعوا وقد لبس ثيابه فقالوا: ما رأينا كاليوم قط مركوباً إليه. قال: ومن أنتم؟ قالوا: بنو عبس، ركبان الموت. قال: بل أنتم ركبان السلم والحياة، مرحباً بكم، لا تنزلوا حتى تأتوا حصن بن حذيفة. فقالوا: نأتي غلاماً حديث السن، وقد قتلنا أباه وأعمامه ولم نره قط! فقال الحارث: نعم إن الفتى حليم، وإنه لا صُلح حتى يرضى. فأتوه عند طعامه، فلما رآهم، ولم يكن رآهم حصن، قالوا: هؤلاء بنو عبس. فلما أتوه حيّوه. قال: من أنتم؟ قالوا: ركبان الموت، فحياهم، وقال: بل أنتم ركبان السلم والحياة، إن تكونوا احتجتم إلى قومكم، فقد احتاج قومكم إليكم. هل أتيتم سيدنا الحارث ابن عوف؟ قالوا: لم نأته. وكتموا إتيانهم إياه. قال: فأتوه. فقالوا: ما نحن ببارحيك حتى تنطلق معنا. فخرج يضرب أوراك أباعرهم قبله، حتى أتوه. فلما أتوه، حلف له حصن هل أتوك قبلي؟ قال: نعم. فقال: قم بين عشيرتك، فإني معينك بما أحببت. قال الحارث: فأدعوا معي خارجة بن سنان. قال: نعم. فلما اجتمعا قالا لحصن: تُجيرنا من

خصلتين: من الغدر بهم، والخذلان لنا، قال: نعم فقاما بينهم، فباءؤوا بين القتلى، وأخرجا لبني ثعلبة بن سعد ألف ناقة، وأعانهم فيها حصن بخمس مائة ناقة. وزعموا أنه لما اصطلح الناس، وكان حصين بن ضمضم قد حلف أن لا يصيب رأسه غُسل، حتى يقتل بأخيه هرم بن ضمضم. فأقبل رجل من بني عبس يقال له ربيعة بن وهب بن الحارث ابن عدي بن بجاد، وأمه امرأة من بني فزارة، يريد أخواله، فلقيه حصين بن ضمضم المري فقتله بأخيه الذي قتله ورد بن حابس العبسي. فقال حيّان بن حصين العبسي: سالَمَ الله مَنْ تَبرَّأ مِن غَيْ ... ظٍ ووَلَّى أثَامَها يَربوعا قَتلونَا بعدَ المواثيقِ بالسُّح ... مِ تَرَاهُنَّ في الدِّماءِ كُروعا إن تُعيدوا حَربَ القَليبِ علينا ... تجدُوا أمرَنا أحَذَّ جميعا فلما بلغ فزارة قتل حصين بن ضمضم، ربيعة بن وهب، غضبوا وغضب حصن في قتل ابن أختهم، وفيما كان من عقد حصن لبني عبس. وغضب بنو عبس فأرسل إليهم الحارث ابنه، فقال: اللبن أحب إليكم أم أنفسكم؟ يعني ابنه. يقول: إن شئتم فاقتلوه، وإن شئتم فالدِّية. قالوا: اللبن أحب إلينا. فأرسل إليهم مائة من الإبل، دية ربيعة ابن وهب. فقبلوا الدية، وتموا على الصلح. فقال شييم بن خويلد الفزاري: حلَّت أُمَامَةُ بطنَ البَينِ فالرَّقَمَا ... واحتَلَّ أهلُكَ أرضاً تُنبِتُ الرَّتَما الرتم شجر، الواحدة رتمة.

فذاتَ شَكٍّ إلى الأعراجِ مِن إضَمٍ ... وما تَذكُّرُهُ من عاشِقٍ أمَمَا هَمٌّ بعيدٌ وشَأوٌ غيرُ مُؤتَلَف ... إلا بمرؤودَةٍ ما تشتكي السَّأمَا المزؤودة المرعوبة من ذكائها. أنْضَيتُها مِن ضُحَاهَا أو عَشيَّتِها ... في مُستَتِبٍّ تَشُقُّ البِيدَ والأكَما تسمعُ أصواتَ كُدرِيِّ الفِراخِ به ... مِثلَ الأعاجِمِ تُغشي المُهرَقَ القَلما يا قومَنا لا تَعُرُّونا بمَظلَمَةٍ ... يا قومَنا واذكُروا الآلاءَ والذِّمَمَا في جارِكم وابنِكم إذ كان مَقتَلُهُ ... شَنعاءَ شَيَّبت الأصداغَ واللِّمَما عيَّ المَسُودُ بها والسَّائِدونَ فلم ... يُوجَدْ لها غيرُنا مولىً ولا حَكما كُنَّابِها بعدما طِيخَتْ عُروضُهُمُ ... كالهِبرقيَّةِ ينفي لِيطُها الدَّسَما الهبرقية السيوف والهبرقي الحداد. أراد كالسيوف الماضية تسبق الدم. والليط اللون. إني وحِصناً كذِي الأنفِ المَقُولِ له ... ما مِنكَ أنفُك إن أعضَضتَهُ الجَلَما أإنْ أجارَ عليكم لا أبَا لكُمُ ... حِصنٌ تقطَّرُ آفاقُ السماءِ دَما أدُّوا ذِمَامَةَ حِصنٍ أو خُذوا بِيَدٍ ... حرباً تَحُشُّ الوَقودَ الجَزلَ والضَّرَما وقال ابن عنقاء الفزاري، وهو عبد قيس بن بحرة:

إنْ تَأتِ عبسٌ وتَنصُرها عَشيرتُها ... فليس جارُ ابنِ يربوعٍ بمخذولِ كِلا الفريقينِ أعيَا قتلِ صاحِبِهِ ... هذا القَتيلُ بمَيتٍ غيرِ مَطلولِ باءَتْ عَرارِ بِكَحلٍ والرِّفاقُ معاً ... فلا تَمنَّوا أمانيَّ الأضَاليلِ عرار وكحل ثور وبقرة كانا في بني إسرائيل، فعُقر كحل فعُقرت به عرار، فوقعت الحرب بينهم، حتى تفانوا، وزعموا أن بني مرة وبني فزارة لما اصطلحوا وباؤوا بين القتلى، أقبلوا يسيرون حتى نزلوا على ماء، يقال له قلهى، وعليه بنو ثعلبة بن سعد بن ذبيان، فقالت بنو مرة، وبنو فزارة، لبني ثعلبة: أعرضوا عن بني عبس فقد باؤوا بالقتلى بعضهم ببعض. فقالت بنو ثعلبة: فكيف تأتون بعبد العزّى بن حذار، ومالك بن سبيع، أتهدروانهما وهما سيدا قيس عيلان، فوالله ما نشم هذا بأنوفنا أبداً. فمنعوهم الماء حتى كادوا يموتون عطشاً. فلما رأوا ذلك أعطوهم الدية. فقال في ذلك معقل بن عوف بن سبيع الثعلبي: لَنِعمَ الحيُّ ثعلبةَ بنَ سعدٍ ... إذا ما القومُ عَضَّهُمُ الحديدُ همُ رَدُّوا القبائلَ من بغيض ... بغيظِهِمُ وقد حَمِيَ الوقود تُطَلُّ دماؤُهم والفَضلُ مِنَا ... على قَلهَى ونَحكمُ ما نُريد وقال شريح بن بجير الثعلبي: نحنُ حَبسنَا بالمَضيقِ ثَمانِيا ... نَحُشُّ الجِيادَ الرَّاءَ فهي تأوَّدُ

الراء شجر مر، يقول: حبسنا نحبس خيلنا على الثغر، حفاظا. فهي تأود ضعفاً. وفيها إذا جَدَّ الصَّوارِخُ شاهدٌ ... مِنَ الجَريِ أو تُدعى لها فتُجَرَّدُ ولو أنّ قومي قومُ سَوءٍ أذِلَّةٌ ... لأخرَجَني عَوفٌ وعَوفٌ وعِصيَدُ الأول عوف بن أبي حارثة، والثاني عوف بن سبيع، وعصيد لقب لحصن بن حذيفة. وعَنترةُ الفَلحَاءُ جاءَ مُلأّماً ... كأنكَ فِندٌ من عَمَايةَ أسودُ الفلحاء، كان مشقوق الشفة، ومنه قولهم الحديد بالحديد يفلح، والفلاح الأكار الذي يشق الأرض. والفلح شق. وفند قطعة من الجبل، وعماية جبل. تُطيفُ به الحُشَّاشُ يُبسٌ تِلاعُهُ ... حِجارَتُهُ من قِلةِ الخيرِ تَصلِدُ الحشاش الذين كانوا يحتشون. يقول: لا خير فيهم، والصلد اليابس. ولكنَّ قومي أحرَزَتني رِماحُهُم ... فآبَى وأُعِطي الوُدَّ مَنْ يَتودَّدُ إذا جاءَ مُرِّيٌّ جَرَرنا برَأسه ... إلى الماءِ والعَبسيُّ بالنارِ يَفأدُ يفأد يشوي. والفئيد الشواء. فأمّا ابنُ سيَّارِ بنِ عمرِو بنِ جابرٍ ... ففوزَ ظِمءَ الضَّبِّ أو هوَ أجلَدُ فوزّ أي ركب المفاوز كالضب الذي لا يشرب الماء.

فهذا ما كان من حديث داحس والغبراء، وبلغنا أن الحرب كانت فيهم أربعين سنة، وصار داحس مثلا. وقال البعيث: أأنْ أمرعَتْ مِعزَى عطَّيةَ وارتَعَتْ ... تِلاعاً مِنَ المرَوُّتِ أحوى جميمُهَا أمرعت أخصبت. والتلاع مسايل الماء، والمروت من بلاد بني تميم، والأحوى الشديد الخضرة، والجميم من النبت ما كثر وأمكن المال أن يرعاه. تعرَّضتَ لي حتى ضَرَبتُكَ ضربةً ... على الرأس يَكبو لليدينِ أميمُهَا ويروى صككتك صكة، والأميم هو المأموم الذي تهجم ضربته على أم الرأس، وهي الجلدة التي تجمع الدماغ تحت العظم إذا شقّها شيء ووصل إليها مات صاحبها. إذا قاسَها الآسي النِّطاسيُّ أُرعِشَتْ ... أنَامِلُ كَفيَّهْ وجاشَتْ هُزُومُهَا الآسي المتطبب. والنطاسي البصير العالم، يقال: فلان نَطِس ونَطُس ونطيس. ويقال أسوتُ آسو أسواً وهزومها صدوعها واحدها هزم. كُليبٌ لِئامُ الناسِ قد تعلَمونَهُ ... وأنتَ إذا عُدَّتْ كُليبٌ لَئيمُها ويروى أليس كليبٌ ألأمَ الناس كلهم.

لقىً مُقعَدُ الأحسَابِ مُنقَطَعٌ بهِ ... إذا القومُ رامُوا خُطَّةً لا يَرُومُهَا لقى ملقى مقعد الأنساب يعني قصير النسب، أي إذا القوم راموا بلغة أي شيئاً يُتبلّغ به وليس بطائل. لا يرومها لا يطمع فيها عجزاً عنها. أترجو كُليبٌ أنْ يَجيء حَديثُها ... بخيرٍ وقدْ أعيا كُليباً قديمُهَا يقول أترجو كليب أن يكون لها حديث من المجد ولا قديم لها. وقال غيره: أترجو كليبٌ أن يأتي أخيرها بشرف ولا شرف لها، والتفسير الأخير أجود. على عَهدِ ذي القَرنَينِ كانت مُجاشِعٌ ... أعِزّاءَ لا يَسطِيعُها مَن يَضِيمُها ويروى .. أعزّ فلا يسطيعها من يرومها. وروى غير أبي عبيدة .. سماما على الأعداء لُدّاً خصومها. فأجابه جرير: ألاَ حيِّ بالبُردَينِ داراً ولا أرى ... كدَارِ بقوٍّ لا تُحيَّا رُسُومُهَا البردان غديران بينهما حاجز يبقى ماؤهما الشهرين والثلاثة. لقدْ وَكَفَتْ عيناهُ أنْ ظَلَّ واقِفاً ... على دِمنَةٍ لمْ يبقَ إلا رَميمُهَا أبَينَا فلم نسمعْ بِهندٍ مَلامَةً ... كما لم تُطِعْ هِندٌ بِنَا مَنْ يَلُومُهَا إذا ذُكِرَتْ هِندٌ لهُ خَفَّ حِلمُهُ ... وجَادَتْ دُموعُ العَينِ سَحّاً سُجُومُها وأنّى لهُ هِندٌ وقدْ حالَ دُونَها ... عُيونُ وأعداءٌ كثيرٌ رُجُومُها

رجومها أي ترجم بالغيب رجما، أي يظنون بنا غير الحق واليقين. إذا زُرتُمَا حالَ الرقيبانِ دُونُهَا ... وإن غِبتُ شَفَّ النفسْ عَنها هُمومُها شف النفس أضمرها وأنحلها. أقولُ وقد طالتْ لِذكرَاكِ ليلتي ... أجِدَّكِ لا تسري لما بي نُجومُها أجدّك أي أبجدّك، معناه هو الجد منك. يا ليلة خاطبها ثم رجع عن المخاطبة فقال: ما تسري نجومها طولا عليّ. أنا الذّائِدُ الحامِي إذا ما تَخَمَّطَتْ ... عَرانينَ يَربوعٍ وصَالتْ قُرُومُهَا الذائد الدافع. وتخمّط الفحول إيعاد بعضها بعضاً. وعرانين القوم أشرافهم. وقرومها فحولها. والقرم الفحل الذي لم يمسسه حبل، واتخذ للفحلة فشبه الرجل الرئيس بها. دَعُوا الناسَ إني سوفَ تنهَى مخافتي ... شياطينَ يُرمَى بالنحاس رَجيمَها ويروى سوف يكفي. النحاس الدخان وإنما أراد النار لأن النار لا تكون إلا بدخان. فما ناصَفَتنا في الحِفاظِ مجاشعٌ ... ولا قَايَست في المجدِ إلا نَضيمُها ويروى ولا قايستنا المجد. فما ناصفتنا أي لم تبلغ نصف حفاظنا، ولا قايستنا إلا ضمناها. وروي ناصبتنا، ولا قايستنا الفضل.

وهذا يوم عبيد الله بن زياد بن أبيه

ولا نعتصي الأرطَى ولكن عِصيُّنَا ... رِقَاقُ النّواحي لا يُبلُّ سليمُها الأرطى شجر ينبت في الرمل، يقال بل المريض وأبلّ برأ، وكذلك اطرغش وقشّ قشوشاً وأصل القشوش في الجُرح إذا جفّ للبرء. كَسونا ذُبابَ السيفِ هامةَ عارضٍ ... غَداةَ اللوى والخيلُ تَدمى كُلُومُهَا عارض رجل من بني جشم بن معاوية بن بكر، ويقال بل من بني ثعلبة بن مسعد بن ذبيان وكان أغار على بني يربوع في مقنب يوم واردات، فقتله أبو مليل. ويومَ عُبيدالله خُضنَا برَايَةٍ ... وزَافِرَةٍ تَمَّتْ إلينا تَميمُها الزافرة ناهضة الرجل وأعوانه لذين بهم يصول: وهذا يوم عُبيد الله بن زياد بن أبيه وذلك أنه لما مات يزيد بن معاوية، خرجت بنو تميم حين بلغهم أن عبيد الله بن زياد ترك دار الإمارة، وبايعوا لعبد الله بن الحارث الهاشمي، حتى أدخلوه الدار فأمروه عن غير مشورة من اليمن وربيعة، فقال شاعر منهم: نَزَعنا وأمَّرنا وبكرُ بنُ وائِلٍ ... تجُرُّ خُصَاها تبتغي مَن تُحالِفُ فما بات بكريٌّ منَ الدهرِ ليلةٌ ... فيُصبحَ إلا وهو للذلِّ عارِفُ وقال الفرزدق: وبايعتُ أقواماً وفَيتُ بعَهدِهِمِ ... وبَبَّةُ قد بايَعتُهُ غيرَ نادِمِ

ببة هو عبد الله بن الحارث، وإنما سمي ببة لأن أمه كانت ترقّصه فتقول: لأُنكِحَنَّ بَبَّه ... جارِيَةً كالقُبَّهْ ويروى جارية في قبه، ويروى جارية حدلُكّهْ مُكرَمَةً مُحَبَّهْ ... تَجُبُّ أهلَ الكَعبةْ تجب تفضل. فلما بلغ ذلك اليمن قالوا: لا نرضى أن يؤمر علينا أمير من غير مشورة منا ولا رضاً، فركب مسعود بن عمرو العتكي، وكان يقال له قمر العراق، في اليمن وربيعة قد رأسوه عليهم، حتى دخل المسجد الجامع، وعبد الله بن الحارث في الدار، وغفل الناس عن الحرورية فأتوا بالسلاح، فخرجوا من السجن، فدخلوا المسجد، لا يلقون أحداً إلا قتلوه. فقتلوا مسعوداً في المسجد، وقتلو معه اثني عشر رجلاً من قومه، ثم طمّوا - طموا ذهبوا - إلى الأهواز من وجههم، فأقبل ناس من بني منقر، فاجترّوا مسعوداً إلى دورهم فمثّلوا به. فسارت اليمن وربيعة حتى ملأت سكة المربد، فذكر إسحاق بن سويد العدوى قال: إني لواقف على باب دارنا، إذ مرت بنا كبكبة، فقلت من هذا؟ فقالوا: مالك بن مسمع. ثم مكثت غير طويل فإذا كبكبة أخرى قد ملأت سكة المربد، فقلت من هذا: فقالوا: القمر. قلت: ومن القمر؟ قالوا: مسعود. فأتت بنو سعد الأحنف فسألوه أن ينهض، فأبى. فقالوا: أنت

سيدنا. فقال: لست بسيدكم، إنما سيدكم الشيطان. فقال سلمة بن ذؤيب الرياحي: يا معشر الفتيان، قد سمعتم ما قال هذا المهتر. فانتدبوا مع رجل يقوم بهذا الأمر، فأنُتدب معه خمسمائة من بني تميم. فلما كان في بعض الطريق، لقيه أربعمائة من الأساورة، عليهم ما فروردين، فساروا حتى انتهوا إلى أفواه السكك، فوقفت الخيل، فقال لهم ما فروردين، بالفارسية (جوان مردان جبوذ كنشويذ) قالوا بالفارسية: (نما هلند تاكارزار كنيم) قال: (دهادشان بنجكان - معناه ارموهم بخمس نشّابات كل رجل منكم - فرموهم بألفي نُشّابة. قال: ودخلوا المسجد، ومسعود على المنبر يخطب. فانزلوه فضربوا عنقه، فأما زهير بن هنيد فحدّث عن ناشب بن الحنشاش قال: أتينا الأحنف بن قيس فيمن ينظر في بني عامر بن عبد الله، وقد اعتزل الفتنة، ونزل منزله، فأتته امرأة بمجمرة فقالت: مالك وللسؤدد، والرياسة، إنما أنت امرأة فتجمّر، فقال: استُ المرأة أحقُّ بالمجمر وقال: لا أجيبهم إلى إعانة حتى أُوتى، فقيل له: إن عبلة بنت ناجية - وقال آخرون بل عزّة الخزّ - قد انتُهبت وسُلبت حتى انتزع خلخالها من رجلها - ودارها حيال مطهرة رحبة بني تميم - وقيل له قُتل الصباغ الذي على طريقك، وقُتل المقعد الذي على باب المسجد الجامع، فقال: أقيموا بيّنة فشهد عنده بشر. فقال: أجاء عبّاد بن حصين؟ فقيل: لا. وسأل ثانية وثالثة فقيل لا. فقال: أهاهنا عبس أخو كهمس الصريمي؟ قالوا: نعم. فدعاه ثم انتزع معجراً في رأسه، فعقده في رمح، ثم دفعه إليه، وقال سر. فلما ولّى قال: اللهم لا تخزها، اللهم انصرها، فإنك لم تخزها فيما مضى. فقصد نحو مسعود،

وصاح الشباب: هاجت زبراء، أي غضب الأحنف، وزبراء اسم وليدته، فكنوا بها عنه من إجلاله. قال: وسمعت أبا الخنساء العنبري، قال: سمعت الحسن يقول في مجلسه في المسجد: أقبل مسعود من هاهنا في أمثال الطير - وأشار بيده إلى منازل الأزد - معلماً بقباء ديباج أصفر، معيّن بسواد، يأمر بالسنة وينهى عن الفتنة - فقال الحسن: ألا إن من السُنّة أن يؤخذ ما فوق يديك - فأتوه وهو على المنبر فاستنزلوه علم الله فقتلوه. وذكروا أن بنت مسعود لما بلغها مقتل أبيها يومئذ، ركبت دابة موكّفة وولّت وجهها نحو ذنبها، ونشرت شعرها، وتجلببت مسحاً، منادية تقول: مسعود من نقتل بك! أحنف لا نعطى بك، قفيز لا نرضى بك - قفيز كان قصيراً فسمي قفيزا، وقفيز عبد الله بن عبد الله بن عامر بن كريز، وكان عرض عليهم نفسه في الصلح - حتى وقفت على مالك بن مسمع وهو عند دار العقار في سكة المربد، فقال لها ارجعي، فقالت: لا، حتى أوتى برأس الأحنف. فأمر برأس رجل جميل، فأُتيت به فقالت: هذا رأس علج. فأمر برأس رجل ضخم، فأُتيت به، فأزمت عليه بأنفه، وغمست طرفي كمّيها في دماء لغاديده، ثم انصرفت لا تشك أنه الأحنف. فقال عرهم بن عبد الله بن قيس بن بلعدوية: ومسعودَ بنَ عَمرِو إذا أتانا ... صَبَحْنَا حَدَّ مَطرُورٍ سَنينا رَجا التأميرَ مسعودٌ فأضحَى ... صَريعاً قد أذَقنَاهُ المَنُونَا سيُجمَعُ جَمعُنا لبني أبينا ... كما لَزُّوا القَرينَةَ والقَرينا وتُغني الزُّطُّ عبدَ القيسِ عنّا ... وتكفينا الأسَاوِرَةُ المَزونا الزط السيابجة، قوم من السند بالبصرة لهم قدم، وكانوا يحفظون بيت المال في الدهر الأول. والمزون مدينة عمان. وقال: جاءَتْ عُمانُ دَغَرَى لا صَفَّا ... بَكرٌ وجمعُ الأزْدِ حين التَفَّا

قوله دغرى لا صفّا أي يحملون أنفسهم لا يصطفون ولا يقفون. كيف رأيتَ جيشَها اقلَعَفّا ... لما رأوا عِيصاً لنا ألَفّا المقلعف المنقطع من أصله. في حارةِ الموتِ يَدِفُّ دَفّا ... ضَرباً بِكُلِّ صارمٍ مُصَفّى إنْ أخطَأ الرأسَ أصابَ الكَفّا ... ولّواخزايا قد أُقِصّوا الحَتفَا وأُمُّ مسعودٍ تُنادي لَهفَا ... قد ذَأفَ الموتُ عليه ذَأفا وسالَ شَحمُ البَطنِ منه هِفّا والهِف الرقيق. قال: وكان الأحنف بعد الحرب أقام إياس بن قتادة ابن موألة العبشمي يوم المربد، فحمل دماء الحيين. فجاءت بنو مقاعس فقالوا للأحنف: يكون الأمر لبني مقاعس، ويحمل الحمالة رجل من عبشمس لا نرضى، فدعاه الأحنف فقال: تجاف لأخوالك عنها. فقال: سمع وطاعة، فجاءت الأبناء وهم عبشمس، وعوف، وجشم، وعوافة، ومالك بنو سعد، فقالوا: لا نرضى أن تخرج حمالتنا من أيدينا، وحددوا لبني مقاعس، وحددت لهم فخلاّها الأحنف. فقال إياس: فجهدت أن يقوم لي بها أهل الحضر، فلم يفعلوا، ولم يُغنوا فيها شيئاً. فخرجت إلى البادية، فجعلوا يرمونني بالبكر وبالاثنين، حتى اجتمع لي من حمالتي سواد صالح، وصرت بالرمل إلى رجل ذُكر لي، فلما دُفعت إليه، إذا رجل أسيود، أفيحج، أعيسر، أكيشف، فلما انتسبت له، وذكرت له حمالتي، قال: قد بلغني شأنك، فانزل فوالله ما قراني ولا بنى عليّ فلما كان من الغد، أقبلتْ إبله لوردها، فإذا الأرض مسودة، وإذا هي لا ترد في يوم لكثرتها، وقد ملأ غلمانه حياضه، فجعل كلما ورد رسل من إبله، جاء يعدو حتى ينظر في وجهي فيقول: أنت حويمل

بني سعد، ثم يخرج يرقص، فأقول: أخزى هذا وأخزى من دلني عليه، حتى إذا رويت وضربت بعطن - يعني برك بأعطانها - قال أين حويمل بني سعد؟ قلت: قريب منك. قال: هات حبالك، فما ترك لي حبلاً إلا ملأه بقرينين، ثم قال: حبالك؟ فجئنا بمرائر محالبنا، وأرشية دلائنا، وأروية زواملنا، ثم قال حبالك؟ فحللنا عُصم قربنا وعُقل إبلنا وخُطمها فملأها لنا ثم قال: حبالك؟ قلت: لا حبال فقال: قد عرفت في دقّة ساقيك أنه لا خير عندك. فقال سوّار بن حيان المنقري: ألمْ تكُن في قَتلِ مَسعودٍ عِبَرْ ... جاءَ يريدُ إمرَةً فما أمَرْ حتى ضَربنَا رأسَ مَسعودٍ فَخرْ ... ولم يُوَسَّدْ خَدُّهُ حيثُ انعَفَرْ فأصبحَ العبدُ المَزونيُّ عَثرْ ... حتى رأى الموتَ قريباً قد حَضرْ يَطمُّهُم بحرُ تميمٍ إذْ زَخرْ ... وقيسُ عيلانَ ببَحرٍ فانفَجرْ مِن حولِهِم فادَرَوا أينَ المَفرْ ... حتى عَلا السَّيلُ عليهم فغَمرْ وودوا مسعود بن عمرو بعشر ديات، لأنهم مثّلوا به، وباؤوا بين القتلى - باؤوا سووا بين القتلى - وتم الصلح، وأخرجوا عبيد الله بن زياد إلى الشام. رجع إلى قصيدة جرير: لنا ذَادَةٌ عندَ الحِفاظِ وقَادَةٌ ... مَقادِيمُ لم يذهبُ شَعاعاً عَزِيمُهَا الشعاع المتفرق، يقال شعّ الشيء تفرّق، وواحد المقاديم مقدام. وعزيمها رأيها وعزمها على الأمر. ويقال أشع الرجل ببوله إشعاعا إذا فرّقه.

إذا رَكِبوا لم تَرهَبِ الرَّوعَ خَيلُهُم ... ولكن تُلاقي البَأسَ أنّى نُسيمُهَا ويروى: إذا فزعوا لم تُعلف القتّ خيلنا يقول: لم ترهب الروع لكثرة غشيانها الحرب وعادتها، نُسيمها نعلمها من السيماء. إذا فَزِعوا لم تعَلِف القَتَّ خَيلُهُم ... ولكنْ صُدورَ الأزأنِيِّ نَسُومُهَا ويروى وإن فزعوا، ويروى صدور الثائرين. نسومها نحملها على صدور القنا. ويقال الأزاني واليزأني أيضاً، لم تُعلف القتّ يعني أنهم أهل بدو ويعلفون خيلهم الحشيش، لا أهل قرى يعلفونها القت. عَنِ المِنبَر الشرقيِ ذَادَتْ رِمَاحُنا ... وعنَ حُرمَةِ الأركَانِ يُرمَى حَطيمُهَا المنبر الشرقي بالبصرة، وكان ابن الأعرابي يقول: هو منبر خراسان، وذلك أن البصرة غلب عليها أيام الفتنة سلمة بن ذؤيب الرياحي، يوم قُتل مسعود بن عمرو العتكي. وغلب على الكوفة مطر بن ناجية اليربوعي لابن الأشعث. وأُخرج منها عامل الحجاج. وغلب على المدينة لابن الزبير، الأسودبن نعيم بن قعنب اليربوعي. وغلب على خراسان وكيع بن حسّان بن أبي سود الغداني ثم اليربوعي. وقُتل قتيبة بن مسلم الباهلي بها. وأما منع الحطيم وذكره، فإن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - لمّا حصره أهل الشام نادى من ينصر الله؟ من ينصر الكعبة، فأتاه الخوارج والمرجئة والشيعة، وكل ذي رأي ينصرون

الكعبة، وكان عُظم الخوارج من تميم إذ ذاك، وكان بنو الماحوز التميميون، الزبير وإخوته، رؤساء الخوارج، وكان معهم نجدة بن عامر الحنفي، فقاتلوا مع ابن الزبير حتى مات يزيد بن معاوية وانصرف أهل الشام من مكة، ثم أتوا عبد الله بن الزبير ليمتحنوه، فعرضوا عليه المحنة، فقال: تغدون عليّ، فجمع أصحابه وألبسهم السلاح، فلما أتوه سألوه عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فذكر ما هما أهله وتولاّهما، ثم سألوه عن عثمان - رضي الله عنه - فقال كذلك، فتبرؤوا منه، ولعنوه، وجانبوه، وانصرفوا إلى مواطنهم. رأى الموتَ مَّنا مَن يَرومُ قَنَاتَنا ... فغيرُ ابنِ حَمرَاءِ العِجَانِ يَرُومُهَا يرى رواية أراد فليرمها كما قال عدي بن زيد: وما قَصَّرتُ عن طَلبِ المَعالي ... فتَقصُرُ بي المِنيَّةُ أو تَطُولُ معناه فلتقصر بي المنية أو فلتطل، فلما نقله عن الجزم رفعه. ويروى فعلّ ابن حمراء. سَعَرنَا عليكَ الحربَ تَغلي قُدورُهَا ... فهلاَّ غَداةَ الصِّمَّتَينِ تُدِيمُها سعرنا أوقدنا، وتُديمها تسكنها، ومنه الماء الدائم يعني الساكن.

الصمتان معاوية بن مالك بن علقة بن غزية وأخوه وكان الصمّة الجشمي أغار على بني حنظلة يوم عاقل، فأسره الجعد بن الشماخ أحد بني صُدي بن مالك بن حنظلة يوم عاقل، فأسره الجعد بن الشماخ أحد بني صدي بن مالك بن حنظلة، وهُزم جيشه، وأصيب فيهم، ثم إن الجعد منّ عليه، وجزّ ناصية بعد سنة، وكان الصمة قد أبطأ فداؤه، وكان الجعد يأتيه كلّ هلال شهر بأفعى، فيحلف بما يُحلف به لئن هو لم يفد نفسه، ليُعضّنها إياه، فلما طال ذلك جزّ ناصيته على الثواب. ثم أتاه مستثيباً، فقال له الصمة: مالك عندي ثواب، فقدمه فضرب عنقه، فضرب عليه الدهر، ثم إن الصمة أتى عكاظ فلقي ثعلبة ابن الحارث بن حصبة بن أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، وهو أبو مرحب، وكان حرب بن أمية يدعو الناس، رجلين رجلين، فيكرمهما، ويخص بذلك أهل الفضل. فجاءت دعوة الصمة وأبي مرحب، فكره الصمة ذلك لحداثة أبي مرحب، فقرّب إليهما حرب تمراً، فجعل الصمة يأكل التمر، ويُلقي النوى بين يدي ثعلبة، فقال الصمة لثعلبة: أبصر ما عندك من النوى، فقال له أبو مرحب: إنك أكلت ما أكلت بنواه، فذاك الذي أعظم بطنك. فقال الصمة: لا، ولكن أعظم بطني دماء قومك، أين الجعد بن الشماخ؟ فقال أبو مرحب: ما ذِكرك رجلاً أسرك ومنّ عليك، ثم جاء يستثيبك فغدرت به وقتلته، أما والله لا ألقاك بعد يومي هذا إلا قتلتك، أو مُتّ دونك. فمكث الصمة زمانا، ثم غزا بني حنظلة، فأسره الحارث بن بيبة المجاشعي، وهزم جيشه - ويقال بل هُزم جيشه - فأجاره الحارث بن بيبة من إساره ذلك، وكان رجل من بني أسد يقال له ابن الذهوب مع ابن أخت له يقال له مرارة بن شداد، من بني عمرو ابن يربوع فأسر ابن الذهوب معيّة بن الصمة، فأما الحارث بن بيبة فباع الصمة نفسه، وقال الصمة: سِر بي في قومك حتى اشتري أُسراء

قومي، فسار به حتى أناخ به في بني يربوع، والحجرة يومئذ لبني عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، فأناخا إلى الحجرة، فدخلاها، فأقبل إليهما الناس، وأقبل إليه أبو مرحب، فلما رأى الصمة عرفه، فخنس عنه، وأخذ سيفه ثم جاء، فضرب به بطن الصمة فأثقله. فلما رأى ذلك الحارث خرج فدعا: يال مالك، فأقبل بنو مالك إلى بني يربوع. فلما خافوا القتال، قام رجل من بني عرين بن ثعلبة، يقال له مصعب بن أبي الخير، فقال: يابني مالك، هذه يدي بجاركم، فهي لكم وفاء. فقال راجز بني مالك: نحن أبأنا مُصعباً بالصِّمَّهْ ... كِلاهُما شيخٌ قليلُ اللِّمَّهْ فقالت بنو يربوع: خذوا مُعية فأدّوه مكان أبيه. فكلّموا ابن الذهوب في معية فأبى عليهم. فأتوا ابن أخته فكلّموه فأبى عليه. فقال: أغيروا عليّ وعليه، وخذوا معية ومالي، وعليّ رضاه. ففعلوا فأخذوا معية، فأعطوه الحارث بن بيبة، وأعطى مرارة خاله سبعين بكرة وجارية بيضاء مولّدة، فذلك قول جرير: ومِنّا الذي أبلَى صُدَيَّ بنَ مالِكٍ ... ونَفَّرَ طيراً عن جُعَادَةَ وقُعَّاضا رجع إلى الشعر: تركناكَ لا تُوفي بِزندٍ أجَرتَهُ ... كأنّكَ ذاتُ الوَدعِ أوفَى بَرِيمُها الزند الذي تُقدح به النار. يقول: لا تمنع زندا فما فوقه كأنك امرأة

ضاع بريمها فليس عندها إلا البكاء، وبريمها حقابها. وإنما قال ذات الودع لأن الودع من لباس الإماء، وإنما يريد أن أمك أمَة. يُعَدُّ ابنُ حَمراءِ العِجَانِ لزِنيَةٍ ... إذا عُدَّ مَولَى مَالِكِ وصَمِيمُها لهُ أمُّ سَوء ساءَ ما قَدَّمتْ لهُ ... إذا فارِطُ الأحسابِ عُدَّ قديمُها ويروى إذا فرط الأحساب، وهو ما مضى منها وسبق، يعني أوائلها. فقد أخذَتْ عيناكَ مِن حُمرَةِ استَها ... وجَنباكَ جَنبَاها وخِيمُكَ خيمُها ولمَّا تغشّى اللُّؤمُ ما حَولَ أنفهِ ... تَبَوَّأ في الدارِ التي لا يريمُها ألم تر أنّي قد رميتُ ابنَ فَرتَنا ... بصَّمَّاءَ لا يرجو الحياةَ أميمُها ويروى سليمها. إذا ما هوى من صَكَّةٍ وقعتْ بهِ ... أظَلَّتْ حَوامِي صَكَّةٍ يستديمُها يستديمها يتوقعها أو ينتظرها. وحوامي صكة أي موجعات صكة، أي صكة حامية حارة. فلم تَدريَا هُلْبَ اُستها كيفَ تتقي ... شَمُوساً أبتْ إلا لقَاحاً عقيمُها الشموس المنوع في الخيل. وهذا مثل يقول: أبت عقيمها إلا أن تلقح، وإذا لقحت الحرب كان أشد لأمرها وأعظم. رجا العبدُ صُلحِي بعدما وقعتْ بهِ ... صَواعِقُها ثمّ استَهلَّتْ غُيُومُها استهلت مطرت، والاستهلال صوت وقع المطر.

لقد سرَّني لَحبُ القوافي بأنفهِ ... وعَلَّبَ جِلدا الحاجبينِ وسُومُها اللحب والعلب واحد وهو الأثر البين ويروى وعلب بجلد الحاجبين. لقد لاحَ وسمٌ مِن غَواشٍ كأنّها ... الثُّرَيَّا تَجلَّتْ مِن غُيومٍ نُجُومُها غواش ما غشيه من الشدائد ويروى في غواش. أتارِكَةٌ أكلَ الخزيرِ مجاشِعٌ ... وقد خُسَّ إلا في الخزيرِ قَسيمُها قسيمها حظها. والخزير أن يُطبخ الدقيق بودك أو قديد أو لحم، وقد يكون إنما يُطبخ الشختيت، وهو دقاق سويق الشعير ثم يُطرح فيه الدقيق والودك. سيَخزى ويرضى باللّفَاءِ ابنُ فَرْتَنا ... وكانتْ غَداةَ الغْبِّ يُودَى غَريمُها ويوفى. اللفاء ما دون الحق، وهو الشيء القليل. إذا هَبطتْ جَوَّ المراغِ فعَرَّستْ ... طُروقاً وأطرافُ التَّوادي كُرُومُها الطروق النزول بعد هدأة من الليل قريب من الفجر، والتوادي العيدان التي تُصر بها أخلاف الإبل، واحدتها تودية. والكروم الحلي يريد أنها راعية، فإن التوادي معلّقة في عنقها مكان الحلي، ويروى تكرّست عروشا. تكرست جُمعّت شجرا فعرّشته فسكنت فيه، وذلك فعل الرعيان. فكيف تُرى ظنَّ البَعيثُ بأُمِّه ... إذا باتَ علجُ الأقعسَينِ يَكُومُها

الأقعسان هبيرة والأقعس ابنا ضمضم. إذا استَنَّ أعلاجُ المصيفِ وجَدتَها ... سريعاً إلى جَنبِ المرَاغِ جُثُومُها المراغ موضع من الأرض تمرّغ فيه الإبل، جثوم لزوم للأرض وانكباب. ضَرُوطٌ إذا لاقتُ عُلوجَ ابنِ عامرٍ ... وأينَعَ كُرَّاثُ النِّبَاجِ وثُومُها أراد عبد الله بن عامر بن كريز بن عامر بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وهم أصحاب النباج. بني مالِكٍ إنّ البِغالَ مجاشعاً ... مُبَاحٌ بحمراءِ العِجانِ حَريمُها بني مالك يعني مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. قوله مباح حريمها أي لا تُرعى حرمتهم ولا ذمتهم. بحمراء العجان يعني أم البعيث، والعجان ما بين الفرجين، وقال حمراء لأنها من العجم. لئن راهَنت عَدواً عليكً مُجاشِعٌ ... لقد لقيتْ نقصاً وطاشتْ حُلُومُها فأبقُوا عليكُم واتَّقُوا نابَ حيَّةٍ ... أصابَ ابنَ حمراءِ العِجانِ شَكيمُها شكيمتها شدة نفسها وسوء سمّها، يقال: هو شديد الشكيمة إذا كان جلداً إذا خِفتُ من عَرٍّ قِرافاً شفَيتُهُ ... بصادقَةِ الإشعال باقٍ عصيمُها العر الجرب. والقراف الدنو. وعصيمها أثرها، العر مفتوح الأول

أول ابتداء الفرزدق

الجرب، والعر مضموم الأول: قرح سوى الجرب. قرافاً مخالطة، والإشعال الإحراق والعصيم أثر الهناء. وبقية أثر الخضاب في اليد والرجل أيضاً عصيم. لهُ فَرَسٌ شَقراءُ لم تَلقَ فارِساً ... كريماً ولم تَعلَقْ عَناناً يُقيمُها له فرس شقراء يعني أم البعيث. أولُ ابتداء الفرزدقِ قال أبو عبيدة: وقد كان الفرزدق قبل قول البعيث، هجا بني ربيع ابن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة فقال: أترجُو رُبيعٌ أن تَجيءَ صِغارُها ... بخيرٍ وقد أعيَا رُبيعاً كِبارُها كأنّ رُبيعاً حين تُبصِرُ مِنقَرا ... أتانٌ دَعاها فاستجابَتْ حِمارُها فلما سمع قول البعيث: أترجو كُليبٌ أن يجيءَ حديثُها ... بخيرٍ وقد أعيا كليباً قديمُها قال الفرزدق: إذا ما قُلتُ قافيةً شَرُوداً ... تَنَخَّلَها ابنُ حمراءِ العِجانِ قال أبو عبد الله: تنخّلها أي أخذ خيارها، وتنحّلها انتحلها، وابن

حمراء العجان يعني البعيث. فأجابه البعيث: تَناومتُم لأعيَنَ إذ دَعَاكُم ... بني القَينَاتِ للقَينِ اليماني. ويروى عن أعين. ويروى بني الميقاب من قين يماني. تَبادَرَهُ سُيوفُ بني حُوَيٍّ ... كأنّ عليه شُقّةَ أُرجُوَانِ هذا أعين بن ضبيعة أبو النوار امرأة الفرزدق. وكان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه – وجهّه إلى البصرة فقُتل بها، قتله رجل من بني حوي بن عوف بن سفيان ابن مجاشع وله حديث. قال أبو عبيدة: وذلك أنه لما شخص عبد الله بن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنهما - من البصرة إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - استخلف عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - زياد بن أبي سفيان، فتجمعت العثمانية وبقايا من شهد يوم الجمل، فرأسوا عليهم عبد الله بن عامر الحضرمي فغلب على البصرة، فهرب زياد فلحق بصبرة بن شيمان الحداني عائذاً به، فبلغ ذلك علياً - رضي الله عنه - فندب جنداً للبصرة، فقال له أعين بن ضبيعة وكان شيعة لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قُلّباً، وهو أبو النوار امرأة الفرزدق. وهو الذي اطلع في هودج عائشة - رضي الله عنها - يوم الجمل فدعت عليه فقالت: اللهم اقتله ضيعة: أنا أُكفيك البصرة بقومي. فقال علي - رضي الله عنه - أحب الأشياء إلىّ ما كفيته، فأقبل أعين يطم - أي يسرع - لا يلوي على شيء، حتى نزل داره في بني مجاشع، ولم يُخف نفسه، ولم يجمع جمعاً فبات، ويطرقه عبد الله بن عامر الحضرمي في رحله، فنادى أعين يال تميم، حتى انتهى إلى بني مجاشع، وما يجيبه أحد.

واعتوره القوم بالضرب حتى ظنوا أنهم قد قتلوه، وأصبح وبه رمق، فبلغ ذلك زيادا وهو في الأزد، فجاؤوا فارتثّوه، فلم يلبث أن مات فقبره اليوم بفناء قبر أبي رجاء العودي، فعيّرهم ذلك البعيث وجرير أيضاً: قال أبو عبيدة: حتى إذا غمّ جرير نساء بني مجاشع وقد كان الفرزدق حج، فعاهد الله، بين الباب والمقام، أن لا يهجوا أحداً أبداً، وأن يقيد نفسه، ولا يحل قيده حتى يجمع القرآن. قال أبو عبيدة: فحدثني مسحل بن كسيب قال: حدثتني أمي زيداء بنت جرير قالت: فمر بنا الفرزدق حاجاً، وهو معادل النوار بنت أعين بن ضبيعة امرأته، حتى نزل بلغاط، ونحن بها، فأهدى له جرير، ثم أتاه فاعتذر إليه من هجائه البعيث، وقال فعل وفعل، ثم أنشده جرير والنوار خلفه في فسيطيط صغير، فقالت: قاتله الله، ما أرق منسبته وأشد هجاءه - المنسبة أرادت التشبيب بالنساء - فقال لها الفرزدق: أترين هذا، أما إني لن أموت حتى أُبتلى بمهاجاته. قال: فلم يلبث من وجهه حتى هجا جريراً، فقدم الفرزدق البصرة، وقيد نفسه، وقال توبة من الشعر: ألم تَرنَي عاهدتُ ربي وإنني ... لَبينَ رِتاجٍ قائماً ومَقام على حَلفَةٍ لا أشتِمُ الدهرِ مُسلماً ... ولا خارجاً من فِيَّ سُوءُ كلام الرتاج باب البيت، ويروى ولا خارجاً من فيّ زور كلام. قال: وبلغ نساء بني مجاشع فحش جرير بهن، فأتين الفرزدق مقيداً فقلن: قبّح الله قيدك، فقد هتك جرير عورات نسائك فلُحيت شاعر قوم، فأحفظنه

- أي أغضبنه - ففض قيده، ثم قال. فقال الفرزدق إذ ذاك، وقد كان الفرزدق قيّد نفسه قبل ذلك، وحلف أن لا يطلق قيده حتى يجمع القرآن، فلما رأى ما وقع فيه البعيث، قال الفرزدق، وهو همّام بن غالب ابن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم: ألا استَهزأتْ مِّني هُنيدَةُ أنْ رَأتْ ... أسيراً يُداني خَطوَهُ حَلقُ الحِجلِ ويروى ألا هزئت، الحجل ها هنا القيد، وهو الخلخال، هنيدة امرأة الزبر قان بن بدر، وهي عمة الفرزدق. ولو عَلِمتْ أنّ الوثَاقَ أشَدُّه ... إلى النارِ قالت لي مَقالَةَ ذي عَقل ويروى أشُدّه. فمن قال أشَدّه شدة الوثاق إلى النار، ومن قال أشُدّه خوف النار. يقول استهزأت بي حين رأتني أرسف في القيد، ولو علمت أن أشد الوثاق، وثاق النار، لما استهزأت ولا لامت رجلاً قيد نفسه خوف النار. لَعَمرِي لئِن قيَّدتُ نفسي لطالما ... سَعيتُ وأوضَعتُ المَطِيَّةَ للجَهلِ هذا مثل، أوضعتها رفعتها في السير أي أسرعت. ثلاثينَ عاماً ما أرى مِن عَمايَةٍ ... إذا بَرقتْ إلاّ شَددتُ لها رَحلِي ويروى أشد لها. عماية جهالة يقول لا أرى عماية تظهري لي إلا قصدتها.

أتتني أحاديثُ البَعيث ودُونهُ ... زَرُودُ فشاماتُ الشقيقِ إلى الرَّملِ زرود لبني مجاشع، بين الثعلبية والأجفر، ليس لهم بالتربة ماء غيره، من طريق الكوفة. والشقيقة الجدد بين الرملتين وربما كان أميلاً. فقُلتُ أظنَّ أبنُ الخَبيثةِ أنني ... شُغِلتُ عن الرامي الكنانَةَ بالنَّبِلْ يريد بهذا جريراً بهجاء البعيث وغيره، كما صنع صاحب الكنانة؛ وهو أن رجلاً من بني أسد، ورجلاً من بني فزارة، كانا راميين، فالتقيا، ومع الفزاري كنانة جديد، ومع الأسدي كنانة رثة، فلم يدر الأسدي كيف يأخذها من الفزاري، فقال له الأسدي أنا أرمي أو أنت؟ قال الفزاري: أنا أرمى منك، أنا علّمتك الرمي، فقال له الأسدي: فاني أنصب كنانتي، وتنصب كنانتك، حتى ترمي فيهما. فنصب الأسدي كنانته في خطر قد سمياه، فجعل الفزاري يرميها فيُقرطس، حتى أنفذ سهامه، كل ذلك يصيبها ولا يخطئها. فلما رأى الأسدي أن سهام الفزاري قد نفدت، قال: انصب لي كنانتك حتى أرميها، فنصبها له فرمى نحو الكنانة، ثم عطفه وسدده نحو حتى قتله، فضربه الفرزدق مثلا. فإنْ يكُ قيدي كانَ نَذراً نَذرتُهُ ... ما بي عن أحسابِ قوميَ مِن شُغلِ أنا الضامِنُ الراعي عليهِم وإنما ... يُدافِعُ عن أحسابِهم أنا أو مثلي ولو ضاعَ ما قالوا أرعَ مِنَّا وجَتَهُم ... شِحاحاً على الغالي منَ الحسَبِ الجَزلِ يقول: لو ضيعت أنا أحسابهم فلم أرعها لم يضيعوها. والجزل الضخم. إذاً ما رَضُوا مني إذا كنتُ ضامناً ... بأحسابِ قومي في الجبال أو السهل

ويروى قوم. ويروى في الجبال ولا السهل. فمَهما أعِشْ لا يُضمِنُوني ولا أُضِعْ ... لهم حسَباً ما حرَّكَتْ قدمي نَعلي الضمن الزمن، والضمانة الزمانة، وهو هاهنا العجز، يقال: أضمنت الرجل إذا وجدته ضمناً، وكذلك أبخلته إذا أصبته بخيلاً، وأحمدته إذا أصبته محموداً. قال وجاء رجل من الأعراب إلى عيسى بن موسى وهو يكتب الزمنى فسأله أن يكتبه فقال: إنْ تكتُبُوا الزَّمنَى فإني لَضَمِنْ ... من ظاهِرِ الدّاءِ وداءٍ مُستَكِنْ ولا يكادُ يَبرَأُ الداءُ الدَّفِنْ ... أبيتُ أهوى في شياطين تُرِنْ مُختَلِفٍ نجرَاهُما حِنٍّ وجِنْ ... يَبِتْنَ يَلعبنَ حَوالىَّ الطَّبِنْ والطبن لعبة يقال لها الفيال وهي السُّدر. قال: والسدر الخليط بالتراب، والحن ضرب من الجن، قال: وأتى عمرو بن معدي كرب الزبيدي، مجاشع بن مسعود السلمي بالبصرة، فقال له: احملني على فرس يشبهني وأجزني جائزة تشبهني، فأتاه بفرس، فأخذ عمرو بعكوته ثم غمزه، فأخلده إلى الأرض، فقال: لا يحملني هذا فأتاه بفرس من خيل كلب، فغمزه فلم يتحلحل، وأمر له بخمسة آلاف درهم ودرع وسيف وكسوة، فقال: لله أنتم يا بني سليم، لقد شاعرنا كم فما أفحمناكم، وقاتلناكم فما أجبناكم، وسألناكم فما أبخلناكم. ولستُ إذا ثِارَ الغُبارُ على امرئٍ ... غداةَ الرِّهانَ بالبِطَيء ولا الوغلَ الوغل ما جل في الغربال عن الدُّقاق، والوغل الضعيف، والواغل الطفيلي على الشراب والوارش على الطعام.

ولكنْ تُرى لي غايةُ المجدِ سابقاً ... إذا الخيلُ قَادَتها الجيادُ مع الفَحلِ ويروى على الحبل. يريد أنه يُقرن بأجود الخيل. ويروى أدتها الجياد إلى الفحل، يريد أدتها أمهاتها إلى آبائها في الجودة والشبه. وأدتها الجياد إلى الفحل أنسلتها. وحَولَكَ أقوامٌ رَددتُ عُقولَهُم ... عليهم فكانوا كالفراشِ من الجَهل ويروى إليهم. رَفعتُ لهم صوتَ المُنادِي فأبصَرُوا ... على خَدِبَاتٍ في كَواهِلِهم جُزلِ يقول: أبصروا وعقلوا بعد ما جزلت كواهلهم. والخدبة الجراحة التي قد هجمت على الجوف، يقال جراحة خدباء، وروي خدبات أي ضربات في كواهلهم، والكاهل ما بين الكتفين مما يلي العنق. جزل متقطعة يقول: أقصروا عني وقد أوقعت بهم، فجزلت كواهلهم. وواحدة الخدبات خدبة. ولولا حَياءٌ زدْتُ رأسَكَ هَزمَةً ... إذا سُبِرَتْ ظلَّتْ جَوانِبُها تَغلي الهزمة الشق. والسبر تقدير الجراحة. بعيدةَ أطراف الصُّدُوعِ كأنها ... رَكَّيةُ لُقمانَ الشَّبيهَةُ بالدَّحلِ ركية لقمان بثأجٍ، وهي مطوية بحجارة، الحجر أكثر من ذراعين،

وثأج أطراف البحرين وخراجها إلى اليمامة، كانت لبني قيس بن ثعلبة ولعنزة بن أسد، فكانوا متعادين فيها، بائن بعضهم من بعض، لهؤلاء مسجد يجتمعون فيه، ولهؤلاء مسجد يجتمعون فيه، والدحلان خروق في روض وغيطان من البلاد، يذهب فيها الرجل عامة يومه، وقد يوجد في الدحل الواسع الشجر والغضا. إذا نظرَ الآسُونَ فيها تَقلبَّتْ ... حَماليقُهُم مَنْ هَولِ أنيابِها الثُّعلِ الآسون الأطباء، واحدهم آس. وقد أسوته آسوه أسواً داويته، والحماليق باطن جفون العين واحدها حملاق. والثعل في الفم تراكم الأسنان في النبتة، بعضها على بعض، يقال رجل أثعل وأمرأة ثعلاء. إذا ما رَأتْها الشمسُ ظلَّ طَبيبُها ... كمن ماتَ حتى الليل مُختلَسَ العقلِ ويروى إذا ما علتها الشمس، قال ابن الأعرابي: إذا طلعت الشمس على الجرح كان أشد له وأهول. يودُّ لك الأدنَونَ لو مِتُّ قَبلها ... يَرونَ بها شراً عليكَ من القتل يقال مِتّ تمات، ومُتّ تموت. ترى في نواحِيها الفِراخَ كأنما ... جَثمن حَواليْ أُمِّ أربعةٍ طُحلِ

الفرخ الدماغ، يريد أنه قد قطع دماغه فكأنها فراخ جثمن حول أمهن، وأم الدماغ الجلدة التي تغشاه، والطحل سواد إلى الكدرة وفراشه مارقّ من عظامه. شرّ نبثَةٌ شَمطاءُ مَن يَر ما بها ... تُشبهُ ولو بينَ الخُماسِيِّ والطِّفلِ شر نبثة أراد أنها قبيحة منكرة، وأصل الشر نبث الغليظ. إذا ما سَقوها السَّمنَ أقبلَ وجهُها ... بعَينَي عَجوزٍ من عُرينَةَ أو عُكلِ عكل هو عوف بن عبد مناة، وإنما غلبت عليه حاضنة سوداء يقال لها عكل وعرينة من بجيلة أراد أنها قبيحة. جُنَادِفَةٍ سَجراءَ تأخُذُ عَينَها ... إذا اكتَحَلتْ نِصفُ القَفيزْ من الكُحلِ جنادفة قصيرة غليظة سجراء حمراء. وإني لمن قومٍ يكون غَسُولُهُم ... قِرَى فأرَةِ الدَّارِي تُضرَبُ في الغِسلِ قراها ما قُري في سرتها من المسك، والداري منسوب إلى دارين بالبحرين. والغسل الخطمي. فما وجدَ الشَّافُونَ مِثلِ دمائِنَا ... شِفاءً ولا السَّاقونَ مِنْ عَسلِ النَّحلِ يقول: إن دماءنا لو سُقيت الكلبي لشفتها - والكلبي جماعة كلب.

والكلب الذي قد عضه الكلْب الكلِب، أو الذئب الكلب فيخبله، حتى يبول أمثال الذر على خلقة الجراء، فإن سقي دم شريف برأ - وأنشد الكميت: أحلامُكُم لِسَقامِ الجَهلِ شافيةٌ ... كما دِماؤكُمُ يُشفَى بها الكلَبُ فقال البعيث، وهو خداش بن بشر بن خالد بن الحارث بن بيبة بن قرط بن سفيان بن مجاشع، يهجو جريراً ويجيب الفرزدق: أهاجَ عليكَ الشَّوقَ أطلالُ دِمنَةٍ ... بناصِفَة الجوَيَّنْ أو جانبِ الهَجلِ الناصفة المسيل الواسع، والميثاء المسيل فوق الناصفة، والجو ما انخفض من الأرض، وكذلك الهجل والجمع هجول. أتى أبَدٌ من دونِ حدثانِ عَهدنا ... وجَرَّتْ عليها كلُّ نافجَةٍ شَملِ النافجة الريح الشديدة الهبوب، والشمل الشمال، يقال، ريح شمال وشمل وشمأل وشأمل وشمل وشمول، ويقال شيمل. وأنشد لمالك بن الريب: ثَوى مالِكٌ ببلادِ العَدُوِّ ... تُسفَى عليهِ رِياحُ الشَّمَلْ وأنشد للمرار: بكَفِّكَ صارِمٌ وعليكَ زَغفٌ ... كماءِ الرَّجعِ تَنسِجُهُ الشَّمُولُ وأبقَى طوالُ الدهرِ مَن عَرصَاتَها ... بقيةَ أرمامٍ كأرديَةِ الطَّبلِ

عرصات الدار ساحاتها لاعتراص الولد فيها، والعرص اللعب، ويقال رمح عرّاص إذا اشتد اصطرابه عند الهز، وبرق عراص إذا دام لمعانه، ويقال بعير معرّص للذي ذل ظهره ولم يذل رأسه، ولحم معرص للذي لم يُنعم طبخه ولم ينضج. والأرمام الأخلاق. وأردية الطبل جنس من البرود منسوبة. وحكي عن أبي عبيدة، قال: الطبل تخم من تخوم خراج مصر، وأرديته ثياب تُجبى فيه، والطبل أيضاً الناس، يقال ما أدري أي الطبل هو، وأي الطبن هو، وأي الورى، وأي الأورم هو، وأي القبيض هو، وأي الهوز هو، وأي دهداء الله هو، وأي برنساء هو، وأي النخط هو، وأي ولد الرجل هو، وأي من أكل اللحم هو. وعَيسٍ كَقَلقَالِ القِداحِ زَجرتُها ... بمُعتَسَفٍ بينَ الأجَارِدِ والسَّهلِ العيس الإبل البيض الصفر الأطراف، يقال أعيس وعيساء. وقلقال مصدر القلقلة، وتقلقلها خفتها في السير وأجارد جمع جردة من الأرض، وهو مالا نبت فيه. والمعتسف من الأرض المركوب على غير هدى. بَرَى النِّقيَ عن أصلابِها كُلُّ غَربةٍ ... قَذُوفٍ وإدآبُ المَنَصَّة والذَّملِ النقي الشحم، والنقي المخ، والغربة البرية البعيدة، وكذلك القذوف تقذف بهم إلى البعد، والمنصة الارتفاع في السير، ومن هذا قيل: نُصّ الحديث إلى أهله، أي ارفعه. ومنصة العروس أُخذت من هذا الأنها ترفع عليها وترى الناس. والذمل والذميل فوق العنق. وخَفَّتْ تَواليها ومَارَتْ صُدِورُها ... بأعضَادِ جُون عن جَآجئها فُتلِ

تواليها أرجلها ومآخيرها، والجآجي الصدور، واحدها جؤجؤ، والجون البيض: والجون السود وهذا من الأضداد، والفتل المفرجة التي بانت أعضادها عن صدورها وهو أتعب لها. وجروِيَّةٍ صُهبٍ كأنَّ رُؤُوسَها ... مَحَاجِنُ نَبعٍ في مُثَقَّفَة عُصلَ الجروية إبل نسبها إلى جروة، وهم من بني القين بن جسر من قضاعة، والمحجن شبيه بالصولجان، وإنما سمي محجنا لأن الراعي يحتجن بها، مثقفة يعني مقومة، عصل معوجة. تَجَاوَزنَ مِن جَوشَينِ كلَّ مَفازَة ... وهُنَّ سَوامٍ في الأزِمةَّ كالإجلِ قوله جوشين أراد جوشاً وحده، فثنى به، وهما جبلان في بلاد بلقين، والسوامي الروافع الرؤوس، الطوامح من نشاطها. والإجل القطيع من البقر. وقَلّتْ نِطافُ القومِ إالا صُبابَةً ... وخَوَّدَ حَادِيها فشَمَّرَ كالرَّألِ حادينا رواه أبو عبيدة. النطاف الماء، يقول: نفدت نطافهم إلا صبابة، والتخويد العدو كعدو النعامة، والرأل فرخ النعام، والرأل هاهنا الظليم بعينه. ألا أصبحتَ خَنساءُ جَاذِبَةَ الوَصلِ ... وضَنَّتْ علينا والضَّنينُ من البُخل الجاذبة التي انقطع وصلها، وقوله والضنين من البخل، والضنين البخيل، وهو كقولك أنت من الجود، وأنت من الكرم، يريد أنت من أهل الكرم.

فصَدَّتْ فأعدانا بهَجرٍ صُدُودُها ... وهُنَّ من الإخلافِ قَبلَكَ والمَطلِ يقول: صدت فصددنا نحن كما صدت، وكان ذلك كعدوى المرض والجرب، لأنها حين صدت، أعدانا صدها. وقوله: وهن من أهل الإخلاف، معناه هن من أهل الإخلاف. أنَاةٌ كأنّ المسكَ تحتَ ثيابها ... وريحَ خُزامَى الطَّلِّ في دَمث سَهلِ ويروى في دمث الرمل، الأناة الرزينة البطيئة القيام، وهو مأخوذ من التأني، والدمث ما لان من الأرض، والخزامى نبت شبيه بالخيري. كأنكَ لم تَعرِفْ لُبانَةَ عاشِقٍ ... وموقِفَ رَكبٍ بينَ عُسفَانَ والنَّخلِ ويروى بين ميسان وهو جبل لبني سعد. عسفان على مرحلتين من مكة إلى المدينة، والنخل بطن مر. غَداةَ لقينَا من لُؤيِّ بن غالبٍ ... هجانَ الغَواني واللِّقَاءُ على شُغلِ من همز لؤي بن غالب، أخذه من تصغير اللأي، وهو الثور من الوحش. ومن ترك الهمز أخذه من لويت الشيء، والهجان البيض، والغواني العفائف اللاتي غنين بأزواجهن. وقوله واللقاء على شغل أي كان لقاؤنا إياهن ونحن محرومون، مشاغيل عنهن، ويقال: الغواني اللواتي غنين بحسنهن عن الحلي. ويقال غنين بمالهن، وقال أبو زيد: كل شابة غانية. عَطَونَ بأعناقِ الظِّباءِ وأشرَقتْ ... محاجِرُهُنَّ الغُرُّ بالأعيُنِ النُّجلِ

عطون مددن، والنجل الواسعة مشق العيون. لعَمري لقد ألهَى الفرزدقَ قيدُهُ ... ودُرجُ نوارٍ ذو الدِّهَانِ وذو الغِسلِ يقول: شغله قيده والجلوس مع النوار بنت أعين امرأته، والقيام على نفسه عن الذب عن أعراض مجاشع. والغسل الخطمي. ع: الغسل كل ما غُسل به الرأس. وما امتشطت به المرأة، فهو غسل. قال: والغسل واحد ولم أسمع له بجمع. فياليتَ شِعري هل ترى لي مُجاشعٌ ... غَنائيَ في جُلِّ الحوادِثِ أو بَذلِ وذَبِّيَ عن أعراضِهِمِ كلَّ مُترَفٍ ... وجدِّي إذا كانَ القيامُ على رِجلِ كل مترف كل متكبر، والعرض حسن ذكر الرجل وثناؤه. وقال الأصمعي طيب ريح بدنه أيضاً عرضه. يقال فلان طيب العرض. وخبيث العرض. إذا كان خبيث الريح. قال: والعرب تقول للسقاء إذا تغيرت ريحه، خبيث العرض. وقوله: إذا كان القيام على رجل يعني للمفاخرة يضع إحدى رجليه على الأخرى للتحدي، يعني يفاخر ويباري. وثَبتِي على ضَاحِي المَزِلِّ عَلتْ بهِ ... جُدودُ بني سُفيانَ عن زَلَّة النَّعلِ ثبت ثبات على المكان. والضاحي الظاهر البارز. والمزل الأملس الزلق يزلق فيه. فيقول: أنا في مثل هذا المكان ثابت. علت به أي ارتفعت جدود بني سفيان أي حظوظهم، ويقال جدودهم آباؤهم عن زلة النعل، أي عن أن تزل نعالهم، وجعل النعل كناية عن القدم. فأني أمرؤٌ من آل بَيبَةَ نَابِهٌ ... وسادَ بني سُفيانَ أوّلهُم قَبلي

أي ساد أول بيبة بني سفيان، ويروى بنو سفيان. يقول: لم يزالوا سادة. نابه رفيع الذكر. وكلَّ تُراثِ المجدِ أورثَني أبي ... إذا ذُكرَ الغالي من الحَسبِ الجَزلِ الغالي المرتفع، والجزل الضخم. وجدتُ أبي مِن مالكٍ حَلَّ بيتُهُ ... بحيثُ تنصَّى كلُّ أبيض ذي فَضلِ مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. والتنصي التعلق بالشيء، وهو مأخوذ من مناصاة الرجل، وهو أن يأخذ كل إنسان بناصية صاحبه. أغَرَّ يباري الريحَ في كُلِّ شَتوَةٍ ... إذا أغبَرَّ أقدَامُ الرجَالِ مِنَ المَحلِ منَ الدار ميِّينَ الذينَ دَماؤُهم ... شِفَاءٌ مَن الداءِ المَجنَّةِ والخَبل يقول: هم ملوك، فدماؤهم شفاء والمجنة الجنون، والخبل، قال الأصمعي: كل فساد في البدن من ذهاب يد أو رجل أو لسان فهو خبل. فإنَّ لنا جَداً كريماً ونَجوةً ... تَتِمُّ نواصيها إلى كاهلٍ عَبلِ النجوة المرتفع من الأرض، وهذا مثل، لأن من نزل بنجوة لم ينله السيل. يقول: فلنا عز رفيع وشرف، والعبل الضخم. أُجَدِّعُ أقواما إذا ما هَجوتُهُم ... وأُوقدُ نارَ الحَيِّ بالحَطبِ الجَزلِ التجديع قطع الأذنين والأنف والجدع كله قطع، وإنما هذا مثل. والجزل ما غلظ من الحطب، والضرام من الحطب ما دق ورقّ، وأسرعت فيه النار، وقال حاتم:

ولكن بِها ذَاكَ اليَفاعِ فأوقِدي ... بجَزلٍ ولا تَستوقدي بِضِرام وعَمِّي الذي اختارتْ مَعَدٌّ فحَّكمُوا ... فألقوا بأرسَانٍ إلى حَكمٍ عَدلِ عمه الأقرع بن حابس وكان أحد حكام بني تميم، حتى بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وكان أول من داهن في الحكومة. وهو الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع. وكان حكام بني تميم في الجاهلية ستة: ربيعة بن مخاشن أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم، وزرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، وضمرة بن ضمرة النهشلي وأكثم بن صيفي، وأبوه صيفي من بني أسيد بن عمرو. ويقال: إن الأقرع بن حابس أول من حابى في الحكومة في منافرة جرير بن عبد الله البجلي وخالد بن أرطاة الكلبي، وكان الذي جر المنافرة بين جرير بن عبد الله بن جابر، وهو الشليل بن مالك بن نضر بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب بن مالك بن سعد بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار، وبين خالد بن أرطاة بن خشين بن شبث بن إساف بن هذيم بن عدي بن حناب، أن كلباً أصابت في الجاهلية رجلاً من بجيلة من بني عادية بن عامر بن قداد يقال له مالك بن عتبة - أو عنبة، شك في اسمه الكلبي - فوافوا له عكاظ. ومر العادي بابن عم له يقال له القسم بن عقيل يأكل تمراً، فتناول من ذلك التمر شيئاً ليتحرم به، ومعه رجل من كلب يمسكه، فجذ به الكلبي بقده فقال: إنه رجل من عشيرتي فقال: لو كانت لك عشيرة منعتك. فانطلق القسم بن عقيل إلى بني زيد بن الغوث بن أنمار، فاستتبعهم - أي سألهم أن يتبعوه - فقالوا: كلما طارت وبرة

من بني زيد أردنا أن نتبعها في أيدي العرب. فانطلق إلى جرير بن عبد الله فكلّمه فكان القسم يقول بعد: إن أول ما رأيت فيه الثياب المصبغة، والقباب الحمر، ليوم جئت جريراً في قسر. قال: فاتبعني ثم فتشني عن الرجل، فقال: اطوِ الخبر، وخلا بأشراف بني مالك بن سعد بن نذير بن قسر فدعاهم إلى انتزاع العادي من كلب فتبعوه، فخرج يمشي بهم حتى هجم على منازل كلب بعكاظ، فانتزع منهم الأسير مالكاً فقامت كلب دونه فقال جرير: زعمتم أن قومه لا يمنعونه، فقالت كلب جماعتنا خُلوف عنا فقام جرير فقال: لو كانوا حضوراً لم يدفعوا عنه شيئاً. فقالوا: كأنك تستطيل على قضاعة فقال: إن شاؤوا قايسناهم المجد. وزعيم كلب يومئذ خالد بن أرطاة، فقال: ميعادك من قابل سوق عكاظ. فجمعت كلب، وجمعت قسر، ووافوا عكاظ. وصاحب كلب الذي أقبل بهم في العام المقبل خالد بن أرطاة، فحكمّوا الأقرع بن حابس التميمي، حكّمه جميع الحيين، ووضعوا الرهن على يدي عقبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشي، في أشراف من قريش، وكان في الرهن من قسر الأضرم بن أبي عويف بن عويف بن مالك ابن ذبيان بن ثعلبة بن عمرو بن يشكر. ومن أحمس حازم بن أبي حازم بن صخر ابن العيّلة ومن بني زيد بن الغوث رجل. ثم قام خالد بن أرطاة، فقال لجرير: ما تجعل؟ فقال: الخطر في يدك قال: ألف ناقة حمراء لألف ناقة حمراء. فقال له جرير: ألف قينة عذراء لألف قينة عذراء، وإن شئت فألف أوقية صفراء لألف أوقية صفراء قال خالد: من لي بالوفاء؟ قال: كفيلي اللاّت، والعزى، وإساف، ونائلة، وشمس، ويعوق، والخلصة، ونسر فمن عليك بالوفاء؟ قال: ودّ ومناة، وفلس، ورضى. قال جرير: لك الوفاء سبعون غلاماً معماً مخولا، يوضعون على أيدي الأكفاء من أهل الله. فوضعوا الرهن من بجيلة ومن

كلب، على أيدي من سمينا من قريش، وحكّموا الأقرع بن حابس وكان عالم العرب في زمانه. فقال الأقرع: ما عندك يا خالد؟ قال ننزل البراح، ونطعن بالرماح، ونحن فتيان الصباح. قال: الأقرع وما عندك يا جرير؟ قال: نحن أهل الذهب الأصفر، والأحمر المعتصر - يعني الخمر - نخيف ولا نخاف، ونُطعم ولا نستطعم. ونحن حي لقاح ونُطعم ما هبّت الرياح. نُطعم الشهر، ونضمن الدهر، ونحن الملوك قسر. قال الأقرع: واللاّت والعزى لو فاخرت قيصر ملك الروم، وكسرى عظيم فارس، والنعمان ملك العرب، لنفرتك عليهم. وأقبل نعيم بن حجيّة النمري - وقد كانت قسر ولدته - بفرس إلى جرير فركبه من قبل وحشية، فقالوا: لم تُحسن تركب الفرس فقال جرير: إن الخيل ميامين، وإنا نركبها من وجوهها، ونادى عمرو بن الخثارم، وهو أحد بني جشم بن عمرو بن قداد فقال: يا ابَني نِزارٍ انصُرَا أخَاكُما ... إنَّ أبي وجَدتُهُ أبَاكُما لا يُغلَبُ اليومَ أخٌ وَالاكُما وقال أيضاً يا أقرعَ بنَ حابِسٍ يا أقرَعُ ... إنّكَ إن تَصرَعْ أخاكَ تُصرَعُ وقال أيضاً يَالَ نِزارٍ دعوةَ المُثَوِّبِ ... أحسَابُكُم أخطرْتُها وحَسبَي

فزعمت مضر أن الأقرع بن حابس، إنما نفر جريراً وبجيلة على خالد بن أرطاة وكلب لأنه زعم أن أنماراً ابن نزار، وأنه لقرابته بمضر وربيعة، أفضل وأكثر عدداً بإخوته من قضاعة، لأن قضاعة بن معد وهو عم هؤلاء. وقال الكميت بن زيد الأسدي: وأنمارٌ وإن رَغِمَتْ أُنوفٌ ... معدِّيُّ العُمومَةِ والخؤُولِ وعَمرو بنُ الخُثارِمِ كان طباٍّ ... بنِسبَتِهمِ وتَصديقي لقيلي وليس ابنُ الخُثارِمِ في مَعَدٍّ ... بمقصِيِّ المحلِّ ولا دَخيلِ لهم لُغَةٌ تُبيِّنُ من أبوُهُم ... مع الغُرَرِ الشَّوادِخِ والحُجُولِ وقال الأخطل يمدح جريراً، ويذكر ما كان بينه وبين خالد بن أرطاة: يرمي قُضاعَةَ مَجدوعٌ مَعَاطِسُها ... وهمٌ أشَمٌ تَرى في رأسِهِ صَيَداً ويروى وهو أشم. صافى الرسولَ ومِنْ قومٍ هُمُ ضَمِنوا ... مالَ الغريبِ ومَن ذا يضمَنُ الأبَدا كانوا إذا حَلَّ جارٌ في بُيوتِهِمُ ... عادوا عليه فأحصَوه مالَهُ عَددا قال: كانت بجيلة إذا جاورهم جار، عمدوا إلى ماله فأحصوه، ودفعوه إلى ثقة، فإن مات له شاة أو بعير أخلفوه عليه. حتى ينصرف موفوراً، فإن مات قبل أن يصير إلى وطنه ودوه، وإن قُتل طلبوا بدمه، وإن حُرب أخلفوا عليه.

رجع إلى القصيدة: ويومٍ شَهِدنَاهُ تَسامى مُلُوكُهُ ... بمُعتَركٍ بينَ الأسِنّةِ والنَّبلِ تسامى: تفاخر كما تسامى فحول الإبل بأعناقها إذا تصاولت وارتفع بعضها على بعض، والمعترك موضع القتال وهو المعركة. إذا رَكِبَ الحَيَّانِ عَمروٌ ومَالِكٌ ... إلى الموتِ أشباهَ المَعَبَّدةِ البُزلِ عمرو بن تميم ومالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وهم يد على الرباب. والمعبدة المهنوءة. فشبه الرجال عليها الحديد والسلاح بالإبل المهنوءة، وقال البزل لأنها أعظم ما تكون إذا بزلت، وبزول الجمل طلوع نابه. سَمونَا بعِرنينٍ أشمَّ وسَادَةٍ ... مَراجيحَ ذَوَّادينَ عن حَسبِ الأصلِ سمونا ارتفعنا، بعرنين أشم أي بأنف أشم طويل الأرنبة والقصبة، وذوّادين دفّاعين، مراجيح ثقال رزان. وألفَيتَنا نَحمي تَميماً وتنتَميَ ... إلينا تَميمٌ بالفوارسِ والرَّجلِ الرجل الرجَّالة، يقال رَجل ورِجال ورُجّال ورُجالى ورَجالى وأرَاجل وأراجيل إذا كانوا رجّالة. وإنَّا لضَرَّابونَ تَغشَى بَنانَنَا ... سَوابِغُ مِنْ زَغفِ درَصٍ ومَنْ جَدلِ ويروى علينا من الماذي كل مفاضة، سوابغ. الرغف ما صغر من حلق الدرع، والدلاص الملس وكذلك الدلامص والدمالص كما قالوا للكريم مصاص ومصامص، والجدل سيور كانت تجدل يلبسها أهل

يوم جدود

اليمن، واليلب مثله. وإنَّا لذَاواّدونَ كلَّ كَتيبَةٍ ... تجُرُّ منايا القومِ صادِقَةِ القتَلِ نُطاعِنُهُمْ والخَيلُ عابِسَةٌ بِنَا ... ونُكرِهُهَا ضَربَ المُخيضِ على الوحلِ ويروى نضاربهم المخيض الذي أخاض فرسه، حمله على الوحل. تخَطَّى القَنا والدَّارعينَ كأنما ... تَوثَّبُ أجرَالاً بكُلِّ فَتىً جَزلِ ويروى يطأن، الأجرال الحجارة، واحدها جرول وجرل وجراول، ويقال: أرض جرلة إذا كانت كثيرة الحجارة. ونحنُ مَنَعنا يومَ عَينينِ مِنقَراً ... ولم نَنبُ في يومي جَدُودَ عَنِ الأصلِ يوم عينين موضع بالبحرين، كانت بنو منقر خرجوا يمتارون من البحرين فعرضت لهم عبد القيس فاستغاثوا ببني نهشل، فحمتهم بنو نهشل حتى استنقذوهم. يوم جَدُودَ وأما يوم جدود، فإن الحوفزان، وهو الحارث بن شريك الشيباني، أغار على بني تميم، هو وأبجر بن جابر العجلي، خرجا متساندين يريدان الغارة على بني تميم فمروا ببني يربوع وهم بجدود، فلما رأوهما نهدوا إليهما، وحالوا بينهما وبين الماء وأردوا قتالهما، فقال لهم الحوفزان: والله ما إياكم أردت، ولا لكم سموت، وإنما أردت بني

سعد بن زيد مناة، فهل لكم في خمسمائة جلة وفضل ما معنا من ثوب. ولكم الله أنّا لا نروّع حنظلياً ولا نقاتله، وخلّوا بيننا وبين بني سعد. فخلّوا له وجهه، وصالحوه ثلاث سنين، وأخذوا منه جلال التمر. فمضى الى بني سعد، فأغار على بني ربيع بن الحارث، فأصاب نسوة وهم خلوف، وأصاب إبلاً فأتى الصريخ بني سعد، فركب قيس بن عاصم في بني سعد، فأدركوه وهو قائل برغام والمقاد، وقد أمن من الطلب في نفسه، وذلك في يوم شديد الحر. فزعموا أن سنان بن سمي المنقري أتاهم من أمامهم، فقالوا من الرجل؟ قال: من القوم؟ فلم يزالوا حتى عاقدهم ألا يكتم بعضهم بعضاً شيئاً. فقال: من أنتم؟ قال الحوفزان، وهذه بنو ربيع معي، قد احتويتها، فمن أنت؟ قال: أنا سنان بن سمي المنقري في الجيش وفي الحي، فأتى أصحابه فأخبرهم الخبر، فأكبّوا عليهم الخيل كباً، فاقتتلوا قتالاً شديداً. ثم إن بكر بن وائل انهزمت، وأوجعوهم قتلاً وأسراً، واستنقذوا النسوة والنعم، وقُتلت قتلى كثيرة، واتبع قيس بن عاصم الحوفزان على فرس له يدعى الزبد، وقيس بن عاصم على الزعفران بن الزبد فرس الحوفزان، فإذا استوت بهما الأرض لحقه قيس، وإذا وقعا في هبوط وصعود سبقه الحوفزان بقوة فرسه وسنه، فلما خشي أن يفوته، قال استأسر يا حارث، قال: الحوفزان: ما شاء الزبد! ثم زجر فرسه وجعل يقول: اليوم أبلو فرسي وجِدِّي ويروى اليوم أبلو حلبي وحشدي - قال: استأسر يا حارث خير أسير. فيقول الحوفزان: شر أسير فلما خشي قيس أن يفوته، زرقه

بالرمح زرقة هجمت على جوفه وأفلت بها، وزعموا أن الحوفزان انتقضت به طعنته من العام المقبل فمات منها. والتقى مالك بن مسروق الربيعي يومئذ، وشهاب بن جحدر أحد بني قيس ابن ثعلبة، وجد المسامعة، وهو أحد بني قيس بن ثعلبة. فقال مالك لشهاب: من أنت؟ قال: أنا شِهابُ بنُ جَحدَر ... أطعُنُهُم عندَ الكَرْ=تحتَ العَجاجِ الأكدَرْ ومعه العدل، رجل من قومه فقال مالك: أنا مالك بن مسروق بن غيلان ومعي سنان حران وإنما جئت الآن أقسم لا تؤوبان. ثم حمل على شهاب فقتله، ثم أعاد على العدل فقتله، وقال قيس بن عاصم في ذلك: جزى الله يربوعاً بأسوَإ سَعيِها ... إذا ذُكِرَتْ في النائبَاتِ أُمورُها ويومَ جَدُودٍ قد فَضحتُم أبَاكُمُ ... وسالمتُمُ والخيلُ تَدمَى نُحورُها فأصبحتمُ والله يفعلُ ذاكُمُ ... كمَهنوُءةٍ جَرباءَ أُبرِزَ كورُها أفَخراً على المولى إذا ما بَطِنتُمُ ... ولُؤماً إذا ما الحربُ شَبَّ سَعِيرُها ويروى إذا ما الحرب تغلي قدورها. ستَخطِمُ سَعدٌ والرِّبابُ أُنُوفَكُم ... كما غاطَ في أنَفِ الظَّؤُورِ جَرِيرُها أتاني وعيدُ الحوفزانِ ودُونَهُ ... من الأرضِ صَحرَاواتُ فَلج وَقُورُها أقِمْ بسبيلِ الحيِّ إن كنتَ صادِقاً ... إذا حَشَدَتْ سَعدٌ وجاشَ نَصِيرُها

عَصَمنا تميماً في الحُروبِ فأصبحتْ ... يَلُوذُ بنا ذو مالِها وفقيرُها وأصبحتَ وَغلاً في تميمٍ وأصبحتْ ... مَعَادِنُها تُجبَى سِواكَ وخِيرُها وقال سوار بن حيان المنقري: ونحنُ حَفزنَا الحوفزانَ بطَعنَةٍ ... تَمُجُّ نَجيعاً من دَمِ الجَوفِ أشكَلا وحُمرَانُ أدَّتهُ إلينا رِمَاحُنا ... يُنازِعُ غُلاًّ في ذِراعيهِ مُقفَلا حمران بن عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد. أبَى الله أنَّا يومَ تُقتسَمُ العُلا ... أحَقُّ بها منكم وأعطى وأجزَلا فلستَ بمُسطِيعِ السماءِ ولم تجدْ ... لِعَزٍّ بَنَاه الله فوقَكَ مَنقَلا ومالكَ مِنْ أيّامِ صِدقٍ تَعُدُّها ... كيومِ جُوَاثَا والنِّباجِ وثَيتلا وقال سلامة بن جندل السعدي: ومَنْ كان لا تعتَدُّ أيامُهُ له ... فأيّامُنا عنّا تُجلِّي وتُعرِبُ ألاَ هَلْ أتى أفناءَ خِندِفَ كلّها ... وعَيلانَ إذ ضمَّ الخمسينِ يترَبُ جَعلنا لهم ما بين كُثلَةَ رَوحَةً ... إلى حيثُ أوفى صُوّتَيهِ مُثقَّبُ غداةَ تَركنا في الغُبارِ ابنَ جَحدَرٍ ... صَريعاً وأطرافُ العوالي تَصبّبُ

وأفلتَ منا الحوفزانُ كأنهُ ... برَهوَةَ قَرنٌ أفلتَ الخيلَ أعضَبُ غَداةَ رَغامِ حينَ ينجُو بطَعنَةٍ ... سَؤُوقِ المنايا قد تُزِلُّ وتُعطِبُ لَقُوا مِثلَ ما لاقي اللُّجَيمي قَبلَهُ ... قَتادَةُ لمّا جاءَنا وهو يَطلُبُ اللجيمي قتادة بن مسلمة الحنفي، وكان أحد جراري ربيعة. فآبَ الى حَجرٍ وقد فُضَّ جمعُهُ ... بأخبَثِ ما يأتي به مُتَأوِّبُ وقد نالَ حَدُّ السيفِ مِنْ حُرِّ وجهِهِ ... إلى حيثُ ساوىَ أنفَهُ المُتَنقَّبُ وجَثَّامَةُ الذُّهِليُّ قد وسَجَتْ بهِ ... إلى أهِلنا مَخزُومَةٌ وهو مُحقَبُ تعرَّفُهُ وسطَ البُيوتِ مُكَبَّلاً ... رَبَائِبُ من أحسَابِ شَيبانَ تثقُبُ وهَوذَةَ نجَّى بعدَ ما مالَ رأسُهُ ... يمانٍ إذا ما خالَطَ العَظمَ مِخدَبُ المخدب الجارح، خدبه جرحه، وهوذة بن علي الحنفي. فأمسكهُ من بعدِ ما مالَ رأسُه ... حِزامٌ على ظهرِ الأغَرِّ وقَيقَبُ غداةَ كأنَّ ابني لُجيمٍ ويَشكُراً ... نَعَامٌ بصَحراءَ الكَديدَينِ هُرَّبُ وقال سلامة أيضاً: فسائِلْ بسَعدَيَّ في خِندِفٍ ... وقيسٍ وعندَكَ تِبيَانُها

وإنْ تسألِ الحَيَّ من وائِلٍ ... تُنَبِّئكَ عِجلٌ وشيبَانُها بوادي جَدُودَ وقد غُودِرَتْ ... بضَيقِ السَّنَابِكِ أعطَانُها بأرعَنَ كالطَّودِ من وائِلٍ ... يَؤُمُّ الثغورَ ويَعتَانُها يعتانها من الربيئة وهو عين القوم. تكادُ له الأرض من رِزَّهِ ... إذا سارَ تَرجُفُ أركانُها قَداميسُ يقدُمُها الحوفزانُ ... وأبجَرُ تَخفِقُ عِقَبانُها وجَثَّامُ إذ سارَ في قومِهِ ... سَفاهاً إلينا وحُمرانُها وتغلِبُ إذ حَربُها لاقِحٌ ... تُشَبُّ وتُسعَرُ نِيرانُها غَداةَ أتانَا صَريخُ الرِّبابِ ... ولم يكُ يَصلُحُ خِذلانُها صَريخٌ لضَبِّةَ يوم الهُذَيلِ ... وضَبَّةُ تُردَف نِسوانُها تَدَارَكَهُم والضُّحَى غُدوَةٌ ... خَنَاذِيدُ تُشعَلُ أعطانُها بأُسدٍ من الفِزرِ غُلبِ الرِّقَابِ ... مَصَالِيتَ لم تُخشَ إدهانُها الفزر سعد بن زيد مناة. فحَطَّ الربيعَ فتىً شَرمَحٌ ... أخُوذُ الرَّغائِبِ مَنَّانُها فقَاظَ وفي الجِيدِ مَشهُورَةٌ ... يُغنَيِّهِ في الغُلِّ إرنانُها رجع إلى القصيدة:

هذا يوم الكلاب الثاني

ونحنُ ردَدنا سَبي عَمرو بنِ عامرٍ ... مِنَ الجَيشِ إذ سعدُ بنُ ضَبَّةَ في شُغلِ عمرو بن عامر بن ربيعة بن كعب بن ثعلبة بن سعد بن ضبة. ونحنُ مَنَعنا بالكُلاَبِ نِسَاءَنا ... بِضَربٍ كأفواه المُقَرَّحَةِ الهُدلِ هذا يومُ الكُلابِ الثاني كان من حديث يوم الكلاب، أنه لما أوقع كسرى ببني تميم يوم الصفقة بالمشقر، فقتلت المقاتلة، وبقيت الذرية والأموال، بلغ ذلك مذحج، فمشى بعضهم الى بعض، وقالوا: اغتنموا بني تميم، ثم بعثوا الرسل في قبائل اليمن وأحلافها من قضاعة، فقالت مذحج للمأمور الحارثي الكاهن: ما ترى؟ فقال: لا تغزوا بني تميم، فإنهم يسيرون أغباباً، ويردون مياهاً جباباً. فتكون غنيمتكم تراباً، يعني أنهم يسيرون منقلتين في منقلة واحدة، أُخذ من الغِبّ. فزعموا أنه اجتمع من مذحج ولفّها اثنا عشر ألفاً، فكان رئيس مذحج عبد يغوث بن وقاص بن صلاءة، ورئيس همدان رجل يقال له مشرح، ورئيس كندة البراء بن قيس بن الحارث الملك، فأقبلوا إلى بني تميم فبلغ ذلك سعداً والرباب، فانطلق ناس من أشرافهم إلى أكثم بن صيفي فاستشاروه، فقال أكثم بن صيفي: أقلّوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل، والمرء يعجز لا المحالة، وتثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين، ورُبذ عجلة تهب ريثاً، وابرزوا للحرب، وادرعوا الليل، فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف.

فلما انصرفوا من عند أكثم بن صيفي تهيئوا للغزو، واستعدوا للحرب، وأقبل أهل اليمن، من أشرافهم: يزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المخرم، ويزيد بن الكيشم بن المأمور، ويزيد بن هوبر، حتى إذا كانوا بتيمن - وتيمن ماء بين نجران إلى بلاد بني تميم - نزلوا قريباً من الكلاب، ورجل من بني زيد بن رياح بن يربوع يقال له مشمت بن زنباع، في إبل له، وهو عند خال له من بني سعد، ومعه رجل يقال له زهير، فلما أبصرهم المشمت، قال لزهير: دونك الإبل، وتنح عن طريقهم حتى آتي الحي فأنذرهم. فأعدوا للقوم وصبّحوهم، فأغاروا على النعم فاطردوه، وجعل رجل من أهل اليمن يقول: في كلِّ عامٍ نَعَمٌ ننتَابُه ... على الكُلابِ غُيَّباً أربابُه فأجابه غلام من بني سعد كان في نعم على فرس فقال: عمَّا قليلٍ تَلحَقَنْ أربَابُهْ وأقبلت بنو سعد والرباب، ورئيس الرباب النعمان بن جساس، ورئيس بني سعد قيس بن عاصم - وأجمع العلماء أن قيس بن عاصم كان الرئيس يومئذ - فقال رجل من بني ضبة حين دنا من القوم:

في كلِّ عامٍ نَعمٌ تَحوُونَهْ ... يُلقِحُهُ قومٌ وتُنتِجُونَهْ أربَابُهُ نَوكى فلا يَحمُونَهْ ... ولا يُلاقُونَ طِعاناً دونَهْ أنَعمَ الأبنَاءِ تَحسَبونَهْ ... أيهَاتَ أيهاتَ لمِا ترجُونَهْ الأبناءُ كلُّ بني سعدِ بنِ زيدِ ... مَناةَ، إلا بني كَعبِ بنِ سعدٍ فقال ضمرة بن لبيد الحماسي - والحماس ربيعة بن فلان بن كعب بن الحارث ابن كعب: انظروا إذا سُقتم الإبل فإن أتتكم الخيل عصباً - العصبة تقف للأخرى حتى تلحق - فإن أمر القوم هين، وإن لحق بكم القوم ولم ينظروا إليكم، حتى يردوا وجوه النعم، ولا ينظر بعضهم بعضاً، فإن أمر القوم شديد. وتقدمت سعد والرباب، فالتقوا في أوائل الناس، فلم يلتفتوا إليهم، واستقبلوا النعم من قبل وجوهه، فجعلوا يصرفونه بأرماحهم، واختلط القوم، فاقتتلوا قتالاً شديداً يومهم، حتى إذا كان آخر النهار، قُتل النعمان بن جساس، رماه رجل من أهل اليمن، كانت أمه من بني حنظلة، يقال له عبد الله بن كعب، فقال حين رمى: خذها وأنا ابن الحنظلية، فقال النعمان: ثكلتك أمك، رب ابن حنظلية قد غاظني. فظن أهل اليمن أن بني تميم ليسوا بكثير، حتى قُتل النعمان، فلم يزدهم ذلك عليهم إلا جرأة. فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، فباتوا يحرس بعضهم بعضاً، فلما أصبحوا غدوا على القتال، فنادى قيس بن عاصم: يال سعد، ونادى عبد يغوث: يال سعد قيس، يدعو سعد بن زيد مناة، وعبد يغوث يدعو سعد العشيرة.

فلما سمع ذلك قيس نادى: يال كعب، ونادى عبد يغوث: يال كعب قيس، يدعو بني كعب بن سعد، وعبد يغوث يدعو بتي كعب بن عمرو. فلما رأى قيس صنيع عبد يغوث قال: ما لهؤلاء أخزاهم الله لا ندعو بشعار الا دعوا بمثله. فنادى قيس: يال مقاعس - وهو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم – فسمع الصوت وعلة بن عبد الله الجرمي جرم قضاعة، وكان صاحب اللواء يومئذ فطرحه، وكان أول من انهزم منهم، وحملت سعد والرباب فهزموهم، وجعل رجل منهم يقول: يا قومِ لا يُفلِتكُمُ اليَزيدانْ ... يزيدُ حَزنٍ ويزيدُ الرَّيّانْ مُخرِّمٌ أعني به والدَّيّانْ مخرم بن شريح بن المخرم بن جرم بن زياد بن مالك بن الحارث بن مالك ابن ربيعة بن كعب بن الحارث، وهو صاحب المخرم الذي ببغداذ. وجعل قيس ينادي: يا آل تميم لا تقتلوا إلا فارساً، فإن الرجّالة لكم، وجعل يرتجز ويقول: لمّا تَولَّوا عُصَباً شَوازِبَا ... أقسَمتُ لا أطعُنُ إلا رَاكِباً إني وجدتُ الطَّعنَ فيهم صائباً وجعل يأخذ الأسرى، فإذا أخذ أسيراً قال: ممن أنت؟ قال: من بني زعبل - وهو زعبل بن كعب، اخوة الحارث بن كعب، وهم أنذال،

يريدون بذلك رُخص الفداء - فجعل قيس إذا أخذ منهم أسيراً دفعه إلى ثلاثة من بني تميم، فيقول: أمسكوا حتى أصطاد لكم زعبلة أخرى. فما زالوا في أثر القوم يقتلون ويأسرون، حتى أسروا عبد يغوث بن وقاص ابن صلاءة الحارثي، أسره رجل من بني عبشمس بن سعد، وقُتل يومئذ علقمة بن سبّاح القريعي، وهو فارس هبود، وهو فرس عمرو بن الجعيد المرادي. وأسر الأهتم وهو سمى بن سنان بن خالد ابن منقر، رئيس كندة، ويومئذ هُتم الأهتم، وقتلت التيم الأوبر بن أبان ابن دارع الحارثي، وآخر من بني الحارث يقال له معاوية، قتلهما النعمان بن جساس قبل أن يُقتل، وكان قد قتل يومئذ خمسة من أشرافهم، وقتلت بنو ضبة ضمرة بن لبيد الحماسي الكاهن، قتله قبيصة بن ضرار بن عمرو الضبي، وأما عبد يغوث فانه انطلق به العبشمي إلى أهله، وكان العبشمي أهوج، فقالت له أمه - ورأت رجلا شريفاً عظيماً جليلاً جميلاً - فقالت لعبد يغوث: من أنت؟ قال: أنا سيد القوم. فضحكت وقالت: قبحك الله سيد قوم حين أسرك هذا فقال عبد يغوث الحارثي: وتضحكُ مني شَيخَةٌ عَبشَميَّةٌ ... كأنْ لم ترى قبلي أسيراً يمانِيا فقال: أيتها الحرة، هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: أعطي ابنك مائة من الإبل، وينطلق بي إلى الأهتم، فإني أتخوّف أن تنتزعني سعد والرباب منه؛ فضمن لها مائة من الإبل، وأرسل إلى بني الحارث، فسرحوا بها إليه، فقبضها العبشمي، وانطلق به إلى الأهتم، فقال عبد يغوث:

أأهتمُ يا خيرَ البريَّةِ والداً ... ورَهطاً إذا ما الناسُ عَدُّوا المَسَاعيا تدارَكْ أسيراً عانياً في حِبالِكُم ... ولا تُثقِفَنِّي التيمَ ألقى الدَّواهِيا ويروى: فإن تثقفني التيم ألق الدواهيا، قال: فمشت سعد وتيم إلى الأهتم فيه، فقالت الرباب: يا بني سعد، قتل فارسنا، ولم يُتلك لكم فارس مذكور، فدفعه إليهم، فأخذه عصمة بن أبير التيمي، فانطلق به إلى منزله، فقال عبد يغوث: يا بني تيم، اقتلوني قتلة كريمة، فقال عصمة: وما القتلة الكريمة؟ قال: اسقوني الخمر، ودعوني أنوح على نفسي. فجاءه عصمة بالشراب، ومضى عصمة وجعل معه ابنين له، فقالا لعبد يغوث: جمعت أهل اليمن، ثم جئت لتصطلمنا، فكيف رأيت الله عز وجل صنع بك؟ وذاك أنه لما أسر قال: شدوا لسانه بنسعة لا يهجكم، فضحكت منه عجوز من بني عبشمس بن سعد، فقال عبد يغوث في ذلك: ألا لا تَلُومَاني كَفى اللَّومَ ما بِيا ... فما لكما في اللَّومِ نفعٌ ولا لِيَا ألم تعلما أنّ الملامةَ نَفعُها ... قليلٌ وما لَومي أخي من شِمالِيَا فيا رَاكِباً إما عرضتَ فبَلِّغَنْ ... نَدَاماي من نَجرَانَ ألاّ تَلاقيا أبا كَرِبٍ والأ يهمَينِ كِليهما ... وقيساً بأعلى حَضرموتَ اليَمانيا وتضحكُ مني كَهلَةٌ عبشَمِسَّةٌ ... كأنْ لم ترى قبلي أسيراً يمانيا وظلَّ نِساءُ التَّيمِ حوليَ رُكَّدا ... يُرَاوِدنَ مني ما تُريدُ نِسائِيا

أقولُ وقد شَدُّوا لساني بنِسعَةٍ ... أمعشرَ تَيمٍ أطلِقوا عن لِسانيا فإنْ تقتُلوني تقتُلوا بي سيّداً ... وإن تُطلِقوني تحرُبُوني بماليا أحَقاً عبادَ اللهِ أنْ لستُ سامِعا ... نشيدَ الرُّعاءِ المئثعزِبِينَ المَتَاليا كأني لم أركبْ جواداً ولم أقُلْ ... لخَيلي كُرِّي نفسي عن رِجَاليا ولم أسبَأِ الزِّقَّ الرَّويَّ ولم أقُلْ ... لأيسارِ صِدقٍ عَظِّموا ضَوءَ نارِيا لَحا الله خيلاً بالكُلابِ دعوتُها ... صَريحَهُمُ والآخرينَ المَوالِيا فلو شِئتُ نجتّني كُمَيتٌ رَجِيلَةٌ ... ترى خلفها الحُوَّ العِتَاقَ تَوالِيا ولكنني أحمي ذِمارَ أبيكُمُ ... وكان العوالي يَختَطِفنَ المُحاميا فأبو إلا قتله. فقتلوه بالنعمان بن جساس. فقالت صفية بنت الخرع التيمية ترثي النعمان بن جساس: نِطاقُهُ هُندُوَانِيٌّ وجُبَّتُهُ ... فضفَاضَةٌ كأضَاةِ النَّهي مَوضُونَهْ غابتْ تميمٌ فلم تشهدْ فوارِسُها ... ولم يكونوا غَداةَ الرَّوعِ يُخزُونَهْ لقد أخذنا شِفاءَ النفسِ لو شُفيتْ ... وما قتلنا به إلا امرءاً دونَهْ وقال علقمة بن السبّاح لعمرو بن الجعيد، وكان كاهنا فيما يذكرون:

لمّا رأيتُ الأمرَ مخلوجَةً ... أكرَهتُ فيه خُرُصاً مارِنا قلتُ له خُذهَا فإني امرؤٌ ... يَعرِفُ رُمحي الرجلَ الكاهِنا وأما وعلة فإنه لحقه رجل من بني سعد فعقر به فنزل الجرمي، وعلة يُحضر على رجليه، فلحق رجلاً من بني نهد، يقال له سليط بن قتب، فقال له وعلة: أردفني خلفك، فأبى أن يردفه، فنجا الجرمي يُحضر، وأدركت بنو سعد النهدي فقتلوه، فقال وعلة حين أتى أهله: لمّا سَمِعتُ الخيلَ تدعو مقاعِساً ... تطلّعَ مني ثُغرةَ النَّحرِ جائِرُ نَجوتُ نَجاءً ليس فيه وَتيرَةٌ ... كأنّي عِقَابٌ دون تَيمَنَ كاسِر خُدارِيَّةٌ صَقعاءُ لَبدَ رِيشَها ... بطِخفَةَ يومٌ ذو أهاضِيبَ ماطرُ وقد قلتُ للنَّهدِيِّ هل أنتَ مُردِفي ... وكيفَ رِدَافُ الفَلِّ أمَّكَ عابِر أُناشِدُهُ بالرِّحمِ بيني وبينَه ... وقد كان في نَهدٍ وجَرمٍ تَدابُرُ فمن يَكُ يرجو في تميمٍ هوادَةً ... فليس لِجرمٍ في تميمٍ أواصِر وذلك أن قيس بن عاصم، لمّا أكثر قومه القتل في اليمن، أمرهم بالكف عن القتل، وأن يحزوا عراقيبهم. فقالت نائحة عمرو بن الجعيد: أشَابَ قَذَالَ الرَّأسِ مَصرَعُ سَيِّدٍ ... وفارِسُ هَبُّودٍ أشَابَ النَّواصيا

وقال محرز بن المكعبر الضبي: فِدىً لقومي ما جمّعتُ مِنْ نَشَبٍ ... إذ ساقَتِ الحربُ أقواماً لأقوامِ قد حُدِّثَتْ مَذْحِجٌ عنّا وقد عَلِمَتْ ... أنْ لنْ يُورّعَ عن أحسَابِنا حامي دارت رَحاكُم قليلاً ثمّ وجَّهَكُم ... ضَربٌ يُصَيَّحُ منهُ مَسكِنُ الهام ساروا إلينا وهم صِيدٌ رؤُوسُهُمُ ... فقد جعلنا لهم يوماً كأيّامِ ظلّتْ ضِبَاعُ مُجيراتٍ يعُدنَهُمُ ... والحَمُوهُنّ منهم أي إلحَام ولا حُذُنَّةَ لم نترُك لها سَبُعا ... إلا له جَزَرٌ من شِلوِ مِقدام حذنة: أرض لبني عامر بن صعصعة: ظَلّتْ تدُوسُ بني عَمروٍ بِكَلكَلِها ... وهمَّ يومُ بني سَعدٍ بِإظلامِ رجع إلى القصيدة: وجئنا بأسلابِ المُلوك وأحرَزَتْ ... أسنَّتُنا مجدَ الأؤِبَّةِ والأكلِ الأربة جمع الرباب، الاكل قطائع كانت الملوك تؤكّلها الأشراف. وجئنا بعمروٍ بعدَ ما حَلّ سَربُهَا ... مَحلَّ الذَّليلِ خلفَ أطحَلَ أو عُكلِ وجئنا بعمروٍ بعدَ ما كانَ تابعاً ... حليفاً لتَيمِ الُلاَّتِ أو لبني عجلِ

يريد عمرو بن تميم، وكانوا غالبوا بني حنظلة، فحالفوا بكر بن وائل، فأقاموا فيهم، وهو قول أوس بن حجر: نحنُ بنو عَمروِ بنِ بكرِ بنِ وائلٍ ... نُحَالِفُهُم ما دامَ للزَّيتِ عاصِرُ فلما احتفلت سعد والرباب على بني حنظلة، خافوا أن يكثروهم ويهتضموهم، فسارت وجوه حنظلة إلى بني عمرو بن تميم، فحالفوهم وردوهم، فهم يد مع بني حنظلة على سعد والرباب. وأطحل جبل ينزله بنو ثور بن عبد مناة. وعكل هو عوف بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن اليأس بن مضر بن نزار، وإنما سمي عُكلا لأن أمَة سوداء حضنته، يقال لها عكل فغلبت على اسمه. أبى لكُليبٍ أن تُسامي مَعشَراً ... مِنَ الناسِ أن ليسُوا بفَرعٍ ولا أصلِ سَوَاسيَةٌ سُودُ الوجوهِ كأنهُم ... ظَرَابيُّ غِربَانٍ بمَجرُودَةٍ مَحلِ السواسية المستوون في الشر خاصة، ولا يقال في الخير. والظرابي جمع ظربان وهو دويبة مثل جرو الكلب منتن الريح كثير الفسو، والأنثى ظربانه. فقُل لجريرِ اللُّؤمِ ما أنتَ صانِعٌ ... وبيِّنْ لنا إنّ البيانَ مِنَ الفَصلِ؟ أبُوكَ عَطاءٌ ألأمُ الناسِ كلِّهِم ... فقُبِّحَ مِن شَيخٍ وقُبِّحتَ مِنْ نَجل رواية كهل. يقال نجل الرجل، ونسله، وشلخه، وشرخه، وزكوته، وزكبته

وزكمته، بمعنى واحد. وأنشد: زُكوَةُ عمَّارٍ بَنُو عمَّارِ ... مثلُ الحَراقِيص على الحِمارِ الحرقوص خنيفس يقرض الوطاب وما أشبهها، إنما همّتهم شيء قذر. ألستَ كُليبياً إذا سِيَم خُطّةً ... أقَرَّ كإقرَارِ الحَليلَةِ للبَعلِ وكُلُّ كُلَيبِيٍّ صَفِيحَةُ وجَههِ ... أذَلُّ لأقدَامِ الرِّجالِ مِنَ النَّعلِ ويروى صحيفة وجهه. وكُلُّ كُليبيٍّ يَسُوقُ أتانَهُ ... لهُ حاجَةٌ مِن حيثُ تُثقَرُ بالحَبلِ قال أبو عثمان: سمعت أبا عبيدة يقول: سألت بعض بني كليب: ما أشد ما هُجيتم به عليكم؟ فأنشده هذه الثلاثة الأبيات. قال أبو جعفر: فقالت عجوز منهم لا، ولكن قول الفرزدق: أنتم قَرارَةُ كُلِّ مَدفَعِ سَوءةٍ ... ولكُلِّ سائِلَةٍ تَسيلُ قَرارُ فقال جرير يجيب البعيث. ويهجو الفرزدق: عُوجِي علينا وأربَعي رَبَّةَ البَغلِ ... ولا تقتُليني لا يَحِلُّ لكم قتلي أعَاذلُ مَهلاً بعضَ لَومِك في البُطلِ ... وعَقلُكِ لا يذهَبْ فإنّ معي عقلي فانّكَ لا تُرضي إذا كنتَ عاتباً ... خليلَكَ إلا بالمودّةِ والبَذلِ أحقّاً رأيتَ الظاعنينَ تَحمَّلُوا ... مِنَ الغِيلِ أو وادي الوريعةَ ذي الأثلِ

وادي الوريعة: لبني يربوع. لياليَ إذ أهلي وأهلُكِ جيرَةٌ ... وإذ لا نخافُ الصُّرمَ إلا على وصلِ يقول: لا نتصارم تصارم قطيعة، وإنما صرمنا دلال، ويروى إلا على رحل، أي على عجلة لا نخاف الصرم إلا أن يعجل بنا فراق. وإذ أنا لا مالٌ أريدُ ابتياعَهُ ... بمالي ولا أهلٌ أبيعُ بِهم أهلي خليليَّ هِيجَا عَبرَةً أو قِفا بِنا ... على مَنزلٍ بينَ النقيعَةِ والحبلِ ويروى على طلل. النقيعة خبراء بين بلاد بني سليط وضبة، والخبراء أرض تنبت الشجر. فإني لَبَاقي الدَّمعِ إن كنتُ باكياً ... على كُلِّ دارٍ حلَّها مَرَّةً أهلي تُريدينَ أن أرضى وأنتِ بخيلَةٌ ... ومَنْ ذا الذي يُرضي الأخِلاّءَ بالبُخلِ لعَمرُكَ لولا اليأسُ ما انقطعَ الهوى ... ولولا الهوى ما حَنَّ مِن والهٍ قبلي سقى الرملَ جَونٌ مُستهِلٌّ رَبابُهُ ... وما ذاكَ إلا حُبُّ مَن حَلّ بالرَّملِ متى تجمعي مَناً كثيراً ونائِلاً ... قليلاً تُقطّعْ منكِ باقيةُ الوَصلِ ألا تبتغي حلماً فينهى عنِ الجهلِ ... وتصرِمُ جُملاً راحةً لكَ مِنْ جُملِ فلا تعجبا مِن سورةِ الحُبِّ وانظُرا ... أتنفعُ ذا الوجدِ الملامةُ أو تُسلي ألا رُبّ يومٍ قد شَرِبتُ بمَشرَبٍ ... سقى الغيمَ لم يشربْ بهِ أحدٌ قبلي المشرب يعني الريق، والغيم العطش. وهِزَّةِ أظعانٍ كأنّ حُمُولَها ... غَداةَ استقَلّتْ بالفَرُوقِ ذُرى النّخلِ

هزة أظعان يعني تحركها في السير، وأصل الأظعان النساء على الإبل، ثم استعمل حتى جُعل للنساء بغير إبل. طَلبتُ ورَيعانُ الشبابِ يقودُني ... وقد فُتنَ عيني أو تَوارَينَ بالهَجلِ ريعان الشباب أوله، وريعان النهار أوله، وريعان الخيل أولها، والهجل البطن المطمئن من الأرض. فلما لحِقناهُنّ أبدَينَ صَبوَةً ... وهُنّ يُحاذِرنَ الغَيورَ منَ الأهل ويروى العيون. على ساعةٍ ليستْ بساعةِ مَنظَرٍ ... رَمينَ قُلوب القومِ بالحَدَقِ النُّجلِ ويروى بالأعين. وما زِلنَ حتى كادَ يَفطِنُ كاشِحٌ ... يزيدُ علينا في الحديث الذي يُبلي يروى يُملي. فلم أرَ يوماً مثلَ يومٍ بذي الغَضا ... أصبنا بهِ صَيداً غزيراً على رِجلِ يروى على رسل. ألَذَّ وأشفى للفؤادِ مِنَ الجَوى ... وأغيظَ للواشينَ مِنهُ ذوي المَحلِ الواشي: المبلغ الكلام يريد به الشر، يقول العرب: وشى بينه يشي وشاية، ووشى الثوب يشيه وشياً ووشية حسنة، قال أبو عبد الله: لا يقال وشى حتى يزينه ويغيره عن حاله، والمحل التبليغ والتحريش بالنميمة. قال أبو عبد الله: يقال نم الحديث ينمه إذا حكاه، فإذا غيّره

ولونه، قيل وشى، ومن هذا الوشي في الثوب من التلوين، وقوله عز وجل {لاَّ شِيَةَ فِيهَا} أي لون فيها غير الصفرة. وهاجِدِ مَؤماةٍ بعثتُ إلى السُّرى ... وللنومُ أحلى عندَهُ مِن جنَى النَّحلِ الموماة هاهنا الفلاة والجمع موام، وهاجد هاهنا الساهر ع هاجد نائم، موماة بلد قفر، وهاجد موماة، يريد وهاجد في موماة، بعثت أيقظته من نومه، والهاجد في غير هذا الموضع الساهر وهو من الأضداد. يقول: نُزولُ الرَّكبِ فيها كَلاَ ولاَ ... غِشاشاً ولا يَدنُونَ رَحلاً إلى رَحلِ يريد أنهم يعرسون ولا يحطون عن إبلهم، إنما يخفق أحدهم خفقة ثم ينهض، كقولك لا ولا في السرعة، والغشاش العجلة، يقال أغششتني عن حاجتي أي أعجلتني. ليَومٍ أتتْ دونَ الظِّلالِ سَمُومُهُ ... وظَلِّ المَهاصُوراً جَماجِمُها تغلي يقول: نبهتهم لسير يوم هذه صفته، والصور الموائل الرؤوس سدراً من الحر، كما قال مضرّس بن ربعي: ويومٍ مِنَ الشِّعرَى كأنّ ظِبَاءَهُ ... كواعِبُ مقصُورٌ عليها سُتُورُها تَدلَّتْ عليها الشمسُ حتى كأنما ... بِهنّ صُداعٌ أو فَوَالٍ يصُورُها

تَمنّى رجالٌ مِن تَميمٍ ليَ الرِّدى ... وما ذادَ عن أحسابهم ذائِدٌ مثلي الردى الهلاك، وقوله رجال من تميم يعني الفرزدق بن غالب، والبعيث بن بشر، وعمر بن لجأ، وغسان بن ذهيل السليطي، والمستنير بن عمرو، وهو البلتع. كأنهمُ لا يعلمُونَ مَواطني ... وقدْ عَلِموا أني أنا السابقُ المُبلِي ويروى وقد جربوا. يريد الذي يبلي البلاء الحسن الجميل. وأوقَدتُ ناري بالحديدِ فأصبحتْ ... لها لَهبٌ يُصلِي به اللهُ مَنْ يُصلي يروى وهج. يعني المواسم وإنما يريد مواسم الشعر وهذا مثل. إذا سارَ في الرَّكبِ البَعيثُ عَرفتُمُ ... تَزَمُّرَ حمراء العِجانِ على الرَّحْلِ التزمر التحرك، يقول: إذا رأيت البعيث عرفت حركات أمه فيه أي الهجنة بينة فيه. لَعَمري لقد أخزى البعيثُ مُجاشِعاً ... وقالَ ذَوو أحسابهم ساء ما يُبلي ألامَ ابنُ حَمراء العجانِ وباستها ... جُلوبُ القَنا بعدَ الكَلاليبِ والرَّكلِ ألام من اللوم أساء وأتى بما يلام عليه، والكلاليب مقارع، واحدها كُلاّب والكلاّب المقرعة، جلوب قروح. أهُلْبَ استِها فَقعاً بِشَرِّ قَرارَةٍ ... بمَدرَجةٍ بينَ الحُزُونَةِ والسَّهلِ

الهلب الشعر، والفقع الكمأة البيضاء، فقع وفقعة، وجبء وجبأة والجبء الأحمر والأسود جميعاً، ويقال للأحمر من الكمأة والأسود جميعاً جبأة، ومنها بنات أوبر، وهي كمآت صغار زغب، ومنها الذعاليق والبرانيق، وهي إلى الطول، ومنها المغاريد وهي صغار مستديرة واحدها مغرود، ومن جنس الكمأة الذآنين واحدها ذؤنون وهي تنبت في أصول الأرطى - سألت أبا جعفر عن الذآنين فقال: نبت كأنه البصل ثم يجف فيخرج منه شبيه بالخنافس تمشي، وقد رأيته وأطعمته جملي - ومن جنس الكمأة وليس بها الطراثيث، واحدها طرثوث وهي تنبت في أصول الرمث، والكمأة تنبت في أصول الأجرد والقصيص، وهما ضربان من الشجر، والعساقل والعقابل صغار شبيه ببنات أوبر، إلا أنها أكبر منها، وأنشدنا محمد بن القاسم الباهلي: ولقد جَنَيتُكَ أكمُؤاً وقَعَابِلا ... ولقد نَهيتُكَ عن بناتِ الأوبِرَ وأنشدنا النمري وعساقلا مكان قعابل. جَزِعتَ إلى دُرجَي نَوارَ وغِسلِها ... وأصبحتَ عَبداً لا تُمِرُّ ولا تُحلي يعني الفرزدق. يقول: لم يكن لك نكير إلا الرجوع إلى امرأتك والجلوس معها، نوار بنت أعين بن ضبيعة بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع. لعَمري لَئِن كانَ القُيونُ تَواكَلُوا ... نَوارَ لقد آبتْ نَوارُ إلى بَعلِ يروى فحل.

المواكلة أن يتكل الرجل على صاحبه في العمل والقتال، يقول: فلئن كانت بنو مجاشع تواكلوا نوار، فلم يتزوجوها، لقد صارت إلى بعل وإن لم يكن كفؤاً ولا رضاً. وإنّ الذي يَلقى البَعيثُ ورَهطُهُ ... هوَ السَّمُّ لا دُرجَا نَوارَ معَ الغِسلِ يروى الوسم. الدرج شيء تضع فيه النساء الطيب، والغسل ما غسلت به رأسك. تمنَّى ابنُ حمراءِ العِجان عُلالَتي ... وقد تَمَّ ناباً لا ضعيفٍ ولا وَغلِ ويروى ظنون. العجان ما بين الدبر إلى الفرج، ع العجان ما بين الفرجين وهو من الرجل ما بين الأنثيين إلى السبة، والعلالة الجري الثاني بعد الجري الأول، وهو مثل العلل بعد النهل، ظنون متهم قليل الخير، والوغل النذل الداخل في القوم ليس منهم. خُروجٍ إذا اصْطَكَّ الأضامِيمُ سابقٍ ... وما أحرَزَ الغاياتِ مِن سابقٍ قَبلي الأضاميم الجماعات من الخيل وغيرها واحدتها إضمامة. ليَ الفضلُ في أفناءِ عمروٍ ومالِكٍ ... وما زِلتُ مُذ جارَيتُ أجري على مَهلِ ويروى في أحياء عمرو بن تميم ومالك بن زيد مناة بن تميم. وتُرهَبُ يربوعٌ ورائيَ بالقَنا ... وذاكَ مقامٌ ليسَ يُزري بهِ فعلي ويروى وتخطر. ويروى ورائي بالردى، وروي وذتك مقام لا تزل به نعلي.

لَنِعمَ حُماةُ الحَيِّ يُخشى وراءَهُم ... قديماً وجيرانُ المخَافَةِ والأزلِ ويروى ونعم حماة الثغر، ويروى يُخشى رؤاؤهم. والرؤاء المنظر، الأزل الضيق. لقد قَوَّسَتْ أمُّ البَعيثِ ولم تَزلْ ... تُزاحِمُ عِلجاً صادِرَينِ على كِفِلِ قوست انحنت من حمل القرب، والكفل كساء يدار حول السنام ثم يُركب عليه. ترى العَبسَ الحَولَّي جَوناً بِكُوعِها ... لها مَسَكاً من غيرِ عاج ولا ذَبلِ ويروى جوناً تسوفه، ويروى لها مسك، العبس: ما جفّ من بول البعير على ذنبه وفخذيه، والكوع رأس الزند، والمسك جماعة مسكة وهي أسورة من عاج ومن قرون ومن ذبل، يلبسها الأعراب. وأنشد لأبي النجم في العبس: كأنّ في أذنابِهِنَّ الشُّوَّلِ ... مِن عَبَسِ الصيفِ قُرونَ الأُيِّلِ إذا لَقِيَتْ علجَ ابنِ صَمعاءَ بَايَعتْ ... بِشَقِّ استها أهلَ النِّباجِ وما تُغلي ابن صمعاء مولى لعبد الله بن عامر بن كريز، والنباج نباجان: النباج الذي بين مكة والبصرة للكريزّيين، والنباج الذي بين البصرة واليمامة، بينه وبين اليمامة غبّان لبكر بن وائل، والغب مسيرة يومين. لياليَ تنتابُ النِّباجَ وتبتغي ... مَراعِيهَا بينَ الجداوِلِ والنخلِ وهلْ أنتَ إلاّ نخبَةٌ مِنْ مجاشعٍ ... تُرى لِحيَةً في غيرِ دِينٍ ولا عَقلِ

النخبة المنخوب القلب الجبان، والنخبة أيضاً جلدة الاست، قال: إنَّ أباكَ كانَ عبداً جازِرَا ... ويأكُلُ النَّخبَةَ والمَشافِرَا بني مالكٍ لا صِدقَ عندَ مجاشعٍ ... ولكنّ حَظّاً من فياشٍ على دَخلِ الفياش الفخر بالباطل والطرمذة، فايش عليه طرمذ، والدخل الأمر الفاسد. وقد زَعموا أنّ الفرزدقَ حَيَّةٌ ... وما قتلَ الحَيَّاتِ مِنْ أحدٍ قبلي وروى أبو عبيدة وما مارس الحيات. وما مارَستْ من ذي ذُباب شَكيمَتي ... فيُفلَت فوتَ الموتِ إلا على خَبلِ شكيمته حدة نفسه ومضاؤه، خبل فساد واختلاج في بدنه من ذهاب يد أو رجل، وذباب حدة وجهل. ولمّا اتّقى القَينُ العِراقيُّ باستِهِ ... فَرغتُ الى القَين المُقَيَّدِ في الحِجلِ القين العراقي يريد البعيث، يقول: لما انهزم وولاني دبره هارباً، فرغت إلى الفرزدق. تميم يقولون فرِغت أفرَغ فَرَاغا، وقريش وأهل العالية يقولون فرغتُ أفرُغُ فُرُوغاً. رأيتُكَ لا تحمي عقالاً ولم تُرِدْ ... قِتالاً فما لاقيتَ شَرٌّ منَ القتلِ ولو كنتَ ذَارَأيٍ لما لُمتَ عاصِماً ... وما كانَ كُفؤاً ما لقيتَ مِنَ الفضل عاصم العنبري كان دليلاً فضلّ بالفرزدق.

ولمّا دَعوتُ العنبريَّ ببلدَةٍ ... إلى غير ماءلا قريبٍ ولا أهلِ ضَلِلَتَ ضَلالَ السامريِّ وقومِهِ ... دَعاهُم فظَلُّوا عاكفينَ على عِجلِ فلمّا رأى أنّ الصحارِيَ دُونَهُ ... ومُعتَلَجَ الأنقاءِ مِنْ ثَبَجِ الرملِ ثبج كل شيء وسطه والأنقاء جمع نقاً والنقا والرمل، ومعتلجه حيث لقي بعضه بعضا. بَلعتَ نَسيءَ العَنبريِّ كأنما ... تَرى بِنَسيءِ العنبريِّ جَنى النحلِ النسيء اللبن يُمذق بالماء، وإنما عنى هاهنا بوله، يقول: شربت بوله، وذاك الأصل. فأورَدَكَ الأعداءَ والماءُ نازِحٌ ... دليلُ امرِئ أعطى المَقادَةَ بالدَّحلِ روى أبو عقيل ألقى المقرة بالدحل، ويروى: علال امرئ ألقى المقرة بالدحل. وواحد الأعداء عِد وهو الماء القديم. ألمْ تَرَ أني لا تُبِلُّ رَميّتي ... فمن أرْمِ لا تُخطِئ مَقاتِلَهُ نَبلي يقال بَلّ وأبَلّ واستبلّ، لا يُبل لا يبرأ صاحبها. قال أبو عبيدة: فلما واقف جرير الفرزدق بالمربد طُلبا، فهرب الفرزدق وأُخذ جرير فحبس، وأُخذت نوار بنت أعين امرأة الفرزدق، فحُبست مع جرير، فزاد في هذه القصيدة جرير: فباتتْ نَوارُ القَينِ رِخواً حِقابُها ... تُنازِعُ ساقي ساقَها حَلقَ الحِجلِ تُقَبِّحُ ريحَ القَين لمّا تَناولت ... مَقَذَّ هِجانٍ إذ تُساوِفُهُ فَحلِ يريد مقذ هجان فحل، والمقذ ما خلف الأذن، والهجان الأبيض،

تساوفه تشامه يعني نفسه، قال أبو عبيدة وكان جرير عفيفاً. فأقسمتُ ما لاقيتِ قبلي منَ الهوى ... وأقسمتِ ما لاقيتِ مِن ذَكرٍ مثلي ويروى: فأقسمتُ ما لاقيتُ من قلبيَ الهوى ... وأقسمُ ما لاقيتِ من ذَكَرٍ قبلي قال أبو عبيدة: أُخبرت أنه كان أعفّ من ذلك. أبا خالد أبليتَ حَزماً وسُؤدَداً ... وكلُّ امرئٍ مُثنىً عليه بما يُبلي أبا خالدٍ لا تُشمِتَنَّ أعادياً ... يَودّونَ لو زالت بمَهلَكةٍ نَعلي وكان واليَ أهل البصرة. يفيشُ ابنُ حَمراءِ العِجانِ كأنهُ ... خَصِيُّ براذِينٍ تَقاعسَ في وَحلِ ويروى تقاعس في الوحل، يفيش يفخر بالباطل، تقاعس رجع إلى ورائه وكاع عن التقدم، ويروى بعد هذا البيت: إذا قالَ قد أغنَيتُ شيئاً رُويدَكُم ... أتَوهُ فقالوا لستُ بالحَكمِ العَدل فأخزى ابنُ حمراءِ العِجانِ مجاشعاً ... وما نالتِ المجدَ الدِّلاءُ التي يُدلي فأجابه الفرزدق فكانت أول قصيدة هجا بها جريراً ويهجو البعيث: ألمْ ترَ أني يومَ جَوِّ سُويقَة ... بَكَيتُ فَنادَتني هُنيدَةُ مالِيا فقلتُ لها إنَّ البُكاءَ لرَاحَةٌ ... بهِ يَشتَفي مَنْ ظنَّ أنْ لا تَلاقيا قفي ودِّعينا يا هُنيدَ فإنني ... أرى الحَيَّ قد شامُوا العَقيقَ اليَمانيا

العقيق واد لبني عامر بن صعصعة مما يلي اليمن في أعلى نجد، شاموا نظروا إلى البرق أين مصابه فينتجعونه، ويقال العقيق البرق، ويروى أمّوا العقيق. قَعِيدَكُما اللهَ الذي أنتُما لَهُ ... ألمْ تَسمعا بالبَيضَتينِ المُنادِيا قعيدكما قسم كأنه قال: بعبدتكما الله الذي أنتما له عبدان من المقاعدة، وأنشد: قَعيدَكِ ألا تُسمِعِيني مَلامَةً ... ولا تَنكَئِي قَرحَ الفُؤادِ فَيَيجَعَا والبيضتان أراد البيضة فثنى بغيرها، كما قالوا برامتين، والبيضة بالصّمّان لبني دارم، والبيضة مكسورة بالحزن لبني يربوع قريبة من واقصة. حَبِيباً دَعا والرَّملُ بَيني وبَينَهُ ... فأسَمَعَني سَقياً لذلكَ داعِيا يقول إنما حدّث نفسه بها فكأنه توهّم أنها دعته فكانَ جوابي أن بكيتُ صَبابَةً ... وفَدَّيتُ مَن لو يستطيعُ فَدانِيا روى أبو عمرو فكان ثوابي، وأبو عبيدة جوابي. إذا اغرَورَقت عَينايَ أسبَلَ منهُما ... إلى أن تغيبَ الشِّعريَانِ بُكائِيا اغريراق العين امتلاؤها بالماء قبل أن تفيض، والشعريان الشِّعرى الغُميصاء، والشّعرى العبور، وهي التي تقطع المجرّة، والغُميصاء

إحدى ذراعي الأسد، وهي الذراع المقبوضة، والذراع المبسوطة، كوكبان قدر سوط، والذراع المقبوضة بحذائها على قدر رمحين عرضاً في السماء. لِذِكرَى حَبيبٍ لم أزَلْ مُذ هَجرتُهُ ... أعَدُّ لهُ بعدَ الليالي لَياليا ويروى مُذ تركته، ويروى مذ ذكرته. أراني إذا فارقتُ هِنداً كأنني ... دوَاسَنَةٍ مما التقى في فُؤادِيا ويروى أخو سنة دوى سقيم، يقال رجل دوى، وامرأة دوى، وقوم دوى، ونسوة دوى، واحد. وكذلك في التثنية على لفظ واحد وهو السقيم، ويروى مما أجن فؤاديا. دَعاني ابنُ حمراءِ العجانِ وام يجدْ ... لهُ إذ مُستَأخَراً عن دُعائِيا يعني البعيث، ويروى إذ دعانيا. فنَفَّستُ عن سَمَّيهِ حتى تَنَفسَّا ... وقلتُ لهُ لا تَخشَ شيئاً ورائِيا سماه منخراه، وكل خرق فهو سَم وسُم. يقول أعتقته وأنقذته من جرير. أرَحتُ ابنَ حمراءِ العِجانِ فعَرَّدَتْ ... فقارَتُهُ الوُسطى وإنْ كانَ وانِيا عرّدت اشتدت، عردت قويت أي صارت عردة، والعرد الشديد، وأراد أنه اشتد ظهره، وانياً يعني فاتراً ضعيفاً، يقال: ونى يني ونياً

وونيّا إذا فتر، قال أبو عبد الله: سألت أبا العباس عن ونى، هل يكون. من فتور في خلقة الإنسان أم يفتر قاصداً؟ فأجازه فيهما جميعاً، قال أبو عبد الله ونى ونية. فإن يدعُني باسمي البَعيثُ فلم يجدْ ... ليماً كفى في الحربِ ما كانَ جانيا فألقِ استَكَ الهَلبَاءَ فوقَ قَعُودِها ... وشَيِّعْ بها واضمُمْ إليكَ التواليا الهلباء الشعراء، وشيّع بها ادع بها، والشياع الدعاء، هاهنا الهاء لأم البعيث، يريد أن أمك راعية فاركب قعودها، وافعل فعلها، والتوالي المتأخرات. قَعُودِ التي كانت رَمَتْ بِكَ فَوقَهُ ... لها مَدْلَكٌ عاسٍ أمِلَّ العَراقِيا وما أنتَ منّا غيرَ أنكَ تدَّعي ... إلى آل قُرط بعدَ ما شِبتَ عانيا ويروى لها مدلك قذر أمل، مدلك يعني البظر، عاس غليظ جاف، واسمه النوف أيضاً إذا طال، وإذا غلظ فهو العرون، ومن أسمائه أيضاً العُناب والخنتب والعنبل، والعراقي يريد عراقي القتب، والعراقي خشبتان تجمعان ذئب القتب، وذئبه أعالي أحنائه. قرط بن سفيان بن مجاشع، والعاني هاهنا العبد والخادم. تكونُ معَ الأدنَى إذا كنتَ آمناً ... وأُدعى إذا غَمَّ الغُثاءُ التَّراقيا الغثاء ما علا من الماء مما يحمله السيل من الشجر وغيره، وهذا مثل، يقول: إذا امتلأ الوادي فعلا الغثاء وصار إلى التراقي، وبلغ الأمر أشده دُعيت أنا.

عَجِبتُ لَحِينِ ابنِ المَراغَة أنْ رأى ... لهُ غَنما أهدى إليّ القوافيا وهلْ كانَ فيما قد مضى مِن شَبيبتي ... لهُ رُخصَةٌ عندي فيرجُو ذَكائيا الذكاء تمام نبات الأسنان، والمعنى يقول لم تطمع فيّ وأنا شاب غمر، فكيف تطمع فيّ وقد أسننت!. ألمْ أكُ قد راهنتُ حتى عَلِمتُمُ ... رِهاني وخَلّتْ لي مَعدٌّ عِنانيا وما حَمَلتْ أمُّ امرِئ في ضُلوعِها ... أعَقَّ مِنَ الجاني عليها هِجائيا وأنت بِوادي الكَلبِ لا أنتَ ظاعِنٌ ... ولا واجدٌ يا بنَ المَراغَةِ بانيا وادي الكلب شر المنازل، أي ليس عليك بناء ولا عريش، كما أن الكلب مصحر في غير بناء. إذا العَنزُ بالَتْ فيهِ كادَتْ تُسيلُهُ ... عليكَ وتُنفَى أن تَحُلَّ الروابيا أي من ضيقه وخُبث ترابه، والروابي ما أشرف من الأرض حيث لا يناله السيل عليكُمْ بتَربيقِ البِهامِ فانّكُم ... بأحسابِكُم لن تستطيعوا رِهانيا البهام العُنوق والجداء واحدها بهمة. والتربيق أن تربط في ربق، والربق حبل ممدود في وتدين، وفيه حبال قصار تشد بها الغنم. وكيفَ تَنالُونَ النُّجومَ وكُنتمُ ... خُلِقتُم فِقاحاً لم تكونوا نَواصيا النجوم يعني أباه وأجداده، ويروى وأنتم. بِأيِّ أبٍ المَراغةِ تبتغي ... رهاني إلى غايات عَمِّي وخَاليا

رهاني مسابقتي، عمه من بني دارم، وخاله العلاء بن قرظة الضبي. هَلُمَّ أباً كابني عِقالٍ تَعدُّهُ ... ووادِيهما يابنَ المَراغةِ وادِيا ابنا عقال ناجية وحابس ابنا عقال، وأم غالب بن صعصعة ليلى بنت حابس ابن عقال أخت الأقرع بن حابس. تجدْ فَرعَهُ عندَ السماء ودارِمٌ ... منَ المجدِ منهُ أترَعتْ لي الجَوابيا بَنى لي به الشيخانُ مِن آل دارمٍ ... بناءً يُرى عندَ المجرَّةَ عاليا الشيخان جماعة شيخ، يقال شِيخ وأشياخ إلى العشرة، وشِيوخ وشُيوخ وشِيخان ومشيخة سواء، ومَشيُخة ومَشيخَة وشِيخة ومشيوخاء، وروى المفضل بنى لي به الشيخان بفتح الشين، وقال: هما ناجية وحابس ابنا عقال، به بالوادي وإن شئت بالمجد. فأجابه جرير: ألا حَيِّ رَهبى ثمَّ حَيِّ المَطالِيا ... فقد كانَ مأنوساً فأصبحَ خالِيا رهبي موضع، والمطالي موضع. مأنوس حيث الأهل، خال قفر. فلا عهدَ إلاّ أن تَذَكَّرَ أو تَرى ... ثُماماً حوالي مَنصِبِ الخَيمِ بَاليا الخيم جمع خيمة، والثمام شجر، ويروى باقيا. ألا أيها الوادي الذي ضمَّ سيلُهُ ... إلينا نَوى ظَمياءَ حُييِّتَ وادِيا

يقول: أنبت ماء هذا الوادي عُشبا، فانتجعته ظمياء وأهلها فأقاموا فيه فالتقينا به. إذا ما أرادَ الحَيُّ أن يَتَزَيَّلُوا ... وحَنَّتْ جمالُ الحَيِّ حَنَّتْ جِماليا فيا ليتَ أنَّ الحَيَّ لم يتفرَّقوا ... وأمسى جميعاً جِيرَةً مُتَدانيا إذا الحَيُّ في دارِ الجميعِ كأنما ... يكونُ علينا نِصفُ حَولٍ لَياليا يقول: نحن في سرور، فالدهر يقصر علينا. إلى الله أشكو أنّ بالغَورِ حاجَةً ... وأخرَى إذا أبصَرتُ نَجداً بَدالِيا نظرتُ برَهبيَ والظَّعائِنُ باللِّوَى ... فطارت برهبيَ شُعبَةٌ مِن فُؤادِيا وما أبصَرَ النارَ التي وضَحَتْ لهُ ... وراءَ جُفافِ الطير إلا تمارِيا جفاف الطير جبل، وروي خُفاف أيضاً وهو موضع. وكائن ترى في الحيِّ من ذي صداقةٍ ... وغيرَانَ يدعو ويلَهُ مِن حذارِيا إذا ذُكِرتْ ليلى أُبيحَ ليَ الهوى ... على ما ترى مِن هجرتي وأجتنابيا خليليَّ لولا أنْ تظُنَّا بي الهوى ... لقلتُ سَمعنا مِنْ عُقيلَةَ داعِيا قفا فاسمَعا صوتَ المُنادي لعلهُ ... قريبٌ وما دانيتُ بالظنِّ دانيا إذا ما جعلتُ السِّيَّ بيني وبينها ... وحَرَّةَ ليلى والعقيقَ اليمانيا رَغِبتُ إلى ذي العرشِ مولى مُحمَّدٍ ... ليَجمعَ شَعباً أو يُقرِّبَ نائِيا ويروى دعوت إلى ذي العرش رب محمد، عليه الصلاة والسلام، الشعب الحي والنائي البعيد.

اذا العرشِ إني لستُ ما عْشتُ تاركاً ... طِلابَ سُلَيمى فأقضِ ما أنتَ قاضيا ولو أنها شاءَتْ شَفتنِي بهَيِّنٍ ... وإنْ كانَ قد أعي الطبيبَ المُداويا سأترُكْ للزُّوارِ هِنداً وأبتغي ... طبيباً فيُغنيني شفاءً لِمَا بيا فإنّكِ إن تُعطي قليلاً فَطالما ... مَنعتِ وحَلأتِ القلوبَ الصَّوادِيا حلأت منعت. والصوادي العطاش. دُنُوَّ عِتاقِ الخيلِ للزَّجرِ بعدما ... شَمسْنَ وولَّينَ الخُدودَ العَواصِيا يقول: شمست ثم دنت وعادت. إذا اكتَحَلتْ عيني بعينكِ مسَّني ... بخيرٍ وجلَّى غَمرَةً عن فؤاديا ويأمُرُني العُذَّالُ أن أغلِبَ الهوى ... وأنْ أكتُمَ الوجدَ الذي ليسَ خافيا فيا حَسراتِ القلبِ في إثرِ مَنْ يُرى ... قريباً وتَلقى خيرهُ منكَ قاصيا تُعيِّرُني الإخلافَ ليلى وأفضَلتْ ... على وصلِ ليلى قوّةٌ مِن حِباليا فقولا لِوَاديها الذي نَزلتْ بهِ ... أوَاديَ ذي القَيصُومِ أمرَعتَ واديا فقد خِفتُ أن لا تجمعَ الدارُ بيننا ... ولا الدهرُ إلا أن تُجِدَّ الأمانيا ألا طَرَقتْ شعثاءُ والليلُ مُظلِمٌ ... أحَمَّ عُمانِيا وأشعَثَ ماضيا الأحم الأسود، عماني رجل منسوب إلى عمان، وأشعث يعني نفسه، ماضيا يريد ماضياً على ما يريد ويهم به. لدى قَطَرِيَّاتٍ إذا تَغَوَّلتْ ... بِنا البِيدُ غاوَلنَ الحُزُومَ القَياقِيا

قطريات إبل منسوبة إلى قطر وهي أرض بالبحرين، وتغوّلت تباعدت، والحزوم جماعة حزم، وهو ما أشرف من الأرض وغلظ، والقياقي الواحدة قيقاة وهي أرض صُلبة، ويروى تغاولت. تَخَطّى إلينا مِن بعيدٍ خَيالُها ... يخوضُ خُدارياً مِنَ الليلِ داجِيا الخداري الأسود يعني الليل، وداج مظلم. فحُييتَ مِن سارٍ تكلَّفَ مَوهِنا ... مَزاراً على حاجةٍ مُتراخيا موهناً بعد ساعة من الليل. يقولُ ليَ الأصحابُ هل أنتَ لاحقٌ ... بأهلِكَ إنّ الزَّاهِريّةَ لاهيا الزاهرية امرأة لاهيا ليس إليها سبيل، يعني ليست هي التي عهدت. لَحِقتُ وأصحابي على كلِّ حُرّةٍ ... وخُودٍ تُباري الأحبَشيَّ المُكاريا حرة كريمة، والأحبشي الظل، والأخنسي وهو ضرب من النجائب، وتباري تعارض، والمكاري الذي يكرو في مشيته يثب وثباً، وخود يعني تجد في مشيها، وهو ضرب من السير، ويروى الأحمسي، والأحمسي الحادي المنكمش، وقال بن الأعرابي .. تَرامَين بالأجوازِ في كُلِّ صَفصَفٍ ... وأدنَينَ مِن خَلجِ البُرينَ الذُفَّارِيا الأجواز الأوساط، والصفصف القاع المستوي، وخلج جذب، والبرين

جمع برة وهي حلقة من صفر في أنف البعير، والذفريان ما عن يمين العنق وشماله. إذا بَلَّغتْ رَحلِي رَجيعٌ أمَلَّها ... نُزُوليَ بالموماةِ ثمّ ارتِحالِيا مُخَفِّقَةً يهوي على الهولِ رَكبُها ... عِجالاً بِها ما يَنظُرونَ التّواليا مخففة مفازة تلمع بالسراب، والتوالي المستأخرات. تخال بِها ميتَ الشُخِّاصِ كأنّهُ ... قَذى غَرقٍ يُضحِى بهِ الماءُ طافيا الشخاص جمع الشخص، يعني أن السراب يحرك الشخص الميت وتراه طافياً فوق السراب كأنه قد غرق وطفا. يَشُقُّ على ذي الحِلمِ أن يتبعَ الهوى ... ويرجوَ مِنْ أدناهُ ما ليسَ لاقيا ويروى لشقّ، يقول: الحليم يشق عليه أن يتبع الهوى، والأدنى الأقرب، يريد عمه، يقول: ما أكثر من يرجو من أقاربه مالاً يناله، وإنما يعاتب عمه في هذه القصيدة، وعده بشيء فلم يفِ له به. وإتِّي لَعَفُّ الفَقرِ مُشترَكُ الغنَى ... سريعٌ إذا لم أرضَ داري انتِقاليا وإني لأستَحيِيكَ والخَرقُ بيننا ... منَ الأرضِ أن تَلقَى أخاً لي قَالِيا وقائلةٍ والدَّمعُ يَحدُرُ كُحلَها ... أبعَدَ جَريرٍ تُكرمُونَ المواليا

فَرُدِّي جِمالَ الحَيِّ ثمّ تَحمَّلي ... فمالكِ فيهم مِنْ مُقامٍ ولا لَيا تعرَّضتُ فاستَمرَرتِ من دونِ حاجتي ... فحالَكِ إني مُستمرٌ لحاليا وإني لَمَغرورٌ أعَلَّلُ بالمُنى ... لياليَ أرجو أنّ مالكِ ماليا فأنتَ أبي ما لم تكُن لي حاجةٌ ... فانْ عَرضتُ فإنني لا أباليا بأيِّ نِجادٍ تحملُ السيفَ بعدما ... قطعتَ القُوى من مِحملٍ كانَ باقيا النجاد حمائل السيف. يقال: حمائل ومحامل. بأيِّ سنانٍ تطعُنُ القومَ بعدما ... نَزعتْ سِناناً مِنْ قَناتِكَ ماضيا ألم أكُ ناراً يَصطَليها عَدُوُّكم ... وحِرزاً لِما ألجأتُمُ مِن ورائيا وباسِطَ خيرٍ فيكُمُ بيمينهِ ... وقابِضَ شرٍّ عنكُمُ بشماليا ألا لا تخافا نَبوتي في مُلِمَّةٍ ... وخافا المَنايا أن تفوتَكُما بيا أنا ابنُ صَريحَي خِندفٍ غيرَ دِعوَةٍ ... يكونُ مكانَ القلبِ منها مَكانيا يعني مدركة وطابخة ابني اليأس بن مضر، ومدركة اسمه عمرو، واسم طابخة عامر، لقب مدركة لأنه أدرك صيداً صاده لأبيه، فلقبه مدركة أبوه، وسمي طابخة لطبخه الصيد لأبيه. وأمهما خندف واسمها ليلى بنت عمران بن الحاف بن قضاعة، وسميت خندف لأنها طلبت ابنيها فلما رأتهما قالت: لم أزل أخندف منذ اليوم، فسماها زوجها خندف، والخندفة ضرب من المشي. وليسَ لسيفي في العِظامِ بقيّةٌ ... وللسَّيفُ أشوَى وقعَةً من لسانيا جَريءُ الجَنان لا أهالُ منَ الرَّدى ... إذا ما جعلتُ السيفَ من عَن شِماليا

الجنان القلب. يقول: السيف أحسن بقية وأسلم، إذا وقع من لساني، وذاك أن الشوى غير المقتل، وأصل ذلك أن السهم يمر بين الشوى، والشوى القوائم. أبالموتِ خشّتني قُيُونُ مُجاشعٍ ... وما زِلتُ مَجِنياً عليُهِ وجانِيا فما يسَّرَتْ عندَ الحِفاظِ مُجاشِع ... كريماً ولا من غايةِ المجدِ دانِيا دَعُوا المجدَ إلا أن تَسُوقُوا كَزُومَكُم ... وقَيناً عِراقيّاً وقيناً يمانيا الكزوم الناقة المسنة، يقول: ليس لكم فخر إلا بعقر غالب الناقة التي عقرها يوم عاقر سحيم بن وثيل الرياحي. القين الحداد هاهنا، وقوله وقيناً عراقيا يعني البعيث، وقيناً يمانيا يعني الفرزدق، وإنما قال ذلك لموضع منازلهم، كما قال النابغة الذبياني: وكنتَ أمينَهُ لو لم تَخُنهُ ... ولكن لا أمَانَةَ لليماني وإنما يعني النابغة يزيد بن الصعق الكلابي، وكان منزله قريبا من منازل الحارث ابن كعب. تَراغَيتُمُ يومَ الزبيرِ كإنّكُم ... ضباعٌ بِذي قارٍ تمنّى الأمانيا يقول: لم يكن لكم نكير يوم قتل الزبير إلا الرغاء حين أخفر ذمتكم عمرو ابن جرموز، يقول: دُنستم كدنس الفواجر يوم غدركم بالزبير،

وقوله تمنى الأمانيا، فإن الضبع إذا أرادوا صيدها وهي في وجارها قالوا: خامري أم عامر، أبشري أم عامر بجراد عظال، وكمر رجال. فلا تزال يقال لها ذلك حتى يدخل عليها الرجل، فيربط يديها ورجليها ويكعمها ويجرها، وليست لها حيلة. وقوله: خامري أي استكني، والجراد العظال إذا أراد أن يسرأ بيضه، ركب بعضه بعضاً، وأصل هذا أن المعاظلة سفاد السباع، يسرأ يغرّز بيضه، وقوله وكمر رجال، يزعمون أن الضبع إذا وجدت قتيلاً قد انتفخ جردانه وأنعظ، ألقته على قفاه، ثم ركبته، فتستعمله حتى يلين ويسترخي ومن ذلك قوله: تبيتُ به عُرجُ الضِّباعِ عَرائِسا وآبَ ابنُ ذَيَّالٍ بأسلابِ جارِكُمْ ... فسُمِّيتُمُ بعدَ الزبيرِ الزَّوانِيا ابن ذيال يعني عمرو بن جرموز بن الذيال، قاتل الزبير بن العوام، رضي الله عنه. إذا سَرَّكُمْ أن تمسَحُوا وجهَ سابقٍ ... جوادٍ فَمُدُّوا وابسُطُوا مِن عنانيا فقال البعيث للفرزدق لما وقع الشر بينه وبين جرير، وجعلا لا يلتفتان إلى البعيث، فقال الناس: سقط البعيث: أشارَكتَني في ثَعلبٍ قد أكلتُهُ ... فلم يبقَ إلا رأسُهُ وأكارِعُهْ فدُونكَ خُصيبَهْ وما ضَمّت استُهُ ... فإنكَ قَمّامٌ خبيثٌ مراتِعُهْ ويروى فإنك درام، والدرام القصير القوائم المقارب الخطو.

والقمام الكساح، والقمامة الكساحة والسباطة والخمامة والكناسة وقال البعيث لبني عقال بن محمد سفيان في شيء كان بينه وبين الفرزدق: وإني لأستبقيكُمُ ولقد أرى ... لَبئسَ الموالي لو يَرِقُّ لكم عَظمي همُ استنقَذُوا مني الكُليبيَّ بعدما ... هَوى بينَ أنيابٍ شَبَكنَ مِنَ اللُّخمِ اللخم سمكة كبيرة يقال لها جمل البحر. فلقي البعيث ناجية بن صعصعة أخو غالب أبي الفرزدق، فقال له ناجية: أنت المعيّرنا بأعين، والشاتم أعراضنا، والملقي ذنبك علينا. وقد مننا عليك، ورمينا دونك، إذ كلّت مراميك؟ فقال البعيث لناجية بن صعصعة في ذلك: أناجِيَ إني لا إخالُكَ ناجياً ... ولا مُفلَتي إلا رَكوباً مُوَقَّعا موقع به آثار الدبر، ركوب ذلول. أناجيَ قد عُدَّ اللئامُ فلا أرى ... مِنَ الناسِ أدنى مَنْ أبيكَ وأوضَعا تمنَّيتُمُ أن تَشتِمُونا وتُترَكوا ... أصَعصَعَ للنَّوكِ المُضلّل صَعصَعا معناه تعجّبوا لصعصعة، قال: ومن هذا الباب لإيلاف قريش، معناه تعجبوا. وما تَركَ الهاجُونَ لي في أديمكُم ... مَصَحّاً ولكني أرى مُترَقّعا

قال أبو عبيدة فلم يزل الفرزدق وجرير يتهاجيان حتى هلك الفرزدق. وقال الفرزدق: إنّ الذي سَمكَ السّماءَ بَنى لنا ... بيتاً دَعائمُهُ أعَزُّ وأطوَلُ سمك السماء رفعها سمكها يسمكها سمكا، قال أبو عثمان، وحدّثني الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، قال: كنت باليمن فأتيت دار قوم أسأل عن رجل، فقال رجل اسمك في الريم، أي اعل في الدرجة - قال والريم بكلامهم الدرجة - والمسماك العمود الذي يقيم البيت، وقال ذو الرمة يصف الظليم: كأنّ رِجلَيهِ مِسمَاكَانِ مِن عُشَرٍ ... صَقبانِ لم يَتقشَّرْ عنهما النَّجَبُ الصقب الطويل، ودعائم البيت العيدان التي تقيمه، وقوله أعز وأطول أراد أعز وأطول من بيتك، فلما صار في موضع الخبر استغنى عن من لقوة الخبر، وخرج مخرج الله أكبر الله أعلى وأجل. وفي كتاب الله جل وعز {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} وقوله تعالى {إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} أي من كذا مما يقولون. قال أبو جعفر: سمعت في التفسير في قوله تعالى {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} يعني يوم القيامة أدهى، وأمر يعني من يوم بدر، وقوله {إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} أي وأحسن تفسيراً من مثلهم. بَيتاً بنَاهُ لنا المليكُ وما بَنى ... حَكمُ السماءِ فإنهُ لا يُنقَلُ

إنما يريد بيت شرف وعز، وهذا مثل، ويروى ملك السماء، ويروى رب السماء. بَيتاً زُرارَةُ مُحتَبٍ بفِنائِهِ ... ومجاشِعٌ وأبُو الفوارسِ نَهشَلُ قوله زرارة يعني زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك، ومجاشع بن دارم، ونهشل بن دارم. قال أبو عبد الله سمعت بعض ولد عطارد ابن حاجب بن زرارة يقول: ليس في العرب إلا عدس بفتح الدال إلا في تميم فانه عدس بضمها. يَلِجُونَ بيتَ مجاشِعٍ وإذا احتَبَوا ... بَرَزوا كأنهمُ الجِبالُ المُثّلُ يلجون يدخلون، وهو من قول الله عز وجل {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} ولَج يلِج ولوجاً، والمُثل المنتصبة المقيمة لا تبرح، يريد الجبال يشبههم بالجبال الراسيات، والماثل من الأضداد مثل ثبت وانتصب، ومثل درس. لا يَحتبي بِفِناءِ بَيتِكَ مِثلُهُم ... أبداً إذا عُدَّ الفَعالُ الأفضلُ مِن عِزِّهم جَحَرَتْ كُليبٌ بيتَها ... زَرباً كأنهمْ لديه القُمَّلُ ويروى من عزه اجتحرت كليب عنده، ويروى احتجزت وانحجزت من الانحجاز، ويروى احتجرت من الحُجرة واجتحرت من الجحر، جحرت دخلت زرباً كأنه جُحر، والزرب حفيرة تتخذ تحبس فيها العنوق والجداء، والقمّل أصغر من الجراد، وانجحرت أيضا من الانجحار في الزرب. ضَربتْ عليكَ العَنكبُوتُ بنَسجِها ... وقضى عليكَ بهِ الكتابُ المُنزَلُ

قوله ضربت عليك العنكبوت بنسجها، يعني أن جريراً في الوهن والذل كبيت العنكبوت. أينَ الذينَ بِهم تُسامي دارِماً ... أم مَن إلى سَلفي طُهيّةَ تجعلُ طهية بنت عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم، كانت عند مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد، فولدت له أبا سود وعوفاً وحشيشاُ، فغلبت على بنيها فنُسبوا إليها. يمشُونَ في حَلَقِ الحديدِ كما مَشتْ ... جُربُ الجِمالِ بِها الكُحَيلُ المُشعَلُ الكحيل القطران، وحلق الحديد الدروع، شبه الرجال لعظمهم ولون الحديد عليهم بالجمال المهنوءة بالقطران، والمشعل الحديدة التي يحرق بها الجلد، ويروى كأنهم. والمانِعُونَ إذا النساءُ تَرادَفتْ ... حَذَرَ السِّباءِ جمالُها لا تُرحَلُ ويروى تُردّفت ويروى جمالها والرفع بقوله لا تُرحل، وترادفت ركب بعضهن خلف بعض، يقول إذا كانت الغارة فزعت النساء فركبت الجمال أعراء لا تُرحل للعجلة كما قال الشاعر: وأعرَورَتِ العُلُطَ العُرضِيَّ تَركُضهُ ... أمُّ الفوارسِ بالدِّيداء والرَّبَعَهْ يريد الدأدأة، اعرورت ركبت البعير عريا للعجلة، والعلط الذي لا أداة عليه مثل العُطل، والعُرضي الذي فيه اعتراض وصعوبة، وقال: أم الفوارس، يقول: فإذا كانت أم الفوارس هكذا فغيرها أخوف، والديداء والربعة من أشد العدو، وليس بعدهما إلا الفلقة وهي أشد العدو، ويقال: مر البعير يفتلق إذا عدا عدو الخيل ويربع من الربعة.

يحمي إذا اختُرِطَ السيوفُ نساءَنا ... ضَربٌ تَخِرُّ لهُ السواعِدُ أرعَلُ قوله تخر له السواعد أي تسقط، أرعل مسترخ مائل، وإنما يريد أنه يميل ما قطع فيسترخي، وفي مثل للعرب، زادك الله رعالة كما زدت مثالة؛ رعالة استرخاء ومثالة مصدر من قولك هذا أمثل من هذا. ومُعَصَّبٍ بالتّاجِ يَخفِقُ فوقَهُ ... خِرَقُ الملُوكِ لهُ خميسٌ جَحفَلُ خرق الملوك يعني الرايات، والخميس الجيش الضخم، والجحفل الكثير الخيل. لا يقال جحفل إلا لما فيه الخيل. مَلِكٌ تَسُوقُ لهُ الرِّماحَ أكُفُّنا ... منهُ نَعُلُّ صُدورَهُنَّ ونُنهِلُ ويروى تُعل وتُنهل، منه الهاء للملك، ونعل صدورهن من الدم، ونُنهل الإنهال الطعن الأول والعلل الطعن الثاني، وأصل هذا في الشرب أو السقي. قد ماتَ في أسَلاتِنا أو عَضَّهُ ... عَضبٌ بِرَونَقِهِ المُلوكُ تُقَتَّلُ الأسلات الرماح هاهنا، وعضب سيف قاطع، ورونقه فرنده، والأسل نبات أيضاً. ولنا قُراسيَةٌ تَظَلُّ خَواضِعاً ... منهُ مَخافَتَهُ القُرومُ البُزَّلُ

القراسية الضخم الغليظ من الإبل، والبزل الواحد بازل وهو الذي نبت نابه. مُتَخَمِّطٌ قَطِمٌ لهُ عاديَّةٌ ... فيها الفَراقِدُ والسِّماكُ الأعزَلُ متخمط متغضب في كبر، قطم هائج يقال قطم الفحل يقطم قطماً، وعادية أولية قديمة، فيها الفراقد والسماك الأعزل أي لنا عز وشرف عال كمكان النجوم التي لا تُنال. ضَخمُ المَناكِبِ تحتَ شَجرِ شُؤوُنِهِ ... نابٌ إذا ضَغَمَ الفُحولَةَ مِقصَلُ شجره مجتمع لحييه والشؤون ملتقى قبائل الرأس الواحد شأن، ضغم عض، مقصل مقطع. وإذا دَعوتُ بني فُقَيمٍ جاءَني ... مَجرٌ لهُ العددُ الذي لا يُعدَلُ فقيم بن جرير بن دارم بن مالك، مجر جيش له عدد كثير، ويروى مدد، ويروى لا يُخذل، وروى أبو سعيد مجد، قال وهو أجود، والمجد الشرف. وإذا الرُبَّائِعُ جاءَني دُفَّاعُها ... مَوجاً كأنهمُ الجَرادُ المُرسَلُ الربائع ثلاثة: ربيعة الكبرى وهو ربيعة بن مالك بن زيد مناة الذي يلقب ربيعة الجوع، وهم رهط علقمة بن عبدة الشاعر. وربيعة الوسطى، وهو ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد، وهم رهط المغيرة بن حبناء الشاعر، ورهط أبي بلال مرداس بن أدية وعروة بن أدية. وربيعة الصغرى، وهو ربيعة بن مالك بن حنظلة وهم رهط الحنتف بن السجف، وكل واحد من الربائع عم صاحبه، والدُّفّاع دُفّاع

السيل حين يكثر ويمتد، شبه كثرة الرجال بالسيل حين يدفع. هذا وفي عَدَوِيَّتي جُرثُومَةٌ ... صَعبٌ مَناكِبُها نِيافٌ عَيطَلُ ويروى ضخم مناكبها، العدوية فكيهة بنت مالك بن جل بن عدي بن عبد مناة بن أد وكانت عند مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة، فولدت له ثلاثة صدياً وزيداً ويربوعاً، فغلبت على بنيها فنُسبوا إليها، والجرثومة تراب تجمعه الريح في أصل شجرة فيرتفع على ما حوله. وقوله صعب مناكبها يعني نواحيها. نياف طويلة مشرفة، عيطل طويلة. وإذا البَراجِمُ بالقُرومِ تَخاطَروا ... حولي بأغلَبَ عِزُّهُ لا يُنزَلُ البراجم من بني حنظلة بن مالك بن زيد وهم خمسة: قيس، وغالب، وعمرو، وكلفة، والظليم. تبرجموا على سائر إخوتهم يربوع بن حنظلة، وربيعة بن حنظلة، ومالك بن حنظلة، قالوا نجتمع فنصير كبراجم الكف، والبراجم رؤوس الأشاجع التي هي أصول الأصابع، والقروم الفحول تخاطروا كما تخطر الفحول بأذنابها إذا تهدد بعضها بعضاً، والأغلب الغليظ العنق. وإذا بذَختُ ورايتي يمشي بها ... سُفيانُ أو عُدُسُ الفَعالِ وجَندَلُ البذخ التفخر في كبر، وسفيان بن مجاشع بن دارم. وعدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، وجندل بن نهشل بن دارم. وبنو دارم ستة: عبد الله، ومجاشع، ونهشل، وأبان، وجرير، ومناف، وبنو نهشل ستة، منهم جندل، وصخر، وجرول - وهؤلاء الثلاثة يسمون الأحجار - وقطن وزيد وأُبير.

الأكثَرُونَ إذا يُعدُّ حَصاهُمُ ... والأكرَمُونَ إذا يُعدُّ الأولُ وزَحَلتَ عن عَتَبِ الطريقِ ولم تجدْ ... قَدماكَ حيثُ تقومُ سُدَّ المَنقَلُ العتب الغلظ في ارتفاع، والمنقل الطريق في الجبل. إنّ الزِّحامَ لغيرِكُم فتَجَنَّبوا ... وِردَ العَشِيِّ إليهِ يخلو المَنهلُ ويروى شرب العشي، هذا البيت مثل، وهذا مثل قول النجاشي لابن مقبل: ولا يَرِدُونَ الماءَ إلا عَشيّةً ... إذا صَدرَ الوُرَّادُ عن كُلِّ مَنهلِ وذلك لضعفهم، وإنما المعنى في هذا أنه يقول: إنهم إنما يُسقون من فضل غيرهم. حُلَلُ المُلوكِ لِبَاسُنا في أهِلنا ... والسابِغاتِ الى الوَغى نَتَسربَلُ الحلة إزار ورداء، نتسربل نتقمّص والسرابيل القميص، وهو من قول الله عز وجل {سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ}. أحلامُنا تَزِنُ الجِبالَ رزانَةً ... وتَخالُنا جِنّاً إذا ما نَجهَلُ فادفَعْ بكَفِّكَ إنْ أردتَ بِنَاءَنا ... ثَهلانَ ذا الهَضباتِ هل يتحلحلُ ثهلان جبل، هل يتحلحل هل يزول ويتحرك فكذلك نحن. وأنا ابنُ حَنظلةَ الأغرُّ وإنني ... في آل ضَبّةَ للمُعَمُّ المُخوَلُ حنظلة بن مالك بن زيد، والمعم المخول الكريم الأعمام والأخوال. وأم

الفرزدق لينة بنت قرظة من بني السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة، والأغر المشهور بالعز والشرف. فَرعان قد بلغَ السماءِ ذُراهُما ... وإليهما من كلِّ خَوفٍ يُعقَلُ يعقل يُلجأ، وذروة كل شيء أعلاه. فلئنْ فَخرتُ بِهم لمِثلُ قديمهِم ... أعلُو الحَزُونَ بهِ ولا أتسَهّلُ الحزون ما غلظ من الأرض، والسهل ما سهُل. زَيدُ الفوارسِ وابنُ زَيدٍ منهُمُ ... وأبوُ قَبيصَةَ والرَّئيسُ الأولُ زيد الفوارس هو زيد بن حصين بن ضرار بن رُديم، واسم رديم عمرو، وإنما سمي رديم لأنه كان يُحمل على بعيرين يُقرن بينهما من ثقله وأبو قبيصة ضرار بن عمرو بن زيد بن الحصين بن زيد بن صفوان، أخو بني ثعلبة بن سعد بن ضبة، والرئيس الأول محلم بن سويط من بني ثعلبة ابن سعد بن ضبة. زيد الفوارس بن حصين بن ضرار، وإنما سمي زيد الفوارس لأن قوماً غازين مروا بحصين أبيه، وكان شيخاً كبيرا، فسألوه عن نسبه، فقال: أنا الحصين، وكانوا يطلبونه بثأر، فدفع إليهم سيفه فقال: اضرب الرأس فإن النفس فيه، فقتلوه ومضوا، وأُخبر بذلك زيد فخرج في طلبهم فلحقهم، فوالى بين سبعة فوارس فسمي بذلك زيد الفوارس. أوصى عَشِيّةَ حينَ فارقَ رَهطَهُ ... عندَ الشهادةَ في الصّحِيفَةَ دَغفَلُ ويروى حين ودّع أهله عند الوصية دغفل بن حنظلة النسابة من بني ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.

إنَّ ابنَ ضَبّةَ كانَ خيراً والداً ... وأتَمُّ في حَسَبِ الكِرام وأفضَلُ ويروى لهو خير والداً، قال أبو عبد الله: لا يجوز إلا هذه الرواية. ممن يكونُ بَنو كُلَيبٍ رَهطَهُ ... أو من يكون إليهمُ يَتَخَوّلُ يتخول من الخؤولة أي يدعيهم أخوالاً. وهمُ على ابنِ مُزَيقِياءَ تَنازَلوا ... والخيلُ بينَ عَجاجَتَيها القَسطَلُ قوله على ابن مزيقياء فإن الحارث بن مزيقياء. وهو عمرو بن عامر - فقتله عامر ابن ضامر أخو بني عائذة بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة. ومحرقاً وزياداً ابني الحارث بن مزيقياء قتلهما زيد الفوارس، وعجاجتيها يعني عجاجتي الجيشين اللذين التقيا، والقسطل الغبار. وهمُ الذينَ على الأميلِ تدارَكوا ... نَعَماً يُشَلُّ إلى الرئيسِ ويُعكَلُ قال أبو عبيدة: كان يوم فلك الأميل لبني ضبة على بني شيبان. قال أبو عبيدة: وذلك أن بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد الشيباني أغار على بني ضبة في فلك الأميل، والأميل رمل يعرض ويستطيل مسيرة يوم أو يومين - فاستاق ألف بعير لمالك بن المنتفق رئيس بني ضبة، كان قد فقأ عينَ فحلها لئلا تُصيبها العين فأتى النذير بني ضبة، فتداركت الخيل فشد عاصم بن خليفة على بسطام فقتله، وردوا ما استاق من النعم. يُعكل يُرد ويُحبس، ويُشل يُطرد، والعكل الرد والحبس. وكان من حديث هذا اليوم وهو

الجزء الثاني

الجزء الثاني

مقتل عمارة

مقتل عُمارة وكان من قصة مقتل عمارة، وهذا اليوم الذي قتل فيه، يقال له يوم أعيار، ويوم النقيعة، أن المثلم بن المشخرة العائذي ثم الضبي، كان مجاوراً لبني عبس، فقامر هو وعمارة بن زياد بالقداح، فقمره عمارة حتى حصل عليه عشرة أبكر، فقال له المثلم: هلم أزايدك في المقارعة حتى تزيد عليَّ أو أحط بعض ما علي، فقال له عمارة: ما أنا بفاعل، ما أريد أن أزيد عليك وقد عجزت، وما أريد أن أحط عنك شيئاً قد ركبته عليك؛ فقال له المثلم: خل عني حتى آتي قومي، فأبعث إليك بالذي لك عليَّ فأبى عمارة إلا أن يرتهنه، فرهنه ابنه شرحاف بن المثلم، وخرج حتى أتى قومه فأخذ الأبكار فأتى بها عمارة، وافتك ابنه. فلما انطلق بابنه، قال له في الطريق: يا أبتاه، من معضال؟ قال: ذلك رجل من بني عمك ذهب فلم يوجد إلى الساعة، ولم يحسن له أثر، قال شرحاف: فإني قد عرفت قاتله. قال أبوه: ومن هو؟ قال: هو عمارة بن زياد، سمعته يحدث القوم يوماً، وقد أخذ فيه الشراب أنه قتله، ثم لم يلق له ناشداً. ثم لبثوا بعد ذلك حيناً، وشب شرحاف، ثم إن عمارة جمع جمعاً عظيماً من بني عبس، فأغار بهم على بني ضبة، فاطردوا إبلهم وركبت عليهم بنو ضبة فأدركوهم في المرعى، فلما نظر شرحاف إلى عمارة، قال: يا عمارة أتعرفني؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا شرحاف بن المثلم، أد إلي ابن عمي معضالاً مثله يوم قتلته، قال عمارة: يا شرحاف اذكر اللبن. قال شرحاف: الدم أحب إلي من اللبن، ثم حمل عليه فقتله، وهزم جيشه واستنقذ الإبل، فقال في ذلك المثلم بن المشخرة:

إنْ تُنْكِروني فَأَنا المثلَّمْ ... فارسُ صِدقٍ يوم تنضاحِ الدَّمْ بشكَّتي وفرسٍ مُصمَّمْ ... طَعْناً كأَفواهِ المزادِ المُعصَمْ وقال شرحاف: ألاَ أبْلِغ سراةَ بني بَغيضٍ ... بما لاقَتْ سَرَاةُ بني زيادِ وما لاقت جذيمةُ إذ تُحامِي ... وما لاقَى الفوارِسُ من بجاد تركنَا بالنَّقيعةِ آل عَبْسٍ ... شَعاعاً يُقتَلونَ بكلِّ واد وما إنْ فاتَنَ إلا شَرِيدٌ ... يؤُمُّ القَفْرَ في تيهِ البلاد فَسَلْ عنَّا عُمارةَ آلِ عبسٍ ... وسَلْ وَرْداً وما كُلٍّ بَدادِ تركتُهُمُ بوادي البَطنِ رَهناً ... لِسيدانِ القَرَارَةِ والجِلاد وقال الفرزدق: وهنَّ بِشِرحافٍ تداركنَ دالِقاً ... عُمارةَ عبسٍ بعدما جَنحَ العَصْرُ وأما حديث محرق وأخيه زياد يوم بزاخة، فإنه أغار محرق الغساني وأخوه في إياد، وطوائف من العرب من تغلب وغيرهم، على بني ضبة بن أد ببزاخة، فاستاقوا النعم فأتى الصريخ بني ضبة، فركبوا فأدركوه واقتتلوا قتالا شديدا، ثم إن زيد الفوارس حمل على محرق، فاعتنقه وأسره وأسروا أخاه، أسره حبيش بن دلف السيدي، فقتلتهما بنو ضبة - وكان يقال لأخي محرق فارس مردود - وهزم

القوم، وأصيب منهم ناس كثير. فقال في ذلك ابن القائف أخو بني ثعلبة، ثم أحد بني معاوية بن كعب بن ثعلبة بن سعد بن ضبة: نِعمَ الفوارسُ يومَ جيشه محرِّقٍ ... لَحِقوا وهُم يدعونَ يالَ ضِرارِ زيدُ الفوارِسِ كرَّ واْبَنا مُنذِرٍ ... والخيلُ أوجعها بنو جَبِّار حتى سَموا لمحرِّقٍ برماحِهِم ... بالطَّعْنِ بين كتائبٍ وغُبار ولَعَمْرُ جَدِّكَ ما الرُّقادُ بِطائِشٍ ... رَعِشٍ بديهتُهُ ولا عُوَّار يرمي بغُرَّةِ كامِلٍ وبنحرهِ ... خَطرَ النُّفوسِ وأيُّ حينِ خِطار لما رأوْا يوماً شديداً بأسُهُ ... كرِهَ الحياةَ وشُقَّةَ الأسفار وكأنَّ زيداً زيدَ آلِ ضِرارِ ... ليثٌ بكفيْهِ المنَّيةُ ضار وكأنَّ آثارَ الغَرِيبِ عليهم ... ومَكَرَّهُ يوماً مُطَافُ دُّوار جَعَلُوا لعافي الطيرِ منهم وقعَةً ... صَرعى تَضَوَّرُ في قناً أكسار لولا فوارِسُهُنَّ قِظْنَ عواطلا ... في غيرِ ما نَسَبٍ ولا إصهار قال: وأما ابن مزيقياء الغساني - ومزيقياء عمرو بن عامر، وعامر ماء السماء وفيهم كان ملك غسان بالشام في آل جفنة بن علبة بن عمرو - بن عامر - فإنه أقبل حتى أغار على بني ضبة يوم إضم، فأصاب بني عائذة بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة، وقد كانوا أوقدوا مع جروة وشقرة ابني ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة ناراً للحرب، فقال الملك: ما هذه النار التي تدخن علينا؟ قالوا: هذه شقرة

وجروة قد أوقدوا نارا للحرب. قال: أحملوا عليهم، فحملوا عليهم، فأبادوا يومئذ بني عائذة، وقُتل الرديم وهو عمرو أبو ضرار الضبي وكان يسمى فارس مسمار، فترجل يومئذ وقال: مسمار أقبل وأدبر، مسمار لا تستحسر، مسمار إن اليوم يوم ذفر، فقتل فيمن قُتل يومئذ. وجاء رجل من بني قيس بن عائذ يدعى عامر بن ضامر، فقال: والله لأطعنن اليوم طعنة كمنخر الثور، النعر فطعن ابن مزيقياء وقتله، وانهزم أصحابه هزيمة قبيحة. فقال ربيعة بن مقروم: وآلُ مُزيقياءَ وقد تَداعَتْ ... حلائِبُهُم لنا حتى تَرينا صَبَرْنا بالسُّيوفِ لهم وكانت ... معاقِلُنَا بِهِنَّ إذا عَصِينا وغادَرْنا قَريعَهم صَريعاً ... عوائدُهُ سِباعٌ يَعتفينا وقالت نائحته: لَعَمْرِي لقد غَادَرْتُمُ يومَ رْحْتُمُ ... على إضَم منكم عَقِيَرةَ عامِرِ لقد خَطَّطَ الأنواءَ طعنةُ عامرٍ ... ألاَ يا قتيلاً ما قتيلُ ابنِ ضامرِ رجع وهُمُ إذا اقْتَسَم الأكابِرُ رَدَّهُمْ ... وافٍ لِضَبَّةَ الرِّكابُ تُشَلَّلُ الأكابر شيبان، وعامر، وجليحة، من بني تيم الله بن ثعلبة بن عكابة، أجارهم بدر بن حمراء أخو بني ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن

ضبة، فوفى لهم. جارٌ إذا غَدرَ اللِّئامُ وَفَى بِهِ ... حَسبٌ ودعْوةُ ماجِدٍ لا يُخْذَلُ جار يعني بدر بن حمراء الضبي. قال أبو عبيدة: حدثني أبو عمرو بن العلاء، قال: أصاب الناس سنة، فخرج كدام التيمي، وبدر بن حمراء الضبي، والمساور بن نعمان ابن جساس التيمي، فاستجاروا في بني تيم اللات بن ثعلبة، فأجاروهم، فرعوا بلادهم حتى أخصبت بلاد بني تميم فرجعوا ووفوا لهم. ثم أصاب بلاد بني تيم اللات سنة، فقال بنو تميم لجيرانهم: تعالوا فارعوا بلادنا، فأنتم في جوارنا حتى تبسطكم سماء، ففعلوا. فانطلق كل رجل منهم بجيرانه، ثم إن كداماً التيمي مرَّ ذات يوم بجاره وهو يلوط حوضه، فقنعه بالسوط، وقال: أحسن لوط حوضك، فقال البكري: متى كنت أُتهم عليها؟ يعني إبله، وبات المساور التيمي معرسا بجارته ليلته، فلما أصبح زوجها أتى صاحبه فأخبره، فأتيا بدر بن حمراء الضبي، فذكروا له ما أتي إليهما، فأتى القوم فقال: ما صنعتم بجيراني وجيرانكم؟ قالوا: ومالك ولهم، ونحن أعلم بجيراننا، وأنت أعلم بجيرانك، فقال: كذبتم والله لقد عقدت لهم جميعاً، وتجمعت له حلائب قومه فخلى القوم عنهم بأموالهم، فقال: النجاء أرضكم. فقال في ذلك بدر بن حمراء: أَبْلغْ أبا بدرٍ إذا ما لقيتَهُ ... فَعِرضُكَ محمودٌ ومالُكَ وافرُ وفَيتَ وفاءً لم يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ ... بِتعشَارَ إذ تحنو إليَّ الأكابر

تعشار وتبراك وتقصار وتجفاف وتلقاء. والأكابر شيبان وعامر وجليحة من تيم اللات. حَبَوْتُ بها بَكْرَ بنَ سعدٍ وقد حَبَا ... كِدامٌ بأُخْرَى رَهطهِ والمُساوِرُ فَمنْ يكُ مَبنياً على بيت جارِهِ ... فإني امرؤٌ عن بيتِ جارِيَ جافر مبنيا يقول معرسا بامرأة جاره، فإني امرؤ جافر عن ذاك، كما يجفر الفحل عن إبله إذا أعرض عنها وعدل بعدما يلقحها. أقولٍ لمنْ دلَّتْ حِبالي وأوردَتْ ... تعلَّم وبيتِ الله أنَّكَ صادِر قوله دلت حبالي أي أجرته وصار في كنفي وجواري صادر سالم. كذاكَ منعتُ القومَ أن يتقسَّموا ... بسيفي وعُريانُ الأشاجعِ خادِر قوله وعريان الأشاجع، يقول: رجل عريان الأشاجع، خادر مثل الأسد في نفسه، والأشاجع عروق ظاهر الكفين. رجع إلى شعر الفرزدق: وعشيَّةَ الجمَلِ المُجَلَّلِ ضَاربوا ... ضَرباً شُؤُونُ فَراشِهِ تَتزيَّلُ ويروى وهم لدى الجمل. يعني يوم الجمل مع عائشة، رضي الله عنها، قال: وقُتل من بني ضبة يومئذ فيما يذكرون، ألف ومائة رجل، ما منهم رجل يتحرك من مكانه. وراجز بني ضبة يقول:

لا تَطْمعُوا في جمْعِنَا المُكَلَّلِ ... والموتُ دونَ الجَمَلِ المُجَللِّ وهذه الحُرْمَةُ لمَّا تُحْلَلِ ويروى لم تحلل يعني حرمة عائشة رضي الله عنها، وروي عند الجمل. يَا بْنَ المَراغَة أَيْنَ خالُك إنَّني ... خالي حُبَيْشٌ ذو الفَعالِ الأفضَلُ خالي الَّذي غَصَبَ المُلوكُ نفوسَهْم ... وإليه كانَ حِباءُ جَفَنَةَ يُنْقَلُ خاله حبيش بن دلف بن عسير بن ذكوان بن السيد بن مالك بن بكر ابن سعد بن ضبة، أسر عمرو بن الحارث بن أبي شمر بن الحارث بن حجر بن النعمان بن الحارث بن جبلة بن ثعلبة بن جفنة بن علبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد فجز ناصيته، واشترط عليه أن يبعث إليه كل سنة بحباء حتى يموت. وَلئِنْ جَدعتَ ببظْرِ أُمِّكَ أنفها ... لتنالَ مِثْلَ قديمهم لا تفْعلُ إنَّا لَنْضربُ رأْسَ كُلِّ قبيلةٍ ... وأبُوكَ خلفَ أتانِهِ يتقمَّلُ يهزُ الهرانِعَ عقدُهُ عندَ الخُصى ... بِإذلَّ حيثُ يكونُ منْ يتذلَّلُ قوله يهز الهرانع يعني ينزع القمل، والهرانع القمل الواحد هرنع، عقده يعني عقد ثلاثين إذا قتل القمل. وشُغلتُ عنْ حَسَبِ الكرامِ وما بَنَوا ... إنَّ اللَّئيم عنِ المكارِمِ يُشْغَلُ إنَّ التِّي فُقئَتْ بها أبصارُكُمُ ... وهيَ التي دمعتْ أباكَ الفيصَلُ الفيصل مقطع الحق فيما بيننا وبينكم. قال خالد: هذه القصيدة

كانت تُسمى الفيصل. وهبَ القصائِدَ لي النَّوابِغَ إذُ مضَوْا ... وأَبو يَزيدَ وذُو القُرُوحْ وجَرْولُ النوابغ أراد نابغة بني ذبيان، والجعدي، ونابغة بني شيبان، وأبو يزيد المخبل، واسمه ربيعة بن مالك بن ربيعة بن قتال بن أنف الناقة، وذو القروح امرؤ القيس بن حجر، وجرول هو الحطيئة. والفحلُ علقمةُ الذَّي كانتْ لهُ ... حُلَلُ المُلْوكِ كَلامُهُ لا يُنْحَلُ ويروى كلامه يتمثل، علقمة بن عبدة وإنما سمي الفحل لأن في بني عبد الله بن دارم علقمة الخصي فلذلك قال الفحل. وأَخو بنَي قيْسٍ وهُنَّ قتلنَهُ ... ومُهَلْهِلُ الشُّعراءِ ذاكَ الأوَّلُ أخو بني قيس طرفة بن العبد، وهن قتلنه يعني القوافي، ومهلهل بن ربيعة ابن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب. والأعشَيانِ كلاهُما ومُرقشٌ ... وأَخو قُضاعَةَ قَوْلُهُ يُتمثلُ الأعشيان يعني أعشى بني قيس وأعشى باهلة، وقال بعضهم: هو الأسود بن يعفر. وأخو قضاعة أبو لطمحان القيني. وأخُو بَني أسَد عبيدٌ إذْ مَضَى ... وأَبو دُؤادٍ قولُه يُتنحلُ عبيد بن الأبرص بن جشم، وأبو دؤاد جارية بن حمران. وابْنا أبي سُلْمَى زُهَيْرٌ وابْنُهُ ... وابنُ الفُريعةِ حينَ جَدَّ المِقولُ يعني بابن الفريعة حسان بن ثابت، وزهير بن أبي سلمى، وابنه كعب.

والجعفريُّ وكانَ بِشْرٌ قبلهُ ... لِيِ مِنْ قصائِدِهِ الكتابُ المُجملُ الجعفري يعني لبيد بن ربيعة الجعفري، وبشر بن أبي خازم الأسدي. ولقدْ ورِثتُ لآلِ أَوْسٍ منطقاً ... كالسَّمِّ خالطَ جانبيه الحنظلُ والحارثيُّ أخُو الحِماسِ ورثْتُهُ ... صَدْعاً كما صَدَعَ الصَّفاةَ المِعْوَلُ ويروى ورثته قولا، ويروى والحارثي أخا الحماس بالرفع والنصب يعني النجاشي، صدعا يعني قسما. يَصْدَعْنَ ضاحيَةَ الصَّفا عَنْ مَتنِها ... ولهُنَّ مِنْ جَبَلَيْ عَمايَةَ أثقلُ ضاحية يعني ظاهرة، متنا عن متن الصفاة، ويروى عن متنه. دَفعوا إليَّ كتابهُنَّ وصيَّةً ... فورثتُهُنَّ كأنَّهُنَّ الجندلُ الجندل الحجارة الواحدة جندلة ويروى وراثة. فِيهِنَّ شارَكني المُساورُ بعدهُمْ ... وأخُو هوازنَ والشَّآمي الأخطلُ المساور بن هند بن قيس بن زهير العبسي، وأخو هوازن يعني الراعي. وبنُو غُدانةَ يُحلبُونَ ولمْ يكُنْ ... خيليِ يقُومُ لَها اللَّئيمُ الأعْزَلُ غدانة بن يربوع، ويروى حربي. فليبرُكنْ يا حقُّ إنْ لَمْ تنتهوا ... مَن مالكَيَّ عَلَى غُدانَةَ كَلْكَلُ حقة امرأة من بني غدانة ولكنه رخم، وقوله مالكي يعني مالك بن زيد، ومالك بن حنظلة. وقال بعضهم: حقة أم جرير، وليس أم جرير

اسمها عندنا حقة. إنَّ استراقَكَ يا جَريرُ قصائِدي ... مِثلُ ادِّعاءِ سَوىَ أَبيكَ تنقلُ وابْنُ المراغَةِ يدَّعِيِ منْ دارِمٍ ... والعبدُ غيرَ أبيهِ قَدْ يتنحَّلُ لَيْسَ الكِرامُ بنا حِليكَ أَباهُمُ ... حَتَّى تُرَدَّ إلى عَطِيَّةَ تُعْتَلُ تعتل تساق قسراً، ويقال تعتل تقاد بين اثنين. وزَعَمْتَ أنَّكَ قَدْ رَضِيتَ بما بَنَى ... فَاصْبِرْ فما لَكَ عَنْ أَبيكَ مُحَوَّلُ ولَئِنْ رَغِبْتَ إلى أبيكَ لترجعنْ ... عَبْداً إليه كأَنَّ أنفَكَ دُمَّلُ أزْرَى بجَرْيكَ أنَّ أُمكَ لَمْ تَكُنْ ... إلاَّ اللئيم مَن الفُحُولَة تُفحَلُ قَبَح الإلُه مَقَّرةً في بطنها ... مِنْهَا خَرجتَ وكُنتَ فيها تُحملُ مقرة يعني مستقر الولد في الرحم. نَسفتْ مَنيَّ أبيكَ فهيَ خَبيثَةٌ ... وَبها إلى قَعْر المقرَّةِ يضهلُ يضهل يسيل ويجتمع قليلاً ويروى رشفت. يَبكي علَى دِمَنِ الدِّيارِ وأُمُّهُ ... تعلُو عَلى كَمَر العَبيد وتَسْفُلُ وَإذا بَكيتَ عَلى أُمامةَ فاسْتَمعْ ... قولاً يعُمُّ وتارةً يُتنخَّلُ ويروى ومرة يتخلل، ويروى شتما يعم، يتنخل يخص، وأمامة امرأة جرير، وهي أمامة بنت عمرو بن حرام بن حوط بن شهاب بن حارثة بن عوف بن كليب ابن يربوع، ولدت لجرير من الرجال عكرمة وموسى، ومن النساء موفية وجبلة وربداء وجعادة.

أسألتني عَنْ حُبوتي ما بالُها ... فَأسأل إلى خبري وعمَّا تَسألُ ويروى وسألتني. ويروى إلى خبريك عما تسأل. فاللُّؤمُ يمنعُ منكُمُ أنْ تحتبوُا ... والعْزِ يَمنعُ حُبوتي لا تُحْلَلُ والله أثبتها وعِزٌّ لَمْ يَزَلْ ... مُقْعَنسساً وأبيكَ مَا يتحوَّلُ مقعنسس مترادف قوي، ويقال اقعنسس الليل إذا طال، وأبيك أقسم له بأبيه. جَبَلِي أعزُّ إذا الحُروبُ تكشَّفَتْ ... مِمَّا بَنَى لَكَ والدِاكَ وأفضَلُ ويروى أولوك وأطول. إنَّي ارْتَفَعتُ عليكَ كُلّ ثَنيَّةٍ ... وعَلوتُ فوقَ بني كُليبٍ مِنْ عَلُ الثنية الطريق في الجبل. هَلاّ سألتَ بني غُدانَةَ ما رَأوا ... حيثُ الأتانُ إلى عَمودِكَ تُرْحَلُ كسرَتْ ثنيَّتَكَ الأتانُ فشاهِدٌ ... مِنها بِفيكَ مُبيّنٌ مُستقبَلُ رَمَحَتْكَ حينَ عَجلْتَ قبلْ وَدَاقِها ... لكنْ أبُوكَ وَدَاقَها لا يَعجَلُ جاءُوا بِحقّةَ مُفرِمِينَ عجانَها ... يَحدُو الأتانَ بِها أجيرٌ مِرْحَلُ الفرم شيء يتضيق به النساء، والفرام المعبأة وهي خرقة الحائض والمرحل البصير بالرحلة. وقفتَ لتِزْجُرني فقُلْتُ لها ابرُكي ... يا حِقُّ أنتِ وما جمعتِ الأسفلُ وكشفتُ عنْ أيري لَهَا فتجحلتْ ... وكذاكَ صاحبةُ الوداقِ تجحدلُ

تجحدلها تقبضها واجتماعها، وقال قدُّ بن مالك الوالبي: تعالوَا نجمع الأموالَ حتى ... نُجَحْدِلُ من عَشيرتِنا المِئِينا لَقِيَتْ أخا نعَظٍ لها مُتبَذِّلاً ... وأخُو المُفاضحةِ الذي يتبذَّلُ وتركتُ أُمَّكَ يا جريرُ كأنَّها ... للنَّاسِ باركةً طريقٌ مُعملُ وكأنَّما كمَرُ الغُواةِ على أُستِها ... أوْرادُ مات سَقتِ النِّباجُ فثيتلُ النباج وثيتل قريتان في أرض بني شيبان، وفيهما مياه ونخل، غلبت بنو سعد عليهما يا حِقُّ ما نُبئْتُ مِنْ رَجُلٍ لَهُ ... خُصْيَانِ إلاَّ ابْنَ المَراغَةِ يَحبَلُ حقة أم جرير نبزها به - أي لقبها به - لأن سويد بن كراع العكلي كان خطبها إلى أبيها وهي جارية، فقال له أبوها: إنها صغيرة ضرعة، فقال له سويد: لقد عهدتها وإنها لحقة - والحقة من النوق طروقة الفحل - فصيره نبزا لها لقبا، وفي ذلك يقول أبو الرديني وهو يهاجي عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: فطوراً تَدَّعي لبني كُراعٍ ... وطوراً أنتَ للخَطَفَى اللئَّيمِ وقال بشام بن نكت وهو يهاجي نوح بن جرير: يا نوحُ يا ابنَ جريرٍ إنَّ شِعَركُمُ ... من شِعرِ عُكْلٍ وإنَّ الشِّعرَ ينتسبُ وأم جرير أم قيس بنت معيد بن حية بن عبد العزي بن حارثة بن عوف بن كليب، وأُمها أُم عثمان من بني عبد حربش أحد بني عمرو بن حنظلة.

شَرِبَ المنيَّ فأصبحتْ في بَطنهِ ... بَظْراءُ أسفلُ بَظرِها يَتَأكلُ ولئنْ حبِلْتَ لقدْ شربتَ رثيئةً ... ما باتَ يجعلُ في الوليدةَ نبتلُ الرثيئة اللبن الحامض يحلب عليه الحليب، وهو أطيب اللبن، ومثل للعرب: إن الرثيئة ما يفثأ الغضبا، أي يسكنه. والوليدة يعني أمة لأبي سواج أخي بني عبد مناة بن سعد بن ضبة، ونبتل اسم عبد لأبي سواج. وكان من حديثه أن أبا سواج سابق صرد بن جمرة بن شداد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، وهم عم مالك ومتمم ابني نويرة، بن جمرة فسبق أبو سواج صرداً على فرس له يقال لها ندوة، وكان فرس صرد حصانا يقال له القطيب، فقال أبو سواج في ذلك: ألم تَرَ أنَّ ندوةَ إذ جريُنَا ... وجَدَّ الجِدُّ خلَّفَتِ القَطيبا لها كَفلٌ يصِلُّ الرَّبْوُ فيه ... وتخبطُ سُنبُكاً عجُراً صَليبا وعُوجاً فعمَةً رُكِّبنَ فيها ... خِفافَ الوقعِ تحسبها صُقوبا كأَنَّ قطيبَهم يتلو عُقابا ... على الصَّلعَاءِ وازِمَةً طَلوبا الوزم قطع اللحم، والوازمة الفاعلة ويروى: كَأَنَّ قطيبهم في الجَرْي يتلو ... عُقايا كاسِراً أُصُلاً طَلوبا

الكاسر المنقضة، والأصل العشية - مُقَرَّبَةٌ أُجَلِّلها رِدَائِي ... إذا ما ألجأَ الصِّرُّ الكَليبا وأَمنحُها المَدِيدَ وإن ... مراداً من مَباءَتَها قريبا فشري الشر بينهما، حتى جعل صرد يحدث الناس، أنه يخالف إلى امرأة أبي سواج، وقد كان يتحدث إليها، فقال لها صرد فيما يقول: لستُ أَرضى حتى تَقُدي من عجان أبي سُواجٍ سيرا، فقالت لأَبي سُواج: إن هذا يسُومني سيراً من عجانِكَ، فقام أبو سُواجٍ فذبح نعجة سحماءَ وقد من أَليتها سيراً فبعثَتْ به إلى صُرَدٍ، فَشَسَع به نعلَه وقَعَدَ في النَّادي فقال: بِتُّ بِذي بِلِيانْ، وفي رجلي من اسْتِ بعضِ القوم شِسْعانْ. فَعَلِمَ أبو سُواج أنه يُعرِّضُ به، فقام فَتَوَحَّشَ من ثِيَابِه - أي تجرَّد - وقام على أربعٍ فقال: هل ترون بأساً؟ فإذا ليس به شيءٌ، فعاوَدَ صُرَدُ امرأةَ أبي سُواجٍ، فقال: غَدَرْتِ بي!! ولم تزل تُرَاصِدُه - ويروَى ولم تَزَلْ تُرَاسِلُه - وهي تُريدُ أن تَمْكُرَ به، حتى واعَدَتْهُ ليلةً، فأَمَر أبو سُواجٍ عبدَهُ نَبْتَلاً أن ينكح جاريةً له ليلَه كُلَّه، فإذا أراد أن يُفْرغَ أفْرَغَ في عُسٍّ، ثم أمرَ فَحُلِبَ عليه وخِيضَ، ثم أمرها أن تَسْقِيَ صرداً إذا استسقى لبناً، فَسَقَتْهُ فانْتَفَخَ ثم مات، فبنو يربوع يُعيَّرون بِشُرْبِ الَمنِيِّ إلى اليومِ. وقال في ذلك رُشَيْدُ بنُ رُمَيْضٍ العَنْزِيُّ: إنَّ ابنَ المُحِلِّ وصاحِبَيْهِ ... لأهلٌ للنَّواكَةِ والضَّجَاجِ المُحِلُّ هو ابنُ قُدَامَةِ بنِ أسودَ بنِ جَمْرَةَ بن جعفرِ بنِ ثعلبةَ بنِ يربوعٍ. أَتَحْلِفُ لاتَذُوقُ لنا طعاماً ... وتشربُ سَيْءَ عبدِ أبي سُواجِ شَرِبْتَ رَثِيئَةً فَحَبِلْتَ منها ... فمالَكَ راحَةٌ دونَ النِّتَاجِ

وقال في ذلك المُسْتَنِيرُ العَنْبرِيُّ لجريرٍ: أَتَهْجُونَ الرِّبابَ وقد سَقَوْكُم ... مِنِيَّ العَبْدِ في لَبَنِ اللِّقاحِ دَهَاكُم فيه مَكْرُ أَبي سُوَاجٍ ... وحِرْصُ العَنْبَرِيِّ على الضَّياحِ الضَّياحُ لَبَنٌ صُبَّ عليه ماءٌ. وقال الأَخطلُ في هجاءِ جريرٍ: تَعِيبُ الخَمْرَ وهي شَرَابُ كِسْرَى ... وَيَشْرَبُ قَوْمُكَ العَجَبَ العَجِيبَا! مَنِيُّ العبدِ عبدِ أَبي سُواجٍ ... أَحَقُّ من المُدَامَةِ أَن تَعِيبَا! وقال في ذلك أَبو سُواجٍ: جَأْجِئْ بيربوعٍ إلى المَنِيِّ ... جَجَأَةً بالشَّارِفِ الخَصِيِّ في بَطنِه جَاريةُ الضَّبِّيِّ ... وشيخُها أَشْمَطُ حَنْظَلُّيِ وقال ابن لَجَأٍ: تُمَسِّحُ يَرْبُوعٌ سِبالاً لَئيمةً=بها من مَنِيِّ العَبْدِ رَطْبٌ ويابِسُ فلما شرب صُردُ بنُ جَمرةَ العُسَّ، وَجَدَ طعماً خبيثاً فكَرِهَهُ، فقالت: إنما هذا من طُولِ ما أُنْقِعَ، أَقسمتُ عليك إلا شَرِبْتَهُ، فقال: إني أَرى لَبَنَكُم يَتَمَطَّطُ، أحْسَبُ إبِلَكُم زَعَتِ السَّعْدَان - والسَّعْدَانْ مُخْثِرَةٌ لأَلبانِ الإِبِلِ، والحُرْبُثُ لأَلبانِ الغَنَمِ - فلما وقع في بطنه، وجد الموتَ فخرج هارباً إلى أهله، وأصحابُهُ لا يعلمون بشيءٍ من هذا. فلما جَنَّ الليلُ على أبي سواج، أمر بإبله وأهله وغلمانه، فانصرفوا إلى قومه، وخلَّف الفرس وكلبه في الدار، فجعل الكلب ينبح، والفرس يصهل، وساروا ليلتهم، فأصبحت الدار ليس فيها أحد غيره، ومعه

فرسه وكلبه والعس، فلما أصبح ركب فرسه، وأخذ العس، فأتى مجلس بني يربوع، فقال: جزاكم الله خيراً من جيران، فقد أحسنتم الجوار، وكنتم أهل ما صنعتم! قالوا: يا أبا سواج ما بدالك في الانصراف عنا، وقد كنا بك أضناء؟ قال: إن صرد بن جمرة لم يكن فيما بيني وبينه محسناً، وقد قلت في ذلك شعرا: إن المَنِيَّ إذا سَرَى ... في العبدِ أصبَحَ مُسْمَغِدّا أَتناكُ سَلمَى باطِلاً ... وخُلِقْتُ يومَ خُلِقْتُ جَلدا ألا واعلموا أن هذا القدح قد أحبل منكم رجلا وهو صرد بن جمرة، ثم رمى بالعس على صخرة فانكسر ثم ركض فرسه، فتنادوا: عليكم الرجل فأعجزهم ولحق بقومه. فكان أول من هجاهم عمرو بن لجأ فقال: تُمسِّحُ يربوعٌ سِبالاً لئيمةً ... بها من مَنيِّ العبدِ رطبٌ ويابسُ فما ألبس الله امرءاً فوقَ جلدِهِ ... من اللُّؤمِ إلاّ والكُليبيُّ لابسُ عليهم ثِيابُ اللُّؤمِ لا يُخلِقونَها ... سَرَابيلُ في أعناقِهم وبَرَانِسُ باتَتْ تُرَقِّصها العَبيدُ وعُسُّها ... قَربانُ مما يَجعلون وتَجعلُ ويروى تعارضها ويروى كربان، ويروى وعسها ضربان يعني اللبن والمني، قربان قد قارب الملء وكربان مثله، وجمعان إذا امتلأ فجعل يسيل في جوانبه يعني الوليدة، ويقال: إناء نصفان وذلك إذا صار إلى نصفه فقال الأخطل في هجائه جريراً: تَعيبُ الخمرَ وهي شَرَابُ كِسرَى ... ويشربُ قومُكَ العَجَبَ العَجِيبا مَنِيُّ العَبدِ عبدِ أبي سُواجٍ ... أحَقُّ من المُدَامَةِ أنْ تَعِيبا حَتَّى إذا خَثُرَ الإناءُ كأنّها ... فيه القَريسُ مِن المَنِيِّ الأشكلُ

وكأنّ خاثِرَهُ إذا ارتَثَئُوا بهِ ... عسلٌ لهمْ حُلِبَتْ عليهُ الأيّلُ ويروى الإبل بالباء، وحكي عن بعض الأعراب أنه قال: الإبل خثرت ألبانها وغلظت. وقال بعضهم: هي جمع آبل ويروى الأيل. قالتْ وخاثِرُهُ يَكُرُّ عليهِمُ ... والليلُ مُختَلِطُ الغياطِلِ أليَلُ الغياطل ظلمة الليل، الأليل التام، كما يقال عام أعوام، وشهر أشهر، وسنة سنهاء، ويوم أيوم، ونهار أنهر. لا تَشتَهي إمّاهُمْ ارْتَثَؤا بِهِ ... يَومين مِنْ ثِقْلَ الشّرابِ المأكَلُ هذا الذي زَحَرَتْ بِهِ أستَاهُكُمْ ... ويرُى لهُ لَزَجٌ إذا يتَمَثّل ويروى وترى له لزجا، إذا يتمثل أي تصير له ثمالة وهي الرغوة والحفالة، ويقال يُتمثل يُستقصى شربه كله. سَجراءُ مُنْكَرَةٌ إذا خَضْخَضْتُها ... مِنها يَكادُ إناؤُها يَتَزَيّلُ ويروى يتميل، سجراء يضرب لونها إلى الحمرة. قالتْ لِشاعِرِها كُليبٌ كلُّها ... أتَنِيكُ أُمَّكَ أم تُقادُ فتُقتَلُ والموتُ أهونُ يا جريرُ مِنَ التي ... عُرِضَتْ عليكَ فأيّ تَنيِكَ تفعلُ والمُرَّيين يُخيِّرونَكَ منهُما ... فالموتُ مِنْ خَلَقي عَجوزكَ أجملُ المُريّان من المرارة خلقاها إستكاها أي إنها عجوز كبيرة، المريان الواحدة مري وهي الفعلى من المرارة ومذكره الأمر، ويروى المرتين، ويروى خلفي.

فاختارَ نَيكَ كبيرةٍ قدْ أصهَرَتْ ... شَمْطاءَ ليفُ عجانها يَتَفَتّلُ ويروى ضرب كبيرة، أصهرت صار لها أصهار من قِبل بنيها وبناتها. والعجان ما بين القُبل والدبر، أي أنها عجوز لا تستحلق. قالتْ وقَدْ عرفتْ جريراً أمُّهُ ... مهلاً جريرُ إليّ جئتَ تَغَفَّلُ تغفل تأتيني على غفلة، ويروى تذيّل وتقمّل. إنّ الحياةَ إلى الرجال بغيضةٌ ... بعدَ الذي فعلَ اللئيمُ الأثَولُ يقول: خُيّر جرير بين القتل وبين ما عُرض عليه في أمه، فاختار ما عرض عليه لحب الحياة، والأثول المجنون. قال أبو عبد الله: يقال رجل أثول وهو الأهوج، وأصل الثول في الشاء أن يكون بالشاء هوج، فلا تتبع الغنم، ويقال للأنثى ثولاء، ويقال رجل ضاجع وهو الأحمق. فأجابه جرير فقال: لِمَنِ الدِّيارُ كأنها لمْ تُحلَلِ ... بينَ الكناسِ وبينَ طَلحِ الأعزلِ الكناس موضع من بلاد غني، والأعزل واد لبني كليب به ماء يسمى

الأعزل، الطلح شجر من العضاة، وقوله لم تحلل يخبّر أنها قد درست وامّحت آثارها. ولقدْ أرى بِكَ والجديدُ إلى بلىً ... موتَ الهوى وشِفاءَ عَينِ المُجتلي قوله موت الهوى يقول: كنا بك يا دار مجتمعين متجاورين، فهو أنا ميت، فلما افترقنا جاء التذكّر والأحزان كما قال جرير: فأما التَقى الخَيَّانِ أُلقِيَتِ العَصَا ... وماتَ الهوى لما أُصِيبَتْ مقاتله يقول: لما اجتمعوا وصاروا إلى المواصلة مات الهوى، والمجتلي المفتعل من قولهم اجتليت العروس أي أبرزتها، ويروى إلى البلى. نَظَرتْ إليكَ بِمثِل عَيني مُغْزِلٍ ... قَطَعتْ حِبَالَتها بأعلَى يَلْيَلِ مغزل ظبية غزالها، ويليل موضع. ولقدْ ذَكَرتُكِ والمَطِيُّ خَواضِعٌ ... وكأنَّهُنَّ قَطَا فَلاةٍ مَجْهَل يَسْقِينَ بالأدمَى فِراخَ تَنُوفَةٍ ... زُغْبَاً حَواجِبُهُنًّ حُمرَ الحَوصَلِ الحوصل جمع حوصلة، ويروى جآجئهن. يا أمَّ ناجِيَةَ السلامُ عليكُمْ ... قبلَ الرَّواحِ وقبلَ لومِ العُذَّلِ يقول: إذا أخّرنا الرحيل ودفعناه، لم نعدم لائماً على ذلك، قال ابن أحمر: أفِدَ الرحيلُ وَلَيتهُ لم يأفَدِ ... واليومَ عاجِلُهُ ويُعذَرُ في غَدِ

قال: العواذل يلمن إذا أخّرنا الرحيل. وإذا غَدوتِ فَباكَرَتكِ تَحيّةٌ ... سَبَقَتْ سُروح الشَّاحجاتِ الحُجَّلِ يعني الغربان، تشحج في صياحها، وتحجل في مشيها، وهي يتشأم بها، يقول: فباكرتك تحية قبل سروح الغربان للمرعى بكراً. لو كنتُ أعلمُ أنَّ آخِرَ عهدِكُمُ ... يومُ الرحيلِ فعلتُ ما لمْ أفعلِ يعني في حسن الحال والوداع. أو كنتُ أرهَبُ وشكَ بَينٍ عاجلٍ ... لقَنَعْتُ أو لسألتُ ما لمْ يُسأل ويروى أحذر فجع بين، ويروى ما لم أسأل. أعدَدْتُ للشُّعراءِ سُمّاً ناقِعاً ... فسَقَيتُ آخِرَهُمْ بِكأسِ الأولِ ويروى كأساً مرةً. لمّا وضَعتُ على الفرزدق ميسَمي ... وضغَا البَعيثُ جَدَعتُ أنفَ الأخطلِ أخزى الذي سَمَكَ السماءَ مُجاشِعاً ... وبنى بِناءَكَ في الحضيضِ الأسفلِ الحضيض أسفل الجبل، وأعلاه عرعرته. بيتاً يُحَمَّمُ قَينُكُمْ بِفِنائِهِ ... دَنِساً مَقاعِدُهُ خَبيثَ المَدخَلِ ويروى المأكل، يحمم أي يدخّن فيه فيسوده. ولقد بَنَيتَ أخَسَّ بيتٍ يُبتَنَى ... فهَدَمتُ بيتَكُمْ بِمثلي يَذْبِلُ إنّي بنى ليَ في المَكارِمِ أوّلي ... ونَفَختُ كِيرَكَ في الزمانِ الأولِ أعيتكَ مأثُرَةُ القُيُونِ مُجاشِعٍ ... فانظرْ لعلّكَ تدّعي من نهشلِ

مجاشع ونهشل أخوان. والفرزدق مجاشعي، فقال: أما مجاشع فلا فخر لك فيهم، فانظر لعلك تجد فخراً في نهشل، يهزأ به. وامدَحْ سَراةَ بني فُقيمٍ إنّهُمْ ... قَتلو أباكَ وثأرُهُ لم يُقتَلِ قال أبو عبيدة: كانت اللهابة خبراء بالشاجنة، وحولها مياه بني مالك بن حنظلة القرعاء، ولصاف، والرمادة، وطويلع، فاختفتها بنو كعب بن العنبر - أي أظهرتها - فوقع بين بني فقيم وبين بني كعب شر، حتى ارتفعوا فيها إلى مروان ابن الحكم وهو يومئذ عامل معاوية على المدينة، فاختلفوا فيها وجعل رجل من بني كعب يرتجز ويقول: إنَّ لُهاباً وارِدُ اللَّهَابَهْ ... ووارِدُ الجَمَّةِ والحَطَّابَهْ ثم إلى طُوَيْلِعٍ مَآبَهْ فقال مروان: من يبتدئ بأن يدع المنهل؟ فقالت بنو فقيم: نحن. فابتدءوا وتركوا الماء لبني كعب، فلما مرّوا بأضاخ راجعين، نشروا براماً وطُرفا، فعدلوها، فقدموا بها على أهلهم، فقال الفرزدق: آبَ الوَفْدُ وفْدُ بني فُقَيْمٍ ... بأخبثِ ما يؤوبُ به الوفودُ فَآبُو بالبِرامِ معدَّليها ... وفازَ الجُدُّ بالجُدِّ السَّعيدُ وزاحمتِ الخُصُومُ بني فُقَيْمٍ ... بلا جَدٍّ إذا زَحَمَ الجدودُ - ويروى وزاحمت الخصوم بنو فقيم، ويروى إذا ازدحم الجدود

- فلما بلغت هذه الأبيات بني فقيم، قالوا: هذا قول همام فشكوه إلى غالب، فكذب عنه فصدقوه، فقال الفرزدق يعتذر إلى بني فقيم: يا قومِ إني لم أُرِدْ لأسُبَّكم ... وذو الطنئِ محقوقٌ بأنْ يتعذّرا ويروى لم أكن لأسبكم، والطنئ التهمة. تناهوْا فإني لو أَردتْ هِجاءَكم ... بَدَا وهو معروفٌ أغرَّ مٌشَهَّراً إذا قال غاوٍ من معدٍّ قصيدةً ... بها جربٌ كانت علىَّ بِزوبرا أي بأجمعها، يقال: خذ هذا بزوبره أي بأجمعه، وبزوبر لا ينصرف. قال أبو عثمان: سمعت الكسائي والأصمعي جميعا يقولان، خذه بزوبره، وبزاجمه، وبزامجه، وبصنايته، وبحذافيره، أي خذه بأجمعه. أينطقُها غيري وأُرمى بذنبها ... وهذا قضاءٌ حقهُ أنْ يُغيَّرا فلما سمع هذه الأبيات غالب، قال: أنت والله صاحب القوم. وقال لبني فقيم: إن شئتم فاعفوا، وإن شئتم فعاقبوا. فعفوا عنه واضطغنوا عليه في أنفسهم. ثم إن ركبا من بني فقيم نهشل، وفيهم شغار بن مالك الفقيمي، وفيهم امرأة من بني يربوع، معها صبية لها من بني فقيم، خرجوا يريدون البصرة، فمروا بجابية من ماء السماء بالقبيبة لغالب، عليها أمة لها تحفظها، فشرعوا فيها فنهتهم الأمة فشيعهم - أي جرأهم - شغار على ورودها، فضربوها واستقوا. وأتت المرأة أهلها فأخبرتهم الخبر وهم قريب، فركب الفرزدق فرساً، وأخذ رمحا، حتى أدرك القوم، فشق أسقيتهم، وعقر بشغار، وشق نحي

المرأة، وجرح أصل ذنب بعيرها، فقال: في ذلك الفرزدق: لعمرُ أبيكَ الخيرِ ما رغمُ نهشلٍ ... عليَّ ولا حرداؤها بكبيرِ ويروى ولا حردائها، ويروى حردانها، حرداؤها لقب من الحرد في اليد، وهو أن يعنت العقال يد البعير، فييبس عصبه، فتبقى قائمة، إنما يرمى بها رمياً. وقَدْ علمَتْ يومَ القُبيباتِ نَهشلٌ ... وحرداؤُها أنْ قدْ مُنُوا بِعَسير عَشِيَّةَ قالوا إنَّ ماءَكُمُ لنا ... فلاقَوْا جوازَ الماءِ غيرَ يَسيرِ الجواز سقي الماء من قولهم: أجز فلاناً أي اسقه، ومن هذا اشتقت الجائزة. وكم تركوا من خَلْفِ نَحِيْ وبُرْمَةٍ ... وأَحْرَدَ ضَخْمِ الخُصيتينِ عقيرِ فما كان إلا ساعةً ثم أدبرتْ ... فُقَيمٌ بأعضادٍ لها وظُهُورِ فقلتُ له استمسكْ شِغارُ فإِنَّهُ ... أُمُورٌ دنتْ أحناؤُها لأُمورِ فلما قدمت المرأة البصرة أراد قومها وإخوتها أن يثئروا بها - يفتعلوا من الثأر - فقالت: لا، حتى يشب هؤلاء الصبية، فإن صنعوا شيئاً وإلا طلبتم. وكان أكبر ولدها ذكوان بن عمرو من بني مرة بن فقيم، فلما شب ذكوان راض الإبل بالبصرة، فلما كان يوم عيد تزين

وركب ناقة له فائقة، فقال له ابن عم له: ما أحسن هيأتك يا ذكوان، لو كنت أدركت ما صُنع بأمك، قال: وإن ذاك مما يؤنب به؟ قال ابن عمه لعز - أي لشد ما - فاستنجد ذكوان ابن عم له، فخرجا حتى أتيا غالباً بالحزن متنكرين، وهو على ذات الجلاميد، فلم يقدرا له على غرة، حتى تحمل يريد كاظمة فعرضا له، فقال ذكوان: أتبيعني هذا البعير، وهو أكثرها معاليق؟ فقال الفرزدق: نعم. قال: فحط عنه حتى أنظر إليه، فأناخوا فحطوا عنه، فقال: لا أريده ومضى. فشُغل الفرزدق ومن معه بإعادة الجهاز على البعير، حتى لحق ذكوان غالباً وهو محمل، وعديلته أم الفرزدق لينة بنت قرظة فعقر بعيرهما، ثم عقر بعير جعثن بنت غالب، وهي أخت الفرزدق، ثم هرب هو وابن عمه. فزعم مليص الفقيمي أن غالباً لم يزل وجعا منها حتى مات بكاظمة، فذلك قول جرير: وامْدحْ سَرَاةَ بني فُقيمٍ إنَّهم ... قتلُوا أباكَ وثأرُهُ لم يُقتلِ وقال في تصداق ذلك ذكوان بن عمرو: زعمتُمْ بني الأقيانِ أنْ لَنْ نُضُركُمْ ... بَلَى والذي تُرْجَى إليه الرَّغائِبُ ويروى زعمتم بني رغوان. لقد عضَّ سيفي ساقَ عودِ فتاتكم ... وخرَّ على ذاتِ الجلاميدِ غالبُ فكُدِّحَ منه أنفُه وجبينُه ... وذلك منه إن تبينتَ جالبُ أي عليه جلبه. وقال جرير أيضاً ينعى ذلك على الفرزدق:

رَأَيْتُكَ لم تترُكْ لِسَيْفِكَ محمَلاً ... وفي سيفِ ذكوانَ بن عمرو محاملُه تفرَّدَ ذكوانٌ بمقتلِ غالِبٍ ... فهلْ أنت إن لاقيتَ ذكوانَ قاتِلُه وقال جرير أيضا ينعى ذلك على الفرزدق: قتلتْ أباكَ بنو فُقيمٍ عنوةً ... إذ خرَّ ليسَ على أَبيك إزارُ عقرُوا رَواحلهُ فليس بِقتلهِ ... قتلٌ وليس لعقرهِنَّ عِقارُ وقال جرير أيضا: ذكوانُ شَدَّ على ظَعائِنكُم ضُحىً ... فَسَقى أَباكَ من الأمرُ الأعلقِ أُمُّ الفرزدقُ بعدَ عقرِ بعيرِها ... شُقَّ النَّطاقُ عن اسْتِ ضَبٍّ مُذْلَقِ أي مخرج. فهذا قول جرير والهجاء كذوب. وأما ذكوان بن عمرو فإنه لم يدع غير ما في قصيدته، فهذا الذي هاج الفرزدق على هجاء بني فُقيم. رجع إلى شعر جرير: ودعِ البراجمَ إنَّ شِرْبَكَ فيهِمُ ... مُرٌّ مذاقتهُ كطعمِ الحنظلِ إنَّي انصببتُ منَ السَّماءِ عليكمُ ... حتَّى اختطفتكَ يا فرزدقُ منْ عَلِ مِنْ بعدِ صكَّتِيَ البعيثَ كأنَّهُ ... خربٌ تنفجَ مِنْ حِذارِ الأجدلِ الخرب ذكر الحبارى، والأجدل الصقر وربما جعل البازي صقراً،

حديث البراجم

تنفج نفش ريشه، وذلك أن الحبارى إذا رأت الصقر تنفشت واتقته بسلحها. ولقدْ وسمتكَ يا بعيثُ بميسميِ ... وضَغا الفرزدقُ تحتَ حدِّ الكلكلِ الكلكل الصدر، وذلك قتل الفحول، إنما تضع الرجل تحت كلكلها فتطحنه. حسبُ الفرزدقِ أَنْ تسُبَّ مُجاشِعٌ ... ويعُدَّ شِغرَ مُرَقَّشٍ ومُهلهلِ طلبتْ قُيُونَ بَني قُفيرةَ سابِقاً ... غمرَ البديهةَ جامحاً في المسحلِ قفيرة أم صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع، والمسحل جديدتا اللجام تكتنفان اللحيين يمنة ويسرة، وفأس اللجام الذي فيه لسانه. قال: حدثني عمارة بن عقيل، قال: أم قفيرة اسمها المذبة، وكانت المذبة وليدة لكسرى، وهبها لزرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، فوهبها زرارة لابنة أخيه يثربي بن عدس بن زيد، وزوجها مرثد ابن الحارث، أو زياد بن الحارث، فساعاها أخوه سكين بن الحارث فجاءت بقفيرة، فجاءت بأجمل من الشمس، فتزوجها ناجية ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع، على أنها من عبد الله بن دارم فنعاها عليه جرير. حديث البراجم وأما حديث البراجم، فإن ضابئ بن الحارث بن أرطاة بن شهاب

بن شراحيل بن عبيد بن خاذل بن قيس بن حنظلة، وهو ابن الحذاقية، وكان رجلاً يقتنص الوحش، واستعار من بني عبد الله بن هوذة بن جرول بن نهشل بن دارم كلباً لهما يقال له قُرحان، فكان يصيد به الظباء والبقر والضباع، فلما بلغهم ذلك حسدوه، فركبوا يطلبون كلبهم، فقال لامرأته اخلطي لهم في قدرك من لحوم البقر والظباء والضباع، فإن عافوا بعضاً وأكلوا بعضاً تركوا كلبك لك، وإن لم يعرفوا بعضه من بعض فلا كلب لك، فلما أطعمهم أكلوه كله ولم يعرفوا بعضه من بعض، ثم أخذوا كلبهم. فقال ضابئ بن الحارث في ذلك: تجشَّمَ دوني وفْدُ قُرحانَ شُقَّةٍ ... تظلُّ بها الوجناءُ وهي حسيرُ ويروى الأدماء. فأردفتُهُم كلباً فراحُوا كأنَّما ... حَبَاهم ببيْتِ المرزُبانِ أَمير فيا راكباً إمَّا عرضتَ فبلِّغنْ ... ثُمامةَ عنِّي والأمورُ تَدور فإنَّكَ لا مُستضعفٌ عن عنائِهِ ... ولكنْ كريمُ المُستطاعِ فَخُور فأُمَّكُمُ لا تُسلمُوها لِكلبكُم ... فإن عُقوقَ الوالِداتٍ كبير وإنَّكَ كلبٌ قد ضريتَ بما تَرى ... سميعٌ بما فوق الفِراشِ بَصير إذا عثَّنتْ من آخرِ الليلِ دُخنةً ... ببيتُ له فوق الفِراشِ هَرِير

العثان الدخان. فاستعدى عليه بنو عبد الله بن هوذة، عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأرسل إليه، فأقدمه، وأنشدوه الشعر الذي قال في أُمهم، فقال عثمان: ما أعلم في العرب رجلاً أفحش ولا ألأم منك، وإني لأظن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان حيا لنُزل فيك قرآن. فقال ضابئ: منْ يَكُ أَمسَى بالمدينةِ رَحْلُهُ ... فإني وقيَّاراً بها لغَريبُ قيار بعيره وفرسه أو رفيقه. وما عاجلاتُ الطيرِ يُدنينَ مِلْ فَتَى ... رَشَاداً ولا عَنْ ريثهنَّ يخيبُ ويروى تدني من الفتى: ورُبَّ أُمورٍ لا تضيرُكَ ضيرةً ... وللقلبِ من مخشاتِهنَّ وجِيبُ ولا خيرَ فيمنْ لا يوطِّنُ نفسهُ ... على نائِباتِ الدَّهرِ حينَ تنُوبُ وفي الشَّكِّ تفريطٌ وفي العَزْمِ قُوَّةٌ ... ويخطِئُ بالحدْسِ الفتى ويُصيبُ ولستَ بمُستبقٍ صديقاً ولا أَخاً ... إذا لم تعدِّ الشَّيءَ وهو يَريبَ ورواية إذا لم تعد بالصفح، ويروى بالفضل حين يريب. فقضى عثمان رضي الله عنه لبني هوذة على ضابئ، بجز شعره

وخُمس إبله. وانحدروا من المدينة إلى لصاف، فحبسوه عند أُمهم الرباب بنت قرط إحدى نساء بني جرول بن نهشل فقال ضابيء: مَنْ مُبلغُ الفتيانِ عَنِّي رِسَالةً ... بأَنِّي أَسيرٌ رَبَّتي أُمُّ غَالِبِ ويروى في يدي أم غالب، فقالت أمهم: والذي أنا أمة له ليطلقن، فأطلق وأخذ ضابئ بعد ذلك ثمامة بن عبد الله بن هوذة بإثبيت فضربه وشجه، فاستعدوا عليه عثمان رضي الله عنه، فأرسل عثمان، فشُخص به إلى المدينة، فسأل بني عبد الله البينة على ما ادَّعوا من ضرب ضابئ أخاهم، فلم تكن لهم بينة، فحبس عثمان ضابئاً في السجن، فعرض ذات يوم أهل السجن، فخرج ضابئ وقد شد سكَّيناً على ساقه يريد أن يفتك بعثمان ففطن له، وأُخِّر فضُرب بالسياط، وأُمر به فحُبس، فقال ضابئ في حبسه، وفيما همَّ به من قتل عثمان رضي الله عنه: من قافِلٌ أدَّى الإلهُ ركابهُ ... يُبلِّغُ عنِّي الشِّعرَ إذ ماتَ قائِلُهْ فلا يَقبلَنْ بعدي امرُؤٌ ضيمَ خُطَّةٍ ... حِذارِ لِقاءِ الموتِ فالموتُ نَائِلُهُ ولا تُتبعنِّي إن هلكتُ ملامةً ... فليس بعارٍ قتلُ منْ لا أُقاتلُه فإني وإيَّاكم وشَوقاً إليكُمُ ... كَقابضِ ماءٍ لم تسقهُ أَناملُه هممتُ ولم أفعلْ وكِدتُ وليتَني ... تُركتُ على عثمانَ تَبْكي حلائلُه وقائلةٍ إنْ ماتَ في السِّجْنِ ضَابئٌ ... لنعمَ الفَتَى نخْلُو به ونُداخِلُهُ وقائلةٍ لا يبعدنْ ذلك الفتى ... إذا احمرَّ منْ بردِ الشِّتاءِ أصائِلُهُ وقائلةٍ لا يُبعدُ الله ضابئا ... إذا الكبشُ لم يوجد له من يُنازلُه وقائلةٍ لا يبعدنْ ذلك الفتى ... إذا العزبُ التَّرعيُّ شَصَّ شوائِلُه الترعي البصيرُ بالرعي، الشصوص التي لا لبن لها.

وقائلةٍ لا يُبْعِدُ الله ضابئاً ... إذا الخَصْمُ لم يُوجدْ له مَنْ يحاوِلُه وبِئسَ ابنُ عمِّ المرءِ يومَ دعوتَهُ ... فِراسٌ تَنُوَّسُ عفلُهُ وبآدِلُه العفل العجان، والبآدل لحم الصدر. وقائلةٍ لا يُبْعِدُ الله ضابئاً ... إذا الرِّفدُ لم يملأ ولم يألُ حاملُه وقائلةٍ لا يبعدنْ ذلك الفتى ... ولا تبعَدَنْ آسانُهُ وشمائِلُه ويروى أخلاقه، آسانه طرائقه واحدها أسن، فلم يزل ضابئ محبوساً حتى أصابته الدبيلة، فأنتن ومات في سجن عثمان رضي الله عنه. رجع إلى شعر جرير: قُتِلَ الزُّبيرُ وأنتَ عاقِدُ حُبوةٍ ... تبَّاً لحُبوتِكَ التَّي لَمْ تُحللِ ويروى قبحاً لحبوتك، قال: ادعى جرير أن الزبير كان جارا للنعر بن زمام المجاشعي ولم يكن أجاره. وافاكَ غدرُكَ بالزُّبيرْ على مِنىً ... ومَجرُّ جعثنكُمْ بِذاتِ الحرمَلِ يريد منى التي عند مكة، جعثن بنت غالب، وكان غالب جاور طلبة ابن قيس بن عاصم بالسيدان، فكانت ظمياء بنت طلبة تحدث إلى جعثن، فاشتهى الفرزدق حديثها، وشُغلت أخته ليلة، فأخذ الفرزدق الجلجل الذي كانت جعثن تصفق به لظمياء لتجيء وغفل نفسه لها ثم حرك الجلجل، فجاءت ظمياء للعادة، فارتابت بالفرزدق، وهتفت وعادت إلى رحلها، فلما سُمع بأمرها، تجمع فتيان من مقاعس، أحدهم عمران بن مرة، ومقاعس بن صريم، وربيع، وعبيد، بنو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد، فاستخرجوا جعثن من خبائها، ثم

سحبوها ليُسمعوا بها، فعيَّره بعد جرير، ولم يكن أكثر من ذلك، وكل ما ادعى جرير غير هذا فهو باطل، ويقال إن جعثن كانت امرأة عفيفة مسلمة صالحة. باتَ الفرزدقُ يستجيرُ لنفسهِ ... وعجانُ جعثنَ كالطَّريقِ المُعملِ أينَ الَّذينَ عددتَ أنْ لا يُدرِكوا ... بمجرِّ جعثنَ يابْنَ ذاتِ الدُّمَّلِ ويروى أن يتداركوا، يقول: بها حكة في فرجها فهي تحك يعني البظر. أسلمتَ جعثِنَ إذْ يُجَرُّ برجلِها ... والمنقرَيُّ يدُوسُها بالمنِشلِ المنقري عمران بن مرة، والمنشل ذكره، والمنشل حديدة يُنشل بها اللحم من القدر فشبه الذكر به. تهوَى أسْتُها وتقولُ يالَ مُجاشِعٍ ... ومشقُّ نُقبيتِها كَعينِ الأقبلِ الأقبل الذي انقلبت حدقتاه على أنفه، والأخزر الذي انقلبت حدقتاه إلى أذنيه، والأحول الذي ارتفعت عيناه إلى حاجبيه. لا تذكُروا حُلَلَ الملُوكِ فإِنَّكُمْ ... بعدَ الزُّبيرِ كحائضٍ لَمْ تغُسَلِ أَبُنيَّ شِعْرَةَ لَنْ تَسُدَّ طَريقنا ... بالأعميين ولا قُفيرة فأزحَلِ قال أبو عبيدة: يقال للرجل إذا احتقر وعيب ابن شعرة، ويروى بالأخشبين. الأعميان قال: كان غالب أعور وأخوه أعمى، والأخشبان رزام وكعب

وربيعة بنو مالك بن حنظلة وهم الخشبات. ما كانَ يُنكَرُ في نَديِّ مُجاشِعٍ ... أَكْلُ الخزِيرِ ولا ارْتِضاعُ الفيشلِ قال أبو عبيدة. عطش نحيح بن مجاشع في فلاة، ومعه ثعالة مولى له، إما حليف وإما عسيف، فاشتد عطشهما، فلما أدركهما الموت أقبل نحيح فوضع فاه على جردان ثعالة فمصه فشرب بوله، فلم ينفعه ومات، وفعل مثل ذلك ثعالة فلم ينفعه أيضاً فماتا ففي ذلك يقول جرير: رَضِعتُم ثُمَّ سالَ على لحَاكُم ... ثُعالَةَ حيثُ لم تجدوا شَرَاباً ولقَدْ تَبيَّنَ في وُجوه مُجاشع ... لُؤْمٌ يثورُ ضَبَابُهُ لا يَنجَلي ولقدْ تركْتُ مُجاشِعاً وكأنَّهُمْ ... فقعٌ بِمَدْرَجَةَ الخَميسِ الجَحْفَل فقع كمأة بيضاء كبار، يضرب بما المثل في الذل، يقال: أذل من فقع بقاع، لأنه يوطأ وتأكله الطير وغيره. والخميس الجيش وجحفل كثير الجلبة. إنِّي إلى جبليْ تَمِيمٍ معقلي ... ومحلُّ بَيْتي في اليَفاعِ الأطْوَلِ معقلي ملجئي وحرزي. أَحلامُنَا تَزنُ الجِبالُ رَزانةً ... ويَفوقُ جاهِلُنا فَعالَ الجُهَّلِ فَأرْجِعْ إلى حكميْ قُرَيْشِ إنَّهُمْ ... أهْلُ النُّبُوةِ والكتابِ المُنزلِ يعني هاشما وأُمية، ويروى الخلافة، ويقال حكما قريش عبد مناف وهاشم.

فاسألْ إذا خرجِ الخِدامُ وأُحْمِشَتْ ... حربٌ تضَرَّمُ كالحَرِيق المُشْعَلِ ويروى واسأل، والخدام الخلاخيل يعني في الغارة. والخيلُ تنحطُ بالكُماة وقدْ رأوا ... لمعَ الرَّبيئة في النِّيافِ العيْطَلِ تنحط تزفر، والنياف العيطل الطويلة المشرفة. أبنُو طُهيَّةَ يعدلونَ فَوارسي ... وبَنَو خَضافِ وذاك ما لَمْ يُعدَلِ وإذا غضِبْتُ رمى ورائِي بالحَصَى ... أبناءُ جندلَتِي كَخَيرِ الجندَلِ جندلة بنت تيم الأدرم بن غالب بن فهر بن مالك، وهي أم يربوع ومازن. عمرٌو وسعدٌ يا فرزدقُ فيهمُ ... زُهْرُ النُّجومِ وباذخاتُ الأجبلِ عمرو يعني تميم بن مر، وسعد بن زيد مناة، كانا حليفين، زهر بيض كالنجوم، باذهات عاليات، وجاء في الحديث "إنَّ يومَ الجمعةِ يومٌ أزهر وليلتها غراء" كانَ الفرزدقُ إذْ يعوذُ بِخالهِ ... مثلَ الذليلِ يعوذُ تحتَ القرمَلِ القرملُ شجر ضعيف لا شوك له، ومثل للعرب: ذليل عاذ بقرملة، وأيضاً في مثل: كقرملة الضب الذي يتذلل، ويروى عبد صريخته أمه، ويروى أمة، ويروى حين عاذ بخاله. وافخرِ بضبَّةَ إنَّ أُمكَ منهُمُ ... ليسَ ابنُ ضبَّةَ بالمُعمِّ المُخولِ

وقضتْ لنَا مُضَرٌ عليكَ بِفَضلِنا ... وقَضتْ ربيعةُ بالقَضاء الفَيصلِ إنَّ الذَّي سمكَ السَّماءَ بَنى لَنَا ... عِزَّاً عَلاكَ فَما لَهُ مِنْ مَنْقَلِ أَبِلْغْ بَني وقبَانَ أَنَّ حُلومَهُمْ ... خَفَّتْ فَلا يزنُونَ حبةَ خردَل وقبان نبز لبني مجاشع. أزْرى بحِلْمكُمُ الفِياشُ فأنتُمُ ... مثْلُ الفَراشِ غَشِينَ نارَ المُصطَلي لَوْ نِكْتَ أُمكَ بعدَ أكلِ خزيرِها ... لتعُدَّ مِثلَ فَوارِسي لَمْ تفعلِ في مُزْبِدٍ غمقٍ كأنَّ مشقهُ ... خلُّ المجازةِ أوْ طريقُ العُنْصُلِ غمق كثير الندى، له غور يريد الفرج، والخل طريق في الرمل تَصفُ السُّيوفَ وغيرُكُمْ يعصَى بها ... يا بْنَ القُيونِ وذاكَ فِعْلُ الصَّيْقَلِ يعصى بها أي يتخذها شبيهاً بالعصا. وبرحاحانَ تخضخضتْ أصلاؤُكمْ ... وفزعتُمُ فزعَ البِطانِ العُزَّلِ قال أبو الوثيق أحد بني سلمى بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة، لما التحفت بنو دارم على الحارث بن ظالم قاتل خالد بن جعفر ابن كلاب، وأبوا أن يسلموه أو يخرجوه من عندهم،، غزاهم ربيعة الأحوص بن جعفر بن كلاب بأفناء عامر، طالباً بدم أخيه خالد بن

جعفر، عند الحارث بن ظالم، فالتقوا برحرحان، وفيهم يومئذ الحارث بن ظالم، فقاتل في القوم، فلم يُذكر منه بلاء يومئذ، فتفرقت بنو دارم، وهرب معبد بن زراررة، فقال رجل من غني لعامر والطفيل ابني مالك بن جعفر بن كلاب: هذا رجل معلم بسب أحمر - وأصل السب الخمار وهو العمامة هاهنا - يستدمي - أي به جرح - يُطاطئ رأسه فدمه يسيل، رأيته يسند في الهضبة. وكان معبد طُعن طعنة في كدرة الخيل - أي دُفعتها - فصرع، فلما أجلت عنه الخيل سند في هضبة من رحرحان - ورحرحان جبل. فقال عامر والطفيل للغنوي: اسند فاحدره فسند الغنوي فحدره عليهما. فإذا معبد بن زرارة، فأثابا الغنوي عشرين بكرة ثوابا له من معبد، فكان أسيرهما. وأما درواس بن هني - ويقال هيي بياءين وكسر الهاء - أحد بني زُرارة، فزعم أن معبداً كان برحرحان معتنزا - ومعناه متنحيا عن قومه - في عُشراوات له، فأخبر الأحوص بمكانه، فاغتره فوقد لقيط بن زرارة عليهم في فداء أخيه، فقال: لكم عندي مائتا بعير فقالوا: إنك يا أبا نهشل سيد الناس، وأخوك معبد سيد مُضر، فلا نقبل منك فداءه إلادية ملك، فأبى أن يزيدهم، وقال: إن أبانا كان أوصانا أن لا نزيد لأسير منا على مائتي بعير فيحب الناس أخذنا، فقال معبد: والله لقد كنت أبغض اخوتي إلي وفادة عليَّ، لا تدعني ويلك يا لقيط فو الله إن غُيِّب نعمي من المنمح والفقر لأكثر من ألف بعير، فافدني بألف بعير من مالي، فقال لقيط: ما أنا بمنط عنك شيئاً يكون على أهل بيتك سُنة سُبكاً - أي لازمة - ويدرب له الناس بنا يُدرب يعتاد، فقال معبدُ ويلك يا لقيط لا تدعني فلا تراني بعد اليوم أبداً،

فأبى لقيط ومنى معبداً أن يستنقذه ويغزوهم. وأما أبو ثعلبة العدوي - ويقال أبو نعامة العدوي - فقال: قال معبد لأخيه لقيط: لا تردني إلى مكاني الذي كنت فيه، فو الله لئن رددتني لأموتن. فقال له لقيط: صبراً أبا القعقاع، إن أبانا كان أوصانا أن لا نزيد بفداء أحد منا على فداء أحد من قومنا. وأما درواس فقال: قال لقيط وأين وصاة أبينا ألا تؤكلوا العرب أنفسكم، ولا تزيدوا بفدائكم على فداء رجل من قومكم، فيدرب بكم ذؤبان العرب؟ أنفسكم، ورحل لقيط عن القوم، فسقوا معبداً الماء وضاروه حتى هلك هزلا. وأما أبو الوثيق فقال: لما أبى ولقيط أن يفادي معبداً بألف بعير، ورجع عنهم، ظنوا أنه سيغزوهم، فقالوا: ضعوا معبداً في حصن هوزان، فحملوه حتى وضعوه بالطائف، قال: فجعلوا إذا سقوه قراه لم يشرب، وضم بين فقميه، وقال: أأقبل قراكم وأنا في القد أسيركم؟ فلما رأوا ذلك عمدوا إلى شظاظ، فأولجوه في فيه فشحوا به فاه، ثم أوجروه اللبن رغبة في فدائه، وكراهية أن يهلك، فلم يزل حتى هلك في القد. فلما هجا عديا لقيط وتيما، قال عوف بن عطية التيمي يعيره أسر بني عامر معبداً وفراره عنه: هلاَّ فوارِسَ رحرحانَ هجوْتُّمُ ... عُشراً تَناوَحُ في سرارَةِ وادِ لا تأكُلُ الإبلُ الفراثُ نباتهُ ... ما إنْ يقومُ عمادُهُ بعمادِ أي هو أضعف العماد. ويروى أولا يقوم، ويروى إذ لا يقوم.

هلاَّ كرَرْتَ على ابنِ أُمِّكَ معبَدٍ ... والعامريُّ يقوده بِصِفادِ وذكرتَ من لبَنِ المُحلقِ شربةً ... والخيلُ تعدو بالصَّعيدِ بِدَادِ ويروى وشربت، والمحلق سمة إبل زرارة، قال أبو عبيدة: وبقية هذه القصيدة مصنوعة. قوله هلا كررت على ابن أمك وليس أمهما واحدة، ولكن لهما أُمهات تجمعهما فوق ذلك، والمحلق سمة إبل بني زرارة. وقال لبيد بن ربيعة يذكر يوم رحرحان في كلمة له: منها خُوَيٌّ والذُّهابُ وقبلهُ ... يومٌ بُبرقةِ رحرحان كريمُ الذهاب غائط من أرض بني الحارث بن كعب أغار عليهم فيه عامر بن الطفيل، وعلى أحلافهم من أهل اليمن. غائط مهبط من الأرض، ومنه سُمي الغائط. بكتائبٍ رُجُحٍ تعوَّد كبشُها ... نطحَ الكباشِ كأَنَّهُنُ مُجُومُ ويروى روح: نَمضي بها حتى نُصيبَ عدوَّنا ... ويُرَدُّ منها غانمٌ وكليمُ وقال أبو الوثيق: قال عامر بن الطفيل يذكر ميتة معبد - قال أبو عبيدة:

فقلت له: أو أدرك عامر يومئذ؟ فقال: لا، إنما ركضت به أمه يوم جبلة ولكنه فخر بعد ذلك فقال: قضينَا الجونَ عن عبسٍ وكانت ... منيَّةُ معبدٍ فينا هُزالا وقال جرير لما هاجى الفرزدق ينعى بني دارم يوم رحرحان: وليلةَ وادي رحرحانَ رفعتُمُ ... فِراراً ولم تلوُوا زفيفَ النَّعائِمِ تركتُم أبَا القعقاعِ في الغُلِّ معبداً ... وأيَّ أخٍ لم تُسْلِمُوا للأداهمِ! وقال جرير أيضا: ومعبدكُمْ دَعَا عُدُسَ بنَ زيدٍ ... فأُسلِمَ للكُبُولِ وللهُزَالِ قال: فلما انقضت وقعة رحرحان، جمع لقيط بن زرارة لبني عامر وألب عليهم. وبين يوم رحرحان ويوم جبلة سنة كاملة، وكان يوم جبلة، قبل الإسلام بخمس وأربعين سنة في قول المكثر، وذلك عام ولد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قول المقلل أربعين سنة. خُصِيَ الفرزدقُ والخِصاءُ مذلَّةٌ ... يرجو مُخاطَرَةَ القُرومِ البُزَّلِ هاب الخَواتنُ منْ بَناتِ مُجاشعٍ ... مثلَ المحاجنِ أوْ قُرونَ الأيلِ وكأنَّ تحتَ ثِيابِ خُورِ نسائِهمْ ... بطَّا يُصوتُ في صَراةِ الجدولِ الخور المناتين، وكل ماء مجتمع صراة. قعدتْ قفيرةُ بالفرزدقِ بعدَما ... جهدَ الفرزدقُ جهدهُ لا يأتلي ألهى أباكَ عن المكارِمِ والعُلا ... ليُّ الكتائفِ وارتفاعُ المرجَلِ

الكتائف الضبات الواحدة كتيفة، والمرجل القدر، وكل قدر عند العرب مرجل. ولدتْ قُفيرةُ قدْ علمتُم خبثةً ... بعدَ المشيبِ وبظرُها كالمنجلِ بزرُودَ أرقصتِ القعودُ فِراشها ... رعثاتِ عُنبلُها الغدفْلِ الأرعَلِ الغدفل المسترخي، والأرعل مثله، ويروى الأرغل، والأغرل. أشْركتِ إذْ حُمِلَ الفرزدقُ خبثةً ... حوضَ الحمارِ بليلةٍ منْ نبتلِ ويروى أشركت إذ حملت لأمك خبثة. قوله أشركت يخاطب أم الفرزدق فيقول: أشركت في حمل الفرزدق. وحوض الحمار يعني غالباً أبا الفرزدق. بليلة من نبتل فجئت به منهما جميعاً مشتركين فيه. أبلغُ هديتيَ الفرزدقَ إنَّهُ ... ثِقلٌ يُزادُ على حسيرٍ مُثقلِ إنَّا نُقيمُ صَغا الرُؤُوس ونختلي ... رأسَ المُتوجِ بالحُسامِ المقصلِ وقال الفرزدق: أقُولُ لصاحبيَّ من التَّعزي ... وقَدْ نكَّبنَ أكثبةَ العقارِ نكبن عدلن وتركنها ناحية، أكثبة جمع كثيب، والعقار أرض لباهلة، ويقال اسم رمل، ويقال أرض لبني عامر، ويقال لها عقار الملح، وهو بين اليمامة وعقيق بني كعب. أعيناني عَلى زَفراتِ قَلْبٍ ... يحِنُّ برامتينِ إلى النَّوارِ إذا ذُكرتْ نَوارُ لهُ استهلتْ ... مدامعُ مُسبلِ العبراتِ جارِ

استهلت قطرت قطراً له صوت من شدة وقعه، ومنه قولهم: إذا استهل الصبي ورث، يقول: إذا سقط من بطن أمه حياً فصاح وُرث وإلا لم يُورث. فَلَمْ أر مثْلَ ما قطعتْ إلينا ... منَ الظُّلمِ الحَنادِسِ والصَّحارِي الحنادس ليال شديدة الظلمة، يقال: ليلة حندس وليال حنادس. تخوضُ فرُوجهُ حتَّى أتينا ... عَلَى بُعدِ المُناخِ مِنَ المَزارِ فروجه طرقه، يريد طرق ما قطعت إلينا، والهاء لما قطعت الينا. وكيفَ وِصالُ مُنقطعٍ طَرِيدٍ ... يغورُ معَ النُّجُومِ إلى المغارِ قوله يغور مع النجوم أي وجهته إلى الشام ناحية المغرب. كسعْتُ ابنَ المراغة حينَ ولَّى ... إلى شرِّ القبائِل والدِّيارِ الكسع أن يضرب الرجل مؤخر الرجل بصدر قدمه محقرة له. إلى أَهلِ المضايقِ مِنْ كُليبٍ ... كِلابٍ تحتَ أخبيةٍ صِغارِ ألا قبَحَ الإلهُ بَنِي كُليبٍ ... ذَوي الحُمُراتِ والعمدِ القصارِ نساءٌ بالمضايقِ ما يُوارِي ... مخازيهُنَّ مُنتقبُ الخِمارِ

أي أن المرأة يواريها خمارها، وهؤلاء لا يواريهن الخمار لفجورهن هذا قول أبي سعيد، وقال غيره: يعني أنهن يبرقن للرجال، وقال بعضهم يعني أنهن مقاريف فإذا انتقبن بدا سواد محاجرهن. وما أبكارهُنَّ بثيِّباتٍ ... ولدنَ من البُعولِ ولا عذاري يقول: لم يلدن من الأزواج، ولكن من غيرهم، ولسن بعذارى، يقول: ولدن من الطريق. ولوْ تُرمى بلُؤْمِ بني كٌليبٍ ... نُجومُ اللَّيلِ ما وضحتْ لِساري ولوْ لَبسَ النَّهارَ بنُو كُليبٍ ... لدنَّس لُؤْمُهُم وضحَ النَّهارِ ومَا يغدُو عزيزُ بنَي كُليبٍ ... ليطلُبَ حاجَةً إلاَّ بِجارِ بنوُ السِّيدِ الأشائِمُ للأعادِي ... نَموْني للعُلى وبنُو ضِرارِ السيد بن مالك بن عمرو بن بكر من بني ضبة، وضرار هو رديم بن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة. وعائِدَةُ الَّتي كانَتْ تميمٌ ... يُقدُمها لمحميةِ الذِّمارِ وأصحابُ الشَّقيقةِ يومَ لاقَوْا ... بَني شيبانَ بالأسلِ الحِرارِ أصحاب الشقيقة بنو ثعلبة بن سعد بن ضبة، يعني قتل عاصم بن خليفة الضبي بسطام بن قيس الشيباني، والأسل الرماح. وقوله الحرار هي العطاش، يقول: هي عطاش لم ترو من الدم بعدُ.

حديث الشقيقة

حديث الشقيقةِ قال أبو عبيدة: الشقيقة كل جمد بين جبلي رمل. والجمد غلظ وصلابة، وهو أيضا يسمى نقا الحسن. والحسن اسم رمل بعينه. قال أبو عبيدة: غزا بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن عبد الله ذي الجدين ضبة، ومعه أخوه السليل بن قيس، ومعه دليل من بني أسد يسمى نقيداً، فلما كان بسطام في بعض الطريق، رأى كأن آتيا أتاه فقال له: الدلو تأتي الغرب المزلة. فلما أصبح بسطام قصها على نقيد الأسدي فتطير منها نقيد، وقال له: أفلا قلت: ثم تعود بادنا مبتلة؟ فتفرط عنك النحوس. ووجل منها نقيد. وحدث الأصمعي بمثل حديث أبي عبيدة في رؤيا بسطام، وذهب البيتان مثلا. قال أبو عبيدة: وذهب بسطام على وجهه فلما دنا من نقا يقال له الحسن، في بلاد بني ضبة صعده ليربأ، فإذا هو بنعم قد ملأ الأرض، فيه ألف بعير لمالك بن المنتفق الضبي من بني ثعلبة بن بكر بن سعد بن ضبة، قد فقأ عين فحلها - وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية إذا بلغت إبل أحدهم ألف بعير فقأ عين فحلها ليردوا عنها العين - وإبل من تبعه كأنها الرطب، ومالك بن المنتفق فيها على فرس له جواد، فلما أشرف بسطام النقا، تخوف أن يروه فينذروا به، فاضطجع بطنه لظهره، وتدهدى حتى أسهل بمستوى من الأرض، وقال: يا بني شيبان لم أر كاليوم في الغرة وكثرة النعم، فلما نظر نقيد الأسدي إلى لحية بسطام معفرة بالتراب حين أسهل، تطير له من الأولى إلى الأخرى وأخذ زلزه، فتهيأ لفراقه والانصراف عنه، وقال: ارجع يا أبا الصهباء،

فإني أتخوف عليك أن تقتل، فعصاه وركب نقيد الطريق ففارقه. وركب بسطام وأصحابه فأغاروا على الإبل فاطردوها، وفيها فحل لمالك يقال له شاغر وكان أعمى، وركب مالك بن المنتفق فرسه ونحا نحو قومه بني ضبة، حتى إذا أشرف على تعشار نادى: يا صباحاه، ولحق مالك راجعاً حتى تداركت الفوارس القوم، وهم يطردون النعم، فجعل فحله شاغر يشذ من النعم، فلكما شذ شاغر أو ناقة من الإبل لم يلحق طعنوه ليلحق، ومالك يرى ما يصنعون، فقال مالك: لبسطام لا تعقرها لا أبالك، فإما لنا وإما لك، وهذه الخيل قد لحقت فأبى بسطام، وكان في أُخريات الناس على فرس له يقال له الزعفران. وقال مالك لأصحابه: ارموا مزاد القوم فجعلوا يرمونها فيشقونها، وقال مالك: رويدا يلحق الداريون، فلحقت بنو ثعلبة، وفي أوائلهم عاصم بن خليفة الصباحي وكان رجلاً به طرقة - أي ضعف عقل - وكان يقع حديدة له قبل ذلك في أيام صفره قبل وقت الغزو - وقال بعضهم: كان يعقب قناة له فيقال له ما تصنع بها يا عاصم، فيقول: أقتل بها بسطاما. - وقال بعضهم أقتل بها سيد بكر - فيهزؤون منه. فلما جاء الصريخ إلى بني ضبة، أسرج أبوه فرسه، ثم جعل يشد أزرار الدرع عليه، فبادره ابنه عاصم فركب فرس أبيه، فناداه أبوه مراراً فجعل لا يلتفت إليه ولا يجيبه، فأوصاه بما يصنع وكيف يحذر، فلحق وقد سبقه الفرسان، وقد شد حديدة على عارضة هودج - وقال بعضهم ركبها في قناة - فقال عاصم لرجل من فرسان بني ضبة أيهم الرئيس بأبي أنت؟ قال حاميتهم صاحب الفرس الأدهم، وبسطام يحميهم، فقام عاصم فعلا عليه بالرمح يعارضه حتى إذا كان حياله رماه بالفرس، وجمع يديه في رمحه فلم يخطئ حاق صماليخ أذنه،

حتى خرج السنان من الناحية الأخرى، وخر بسطام على الآلاءة، ميتا، فلما رأت ذلك بنو شيبان خلوا سبيل النعم، وولوا الأدبار، فمن قتيل وأسير، وأسر بنو ثعلبة بجاد بن قيس بن مسعود في سبعين من بني شيبان. فقال ابن عنمة الضبي، وهو يومئذ مجاور في بني شيبان وخاف أن يقتل: لأُم الأرضِ ويلٌ ما أجنَّتْ ... بحيثُ أضرَّ بالحسنِ السبيلُ يقسَّمُ مالهُ فينا وندعُو ... أبَا الصَّهباءِ إذ جنحَ الأصيلُ أجِدَّكِ لن تريهِ ولن نرَاهُ ... تخُبُّ به عذافرةٌ ذَمولُ حقيبةُ رحلِها بدنٌ وسرجٌ ... تُعارضُها مربيةٌ دؤُولُ إلى ميعادِ أرعنَ مُكفهرُ ... تُضمَّرُ في جوانبهِ الخُيولُ لك المُرباعُ منها والصَّفايا ... وحُكمُكَ والنشيطةُ والفُضُولُ لقد ضمنتْ بنو زيدِ بن عمرو ... ولا يُوفى بِبسطامٍ قتيلُ وخرَّ على الألاءةِ لم يُوسَّد ... كأنَّ جبينه سيفٌ صقيلُ فإن تجزَعْ عليه بنو أبيهِ ... فقد فُجِعوا وفاتهُم جليلُ بِمِطعامٍ إذا الأشوالُ راحتْ ... إلى الحُجراتِ ليس لها فصيلُ وقال شمعلة بن الأخضر بن هبيرة بن المنذر بن ضرار: ويومَ شقائقِ الحسنينِ لاقَتْ ... بنو شَيبانَ آجالاً قِصاراً شَككنا بالرِّماحِ وهُنَّ زُورٌ ... صِماخيْ كبشهم حتى استدارا

وأوجزناهُ أسمرَ ذا كُعُوبٍ ... يُشبهُ طولُهُ مسداً مُغارا وقال محرز بن المكعبر الضبي - ويقال إنها لسنان بن ماجد من تيم الرباب - يفخر بفعال بني ضبة: أطلقتُ من شيبانَ سبعينَ عانِياً ... فآبُوا جميعاً كُلُّهم ليس يشكُرُ إذا كنتَ في أفناءِ شيبانَ مُنعماً ... فجزُّ اللِّحى إنَّ النَّواصِيَ تُكفَرُ فَعلَّ تميماً أنْ تُغيرَ عليكُمُ ... بجيشٍ وعلِّي أَن أُغيرَ فأقدِرُ فلا شُكركُمْ أَبغي إذا كنتُ مُنعماً ... ولا ودَّكُم في آخرَ الدَّهرِ أُضمِرُ وقال ابن علاقة أخو بني الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان، يعير آل ذي الجدين، تركهم قيس بن مسعود بن قيس بن خالد رهينة في يد كسرى حتى مات، وأنهم إنما رهنوه بأكلة تمر، وبتزويجهم امرأته في حياته، وبقتل عاصم بن خليفة الضبي بسطاما، وأنهم لم يثأروا به فقال: أقيسَ بنَ مسعودٍ رهنتُم بأكلةٍ ... من التمرِ لم تُشبعْ بُطونَ الجراضِمِ وأَنتم نكحتُم عرسَهُ في حياتِهِ ... فكانَتْ عليكمْ بعدُ ضربةَ لازِمِ فَخرتُمْ ببسطامٍ ولم تثأرُوا بهِ ... أحارِ بنَ همَّامٍ حلائِلَ عاصِمِ فعيرهم أنهم لم يُدركوا بدم بسطام، وجعلهم حلائل لعاصم بن خليفة الضبي. وقال الفرزدق يفخر بفعال بني ضبة قصيدة غير هذه: خالي الذي تركَ النَّجيعَ برُمحِهِ ... يومَ النَّقا شرِقاً على بِسطامِ

رجع إلى القصيدة: وسامٍ عاقِدٍ خرزاتِ مُلْك ... يَقودُ الخيلَ تنبذُ بالمِهارِ عاقد خرزات ملك أي ملك عليه تاج، وكانت الملوك تعقد في تيجانها من الخرز عدد سني مملكتها فكلما زادت سنة زادوا خرزة. أناخَ بِهمْ مُغاضبةً فلاقَى ... شعوبَ الموتِ أو حلقَ الإسارِ شعوب الموت يعني المنية وحلق الأسار يعني القيود. ويروى حمام الموت. وحياض الموت. وفضَّلَ آل ضبَّة كُلَّ يومٍ ... وقائِعُ بالمجُرَّدةِ العواري المجردة السيوف تجرد من أغمادها فتعرى. وتقديمٌ إذا اعتركَ المنايا ... بجُرْدِ الخيلِ في اللُّججِ الغمارِ الجرد جمع أجرد وهو القصير الشعر. وتقتيلُ الملوكِ وإنَّ منهُمْ ... فوارِسَ يومِ طخفةَ والنِّسارِ أراد بطخفة والنسار يوم ضرية، فلم يمكنه في الشعر فجعله يوم طخفة، والنسار لقربهما من ضرية. وإنَّهُمُ هُمُ الحامون لمَّا ... تواكلَ منْ يذودُ عنِ الذِّمارِ تواكل ضعف واتكل على غيره. والذمار ما يجب على الرجل أن يحميه ويحوطه من وراء ظهره.

حديث النسار

ومنهمْ كانتَ الرُّؤساءُ قدماً ... وهُمْ قتلُوا العدُوَّ بكُلِّ دارِ فَما أمْسى لِضبةَ مِنْ عدُوِّ ... يَنامُ ولا يُنيمُ منَ الحِذارِ حديث النِّسار قال أبو عبيدة: والنسار أجبل متجاورة، ويقال لها الأنسر والنسار، وفيه أقاويل وادعاء من الرباب، ومن الرباب، ومن قول بني أسد وغطفان وغيرهما من قيس عيلان. قال أبو عبيدة: هو عندي باطل مختلط، أخذ عن جُهال، وجاء الشعر الثابت الذي لا يرد بغير ذاك. قال أبو عبيدة: حدثني قيس بن غالب بن عباية بن أسماء بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو الفزاري، وشيخ علامة من بني قتيبة بن معن ابن باهلة، وأبو مرهب رتبيل الدبيري من بني أسد بن خزيمة، وغير واحد من علماء قيس، وبني أسد، أن يوم النسار كان بعد يوم جبلة، لا ما تقول الرباب. والدليل على هذا أن الأحاليف غطفان، وبني أسد، وطيئاً، شهدوا يوم النسار بعدما تحالفت الأحاليف، وحصن بن حذيفة، هو الذي أمر سبيعاً الثعلبي أن يحالف بينهم، فحالف بينهم وبين بني أسد بن خزيمة. قال: وكانت بنو أسد وطيئ قد احتفلوا قبل ذلك، فسموا الأحاليف؛ وذلك بعد قتل حذيفة بن بدر، وكانت بنو عبس في بني عامر يوم جبلة، لأنهم كانوا قتلوا حذيفة يوم الهباءة، والدليل على ذلك أيضاً، أن حصن بن حذيفة كان رئيس الأحاليف، ولم يرأسهم أبوه حذيفة لأن حذيفة لو كان حياً لم يرأسهم حصن ابنه، والدليل على

أن حصنا كان رئيس الأحاليف قول زهير بن أبي سلمى حيث يقول: ومنْ مِثْلُ حِصْنَ في الحروبِ ومثلُهُ ... لإنكارِ ضَيْمٍ أوْ لأمرٍ يحاولُهْ إذا حلَّ أحياءُ الأحاليفِ حولهُ ... بذي نجَبٍ هدَّاتُهُ وصَوَاهِلُهْ ألا ترى أنه رئيس الأحاليف، وإنما رأس حصن بعد مقتل أبيه، وكيف يكون يوم النسار قبل يوم جبلة كما تزعم الرباب. وحدثني درواس أحد بني معبد بن زرارة، أن حاجب بن زرارة كان يوم جبلة غلاما له ذؤابة، فلو كان يوم النسار قبل يوم جبلة، ما كان حاجب إلا طفلا، وما رأس بني تميم يوم النسار، لأنه كان رئيس بني تميم يوم النسار، والدليل على ذلك أيضا، أن حاجباً لم يكن ليرأس بني تميم، ولقيط حي، ولقيط قتل يوم جبلة. قال أبو عبيدة: وحدثني ابن شفاء المنافي من بني مناف ابن دارم قال: إنما نبه أبو عكرشة بعد قتل أبي نهشل - قال: وقوله نبه يقول استعلى أمره وذكر فعرف - وأبو عكرشة هو حاجب بن زرارة، وأبو نهشل لقيط، والدليل على أن لقيطاً كان أنبه من حاجب - أنبه أعلى ذكرا - أن لقيطاً هو الذي طلب بني عامر بثأر أخيه معبد يوم جبلة، وهو الذي جمع الملوك يوم جبلة، وحاجب كان يوم جبلة في جيشه، فكل هذا حجة على من زعم أن يوم النسار كان قبل يوم جبلة. قال أبو عبيدة: قالوا، وكان سبب يوم النسار أن بني تميم كانوا يأكلون عمومتهم بني ضبة وبني عبد مناة، فأصابت بنو ضبة

رهطاً من بني تميم، فطلبتهم بنو تميم، فانزالت جماعة الرباب فحالفت بني أسد بن خزيمة، وهم يومئذ في الأحاليف، حلفاء لبني ذبيان بن بغيض، فنادى صريخ بني ضبة يال خندف. قال القتيبي: فذلك أول يوم تخندفت فيه خندف فأصرختهم بنو أسد فاستعووا حليفيهم غطفان وطيئاً. قال أبو الغراف الضبي: وكان رئيس بني أسد يوم النِّسار، عوف بن عبد الله بن عامر بن جذيمة بن نصر بن قعين. وقال أبو مرهب: بل كان رئيسنا يوم النِّسار خالد بن نضلة. قال أبو عبيدة: وحدثني قيس بن غالب، أن رئيس جماعة الرباب وجماعة الأحاليف حصن بن حذيفة بن بدر. قال: وأنشدني رتبيل أبو مرهب في تصداق ذلك قول بشر بن أبي خازم الأسدي في كلمة له: أَضَرَّ بهم حِصْنُ بنُ بدْرٍ فأصبحوا ... بمنزلةٍ يشكو الهَوَانَ حَرِيبُها قال أبو عبيدة: ولكن الناس قلبوه ن وهكذا سمعته من مشيختنا، قال وحدثني قيس بن غالب عن مشيخة قومه، أن عبد الملك بن مروان سأل رجلاً من بني فزارة كانوا عنده، من كان على الناس يوم النسار؟ قالوا: كانوا متساندين. قال ويدخل أبو قشع، وكان أعلمنا، فسأله عبد الملك عن ذلك فقال: والذي نفسي بيده يا أمير المؤمنين، للناس يوم النسار أطوع لحصن بن حذيفة، من بعض غلمانك لك. قال أبو عبيدة: وزعم أبو الغراف الضبي، وأبو نعامة العدوي، وأبو الذيال، أن رئيس الرباب يوم النسار، الأسود بن المنذر أخو النعمان، وأم الأسود أمامة

بنت الحارث بن جلهم من بني تيم عدي من الرباب، وكان النعمان، بعثه قبل ذلك رئيساً على الرباب فكان ملكهم، وأظنهم قد صدقوا لأن حصناً لا يرأس ملكاً أخا ملك، وهو سوقة ولكنهما كانا متساندين. قال: وأنشدني في تصداق ذلك أن الأسود كان رئيس الرباب يوم النسار قول عوف بن عطية بن الخرع التيمي: ما زال حَيْنُكم ونقصُ حُلومِكم ... حتى بَلَوْتُمْ كيفَ وَقْعُ الأسوَدِ وقبائِلُ الأحلافِ وَسطَ بيوتِكم ... يعْلُونَ هامكُمُ بكُلِّ مُهنَّدِ قال بنو أسد وغطفان، هذه مصنوعة، لم يشهد الأسود النسار. فلما بلغ بني تميم ذلك استمدوا بني عامر بن صعصعة فأمدوهم، وعلى بني تميم حاجب، وأنشدونا في تصداق قولهم أن حاجباً كان على تميم، قول بشر بن أبي خازم: وأفلَتَ حاجِبٌ فَوْتَ العَوَالي ... على شَقَّاءَ تلمعُ في السَّرَابِ ولو أدْرَكْنَ رأسَ بني تميمٍ ... عَفَرْنَ الوجهَ منه بالتُّرَابِ وعلى بني عامر بن صعصعة جواب، وهو مالك بن كعب من بني أبي بكر ابن كلاب، لأن بني جعفر يومئذ كانوا قد نفاهم جواب إلى بني الحارث بن كعب فحالفوهم، قال: وقد زعمت بنو كعب أن رئيس بني عامر يوم النسار شريح بن مالك القشيري، فالتقوا بالنسار، فصبرت عامر واستحر بهم الشر، وانفضت بنو تميم فواءلت، أي هربت، لم

يصب منهم كبير، فهزموا، وقتلوا، وسبوا، فغضبت بنو تميم لبني عامر، وقتل قدُّ بن مالك الوالبي شريح بن مالك القشيري، رأس بني عامر في قول كعب بن ربيعة الأسدي، ففخر بذلك سهم الأسدي في الإسلام، وحملت على بشر بن أبي خازم: وهم تركُوا رئيس بني قُشَيْرٍ ... شُريْحاً للضِّباعِ وللنُّسُورَ وقتلوا عبيد بن معاوية بن عبد الله بن كلاب، وقتلوا الهصان، وهو عامر بن كعب من بني أبي بكر بن كلاب، وقد كان ثعلبة بن الحارث بن حصبة بن أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، أسر الهصان. هذا يوم ذي نجب بعد يوم جبلة. وأسر خالد بن نضلة الأسدي دودان إبن خالد أحد بني نفيل، وأسر حنثر بن الأضبط الكلابي. فقال خالد إبن نضلة في أسرهما: تَدارَكَ إرخاءُ النَّعامةِ حنثَرا ... ودُودان أَدَّتْ في الصِّفادِ مُكبَّلاً ويروى في الحديد. وقال أيضاً: تدارَكَ إرخاءُ النَّعامةِ حَنْثَرا ... ودُودَانَ أدَّتْهُ اليَّ ابنَ خالدِ وصارت سلمى بنت المحلق لعروة بن خالد بن نضلة، وصارت العنقاء بنت همام من بني أبي بكر بن كلاب لزياد بن زبير بن وهب بن أعياء بن طريف الأسدي. قال أبو عبد الله: دبير مكان زبير. وصارت أم خازم بنت كلاب من بني أبي بكر بن كلاب لأرطاة بن منقذ الأسدي. قال أبو عبد الله: أم حازم بالحاء غير معجمة. وصارت رملة بنت صبيح للحارث بن جزء بن جحوان الأسدي، وصارت هند بنت وقاص لقيس

بن عبد الله الفقعسي، وصارت أمامة بنت العداء لأسامة بن نمير الوالبي. فقالت سلمى بنت المحلق تعير جواباً بفرته والطفيل: لحا الإلهُ أَبَا ليلَى بِفَرَّتهِ ... يومَ النِّسارِ وقُنْبَ العَيْرِ جوَّابا تعني أبا عامر بن الطفيل. جواب لقب لأنه كان يجوب الآبار يحفرها يتخذها لنفسه. كيفَ الفِخَارُ وقد كانت بِمُعْتَرَكٍ ... يومَ النِّسارِ بنو ذُبيَانَ أَرْبَابَا لم تمنعُوا القَوْمَ إذْ شَلُّوا سَوامكُمُ ... ولا النِّساءَ وكان القومُ أَحزابا وقال رجل من بني ذبيان يعير أبا عامر بن الطفيل فراره عن امرأتيه وجواباً: وفَرَّ عن ضَرَّتْيهِ وَجْهُ خارِئَةٍ ... ومالكٌ فَّر قُنْبُ العَيْرِ جوَّابُ قال القنب غلاف الذكر. وجواب اسمه مالك بن كعب بن عوف بن عبد الله بن أبي بكربن كلاب. فبعثت بنو كلاب إلى القوم فشاطروهم سبيهم، فقال الفارعة بنت معاوية من بني قشير تعير كلاباً - وكلاب هاهنا قبيلة - بمشاطرتهم الأحاليف سباياهم يومئذ: منا فَوارسُ قاتلوا عنَ سبْيِهم ... يومَ النِّسارِ وليس مِنَّا أَشْطُرُ ولَبِئْسَ ما نَصَرَ العشيرةَ ذو لِحىً ... وحَفيفٌ نافِجَةٍ بِلَيْلٍ مُسْهِرُ ذو لحى أي ذو اللحية بن عامر بن عوف بن أبي بكر بن كلاب،

ومسهر بن عبد قيس بن ربيعة بن كعب بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب. ضَبُعَا هِراشٍ تَعفِرانِ اسْتَيهِما ... فَرَأتهَما أُخرَى فقامَتْ تَعْفِرُ تقول العرب ما على عفر الأرض مثله إذا مدحوه وهجوه، والأصل في ذلك للمديح، تعفران تمسحان استيهما بالعفر، والعفر التراب. زَعَمتْ بَزُوخُ بني كِلابٍ أنَّهم ... منعُوا النِّساءَ وأَنَّ كَعْباً أَدْبَرُوا كَذَبَتْ بَزُوخُ بني كِلابٍ إنَّها ... تمشي الضَّراءَ وبولُها يَتَقطَّرُ البزوخ التي تدخل ظهرها وتخرج بطنها، قال والضراء ما سترك وواراك. حاشَى بني المَجْنُونِ إنَّ أباهُم ... صاتٌ إذا سَطَعَ الغُبارُ الأكدَرُ صات له صوت في الناس وذكر. والصيت الشديد الصوت. لولا بُيوتُ بني الحَرِيشِ تَقَسمَّتْ ... سَبْيَ القَبَائِلِ مازِنٌ والعَنْبَرُ الرواية لولا بنو بنت، ريطة بنت الحريش، وبنوها بنو خويلد بن نفيل، وبنو أبي بن كلاب. يقولون: هم أربعة من بني بشر بن كعب ابن أبي بكر، وبنو المجنون من بني أبي بكر. وقال بشر بن أبي خازم في تصداق حديث غطفان وبني أسد، وأنه كما حدثوا، وأن بني ضبة استعانوهم ودعوهم:

أجَبْنا بني سَعْدِ بنِ ضَبَّةَ إذ دَعَوْا ... ولله مولَى دَعْوَةٍ لا يُجيبُها وكُنَّا إذا قُلْنَا هَوَازِنُ أقبِلي ... إلى الرُّشْدِ لم يأتِ السَّدَادَ خَطيبُها عَطَفْنَا لهم عَطْفَ الضَّرُوسِ مِنَ المَلاَ ... بِشَهْبَاءَ لا يمشي الضَّرَاءَ رَقِيبُها الضروس الناقة الحديثة النتاج. ويروى الثني. قال: وإنما سميت ضروسا لأنه يعتريها عضاض أياماً عند نتاجها حذارا على ولدها ثم يذهب عنها. فلما رَأَوْنا بالنِّسارِ كأَنَّنا ... نَشَاصُ الثُّرَيّا هَيَّجتْهَا جَنُوبُها فكانوا كَذَاتِ القِدْرِ لم تدرِ إذغَلَتْ ... أَتُنْزِلُها مَذْمُومَةً أَمْ تُذِيبُها يقول: لما رأونا تحيروا وبعلوا - أي دهشوا - فلم يدروا كيف يصنعون، فكانوا كذات القدر ارتجنت زبدتها والارتجان الفساد - فلما أوقدت تحت الزبدة الفاسدة، لم تستقر في القدر، فطفحت، فجعل الزبد يخرج منها، فتحيرت لا تدري كيف تصنع، إن أنضجت الزبد خرج من القدر وانصب، وإن تركته بقي غير نضيج لا ينفق عنها. يقال دجروا، وبعلوا، وتحيروا، ودهشوا، وبطروا، بمعنى واحد كله سواء. جَعَلْنَ قُشيراً غايةً يُهتدَىَ بها ... كما مَدَّ أشطانَ الدِّلاءِ قَليبُها يقول لأن منازل قُشير في أقاصي بني عامر، يقول: فنحن نطؤهم بالخيل حتى ننتهي إلى آخرهم، كما أن الدلاء منتهاها قعر القليب، والقليب البئر غير مطوية. لَدُنْ غُدْوَةً حتى أَتى اللَّيْلُ دونَهم ... وأَدْرَكَ جَرْيَ المُنْقِيَاتِ لُغوبُها

لدن في معنى مُذ. والمنقيات ذوات النقي وهو المخ في العظام. واللغوب الإعياء يقال لغب يلغب لغوبا، ومنه قوله عز وجل {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} قَطعناهُمُ فبِاليَمَامَةِ فِرْقَةٌ ... وأُخْرَى بأَوْطَاسٍ تَهِرُّ كَليبُها قولها تهر كليبها أي يتحارسون من الخوف والفزع، يقال كَلبٌ وكليب وعبد وعبيد. قال أبو عبيدة: لا أعرف على هذا الجمع إلا حرفين كَلبٌ وكَليب، وعبد وعبيد. قال الأصمعي: ومثله مَعزٌ ومَعيز، وضأنٌ وضئين، وبخت وبخيت، ونفر ونفير، وشاء وشوي، قال الحطيئة: أَتَعرِفُ منزِلاً من آلِ هندٍ ... عَفَا بعد المُؤَبَّلٍ والشَّوِيَّ وقال الراجز: إذا الشَّوِيَّ كَثُرَتْ رَوَائِحُه ... وصارَ من جَنبِ الكُلَى نَوَائِحُهْ أضَرَّبهم حِصْنُ بنْ بدْرٍ فأصبحُوا ... على آلةٍ يشكو الهَوَانَ حَرِيبُها بني عامرٍ إنَّا تَرَكْنَا نِسَاءِكُم ... من الشَّلِّ والإيجاف تَدْمَى عُجُوبُها

عَضَارِيطُها البيضُ الكَواكِبُ كالدُّمى ... مُضَرَّجَةً بالزَّعْفَرَانِ جُيُوبُها ويروى عضار يطنا مستبطنوا البيض كالدمى، وقال سهم الأسدى في تصداق أن تميماً قد شهدوا مع بني عامر يوم النسار وهي تحمل على بشر: ونحنُ جَلَبْنَا الخَيْلَ حتى تَنَاوَلَتْ ... تَميمَ بنَ مُرٍّ بالنِّسارِ وعامِرا وقال عبيد بن الأبرص في ذلك وفي غضب تميم لعامر: ولقد تَطَاوَلَ بالنِّسارِ لعامِرٍ ... يومٌ تشيبُ له الرُّؤوسُ عَصَبْصَبُ ولقد أَتانِي عن تَميمٍ أنَّهم ... ذُئِرُوا لِقَتْلى عامرٍ وتَغَضَّبوا ويروى أتانا. ذئروا ساءت أخلاقهم. رَغْمٌ لَعَمْرُ أبيكَ عندِي هَيِّنٌ ... ولقد يَهُونُ عليَّ أن لا يُعتبُوا فقال جرير: سَمَتْ لِيَ نَظْرَةٌ فَرَأيتُ بَرْقاً ... تِهامِيّاً فَراجَعَني أدِّكاري يَقُولُ النَّاظرونُ إلى سَناهُ ... نَرَى بُلقاً شَمَسْنَ عَلَى مِهارِ

يقول: كأنَّ البرق خيل بلق شمسن على أمهارها؛ الشموس النفور المنوع للمهر. لَقَدْ كَذَبَتْ عداتُكِ أُمَّ بِشْرٍ ... وقَدْ طالَتْ أَناتِي وانْتِظارِي عَجلْتِ إلى مَلامَتِنا وَتَسْري ... مَطايانا وَلَيْلُكِ غيرُ سارِي فَهانَ عَلَيْك مَا لَقِيتْ رِكابِي ... وسَيْري في المُلَمعةِ القِفارِ وَأَيَّامٌ أَتَيْنَ عَلى المَطايا ... كَأَنَّ سَمُومَهُنَّ أَجيجُ نارِ قال أبو عبد الله: أتين على المطايا أي أهلكنها، كما تقول أتى على القوم أي أهلكهم. كَأَنَّ علَى مَغابِنَهنَّ هَجْراً ... كُحَيْلَ اللِّيت أوْ نَبَعانَ قارِ ويروى كحبل العين، يريد رأس العين بالجزيرة، هجراً يريد هاجرة، وذلك إذا اشتد الحر في الهاجرة، والمغابن المراق وأصول الأفخاذ، والكحيل القطران. لقَدْ أَمْسَى البَعِيثُ بِدارِ ذُلّ ... ومَا أمَسى الفرَزْدَقُ بِالخيارِ جَلاجِلُ كُرَّجٍ وسِبالُ قِرْدٍ ... وَزَنْدٌ مِنْ قُفَيْرَةَ غَيْرُ وارِي جلاجل كرج يهزأ به يعني السماجة. الكرج الخيال الذي يلعب به المخنثون. عَرَفْنَا مِنْ قُفَيْرَةَ حاجِبيْها ... وَجَذَّا في أنامِلها القِصارِ ويروى حاجبيه، وجذا أي قطعا، يريد أنها قصيرة الأنامل يهجنها. ويروى وجذا من أناملها القصار. تَدافَعْنا فَقالَ بَنو تَمِيمٍ ... كَأَنَّ القِرْدَ طُوِّحَ مِنْ طَمارِ

قوله طُوح من طمار ألقي ورمي به من موضع عال مرتفع إلى أسفل، فهو يهوي. قال ابن الزبير الأسدي: فإن كنتِ لا تدَرينَ ما الموتُ فانْظُرِي ... إلى هَانِئٍ في السُّوقِ وابنِ عَقيلِ إلى رجلٍ قَدْ عَقَّرَ السَّيفُ وَجْهَهُ ... وآخَرَ يهوى مِنْ طَمارِ قتيلِ قال وكان عبيد الله بن زياد ضرب عنق مسلم بن عقيل فوق قصره فهوى إلى أسفل. أَطامِعَةٌ قُيُونُ بَنِي عِقالٍ ... بِعَقْبي حينَ فَاتُهُم حِضاري حضاري محاضرتي. وقوله بعقبي فالعقب الجري الثاني بعد الجري الأول. وَقَدْ عَلَمْت بَنُو وَقْبانَ أَنِّي ... ضَبُورُ الوَعْثِ مُعْتَزمُ الخَبارِ بنو وقبان نَبزٌ نُبزَ به بنو مجاشع - والنَّبزُ اللقب - قال أبو عبد الله: والوقب الأحمق، ضبور يجمع رجليه ثم يثب وهو الضبر. والوعث الموضع الكثير الرمل، والخبار الأرض الكثير جحرة الفأر وغيرها من الجحرة. يقول أعتزم وأجمع نفسي وأمري ثم أثب الخبار فأخرج منه وأجاوزه. بِيَرْبوعٍ فَخَرتُ وَآلِ سَعدْ ... فَلاَ مَجْدي بَلَغتَ ولا افْتخاري

لِيَرْبوعٍ فَوارِسُ كُلَّ يَوْمٍ ... يُواري شَمْسَهُ رَهَجُ الغُبارِ عُتَيْبَةُ والأحيمَرُ وابنُ قَيْسٍ ... وعَتَّابٌ وَفارِسُ ذي الخِمار عتيبة بن الحارث بن شهاب بن عبد قيس بن كباس بن جعفر بن ثعلبة بن يربوع، والأحيمر بن أبي مليل، واسمه عبد الله بن الحارث بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، وابن قيس هو معقل بن قيس من بني يربوع، وكان على شرطة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وعتاب من هرمي بن رياح بن يربوع، وفارس ذي الخمار مالك بن نويرة بن جمرة بن شداد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، وذو الخمار فرس مالك بن نويرة. وَيَوْمَ بَنِي جذيمةَ إذْ لحقْنَا ... ضُحىً بينَ الشُّعيبة والعِقارِ وروى خالد: بين الشقيقة والقفار. يوم بني جذيمة يوم الصرائم، ويوم ذات الجرف كان لبني يربوع على بني جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث ابن قطيعة بن عبس، وذلك أن مروان بن زنباع العبسي، كان غزا بني يربوع فأسروه وهزموا جيشه. وُجوهُ مُجاشِعٍ طُليَتْ بِلُؤْمٍ ... يُبينُ في المقلَّدِ والعذارِ ويروى تبين. يُبين يستبين. المقلد العنق. والعذار موضع العذار. وحالفَ جِلْدَ كُلِّ مُجاشعيٍّ ... قَميصُ اللُّؤْمِ ليسِ بمُستعارِ لهُمْ أدَرٌ تُصَوتُ في خْصاهُمْ ... كتصْويت الجلاجِلِ في القِطارِ يعني قطار الإبل. يقال إن الآدر إذا غضب فاشتد غضبه نقت أدرته

كما قال الجعدي: كَذِي داءٍ بإحدَى خُصْيَتَيهِ ... وأُخرَى ما تشَكَّي من سَقَامِ ألحَّ على الصَّحيحةِ فانتحاهَا ... بِسِكينٍ له ذكرٍ هُذامِ فَضَمَّ ثيابَهُ من غيرِ بُرءٍ ... على شعراءَ تُنقضُ بالبِهامِ قال لا يكون آدر إلا وهو أشعر الأنثيين. وقوله تنقض تصوت. أغركُمُ الفرزدقُ منْ أبيكُمْ ... وذِكرُ مزادتين على حمار قال كان الفرزدق واقفاً في طريق فمر به حمار عليه مزادتان فزحمه فلطخ ثيابه فقال الفرزدق. ومَا تنفكُّ تُبصرُ في طَريقٍ ... كُليبيّاً عليه مزادتانِ ويروى وما أنفك أبصر على الزحاف. قال فلهجت بنو مجاشع بإنشاد هذا البيت، قال كان الفرزدق يهجو جريرا بذكر مزادتين على حمار ن فقال جرير: أغركم الفرزدق بذكر هذا مني وجهلكم بأبيكم إذ كان يسامي به الرجال. وجَدْنا بَيْتَ ضَبَّةَ في معدٍّ ... كبيتِ الضَّبِّ لَيسَ بِذي سوَارِي ويروى ليس له سواري. وجدْناهُمْ قناذِعَ مُلزقاتٍ ... بِلا نَبْعٍ نبتنَ ولا نُضارِ إذا ما كنْتَ مُلتمساً نِكاحاً ... فَلا تعدلْ بِنيكِ بني ضِرارِ

ويروى بجمع بني ضرار. ويروى: وإن أنتَ اغْتَلَمْتَ فلا تُجاوِزْ ... ذوي الأحراحِ جمعَ بني ضِرارِ وَلا تمنعكَ منْ أربٍ لحاهُمْ ... سواءٌ ذُو العمامةِ والخِمارِ يقول: رجالهم ونساؤهم سواء. وإنْ لاقَيْتَ ضَبياً فنكهُ ... فَكُلُ رجالهِمْ رِخْوُ الحِتارِ ويروى ذهليا، الحتار شرج الاست ويقال الدائرة نفسها، وكل وترة حتار، وحتار العين ما نبت عليه الهدب. وقال جرير يهجو الفرزدق: ألا حيِّ الدُيارَ بسُعدَ إنِّي ... أُحِبُّ لحُبِّ فاطمَةَ الدِّيارا أرادَ الظَّاعِنُون ليُحزنونُي ... فهاجُوا صدعَ قَلبي فأستطارا استطار أي تصدع صدعا مستبيناً في طول. لَقدْ فاضَتْ دُموعُكَ يَومَ قوٍّ ... لِبينٍ كانَ حاجَتُهُ ادِّكارا أبيتُ اللَّيْلَ أرقُبُ كُلَّ نَجْم ... تعرَّضَ أنجدَ ثمَّ غارا تعرض أخذ يميناً وشمالا. أنجد أتى ناحية نجد. وغار أخذ ناحية الغور وهي تهامة. يحنُ فُؤادُهُ والعينُ تلقَى ... من العَبراتِ جوْلاً وانْحِدارا الجول أن تستدير العبرة في العين ثم تنحدر فتسيل.

إذا ما حَلَّ أهلكِ يا سُليمَى ... بدارةِ صُلْصُلٍ شَحطوا المَزارا دارة صلصل موضع. فَيدعونا الفؤادُ إلى هَواها ... ويَكْرَهُ أهْلُ جَهمةَ أنْ تُزارا ويروى ويأبى آل جهمة. كأنَّ مُجاشعاً نخباتُ نيبٍ ... هبطنَ الهرمَ أسفلَ مِنْ سَرارا الهرم نبت مثل القاقلي وهو ضرب من الحمض. والنخبات الأستاه، الواحدة نخبة. وسرارة واد، موضع. ويروى رعين الحمض. النيب الإبل المسان. إذا حلُّوا زرودَ بَنَوا علَيَها ... بيوُتَ الذُّلِّ والعمدَ القِصارا تَسيلُ عليهمُ شُعبُ المخازِي ... وَقَدْ كانُوا لِسَوْءَتِها قَرارا الشعبة أصغر من التلعة وهي مسيل. وهَلْ كانَ الفرزدقُ غيرَ قرْدٍ ... أصابتْهُ الصواعقُ فاستَدارا وكُنْتَ إذا حلَلْتَ بِدارِ قَوْمٍ ... رَحلتَ بخزْيةٍ وتركتَ عارا وظعنت رواية. قال جرير هذا البيت، لأن الفرزدق نزل بامرأة فأضافته وأحسنت إليه، ثم إنه راودها عن نفسها فصرخت وصيحت به، فطُلب فهرب، فعيره جرير بذلك. فَهلاَّ غِرْتَ يوْمَ أَرادَ قوْمٌ ... أَصابُوا عُقْرَ جِعْثِنَ أنْ تَغارا العقر أرش الاقتضاض من غير تزويج.

أتذْكُرُ صَوْتَ جِعْثِنَ إذْ تُنادِي ... ومنْشَدَك القلائِدَ والخِمارا ويروى أتنكر منشدك طلبك القلائد أن تسأل عن قلائدها وخمارها، يقال نشدت الضالة أنشدها نشدة، ونشداناً، وإذا عرفتها قلت: أنشدتها إنشاداً، وقوله صوت جعثن، كشفت صدرها وقالت: الله الله لتُمنع ويُذب عنها. ألمْ تَخشوْا إذا بَلَغَ المخازي ... عَلَى سَوْءاتِ جعثنَ أَنْ تُثارا ويروى تزارا، تثار تذكر ويتحدث بها. فإن مجرَّ جعثنِ كانَ ليْلاً ... وأعينُ كانَ مقتلهُ نَهارا أعين أبو النوار كان مقتله نهاراً أي واضحاً ويروى جهاراً. فلَوْ أيَّامَ جِعْثنِ كانَ قَوْمِي ... هُمُ قَوْمِّ الفرزدقِ ما اسْتَجارا ونصب قوم أحسن، لأن هم عماد مع المعرفة، وتكون رفعا مع النكرة. تزوَّجتُمْ نَوارَ ولَمْ تُريدُوا ... ليُدرِكَ ثائرٌ بأبِي نَوارا فدينُكَ يا فرزدقُ دِينُ لَيلَى ... تَزورُ القيْنَ حَجَّا واعْتِمارا ليلى أم غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال، تزور القين حجا، أي كأنها تحج إليه وتعتمر. فَظلَّ القينُ بعدَ نِكاحِ لَيْلَى ... يُطيرُ عَلى سِبالِكُم الشُرَّارا ويروى يظل. ويروى يُطير عن سبالكم والروايتان سواء.

نَكحتُ على البَعيث وَلَمْ أُطلِّقُ ... فأَجزأتُ التُّفرُّدَ والضِّرارا يقول كان البعيث امرأة لي فتزوجت عليه الفرزدق ولم أطلقه، فأجزأته وهو فرد، وأجزأت ضرته أيضا. نَشَدْتُكَ يا بعيثُ لتُخبرَنِّي ... أليلاً نكتَ أُمَّكَ أمْ نَهارا مريتُمْ حربْنا لكُمُ فَدَرَّتْ ... بِذي عَلَقٍ فأبطأت الغِرارا مريتم حربنا أي احتلبتموها عليكم علقا، علقا أي دماً. والغرار قلة اللبن. ألمْ أك قَدْ نهيتُ على حَفير ... بَني قُرطٍ وعِلجهُمُ شُقارا بنو قرط رهط البعيث، وهو قرط بن سفيان بن مجاشع، وشقارا يعني البعيث نفسه. يقول هو أشقر وذلك أنه كان أحمر. سَأُرهنُ يأبْنَ حادِجَةِ الرَّوَاياَ ... لَكُمْ مَدَّ الأعنةِ والحِضَارا ويروى بابن حادية. ويروى والخطارا. سأرهن سأديم، والراهن الدائم، يقال ماء راهن إذا كان دائما، كما قال الأعشى: لا يسَتفيقونَ منها وهي راهِنَةٌ ... إلاَّ بِهاتِ وإن عَلُّوا وإن نَهِلوا وحادية يعني سائقة الروايا. والحادج الذي يشد الحدج على البعير. يَرى المتعبدونَ عليَّ دُوني ... حياضَ الموْت واللُّججَ الغَمارا

المتعبدون المتغيظون، ويروى المتعيدون، أي المعتدون، يعني الطاغين. ألسنَا نحنُ قدْ علمتْ معدٌّ ... غَداةَ الروعِ أجدرَ أنْ نَغارا وأضْرَبَ بالسُّيوفِ إذا تَلاَقتْ ... هوادِي الخيلِ صاديةً حِرارا وأطعنَ حينَ تختلفُ العوالي ... بمأزولٍ إذا ما النقعُ ثارا وأصبرَ في القُوى وأعزَّ نصراً ... وأمنعَ جانباً وأعزَّ جارا غَضينا يومَ طخفةَ قَدْ علمتمْ ... فَصَفدنا الملوكَ بِها اعتساراً صفدنا أسرنا. فوارسُنا عتيبةُ وابنُ سعدٍ ... وقَوَّادُ المقانِبِ حيثُ سارا عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي. وابن سعد هو جزء بن سعد الرياحي، والمقانب واحدها مقنب الجيوش. وقوله قواد المقانب يعني المنهال بن عصمة أخا بني حميري بن رياح. ومنَّا المعقلان وعبدُ قيسٍ ... وفارِسُنا الذَّيِ مَنَعَ الذَّمارا والمعقلان أراد معقل بن عبد قيس الرياحي وأخاه بشر بن عبد قيس، وكان معقل على شرط عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو الذي بارز المستورد الحروري فقتل كل واحد منهما صاحبه، ومن روى ومنا القعنبان، أراد قعنب بن عتاب الرياحي وقعنب بن عصمة بن قيس بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة. وعبد قيس بن الكباس بن جعفر بن ثعلبة، وقوله وفارسنا الذي منع الذمارا يعني عتاب بن هرمي الرياحي. فمَا ترجُو النُّجومَ بنو عقَالٍ ... ولا القَمَرَ المُنير إذا اسْتَنارا

قوله فما ترجو النجوم أي تطيق، وبنو عقال أراد عقال بن محمد بن سفيان ابن مجاشع. ونَحنُ المُوقدون بِكُلِّ ثَغْرٍ ... يُخافُ بِهِ العَدُوُّ عليكَ نارا أتنسَونَ الزُّبيرَ ورهنَ عوْف ... وعَوْفاً حِينَ عزَّكُمُ فَجارا ويروى فخارا أي مفاخرة، فجار أي جار عليكم في الحكم، يعني الزبير بن العوام، ورهن عوف مزاد بن الأقعس المجاشعي، وعوف بن القعقاع بن معبد بن زرارة. تركتُ القينَ أطوعَ مِنْ خَصِيٍّ ... يعضُ بأيرِهِ المسَدَ المُغارا خصي جمل قد خصي فحقب ثيله بالحبل. وذلك إذا ضمر وتأخر جهازه. فأجابه الفرزدق: جرَّ المُخزياتِ عَلَى كليبٍ ... جريرٌ ثُمَّ ما منعَ الذِّمارا الذمارا ما يجب على الرجل أن يحميه. وكانَ لهُمْ كبكْرِ ثَمُودَ لمَّا ... رَغا ظُهراً فَدمرهم دمارا عَوَى فَأثارَ أغْلبَ ضَيغمياً ... فويلُ ابْنُ المراغَةِ ما اسْتَثارا عوى يعني جريراً، أغلب أسد غليظ الرقبة، ضيغمي شديد الضغم، وهو العض. مِنَ اللائي يظلُّ الألفُ مِنهُ ... مُنيخاً مِنَ مخافته نَهارا

قال نهارا ولم يقل ليلا لأن الأسد أكثر شجاعته وقوته بالليل، فيقول هذا الأسد يظل الألف منه منيخا بالنهار فكيف بالليل. تظلُّ المُخدراتُ لهُ سُجُوداً ... حَمى الطُّرُقَ المُقانِبَ والتِّجارا يعني الأسود الداخلة في عرينها. وعرينها حذرها، يقال هذا أسد مخدر وخادر. كَأَنَّ بساعديْهِ سَوادَ وَرْسٍ ... إذا هُوَ فَوقَ أيدي القومِ سارا الورس أسود فإذا سحق اصفر. سار وثب وساور. وإنَّ بَني المراغَة لَمْ يُصيبُوا ... إذا اختارُوا مشاتَمتَي اخْتِيارا هَجَوْني خائنينَ وكانَ شَتمي ... على أكبادهمْ سَلعاً وقارا سلع شجر خبيث الطعم مر. وقار القطران يعني هناء يطلى به من الجرب، شبهه بالقار لسواده كما قال النابغة: فلا تتركنَّي بالوعيدِ كأنَّني ... إلى النَّاسِ مطِليٌّ به القارُ أجربُ في الناس وعند الناس. ستعلمُ مَنْ تناولهُ المخازِي ... إذا يَجْري ويدَّرِعُ الغُبارا ويروى ستعلم ما. ويروى من تثار له المخازي. يقول: يتخلف فيلبسه الغبار. ونَامَ ابنُ المراغَة عَنْ كُليبٍ ... فجلَّلَها المخازيَ والشِّنارا

الشنار الأمر الشنيع القبيح. وإنَّ بَني كُليبٍ إذْ هَجَونْي ... لَكَا لِجعلانِ إذْ يَغْشينَ نارا وإنَّ مُجاشعاً قَدْ حمَّلتني ... أُمُوراً لَنْ أُضيعها كِبارا قِرَىَ الأضيافِ لَيْلَةَ كُلِّ رِيحٍ ... وقِدْماً كنتُ للأضيافِ جارا إذا احترقتْ مَاشِرُها أشالْت ... أكارِعَ في جواشِنها قِصارا تلُومُ على هِجاءِ بنِي كُليبٍ ... فَيالَكَ للمَلاَمةِ مِنْ نوارا فقُلْتُ لهَا المَّا تعْرفِيني ... إذا شدَّتْ مُحافلتي الإزارا ويروى محافظتي. محافلتي مجامعتي. فَلَوْ غيرُ الوبارِ بَني كُليبٍ ... هَجَوْنِي ما أردتُ لهمْ حِوَارا ولكنَّ اللِّئامَ إذا هَجَوني ... غَضَبْتُ فَكانَ نُصرتَيِ الجِهارا يقال جاهرته جهارا ومجاهرة إذا كاشفته. وقالَتْ عِندَ آخِرِ مانَهتني ... أتهجو بِالخضارمَةِ الوِبْارا الخضارمة قومه والخضرم السيد. والخضرم البحر يشبه السيد من الرجال بالبحر لسعته. أَتهجُو بالأقارِعِ وَابْنِ لَيْلَى ... وصَعَصَعَةَ الذِّي غمرَ البحارا الأقارع يريد الأقرع بن حابس، وفراسا ابني حابس بن عقال. وأم غالب ليلى بنت حابس أخت الأقرع. وصعصعة جد الفرزدق. وناجيةَ الَّذي كانت تَميمٌ ... تَعيشً بحزمهِ أنى أشارا ناجية أبو صعصعة. قال: وكان ناجية بن عقال هو المستشار يوم

النسار، وكانت تميم تعيش برأيه وحزمه. أنى بمعنى كيف. به رَكَزَ الرِّماحَ بنُو تميمٍ ... عَشَيَّةَ حلَّتِ الظُّعُنُ النِّسارا وَأنتَ تَسُوقُ بهمَ بنِي كُليبِ ... تُطَرُطِبُ قائماً تشُلي الحُوارا الطرطبة دعاء البهم. والحوار اسم فحل غنم جرير. تشلي تدعو إليك، قال حاتم: أشليْتُها بِاسمِ المِزاجِ فأقبلتْ ... رَتَكاً وكانت قَبْلَ ذلك تُعلفُ أشليتها دعوتها باسم فحلها. فكيفَ تردُّ نفسكَ يابْنَ ليلَى ... إلى ظِرْبَى تَحفَّرتِ المَغارا أجِعْلاَنَ الرَّغامِ بَني كُليبٍ ... شِرارَ الناسِ أحساباً ودَارا ويروى أجعلان الرغام بالخفض أراد ترد نفسك إلى ظربى وإلى جعلان الرغام ومن روى أجعلان الرغام بالنصب فعلى النداء، والرغام تراب خثر ليس بالرقيق، وظربى جمع الظربان، قال أبو عبد الله: وفيه وجه آخر للنصب أتهجو جعلان. فَرافِعُهمْ فإن أباكَ ينمَى ... إلى العُليا إذا احتفروا النِّقارا وبالفاء أيضاً. فرافعهم أي انتسب لهم، وقوله إذا احتفروا النقارا يعني إذا اتخذوا الزروب للبهم والجداء. وإنَ أباكَ أكرمُ مِنْ كُليبٍ ... إذا العِيدانُ تعتصرُ اعْتِصارا إذا جُعلُ الرَّغامِ أبو جريرٍ ... تَرَدَّدَ دونَ حُفرتهِ فَحارا مِنَ السُّودِ السَّراعِفِ ما يُبالي ... أليْلاً ما تَلَطَّخَ أَمْ نَهارا

السراعف واحدهم سرعوف، وهو الضعيف الخفيف القليل اللحم من كل شيء. لَهُ دُهدِيةٌ إنْ خافَ شَيئاً ... مِنَ الجِعْلانِ أَحرزَها احتِفارا دهدية يعني الذي يدهدي من العذرة يدورها ثم يُدخلها جحره بيده. وإِنْ نَقِدَتْ يَداهُ فَزلَّ عنْها ... أَطافَ بِهِ عَطِيَّةُ فاسْتدارا قوله نقدت يداه يعني قرحت وضعفت من العمل كما تنقد السن والقرن والحافر إذا تأكل. رأيتْ ابْنَ المراغةِ حينَ ذَكَّى ... تَحَولَ غيرَ لحيتهِ حمارا ذكى أسن، والذكاء من السن ممدود، والذكاء من الفهم ممدود، وذكا النار مقصور وهو ضوؤها. قال أبو عبد الله: لا أحفظ هذا - يعني ذكا النار مقصور. غير لحيته أنه حمار إلا أنه لا لحية للحمار. لَهُ أُمٌّ بأسفلٍ سُوق حَجْرٍ ... تبيعُ لَهُ بِعنبلها الإزارا تبيع تشتري، والعنبل متاع المرأة، ويروى تبيع له بأثملها وهو فرجها، يريد أنها إذا باعت إزارها لم يقبل منها حتى يُفجر بها. هلُمَّ نُواف مكة ثُمَّ نسألْ ... بنا وبكُمْ قُضاعةَ أوْ نزارا ورهْطُ ابْنِ الحصينِ فَلا تَدعْهُمْ ... ذَوِي يَمَنٍ وعاظِمني خِطارا ويروى ورهط بني الحصين. رهط بن الحصين هم بنو الحارث بن

كعب. والحصين هو ذو الغصة بن يزيد بن الحنظلية بن شداد بن قنان بن سلمة بن وهب بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن كعب. هُنالِكَ لَوْ نَسبتَ بَنِي كُليبٍ ... وجدتهُمُ الأدقاءَ الصِّغارا ومَاغرَّ الوبارَ بَنِي كُليبٍ ... بغيْثي حينَ أنْجدَ واستطارا وباراً بالفضاءِ سمعنَ رَعْداً ... فَحاذرن الصواعقَ حينَ ثارا الفضاء المتسع من الارض ممدود، والفضا مقصورا تمر وزبيب وما أشبهه. هربنَ إلى مَداخِلِهنَّ مِنْهُ ... وجاءَ يُقَلِّعُ الصَّخْرَ انحِدارا فأدركهنَّ مُنبعقٌ ثُعابٌ ... بِحَتفِ الحيْنِ إذْ غَلَبَ الحِذارا يروى لحتف، ويروى بحيث الحين، منبعق سائل، وثعاب مثله. هَجوتُ صِغارَ يربوعٍ بُيوتاً ... وأعظمهمْ مِنَ المخزاةِ غارا فإنكَ والرِّهانَ على كُليبٍ ... لَكَا لمُجري معَ الفرسِ الحمارا مساعينا التَّي كرُمتْ وطابتْ ... تَقيسُ بها مساعيكَ القِصارا وقال الفرزدق: عفَّى المنازِلَ آخِرَ الأيَّامِ ... قَطْرٌ ومُورٌ واختلافُ نَعامِ المور التراب الدقيق مع الريح، عفاها درسها، والعفاء محو الأثر. قالَ ابنُ صانِعَةِ الزُّروبِ لقومهِ ... لا أستطيعُ رَواسي الأعلامِ

ويروى لأمه يعني جريرا والزراب والزروب واحدها زرب وهي حفيرة تحتفر مثل البيت يبني حولها، فتصير كالحظيرة تحتبس فيها الجداء والعنوق عن أمهاتها، وقوله رواسي ثوابت، يقال رسا يرسو رسوا، قال: والأعلام الجبال واحدها علم، وإنما ضربه مثلا للعز والشرف، يقول: لا أستطيع أن أفاخر من هو مثل الجبل الراسي الثابت، أن أزيله عن مكانه، وكذلك عزي وشرفي لا يبلغه أحد وإن جهد. ثقُلتْ عليَّ عمايتانِ وَلَمْ أجِدْ ... سَبَاً يُحَوِّلُ لِي جِبالَ شَمامِ ويروى حسبا يحرك لي. قال وعماية جبل عظيم. قال: وشمام جبل أيضا. وإنما يعني فضل حسبه على حسب جرير، فشبه رجاله وقومه بالجبال الراسية، فضربه مثلا للحسب. قالتَ تُجاوبُهُ المراغةُ أُمُّهُ ... قَدْ رُمْتَ وَيْلَ أبيكَ كُلَّ مَرامِ فأسكُتْ فإنَّكَ قَدْ غُلِبَتْ فلْمِ تَجدْ ... للقاصِعاءِ مآثرَ الأيام ويروى قد عليت. القاصعاء من جحرة اليربوع. ووجدتَ قومكَ فقَّؤا مِنْ لؤْمهمْ ... عينيكَ عندَ مكارمِ الأقَوام قوله فقؤا عينيك يقول لم يدعوا لك بصراً ولا حيلة، وعرفوا فخري وأقروا بذلك ومنعوك مفاخرتي. صغُرتْ دلاؤهم فما ملؤوا بِها ... حوضاً ولا شَهدُوا عراكَ زِحامِ قوله صغرت دلاؤهم قال وهذا مثل أيضا يعني فعالهم وأحسابهم، والعراك أن ترسل الإبل كلها بجماعتها فترد، والرسل أن ترسل قطعة قطعة فذلك الرسل.

أرداكَ حينُكَ إذْ تُعارِضُ دارِماً ... بأدقَّةٍ مُتاشبين لِئامِ ويروى أشبهت أمك، ويروى متقاعسين، قال متقاعسين يعني مختلطين، وقوله أرداك يريد أهلكك، يقال من ذلك ردي الرجل يردى ردى مقصورا. وحسبتَ بحرَ بَنِي كُليبٍ مُصدراً ... فَغَرقتَ حينَ وقعتْ في القمقامِ يقول: بحرك لا يصدر أحدا أي لا يروى أحدا، هو أقل من ذلك وأضعف لا ماء به، ثم قال فغرقت في القمقام، يقول: فلكا جاريتني غرقت في بحري فضربه مثلا للبحر، وإنما يريد الحسب، قال: والقمقام البحر. في حومةٍ غمرَتْ أَباك بُحُورُها ... في الجاهليَّةَ كانَ والاسلامِ قوله في حومة حومةُ الماء مجتمعه وكثرته، وكذلك حومة القتال أشد موضع فيه وأشده قتالا. إنَّ الأقارعَ والحُتاتَ وغالِباً ... وأبا هُنيدةَ دافعُوا لِمَقامِي قوله إن الأقارع يريد الأقرع وفراساً ابني حابس، قال: والحتات بن يزيد المجاشعي، وغالب أبو الفرزدق، قال وأبو هنيدة صعصعة جد الفرزدق، وقوله هنيدة يعني هندا ابنة صعصعة، وكانت هند تقول: من جاءت من نساء العرب بأربعة كأربعة، يحل لي أن أضع خماري معهم فلها صرمتي: ثم قالت لهم: أبي صعصعة، وأخي غالب، وخالي الأقرع، وزوجي الزبرقان بن بدر، ففخرت بذلك على نساء العرب فلم يجئن بمثلهم.، وهي ذات الخمار، وذلك أنها دخلت على هؤلاء الأربعة،

فألقت خمارها. فقالوا لها ما هذا ولم تكوني متبرجة؟ فقالت: داخلتني خيلاء حين رأيتكم، فأي امرأة من العرب وضعت خمارها عند مثلكم فلها صرمتي. قال: والأقرع حكم العرب؟ وصعصعة محيي الوثيدات، أحيي قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وأربع جوار. وكان من حديث صعصعة أنه كان كلما ولدت امرأة جارية يكفل ابنتها لئلا توأد، وغالب الجرار، والزبرقان بن بدر أجمل العرب، والزبرقان اسم القمر سمي به الزبرقان لجماله. بِمناكِبٍ سَبقَتْ أباكَ صُدورُها ... ومآثِرٍ لمتوَّجينَ كِرامِ قوله. بمناكب بأجداد كرام أشراف، لهم سؤدد وفعال خير، يقول: ففعالهم تتقدم وترتفع مثل مناكب الجبال وهو مانتأ منها وقوله ومآثر واحدتها مأثرة، وهو ما أثره الناس فتحدثوا به من المكارم وشرف الفعال والسؤدد. وقوله لمتوجين، يعني حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك، وعطارد بن حاجب بن زرارة توجهما كسرى، وفي ذلك يقول الفرزدق أيضا: رأيْتُ مهابةً ولُيُوثَ حرْبٍ ... وتاجَ المُلْكِ يلتهبُ التهابا قال، وفي ذلك يقول مسكين بني عامر: كفانَا حاجِبٌ كِسْرى وقوماً ... هُمُ البِيضُ الجِعادُ ذَوُو السِّبالِ وسَارَ عُطارِدٌ حتى أتاهُم ... فأعطوْه المُنَى غيرَ انْتِحال هُمَا حُبِيا بِديباجٍ كريمٍ ... وياقوتٍ يُفصَّلُ بالمُحالِ

قال وعطارد الذي أتى كسرى، فرد الخفارة وقبض القوس، فضربت به العرب المثل في ذلك في أشعارها وأمثالها، وذهب له الصوت أبدا. إنِّي وجدْتُ أبي بَنى لي بيْتَهُ ... في دوحَةِ الروُّساءِ والحُكَّام ويروى ذروة، قال والدوحة من الشجر الطويلة العظيمة منها؛ قال: وإنما هذا مثل، قال والرؤساء أجداده وأعمامه مثل سفيان بن مجاشع، ومحمد بن سفيان، وقوله والحكام يعني الأقرع بن حابس، وكان حكم العرب في الجاهلية، حتى جاء الإسلام وهو كذلك، يصدرون عن رأيه، وذهب حكمه ورأيه مع النبوة، لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو غسان: وإنما كان الأقرع بن حابس حكم بين اثنين وهما جرير بن عبد الله البجلي، ورجل من كلب وذلك أنهما تنافرا إليه فحكم بينهما، قسمته حكم العرب وهذه قصته. مِنْ كُلِّ أبيضَ في ذُؤابةِ دارِمٍ ... ملكٍ إلى نضدِ الملُوكِ هُمامِ ويروى أصيد من ذؤابة مالك. قوله أصيد يعني مائل الرأس من الكبر، وأصل الصيد داء يصيب البعير في الرأس فيميل رأس البعير له، وأصله في البعير ثم نقلوه إلى الإنسان فشبهوه بالكبر لذلك، لأنه يميل البعير رأسه ويرفعه لذلك، وكأنه متكبر يتبختر. وقوله إلى نضد الملوك، يقول: رجال كرام أشراف بعضهم إلى بعض - ويقال تراكب أيضا، يقال بالميم وبالباء - قال وكذلك نضد البيوت ما كان بعضه على بعض من المتاع، قال فشبه رجاله بذلك. ويقال النضد فحسب في الملك مترادف يقال من قبل الآباء والأمهات، وقال بعضهم النضد في الأعمام والأخوال. فَاسأل بِنا وبِكم إذا لاقيتم ... جُشَمَ الأراقمِ أوْ بَنِي هَمَّامِ

يريد جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل. قال: والأراقم هم من بني تغلب، وهم جشم بن بكر، وهم رهط مهلهل، وعمرو بن كلثوم. ومالك بن بكر رهط السفاح ورهط القطامي، وهما يسميان الروقين، وعمرو بن بكر، وفيهم العدد بعد هذين، وثعلبة بن بكر رهط الهذيل بن هبيرة، ورهط حنش بن مالك، والحارث بن بكر، ومعاوية بن بكر. وقوله أو بني همام يعني همام بن مرة بن ذهل بن شيبان، فإنه قاد بكرا ما خلا بني حنيفة، وذلك أيام حرب بكر وتغلب، حتى قتلوه يوم القصيبات، وهم يوم قضة. قال أبو غسان إنما يعني تعال حتى أفاخرك. منَّا الَّذي جمعَ المُلُوكَ وبينهمُ ... حربٌ يُشبَّ سعيرُها بِضِرَام ويروى وقودها. سعيرها حرها. وقوله بضرام قال والضرام شدة الالتهاب من النار، ثم صيره للحرب، وذلك إذا اشتدت وحميت كما يشتد وقود النار والتهابها، قال أبو عبيدة: كان الحارث بن عمرو الكندي بعث به تُبع مع بكر بن وائل ملكا عليهم، وقد ضيق على المنذر بن ماء السماء، ملك عذار العراق، حتى ألجأه إلى هيت وتكريت، قال: وكان الحارث أكثر ملوك معد غزواً حتى غلب على قبائل جمة من العرب غير بكر بن وائل، وكان يقبل وينزل بطن عاقل وكان المنذر يستجيش الملك الذي وضعه بالحيرة، وهو أنوشروان فلا يمده، فأشار سفيان بن مجاشع بن دارم على المنذر أن يخطب ابنة الحارث إليه، فقال: لا يزوجني وبيننا دق منشم، ومن لي بمن ينهي ذلك إليه، قال: أنا لك بذلك فلحق بالحارث، فخطب إليه هندا بنت الحارث، فزوجها إياه، وهي التي يقول لها القائل: يا ليت هنداً ولدت ثلاثة. قال: فولدت ثلاثة ذكورة بعضهم على رأس بعض، ولدت عمراً مضرط الحجارة

ابن هند، سمي بذلك لشدته. وقابوس قينة العراق ابن هند - وكانت فيه حلية يعني لينا وليس بالمخنث لقب هو - والمنذر بن هند الأكبر. فتهادنا وكف المنذر عنه، قال وطفئت النائرة بينهما، ورجع إلى الحيرة. قال فسفيان بن مجاشع هو الذي أصلح بينهما، قال ففخر به الفرزدق على جرير. وأَبِي ابْنُ صعصعَةَ بْنِ لَيلَى غالبٌ ... غَلَبَ المُلوكَ ورهطُهُ أعمامِي خالي الَّذي تَرَكَ النَّجيعَ برُمحهِ ... يومَ النَّقا شَرِقاً عَلَى بِسْطَامِ قوله خالي يعني عاصم بن خليفة الضبي الذي قتل بسطاما يوم النقا، ويوم الشقيقة ويوم فلك الأميل ويوم الحسنين. والنجيع الدم الطري. شرق لازق ظاهر على الرمح. والخَيلُ تنحطُ بالكُماةِ تَرى لَها ... رهجاً بِكُلِّ مُجَرَّبٍ مِقْدامِ ويروى تنقل بالكُماة، والنقل والنقلان ضرب من العدو. قوله تنحط يعني تزفر، وذلك من الجهد والشدة. والحوفزانُ تداركتهُ غارةٌ ... منَّا بأسفلِ أودَ ذِي الآرامِ ويروى بمدفع أود ذي الأعلام، قال اليربوعي: ليس هو كما قال الفرزدق في الحوفزان، إنما أسر الحوفزان أبو مليل - وهو عبد الله بن الحارث بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع - وعبد عمرو بن سنان السليطي، وحنظلة بن بشر، قال: وكان حنظلة بن بشر يومئذ نقيلا في بني يربوع، لم يشهد ذلك اليوم دارمي غيره، قال: وقد مر حديثه في غير هذا الموضع. قال والآرام واحدها إرمي وإرم وهي حجارة يوضع بعضها على بعض ليهتدى بها. قال والأرْام الظباء ساكنة الراء. والآرَام

الحجارة متحركة الراء. مُتجرِّدينَ عَلى الجِيادِ عشَّيةً ... عُصباً مُجَلَّجةً بِدارِ ظَلامِ يعني ظلام الليل. وقوله مجلجة يعني جادة ماضية لمحاربتها، يريد الخيل والفعل لأصحابها الذين على الخيل. ويروى مبادرة بدار. ويروى بدار مقام. وتَرَى عطيَّة ضارِباً بِفنائِهِ ... ربقينِ بينَ حظائرِ الأغنامِ الربق حبل يشد ممدودا وفيه حبال صغار تشد فيه الجداء والعنوق. مُتقلداً لأبيهِ كانتْ عندَهُ ... أرباقُ صاحِبِ ثلةٍ وبهامِ قال: نصب أرباق بمتقلد يريد متقلدا أرباق صاحب ثلة وبهام، وكانت عنده تلك الأرباق. قال والأرباق الحبال التي تشد بها الغنم وتجمع على معلفها لئلا تفرق فتذهب. قال والثلة الضأن من الغنم، والبهام الجداء، والعنوق الواحدة بهمة. ما مَسَّ مذْ ولدتْ عطيةَ أُمُّهُ ... كفَّا عطيَّةَ مِنْ عِنانِ لِجامِ ويروى مذ خرئت عطية أمه فأجابه جرير فقال: سرتِ الهُمومُ فبتنَ غيرَ نيامِ ... وأخُو الهُمومِ يرُومُ كُلَّ مَرامِ ذُمَّ المنازلَ بعدَ منزلةَ الِّلوى ... والعيشَ بعدَ أولئكَ الأقوامِ ضربتْ معارِفَها الروامسُ بعدنا ... وسجالُ كلَّ مُجلجلٍ سَجَّامِ

قوله معارفها ما بقي من آثار الدار مما يعرف مثل الحائط الدارس حتى يبقى جذمه، أو العرصة قد امحت إلا ما بقي من رسمها وموضعها الذي تعرف به، والروامس من الرياح ذات التراب. والرمس التراب بعينه، قال والمجلجل يريد صوت الرعد من السحاب، وقوله وسجال يريد مطرة بعد مطرة، قال والسجل الدلو، وإنما شبه المطر في كثرته به، يريد كأن القطر في عظمه إذا وقع بالأرض كوقع مصب الدلو في كثرته وعظمه. ولقَدْ أَراكِ وأَنْتِ جامِعَةُ الهَوى ... نُثني بِعهدِكِ خيرَ دارِ مُقامِ نصب خير على النداء. قال والمعنى في ذلك ولقد أراك خير دار مقام فإذا وقفتَ على المنازلَ باللِّوىَ ... فاضَتْ دُموعي غيرَ ذاتِ نظامِ ويروى دموعك. غير ذات نظام أي تقطر قطرا غير متسق لكثرته. طرقتكَ صائدةُ القُلوبُ وليسَ ذا ... وقتَ الزيارةِ فارجعي بسلامِ تُجرِي السِّواكَ على أغرَّ كأنَّهُ ... بردٌ تحدَّرَ منْ مُتون غَمام لوْ كانَ عهدُكِ كالذَّي حدَّثتنا ... لوصلتِ ذاكَ فكانَ غيرَ رِمامِ قوله رمام يقول أخلاق الواحدة رمة، ومن العظام رمة، وأنشد لذي الرمة: أشعثَ باقي رُمَّةِ التقليدِ إنِّي أُواصلُ منْ أَردتُ وصالهُ ... بِحبالِ لا صلفٍ ولا لوَّامِ

قال والصلف الذي لا خير فيه ولا عنده. قال: ومثل يضرب يقال: رب صلف تحت الراعدة. يعني رعدا بلا مطر، كما أن كلام الصلف بلا فعل. قال أبو عبد الله: يقال حنطة صلفة إذا كانت قليلة النزل، وصلفت المرأة عند زوجها قل موقعها، ومن كلام العرب: كم صلف تحت الراعدة. يراد به الرجل يقل خيره مع ظاهر يستعظم. ولقدْ أراني والجديدُ إلى بلىً ... في فتيةٍ طُرُفِ الحديثِ كرامِ ويروى في موكب. ويروى طرفي الحديث. يقول يأتون بكل حديث مستطرف مما يشتهى ويحب السامع أن يسمعه. طلبوا الحُمولَ على خواضعَ في البُرى ... يُلحقنَ كُلَّ مُعذَّلٍ بسَّامِ ويروى يحملن كل. قوله الحمول يعني الظعن وهن النساء على الإبل. وقوله على خواضع، يقو: هذه الإبل واضعة رؤوسها للسير. وقوله كل معذل يريد كل فتى معذل أي ملوم، يطلب الغزل والناس يعذلونه، يريد يلومونه على فعله وهو غير منته عما يريد. يقال من ذلك عذلت فلانا وذلك إذا لمته. لوْلا مُراقبَةُ العُيونِ أريننَا ... مُقلَ المَها وسَوالِفَ الآرامِ ويروى حدق المها. ويروى مراقبة الغيور. قال والمقلة العين كلها. والمها البقر البيض، قال: والسالفة صفحة العنق من أعلاه. والآرام ظباء الرمل وهي أحسن الظباء ليلا لسكونها في الرمل. ونظرنَ حينَ سمعنَ رجعَ تحيَّتِي ... نظرَ الجيادِ سمعنَ صوتَ لِجامِ كذَبَ العواذلُ لوْ رأينَ مُناخنا ... بحزيزِ رامةَ والمطيُّ سوامِ

قال والحزيز أرض فيها غلظ واستواء. وقوله سوام، يقول رافعة أبصارها وأعناقها. والمطي ما امتطي ظهره والمطا الظهر. قال أبو عبد الله قال أبو العباس: قوله لو رأين مناخنا وما نلقى ما عذلننا في الطلب، قال وقوله والمطي سوام يقول هي في بلد لا رعي فيها فهي تسموا بأبصارها إلى موضع الرعي. والعيسُ جائِلَةُ الغُروضِ كأنَّهُ ... بقرٌ جوافِلُ أوْ رعيلُ نعامِ قوله جائلة الغروض لضرها وهزالها. فقد اضطربت حزمها من التعب والسير. قال والغروض للابل من أدم مثل الحزم للخيل. نصِّي القُلوصَ بكُلِّ خرقٍ ناضِبٍ ... عمقِ الفجِاجِ مُخَرَّجٍ بقتامِ ويروى بكل خرق مهمه. قال: والنص النصب للسير، قال: ومنه قولهم منصة العروس. وقوله بكل خرق ناضب، قال: والخرق الفلاة الواسعة تتخرق الرياح في الفلاة فتفضي إلى فلاة أخرى. وقوله ناضب أي بعيد، وقوله مخرج يقول: فيه بياض وسواد: قال والعمق البعيد، والفجاج أفواه الطرق، الواحد منها فج. قال والقتام الغبار. يدمى على حذمِ السريحِ أظلُّها ... والمروُ مِنْ وهجِ الهجيرةِ حامِ ويروى من وهج الهواجر. ويروى على جذم. والسريح

السيور التي توصل بها رقاع الاخرى إلى الرسغ. وقوله على حذم يقول قطع، والسريح سيور النعال، قال: والمرو حجارة بيض وسمر. والهواجر أشد النهار حراً. قال والأظل ما تحت المنسم من الخف. باتَ الوسادُ لدى ذِراعِ شملَّةٍ ... وثَنى أشاجعهُ بفضلِ زمامِ ويروى بات الوساد على قال: والشملة من الإبل السريعة. إنَّ ابْنَ آكلةِ النُّخالةِ قدْ جَنى ... حرْباً عليكَ ثقيلةَ الأجرامِ يعني البعيث. قال الجرم الجسد كله، يقال من ذلك رماه بأجرامه، قال وذلك إذا ماه بجسده كله. خُلقَ الفرزدقُ سوءةً في مالكٍ ... ولخلفِ ضبةَ كانَ شرَّ غُلام ويروى ولخلف ضبة. يريد مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم. وقوله ولخلف ضبة قال وذلك لأن ضبة أخواله. قال ومنه قول الله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ}. قال أبو عبد الله: الخلف ساكنة اللام من يأتي بعد والخلف متحركة اللام هو البدل. مهلاً فرزدقُ إنَّ قومكَ فيهُمُ ... خورُ القُلوبِ وخفَّةُ الأحلامِ الظَّاعنونَ على العَمَى بجميعهم ... والنَّازلونَ بشرِّ دارِ مُقامِ قوله الظاعنون على العمى بجميعهم، يقول: يركبون ما لا يُبالون

عاقبته من الأمور، ولا يدرون ما هو، ولا يدرون ما يفعلون، يتبعون صارخهم على عمياء من أمره، ولا يبالون عاقبته، ولا يدرون ما هو. وقوله والنازلون بشر دار مقام، يقول: يتخير الناس عليهم المنازل فهم يتبعون من المنازل ما تركه الناس فينزلونه، وذلك لأنهم أذلاء لا منعة عندهم ولا دفع لهم. لَوْ غيرُكمْ علقَ الزُّبيرُ ورحلهُ ... أدَّى الجوارَ إلى بنِي العوَّامِ ويروى لو غيركم علق الزبير رحله، وهو أجود، ويريد العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب. كانَ العنانُ على أبيكَ مُحرَّما ... والكيرُ كانَ عليه غيرَ حرامِ عمداً أُعرفُ بالهوانِ مُجاشِعاً ... إنَّ اللِّئامَ عليَّ غيرُ كرامِ إنَّ المكارمَ قدْ سُبقْتَ بفضلها ... فانسُبْ أباكَ لعروةَ بنِ حِزامِ تلقَى الضَّفنةَ منْ بناتِ مُجاشِعٍ ... تهذي استُها باخابثِ الأحلامِ قال الضفنة من النساء الضخمة البطن والجنبين، أي ترى في المنام أنه يُفعل بها. ما زلتَ تسعى في خبالِكَ سادِراً ... حتى التبستَ بعُرَّتي وعُرامِي إنِّي إذا كرهَ الرجالُ حلاوتي ... كنتُ الذُّعافَ مُقشَّباً بسمامِ فيمَ المِراءُ وقْد علوتُ مُجاشِعاً ... علياءَ ذاتَ معاقلٍ وحَوامِي وحللتُ في مُتمنِّعٍ لوْ رُمتهُ ... لهويتَ قبلَ تثبُّتِ الأقدامِ وقال الفرزدق لجرير: لا قوْمَ أكرمُ مِنْ تَميمٍ إذْ غدتْ ... عوذُ النِّساءِ يُسقنَ كالآجالِ

قوله عوذ النساء هُن اللاتي معهن أولادهن، والأصل في عوذ في الإبل التي معها أولادها فنقلته العرب إلى النساء وهذا من المستعار، وقد تفعل العرب ذلك كثيراً. قال والآجال الفرق من البقر والظباء واحدها إجل. الضّاربونَ إذا الكَتيبةُ أحجمتْ ... والنَّازلُونَ غَداةَ كُلِّ نِزال والضّامِنونَ على المنيَّةِ جارُهْم ... والمطعمونَ غَداةَ كُلِّ شَمالِ أبني غُدانةَ إنَّني حررتُكُمْ ... ووهبتكُمْ لعطيةَ بنِ جعالِ قوله حررتكم يعني أعتقتكم وجعلتكم أحراراً. قال: فلما بلغ عطية هذا البيت، وكان عطية خليلاً للفرزدق قال: جزى الله خليلي عني خيرا. وهو عطية بن جعال بن مجمع بن قطن بن مالك بن غدانة بن يربوع، وكان عطية من سادة بني غدانة. فوهبتكُمُ لأحقِّكُمْ بقديمكم ... قِدماً وأفعلهِ لكُلِّ نوالِ لولاَ عطيَّةُ لأجتدعتُ أُنوفكُمْ ... مِنْ بينِ ألأمِ آنفٍ وسِبالِ ويروى أعين وسبال، قال: فلما بلغ عطية قوله من بين الأم آنف وسبال قال: ما أسرع ما رجع خليلي في هبته. إنِّي كذاكَ إذا هجوتُ قبيلةً ... جدَّعتُهُم بعوارِمِ الأمثالِ العوارم الخبيثة المشهورة، جدعتهم قطعت آذانهم. أبنُو كُليبٍ مثلُ آلِ مُجاشِعٍ ... أمْ هلْ أبوكَ مُدعدِعاً كعقالِ مدعدعاً في حال دعدعته، كأنه قال أم هل أبوك في هذه الحال.

الدعدعة زجر الغنم يقال دعدع وسعسع وسأسأ، قال يريد عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع. قال والدعدعة الدعاء بأولاد المعز. دعدِعْ بأعنُقكَ التَّوائِمِ إنني ... في باذخٍ يابْنَ المراغة عالِ الباذخ يريد الجبل المشرف المنيع، فأنا كذلك لا يصل أحد إلى أذاتي ولا مساءتي، فضربه مثلا للتجبر، يقال من ذلك قد بذخ فلان إذا علا وتكبر. قال والتوائم التي يولدن ثنتين في بطن. وابنُ المراغةِ قدْ تحوَّلَ راهِباً ... مُتبرنساً لتمسكُنٍ وسؤالِ أي صار يلبس البرنس كما يلبس الرهبان. ومُكبَّلٍ تركَ الحديدُ بساقهِ ... أثراً من الرَّسفانِ في الأحجالِ قوله من الرسفان هو مشي متقارب وهو مشي المقيد. والأحجال القيود الواحد حجل، قال وأصل الحجل الخلخال ثم جعل القيد هاهنا حجلاً، ولما وقع القيد في موضع الخلخال من المرأة سموه حجلاً. وفدتْ عليْ شيوخُ آلِ مُجاشعٍ ... منهمْ بكلِ مُسامحٍ مِفضالِ ففدوهُ لا لثوابِهِ ولقدْ يُرى ... بيمينه ندبٌ منَ الاغُلالِ ويروى أثر. ولقد يرى بيمينه ندباً. ويروى فكوه. قوله ندب يعني أثراً من معالجة العمل والمهنة. ما كانَ يلبسُ تاجَ آلِ مُحرِّقٍ ... إلاَّهُمُ ومقاولُ الأقوالِ قوله ومقاول، المقاول ملوك اليمن. قال ويروى ومقاول الأقيال.

فمن رواه الأقيال فجمعه على قيل، ومن رواه الأقوال رده إلى الأصل، كذا فسره أبو عبيدة والأصمعي. كانتْ مُنادمةُ المُلوكِ وتاجُهمْ ... لمُجاشِعٍ وسُلافةُ الجريالِ قوله وسلافة يعني الشراب، وهو ما سال بغير عصر ولا علاج، وهو أجوده قال وسلافة كل شيء أوله، وهو ما سلف وتقدم. قال والجريال حمرة من كل شيء وكأنه مما سال ويقال هو البقم بعينه ثم صار لكل حمرة. ولئنْ سألتَ بني سُليمٍ أيُّنا ... أدنَى لكُلِّ أرُومةٍ وفعالِ ليُنبئنَّكَ رهطُ معنٍ فأتهمْ ... بالعلمِ والأنفونَ مِنْ سمَّالِ الأنفون من الأنف. قال ومعن بن يزيد السلمي وسمال من بني سليم وهم رهط عبد الله بن خازم صاحب خراسان. ويروى والأتقون لأنهم أتقياء لا يكذبون. إنَّ السَّماءَ لنا عليكَ نُجومُها ... والشَّمْسَ مُشرقَةٌ وكُلُّ هلال نصبة أي في حال إشراقها. ولنا معاقلُ كُلَّ أعيطَ باذِخٍ ... صعبٍ وكُلُّ مباءةٍ محلالِ قوله أعيط هو جبل طويل. والباذخ المشرف من الجبال ومنه يقال بذخ فلان علينا وذلك إذا علا وتجبر. وقوله مباءة أي محلة يتبوأ فيها يعني ينزلها الناس، قال والمحلال التي يحلها الناس لكرمها وخصبها. إنَّ ابنَ أُختِ بَني كُليبٍ خالهُ ... يومَ التَّفاضُلِ أَلاَمُ الأخوالِ بعلُ الغريبةِ منْ كُليبٍ ممْسكٌ ... منْها بلا حسبِ ولا بجمالِ

الغريبة التي تزوج في غربة تدعى الإطريحة. والسحوب الذي تذهب به امرأته إلى قومها فتجيره. سُودُ المحاجر سيءٌ لباتُها ... منْ لؤمهنَّ يُنكنَ غيرَ حلالِ ككلابِ أعبُدِ ثلَّةٍ يتبعنهُمْ ... حملتْ أجنتها بشَرَّ فِحالِ يعوينُ مُختلطَ الظَّلامِ كما عوتْ ... خلفَ البيوتِ كلابَهْا لعظالِ قوله لعظال. قال العظال المعاظلة سفاد السباع كلها، نسب نساءهم إلى ذلك، وشبههن بالكلاب إذا طلبت السفاد فنساؤهم يفعلن هذا الفعل. يرفعنَ أرجلهُنَّ عنْ مفروكةٍ ... مُقِّ الرُّفُوغِ رحيبةُ الأجوالِ مفروكة يبغضها زوجها لعيب بها. والرفوغ أصول الفخذين والمغابن. مق طوال واحدتها مقاء، والذكر أمق بين المقق. تلَقى الأُيورَ بظُورهنَ كأنَّها ... عصبُ الفراسِنِ أو أُيُورُ بغالِ تَغلو دِماءُ بَني المراغةِ فيهمُ ... ودماؤُهُمْ وأبيكَ غيرُ غوالِ يُسلحنَ أنتنَ ما أكلنَ عليهمُ ... لمَّا وجدنَ حرارةَ الإنزال قوله يسلحن جعلهن عذيوطات - وعذاييط أيضا - قال وذلك أن العذيوط من الرجال والعذيوطة من النساء، التي إذا جُومعت سلحت عند الفراغ، قال: وكذلك الرجل أيضاً. إَّني وجدتُ بني كُليبٍ إنَّما ... خُلقُوا وأُمكَ مُذْ ثلاثُ ليالَ الرفعُ في ثلاث أجود لأنه قد مضى. وأمك خفض على القسم لأنه

حلف بها. يُزويهمُ الثمدُ الذي لوْ حلَّهُ ... جُرذانِ ما ندَّاهُما ببلالِ ويروى ما رويا له ببلال. الثمد الماء القليل الملح عليه. قال أبو عبيدة: الثمد ماء المطر يجتمع في مشاشة من الأرض وهي الحجارة الهشة، فيشرب منها الشهر والشهرين إذا استقيت دلو عاد مثلها. لا يُنعمونَ فيستثيبوا نعمةً ... لهُمُ ولا يجزُونَ بالإفضالِ يتراهنُونَ على جيادِ حميرهم ... منْ غايَةِ الغذَوانِ والصلصالِ قال: والغذوان والصلصال حماران فحلان، والغذوان الذي يُغذي ببول - يفرقه - إذا بال. قال: والصلصال الصلب الصوت، قال امرؤ القيس كتيس الظباء الحلب الغذوان قال: وكأنه من قولهم سمعت صلصة الحديد بعضه على بعض، وذلك إذا اشتد صوته. وكأنَّما مَسَحوا بوجه حمارهمْ ... ذِي الرقمتينِ جبينَ ذِي العُقَّالِ قال والرقمتان الحلقتان على كآذتي الحمار. قال والكاذة موضع الرقم منه من أعلى الفخذين، وأسفل الورك، وهي الناتئة منه، قال وذو العقال فرس معروف بالنجابة. ومُهُورُ نسوتِهم إذا ما أُنكحُوا ... غذويُّ كُلِّ هبنقعٍ تنُبالِ

قال: الغذوي ما في بطون الحوامل لم ينتج بعد. والهبنقع الذي إذا قعد أقعى على استه، وضم فخذه، وفرج بين رجليه. قال والتنبال من الرجال القصير. قال أبو عبد الله: لا أعرفه إلا غدوي بالدال غير معجمة. قال: مهور نسوتهم الحملان ليس يُمهرن الإبل. يتبعنهُمْ سلفاً على حُمراتهِمْ ... أعداءَ بطنَ شُعيبةَ الأوشالِ قوله أعداء يريد النواحي، واحدها عدى كما ترى مقصور، وهو من قول الله عز وجل {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} وهن جانبا النهر. وشعيبة مسيل. والوشل ماء يقطر من الجبل قليلاً قليلاً. ويظلُّ مِنْ وهج الهجيرةَ عائذاً ... بالظِّلِّ حيثُ يزولُ كُلِّ مزالِ يقول يعرف في الهاجرة لأنه لا بيت له ولا بناء يستكن فيه من الشمس. وحسبتَ حربِي وهي تخطرُ بالقنَا ... حلبَ الخمارةِ يابْنَ أمِّ رِعال كلاَّ وحيثُ مسحتُ أيمنَ بيتهِ ... وسعيتُ أشعثَ مُحرماً بحلالِ يريد الحجر الأسود. وقوله بحلال يريد لأحل من إحرامي، ويروى لحلال تبكي المراغةُ بالرَّغامِ على ابنها ... والناهِقاتُ ينُحنَ بالإعوالِ

قال: المراغة يريد أُم جرير قال والرغام التراب الخشن، وهو الذي ينهال وهو من قولهم للرجل إذا دعوا عليه، أرغم الله أنفه يعني ألزق الله أنفه بالتراب. سِوقِي النَّواهقَ مأتماً يبكينهُ ... وتعرَّضي لمُصاعد الفُقالِ يقول: سلي من يسافر مصعدا أو غير مصعد. وقوله مأتما يبكينه، يقول: ليس من يبكيه إلا الحمير. وقوله وتعرضي لمصاعد القفال يريد سلي عنه. ويروى لمصعدي القفال. سرباً مدامِعُها تنوحُ على ابنها ... بالرمَّلِ قاعدةً على جلاَّلِ جلال طريق لطيءٍ يسلكونه. قالُوا لها احتسبي جريراً إنهُ ... أودى الهزبرُ بهِ أبو الأشبالِ ويروى ائتجري جريرا، ومن هذا قول الشمردل يرثي الحكم بن شريك أخاه: يقولون ائْتَجِز حكما وراحوا ... بأبيضَ لن أراهُ ولن يراني قوله ائتجري احتسبي جريراً فأنه قد قتله الهزبر وهو الأسد، يعني نفسه أي إني أنا الهزبر قتلت جريرا. ألقى عليه يديه ذُو قوميَّةٍ ... وردُ فدقَّ مجامِعَ الأوصالِ روى أبو عمرو يدق مجامع، الأوصال واحدها وصل ووصل. قوله

ذو قومية يريد ذو قوة وبأس، قال ومجامع الأوصال البطن وهو هاهنا الصلب. قَدْ كنتُ لوْ نفَعَ النَّذيرُ نهيتهُ ... ألاَّ يكونَ فريسةَ الرِّيبالِ قال الريبال الأسد الذي يتربل أي يطلب الصيد وحده - ويتريبل أيضا - وذلك لقوته وثقته بنفسه. إني رأيتكَ إذْ أبقتَ فلمْ تئلْ ... خيرتَ نفسكَ منْ ثلاثِ خِلالِ تئل تنجو، يقال من ذلك وأل فلان وذلك إذا نجا، وتقول العرب لا وألت إن وألت. يريدون لا نجوت إن نجوت. ويروى فلم تُبل من المبالاة. بينَ الرُّجوعِ إلى وهيَ فظيعةٌ ... في فيكَ مدنيةٌ مِنَ الآجالِ وروى أبو عمرو وهي بغيضة ومريرة، أي لا تقدر أن تتكلم بها لفظاعتها. أوْ بينَ حيِّ أبِي نعامةَ هارِباً ... أَو بِاللَّحاقِ بطيى الأجبالِ قال: أبو نعامة يعني قطري بن الفجاءة الخارجي، وهو من بني مازن. وقوله حي أبي نعامة أي هو حي، تقول فعلت ذاك حي فلان، أي وفلان حي. ولقدْ هممتَ بقتلِ نفسكَ خالياً ... أوْ بالفِرارِ إلى سفينِ أوَال فالآنَ يا رُكبَ الجداءِ هجوتُكمُ ... بهجائكُمْ ومُحاسِبِ الأعمالِ قوله يا ركب الجداء يحقرهم بذلك وينقصهم. وقوله ومحاسب

لأعمال هي يمين حلف بها كما تقول وديان الدين ومحاسب العالمين. فاسأل فإنكَ مِنْ كُليبٍ والتمسْ ... بالعسكريْنِ بقيةَ الأظلالِ قوله والتمس بالعسكرين، يعني القريتين قريتي بني عامر وفيهما سوق، وتمر، ونباذون قال: وإنما يرميه بأن له منزلا في القريتين وأنه ليس ببدوي والأظلال يعني الأخبية لأنها تظلهم من الحر والبرد. إنَّا لتُوزنُ بالجبالِ حلُومنُا ... ويزيدُ جاهِلُنا على الجُهَّالِ فأجمعْ مساعيَكَ القصارَ ووافني ... بعُكاظَ يا ابنَ مُربقِ الأحمالِ واسألْ بقومكَ يا جريرُ ودارِمٍ ... منْ ضَمَّ بَطْنُ مِنّى مِنَ النُّزالِ النزال هم الحجاج، وأنشد لعامر بن الطفيل: أنازلةٌ أسماءُ أمْ غيرُ نازِلهْ ... أبيني لنا يا أسمَ ما أنتِ فاعلهْ تجدِ المكارمَ والعديدَ كليهما ... في دارمٍ ورَغائبَ الآكالِ الرغائب كل مالٍ مرغوب فيه. والآكال هي الأموال وهي طعم كانت الملوك تجعلها لأشراف العرب. وإذا عددتَ بني كُليبٍ لمْ تجدْ ... حسباً لهُمْ يُوفِي بشسِعِ قِبالِ لا يمنعونَ لهُمْ حرامَ حليلة ... بمهابةٍ منهُمْ ولا بِقتالِ ويروى فيهم. ويروى لا يمنعون لهم خدام حليلة والخدام الخلخال، والحليلة المرأة والخليلة الصديقة بالخاء المعجمة. أجريرُ إنَّ أباكَ إذْ أتعبتهُ ... قصرتْ يداهُ ومدَّ شرَّ حبالِ

وروى أبو منجوف إن أباك حين ندبته أي دعوته. والحبال أسباب الفخر هاهنا. إنّ الحجارة لَوْ تكلَّمُ خبرتْ ... عنكُمْ بآلامِ دقةٍ وسِفالِ لَوْ تعلمونَ غداةَ يُطردُ سبيُكمْ ... بالسَّفْحِ بينَ مُليحةٍ وطِحال والحوفزانُ مسومٌ أفراسهُ ... والمُحصناتُ يجُلنَ كُلّ مجال ويروى هل تعلمون. ويروى بالسفح بين روية. قال أبو عبيدة: أغار الحوفزان بن شريك على بني يربوع بذي بيض فسبى وأخذ الأموال. قال أبو عبيدة: وذو بيض أرض بين جبلة وطخفة، وهي اليوم لغني والضباب وبنو تميم في شق ذي بيض الجنبي. قال: وأسر حنظلة بن بشر بن عمرو بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم الحوفزان بن شريك، ثم من عليه بلا فداء، وردَّ ما كان في يديه من المال على بني يربوع. وفي ذلك يقول الفرزدق يفخر على جرير: وردَّ عليكم مُردفاتٍ بناتِكُمْ ... بنا يومَ ذي بيضٍ صلادِمُ قُرَّحُ وعانقَ مِنَّا الحوفزانَ فردَّهُ ... إلى الحيَّ ذو درءٍ عن الأصلِ مرزخُ قال أبو عبيدة: وربما أنشدوني: هلْ تعلمُونَ غداةَ يُطردُ سبيُكمُ ... بالسَّفحِ بينَ مُليحةٍ ...

وأيضا بين كُلية. وأيضا بين رؤية وطحال. قال: وهي شيء واحد، وذلك لتقارب بعضهن من بعض. وذلك لأن بين صحراء طحال الجنبي وبين وضاخ وجبلة ليلة، والسفح عن يسار طخفة مصعداً إلى مكة. ومليحة قريب من السفح وهو لغني اليوم. والصمد ماء للضباب اليوم، وهو في شاكلة الحمى في شق ضرية الجنبي. قال وروية وكلية ماءان لغني قريب منهن. والكثيب اسم ماء للضباب في قبلة طخفة، قال فهن متقاربات. رياء - أي يرى بعضهن من بعض. قال فلذلك اختلفوا في ألفاظهن، والعرب تستحسن ذلك، أن يجيء الحرف مراراً إذا كان لفظه مختلفاً. والشملي ما يلي الشمال. والجنبي ما يلي الجنوب. يحدُرنَ من أُمُلِ الكثيبِ عشيَّةً ... رقصَ اللِّفاحِ وهُنَّ غيرُ أَوال ويروى يحدين. قوله غير أوال يعني غير تاركات جهداً، كأنه من قولهم لست آلو جهداً يريد لا أترك جهداً. يحدين يسقين. والأمل جمع أميل وهو الحبل من الرمل. حتَّى تداركها فوارسُ مالكٍ ... ركضاً بكُلِّ طُوالَة وطُوال لمَّا عرفنَ وُجوهَنا وتحدَّرتْ ... عبراتُ أعينهنَّ بالإسبالِ قوله بالإسبال يريد سيلان الدموع متداركا. وذكرُنَ من خفرِ الحياءِ بقيَّةً ... بقيتْ وكُنَّ قُبيلُ في أشغالِ وارينَ أسوقهُنَّ حينَ عرفننا ... ثقةً وكُنَّ روافِعَ الأذيالِ وارين أسوقهن ثقة بأنا سنحميهن ونمنعهن. وقوله وارين يريد سترن أسوقهن منا من الحياء. وقوله روافع الأذيال يعني للهرب. بفوارِسٍ لَحِقوا أبُوهُمْ دارِمٌ ... بيضِ الوُجوه عَلى العدُوِّ ثِقالِ

ويروى مالك وهو أبو دارم بيض الوجوه أي لم تسود وجوهم من العار، كما قال الشاعر: ليسوا كأقوامٍ عرفْتُهُمُ ... سُودِ الوُجُوهِ كمعدنِ البُرمِ كُنَّا إذا نزلَت بأرضِكَ حيَّةٌ ... صمَّاءُ تخرُجُ منْ صُدُوعِ جبالِ يُخشَى بوادِرُها شَدخنا رأسها ... بمُشدخاتٍ للرؤوس عوالِ إنَّا لننزِلُ ثغرَ كُلِّ مُخوفَةٍ ... بالمُقرباتِ كأنَّهنَّ سَعالِ ويروى لنترك. وقوله بالمقربات يعني الخيل لأنها تقرب مرابطها من بيوتهم لا يدعونها تسرح وترعى. قُوداً ضَوامِرَ في الرُّكوبِ كأنَّها ... عِقبانُ يومَ تغيُّمٍ وطِلالِ ويروى جرر القياد وفي الطراد كأنها. طل وطلال هو الندى. شُعثاً شَوازِبَ قدْ طَوى أقرابَها ... كرُّ الطِّرادِ لواحقُ الآطالِ قوله شوازب يريد ضوامر يابسة الجلود. قال والأقراب الخواصر وما يليها. قال: والآطال الخصور الواحد إطل ويقال إطل. قال أبو عبد الله: ويقال شاسب وشاسف، وحكي شسفوا لحومكم أي يبسوها. بأُولاَك تُمنعُ أَن تُنفِّقَ بعدَما ... قصَّعتَ بينَ حُزونَةٍ ورِمالِ قال النافقاء والقاصعاء: جحر اليربوع الذي يدخل فيه ويخرج، والقاصعاء جحر له يحفره حتى إذا رأى الضوء تركه رقيقا، فإذا احتاج إلى الهرب ضربه برأسه فنقبه وهرب، يقول: أولئك وهي لغة قريش، وبها نزل القرآن وأولاك وألاك وأولالك وألائك بمعنى واحد، وأنشد لجندل بن المثنى:

وكُلُّ أُلائِكَ غيرُ مُنزربِ ... في الجُحْرِ لمَّا يُنجِهِ شِعْبٌ لَصِبْ اللصب الضيق. يقول: بفوارسي تمنع أن تطلع رأسك كما يُنفق اليربوع من جحره، ولجحر اليربوع بابان فمدخله من القاصعاء ومخرجه من النافقاء. وبِهِنَّ ندفعُ كربَ كُلِّ مُثَوِّبٍ ... وترى لَهَا خُدداً بِكُلِّ مَجالِ قوله: كرب كل مثوب. قال: فالمثوب الرافع صوته الفزع المستغيث مرة بعد مرة، قال أبو عبيدة: وكأنه مأخوذ من تثويب الأذان، لأنه يرفع صوته فيدعو إلى الصلاة، كما يدعو المستغيث بالتثويب إلى النصرة. وقوله: ترى لها يعني للخيل. خددا يعني حفرا. وذلك لأنها تحفر بحوافرها من الاستنان والمرح، من قوله جل وعلا {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} وهي حفر تخد في الأرض فكأنه مشتق من ذلك إنّي بَنى لي دارِمٌ عادِيَّةً ... في المَجْدِ لَيْسَ أَرُومها بِمُزالِ قوله أرومها يعني أصلها. والأرومة الأصل. وقوله إني بنى لي دارم وأبوه الذي ورد الكلاب يعني جده سفيان بن مجاشع، وكان في الكلاب الأول مع المقتول آكل المرار، وقُتل مع سفيان يومئذ ابنهُ مرة، وهو أبو مندوسة الذي يقول فيه جرير: ندسنَا أَبا مُندوسَةَ القَيْنِ بالقَنَا ... ومارَ دَمٌ من جارِ بيبةَ ناقِعُ قوله ندسنا طعنا والندس الطعن. وأَبي الَّذي وردَ الكُلابَ مُسوِّماً ... والخيلً تحتَ عجاجِها المُنجالِ

قوله المنجال هو المنفعل من الجولان. وقوله مسوماً يعني معلماً من قوله عز وجل {مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} يعني مُعلمين، يقال من ذلك قد سوَّم القوم وذلك إذا أعلموا ليعرفوا في القتال. قال وليس يُسوِّمُ إلا الشديد الذي لا يفر ويحب أن يعرف مقامه لترى شدته. تَمشي كواتِفُها إذا ما أقبلتْ ... بالدَّار عينَ تكدُّسَ الأوعالِ قوله تمشي كواتفها، قال: الكواتف التي تكتف في المشي، وهو أن ترفع هذه الكتف مرة وهذه مرة، يقال: مرت تكتف كتفاً إذا مشت كذلك. وقوله تكدس الأوعال يعني توثب الأوعال. قلِقَاً قلائِدُها تُقادُ إلى العِدى ... رُجُعَ الغِزَيِّ كثيرةَ الأنفالِ قوله قلقاً قلائدها قال وذاك من الضمر فقلائدها تذهب وتجيء، فهي مضطربة من الجهد والتعب وطلب الأوتار والغارات. وقوله كثيرة الأنفال، يقول: خيلنا هذه قد رجعت غانمة، قد نالت أملها وأصابت محبتها. أكلتْ دوابِرَها الإكامُ فمشْيُها ... ممَّا وجينَ كمشيةِ الأطفالِ فكأنَّهُنَّ إذا فزعنَ لصارخٍ ... وشرعنَ بينَ سوافِلٍ وعوالِ قال: الصارخ المستغيث من كرب نزل به. وقوله سوافل وعوال يريد سوافل الرماح وهي الأزجة، وعوال يريد الأسنة. وهززْنَ مِنْ جزعٍ أسِنَّةَ صُلَّبٍ ... كجُزوعِ خيبرَ أوْ جُزوعِ أوالِ ويروى من فزع. يقول هززن خدودهن فجعلها أسنة صلب. قال

والأسنة هاهنا المسان واحدها سنان ومسن، مثل لحاف وملحف، جعل خدودهن كالمسان، قال: وذلك لعرضها وامليساسها. والصلب حجارة المسان. وقوله: كجذوع خيبر يقول هززن خدودهن بأعناق طوال كجذوع نخل خيبر. طيرٌ تُبادِرُ رائِحاً ذا غبيةٍ ... برداً وتسحفُهُ خريقَ شَمالِ وطيرا أيضا بالنصب. ويروى وتسحفها. وقوله غبية قال: هي دفعة من المطر شديدة ثم تقلع. وقوله بردا فيه برد. وتسحفه يريد تكشفه فتذهب به. قال والخريق الريح الشديدة الباردة، قال والريح في الشمال أشد برداً منها في الجنوب، فمن ثم قال خريق شمال شبه الخيل بالطير في مبادرتها إلى الوكور على هذه الحال. علقتْ أعنتُهُنَّ في مجرومةٍ ... سُحُقٍ مُشَذَّبَةِ الجُذوعِ طوالِ يقول علقت الأعنة في أعناق طوال كالنخل، السحق المجرومة، وهي النخل المصرومة، يقال من ذلك نخل مجرومة ومصرومة بمعنى واحد، وذلك أطول للنخل إذا كانت مجرومة، والسحق الطوال قال الشاعر: يا ربِّ أرسِلْ خارِفَ المساكينْ ... عَجاجَةً ساطِعَةَ العَثانِينْ تحُتَّ ما في السُّحقِ المجانينْ قال والمجانين من النخل الطوال جدا، الخارجة من حد النخل، فقد صارت إلى حد الإفراط في الطول، كما خرج المجنون من حد الصحة إلى حد الجنون. قال ابن الاعرابي: سمعت أعرابيا ينشد هذه الأبيات، ومر بنخل طوال لا يصل إلى أن يأكل منه. قال وإذا شُذب سعف الشجر

كان أطول لها. تَغشَى مُكلِّلةً عوابِسُها بِنا ... يومَ اللِّقاءِ أسنةَ الأبطالِ ويروى مكلمة من الجراح. وقوله مكللة يعني حاملة لا تكذب في حملتها، يقال من ذلك كلل السبع إذا حمل. ترعَى الزَّعانِفُ حولَنْا بقيادِها ... وغُدُوهنَّ مُروحَ التشلالِ قوله الزعانف هم التباغ والأجراء والضعفاء من الناس، الواحدة زعنفة، يقول: إذا قُدنا الخيل إلى الأعداء، رعت الزعانف حولنا آمنين بنا، لا يخافون عدوا يصيبهم لعزنا ومنعتنا، فهم آمنون في رعيهم. وقوله وغدوهن يعني غدو الخيل. وقوله مروح التشلال، يقول: نحمل الناس على أن يشلوا نعمهم فيهربوا منا، ويروى ترعى الزعانف حولها لقيادها. يومَ الشُّعيبةِ يومَ أقدمَ عامِرٌ ... قدَّامَ مُشعَلَةِ الرُّكوبِ غَوالِ ويروى رعال، ويروى عجال. وقوله يوم الشعيبة، قال: يوم الكلاب، وعامر الذي ذكر هو عامر بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة. وترَى مُراخيها يثُوبُ لحاقُها ... وردَ الحمامِ حوائرَ الأوشالِ ويروى حوابي، ويروى مدامع. وقوله وترى مراخيها الواحد مرخاء وهو السهل في عدوه من الخيل، إذا مر مرا لينا سهلا. وقوله حوائر واحدها حائرة وهو الماء المستنقع المتحير في الأرض، وذلك لأنه لم يكن له مجرى يجري إليه فتحير بمكانه فبقي. قال: والوشل ما قطر

من الجبل من الماء. وروى أبو عمرو: ورد الذئاب مدافع الأوشال. ويروى بحث السباع مدامع الأوشال. شُعثاً قدِ انتزعَ القِيادُ بُطونها ... منْ آلِ أعوجَ ضُمَّرٍ وفِحالِ شُمَّ السَّنابِكِ مُشْرِفٌ أقتارُها ... وإذا انتضينَ غَداةُ كُلِّ صِقالِ ويروى مشرف أقرابها قوله شم السنابك يعني مشرفات السنابك. ويروى رثم السنابك أي مكسورة، وذلك من وطئها الحجارة، من قولهم فلان أرثم وذلك إذا كانت سنه مكسورة، قال: والسُّنبك طرف مقدم الحافر. قال: وأقتارها نواحيها. ويروى رُتم بالتاء معجمة اثنتين أي مكسورة يقال رتم أنفه إذا دقه، ومن روى رثم أراد أنها ملطخة بالدم. في جحفلٍ لجِبٍ كأَنَّ شُعاعهُ ... جبلُ الطراةِ مُضعضعُ الأميالِ قال: الجحفل الجيش الكثير الأهل. وقوله لجب يعني كثير الأصوات، ومضعضع هادم، والأميال أميال الطرق. يعني أنهم يسوونها بالأرض من كثرتهم. وقوله مضعضع الأميال، يقول: مضعضع أمياله في السراب. قال: والميل منتهى مد البصر. يقول أمياله تحرك في السراب. ويروى كأن زهاءه، ويقال كم تزهو هذا؟ أي كم ترى عدده. يعذمنَ وهيَ مُصرَّةٌ آذانها ... قصراتِ كُلِّ نجيبةٍ شِملالِ مصرة ناصبة آذانها، قال وذلك أن الرجل كان يركب الناقة ويجنب الفرس، فربما عبث الفرس فعض عنق الراحلة، قال: والشملال الناقة السريعة الخفيفة، العذم العض بطرف الفم، يريد أن الخيل تجنب مع الإبل فتعض قصرات الإبل نشاطاً وعبثاً. وترى عطيَّةَ والأتانُ أمامهُ ... عجِلاً يمُرُّ بِها عَلَى الأمثالِ

ويروى دئلاً من الدألان. ويروى تلقى عطية، وعجلا وعجلا لغتان معروفتان، ويروى بينا عطية. والأمثال ببطن فلج إكام. ويظلُّ يتبعهنَّ وهُوَ مقرمدٌ ... مِنْ خلفهنَّ كأنَّهْ بشكالِ قال مقرمد ومقرمط سواء، وهو تقارب شحو الخطو. وترَى على كتفْي عطَّيَةِ مائلاً ... أرْباقَهُ عُدِلَتْ لهُ بِسِخال ويروى وترى عطية ضاربا بفنائه أرباقه يقول ضرب بفنائه أرباق غنمه ثم عدلها ربطها فيها يعني أنه راع. وتراهُ مِنْ حمي الهجيرةَ لائذا ... بِالظِّلِّ حينَ يزولُ كُلِّ مَزالِ يعني أنه لا منزل له يستظل به، فهو يتبع الظل حيث ما زال. تبعَ الحمارَ مُكلماً فأصابهُ ... بنهيقهِ مِنْ خلفهِ بنكالِ وابنُ المراغةِ قدْ تحوَّلَ راهِباً ... مُتبرنساً لتمسكُنٍ وسُؤالِ يمشِي بها حلماً يُعارضُ ثلَّةً ... قُبحاً لتلكَ عطِيَّ مِنْ أعدالِ ويروى دئلاً يعارض. ويروى يمشي يعارض ثلة عدلت له. دئل نشيط وقوله حلما يعني قد لصق الحلم في أرفاغه. نظروا إليَّ بأعينٍ ملعُونةٍ ... نظرَ الرِّجالِ وما هُمُ برجالِ مُتقاعسينَ على النَّواهِقِ بالضُّحى ... يمرونهنَّ بيابسِ الأجذالِ إنَّ المكارمَ يا كُليبُ لغيركُمْ ... والخيلَ يومَ تنازُلِ الأبطال

فأجابه جرير فقال لَمِنِ الدِّيار رُسومهُنَّ خَوالِ ... أقفرْنَ بعدَ تأنُّسٍ وحلال الأصل: بوال. عفَّى المنازِلَ بعدَ منزِلِنا بِها ... مطرٌ وعاصِفُ نيرجٍ مِجفَالِ قال وإنما أراد وعاصف ريح نيرج فأضاف إلى النعت كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} فأقامه مقام الإسم قال وهذه حجة في النحو، قال والنيرج من الرياح الخفيفة السريعة. عادَتْ تُقاي عَلى هوايَ ورُبَّما ... حنَّتْ إذا ظَعَنَ الخلِيطُ حمالي يقول عاد حلمي على جهلي بعد أن كنت أحن إذا بان الخليط والجيران. ولقَدْ أرى المُتجاورِيِنَ تَزايلُوا ... مِنْ غيرِ ماتِرَةٍ وغَيْر تَقالِ إنِّي إذا بَسَطَ الرُّماةُ لِغلوِهِمْ ... عندَ الحِفاظِ غلوتُ كُلِّ مُغالِ ويروى علوت، قوله غلوت من غالاني فغلوته يقول نظرنا أينا أبعد غلوة سهم وإنما هذا مثل للتفاخر وذكر الأيام والنعم والأيادي. رُفِعَ المطيُّ بِما وسمتُ مُجاشِعاً ... والزَّنبريُّ يعومُ ذُو الأجلالِ قوله رفع المطي يقول غني بشعري في البر والبحر. قال والزنبري

العظام من السفن. يقول غني بشعري في البر على المطي وهي الإبل وفي الزنبري في البحر وهي السفن العظام. وقوله ذو الأجلال يعني الشرع. ومن قال: رفع المطي أراد ذهب المطي به يعني بشعري. في ليلتينْ إذا حدوتُ قصِيدةً ... بلغَتْ عُمانَ وطِيءَ الأجْبالِ هذا تقدُّمنا وزجري مالِكاً ... لا يُردينَّكَ حينَ قينكَ مالِ قوله مال يريد مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. لمَّا رأوْا جمَّ العذابِ يُصيبُهمْ ... صارَ القُيونُ كساقَةِ الأفيالِ ويروى رجم العذاب وهي جمع رجمة وهي حجارة تجمع. وروى سعدان: لما رأوا رجم العذاب. يقول: هلكوا كما هلك أصحاب الفيل حين أرادوا هدم البيت. يا قُرْطُ إنَّكُمُ قرينَةُ خزيةٍ ... واللَّؤْمُ مُعتقلٌ قُيونَ عِقالِ ويروى رهينة خزية. يريد قرط بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك وهو جد البعيث خاصة، وإنما أراد البعيث لتحامله عليه. معتقل يقول عقلهم اللؤم عن طلب المكارم أي حبسهم. أمْسَى الفرزدقُ للبعيثِ جنيبةً ... كابْنِ اللَّبونِ قرينةَ المُشتالِ ويروى قرينة المشتال. قوله: المشتال يعني الرافع ذنبه وإنما يفعل ذاك إذا ضعف وعجز واسترخى. ابن اللبون يعني الفرزدق جنبه مع البعيث حين هجاهما. وقوله قرينة يعني البعيث والفرزدق.

أرْداكَ حينُكَ يا فرزدقُ مُحلِباً ... ما زادَ قومَكَ ذاكَ غيرَ خَبالِ ولقَدْ وسمتُ مُجاشِعاً بأُنوفِها ... ولقدْ كفيتُكَ مِدحةَ ابنِ جعالِ قوله ابن جعال هو عطية بن جعال بن مجمع بن قطن بن مالك بن غدانة بن يربوع وكان صديقا للفرزدق. فانفُخْ بكيركَ يا فرزدقُ إنَّنِي ... في باذِخٍ لمحلِّ بيتِكَ عاليِ ويروى وانتظر في كرنباء هدية القفال. كرنباء قرية من قرى الأهواز يقول الحق بهم أي أنك لست من العرب كأنه جعله من الخوز. وقوله هدية القفال أي إنهم يأتونك من ناحيتي بقصائدي. لمَّا وليتُ لثغرِ قومِي مشهداً ... أثرْتُ ذاكَ على بنيَّ وماليِ إنِّي ندبتُ فوارِسِي وفعالهُمْ ... وندبتَ شرَّ فوارسٍ وفعالِ قوله ندبت يريد رفعت صوتي مثل النائحة تندب ميتها. يقول: ذكرت فعال فوارسي ومآثرهم، وذكرت فعال فوارسك فكانوا شر مندوبين. يقول: ليس لهم خير يعرفون به فندبوا بشر فعال. نحنُ الولاةُ لكُلِّ حربٍ تُتقَّى ... إذْ أنْتَ مُحتضِرٌ لكيركَ صالَ منْ مِثلُ فارِسِ ذي الخمارِ وقعنَبٍ ... والحنتفينِ لليلةِ البلبالِ قوله: فارس ذي الخمار يعني مالك بن نويرة بن جمرة بن شداد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، وذو الخمار اسم فرسه. وقعنب بن عمرو بن عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع. قال: والحنتفان ابنا أوس بن أهيب بن حميري بن رياح بن يربوع. والبلبال الاختلاط للفزع.

والرِّدفِ إذْ مَلَكَ المُلوكَ ومنْ لهُ ... عظمُ الدَّسائِعِ كُلَّ يومِ فِضالِ قوله والردف إذ ملك الملوك، قال: فأرداف الملوك في بني يربوع من بني رياح. قال وأول من ردف عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع، ثم عوف بن عتاب، ثم يزيد بن عوف، على عهد المنذر بن ماء السماء. وأراد المنذر أن يجعل الردافة في بني دارم للحارث بن بيبة بن قرط بن سفيان بن مجاشع بن دارم، فأبى بنو يربوع ذاك عليه فحاربهم، وقد كتبت حديثه فلم تزل الردافة في بني يربوع حتى قتل كسرى ابرويز النعمان الأصغر، وهو النعمان بن المنذر بن المنذر بن النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن نصر. فأهل اليمن يقولون: نصر ابن ربيعة بن الحارث بن مالك بن عمم بن نمارة بن لخم. وأما علماء أهل العراق فيقولون: نصر بن الساطرون بن السيطرون ملك السريانيين. وهو صاحب الحضر جرمقاني من أهل الموصل، من رستاق، يدعى باجرمي. وأما جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، فنسبهم إلى معد بن عدنان. قال: وكان عمال الأكاسرة لم يكن أحد من العرب أكثر غارة على أهل مملكتهم من بني يربوع، فصالحوهم على أن جعلوا لهم الردافة وان يكفوا عن الغارة على أهل العراق. وكان الرادفة أن يجلس الملك ويجلس الردف عن يمينه فإذا شرب الملك شرب الردف قبل الناس، وغذا غزا الملك جلس الردف في مجلسه وخلفه الملك على الناس حتى يرجع من غزاته. قال رجل من بني تميم: ومن يناد آل يربوع يُجَبْ ... يأتِكَ منهم خيرُ فتيانِ العربُ المجلسُ الأيمنُ والرِّدفُ المُحبْ

قال وإذا أغارت كتيبة الملك أخذ الردف المرباع وذلك قول جرير: رَبَعنا وأردفنا الملوك فَظَلِّلوا ... وطابَ الأحاليبِ الثُّمامَ المنزّعا المنزع هو الثمام ينزع ويقتلع من أصله فتبرد به أو طاب اللبن. قال وكانت للردف إتاوة يأخذها من جميع مملكة المنذر وذلك قول جرير أيضا: وكان لنا خرجٌ مقيمٌ عليكم ... وأسلابُ جَبَّارِ الملوكِ وجاملُه وقال لبيد أيضاً في ذلك: وشهدتُ أنجيةَ اُلأفاقة عالياً ... كعبي وأرداف الملوك شهودُ ونصرتُ قومي إذ دعتني عامرٌ ... وتقدمتُ يومَ الغبيطِ وفودُ وتدافعت أركان كل قبيلة ... وفوارس الملك الهمام تذودُ وقال لبيد أيضا: ويوما بصحراء الغبيط وشاهدي ال ... مملوكُ وأردافُ الملوكِ العراعرُ وقال لبيد أيضا في ذلك: أبني كِلاب كيف تُنفَى جعفرٌ ... وبنو ضبيبة حاضرو الأجباب

يرعَون منعرج اللديد كأنهم ... في العز أسرة حاجب وشهاب متظاهر حَلَقُ الحديد عليهم ... كبني زُرارة أو بني عتَّاب وبقولهم عرفتُ ربيعةُ كلُّها ... غَضَبَ الملوك وبسطةَ الأرباب وقال في ذلك الأحوص وهو يزيد بن عمرو بن قيس بن عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع - وفي نسخة وهو الصحيح وقال شُريح بن الحارث اليربوعي -: وكنت إذا ما باب ملك قرعته ... قرعت بآباء ذوي حسب ضخمِ بأبناء عَتابٍ وكان أبوهم ... على الشرف الأعلى بآبائه ينمي هُمُ ملكوا الأملاك آل محرقٍ ... وزادوا أبا قابوس رَغماً على رغم وقادوا بِكُرهٍ من شهابٍ وحاجبٍ ... أُنوفَ معدٍّ بالأزمَّةٍ والخُطم علا جدُّهم جَدَّ الملوكِ وأطلقوا ... بطِخفةَ أبناء الملوكِ على حكم أنا ابنُ الذي ساد الملوكَ حياتَهَ ... وساسَ الأُمورَ بالمروءةِ والحِلم وهيهات من أنقاضِ فَقْعٍ بقَرقرٍ ... بُدورٌ أنافت في السماء على النجم وكنا إذا قومٌ رَمْينا صفاتهم ... تركنا صدوعاً بالصَّفاةِ التي نرمي حَمَينا حِمَا الأُسد التي لشبولها ... تجرُّ من الأوصال لحماً إلى لحم ونرعى حِمَى الأَقوام غيرَ محرَّمٍ ... علينا ولا يُرعَى حِمانا الذي نحمي قال فهذا كانت الرادفة على ما فسرت لك وقالت الشعراء. رجع إلى شعر جرير: الذّائدُونَ إذا النِّساءُ تُبُذِّلَتْ ... شَهْباءَ ذاتَ قَوانِسٍ ورِعالِ

ويروى تردفت. ويروى تبدلت أي تبدلت النساء بقومهن كتيبة شهباء لأنهم سبوهن. والذائدون الدافعون. قال وشهباء يعني الكتيبة شبهها بالشهب لبياض الحديد وبريقه. وقوله ذات قوانس، القوانس: أعلى البيض. ورعال أي فرق. قَوْمٌ غَمَّوا أَباكَ وفيِهمُ ... حَسَبٌ يقوتُ بَنِيِ قُفَيْرةَ عالِ ويروى هم غمروا ويروى قوم هم عزوا أباك من قولهم من عزَّ بزَّ أي من غلب سلب يقال بزه ثوبه وبزه سلاحه وذلك إذا غلبه فسلبه، يقول فهم عزوا أباك وغلبوه على أمره من ذلك. إنِّي لَتَستَلِبُ الملوكَ فوارِسي ... ويُنازِلونَ إذا يُقالُ نَزالِ مِنْ كُلِّ أَبيضَ يُستضاءُ بِوجههِ ... نَظرَ الحجيج إلى خُروجِ هِلالِ تَمْضي أَسِنَّتُنا وتَعلُم مالِكٌ ... أَنْ قَدْ منعتُ حُزونَتيِ ورِماليِ فَاسألْ بِذِي نَجبٍ فوارِسَ عامِرٍ ... وأَسالْ عُيينَةَ يَومَ جِزْعِ ظِلالِ قال أبو عبد الله: لا أعرفه إلا بالظاء معجمة ظلال. عيينة بن حصن ابن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن عدي بن فزارة وكان أغار على الرِّباب فأدركه بنو يربوع فاستنقذوا ما في يديه. قال أبو عبيدة: فاسأل بذي نجب. قال وذاك أن بني عامر بن صعصعة أتوا معاوية بن الجون الكندي فاستنجدوه على بني تميم، وأخبروه بوقعة جبلة بهم وهو بعد جبلة بحول. قال فوجه معهم اليهم عمرا وحسان وأمهما كبشة ورجلا آخر منهم فقتل حُشيش بن نمران - قال أبو عبد الله لا أعرفه إلا جشيش بالجيم - أحد بني حميري بن رياح بن يربوع عمراً هذا. قال: وقد ذكره جرير في قصيدة غير هذه

فقال جرير في تصداق ذلك: لقد صدع ابن كبشة إذ لحقنا ... حُشَيشٌ حيث تفليه الفوالي قال وأسر يومئذ دريد بن المنذر بن حصبة بن أزنم حسان بن كبشة وفي تصداق ذلك يقول جرير، قال: وذلك يوم واقف الفرزدق: جيئوا بمثل قعنب والعَلَهان ... أو كدريد يوم شد حسان قال وقتلوا يومئذ عمرو بن الأحوص، قتله خالد بن مالك النهشلي بأبيه مالك. وكان مالك قتل يوم جبلة. قال وأما قوله وأسأل عيينة يوم جزع ظلال: فظلال عن يسار طخفة وأنت مصعد إلى مكة، وهو لبني جعفر بن كلاب. فأغار عيينة بن حصن على بني جعفر واستحف أموالهم وأموال المسلمين المجاوريهم أحدهم أنس بن عباس الرعلي. يا رُبَّ مُعْضِلَةٍ دَفعْنا بَعدَما ... عَيَّ القُيونُ بِحيلَةِ المُحتالِ قوله معضلة يريد داهية وهي الشديدة المعيية تعيي الناس. قال: ومنه قول عمر بن الخطاب: أعضل بي أهل الكوفة، أي أعيوني. ومنه قولهم عضلت المرأة إذا ولدت فنشب الولد فلم يخرج. فهو من ذلك. وهو من الشدة والأمر الصعب. إنَّ الجِيادَ يبِتْنَ حولَ قِبابِنا ... مِنْ آل أعوجَ أوْ لِذِيِ العُقَّالِ يقول خيلنا مكرمة ندنيها منا لكرمها، فهي لنا في الطلب، والأمر

النازل بنا ليلا أو نهارا لأنا مطلوبون، فخيلنا قريبة منا لذلك فهي حول قبابنا. وقوله من آل أعوج أو لذي العقال وهما فحلان نجيبان معروفان بالنجابة والفراهة. قال: وقال أبو عبيدة النزيع من الخيل والناس الذي أمه غريبة. قال وإذا كانت غريبة لم تُضو ولدها - يقول لم تلدهم مهازيل دقاقا - وأجادت به. قال أبو عبيدة فحدثني شهاب بن أبي عباس بن مرادس قال كان أعوج لكندة فلما لقيناهم يوم علاف ابتززنا أعوج فيما ابتززنا منهم، فكان نقيذا لبني سليم ثم صار إلى بني هلال بن عامر. قال وذو العقال كان في الجاهلية مجيدا يفتخر به - يعني يلد الجياد من الخيل - وكان لبني رياح بن يربوع. قال وكان في الإسلام أيضاً ذو العُقَّالِ لجرم ولم ينسب إليه شيء. مِنْ كُلِّ مُشترفٍ وإنْ بعُدَ المَدى ... ضَرِمِ الرِّقاقِ مُناقِلِ الأجْرالِ قوله مشترف يقول هو منتصب مشرف. قال والمدى غاية الرهان التي ينتهي إليها. قال ومدى الشيء غايته. وضرم الرقاق، يقول: هو كالحريق إذا كان في الرقاق. قال: والرقاق الأرض اللينة وفيها صلابة. والأجرال الحجارة واحدها جرل. قال ومناقلته أن يضع يده ورجله على غير حجر يحسن نقلهما في الحجارة لحذقه وفراهته ومعرفته بوضع يده ورجله. مُتقاذِفٍ تلِعٍ كأَنَّ عِنانَهُ ... عَلِقٌ بِأجردَ مِنْ جُذوعِ أوال قوله متقاذف يقول يرمي بنفسه رمياً يقذف بها قذفا، وذلك لجرأته وحده نفسه وذكائه. وقوله تلع يقول: هو منتصب العنق. وقوله أجرد

هو الجذع الذي قد تحات كربه. قال: وإنما شبه طول عنق الفرس بهذا الجذع الذي قد تحات كربه. صافي الأدِيِم إذا وضعتِ جلالَهُ ... ضافي السَّبِيبِ يبَيِتُ غيرَ مُذالِ قوله السبيب هو شعر الناصية. وقوله ضافي وهو السابغ التام الخلق. قال وقوله غير مذال يريد غير مهان ولا مضاع. والمُقرباتُ نقودُهُنَّ عَلى الوجَى ... بحثَ السِّباعِ مَدامِع الأوْشالِ قوله المقربات: هي الخيل التي تقرب وتربط مع بيوتهم، وذلك أنهم يتقون عليها البرد والحر وذلك من كرامتها عليهم، وأنهم إن فزعوا ركبوها. قال والوجى الحفى. تِلْكَ المكارمُ يا فرزدقُ فأعترفْ ... لا سوقُ بكرِكَ يومَ جوفِ أُبالِ ويروى جرف أبال. ويروى جوف وبال. وهو يوم لبكر بن وائل على بني دارم. قال ووبال على يسارك وأنت مصعد إلى مكة. أَبنِي قُفيرةَ مَنْ يُورِّعُ وردَنا ... أَمْ مَنْ يقومُ لِشدَّةِ الأحمالِ قوله يورع يعني يكف ويحبس. والأحمال من بني يربوع، وهم سليط وعمرو وصبير وثعلبة. وأمهم السفعاء بنت غنم من بني قتيبة ابن معن، من باهلة وولدها في بني سعد يسمون الجذاع. أَحَسِبْتَ يَوْمَكَ بِالوقيطِ كَيوْمِنا ... يوْمَ الغَبِيطِ بقُلَّةِ الأَرْحالِ قال أبو عبد الله: الرواية بقنة يوم الغبيط بالنصب أراد كوقعة يوم الغبيط ونصب ذلك على المعنى.

وهذا يوم الوقيط

وهذا يوم الوقيط قال أبو عبيدة: حدثنا فراس بن خندق قال تجمعت اللهازم - واللهازم قيس، وتيم الله ابن ثعلبة بن عكابة، وعجل بن لجيم، وعنزة ابن أسد بن ربيعة بن نزار - لتغير على بني تميم وهم غارون. فرأى ذلك ناشب بشامة العنبري الأعور وهو أسير في بني سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، فقال لهم ناشب: أعطوني رسولا أرسله إلى أهلي، وأوصيه ببعض حاجتي، وكانوا اشتروه من بني أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، فقال له بنو سعد: ترسله ونحن حضور، وذلك مخافة أن ينذر قومه. قال: نعم. فأتوه بغلام مولد، فقال أتيتموني بأحمق، قال الغلام: والله ما أنا بأحمق. فقال الأعور: إني أراك مجنونا. قال: والله ما بي من جنون. قال: فالنيران أكثر أم الكواكب؟ قال: الكواكب وكل كثير. فملأ الأعور كفه من الرمل، فقال له: كم في كفي؟ قال: لا أدري، وإنه لكثير ما أحصيه، فأومأ إلى الشمس بيده وقال له: ما تلك؟ قال: هي الشمس. قال: ما أراك إلا عاقلا ظريفا، أذهب إلى أهلي فأبلغهم عني التحية والسلام، وقل لهم ليحسنوا إلى أسيرهم ويكرموه، فإني عند قوم يحسنون إليَّ ويكرمونني - وكان حنظلة بن طفيل المرثدي في أيدي بني العنبر - وقل لهم فليعروا جملي الأحمر ويركبوا ناقتي العيساء، وليرعوا حاجتي - يعني ينظروا في أبيني مالك، وأخبرهم أن العوسج قد أورق، وأن النساء قد اشتكت، وليعصوا همام بن بشامة فأنه مشئوم محدود، وليطيعوا هذيل بن الأخنس، فانه حازم ميمون. فقال له بنو قيس من أبينو مالك؟ قال بنو أخي. فأتاهم الرسول، فأخبرهم وأبلغهم. فلم تدر عمرو بن تميم ما الذي أرسل به

إليهم الأعور، وقالوا ما نعرف هذا الكلام، ولقد جن الأعور بعدنا، ما نعرف له ناقة يختصها، ولا جملاً. وإن إبله عنده لبأج واحد فيما نرى. فقال هذيل بن الأخنس للرسول: اقتص عليَّ أول قصته. فقص عليه أول ما كلمه به الأعور، وما رجعه إليه حتى أتى على آخره، فقال هذيل: أبلغه التحية إذا أتيته وأخبره أنا سنوصي بما أوصى به. فشخص الرسول ثم نادى هذيل يا للعنبر قد بيَّن لكم صاحبكم: أمَّا الرمل الذي جعل في يده فإنه يخبركم أنه قد أتاكم عدد لا يحصى، وأما الشمس التي أومأ إليها فإنه يقول إن ذلك أوضح من الشمس، وأما جمله الأحمر فالصمان يأمركم ن تعروه يعني ترتحلوا عنه، وأما ناقته العيساء فإنها الدهناء يأمركم أن تتحرزوا فيها، وأما أبينو مالك فإنه يأمركم أن تنذروهم ما حذركم وأن تمسكوا بحلف بينكم وبينهم، وأما إيراق العوسج فإن القوم قد اكتسوا سلاحاً، وأما اشتكاء النساء فيخبركم أنهن قد عملن الشكاء يريد خرزن لهم شكاء وعجلا يغزون بها. قال: فحذرت عمرو بن تميم فركبت الدهناء وأنذروا بني مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة، فقالوا ما ندري ما تقول بنو الجعراء - قال: والجعراء لقب، قال: والجعراء الضبع يقال جعراء وجعار وجيعر، قال: ما ندري ما تقول بنو العنبر - ولسنا متحولين لما قال صاحبهم. قال فصبحت اللهازم بن حنظلة ووجدوا عمراً قد أجلت وارتحلت، وإنما أرادوهم على الوقيط، وعلى الجيش أبجر بن جابر العجلي. قال وزعمت بنو قيس أن مرثد بن عبد عمرو بن بشر بن مرثد ابن عمرو مساند لابجر. قال: وشهدها ناس من بني تيم اللات، وشهدها الفزر بن الأسود بن شريك، من بني شيبان، فاقتتلوا فطعن

بشر بن العوراء من بني تيم اللات، ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة، وأخذه فلما رأى ضرار الفزر، قال: لست أسيرك. قال: الفزر بلى فاحتقا فيه، فجزت بنو تيم اللات ناصيته، وخلوا سربه تحت الليل مضادة للفزر، فأغار الفزر على إبل بشر بن العوراء. وفي ذلك يقول أبو فرقد التيمي: هم استنقذوا المأموم من رهط طيسل ... وردوا ضرارا في الغبار المنضح المنضح المخيط يعني الغبار كانه مخيط يتلو بعضه بعضا. وبارز عمرو بن قيس من بني ربيعة بن عجل، ثم أحد بني زلة العجلي، عثجل ابن المأموم من بن شيبان بن علقمة بن زرارة، فأسره عمرو ثم من عليه، ففخر بذلك الفضل بن قدامة أبو النجم العجلي فقال: وهنَّ يرقَّصن الحصا المُرملا ... بالقاع إذ بارز عمروٌ عثجَلا وعير جرير بن دارم بأسر ضرار وسبي غمامة بنت الطود فقال: أغمامَ لو شهدَ الوقيطَ فوارسي ... ما قِيدَ يُعتلُ عثجل وضرارُ فأسر طيلسة بن زياد أحد بني ربيعة بن عجل حنظلة بن المأموم بن شيبان بن علقمة، فاشتراه الوراز بن الوراز بمائة بعير، ثم حبسه معه، فلم يوفه، فقدم الكوفة ليفاديه وبها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأتاه نفر من بني حنظلة الذين كانوا بالكوفة فقالوا أإسار في الإسلام؟ فقال: لا. وبعث فانتزعه من الوراز. قال: ولم يكن الوراز وفى بني عجل فداء حنظلة. فلما كانت فتنة ابن الزبير، وثب بنو عجل

فأخذوا من الوراز مائة بعير. قال: وزعم آخرون أن أم الوراز من بني ربيعة بن عجل، فصالحهم على خمسين بعيراً، وتركوا له خمسين. فقال يزيد بن الجدعاء العجلي في المأموم. وهم صبحوا أخرى ضرارا ورهطه ... وهم تركوا المأموم وهو أميمُ وقال عمرو بن عمارة التيمي في عثجل والمأموم: وصادف عثجلٌ من ذاك مُرّاً ... مع المأمومِ إذ جدَّا نِفارا قال وأسر حنظلة بن عمار، من بني شريب بن ربيعة بن عجل، جويرية بن بدر من بني عبد الله بن دارم، ثم من بني عبيد بن زرارة. فلم يزل في الوثاق حتى رآهم ذات يوم قد قعدوا شربا، وهو زوج غمامة بنت الطود. فأنشأ يتغنى رافعاً عقيرته: قائلةٍ ما غالهُ أن يزورنا ... وقد كنتُ عن تلك الزيارةِ في شغل وقد أدركتني والحوادثُ جمَّةٌ ... مخالبُ قوم لا ضعافٍ ولا عزلِ سِراع إلى الجُلَّى بطاءٍ عن الخنَا ... رزانٍ لَدى الناديَّ في غير ما جهل لعلَّهُمُ أن يمطروني بنعمةٍ ... كما صاب ماءُ المزن في البلد المحل فقد يُنعشُ الله الفَتى بعد عثرةٍ ... وقد تَبتني الحسنى سراةُ بني عجل فلما سمعوها أطلقوه. وأسر جابر بن حرقصة أحد بني بجيرة من

بني ربيعة بن عجل نعيم بن القعقاع بن معبد بن زرارة. وأسروا العم ابن ناشب. وأسروا حاضر بن ضمرة. وأسروا سنان بن عمرو، أحد بني سلامة بن كندة بن معاوية بن عبد الله بن دارم، وأسر الهيش بن صعصعة من بني الحارث بن همام الخفيف بن المأموم فمن عليه. وهرب عوف بن القعقاع عن أخويه، ففات. وهرب مالك بن قيس وفي ذلك يقول عمير بن عمارة التيمي. وأفلتنا ابنُ قعقاعٍ عويفٌ ... حثيث الركضِ واحتطُّوا ضِرارا فإن تكُ يا عويفَ نجوتَ منها ... فقِدماً كنتَ منتخباً مطارا وكم غادرنَ منكم من قتيل ... وآخر قد شددناه إسارا كذاك الله يجزى من تميم ... ويرزقها المساءَة والعثارا ونجى مالكا منا ابنَ قيسٍ ... أخو ثقة يؤم به القفارا وصادف عثجل من ذاك مراً ... مع المأموم إذ جدّا نفارا وغادرنا حكيما في مجال ... صريعاً قد سلبناه الإزرارا مددنا غارة ما بين فلْج ... وبين لَصَافِ نوطئها الديارا فلما شعروا بنا حتى رأونا ... على الرايات ندَّرع الغبارا وقال يزيد بن الجدعاء في فرار عوف: وقد قال عوفٌ شمتُ بالأمسِ بارقاً ... فلله عوفٌ كيف ظلَّ يشيمُ ونجاه من قتلى الوقيطِ مُقلِّصٌ ... يعضُّ على فاْس اللِّجامِ أزومُ قال ولحق وراز التيمي حكيماً النهشلي وهو يرتجز: ماويَّ لن تراعي ... رحيبةٌ ذراعي=بالكَرِّ والإيزاعِ فشدَّ عليه وراز فقتله، ولم يقتل من بني نهشل يومئذ غير حكيم،

فقال شاعر بني نهشل: أَتنَسى نهشلٌ ما عند عجلٍ ... وما عند الوُرازِ من الذحول قال وزعم الأغر أنه لم يشهد يوم الوقيط من بني نهشل غير حكيم هذا. قال فقاتل فأثخن في القوم وجعل يقول وهو يقاتل ويرتجز: كلُّ امرئٍ مصبَّحٌ في أهله ... والموت أدْنَى من شِراكِ نعلِهِ فقُتل، فرثاه أبو الحارث بن نهيك الأصيلع فقال: حُكيمٌ فدى لك يومَ الوقي ... طِ إذ حضرَ الموتُ خالي وعمْ تعوَّدتَ خيرَ فِعالِ الرِّجا ... لِ فَكَّ العُنَاةِ وقتلَ البُهمْ وما إن أَتَى من بني دارمٍ ... نعيُّكَ أشمطَ إلا وجَمْ وفقَّأَ عينيَّ تبكاهما ... وأورثَ في السمع مني صَممْ فما شاءَ فليفعلِ المؤْيدا ... تُ والدهرُ بعد فتانا حَكَمْ فتىً ما أضَلَّتْ به أُمُّهُ ... من القومِ ليلةَ لا مُدَّعَمْ يجوبُ الظلامَ ويهدي الخميسَ ... ويُصبح كالصَّقْرِ فوقَ العلمْ وقال أبو الطفيل، عمرو بن خالد بن محمود بن عمرو بن مرثد - ويروى عمير بن خالد بن محمد: حكَّت تميمٌ برْكَها لمَّا التقتْ ... راياتُنا ككَواسِرِ العِقبانِ يومَ الوقيطِ بجحفلٍ جَمَّ الوَغَا ... ورماحُها كنوازِع الأشطان وقال أبو مهوش بن ربيعة بن حوط الفقعسي، يعير بني تميم بيوم

الوقيط: وما قاتلت يومَ الوقيطينِ نهشلٌ ... ولا الأسكَتُ الشُّؤْمَي فُقيمُ بنُ دارمِ الأسكت حرف الفرج وهو منبت الشعر. ولا قصبٌ جوف رجالِ مجاشعٍ ... ولا قشرَ الأستاهُ غيرُ البراجِمِ وقال أبو مهوش أيضا: ذَهبتْ فشيشةُ بالأباعِرِ حولَنا ... سَرقا فصُبَّ على فشيشةَ أبجرُ عضَّتْ أُسيِّدُ جِذْلَ أيْرِ أبيهم ... يومَ الوقيطِ وخُصيتيه العنبُر ويروى جذم. قوله فشيشة يريد أنهم ينفشون من الغضب، وأبجر يعني أبجر بن جابر العجلي. قال: فتدافعت بنو تميم فشيشة، فقال أبو مهوش: ألا أبلغ لديك بني تميم .. فكلهم فشيشة أجمعونا وقال في ذلك العجاج: لَوَ انّ سعْداً هي جاشَ بحرُها ... وأُلجمت مُهرتُها ومُهْرُها قُبّاً تَعادَى بتوالٍ ضبرُها ... يومَ الوقيطِ ما استُحِفَّ نفرَّها ما استُنكحتْ عوانُها وبِكرُها ... أيامَ فرَّتْ مالكٌ وعمرُها وتركتْ قتلَى أُضيعَ شطرُها ... لا يُستطاع في ليالٍ قبرُها قال: واشترك في غمامة بنت الطود بن عبيد بن زرارة، الخطيم بن

هلال واسمه النعمان من بني شريب بن ربيعة بن عجل، وظربان - بالظاء معجمة - ابن زياد - من بني شريب – وقيس بن الخليد - من بني الأسعد - ورديم ووراز التيمي. قال: فأتوا بها أهلها، فوجدوهم يشاتمون بني عمهم، ورجل منهم يعيرهم بذلك في رجز له وهو يقول: سَلُوا الخُطيمَ اليومَ عن غمامَهْ ... خالَمهَا فرضيَتْ خِلامَهْ وقال أيضاً: فهلاَّ من رُديْمٍ أو وُرَازٍ ... منعتُمْ فرجَ حاصِنَةٍ كَعابِ فأَشهدُ أنه قد حلَّ منها ... محلَّ السيفِ من قعرِ القِرابِ فلما سمعوا ذلك، انسلوا حتى أتوا رحل الحفيف بن المأموم فنزلوا عليه. ويقال الخفيف بن المأموم بالخاء معجمة. وكان الهيش بن صعصعة الشيباني أسر الحفيف، فمنَّ عليه، فلذلك لاذوا به. ثم قال بعضهم لبعض انطلقوا أيها القوم فمالكم عند القوم ثواب مع ما سمعتم فرجعوا. ومرَّت اللهازم يومئذ بعد الوقعة على ثلاثة نفر من بني عدي بن جندب بن العنبر: وزر، وجذمر، وشريك. لم يكونوا برحوا مع قومهم، فلحقوا بالدهناء معهم، ولم يشهدوا القتال مع بني دارم، فكانوا يرعون نقا. فقاتلوا من دون إبلهم حتى طردوها فحرزوها وجعل وزر يقاتلهم، ويرميهم ويرتجز، ويقول: نحن حميْنا يومَ لا يَحمِى بَشرْ ... يومَ الوقيطِ والنِّساءُ تُبتقرْ قوسٌ تَنقَّاها من النَّبعِ وزرْ ... ترنُّ إن تُنازعُ الكفُّ الوترْ حجريةٌ فيها المنايا تستُعرْ ... تحفزُها الأوتارُ والأيدي الشُّعُرْ قال أبو عبيدة: وأما

حديث يوم الغبيط

حديث يومِ الغبيطِ غبيط المدرة، فإن سليطا، وزبان الصبيري وجهما السليطي، قال: غزا بسطام بن قيس ومفروق بن عمرو، والحارث الحوفزان بن شريك، بلاد بني تميم، فأغاروا على بني ثعلبة بن يربوع، وثعلبة بن سعد بن ضبة، وثعلبة بن عدي بن فزارة، وثعلبة بن سعد بن ذبيان، وكانوا متجاورين بصحراء فلج، فاقتتلوا فهزمت الثعالب، وأصابوا فيهم، واستاقوا إبلا من نعمهم، قال: ولم يشهد عتيبة ذلك اليوم، لأنه كان نازلا في بني مالك بن حنظلة بن مالك، ثم امتروا على بني مالك - قوله امتروا: افتعلوا من المرور - قال: وهم بين صحراء فلج وغبيط المدرة فاكتسحوا إبلهم. قال: فركبت عليهم بنو مالك، وفيهم عتيبة بن الحارث بن شهاب اليربوعي، وفرسان بني يربوع تأثف البكريين - قوله: تأثف يريد تتبعهم وتحوطهم مثل ما تأثف الأثافي الرماد - منهم الأحيمر بن عبد الله، وأسيد بن حناءة، وأبو مرحب، وجزء بن سعد الرياحي، وهو رئيس بني يربوع، وربيع، والحليس، وعمارة - وبخط عثمان بن سعدان جزول ويقال جرول - بنو عتيبة بن الحارث بن شهاب، والدراج أحد بني ثعلبة، ومعدان، وعصمة ابنا قعنب بن سمير الثعلبي، والمنهال بن عصمة الرياحي، وهو الذي يقول فيه متمم بن نويرة:. لقد كَفَّنَ المنهالَ تحت ردائِهِ ... فتىً غيرَ مِبطانِ العَشِيَّاتِ أَرْوَعَا قال: وكان مالك بن نويرة فيهم أيضا. فأدركوهم بغبيط

المدرة، فقاتلوهم حتى هزموهم وأخذوا ما كانوا استقاوا من آبالهم وانهزموا - وقوله من آبالهم يريد من إبلهم - يقال لفلان إبلٌ كثيرة وآبال كثيرة بمعنى واحد - قال وانهزموا، وقتلت بنو شيبان أبا مرحب ثعلبة بن الحارث بن حصبة، وألح عتيبة وأسيد والأحيمر على بسطام، وكان أسيد أدنى إلى بسطام من الرجلين، فوقعت يد فرسه في ثبرة - يعني في هوة وهي الوهدة تكون في الأرض كالحفرة - قال وتقدم بسطام وجعل يلتفت هل يرى عتيبة وقد صار في أفواه الغبط - وهي مسايل المياه - فلحق عتيبة بسطاما، فقال له: استأسر يا أبا الصهباء. فقال له: ومن أنت؟ قال: أنا عتيبة، وأنا خير لك من الفلاة والعطش، وكان الأحيمر محدوداً لا يكون له ظفر، وكان فارساً ذا بأس ونجدة ولاحظ له في ظفر. قال: فأسر عتيبة بسطاما. قال: ونادى القوم بجادا أخا بسطام بن قيس، كر على أخيك، وهم يرجون إذا أبسوه أن يكر فيأسروه. قال: والأبس أن يعيروه حتى يغضب فيأنف من التعيير فيرجع فيأسر. فنادى بسطام أخاه إن كررت يا بجاد فأنا حنيف، وكان نصرانيا، قال فلحق بجاد بقومه. فقالت بنو ثعلبة: يا أبا حرزة إن أبا مرحب قد قُتل وقد أسرت بسطاما، وهو قاتل مليل وبجير ابني أبي مليل، ومالك بن حطان يوم قشاوة فاقتله، قال: إني معيل وأنا أحب اللبن. قالوا: إنك لتفاديه وتخلي عنه، فيعود فيحر بنا فأبى. فقال بسطام: يا عتيبة، إن بني عبيد أكثر من بني جعفر وأعز، وقد قُتل أبو مرحب، ولي في بني عبيد أثر بئيس - أي ذو بؤس - وهم آخذي منك، ولن تقدر بنو جعفر على أن يمنعوني منهم، وأنا معطيك من المال عائرة عينين - يعني كثيرا تذهب العين فيه وتجيء - فقال: لا جرم والله لأضعنك في أعز بيتين من مضر، في بني جعفر بن كلاب أو في بني عمرو بن جندب، ثم من بني عمرو بن تميم من بلعنبر، فاختار بسطام

بني جعفر لخله عامر بن الطفيل. فتحمل بأهله وبه، حتى لحق بالشربة ببني جعفر، فنزل به على بني عامر بن مالك بن جعفر، فرأى رثاثة فودج أم عتيبة. ويقال هو دج مية. فعجب منه وكره ذلك، فقال عتيبة: لا جرم لا تنفلت من القد حتى تجيء بفودج أمك فيما تفادي به. فقال قائل: إما مالك بن نويرة، وإما أخوه متمم بن نويرة، وإما أبو مليل في ذلك: لله عتَّابُ بِنُ ميَّةَ إذ رأى ... إلى ثأرِنا في كفهِ يتلدَّدُ أتُحيي امرءاً أردى بُجيراً ومالِكاً ... وأشوى حُريثاً بعدما كان يقصدُ ونحن ثأرنا قبلَ ذاكَ ابنَ أُمِّهِ ... غداةَ الكلابيِّين والقومُ شهدُ قال: فلم يزل بسطام فيها زمينا، وكان عامر يطلب إلى عتيبة أن يخليه، حتى ينادمه. فكان يفعل كذلك، فلما طال مكثه قال عتيبة، يعطف عليه جزء بن سعد، وكان رئيس بني يربوع: ألا مَنْ مُبلغٌ جزءَ بنَ سعدٍ ... فكيفَ أصاتَ بعدكُمُ النُّقيلُ أُحامي عن ذِمارِ بني أبيكم ... ومثلي في غَوائِبكم قليلُ قال: فلما انتهى جزء إلى قوله: ومثلي في غوائبكم قليل. قال: أي والله، وفي شواهدنا، فلم يقدر عتيبة مع بني عبيد، أن يأذن له فيلحق بقومه. قال عتيبة في أسره بسطاما: أبلغ سراةَ بني شيبانَ مالكِةً ... إني أبأتُ بعبدِ الله بسطاما إن تُحرزُوه بذي قارٍ فَذاقِنةٍ ... فقد هبطتُ به بيداً وأعلاما قاظ الشَّرِبَّةَ في قيدٍ وسلسلةٍ ... صوتُ الحديدِ يُغنيه إذا قاما

وقال جرير في ذلك: قد رَدَّ في الغِلِّ بسطاما فوارِسُنا ... واستودَعُوا نعمةً في رهطِ حَجَّار يعني حجار بن أبجر بن جابر العجلي. وقال جرير أيضاً: رَجعنَ بهانئٍ وأصبنَ بِشراً ... وبسطاما تَعضُّ به القيودُ يعني هانئ بن قبيصة الشيباني. وقال جرير أيضاً: بطخفةَ جالدَنْا الملوك وخيلُنا ... عشيَّةَ بسطامٍ جرينَ على نَحْبِ قال: والنحب النذر، كأنه شيء يطلبه مثل النذر عليهم. وقال داءود ابن متمم بن نويرة في ذلك: ومن كان حتفُ ابنَي هجيمة سيفهُ ... وأنزلَ بسطاما غداةَ يساوره قال: ثم إن بسطاما فادى نفسه، فزعم أبو عمرو بن العلاء أنه فدى نفسه بأربعمائة بعير، وثلاثين فرساً، فلم يكن عربي عكاظي أغلى فداء منه - لا أدري. أما حاجب بن زرارة فإنه أغلى فداء منه - على أن يجز ناصية بسطام، ويعاهده أن لا يغزو بني شهاب. قال: فبينا هو كذلك، ولم يقدم الفداء بعد، وعتيبة في بني جعفر، إذ مرت به أمة لعامر ابن الطفيل بضبة مكون قد حشى بطنها دقيقا، ثم مُلَّ في النار، ثم

بعث به سرا إلى بسطام ليأكله، ثم يدعى جواره. قال سليط: وإنما كان عتيبة أتى به إلى عامر بن الطفيل، وكان مع عتيبة رئي له من الجن، فلما رآها قال لحباشة عبده: إن مع الأمة شيئاً تخبؤه مني وإن فيه لغدرا فخذه، فأخذه منها، فوجد الضبة معها. قال: وقال عامر بن الطفيل لعتيبة: أتفادي أسيرك؟ قال: نعم، إلا أن تضيق ذراعك. قال: لن تضيق ذراعي فقل. قال: ضع رجلك في حلقته. قال عامر: لا، ولكن بمالي. قال عتيبة: هو أكثر منك مالا. قال عامر: هل أنت مبارزي عليه؟ قال عتيبة: هذا شيء ما أسأله ولا آباه، وأنا مرتحل غدا فاتبعني. قال ك فارتحل فتلأم عامر - يعني لبس لأمته قال: واللأمة الدرع. فقال له عمه عامر بن مالك أتريد أن تستنقذ أسيراً من يديه، خاض إليه الرماح حتى أخذه؟ انثل الدرع عنك - يعني ألقها - فلو نفث عليك لقطرك. ومضى به عتيبة حتى نزل به في عمرو بن جندب ابن العنبر، فلم يلبث أن جاء فداؤه أربعمائة بعير وثلاثون فرساً وفودج أمه. قال فخلى سربه - أي سبيله. رجع إلى شعر جرير: ظلَّ اللَّهازمُ يلعبونَ بنسوةٍ ... بِالجوِّ يومَ نُفحنَ بالأبوالِ قال الجو يريد البطن من الأرض. وقوله نفحن بالأبوال، قال: وإنما نفعل هذا من الفزع. يبكينَ منْ حذَرِ السِّباءِ عشيَّةً ... ويملنَ بينَ حقائبٍ ورِحالِ لا يخفينَّ عليكَ أنَّ مُجاشِعاً ... شبهُ الرِّجالِ وما هُمُ برِجالِ مِثْلُ الضِّباعِ يسُفْنَ ذيخاً رائحاً ... ويخُزنَ في كمر ثلاثَ ليال الذيخ ذكر الضباع.

وقوله يخرن في كمر ثلاث ليال، يقول يأكلن الموتى. ويسفن يشممن. وإذا ضَئينُ بنِي عقالٍ ولدتُ ... عرفُوا مناخِرَ سخلِها الأطفالِ قال: والمعنى يقول هم. رعاء يعيبهم بذلك، ضئين جمع الضأن الغنم. أمَّا سِبابِي فالعَذابُ عليهمُ ... والموتُ للِنَّخباتِ عندَ قِتاليِ كالنيِّبِ خرَّمَها الغَمائِمُ بعدما ... ثلطنَ عنْ حُرُضٍ بجوفِ أُثالِ قال: النيب المسان من النوق. قال: والغمائم واحدتها غمامة، وهو شيء يجعل من خرق وصوف مثل الكرة، وذلك أنهم إذا أرادوا أن يرئموا الناقة ولد غيرها أدخلوا الغمامة في أنفها لئلا تشم شيئا، ثم يجعلون لها درجة أكبر من الغمامة فيدخلونها في رحمها ثم يشحرون فرجها بالأخلة لئلا تبول، فإذا علموا أن ذلك قد بلغ منها، فتحوا عنها الأخلة وأخرجوا الدرجة من رحمها ونزعوا الغمامة عن أنفها، وأدنوا إليها حوار غيرها، وذلك لترأمه وتدر عليه، يرونها أنه ولدها. قوله ثلطن يعني سلحن. والحرض: أشنان وهو ضرب من الحمض إذا أكلته الإبل سلحت. جُوفٌ مجارِفُ للخزيرِ وقدْ أوى ... سلبُ الزُّبيرِ إلى بَني الذّيالِ قوله جوف، يقول: لا قلوب لهم. قال: وبنو الذيال من بني سعد، وهم رهط عمرو بن جرموز قاتل الزبير. لاقيتَ أعينَ والزُّبيرَ وجِعثناً ... أعدالَ مُخزيَة عليكَ ثِقالِ ودَعَا الزُّبيرُ مُجاشِعاً فترمزتْ ... للغدرِ الأمُ آنفٍ وسِبالِ

قوله ترمزت، يعني تحركت، والترمز التحرك. يا ليتَ جاركُمُ الزَّبيرَ وضيفكُمْ ... إيَّايَ لبَّسَ حبْلهُ بِحِباليِ الله يعلمُ لَوْ تناولَ ذَّمِةً ... مِنَّا لجُزِّعَ في النُّحور عَوالي قوله لجزع، يعني كُسر. يقال من ذلك جزع الشيء إذا كُسر، وعالية الرمح قدر الثلث مما يلي السنان. وتقُولُ جعثنُ إذْ رأتْكَ مُنقَّباً ... قُبحتَ مِنْ أسدٍ أبي أشبال ويروى مقنعا، أي يتقنع لئلا يعرف، لأنه صاحب سوأة. قال أبو عبد الله، قال أبو العباس: معناه أنك لا تدفع عني، ومن شأن الأسد أن يحمي عرينه. ألوي بها شذِبُ العرُوقِ مُشذَّبٌ ... فكأنَّما وكنتْ على طِربالِ ويروى شبق العروق. قوله شذب العروق، يقول: ليس عليه لحم. قال: وهو من قولهم رجل مشذب. يقول: هو رجل خفيف قليل اللحم، وقوله كأنما وكنت يريد جلست. وقوله طربال، وهو حصن معروف. قال: وفي الحديث "إذا مررت بطربال مائل فأسرع المشي". كذلك كلام العرب. لاقَى الفرزدقُ ضيعةً لم يُغيها ... إنَّ الفرزدقَ عنكَ في أشغالِ باتَتْ تُناطِحُ بِالجَبوب جبينَها ... والرُّكبتينْ تنَاطُح الأوعالِ

ما بالُ أُمِّكَ إذْ تسربلُ درعَها ... ومِنَ الحديدِ مُفاضَةٌ سِربالي شابتْ قُفيرةُ وهيَ فائِرَةُ النَّسا ... في الشَّولِ بوَّاصِرةٍ وفِصالِ قوله فائرة النسا، يقول: هي منتشرة النسا من طول وركيها. والنسا عرق في الفخذ يقول: بكرَتْ مُعجِّلةً يشَرشِرُ بظرَها ... قتبٌ ألحَّ على أزبَّ ثَفالِ قوله ثفال هو البطيء. الثقين من الابل. وقوله يشرشر يقطع بظرها لركوبها هذا البعير الأزب. قال: والأزب من الإبل الكثير شعر الأذنين والأشفار وإنما معناه أنها راعية يعيرها ذلك. قبَحَ الالهُ بني خَضافِ ونُسوَةً ... باتَ الخزيرً لَهُنَّ كالأحقالِ قوله بني خضاف قال الخضوف الضروط، قال: والأحقال داء يأخذ في أسفل البطن، فيسترخي لذلك البطن يعيرها بذلك. ويروى الأجفال، وهي سلحان الفيلة لأن الفيل يسلح شيئا عظيما. مِنْ كُلِّ آلِفَةِ المَواخِرِ تتَّقي ... بمُجرَّدٍ كمُجَرَّدِ البَغَّالِ قوله آلفة المواخر تتقى واحدها ماخور، وهو بيت الخمار حيث يجتمع أهل الريب ويشربون على مالا يحل من الحرام. قامَتْ سُكينَةُ للِفُجورِ ولمْ تقُمْ ... بِنتُ الحُتاتِ لِسُورةِ الأنْفال

قال سكينة عمة الفرزدق. والحتات بن يزيد المجاشعي. ودَّتْ سُكينةُ أنَّ مسجِدَ قومِها ... كانتْ سَوارِيهُ أُبورَ بِغالِ ولَدَ الفرزدقَ والصعاصِعَ كُلَّهُمْ ... علجٌ كأنَّ وُجوههُنَّ مَقال أراد كأن بظهورهن فكنى. وقوله مقال، جمع مقلى وإنما أراد أن وجوهن سود، وهو عند العرب ذم. والبياض في النساء مدح لهن. يا ضَبَّ قَدْ فرعتْ يمينى فاعلموا ... طُلقاً وما شَغلَ القُيون شمِالي قال أبو عبد الله: ويروى يا ضب قد أمست يميني فاعلموا خلواً. يا ضَبَّ علِّي أَنْ تُصيبَ مواسِمِي ... كُوزاً على حنقٍ ورهطَ بِلالِ وقوله عليَّ يريد: لعلي وهو لغة تميم. كوز بن كعب بن خالد بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة، رهط المسيب، ورهط حصين بن غوي، وكان من فرسانهم. وبلال بن هرمي من بني ضبيعة بن بجالة. ويونس النحوي مولى بلال هذا. يا ضَبَّ إنِّي قَدْ طبخْتُ مُجاشِعاً ... طبخاً يُزيلُ مجامِعَ الأوصالِ قوله مجامع الأوصال، يريد البطن. قال سعدان أنشدنا الأصمعي: طعنتُ مجامعَ الأوصال منه ... بنافذةٍ على دهشٍ وذُعرِ يريد البطن. يا ضَبَّ لوَلا حينُكُمُ ما كُنتمُ ... غرضاً لِنَبلي حين جَدَّ نضالي يا ضَبَّ إنَّكُمُ البِكارُ وإنَّني ... مُتخمِّطٌ قَطِمٌ يُخافِ صيالي

متخمط متكبر. قطم فحل هائج. يا ضبَّ غيركُمُ الصَّمِيمُ وأنْتُمُ ... تبعٌ إذا عُدَّ الصَّميمُ مَواليِ يا ضَبَّ إنَّكُمُ لسَعْد حِشْوةٌ ... مِثْلُ البكارِ صممْتَها الأغفالِ قال: والأغفال التي ليست عليهن سمات، واحدها غفل. يا ضَبَّ إنَّ هَوى القُيونِ أَضَلَّكُمْ ... كَضَلالِ شيعَةِ أعْورَ الدَّجَّال قال أبو عبد الله: جعل أعور اسماً فلم يصرفه، وجعل الدجال من نعته لأنه معرفة. فَضَحَ الكتيبةَ يومَ يضرُطُ قائِماً ... سلْحُ النَّعامَةِ شَبَّةُ بْنُ عِقَالِ ويروى السرية يوم يخطب قائماً. كان شبه بن عقال من خطباء العرب فكان يوما يخطب وقد اسحنفر في خطبته، حتى ضرط فضرب يده على استه فقال: يا هذه كفيناك السكوت فاكفينا الكلام. مَا السِّيدُ حينَ ندبْتَ خالَكَ مِنْهُمُ ... كَبَنِي الأشَدِّ ولا بَنِي النَّزالِ خالي الَّذي اعْتَسَرَ الهُذيْلَ وخيْلَهُ ... في ضيقِ مُعتركٍ لها ومَجالِ جِئني بِخالِكَ يا فرزدقُ واعلمنْ ... أَنْ ليْسَ خالُكَ بالِغاً أَخْوالي وقال الفرزدق يهجو جريرا:

يا ابْنَ المَراغَةِ إنَّما جارَيْتَنَي ... بِمُسبقينَ لَدَى الفَعالِ قِصارِ والحابِسِينَ إلى العَشِيِّ ليأخذوا ... نُزُحَ الرَّكِيِّ ودِمْنَةَ الأسآر ويروى ليشربوا. يقول: هم ضعفاء أذلاء، فلا يقوون أن يشربوا إلا بعد الناس كلهم كما قال النجاشي: ولا يردون الماء إلاَّ عشيةً ... إذا صدَرَ الوُرَّادُ عن كُلِّ منهلِ قال: والأسار، واحدها سُؤر مهموز. قال: ودمنة هاهنا، طين وما بقي في أسفل البئر، وهو في هذا الموضع مستعار، وأصل الدمنة مجتمع البعر والرماد ومصب اللبن. قال الأخطل في السؤر: وشاربٍ مُرْبحٍ بالكأسِ نادَمَني ... لا بالحُصُورِ ولا فيها بساءَرِ يا ابْنَ المراغةِ كيفَ تطلُبُ دارماً ... وأبوكَ بينَ حِمارَةٍ وحِمارِ وَإذا كِلابُ بني المَراغةِ ربَّضَتْ ... خَطَرتْ ورائِي دار مي وَجَماري قوله وجماري، يعني بني طهية وبني العدوية ابني مالك بن حنظلة، وقد فسرنا حديثهم في موضع آخر. قوله خطرت ورائي، أصل الخطران أن يأكل الفحل الربيع فيسلح فيضرب بذنبه ميمنة وميسرة فيتلبد على عراقيبه وما أصاب الذنب يمنة ويسرة - قال وهما العظمان الناتيان - فذلك الخطر. قال الشاعر: كسا غرابيه نفي الخطر هَلْ أنتُمْ مُتقلَدِّي أَرْباقِكُمْ ... بِفوارِسِ الهَيْجا ولا الأيْسارِ

يروى ما أنتم. مثْلُ الكِلابِ تَبولُ فَوْقَ أَنوفِها ... يلْحَسْنَ قاطِرَهُنَّ بالأسحار ويروى بالأشجار، يريد شجر الأرطى. ويقال الأشجار جمع شجر وهو مجتمع الشدقين، وقيل مجتمع اللحيين. يقال شجر وشجور. لَنْ تُدْرِكوا كرَمِي بِلُؤْمِ أَبِيكُمُ ... وأَوابِدي بتنحُّلِ الأشْعارِ أوابدي قصائدي الغرائب كأوابد الوحش الواحدة آبدة، والتنحل ادعاء الشعر واستراقه. هَلاَّ غَداةَ حبستُمُ أَعْياركُمْ ... بِجِدودَ والخَيلانِ في إعصارِ والحوفزانُ مسوِّمٌ أَفراسهُ ... والمُحصناتُ حواسِرُ الأبكارِ يدْعونَ زيْدَ مناةَ إذْ ولَّيتُمُ ... لا يتَّقينَ عَلى قَفاً بِخِمارِ صَبَرتْ بَنو سعدٍ لِهمْ بِرِماحِهم ... وكشفتُمُ لَهُمُ عَنِ الأدبارِ روى أبو عمرو: صبرت لهم سعد بحد رماحهم. وقوله عن الأدبار أي انهزمتم. قال اليربوعي: وكان من حديث يوم جدود أن الحوفزان - واسمه الحارث بن شريك بن عمرو، وعمرو هو الصلب بن قيس بن شراحيل بن مرة بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن الصعب بن علي بن بكر بن وائل - كانت بينه وبين سليط بن يربوع موادعة، فهم بالغدر بهم، وجمع بني شيبان وذهلاً واللهازم، وعليهم حمران بن عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد. ثم غزا، وهو يرجو أن يصيب غرة من بني يربوع، حتى إذا أتى بلاد بني يربوع نذر به عتيبة بن الحارث بن شهاب، فنادى في بني جعفر بن ثعلبة، فحالوا بين الحارث بن شريك وبين الماء، والحوفزان في جماعة من أفناء بكر بن وائل، فقال الحارث لعتيبة: إني لا أرى معك إلا بني

جعفر، وأنا في طوائف من بكر بن وائل، والله لئن ظفرت بكم لا تعادون عمارة من بني تميم أبدا - والعمارة الحي العظيم – ولئن أنتم ظفرتم بي، ما تقتلون إلا أقاصي عشيرتي، والله ما لكم سموت، وقد عرفتم الموادعة التي بيننا وبين اخوتكم بني سليط، فهل لكم أن تسالمونا وتأخذوا ما معنا من التمر وتخلو سبيلنا، فو الله لا نروع يربوعيا أبدا. فأخذ عتيبة ما معهم من التمر وخلى سبيلهم. فسار الحارث في بكر بن وائل حتى أغار على بني ربيع بن الحارث - وهو مقاعس - بجدود فأصابوا سبياً ونعماً وهم خلوف. فبعث بنو ربيع صريخهم إلى بني كليب بن يربوع وهم يومئذ جيرانهم فلم يجيبوهم، فقال قيس بن مقلد الكليبي لصريخ بني ربيع: أمنكم علينا مُنْذرٌ لعدوِّنا ... ودَاعٍ بنا يوم الهياج مُندِّدُ فقلتُ ولم أَسرُرْ بذاك ولم أُسَأْ ... أسعدَ بنَ زيدٍ كيف هذا التَّودُّدُ فأتى صريخ بني ربيع بني منقر بن عبيد، فركبوا في الطلب فلحقوا بكر بن وائل، وهم قائلون، فما شعر الحارث بن شريك، وهو قائل في ظل شجرة إلا بالأهتم بن سمي بن سنان بن خالد بن منقر، وهو واقف على رأسه، فوثب الحارث إلى فرسه فركبه، وقال للأهتم: من أنت؟ قال أنا الأهتم، وهذه منقر قد أتتك. فقال الحارث: فأنا الحارث ابن شريك وهذه ربيع قد حويتها. فنادى الأهتم بأعلى صوته يا آل سعد. ونادى الحارث يا آل وائل. وشد كل واحد منهما على صاحبه. ولحق بنو منقر فقاتلوا قتالاً شديداً، ونادت نساء بني ربيع يا آل سعد. قال: فاشتد قتال بني منقر لما نادى النساء، فهزمت بكر بن وائل، وخلوا ما كان في أيديهم من السبي والأموال، ولم تكن لرجل منهم همة إلا أن ينجو بنفسه، وتبعتهم منقر فمن قتيل وأسير.

قال: وأسر الأهتم حمران بن عبد عمرو، ولم تكن لقيس بن عاصم همة إلا الحارث. قال: والحارث يومئذ على فرس قارح يدعى الزبد. وقيس بن عاصم على مهر يقال إنه ابن فرس الحارث، واسمه الزعفران. فلحق قيس بن عاصم الحارث فقال: استأثر يا حارث خير أسير. فقال الحارث لا بل شر أسير، ثم قال قيس استأثر يا حارث خير أسير، فقال لا بل شر أسير، ثم قال الحارث ما شاء الزبد، ثم زجر فرسه فسبق مهر قيس لقوته، وتخوف قيس أن يفوته الحارث فحفزه بالرمح في إسته، قال: فبحفزة قيس سمي الحارث الحوفزان. فنجا الحارث بالحفزة ورجع بنو منقر بسبي بني ربيع وأموالهم، وبأساري بكر بن وائل وأسلابهم. وفي هذا اليوم يقول قيس بن عاصم: جزى الله يربوعاً بأسوإ فعِلها ... إذا ذُكرت في النائبات أمورُها ويومَ جدودٍ قد فضحتم أباكم ... وسالمتم والخيلُ تدمَى نحورُها ستخطِمُ سعدٌ والرِّبابُ أنوفكم ... كما غاط في أنفِ القضيبِ جريرُها قوله غاط يعني دخل. قال والقضيب الناقة التي لم تُرض. فأصبحتم والله يفعل ذاكم ... كمهنوءةٍ جرباءَ أُبرِزَ كورُها وأصبحتم والله يفعل ذاكم ... كموءودةٍ لم يبقَ إلا زفيرُها وأصبحتُ وغلاً في تميم وأصبحت ... عظاماً مساعيها سواكَ ودورُها ويروى: وأصبحت مقادتها يجبى سواك وخيرها. أقم بسبيل الحيُ إن كنتَ صادقاً ... إذا غضبت سعدٌ وجاش نصيرُها عصمنا تميماً في الأمور فأصبحت ... يلوذ بنا ذو وفرِها وفقيرُها ويومَ جُواثا والنِّباجِ وثيتلٍ ... منعنا ربيعاً أن تُباحَ ثغورها وغرَّكُمُ من رهطِكم كلُّ مَربعٍ ... جوابي جِهنّامٍ يمد نحيرها

قال: وجهنام أخو هريرة التي كان يشبب بها الأعشى وهو من بني قيس بن ثعلبة. تساقطُ أفلاقُ الحَصَا في نحوركم ... بصحنِ العراقِ فاستبنتُمُ نحورها وقال الأهتم في أسره حمران بن عمرو: تمطَّت بحُمرانِ المنيَّةُ بعدما ... حَشَاه سنانٌ من شَرَاعةَ أزرقُ دعا يالَ قيسٍ واعتزيتُ لمنقرٍ ... وقد كنتُ إذ لاقيتُ في الخيل أصدُقُ وقال سوار بن حيان المنقري يفخر على رجل من بكر بن وائل: ونحن حَفَزْنا الحوفزانَ بطعنةٍ ... سَقَتْهُ نجيعاً من دمِ الجوفِ أشكلا وحمرانُ قسراً أنزلتهُ رماحُنا ... فعالَجَ غِلاً في ذراعيه مُقفلاً فما لكِ من أيامِ صِدْقٍ تعُدُّها ... كيوم جُواثا والنِّباجِ وثَيْتَلا قَضَى الله أنَّا يومَ تقتسم العُلا ... أحقُّ بها منكم فأعطَى وأجزلا فلست بِمْسطِيعِ السماءِ ولم تجد ... لِعِزٍّ بناه الله فوقَكَ منقلا رجع إلى شعر الفرزدق. فلنَحْنُ أَوْثَقُ في صُدور نسائِكُمْ ... عنْدَ الطَّعان وَقُبَّة الجَبَّار منكُمْ إذا لَحق الرُّكوبُ كأنَّها ... خَرقُ الجَراد تثور يَوْمَ غُبار خرق الجراد، قال: وذلك إذا جاءت منه قطعة. والركوب جمع راكب. بالمُرْدَفاتِ إذا التقينَ عشيَّةً ... يبكينَ خلفَ أواخِرِ الأكوار فأسأَلْ هَوازنَ إنَّ عندَ سَراتِهِمْ ... عِلْماً ومُجتمعاً منَ الأخبار

فلتُخبرنَّكَ أنَّ عِزَّةَ دارمٍ ... سَبقتكَ يا ابنَ مُسْوق الأعيار كيفَ التَّعَذُّرُ بعدَما ذمَّرْتُمُ ... سَقْياً لمعضلَة النتَّاج نوَار قوله ذمرتم، يقول مسستم مذمرة عند نتاجه، وهو أن يمس لحييه في بطن أمه، فإذا كان غليظاً كان فحلاً. وقوله لمعضلة النتاج؛ يريد معيبة النتاج، يعني نتجت في مشقة وشدة. وقوله نوار، يريد نفورا. والتعذر يريد به الاعتذار. وقال إنما يمس مذمره وهو ذفراه. قَبحَ الإلهُ بني كُليب إنَّهمْ ... لا يغدْرونَ ولا يَفوْنَ لجار لا يغدرون ولا يفون لجار، وذلك لضعفهم وقلة دفعهم عن أنفسهم، وغيرهم، وذلك كما قال النجاشي: قبيلةٌ لا يغدرون بذمةٍ ... ولا يظلمون الناس حبَّةَ خردل يَستيقظونَ إلى نُهاق أتانهم ... وتَنامُ أعيُنُهمْ عَن الأوتار وحميرهم أيضا أي إذا سمعوا صوت الحمير انعظوا وقاموا اليها. يا حقَّ كُلُّ بني كُليب فَوْقَهُ ... لؤْمٌ تسربلهُ إلى الأطفار مُتبرقعي لُؤْمٍ كأنَّ وُجوههُمْ ... طُليتْ حَواجبُها عنيَّة قار ويروى محاجرها يعني أنهم سود الوجوه من العار، العنية البول ورماد الرمث وخضخاض ردى القت يطلى به البعير للجرب، وإنما جعله قاراً لسواده. كَمْ منْ أبٍ ليَ يا جَريرُ كأنَّهُ ... قَمرُ المجرَّة أَوْ سراجُ نَهار ورثَ المكارمَ كابراً عَنْ كابر ... ضَخْم الدَّسيعَة يَوْمَ كُلِّ فَخار

قال: الدسيعة: العطية. يقال دسع له دسعة أغنته، وذلك إذا أعطاه عطية جبرته. أصله من دسع البعير بجرته. تلقى فَوارَسنا إذا ربَّقتُمُ ... مُتَلبَّبينَ لكُلِّ يَوم غَوار ولَقَد تركتُ بَني كُليب كُلَّهُمْ ... صُمَّ الرُّؤُوس مفقَّئي الأبصار ولقدْ ضللتَ أباكَ تطلُبُ دارماً ... كَضَلال مُلتمس طريقَ وَبار وبار: أرض ورمال غلب عليها الجن فهي لا تسلك. وقوله مفقئي الأبصار: يريد فقئت عيونهم. لا يهتدي أبداً ولوْ نُعتتْ لَهُ ... بسَبيل واردَةٍ ولا إصْدار قالوا عليكَ الشَّمْسَ فاقْصِد نحوَها ... والشَّمْسُ نائيةٌ عن السُّفار لمَّا تكسَّعَ في الرِّمالِ هدَتُّ لهُ ... عرْفاءُ هاديةٌ بكُلِّ وَجار قوله تكسع، يعني تحير وضل فلم يدر كيف يأخذ. وقوله بكل وجار، قال: الوجار جحر الضبع، وقوله عرفاء وهي ضبع كثيرة شعر العُرف. كَالسَّامريِّ يَقولُ إنْ حرِّكتهُ ... دعْني فَليْسَ عليَّ غيرُ إزار قوله كالسامري، يقول: هو في ضلالة كالسامري الذي يتيه فلا يدري أين يتوجه، لأنه تائه وهو من قول الله عز وجل {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} يقول: فأنت تضل قومك كما أضل السامري قومه فتاهوا في الأرض. لَوْلا لساني حيثُ كنتُ رفعتُهُ ... لَرميتُ فاقرَةٌ أَبا سَيِّار

قوله حيث كنت رفعته، يعني ذكرته، وأثنيت عليه وهو من قول الله تعالى. {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}. وفاقرة، يريد شنعة مشهورة تصيب من رُمي بها. قال وأبو سيار من غدانة. ويروى ناقرة وهي المقرطسة. يقول هذه الناقرة تؤثر في الوجه، كما تؤثر النار في الوجه وغيره. وهذا مثل ضربه. فَوْقَ الحواجِبِ والسِّبالِ كأنَّها ... نارٌ تلوحُ على شَفيرِ قُتارِ قتار جمع قترة، وهي حقيرة الصائد التي يستتر فيها، ويروى قِتار بالكسر. قال أبو سعيد: قتار مكان مرتفع. قال: وهو جمع قتر أيضا، وهو الناحية. وقال غيره قتار واحد وجمع. وقال آخر قتار جبل. إنَّ البكارةَ لا يديْ لصغارِها ... بزحامِ أصيدَ رأسُهُ هدَّارُ قَرْمٌ إذا سَمعَ القُرومُ هَديرهُ ... ولينهُ ورمينَ بالأبعارِ ويروى ونبذن بالأبعار. وقوله قرم، هو الفحل الذي لا يركب لصعوبته وعزة نفسه، وقوله ورمين بالأبعار، أي من فرقه. قال: والأصيد المائل رأسه من الكبر والتجبر. كَمْ خالَةٍ لَكَ يا جَريرُ وعمَّةٍ ... فَدعاءَ قَدْ حلبت عَليَّ عشاري الفدع هو خروج مفصل الإبهام مع ميل في القدم قليل. وقوله قد حلبت، يقول: هي راعية يعيرها بذلك، لأن الرعي في الرجال. قال ومثل للعرب "يحلب بني وأضب على يديه" قال: وذلك أن امرأة غاب عنها

رجالها الحلابون، وعندها صبي قد جاع وعطش، فلما خافت عليه جاءت به إلى شاة فوضعت يده على طبيها وهي تعصر فوق يده وتحلب وهي تقول "يحلب بني وأضب على يديه". ويروى بالضم والكسر - قال وإنما فعلت ذلك فراراً من العيب أن تُعير بذلك. قال: والضَبُّ: الحلب بأربع أصابع. كُنَّا نُحاذر أنْ تَضيعَ لقاحُنا ... ولهاً إذا سمعتُ دُعاءَ يَسار قال: ويسار اسم راع إذا سمعت دعاءه ولهت إليه صبابة. يقول: إذا سمعت هذه المرأة دعاء يسار تركت الإبل وذهبت إليه. شَغَّارةً تقذُ الفصيلَ برجْلها ... فطَّارةً لقَوادم الأْبكار قوله شغارة، يقول نشغر الفصيل برجلها وذلك إذا دنا من أمه ليرضع وهي تحلب، ضربته برجلها من خلف. شبه الرمح فتدق عنقه وذلك كما قال الجعدي: غرَّزها أخضرُ النواجذ نسَّا ... فٌ نحورَ الفِصال بالقدم قوله غرزها، يقول رفع لبنها وبقاه. قال: والفطر: الحلب بالسبابة والوسطى ويستعين بطرف الإبهام. قال: وخلفا الضرع المقدمان وهما القادمان، وجمعه القوادم. قال والأبكار تحلب فطراً، لأنه لا يستمكن أن يحلبها ضبا، وذلك لقصر الخلف لأنها صغار. كانتْ تُراوحُ عاتقيْها عُلْبَةً ... خلفَ اللِّقاح سريعةَ الادرارِ ولقدْ عركتُ بَني كُليب عركَة ... وتركتُهُمْ فقعاً بكُلِّ قَرار

فأجابه جرير فقال: قال: في الأصل هذه القصيدة مقدمة، والتي مضت جوابها. ما هاجَ شَوْقَكَ منْ رسوم ديار ... بِلَوى عُنبَّقَ أَوْ بصُلبِ مَطارِ وروى أبو عبيدة: بلوى عنيزة، وعنيق ومطار موضعان، ويروى بلوى عنبق وهي تصغير عناق، وهو هاهنا موضع. والرسم أثر الديار ما لم يكن شخصا، والطلل ما كان له شخص. واللوى منقطع الرمل. أبقَى العواصفُ منْ معالم رَسْمها ... شَذبَ الخيام ومربَطَ الأمهارِ ويروى من بقية رسمها. الشذب ما تشذب من عصي الخيام وتفرق، والخيام بيوت يبتنونها في المرتبع، أعمدتها خشب، وتظلل بالثمام وما أشبهه من الشجر، فإذا رجعوا إلى المياه تركوا البيوت على حالها، وإنما يفعلون ذلك لأن ظل الخيام أبرد من ظل الأخبية وهي الأبنية. والعواصف: الرياح الشديدة الهبوب. أَمِنَ الفراق لعبتَ يومَ عُنيزة ... كهواكَ يومَ شقائق الأحفار قوله يوم عنيزة وهي تصغير عنز وهو هاهنا موضع. ورأيتُ نارَك إذْ أضاءَ وقودها ... فرأيتُ أحسنَ مُصطلينَ ونَار قال سعدان، قال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء فقلت: ما الوقود؟ فقال: تحرق النار. فقلت فما الوقود؟ قال: الحطب. قلت فما الوضوء؟ قال الماء الذي يتطهر به. قلت فما الوضوء؟ قال لا أعرفه.

أَمَّا البعيثُ فقدْ تَبيَّنَ أنَّهُ ... عبدٌ فعلَّكَ في البعيث تُماري واللُّؤْمُ قَدْ خَطَمَ البعيث وأرزمتْ ... أُمُّ الفرزدق عندَ شرِّ حُوار قوله أرزمت، يعني حنت. وهو حنين الناقة، فاستعاره من الناقة فصيره لأم الفرزدق، وقد تفعل العرب ذلك كثيرا. يقول: أم الفرزدق حنت عند شر مولود، وأصل الأرزام للناقة. إنَّ الفرزدقَ والبعيثَ وأُمَّهُ ... وأبا البعيث لشرُّ ما إستار قال: والإستار وزن أربعة فهم أربعة وهم شر كلهم، وأراد بالإستار جهار بالفارسية. طاحَ الفرزدقُ في الرِّهان وغمَّهُ ... غمرُ البديهة صادقُ المضْمارِ قال: والبديهة المفاجأة. يقول: يغمر من يبدهه في المجاراة واللقاء. يقول: هو حاضر الجواب في كل حال. تَرْجو الهوادةَ يا فرزدقُ بعدَما ... أطفأتَ نارَكَ واصطليتَ بناري إنِّي لتُحرِقُ منْ قصدْتُ لشتمه ... ناري ويلحقُ بالغُواة سُعاري تبَّا لفخركَ بالضَّلال ولمْ يزلْ ... ثَوْبا أبيكَ مُدنَّسينَ بعار ماذا تقولُ وقدْ علوتُ عليكُمْ ... والمسلُمونَ بما أقولُ قَواري قوله قوار، يعني يتبعون أفعال الناس، ويشهدون بالحق عليهم، كما يتتبع مقتص الآثار فيها. وكما تقرو الأرض، وذلك إذا تتبعت الآثار فيها. وإذَا سألتَ قَضَى القُضاةُ عليكُمُ ... وإذا افتخرتَ علاَ عليكَ فخاري فأنا النَّهارُ عَلا عليكَ بضوئه ... واللَّيلُ يقبضُ بسطَةَ الأبْصار

إنَّا لنربعُ بالخَميسِ تَرى لَهُ ... رهجاً ونضربُ قَونسَ الجبَّار إذْ لا تغارُ عَلى البنات مُجاشعٌ ... يومَ الحُفاظ وَلا يَفون بجار أنَّى لقَوْمكَ مثلُ عدوَة خَيلنا ... بالشِّعْبِ يَومَ مُجزَّل الأُمْرار الشعب اسم جبل. وقوله مجزل الأمرار، قال: كانت بكر بن وائل نزولا بالأمرار، وما يليه، فسار إليهم الحارث بن يزيد، وكانت فيهم جارية من بني شيبان عاشقا، فاكتلأت تنظر فرأت رجلا معتجرا بشقة برد متنكبا قوسه، فلاحت لها صفحة القوس، فأنبهت أباها، فقالت: يا أبة إني رأيت متن سيف، أو صفحة قوس على موضع السلاح في الشمال، من رجل أجلى الجبين، براق الثنايا، كأن عمامته ملوثة بشجرة. قال: يا بنية إني لابغض الفتاة الكلوء العين. قالت: والله ما كذبتك فصاح في قومه، فأنذرهم. فقالوا: ما نبه ابنتك في هذه الساعة إلا أنها عاشق، فاستحيا الشيخ، فانصرف. وقالت له ابنته: ارتحل فإن الجيش مُصبحك. ففعل. فأصبحوا، فوقعت بنو سعد ببكر بن وائل فقتلوا وملأوا أيديهم من السبي، فقال الأقرع بن نعيم بن الحارث بن يزيد: أبي غداةَ حُفْرَةِ المجزلِ ... سارَ بجرَّارٍ كثيرِ القسطل تَقدَعُ أُولاها بهابٍ وَهلِ قَوْمي الَّذين يزيدُ سَمْعي ذكرُهُمْ ... سمعاً وكانَ بضَوْئهمْ إبْصاري والمُوردون عَلى الأُسِنَّة قُرَّحاً ... حُمْراً مساحلُهُنَّ غيرَ مهار قوله مساحلهن يعني مسحل اللجام. يريد تحمر من الدم، كما قال: مَججْنَ دماً من طولِ علْكِ الشَّكائمِ

يوم الصرائم

ومسحلا اللجام: الحديدتان اللتان تكتنفان لحيي الفرس. هلْ تشكُرونَ لَمنْ تَدارَكَ سبيُكمْ ... والمردَفاتُ يملنَ بالأكوار إنِّي لتُعْرَفُ في الثُّغور فَوارسي ... ويفُجِّرونَ قَتامَ كُلِّ غُبار نحنُ البُناةَ دَعائماً وسَوارياً ... يعلُونَ كُلَّ دَعائم وسَوار تَدْعو ربيعةُ والقَميص مُفاضَةٌ ... تحتَ النِّجاد تُشَدُّ بالأزْرار قال: عنى بقوله تدعو ربيعة يريد به يوم الصرائم وهو يوم أغارت فيه بنو عبس، على ربيعة بن مالك بن حنظلة، فأتى الصريخ بني يربوع، فركبوا في طلب بني عبس، فأدركوهم بذات الجرف. قال: فقتلوا شريحا وجابرا ابني وهب من بني عوذ بن غالب، وأسروا فروة وزنباعا ابني الحكم بن مروان بن زنباع. وأسر أسيد بن حناءة الحكم بن مروان بن زنباع بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس. وقتل عصمة بن حدرة ابن قيس بن عبد الله بن عمرو بن همام بن رياح سبعين رجلا من بني عبس - وقال قائل بل قعنب بن عتاب بن الحارث بن عمرو بن همام هو الذي قتلهم فسمي في هذا اليوم قعنب المبير - وقد كان العفاق بن الغلاق بن قيس بن عبد الله بن عمرو بن همام، خرج في طلب إبل له، فمرَّ ببني عبس، فأخذه شريح وجابر ابنا وهب فقتلاه. قال: فنذر عصمة بن حدرة ألا يطعم خمرا، ولا يأكل لحما، ولا يقرب امرأة، ولا يغسل رأسه، حتى يقتل به سبعين رجلاً من بني عبس فقال لما قتلهم:

الله قد أمكنني من عبس ... ساغَ شرابي وشفيتُ نفسي وكنتُ لا أقرب طُهْرِ عِرسي ... ولا أشد بالوِخاف رأسي ولم أكن أشربُ صَفْوَ الكأسِ وقال في هذا اليوم الحطيئة وكان في الجيش فهرب: لقد بلغوا الشفاءَ فأخبرونا ... بِقتلى من تقتلنا رياحُ حَوتْنَا منهمُ لما التقينا ... رماحٌ في مراكزها رماحُ وجُرِّدَ في الأعنَّةِ ملجماتٌ ... خفافُ الطَّرِف كلَّمها السلاحُ إذا ثار الغبارُ خرجن منه ... كما خرجت من الغدر السراح وما باءوا كَبَأرِهِمُ علينا ... بفضلِ دمائهم حتى أراحوا قال: البأو: الكبر يقال منه، بأوت تبأى بأوا، قال وهو المصدر، قال: وقال في هذا اليوم أيضاً شميت بن زنباع بن الحارث بن ربيعة بن زيد ابن رياح: سائِلْ بنا عبساً إذا ما لقيتَها ... على أي حيٍّ بالصرائم دَلَّتِ قتلنا بها صبراً شُريحاً وجابراً ... وقد نهلت منها الرماح وعَلَّتِ قال: شريح وجابر ابنا وهب، وهما من بني عوذ بن غالب. جزيْنَا بما أمَّتْ أسيدةُ حِقبةً ... خويلةَ إذ آذنَّها فاستقلتِ فأبلغ أبا حمرانَ أن رماحَنا ... قضت وَطراً من غالبٍ وتغَلَّتِ

قوله وتغلت، يريد من الغلو وهو الزيادة، وهو من قولهم: قد غلا السعر وذلك إذ علا وارتفع. قال وأبو حمران، عروة بن الورد العبسي. فدىّ لرياحٍ إذ تداركَ ركضُها ... ربيعةَ إذ كانت بها النَّعْلُ زلَّتِ فَطِرنا عُجالي للصريخِ ولا ترى ... لنا نَعماً من حيثُ يُفزعُ شُلَّتِ قوله شُلَّتِ، يريد لا يهمون بطرد إبلهم إذا فزعوا - وقال الأصمعي قال لبيد في مثل ذلك: في جميعٍ حافظي عوراتِهم ... لا يهمُّون بإدعاقِ الشَّللْ يقول: لا يهمون بطرد إبلهم، أي بالهرب إذا فزعوا وأتوا، ولكنهم يقيمون ثقة منهم بأنفسهم. وقال: والشلل والطرد سواء. وقال الأصمعي: وقوله بادعاق، قال والأصل في إدعاق دعق يقال دعق يدعق دعقا، قال وأرى أن أدعق إدعاقا لغة وهو الطرد - وما كان دهري إن فخرتُ بدولة ... من الدهر إلا حاجةَ النفسِ سُلَّتِ وقال في هذا اليوم رافع بن هريم الرياحي يرتجز: فينا بقيَّاتٌ من الخيلِ صُرَّمٌ ... سبعةُ آلاف وأدراعٌ دُرُمْ قوله درم، يعني ملسا غامضة المسامير. قال: وذلك لكثرة استعمالهم إياها املاست وسلست. ونحن يومَ الجرفِ جئنا بالحَكمْ ... قَسراً وأَسرى حوله لم تقتَسم وصَدَّأ الدرعُ عليه كالحممْ

وقال جرير يفخر على الفرزدق: قُلْ لحفيف القَصَباتِ الجوفانْ ... جيئوا بمثلِ قعنبٍ والعلهانْ والرِّدفِ عتَّابٍ غداة السُّوبانْ ... أو كأبي جزرةَ سُمَّ الفرسانْ يعني عتيبة بن الحارث. والحنتفينِ عند شَلِّ الأظعانْ ... وما ابنُ حِنَّاءةَ بالوغل الوانْ ولا ضعيفٍ في لقاءِ الأقرانْ ... يومَ تسدَّى الحكمُ بنُ مروانْ قوله تسدى، يقال من ذلك تسداه إذا علاه وركبه. وقوله الحكم، يعني الحكم بن مروان بن زنباع بن جذيمة بن رواحة. رجع إلى القصيدة: إنَّ البعيثَ وعبدَ آل مُقاعسٍ ... لا يقرآنِ بسورةِ الأحبار قوله وعبد آل مقاعس، أراد الفرزدق. ومقاعس هو الحارث وولده عبيد. قال: وعبيد وصريم ابنا الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، تقاعسوا عن الحلف فسموا مقاعسا. وقوله: لا يقرآن بسورة الأحبار، فالباء زائدة. يقول: لا يقرآن سورة الأحبار. قال أبو عبد الله: يعني قوله تعالى {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} يعني لا يوفون بعهودهم.

أبلغْ بَني وقبانَ أنَّ نساءَهُمْ ... خُورٌ بَناتُ موقَّع خَوَّار كُنتمْ بَني أمةٍ فأُغلقَ دُونكمْ ... بابُ المَكارم يا بني النَّخْوار النخوار نبز نبزهم به. ويروى يا بني حجار. وحجار من بني مجاشع. أبَني قُفيرةَ قدْ أناخَ إليكُمُ ... يومَ التَّقاسُم لُؤْمُ آلِ نزَار إنَّ اللِّئامَ بني اللِّئامِ مُجاشعٌ ... والأخبثونَ محلَّ كُلِّ إزار ضربَ الخميسُ على بناتِ مُجاشع ... حتَّى رجعنَ وهُنَّ غيرُ عذاري إنَّ المواجنَ من بنات مُجاشَع ... مأوى اللُّصوص وملعبُ العُهَّار تبْكي المُغيبةُ منْ بناتِ مُجاشع ... وَلهى إذا سمعتُ نُهاقَ حمار لا تبتغي كمراً بناتُ مُجاشع ... ويُردْنَ مثلَ بيازر القصَّار قال: البيازر واحدتها بيزارة. قال: وكل عصا غليظة فهي بيزارة. قال: وهي هاهنا مواجن القصارين، واحدتها ميجنة ن وهي التي تسميها الفرس الكذين. أبُنَّي شِعرَةَ ما ظننتُ وحرْبُنا ... بعدَ المراس شديدةُ إلا ضْرار سارَ القصائدُ واستبحنَ مُجاشعاً ... ما بينَ مصرَ إلى جنوب وَبار سار القصائد واستبحن، يعني سلبوهم باحتهم ونزلوا بها. والباحة والساحة والعرصة كله واحد. وقوله وبار، وهي أرض معروفة. وجنوبها يعني جوانبها. يَتلاوَمون وقدْ أباحَ حريمهُمْ ... قينٌ أحلَّهُمُ بدارِ بوَارِ قوله بوار، يريد به الهلاك، وهو من قوله تعالى {وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ

الْبَوَارِ} يعني الهلاك. لا تفخرَنَّ إذا سمعتَ مُجاشِعاً ... يَتخاوَرونَ تخاورَ الأثوار أعْليَّ تغضَبُ أنْ قُفَيرةُ أشبهتْ ... منهُ مكانَ مُقَلَّدٍ وَعذار قوله وعذار، يعني عارضيه. وعارضا الفرس خداه. نامَ الفرزدقُ عنْ نَوار كنوْمِهِ ... عنْ عُقْرِ جعثِنَ ليلةَ الأحفار قالَ الفرزدقُ إذْ أتاهُ حَديثُها ... ليستْ نوارُ مُجاشعٍ بنوَار تَدْعو ضُرَيسَ بَني الحُتات إذا انتشَتْ ... وتقولُ ويحُكَ من أَحسَّ سواري يقول تسكر فيضيع سوارها، فدعت ضُريس يطلب سوارها. إنَّ القصائدَ لنْ يزلنَ سَوايخاً ... بحديث جعثنَ ما تَرَنَّمَ ساري لمَّا بَنى الخطفى رضيتُ بما بَنى ... وأبو الفرزدق نافخُ الأكيار وتبيتُ تشربُ عندْ كُلِّ مُقَصَّصٍ ... خضِلِ الأناملِ واكِفِ المعْصارِ قوله مقصص أي ذمي قد جزت ناصيته. لا تفخرَنَّ فإن دينَ مُجاشع ... دينُ المَجُوس تطُوفُ حَوْل دُوار يعني صنما. وقال الفرزدق في قتل قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحصين بن ربيعة بن خالد بن أسيد بن كعب بن قضاعى بن هلال بن عمرو بن

سلامان بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر، وقتله وكيع بن حسان بن قيس بن أبي سود ابن كليب بن عوف بن مالك بن غدانة بن يربوع، ويمدح سليمان بن عبد الملك ويهجو قيساً وجريرا: تحِنُّ بِزوراءِ المدينةِ ناقَتيِ ... حنينَ عجُولٍ تبتَغي البوَّرائِمِ قوله حنين عجول، قال: العجول الثكلى، وهي المرأة تثكل أولادها، فشبه حنين الناقة بحنين الثكلى وطلبها لولدها. قال: والبو جلد حوار يحشى ثماماً ترأمه الناقة فهي تستدر به لينزل لبنها وتحسب ذلك البو ولدها. وَيا ليْتَ زوْراءَ المدينةِ أصبحتْ ... بِأَحفارِ فلْجٍ أَوْ بِسيفِ الكواظِمِ قال: السيف شط البحر والكواظم يعني كاظمة وما حولها، وهو موضع معروف. وكمْ نامَ عنِّي بالمَدينةِ لَمْ يُبَلْ ... إليَّ اُطِّلاعَ النَّفسِ دُونَ الحَيازِمِ إذا جشَأَتْ نَفسِي أقولُ لَها أرْجُعي ... وراءَك واستحي بياضَ اللَّهازِمِ جشأت ارتفعت لسوء وهمت بقبيح. يقول: كلما جشأت نفسي مما أجد وقرتها وقلت لها: استحي بياض اللهازم وهو شبيه. فإن التي ضَرَّتْكَ لَو ذُقْتَ طَعمها ... عليكَ منَ الأعباءِ يومَ التَّخاصُمِ يقول: هذه القصيدة، أو الشيء الذي قاله من قصيدة، أو نحوها، لو

ذقت طعمها يريد ثوابها من الأعباء والثقل لكان عليك ثقيلاً. قال: والمعنى يقول: كم نام عني بالمدينة من خلي أي من رخي البال، لا يبالي ما أنا فيه من الكرب والغم الذي قد خرجت نفسي له من الحيازم إلى التراقي. قال: والحيزوم الصدر. وقوله لم يبل يريد هو خلي البال كما تقول العرب "ويل للشجي من الخلي" يريد للحزين من الفرح. قال أبو عبد الله: يقال إن هذا أراد به المرأة. وقوله يوم التخاصم، يريد يوم القيامة لقول الله تعالى {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}. ولسْتَ بِمأخوذٍ بَلْغو تقُولُهُ ... إذَا لَمْ تعمَّدْ عاقِداتِ العزَائِمِ وروى أبو عبيدة بقول تقوله، بلغو قال: بقول لا يؤاخذك الله باللغو في كلامك فإن عزمت على شيء وعقدته آخذك به. ولمَّا أَبَوْا إلاَّ الرَّحِيلَ وأَعْلَقُوا ... عُرىً في بُرىً مَخْشوشَةٍ بالخزائمِ يروى فلما أبوا إلا الرواح وأعلقوا ن يعني الأزمة في الأخشة، وهي جمع خشاش، وهي الخشبة في أنف البعير، وهي البرى، وذلك حين أرادوا الرحيل، وكانت قبل ذلك معطلة في الرعي. والخزامة حلقة من شعر تكون في أنف الناقة مكان البرة، والبرة من صفر. وراحُوا بجثمانيِ وأمْسَكَ قلبهُ ... حُشاشتُهُ بينَ المصلَّى وواقِمِ ويروى بجسماني وهو الجسم، وكذلك الجثمان، الحشاشة بقية الروح. وواقم بالمدينة، أراد حرة واقم. ويروى قلبه، حبالته يعني حبالة القلب، أي تلك التي كلف بها قد صادت قلبه فكأنها حباله الصائد.

أقولُ لمغْلوبٍ أماتَ عِظَامَهُ ... تَعاقُبُ أدْرَاجِ النُّجُومَ العَواتِمِ مغلوب صاحب له غلب عليه النعاس والإعياء. أدراج النجوم سير العقب بالنجوم. إذا نحنُ ناديْنَا أبَى أنْ يُجيبنَا ... وإنْ نحنُ فدَّينَاه غيرَ الغَماغم قال: الغمغمة: صوت لا يفهمه من نعاسه وإعيائه. سيُدْنيكَ مِنْ خَيْر البَريَّةِ فاعتَدلْ ... تناقُلُ نَصِّ اليملات الرَّواسِمِ قوله فاعتدل يريد فانتصب لا تنم. ويروى أيضا فانتصب. التناقل: نقلها قوائمها في السير. إلى المُؤْمِنِ الفَكاكِ كُلَّ مُقيَّدٍ ... يَداه ومُلقِي الثِّقلَ عنَّ كُلِّ غَارِمِ بِكفَّينِ بيضَاوَيْنِ في رَاحتيهمَا ... حَيَا كُلِّ شَيءٍ بالغيُوثِ السَّواجِمِ بِخَيرْ يَدْي مَنْ كانَ بعدَ مُحمَّدٍ ... وجارَيهْ والمظلُومِ للهِ صَائِمِ فلمَّا حَبَا وَادي القُرى مِنْ ورائِنَا ... وأشرفْنَ أقتَارَ الفجَاجِ القواتِمِ ويروى وأعرض أركان الرعان القواتم. وراءنا هاهنا أمامنا، حبا: أشرف. والقتمة: سواد في الحمرة، وجارا النبي صلى الله عليه وسلم، أبو بكر وعمر، والمظلوم عثمان رضي الله عنهم. لَوَى كُلُّ مُشتاقٍ مَنَ القومِ رأسَهُ ... بِمغرورِ قاتٍ كالشَّنانِ الهَزَائِم ويروى من الركب. الهزائم المنكسرة. والشنة القربة الخلق تبرد الماء ولا تسيل.

وأيَقَنَ أنَّا لن نرُدَّ صُدُورها ... ولمَّا تُواجهها جِبالُ الجَراجِمِ وأيقن يعني الرجل. قال: وروى عمرو بن أبي عمرو وأيقن يعني النوق. قال: والجراجم نبط الشام، واحدهم جرجماني. أكُنتُمْ ظننتُمْ رِحلتي تنثنيِ بِكُمْ ... ولَمْ ينقُضِ الإدلاجُ طَيَّ العمائمِ ويروى حسبتم رحلتي تنقضي. قوله تنثني بكم أي تصرفكم عن وجوهكم. والإدلاج: سير الليل كله، والإدلاج التبكير. لَبِئسَ إذاً حامي الحقيقةَ والَّذي ... يُلاذُ به في المعضِلاتِ العظائِمِ وماءٍ كأنَّ المنَّ فوقَ جمامِهِ ... عباءٌ كستهُ من فُروجِ المخارِم كسته ذلك الغبار الرياح، المخرم منقطع الطريق في الجبل. رياحُ على أعطانه حيثُ تلتقِي ... عفَا وخَلا مِنْ عهدِهِ المُتقادِمِ وردتَ وأعجازُ النُّجومِ كأنَّها ... وقَد غارَ تاليها هجائنُ هاجِمِ ويروى وأرداف، وقوله هاجم هو طارد يطرد إبله، قوله هجائن هاجم، الهاجم صاحب إبل قد هجم بها على الماء. وأراد اجتماع النجوم في الغرب للمغيب. وقد غار تاليها وهو آخرها، أي غابت هي في المغيب، وتاليها: كوكب الصبح في المشرق وقد ذهب بها ضوء الفجر. بغيدٍ وأطلاحٍ كأنَّ عُيونهَا ... نطاف أظلتُها قِلاتُ الجماجِمِ بغيد يريد بفتيان شباب، لينة أعناقهم ومفاصلهم. وقوله وأطلاح، هي الإبل المعيية قد بلاها السفر. ونطاف: مياه. وقوله أظلتها، يريد

صيرتها في ظلال القلات. قال، والقلت: قلت العين مدخلها في الرأس. والجماجم يعني رءوسها واحدتها، جمجمة. قال أبو عبد الله: قوله غيد يعني يثنون من النعاس. كأنَّ رحالَ الميْس ضمَّتْ رحالُها ... قناطرَ طيِّ الجندلِ المُتلاحم الميس: شجر تتخد منه الرحال. والمتلاحم: المتراصف الذي قد أخذ بعضه بعضاً. إليكَ وليَّ الحقِّ لاقَى غُروضها ... وأحقابَها إدْراجُها بالمنَاسِم يقول: ضمرت فالتقت عرى الغروض، وهو مثل الحزم من الأدم. والأحقاب مثل الحبال. يقول: كانت عراها لا تلتقي فلما أضمرها السفر التقت. نواهضَ يحملن الهِمومَ التَّي جفتْ ... بنا عَنْ حَشَايا المُحصنات الكَرائم ليبلُغنَ ملءَ الأرض نُوراً ورحمةً ... وعدلاً وغيثَ المُغبرات القَواتم ويروى أمنا وعصمة. جُعلتَ لأهْل الأرْضِ عدلاً ورحمَةً ... وبُرءاً لآثار الجُروح الكَوالم كَما بعثَ الله النَّبيَّ مُحمَّداً ... على فترَة والنَّاسُ مثلُ البَهائم ورثتُمْ قناةَ المُلك غيرَ كلالَة ... عَن ابْني مَنَاف عَبْد شَمْس وهَاشم تَرى التَّاجَ مَعقوداً عليْه كأنَّهُمْ ... نُجُومٌ حَواليْ بدْر مُلك قُماقم عجِبْتُ إلى الجَحَّادِ أي إمارةٍ ... أرادَ لأنْ يزدادها أو دراهم

يعني الحجاج بن يوسف. وكانَ عَلى ما بينَ عمَّانَ واقفاً ... إلى الصِّين قَدْ ألقوا لهُ بالخزائم قوله ما بين عمان، هو موضع ببلاد الشام، وقوله بالخزائم يعني ذلوا له وانقادوا، كما يذل البعير إذا خزم بالبرة أو بالخشاش. فلمَّا عَتَا الجَحَّادُ حينَ طَغَى به ... غنى قالَ إنِّي مُرتق في السلاَّلَم ويروى طغت به مني. قوله مرتق في السلالم يريد أصعد إلى السماء. فكانَ كَمَا قَالَ ابنُ نُوح سأرتَقي ... إلى جبَل منْ خَشيَة الماءِ عَاصم رَمَى الله في جُثمَانه مثلْ ما رَمَى ... عن القِبلةَ البيضاءَ ذاتِ المحارم يقول لم ينفعه شيء. مثل ما رمى أي مثل ما رمى الله عز وجل. قوله ذات المحارم يعني طيراً أبابيل جاءت تنصر البيت. جُنوداً تسُوقُ الفيلَ حتى أعَادَها ... هباءٌ وكانُوا مُطرَ خمَّي الطَّراخم نُصرتَ كنَصْر البيت إذْ ساقَ فيلَهُ ... إليه عَظيمُ المُشركينَ الأعَاجم وما نُصر الحجاجُ الاَّ بغيره ... على كُلِّ يومْ مُستحرِّ المَلاحم الملاحم القتال. يقول: هلكت الحبشة فكانوا كعصف مأكول. بقَوْم أبوُ العَاصي أبُوهُمْ توارْثَوُا ... خلافةَ أُميَّ وخيْر الخَواتم يعني النبي صلى الله عليه وسلم، أنه خاتم الأنبياء، وهو خير الأنبياء صلى الله عليه وسلم.

ولاَ رَدَّ مُذْ خطَّ الصَّحيفَةَ ناَكثاً ... كَلاماً ولا باتَتْ لهُ عينُ نَائم ولاَ رَجعُوا حتَّى رأَوا في شماله ... كتاباً لمغَرْور لدَى النَّار نَادم ويروى حتى رأى. وقوله لدى النار، يريد إلى النار. الرواية لمغلول إلى النار. أتَاني ورَحْلي بالمَديَنة وقعَةٌ ... لآل تَميم أقْعَدتْ كُلَّ قَائم قال: يعني قتل وكيع بن حسان بن قيس بن أبي سود، أحد بني غدانة بن يربوع، قتيبة بن مسلم الباهلي، على قتل ابني الأهتم. قال: والأهتم هو سنان بن سمي. وذلك أنه لما أراد قتيبة أن يستخلف عبد الله ابن عبد الله بن الأهتم، أتاه بشير بن صفوان بن عمرو بن الأهتم، فقال له بشير: أصلح الله الأمير، إنك تريد أن تستخلف عبد الله، وهو رجل حريص حسود غدور كفور. ومتى تستخلفه يخنك، ويكفرك، ويغدر بك. فغيَّر منزلتنا عندك، وأفسدنا عليك. فحمله قتيبة على الحسد من بشير لعبد الله، فقال له قتيبة: لا، ولكنك حسدت ابن عمك. قال: فاذكر قولي، واقبل عذري، إن فعل فاستخلفه، وغزا فرغانة. - وقال أبو الحسن المدائني: لم يغز فرغانة وإنما غزا سجستان - حين ضمت إليه الجنود. قال أبو عبيدة: فجعل عبد الله يشقق الكتب في قتيبة إلى الحجاج بعوراته، ويحمله عليه، ويطلب عمله. فإذا وردت كتبه إلى الحجاج طواها في بطون كتب إلى قتيبة، فتمر بها الرسل إلى عبد الله، فتطويه بها إلى قتيبة بفرغانة، حتى تواترت كتبه. قال: فلما رأى ذلك قتيبة، ضاق بذلك ذرعاً. قال: فدعا عند ذلك نفرا من بني تميم، فشكى إليهم

عبد الله بن عبد الله بن الأهتم، فهرب عبد الله حتى أتى مكران، ثم عبر إلى عمان، فأتى مكة، وأتى المدينة، وكان شبيهاً بالموالي في خلقته. قال: فعصب إحدى عينيه بخرقة، وجعل يبيع الخمر والأدهان، يطوف بها على ظهره، ومعه غلمان له يبيعون معه، فكتب فيه قتيبة إلى الحجاج أن عبد الله عدو الله، حمل بيت مال خراسان وهرب، وكتب فيه إلى الوليد فكتب إلى الآفاق. فلم يقدر عليه لتنكره، وأخذ قتيبة شيبة ابنه أبا شبيب، وأخذ أخا لشيبة بن عبد الله فقتلهما، وأخذ بشير بن صفوان بن عمرو بن الأهتم، فقال: قد كنت أخبرتك بغدره، وتقدمت في المعذرة إليك، واستعهدتك من ذلك. فقال له قتيبة: صدقت، لقد أنبأتني بذلك، ولكنه دسيس ومكر منكما، فإن تم لكما ما أردتما، لم يكن ذلك ضرك، وإن صرعكما الله، كنت قد أخذت لنفسك أمنا ونجاة، فقتله، وقتل ابنا لبشير، وقتل معهم نفرا. قال: فمر وكيع بن حسان بن قيس ابن أبي سود، وهريم بن أبي طحمة على بشير في السوق، وقد قطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه - قال أبو الحسن المدائني: بل قطع يديه ورجليه، وطرحه في الثلج حتى مات - وهما يريدان قتيبة، فلما دخلا عليه، قال: يا وكيع ألم تر ما فعلت بصديقك أبي الزقاق، وهو يظن أن ذلك يوافق وكيعا، وكانا يتنازعان كثيرا، وذلك للشحناء التي كانت بين حنظلة بن مالك بن زيد مناة، وبين بني سعد بن زيد مناة بن تميم. فقال وكيع: سبحانه الله، ما بلغ كنه ما بيني وبينه، ما تبلغ عقوبته ما رأيت، فغضب قتيبة حتى كاد يطير. وقام وكيع، فلم يزل قتيبة ينظر في قفاه حتى تغيب. قال: وتبعه هريم، فقال لوكيع: لا تدع جفاءك. أبدا، تعمد إلى جبار يقطر سيفه دما، فتكلمه بمثل ما كلمته، حتى تربد وجهه تربدا خفته عليك. وما زال يتئر بصره - أي يديم النظر - في قفاك حتى قلت: الساعة يأمر بك.، فقال وكيع لهريم: لا تخشى أن

يقتلني، فأنا والله أقتله. قال: فلم يصل وكيع يومئذ الظهر ولا العصر ولا المغرب، فقيل له: ألا تصلي يا أبا المطرف؟ فقال: ما أصنع بالصلاة، وقد قُتل من بني الأهتم من قُتل. لا يغضب لهم أحد لا من في الأرض ولا من في السماء. قال: فعزله قتيبة عن رئاسة بني تميم، واستعمل مكانه ضرار بن حصن الضبي. قال زهير بن الهنيد: وكان أول ما هاج مقتل قتيبة بخراسان، أن الوليد بن عبد الملك، في آخر عمره، أراد خلع سليمان، وأن يجعل ابنه عبد العزيز بن الوليد، ولي عهد. ودس في ذلك إلى القواد والشعراء. فقال جرير في ذلك: إذا قيل أيُّ الناس خيرُ خليفةٍ ... أشارت إلى عبدِ العزيزِ الأصابعُ رأَوُهُ أحقَّ الناسِ كُلِّهِمُ بها ... وما ظَلموا إن بايعوه وسارعوا وقال جرير أيضا يحض الوليد على بيعته: إلى عبدِ العزيزِ سَمَتْ عيونُ ال ... رَّعيةُ إذ تُخيرِّتِ الرِّعاءُ إليهِ دَعتْ دَواعِيَهُ إذا ما ... عمادُ المُلِك خَرَّتْ والسماءُ وقال أولو الحكومةِ مِنْ قريشٍ ... علينا البيعُ إذ بَلغَ الغَلاءُ رَأَوْا عبدَ العزيزِ وليَّ عهدٍ ... وما ظلموا بذاك ولا أساءوا فماذا تنظرون بها وفيكم ... جُسورٌ بالعظائم واعتلاء فزَحلِفها بأزفلِها إليه ... أميرُ المؤمنين إذا تشاء قوله فزحلفها إليه، يعني ادفعها. وقوله بأزفلها يريد بأجمعها. فإن الناس قد مدُّوا إليه ... أكُفَّهم وقد بَرِحَ الخفاء ولو قد بايعوك ولي عهد ... لقام الوزن واعتدل البناء

قال أبو عثمان: حدثنا الأصمعي، وليس هذا من النقائض، قال للمذمر مكانان يمسهما المذمر، فأحدهما ما بين الأذنين، إذا وجده غليظا تحت يده، علم أنه ذكر، وإذا رآه يموج تحت يده، علم أنه أنثى. قال والمكان الآخر أن يمس طرف اللحى، فإن وجده لطيفا، علم أنه أنثى. وإن وجده جائسا، علم أنه ذكر، ومن ذلك قول عتيبة بن مرداس. ويقال له ابن فسوة: تطالعُ أهلَ السُّوقِ والبابُ دونها ... بمستفلك الذّفْرَى أسيلِ المُذَمَّرِ قوله تطالع أهل السوق، وذلك لطول عنقها. وإنما يصف ناقة محبوسة في دار، فهي ترفع رأسها، فتشرف من فوق الحائط، وقوله بمستفلك الذفرى، قال: الذفرى ما خلف الأذنين، قال أبو عثمان: وأنشد الأصمعي للكميت: وأنسى في الحروب مُذَمَّريكم ... نتاجَ اليتن ما صِقةَ السليل يريد في حروب مخالفة، لا تنتج على استقامة. وإنما تنتج يتناً. قال واليتن الذي تخرج رجلاه قبل رأسه مقلوبا. يقول: فلا أدري أذكر هو أم أنثى، يضرب مثلا للأمر الذي لا يهتدى له، كما قال الكميت: وقال المُذَمِّرُ للناتجين ... متى ذُمِّرَتْ قبلي الأرْجُلُ الزيادة إلى هنا قال: فبايعه على خلع سليمان الحجاج بن يوسف، وقتيبة بن مسلم. قال: ثم طعن في نيط الوليد - يعني مات. كما تقول: طُعن في جهازه،

وذلك إذا مات. قال: ونيط واحد وجمعه نياط - قال فقام سليمان بن عبد الملك يوم السبت للنصف من جمادى الآخر - قال، وقال أبو الحسن المدائني، للنصف من ربيع الآخر - سنة ست وتسعين، فخافه قتيبة، فخرج غازياً حتى لحق بفرغانة في الناس، وخلف حماد بن مسلم على مرو، قال: وبعث رسولاً إلى سليمان بثلاثة كتب، وقال لرسوله: إذا دفعت إليه الكتاب الأول، وكان فيه وقيعة في يزيد بن المهلب، يذكر غدره وكفره وقلة شكره، فإن قرأه ودفعه إلى يزيد، فادفع إليه هذا الآخر، وكان فيه ثناء على يزيد، فإن قرأه ودفعه إلى يزيد، فادفع إليه هذا الكتاب الثالث، وكان فيه "لئن لم تقرني على ما كنت عليه، وتؤمني لأخلعنك خلع النعل، ولأملأنها عليك خيلا ورجالا". قال: فدفع الأول إليه، ويزيد عنده، فلما اقترأه، دفعه إلى يزيد. فدفع إليه الكتاب الثاني، فلما اقترأه، دفعه إلى يزيد أيضاً. قال: فدفع الكتاب الثالث إليه فلما اقترأه، وضعه بين مثالين من المثل التي تحته، ولم يحر في ذلك مرجوعا. قال: ولم يشك الناس أنه مستعمل يزيد بن المهلب. قال: وقد كان في نفس يزيد على قتيبة ما كان، لبعثه الحجاج إياه عليهم إلى خراسان، فرهب أيضا ذلك. قال سعدان، قال أبو عبيدة، قال أبو مالك: وكان قتيبة لا يزال يلقي الكلمة بعد الكلمة، يستطلع بذلك آراء الناس ولا يعالنهم، فقال يوما: هذه وفود الشام تقدم عليكم في البيعة، فقولوا: لا نبايع إلا على أن يقسم فينا فيئنا، ولا تغزونا مرابطات أهل الشام. فقال جدي وكيع: أنت الأمير، فابدأ فقل، ثم نقول نحن، فقال له قتيبة: اسكت لا أم لك. ومن سألك عن هذا؟ قال: أنت آمرتنا فأجبتك. قال: وكانت فيه عليه غلظة، فعزله عن رئاسة بني تميم، وجعل عليها ضرار بن حصن بن زيد الفوارس الضبي، ثم قال لهم يوما: استخلف عليكم يزيد بن ثروان، والناس يومئذ عرب، فعرفوا أنه

عنى هبنقة، فشبه سليمان به، وهذا كله ابتيار منه للناس - يريد اختبار منه للناس - ليدعوهم إلى خلعه، فلما لم يجب إلى ذلك، قام فيهم خطيبا، وهو عاتب عليهم، قال: فعرض ولم يصرخ بالخلع وعاب القبائل وحضهم. قال، وقال أبو عبيدة، قال زهير: وحدثني أبو نعامة، أنه قال: وقد كان مدد من الأعراب أمد بهم من الهند وجزائر البحر فقال: "يا أهل السافلة، ولا أقول أهل العالية، إنما أنتم أو شاب من أو شاب كأبل الصدقة جمعت من كل أوب، يا بكر بن وائل، يا فراش النار وذبان الطمع، بأي يوميكم تخوفوني، أبيوم سلمكم أم بيوم حربكم؟ فو الله لأنا أعز منكم في الفتنة، وأمنع منكم في الجماعة، يا بني ذميم، ولا أقول يا بني تميم، يا أهل الغدر والقصف - يعني الضعف والخور - كنتم تسمون الغدر في الجاهلية كيسان، يا عبد القيس يا معشر الفساة، يا عبيد الكراب، ورعاء البقر، وسواق الحمير، خليتم إبار النخل وحصد الزرع، وارتبطتم الحصن وركبتموها بعد طول الترقي في النخل، يا معشر الأزد والله لانتم بأعنة السفن، ولبس التبابين، وجذب أعنة السفن، أحذق منكم بأعنة الخيل، رفضتم المرادي، وأخذتم الرماح، والله إنها لبدعة في الإسلام، والأعراب وما الأعراب! ولعنة الله على الأعراب، جمعتكم من منابت القرظ، والشيح، والقيصوم، ومنابت الغاف - وهو الينبوت - والقاتل، ومن جزيرة عمان، ومن جزيرة ابن كاوان، تركبون البقر، وتاكلون القضب، حتى إذا اجتمعتم اجتماع قزع الخريف، فحملتكم على الخيل وسلحتكم، وفتح الله لكم البلاد، وقلتم وقلتم كيت وكيت، وذيت وذيت. كلاَّ والله، إنه ابن أبيه، وأخو

أخيه، العصا من العصية حول الصلبان الزمزمة - نبت يعجب الإبل تزمزم حوله وتدور - لأعصبنكم عصب السلمة، يا أهل خراسان، والله لئن شئتم لتجدني غشمشما، أغشى الشجر مثل البعير يمر بالشجر فيدقه لا يبالي. ألم أكن أيمن عليكم نقيبة من حنيف الحناتم - وكان أحسن الناس قياما على إبله فضرب به المثل - من تيم اللات بن ثعلبة؟ ألم أكن أغزيكم قبل الشتاء، وأقفلكم قبل الفراء، يا أهل العراق، انسبوني من أنا، والله لتجدني عراقيا ابن عراقي، الشام أب مبرور، والعراق أب مكفور، حتى متى يتبطح أهل الشام في أفنيتكم وظلال دياركم، إن هاهنا نارا حمراء فارموها أرم معكم، أرموا غرضكم الأقصى فقد استخلف عليكم أبو نافع ذو الودعات. يا أهل خراسان، أتدرون لمن تبايعون. تبايعون يزيد بن ثروان! كأني بأمير فتى قد أتاكم فأكل فيئكم وسامكم سوء العذاب. سميت هذا النهر معتقا - يعني نهر بلخ - إنَّ امرءاً عرف اليمامةِ قلبُهُ ... أعطى الملوكَ مقادَةً لمضِلل ويروى كلها أعطى - يا أهل خراسان، أما تذكرون ما كنتم فيه، وما أنتم اليوم فيه. فتحمدون الله على ما أصبحتم فيه، فقد وليتكم الولاة قبلي وجربتموهم، فاذكروا كيف كنتم كيف كانت حالكم في الفرقة بالأمس - يعني عبد الله بن خازم السلمي - ثم أتاكم أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فكان كاسمه أمية الرأي، كان في رأيه ودينه وعقله كاسمه - أي أمة صغرت أمية - أمية الدين أمية العقل في قرب أثره، لم يفتح أرضا، ولم ينك عدوا، وزعم أن جبايتها لا تكفي بطنه، فكتب إلى خليفته: إن خراج خراسان لو كان في مطبخه لم يكفه. ثم أتاكم بعده المهلب، فدوَّم بكم أبو سعيد ثلاث سنين، لا

تدرون أفي معصية أنتم أم في طاعة، لم يجب مالا، ولم يستفئ فيئا، ولم ينك عدوا، ثم بنوه من بعده، كأطباء الكلبة، منهم ابن دحمة حصانا تبارى له النساء صباح مساء. وجئتكم أنا، فانظروا كيف نعمة الله اليوم منها قبل ذلك، وأين ما أنتم فيه اليوم مما كنتم فيه قبل؟ ألست أعظم منا عليكم من حنيف الحناتم؟ ألست أغزيكم فلا أجمركم - معناه لا أحبسكم - فقد ترون ما أصبحتم فيه، إن الظعينة لتخرج من مرو إلى سمر قند في غير جوار، فأرم القوم سكوتا، ما يحير أحد منهم جوابا. ثم قال: يا معشر أهل خراسان أتيتكم وأنتم رجلان، رجل عند جرته - قال أبو عبد الله جرته بفتح الجيم - إن هدرت هدر، وإن استقرت استقر. عليكم يزيد بن المهلب، لا بل ينقص لا يزيد، حمارا نهاقا ينهق كلما برق له الصبح نهقة أو اثنتين، ثم التفت فإذا حوله من الصغد - والسغد يقال بالسين والصاد - أربعة آلاف في الحديد، فقال: والله إن في هؤلاء لمنتصرا للدين، ومقارعة عن حريم المسلمين، قال: ثم نزل فدخل رواقه ولبس قميصا وملحفة سابريين، ثم أمر بأبناء السغد، يعرضون عليه في السلاح، معهم السيوف والخناجر ن وقد قتل آباءهم. قال: فعرض عليه أربعة آلاف منهم، ثم قال: ذهب الفتك من السغد سائر الدهر. كأنه استقتل، فهمت به القبائل جمع. قال: وقد كان بعث إلى ذراري الذين معه ليحوزهم إلى مدينة سمر قند دون فرغانة، ويأخذهم رهائن، فحشرهم حماد بن مسلم خليفته قال، وقال زهير بن الهنيد فحدثني عمي المهلب ابن إياس بن زهير بن حيان بن قميئة، أنه لما بعث إلى ذراري من معه، منع الناس وقطع نهر بلخ ن وبين عسكره وبين المفازة سبعون فرسخا، واستعمل على ذلك مولى له يقال له بندة الخوارزمي، فنزل دون النهر إلى العراق، وجمع المعابر فحرقها. قال زهير وكان مع قتيبة

أبي إياس بن زهير، وعماي عبيد الله بن حيان وعبد الله ابنا زهير بن حيان بن قميئة، فقال أبي: أصلح الله الأمير، قد عرفت نصيحتي لك، وانقطاعي إليك، ولم أشعر بما أردت ولم يعلمني الأمير ولم أكن أعلم بالذين بعثتهم إلى ذراريهم، وإن لي أصيبية صغارا، وضيعة ومالا، وليس لهم من يغني شيئا ولا يجزي، فإن رأى الأمير أن يأذن لابني الهنيد فيكتب له جوازا، فيضم مالي وضيعتي، ويحمل صبيتي فليفعل. فكتب له قتيبة بيده، وكذلك جوازه بخط يده قال، فقال الهنيد: فأقبلت من عسكره وحدي ما أرى أحداً يتحرك حتى قطعت المفازة من خوفه، فلما وقفت على شط نهر بلخ مما يلي فرغانة، ألمعت بسيفي ليروني من الجانب الآخر، فيعلموا أني رسول فيأتوني بالمعبر، قال: فلما ألمعت قطع إلي نفر في المعبر، فقالوا: من أنت؟ قال: فانتسبت وقلت: رسول الأمير، فرجوا فأخبروا مولى قتيبة الخوارزمي، بقولي واسمي ونسبي، وعرفوني. قال: فردهم فرجعوا يحملونني، فحملوني فأتيته في قصره، حتى إذا دخلت عليه في يوم قائظ، وقد أمعرت من الزاد، وطال يومي، وأنا شاب أتضرم ولا أصبر، قال: فإذا خوانه مهيأ ليؤتى به، فلولا الحياء لملت إلى الخوان فرجوت أن يعجل به خادمه، قال: فأقبل يستخبرني فيم وجهت، فقلت: في حاجة للأمير مكتومة، وأقبل يستخبرني الأخبار وعن حال الناس، قال: ولهى عن الغداء، وأقلقني الجوع، فلما طال على ذلك قلت لوصيف له: هلم ذلك الخوان، قال هو حينئذ قربه إليه. فجعلت آكل وهو يسألني وأنا أحدثه. فقال زهير بن الهنيد، وجهم وأبو مالك: فأبرمت اليمانية أمرها، وأجمعت رأيها على الخروج عليه، والنهض به على قتله، فلما تبايعت على ذلك، وكانوا أول الناس فعل ذلك، قالوا: لو دعونا حلفاءنا

وأدخلناهم في أمرهم، قال: فأتوا الحضين بن المنذر. قال أبو عبد الله: كل اسم فهو الحصين بالصاد غير معجمة غير هذا فإنه بالضاد معجمة، وهو صاحب رايه قومه يوم صفين. وقد روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فعرضوا ذلك عليه، ودعوه إلى أن يدخل فيما دخل فيه الناس، فقال الحضين: هل دعوتم إلى أمركم هذا أحداً من بني تميم؟ قالوا: لا ولا نريد إدخالهم في هذا الأمر، ولا إطلاعهم عليه، قال: قد عرفتم أن بني تميم أعد أهل خراسان رجلا عربيا، ومتى تريدوا هذا الأمر يكونوا أشد الناس عليكم، فلا يغرنكم ما كان بينهم وبين قتيبة، فانكم إن لم تدخلوهم في هذا الأمر، لم يسلموه أبدا، فإن نصرته تميم تجمعت له مضر، وإن اجتمعت مضر، وقد علمتم أن العجم جنود خراسان وبيت المال معهم. والمال لهم والسلطان لهم. لم ير بعضنا مصرع بعض، ثم قال لهم: لست من هذا ولا جملي ولا رحلي، أنا أول لاحق بقتيبة حتى ينجلي هذا الأمر، فقالوا لا وحشة بنا إليهم، فرجعوا عنه ولم يجبهم. قال زهير: فتدافعوا، لا يتقلدها أحد اتقاء ألا يتم الأمر هيبة لقتيبة، قال: وكان قتيبة أشد سلطانا من الحجاج، وهيبة في صدور الجند. قال: وكان الحجاج استعمله على فرض أهل الكوفة إلى خراسان. وكان أبوه زحر بن قيس من وجوه أصحاب عليّ - رضي الله عنه - قال: واستعمل سعد بن نجد من الجراميز ابن الحارث بن مالك ابن فهم من الأزد، على فرض أهل البصرة من الأزد إلى خراسان. فلما عرس أمرهم - أي عسر - قالوا: لو أتينا الحضين فأشار علينا. فأتوه فقالوا له: ما الرأي؟ فقال: الرأي عندي أن تأتوا الأهوج من بني تميم - يعني وكيع بن سود - فتقلدوه هذا الأمر - وقال جهم: فإن تأتوا هذا الرجل من بني تميم - فإنكم إن قلدتموه هذا الأمر، أعانته تميم أو كف عنكم من لم يرد نصره - وقال جهم: أو كف من لم يعنه - فلم ينصر

قتيبة، فإن انصرفت تميم عن قتيبة انصرفت مضر وتخاذلت. وإن نصر قتيبة بعضهم كنتم قد ألقيتم بأسهم بينهم، فإن ظفرتم فهو ما طلبتم، وإن لم يتم هذا الأمر كان البلاء بهم، ولم يستحر الشر إلا ببني تميم. قال فأتوا وكيعا فيابعوه، وأخذ منهم الطلاق والعتق، وجعل يأتي الفقير عبد الله بن مسلم، فيشرب عنده إلى هدء من الليل ثم يرجع، قد واعدهم تلك الليلة بعد رجعته، فيأتيه الناس فيبايعونه على الطلاق والعتق، وجعل يأتي شباب بني مسلم ويشرب معهم، ويتساكر، وليس به سكر حتى فشا ذلك في الناس وعرفوه، فقال ضرار ابن حصين الضبي، رأس بني تميم لقتيبة، وخبره بكل ما كان من أمرهم، فقال له عبد الله بن مسلم، إنه عندي وعند شبابنا يخرج كل ليلة سكران ما يبت سكراً، قال فاكذب عنه، وجل وكيع يأتي أهل مسلم، ولا يجهد الشراب، ويتساكر عليهم. قال: وربما تناوم، وربما راهم أن الشراب قد غلبه، حتى يحمل إلى منزله في كساء، فجعل أمره يستبين، ويأتي ضرار بذلك قتيبة من أمره، حتى كاد يأخذ ذلك في قتيبة. قال: وكان عبد الله لا يصدق أن وكيعاً يفعل شيئا تلك الساعة لما يراه به. قال: فقال ابعث من ينظر إليه، فبعث قتيبة فوجده عند عبد الله سكران، فرجعوا فأخبروا قتيبة. قال: فتراخى عنه حتى أشعلها عليه، فأتى ضرار قتيبة. فقال برئت إليك من جناية وكيع، فقد دسست اليه ابن عمي ضرار بن سنان الضبي فبايعه، قال: ووضح أمر وكيع، وقام ابن توسعة فقال: تنمَّرْ وشَمِّرْ يا قتيبَ بنَ مسلمٍ ... فإن تميما ظالمٌ وابنُ ظالمِ ولا تأَمنَنَّ الثائرينَ ولا تنَمْ ... فإن أخا الهيجاءِ ليس بنائمِ ولا تثِقَنْ بالأزدِ فالغَدرُ منهمُ ... وبكرٍ فمنهم مُسْتحلُّ المحارمِ وإني لأخشى يا قتيبَ عليكُمُ ... معرَّةَ يومٍ مثلِ يومِ ابنِ خازمِ

قال، فقال له قتيبة: صدقت اجلس، فبعث إلى وكيع عبد الله بن رألان، وهو رجل من عدي الرباب. فقال له: قل له، لتأتيني، أو لأبعثن إليك من يأتيني برأسك. قال أبو مالك: فوجد قد طلا ساقيه وجسده بصندل أحمر، وعلَّق على ساقيه كعوب ظباء وخرزا، قال ابن رألان: فجئته وقد طلا ساقيه بمغرة الجأب، وإذا عنده رجلان من طاحية بن سود من الأزد يرقيانه من الشوكة، قال جهم: وقد علق على ساقيه مع الطلاء كعوب ظباء وخرزا، قال ابن رألان: فأبلغته ما قال قتيبة. فقال وكيع: بي الشوكة ولا أقدر على المجيء أما تراني مريضا؟ قال: فأتيت قتيبة بما قال وكيع. قال: فأرسل اليه صاحب شرطه ورقاء بن نصر الباهلي، من بني قتيبة بن معن، وأخاه صالح بن مسلم وأمرا لخيل، فركبت إليه معهما، فقال: إن أجاب وإلا فأتياني برأسه، فقد حذرني الحجاج غدر بني تميم. قال فدخل عليه فقال له: أجب الأمير وإلا احتززنا رأسك. قال: نعم، أصب عليَّ ماء من هذا الطلاء، قال: فدخل حجرة له، فشن عليه الدرع، ثم خرج من كفاء الخباء، قال زهير: وكان عند وكيع ثمامة ابن ناجية من عدي الرباب، فقال ثمامة: فدعا بماء فغسل المغرة عن ساقيه وأمرني، فقال: ناد يا خيل الله اركبي إلى وكيع وأبشري، قال ثمامة: فدعوت بما أمرني به من نواحي العسكر، قال ثمامة: فكان أول من تجمع إليه مائة من بني العم، مرة بن مالك بن حنظلة. قال أبو مالك: كان أول من ثاب إليه ابن أخيه إسحاق بن محمد في خمسة عشر فارسا من أهله مجففة. قال: وتقاعس الناس بعض التقاعس، وتربصوا. قال: فأمر إسحاق أن يحرق، يريد بذلك أن يشغلهم ويرهبهم ويريهم أنهم كثير، ولينشط أصحابه فيخرجوا. قال: فثاب الناس واجتمعوا. قال أبو الخنساء: فخرج وكيع فرأى رجلا

اجتهره، فقال: من أنت؟ قال: بشر بن غالب. قال: ممن؟ قال: من بني أسد. قال: خذ الحربة فأخذها، فسار بها حتى طعن قتيبة فجعل وكيع يرتجز ويقول: شُدَّا عليَّ سُرَّتي لا تنقلف ... يومٌ لهمدانَ ويوم للصُّدَف ولتميم مثلُها أو تعترف قال أبو عبد الله: للصدَف بفتح الدال، قال: ولقي سليمان الضبي صالح بن مسلم فرماه فأثقله، قال: وزعمت الأزد أن زياد بن عبد الرحمن، أخا لمدرك بن شريك بن مالك بن فهم حمل على صالح بعد ذلك، فطعنه فقتله. قال: حظارا فيه بخاتيه، وأطافوا به قال: وهرب عبد الله بن مسلم فقُتل في هربه، وقتل عبد الرحمن بن مسلم أخو قتيبة، قتله قصاب، قال زهير: ولم يبق من بني تميم معه، غير إياس بن زهير بن قميئة، وعبد الله بن رألان العدويين، فإنهما وفيا له فلم يزالا قاعدين معه في فسطاطه، حتى أتى إياس بن زهير أخواه عبد الله وعبيد الله ابنا زهير، فأخذا بضبعي إياس أخيهما وقالا، حتى متى تكون مع قيس وقد أسلمت أنفسها؟ قال: وقتيبة يرى ما يصنعان ويسمع قولهما، فأخرجاه. قال أبو مالك: فلما قيل لقتيبة إن وكيعا قد تجمع إليه أصحابه، قال هريم بن أبي طحمة: هذا الباطل أنا أجيئك به. قال: فوليت غير بعيد، فسمعتهم يقولون لا تدعه فيلحق بوكيع، ولن يرجع إليك. قال: فغمزت فرسي برجلي المتوارية عنهم، ونوديت فتصاممت حتى فت القوم. قال أبو مالك ك فجاء إليَّ ما حيال وجهه، من صف أصحاب وكيع، فجعل يضرب وجوه خيلهم برمحه، ويقول: سووا

صفوفكم، ولم يأت وكيعا، قال، وقال عمر بن عبد الله بن أبي بكرة، قال، قال بشير بن عبد الله: فلما أطافوا بفسطاطه، دعا ببرذون له مدرب، كان يتطير إليه في الزحوف. ودعا بعمامة كان يعتم بها، فقرب البرذون إليه ليركبه، قال: فجعل البرذون يقمص به حتى أعياه، قال: فلما رأى ذلك، عاد إلى سريره فقعد عليه، فقال: دعوه فإن هذا أمر يراد، قال: وجاء حيان النبطي، وكان قائد العجم، وكان مولى بكر بن وائل، فقال: أنا أكفيكم العجم، فقال لهم: ما لكم وللعرب تهرقون دماءكم فيما بينهم، دعوهم يقتل بعضهم بعضا، واعتزلوا شرهم. قال: فمالوا براياتهم، فقال قتيبة لجعفر بن جزء الوحيدي: يا أخا بطحاء أين قومك؟ قال: حيث جعلتهم. قال بشير فغشوا الفسطاط، ثم قطَّعوا أطنابه علينا، فلولا سريره لقتلنا، ولكن السرير رد عادية الفسطاط عنا، قال زهير، فقال جهم لسعد انزل فحزَّ رأسه. قال: وقد أثخن جراحا. فقال: أخاف أن تجول الخيل جولة. فقال: أتخاف وأنا إلى جنبك، فنزل سعد فشق عنه صومعة الفسطاط - ويروى صوقعة - فاحتز رأسه فغيبه فقال الحضين بن المنذر: وإن ابنَ سعدٍ وابنَ زَحْرٍ تعاورا ... بسيفِهما رأسَ الهمامِ المُتَوجِ وما أدركت في قيسِ عيلانَ وِتَرها ... بنو مِنْقَرٍ إلاَّ بأزدٍ ومِذحجِ عَشِيَّةَ جئنا بابنِ زَحْرٍ وجئتُمُ ... بأدغَمَ مَرقومِ الذراعينِ دَيْزَجِ أصَمُّ غُدانيٌّ كأَنَّ جبينَه ... لطاخةُ نقسٍ في أديمٍ مَمجْمَح قال ك وصوقعة الفسطاط رأسه الذي فيه العمود. قال: فقتلوه سنة ست وتسعين وقتل من بني مسلم أحد عشر رجلا. قال: فصلبهم وكيع. سبعة منهم لصلب مسلم، وأربعة من بني أبنائهم، وهم: قتيبة، وعبد الرحمن، وعبد الله الفقير، وعبيد الله، وصالح، وبشار، ومحمد.

هؤلاء بنو مسلم. وكثير بن قتيبة، ومغلس بن عبد الرحمن. قال ولم ينج من صلب مسلم غير عمرو، وكان عامل الجوزجان. وضرار، وكانت أمه الغراء بنت ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة، قال: فجاء أخواله فدفعوه حتى نجوه. قال ففي ذلك يقول الفرزدق: عشيةَ ما ودَّ ابنُ غراءَ أنه ... له من سوانا إذ دعا أبوان قال: وضرب أياس بن عمرو أخو مسلم بن عمرو على رقبته فعاش. فلما قتل مسلمة يزيد بن المهلب، استعمل على خراسان سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص، قال فحبس عمال يزيد، وحبس فيهم جهم بن زحر الجعفي، وعلى عذابه رجل من باهلة. فقيل له: هذا قاتل قتيبة فقتله في العذاب، قال: فلامه سعيد، فقال: أمرتني أن استخرج منه المال فعذبته، فأتى عليه أجله! قال: فصعد وكيع المنبر حين غيَّب الرأس فلم يحمد الله عز وجل، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: من ينك العير ينك نياكا وقال: أنا ابنُ خندفٍ تنميني قبائلها ... للصالحات وعمي قيسُ عيلانِ أين الرأس، والله لا أنزل حتى أوتى برأس سعد بن نجد، أو يخرج الرأس، قال: فأراد أن يبث الخيل على الأزد، فأتوا سعدا فانتزعوا الرأس منه، فأتوا به وكيعاً فهدأ الناس، قال: ثم إن وكيعا بعث برءوس بني مسلم، مع أنيف بن حسان بن بشير بن عدي التيمي، أحد بني ذكوان،

ومعه رجل من الأزد إلى سليمان بن عبد الملك. فقال جمانة بن عبد الملك، رجل من بني أوس بن معن بن مالك يرثي قتيبة: كأنَّ أبا حفصٍ قتيبةَ لم يَسِرْ ... بجيشٍ إلى جيشٍ ولم يعلُ منبرا ولم تخفق الراياتُ والقومُ حولَه ... وقوفٌ ولم يشهد له الناسُ عسكرا دعتْهُ المنايا فاستجابَ لربِّهِ ... وراح إلى الجنَّاتِ عَفاً مطهرا وما رُزِئَ الأقوامُ بعد محمدٍ ... بمثل أبي حفصٍ فبكيهِ عبهَرا ويروى وما رزيء الإسلام بعد محمد، وقال ثابت بن قطنة العتكي: ألم تَرَ أن الباهليَّ ابنَ مسلمٍ ... بفرغانةَ القُصْوَى بدارِ هوان تمورُ أسابِيُّ الدماءِ بوجهه ... وقد كان صعباً دائمَ الخطران الأسابي طرائق الدم، وقوله الخطران: أي كان يوعد ويهدد. وقال نهار بن توسعة التيمي في ذلك: أراد بنو عمروٍ لتهلكَ ضيعة ... فقد تُركت أجسادُهم بمضيعِ ستبلغ أهلَ الشام عنا وقيعةٌ ... صَفَا ذكرُها للحظليِّ وكيعِ وقد أسندت أهلُ العراقِ أمورَها ... إلى حاملٍ مما حمَّلوه منيع له رايةٌ بالثغرِ سوداءُ لم تزل ... تفضُّ بها للمشركين جموعُ مباركةٌ تَهدي الجنودَ كأنها ... عُقابٌ نَحَتْ من ريشها لوقوع على طاعةِ المهديِّ لم يبقَ غيرُها ... فَأُبنا وأمرُ المسلمينَ جميع على خيرِ ما كانت تكونُ جماعةٌ ... على الدين دينا ليس فيه صدوعُ

قال فأتاه دهقان بجام فضة فيه ورق، وبدابة، فأمره وكيع بدفعه إلى نهار بن توسعة، قال عبد الله بن عمرو ن من بني تيم اللات، فركب وكيع ذات يوم، فأتوه بسكران فأمر به فقتل. فقيل له: ليس عليه القتل، إنما عليه الحد، فقال لا أعاقب بالسياط، إنما بالسيف فقال ابن توسعة: كنا نُبَكِّي من الباهلي ... فهذا الغدانيُّ شرٌّ وشر وقال أيضا: ولما رأينا الباهليَّ ابنَ مسلم ... تَجَبَّر عَمَّمناه عَضْباً مهندا وقال الفرزدق يذكر وقعة وكيع: ومنا الذي سلَّ السيوفَ وشامَها ... عشَّيةَ بابِ القصرِ من فَرَغَانِ عشيةَ لم تمنع بنيها قبيلةٌ ... بِعِزِّ عراقيٍّ ولا بيمان عشيةَ ودَّ الناسُ أنهم لنا ... عبيدٌ إذ الجمعانِ يضطربان عشيةَ ما ودَّ ابنُ غرَّاءَ أنه ... له من سوانا إذ دَعا أبوان عشيةَ لم تستر هوازنُ عامرٍ ... ولا غطفانٌ عورةَ ابنِ دخان رأوا جبلا يعلو الجبال إذا التقت ... رءوسُ كبيرَيْهن ينتطحان رجالٌ على الاسلام إذ ما تجالدوا ... على الدين حتى شاع كل مكان وحتى دعا في سُورِ كلِّ مدينةٍ ... منادٍ ينادي فوقها بأذان فيُجزَى وكيعٌ بالجماعةِ إذ دعا ... اليها بسيفٍ صارمٍ وسنان جزاءٌ بأعمالِ الرجالِ كما جَزَا ... ببدرٍ وباليرموك فيءَ جنان

وقال الفرزدق أيضا في ذلك: أتاني ورحلي بالمدينة وقعةٌ ... لآل تميمٍ أقعدت كُلِّ قائمِ قال: ولم يكن الفرزدق برح المدينة، حتى جاءت وقعة وكيع، فقال جرير يجيبه: وإنَّ وكيعاً حين خارت مُجَاشِعٌ ... كَفَى شِعْبَ صَدعِ الفتنةِ المتفاقم قال سعدان، قال أبو عبيدة، قال أبو هشام، قال بيهس بن حاجب ابن ذبيان: وردَّ على سعدٍ وكيعٌ دماءَها ... حفاظاً وأوفَى للخليفةِ بالعهدِ ولما دَعَا فينا وكيعٌ أجابَهُ ... فوارسُ ليسوا بالرِّبابِ ولا سعد فوارسُ من أبناءِ عمروٍ ومالكٍ ... سراعٌ إلى الداعي سراعٌ إلى المجدِ ميامينُ لا كُشْفُ اللقاءِ لدى الوغَى ... ولا نُكُدٌ إن حُشَّتِ الحربُ بالنُّكْد قال أبو عبيدة، قال أبو هشام، وهو من بني العجيف بن ربيعة بن مالك بن حنظلة، فحج سليمان بن عبد الملك، فبلغه بمكة إيقاع وكيع بقتيبة، قال فخطب الناس بعرفات، فذكر غدر بني تميم، ووثوبهم على سلطانهم، وإسراعهم إلى الفتن، وقال: إنهم أصحاب فتن، وأهل غدر، وقلة شكر. قال: فقام الفرزدق وفتح رداءه فقال: يا أمير المؤمنين، هذا ردائي رهن لك بوفاء تميم، والذي بلغك كذب. فقال الفرزدق، حيث جاءت ربيعة وكيع لسليمان بن عبد الملك: فِدىً لسيوفٍ من تميمٍ وَفى بها ... ردائي وجلَّت عن وجوه الأهاتِم

قال أبو مالك: فخبرني محمد بن وكيع، قال فكنت فيمن أشخص حماد بن مسلم من مروفي الذراري، فإذا نفر على البريد، فقالت امرأة معنا: لو ركبت راحلتي، وتحولت عن سرجك، فإني أخاف عليك. فأبيت وتنحيت عن الطريق، وبعثت غلامي يستخبر، فقالوا: قتل وكيع قتيبة. فقال: هذا ابن وكيع، فمالوا إليَّ فلما دنوا مني سجدوا لي. قال زهير: ثم بعث بطاعته، وبرأس قتيبة إلى سليمان بن عبد الملك. قال: فوقع ذلك من سليمان كل موقع، فجعل يزيد بن المهلب لعبد الله بن الأهتم مائة ألف درهم على أن ينقر وكيعا عنده، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، والله ما أحد أوجب شكرا، ولا أعظم عندي يدا من وكيع، لقد أدرك لي بثأري، وشفاني من عدوي، ولكرامة أمير المؤمنين أعظم وأوجب عليَّ حقا، وإن النصيحة لتلزمني لأمير المؤمنين، إن وكيعا لم تجتمع له مائة عنان قط، إلا حدث نفسه بغدرة، خامل في الجماعة، نابه في الفتنة، فقال: ما هو إذن ممن أستعين به. قال: وكانت قيس تزعم أن قتيبة لم يُخلع. قال: فاستعمل سليمان ابن عبد الملك يزيد بن المهلب على حرب العراق، وأمره إن أقامت قيس البينة أن قتيبة لم يخلع فينزع يدا من طاعة، أن يقيد وكيعا به. قال فغدر يزيد بن المهلب فلم يعط عبد الله بن الأهتم المائة الألف التي كان جعلها له. قال: فلما قدم يزيد واسطا، وقد غدر بابن الأهتم، فلم يعطه ما كان ضمن له، وجه ابنه مخلد بن يزيد إلى وكيع. قال: فلما دنا جمع وكيع بني تميم وبلغه الخبر، فقال: أما لابن العبسية خصيان. إن هذا الغلام قد دنا، وهو قادم غدا عليكم مترفا أبلخ، فإن أطعتموني شددته وثاقا. قالوا: قد أراح الله من الفتنة، فما نصنع بالخلاف. قال: فقدم مخلد، فسلَّم له وكيع ما في يده. قال: فلما

قدم يزيد، قال له وكيع: ما يسرني أنك جبان. قال: لم؟ قال: لأنك لو كنت جبانا قتلتني! قال: فحبسه في سلسلة، فإذا قعد الناس أقعد خلف يزيد. قال: وكان رأي يزيد إهدار دم قتيبة، قال: وقال عمر بن عبيد الله: فشهد عنده بشير بن عبد الله بن أبي بكرة، أن قتيبة لم ينزع يداً عن طاعة، وأنه لم يخلع، وأنه قُتل مظلوما. قال: فأمر يزيد بحبس وكيع، فلم يفلت من يده، حتى أقرَّ له بموضع نهره، الذي في السبخة في الفرسخ الرابع من نهر معقل، فلم يزل في يده حتى حفره له، فقاده إلى سباخ وراء ذلك من ميسان وراء النخل الذي عليه سكة البريد، فهو اليوم يقال: نهر يزيد بن المهلب. قال ثم خلى سبيله. قال جهم: فلما قدم يزيد خراسان، قال: لا تدعوا أزديا إلا حضرني الليلة، فجُمعوا له، فلما كان السمر، دخلوا عليه، فقال: يا معشر الأزد، كنتم أذل خمس بخراسان، حتى أن الرجل من الحي الآخر، ليشتري الشيء فيتسخركم، فتحملونه له، حتى قدم المهلب وقدمت، فلم ندع موضعا يستخرج منه درهم، إلا استعملناكم عليه، وحملنا على رقاب الناس، حتى صرتم وجوها، وأخبرت أمير المؤمنين، أن أعز أهل العراق قومي، وكنتم أصحاب هذا الأمر، وقد بلغكم أني قد استعملت على العراق، فعجزتم أن تولوا أمركم رجلا منكم، يقوم لكم به، وأنتم أهل القرحة، حتى عمدتم إلى رجل من غيركم، فوليتموه أموركم، وقلدتموه شأنكم. فقام مخلد بن يزيد فقال: إن هذا اللحاء لا يأتي بخير، أتقول مثل هذا لأعمامك؟ قال: فضرب يزيد برجله في صدره، فقال عبد الرحمن بن نعيم الأزدي: قدمت خراسان غير مرة، ووليتها وأنت أعلم بها منا، وقد علمت أن تميما أكثرها عربيا، وأن الجند بها أربعة وعشرون ألفا معهم، وبيت المال والسلطان معهم، فإن تجمعوا، لم ير أحد منا مصرع صاحبه، فأردنا أن نفرق جمعهم، وننكئ عدونا، ثم لو كنت، أصلحك

الله، ببست لم تدركنا، فدع أنك بالشام. قال: وكان وصول التركي أبو ابن صول هذا، في قرية من أدنى قرى جرجان إلى خراسان، يقال لها دهستان، فكان يغير على قرى خراسان، فكتب يزيد إلى سليمان يستأذنه في غزوه، فأذن له، فغزاه، فأقام عليه سنتين حتى قتله. وافتتح جرجان وأقبل إلى البصرة، ولم يفتح شيئا غيرها، فمات سليمان قبل أن يدخلها يزيد، فأخذه عدي بن أرطاة فحبسه أيضا في المرة الثانية، وضن بما في يديه وجمع له. فقال نهار بن توسعة في ذلك: لقد صَبرتْ للذلِّ أعوادُ منبرٍ ... تقوم عليها في يديكَ قضيبُ رأيتُكَ لمَّا شِبْتَ أدرَكَكَ الذي ... يُصيبُ شيوخَ الأزدِحين تَشيب بخِفِّةِ أحلامٍ وقلَّةِ نائلٍ ... وفيك لمن عاب المَزونَ مُعيب ويروى وفيك لمن عاب المزون عيوب. المزون لقب. ويروى أخفة أحلام، وقلة نائل. قال أبو عبد الله: المزون قرية بالبحرين تنسب الأزد اليها. قال أبو عبد الله: لقبهم به نسبهم إلى قرية بعمان وهم نبط. قال، وقال الفرزدق: وكان يزيد كتب اليه من جرجان أن يأتيه: دعاني إلى جرجانَ والريُّ دونه ... لآتيه إني إذاً لزءُورُ لآتي من آل المهلَّبِ ثائرا ... لأعراضِكم والدائراتُ تدور سأبي وتأبى لي تميمٌ وربما ... أبيتُ فلم يقدِرْ عليَّ أمير قال: فلما قدم الفرزدق الكوفة، قال له عثمان بن المفضل: قد كان أُعد لك مائة ألف درهم، فقال لابنه لبطة: صدق، ولكن كان يقتلني، فما ينفعني منها بعد موتي. قال، وقال سعيد بن خالد: ثم قدم حيان

النبطي البصرة، يريد الحج، فتعرف مسلم بن الشمردل الباهلي تحته برذونا زردا، رآه تحته أيام عدي بن أرطاة، فضبث به - أي تشبث - فرفعهما إلى إياس بن معاوية، قاضي البصرة، قال: فجعل حيان ينفض بنائق قبائه ويقول: أخاصم في برذون ودم قتيبة في بركات قبائي! وأعان وكيع حيان وشهد له، فقال له إياس: مالك وللشهادات، إنما هي من صنعة الموالي، قال: وقيل لوكيع، إنه لا يقبل شهادتك، فقال: والله لئن ردها لأعلون رأسه بجرزي هذا. قال، وقال الزعل الجرمي في قتل عبد الله بن خازم، وفي قتل قتيبة بن مسلم، ويحض الأزد عليهم: أبعدَ قتيلينَا بمروٍ تعُدُّنا ... تميمٌ نسيبا أو ترجِّي لنا نصرا فنحن معَ السَّاعي عليكم بسيفِهِ ... إذا نحن آنسنَا لعظِمكُمُ كَسْرا ربيعةُ لا تنسى الخنادقَ ما مشت ... ولا الأزدُ قتلتُمْ سراتكُمُ قَسْرا ويروى سراتهم قسرا، قال: فهذا يدل على أن الأزد قد كانت مع ربيعة أيام ابن خازم، فأجابه جرير بن عرادة فقال: أَلمْ تُرِني أن الثريا تلومني ... وقبلَكَ ما عاصيْتُ لومَ العواذِل ألا حينَ كان الرأسُ لونين منهما ... سوادٌ ومخضوبٌ به الشيبُ شاملُ تقول: أَتَى يومُ القيامة فاصْطَنعْ ... لِنفسِكَ خيراً، قلت: إني لفاعِلُ كريمةَ قومٍ حمَلونيَ مجدَهم ... وإني لهم ما دمتُ حيّاً لحاملُ وقد قلتُ للزَّعْلَى لا تنطقُ الخنا ... فإني لم أفخر عليك بباطلِ متى تلقَنَا عند المواسمِ تحتقرْ ... سُليماً وتغمرْك الذرىَ والكواهلُ وترجعْ وقد قلَّدت قومَكَ سُبَّةً ... يعضُّون من مخزاتِها بالأنامل ومنا رسولُ اللهِ أُرسلَ بالهُدى ... وأنت مع الجَحَّادِ سحَّارُ بابلِ يعني المختار الثقفي.

ولم يجعل اللهُ النبوةَ فيكم ... ولا كنتُمُ أهلا لتلك الرسائِل ولكنكم رُعيانُ بِهمٍ وثُلَّةٍ ... تردُّون للمِعزَى بطونَ المسايلِ إذا الخيلُ ألوتْ بالنَّهابِ فَزِعتُمُ ... إلى حُفَّلِ الضَّراتِ قُمْر الجحافلِ إلى حَرَّةٍ سوداءَ تشوي وجوهَكم ... وأقدامَكم رمضاؤُها بالأصائلِ فإن كنتَ أزمعتَ المُهاداةَ فَالتَمِسْ ... مساعيَ صِدْقٍ قبلَ ما أنتَ قائلُ فإنك مُجريَ في الجيادِ فمُتعبٌ ... إلى أمدٍ لم تخشَهُ مُتماحِلُ وأنت حديثُ السنِّ مستنبطُ الثَّرى ... سقطت حديثاً بين أيدي القوابلِ وذاك ولم تسمع بأعورَ سابقٍ ... دقيقِ الشُّوى أرساغُهُ كالمغازلِ نصبتم لبيتِ اللهِ ترمون رُكنهُ ... وكان عظيماً رميُهُ بالجنادلِ ونحن حززنا من قتيبة أذنهُ ... وذاق ابنُ عجْلَى حدَّ أبيضَ قاصِل عشيَّةَ نحدوُ قيسَ عيلانَ بالقنا ... وهم بارزوا الأستاهِ حُدلَ الكواهلِ رجع إلى شعر الفرزدق: كأَنَّ رُءُوسَ النَّاسِ إذْ سَمعُوا بِهَا ... مُدَمَّغةٌ مِنْ هازمات أمَائِمِ ويروى هاماتهم بالأمائم. قوله: أمائم يعني مأمومة. قال: وهي الشجة تهجم على أم الدماغ. فِدىً لِسيوفٍ مِنْ تَميمٍ وَفَى بِهَا ... رِدائي وجلَّىْ عَنْ وُجُوه الأهاتِمِ وروى أبو عمرو: وفى بها وكيع وجلت، قوله: الأهاتم، يعني الأهتم بن سمي بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وقوله ردائي وجلت: يعني قوله لسليمان بن عبد الملك هذا ردائي رهن عن بني تميم. شَفينَ حَزازاتِ النُّفُوسِ ولَمْ تَدعْ ... عَليْنَا مقالاً في وفاءٍ للاَئِمِ أَبأُنا بِهمْ قتلِىَ ومَا فِي دِمائِهمْ ... وفاءٌ وهُنَّ الشَّافِياتُ الحوائِمِ

قال: الحوائم: العطاش، وهي التي تحوم حول الماء. قال: وتخفض الحوائم، كما تقول: الحسن الوجه، وهو القول. والمعنى: أن الحوائم هي الشاقيات لأنها حامت على دمائهم، كما تحوم الطير على القتلى حين أدركوا بثأرهم. جَزى اللهُ قَوْمِي إذْ أرادَ خِفَارتِي ... قُتيبةُ سَعيَ الأفضلينَ الأكارِمِ ويروى سعي المدركين. هُمُ سَمِعوا يومَ المُحصبِ مِنْ منىً ... نِدَائِي إذا التقَّتْ رفَاقُ الموَاسِمِ هُمُ طَلبوهَا بِالسُّيُوف وَبالقِنا ... وجُرْدٍ شَجٍ أَفواهُها بِالشَّكائِمِ قوله شج أفواهها، يعني عاضة بلجمها. وروى ابن الأعرابي: شحاً أفواهها أي فتح أفواهها بالشكائم وهي حدائد اللجام. تُقادُ وما رُدَّتُ إذا ما تَوهَّسَتْ ... إلى البأسِ بالمُستبسلينَ الضَّراغِمِ ويروى ترد. توهست وطئت وطئاً شديداً. ويروى بالمستلأمين. كَأنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ تَميماً إذا دَعتْ ... تَميمُ ولَمْ تَسمعْ بِيومِ ابْنِ خَازِمِ ويروى لم تعلم تميما، يعني عبد الله بن خازم السلمي صاحب خراسان ن قتله ابن الدورقية، وهو وكيع بن عمير القريعي. وقَبْلَكَ عجَّلْنا ابْنَ عَجْلى حِمامَهُ ... بِأسيافِنا يَصدعْنَ هامَ الجَماجِمِ ويروى وقبلك أعطينا ابن عجلى حسابه، أي قتلناه. يصدعن يشققن. قوله ابن عجلى: يعني عبد الله بن خازم وأمه عجلى وكانت

حبشية. قال: وابن خازم أحد أغربة العرب. قال: وأغربة العرب أربعة، منهم عنترة بن شداد العبسي وأمه زبيبة سوداء. ومنهم خفاف بن ندبة وأمه ندبة سوداء. ومنهم سليك بن السلكة وكانت أمه سوداء. قال أبو عثمان سعدان بن المبارك، وأما أبو عمرو الشيباني فقال: خفاف بن ندبة مكان ابن خازم. قال أبو جعفر: عبد الله بن خازم إسلامي لا يعد في الأغربة، ولو عددناه لوجدنا مثله في الإسلام كثيرا، ولكنهم عنترة، وخفاف بن ندبة، وسليك بن السلكة، والمنتشر بن قاسط الباهلي. وَما لَقِيتْ قَيسُ بنُ عَيلانَ وقعةً ... وَلا حَلاَّ يوْمٍ مِثْلَ يَوْمِ الأراقِمِ ويروى ولا خزي يوم. قال: والأراقم هم: جشم وهم رهط مهلهل. وعمرو بن كلثوم، وعمرو بن ثعلبة رهط الهذيل بن هبيرة، وخنش بن مالك، ومعاوية، والحارث بنو بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب. قال أبو عبد الله: ليس في العرب حُبيب غير هذا، بضم الحاء. وسائر ذلك حَبيب بالفتح. فأما جشم ومالك فهما يسميان الروقين. قال: وإنما سموا الأراقم، لأن حازيتهم - وهي الكاهنة - نظرت إليهم وهم صبيان، كانوا تحت دثار لهم، فكشفت الدثار فقالت: كأنهم نظروا إليَّ بعيون الأراقم. قال: والأراقم ضرب من الحيات، الواحد أرقم، والأنثى رقماء، فلذلك سموا الأراقم. عشيَّةَ لاقَى ابْنُ الحبابِ حَسابَهُ ... بِسنْجارَ أَنْضاءَ السُّيوفِ الصَّوارِمِ قال: وابن الحباب، يريد عمير بن الحباب السلمي، قتلته بنو تغلب

يوم سنجار بالجزيرة. والأنضاء الأخلاق القديمة. والصوارم القواطع. نَبحْتَ لِقَيسٍ نبحَةً لَمْ تدعْ لَها ... أنوفاً ومرَّتْ طيرُها بِالأشائِمِ ندمتَ على العِصيانِ لمَّا رأيتنَا ... كأنَّا ذُرَى الأطوادِ ذاتِ المَخارِمِ المخرم منقطع أنف الجبل. عَلى طاعَةٍ لَوْ أنْ أجبالَ طيءٍ ... عمدنَ بِهَا والهَضْبَ هَضْبَ التهائِمِ لينقُلنَهَا لَمْ يستطِعْنَ الَّذِي رَسا ... لَها عِنْدَ عالٍ فَوْقَ سبعينِ دائِمِ يعني بسبعين السموات السبع والأرضين السبع. رساثبت وألقيتَ مِنْ كفيكَ حبلَ جماعةٍ ... وطاعةَ مهديٍّ شَديدِ النَّقائِمِ فإن تَكُ قيسٌ في قُتيبةَ أُغضبتْ ... فلاَ عطسَتْ إلاَّ بأجدعَ راغِمِ وَما كان إلاَّ باهِليَّاً مُجدَّعا ... طغَى فسقيناهُ بكأسِ ابنِ خازِمِ ويروى مسلطا. ويروى بكأس علاقم. لقدْ شَهدتْ قيسٌ فَما كانَ نصرُهَا ... قُتيبةَ إلاَّ عضَّهَا بالأباهِمِ فإن تقعدُوا تقعُدْ لئِامٌ أذلَّةٌ ... وإنْ عُدتُمْ عُدنْا ببِيضٍ صَوَارم ويروى فإن تقعدي، وإن عدت عدنا بالسيوف الصوارم. ويروى فإن عدتم عادت ظباة الصوارم. ويروى سيوف الصوارم. أَتغضبُ أَنْ أُذنَا قُتيبةَ حُزَّتَا ... جهاراً ولَمْ تغضبْ ليوْمِ ابِنْ خازِمِ ومَا مِنهُمَا إلاَّ بعثْنا برأسِهِ ... إلى الشَّأم فَوقَ الشَّاحجاتِ الرَّواسِمِ

ويروى نقلنا دماغه. وروى عطوة وأبو الجراح وما منهما إلا ملخنا دماغه. تذبذبُ في المخِلاةِ تحتَ بُطونِها ... مُحذَّفَةَ الأذنابِ جُلحَ المقادِمِ يعني بغال البريد. جلح لا نواصي لها. ستعلَمُ أيُّ الوادييِن لَهُ الثَّرى ... قَدِيماً وأولى بالبُحُورِ الخَضارِمِ ويروى به الثرى ومن هو أولى قال: وهذا البيت للشمردل بن شريك اليربوعي فلما سمعه الفرزدق. قال والله لتدعنه أو لتدعن عرضك، فقال خذه لا بارك الله فيه. فَمَا بينَ مَنْ لَمْ يُعطِ سمعاً وطاعةً ... وبينَ تميمٍ غيرُ حزِّ الحلاقِمِ وكانَ لهُمْ بومانِ كانَا عليهمُ ... كأيَّامِ عادٍ بالنُّحوسِ الأشائِمِ قوله يومان كان لقيس يوم ذي نجب ويوم الوتدات. ويومٌ لهُمْ مِنَّا بحِّومانةَ التقتْ ... عليهِمْ ذُرى حوماتِ بَحْرٍ قماقِمِ تَخلَّى عَن الدُّنيا قُتيبةُ إذْ رأى ... تَميماً عليهَا البيضُ تحتَ العمائِمِ غداةَ اضمحلَّتْ قيسُ عيلانَ إذْ دَعا ... كَما يضمحلُّ الآلُ فوقَ المخَارِمِ لتمنعهُ قيسٌ ولا قيسَ عِندهُ ... إذا ما دَعا أو يرتقِي في السَّلالِمِ تُحرِّكُ قيسٌ في رءوسٍ لئيمةٍ ... أنُوفاً وآذاناً لئَامَ المصالِمِ قال: المصالم أنوفها ومجادعها. يقول: هم مقاريف فأنوفهم لئيمة

من بين أخثم وأفطس، والمصالم هو مشتق من الصلم ومنه قولهم اصطلمهم الموت. إذا قطع أصلهم فلم يبق منهم أحد. ولمَّا رأينَا المُشركِينَ يقُودُهُمْ ... قُتيبةُ زَحْفاً في جُمُوعِ الزِّمَازِمِ قوله الزمازم يعني المجوس لأنه استعان بهم في حربه. قال أبو سعيد: الزمزمة جماعة من الناس وأبطل المجوس. ضَرَبْنَا بِسيفٍ في يمينكَ لَمْ نَدعْ ... بِهِ دُونَ بَابِ الصِّينِ عَيْناً لِظَالمِ بِهِ ضَربَ الله الذَّينَ تحزَّبوا ... ببدْرٍ عَلَى أعناقِهِمْ والمَعاصِمِ فإن تَميماً لَمْ تكُنْ أُمُّهُ ابتغتْ ... لهُ صِحَّةً في مَهْدِهِ بالتَّمائِمِ قال أبو عبد الله: يقال إنه ولد وقد نبتت ثنياته فأكل. يقول لم تعلق عليه أمه التميمة التماس الصحة. كَأَنَّ أكُفَّ القَابِلاتِ لأمِّهِ ... رَمينَ بِعاديِّ الأسودِ الضِّراغِمِ وروى أبو عبيدة: بعاد من شبول الضراغم، يقول: كأن أكف قابلاته رميت بأسد عاد. تَأزَّرَ بَيْنَ القابِلاتِ ولَمْ يكُنْ ... لَهِ توأمٌ إلا دهاءٌ لِحازِمِ يقول ساعة ولد قام فاتزر وهو بين القوابل، وكان توأمه الذي ولد معه الدهاء والحزم. وضَبَّةُ أخْوالي هُمُ الهَامَةُ الَّتي ... بِهَا مُضَرٌ دَماغَةٌ للِجَماجِمِ إِذا هِي مَاسَتْ في الحَدِيدِ وأعلَمَتْ ... تَميمٌ وجاشَتْ كالبُحُورِ الخَضَارِمِ فَمَا النَّاسُ في جميعهمُ غيرُ حِشَوةٍ ... إذا خَمَد الأصواتُ غيرَ الغَمَاغِمِ

كَذبتَ ابنَ دِمْنِ الأرضِ وَابْنَ مَراغِهَا ... لآلُ تَميمٍ بِالسُّيُوفِ الصُّوَارِمِ ويروى بالرماح الغواشم. جَلوْا حُمماً فوقَ الوُجوهِ وأنزلوا ... بِعيلانَ أيَّاماً عِظامَ الملاحِمِ فَما أنْتَ مِنْ قيسٍ فتنبحَ دُونها ... ولاَ مِنْ تميمٍ في الرءوس الأعاظمِ ويروى عنهم بدل دونها. ويروى في الذرى والغلاصم. وإنَّكَ إذْ تهْجو تُميماً وترتشِي ... تباينَ قيسٍ أو سُحُوقَ العَمائِمِ كمُهْرِيقِ ماءٍ بِالفلاةِ وغرَّهُ ... سرابٌ أثارتْهُ رِياحُ السَّمائِمِ ويروى نجوم السمائم. ويروى لكما لمهريق الماء لما جرى له، ويروى سراب أذاعته وأذابته. بَلَى وأبِيكَ الكَلْب، إنِّي لعالِمٌ ... بِهِمْ فهُمُ الأدنْونَ يوْمَ التَّزاحُمِ ويروى الأعلون تحت التخاصم. فَقَرِّبْ إلى أشياخِنا إذْ دَعَوتهُمْ ... أباكَ ودَعْدِعْ بالجْداءِ التَّوائِمِ لعَمرِي لَئِنْ قيسٌ أمصَّتْ أيُورَها ... جريراً وأعطتهُ زُيُوفَ الدَّراهِمِ لَكمْ طبقْنَ مِنْ قيسَ عيلانَ مِن حِر ... وَقَدْ كانَ قَبقاباً رِماحُ الأراقِمِ فمنهن عِرْسُ ابْنِ الخُباب الَّذي ارتمتْ ... بأوصالِهِ عُرْجُ الضِّباعِ القَشاعِمِ تظلُّ النَّصارَى مُبركينَ بنَاتِهمْ ... عَلى رُكبٍ مُقِّ الرُّفُوغِ الخَلاجِمِ إذا غابَ نصرانيُّهُ في حنيفها ... أهلَّتْ بحجَّ فَوْقَ ظهرِ العجارمِ

أي هي مسلمة وذلك نصراني. أبو جعفر حنيفها. وسعدان جنينها. قال وجنينها الذي تجنه هو فرجها. والعجارم الذكر الغليظ. وهَلْ يا ابْنَ ثَفرِ الكلْبِ مِثلُ سُيوفِنا ... سُيُوفٌ ولا قَبْص العدِيدِ القَمَاقِمِ فَلَوْ كُنْتَ مِنْهُمْ لَمْ تعِبْ مِدْحتي لهُمْ ... ولكِنْ حمارٌ وشْيهُ بِالقوائِمِ منعتَ تمِيماً مِنكَ إنِّي أنا ابنُها ... وراجِلُها المعروفُ عِندَ المواسِمِ ويروى ووافدها. ويروى وشاعرها. أَنا ابْنُ تَميمٍ والمُحامِي وراءَها ... إذا أسلمَ الجاني ذِمارَ المَحارِمِ إذا مَا وُجوهُ الناسِ سالَتْ وجوهُها ... مِنَ العرقِ المعبُوطِ تحتَ العمائِمِ المعبوط السائل معتبطا من ساعته ومنه قولهم داهية شديدة تعرق الوجه. أَبِي مَنْ إذا قِيلَ مَنْ أنتَ مُعْتزٍ ... إذا قِيلَ ممَّنْ قومُ هذا المُراجِمِ قال أبو عبيدة، قال لي أعرابي: إذا لم نرك فإلى من نعزوك؟ معتز منتسب. المراجم المخاصم. أدِرْسانَ قيسٍ لا أبا لكَ تشترِي ... بِأَعراضِ قوْمٍ هُمْ بُناةُ المَكارِمِ درسان خلقان الواحد دريس. ويروى بأحساب قوم يعني بني غالب. ومَا عَلِمَ الأقوامِ مثلُ أسيرِنا ... أسيراً وَلا أجدافِنا بِالكَواظِمِ أجدافنا لغة تميم، ويروى أجداثنا. وروى ابن الأعرابي: وما وجد الأقوام. قوله مثل أسيرنا، يعني حاجب بن زرارة بن عدس، فإنه لم

يسمع بملك ولا سوقه افتدى بمثل فداء حاجب. قال: وذلك أنه أدعى أسره ذو الرقيبة القشيري يوم جبلة. قال واسم ذي الرقيبة مالك من بني عامر بن صعصعة. قال وادعاه الزهدمان، وهما من بني عبس. قال فحكمته عبس وعامر في نفسه، فحكم أنه أسير ذي الرقيبة. قال: ولهذين العبسيين بما نالا من ثيابي مائة ناقة، وأعطى ذا الرقيبة ألف بعير، وأطلق له مائة من الأسارى، أسارى قيس كانوا في بني تميم. قال: وإنما ديات الملوك ألف بعير، فزادهم حاجب على فداء الملوك مائة ناقة ومائة أسير. قال: وزعمت قيس في أشعارها، أنها أخذت منه ألف عبد، وألفي ناقة، ومعها أولادها. وقد قال في ذلك باهلة: حتى افتدوا حاجباً منها وقد جعلت ... سمر القيود برجلي حاجب أثرا بألفٍ عبدٍ وألفي رائم جعلوا ... أولادهن لنا من رائم جزرا قال: وأما صاحب الجدث بالكواظم، فهو أبو الفرزدق غالب بن صعصعة. قال ولا يعلم قبر أجار ولا قرى في جاهلية ولا إسلام غيره، وقد ذكرته العرب في أشعارها. قال وذكروا أن أبا ثمامة الوليد بن القعقاع بن خليد القيسي استجار بقبر هشام بن عبد الملك من يزيد بن هبيرة، وهو على قنسرين. قال فبعث إليه يزيد فضربه حتى مات. فقال بو الشغب العبسي في ذلك: يا آل مروانَ إن الغدرَ مدركُكُم ... حتى ينيخُكُمُ يوما بجعجاعِ أضحت قبورُ بني مروانَ مخرُءَةُ ... لا تستجار ولا يُرْعىَ لها الراعي قبرُ التميميِّ خيرٌ من قبورِكم ... يسعَى بذمته في قومِه ساع إن البريةَ قالت عند غدرِكم ... قُبحاً لقبرٍ به عاذَ ابنُ قعقاع قبرٌ لا حول كان الصنجُ همَّتهُ ... والمزنيات ودفٌّ عند إسماع

وقال في ذلك المقري: بقرِ ابنِ ليلى غالبٍ عذتُ بعدما ... خشيت الردى أو أن أُرَدَّ إلى قبر بقبرِ امرئٍ يَقري المئينَ عظامُه ... ولم يكُ إلا غالباً ميِّتٌ يقري ويروى يقري المئين ولم يكن، من الناس إلا غالباً. فقال لي القبرُ المباركُ إنما ... فكاكُكَ أن تلقَى الفرزدقَ بالمِصرِ قال: وأصاب رجل من بني الأبيض بن مجاشع دما. قال: فسأل في الناس فلم يعطوه شيئا، فاستغاث بقبر غالب فافتكه الفرزدق بمائة ناقة، فهو حيث يقول: دعا دعوةً بين المقرَّين غالباً ... وعاذ بقبرٍ تحته خيرُ أعظُم فقلت له أقَريك من قبرِ غالبٍ ... هُنيدةَ إن كانت شِفاء من الدم ينام الطريدُ بعدها نومةَ الضحى ... ويرضَى بها ذو الأحنةِ المتجرِّم ألا هل علمتم ميْتاً قبلَ غالب ... قَرَى مائةً ضيفاً له لم يكلم قال أبو عثمان، حدثني الأصمعي، قال: قلت لأعرابي ما يحملكم على نومة الضحى؟ قال: إنها مبردة في الصيف، مسخنة في الشتاء. قال في ذلك بعض الأعراب يصدق ما أقول: وما العيشُ إلا شرقةٌ وتبطُّحٌ ... وتمرٌ كأكبادِ الرباعِ وماءُ قال أبو عبيد الله، أخبرنا أحمد بن يحيى: أن الأعرابي أنشدهم: تُمنيِّن الطلاقَ وأنت عندي ... بعيش مثل مشرقة الشمالِ

وقال الأخطل بن غالب أخو الفرزدق: بني الخطفى هاتُم أباً مثلَ دارمٍ ... وإلا فَجاراً منكم مثلَ غالبِ قَرَى مائةً ضيفاً أناخَ بقبرِهِ ... فآب إلى أصحابِهِ غيرَ خائب رجع إلى شعر الفرزدق: إذَا عجزَ الأحياءُ أنْ يحمِلوا دَماً ... أناخَ إلى أجداثِنَا كُلُّ غَارِمِ ويروى إذا عجز الأقوام أن يحملوا دما. ويروى أجدافنا. تَرَى كُلَّ مظلُوم اليَنّا فِرَارُهُ ... ويَهُرُبُ مِنَّا جهدَهُ كُلُّ ظالِمِ أَبَتْ عامرٌ أَنْ يأخُذُوا بأسيرِهِمْ ... مِئِينَ مِنَ الأسرى لَهُمْ عِندْ دَارِمِ وقَالُوا لَنَا زِيُدوا عليْهمْ فانَّهُمْ ... لَفاءٌ وإنْ كانُوا ثُغامَ اللَّهازِمِ ويروى ولو كانوا. لفاء باطل وهو مادون الحق. ثغام أي شيب شمط، بيض اللهازم لهازمهم كبياض الثغام، وهو شجر إذا يبس أبيض الشيب به الواحدة ثغامة. رأوْا حاجِباً أغْلَى فِداءً وقومَهُ ... أحَقَّ بأيَّام العُلا والمَكارِمِ فَلاَ نقتُلُ الأسرى ولكنْ نفُكُّهُمْ ... إذا أثقلَ الأعناقَ حملُ المغارِمِ فهَلْ ضربةُ الرُّومِيِّ جاعِلةً لكُمْ ... أباً عَنْ كُليبٍ أَوْ أَباً مِثلَ دارِمٍ كذاكَ سُيوفُ الهِندِ تنبُو ظُباتُها ... ويقطعنَ أحياناً مناطَ التَّمائِمِ قال فهل ضربة الرومي جاعلة لكم. قال أبو عبيدة: إن رؤبة بن العجاج قال: كان سليمان بن عبد الملك حج وحجت الشعراء معه، وحججت معهم، قال: فلما كان سليمان بالمدينة، تلقوه بنحو من

أربعمائة أسير من الروم. قال: فقعد سليمان بن عبد الملك، وأقربهم مجلساً عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، فقدم بطريقهم، فقال سليمان بن عبد الملك لعبد الله بن الحسن: يا عبد الله قم فاضرب عنقه. قال: فما أعطاه أحد سيفاً حتى دفع إليه حرسي سيفه، فضربه فأبان الرأس وأطن الساعد وبعض الغل - ويروى وعض بالغل - فقال سليمان: والله ما هو من جودة السيف أجاد الضربة، ولكن بجودة حسبه وشرف مركبه. قال: وجعل سليمان يدفع البقية إلى الوجوه وإلى الناس، فيقتلونهم حتى دفع إلى جرير بن الخطفى رجلاً منهم، قال فدست إليه بنو عبس سيفاً قاطعاً في قراب أبيض، قال: فضربه فأبان رأسه. قال: ودفع إلى الفرزدق أسيراً، فلم يجد سيفاً، فدسوا إليه سيفاً ددانا - يعني كليلاً أنيثا كهاما لا يقطع - قال: فضرب الفرزدق الأسير ضربات فلم يصنع شيئاً، قال: فضحك سليمان وضحك القوم منه ومن سوء ضربته. قال: وشمت به بنو عبس، وهم أخوال سليمان: قال: فألقى السيف الفرزدق مغضباً مغموماً من شماته القوم به وأنشأ يقول، يعتذر إلى سليمان بن عبد الملك، ويأتسي بنبو سيف ورقاء عن رأس خالد: إن يك سيفٌ خانَ أو قدَرٌ أبى ... لتأخير نفسٍ، حتفُها غيرُ شاهد فسيفُ بني عبسٍ وقد ضربوا به ... نَبَا بَيديْ ورقاءَ عن رأسِ خالد كذاك سيوفُ الهند تنبو ظُباتُها ... ويقطعنَ أحياناً مناطَ القلائد قال يعني ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي. قال: وذلك أنه ضرب خالد بن جعفر بن كلاب. قال وخالد مكب على أبيه زهير، وقد ضربه

بالسيف وصرعه. قال: فأقبل ورقاء بن زهير، فضرب خالداً ضربات فلم يصنع شيئاً. فقال ورقاء: رأيت زهيرا تحت كلكلِ خالدٍ ... فأقبلتُ أسعَى كالعجولِ أبادرُ فشُلَّتْ يميني يومَ أضربُ خالدا ... ويمنعه مني الحديدُ المظاهر وقال الفرزدق في مقامه ذلك: أيضحك الناسُ أن أضحكت خيرَكم ... خليفةَ الله يُستسقى به المطرُ وما نبا السيفُ من جُبنٍ ولا دَهَشٍ ... عند الإمامِ ولكن أُخِّر القدر وما يُعجِّلُ نفسا قبل ميتتها ... جمعُ اليدين ولا الصمامةُ الذكر وقال جرير في ذلك: بسيف أبي رغوانَ سيفِ مجاشعٍ ... ضربتَ ولم تضرب بسيفِ ابنِ ظالمِ ضربتَ به عند الإمامِ فأُرعشَتْ ... يداك وقالوا مُحدثٌ غير صارم قوله بسيف ابن ظالم، يعني الحارث بن ظالم المري، وكان من فتاك العرب، فتك بخالد بن جعفر، وهو إذ ذاك نازل بالنعمان بن المنذر بن ماء السماء. رجع إلى شعر الفرزدق: ويومَ جعلنَا الظِّلَّ فِيهِ لِعامِرٍ ... مُصَمَّمَةً تفأى شُؤُونَ الجَماجِمِ

قوله تفأى تقديره تفعى، ومعنى تفأى تعشق. وقوله مصممة، أي هي سيوف تصمم في العظام لا يردها شيء عظم ولا غيره، يقال من ذلك، صمم السيف، قال وذلك إذا صادف العظم فقطعه، وإذا صادف المفصل فمضى فيه، قيل حينئذ قد طبق السيف، وهو من قولهم قد صمم الرجل، وذلك إذا مضى في الأمر، ولم يحبسه شيء ولم يثنه. كما لا يرد السيف شيء ولا يثنيه. والشؤون مجتمع قبائل الرأس الواحد شأن. فَمِنْهنَّ يومٌ للبريكْينِ إذْ تَرَى ... بنُو عامِرٍ أَنْ غَانِمٌ كُلُّ سَالِمِ قوله يوم البريكين إذ ترى بنو عامر. قال: والبريكان هما بريك وأخوه بارك، وهما من بني قشير بن كعب، قتلهما بنو يربوع يوم المروت. ومِنْهُنَّ إذْ أَرْخَى طفيلُ بنُ مالِكٍ ... على قُرزُلٍ رِجلَي ركُوضِ الهَزائِمِ قرزل فرس طفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب. قال وذلك أنه كان هرب على قرزل فرسه، وذلك يوم ملزق، ويوم السوبان. قال: ويوم ملزق لبني سعد على بني عامر، وقال في هذا اليوم يقول الفرزدق: نحن تركنا عامراً يومَ ملزقٍ ... كثيراً على قبل البيوت هجومها ونجَّى طفيلاً من علالةَ قرزلٌ ... قوائم نجَّى لَحمهُ مستقيمُها قال وفي ذلك أيضاً أوس بن مغراء السعدي:

ونحن بملزق يوما أبرنا ... فوارسَ عامرٍ لما لقونا وقوله ركوض الهزائم: يريد ركوض عند الهزائم، وذلك كما قال لبيد بن ربيعة العامري الجعفري: ونحنُ ضَربنَا مِنْ شُتيرِ بنِ خالدٍ ... عَلى حيثُ تستسقِيهِ أُمُّ الجَماجِمِ قوله أم الجماجم: يريد الهامة. وشتير، يريد شتير بن خالد بن نفيل بن عمر بن كلاب، قتله ضرار بن عمرو الضبي ويروى أم العمائم، ويروى أم الغمائم. والغمائم ما يدخل في الشجة، مثل غمامة الناقة. ويومَ ابِنْ ذِي سِيدانَ إذْ فوَّزَتْ بِهِ ... إلى الموتِ أعجازُ الرِّماحِ الغْواشِمِ ويروى ويوم ابن سيدان الذي فوزت به. فوز أي مات. ويروى العواسم، الشداد الصلاب. وقوله ويوم ابن ذي سيدان، يريد طريف ابن سيدان، وهو من بني أبي عوف بن عمرو بن كلاب، قتله زويهر بن عبد الحارث بن ضرار يوم غول. يريد يزيد بن الصعق - والصعق لقب وذلك أن صاعقة أصابته، واسم الصعق خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر ابن صعصعة - قال وكان أسره أنيف بن الحارث بن حصبة بن أزنم ابن عبيد بن ثعلبة بن يربوع قال: وأم الفراخ يريد الدماغ. ونحنُ قَتلنا ابنَيْ هُتَيْم وأَدْرَكْتَ ... بُجيراً بِنا رَكْضُ الذُّكُورِ الصَّلادِمِ قال: وابنا هتيم، هما من بني عمرو بن كلاب، قتلهما بنو ضبة يوم

دارة مأسل، وهو يوم أخذوا إبل النعمان. قال: وفي ذلك يقول ذو الرمة: نجائبُ من ضربِ العصافيرِ ضربُها ... أخذنا أباها يومَ دارةَ ماسل وقال في ذلك اليوم عمر بن لجأ: لا تهجُ ضبةَ يا جريرُ فإنهم ... قتلوا مِنَ الرؤساءِ ما لم تقتلِ قتلوا شُتيراً يومَ غَولٍ وابنَه ... وابني هُتيمٍ يومَ دارةَ مأسلِ قال: وبجير بن عبد الله بن سلمة بن قشير، قتله قعنب بن عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع يوم المروت. ونحنُ قَسمْنَا مِنْ قُدامَةَ رأسَهُ ... بِصَدْعٍ عَلَى يافُوخِهِ مُتفاقِمِ ويروى شققنا. قوله من قدامة، يعني قدامة الذائد بن عبد الله بن سلمة بن قشير، قتلته بنو ضبة يوم النسار. قال: وقالت أخته في ذلك اليوم أيضاً: شَفَى الله نفسَي من معشرٍ ... أضاعوا قدامةَ يومَ النسارِ أضاعوا به غيرَ رِعديدةٍ ... كريمَ الصَّباحِ بعيدَ المزارِ وعمْراً أَخا عَوْفٍ تَركْنا بِمُلتقىً ... مِنَ الخيلِ في سَامِ مِنَ النقَّعْ قَاتِمِ رجع: قال: يعني عمرو بن الأحوص بن جعفر بن كلاب، أخا عوف بن الأحوص جد علقمة بن علاثة، قتله خالد بن مالك بن

ربعي بن سلمي بن جندل بن نهشل، يوم ذي نجب. سام أي مرتفع قاتم أسود يضرب إلى الحمرة وهي القتمة. ونحنُ ترَكنَا مِنْ هِلالِ بِنْ عامرٍ ... ثَمانينَ كهْلاً لِلنُّسُورِ القَشَاعِم ويروى صرعى. يعني يوم الوتدات، وكان لبني نهشل على بني هلال، وناس من بني عامر. قال وشهد هذا اليوم سمي بن زياد بن نهيك بن هلال، وظبيان بن زياد. قال: وهو جد زرعة بن ضمرة الهلالي. وشهد هذا اليوم طفيل الغنوي، فاستجار عصمة بن سنان بن خالد بن منقر. قال: فأجاره فنجا يومئذ، فقال طفيل في ذلك: عُصيمةُ أجزيهِ بما قدَّمتْ له ... يداه وإلا أجزهِ السَّعيَ أكفر تداركني وقد برِمتُ بحيلتي ... بحبلِ امرئٍ إن يُوردِ الجارَ يُصدِر أفدِّي بأميَ الحصَانِ وقد بدت ... من الوتِداتِ لي جبالُ معبِّر قال: والوتدات رمال بالدهناء معروفة. بِدهنا تميمٍ حيثُ سُدَّتْ عليهمْ ... بِمُعتركٍ مِنْ رَملِها المُتراكِمِ ويروى سد عليهم. ويروى بمعتلج. ويروى بدهنا تميم حيث سالت عليهم. ونحنُ منعنَا مِنْ مِصادٍ رِمَاحنا ... وكُنَّ إذا يلقييْنَ غيرَ حَوائِمٍ ويروى شفينا وسقينا. ويروى وكن إذا يسقين غير حوائم، أي

عطاش، أي هي روية أبدا من الدم. وقوله مصاد، يعني مصاد بن عوف بن عمرو بن كلاب، قتلته بنو ضبة يوم قادم وغول. قال: وكان على الجيش يومئذ، حبيش بن دلف. وفي ذلك اليوم يقول الأخطل لرجلين من قومه: لم تظلما أن تكفيا الحيَّ ضيفَهم ... وأن تسعيَا سعيَ الرجالِ الأكارمِ وأن تنحرا بَكرينِ مما جمعتما ... وشرُّ النداما من صحا غيرَ غارم وأن تسعيَا مسعاةَ سَلَمى بنِ جندلٍ ... وسعيَ حُبيشٍ يومَ غولٍ وقادم رُدينية صُمَّ الكُعُوبِ كأنَّها ... مَصابيحُ في تركيبها المتلاحمِ ونحنُ جدعَنا أنفَ عيلانَ بِالقَنا ... وبالراسبات البِيض ذَاتِ القَوائِمِ قال أبو جعفر: الراسبات بالباء الغامضات في الضريبة. ولَوْ أَنَّ قَيْساً قَيْسَ عَيلانَ أصبحتْ ... بِمُستَنِّ أبوالِ الرِّبابِ ودَارِمِ لَكانُوا كأقذاءٍ طَفتْ في غُطامِطٍ ... مِنَ البحرِ في آذيِّها المُتلاطِمِ قوله غطامط، يعني مجتمع الماء وكثرته، ومضطرب الأمواج حتى تسمع له صوتا لكثرة مائه واضطرابه. فإِنَّا أُناسٌ نشتري بِدِمائِنا ... دِيارَ المَنايا رَغبةٌ في المَكارِمِ يعني بديار المنايا القبور. يقول: إذا رأينا أمراً أدركه كرم وفخر خاطرنا بأنفسنا وحملناها عليه، ويقال: إن معناه، أن من نزل ثغراً يقاتل فيه فقد نزل دار منيته.

أَلسنَا أَحقَّ النَّاس يَومَ تَقايسُوا ... إلى المَجدِ بالمُستأثراتِ الجَسائِمِ مُلوكٌ إذا طمَّتْ عليكَ بُحورُها ... تطحطحطتَ في آذيِّها المُتصادمِ إذا ما وُزنَّا بالجبال رأيتنا ... نميلُ بأنضاد الجِبالِ الأضاخمِ تَرانا إذا صعَّدتَ عينكَ مُشرفاً ... عليكَ بأطوادٍ طِوالِ المَخارِمِ ولوْ سُئلتْ مَنْ كفؤُنا الشَّمْسُ أَوْ ماتْ ... إلى ابْنَي منافٍ عبدِ شمسٍ وهاشِمِ وكيفَ تُلاقِي دارِماً حيْن تلتقيِ ... ذُراها إلى حيث النُّجومِ التَّوائِمِ لقدْ تركتْ قيساً ظُباةُ سُيوفُنا ... وأيدٍ بأعجازِ الرِّماحِ اللَّهاذِمِ وقائعُ أيامٍ أرينَ نِساءَهُمْ ... نهاراً صَغيراتِ النُّجومِ العَوائِمِ العوائم السوابح في الفلك. بِذِي نجبٍ يومٌ لِقيسٍ شَريدهُ ... كثيرُ اليتامىَ في ظِلالِ المآتِمِ ونحنُ تركنَا بالدَّفينةِ حاضِراً ... لآلِ سُليمٍ هامُهُمْ غيرُ نائِمِ ويروى بالدثينة وهي لبني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. قال وذلك أنه أغار على بني سليم حجش بن عثمان المازني فقتل الحصين الرعلي فقال في ذلك عباس بن ريطة الرعلي: أغرَّكَ مني ان رأيتَ فوارسي ... ثوى منهم يوم الدثينة حاضرُ بأيدي رجال أغضبتهم رماحُنا ... وأسيافُنا إن الأمور دوائرُ وذلك ما جرَّت علينا رماحُنا ... وكلُّ امرئ يوما به الجدُّ عاثر وأُمُّكم ترجو التُّؤامَ لبعلها ... وأمُّ أخيكم كزَّةُ الرحمِ عاقر فيالَ بني رعلٍ وأفناءِ فالج ... لما ظلمتنا في المقامة عامر فالج من بني سليم - والتؤام أن تلد اثنين اثنين.

حلفتُ برَبِّ الرَّاقصاتِ إلى منىً ... بقينَ نهاراَ دامياتِ المناسم عليهنَّ شُعثٌ ما اتقَّوا مِنْ وديقةٍ ... إذَا ما التظتْ شهباؤُهَا بِالعَمائِم لتحتلِبَنْ قيسُ بنُ عيلانَ لقحةً ... صَرَى ثرةٍ أخلافُها غيرِ رائِمِ قوله صرى ثرة، يريد صرى ناقة ثرة أخلافها. قال: والصرى ما اجتمع في الضرع من اللبن. قال، وصرى في موضع نصب. وإنما ضربه مثلاً للحرب، يقول الحرب غير رئمة. لعَمْرِى لَئنَ لاَمتْ هوازِنُ أَمرَهَا ... لقدْ أصبحتْ حلَّتْ بِدَارِ المَلاَومِ ولَوْلا ارتفاعي عَنْ سُليمَ سقيتُها ... كِئاسَ سِمامٍ مُرَّةً وعلاقِمِ فَمَا أنتمُ مِنْ قيسِ عيلانَ في الذُّرى ... وَلا مِنْ أثافيِها العِظامِ الجَماجِمِ إذا حُصِّلَتْ قيسٌ فأنتُمْ قليلُها ... وأبعدها من صُلبٍ قيسٍ لعالِمِ وأنتُمْ أذلُّ قيس عيلانَ حُبوةً ... وأعجزُها عِندَ الأمورِ العوارِمِ سيُخبِرُ خُصيا ابِنَ الحُبابِ ورأسُهُ ... عُمير عَلى ما كانَ يومَ الأراقِمِ عَشيَّةً ألقَوا في الخريطَةِ رأسَهُ ... وخُصييهِ مشدُوخاً سَليبَ القوائِمِ ويروى مسدوحا ومبطوحاً. عشيَّةَ يدعُوهم قُتيبةُ بعدَما ... رَأَى أنَّهُ لَمْ يعتصِمْ بِالعواصِمِ تركنَا أُيُورَ الباهِليينَ بينَهُمْ ... مُعلَّقَةً تحتَ اللِّحَى كالتَّمائِمِ ومَا كانَ هذا النَّاسُ حتَّى هداهُمُ ... بنا الله إلاَّ مِثْلَ شاءِ البهائِمِ ويروى هذي البهائم.

فمَا مِنْهُمُ إلاَّ يُقادُ بأَنفِهِ ... إلى ملكٍ مِنْ خندِفٍ بالخزائِمِ عجبتُ إلى قيسٍ وما قَدْ تكلَّفَتْ ... مِنَ الشِّقْوَةِ الحمقاءِ ذاتِ النَّقائِمِ يلُوذُونَ مِني بالمراغةِ وابنها ... وما مِنهُما مِنيِّ لقيسٍ بعاصِمِ فأجابه جرير فقال: ألاَ حيِّ رَبْع المنزِل المُتقادِمِ ... ومَا حَلَّ مُذْ حلَّتْ بِهِ أُمُّ سالِمِ تميميَّةٌ حلَّتْ بحومانتي قسىً ... حِمَى الخيلِ ذادتْ عَنْ قسى فالصَّرائِمِ حومانة، أرض فيها غلظ منقادة. والصرائم، رمال تنقطع من معظم، الرمل الواحد صريمة. أبيتِ فلاَ تقضِينَ ديناً وطَالمَا ... بخِلْتِ بحاجاتِ الصَّديقِ المُكارِمِ بِنَا كالجَوَى مِمَّا يُخافُ وقدْ نَرَى ... شِفاءَ القُلوبِ الصَّادِياتِ الحوائِمِ الجوى: فساد الجوف، يقال من ذلك جويت المعدة فهي تجوى، جوى مقصور، قال: وذلك إذا فسدت. أعاذلَ هيجينيِ لبينٍ مصارِمٍ ... غداً أَوْ ذَرِيني مِنْ عِتَابِ المُلاومِ أَغَرَّكِ مِنَّي أنَّما قادني الهَوَى ... إليكَ ومَا عهدٌ لكنَّ بِدائِمِ ألاَ رُبَّما هاجَ التَّذدُّرُ والهَوى ... بتلعةَ إرشاشَ الدُّمُوعِ السَّواجِمِ تلعة موضع ذكرها به فسالت دموعه. عَفتْ قَرقرى والوشمُ حَّى تنكَّرتْ ... أَواذِيُّها والخيمُ مثلُ الدَّعائِمِ

قرقرى موضع. قال أبو عثمان: زعم الجرمازي أن الوشم ثمانون قرية. وأقفرَ وادِي ثرمداءَ ورُبَّما ... تَدانَى بِذِي نَهْدا حُلُولُ الأصارِمِ الأصارم: بيوت متفرقة، واحدها صرم، ثم يجمع أصرام وأصاريم وأصارم. لقدْ ولدتْ أُمُّ الفرزدقِ فاجِراً ... وجاءتْ بِوزُوازٍ قصيرِ القوائِمِ قوله بوزواز،، قال: هو الخفيف على الأرض. ومَا كانَ جارٌ للفرزدق مسلمٌ ... ليأمَنَ قِرداً ليلُهُ غيرٌ نائِمِ قوله ليأمن قرداً، يرميه بالزناء، والعرب تقول هو أزنى من قرد. فرماه بالفجور. يُوصِّلُ حبليْهِ إذا جَنَّ ليلُهُ ... ليرقَى إلى جاراتهِ بالسَّلالِمِ أتيتَ حُدُودَ اللهِ مُذْ أنتَ يافِعٌ ... وشِبْتَ فَما ينهاكَ شِيبُ اللَّهازِمِ ويروى مذ كنت يافعاً. تتبَّعُ في الماخُورِ كُلَّ مُريبةٍ ... ولستَ بأهلِ المحصناتِ الكرائِمِ رأيتُكَ لا تُوفي بِجارٍ أجرتَهُ ... وَلا مُستعِفاً عَنْ لِئامِ المطاعِمِ ويروى فإنك لا موف لجار. ولا مستعف. هُو الرِّجْسُ يا أهلَ المدينةِ فأحذروا ... مُداخلَ رِجسٍ بالخبِيثاتِ عالم لقَدْ كانَ إخراجُ الفرزدق عنكُمُ ... طهُوراً لِما بينَ المُصلَّى وواقِمِ

قال سعدان، قال أبو عبيدة: قال جرير هذا البيت، لقد كان إخراج الفرزدق عنكم طهورا، وذلك أن الفرزدق كان قدم على عمر بن عبد العزيز، وهو على المدينة واليها، من قبل الوليد بن عبد الملك، فأنزله عمر منزلاً قريباً منه، وأكرمه وأحسن ضيافته، ثم إنه بلغه عنه أنه صاحب فجور. قال: فبعث اليه عمر بألطاف مع جارية له، وقال: اغسلي رأسه، وألطفيه جهدك. قال: وإنما يريد أن يختبره بذلك، ليعلم حاله، فأتته الجارية، وفعلت ما أمرها به مولاها، ثم قالت له الجارية: أما تريد أن تغسل رأسك؟ قال: بلى فقربت اليه الغسل، ثم ذهبت لتغسل رأسه، فوثب الشيخ عليها، وامتنعت منه. ثم عادت، فعاد بمثل ذلك، وذلك بعين عمر، وهو يتطلع عليه من خوخة له. قال: فخرجت الجارية إلى عمر، قال: فبعث إليه أن اخرج عن المدينة، ولئن أخذتك فيها، ما دام لي سلطان، لأعاقبنك، قال: فنفاه عمر عن المدينة، فذلك قول جرير حيث يقول: نفاك الأغرُّ ابنُ عبدِ العزيز ... بحقكَ تُنْفَى عن المسجد قال: فلما خرج الفرزدق، فصار على راحلته، قال: قاتل الله ابن المراغة، كأنه كان ينظر إليَّ حيث يقول: وكنتَ إذا نزلتَ بدارِ قوم ... رحلت بخزيةٍ وتركتَ عاراً قال: ثم قدم جرير على عمر، فأنزله في منزل الفرزدق، وبعث إليه بتلك الجارية بعينها، وأمرها أن تفعل بجرير ما فعلت بالفرزدق، فألطفته، وفعلت به مثلما فعلت بالفرزدق، وقالت له: قم أيها الشيخ

فاغسل رأسك فقام، فقال للجارية: تنحي عني، قالت له الجارية: سبحان الله، إنما بعثني سيدي لأخدمك. فقال: لا حاجة لي في خدمتك. قال: ثم أخرجها من الحجرة، وأغلق الباب عليه، وائتزر، فغسل رأسه. قال: وعمر ينظر إليه، من حيث بعث بالجارية، إلى أن خرجت من عنده. فلما راح أهل المدينة من منازلهم إلى عمر، قال: فحدثهم عمر بفعل الفرزدق وجرير، وما كان من أمرهما، ثم قال عمر: عجبت لقوم يفضلون الفرزدق على جرير، مع عفة بطن جرير وفرجه، وفجور الفرزدق وخبثه وقلة ورعه وخوفه لله عز وجل!! تَدَلَّيتَ تزْنِي مِنْ ثَمانِينَ قامَةً ... وقصَّرتَ عنْ باعِ العُلا والمَكارِمِ ويروى تجري، قوله تدليت تجري من ثمانين قامة. وذلك أنه عير الفرزدق بقوله: هما دلتاني من ثمانين قامة ... كما انقضَّ بازِ أقتمُ الريشِ كاسره أتمدحَ يَا ابْنَ القَيْنِ سَعداً وقَدْ جرَتْ ... لِجَعثِنَ فِيهمْ طَيْرها بِالأشائِمِ قال: يعني جعثن أخت الفرزدق لأبيه وأمه. قال، وقال اليربوعي: كذب عليها جرير. قال، وكان جرير يقول كثيراً: استغفر الله مما قلت لجعثن، وكانت إحدى الصالحات. وتمدح يا ابْنَ القينِ سَعْداً وقَدْ تَرَى ... أديَمَكَ مِنْها واهِياً غيرَ سالمٍ تُبرئُهُمْ مِنْ عِقْرِ جِعْثِنَ بَعْدَما ... أتَتكَ بِمَسْلُوخِ البَظارَةِ وارِمِ تُنادي بِنْصفِ اللَّيلِ يالَ مُجاشِعٍ ... وقَدْ قشَرُوا جِلْد اسْتِها بالعُجارِمِ

فإن مَجَر جِعثِنَ ابَنةِ غالِبٍ ... وكيرَيْ جُبيْرِ كانَ ضَرْبَةَ لازِم قال: وذلك أن جبيراً كان قينا لصعصعة جد الفرزدق، فنسب أباه غالباً إلى القين، قال وذلك قول جرير: وجدنا جبيراً أبا غالب ... بعيد القرابة من معبد أتجعل ذا الكير من دارم ... وأين سهيل من الفرقد تلاقي بنات القين من خُبثِ مائِهِ ... ومِنْ وهجان الكِير سُودَ المعاصِمِ وإنَّكَ يا ابْنَ القَيْنِ لَسْتَ بِنافِخِ ... بكيرك إلاَّ قاعداً غيرَ قائِمِ فَمَا وَجَدَ الجِيرانُ حَبْلَ مُجاشِعِ ... وفيَّاً ولاَ ذَامِرَّةٍ في العَزائِمِ ولامت قُريشٌ في الزُّبيرِ مُجاشِعاً ... ولَمْ يعذِرُوا مَنْ كَانَ أهلَ المَلاوِمِ وقالتْ قُريشٌ ليتَ جارَ مُجاشِعٍ ... دَعَا شَبثاً أَوْ كانَ جارَ ابنَ خَازِمِ قال: يعني شبث بن ربعي الرياحي. وعبد الله بن خازم السلمي. الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، قتله عمرو ابن جرموز، أخو بني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم. وشبث بن ربعي بن الحصين بن عيثم بن ربيعة بن زيد بن رياح ابن يربوع. وابن خازم هو صاحب خراسان وهو عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن السمال ابن عوف بن امريء القيس بن بهثة بن سليم بن منصور. وَلَوْ حبلَ تَيميٍّ تَناوَلَ جارُكُمْ ... لَما كانَ عَاراً ذِكرُهُ في المواسِمِ فغيرُكَ أدَّى للخليفةِ عهدهُ ... وغيرُكَ جلَّى عَنْ وُجُوهِ الأهاتِم قوله فغيرك أدى للخليفة عهده، يعني وكيع بن حسان بن قيس بن أبي سود. قال: وذلك أنه قتل قتيبة بن مسلم فتكا، وبعث برأسه إلى

سليمان بن عبد الملك، وبعث بطاعته مع الرأس، وذلك أن قتيبة بن مسلم كان قد خلع سليمان بن عبد الملك. فإن وَكيعاً حينَ خارَتْ مُجاشِعٌ ... كَفَى شَعْب صَدْعِ الفِتنَةِ المُتفاقِمِ لَقَدْ كُنتَ فِيها يا فرزدقُ تابَعاً ... ورَيشُ الذُّنابىَ تابِعٌ للِقُوادِمِ قال: والقوادم هن الريشات العشر اللواتي في أول الجناح، وبعدها الخوافي. نُدافِعُ عنْكُم كُلَّ يَومِ عظيمةٍ ... وأنْتَ قُراحِيٌّ بِسيفِ الكَواظِمِ القراحي صاحب القرية، ملازم لها ليس ببدوي، وقراح موضع على شاطئ البحر. أجُبْناً وفخراً يا بَنِي زُّبداستِها ... ونحنُ نشُبُّ الحربِ شيبَ المقَادِمِ أباهِلَ ما أحببتُ قتلَ ابنِ مُسلِمٍ ... وَلا أَنْ ترُوعُوا قَوْمَكُمْ بِالمَظالِمِ أباهِلَ قَدْ أوفيتُمُ مِنْ دِمائِكُم ... إذا ما قتلتُمْ رَهطَ قيسِ بنِ عاصِمِ ويروى قد أوفيتم. قوله أباهل، يريد أباهلة، لأن قتيبة بن مسلم كان باهليا. تُحضِّضُ يا ابْنَ القَيْنِ قَيْساً ليجعلُوا ... لِقَوْمِكَ يَوْماً مِثْلَ يَوْمِ الأرَاقمِ قوله مثل يوم الأراقم، يعني بني تغلب على قيس، حين قتلوا عمير بن الحباب بسنجار من الجزيرة. إذا رَكِبتْ قيسٌ خُيُولاً مُغيرَةً ... عَلى القَينِ يَقرَعْ سِنَّ خزيانَ نادِمِ ويروى بخيل مغيرة.

وقَبْلَكَ مَا أَخْزى الأخيطِلُ قومَهُ ... وأسلمهم للِمْأزِقِ المُتلاحِمِ ويروى في المأزق. قال المأزق يعني المضيق. قال: وهو موضع ملتقى الحرب. قال: وجعله متلاحماً لشدته وضيقه عليهم. قال: وعنى بقوله وقبلك ما أخزى الأخيطل قومه، أراد به قول الأخطل، حين دخل على عبد الملك بن مروان، وعنده الجحاف بن حكيم السلمي، وقد كان الجحاف اعتزل حربهم تحرجا، ولم يدخل منها في شيء، فلما رآه الأخطل عند عبد الملك قال: ألا أبلغ الجَحَّافَ هل هو ثائرٌ ... بقتلَى أصيبت من سُليمٍ وعامرِ ويروى ألا سائل الجحاف. فلما سمع الجحاف ذلك من الأخطل، غضب وجعل يجر مطرفه حمية وجزعا وغضبا، فقال عبد الملك للأخطل: ما أراك إلا قد جررت على قومك شراً طويلاً. قال ومضى الجحاف حتى أتى قومه وافتعل كتبا على لسان عبد الملك بالولاية، ثم أنه حشى جربا ترابا، وقال إن عبد الملك قد ولاَّني بلاد بني تغلب، وهذه الحرب فيها الأموال، فتأهبوا وامضوا معي، فلما أشرف على بلاد بني تغلب، نثر التراب وخرَّق الكتب، ثم قال لهم: ما من ولاية ولكني غضبت لكم - وأخبرهم بقول الأخطل له عند عبد الملك - فاثأروا بقومكم. قال فشد على بني تغلب بالبشر ليلا وهم غارون آمنون. فقتل منهم مقتلة عظيمة، قال: وهرب الأخطل من ليلته مستغيثاً بعبد الملك، فلما دخل عليه الأخطل أنشأ يقول:

لقد أوقع الجحافُ بالبشرِ وقعةً ... إلى الله منها المشتكىَ والمعوَّلُ فإلا تغيِّرها قريشٌ بمُلكها ... يكن عن قريشٍ مستماز ومزحل فقال عبد الملك: إلى أين يا ابن اللخناء؟ قال: إلى النار يا أمير المؤمنين. فقال له عبد الملك: لو قلت غيرها، لقطعت لسانك، أو الذي فيه عيناك. ثم إن الجحاف لقي بعد ذلك الأخطل فقال: أبا مالك هل لمتني إذ حَضَضتني ... على الحربِ أم هل لامني لك لائمُ متى تدعني يوماً أُجبك بمثلها ... وأنت امرؤٌ بالحقِ ليس بعالم لقد أوقدت نار الشمردى بأرؤس ... عظامِ اللِّحى مُعرنزمات اللهازم الشمردى رئيس من تغلب، قال أبو عمرو، فحدثني أو مخنف، لوط ابن يحيى، قال: قتل الجحاف# منهم ثلاثة وعشرين ألفاً. رُوَيْدَكُمُ مسْحَ الصَّلِيبِ إذا دَنا ... هِلالُ الجِزىَ واستعجلُوا بِالدراهمِ قوله الجزى يعني الجزية. يريد خراج رءوسهم، يقول يؤدونه وهم صاغرون لقول الله تعالى {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} وما زالَ في قَيْسٍ فَوارِسُ مَصدَق ... حُماةٌ وحمَّالُونَ ثِقلَ المَغارِمِ وقيسٌ هُمُ الفضْلُ الذي نستعِدُّهُ ... لِفَضْلِ المَساعِي وابتناءِ المَكارِمِ ويروى الكهف. ويروى لدفع الأعادي.

إذا حَدَبتْ قيسٌ عليَّ وخِندفٌ ... أخذتُ بِفضلِ الأكثرِينَ الأكارِمِ أَنا ابنُ فُرُوعِ المجدَ قيسٍ وخندِفٍ ... بَنوْا ليِ عاديَّا رَفيعَ الدَّعائِمِ فإن شِئْتَ منْ قيسٍ ذُرى مُتَمنِّعٍ ... وإنْ شِئْتَ طَوْداً خندفيَّ المخَارِمِ ألَمْ تَرَنِي أَرِدْي بأَرْكانِ خنْدِفٍ ... وانْ كان قيسٌ نَعمَ كهفُ المُراجِمِ وقيسٌ هُمُ الكهفُ الَّذي نستَعِدُّهُ ... لدَفْعِ الأعادِيَ أَوْ لحملِ العظائِمِ بنُو المَجْدِ قيسٌ والعَواتِكُ مِنْهُمُ ... ولدْنَ بُحُوراً لِلْبُحورِ الخْضَارِمِ قال سعدان، قال أبو عبيده: العواتك من بني سليم، نقله إلينا العلماء من المحدثين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا، قال في يوم حنين أنا ابن العواتك من سليم. قال فمنهن أم هاشم والمطلب وعبد شمس بني عبد مناف، وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور. وعاتكة بنت فالج بن ذكوان أم جده هاشم ابن عبد مناف وعاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان. أم وهب بن عبد مناف بن زهرة، جد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من قبل أمه، آمنة بنت وهب بن عبد مناف. وسائر العواتك أمهات رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير بني سليم، فهن تسع. قال أبو عبد الله، حدثنا أبو عبد الله محمد بن عيسى الواسطي، قال حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله، قال حدثني أبي، عن سعيد، عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم، شد على المشركين يوم حنين، وهو يقول: أنا النبيُّ لا كذب ... أنا ابنُ عبد المطلب أنا ابن العواتك.

لَقدْ حدبتْ قيسٌ وأفناءُ خنْدَفٍ ... عَلى مُرهبٍ حامٍ ذِمارَ المخارِمِ ويروى لقد خاطرت. ويروى حامي ذمار. والمخارم بالخاء معجمة، مواضع. فَما زادَنِي بُعْدُ المَدَى نقضَ مرَّةٍ ... ولا رقَّ هظمِي للضُّرُوسِ العَواجِمِ تعجم تعض. تَرانِي إذا ما النَّاسُ عَدُّوا قدِيمهُمْ ... وفضْلَ المَساعي مسفراًغيرَ واجمِ بأيَّامِ قومِي ما لقْومِكَ مِثلُها ... بِها سهَّلوا عنَّي خبارَ الجراثِمِ إذا ألْجمت قيسٌ عَناجيجَ كالقَنا ... مَججنَ دَماً مِنْ طُولِ علكِ الشَّكائِمِ عناجيج طوال الأعناق. والشكيمة حديدة اللجام. سَبَوْا نِسْوةَ النُّعمانَ وابنيْ مُحَرِّقٍ ... وعمرانَ قادُوا عنوةً بالخزائِمِ قال سعدان، قال لنا أبو عبيدة: معنى البيت أن هبيرة بن عامر بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، أغار على النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وهو على سفوان ماء من البصرة، على رأس أربعة فراسخ منها، قال: فأخذ امرأته المتجردة في نسوة من نساء المنذر. قال: وأصاب أموالا كثيرة وهرب النعمان منه، فلحق بالحيرة، قال: ففي ذلك اليوم يقول نابغة بني جعده: وظلَّ لنسوةِ النعمانِ منَّا ... على سفوانِ يومَ أرْوَناني فأردفنا حليلته وجئنا ... بما قد كان جمعٌ من هجان

فظِلتُ كأنني نادمتُ كسرى ... له قاقُزَّةٌ ولىَ اثنتان ويروى قاقوزة، وهي نبطية. قال: وابنا محرق، هما ابن عمرو بن هند، وهو عمُّ عمِّ النعمان بن المنذر بن ماء السماء. وعمران بن مرة بن ذهل بن شيبان، قتله قرة بن هبيرة يوم قارة أهوى، وهو يوم القويرة، وكان بدء ذلك، أن عمران بن مرة أخا بني شيبان، جمع جمعاً من بني شيبان، فانطلق بهم، حتى ورد أرض بني نمير بن عامر فلما دنا منهم أرسل ربيئة من بني شيبان فانطلق حتى أتى أرض بني نمير، يعتان، - أي يكون لهم عينا - فلم يجد بها أحدا من بني نمير. قال: وكان عظمهم في الغزو. قال: فأخبره ربيئة بالخبر، وقال الناس: متفرقون يطلبون الكلأ، وليسوا بجميع، قال عمران لبني شيبان: أغيروا. فأغاروا، فاستاقوا النعم، وأصابوا نساء من بني نمير، فانطلقوا راجعين، قال: وأفلت رجل من بني نمير، فأخبر أصحابه بالخبر، قال: وكان الذي أصاب من بني عمرو بن الحارث بن نمير، فركب عروة بن شريح، أحد بني عبد الله بن الحارث بن نمير، فلما مرَّ عمران بسبايا بني نمير، أخذ على سواج، فمر بناس من بني قشير، فأخبروا أن عمران أخا بني شيبان، معه سبايا من بني نمير، فنادى قرة بن هبيرة: يا بني قشير. قال: فجاء من كان منهم بحضرته، فتبعوا عمران بن مرة وجيشه، فأرادت بنو قشير أن تقع بهم، حتى إذا ورودا قارة أهوى، إذا نواصي خيل بني نمير قد حفت بهم، فلحقوا، واجتمعت بنو نمير وقشير، وإذا بنت شريح خلف عمران، فلما رأت أخاها عروة بن شريح، وثبت عن البعير، وحمل قرة بن هبيرة على عمران فطعنه، وهو يوم طعن أبو سحيمة بن قرة، الردفين فصرعهما، وحمل قرة بن هبيرة على رجل من بني شيبان على ناقة له، فنظمه بمؤخر الرحل. قال: وانهزمت

بنو شيبان، وارتدت بنو عامر ما كان مع جيش عمران من السبايا، فقال الجعدي في ذلك: جزى الله عنَّا رهطَ قرةَ نصرةً ... وقرةً إذ بعضُ الفعالِ مزلَّجُ جلا الخزيَ عن جُلِّ الوجوه فاسفرت ... وكانت عليها هبوةٌ ما تبلَّج هم اليومُ إذ بادَ الملوكُ ملوكُنا ... فعالاً ومجداً غيرَ أن لم يُتَوَّجوا تدارك عمرانَ بنَ مرةَ ركضُهم ... بقارَةَ أهوَى والجوافح تخلج بأرعنَ مثلِ الطودِ تحسب أنهم ... وقوفٌ لحاج والركابُ تهملج تبيت إذا جاء الصباح نساؤُهم ... تشدِّدُ خلاَّتِ الدروع وتُشرِج على نارِ حيَّ يصطلون كأنهم ... جمالٌ طلاها بالعلية مهرج وقال الجعدي أيضاً: إن قومي عزِّ نصرُهُم ... قد شَفُوني من بني عَنمه تركوا عمرانَ منجدلا ... للضباعِ حوله رزَمه في صلاه ألَّةٌ حُشُرٌ ... وقناةُ الرمح منقسمة كلَّ قومٌ كان سعيهُم ... دون ما يسعى بنو سلمه سيِّد الأملاكِ سيِّدُهم ... وعِداه الخانةُ الأثمة وقال عياض بن كلثوم: وعمرانَ بنَ مرةَ قد تركنا ... نجيعَ دمٍ للحيتهِ خضابا سقيناه بأَهوَى كأسَ حتفٍ ... تحسَّاها مع العَلَقِ اللعابا رجع إلى شعر جرير:

وَهُمْ أنزلُوا الجونين في حَوْمَةِ الوَغى ... ولَمْ يمنَع الجَونين عقْدُ التَّمائِمِ قال أبو عبد الله: ويروى وهم قتلوا. قال: والجونان هما عمرو ومعاوية ابنا شراحيل بن عمرو بن الجون قال: والجون هو معاوية ابن حجر، آكل المرار ن بن عمرو بن معاوية بن ثور. قال: وثور، هو كندة - كانا في أخوالهما بني بدر، في يوم الشعب - وهو يوم جبلة فأسر عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب عمرا، وأسر طفيل بن مالك بن جعفر معاوية. قال: فجز عوف ناصية عمرو بن الجون، وخلى سبيله. قال: فمر ببني عبس فقتلوه. فغضبت بنو عامر من ذلك. قال: وأتى عوف بني عبس، فقال: يا بني عبس، قتلتم طليقي، وقد علمتم أنه كان في جواري حتى يبلغ مأمنه، فقالوا: ما علمنا أنه كان في جوارك. قال: فاختاروا مني إحدى ثلاث: إما أن تردوه عليَّ حيَّاً كما كان، أو تدفعوا إليَّ رجلاً أقتله به، أو تعطوني ديته. قال، فقال له قيس بن زهير: يا عوف انصرف عنا يومنا هذا، فإنا سنعطيك بعض ما سألت. قال: وكان قيس أحزم الناس رأيا، قال: فانطلق قيس إلى طفيل، فقال له: ادفع إليَّ معاوية بن الجون، حتى أدفعه إلى عوف بأخيه، فإنا قد قتلناه، وأنا اتخوف أن يعظم فيه الشر. قال: فدفع طفيل معاوية بن الجون إلى قيس بن زهير. قال: فانطلق به قيس، فدفعه إلى عوف، فقدم عوف معاوية بن الجون فضرب عنقه فقتلا كلاهما. قال: فأثاب قيس ابن زهير طفيل بن مالك من ابن الجون فرساً له، يدعى قرزلا. قال أبو عبد الله، أخبرنا أبو العباس، عن ابن الأعرابي، قال: القرزل أن تمشط المرأة مشطة تكون على أحد جانبي رأسها.

قال سعدان، وأما أبو عبيدة، فزعم أن قيس بن زهير اشترى معاوية أسيره بألف بعير، وهي ديات الملوك، وأعطاه من خيله فرسه المزنوق بالقيمة، حتى وفاه الألف، فدفعه إلى عوف مكان أخيه، فقال عوف لمعاوية أرضيت أن تكون مكان صاحبك، وبرئت من خفارتي؟ قال: نعم. قال: الحق بأبيك، وسكن الناس. فتحولت بنو عبس إلى بني أبي بكر بن كلاب فحالفوهم، وعقد لهم الحلف أبو هلال ربيعة بن قرط، فقال قيس في ذلك: أحاولُ ما أحاولُ ثم آوي ... إلى جارٍ كجارِ أبي دؤادِ منيعٍ وسطَ عكرمةَ بن قيسٍ ... وهوب للطريف وللتلادِ كفاني ما أخاف أبو هلالٍ ... ربيعةُ فانتهت عني الأعادي قال سعدان، قال أبو الوثيق: وذلك قول عامر بن الطفيل: قضينا الجونَ عن عبسٍ وكانت ... منيَّةُ معبدٍ فينا هُزالا رجع إلى شعر جرير: كأنَّكَ لَمْ تشهدْ لقيِطاً وَحاجِباً ... وعَمَرو بْنَ عَمْرو إذا دَعوْايا لدَارِمِ يعني لقيط بن زرارة - قال: وجاور أبو دؤاد هلال بن كعب بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وكان قد أسن، وأتى عليه دهر طويل، فبينما الغلمان يلعبون في مستنقع ماء، ويتغاطون، إذا غطوا ابن أبي دؤاد فمات في ذلك الغطاط فقال أبو دؤاد: ألم تر أنني جاورتُ كعباً ... وكان جوارُ بعض الناسِ غِيّا فأبلوني بليتكم لعلي ... أصالحكم وأستدرج نوَيّا

أراد: نواي فذهب به إلى مثل قفي وهوي، وهو الوجه الذي يريدونه. استدرج، يقول: أترككم وأذهب. فلما سمه هلال بذلك، أمر بنيه فأخرجوه إلى نادي قومه، فقال: ألا ترون. لا والذي يحلف به لا يبقى غلام شهد ابن أبي دؤاد إلا قتلته، فأعطوه حتى رضي، فزعموا أن هلالا قال لأبي دؤاد احتكم عليهم حكم الصبي على أهله - قال ولقيط بن زرارة قتل يوم جبلة، وحاجب بن زرارة أسر ذلك اليوم أيضا. وعمرو ابن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، ألح عليه مرداس بن أبي عامر، أبو عباس بن مرداس، يوم جبلة، وعمرو على فرسه الخنثى. قال فلما كاد يلحق بمرداس حصانه هوت يده في ثبرة - أي في هوة - وتمطت الخنثى بفارسها عمرو، ففاتت: فقال مرداس في ذلك: تمطَّت كميتٌ كالهراوةِ صلدمٌ ... بعمرِو بن عمروٍ بعد ما مُسَّ باليدِ فلولا مدى الخنثى وطولُ جرائِها ... لَرُحتَ بطيء المشي غيرَ مقيد قال: ثم إن قيس بن المنتفق، والحارث بن الأبرص العقيليين اعتورا عمرو بن عمرو، فسبقه قيس فاعتنقاه فلما صرع أعان الحارث قيساً على عمرو بحبل فشده به، فأراد الحارث قتل عمرو، وأمر قيسا بذلك، فعصاه قيس، وذلك طماعية منه في الفداء، فجز ناصيته وخلى عنه. ثم أتياه يطلبان الفدية عنده - قال: وكان الحارث من أجمل الناس - قال: فجعلت عيون بنات عمرو تسمو إلى الحارث، وذلك لجماله، وكان قيس دميم المنظر، فقال أبوهن: عليكن الرجل الآخر، فإنه ولي نعمة أبيكن، وإن هذا قد أراد ليقتلني، فعصاه، ثم لم يرضهما. فقال الحارث بن الأبرص في ذلك: تعجبُ من شواري بنتُ عمرو ... وما أنا في تأسِّينا بِغَمْرِ

فكم من فارسٍ لم ترزئيه ... أخي الفتيان في عُرفٍ ونُكرَ لقد آمرته فعصَى إماري ... بأمرِ حزامةٍ في جنب عمرو أمرتُ به لتخمش حنَّتاه ... فضيَّع أمرَه قيسٌ وأمري رجع إلى شعر جرير: ولمْ تشهَد الجَوْنينْ والشِّعبَ ذا الصْفا ... وشَدَّات قيسٍ يومَ ديرِ الجَماجم ويروى بالشعب. قال: والجونان، عمرو ومعاوية ابنا الجون. قال والشعب ذا الصفا يعني شعب جبلة. ودير الجماجم عنى بذلك خروج أهل العراق، مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي فواقعوه بدير الجماجم. قال: وإنما سمي ذلك الموضع دير الجماجم، لأنه كانت تعمل فيه الأقداح، فلذلك سمي ديرالجماجم. والجمجمة القدح. قال: فهرب ابن الأشعث من الحجاج، حتى دخل على رتبيل كابل شاه، فقال عبد الله أو عبيد الله بن أبي سبيع، أخو بني ربيعة بن حنظلة بن مالك بن زيد لرتبيل: ما تصنع بمحاربة العرب وإدخالهم أرضك، دعني أخرج إلى الحجاج، فأكون بينك وبينه قال: فخرج سراً حتى قدم على الحجاج، فوعد الحجاج عبد الله أو عبيد الله بن أبي سبيع ألف ألف درهم، إن أتاه بعبد الرحمن حيا. قال: فخرج عبد الله أو عبيد الله حتى قدم على رتبيل، فأخبره أنه قد صالح الحجاج، على أن يدفع اليه ابن الأشعث، وترجع عنه الجيوش. فقال له رتبيل: ويلك، إني أكره أن أرى الغدر وأنا قاعد، قال: فإذا جلس إليك، فقم. قال: وجمع عبد الله بضعة وعشرين رجلاً من بني ربيعة بن حنظلة، وأجلسهم قريباً منه، قال: وجاء ابن الأشعث، فجلس عند

رتبيل، وقام رتبيل، فوثب القوم جميعا على عبد الرحمن الأشعث فأوثقوه رباطا، وخرج به إلى الحجاج. قال: وانتهب الترك ما كان بيد العرب الذين مع عبد الرحمن بن الأشعث. قال: فقتل عبد الرحمن نفسه في الطريق بفارس، وذلك أنه رمى بنفسه من فوق القصر، فأدرك بآخر رمق، وهو يقول: قطني قطني ومات مكانه، فاجتز عبد الله بن أبي سبيع رأسه فأتى به الحجاج. أكلفتَ قيساً أنْ نَبا سيفُ غالبٍ ... وشاعتْ لَهُ أحدوثةٌ في المَواسِمِ بسِيفِ أَبي رغَوانَ سيفِ مُجاشِعٍ ... ضربتَ ولمَ تضْرِبْ بسيفٍ ابنِ ظالِمٍ ضربتَ بِهِ عَندَ الأمامِ فأرعشتْ ... يَداكَ وقالُوا مُحدثٌ غيرُ صارِمِ ضربتَ بِه عرقُوبَ نابٍ بِصوارِ ... ولا تضربونَ البِيضَ تحتَ الغماغمِ الغمغمة: الصوت الذي لا يعرف. ويروى تحت العمائم. قال: وإنما عنىبذلك، معاقرة غالب بن صعصعة أبي الفرزدق، سحيم بن وثيل الرياحي. قال سعدان: وحديثه في كتاب المعاقرات. الغماغم: أصوات لا تفهم، يكون ذلك في الحرب عند القتال. قال أبو عثمان، سمعت أبا عبيدة يقول: الغماغم: شبيه بالزئير عند المسابقة يحرض بلك نفسه. قال أبو عبيدة: حدثني أعين بن لبطة، وجهم السليطي، عن إياس بن شبة بن عقال بن صعصعة، قالوا: أجدبت بلاد بني تميم، وأصابت بني حنظلة سنة في خلافة عثمان، رضي الله عنه، فبلغهم خصب عن بلاد كلب بن وبرة فانتجعها بنو حنظلة، فنزلوا صوأر، وهي فوق الكوفة، مما يلي الشأم، وكانت بنو يربوع قدام الناس، فنزلوا أقصى الوادي، وتسرع غالب بن صعصعة، ناجية بن عقال بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع فيهم وحده، دون بني مالك بن حنظلة،

فلم يكن مع بني يربوع من بني مالك، غير غالب، فلما نزلوا، وردت إبل غالب فحبس منها ناقة كوماء، فنحرها وأطعمها. قال، فقال أناس: ليس فينا من بني مالك، غير رجل واحد، وقد نحر ولم ننحر. فقالوا لسحيم بن وثيل الرياحي: انحر. فلما وردت إبل سحيم، حبس منها ناقة، فنحرها من الغد فأطعمها. قال جهم: فقيل لغالب إنما نحر سحيم مواءمة، فضحك غالب، وقال: كلا، لكنه امرؤ كريم وسوف أنظر. فلما وردت إبل غالب، حبس منها ناقتين، فنحرهما فأطعمهما. فلما وردت إبل سحيم، نحر ناقتين فاطعمهما. فقال غالب: الآن علمت أنه يوائمني. قال إياس، فلما وردت إبل غالب، حبس منها عشرا فعقلها، ثم أخذ الحربة فجعل ينحرها، فانفلتت ناقة منها، فانشامت في بني يربوع، فركب غالب فرسه، فأدركها عند بيت الخرماء، وهي أسماء بنت عوف بن القعقاع، وكانت امرأة الهذلق بن ربيعة بن عتيبة فعقرها، ثم لتب في سبلتها - أي وجأ، والسبلة موضع المنحر وذلك المكان لا يخلو من شعرات هناك - فقالت الخرماء: مالك قطع الله يدك. فقال دونك فاجتزريها، فإني لا اشتم ابنة العم، ولكن أجزرها. فسألت من هذا؟ فقالوا: هذا غالب بن صعصعة. فقالت واسوأتاه. ورجع غالب فنصب قدوره، وغاظ ذلك بني يربوع، فأتوا سيدهم الهذلق فتجمعوا اليه، فقالوا: ما ترى، قد فضحنا هذا، وصنع ما ترى، فما الرأي؟ قال الهذلق: أرى أن تأتوه فتأكلوا من طعامه، وتنحروا كما نحر، وتصنعوا مثل صنعه. قالوا: لا، بل إذا فرغ من قدوره، غدونا، فكفأناها، بما فيها، ففضحناه، فإن بني مالك حلماء رجح فنصغى إناءه، ونأتيهم، فنقر لهم بحقهم، فيغفرون لنا، وذلك بمسمع من الخرماء أسماء بنت عوف، فتقنعت بملحفتها، وخرجت من كسر بيتها،

فأتت غالبا، فقالت له: قد سير بك وأنت لا تشعر، فأخبرته بما يريدون به. قال ومن أنت؟ قالت: أسماء بنت عوف، وإنهم يريدون أن يكفؤا قدورك بما فيها، فيقنعوك خزية. فقال: هل شعر بك أحد؟ قالت: لا. قال فارجعي بأبي أنت وأمي، فحمل ابنه وابن أخ له على فرسين، ثم قال لهما: خذا أعداء الوادي - أي ناحيتيه، أي أنت عن يمين، وأنت عن شمال، هاهنا وهاهنا - فانظرا أول صرم تريانه من بني مالك، فعلي به، واحشرا من لقيتما منهم، فلقي أحدهما صرما من بني فقيم، ولقي الآخر صرما من بني سبيع، ثم من بني طهية، فحشراهم، فأقبلوا على كل صعب، وذلول، حتى نزلوا حول غالب، واستيقظ الهذلق، فقام من آخر الليل، فإذا أبيات ورجال لم يكن عهدهم من أول النهار، فقال: إني لا تعرف وجوهاً لم أرها أول الليل، وأبنية ورجالا، فبعث إلي بني يربوع فقال: أترون ما أرى؟ قالوا: نعم. قال: جاءكم قوم يمنعون قدورهم، أليس هذا فلان وهذا فلان؟ أفترون أن تقتلوا هؤلاء في غير جرم، قالوا فما الرأي؟ قال: أرى أن تأكلوا من طعامه، وتنحروا كما ينحر، وتصنعوا مثل ما يصنع، فقعدوا فأكلوا من طعامه، ثم قالوا لسحيم: أعقر. فقال: والله إني ما أقوم لنحاري بني مالك، إنما أقوم لنوكاهم. قالوا: إنا نرفدك. قال: فعلى بني مالك تعولون بالرفد، وهم أكثر منكم أموالا، ثم وردت إبل سحيم فعقر منها خمس عشرة أو عشرين فضحك غالب. قال أبو عبيدة، قال جهم: وكانت إبل غالب ترد لخمس، فجاء غلمته قد جبوا في حياضهم أنصافها، فقال لهم: قدكم الآن، فقد أرويتم. قالوا له: وكيف أروينا وإنما جبينا في أنصاف الحياض، وكنا نملؤها، ثم لا نضبطها، حتى نأخذ عليها قبلا سقيا على رءوسها فنسقيها. فقال:

بلى، قد أرويتم فحسبكم، فلما حان وردها - قال أعين بن لبطة - فلبس حلته وأخذ سيفه وانطلق معه الفرزدق. قال: وصوأر واد ذاهب في الأرض. قال الفرزدق: فعلوناه وجاءت الأبل، فأمهل حتى إذا أدبرت، فلم يبق منها شيء. انتضى سيفه فأهوى لعرقوبي آخرها، فنفرن لما رأين الدم، ووجدن ريحه، فذعرن فأقبلن، حتى أطفن بالحياض نوافر عطاشا، وأقبل في أثرها، فلما لحقها، جعل يقول: عقرا عقرا، ويقول للفرزدق: ردها يا هميم، فجعل الفرزدق يقول: إيه عقرا. إيه عقرا. قال أبو عبيدة، قال إياس: فجعل يحول بينها وبين الحياض، فكلما ورد بعير عقره. قال جهم: حتى اضطرها إلى بيت أم سحيم ليلى بنت شداد، فعقر عن يمينه وشماله، ومن ورائه، حتى قطعت أطنابه، فوقع عليها، فخرجت عليه فسبته ودعت عليه، وقالت: يا غالب إن عقرك لن يذهب لؤمك، أو قالت: إن هذه ليست مذهبة بلؤمك. فقال: إني لا أشتم ابنة العم، ولكن كلوا من هذا شحما ولحما. قال فجعل يعقرها ويرتجز: خذلني قومي وحان وِردي ... أسوقُها بذي حسامٍ فردِ هل أنتَ يا سحيمُ غيرُ عبدِ ... أسودُ كالفلذِ من المغدِ وقال أيضاً: آل رياحٍ إنه الفَضَاحُ ... وإنها المخاضُ واللقاحُ قد شاع في أسؤقها الجراحُ ... فلا تضجِّي واصبري رياحُ قال أعين: وفيها غلام لغالب، يقال له سحيم، أبصر الناس بالإبل وأرعاهم، فجعل يقول يا أبا الصمة ويأبى غالب. قال سحيم: فلم أزل

أطمع أن يكف حتى مر بفحل منها، ثمنه أربعة آلاف درهم، فعقره. فلما عقره علمت أنه لن يستبقي شيئاً، فذهب سحيم غلامه يكفه عنه، فأهوى إليه السيف فأصاب ركبته فقطع إحدى رجليه، فاستعدى عليه عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فاعتقه، فلما قتل عثمان، رضي الله عنه، استرقه غالب. قال أعين: فعقر أربعمائة بعير، وزعم إياس أنها كانت مائة وأربعين ناقة، فلما عقر مائة منها، ورأت البارقة ووجدت ريح الدم طار منها أربعون فندت، فنادى غالب: أنا غالب بن صعصعة، من أخذ بعيرا فهو له. وأحرج على رجل يجمع بين بعيرين، فإني لا أحل له. فطلبه عثمان، رضي الله عنه، ليعاقبه، فركب إلى أبيه صعصعة، فرحب به، وقال: حاجتك؟ قال: جئت لتخلف عليَّ ما عقرت، فقد رحضت عنك الذم والعار فاخلف لي، قال: نعم وكرامة أخلف ما عقرت، وأشترط عليك أن لا تعقر بعيراً ولا بهيمة، ولا تذبها ولا تمثل بها، قال غالب لا أعطيك هذا الشرط أبدا. قال: فلا إلا على هذا الشرط. فلحق بالبصرة، فأتى منزل الحتات بن يزيد فالتزمه وقبله، وقال: أقم تخرج أعطيه الحي، وفيهم ثمانون على الفين، فنقاسمك من أعطيتهم، ففعل فأخذ أربعين الفا، فارتحل بحمل ورق، فأتى الموسم براحلة دراهم، فلما قضى نسكه، زار البيت في أول الناس، ثم ركب بين خرجيه بعيرا نجيبا لا يجارى. ثم نادى بالبطحاء: يا أيها الناس، أنا غالب بن صعصعة، فمن أخذ شيئا فهو له، ثم فتح الخرجين، ثم حثى أمامه، وعن يمينه، وعن شماله، ووراءه، حتى إذا فرغ الخرجين من الورق، أحال السوط في بطن البعير، ثم نجا، فقيل لعثمان: عتبت على غالب في العقر، وأخفته وطلبته لتعاقبه، فها هو ذاك قد أنهب ماله فبعث في طلبه فهرب فأعجزهم.

قال أبو عبيدة: وأما زبان أو مطرف الصبيري، وسعيد الرياحي، فزعما أن امرأة من بني رياح، نذرت إن زوجت ابنها عجردا أن تنحر جزورين، فزوجته فنحرت جزورين لنذرها، فوافق ذلك نحر غالب، فظن أنه مواءمة فلج الأمر، وفي ذلك يقوم الأخوص الرياحي: فكنا بخير قبل قُبَّةِ عجردٍ ... وقبلَ جزورَي أُمِّه يوم صوأرِ يعني قبة البيت الذي ابتنى فيه بامرأته. وبلغ بني مالك غضب بني يربوع فقال ذو الخرق الطهوي: ما كان ذنبُ بني مالك ... بأن سُبَّ منهم غلامٌ فَسَبْ عراقيب كومٍ طوالِ الذُّري ... تخرُّ بوائكُها للركب واحدة البوائك بائكة، وهي الكريمة من الأبل. بأبيضَ يهتزُّ ذي هبَّةٍ ... يقطُّ العظامَ ويبري العصب فلا تبعثوا ساقيا منكم ... قصيرَ الرِّشا ضعيفَ الكَرب يسامي بحورَ بني مالك ... ترامىَ أواذيها بالخشب وأبقى سحيمٌ على ماله ... وملَّ السؤالَ وخاف الحَرَب وقال شعبة بن عمير: لعمري لقد أروَى ابنُ ليلى لبونَه ... على صوأرِ والماءِ لزنَّ مشاربه جرى سابقا لا يبلغ الجهدُ عفوه ... إلى غايةِ المجدِ الذي هاب صاحبه وقال الفرزدق في ذلك وذكر عقر غالب يوم صوأر:

ألم تعلما يا ابن المجشَّر أنها ... إلى السيف تستبكي إذا لم تُعقَّر منا عيشُ للمولى مرائيبُ للثأَى ... معاقيرُ في يوم الشتاء المذكر وما عقرت إلا على عثم يُرى ... عراقيبُها مذعقَّرت يومَ صوأرِ رجع إلى شعر جرير: عَنيفُّ بِهز السَّيفِ قَيْنُ مُجاشِعٍ ... رَفيقٌ بأَخراتِ الفؤُوسِ الكرازِمِ قوله رفيق بأخرات، يريد خرت الفأس، وهو الذي يقع فيه عموده، وهو ثقب الفاس، يريد أنه حداد. قال والكرازم الفؤوس التي لها رأس عظيم عريض، ويقال: لها كرَزَم وكرْزم. وكَرْزن وكُرزنِ. قال سعدان، وأنشدنا أبو عبيدة لقيس بن زهير في ذلك: فقد جعلت أكبادنا تجتويكم ... كما تجتوي سوق العضاه الكرازنُ ستُخبرُ يا ابنَ القينِ أنَّ رِماحَنا ... أباحَتْ لَنَا ما بَيْنَ فَلَج وعَاسَمِ ويروى ألم تر. ويروى أباحت لكم. ألاَ رُبَّ قوم قَدْ وفدْنَا عليهمِ ... بصُمِّ القنا والمقرباتِ الصَّلادِمِ ويروى قد نكحنا بناتهم بسمر القنا أي سبينا هن ولم يكن هناك تزويج. لقْدَ حظِيت يَوْماً سُليمٌ وعامِرٌ ... وعبسٌ بِتجريدِ السُّيوفِ الصوارِم وعبسٌ هُمُ يومَ الفرُوقينِ طرَّفُوا ... بأسيافِهمْ قُدموسَ رأسٍ صُلادِمِ

حديث يوم الفروقين

ويروى مصادم. قوله طرفوا ردوا ومنعوا. والقدموس شيء ينتأ في رأس الجبل طولاً يشبه به رأس القوم وسيدهم وكبيرهم، عنى بذلك رأس بني سعد بن زيد مناة بن تميم. وذلك أن بني عبس في حرب داحس، ساروا إلى هجر ليمتاروا منها، فنزلوا في بني سعد بأمان ثلاث ليال، فنظر بنو سعد إلى قلتهم، وإلى ظعنهم وكثرة أموالهم، فأجمعوا على الغدر بهم، فبلغهم ذلك، وقال لهم عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن ذهل بن قراد بن مخزوم بن ربيعة بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس، إن القوم أجمعوا على الغدر بكم، وهم كثير، فإذا جنَّكم الليل، ففرقوا النيران فيما حولكم من الشجر، واظعنوا، فإن القوم إذا نظروا إلى النيران، ظنوا أنكم في منزلكم. ففرقوا النيران فميا حولهم من الشجر، وارتحلوا وقد قدموا عيالاتهم وأموالهم بين أيديهم، وتخلَّف الفرسان، وأصبح بنو سعد فغدوا ليقتسموا أموال بني عبس وظعنهم، فوجدوهم قد ساروا فتبعوهم حتى لحقوهم بالفروق، فاقتتلوا قتالا شديدا، وامتنعت بنو عبس، ومنعوا ظعنهم وأموالهم، ورجع بنو سعد يتفادى بعضهم ببعض، لم ينالوا خيرا. ففي ذلك يقوم عنترة بن شداد العبسي: ألا قاتل الله الطلولَ البواليا ... وقاتلَ ذكراكَ السنينَ الخواليا حديث يوم الفروقَينْ قال سعدان، قال أبو عبيدة: لما أصيب أهل الهباءة، استعظمت غطفان قتل حذيفة بن بدر، فتجمعوا، وعرفت بنو عبس أنه ليس لهم

مقام بأرض غطفان. قال: فخرجت متوجهة إلى اليمامة، يطلبون أخوالهم - قال: وكانت عبلة بنت الدول، ويقال بنت الديل جميعاً ابن حنيفة أم رواحة - فأتوا قتادة بن مسلمة فنزلوا اليمامة زمينا، ثم مرَّ ذات يوم قيس مع قتادة فرأى قحفاً فضربه برجله، وقال: كم من ضيم قد أقررت به مخافة هذا المصرع، ثم لم تئل - أي لم تنج، يقال من ذلك قدوأل الرجل، وذلك إذا نجا من مرض، وما كان من شيء إذا نجا - قال: فلما سمعها منه قتادة، كرهها وأوجس منه. قال: ارتحلوا عنا، فارتحلوا حتى نزلوا هجر ببني سعد بن زيد مناة، فمكثوا فيهم زمينا. قال: ثم إن بني سعد أتوا الجون وهو ملك هجر وملكهم، فقالوا: هل لك في مهرة شوهاء - يعني حسنة ترفع إليها العين - وناقة حمراء، وفتاة عذراء، قال: نعم. قالوا بنو عبس، فإنهم غارون، نغير مع جندك عليهم، وتسهم لنا من غنائمهم. قال: فأجابهم إلى ذلك. وفي بني عبس امرأة ناكح فيهم من بني سعد، قال: فأتاها أهلها ليضموها، وأخبروها الخبر، فأخبرت به زوجها فأتى زوجها قيسا فأخبره، فأجمعوا على أن يرحلوا الظعائن، وما قوي من الأموال من أول الليل، وتترك النار في الرثة من منزلهم - الرثة الموضع الذي ارثوا فيه النار، يريد الموضع الذي كانوا فيه نزولا - فلا يستنكر القوم ظعن بني عبس عن منزلهم. قال: وتقدم الفرسان إلى الفروق، فوقفوا دون الظعن وبين الفروق، وبين سوق هجر نصف يوم، فإن تبعوهم شغلوهم وقتلوهم، حتى تعجزهم الظعن، ففعلوا ذلك. قال: وأغارت عليهم جنود الملك، ومن تابعهم من بني سعد، وذلك عند وجه الصبح. قال: وكذلك كانوا يغيرون في الجاهلية، قال: فوجدوا الطعن قد أسرين ليلتهن، ووجدوا المنزل خلا. قال: فتبعوا القوم حتى انتهوا إلى الفروق، فإذا الخيل والفرسان فقاتلوهم، وقد استراحت الظعن حتى خلوا سربهم، فمضوا

حتى لحقوا الظعن ثلاث ليال بأيامهن، حتى قالت ابنة قيس يا ابتاه، أتسير الأرض معنا، فعلم أنها قد جهدت، فقال: أنيخوا، وامتنعت بنو عبس، ومنعوا ظعنهم. قال: ورجعت بنو سعد يتفادى بعضهم ببعض - أي يستتر بعضهم ببعض - لم ينالوا خيرا. قال ففي ذلك يقوم عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن ذهل بن قراد بن مخزوم بن ربيعة بن غالب بن قطيعة بن عبس: ألا قاتل الله الطلولَ البواليا ... وقاتل ذكراكَ السنينَ الخواليا قال: معنى قوله قاتل الله، يريد التعجب. قال: والطلول: ما شخص لك من آثار الدار، مثل الوتد والأثافي وغير ذلك، قال وهو مثل قولك للرجل: قاتلك الله أي قتلك الله. وقولك للشيءِ الذي لا تناله ... إذا ما حَلاَ في الصدر يا ليتَ ذاليا قال: وروى أبو عبد الله بن الأعرابي: إذا ما هو احلولى ألا ليت ذاليا ونحن منعنا بالفَروقِ نساءنا ... نذبب عنها مشيلات غواشيا ويروى نطرف أولى مشعلات غواشيا. وروى أبو عبد الله: نطرف عنها مسبلات غواشيا. مسبلات بالسين بلا إعجام. قال والمشبلات بالشين يريد الأسد، من قولهم أشبل عليه، وذلك إذا قاتل عنه، وأشفق عليه. والغواشي التي تغشاهم، يريد غشيتهم الرماح. قال: والمسبلات، يريد أسبل عليهم أي صب عليهم. قال: وفي قول أبي عبد الله نطرف،

فالتطريف الرد. يقال من ذلك للرجل، قد تطرف الخيل عن رحالك، وذلك إذا ولوا عن حريمك. قال: والمسبلات المغذفات. وغواشيا يريد غشيتهم الرماح، يريد غشين هؤلاء النساء. حلفتُ لكم والخيلُ تَردي بنا معا ... نزايلكم حتى تهزُّوا العواليا قال وروى أبو عبد الله: والخيل تدمى نحورها. وقال تردي هو من قولك ردت، فهي تردي، وردى فهو يردي وذلك إذا رمى وردى يردي ردى شديدا، وذلك إذا هلك. وقوله حتى تهروا العواليا، يريد حتى تكرهوا، كأنه مشتق من هر الكلب، وهو أن يكره الكلب شيئا فيهر منه، قال: والعوالي الرماح بأعيانها في هذا الموضع. قال: والعالية طرف الرمح. عواليَ سُمراً من رماح رُدينة ... هريرَ الكلابِ يتَّقينَ الأفاعيا قوله من رماح ردينة، قال أبو عثمان، وقال أبو عبيدة: ردينة امرأة من قضاعة نسبوا الرماح إليها. تفاديتُمُ أستاهَ نَيبٍ تجمعت ... على رِمَّة من الرماح تفاديا قوله تفاديتم، يقول ك اتقى بعضكم ببعض، وتكل بعضكم على بعض، وذلك من الفرق، والجزع والخوف. قال والرمة الحبل الخلق، قال: والمعنى في ذلك يقول: تفاديتم من الرماح. يقول: هربتم كإبل تجمعت على رمة تأكلها. قال والرمة العظام البالية. قال والإبل تأكل العظام - وقد قال لبيد في ذلك:

والنيبُ إن تعرُمني رِمَّةً خلقا ... بعد الممات فإني كنت أتئر قوله والنيب هي المسان من الإبل. وقوله إن تعرمني يريد أن تأتي، يقال من ذلك عروته واعتروته، كل ذلك إذا أبليته. وقوله أتئر، يقول: كنت آخذ بثأري. ويقال كنت أتئر. يقول كنت أعروها ولا أبقي عليها. يقول: فهذه النيب إن أكلت عظامي، فقد كنت أصنع بها هذا، فأنا أدرك بثأري أنال حاجتي. ألم تعلموا أن الأسنَّةَ أحرزت ... بقيتَّنا لو أن للدهر باقيا في نسخة عثمان: تعتبنا. يقول: صبرنا على القتال فنجونا - وقالت الخنساء في مثله: نهين النفوسَ وهونَ النفو ... سِ يومَ الكريهةِ أبقى لها وقال الشاعر في مثله أيضاً: وما ينجي من الغمرات إلا ... بَراكاءُ القتال أو الفرارُ رجع إلى شعر عنترة: أبينا أبينا أن تضبَّ لثاتُكم ... على مرشفات كالظباء عواطيا قوله أن تضب لثاتكم، يقال للرجل إذا جاء حريصا، يطمع في الشيء، جاء الرجل تدمى لثته، وجاء تضب وتبض لثته جميعاً يقالان. ويقال أيضا: جاء الرجل يدمى فوه ويسيل فوه، وجاء ناشرا أذنيه، كل ذلك إذا

جاء طامعا فيما يريد، حريصاً عليه. ويقال ما يبض حجره، وما تندى صفاته. قال: وذلك إذا لم يطمع منه في شيء. قال: والبض والضب السيلان، قال: وكل هذا أعرابي، يعني هذا كلام الأعراب ولغتهم واختيارهم. وقلتُ لمن أخطرِ الموتُ نفسَه ... ألا من لأمرٍ حازمٍ قد بدَاليا وقلت لهم ردوا المغيرَةَ عن هَوىً ... سوابقَها وأقبلوها النواصيا قوله ردوا يعني هذه الخيل، يعني ردوها عن طمع سوابقها، وهواها ما تريد، وأقبلوها نواصي خيلكم أي ردوها. فما وجودنا بالفروق أشابة ... ولا كُشُفاً لكن وجدنا مواليا ويروى ولا كشفا ولا نبتنا مواليا: قوله: ولا نبتنا مواليا، يقول: لم نكن حلفاء في قوم وإنما كنا بعضنا في بعض. وقال ابن الأعرابي: ولا وجدونا مواليا، وقال: نبتنا فكأنه أراد بالنبت الشيء المحدث، فنحن لنا القدم والأصل المعروف، ويروى عند الطعان. والفروق موضع معروف. قال: وهو الموضع الذي ذكره جرير، وهذا حديثه. قال: وقوله أشابة، قال والأشابة الخلط، ومنه يقال فلان مؤتشب الحسب، وذلك إذا كان مغمورا في حسبه وليس بخالص. ومنه يقال شب لبنك بالماء يا رجل، يريد أخلطه. قال: والأكشف من الرجال، الذي ينكشف في الحرب فلا يثبت. وهذا قول أبي عبد الله ابن الاعرابي. وقال غيره: الأكشف من الرجال، الذي لا ترس معه. قال، وقال الأصمعي كقول ابن الأعرابي في تفسيره. قال: والأكشف الذي يولي سريعا. وإنا نقود الخيل حتى رؤوسها ... رؤوس نساء لا يجدنَ فواليا قوله لا يجدن فواليا يعني من الشعث والضر.

رجع إلى شعر جرير: وإنَّي وقيساً يا ابنَ قين مُجاشِعٍ ... كرِيمٌ أُصفَّي مدحتي للأكارِمِ إذا عُدَّتَ الأيامُ أخزيتَ دارِماً ... وتُخزيكَ يا ابنَ القينِ أيامُ دارِمِ ألمْ تُعطِ غصباً ذا الرقيبة حُكمهُ ... ومنُيةُ قيسٍ في نصيبِ الزَّهادِمِ ويروى وأعطيت غصبا. وقوله ومنية قيس، يريد قيس بن زهير العبسي حين أخذ للزهدمين نصيبهما من حاجب بن زرارة مائة ناقة من فدائه، وقوله ألم تعط غصبا ذا الرقيبة حكمه. فإن ذا الرقيبة هو مالك بن عامر بن سلمة بن قشير، أخذ فداء حاجب ألف بعير، وأخذ منه قيس للزهد مين مائة ناقة، فقال في ذلك قيس بن زهير: جزاني الزهدمانِ جزاء سوء ... وكنتُ المرءُ يُجزَى بالكرامة وقد دافعتُ قد علمت معدٌّ ... بني قُرطٍ وعمُّهُم قدامه أجاثيهم على الركباتِ حتى ... أثبتكم بها مائةً ظُلامه وأنتُمْ فررتُمْ عَنْ ضرارٍ وعثجلٍ ... وأسلمَ مسعودٌ غداةَ الحفاتِمِ قوله وأنتم فررتم عن ضرار. يعني ضرار بن قعقاع بن معبد بن زرارة، أسره بشر بن لأي أخو بني تيم اللات بن ثعلبة يوم الوقيط، وقد كتبنا حديثه فيما مضى من الكتاب. قال: وأخذ طيسلة العجلى عثجل بن المأمون بن شيبان بن علقمة بن زرارة يوم الوقيط أيضاً، وفي نسخة ابن سعدان طيلسة. وقوله مسعود، وهو مسعود بن القصاف بن عبد قيس بن حرملة بن مالك ابن أبي سود بن مالك بن حنظلة، قتله إياس بن عبلة أخو بني جثم بن

عدي بن الحارث بن تيم اللات بن ثعلبة. في نسخة ابن سعدان: إياس ابن حنظلة. وَفِي أيَّ يومٍ فاضِحٍ لَمْ تُقرنُوا ... أُسارَى كتقرين البِكارِ المقاحِمِ قوله المقاحم الواحد مقحم، وهو الذي يقتحم سنين في سن، في سنة واحدة. قال وذلك أن يكون حُقاً، فيحسب جذعاً أو جذعا، فيحسب ثنيا، ولا يكون هذا إلا في الضعيف لا غير. ويومَ الصَّفا كُنتُمْ عَبِيداً لِعامِرٍ ... وبالحزنِ أصبحتُم عَبيدَ اللهازِمِ قوله ويوم الصفا، يعني يوم جبلة. وقوله وبالحزن يعني يوم الوقيط، يعني كنتم عبيداً لعامر يعني أسروكم. ويروى وبالحنو أصبحتم. وليلةِ وادِي رحرحانَ رفعتُمُ ... فِراراً ولَمْ تلوُوا زَفِيفَ النَّعائِم أي رفعتم بالسير بالفرار. والزفيف السرعة. ويروى تركتم خليدا. تركتُمْ أبا القعقاعِ في الغُلِّ مُعبداً ... وأيَّ أخٍ لَمْ تُسلِمُوا للأداهم ويروى وأي أخ اسلمتموه. قال اليربوعي، قال شريح: إن الأحوص ابن جعفر أسر معبد بن زرارة يوم رحرحان، وأعطاه لقيط فداء معبد، وقد كتبنا حديثه فيما مضى من أملائنا. تركتُمْ مَزاداً عِندَ عوفٍ يقودُهُ ... برُمَّةٍ مخذُولٍ على الدَّينْ غارِمِ ويروى على الدين راغم. ويروى جلبتم إلى عوف مزادا فقاده برمة.

وَلا متْ قُريشٌ في الزُّبيرِ مُجاشَعاً ... ولمْ يعذِروا مَنْ كانَ أهلَ الملاوِمِ وقالتْ قُريشٌ ليتَ جارَ مُجاشِعِ ... دَعا شبثاً أوْ كانَ جارَ ابنِ خازمِ قوله دعا شبثا يعني شبث بن ربعي الرياحي، وعبد الله بن خازم السلمي إذا نزلُوا نجداً سمعتُمْ ملامةً ... بجمعٍ مِنَ الأعياصِ أوْ آل هاشمِ ويروى إذا نزلوا يوما سمعت ملامة. قال: والأعياص هم بنو أمية. وهم العاصي، وأبو العاصي، والعيص، وأبو العيص، فلذلك سماهم الأعياص. أحاديثُ رُكبانِ المحجَّةِ كُلَّما ... تاوَّهْنَ خُوصاً دامياتِ المناسِمِ وجارَتْ عليكُمْ في الحكومة مِنقرٌ ... كَما جارَ عوفٌ في قتيلِ الصماصِمِ وأُخزاكُمُ عوفٌ كما قَدْ خزِيتُمُ ... وأدركَ عمَّارٌ تراتِ البراجِمِ قال سعدان لم يعرف الأصمعي ولا أبو عبيدة عمارا. لقدْ ذُقتَ مِنِّي طعمَ حربٍ مريرةٍ ... ومَا أنتَ إنْ جاريتَ قيساً بِسالِمِ ويروى إذا ذقت مني طعم حرب مريرة. أي مرة. ويروى: وما أنت إذ جاريت. قُفيرةُ مِنْ قِنٍّ لسلمى بِنْ جندَلٍ ... أبُوكَ ابنُها بينَ الأماء الخوادِمِ سيُخبرُ ما أبلتْ سيُوفُ مجاشِعٍ ... ذَوِي الحاج والمُستعملاتِ الرَّواسِمِ

حديث المراعي وعرادة النميري

حديث المراعي وعرادة النميري قال سعدان، قال أبو عبيدة، قال مسمع: كان عرادة النميري نديماً للفرزدق، فقدم الراعي البصرة، فاتخذ عرادة طعاما وشرابا، ودعا الراعي. قال: فلما أخذت الكأس منهما، قال عرادة: يا أبا جندل، قل شعرا تفضل به الفرزدق على جرير، فلم يزل يزين له حتى قال: يا صاحبيَّ دنا الأصيل فسيرا ... غلبَ الفرزدقُ في الهجاء جريرا فغدا به عرادة على الفرزدق، وأنشده إياه. قال: وكان عبيد الراعي شاعر مضر، وذا سفه، فتحسب جرير أنه مغلب للفرزدق عليه، فلقيه يوم جمعة، بعدما انصرف الناس، فقال: يا أبا جندل، إني أتيتك لخبر أتاني، إني وابن عمي هذا نستب صباح مساء، وما عليك غلبة المغلوب ولا لك غلبة الغالب، فإما أن تدعني أنا وصاحبي، وإما أن تكون وجه منك إلى أن تغلبني عليه. فإني وإن كنت ولابد داخلاً بين كلبين من حنظلة أولى منك بتلك، لانقطاعي إلى قيس، وذبي عنهم، وحطبي في حبلهم، فقال له الراعي: صدقت، نعم لا أبعدك من خير، ميعادك المربد غدا. قال فصبحه جرير، فبينما هما يستنبث كل واحد منهما مقالة صاحبه، رآهما جندل بن عبيد الراعي، قال: فأقبل يركض على فرس له، حتى ضرب وجه البغلة التي تحت أبيه الراعي، وقال: مالك يراك الناس واقفا على كلب من كليب فصرفه. قال أيوب بن كسيب، قال جرير: فحميت، فقلت: أما والله يا ابن بروع، لتأتين بني نمير بأعباء ثقال، إن أهلي ساقوا بي وبراحلتي، حتى وضعوا بقارعة الطريق بالمربد، والله ما أكسبهم دنيا ولا أخرى، إلا لأسب من سبهم

من الناس، وإن عبيدا بعثه أهله على رواحلهم من اكتاف خلص وهبود، يلتمس عليها الميرة والخير، وايم الله لأوقرن رواحله مما ساء نسوة بني نمير. قال فأتى جرير رحله في دار بني مصاد، في موضع دار جعفر بن سليمان، وهو في غرفة، فجعل لا يهدأ قلقاً مما يجد في نفسه. قال: فصعد إليه بعضهم، فقال له: ما عراك يا أبا حرزة؟ قال: لا شيء، حتى فعل ذلك عامة ليله. قال: ويصعدون إليه فيسألونه ما شأنك، فلا يخبرهم بشيء، حتى افتتح له هجاؤه كما أراد، فقال: إني كنت أحاول هجاء العبد حتى أطلعت طلع هجائه. واستتب لي من ذلك ما أردت منه. قال: وأدخل طرف ثوبه بين رجليه ثم هدر كما يهدر البعير، وقال: أخزيت ابن بروع، حتى إذا أصبح غدا فرأى الراعي وابنه في سوق الإبل فقال: أجندلُ ما تقول بنو نميرٍ ... إذا ما الأيرُ في است أبيك غابا فقال الراعي لما سمع ذلك: شراً والله تقول. علوتُ عليك ذروةَ خندفيٍّ ... ترى من دونها رتبا صعابا لنا حوضُ النبيِّ وساقياه ... ومن وَرَث النبوةَ والكتابا إذا غضبت عليك بنو تميمٍ ... حسبتَ الناسَ كلَّهم غضابا فغضَّ الطرفَ إنك من نُميرٍ ... فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا أتجعلُ دِمنةً خَبُثتْ وقلَّت ... إلى فرعين قد كثرا وطابا فقال الراعي وهو يريد نقضها: أتاني أنَّ جحشَ بني كليب ... تعرَّض حول دجلَة ثم هابا

ويروى: أتانا الجحش جحش. ويروى حوم وهو أصح. فأولَى أن يظلَّ العبدُ يطفو ... بحيثُ ينازع الماءُ السحابا أتاك البحرُ يضربُ جانبيه ... أغرَّ تَرى لجزيتهِ حُبابا قال أبو عبد الله: فكف الراعي ورأى أن لا يجيبه، قال: فأجاب عنه الفرزدق على روي قوله: أنا ابنُ العاصمين بني تميم ... إذا ما أعظم الحدثان نابا قال: ثم قال الراعي فلم يهجه ولم ينزع - قال: وبعض قومه يقول إن جندلا قالها: إني أتاني كلامٌ ما غضبت له ... وقد أراد به من قال إغضابي جنادب لاحق بالرأسِ منكبه ... كأنه كودَنٌ يوشي بكلاب قولُ امرئٍ غرَّ قوماً من نفوسهم ... كخرز مكرهةٍ في غير أطناب قوله يوشي، يستخرج ما عنده. فغلبهما جرير. قال أبو عثمان، وأخبرنا الأصمعي، قال: مرَّ الراعي برجل يتغنى بشعر جرير، فتسمع له، وإذا هو يقول: وعاوٍ عوَى من غيرِ شيء رميتهُ ... بقافيةٍ أنفاذُها تقطُرُ الدما خرُوجٍ بأفواه الرواةِ كأنها ... قرى هندواني إذا هُزَّ صمَّمَا قال: فقال الراعي ما لجرير لعنة الله. ثم قال الراعي: علام يلومني الناس أن غلبني هذا. قال أبو عثمان، حدثني أبو عطارد، عن حسين

راوية جرير، قال: لقي جرير الراعي، فأخذ بيده، واعتذر اليه الراعي، فرآهما جندل بن الراعي، فأقبل فنتر يد أبيه من يد جرير، فقال جرير: وكانت فيه غنة، أما والله لأثقلن رواحلك، ثم أقبل جرير إلى منزله، فقال للحسين روايته: زد في دهن سراجلك الليلة، واعدد ألواحا ودواة. قال: ثم أقبل على هجاء بني نمير. قال: فلم يزل حتى ورد عليه قوله: فغضَّ الطرفَ إنكَ من نميرٍ ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا فقال جرير للحسين روايته: حسبك أطفئ سراجك ونم، فقد فرغت منه - يعني قتلته - قال: ثم إن جريرا أتم هذه القصيدة بعد. قال: وكان جرير يسميها الدماغة، ويسميها الدهقانة. قال: وكان يسمي هذه القافية المنصورة. قال: وذلك لأنه قال قصائد على قافيتها، كلهن أجاد فيها. قال سعدان: وأما عمارة بن عقيل، فانه قال: قال جرير لراعي الإبل، وهو يزجره، أن يقع بينه وبين الفرزدق، وبلغه عنه قول قال: فقال جرير: يا أبا جندل، إني قد كنت بهذا المصر سبع سنين، لا أكسب أهلي دنيا ولا آخرة، إلا أن أسب من سبهم، فلا يقع بيني وبين هذا الرجل منك ما أكره، وأنت شيخ مضر وشاعرهم، وقولك مسموع فمهلا. فقال: معاذ الله، لا أفعل ما تكره. قال: وجرير قائم لازم بعنان بغلة الراعي، وقد قال له الراعي ميعادك وميعاد قومك غدا مجلسكم في المسجد الجامع، فأعتذر إليكم مما بلغكم، وأرجع عما ساءكم. قال جرير: وقد بلغني أنك ترفع الفرزدق وقومه، حتى لو تقدر أن تجعلهم في السماء لفعلت، وتقع في بني يربوع حتى تصير إليَّ في رحلي. قال وابنه جندل وراءه يسمع ذلك، وهو على فرس له، فقال لرجل من هذا الذي أبي واقف عليه، قال له: ذلك جرير بن الخطفى. قال: فأقبل يشتد به فرسه حتى يهوى بالسوط لمؤخر بغلة أبيه. قال: فزحمتني والله

زحمة وقعت منها على كفي في الأرض. قال: وندرت قلنسوتي. قال: وسمعته يقول: إنك لواقف على كلب من كليب تعتذر إليه. قال: فمضيت وأنا أوعده في نفسي وأقول ما فيه دركي، مما أنال فيه شفاء غليظي. قال: فما مررت على مجلس إلا قلت: جاء ابن بروع برواحله من أهله بخلص وهبود يكسبهم عليهم، أما والله لأوقرن رواحله مما يثقلها خزيا ينقلب به إلى أهله. قال: فلما انتهيت إلى أهلي، فدخلت منزلي، واجتمعت إلى مشيخة قومي، فذكروا ما كان مني ومنهم تلك العشية، فقالوا: غلام سفيه فلا تكافئه بإساءته ولا تعجل بمكافأته، فإن الشيخ يلقانا بالبشر والطلاقة. قال: فلما انصرفنا من الجمعة، اجتمعنا في حلقتنا ومجلسنا في المسجد، فلم نحسه حتى صلينا العصر، وأردنا الانصراف، فوقف علينا رجل من بني أسيد قد علم الأمر، قال: فمع منا. فقال هاهو ذا جالسا في حلقة بني نمير ناحية المسجد، فقلنا للأسيدي: اذهب فتعرض له، واذكر مجلسنا، لعله نسي الذي قال لنا بالأمس، فأتاه، فقال: يا أبا جندل، هذه بنو يربوع تنضح جباههم العرق، ينتظرون ميعادك مذ اليوم. قال فوثب ليأتينا، فأدركته حلقة بني نمير، فأخذوا بأسافل ثوبه، وقالوا: أجلس، فو الله لأن ينضح قبرك غدوة في الجبانة، أحب الينا من أن يراك الناس تعتذر إلى هذه الكلاب - قال: وذلك بحدثان قتل وكيع قتيبة بن مسلم فباهلة ونمير غضاب على بني يربوع، قال: فأتى الرجل فاخبرنا، فانصرفنا. قال وارتكبه جرير فهجاه، قال جرير: فقلت من قصيدتي ليلتي ثمانين بيتا، فلما أتيت في آخر الليل على قولي: فغضَّ الطرفَ إنك من نميرٍ ... فلا كعباً بلغتَ ولا كلاباً علمت أني قد نلت منه حاجتي، وبلغت غايتي فيه. قال: وزعم

الكلبي أن جريرا بلغه قول عرادة النميري حيث يقول: رأيت الجحشَ جحشَ بني كليب ... تيمم حول دجلةَ ثم هابا قال: ثم أتممت القصيدة، ثم غدوت بها وهو قاعد بفنائه في المربد، فأنشدته إياها، فلما أتيت على قولي: فغض الطرف. قال: أخزيتهم أخزاك الله آخر الدهر. قال: فلما أتيت على قولي: أجندل ما تقول بنو نمير ... إذا ما الأيرُ في است أبيك غابا قال: تقولون شرا. أرسل يا غلام فبئس، والله، ما كسبنا قومنا. فقال جرير: أقلِّي اللَّومَ عاذِلَ والعِتابا ... وقُولي إنْ أصبتُ لقدْ أَصابا أجدَّكَ ما تذكُّرُ أهلَ نَجْد ... وحيًّا طالَ ما انتظرُوا الأيابا ويروى: ما يذكر عهد نجد. بلى فارفض دمْعُكَ غيْرَ نزْر ... كَما عيَّنتَ بالسِّرب الطِّبابا قال: التعيين في موضعين حين يفرغ من خرز الوعاء، يقولون، يومئذ، عيِّن وعاءك فيصب فيه الماء، فينظر من أين يسيل ومن أين عيبه فيسد. قال: والطباب الجلدة تضرب على أسفل المزادة. قال والسرب السيلان. قال: وقال بعضهم التعيين الرقة والفساد في الجلد. والطباب أيضا الشرائك، ويجمع بين أديمي المزادة.

وهاجَ البرْقُ ليلةَ أضرِعاتِ ... هَوىً ما تستطِيعُ لَهُ طِلابا فقُلْتُ بحاجة وطَويتُ أُخرَى ... فهَاجَ علىَّ بينهُما اكِتئابا ووجْدٍ قَدْ طويتُ يكادُ مِنْهُ ... ضَميرُ القلبِ يلتهِبُ التِهابا سألناها الشِّفاءَ فَما شَفتْنا ... ومنَّتنا المواعِدَ والخِلابا ويروى: التودد. وقوله الخلاب، الكذب من مواعيدهن وقول الباطل. بشتَّانَ المُجاوِرُ ديرَ أروَى ... ومنْ سكَنَ السَّليلَةَ والجِنابا أسيلةُ معقِدِ السَّمطَين مِنْها ... وريَّا حيثُ تعتقِدُ الحِقابا ولا تمشُيِ اللِّئامُ لَها بِسرٍّ ... ولا تُهدِي لجارَتها السِّبايا أباحَتْ أمُّ حزرةَ مِنْ فُؤادِي ... شِعابَ الحُبِّ إنَّ لَهُ شِعابا مَتى أُذْكَرْ بِخُورِ بَني عِقالٍ ... تبيَّنُ في وُجوهِهِم اكتئابا ويروى تبين. ويروى متى أقصد لخور بني عقال. إذا لاقَى بنُو وقبانَ غمًّا ... شَددتُ على أُنوفِهِمِ العِصابا قوله العصابا، يعني عصاب الغمامة التي تشد على أنف الناقة، وذلك إذا أرادوا أن يعطفوها على غير ولدها، كيلا تشمه، وإنما تعرف ولدها بالشم. أبَى لِي ما مَضَى لِي فِي تَميمٍ ... وفِي فرعيْ خُزيمةَ أَنْ أُعابا ويروى وفي حبي خزيمة. وحيا خزيمة يريد كنانة وأسدا. ستعلمُ مَنْ يصيرُ أبُوهُ قيناً ... ومَنْ عُرِفتُ قصائدُهُ اجتِلابا أثعلبَةَ الفوارِسَ أوْ رِياحا ... عدلتَ بِهمْ طُهَّيةَ والخِشابا قوله طهية يعني طهية بنت عبشمس بن سعد ولدت لمالك بن حنظلة

أبا سود. قال: والخشاب ربيعة ورزام إخوتهم، بنو مالك بن حنظلة من غير طهية. كأنَّ بَنِي طُهَيَّةَ رهطَ سَلمَى ... حِجَارَةُ خارئٍ يرْمِي كِلابا قال أبو عثمان، قال أبو عبيدة والأصمعي: كان أبو البلاد الطهوي الشاعر، خطب سلمى بنت عم أبي البلاد لحا، فقال أبوها: أنت سبريت - وإن شئت سبروت قال وهو الذي لا يملك شيئاً - قال، فقال له أبو البلاد: فإني أؤاجرك نفسي حتى تجتمع لي عمالة أقوى بها. قال: فأجابه إلى ما سأله. قال: ثم إنه رعى عليه زمانا، حتى إذا ظن أن قد قدر على صدقتها، ورد الماء لخمس، وقد أنكحها أبوها رجلا سواه. قال: ثم إن أبا البلاد تجهز إلى الكوفة ليمتعها، وقد بقي له من زاده آراب في مكتل، وقد شد في عمود البيت. قال والآراب كل عظم يكسر، فهو إرب. وهو من قول العرب قطعته إربا إربا، يعني عضوا عضوا. قال وقد شد الزبيل في عمود البيت، فتلقته أمة لبعض أهل الماء في حاجة لها. فقالت: يا أبا البلاد، قد أجيلت جوائل سلمى، فهات محورتك - قال وإنما أرادت قول أبي البلاد حيث يقول: سيعلمُ أكياسُ الرجالِ محورتي ... إذا الأمر من سلمى أجيلت، مجاوله قوله أجيلت مجاوله يعني قضى الأمر الذي يريدون، يعني قضي أمر سلمى، فزوجت وأنت لا تدري - قال، فقال للأمة: ويحك، ما تقولين؟ قالت: أنت وذاك فسل تخبر. قال: فقصد إلى بيت سلمى. قال، فقالت سلمى: فرأيت وجهه مصفراً، وظننت أنه من الجوع والضر. قالت: فقمت إلى المكتل ثم دفعته

إلى فناء البيت قبله، ثم قمت إلى ستارتي فجعل يعبث باللحم، وذاك برأي عيني. قالت: فملأني خوفاً ورعباً، وخفته على نفسي، وعلمت أنه لا جوع به، وأن الذي في نفسه، ما ظننت أنه قد بلغه من تزويجي. قالت: فخرجت موائلة أبادر كسر البيت، لأنجو منه بنفسي - قال وكسر البيت أثناء مواخيره الواقعة على الأرض - قالت ويقفوني بالسيف، فأهوى لعرقوبي، فضربهما. قال: فبقيت سلمى سائرة يومها، ثم ماتت. قال وهرب أبو البلاد هائما في البلاد. وقال بعضهم: ضرب حبل عاتقها، ثم قال أبو البلاد في نفسه، بعدما أمعن في البلاد هربا من أي شيء: أهرب فو الله ما أدري أحية هي أم ميتة. ثم إنه رجع ليعلم علمها. قال: فإذا أهلها يوقدون عندها، ويقلبونها على النار، وهو ينظر إليهم من حيث لا يعلمون به، قال: فماتت، فقال بعد موتها: يا موقدَ النارِ أوقِدها بعرفجةٍ ... لمن تُبيِّنها من مدلج سارِ قال: وإنما اختار العرفج، وذلك لأن نار العرفج أسرع التهابا من غيره، وناره أوسع وأكثر ضوءا. تبدي لك النار سلمى كلما وقدت ... للهِ دَرُّكِ ما تُبدين من نارِ قال: ثم إن أبا البلاد انطلق حتى أتى نافع بن قتب، سيد بني طهية، فنادى ابنه عصاما، فقال له: من ذا؟ قال: أنا أبو البلاد. فقال له: ما تشاء؟ قال، وذلك تحت الليل. ثم قال له: آذن أباك بي، فأتاه فأخبره. فقال: ما جاء به في هذه الساعة خير، وإني لأخاف شره. قال: فخرج إليه، فقال له: ما شأنك يا أبا البلاد؟ فقال له: قتلت فلانا، وسمى له

رجلا، وحاد عن ذكرها. وقال له: مر لي بزاد وراحلة وسقاء. قال: فأعطاه راحلة ونصف جلة وسقاء. قال: ثم هرب فبلغ الخافقين - الخافقان المشرق والمغرب - قال: ثم أنه ندم على قتل سلمى، فقال يعذل نفسه ويوبخها ويلومها على قتل سلمى: غدرَت أبا البلادِ بقتلِ سلمى ... وكنت أبا البلادِ فتى غدوراً قال: ولقي أبا البلاد الغول فقتلها. وقال في هربه ذلك: لهانَ على جهينة ما ألاقي ... من الروعات عند رحى بطانِ لقيتُ الغولَ تسري في ظلام ... بسهب كالعباية صحصحان فقلتُ لها: كلانا نقض أرض ... أخو سفر فصدّي عن مكاني فصدَّت وانتحيتُ لها بعضبٍ ... حسامٍ غيرِ مؤتشب يمان فقدت سلاتها والبركَ منها ... فخرّت لليدين وللجران فقالت زد، فقلت لها وإني ... على أمثالها ثبتُ الجنان ويروي: فقلت رويد. شددت عقالها وحللتُ عنها ... لأنظرَ غدوةً ماذا أتاني إذا عينان في وجهٍ قبيح ... كوجه الهر مسترق اللسان ورِجلا مخدج وسراةُ كلب ... وثوبٌ من فِراءٍ أو شنان قال: ثم إنه رجع بعدما مل الحياة، وقد حمل ديتها رجل من بني طهية، وأداها عن أبي البلاد. قال، وقال غيره: سلمى امرأة من بني طهية، قتلها أبو شداد القشيري. قال: وذلك أنها كانت قد هجته فعير

جرير بني طهية قتلها. رجع إلى شعر جرير: رأينَ سوادهُ فدنَوْنَ مِنْهُ ... فيرميهنَّ أخطأَ أوْ أَصابَا فلاَ وأَبيكَ ما لاقيتُ حياً ... كيربُوعٍ إذا رفعُوا العُقابا قال: العقاب، هاهنا، الراية التي تحمل في القتال، والناس يقاتلون معها وحولها، ما دامت قائمة، فإذا سقطت انهزم أهلها. قال: والراية لا تهمز. ومَا وجدَ المُلُوكُ أعزَّ مِنَّا ... وأسرَعِ مِنْ فَوارِسنا اسْتِلابا إذا حربٌ تلقَّحُ عَن حِيالٍ ... ودرَّتْ بعدَ مرْيَتِها اغْتِصابا قوله اغتصابا، قال: وذلك أن الناقة إذا امتنعت فلم تدر، عصبت فخذاها. قال فتلك العصوب. قال وإنما شبه الحرب بالناقة. قال وإذا طال جيال الناقة لقحت في أول قزعة. قال: وكذلك الحرب إذا تراخى سكونها وطال أمرها لقحت في أول هيج. قال: فضرب الناقة مثلا للحرب. قال: ومرية الناقة أن يمسح ضرعها حتى تدر. قال: فكذلك الحرب تهيج بالشيء بعد الشيء حتى تلقح. ونحنُ الحاكِمُونَ عَلى قُلاخٍ ... كَفينا ذا الجَريرةَ والمُصابا قوله على قلاخ، قالوا قلاخ أرض، وقالوا موضع باليمن، كانت به

وقعة. قال واختلفوا فيها، فكان الحكم في بني رياح، إلى بني حميري بن رياح بن يربوع وولده. قال فرضى بحكمهم. ويروى ونحن الحاكمون على عكاظ. قال وذلك أن الحكام والأئمة في الموسم كانوا بعد عامر بن الظرب في بني تميم. فكان الرجل يلي الموسم منهم ويلي غيره القضاء. فكان من اجتمع له الموسم والقضاء جميعا سعد بن زيد مناة بن تميم. قال ثم ولى ذلك حنظلة بن مالك بن زيد مناة. ووليه ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم. ثم وليه مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. ثم وليه ثعلبة بن يربوع بن حنظلة. ثم معاوية بن شريف ثم جروة ابن أسيد بن عمرو بن تميم. ثم الاضبط بن قريع بن عوف بن كعب ابن سعد. ثم صلصل بن أوس بن مخاشن بن معاوية بن شريف بن جروة. قال وكان آخر تميمي اجتمع له القضاء والموسم سفيان بن مجاشع فمات. فافترق الأمر فلم يجتمع القضاء والموسم لأحد منهم حتى جاء الإسلام. وكان محمد بن سفيان بن مجاشع يقضي بعكاظ، فصار ميراثا لهم. فكان آخر من قضى منهم الذي وصل إلى الإسلام الأقرع ابن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان. حَمينا يومَ ذِي نجبٍ حمانا ... وأحرزْنا الصَّنَائِعَ والنِّهابا قوله يوم ذي نجب كان لبني يربوع خاصة، دون بني حنظلة. لَنَا تحتَ المحامِل سابِغاتٌ ... كنَسْجِ الرَّيحِ تَطَّرِدُ الحَبابا ويروى ترى تحت المحامل سابغات. قال والمحامل يعني محامل السيوف واحدها محمل. قال وهي أيضا الحمائل. وقوله الحباب قال الحباب الذي تراه على الماء مثل الوشم تراه وتبينه إذا حركته الريح. وذَي تاجٍ لَهُ خرزاتُ مُلْكِ ... سَلبناهُ السُّرادقَ والحجابا

ألا قَبحَ الإلهُ بَني عقال ... وزادهُمُ بغدرْهم ارْتيابَا أجيرانَ الزُّبير برئْتُ منكُمْ ... فألقُوا السَّيفَ واتَّخذُوا العِيَابا يقول أنتم نساء فاتخذوا العياب ودعوا السلاح. لقْدْ غرَّ القيونُ دَماً كَريماً ... ورحلاً ضاعَ فانتُهبَ انتِهابا وقدْ قعستْ ظُهُورُهم بِخيل ... تُجاذبُهمْ أعنَّتها جذابا يقول يريدون الانهزام والتأخر القهقرى، والخيل تريد التقدم وهي تجاذبهم أعنتها. عَلاَمَ تقاعسُونَ وقَدْ دَعاكُمْ ... أهانَكُمُ الَّذي وَضعَ الكتابَا تعشَّوْا من خزيرهمُ فنامُوا ... ولَمْ تهجعْ قرائبُه انتحَابَا أتنسونَ الزُبيرَ ورهْطَ عوفٍ ... وجعثنَ بعدَ أعينَ والرَّبَابَا قوله رهط عوف، يعني عوف بن القعقاع بن معبد بن زرارة. ورهطه مزاد بن الأقعس بن ضمضم. قال وقد مر حديثه فيما امليناه من الكتاب وكتب في موضعه. قال وأما قوله بعد أعين، فإن حديث أيمن بن ضبيعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع، ان عليا ابن أبي طالب، رضي الله عنه، كان بعثه إلى البصرة فقتل بها، وذلك أن بني حوي بن سفيان بن مجاشع، والرباب بنت الختات بن يزيد المجاشعي - أظن أنه غراب البين وكان أسود كأنه حبشي - قال وكان يزعم أنه من بني مرة بن عوف من غطفان، وكان مصدقا على بني تميم لابراهيم بن عربي فقال إنها انغلت منه - أنغلت جاءت بولد نغل ولد زنا - ووجد غراب البين عند هند بنت عبد الله بن حكيم القرين فعقروا ناقته وفيه يقول جرير يعيرهم بذلك:

ترضى الغراب وقد عقرتم نابه ... بنت القرين بمحبس وسرير قالت فدتك مجاشع واستنشقت ... من منخريه عصارة القفور وحنت هنيدة خزية لمجاشع ... إذ أولمت لهم بشر جزور وحنت وجنت أيضا كل هذه روايات. وقال جرير في هذه القصة: سأذكر من هنيدة ما علمتم ... وأرفع شأن جعثن والرباب وأصبح غاليا فتقسموه ... عليكم لحم راحلة الغراب رجع: ألْم تَرَ أنَّ جعثِنَ وَسْطَ سعْد ... تُسَمَّى بَعدَ قضَّتها الرِّحابا تُحزحزُ حينَ جاوزَ رُكبتيها ... وهزَّ القُزبريَّ لهَا فغَابا تحزحز أي تقدم حرها. ويروى تحزحزُ حينَ جلف ركبتيها ... وهز القسبري لها فغابا وتخزخز وتحزحز واحد أي تحرك. تَرَىَ بَرصاً بِمَجمَعِ إسكتيهاً ... كنعفقةِ الفرزدقِ حينَ شابا يعني بأسفل. ويروى لها برص بأسفل إسكتيها. في نسخة ابن سعدان بجانب إسكتيها. وهَلْ أُمٌّ تكُونُ أشدَّ رعياً ... وصرَّاً مِنْ قُفيرةَ واجتِلابا

ويروى وما أم. ويروى أشد نعظا. ويروى أشد فطرا. والفطر مسح الضرع ليدر. ومقرفة اللَّهازِمِ مِنْ عِقالٍ ... يُغَرِّقُ ماءَ نخبتِها الذُّبابا قوله ماء نخبتها، الماء هاهنا سلحها. والنخبة يعني الدبر. والنخبة جلد الاست ويروى: وسوداء المحاجر من عقال ... تغرق من مشيمتها الثيابا ويروى يشين سواد محجرها النقابا. تُواجهُ بعلَها بِعُضارِطِي ... كأنَّ عَلىَ مَشافِرِهِ جُبابا ويروى تواجه بعلها بسراطمي. قال والجباب من ألبان الإبل ما تجمع وتكمز. مثل الزبد والسراطمي الذي يسترط كل شيء. قال والجباب شبيه بالزبد يجتمع من ألبان الإبل ولا زبد له. تكمز صار كمزا. ويروي بضراطمي من الضراط والميم زائدة. وخُورُ مُجاشِعٍ تركُوا لقِيطاً ... وقالُوا حِنْوَ عينكَ والغُرابا يقول احفظ الغراب بعينك فإن ذهبت عينك جاء الغراب فأكلها. وحنو العين الحجاج. قال وكان لقيط بن زرارة قتل يوم جبلة. وقوله حنو عينك، قال حنو العين عظم الحاجب المنحني على العين. قوله والغرابا يقول هو قتيل فالغراب ينقره وهو واقع على عينه. وقالوا حنوها ناحيتها يعني تركوه صريعا يهزأ به. يقول أحذر لا يأكل عينك الغراب. وأضبعُ ذي مَعارِكَ قَدْ علمتُمْ ... لقِينَ بجنبهِ العَجبَ العُجابا

ويروى لقين بجيبه. ويروى بجلبة. أضبع جمع ضبع. وذو معارك موضع. وجلبة موضع. فإن مُجاشِعاً جمعُوا فِياشاً ... وأستاهاً إذا فَزعُوا رِطابا قوله فياشاً فإن الرجل يفخر بما ليس له ويكذب في فخره. وقوله رطابا يقول إذا فزعوا سلحوا. يقول قد جمعوا الخفر بالكذب والسلاح. وَلاَ وأَبيكَ ما لهُمُ عُقولٌ ... ولا وُجِدتْ مكاسِرُهُمْ صِلابا وليلةَ رحرحانْ تركتَ شِيباً ... وشُعثاً في بيُوتِكُمُ سِغابا رضعتُمْ ثُمَّ سالَ عَلى لِحاكُمْ ... ثُعالَةَ حيثُ لَمْ تجِدُوا شَرابا تركتُمُ بِالوقيِطِ عُضارِطاتٍ ... تُردِّفُ عِنْدَ رِحلتِها الركَّابا لَقَدْ خَزَي الفرزدقُ في معدٍ ... فأمْسَى جهدُ نُصرَتِهِ اغتِيابا يقول أخزيته فلم يكن عنده انتصار لنفسه إلا الاغتياب فقط. ولاَقَى القينُ والنِّخَباتُ غَمًّا ... تَرَى لِوُكُوفِ عبرتِهِ انْصِبابا ويروى: ولاَقَى القينُ والنِّخَباتُ غَمًّا ... على غم وزادهم عذابا والنخبات الجبناء من الرجال واحدهم نخبة. أتُوعِدِني وأنتَ مُجاشِعِيٌّ ... تَرَى في خَنْثِ نخبِتِهِ اضْطِرابا أصل الخنث اللين. وقولك في خنث يريد في عطف نخبتك لينا وانثناء. قال والنخبة الدبر. وخنثها شرجها. ويروى أرى في خنث لحيتك اضطرابا.

فَما هِبْتُ الفرزدقَ قَدْ علمتُمْ ... وَما حَقُّ ابْنِ يروَعَ أنْ يَهابا ويروى فما هيت الفرزدق. وابن يروع يعني الراعي. أعَدَّ الله للِشُّعرَاءِ مِنِّى ... صَواعِقَ يخضعُونَ لَها الرِّقابا قرنْتُ العبْدَ عبدَ بَنى نُميرٍ ... مَعَ القينينِ إذْ غُلِبا وَخابا أَتانِي عَنْ عَرادةَ قولُ سُوءٍ ... فَلا وأبِي عَرادَةَ مَا أَصَابا يعني عرادة النميري راوية الراعي. وكَمْ لَكَ يا عَرادَ مِن أمِّ سُوءٍ ... بِأرضِ الطَّلْح تحتبِلُ الزَّبابا الزبابة شبيه الفأرة. عَرادةُ مِنْ بقيَّةِ قَوْمِ لُوطٍ ... ألا تَبا لما عملُوا تبابا لَبِئسَ الكسبُ تكسبُهُ نُميرٌ ... اذا استأنوكَ وانتظروا الأيابا أنا البازِي المُدِلُّ على نُميرٍ ... أتِحْتُ مِنَ السَّماءِ لهَا انصبابا ويروى المطل على نمير، ويروى أتحت من السماء له انصبابا. إذا علقَتْ مَخالِبُهُ بِقرْنٍ ... أصابَ القَلْبَ أوْ هتكَ الحِجابا تَرَى الطَّيرَ العِتاقِ تظلُّ مِنْهُ ... جوانِحَ لِلْكلاكلِ أنْ تُصابا الكلاكل الصدور. قال وإنما أراد أنها لاصقة بالأرض من مخافته فشبه نفسه بالبازي.

ولَوْ وُضِعت فِقاحُ بَني نِميرٍ ... عَلَى خَبث الحَدِيدِ إذا لذَابا فَلا صلَّى الإِلهُ عَلى نُميرٍ ... وَلا سقيتْ قُبُورُهمُ السَّحابا وخضْراءِ المغابِنِ مِنْ نُمير ... يشينُ سوادُ مَحْجِرها النِّقابا ويروى وسوداء المحاجر وسوداء المغابن. ويروى ومقرفة المغابن. قال والمغابن ما تثنى من الجلد واسترخى من جلد المرأة والرجل أيضا. والمحجر من المرأة ما خرج من النقاب ولم يغطه النقاب. ويقال المحجر ما حول العين وهو بارز من النقاب إذا انتقبت المرأة. إذا قامَتْ لِغيْرِ صَلاةِ وِتْرٍ ... بُعيْدَ النَّومِ أنْبحَتَ الكلاِبا تطلَّى وهَيَ سيئَة المعَرَّى ... بصِنَّ الوَبْرِ تَحْسبهُ مَلابا كانَّ شَكِيرَ نابِتِ إسْكتَيْها ... سِبالُ الزُّطِّ علَّقَتِ الرِّكابا قال الشكير الزغب تحت الشعر ن والريش الصغار تحت الكبار، والورق الصغار الذي ينبت تحت الكبار. وقَدْ جلَّتْ نساءُ بَني نُميرٍ ... وَما عرفَتْ أَنامِلُها الخِضَابا جلت لقطت الجلة من كثرة ما تعالج الأبعار، ويقال جلت من الجلال والجلالة يريد به من الكبر. وقال في مثله الشاعر: فإن تنسني الأيام الا جلالة ... أعش حين لا تأسى علي العوائد قال والمعنى في ذلك: إن تؤخرني الأيام ويتأخر أجلي أعش فاهرم،

فلا تحزن علي عوائدي ولا تبالي حياتي، ولا نفع عندي ولا دفع. قال أبو عبد الله وقد حلبت من الحلب ويروى: لقد حلبت أناملها وصرت ... وما عرفت أناملها الخضابا إذا حلَّتْ نساءُ بنِي نُميْرٍ ... عَلى تِبراكَ خبثت التُّرابا تبراك هو ماء لبني العنبر. قال أبو عثمان سمعت الاصمعي يقول: جاءت عن العرب أربعة أحرف: قوله تعشار وهو لبني ضبة. وتبراك وهو لبني العنبر. وقولهم تقصار وهو القلادة اللاصقة بالحلق. وقولهم تلقاء - ويروى إذا جلست نساء بني نمير - وفي المصادر تلقاء وتبيان. أبو عبد الله ما سوى هذين - يعني تلقاء وتبيان - من المصادر فهو مفتوح الأول. وَلوْ وُزِنتْ حُلُومُ بَنِي نُمَيرٍ ... عَلى المِيزانِ ما وَزنتْ ذُبابا فَبراً يا تُيُوسَ بَنَي نميرٍ ... فإن الحربَ مُوقِدةٌ شِهابا بَعمرُ أبي نِساءِ بَنِي نُميرٍ ... لسَاءَ لَها بمقصبتي سِبايا ستهدِمُ حائِطَيْ قرماءَ مِنِّي ... قَواف لا أريد بِها عِتابا دخْلَنَ قُصُورَ يثربَ مُعلماتٍ ... ولَمْ يتركنَ مِنْ صنعاءَ بابا يقول سارت القوافي فيهن فبلغن كل مكان. وقوله ولم يتركن من صنعاء بابا وذلك أن الأقرع بن حابس قاد الخيل من أرض نجد حتى دخل نجران فأغار على بني الحارث بني كعب وأغار الاضبط ابن قريع والنمر بن مرة بن حيان، والرئيس الأول، وهو محلم بن سويط الضبي، في جماعة من بني تميم على أهل اليمن حتى انتهوا إلى صنعاء. تَطُولكُمُ جِبالُ بَنِي تميمٍ ... ويحمِي زأرُها أجماً وغابا يقال من ذلك طاولته فطلته أي كنت أطول منه. قال أبو عبد الله

الراوية وتحمي أسدها. ألمْ نُعتِقَ نِساءَ بَني نُميرِ ... فَلا شُكراً جَزَيْنَ وَلا ثَوابا أجندلُ ما تقُولُ بَنُو نُميرٍ ... إذا ما الأيرُ في استِ أبيكَ غابا ألمْ ترَني صُبِبْتُ عَلَى عُبيدٍ ... وقَدْ فَارتْ أَبا جِلُهُ وَشابا قوله فارت يعني تعقدت وورمت. أُعِدُّ لهْ مواسِمَ حامِياتٍ ... فَيَشفَى حرُّ شُعلتِها الجرابا فغُضّ الطرفَ إنَّكَ مِن نُميرٍ ... فَلا كعباً بلغتَ ولا كِلابا أتعدلُ دِمنَةٌ خبثت وقلَّت ... إلى فرعينِ قَدْ كَثرا وَطابا الدمنة نمير، والفرعان كعب وكلاب. وحُقَّ لمِنْ تكنَّفُهُ نُميرٌ ... وضَبَّةُ لا أَبا لَكَ أَنْ يعابا يعني قريع بن الحارث بن نمير، وضبة بن نمير. ويروى وحق لمن تعد له نمير. فَلَولا الغُرُّ مَنْ سَلفيْ كِلابٍ ... وكعْبٍ لاغتصبتُكُمُ اغْتِصابا فَانَّكُم قَطِينُ بَني سُليْمٍ ... تُرَى بُرقُ العباءِ لكُمْ ثِيابا ويروى قطع العباء. وقطع العباء الفراء. قوله برق العباء يقول: اكسيتهم برق أي فيها بياض وسواد يبرق فيها. ويقال من ذلك جبل ابرق، أي قوة بيضاء، وقوة سوداء. والقوة الطاقة. إذا لنفيتُ عبْدَ بَني نُميرٍ ... وعلِّي أَنْ أزيدهُمُ ارْتِيابا ويروى فماذا عند عبد بني نمير فعلي أن أزيدهم. وقال أبو عبد الله

فماذا راب عبد بني نمير فعلي. فيَا عَجبِي أتُوعِدُني نُميرٌ ... براعِي الإبلِ يحتْرشُ الضِّبابا الاحتراش أن يجبئ الرجل إلى جحر الضب، فيحرك يده عليه فيحسبه الضب أفعى أو حية، فيخرج الضب إليه ذنبه فيضربه بذنبه، فلا يزال به حتى يأخذ بذنبه فيخرجه. قال ومثل من أمثال العرب "أنا أعلم بضب احترشته". ومثل آخر من أمثالهم "هذا أجل من الحرش". لعلَكَ يا عُبيد حَسِبتَ حَرْبِي ... تُقلِّدُكَ الأصِرةَ والعِلابا إذا نَهضَ الكِرامُ إلى المعالي ... نهضتَ بعلُبةٍ وأثْرَت نابا تُنوِّخُها بِمحنيَةِ وحِيناً ... تُبادِرُ حدَّ دِرَّتها السِّقابا ويروى تبوئها من الباءة وهو النكاح، وتبوخها مثله. قال والمحاني في الوادي مثل العواقيل في الأنهار. ويقال المحاني ثني الوادي وعطفه. يقول تبادر ألبانها أولادها فتسبق أولادها أن تشرب اللبن من أمهاتها فتشربه. قال والمعنى في ذلك يقول إنك راع يعيره بذلك. تَحِنُّ لَهُ العِفاسُ إذا أفاقَتْ ... وتعْرِفُهُ الفِصالُ إذا أَهابا قال والعفاس وبروع ناقتان كان الراعي ذكرهما في شعره، وقوله إذا أفاقت قال، وأفاقتها يريد اجتماع درتها بعد الحلب. قال والاهابة الدعاء. فأولِعْ بالعِفاسِ بَني نُميرٍ ... كما أولعتَ بالدَّبَرِ الغُرابا وبِئْسَ القرضُ قرضُكَ عِندَ قيسٍ ... تُهيجُهُمُ وتمتدحُ الوِطابا قوله تهيجهم تعرضهم للهجاء. الرواية الصحيحة تهجيهم من الهجاء.

وتَدْعُو خَمْشَ أُمِّكَ أَنْ تَرانا ... نُجُوماً لا تَرُومُ لَها طِلابا قوله خمش أمك وهو مثل قولك ويل أمك، دعاء عليه أي تثكله أمه حتى تخمش عليه. فَلنْ تَسْطِيعَ حنظَللتي وسُعْدى ... ولا عَمْري بلغتُ ولاَّ الرِّبابا ويروى وسعدى وعمري إذا دعوت ولا الربابا. قُرُومٌ تحملُ الأعباءَ عنكُمْ ... إذا ما الأمرُ في الحدثانِ نابا هُمُ مُلَكُوا المُلْوكَ بِذاتِ كهفٍ ... وهُمْ منعُوا مِنَ اليَمنِ الكُلابا قال أبو عبيدة: قوله بذات كهف، قال وهو انك إذا قطعت طخفة بينها وبين ضرية، والطريق بينها وبين قنة الحمر، فهو يوم طخفة، ويوم الرخيخ، ويوم ذات كهف، ويوم خزاز. قال وذلك لانهن متقاربات. وقوله: وهم منعوا من اليمن الكلابا، قال فيوم الكلاب لبني سعد والرباب. قال وإنما جاز له أن يفخر به لأنه فخر به على راعي الابل النميري. قال أبو عبيدة وليس هذا الكلاب بالكلاب الأول. قال وذلك لأن الكلاب الأول كان بين شرحبيل وسلمة الغلفاء ابني الحارث ابن عمرو الكندي، لما هلك تنافس ابناه في الملك فقتل سلمة أخاه شرحبيل: قال وأما كلاب بني تميم، فكان بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، قال وقال اليربوعي: قوله هم ملكوا الملوك بذات كهف، أن بني يربوع أسروا قابوس بن المنذر بن ماء السماء، وحسان أخاه. قال والكلاب الأخير هو لسعد والرباب على أهل اليمن ومذحج وغيرهم. إذا غَضِبتَ عليكَ بنُو تَميمٍ ... حَسِبْتَ النَّاسَ كُلَّهُمْ غِضابا ألسْنَا أكثَرَ الثَّقلينَ رَجلاً ... بِبطْنِ مِنىً وأعظمهُ قبابا

وأجْدَرَ إنْ تَجاسرَ ثُمَّ نادَى ... بِدَعْوَى يالَ خِندِفَ أَنْ يُجابا قوله وأجدر يعني وأخلق أن يكون كذلك. لَنا البَطحاءُ تُفْعِمُها السَّواقِي ... ولمْ يَكُ سيْلُ أودِيَتي شِعابا فما أنتُمْ إذا عَدلتْ قُرُومِي ... شَقاشِقَها وَهافَتَتِ اللُّعابا ويروى إذا هدلت. قوله إذا عدلت قرومي يعني إذا مالت رءوسها فهدرت. قال وكذلك يفعل الفحل إذا هدر أمال رأسه ناحية كالتكبر الذي يميل رأسه تجبرا. قال فهو إذا هدر رأسه في ناحية شقته. وقوله وهافتت اللعابا، يريد فألقت القروم لعابها، يريد زبدها إذا هدرت وهو الأصل، إلا أنهم نقلوه إلى غيره. قالوا الهفيتة القوم تقحمهم السنة فيتهافتون على الناس في أمصارهم، كتهافت ذلك اللعاب وهو زبد البعير إذا أهدر وألقاه من فيه. قال والقرم الفحل من الإبل الذي لم يمسسه حبل ولا حمل عليه لكرمه، وإنما هو للفحلة فشبهوا السيد القوم وكريمهم بالفحل. تَنَحَّ فإن بحْرِي خِنْدفيٌّ ... تَرَى في مَوْجِ حريتهِ حبابا ويروى ترى في موج جريته عبابا، ويروى ترى لفحول جربته عبابا. بِمَوجٍ كالجِبالِ فإن ترُمْهُ ... تُغَرَّقُ ثمَّ يَرم بِكَ الجنَابا فما تَلْقى مَحِلِّيَ في تَميمٍ ... بِذِي زَلَلٍ ولا نَسْبَي ائتِشابا ويروى على زلل. والمؤتشب المخلوط من كل ضرب، يقال قد تأشبوا إذا اختلطوا من كل حي. ويقال أشبوا ايضا وهم الاشابة والاباشة.

ويروى ولا نسبي أشابا. عَلَوتُ عليكَ ذِروةَ خِندفَي ... تَرى مِنْ دُونِها رُتُباً صِعابا لَهُ حوضُ النَّبِيِّ وساقِياهُ ... وَمَنْ وَرِثَ النُّبوَّةَ والكِتابا ويروى لنا حوض النبي وساقياه. قال سعدان وقال لنا الأصمعي وأبو عبيدة: كانت الاجازة في الجاهلية لصفوان بن شجنة بن عطارد بن عوف بن سعد بن زيد بن مناة بن تيم. ومِنَّا مَنْ يُجِيزُ حَجِيج جَمْعٍ ... وإنْ خاطبتَ عزَّكُمُ خِطابا قالوا وقوله ومنا من يجيز، أراد كرب بن صفوان، قال وكان يجيز الناس من عرفات إلى مزدلفة إلى منى. قال وكانت صوفة، وهم بنو الغوث بن حرب يجيزون من منى إلى الأبطح. وبكر بن وائل يجيزون من الأبطح إلى الكعبة. ستعْلَمُ مَنْ أعز حِمى بِنجْدٍ ... وأعظمُنَا بِغائرَةٍ هضابا أعزُّكَ بِالحجازِ وإنْ تسهَّلْ ... بِغُورِ الأرْضِ تُنتهبِ انتِهابا قوله اعزك يريد أغلبك، وهو من قولهم من عز بز. يقول من غلب قهر صاحبه، بزه ثيابة وما معه. أتيعَرُ يا ابنَ بروعَ مَنْ بعيدٍ ... فَقَدْ أسْمعتَ فاستمع الجَوابا قوله أتيعر يريد تصيح صياح التيس. قال واليعار صوت المعز، والثؤاج صوت الضأن. فَلا تجزعْ فإن بَنِي نُميرٍ ... كأتوامٍ نفحتَ لهُمْ ذِنابي قال الذناب النصيب وأصله الدلو.

شَياطِينُ البلادِ يخفْنَ زَأرِي ... وحيَّةُ أريُحاءَ لَيِ اسْتَجابا ويروى رآبيل البلاد. وقال هي جمع رئبال بالهمز. أريحاء بالشأم مدينة بيت المقدس. تَركتُ مُجاشِعاً وبنِي نُميرٍ ... كَدار السَّوْء أسرعَتِ الخَرابا ألمْ تَرَني وسمتُ بَني نُميرٍ ... وردتُ عَلى أُنوفِهِمُ العِلابا إليْكَ إليْكَ عبدَ بَنِي نُميرٍ ... وَلَما تقتَدِحُ مِنِّى شِهابا فأجابه الفرزدق فقال: أَنا ابْنُ العَاصِمينَ بَنِي تَميمٍ ... إذا ما أعظمُ الحدثانِ نابا نما في كُلِّ أصْيدَ دارِميِّ ... أغرَّ تَرَى لقُبَّتِه حِجابا مُلُوكٌ يبتنونَ توارثُوها ... سُرادِقُها المُقاولُ والقِبابا مِنَ المستأذنِينَ تَرَى معدَّاً ... خُشُوعاً خاضِعِينَ لَهُ الرِّقابا شُيوخٌ مِنْهُمُ عُدُسُ بنُ زيدٍ ... وسُفيانُ الَّذي وردَ الكُلابا قال أبو عبد الله: هؤلاء عدس بضم الدال، وغيرهم عدس بفتح الدال. قال سعدان وأبو عبيدة: يقال عدس بنصب الدال وبرفعها يقالان جميعا. قال وهو عدس بن زيد بن عبد الله بن درام، وسفيان بن مجاشع بن درام جد الفرزدق. قال وأم سفيان شراف بنت بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، قال وكان سفيان بن مجاشع رئيس بني مالك بن حنظلة يوم الكلاب الأول.

وهذا حديث يوم الكلاب

وهذا حديث يوم الكلاب قال أبو عبيدة: وكان من حديث يوم الكلاب الأول، فيما حدث خراش وابن الكلبي هشام بن محمد، ان الحارث الملك بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار الكندي، كان فرق بينه في قبائل العرب. قال فصار شراحيل بن الحارث في بكر بن وائل، وحنظلة مالك، وبني ابن زيد بن تميم، وبني أسيد، وطوائف من بني عمرو بن تميم، والرباب. قال وصار سلمة بن الحارث في بني تغلب، والنمر بن قاسط، وسعد بن زيد مناة ابن تميم. قال وكانت طوائف من بني دارم بن مالك ابن حنظلة من ولد أسيدة بنت عمرو بن عامر بن امرئ القيس بن فتية بن النمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، مع اخوتهم التغلبيين لأمهم في بني تغلب - وبني أسيدة بنت عمرو بن دارم بن مالك بن حنظلة، وربيعة بن مالك بن حنظلة، واخوتهم لأمهم بنو جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، وهم زهير ومالك وسعد ومعاوية والحارث وعمرو وعامر بنو جشم بن مالك - ومع سلمة الصنائع، وهم الذين يقال لهم بنو رقية، رجال كانوا يكرهون مع الملوك من شذاذ الناس، أي ممن شذ منهم، أي طرداء الأحياء. قال فلما هلك أبوهم الحارث بن عمرو، تشتت أمرهم وتفرقت كلمتهم. قال ومشت الرجال بينهم، فكانت المغاورة بين الأحياء التي معهم، يغير بعضهم على بعض، وتفاقم أمرهم حتى جمع كل واحد منهما لصاحبه الجموع، وزحف بعضهم بالجيوش. قال فسارت بكر بن وائل ومن معهم من قبائل حنظلة،

وبني أسيد بن عمرو بن تميم، وطوائف من بني عمرو بن تميم والرباب، فنزلت الكلاب. وهو ماء بين البصرة والكوفة وذلك على بضع عشرة ليلة من اليمامة - على سبع ليال أو نحوها - وأقبل سلمة في بني تغلب والنمر وأحلافها، وفي بني سعد بن زيد مناة بن تميم، ومن كان معم من قبائل حنظلة، وفي الصنائع. قال وهم أتباع الملوك - يريدون الكلاب - قال وكان نصحاء شرحبيل وسلمة قد نهوهما عن التفاسد والتحاسد وحذرهما الحرب وعثراتها وسوء مغبتها. قال فلم يقبلا ذلك وأبيا إلا التتابع واللجاجة. فقال سلمة في ذلك. إنى عليَّ استب لومكما ... ولم تلوما عمرا ولا عصما كلا يمين الآله يجمعنا ... شيء وأخوالنا بني جشما حتى تزور الضباع ملحمة ... كانها من ثمود أو إرما قال وكان أول من ورد الكلاب من جموع، سلمة بن الحارث الملك سفيان بن مجاشع، جد الفرزدق - وهو همام بن غالب بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم - قال وكان نازلاً في بني تغلب مع إخوته لأمه. قال: فقتلت بكر بن وائل ستة بنين له فيهم مرة بن سفيان - قتله سالم بن كعب بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان - وقرط بن سفيان ونبيه بن قرط بن سفيان. فقال سفيان حين قتل ابنه مرة: الشيخ شيخ ثكلان ... والجوف جوف حران والورد ورد عجلان ... أنعى اليك مرة بن سفيان قال وفي ذلك اليوم قال الفرزدق:

فوارس منهم عُدُسُ بنْ زيد ... وسفيانُ الذي وَردَ الكُلابا ويروى شيوخ. قال وأول من ورد الماء من بني تغلب رجلان، رجل من بني عبيد بن جشم على فرس يقال له الخروب وبه كان يعرف، وهو نعمان بن قريع بن حارثة بن معاوية بن عبيد بن جشم. قال ثم ورد سلمة ببني تغلب وسعد وجماعة الناس. قال وعلى بني تغلب السفاح، وهو سلمة بن خالد بن زهير بن كعب بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب وهو يقول: إن الكلاب ماؤنا فخلوه ... وساجرا والله لن تحلوه قال فاقتتل القوم قتالاً شديداً وثبت بعضهم لبعض. قال حتى إذا كان آخر النهار من ذلك اليوم خذلت بنو حنظلة وعمرو بن تميم والرباب بكر بن وائل. قال وانصرفت بنو سعد وألفافها عن بني تغلب. وصبرابنا وائل بكر وتغلب، ليس معهم غيرهم حتى غشيهم الليل. ونادى منادي شرحبيل: من أتاني برأس سلمة، فله مائة من الابل. ونادى منادي سلمة: من أتاني برأس شرحبيل، فله مائة من الابل. قال وكان شرحبيل نازلا من بني حنظلة وعمرو بن تميم والرباب، ففروا عنه. قال وعرف أبو حنش، وهو عصم بن النعمان بن مالك بن عتاب بن سعد ابن زهير بن جشم بن بكر، مكان شرحبيل فقصد نحوه، قال فلما انتهى اليه رآه جالسا وطوائف من الناس يقتتلون حوله، فطعنه بالرمح ثم نزل إليه فاحتز رأسه، وأتى به سلمة، والناس حوله فطرح الرأس بين يديه. فانحازت بكر بن وائل لما قتل صاحبهم من غير هزيمة تذكر. قال وقال أناس آخرون: إن بني حنظلة وعمرو بن تميم والرباب لما انهزمت، خرج معهم شرحبيل،

ولحقه ذو السنينة، وذلك أنه كانت له سن زائدة، واسمه حبيب بن بعج بن عتبه بن سعد بن زهير بن جشم - في نسخة ابن سعدان واسمه حبيب أيضا - قال فالتفت إليه شرحبيل، فضرب ذا السنينة على ركبته فأطن رجله وكان ذو السنينة أخا أبي حنش لأمه، أمهما سلمى بنت عدي بن ربيعة أخي كليب ومهلهل - فقال ذو السنينة: يا أبا حنش قتلني الرجل - فقال أبو حنش: قتلني الله إن لم أقتله. قال ومات ذو السنينة. فحمل أبو حنش على شرحبيل فأدركه، فالتفت إليه شرحبيل فقال: يا أبا حنش اللبن اللبن. قال قد هرقت لنا لبنا كثيرا. فقال: يا أبا حنش أملك بسوقه. قال إنه كان ملكي يعني أخاه قال فطعنه أبو حنش فأصاب رادفة سرجه، فورعت عنه ثم أهوى له فألقاه عن الفرس، ثم نزل إليه فاحتز رأسه، وبعث به إلى سلمة مع ابن عم له، يقال له أبو أجأ بن كعب بن مالك بن عتاب. فأتى به سلمة فطرحه بين يديه. فقال سلمة لو كنت ألقيته إلقاء رفيقا، قال ما صنع به وهو حي شر من هذا، قال وعرف القوم الندامة في وجهه والجزع على أخيه. وهرب أبو حنش فتنحى عنه. فقال معدي كرب أخو شرحبيل وكان صاحب سلامة معتزلا عن حربهما. ويقال إن الشعر لسلمة لا لمعدي كرب: ألا أبلغ أبا حنش رسولا ... فمالك لا تجيء إلى الثواب تعلم أن خير الناس طراً ... قتيل بين أحجار الكُلاب تداعت حوله جُشَمُ بنُ بكر ... وأسلمة جعاسيس الرباب قتيل ما قتيلك يا ابن سلمى ... تضربه صديقك أو تحابي

فأجابه أبو حنش فقال: أحاذر أن أجيئك ثم تحبو ... حباء أبيك يوم صُنَيبعات وكانت غدرةٌ شنعاء سارت ... تقلَّدها أبوك إلى الممات تتابع سبعة كانوا لأم ... كأجرام النعام الحائرات في نسخة ابن سعدان كأحراج النعام. يعني البيض. قوله يوم صنيبعات، أن ابنا للحارث كان مسترضعا بين حيين من العرب، تميم وبكر فمات. يقال لدغته حية. فأخذ خمسين رجلا من بكر فقتلهم بذلك. قال وكان معدي كرب بن عكب بن عكب بن كنانة بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب، من سادات بني تغلب وأشرافهم، وله يقول الشاعر: إن سرك العز التليد في العرب ... فالحق بأولاد عكب بن عكب قال وكان أخذ درع شرحبيل منه فطلبها منه أبو حنش ورهطه، فأبى أن يدفعها إليهم. فأغار رهط أبي حنش، فأخذوا إبلاً لرجل من بني تيم ابن أسامة بن مالك، رهط معدي كرب بن عكب بن عكب. فقال الذي أخذت إبله: ألا أبلغ بني تيم رسولا ... فإني قد كبرت وطال عمري وإن الدهم قد علمت معد ... محبسة لدى عصم بن عمرو وطار بها بنو حسان عني ... بأفراس لهم حو وشقر وأرماح لهم سمر طوال ... كأن كعوبهن حباب قطر قال وبلغ الخبر علفاء معدي كرب أخا شرحبيل، فقال يرثي أخاه ويذكر مصابه:

إن جنبي عن الفراش لناب ... كتجافي الأسرَّ فوق الظراب قوله الأسر ن قال الأسر من السرر، وهو داء يأخذ البعير في كركرته فتسيل ماء، فإذا برك في موضع غليظ تجافى لشدة الوجع. من حديث نما إليَّ فما تر ... فأ عيني وما أسيغ شرابي مرة كالذعاف أكتمها النا ... س على حرِّملة كالشهاب من شرحبيل إذ تعاوره الأر ... ماح من بعد لذة وشباب يا ابن أمي ولو شهدتك إذ تد ... عو تميما وأنت غير مجاب لتشدَّدت من ورائك حتى ... تبلغَ الرحبَ أو تبز ثيابي أحسنت وائل وعادتها الإح ... سان بالحنو يوم ضرب الرقاب يوم فرت بنو تميم وولت ... خيلهم يتقين بالأذناب ويحكم يا بني أسيّد إني ... ويحكم ربكم ورب الرباب أين معطيكم الجزيل وجابيكم ... على الفقر بالمئين الكباب والثمانين قد تخيرها الرا ... عي ككرم الزبيب ذي الأعناب فارس يضرب الكتيبة بالس ... يف على نحره كنضح الملاب وقال السفاح في ذلك: هلاّ سألت وريب الدهر ذو غير ... أن كيف صقعتنا ذهل بن شيبانا أما بنو الحصن إذ شالت نعامتهم ... فيخرج المرء من ثوبيه عريانا أما الرباب فولونا ظهورهم ... وأجزرونا أبا سلمى وسفيانا قوله وأجزرونا أبا سلمى، يقول صيرونا جزرا للأعداء. وأبو سلمى

من بني رياح أحد بني هرمي بن رياح. وسفيان بن حارثة بن سليط ابن يربوع. وفي نسخة ابن سعدان، جارية بن سليط. وقال السفاح في ذلك أيضاً: وردنا الكلاب على قومنا ... بأحسن ورد لهيجا شعارا وقد جمعوا جمعهم كله ... وجمع الرباب لنا مستعارا وقال أبو اللحام التغلبي، وأسمه سريع بن عمرو. وعمرو هو اللحام ابن الحارث بن مالك بن ثعلبة بن بكر بن حبيب. ربعنا بالكلاب وما ربعتم ... وأنهبنا الهجائن بالصعيد سقينا الابل غبّا بعد عشر ... وغبا بالمزاد من الجلود وجرد كالقداح مسومات ... شوازب محلسات باللبود بكل فتى أطار الغزو عنه ... بشاشة كل سر بال جديد وقال جابر بن حني في ذلك أيضاً: ويوم الكلاب قد أزالت رماحنا ... شرحبيل إذ ألية مقسم ليستلبن أدراعنا فأزاله ... أبو حنش عن ظهر شقّاء صلدم تناوله بالرمح ثم ثنى له ... فخر صريعا لليدين وللفم وكان معادينا تهر كلابه ... مخافة جمع ذي زهاء عرمرم قال: فلما قتل شرحبيل قامت بنو سعد بن زيد مناة دون أهله وعياله، فمنعوهم وحالوا بين الناس وبينهم، حتى ألحقوهم بقومهم ومأمنهم. قال: وولي لك عوير بن شجنة بن الحارث بن عطارد بن

عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة. قال وحشد له في ذلك رهطه ونهضوا معه فيه، فأثنى عليه امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بذلك في أشعاره وامتدحهم، وذكر ما كان من كريم وفائهم وفعالهم، ووصف ما كان من صبر قبائل بكر بن وائل، وما كان من محاماتهم. وخص بني قران، وهو عبد الله بن عبد العزى بن سحيم بن مرة بن الدول - والديل أيضا يقالان - أبي حنيفة ومحرق بن سعد بن مالك ابن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وبني مرثد وهو مرثد بن سعد بن مالك. قال وهجا بني حنظلة وذكر ما كان من خذلانهم وفرارهم وإسلامهم شرحبيل وانهزامهم، وفصل قبائل حنظلة قبيلة قبيلة فعم البراجم وغيرهم، من بني دارم بن مالك بن حنظلة، وهم زيد ابن نهشل، وقطن بن نهشل وأمهما ماوية المنقرية امرأة من الأراقم من بني تغلب، الذين قال امرؤ القيس: بلغ ولا تترك بني ابنةِ مِنقرٍ ... وفقرِّهُمُ إني أُفقِّرُ جابرا قوله فقرهم، يقول فصلهم فقرة فقرة أي قبيلة قبيلة. يعني بني عوف رهط عوير بن شجنة، وهو عوف بن كعب بن سعد. وقال امرؤ القيس: إن بني عوف ابتنَوْا حسبا ... ضيَّعه الدُّخُلُلون إذ غدروا أدوا إلى جارهم ذمامهم ... ولم يضيعوا بالغيب من نصروا ويروى خفارته. ويروى ولم يضع بالمغيب.

لم يفعلوا فعلَ حنظل بهم ... بئس لعمري بالغيب ما ائتمروا قوله حنظل يعني بني حنظلة - ويروى: لم يفعلوا فعل آل حنظلة ... إنهم جَيْر بئسما ائتمروا لا حميريٌّ وَفَى ولا عُدَسٌ ... ولا استُ عيرٍ يحكها الثغر قوله لا حميري، يريد حميري بن رياح بن يربوع. وعدس بن زيد بن عبد الله بن دارم. لكن عُوَيرٌ وَفى بذمته ... لا عَورٌ ضره ولا قصر كالبدر طلق حلو شمائله ... لا البخل أزرى به ولا الحصر من معشر ليس في نصابهم ... عيب ولا في عيدانهم خور بيض مطاعيم في المحول إذا أس ... تروح ريح الدخان والقتر وقال امرؤ القيس أيضاً: أحنظل لو حاميتم وكرمتم ... لأثنيت خيرا صالحاً ولأرضاني وقال أيضا: ألا قبح الله البراجم كلها ... وقبح يربوعا وجدع دارما قال أبو عبيدة، وكان الكلاب يوما من أيام العرب المشهورة

المذكورة، فقال فيه شعراء الإسلام وافتخروا بفضلهم فيه، وعير بعضهم بعضا، فقال الأخطل في ذلك مما يدل على تصديقه: أبني كليب إن عمي اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا وأخوهما السفاح ظمّأ خيله ... حتى وردن جبى الكلاب نهالا وقال الأخطل أيضا. قال وكان أتى العراق في حمالة تحملها، فسأل مالك بن مسمع، وهو أبو غسان. فقال له مالك عندي إلا التراب، ألست القائل: إذا ما قلت قد صالحتَ بكرا ... أبي الأضغانُ والنسبُ البعيدُ قال بلى، أنا صاحب ذلك وصاحب ما استأنف. قال وقد كان الأخطل قال قبل ذلك بزمان: هما أخوان عيشهما جميع ... رداء الملك بينهما جديد فأجابه جرير بن خرقاء أخو بني عجل فقال: أطال الله رغمك يا ابن دوس ... فقبل اليوم أحزنك الحديد تعيرنا الدماء بواردات ... وأنت بمأزق منا شريد معناه أنت شريد بمأزق منا: ويوم الحنو قد علمت معد ... حصدناكم كما حصدت ثمود فإن تذكر ليالي واردات ... فإن الدهر مؤتنف جديد أتغضب أن تعزّ الناس بكر ... وبيت العزّ في بكر تليد

فأجابه الأخطل فقال: ألا تنهى بنو عجل جريراً ... كما لا تنتهي عنا هلال وما تغني عن الذهلين إلا ... كما يغني عن الغيم الخيال وقال الأخطل أيضا: غدا ابنا وائل ليعاتباني ... وبينهما أجل من العتاب أمور لا يُنام على قذاها ... تُغِص ذوي الحفيظة بالشراب ترقوا في النخيل وأنسئونا ... دماء سراتكم يوم الكلاب فبئس الظاعنون غداة شالت ... على القُعُدات استاه الرباب نكر بنات حلاب عليهم ... ونزجرهن بين هَلٍ وهاب رجع إلى شعر الفرزدق: يَقُودُ الخيلَ تركبُ مِنْ وَجاها ... نَواصِيها وتغتصِبُ النِّهابا تفرَّعَ في ذُرى عوْفِ بِنْ كعْبٍ ... وتأبَى دارِمٌ لي أَنْ أُعابا قوله تفزع في ذرى عوف بن كعب، فإن أم سفيان بن مجاشع شراف بنت بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد. وضَمرَةُ والمُجبِّرُ كانَ مِنهُم ... وذُو القَوْسِ الَّذي رَكزَ الحِرابا

قوله وضمرة يعني ضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل. والمجبر هو سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم. وذلك أنه كانت أصابت قومه سنة فجبرهم. وقوله وذو القوس يعني حاجب بن زرارة ابن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم. وذلك أنه كان رهن قوسه كسرى عن العرب، فوفى له بما ضمن له. قال أبو عثمان عن أبي عبيدة: وكان من حديث قوس حاجب بن زرارة ورهنه إياه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على مضر فقال: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، وابعث عليهم سنين كسني يوسف". قال فتوالت عليهم الجدوبة والقحط سبع سنين حتى هلكوا. قال وأنزل الله تعالى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} قال أبو عبيدة حدثنا ابن عون: ان الدخان قد مضى في تحقيق الحديث. قال فلما رأى حاجب الجهد والجدب على قومه، جمع بني زرارة فقال: إني قد أزمعت على أن آتي الملك فأطلب إليه أن يأذن لقومنا، فيكونوا تحت هذا البحر حتى يحيوا. قال والبحر الريف. فتلكأ بعضهم عليه، وقال بعضهم رشدت فافعل. غير أنا نخاف عليك بكر بن وائل، لما كان بيننا وبينهم ولابد لك من ورود مياههم. فقال ما منهم وجه من الناس ولا شريف إلا ولي عنده يد خضراء، إلا ابن الطويلة التيمي، وأنا أرجو أن أداريه، ثم ارتحل فجعل لا يأتي على ماء لبكر إلا أكرمه سيدهم، ونحر له وقراه، حتى نزل قصوان وعليه ابن الطويلة التيمي - قال واسم ابن الطويلة سويد بن زهير بن حريث بن ربيعة ابن بكر بن أبي سود بن مالك بن حنظلة. ويقال ان أمه طهوية ولدت طهية بنت عبشمس بن سعد أبا سود، وعوذاً ابني مالك بن حنظلة، وأخوهما خشيش بن مالك، وليس من امهما. في نسخة ابن سعدان حشيش بالحاء غير المعجمة - فلما أضاء الصبح وناديهم قريب من

منزل حاجب الذي حل فيه، دعا حاجب بنطع، ثم أمر فصب عليه التمر، ثم نادي حاجب حيّ على الغداء. قال فنظر ابن الطويلة فإذا هو بحاجب، فقال لأهل المجلس أجيبوه فانه سيد قومه، فأتوه فأكلوا، واهدى اليه ابن الطويلة جزوراً وشياها، فنحر وأكل وأطعم. قال فلما أراد حاجب أن يرتحل، قال له ابن الطويلة إني معك حتى تبلغ مأمنك، فإني لا أدري ما يعرض لك أمامك. قال حاجب ليس أمامي أحد أخافه علي. قال وارتحل حاجب. فزعم ناس من غير بني تميم أنه أتى إياس بن قبيصة الطائي، عامل كسرى على الحيرة والعرب الذين يلونهم. قال فكتب له إلى كسرى. قال وزعمت بنو تميم أنه أتى كسرى. وزعم أبو عبيدة أنه أتى القائد الذي كان على الأساورة، الذين يكونون على حد العجم. قال فلما شكى إليه الجهد في أنفسهم وأموالهم، وطلب أن يأذن له فيكونوا في حد بلاده حتى يعيشوا ويحيوا. فقال له إنكم معشر العرب غدر حرصاء على الفساد، فإن أذنت لهم أفسدوا البلاد وأغاروا على الرعية وآذوهم. قال له حاجب فإني ضامن للملك أن لا يفعلوا. قال ومن لي بأن تفي بما تقول. قال أرهنك قوسي بالوفاء لك بما ضمنت لك. قال فلما جاء بقوسه حاجب، ضحك القوم الذين كانوا حول الملك لما رأوا قوسه، وقالوا بهذه العصا تفي للملك بما ضمنت له؟ قال فقال الملك لمن حوله ما كان ليسلمها لشيء أبدا. قال وأمرهم فقبضوها، وأذن لهم في أن يدخلوا الريف. قال فأتت مضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا هلك قومك وأكلتهم الضبع، فادع الله لنا ان يرفع عنا القحط وان يسقينا فانا نسلم. قال فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحيوا. قال وقد مات حاجب، وخرج أصحابه إلى بلادهم. قال فارتحل عطارد بن حاجب إلى كسرى ليطلب قوس أبيه. قال ولما دخل على كسرى وكلمه في القوس. قال له كسرى ما أنت بالذي وضعتها عندي قال أجل أيها

الملك، ما أنا بالذي وضعتها. قال فما فعل الذي وضعتها؟ قال هلك وهو والدي، وقد وفى لك أيها الملك بما ضمن لك عن قومه، ووفى هو بما قال للملك. قال كسرى ردوا عليه قوسه. قال وكساه حلة. فلما وفد عطارد بن حاجب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو رئيس وفد بني تميم فأسلم، أهدى الحلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال فلم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم. فباعها عطارد من الزبير بن باطا اليهودي بأربعة آلاف درهم. رجع إلى شعر الفرزدق: يَرُدُّونَ الحُلُومَ إلى جبالٍ ... وإنْ شاغبتهُمْ وجدُوا شِغابا أُولاكَ وعيْرِ أُمُكَ لَوْ تَراهُمُ ... بِعينَك ما استطعت لَهُمْ خِطابا ويروى لو تراهم وجدك ما استطعت لهم خطابا. رأيتَ مهابةُ وأسودَ غابٍ ... وتاجَ المُلْكِ يلتهبُ التِهابا قوله وتاج الملك، يعني تاج حاجب الذي كان توجه به كسرى. قال وقال ابن الاعرابي أراد بقوله وتاج الملك، يريد كسوة كسرى لعطارد بن حاجب بن زرارة، حين أخذ من كسرى القوس بعد موت أبيه. والغاب موضع الأسد. بَنُو شَمْسِ النَّهارِ وكُلُّ بَدْرٍ ... إذا انْجابَتْ دُجُنَّتُهُ انْجِيابا الرواية بني. ويروى وكل نجم. أي رأيت مهابة ورأيت بني شمس. ويروى بني شمس النهار، على المدح كما قال: نحن بني ضبة أصحاب الجمل. فنصب على المدح. والدجنة الظلمة. وانجيابها انكشافها. فَكيْفَ تُكلِّمُ الظَّربَى عليْها ... فِراءُ اللُّؤْمِ أَرْباباً غضابا ويروى عليهم فراء اللؤم. واحد الظربى الظربان وهو دويبة مثل

السنور منتنة الريح. لَنا قَمرُ السَّماءِ عَلى الثُّريَّا ... ونَحْنُ الأكثرُونَ حَصَىً وغابا ولسْتُ بِنائِلٍ قمرَ الثُّرَيَا ... وَلا جَبَلى الَّذي فَرعَ الهِضابا قال فرع علا وأشرف. والهضاب الجبال الواحدة هضبة. أَتطلُبُ يا حمارَ بَنِي كُليبِ ... بِعانَتِكَ اللَّهامِيمَ الرِّغابا اللهاميم السادة العظام الأفعال، وكل واسع الجوف ضخم فهو لهميم. والرغاب الواسعة. إناء رغيب أي واسع. وتَعْدِلُ دارماً بِبنيِ كُليبٍ ... وتَعدِلُ بِالمُفقئةِ السِّبابا قال وروى ابن الأعرابي بالمفقئة الشعابا. قال أبو عبيدة المفقئة أشعاره. وهو قول الفرزدق غلبتك بالمفقى: والمعنى وقوله: "ولست وإن فقأت عينيك واجدا" قال والمعنى قوله "لأنت المعنى يا جرير المكلف". يقول فأنا أفقيء عينيك بأشعاري وأنت تسبني. قال ابن الأعرابي قوله بالمفقئة الشعابا، يريد بالمفقئة التي تجيء وتسيل تتعمد كل شيء. قال والشعبة هو المسيل الصغير في تفسير ابن الأعرابي. قال أحمد بن عبيد المفقئة الأودية التي تتحرف في الأرض. ويروى بالمنفقة. فقُبِّحَ شرُّحيَّيْنَا قَدِيماً ... وأصْغَرُهُ إذا اغترفُوا ذِنابا ذناب جمع ذنوب وهي الدلو المملوءة ماء. وَلَمْ تَرِثِ الفَوارِسَ مِنْ عُبيدٍ ... وَلا شَيئاً وَرِثتَ ولا شِهابا قوله من عبيد، يعني عبيد بن ثعلبة بن يربوع، وشبث بن ربعي بن

الحصين بن عثيم بن ربيعة بن زيد بن رياح بن يربوع. وشهاب بن عبد قيس بن الكباس بن جعفر بن ثعلبة بن يربوع. وَطاحَ ابنُ المراغَةِ حِينَ مدَّتْ ... أعِنَّتِنا إلى الحَسبِ النِّسابا ويروى إلى الحسب السبايا يعني المفاخرة حين تسابوا. وأسلمهُمْ وَكانَ كَأُمُ حِلْسٍ ... أَقَرتْ بعدَ نَزْوتِها فَغابا ويروى كأم جحش. قوله أم حلس يعني الاتان وهي تكنى أم حلس. قال وكذلك تقوله العرب معروف عندها ذلك. وهو لقب للاتان لأنها تركب بحلس لا بلبد ولا بسرج. قال أبو عبد الله ويقال لها أم الهنبر. ولمَّا مُدَّ بيْنَ بَنِي كُليبٍ ... وَبَيني غايَةٌ كَرِهُوا النِّصابا أي المناصبة. قال أبو عبد الله وغاية دارم. رأَوْا أَنّا أَحَقُّ بآلِ سَعدٍ ... وأَنَّ لَنا الحناظِلَ والرِّبابا وأَنَّ لَنا بَنِي عَمْروٍ عَليْهِمْ ... لَنا عَددٌ مِنَ الأثريْنِ ثابا قوله من الأثرين قال الأثرون الأكثرون. ثاب أي رجع قال الحطيئة: ولكني أخذت بحبل قوم ... أعانهم على الحسب الثراء ذُبابٌ طارَ في لَهواثِ لَيْث ... كَذاك اللِّيثُ يلتهِم الذُّبابا هَزبرٌ يرفتُ القصراتِ رَفْتاً ... أبَى لِعُداتهِ إلاَّ اغْتصابا الهزبر الأسد. وقوله يرفت أي يكسر. قال والرفات ما تكسر من الشيء.

مِنَ الَّلائِي إذا أُرْهبْنَ زَجْراً ... دَنَوْنَ وزادهُنَّ لَهُ اقْتِرابا ويروى أرهقن. يقول لا يهولهن الزجر والوعيد. أَتَعْدِلُ حَوْمَتِي بِبَني كُليبٍ ... إذا بَحْرى رأَيْتَ لَهُ اضْطِرابا ويروى إذا اضطربت غواربها. حومتي كثرة عددي. وحومة الماء مجتمعة وكثرته. تَرُومُ لتَرْكَبَ الصُّعَداءَ مِنْهُ ... ولَوْ لُقْمانُ ساوَرَها لَهابا أراد لقمان بن عاد الأكبر. أتَتْ مِنْ فَوْقِهِ الغَمراتِ مِنْهُ ... بِمَوْجٍ كادَ يجتفلُ السَّحابا يقول لو وقع لقمان في هذه اللجة، ارتفعت الغمرات فوقه من كثرة الماء. ويروى أتت من فوقه الصعداء قدما بموج. يقول لو وقع لقمان في اللجة، ارتفعت نفسه منه صعداء جزعا منها في موج كاد يبلغ السحاب فيجتفله. تَقاصَرتِ الجِبالُ لَهُ وطمَّتْ ... بِهِ حَوْماتُ آخَرَ قَدْ انابا بِأَيَّةِ زَنمتيكَ تَنالُ قَوْمي ... إذا بَحْري رأيتَ لَهُ عُبابا الزنمتان اللتان تراهما متعلقتين في حلق العناق تنوسان. عباب موج وكثرة ماء وامتلاء. قال وزنمتاه ثعلبة ورياح ابنا يربوع، شبههما بزنمتي العنز وهو المتعلق منها.

تَرَى أمْواجَهُ كَجِبالِ لُبنَى ... وطوْدِ الخَيفِ إذْملأ الجَنابا قال ابن الأعرابي: وطود الحيق أدركت الجنابا. قال والحيق الجبل، وهو جبل قاف الحائق بالدنيا، يريد المحيط بالدنيا. يقال من ذلك حاق فلان بالمكان إذا أحاط به. إذا جاشَتْ ذُراهُ بِجُتحِ لَيْلٍ ... حَسِبْت عَليْهِ حَرَّاتٍ وَلابا قال واللابة والحرة واحد. ويروى إذا جشأت مهموزا يعني ارتفاع أمواجه. وهو من قولك جشأت نفسي وذلك إذا غلبه القيء فعلا في صدره وارتفع، فكأنه مأخوذ من ذلك. قال والجشء هو الارتفاع يريد بذلك ارتفاع الأمواج. مُحِيطاً بالجبال لَهُ ظِلالٌ ... مَعْ الجربْاءِ قَدْ بَلَغَ الطِّبابا ويروى محيط بالرفع. قال والجرباء يريد السماء. والطباب المجرة التي تكون في السماء، شبهها بطباب المزادة، وإنما يريد أن أحدا لا يبلغ مجدنا وارتفاعنا. فَانَّك مِنْ هجاءِ بَنِي نُمَيْرٍ ... كأهُلِ النَّارِ إذْ وجَدوَّا العَذابا رَجَوْا منْ حرِّها أَنْ يسترِيحُوا ... وقَدْ كانَ الصَّديدُ لهُمْ شَرابا فإن تَكُ عامرٍ أثرتْ وطابَتْ ... فَما أثْرَى أَبُوكَ وَما أطابا ولَمْ تَرِثِ الفَوارِسَ مِنْ نُميْرٍ ... وَلا كَعْباً وَرِثتَ ولا كِلابا ولكِنْ قَدْ ورِثْتَ بَنى كُليبٍ ... حَظائرَها الخَبِيثَةَ والزِّرابا ومَنْ يخترْ هَوازِنَ ثُمَّ يخترَ ... نُميراً يختَرِ الحسَبَ اللُّبابا

يوم فيف الريح

ويروى: ومن يختر هوازن ثم يأخذ .. نميرا من هوازن أو كلابا. اللباب الخالص، قال أبو عبيدة قال يونس رجل لباب ومصاص وخيار، ويقال للاثنين والجميع على هذا اللفظ لا يثنى ولا يجمع. وَيُمسِكُ مِنْ ذُراها بِالنَّواصِي ... وخيْرِ فَوارِسٍ عُلِموُا نِصابا ويروى فقد وأبيك أمسك بالنواصي. هُمُ ضَربُوا الصَّنائِعَ واسْتَباحُوا ... بِمَذْحِجِ يَوْمَ ذي كَلعٍ ضِرابا ويروى مذحج بخفض الميم وبنصبها، وهي أرض بين نجران وبين أرض عامر قال وهذا. يومُ فَيفِ الرِّيحِ وكان لبني نمير فيه بلاء حسن. قال وكان من قصته، أن بني عامر كانت تطلب بأوتار كثيرة بني الحارث بن كعب. قال فجمع لهم الحصين بن يزيد بن شداد بن قنان الحارثي ذو الغصة، وكان يغزو بمن تبعه من قبائل مذحج. قال فأقبل في بني الحارث، وجعفى، وزبيد، وقبائل سعد العشيرة، ومراد وصداء، ونهد، فاستعانوا بخثعم، فخرج شهران وناهش، وأكلب عليهم أنس بن مدرك الخثعمي، ثم أقبلوا يريدون بني عامر وهم منتجعون مكانا يقال له فيف الريح، ومع مذحج النساء والذراري حتى لا يفروا، إما ظفروا وإما ماتوا

جميعا، فاجتمعت بنو عامر كلها إلى عامر بن الطفيل. فقال لهم عامرابن الطفيل حين بلغه مجيء القوم، أغيروا بنا عليهم فإني أرجو أن نأخذ غنائمهم ونسبي نساءهم، ولا تدعوهم يدخلون عليكم داركم. قال فتابعوه على ذلك. وقد جعلت مذحج ولفها رقباء - قال ولف القوم، من كان فيهم من غيرهم الحلفاء وغيرهم - قال فلما دنت بنو عامر من القوم صاح رقباؤهم أتاكم الجيش، قال فلم يكن بأسرع من أن جاءتهم مسالحهم تركض إليهم، فخرجوا إليهم. فقال أنس بن مدرك لقومه انصرفوا بنا ودعوا هؤلاء، فانهم إنما يطلب بعضهم بعضا. ولا أظن عامرا تريدنا. فقال لهم الحصين افعلوا ما شئتم، فانا والله ما نراد دونكم، وما نحن بشر بلاء عند القوم منكم. فانصرفوا إن شئتم فإنا نرجو أن لا نعجز عن بني عامر، فرب يوم لنا ولهم قد غابت سعوده وظهرت نحوسه. فقالت خثعم لأنس إنا كنا وبنو الحارث على مياه واحدة، في مراع واحدة، وهم لنا سلم وهذا عدو لنا ولهم، فنريد أن نتصرف عنهم، فوالله لئن سلموا وغنموا لنندمن أن لا نكون معهم، ولئن ظفر بهم لتقولن العرب خذلتم جيرانكم. فأجمعوا على أن يقاتلوا معهم. قال وجعل حصين يومئذ لخثعم ثلث المرباع ومناهم الزيادة. وقد كان عامر بن الطفيل بعث إلى بني هلال بن عامر، فاشترى منهم أربعين رمحا بأربعين بكرة، فقسمها في أفناء بني عامر. قال فالتقى القوم فاقتتلوا قتالا شديداً ثلاثة أيام، يغادونهم القتال بفيف الريح. فالتقى الصميل بن الأعور بن عمرو بن معاوية بن كلاب، وعمرو بن صبح بن عبد الله بن العمير بن سلامة بن دوي بن مالك بن نهد. قال فطعنه عمرو بن صبح. قال فذهب الصميل بطعنته معانقا فرسه حتى ألقاه فرسه إلى جانب الوادي، فاعتنق صخرة وهو

يجود بنفسه. قال فمر به رجل من خثعم فأخذ درعه وفرسه وأجهز عليه. وشهدت بنو نمير يومئذ مع عامر فسموا حريجة الطعان - أي اجتمعوا بقنيهم فصاروا بمنزلة الحرجة. قال وذلك أن بني عامر جالوا جولة إلى موضع يقال له العرقوب. قال فالتفت عامر فسأل عن بني نمير فوجدهم قد تخلفوا في قتال القوم. قال فرجع عامر يصيح يا صباحاه يا نميراه ولا نمير لي بعد اليوم، حتى أقحم فرسه وسط القوم. قال فذكروا أن عامرا يومئذ طعن بين ثغرة نحره إلى سرته عشرين طعنه. وبرز يومئذ حسيل بن عمرو بن معاوية، وهو الضباب ابن كلاب. فبرز له صخر بن أعيا بن عبد يغوث بن زمان بن سعد بن حرام بن رفاعة بن مالك بن نهد. فقال له عامر بن الطفيل، ويلك يا حسيل لا تبرز له. فإن صخرا صخرة. وإن أعيى يعيي عليك كأنه تطير من اسمه قال فغلبه حسيل فبارزه فقتله صخر. وقتل كعب الفوارس بن معاوية بن عبادة بن البكاء. قتله خليف بن عبد العزى بن عائد الهندي. قال فمر بعد ذلك خليف بن عبد العزى بن عائذ على بني جعدة فعرفوا بزة كعب وفرسه، قال فشد عليه مالك بن عبد الله بن جعدة فقتله. وأخذ الفرس والبزة فردهما على بني البكاء. قال وقتلت بنو عامر يومئذ من بني نهد، عتبة بن سلمى من عبد نهم بن مرة بن الحارث. وكان مسهر بن يزيد بن عبد يغوث بن صلاءة الحارثي، فارسا شريفا. قال وكان قد جنى جناية في قومه، قال فلحق ببني عامر فحالفهم فشهد معهم فيف الريح. قال وكان عامر يتعهد الناس فيقول، يا فلان ما رأيتك فعلت شيئا. فيقول الرجل الذي قد أبلى انظر إلى سيفي وما فيه وإلى رمحي وسناني. قال: إن مسهراً أقبل في تلك الهيئة فقال يا أبا علي انظر ما صنعت بالقوم انظر إلى رمحي. حتى إذا أقبل عليه عامر، وجاءه بالرمح في وجنته ففلق وجنته، وانشقت عين

عامر ففقأها. وخلى مسهر الرمح في عينه وضرب فرسه فلحق بقومه، وإنما دعاه إلى ما صنع بعامر، لأنه رآه يصنع بقومه الأفاعيل. فقال هذا مبير قومي. قال وأسرت بنو عامر سيد مراد جريحا. قال فلما تماثل من جراحته أطلقوه. قال أبو عبيدة وكان ممن أبلى يومئذ من بني جعفر، عامر بن الطفيل، وأربد بت قيس بن جزء بن خالد بن جعفر، وعبد عمرو بن شريح بن الأحوص. فقال في ذلك أبو دؤاد الرؤاسي: ونحن أهل بضيع يوم واجهنا ... جيش الحصين طلاع الخائف الكزم بضيع جبل معروف. والكزم يعني الضيق. ساقوا شعوبا وعنسا في ديارهم ... ورجل خثعم من سهل ومن علم ولت رجال بني شهران تتبعها ... خضراء يرمونها بالنبل عن شهم والزاعبية تكفيهم وقد جعلت ... فيهم نوافذ لا يرقعن بالدسم ظلت يحابر تدعى وسط أرحلنا ... والمستميتون من حاءو من حكم حتى تولوا وقد كانت غنيمتهم ... طعنا وضربا عريضا غير مقتسم وقال عامر بن الطفيل: أتونا بشهران العريضة كلها ... وأكلبُها ميلادِ بكر بن وائل فبتنا ومن ينزل به مثل ضيفنا ... يبت عن قرى أضيافه غير غافل أعاذل لو كان البداد لقوتلوا ... ولكن أتانا كل جن وخابل وخثعم حي يعدلون بمذحج ... وهل نحن إلا مثل إحدى القبائل

قال وأسرع القتل في الفريقين جميعا فاقترفوا، ولم يستقل بعضهم من بعض غنيمة. قال وكان الصبر والشرف فيها لبني عامر. رجع إلى شعر الفرزدق: وإِنكَ قِدْ تركتَ بَني كُليبٍ ... لكُلِّ مُناضِلٍ غرضاً مُصابا كُليبٌ دِمنةٌ خبُثتْ وقلَّتْ ... أبَى الآبِي لَها إلاَّ سِبابا وتحسبُ مِنْ ملائِمها كُليبٌ ... عَليْها النَّاسَ كُلَّهمُ غِضابا فأَغْلَقَ مِنْ وَراء بَنِي كُليبٍ ... عطيَّةُ مِنْ مخازِي اللُّؤُمِ بابا بثَدْي اللُّؤم أُرْضِعَ للمخازِي ... وأورثَكَ الملائِمَ حِينَ شابا ويروى بهم اللؤم أرضع للمخازي. وهَلْ شَيءٌ يكونُ أذلُّ بيتاً ... مِنَ اليربُوع يحتفرُ التُّرابا لقَدْ تَرَكَ الهذيلُ لكُمْ قدِيماً ... مخازيَ لا يبتَنِ عَلَى إرابا ويروى لا يبدن. ويروى لن يبدن. قوله لقد أرك الهذيل لكم قديما. قال يعني يوم إراب، وهو يوم أغار الهذيل بن هبيرة التغلبي على بني رياح بن يربوع. قال سعدان وكان من حديث إراب، حدثنا سعدان قال حدثنا أبو عبيدة قال: غزا الهذيل بن هبيرة الأكبر التغلبي أبو حسان، فأغار على بني يربوع بأراب، فقتل منهم قتلا ذريعا وأصاب نعما كثيرا وسبي سبيا كثيرا، فيهم زينب بنت حميري بن الحارث بن همام بن رياح بن

يربوع. قال وهي يومئذ عقيلة نساء بني يربوع. قال أبو عبيدة فحدثني أبو خيرة أفار بن لقيط العدوي، قال وكان الهذيل يسمى مجدعا، وكان بنو تميم يفزعون به أولادهم وولدانهم. قال وأسر قعنبا وسبى بنت جزء بن سعد الرياحي، ففداها أبوها جزء وتمنع بمفاداة زينت. فركب عتيبة بن الحارث بن شهاب فيها وفي أسراهم حتى فكهم، ثم بلغه أنهم يمرون نعمته - أي يجحدونها - قال أبو عبيدة فأنشدني ابن سليط لعتيبة في ذلك: أبلغ أبا قران حيث لقيته ... وبلغ خداما إن نأى وتجنبا فلا تكفراني لا أبا لأبيكما ... فإن لكم عندي من الكفر مذهبا لعمري لقد نالت رياحا سماحتي ... وأدركت إذ راث الترحل زينبا جلبنا الجياد من وبال فأدركت ... أخاكم بنا في القد والمرء قعنبا قال أبو قران، نعيم بن قعنب. وهو زوج زينب بنت حميري. ولدت له قران بن نعيم، وخداماً أخا نعيم بن قعنب بن أرنب. وهي بنت حرملة بن هرمي وهي أم قعنب. فما ردنا حتى حللنا وثاقه ... حديدا وقدا فوق ساقيه مجلبا فقلنا له افسح بعض خطوك طالما ... جلست وقد رمت الخطا يا ابن أرنبا وما كانت العسراء ترجو إيابه ... ولا أمه من طول ما قد تعتبا قوله تعتبا، يعني كما يعتب البعير، وذلك إذا مشى على ثلاث. قال والعسراء امرأة قعنب، وهي بنت جزء بن سعد الرياحي. قال ثم قال أيضا مرة أخرى: تعتب البعير وذلك إذا عرج يعرج في مشيه عروجا وعرجا وعرجانا.

ويقال قد عرج البعير فهو يعرج، وذلك إذا صار أعرج. قال وأما اليربوعي فقال: أغار الهذيل بن هبيرة على بني يربوع، ثم بني رياح وهم خلوف. وذلك أنهم كانوا غزوا ورئيسهم جزء بن سعد الرياحي على بكر بن وائل، فملئوا أيديهم من الأموال والسبي ثم انصرفوا، فانتهوا إلى بعض مياه بني تميم. قال فأتاهم الهذيل فمنعوه الماء. فقال يا بني يربوع، والله لا تمنعوني قعبا من الماء إلا بعثت إليكم برأس رجل منكم، قال فما زال بهم الأمر حتى صالحهم الهذيل على أن يطلقوا أسارى بكر بن وائل، ويردوا سبيهم. وعلى أن يرد الهذيل سبي بني رياح، ويطلق أسراهم، فأطلق جزء بن سعد أسارى بكر بن وائل، وأطلق سبيهم. قال وفعل الهذيل مثل ذلك ببني رياح. وكان عتيبة بن الحارث أشار على جزء بقتال بني تغلب. فقال لا أقاتل قوما معهم بنتي زينب في السبي. قال فلما سار الهذيل طلبه غتيبة بن الحارث بن شهاب في بني يربوع، فقاتله فهزم جيشه، وأسر التغلبي الذي كان أصاب ابنة جزء. فقال والله لتأتيني بزينب أو لينكحنك حباشة - يعني غلاما كان لعتيبة أسود - فبعث التغلبي إلى الهذيل، فردها واستنقذ عتيبة قعنب بن عتاب الرياحي من بني تغلب. قال وكان قد أسروه. فقال عتيبة يفخر على نعيم بن قعنب - وهو أبو قران - وخدام: أبلغ أبا قران إما لقيته ... وبلغ خداما ان دنا أو تجنبا لعمري لقد نالت رياحا سماحتي ... وأدركت اذ راث الترحل زينبا رجع إلى شعر الفرزدق: سَما بِرجَالِ تغلِبَ مِنْ بَعيدٍ ... يقُودُونَ المسوَّمةَ العِرَابا المسومة المعلمة. سما علا من مكان بعيد.

نزائِعَ بينَ حُلاَّبٍ وقيدٍ ... تُجاذِبهُمْ أعَّنتَها جذابا قوله تجاذبهم، أي تجاذبهم خيلهم الأعنة من المرح والنشاط. قال أبو عبيدة النزيع من الخيل والناس الذي أمه غريبة. قال وإذا كانت الأم غريبة لم تضو ولدها وأجادت به، يعني جاء ولدها جيادا في حسن خلقهم وتمام أجسامهم. قال وحلاب وقيد فحلان لبني تغلب من المجيدة التي ذكروا نجلها. وقال الأخطل لبكر بن وائل في تصداق ذلك وتبيانه: نكر بنات حلاب عليهم ... ونزجرهن بين هل وهاب وقال أبو عبيدة يقال أن نسل خيل بني تغلب من حلاب وقيد. ويقال إن خيلهم من أجاود خيل العرب معروف لهم ذلك. وكَانَ إذا أَناخَ بدار قَومٍ ... أبو حسَّانَ أورثَها خَرابا فَلمْ يبرحْ بِها حتَّى احتواهُمْ ... وحلَّ لهُ الشَّرابُ بِها وطَابا ويروى فلما جزن عانة مردفات. وروى أبو عمرو، فلما جئن عانة مردفات وحل. عانة قرية على شاطئ الفرات. قال وإنما قال وحل له الشراب بها وطابا. لأنه كان حلف أن لا يأكل ولا يشرب حتى يدرك بطائلته وينال ترته. فبر قسمه بما أدرك منهم. عَواني في بَني جُشَمَ بِن بَكرٍ ... فَقَسَّمَهُنَّ إذ بلغَ الأيابا قوله عواني يريد النساء اللاتي سبين. قال والعاني من الرجال الأسير المكبل بالحديد.

وقالَ لكلِّ عُضرُوطٍ تَبَوّأ رَديفَةَ ... رَحلِكَ الوَقبَ الرِّحابا قال العضروط من الرحال التابع. والعضاريط من الرجال التُبّاع. قوله تبوأ أي اتخذها أهلا لك أي امرأة تأوي اليها. قال والوقبى من النساء الواسعة الفرج يعيرهم بذلك. نِساءكُنّ يومَ إرابَ خَلَّتْ ... بُعولَتَهُنَّ تَبُتِدِرُ الشِّعابا ويروى أعراء سغابا. قال والشعب فرجة من الجبل يتسع أولها ويضيق آخرها. يعني يتخذونها ملاجئ يلجأون اليها. خُواقُ حِياضِهِنّ يسيلُ سَيلاً ... على الأعقابِ تحسِبُهُ خِضابا خواق ما يخق يصوت. والحياض دم الحيض. مَدَدنَ إليهم بِثُديِّ آمٍ ... وأيدٍ قد وَرِثنَ بِها حِلابا آم جمع آمة. ويروى اجتلابا. يُناطِحنَ الأواخِرَ مُردفاتٍ ... وتسمعُ مِن أسافِلها ضغابا قال الأواخر يريد أواخر الرحال. وآخرة الرحل التي يستند إليها الراكب. وقوله ضغابا الضغاب والضغيب صوت الأرنب. قال والمعنى في ذلك: يريد هؤلاء النسوة السبايا اللاتي سبين هذه حالهن. لَبئسَ اللاحِقونَ غَداةَ تُدعى ... نساءُ الحَيِّ تَرتدِفُ الرِّكابا وأنتم تنظرونَ إلى المُطايا ... تَشِلُّ بِهنْ أعراءً سِغابا

الشل: الطرد. يشل شلا. سغاب جياع. فلو كانت رِماحُكُم طُوالا ... لِغرتُم حِينَ ألقينَ الثِّيابا يئِسنَ مِنَ اللَّحاقِ بِهِنَّ منْكُمْ ... وقَدْ قَطعُوا بِهن لوىً حِدابا وروى أبو عبيدة وقد قطعوا بهن معا جذابا. أي مجاذبة. فَكمْ مِنْ خائفٍ لِي لَمْ أضرهُ ... وآخرَ قَدْ قَذفتُ لهُ شِهابا ويروى وآخر قد قذفت له ذنابا. ويروى نفحت. قال والذناب أنصبة كل ذنوب نصيب. وهو من قول الله عز وجل {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} أي نصيبا. وغُرَّ قَدْ نسقْتُ مُشهراتٍ ... طوالِعَ لا تُطيقُ لَها جَوابا قوله وغر، يريد ورب غر. قد نسقت قد هيأت من القصائد مشهورات بكل بلد. يتلو بعضها بعضا. ويروى وغر قد وسقت مشهرات. وإنما قال وغر يريد به كالفرس الأغر الذي يعرف من بين الخيل بغرته. قال ويروى وغراً فنصب. يريد نسقت غرا فنصب بالفعل الواقع وهو نسقت، فكأنه أراد غرا نسقت. وطوالع قال يردن كل بلد فتطلع هذه القصائد على أهله. بلغنَ الشَّمسَ حيْث تكُونُ شرْقاً ... ومسقطَ قرنِها مِنْ حيثُ غَابا بكُلِّ ثنيَّةٍ وبكُلِّ ثغرٍ ... غواربُهنَ تنسبُ انتسابا قوله تنتسب انتسابا يقول هن معرفة مشهورة. وَخالي بالنَّقا تركَ ابنَ ليلَى ... أبا الصَّهباءِ مُحتضِراً لِهابا قال وخاله عاصم بن خليفة الضبي، من بني ثعلب بن سعد بن

ضبة، قتل بسطام بن قيس بن مسعود يوم النقا. وهو أبو الصهباء وأمه ليلى بنت الأحوص الكلبي، واللهب جماعة اللهاب. وهو شق في الجبل. كفاهُ التَّبلَ تبلَ بَني تَميمٍ ... وأجزرهُ الثَّعالِبَ والذِّئابا ويروى كفاه الغزو غزو بني تميم. ويروى كفاه الليل ليل بني تميم. التبل الحقد والعداوة، يقول كفاه تبل بني تميم عنده، أي عند بسطام وأراحهم منه. قال وكانت نساء بني تميم تشد نطقها بالليل مخافة غارته. وقوله وأجزره يريد جعله جزرا للسباع تأكله. وقال جرير للفرزدق وعبيد بن غاضرة بن سمرة بن عمرو بن قرط العنبري: غَداً باجتماعِ الحيِّ تُقضى لُبانةً ... وأقسمُ لا تُقضى لُبانتنَا غَدا قوله لا تقضى لبانتنا غدا يعني مخافة الرقباء كما قال الأعشى: ودَّع هريرة إن الركب مرتحل ... بقُوٍّ شَماليلُ النَّوى أَنْ تبدَّدا قوله شماليل النوى المتفرقة منه مثل شماليل النخلة. قال وهو شماريخ العذق - يقال عِذق وعَذق وفتح العين أفصح. والعذق النخلة والعذق الكباسة. وأصبحَت الأجزاعُ ممَّنْ يَحُلُّها ... قِفاراً فمَا شاءَ الحمامُ تَغَرَّدا

يقول فما شاء الحمام الذي يقه بها أي بالدار بعد القوم. تغرد: صاح. يقول قد خلت الدار من أهلها كما قيل: خلا لك الجو فبيضي واصفري ... ونقري ما شئت أن تنقري هو مثله يقول قد خلت الديار. أجالتْ عليهنَّ الرَّوامسُ بعدَنا ... دِقاقَ الحصَى مِنْ كُلَّ سَهْلٍ وأجلدا لقَدْ قادِني مِنْ حُبَّ ماويَّةَ الهوى ... ومَا كَانَ يلقانِي الجنيبةَ أقْودا ويروى وما كنت تلقاني الجنيبة أقودا، الجنيبة التي تجنب معه. أقود منقاد مطيع. وأحسْدُ زُوَّارَ الأوانسِ كُلَّهم ... وقدْ كنتُ فيهنَّ الغيُور المُحسدا أُعِدُّ لبيُّوتِ الأمورِ إذا سرتْ ... جُماليَّةٌ حُرْفاً وميساً مُفردا بيوت الهموم ما بات منها معه. والميس خشب تعمل منه الرحال. والجمالية ناقة تشبه الجمل في قوتها. لهَا مِخزمٌ يُطوى عَلى صُعدائِها ... كَطيِّ الدَّهاقِين البِنَاء المشيَّدا قوله لها محزم يقول لها وسط قوي. وقوله على صعدائها يعني على ما علا من حلقها. قال ويقال على زفرتها وتنفسها الصعداء. والمشيد المجصص والشيد الجص. وقدْ أخلفتْ عهدَ السِّقاب بجاذب ... طوتْهُ حبالُ الرحل حتَّى تجدَدا

قوله وقد أخلفت يقول لم تحمل. قال والسقاب يعني الحيران الذكور، قال والإناث هي الحول وقوله يجاذب يعني بضرع ليس فيه لبن، يقال من ذلك قد تجدد الضرع وذلك إذا ذهب لبنه وذلك أقوى للناقة وأشد لها. وزافتْ كما زافَ القرِيعُ مُخاطِراً ... ولُفَّ القَرَى والحالِبانِ فألبَدا قوله وزافت، يعني تبخترت الناقة في مشيتها كالمتبختر، ورفعت رأسها. قال والقريع فحل الشول الذي يضرب في الإبل. وقوله مخاطرا يريد هذا الفحل مساميا لفحل آخر فهو يخطر بذنبه للايعاد والغضب. وقوله ولف القرى، يعني دق وضمر والقرى الظهر، قال والحالبان عرقان يكتنفان السرة. وقوله فألبدا، يقول صار على عجزه مثل اللبود من أثر سلحه وبوله، وذلك مما يصيبه إذا أكل الربيع وخطرانه بذنبه. وتُصبحُ يومَ الخمسِ وهيَ شملَّةٌ ... مرُوحاً تغَالى الصحصحانَ العمرَّدا أقولُ لهُ يا عبد قيسٍ صبابةً ... بأيَّ ترى مُستوقدَ النَّارِ أوقدا فقالَ أرَى ناراً يُشَبُّ وقُودُها ... بحيثُ استفاضَ الجزعُ شيحاً وغرقَدا قوله يشب وقودها، يعني تلهبها وتحرقها. وقوله استفاض يعني اتسع وكثر كما كثر شجر هذا الجزع. وهو حافة الوادي والنهر، كما تقول شط النهر وجزع النهر سواء بمعنى واحد. قال والغرقد شجر تدوم خضرته الشتاء والصيف. ويروى بحيث استفاض القنع. أُحِبُّ ثرَى نجدٍ وبالغورِ حاجةٌ ... فغارَ الهوىَ يا عبدَ قيسٍ وأنجَدا وإني لَمِن قومٍ تكونُ خُيولُهمْ ... بثُغرٍ وتلقاهُمْ مقانبَ قُوَّدا

ويروى تحل بيوتهم. المقتب ما بين الخمسين إلى المائة. وقوله قودا يعني قادة. والثغر كل موضع يخاف منه العدو. يحُشُّون نِيرانَ الحرُوبِ بِعارِضِ ... علتهُ نُجومُ البِيضِ حتَّى توقَّدا الحش إدخال الحطب تحت القدر، شبه إيقاد الحرب بذلك. وعارض سحاب قد أخذ الأفق شبه القوم في الحرب به. وكُنَّا إذا سِرْنا لحيٍّ بأرضِهمْ ... تركناهُمُ قتلَى وفلاًّ مُشرَّدا ومُكتبلاً في القدِّ ليسَ بنازعِ ... لهُ منْ مراسِ القدِّ رِجلاً ولا يدا قوله مكتبلا يعني مقيدا بالكبل. قال ومراس القد معالجته إياه ليفكه. وإنِّي لتبتز الرئيس فوارِسي ... إذا كُلُّ عجعاجٍ منَ الخُورِ عرَّدا قوله عرد يعني جبن وهاب. يقول قد عرد الرجل في الحرب، وذلك إذا جبن أن يتقدم وهاب القتال. وقوله تبتز يعني تستلب بزته، وهو ما عليه من الحديد وغيره، ومنه قولهم: من عز بز. يقول من غلب سلب بزة صاحبه. قال وعجعاج ضعيف يعج ويضج يصيح، ليس عنده إلا الجلبة والصياح لا غير. قال والخور الضعاف من الرجال، ويقال إن كثرة الكلام في الحرب من الفشل والجبن. رددْنا بِخبراءِ العُنابِ نِساءكُمْ ... وقدْ قُلنَ عِتقُ اليومِ أو رقُّنا غَدا قال سعدان، وقال أبو عبيدة: أغار بحير بن عبد الله القشيري على رباع من بني يربوع - من بني عمرو بن تميم بني العنبر - وأكثرهم بأقرية العناب، وهو قريب من المروت. قال فأتى الصريخ بني يربوع

فردوا لهم منه. أقرية مسايل تصب في الروض واحدها قرى. قال يوم العناب هو يوم المروت، قتل فيه بحير بن عبد الله بن سلمة بن قشير، قتله قعنب بن عتاب بن الحارث بن عمرو بن همام بن رياح. وفيه يقول جرير: ونحن تداركنا بحيرا وقد حوى ... نهاب العنابين الخميس ليربعا قال ومن روى ونحن تداركنا البحيرين إذ حوى، أراد بحيرا وأخاه فراسا، وقد مر حديثه فيما أمليناه في موضعه. وقد حوى يريد وقد جمع الغنيمة. فأصبحنَ يزجُرنَ الأيامنَ أسعُدا ... وقدْ كُنَّ لا يزجرنَ بالأمسِ أسعُدا فَما عِبتَ مِنْ نارِ أضاءَ وقُودُها ... فِراساً وبسطامَ بن قيس مُقيَّدا يريد فراس بن عبد الله بن سلمة بن قشير، وكان أسيرا مع بسطام ابن قيس. وأوقدتَ بالسِّيدانَ ناراً ذليلَةً ... وعرفْتَ مِنْ سواءاتِ جعثنَ مشهدا قال أبو عبيدة السيدان موضع، كان له فيه بئر عند كاظمة به قبائل شتى من قيس وتميم، ولها رجوان، رجا ضأن، ورجا ابل، فكان مجر جعثن ببطن السيدان، وكان تثفيل الفرزدق نفسه ظمياء المنقرية عند الرجا. أضاءَ وقُودُ النَّارِ منهِا بصيرةً ... وعبرةَ أعْمَى همُّهُ قدْ تردَّدا قوله بصيرة يعني طريقة من الدم، وقوله أعمى يعني غالب بن صعصعة أبا الفرزدق.

كأنَّ الَّتي يدعُونَ جعثنَ ورَّكتَ ... على فالجٍ مِنْ بُختِ كرْمان أحردَا أصابُوا قُفيريًّا بِكُمْ ذَا قرابةٍ ... إذا اختلفتْ فيهِ الدِّلاتانِ أزبَدا ويروى أضاءت. قفيري من ولد قفيرة. والدلاتان يعني الخصيتين. هُمْ رَجعُوها بعدَ ما طَالت السُّرى ... عوانَا وردُّوا حُمرةَ الكيِن أسودا الكين لحم الفرج من داخله. ولحمه من خارجه يقال له الزرنب. وأورثَني الفرعانِ سعدٌ ومالكٌ ... سناءٌ وعِزًّا في الحياةِ مُخلَّدا مَتى أُدع بينَ ابني مُغدَّاةَ تلقنِي ... إلى لَوْذِ عزٍّ طامِحِ الرأْسِ أصْيَدا قال وابنا مغداة، يريد مالكا وسعدا ابني زيد مناة بن تميم، وأمهما المغداة بنت ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة. أَحُلُّ إذا شئتُ الأيادَ وحزنهُ ... وإنْ شِئتُ أجزاعَ العقيقِ فجلعدا الاياد من حزن بني يربوع. والجزع منثى الوادي. فَلو كانَ رأىٌ في عديِّ بِنْ جُندبٍ ... رأوا ظُلمنا لابنيْ سُميرةَ أنكدا يعني عدي بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم بن مر. أيشهدُ مثغُورٌ علينا وقدْ رأى ... سُميرةَ مِنَّا في ثَناياهُ مشهَدا قوله مثغور، يعني عبيد بن غاضرة بن سمرة بن عمرو بن قرط العنبري، قال وكان عثمان بن عفان، رضي الله عنه، استعمل سمرة بن

عمرو على هوافي النعم - قال والهوافي الضوال يريد ما ضل منها - قال فبلغ سمرة أن ناقة ضالة في إبل سحيم بن وثيل. قال فأتى الإبل وسحيم غائب عنها، وفيها غلمة له، قال وأمه ليلى بنت شداد من بني حميري بن رياح ن فقال لها سمرة مري غلمانك فليعرضوا علي الإبل. فأبت عليه. قال فوقع بينه وبينها كلام، فأهوى اليها كأنه يريدها بضرب. فقالت فمي فمي، قال وكانت ثنيتاها وقعتا قبل ذلك بحين. قال فلما انصرف سحيم من غيبته إلى أمه، خبرته الخبر، فسكن من سمرة حتى لقي عبيد بن غاضرة بن سمرة، فأخذه سحيم فدق ثنيتيه، فاستعدى عليه عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فانطلق به إلى المدينة وحبست إبل سحيم حتى ضاعت ضرا وجوعا. فشكي إلى عثمان، رضي الله عنه، ذلك. فقال له أبعدك الله عدوت على ابن عمك فكسرت ثنيتيه. قال سحيم إنه كسر ثنيتي أمي. قال عثمان أفلا استعديت عليه. ثم ان بني العنبر قالوا يا بني يربوع دو فم صاحبتكم، وندى فم صاحبنا، ففعل القوم ذلك واصطلحوا، ففي ذلك يقول سحين بن وثيل: ولن أقر على خسف ومنقصة ... وقد تلفع أصداغي من القدم قد أترك القرن محطوما نواجذه ... إذا نسائي علا أفواهها بدم النواجذ أقصى الأضراس، ومنه قولهم قد عض على ناجذه، فلذلك سمى عبيد بن غاضرة مثغورا لأنه كسر ثغره. مَتَى ألقَ مثغُوراً عَلى سُوءِ ثغرهِ ... أضعْ فوقَ ما أبقَى مِنَ الثَّغْرِ مبرَدا منعناكُمُ حتَّى ابتنيتُمْ بُيُوتكُمْ ... وأصدرَ راعيكُمْ بِفلجٍ وأوردَا بشُعثٍ على شُعثٍ مغاوِيرَ بالضُّحى ... إذا ثَوَّبَ الدَّاعِي لروعٍ وندَّدا

ثوب ردد صوته مرة بعد مرة. وندد مثله. كَرادِيسَ أوراداً بكُلِّ مُناجِدٍ ... تعوَّدَ ضربَ البيضِ فِيما تعوَّدا ويروى أوراد. قوله كراديس، يقول هم فرق جماعة بعد جماعة. والكردوس ما بين الأربعين إلى الخمسين من الخيل. وكل مجتمع من الخيل فهو كردوس. وإذا عظم فهو كتيبة. وقوله بك مناجد، أي ذي نجدة، يقول بكل فارس ذي نجدة في القتال يريد له إقدام وجرأة. إذا كفَّ عنهُ مِنْ يديْ حُطميَّةٍ ... وأبدَى ذِراعي شيظمٍ قدْ تخدَّدا قوله حطمية يعني درعا ثقيلة. وشيظم طويل خفيف من الرجال له رواء حسن. وقوله قد تخدد قد تفرق لحمه وذلك لاضطراب جسمه. قال وانما تخدد لطول علاجه وممارسته الحروب. حطمية منسوبة إلى حطمة بن محارب. يقول ذهب رهلة عنه كقول العجاج: وضمرت من كان حرا فضمر. عَلى سابحٍ نهدٍ يُشبَّهُ بالضُّحى ... إذا عادَ فيهِ الرَّكضُ سيداً عمرَّدا السابح من الخيل الجواد السريع البعيد الشحوة، وهي فتح يديه. والنهد المشرف. والعمرد والنشيط من كل شيء. والطويل الخفيف. أرَى الطَّيرَ بالحجَّاجِ تجرِى أيامِناً ... لكُمْ يا أميرَ المؤمنينَ وأسعُدا رجعتَ لبيتِ الله عهدَ نبيِّه ... وأصلحْت ما كانَ الخُبيبانِ أفسَدا فَما مُخدرٌ وردٌ بخفَّانَ زأرهُ ... إلى القرنِ زجرَ الزاجرينَ تورَّدا بِأمضَى مِنَ الحجَّاجِ في الحرْب مُقدماً ... إذا بعضُهُمْ هابَ الخياضَ فعرَّدا قوله الخياض يعني المخاوضة. وعرد جبن وهاب.

تصدَّى صنادِيدُ العِراقِ لوجههِ ... وتُضحِي لهُ غُرُّ الدهاقينِ سُجَّدا وللقَين والخنزيرِ منِّي بديهةٌ ... وإنْ عاودُوني كنتُ للعودِ أحمدا قال وكان سبب هجاء جرير لمثغور، فيما حدثنا به أبو عبيدة، عن المنتجع بن نبهان العدوي: أن لقمان الخزاعي قدم على صدقات الرباب فكانت وجوه مصاد تحضر، وفيهم عمر بن لجأ بن جرير أحد بني مصاد فأنشده: تاوبني ذكر لزولة كالخبل ... وما حيث تلقى بالكثيب ولا السهل تحل وركن من ظمية دونها ... وجو قسي مما يحل به أهلي تريدين أن أرضى وأنت بخيلة ... ومن ذا الذي يرضي الاخلاء بالبخل حتى فرغ منها، فقال له لقمان ما زلنا نسمع بالشام أنها كلمة جرير. فقال عمر إني لأكذب شيخ في الأرض إن ادعيت شعر جرير. قال ثم أنشده على رءوس الناس جميعا والرباب حضور. قال فأبلغ لقمان جرير قول عمر، قال وزعم أنك سرقتها منه. فقال له جرير وأنا أحتاج أن أسرق قول عمر وهو الذي يقول وقد وصف إبله فجعلها كالجبال، وجعل فحلها كالظرب فقال: كالظَّرِب الأسود من ورائها ... جرَّ العجوزِ الثِّنيَ من خفائها والله ما شهره من نمط واحد، وانه لمختلف الفنون. قال فأبلغ لقمان عمر قول جرير وما عاب عليه من قوله. فقال عمر يعيب علي قولي: جر العجوز الثني من خفائها. وإنما أردت لينه ولم أرد أثره. فقد قال أقبح من ذلك وهو قوله:

وأوثق عند المردفات عشية ... لحاقا إذا ما جرد السيف لامع فلحقهن بعد ما نكحن وأحبلن. قال فأبلغ لقمان جريرا قوله، وما عاب عليه من شعر، فأحفظه - أي أغضبه - حتى هجاه. قال أبو جعفر محمد بن حبيب، قال عمارة قال جرير، والله لقد عاب علي عمر بن لجأ بيتا أحب إلي من حرزة - يعني ابنه - فقال جرير: يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ... لا يقذفنكم في سوءة عمر أحين صرت سماما يا بني لجأ ... وخاطرت بي عن أحسابها مضر خل الطريق لمن يبني المنار به ... وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر فأجابه عمر بن لجأ فقال: لقد كذبت وشر القوم أكذبه ... ما خاطرت بك عن أحسابها مضر بل أنت نزوة خوار على أمة ... من يسبق الحلبات اللؤم والخور قال فهذا بدء ما كان جرى بينهما. قال والتحم التهاجي بينهما. قال وأما أبو اليقظان سحيم، وهو لقب، وهو عامر بن حفص، فزعم أن جريرا قال إن هذا ليس بعيب، فبيني وبينك رجل عالم بما اختلفنا فيه. قال فجعلا بينهما عبد الله بن غاضرة بن سمرة بن عمرو العنبري، وكان حاضرا ذلك اليوم يسمع كلاهما. قال فسألاه أن ينظر في شعرهما فتابع ابن لجأ وعاب على جرير ما قال. فقال جرير:

أيشهد مثغور علينا وقد رأى ... سميرة منا في ثناياه مشهدا وقال عمر بن لجأ يقضي للفرزدق على جرير، ولبني دارم على بني يربوع، ويفضل الفرزدق على جرير: لما رأيت ابن ليلى عند غايته ... في كفه قصبات السبق والخطر هبتَ الفرزدقَ واستعفيتني جزعا ... للموت تعمد والموت الذي تذر إن قال يوما جرير إن لي نفرا ... من صالحي الناس فاسأله من النفر أمعرِضٌ أم مُعبد أم بنو الخطفى ... تلك الأخابث ما طابوا ولا كثروا وقال أيضا يفضل دارما عليهم: أيكون دِمنُ قرارةٍ موطوءةٍ ... نبتت بخبثٍ مثلَ آل محمد ويروى نبت كنبت آل محمد. أيهات حلت في السماء بيوتهم ... وأقام بيتك بالحضيض الأقعد أو سرت بالخطفى لتدرك دارما ... أيهات جار بك الطريق المهتدي وقال عمر أيضا: ما كان ذنبي في الفرزدق أن هجا ... فهجوته فتخير الأمثالا

فغدوتما وكلاكما متبرع ... ندب الموالي إذ أراد نضالا فدعا الفرزدق حاجبا وعُطاردا ... والأقرعين وحابسا وعقالا ودعوت قنة والمعيد وقرهدا ... والمعرضين وخيطفا وثمالا سبق الفرزدقبالمكارم والعلا ... وابن المراغة ينعت الاطلالا قال ومعيد، يعني جد جرير أبا أمه. والمعرضان يريد معرضا وأخاه. قال وهما من أخوال جرير من الحارثة - قال أبو عبد الله لا أعرفه إلا من بني الحرام - والخيطفي جده وهو حذيفة بن بدر بن سلمة. وكان معرض يحمق، قال وكان مما ذكر من حماقته، أن اخوته غزوا في الجاهلية وخلفوه عند أهلهم، وقالوا له تكون عند نسائنا أن يسبين. قال فلما ذهب اخوته، أتى النساء وأولادهن، فأتى بهن ركية واسعة يقال لها الجوفاء، بشبكة من شباك بني كليب فألقاهم فيها أجمعين. قال وكان فم الركية ضيقا وأسفلها واسعا. قال ثم أخذ صفيحة واسعة فأطبقها عليهم. ثم اتبع اخوته فلما لحق بهم، قالوا له لم تركت نساءنا أولادهن. قال قد جلجلتهن في الجوفاء جلجالة. قال فرجعوا فأخرجوهم وقد مات بعضهم. وكاد بعضهم يموت من الجوع والغم. قال وكان من حماقته أيضا أنه كان في قطعة لقاح لأهله. قال فجعلت تنزع إلى الرمل وما أنبتت الرمال من الضعة. وهي النصي، والصليان، والفرنوة، والحلمة، والحماط، وهو الحماض، وما أنبت الرمل من سائر نباته، وهم بالشباك. قال وهذه كلها مما ترعاه الإبل، وتسمن عليه. قال فلما أصبح واصطبح من لقاحه وأراد أن ينام، خشي أن تذهب الإبل. قال فأخذ حبالا له فربط بها أولادها في أعناقها إلى خشب الطلح. قال وكان شديدا قوي الأصل ثابتا في الأرض. ثم نام فلم يستيقظ حتى كان عشية. قال فتخنقت الفصال وموتت. قال فأتى أهله يمشي

وترك الإبل تدور بأولادها. قال فكان ذلك أيضا مما شهره بالموق. قال وخطب أيضا إلى ابن عم له غلام اختاله. قال فأبى الغلام أن يملكه إياها. قال فأتاه في غنم له يرعاها فشدخه بصخرة، قال ثم أتى به قارة بالشباك يقال لها الجبوة، قال فجعله في إرمي في رأسها - والارمى جماعة إرم وعي الأعلام. ومن قال إرم قال آرام ومن قال إرمي قال إرميات - قال فأطبق عليه بالحجارة، قال فجعل الحي يتبعون الفتى ولا يدرون أين هو ولا يخافونه عليه. فبينما هو كذلك إذ رأى رجلا من قبل تلك القارة، فقال له يا فلان لعلك رأيت الدم بين الحجرين؟ فقال أي دم؟ فقال لا شيء. فعرفوا أنه قد قتل الفتى. وخرجوا يتبعونه من حيث جاء الرجل فوجدوه مشدوخا قتيلا. فشدت عليه أم الغلام بالسيف وهو موثق فضربته على عنقه فنبا عنه السيف وهو بيدها. فقال بعض بني كلاب: وما جبنت ليلى ولكن سيفها ... نبا نبوة عن معرض وهو باتر قال فصار مثلا في العرب بالحماقة والرعونة وذكرته في أشعارها. قال وهي أم التي كان يخطب فقتل به فقطع الله عقبه ونسله، فهذا ما كان من حديثه وحمقه. وقال عمر بن لجأ أيضا: أترجو أن تنال بني عقال ... رجاء منك تطلبه بعيد فانك قد قرعت صفاة قوم ... تفلل عن مناكبها الحديد رأيتك يا فرزدق عدت لما ... أتاك الوقع وانقشع الوعيد فأجابه الفرزدق فقال: رأى عبدُ قيسٍ خفقةً شوَّرتْ بِها ... يَدا قابسٍ ألْوَى بِها ثُمَّ أخْمَدا

قوله عبد قيس، يريد عدي بن جندب بن العنبر. وقوله شورت بها، يعني رفعتها يريد النار. وقال قابس أي مقتبس نورا، وألوى: أشار. ويروى أهوى بها حين أهمدا. قال ومعنى أهمد وأخمد واحد وهو إطفاؤها. أَعِدْ نظراً يا عبدَ قيسٍ فرُبَّما ... أضاءتْ لَكَ النَّارُ الحِمارِ المُقيَّدا قال يعني حمارا من حمير بني كليب. قال وذلك أنهم أصحاب حمير يهجوهم بذلك ويؤنبه ويضع من قدره نسبه إلى رعية الحمير. حمارُ كُليبيين لمْ يشهِدُوا بِهِ ... رِهاناً ولمْ يُلفوْا على الخَيلِ روَّدا أي لم يركبوا الخيل فيما يرتاد من الكلأ والنجعة. عَسَى أنْ يُعيدَ المُوقِدُ النَّارَ فالتَمسْ ... بعينيكَ نارَ المُصطلى حيثُ أوقَدا فما جهِدُوا يومَ النِّسارِ ولمْ تعُدْ ... نِساؤُهُمُ منهُمْ كميُّا مُوسَّدا حِماراً بمَرُّوتِ السِّخامة قاربَتْ ... كُليبيَّةُ قينيهِ حتَّى تردَّدا كُليبيَّةً لمْ يجعلِ اللهُ وجهَها ... كريماً ولمْ تزجُرْ لَها الطَّيرُ أسعَدَا إذا عدلَتْ نِحيينِ فوقَ عجانها ... وحثَّت برجليْها الحِمارَ فقرْمَدا روى عمارة، إذا عدلت نحيين منها بوطبها، قوله اذا عدلت نحيين، يقول اذا ركبت الحمار وصيرت الزقين، وهما النحيان على الحمار وحثت يقول حركت الحمار ليسرع المشي. والقرمدة المشي القليل المتقارب على تؤدة. فَويلٌ لَها مِنْ مُبتغِي الزَّادِ عنِدْها ... وإنْ شاءَ أرخَتْ حولهُ الرَجلَ واليَدا

يقول هي بخيلة بالزاد جواد بالفاحشة. ويروى فويل بها للمبتغي الزاد. ويروى فويل لأم المبتغي الزاد عندها. وإن شاء أرخت عنده الرجل. فكيفَ وقَدْ فقَّأتُ عينيكَ تبتغِي ... عِناداً لِنابيْ حيةٍ قَدْ تربَّدا مِنَ الصُّمِّ تكفِي مرَّةً مِنْ لُعابهِ ... وَمَا عاد إلاَّ كانَ في العودِ أَحمدَا تَرَى ما يمسُّ الأرضَ مِنهُ إذا سَرَى ... صُدوعاً تفأى بِالدَّكادِكِ صُلَّدا ويروى تفئين الدكادك عندا. ويروى تفاءى، تفأى تفلق وتشقق. وصلدا: قد يبست وصلبت. لَئنْ عِبتَ نارَ ابنِ المراغَة إنَّها ... لألأمُ نارٍ مُصطلينَ ومَوْقِدا إذا أَثقبُوها بالكِدادَةِ لمْ تُضئ ... رَئيساً ولا عِند المُنحنينَ مَرفَدا ولكِنَّ ظَربى عِندَها يصطلُونَها ... يصُفُّونَ للزَّرْبِ الصَّفِيحَ المُسنَدَّا ويروى ولكن ظرابى. قال وموضع الظرابى نصب يعني تضيء ظرابى. والزرب حظيرة للغنم تحبس فيها. قال والجمع منه أزراب. قال والصفيح صخور رقاق عراض. والمسند المبني. يقول سوند بعضه إلى بعض. قنافِذُ درَّامُونَ خلفَ جِحاشهِمْ ... لِما كانَ إيَّاهمْ عطيَّةُ عوَّدا ودارجون أي مشاؤون. قوله درامون يقول يمشون مشيا في سرعة وتقارب خطو. إذا عسكرتْ أُمُّ الكُليبيِّ حولَهُ ... وطِيفاً لِظُنبُوبٍ النِّعامةِ أَسودا عمدتَ إلى بدرِ السِّماءِ ودُونهُ ... نَفائفُ تثني الطَّرْفَ أَنْ يتصعَّدا هجوتَ عُبيداً أَنْ قَضى وهُو صادِقٌ ... وقبلَكَ ما غارَ القضاءُ وأنجدا

يعني عبيدا الراعي. أن قضى أنس أشعر منك. وقبلَكَ ما أَحمتْ عدِيٌّ دِيارَها ... وأَصْدَرَ راعِيهمِ بِفَلجٍ وأوردا هُمُ منعُوا يومَ الصُّليعاء سربَهُمْ ... بطعنٍ ترى فِيهِ النَّوافِذَ عُندا وهُمْ منعُوا منكُمْ إرابَ ظُلامةٍ ... فَلَمْ تبسُطُوا فيها لساناً ولا يَدا ومِنْ قبْلها عُذْتُم بأسِيافِ مازنٍ ... غَداةَ كسوا شَيبانَ عضْباً مُهَنَّدا قال أبو عثمان، قال أبو عبيدة: حدثنا عامر بن عبد الملك، قال لما بلغ الأخطل تهاجي جرير والفرزدق، قال لابنه مالك انحدر إلى العراق حتى تسمع منها فتأتيني بخبرهما، قال فانحدر مالك حتى لقيهما، ثم استمع منهما، ثم لقى أباه، فقال وجدت جرير يغرف من بحر، ووجدت الفرزدق ينحت من صخر. فقال الأخطل الذي يغرف من بحر أشعرهما. قال: ثم قال الأخطل يفضل جريرا على الفرزدق: إني قضيت قضاء غير ذي جنف ... لما سمعت ولما جاءني الخبر أن الفرزدق قد شالت نعامته ... وعضه حية من قومه ذكر .. قال أبو عبيدة، ثم إن بشر بن مروان ولي الكوفة، فقدم عليه الأخطل، فبعث اليه محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة بألف درهم، وبغلة، وكسوة، وبخمر، وقال له: لا تعن على شاعرنا واهج هذا الكلب، الذي يهجو بني دارم، فانك قد كنت قضيت له على صاحبنا، فقل له أبياتا، فاقض لصاحبنا عليه. فقال في ذلك الأخطل: اخسأ كليب اليك إن مجاشعا ... وأبا الفوارس نهشلا أخوان

وإذا وضعت أباك في ميزانهم ... رجحوا وشال أبوك في الميزان ولقد تجاريتم إلى أحسابكم ... وبعثتم حكماً من السلطان فإذا كليب ليس تعدل دارما ... حتى توازي حزرما بأبان أجرير إنك والذي تسمو له ... كعسيفة فخرت بحدج حصان وكسفيهة يعني هاهنا امرأة. حصان يريد عروسا حصنت بزوج - قال ومثله قول دختنوس بنت لقيط: فخر البغى بحدج رب ... تها إذا ما الناس شلوا تاج الملوك وصهرهم في دارم ... أيام يربوع مع الرعيان فإذا وردت الماء كان لدارم ... صفواته وسهوله الأعطان قال أبو عبيدة فبلغ ذلك جريرا، فقال يرد حكمه، ويهجو محمد بن عمير بن عطارد، ويهجو بني تغلب في كلمة له طويلة، والكلمة هذه القصيدة. ولقد علمنا ما أبوك بدارم ... فالحق بأصلك من بني دهمان ويروى ما أبوك بحاجب. قال وبنو دهمان من بني نصر بن معاوية. قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عطارد بن حاجب على بعض ما استعمله عليه. قال وأغار عليه مالك بن عوف النصري، صاحب يوم حنين، فسبى نساء وأخذ مالا، فرمى جرير عمير بن عطارد أبا محمد ابن عمير أن أمه سبيت يومئذ، فحملت بعمير فجعله من بني دهمان، من بني نصر بن معاوية.

هلا طعنت الخيل يوم لقيتها ... طعن الفوارس من بني عقفان عقفان بن الحارث بن ييد، وهو الحرام بن يربوع. سمي يزيد الحرام بأمه الحرام بنت العنبر بن عمرو بن تميم. ألقوا السلاح إليّ آل عطارد ... وتعاظموا ضرطا على الدكان يا ذا العباية إن بشرا قد قضى ... ألا تجور حكومة النشوان فدع الحكومة لستم من أهلها ... إن الحكومة في بني شيبان قال أبو عبيدة، سمعت أبا العباس ينشد هذا البيت بعقب فدع الحكومة: قتلوا كليبكم بلقحة جارهم ... يا خزر تغلب لستم بهجان كذب الأخيطل إن قومي فيهم ... تاج الملوك وراية النعمان فاقبض يديك فإنني في مشرف ... صعب الذرى متمتع الأركان قال فرد عليه الفرزدق كلمته التي قال: إن الأراقم أن ينال قديمَها ... كلبٌ عَوَى متهتِّمُ الأسنان ما ضر تغلبَ وائلٍ أهجوتَها ... أم بُلت حيث تناطَحَ البحران قال أبو عبيدة: فلما هجا جرير الأخطل ندم الأخطل وقال، ما أدجلني بين رجلين من بني تميم. قال فسقط المتعرضون بين جرير والفرزدق، وتكاوح الشر بين الأخطل وجرير والفرزدق - تكاوح أي استقبل بعضهم بعضا - قال أبو عبيدة ولما بلغ الأخطل قول جرير: فاقبض يديك فإنني في مشرف. قال الأخطل قبض يدي رماه الله بداء.

وقال الأخطل يقضي عليه في كلمة له: إن العَرارةَ والنُّبوح لدارم ... والمستخفُّ أخوهم الأثقالا العرارة الرئاسة. والنبوح الجماعات. المانِعوك الماء حتى يشربوا ... عفواته ويقسموه سجالا وبنو المراغةِ حابِسوا أعيارهم ... قذف الغريبَةِ ما يذقن بِلالا ومانعوا. ويروى وابن المراغة حابس أعياره. فانعق بضأنك يا جرير فانما ... منَّتْكَ نفسك في الخلاء ضلالا منتك نفسك أن تكون كدارم ... أو أن تُوازن حاجباً وعقالا وإذا وضعت أباك في ميزانِهم ... قفزت حديدته إليكَ فشالا وقال الأخطل أيضاً: فاعدل لسانك عن زُرارةَ إنهم ... كلأٌ لما منعوا عليك وخيم قال أبو عبيدة، وسئل الأخطل عنهم بالكوفة، أيهم أشعر. فقال أما جرير فأغزرنا وأنسبنا، أما الفرزدق فقال فأفقرنا، وأما أنا فأوصف للخمر وأمدح للملوك.

قال أبو عبيدة فلما بلغ الأخطل قول جرير: لاقيتَ مطلع الجراء بنابهِ ... روق شبيبته وعمرك فإني قال الأخطل صدق إنه لشاب ولقد وليت، ولقد أديل نابغة بني جعدة مني حيث عيرته بالكبر. قال وذلك قوله: لقد جارى أبو ليلى بِقُحمٍ ... ومنتكث على التقريب واني إذا ألقى الخبار كبا لفيه ... يخر على الجحافل والجِرانِ قال أبو عبيدة حدثني أدهم العبدي، وهو ختن لابن الكلبي، وكان عالما بأيام الناس ذا سن وتجربة، عن رجل أراه من بني سعد. قال كنت مع نوح بن جرير في أصل سدر - أو قال شجرة - فقلت قبحك الله وقبح أباك، فانه أفنى عمره في مدح عبد ثقيف الحجاج، وأما أنت فانك مدحت قثم بن العباس، فعجزت أن تمدحه بمآثره ومآثر آبائه، حتى مدحته بقصر بناه أو كلام يشبه هذا. فقال أما والله لئن سؤتني في هذا الموضع لقد سؤت فيه أبي. إني قلت له يوما وأنا آكل معه، يا أبت أأنت أشعر أم الأخطل؟ وفي فيه لقمة وفي يده أخرى، فجرض بالتي في فيه، ورمى بالتي في يده. ثم قال يا بني لقد سررتني وسؤتني، فأما ما سررتني فيه فتعاهدك هذا وشبهه، وأما ما سؤتني فيه فذكرك رجلا قد مات، يا بني لو أدركت الأخطل وله ناب آخر لأكلني، ولكن أعانني عليه خصلتان: كبر سنه، وخبث دينه. وقال الأخطل: لما جرى هو والفرزدق لم يكن ... نزقا ولا عند المَئينِ ضبورا لاقى لآل مجاشع لما جرى ... ربذا يثير بشدة تغبيرا

يجري به عُدُسٌ وزيد للمدى ... وجرى بصعصعة الوئيد بشيرا قوله الوئيد يريد الموؤدة وهو فعيل في موضع مفعول يريد قوله: ومنا الذي منع الوائدات ... وأحيا الوئيد فلم يُوْأَدِ وقال الأخطل: هجوت تميما أن هجوا آل دارم ... وأمسكت من يربوعها بالمخنق فإن يك أقوام أضاعوا فإنني ... وصلت الذي بيني وبين الفرزدق وقال الأخطل أيضا: بني الخطفى عُدُّوا أبا مثل دارم ... وعميه أوعدوا أبا مثل مالك وإلا فهروا دارما إن دارما ... أناخَ بعاديٍّ عريض المبارك وقال الأخطل أيضا: وإذا عددتَ بيوتَ قومك لم تجد ... بيتا كبيت عطارد ولبيدِ وإذا تعاظمت الأمور بدارمٍ ... طأطأتَ رأسك عن قبائلِ صيدِ وإذا عددتَ قديمهم وقديمكم ... أربَوا عليك بطارف وتليدِ وقال جرير يهجو الفرزدق والأخطل: أَجَدَ رَواحُ القوم أَمْ لا تَرَوُّحُ ... نَعَمْ كُلُّ مَنٍْ يُعْنَى بِجُمْلٍ مُتَرَّحُ

ويروى أجد رواح القوم أم لا تروح. يعني لا تروح أنت. ويروى أم لا تروح. إذا ابتسمتَ أبْدتْ غُرُوباً كأَنَّها ... عَوارِضُ مُزْنٍ تستهِلُّ وتَلمَحُ قوله غروب، يعني تحزيزاً يكون في الأسنان وذلك لحداثتها، وهو مما يستحب للمرأة وقد ذكرته الشعراء. وقوله كأنها عوارض مزن الواحد عارض، قال وهي السحابة تراها قد نشأت في الأفق. وهو من قول الله عز وجل {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} وقوله تستهل تتحلب بالمطر. يقول لوقع مطرها صوت. ومنه قولهم قد استهل الصبي وذلك إذا صاح، يقول فلهذا المطر صوت أو وقع شديد من كثرته وشدته. وقوله وتلمح يقول تلمح بالبرق شبه أسنانها لصفائها بالبرق. لقَدْ هاجَ هَذا الشَّوْقُ عَيْناً مَرِيضَةً ... أَجالَتْ قَذىً ظلَّتْ بِهِ العيْنُ تَمرَحُ يقال مرحت العين بالدمع، وذلك إذا أدامته بالهملان، وتتابع سيلانها وكثر. بِمُقْلَةِ أَقْنَى ينفِضٌ الطَّلَّ باكِرٍ ... تجلَّى الدُّجَى عَنْ طَرْفِهِ حينَ يُصْبِحُ باكر نعت للاقنى، ويروى باكراً. ويروي تجلي الدجى. وقوله أقنى وهو صقر في منقاره حدب وارتفاع من وسطه. والدجى الظلم الواحدة دجية. ويروى حين يلمح. وأَعطيتُ عمراً مِنْ أُمامَةَ حُكمهُ ... وللمُشْترِي مِنْهُ أُمامَةَ أرْبحُ صَحا القلبُ عَنْ سَلْمَى وقَدْ برَّحَتْ بِهِ ... ومَا كانَ يلقَى مِنْ تَماضُر أَبْرَحُ

قوله برحت به يريد شقت عليه. وقوله أبرح يعني أشق. كما تقول هو شديد بل هو أشد، كأنه أراد بل هو أصعب. وتماضر امرأة شبب بها، وسلمى امرأة جرير. رأَيْتُ سُلَيْمى لا تُبالي الَّذي بِنا ... وَلا عَرضاً مِنْ حاجَةٍ لا تُسَرَّحُ إذا سايَرَتْ أسْماءُ سَوْماً ظَعائِناً ... فأَسْماءُ مِنْ تلكَ الظَّعائِن أَمْلَحُ ظَلَلْنَ حَوالَيْ خِدْرِ أَسْماءَ وانْتَحَى ... بِأَسْماءَ موَّارُ المِلاطيْنِ أَرْوَحُ قوله انتحى يريد نحا محوها فأرادها. قال والملاطان الجنبان. والموار الذي يكثر الحركة، يريد بعيرا كثير السير يمور في سيره لا يقر ولا يسكن. قال والأرواح الواسع ما بين القوائم. تقُولُ سُليمى لَيسَ في الصَّرْم راحَةٌ ... بَلَى إنَّ بعض الصَّرْمِ أَشْفَى وأَرْوحُ أُحبُّك إنَّ الحبَّ داعيَةُ الهَوَى ... وقَدْ كادَ ما بَيْنِي وبَيْنَكِ يَنْزَحُ قال الصرم القطيعة، فقال من ذلك صرم فلان فلانا وذلك إذا قطعه ثم قال إن بعض الصرم أشفى وأروح. وقوله يُنزح، يقول قد كاد ما بيني وبينك يذهب، وهو من قول الرجل قد نزحت البئر يريد ذهبت بما فيها. أَلا تزجُرِينَ القائِلينَ لِيَ الخَنا ... كَما أَنا مَعْنِىٌّ ورَاءِك منْفَحُ يقول ألا تنهين من يقول مالا يبغي من القول القبيح، ولا يجمل ولا يحسن أن يتكلم به. وقوله منفح، يقول أنفح عنك مالا ينبغي من القول القبيح، وهو من قولك نفخ فلان دابة فلان إذا ضربه برجله.

أَلمَّا عَلَى سَلْمى فَلَمْ أَرَ مِثْلَها ... خَليلَ مُصافاةٍ يُزارُ ويُمدحُ وقَدْ كانَ قَلبِي مِنْ هَواها وذَكْرَةٍ ... ذَكرْنا بِها سَلمى عَلى النَّأْيُ يَفْرَحُ إذا جِئْتُها يَوماً مِنَ الدَّهْرِ زائراً ... تغيَّرَ مِغْيارٌ مِنَ القَوْمِ أكلحُ فَلِلَّهِ عينٌ لا تزالُ لِذِكرِها ... عَلى كُلِّ حالٍ تستهِلُّ وتسفَحُ وَما زالَ عَنِّي قائدُ الشَّوْقِ والهَوَى ... إذا جِئُتُ حَتَّى كادَ يبدُو فيفضَحُ أَصُونُ الهَوىَ مِنْ رَهبَةَ أَنْ تغُرَّها ... عُيُونٌ وأعداءٌ مِنَ القَوْمِ كٌشَّحُ فَما بَرِحَ الوجدُ الَّذِي قَدْ تلبَّستْ ... بِهِ النَّفسُ حتَّى كادَ للِشَّوْقِ يذْبَحُ يقول خنقته العبرة عند الشوق، فلم يفض عبرته حتى كان يذبحه الوجد فيختنق بالعبرة. قال ذو الرمة: أجل عبرةً كانت لعرفانِ منزلٍ ... لميةَ لو لم تُسْهِلِ الماءَ تَذْبَحُ لشَتَّانَ يَوْمٌ بيْنَ سِجْفٍ وكلَّةٍ ... ومرُّ المطَايا تغتَدِي وتروَّحُ أعائِفَنا ماذا تعيفُ وَقَد مَضَتْ ... بوارِحُ قُدَّامَ المطيِّ وسُنَّحُ نقِيسُ بقيَّاتِ النِّطافِ على الحَصَى ... وهُنَّ عَلى طيِّ الحَيازِيمِ جُنَّحُ ويومٍ مِنَ الجوزاءُ مُستوقِد الحَصَى ... تكادُ صَياصِي العِينِ مِنْهُ تصيَّحُ الصياصي واحدتها صيصية وهي القرن. تصيح تشقق. ويروى فيه، أي في اليوم، والعين بقر الوحش. شَديدِ اللَّظَى حامِي الودِيقَةِ رِيحُهُ ... أشَدُّ أذىً مِنْ شمسِهِ حينَ تَصْمحُ الوديقة حين تدق الشمس وهو أشد حر النهار، يقال من ذلك

الشمس تدق ودوقا، وذلك إذا دنت من الأرض. قال الأصمعي وهو مشتق من قول العرب قد ودقت الناقة وغيرها، إذا دنت شهوتها وقربت من أن يضر بها الفحل. والوادق المشتهية للفحل. فهو مشتق من ذلك. بِأغبرَ وهَّاجٍ السَّمُومِ تَرى بِهِ ... دفُوفَ المهارَى والذفَّارى تنُتَحُّ أغبر طريق. ويروى والدفاري تنتح. وفي قوله بأغبر قال الأغبر البلد الذي لا نبات فيه فقد أغبر من الجدوبة وقلة المطر، وقوله تنتح يقول تسيل عرقا والدفوف الجنوب يريد جنوب الإبل. نصَبْتُ لَهُ وجْهِي وعنْساً كأنَّها ... مِنْ الجهْدِ الاسآدِ قرُمٌ مُلوَّحُ قال الأصمعي الاسآد سير الليل والنهار متصلا. قال والعنس الناقة القوية أي جهدها السير والدؤوب، فهي كالطلح من شدة السير قال والاسآد سير الليل كله. والقرم الفحل. والملوح الكال المعيى. ألَمْ تعْلَمِي أَنَّ النَّدَى مِنْ خلِيقتي ... وكُلُّ أرِيبٍ تاجرٍ يتربَّحُ يقول كل تاجر أريب يتربح أي يربح في بيعه وشراه، وكذا أنا أزداد في الندى والكرم بأربي ومعرفتي. قال والخليقة والطبيعة والنحيزة والشيمة بمعنى واحد. وهو الأمر الذي جُبل عليه الرجل فهو لا يقدر أن ينتقل عنه إلى غيره. قال والأريب من الرجال العاقل الداهي المنكر العارف بماله وما عليه، يقال أنت أريب من الرجال إذا كان كذلك. ويتربح من الربح. قال والندى السخاء والفعال الجميل. فَلا تصْرِمِيني أَنْ تَريْ رَبَّ هجمةٍ ... يُريحُ بِذَمٍّ ما أَراحَ ويسرحُ ويروى فلا تعذليني رب صاحب هجمة. ويروى فلا تعذليني إنه رب هجمة. ويروى فلا تصرميني إنه رب هجمة. يقول فلا تقطعيني إذ

رأيت رب هجمة. قال والهجمة من الابل ما بين الخمسين إلى الثمانين. وقوله يريح بذم ما أراح ويسرح. فهو مذموم غير محمود عند الناس في تعبه وجهده. يَراها قَليلاً لا تَسُدُّ فُقُورَهُ ... عَلى كُلِّ بَثٍّ حاضِرٍ يتترحُ يقول يرى إبله قليلة وإن كانت كثيرة، وذلك من بخله وضيق صدره، يقول فهي حينئذ لا تسد فقره والجمع فقور، يقال فقر وفقور مثل ضرب وضروب. يقول فهو أبدا مغموم ذو بث أي كئيب حزين. قال أبو عبد الله، أخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي، قال يتقرح يتشكى ثم يتترح وهو من الترح، يقال للرجل إذا دعى عليه ماله ترحه الله، أي أصابه الله بترح، أي بحزن، ومعناه يتحرق، ويقال ما من فرحة إلا تتبعها ترحة. رأتْ صِرْمَةً للحنظليِّ كأَنَّها ... شَظِيُّ القَنا مِنْها مُناقٍ ورُزَّحُ يقول رأت عاذلته صرمة من إبلي، قال أبو عبيدة والصرمة من الإبل ما بين العشرين إلى الثلاثين. وقوله للحنظلي يعني نفسه. أي تغنينا عن مكسب النقافين. والنقاف الذي يتبع الأحياء فيسأل فتوهب له الشاة والفصيل. ثم قال كأنها شظي القنا، يريد كأنها قنا قد تكسر هزالا وضرا، فمنها ما فيه بقية وبه شيء من نقى وهو المخ. قال أبو عبد الله، سمعت أحمد بن يحيى يقول، تشظى القوم إذا تفرقوا. قال والرزح الساقطة من الإعياء والجهد والضر. سيكفِيك وَالأضيافَ إنْ نَزلُوا بِنا ... إذا لَمْ يَكُنْ رَسلٌ شِواءٌ مُلَوَّحُ ثم قال لعاذلته وان كانت إبلي على هذه الحال، فانا ننحر للأضياف إذا نزلوا بنا، فنطعمهم شواء ملوحا قد لوحته النار فأنضجته. إذا لم يكن رسل وهو اللبن ويروى شواء مملح.

وجَامِعَةٌ لا يُجعلُ السِّتْرُ دُونَها ... لأَضيافِنا والفائِزُ المُتمنِّحُ قوله وجامعة، يعني اجتماعهم على القدر. والفائز هو القدح. يقول لا يسترها من الناس أن يحضروا، فينحر لهم ويطعمهم عند ضرب القداح، ونحر الجزر فأمرنا ظاهر مكشوف. رَكودٌ تَسامَى بِالمحالِ كأَنَّها ... شَمُوسٌ تذُبُّ القائِدينَ وتضْرحُ ركود يعني القدر. والمحال الفقر، كل فقرة محالة وطبقة. وشموس فرس تضرب برجليها ويروى تبذ. إذا ما تَرامَى الغَليُ في حَجراتِها ... تَرى الزَّورَ في أَرجائِها يتطوَّحُ أَلَمْ ينْهِ عنِّي النَّاسُ أَنْ لستُ ظالماً ... برياًّ وأنِّي للمُتاحِينَ مِتْيَحُ المتاحون المتعرضون. متيح عريض. فمِنْهُمُ رمِيٌّ قَدْ أُصيبَ فُؤادُهُ ... وآخرُ لاقَى صكَّةً فمُرَنَّحُ بَنِي مالِكٍ أَمسى الفرزدقُ جاحِراً ... سُكيتاً وبذَّتْهُ خناذِيذٌ قُرَّحُ الخناذيذ الكرام من الفحول، الواحد خنذيذ. لَقَدْ أَحرزَ الغاياتِ قبلَ مُجاشعٍ ... فَوارِسُ غُرٌّ وابنُ شعرةَ يكدحُ وَما زالَ فِينا سابِقٌ قَدْ عَلِمْتُمُ ... يُقَلَّدُ قبلَ السَّابقينَ ويمدَحُ عَلَتْكَ أَواذِيٌّ مِنَ البحرِ فاقتبِضْ ... بِكفَّيْكَ فانْظُرْ أيَّ لُجيَّهْ تقْدَحُ لقَوْمِي أَوَفى ذِمَّةً مِنْ مُجاشِعٍ ... وخيرٌ إذا شَلَّ السَّوامَ المُصَبِّحُ تَخِفُّ مَوازِينُ الخناثَى مُجاشِعٍ ... ويثقُلُ مِيزانِي عليْهِم فيَرْجحُ فخرتُ بِقيسٍ وافتخرتَ بِتغلبٍ ... فسوفَ تَرى أيَّ الفَريقيْن أربحُ

فَأَمَّا النِّصارَى العابِدُونَ صَليبهُمْ ... فخابُوا وأمَّا المُسلُمِونَ فَّافْلحُوا ألَمْ يأتِهمْ أَنَّ الأخيطَلِ قَدْ هَوَى ... وطُوَّحَ في مَهواةِ قَوْم تطوَّحُوا تَداركَ مسعاةَ الأخيطِلِ لُؤَمهُ ... وظهرٌ كظَهْر القاسِطيَّة أفطحُ قال عزاه إلى قاسط بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة. وقوله أفطح يعني عريضا. لَنا كُلَّ عامٍ جِزْيَةٌ تتَّقِى بِها ... عليكَ ومَا تلقَى مِنَ الذُّلِّ أبرحُ ومَا زالَ ممنُوعاً لِقَيْسٍ وخِنْدفٍ ... حِمىً تتخَطَّاهُ الخَنازِيرُ أَفيحُ ويروى لا تخطاه. ويروى لم تخطاه. ويروى لم توطأه. إذا أخذتْ قيسٌ عليكَ وخِندفٌ ... بِأَقطارِها لَمْ ثَدْر مِنْ أَينَ تسرَحُ قوله تسرح يعني تغدو بماشيتك إلى الرعي. قال والمسرح بالغداة، والرواح بالعشي. وهو من قوله تعالى {حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} قال والأقطار النواحي. يقول إذا أخذت قيس عليك الطرق، لك يكن لك رواح ولا مسرح، يعني انجحرت من خوفها فلم تظهر. لَقَدْ سُلَّ أَسيافُ الهُذيل عليكُمُ ... رِقاقَ النَّواحِي ليسَ فيهنَّ مِصْفَحُ يعني الهذيل بن زفر بن الحارث، وهو من بني نفيل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ووقائعه ببني تغلب في الإسلام. قال أبو جعفر، مصفح يضرب بعرضه، أي هم يجاذبونكم القتال ليس عندهم رفق بكم فيضربوكم بعروض السيوف.

وَخاضَتْ حُجُولُ الوردِ بالمرجِ منكُمُ ... دِماءٌ وأفواهُ الخنازِيرِ كُلَّحُ قوله بالمرج، يعني مرج الكحيل، وهو يوم لقيس على بني تغلب. وقوله وأفواه الخنازير، يعني بني تغلب وذلك أنهم - يعني قيسا - كانوا يقاتلون ابن مروان مع ابن الزبير. لقيتُمْ بأْيدِي عامرٍ مَشْرفيَّةً ... تعضُّ بِهامِ الدَّار عِينِ وتجرَحُ بمُعترِكٍ تَهْوَى لِوَقْعِ ظُباتِها ... خَذارِيفُ هامٍ أَوْ مَعاصِمُ تُطرَحُ قوله خذاريف قطع مما يقطعها السيوف. قال والمعصم موضع السوار من السواعد. قال فهذه السيوف. تقطع كل شيء وتقطع الأيدي أيضا. سَمالَكُمُ الجحَّافُ بِالخَيْلِ عنوَة ... وأَنْتَ بِشَطِّ الزَّابِيين تنوَّحُ عليْهِمْ مُفاضاةُ الحَدِيدِ كأَنَّها ... أضاً يومَ دجنٍ في أجالِيدَ ضَحْضَحُ قال يعني الجحاف بن حكيم السلمي. وقوله مفاضاة، يعني دروعا واسعة. وقوله أضا قال والواحدة أضاة. وجمعها أضا كما تقول حصاة وحصى. قال والضحضح من الأرض، يكون فيه ماء رقيق يجتمع من أمطار وعيون وغير ذلك، فسمي ضحضحا. قال وجمع أضا إضاء كثيرة ممدود وهو مكسور الأول. وقال النابغة الذبياني في ذلك تصديقا له:) طلين بكديون وأشعرن كرة ... فهن إضاء صافيات الغلائل

وقوله أجاليد واحدها جلد، وهو الأرض الصلبة المستوية. يقال أجلاد وأجاليد وجلد للواحد. وظَلَّ لَكُمْ يوْمٌ بِسنْجارَ فَاضِحٌ ... ويومٌ بأَعطانِ الرَّحُو بَيْن أفضَحُ قوله يوم بسنجار، كان يوما لقيس على بني تغلب، وذلك في الحرب التي كانت بينهم في الإسلام. وقوله ويوم بأعطان الرحو بين، يعني يوم البشر، وذلك حين أوقع الجحاف ببني تغلب. قال وأنشد مؤرج للأخطل بيته في الجحاف وهو قوله: لقد كان في يوم الرحوب وقيعة ... إلى الله منها المشتكى والمعول قال أبو عبد الله، الذي أحفظ وقيعة. قال فكأنه يهون هذه الوقعة حتى صغرها. قال والناس يروون: لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة ... إلى الله منها المشتكى والمعول قوله صغرها أي لم يرو البيت الرواية الأخرى. وضيَّعْتُمُ بالبِشْرِ عَوْراتِ نِسوةٍ ... تكشَّفَ عنهُنَّ العباءُ المُسَيَّحُ قال العباء المسيح، يريد الكساء المخطط، وهي الأكسية التي فيها سواد وبياض. قال وإنما أخبر أن لباس نسائهم الأكسية، شبههن بالإماء يهجوهن بذلك ويخبر أن ذلك اللباس لهن. بِذَلَكِ أَحْمَيْنا البِلادَ عليكُمُ ... فماَلَكَ فِي ساحاتِها مُتَزَحْزَحُ قوله أحمينا البلاد عليكم، يقول جعلناها حمى فلا تقربونها ولا

تطمعون في ناحية نحميها. ولا يقدرون أن يقربوا ما حمينا، وذلك لعزنا وقوتنا ومنعتنا. ثم قال فمالك في ساحاتها متزحزح، أي لا تروم ما حفظناه. وقوله أحميناه أي جعلناه حمى. قال وإذا جالد عنها قيل حماها. أَبا مالكٍ مالَتْ بِرأْسكَ نَشْوَةٌ ... وعرَّدْتَ إذْ كبشُ الكَتيبة أَمْلَحُ قوله أبا مالك، تريد يا أبا مالك فنصب على الدعاء المضاف. قال أبو مالك هو الأخطل ويكنى أبا مالك. وقوله وعردت يقول جبنت فلم تقدم، ومنه يقال حمل فلان فأحسن وحمل فلان فعرد، وذلك إذا جبن فلم يقدم وكَعَّ عن الأقدام. قال والأملح من الكباش الأسود يعلوه بياض فيصير كأنه لون الرماد، وإنما يريد بذلك أن رئيس القوم في الحديد وهكذا لونه يريد أن رئيسهم مما لا يفارقه الحديد لونه لون الحديد، وقد تغيرت ريحه من ريح الحديد. إذا ما رَأَيْتَ اللِّيتَ مِنْ تَغلِبيَّة ... فقُبِّحَ ذاكَ اللِّيتُ والمُتوشَّحُ كسر اللام، الليت مجرى القرط من العنق. تَرَى مَحجِراً مِنْها إذا ما تنقَّبَتْ ... قبيحاً ومَا تَحتَ النِّقابينِ أَقبحُ إذا جُرِّدَتْ لاحَ الصَّلِيبُ عَلَى اسْتِها ... ومِنْ جِلْدِها زَهْمُ الخنازِيرِ ينْفحُ ويروى ينضح، ويروى ومن عرضها، ويرزى زهم الخنانيص، ويروى ومن عرفها. قوله زهم هو الشحم والودك، يقول فثيابهن قد تغير ريحها من الودك. وَلَمْ تَمْسَحِ البَيْتَ العَتِيقَ أَكُفُّها ... ولَكِنْ بِقُرْبانِ الصَّليبِ تَمسَّحُ

ويروى وما تمسح البيت العتيق أكفهم. يقِئْنَ صُباباتٍ مِنَ الخَمْرِ فوْقَها ... صَهِيرُ خَنازِيرِ السَّوادِ المُمَلَّحُ ويروى تقيء. وقوله يقئن صبابات يريد صبابات الخمر. والصبابة بقية الشيء. يقول تقيء هؤلاء النساء من النصارى ما شربن من بقيات الخمر. ويقئن من القيء. وقوله صهير أي مصهور. يقول هو مذاب يقال قد صهرته الشمس وذلك إذا أحرقته وهو من قوله تعالى {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} أي ينضج ما في بطونهم. زاد أبو جعفر: فَما لَكَ فِي نجدٍ حَصاةٌ تعُدُّها ... وَلا لَكَ فِي غَورَيْ تِهامَةَ أَبْطَحُ قال فلما سمعه الأخطل قال ما أبالي والمسيح. فأجابه الفرزدق فقال: تَكاثَرُ يَرْبُوعٌ عليكَ ومالِكٌ ... عَلى آلِ يربُوعٍ فمَالَكَ مسرَحُ ويروى تكثر. قوله فما لك مسرح، يقول أنت ذليل لا تقدر على أن يكون لك مسرح تسرح فيه إبلك فترعى، وذلك أنك تخاف أن تنتهب. إذا اقتسَمَ النَّاسُ الفَعالَ وجدْتَنا ... لَنا مِقْدَحا مَجْدٍ وللِنَّاسِ مِقْدَحُ

المقدح المغرفة. وهذا مثل، أي نغرف به المجد، أي نحن أوفرهم نصيبا. فأَغْضِ بشُفريْكِ الذَّلِيلَيْنِ واجْتَدِحْ ... شَرابَكَ ذا الغَيْلِ الَّذِي كُنْتَ تجدَحُ قال الشفر منبت شعر العين. قال والشعر هو الهدب والهلب سواء بمعنى واحد. وقوله الذي كنت تجدح، يريد خض شرابك فاشربه، يقال من ذلك يا غلام اجدح لنا شرابنا، وهو سويق أو غيره، يجعل في القدح ثم يحرك بخشبة في القدح ليختلط بالماء فذلك الجدح. وقوله فأغض، يريد فغمض واصبر على الذل والمهانة، والغيل لبن الحبلى. ورَدَّ عليكُمْ مُردفاتٍ نِساءَكُمْ ... بِنا يَومَ ذِي بَيْضٍ صَلادِمُ قُرَّحُ قال أبو عبيدة، أخبرنا أبو العباس الأحول، أن عمارة بن عقيل كان يرويها بيض بكسر الباء. وكُلُّ طَويلِ السَّاعِدَينِ كأنَّهُ ... قرِيعُ هِجانٍ يخبِطُ النَّاسَ شَرْمَحُ فَأَنزلهُنَّ الضَّرْبُ والطَّعْنُ بالقَنا ... وبَيضٌ بأيمان المُغيرةِ تجرحُ رَددْنَ عَلى سُودِ الوُجُوه كأنَّهُمْ ... ظَرابِيُّ أَوْهُمْ في القرامِيصِ أَقْبَحُ إذا سألوهُنَّ العِناقَ منعنهُمْ ... وفدَّيْنَ حَّيي مالِكٍ حينَ أَصْبَحُوا يقول وجدن بني مالك آثر عندهن من رجالهن. جَرِيرٌ وقيسٌ مِثلُ كَلبٍ وثُلَّةٍ ... يَبيتُ حواليْها يَطُوفُ وينبحُ وما هُوَ مِنْها غيرَ أَنَّ نِباحَهُ ... لِيُولِغَ فِي البانِها حِينَ يُصْبِحُ وَعانَقَ مِنَّا الحوفزانَ فردَّهُ ... إلى الحيِّ ذُو درءٍ عَنِ الأصلِ مُرْزِحُ

يعني الحوفزان بن شريك، أغار على بني يربوع بذي بيض، فسبى وأخذ المال وظفر بهم وملأ يديه. ذو درء ذو دفع. مرزح ثابت لا يزول. وقال الفرزدق في هجائه بني جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، قال وذلك أن ذا الأهدام متوكل بن عياض بن حكم بن طفيل ابن مالك بن جعفر بن كلاب هجاه بقوله: إن الخيانة والفواحش والخنا ... تحقق فيها نهشل ومجاشع واللؤم عند بني فقيم شاهد ... لا لؤمهم خاف ولا هو نازع وتقول ضبة يوم جاء نفيرها ... منا اللئيم وكان منا الراضع قوله خاف، أي مستخف مستتر، والمختفي المظهر للشيء. وأهل الحجاز يسمون النباش المختفي لإخراجه ثياب الموتى. فقال الفرزدق يهجو بني جعفر: عَرفتَ بأَعْلاَ رَائِسِ الفأوِ بَعْدَما ... مَضَتْ سَنةٌ أَيامُها وشُهورُها قال أبو عمرو، الفأو متسع الوادي، والرائس فم الوادي حين تلقاه داخلا أو تتركه خارجا. وقوله بأعلا رائس، قال رائس الوادي أعلاه. قال والفأو مطمئن من الوادي يضيق ثم يخرج إلى سعة. قال أحمد بن عبيد: هذه القصيدة يقال لها ذات الأكارع، وهي من جيد شعره ودمغ بها قيسا. مَنازِلُ أَعْرتْها جُبيرةُ والتقتْ ... بِها الريح شَرْقيَّاتُها ودَبورهُا

ويروى حلتها جبيرة، ويروى أعرتها جبيرة تلتقي. ويروى مصرياتها ودبورها. قال قوله جبيرة هي جبيرة بنت أبي بذال، وهو رجل من بني قطن بن نهشل، واسمه بشر بن صبيح بن أربد بن حمزة ابن قطن بن نهشل. وقوله شرقياتها، يريد مر الصبا والجنوب، وهي التي تهب من ناحية المشرق وتهب من الدبور. والدبور بين الشمال والجنوب. كأَنْ لَمْ تُحوِّضْ أَهلُها الثَّورَ يجتني ... بِحافاتِها الخَطمِيَّ غضًّا نَضِيرُها الثور مجتمع الماء والثور قطعة من الأقط العظيمة، وقوله كأن لم تحوض، يقول يجعلونه حياضا ويروى كأن لم تخوض بالخاء والأول بالحاء. وأنشد لسلمة بن الخرشب الأنماري يصف مكانا كثير العشب. ومختاض تبيض الربد فيه ... تُحُومي نبته فهو العميم قال وقوله ومختاض، هو بلد هاهنا، يقول يخاض خوضا من كثرة مائه ونباته، فهو ملتف لا يسلك فيه إلا خوضا، كما يقال يخوض العيش خوضا. أَناةٌ كَرِئمِ الرَّملِ نوَّامةُ الضُّحَى ... بطِيءٌ عَلَى لَوثِ النِّطاقِ بكُوُرهُا قوله أناة، يقول هذه المرأة حكيمة رزينة لها ركانة ووقار، ليست بخفيفة ولا نزقة ولا فرفارة وشبهها برئم الرمل، قال والرئم الذي يسكن الرمل، وهو أحسن لونا من غيره، فشبه تلك المرأة بهذه الرئم

وجعلها نوامة الضحى. يقول لها من يكفيها، يريد كأن الدهن جرى فوقها من صفائه وحسنه وكثرة مائه، ولونه كلون الرمل. وقال نوامة الضحى لأنها من بنات الملوك. لوث طى لاثه لوثا ولثاه. ومن لثاه قول العجاج: لاث به الآشاء والعبرى، يريد لائث كما قالوا هار وهائر: إذا حَسَرتْ عَنْها الجَلابِيب وارتدتْ ... إلى الزَّوجِ ميَّالاً يكادُ يصُورُها ويروى إذا وضعت من الفرع ميالا، يعني شعرها، يعني يعطفها شعرها من كثرته وكثافته فقال، يكاد يعطفها إلى الشق الذي تميل إليه من كثرة شعرها، وقوله يصور يقول يكاد يجمعها ويعطفها شعرها من كثرته، وهو من قول الله تعالى {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} كذا فسره ابن عباس رضي الله عنهما. ومُرتجَّةِ الأَرْدافِ مِنْ آلِ جَعْفَرٍ ... مُخَضَّبةِ الأطرافِ بِيضٌ نُحُورُها قولح مرتجة الأرداف، يقول عجيزتها إذا مشت، يقول اضطربت عجيزتها فذهبت وجاءت من ضخمها وعظمها، وهو مما تنعته الشعراء. ويحب من المرأة أن تكون ضخمة العجيزة، ومما حُكي في الحديث، أن عظم عجيزة المرأة نصف الحسن، وبياض المرأة نصف الحسن. قال أبو عبد الله، أخبرنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي، قال: قالت عائشة رضي الله عنها لقوم من تيم، إنكم تعاونوا الرقيق، فعليكم بالبياض والطول فانهما يعتفران نصف الحسن. قال ابن الأعرابي الاعتفار أخذ الشيء على قهر. كَأَنَّ نَقاً مِنْ عالجٍ أزرَتْ بِهِ ... بِحيثُ التقتْ أَوْراكُها وخُصُورُها

ويروى أردافها. يقول كأن عجيزتها نقل من الرمل في ضخمه وعظمه. فَقَدْ خِفُتُ مِنْ تَذْرافِ عينيَّ إثرَها ... عَلَى بصرى والعينُ يعمى بصِيرُها تفجَّرَ ماءُ العينِ كُلَّ عشِيَّةٍ ... وللِشَّوْقِ ساعاتٌ تهيجُ ذُكُورُها وما زِلْتُ أُزجِي الطَّرفَ مِنْ حيثُ يمَّمَتْ ... مِنَ الأَرْضِ حتَّى رَدَّ عَينِي حَسِيرها يعني حسرت. قال ومعنى حسير أي محسور، قال وهو من قوله تعالى {يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} أي كال معي كالمنقطع. فَردَّ عليَّ العينَ وهْيَ مريضَةٌ ... هذَالِيلُ بَطْنِ الرَّاحتينِ وَقُورُها قال والهذاليل رمال مستدقة من الرمل، الواحد هذلول. ويروى أهاضيم بطن الراحتين. وقورها واحدة القور قارة وهي جبال صغار. تحيَّرَ ذَاوِيهَا إذَا اضَّطرَد السَّفا ... وهاجَتْ لأيَّامِ الثُّرَيَّا حَرُورُها قال أبو عبد الله، ذاريها بالراء. والسفا شوك البهمى وهو مثل شوك السنبل. وقوله لأيام الثريا يعني رياح الثريا. أَتَصْرِفُ أَجْمالَ النَّوَى شاجنيَّةٌ ... أمِ الحفرُ الأعْلَى بِفَلْجٍ مصيرُها

يعني المرأة. وقوله شاجنية، قال وهو ماء يقال له شاجن. قال والمعنى في ذلك يقول انصرفت فيقول، أتصرف أجمالها إذا ذهب الربيع فتريد شاجن أم تقيم، ومصيرها محضرها أي حيث تصير إليه. وَما مِنْهُما إلاَّ بِهِ مِنْ دِيارِها ... مَنازِلُ أَمْسَتْ ما تبِيدُ سُطُورُها قوله ما تبيد سطورها يريد آثارها ومعالمها. وَكائِنْ بِها مِنْ عَيْنِ باكٍ وعبَرةٍ ... إذَا امتُرِيَتْ كانتْ سَريعاً دَرُورُها ويروى إذا استذرفت. ويروى بعبرة. يقول كل من رأى تلك الآثار التي كانت من نعيمهم واجتماعهم، ذكر ما كانوا فيه من الخير وحزن عليهم وجزع فبكى. تُرَى قطنٌ أَهلَ الأصارِيمِ إنَّهُ ... غَنِيٌّ إذَا ما كلَّمَتْهُ فَقِيرُها يعني قطن بن نهشل بن دارم، يريد القبيلة وهم أهل الأصاريم. أنه غنى بكلامها إياه. تَهادَى إلى بيتِ الصَّلاةِ كأَنَّها ... عَلى الوعثِ ذُو ساقٍ مَهِيضٍ كَسِيرُها يقول كأنها من ثقلها كجمل مكسور الساق بعد الجبر، فهو يمشي على رمل وعث فهو أثقل له. كَدُرَّةِ غَوَّاصٍ رَمى في مَهِيبةٍ ... بأَجرامِهِ والنَّفْسُ يخشَى ضَميرُها في مهيبة، يعني لجة في بحر يهابها من رآها من هولها. وقوله بأجرامه قال الأجرام بدنه كله. مُوَكَّلةً بالدُّرِّ خَرْساءَ قَدْ بَكَى ... إليْهِ مِنَ الغوَّاصِ مِنْهَا نَذيرُها

قال يريد يخشى ضميرها. موكلة بالدر يعني حية تحفظ الدر في البحر، أي هو في طلب الدرة وقلبه يخاف الموكلة الخرساء في البحر. نذيرها يريد إنذارها إياه. فقَالَ أُلاقِي الموتَ أَو أُدْرِكُ الغِنَى ... لِنَفسِيَ والآجالُ جاءَ دهُورُها وروى أبو عمرو، ألاقي الموت أو أطلب الغنى. يقول: قال الغواص يلقاني الموت في طلب هذه الدرة أو أدرك الغنى. ثم قال والآجال لابد من لقائها ومجيئها يصبر نفسه. ولمَّا رأَى ما دُونَها خاطَرَتْ بِهِ ... عَلَى الموتِ نفسٌ لا ينَام فَقِيرُها يقول النفس وإن استغنت فهي فقيرة أبدا، لا تشبه لحرصها وشرهها. فَأَهْوَى وَناباهَا حواليْ يَتيمَة ... هيَ الموتُ أَوْ دُنيا يُنادِي بَشِيرُها قوله وناباها يعني نابي الحية. واليتيمة الدرة، قال وإنما قالوا للدرة يتيمة يريدون ليس لها ثان. فأَلقَتْ بِكفَّيْهِ المنيَّةُ إذْ دَنا ... بِعضَّةِ أَنْيابٍ سَرِيعُ سُؤورُها ويروى لوت بذراعيه. وروى أبو عبيدة فلاثت بكفيه. قوله سؤورها، يعني فساورته هذه الحية إذا دنا الغواص من تلك اللؤلؤة، فهي تسور سؤورا ومساورة. وهي المواثبة: قال ومن همز فقال سؤورها، همز لتحرك الضمة والواو وشبهها بواوين مثل أقتت. قال

أبو عبد الله، قال الفراء: الواو إذا انضمت همزت وإن كان الأصل غير مهموز. فَحرَّكَ أَعْلاَ حَبْلِهِ بِحُشاشَةٍ ... ومِنْ فوقِهِ حضراءُ طامٍ بُحورُها قوله بحشاشة، يقول حرك حبله حين نزل به الموت، ثم قال: ومن فوقه خضراء يعني اللجة. والطامي الماء الكثير الذي قد طغى، وذلك إذا كثر وجاء بما لا طاقة به من قول الله عز وجب {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء}. فَما جاءَ حتَّى مَجَّ والماءُ دُونَهُ ... مِنَ النَّفْسِ ألْواناً عبِيطاً نحيرُها يقول فما جاء من قعر البحر حتى مج، أي قذف بنفسه فمات، كما يقال للرجل مج ريقه وبصق ريقه سواء بمعنى واحد. وإنما أراد أنه مات فذهب من لسع الحية إياه. إذا ما أرادُوا أنْ يُحِير مَدُوفةً ... أبَى مَنْ تقضَّى نفسُهُ لا يحيرُها ويروى من ترقى نفسه، أي تصعد نفسه، أي تخرج من لهاته. يحيرها يسبغها. وقوله مدوفة يريد ترياقة تداف. وقوله لا يحيرها يقول يردها إلى جوفه ولا يسيغها من عظم ما به من الوجع. قال ومن أمثال العرب "أراك بشر ما أجار مشفر". يريد ما رد في الجوف. وقيل لأعرابي كيف أكلك؟ قال إني لضعيف الأكل، غير أني أكبر القوم لقمة وأصغرهم إحارة أي سرعة ابتلاع. فلمَّا أَرَوْها أُمَّهُ هانَ وجدُها ... رَجاءَ الغِنَى لمَّا أضاءَ مُنيرُها يقول فلما أروها أمه، أي لما رأت أم الغواص الدرة، وأخبروها بموته هان وجدها على ابنها، لما أملت من الغني، لما رأتها قد أضاء البيت

لحسنها وكثرة مائها. وقوله رجاة الغنى، قال إذا قالوا رجاة بالهاء فهو مقصور، وإذا نزعت الهاء فهو ممدود. كذا قاله الأصمعي وأبو عبيدة جميعا، تقول أتيتك رجاة خيرك ورجاء خيرك. عن أبي عبيدة عن يونس. وَظَلَّتْ تغالاهَا التِّجارُ ولا تُرَى ... لهَا سيمَةٌ إلاَّ قَلِيلاً كَثِيرُها ويروى تغاليها، ويروى ولا ترى لها سيمة، السيمة التي يستام بها. أَلَمْ تعلمِي أنِّي إذا القِدْرُ حُجِّلَتْ ... وأُلقيَ عَنْ وجهِ الفَتاةِ ستورها قوله حجلت، يقول سترت كما تحجل المرأة في الحجلة إذا سترت، فهو مشتق من ذلك. يقول سترت بحجلة كما تستر العروس بحجلتها. قال وألقي عن وجه الفتاة ستورها يريد لاعتمالها وامتهانها نفسها في الجدب. كما قال: إذا الحسناء لم ترحض يديها ... ولم يقصر لها بصر بستر يقول إنما طعامها البقل، وما لا تحتاج أن تغسل يديها منه، يصف شدة الجدب - وقوله البقل خطأ لأنهم في جهد فأي بقل لهم، والبقل نفس الخصب فهذا التفسير خطأ - ورَاحتْ تشِلُّ الشَّوْلُ والفحلُ خلفَها ... زَفيفاً إلى نِيرانِها زَمهرِيرُها

أي راحت زمهريرها فيه، رفع الزمهرير، يقول من شدة البرد لا ينحى خطمه عن أسته إنما يهر حسب. شآميَةٌ تُغشِي الخفَائِرُ نارُها ... ونَبحُ كِلابِ الحَيِّ فِيها هَرِيرها قال أبو عبد الله، قال أبو العباس، قولهم يماني القياس فيه يمني، فلما أدخلوا الألف قالوا يمان، وجعلوه مثل قاض ورام، وتقول في النسبة إلى الشأم شأمى وأنشد: أو ذي هبات كقرقور البريد غدا ... طابت بمجراته الشامية السهك إذَا الأُفُقُ الغربيُّ أمسى كأَنهُ ... سَدى أَرجُوانٍ واستقلَّتْ عُبُورُها قوله واستقلت عبورها يريد عند المغرب، وكذلك العبور تطلع عند المغرب أشد ما يكون من البرد. تَرَى النِّيبَ مِنْ ضَيفِي إذا ما رأينهُ ... ضُموراً على جرَّاتها ما تُحيرُها يُحاذِرْنَ مِنْ سَيْفِي إذا ما رأينهُ ... معِي قائِماً حتَّى يكُوسَ عقيُرها قال أبو عبد الله: يحاذرن من سيفي إذا ما رأينه ... بوادره حتى يكوس عقيرها الرواية الجيدة. قوله يكوس يريد يمشي على ثلاث، يقول قد عقره لينحره للضيف. يقال من ذلك كاس البعير فهو يكوس إذا عقرته فمشى على ثلاث. وقدْ علمتْ أنَّ القرَى لابنِ غالبٍ ... دُراها إذا لَمْ يُقرِ ضيفاً درُورُها قوله درورها يعني من الدر وهو اللبن. يقول إذا لم يدر لبنها

للضيف أطعمناه سنامها فقد عودناها ذلك. شققنَ عنِ الأولادِ بالسَّيفْ بطنها ... ولمَّا تُجلَّدْ وهيَ يحبُو بقيرُها ويروى عن الأفلاذ وهي الأكباد. يقول نحرنا إبلنا التي قد كثر ولدها في جوقها، حتى شققنا عنه فخرج ثم أطعمناه الأضياف. وقوله ولما تجلد، يقول لم نذبح ولدها، ولم نحش جلده تبنا، ولم نتركه لأمه فيكون بواً لها لينتفع بلبنها. وتجلد أيضاً ينزع جلدها عنها. ولم تجلد لم تخلق لها جلود، يريد شققنا بطونها عنه. وقوله ولما تجلد يقول تسلخ يقول لم ينزع جلدها بعد. ونُبّئتُ ذا الأهدامِ يَعوِي ودُونَهُ ... مِنَ الشَّأمِ زَرَّاعاتُها وقثصورُها الأهدام الخلقان. وذو الاهدام لقب متوكل بن عياض بن حكم بن طفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. يقول هو يهذي وبيني وبينه ما ذكر. ويقال ذو الاهدام نافع بن سوادة الضبابي. إليَّ ولم أترُكَ على الأرضَ حَيّةً ... ولا نابِحاً إلا استَسَرَّ عَقُورُها يقول لم أترك أحدا يتكلم إلا استسر عقورها. يقول إلا استخفى عني كل من يتقى شره من مخافتي ووثوبي عليه. كِلاباً نَبَحنَ اللّيثَ مِن كلِّ جانب ... فعادَ عُواءً بعدَ نَبحٍ هَرِيرُها عَوى بِشَقاً لا بنَي بُحيرٍ ودوننا ... نِضادٌ فأعلامُ السِّتارِ فَنيرُها

ويروى ودونه. ويروى فا جبال الستار. قال بحير بن عامر بن مالك ابن جعفر بن كلاب، وأعلام جبال، والنير أيضاً اسم جبل، ومن قال نضاد ذهب به مذهب قطام وجذام. ونبِّئتَ كلبَ ابنَي حُميضَةَ قد عوى ... إليَّ ونارُ الحربِ تغلي قُدورهُا ابنا حميضة، عامر ومنذر ابنا بحير بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب. ويقال حاجب وحبيب ابنا حميضة. فَوَدَّتْ بأُذنَي رأسِه أُمُّ نافِعٍ ... بجاريَةس عَفلاءَ كانَ زَجيرُها يريد نافع بن الخنجر بن الحكم بن عقيل بن طفيل بن مالك بن جعفر. يقول ودت أمه أنها ولدت بدله جارية عفلاء. ويقال نافع بن سوادة. ووَدَّتْ مكانَ الأنفْ لوَ كانَ نافِعٌ ... لها حَيضَةٌ أو أجهضَتها شُورُها ويروى: وودت بجدع الأنف لو أن نافعا ... لها حيضة أو أعجلتها شهورها مكانَ ابنها إذ هاجَني بِعُوائِهِ ... عليها وكانتْ مُطمئِناً ضَميرُها لكانَ ابنُها خيراً وأهونَ رَوعَةً ... عليها منَ الجُربِ البَطِيءُ طُرورُها طرورها خروج وبرها الجديد تحت الوبر القديم، ويروى البيطاء طرورها. دَوامِغَ قد يُعدِي الصِّحاحَ قِرافُها ... إذا هُنِئَتْ يزدادُ عَرّاً نشورُها

ويروى زحامها. قال العر مفتوح العين هو الجرب. قال والعر مضمون العين قرح سوى الجرب. يقال نشر الجرب نشراً ونشورا. وقرافها مداناتها إذا قربت منه أعداها. والغرة العذرة. وكانَ نُفيعٌ إذ هَجاني لأُمِهِ ... كباحِثَةٍ عن مُديَةٍ تَستَثِيرُها يقول تستشئمه أمه إذ تعرض لي، وصار كهذه العنز التي بحثت عن السكين حتى ذبحت بها. لئنْ نافِعٌ لم يَرعَ أرحامَ أُمِّهِ ... وكانتْ كدَلوٍ لا يزالُ يُعيرُها لَبِئسَ دمُ المولودِ مَسَّ ثيابَها ... عَشيَّةَ نادَى بالغُلامِ بَشيرُها عجوزٌ تُصَلِّي الخمسَ عاذَتْ بغالِبٍ ... فلا والذي عاذَت بهِ لا أضيرُها ويروى فلا والذي شق استهالا أضيرها. وروى أبو عمرو فلا والذي صلت له لا أضيرها. فإني على إشفاقِها مِن مخافتي ... وإن عَقَّهابي نافعٌ لمَجيرُها ولم تأتِ عَيرٌ أهلَها بالذي أتتْ ... بهِ جَعفَراً يومَ الهُضَيباتِ عِيرُها قال ويوم الهضيبات، يعني يوم طخفة، ويوم عرجة، قال وكانت وقعة بين الضباب وبين بني جعفر، فكانت للضباب على بني جعفر. فقتلوا من بني جعفر سبعة وعشرين رجلا، فجاءت نساء بني جعفر فحملن قتلاهن على الإبل فدفنوهن، ففي ذلك يقول الفرزدق: لولا ارتدافكما الخصي عشية ... يا ابني حميضة جئتما في العير أتَتهُم بِعيرٍ لم تكن هَجَرِيَّةً ... ولا حِنظَةَ الشأمِ المَزِيتَ خَميرُها

قوله المزيت خميرها، أي جاءت بالزيت مع الحنطة والدقيق. يقول لم تكن العير التي حملت القتلى هجرية، يريد تحمل التمر من هجر البحرين، ولا عيرا تحمل حنطة الشام، وقوله المزيت خميرها يعني التي تخبز بالزيت. يقول إنما كانت حمولتهن قتلى حملوهم عليها. أتَتهُمْ بِعَمرو والدُّهَيمِ وسِتَّةٍ ... وعشرينَ أعدالاً تميلُ أُيورُها إذا ذَكَرتْ زَوجاً لها جَعفريّةٌ ... ومَصرعَ قتلى لم تُقَتَّلْ ثُؤورُها تَبيَّنُ أن لم يَبقَ مِن آلِ جعفَرٍ ... مُحامٍ ولا دُونَ النِّساءِ غَيورُها وقد أنكرتْ أزواجَها إذ رَأتهُمُ ... عُراةً نِساءٌ قد أُحِزَّتْ صُدورُها رَأتْ كَمَراً مِثلَ الجَلامِيدِ فُتِّحَتْ ... أحالِيلُها لمّا اتمأرَّتْ جُذورُها اتمأرت امتدت. ويروى اسمأرت واسمعذت وهو مثله. ويقال اتمأرت انتفخت وعظمت. والجذور الأصول الواحد جذر. فقُلنَ عَهدناهُم رِجالاً وهذهِ ... أَيُورُ بِغالٍ خالَطتها حَميرُها وليستْ لِزوجٍ منهُمُ جعفريّةٌ ... مُعاداً بِكفَّيها إليها طُهورُها أي لا تطهر لزوج بعدها لان أزواجهن قتلوا. وقال غيره لا تزوج جعفرية رجلا، بعدما كان من أزواجهن من الجبن والفشل.

ولم تَكُ تخشى جعفراً أنْ يُصيبَها ... بأعظَمَ منّي مِن شَقاهَا فُجورُها ولا يومَ بِريَانٌ تُكسعُ بالقَنا ... ولا النارَ لو يُلقى عليهِم سَعيرُها أراد ولا يوم تكسع بالقنا بريان، وهو جبل. ويروى إذ يلقى عليهم. أراد أن يحرق قتلاهم حتى لا تشمت بهم الضباب. وقد عَلِمَتْ أعداؤُها أنَّ جعفراً ... يَقي جَعفراً حدَّ السيوفِ ظُهورُها أتَصبِرُ للعادِي ضَغابيسُ جعفَرٍ ... وثورَةِ ذي الأشبالِ حينَ يَسُورُها الضغبون نبت ضعيف يشبه به الضباب. سيبلُغُ ما لاقَتْ منَ الشرِّ جعفرٌ ... تِهامَةَ مِنْ رُكبانِها مَنْ يَغُورُها أراد من يغور بها. إذا جعفرٌ مرَّتْ على هضبةِ الحَمِى ... تَقنَّعُ إذ صاحتْ إليها قُبورُها ويروى فقد أخزت الأحياء منها قبورها. يقول تقنع من الحياء مما نزل بهم من الخزي والعار. لنا مسجد الله الحَرامانِ والهُدى ... وأصبَحتِ الأسماءُ مِنَّا كَبيرُها يريد مسجد الكعبة ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة. وقوله وأصبحت الأسماء منا كبيرها يريد محمد النبي صلى الله عليه وسلم فلا اسم أكرم على الله جل وعز منه. سِوَى الله إنّ الله لا شيءَ مِثلَهُ ... لهُ الأُممُ الأولى يقومُ نُشورُها

إمامُ الهُدى كم مِن أبٍ أو أخٍ لهُ ... وقدْ كانَ للأرضِ العريضَة نُورُها إذا اجتمعَ الآفاقُ مِن كلِّ جانبٍ ... إلى مَنسِكٍ كانتْ إلينا أُمُورُها ويروى إذا اجتمع الأقوام من كل موطن على مشهد كانت. قوله إذا اجتمع الآفاق، يعني أهل الآفاق في الموقف. بَنَى بيتنا بابي السَّماءِ فنالَها ... وفي الأرضِ مِن بَحري تَفيضُ بُحورُها ونُبِّئتُ أشقَى جعفرٍ هاجَ شِقوَةً ... عليها كما أشقَى ثَمودَ مُبيرُها أي مهلكها، يريد قدار بن سالف الذي عقر الناقة. يصِيحُون يستَسقُونَهُ حينَ أنضَجَتْ ... عليهِمِ مِنَ الشِّعرَى الترابَ حَرُورُها تَصُدُّ عَنِ الأزواجِ إذ عَدَلتهُمُ ... عُيونٌ حَزيناتٌ سريعٌ دُرورهُا أي عدلن القتلى على الإبل فحملنها. ويروى تصيف عن الأزواج إذ أبصرتهم عيون حريرات. ولكنَّ خِرباناً تَنُوسُ لِحاهُمُ ... على قُصُبٍ جُوفٍ تنَاوَحَ خُورُها يقول من بقي منهم خربان في الجبن والضعف. وقوله على قصب جوف، يريد على أجواف هواء ليس لها قلوب. وقوله تناوح خورها، يقول يبكي بعضهم إلى بعض. قال وخورها ضعافها، وهو مشتق من

قولهم فلان خوار وذلك إذا كان ضعيفا قليل الغناء. وقوله تنوس لحاهم، يقول تدلى لحاهم فتضرب، يعيرهم بذلك يشبههم بالتيوس. مَنِعنَ ويَستَحِيينَ بعدَ فرارِهم ... إلى حيثُ للأولاد يُطوى صغيرُها قوله منعن، يعني النساء منعن أزواجهن أنفسهن - قال وأرحامهن الذي يطوي الصغير أولادهن أي يضم - استحياء من فرارهن، واستهانة منهن بهم. يقول منعن إلى حيث يُطوى الأولاد. لعَمرِي لقد لاقتْ مِنَ الشرِّ جعفرٌ ... بطِخفَةَ أياماً طويلاً قصِيرُها طخفة موضع، كانت لهم فيه وقعة منكرة. ويروى آجالا أتاهم قصيرها. ويروى أنا هم. بطخفَةَ والرَّيان حيثُ تصَوَّبَتْ ... على جعفرٍ عِقبانُها ونُشُورُها وقد عَلِمَت أفناءُ جعفرَ أنهُ ... يَقي جعفراً وَقْعَ العَوالي ظُهورُها قوله يقي جعفراً وقع العوالي ظهورها، يقول إنهم هراب فالطعن يقع في ظهورهم، يعيرهم بذلك. تَضاغَى وقد ضَمَّتْ ضَغابِيسُ جعفرٍ ... شَباً بينَ أشداقٍ رِحابٍ شُجورُها ويروى جعاسيس جعفر. شجر الفم مشقه. وقوله ضغابيس وهم الضعفاء من الناس. شَقا شِقَّتيه جعفرٌ بي وقد أتَتْ ... عليَ لهم سَبعونَ تَمَّتْ شُهورُها

إذا هَدرَ الهَدَّارُ خلفَ أستِ أُمِّهِ ... تلقَّاهُ بالماءِ الحميمِ حَضِيرُها الحضير الماء الذي يخرج بعد الولادة شبه الدم. كما نَضَحتْ غَرفيَّةٌ أعصَمَتْ لها ... بِأُخرى إلى نابٍ يَخُبُّ بَعيِرهُا غرفية مزادة لم تدبغ بالقرظ. أعصمت شدت بعصام وهو ما يربط به من خيط أو سير. بَنِي جعفرٍ هل تذكرونَ وأنتُم ... تُساقونَ إذ يَعلُو القليلَ كثيرِهُا وإذ لا طعامٌ غيرَ ما أطعمتكُمُ ... بُطونَ جَوارِي جعفرٍ وظَهورُها يقول إنما طعامكم من كسب نسائكم أي ما يكسبن عليكم. وقد عَلِمتَ مَيسونُ أنّ رِماحَكُم ... تَهابُ أبا بَكرٍ جهاراً صُدورُها ميسون أم حناءة أخي أبي بكر بن كلاب. عَشيّةَ أعطيتم سَوادَةَ جَحوَشاً ... ولمّا يُفَرَّقُ بالعَوالي نَصيرُها أقامتْ على الأجبابِ حاضِرَةً بِها ... ضَبِيِنَةُ لم تُهتَكْ لِظَعنٍ كُسورُها قوله ضبينه هم حي من غنى لهم عدد وقوة. وأنشد: وبنو ضبينة حاضرو الأجباب. تُريح المَخازي جعفرٌ كُلّ ليلةٍ ... عليها وتغدو حينَ يغدو بُكُورُها وما ماتَ زوجُ الجعفريةِ ما غَدا ... عليها ابنُها عندَ احتلامٍ يَزورُها أي يقوم ابنها مقام زوجها ويروى بعد احتلام.

وقد عَلِمَتْ أجسادُها أنّ جعفراً ... مَجُوسِيَّةٌ أجسادُها وأيُورُها ويروى أحراحها وأيورها، يريد الرجال والنساء. وما مَنعتْ فَرجاً لها جعفريةٌ ... وما أحسنتْ عنها البنين حُجورُها ويروى وما منعت زوجا لها جعفرية ولا أحصنت. فإن تُكَ قيسٌ قد قَدَّمتكَ لِنَصرِهَا ... فقد خَزِيَتْ قيسٌ وذَلَّ نصيرُها فأجابه جرير يمدح بني جعفر بن كلاب: أزرْتَ دِيارَ الحَيِّ أم لا تزُورُها ... وأنّى مِنَ الحَيِّ الجِمادُ فَدُورُها الجماد واحدها جمد، وهو الغلظ في الرمل. والدور دارات في الرمل الواحدة دارة. وما تنفعُ الدارُ المُحيلَةُ ذا الهَوى ... إذا استَنَّ أعرافا على الدارِ مُورُها العرف أعلا الرياح. أي أعلا ما يرتفع من الغبار. وقوله إذا استن يعني جرى. وقوله أعرافا والأعراف يريد أوائل الرياح الواحد عرف. قال والمور من التراب يريد ما رفعت الريح من التراب. قال أبو عبد الله ذيول الريح أسافلها، وأعرافها أعاليها. كأنَ دِيارَ الحَيِّ مِنْ قَدَمِ البِلَى ... قَراطيسُ رُهبانٍ أحالَتْ سُطورُها ويروى أباتت. قوله أحالت سطورها، يعني أتى على هذه

السطور وهي آثار الديار ومعالمها حول. ويقال أحالت تغيرت، كما يقال حال الرجل عن العهد إذا تغير، وحالت إذا تغيرت عن حالها التي كانت عليه من الاستواء. أحال أتى عليه حول. وحال تغير. كما ضَربتْ في مِعصَمٍ حارثيةٌ ... يمانيةٌ بِالوشمْ باقٍ نؤورُها ويروى كما ضربت في معصمي حارثية يمانية. النؤور دخان الشحم، يقول آثار الديار كالوشم في معصم المرأة من عمل حارثية، يعني من بني الحارث بن كعب، ولهم لباقة في العمل ولطافة. تفُوتُ الرُّماةَ الوحشِ وهيَ غرِيرةٌ ... وتَخشى نوارُ مالاَ يضيرُها لَئنْ زَلَّ يوماً بالفرزدقِ حلمُهُ ... وكانَ لِقيسٍ حاسداً لا يَضيرُها مِنَ الحَين سُقَتَ الخُورَ خُورَ مُجاشِعٍ ... إلى حَربِ قيسٍ وهيَ حامٍ سعيرُها كأنكَ يا ابنَ القَينِ واهِبُ سَيفه ... لأعدائِهِ والحربُ تغلى قُدورُها فلا تأمَننَّ الحيَّ قيساً فانّهُم ... بَنو مُحصَناتٍ لم تُدنّسْ جُحورُها ميامينُ خطَّارونَ يحمُونَ نسوةً ... مناجِيبَ تغْلو في قُريشٍ مُهورُها ميامين يقول يتيمن بهم ويتبرك بهم. أَلا إنَّما قيسٌ نُجومٌ مُضيئةٌ ... يشُقُّ دُجَى الظَّلماءِ باللَّيلِ نُورُها تعُدُّ لقيسٍ منْ قديمٍ فعالهُمْ ... بُيوتٌ أَواسِيها طِوالٌ وسُورُها قوله أواسيها قال الأواسي الاساطين، واحدها آسى مشدد، وأنشد للاحوص في ذلك: إن تريني أقصرت عن تبع الغ ... ي ولاحت شيبا مفارق راسي فبما قد سموتُ مستبطنَ السي ... ف هدوءا في مشرف ذي أواسي

واحد أواسي آسية وهي الأساطين - ولم يرد الأساطين - يريد الأساس هاهنا يعني سورا، ليس للأساطين هاهنا معنى. فَوارِسُ قيسٍ يمنعُونَ حِماهُمُ ... وفيهِمْ جبالُ العَز صعبٌ وعُورُها قوله وعورها، واحدها وعر ساكنة العين. قال وهو الغلظ من الأرض والخشونة، يقال من ذلك طريق وعر، وذلك إذا كان خشنا كثير الحصى، قال أبو عبد الله حكي بن الأعرابي وعَر المكان ووعُر. وقيسٌ هُمُ قيسُ الأعنَّةِ والقَنا ... وقيسٌ حماةُ الخيلِ تدمى نُحورُها سُليمٌ وذُبيانٌ وعبسٌ وعامِرٌ ... حُصُونٌ إلى عِزٍّ طوالٌ عُمورُها ألمْ ترَ قيساً لا يُرامُ لَها حِمىً ... ويقضِي بِسُلطانٍ عليكَ أميرُها ملوكٌ وأخوالُ المُلوكِ وفيهمُ ... غُيوثُ الحَيا يُحيى البِلادَ مطيرُها يعني الحجاج بن يوسف كان يتولى العراق، والمهاجر بن عبد الله الكلابي، كان يتولى اليمامة والبحرين لهشام بن عبد الملك وكان جميلا. فإن جبالَ العزِّ من آل خندفٍ ... لقيسٍ فقدْ عزَّتْ وعزَّ نصيرُها ألمْ ترَ قيساً حِينَ خارَتْ مُجاشِعٌ ... تجير ولا تلقَى قبيلاً يُجيرُها ويروى وما إن تبتغي من يجيرها. بَنِي دارِمٍ مَنْ رَدَّ خيلاً مُغيرةً ... غَداة الصَّفا لم ينجُ إلاَّ عشورُها قال أبو عبد الله، تقول العرب ما بلغ معشار ذلك، يراد به العشر ويراد به أيضا القليل.

وردتُمْ عَلَى قيسٍ بخُورِ مُجاشعٍ ... فبُؤتُمْ عَلَى ساقٍ بطئٍ جُبورُها كأنَّهمُ بالشَّعبِ مالتْ عليهِمُ ... نِضادٌ فأجيالُ السُّتُورِ فغيرُها لقدْ نظرتْ جدعَ الفرزدقِ جعفرٌ ... إذا حُزَّ أنفُ القينْ حلَّتْ نُذورُها ذَوُو الحجَراتِ الشُّمُّ مِنْ آل جعفرٍ ... يُسلَّمُ جانِيها ويُعطِى فقيرُها حياتُهُمْ عِزٌّ وتُبنى لجعفرٍ ... إذا ذَكرتْ مجدَ الحياةِ قُبورُها ويروى إذا ذكرت بعد البلاء قبورها. أتنسوْنَ يومَيْ رحرحانَ وأُمُّكُمْ ... جنيبةُ أفراسٍ يخُبُّ بعيرُها ويروى وأمكم سبية. ويشل يطرد وهو أجود. وتذكُرُ ما بينَ الضِّبابِ وجعفرٍ ... وتنسونَ قتلَى لم تُقتَّلُ ثُؤُورُها لقد أكرهتْ زُرقَ الأسنَّة فيكُمُ ... ضُحَى سمهريات قليلٌ فُطورُها فقلَّ غناءً عنكَ في حربِ جعفرٍ ... تغنيِّكَ زرَّاعاتُها وقُصورُها قال أبو عبد الله، كان الحكم في زراعاتها وقصورها النصب، ولكنه حكى قول الفرزدق. إذا لَمْ يكُنْ إلاّ قُيونُ مُجاشِعٍ ... حُماةً عَن الأحسابِ ضاعَتْ ثُغورُها ألمْ ترَ أن الله أخزَى مُجاشِعاً ... إذا ذُكرتْ بعدَ البلاءِ أمُورُها بأنَّهُمُ لا محرمٌ يتقَّوُنهُ ... وأنْ لا يفِي يوماً لِجارٍ مُجيرُها لقدْ بُينتْ يوماً بُيوتُ مُجاشِعِ ... على الخُبثِ حتَى قدْ أُصلَّتْ قُعورُها

أصلت أي أنتنت من النئي. فكمْ فِيهمُ مِنْ سوءةٍ ذاتِ أفرُخٍ ... تُعدُّ وأخرى قدْ أُتمتْ شُهورُها إذا طُرِقتْ ينخوبةٌ مِنْ مُجاشِعٍ ... أتى دُونَ رأسِ السَّابِياءِ خَزيرُها المرأة ينخوبة، وقوله ينخوبة يعني السبة. وقوله إذا طرقت، يعني طرقت بالولد. قال والتطريق أن يخرج الولد ميسر الولادة مستقيما. والمعضل التي يعترض ولدها في الرحم. وقال الكميت في مثل ذلك: وإذا الأمور أهم غب نتاجها ... يسرت كل معضل ومطرق بَنُو نخباتٍ لا يفُونَ بِذِمةٍ ... ولا جارَةٌ فيهُمْ تُهابُ ستُورُها ولا تتَّقي غِبَّ الحديثِ مُجاشعٌ ... إذا هِيَ جاعَتْ أوْ أُمدتْ أيورُها وخبَّث حوضَ الخُورِخُورِ مُجاشعٍ ... رواحُ المخازِى نحوَها وبكُورُها أفخراً إذا رابتْ وطابُ مُجاشعٍ ... وجاءتْ بتمرٍ مَنْ حوارِينَ عيرُها بَنو عُشرٍ لا نبعَ فيهِ وخروعٍ ... وزنداهُمُ أثلٌ تناوَحَ خُورُها قوله تناوح يعني تقابل.، قال والأثل إذا أصابته الريح سمعت له صوتا شديداً فلذلك اختاره على غيره. ويكفِى خزيرُ المُرحلينَ مُجاشِعاً ... إذا ما السَّرايا حُثَّ ركضاً مُغيرُها لقدْ عَلِمَ الأقوامُ أنَّ مُجاشِعاً ... إذا عُرفتْ بالخزي قلَّ نكيرُها ولا يعصِمُ الجِيرانَ عقدُ مُجاشعٍ ... إذا الحربُ لمْ يرجِعِ بصُلحٍ سفيرُها قال السفير المصلح بين القوم، يقول لم يقدر السفير أن يصلح بينهم لأن الحرب قد اشتدت وذهب الصلح بينهم. قال أبو عبد الله إنما سمي السفير سفيرا، لأنه يسفر ما في أنفس القوم بينهم. وسفرت المكان

كنسته. والمكنسة يقال لها المسفرة. أفيِ كُلِّ يومٍ تستجيرُ مُجاشِعٌ ... تفرَّقَ نبْلُ العبدِ أودَى جفيرُها قال الجفير الكنانة التي يجعل فيها النبل، مثل الجعبة التي يجعل فيها النشاب. أودى جفيرها هلك. يقال أودى القوم وباد القوم إذا ذهبوا وهي بمعنى واحد. تفلَّقَ عَنْ أَنِفْ الفرزدقِ عارِدٌ ... لَهُ فضلاتٌ لَمْ يجدْ منْ يقُورُها عارد غليظ يعني بظرا. وقوله يقورها يعني من يختنها. وقال له فضلات يريد البظر له فضلات. يقول لم ينقض ختانها يعيرها بذلك ويهجوها. وأبرأتُ مِنْ أُمَّ الفرزدقِ ناخِساً ... وقردُ أسْتِها بعدَ المنامِ تثيرها قال الناخس يعني الجرب في أصل الذنب. وقوله وقرد أستها يريد قردان أستها. يقول من قذرها ووسخها القراد متعلق بها. وفقَّا عينيْ غالِبٍ عندَ كيرهِ ... نَوازِي شَرارِ القينِ حينَ يُطيرُها قوله نوازي وهو ما نزا فشد على الكير من الشرار. وداويتُ مِنْ عرِّ الفرزدقِ نقبةً ... بنفطٍ فأمستْ لا يُخافُ نُشورُها النقبة لا تكون إلا على المشفر والأنف. قال والعر مفتوح العين الجرب. والنقبة بقعة من الجرب في الجلد. والنشور يعني انتشار الجرب في الجسد كله، فضربه مثلا للجرب. يقول كويته فقطعت عنه الجرب، وقطعت عني كلامه أن يهجوني.

وأنهلتُهُ بالسَّمِّ ثُمَّ عللتُهُ ... بكأسَ مِنَ الذَّيفانِ مُرَّ عصيرُها وآبَ إلى الأقيانِ آلأمُ وافِدِ ... إذا حُلَّ عَنْ ظهرِ النَّجيبةِ كُورُها أيوماً لماخُورِ الفرزدقِ خِزيَةً ... ويوماً زَواني بابلٍ وخُمورُها إذا ما شربتُ البابليَّةَ لَمْ تُبَلْ ... حياءً ولا يُسقَى عَفيفاً عَصِيرُها تشبَّهُ مِنْ عاداتِ أُمِّكَ سيرةً ... بحبليك والمرقاةُ صعبُ حدورُها وما زلتَ يا عُقدانُ باني سوءةٍ ... تُناجِي بِها نفساً لئيماً ضميرهُا رأيتكَ لَمْ تعقِدَ حِفاظاً ولاَ حجَى ... ولكنْ مَواخيراً تُؤدَّى أجُورُها أثرْتُ عليكَ المخزياتِ ولمْ يكُنْ ... ليعدَم جاني سوءَةٍ منْ يثيرها وتمدحُ سعداً لا عليتَ ومنقرٌ ... لَدَى حرملِ السِّيدانِ يحبُو عقيرُها ودرَّتَ عَلَى العُروق ولمْ يكُنْ ... ليسقِي أفواهَ العُروقِ درُورُها دعتْ أمُّكَ العمياءُ ليلةَ منقرٍ ... ثُبوراً لقدْ ذلَّتْ وطالَ ثُبورُها أشاعَتْ بنجدٍ للفرزدقِ خزيةٌ ... وغارتْ جِبالُ الغورِ فيمنْ يغُورُها لعمركَ ما تُنْسَى فتاةُ مُجاشِعٍ ... ولا ذِمَّةٌ غَرَّ الزُّبيرَ غرورُها يُلجِّجُ أصحابُ السَّفين بغدرِكُمْ ... وخُوضٌ على مرَّانَ تجْري ضُفورها الضفور النسوع التي تضفر أي تنسج من أدم. تراغيتُمْ يومَ الزُّبيرِ كأنَّكُمْ ... ضِباعٌ أُصِلَّتْ في مغَارِ جعُورُها ولَوْ كُنْتَ مِنَّا ما تقسَّمَ جاركُمْ ... سِباعٌ وطيرٌ لَمْ تجدْ مَنْ يُطيرُها ولوْ نحنُ عاقدْنا الزُّبيرَ لقيتهُ ... مكانَ أنُوقِ ما تُنالُ وُكورُها تُدافِعُ قِدماً عَنْ تميمٍ فوارِسِي ... إذا الحربُ أبدَى حدَّ نابٍ هريرُها

فَمنْ مُبلغٌ عنِّي تَميماً رِسالةً ... علانيةً والنَّفسُ نُصحٌ ضَميرُها عطفتُ عليكُمْ وُدّ قيسٍ فَلَمْ يكُنْ ... لهُمْ بدلاً أقيانُ ليلَى وكيرُها قال اليربوعي: قال إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، قدم الفرزدق المدينة في إمرة أبان بن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قال فإني والفرزدق وكثير عزة، لجلوس في المسجد تتناشد الأشعار، إذ طلع علينا غلام شخت - أي دقيق - آدم في ثوبين ممصرين. يعني مصبوغين بحمرة غير شديدة. ثم قصد نحونا حتى انتهى إلينا فلم يسلم. وقال أيكم الفرزدق؟ قال إبراهيم بن محمد، فقلت له مخافة أن يكون من قريش، أهكذا تقول لسيد العرب وشاعرها؟ قال لو كان كذلك لم أقل له هذا. فقال له الفرزدق من أنت يا غلام لا أم لك؟ قال رجل من الأنصار، ثم من بنى النجار، ثم أنا ابن أبي بكر بن حزم، بلغني أنك تقول إنك أشعر العرب، قال وتزعمه مضر، وقد قال حسان بن ثابت شعرا، فأردت أن أعرضه عليك، وأؤجلك فيه سنة، فإن قلت مثله فأنت أشعر العرب، وإلا فأنت كذاب منتحل. ثم أنشد: لنا الجفنات الغرُّ يلمعن بالضحى ... وأسيافُنا يقطرن من نجدة دما متى ما تزنَّا من معد بعصبة ... وغسانَ نمنع حوضنا أن يهدما أبى فعلنا المعروف أن ننطلق الخنا ... وقائلنا بالعرف إلا تكلما ولدنا بني العنقاء وابني محرق ... فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما قال فأنشده القصيدة إلى آخرها، وقال إني قد أجلتك فيه سنة. ثم انصرف. وقام الفرزدق مغضبا، يسحب رداءه ما يدري أين طرفه،

حتى خرج من المسجد. وأقبل على كُثيِّر، فقال قاتل الله الانصاري، ما أفصح لهجته، وأوضح حجته. وأجود شعره. فلم نزل في حديث الفرزدق والأنصاري بقية يومنا، حتى إذا كان من الغد، خرجت من منزلي إلى مجلسي الذي كنت فيه بالأمس، وأتاني كُثيِّر فجلس معي. فأنا لنتذاكر الفرزدق، ونقول ليت شعري ما فعل؟ إذ طلع علينا في حلة أفواف مخططة، له غديرتان، حتى جلس في مجلسه بالأمس، ثم قال ما فعل الأنصاري، فنلنا منه وشتمناه ووقعنا فيه. نريد بذلك أن نطيب نفس الفرزدق. قال قاتله الله، ما رميت بمثله، ولا سمعت بمثل شعره. ثم قال لهما الفرزدق أني فارقتكما بالأمس، فأتيت منزلي، فأقبلت أصعد وأصوب في كل فن من الشعر، فكأني مفحم لم أقل شعرا قط، حتى إذا نادى المنادي بالفجر، رحلت ناقتي، ثم أخذت بزمامها فقدت بها حتى أتيت ذُبابا - وهو جبل بالمدينة - ثم ناديت بأعلى صوتي: أجيبوا أخاكم أبا لبيني!. فجاش صدري كما يجيش المرجل، فعقلت ناقتي، وتوسدت ذراعها، فما قمت حتى قلت مائة وثلاثة عشر بيتا. فبينما هو ينشدنا، إذ طلع الأنصاري حتى انتهى إلينا فسلم. ثم قال أما إني لم آتك لأعجلك عن الوقت الذي وقته لك، ولكني أحببت ألا أراك إلا سألتك ما صنعت. فقال أجلس ثم أنشده: عزفت بأعشاش وما كنت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف قال فلما فرغ الفرزدق من إنشاده، قام الأنصاري كئيبا. فلما توارى، طلع أبو الأنصاري، وهو أبو بكر بن حزم، في مشيخة من الأنصار فسلموا علينا، وقالوا يا أبا فراس، إنك قد عرفت حالنا ومكاننا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ووصيته بنا، وقد بلغنا أن سفيها من سفهائنا تعرض لك، فنسألك بالله وبحق المصطفى محمد، صلى الله عليه وسلم، لما حفظت

وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهبتنا له ولم تفضحنا. قال اليربوعي، قال إبراهيم بن محمد بن سعد، فأقبلت أكلمه أنا وكُثير، فلما أكثرنا عليه قال، اذهبوا فقد وهبتكم لهذا القرشي، يعني إبراهيم بن محمد بن سعد. فقال الفرزدق عزفتَ بأعشاشٍ ومَا كِدتَ تعزِفُ ... وأنكرتَ منْ حدْراء ما كُنتَ تعرِفُ يقول عزفت نفسك عما كنت فيه من باطلك. ولجَّ بِكَ الهِجرانُ حتَّى كأنَّما ... تَرَى الموتَ في البيتِ الَّذي كُنتَ تالَف تيلف وهي لغة تميم. لجاجةَ صُرمٍ ليسَ بالوصلِ إنَّما ... أخو الوصلِ منْ يدنُو ومنْ يتلطَف إذا انتبهَتْ حدْراء مِنْ نومةِ الضُّحَى ... دعتْ وعليْها دِرْعُ خزٍّ ومطرفٌ بأخضرَ مِنْ نُعمانَ ثُمَّ جلتْ بِهِ ... عِذابَ الثَّنايا طيِّباً حينَ يُرشَفُ ويروى طيب المترشف، يريد طيبا مترشفة. بأخضر يعني مسواكا. ونعمان ناحية عرفات فيه أراك كثير، فيقال له نعمان الأراك. يرشف يقبل ويمص. ومُستنفزاتٍ للقلُوبِ كأنَّها ... مَها حولَ منتُوجاتِهِ يتصرَّفُ ومستنفزات أي محركات للقلوب كما ينفز السهم إذا حرك،

ومستنفزات للقلوب، يعني يستنفزن القلوب أي يدعونها فتجيب. وقوله مهى، المها البقر الوحشية، شبه النساء بهن. وقوله يتصرف يعني يذهب ويجيء. يُشبَّهنَ مِنْ فَرط الحياءِ كأنَّها ... مِراضُ سُلالٍ أو هوالِكُ نُزَّفُ ويروى تراهن من فرط الحياء. نزف قد ذهب الدم منهن. إذا هُنَّ ساقَطنَ الحديثَ كأنّهُ ... جَنَى النَّخْلِ أو أبكارُ كرمٍ يُقطَّفُ موانِعُ للأسرارِ إلاَّ لأهلها ... ويخلفْنَ ما ظنَّ الغُيورُ المشفشفُ قال الأسرار واحدها سر، وهو النكاح من قوله تعالى {وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} يعني نكاحا والله أعلم. والمشفشف الذي كأن به رعدة واختلاطا، وذلك من شدة الغيرة والإشفاق على حرمه، قال أبو عثمان، وقال الأصمعي هو الذي تشف فؤاده الغيرة، وهو السيئ الظن وذلك من إشفاقه على أهله. قال وإنما أراد المشفف فكرر الشين. كما قالوا دمع مكفكف، وقد تجفجف الشيء من الجفوف، وأصله تجفف. وهذه ثلاثة أحرف من جنس واحد يكره جمعها، ففرقوا بينهما بحرف من الكلمة وهو فاء الفعل. يُحدثْنَ بعدَ اليأسِ مِنْ غيرِ ريبةٍ ... أحادِيثَ تشفَى المُدنفينَ وتشغفُ ويروى ويبذلن بعد اليأس. قوله تشغف يقول تذهب المرأة

بالقلوب، وتغلب على العقل، وهو من قوله تعالى {قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً} جميعا يقرأ بهما، وهما في المعنى سواء بالعين والغين، وهو ذهاب القلب وميله إلى من يحبه ويهواه. إذا القُنبُضاتُ السُّودُ طوَّفنَ بالضُّحى ... رقدنَ عليهِنَّ الحِجالُ المُسَجَّفُ قال الحجال المسجف، فذكر كأنه نعت. والقنبضات من النساء القصار القليلات الأجسام. وإنْ نبَّهتهُّنَ الولائِدُ بعدَما ... تصعد يومُ الصَّيفِ أَوْ كاد ينصُفُ دعونَ بِقضبانِ الأراكِ التَّي جَنَى ... لهَا الركبُ مِنْ نُعمانَ أيَّامَ عرفَّوا فمِحنَ بِهِ عذباً رُضاباً غُروبُهُ ... رِقاقٌ وأعْلَى حيثُ رُكِّبنَ أعجفُ ويروى عذب الرضاب. وقوله فمحن يريد سقين به. قال والرضاب يعني تقطع الريق. وقوله أعجف يريد اللثة. يقول هذه المرأة قليلة لحم اللثة، وهو ما تنعت به المرأة أن تكون كذلك، وغروبه تقطع أسنانه وذلك للحداثة. لبِسْنَ الفرندِ الخُسروانَّي دُونهُ ... مشاعرَ منْ خزِّ العراقِ المُفوَّفُ ويروى تحته مشاعر، يرددونه من خز العراق، فقدم الهاء قبل مذكورها، مثل قول الشاعر. جزى ربه عني عدي بن حاتم. وهي مسألة في النحو تلقى على الأدباء، وليس يقوله كثير من النحويين.

ويقولون ليس الشعر حجة في النحو، لأن الشاعر يضبط فيلجئه الاضطرار إلى أن يقول ذلك، يريد المفوف من خز العراق. مشاعر نصب على الحال. قال والمفوف يريد على صنعة الوشي يعمل باليمن. فكيفَ بمحبوسٍ دَعاني ودُونهُ ... دُروبٌ وأبوابٌ وقصرٌ مُشرفٌ وصُهبٌ لحاهُمْ راكِزونَ رِماحَهِمْ ... لهُمْ درقٌ تحتَ العَواليِ مُصَفَّفُ قوله لهم درق، يريد جمع الدرقة وهي التي يستتر بها، كما يستتر بالترس في القتال، يقول هم أصحاب عدة يمنعونني منها. وضارِيَةٌ ما مَرَّ اقتسمنهُ ... عليهنَّ خوَّاضٌ إلى الطِّنئِ مِخشفُ قوله وضارية، يعني كلابا ضارية تمنعها من الصهب. وقوله مخشف يقول هو سريع مروره. وقوله اقتسمنه يعني بالنهس والخدش. وقوله خواض يقول هو جريء. قال الطنئ الريبة والتهمة. قال أبو عبد الله، يقال للحية نهشت بالشين، وللسبع والكلاب نهست بالسين غير معجمة، ومن ذلك قيل نهس للنصارى. يُبلَّغُنا عنْها بغَيْر كلامِها ... الينا مِنَ القصرِ البنَانُ المطرَّفُ يعني كلابا حول دراها. المطرف المخضوب الأطراف يريد تطاريفها تجزينا من كلامها. دعوتُ الَّذي سوَّى السَّمواتِ أيدُهُ ... ولله أدنى مِنْ وريدِي وألطف قوله أيده، يعني قوته وهو من قوله تعالى {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} أي بقوة، ومنه قولهم للرجل إنه لأيد من الرجال، وذلك إذا كان

شديداً قوياً. ليشغَلَ عنِّي بعلَها بزمانَةٍ ... تُدلَّهُهُ عنِّي وعنْها فنُسعفُ قوله تدلهه، يقول يتحير فيبقى دهشا قد تغير عقله، فلا يتفقدها حتى نصل إلى ما نريده. بِما في فُؤَداينا مِنَ الهمِّ والهَوَى ... فيبرأُ مٌنهاضُ الفُؤادِ المُسقَّفُ ويروى من الشوق والهوى ويجبر. قوله المسقف هو الذي عليه خشب الجبائر. والجبائر هي السقائف تشد على الكسر. فأرسلَ في عينيهِ ماءٌ عَلاهُما ... وقدْ علمُوا أنِّي أطبُّ وأعرِفُ من روي أطب وأعرف، أراد أطب الناس وأعرفهم بالطب. وأعرف من العرافة، أي أكون عرافا. وقوله علاهما يريد علا الناظرين الماء فغمرهما. وقوله اعرف يقول أنا عراف، وهو الذي يعرف الشيء قبل وقوعه. فداويتُهُ عامينِ وهيَ قريبةٌ ... أراها وتدْنُولي مِراراً فارشُفُ سُلافَةَ جفنٍ خالطتْها ترِيكةٌ ... على شفتيها والذَّكيُّ المُسوَّفُ قوله سلافة جفن، قال السلافة أول ما يسيل من العصير، وهو أجوده. وجفن يريد الكرم، وأهل الشام إنما يسمون ما غادر السيل فتركه باقيا في الصفا تريكة. قال والذكي يريد به المسك. والمسوف المشمم، ماء السيل عندهم الجفار، والتريكة ما غادر السيل.

فيا ليتنا كُنَّا بعيرينِ لا نرِدْ ... عَلى منهلٍ إلاَّ نُشَلُّ ونقذَفُ ويروى لا نرى لدى حاضر إلا نشل. قال المنهل ماء في آبار. قال أبو عثمان، قال أبو عمرو، المنهل ما كان من ماء إلى ماء منهل. ونشل أي نطرد ونقذف بالحجارة. يقول لا ندنو من أحد إلا فعل بنا ذلك. وهو من قولهم شلوا القوم أي ارموهم بالحجارة. كِلانا بِهِ عزٌ يخافُ قِرافُهُ ... على النَّاسِ مطليُّ المساعِرِ أخشفُ العر بفتح العين الجرب. والعر بضم العين قريح ليس بالجرب. وقوله يخاف يعني يتقى لئلا يعرها بجربه. قال والمساعر أصول الفخذين والابطين، وهي أيضا تسمى المغابن. والمساعر أيضا مساعر الابل وأرفاغها، لأنها أول ما يستعر فيها الجرب. وقوله أخشف يعني يابس الجلد من الجرب. وقرافة يعني مقارفته وهو مخالطته، ومنه قولهم قد اقترف فلان ذنبا أي خالطه وفعله. بأرضٍ خلاءٍ وحدَنا وثِيابُنا ... منَ الرَّبط والدِّيباجِ درعٌ وملحفُ الريط ثياب تعمل جيدة حسنة. قوله درع وملحف، يقول درع لها تلبسه، وملحف له يعني نفسه. وَلا زادَ إلاَّ فضلَتان سُلافَةٌ ... وأبيضُ مِنْ ماءِ الغمامةِ قرقفُ ويروى وأدكن من ماء. وهو أحسن لان ماء السماء فيه كدرة. يقول ليس معنا من الزاد إلا فضلة من سلافة وهي الخمر. وقوله وابيض من ماء الغمامة هي السحابة. وقوله قرقف والقرقف يعني السلافة، وهي الخمرة. قال الأصمعي وإنما سميت الخمر قرقفا، لأن من شربها

قرقفته فأدارته وأسكرته فهو مدوخ من السكر. والقرقفة الرعدة، قرقف لأنه يرعد عنها صاحبها من إدمانه إياها. وأشْلاءُ لحمٍ مِنْ حُبارَى يصِيدُها ... إذا نحنُ شِئْنا صاحِبٌ مُتألفُ متألف يعني صقرا أو بازيا حسن التأني لصيدها. وأنشد في الشلو للحارث بن حلزة: وفديناهم بسبعة أملا ... ك ندامى أشلاؤهم أغلاء قوله متألف، يريد ربيناه وتألفناه وعلمناه الصيد ودربناه عليه. ومنه قوله تعالى {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ} والفرزدق أراد بمتألف صاحبه أو بازيه. وأشلاء لحم هي بقايا واحدها شلو. لنَا ما تَمنينا مِنَ العَيش ما دَعا ... هَدِيلاَ حَماماتٌ بِنُعمانَ هُتَّفُ يقول نحن فيما تمنينا من لذيذ العيش وسلوته. ثم قال ما دعا هديلا، يقول العيش لنا دائم ما دام هديل الحمام بنعمان. وهتف كما يهتف الرجل بصاحبه ويصيح به. وقوله هديل يعني صوتا وهديرا. وهتف صوائح. قال أبو عبيدة الهديل الفرخ. إليكَ أميرَ المُؤمنينَ رمَتْ بِنَا ... هُمُومُ المُنَى والهوجلُ المتعسف قال الهوجل البطن من الأرض الواسع. والمتعسف يعني الطريق المسلوك بلا علم ولا دليل، فالذي يسير في هذه الأرض كأنه إنما يسير

بالتعسف وهو الظلم ومنه قولهم تعسف فلان الناس، وذلك إذا ظلمهم وجار عليهم. فهو مشتق من ذلك يقول: فالذي يسلك هذه الأرض هو متعسف لها لا يدري أين يتوجه. أي أتيناك مؤملين لخيرك على هذه الحال، وأفضالك على هذا الجهد والمشقة، يقول فسلكنا الأرض بلا علم نراه ولا دليل بالبرية. وعضُّ زمانٍ يا ابنَ مروانَ لمْ يدعْ ... مِنَ المالِ إلاَّ مُسحتاً أو مُجرَّفُ قال سعدان، أخبرنا أبو عبيدة قال: سمعت راوية الفرزدق يروى هذا البيت، لم يدع من المال إلا مسحت أو مجرف بالرفع. يقول لم يدع من الدعة أي لم يتدع. قال والمسحت الذي لا يدع شيئا إلا أخذه. قال والمجرف الذي أخذ ما دون الجميع. قال ومن قال إلا مسحتا أو مجرف أراد وهو مجرف. قال أبو عبيدة قوله لم يدع أي لم يثبت ويستقر من الدعة، إلا مسحت من المال ومجرف. قال فارتفع مسحت ومجرف بفعلهما. قال وأنشدنا لسويد بن أبي كاهل: أرق العين خيال لم يدع. يقول لم يستقر وهو من الدعة. قال أبو عبد الله، سمعت أحمد بن يحيى يتكلم في هذا البيت فقال: نصب مسحتا بوقوع الفعل عليه، وقد وليه الفعل، ولم يل الفعل مجرف فاستؤنف به فرفع. ومُنجردُ السُّهبانِ أيسرُ ما بِهِ ... سَليبُ صُهار أوْ قُصاعٌ مؤلَّفُ قال هو بيت مجهول، أنشدنيه المازني، وانشدنيه الأعاريب الذين حملهم بغا إلى الري. ومائرَةِ الأعضادِ صُهبٍ كأنَّما ... عليْها مِنَ الأينِ الجِسادُ المُدوَّفُ قوله ومائرة الأعضاد، هي التي تمور بيديها دون رجليها، فتحركها

تحريكا لينا. قال وذلك مما يستحب في الابل، وذلك من سعة آباطها ولين عريكتها. وإنما يريد أن هذه الإبل تمور. يقول تذهب أعضادها وتجيء، وذلك من سعة آباطها. قال والأين الإعياء والفتور، والجساد العرق، وهو ما اصفر يضرب إلى الحمرة. قال والمدوف يعني المدوف، يقول إذا دأبت في سيرها عرقت، فصار العرق على جلودها أحمر. بدأنَا بِها مِنْ سِيفِ رملِ كُهيلةٍ ... وفِيها نشاطٌ مِنْ مراحٍ وعجرفُ ويروى نهضن بنا. ويروى ذرعن بنا. ويروى وفيها بقايا من مراح. قوله وعجرف يعني عجرفية في مشيها تخليط، وذلك من المرح. ومنه قولهم للرجل الذي يخلط في أمره إن فيه عجرفية. يقول بدأنا بها من موضعنا وهي نشيطة مرحة، فما بلغت إليك حتى تقارب خطوها وبلدت وضعفت، وذلك من بعد المكان. وكان ذلك عندنا هينا يسيرا في جنب ما أملناه من سيبك. والمناسم: أظفار الإبل، الواحد منسم، وما تحته الأظل. فَما برحتْ حتَّى تقارَبَ خطوُها ... وبادَتْ ذُراها والمناسِمُ رُعَّفُ وروى أبو عمرو، حتى تواكل نهزها. يعني هز رءوسها في السير نشاطا. قال المناسم مثل الاظلاف. ورعف دامية من الحفا. يقول قد كلت وضعفت وتقارب خطوها، من شدة تعبها، وبعد مداها، وما ينكبها من الحجارة. وذراها أعالي اسنمتها. وحتَّى قتلنَا الجهلَ عنْها وغُودِرَتْ ... إذا ما أُنيخَتْ والمدامِعُ ذُرَّفُ ويروى وغورت. قوله قتلنا الجهل عنها، يقول قتلنا جهلها وهو

مرحها ونشاطها بالكلال. والتغوير نصف النهار. والتعريس آخر الليل. قال والمدامع ذرف، قال وذلك من الجهد تسيل دموعها. وحَتَى مَشَى الحادِي البطِيء يُسَوقُها ... لَها بَخَصٌ دامٍ ودأيٌ مجلَّفُ ويروى حداءها. قال والبخص لحم الخف الذي تطأ عليه. وقوله ودأي يعني فقار الظهر. قال وكل فقارة دأية. وقوله مجلف يعني مقشورا بالدير. يقول قد كلت وضعفت حتى يسوقها الحادي البطيء، يقول تقارب خطوها وساقها الحادي من كلالها. وحتَّ ى بعثناها وما في يدٍ لَها ... إذا حَلَّ عنْها رُمَّةً وهيَ رُسَّفُ قوله وهي رسف، يعني كما يرسف المقيد في قيده من الجهد والإعياء، كأنها ترسف في قيد. كذا ما نزلنا قاتَلتْ عنْ ظُهورِنا ... حراجِيجُ أمثالُ الأهلَّةِ شُسَّفُ قوله حراجيج هي الطول من الابل. قوله شسف، قال هي اليابسة من الجهد والكلال. يقول تقاتل الغربان عن ظهورها. قال وذلك أنها إذا عريت ظهر دبرها، فتقع الغربان عليها لتأكل دبرها، فالإبل تقاتل الغربان يريد تدفعها عن دبرها، فهي تدفعها بأفواهها لتطير عنها فذلك قتالها. إذا ما أريناها الأُزمَّةَ أقبلتْ ... إلينا بحُرَّاتِ الوُجُوهِ تصدَّفُ قوله تصدف يريد تلاحظها وهي في جانب معرضة. ذرعنَ بِنا ما بينَ يبريَن عرضَهُ ... إلى الشَّامِ تلْقاها رِعانٌ وصفصفُ قوله ذرعن بنا يريد في المشي. يقال من ذلك مر فلان يذرع الطريق،

وذلك إذا سار فيه منكمشا. قال والرعن أنف الجبل والجمع رعان، قال وهي أنوف الجبال. والصفصف المستوى من الأرض. قال أبو عبيدة الرعن حرفه. فأفنى مِراحَ الدَّاعرِيَّةِ خوضُها ... بِنا اللَّيلَ إذ نامَ الدَّثُورُ المُلفَّفُ قال الداعرية، إبل منسوبة إلى فحل يقال له داعر، معروف بالنجابة والكرم. قال والدثور الرجل المثقل البدن والفؤاد وهو الكسلان. إذا أغبرَّ آفاقُ السماءِ وكشَّفَتْ ... كُسُورُ بُيوتِ الحيِّ حمراءُ حرجفُ ويروى وهتكت ستور بيوت. وروى أبو عمرو إذا أحمر آفاق السماء وكشفت. ويروى نكباء. قوله إذا أغبر آفاق السماء، يعني من المحل وقلة المطر. قال وآفاق السماء جوانبها. قال والكسور واحدها كسر وهو ما وقع على الأرض من البيت. وبيوت الأعراب إنما هي من الاكسية يتخذونها كالبيوت يكونون فيها. قال الحرجف الريح الشديدة الهبوب. وهتَّكتِ الأطنابَ كُلُّ عظيمةٍ ... لهَا تامكٌ مِنْ صادقِ النَّيِّ أعرفُ ويروى من عاتق الني. ويروى كل ذفرة. قوله لها تامك يعني سناما عظيما. وأعرف طويل العرف. وذفرة يعني عظيمة الذفرى. إذا أصابها البرد دخلت في الخباء فقطعت الأطناب. قال وإنما تفعل ذلك من شدة البرد. وجاءَ قريعُ الشَّولِ قبلَ إفالِها ... يزِفٌ وراحتْ خلفهُ وهيَ زُفَّفُ ويروى زفيفا وجاءت خلفه. قال الشول الإبل التي قد نقصت ألبانها

وشولت فارتفعت ألبانها. وذلك كما يشول الميزان شولانا، الواحدة شائلة، فإذا شالت بذنبها للحمل فهي شائل وهن شول. قال وإفالها صغارها. والقريع الفحل. قال وقوله يزف يعدو. قال والمعنى في ذلك، يقول فراحت إفالها جزعا من البرد، يقال زفت تزف زفيفا، يريد أن القريع يفر من شدة البرد. وباشَرَ راعِيها الصَّلَى بلبانِهِ ... وكفَّيه حرَّ النَّارِ ما يتحرَّفُ الصلى يريد صلى النار، كما يقال اصطلينا إذا اتسخنا. قال إذا فتحت أول الصلى فهو مقصور، وإذا كسرت أوله فهو ممدود. قال أبو عثمان، قال أبو عبيدة: اللبان موضع اللبب من الفرس. وقوله ما يتحرف يريد ما ينحرف عن النار، وذلك من شدة البرد لا يفارق النار. وأوقدتِ الشِّعرَى مَعَ الليلِ نارَها ... وأمست مُحولاً جِلدُها يتَوسَّفُ جلدها يعني جلد الأرض يتقشر من الجدب وقلة الانداء. وقوله وأوقدت الشعري مع الليل نارها، قال وذلك لأن الشعرى تطلع في أول الشتاء أول الليل. ونارها يريد شدة ضوئها، يريد وأمست السماء جلدها. يتوسف يعني يتقشر وإنما يعني قلة السحاب. يريد أن السماء مثل الجلد لها. قال وأنشدنا للحطيئة: مساعير حرب لا تخم لحامهم ... إذا أمست الشعري العبور استقلت وأصبحَ موضُوعُ الصَّقيعِ كأنَّهُ ... على سرواتِ النِّيبِ قُطنٌ مندَّفُ وروى أبو سعيد بيوت الصقيع. ويروى مبيض الصقيع. وقوله

على سروات النيب، يريد على مسان الإبل وهي النيب، قال وسرواتها اسنمتها. يقول وقع الثلج على اسنمتها كأنه قطن مندف. وموضوعه ما تساقط منه. والصقيع الجليد. وقاتلَ كلبُ الحيِّ عنْ نارِ أهله ... ليربضَ فِيها والصِّلا متكنَّفُ وجدتَ الثَّرى فينا إذا يبِسَ الثَّرى ... ومنْ هُوَ يرجُو فضلهُ المُتضيفُ وروى أبو عمر وجدت القرى. قال والثرى يريد الندى، وهذا مثل. يقول يجد عندنا من نزل بنا خصبا في هذا الوقت، من شدة البرد، وهو أشد الأوقات للضيافة، لذهاب الألبان وذهاب العشب، فالناس مجهودون. يقول فنحن في هذا الوقت غياث لمن نزل بنا. ترَى جارَنا فِينا يُجيرُ وإنْ جَنَى ... فَلا هُوَ مِمَّا يُنطِفُ الجارَ ينطُفُ يقول جارنا يجير لعزنا ومنعتنا. يقول ومع هذا فهو سليم أن يصيبه إلا خير. قال والنطف الدبرة تدخل في جوفه. قال أبو عمرو الشيباني: النطف أن تصل الدبرة إلى جوف البعير، فيقال قد نطف البعير. قال وإنما يعني هاهنا الهلاك والأمر الشديد، يقع فيه جارهم. يقول ينطف الجار أي يهلكه. يقول فهو آمن من أن يبدأه سوء. ويمنعُ مولانَا وإنْ كانَ نائِياً ... بِنا جارَهُ ممَّا يخافُ ويأنفُ يقول يمنع مولانا وهو ابن عمنا، ويكون مولانا الذي نعتقه، فهو يمنع من يجيء إليه وصار في ناحيته، بمنعتنا وإن نأى عنا، أي بعد، من قوله تعالى {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} أي يبعدون عنه -

يقول فهو يمنع جاره من الضيم مما يخاف من العار، وأن يسب به عقبه من بعده ويأنف من ذلك. وقَدْ علمَ الجِيرانُ أنَّ قُدُورنا ... ضَوامِنُ للأرزاقِ والريحُ زفزفُ نُعجِّلُ للضَّيفانِ في المحلِ بالقرَى ... قدُوراً بمعبُوطٍ تُمدُّ وتُغرفُ قوله المحل، هي السنة الجدبة التي لا مطر فيها. وقوله بمعبوط، يقول ننحر للاضياف من إبلنا الصحيحات، التي لا عيب بها من مرض ولا غيره. وقوله تمد هذه القدور كلما نفد ما فيها ملئت. وهو من قول الله تعالى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} يقول فكلما فني ما في قدورنا ممدناها وغرفنا لضيفنا. تُفرَّغُ في شِيزي كأنَّ جِفانَها ... حِياضُ جِبىَ مِنْها مِلاءٌ ونُصَّفُ ويروى حياض الجبى. الشيزي من خشب الشيز. قوله حياض جبى قد جبى فيها الماء فهي ملأى أبدا. تَرَى حولهنَّ المُعتفينَ كأنهُمْ ... عَلَى صنمٍ في الجاهليَّةِ عُكَّفُ قُعُوداً وخلفَ القاعِدينَ سُطورُهمْ ... جُنُوحٌ وأيديِهْمِ جُمُوسٌ ونُطَّفُ ويروى جنوحاً وفوق الجانحين شطورهم قيام. شطورهم نصفهم. قوله سطورهم، يقول خلف السطر سطر مثله، جموس يعني جمس عليها من سمنه. وقوله ونطف يقول يسيل منها الودك، ينطُف نطفاً ونطفاناً. ويروى شطورهم أي مثلهم. يقول من الناس من أكل

فقد جمس الودك على يده، ومن كان يأكل فهو يقطر من يده. وَما حُلَّ منْ جهْلِ حُبَى حُلَمائِنا ... وَلا قائِلٌ بالعُرفِ فِينا يُعنَّفُ ومَا قامَ منَّا قائِمٌ في نَديِّنا ... فينطقَ إلاَّ بالتيِ هِيَ أعرفُ وإنِّى لَمِنْ قومٍ بِهِمْ تُتَّقى العِدَى ... ورأبُ الثَّأي والجانبُ المُتخوفُ وأضيافِ ليلٍ قدْ نقلنا قِراهُمُ ... إليهِمْ فأتلفنا المَنايا وأتلفُوا قوله قد نقلنا قراهم، قراهم هاهنا القتل. يقول: إنا أوقعنا بهم وقتلناهم، وذلك قول عمرو بن كلثوم: قريناكم فعجلنا قراكم ... قبيل الصبح مرداةً طحونا المنايا هاهنا الرجال الأشداء. وقوله فأتلفنا المنايا وأتلفوا، يقول صادفنا المنايا متلفة وصادفوها كذلك، كما تقول أتينا فلانا فأبخلناه، وكذلك فأحمدناه، وذلك إذا صادفناه بخيلا وحميدا. قريناهُمُ المأثورةَ البِيضَ قبلَها ... يُثجُّ العُروُقَ الأزنيُّ المُثقَّفُ قوله يثج أي يسيل. والازأني الرماح، نسب إلى سيف بن ذي يزن. قال والمثقف المقوم بالثقاف، وهو خشبة تسوى بها الرماح، حتى يستوي عوجها ويستقيم. قال أبو عبد الله الأيزني. قال والمأثورة يريد السيوف التي صقلت، حتى ظهر أثرها أي فرندها وحسنها الذي تراه في السيف، كأنه أرجل نمل، كذلك فسره الأصمعي وأبو عبيدة. قال أبو عثمان: سألت الأصمعي عن ذلك وأبا عبيدة مرة أخرى فقال لي هو كما أعلمناك.

ومسرُوحةً مِثلَ الجرادِ يسُوقُها ... مُمرٌّ قُواهُ والسَّراءُ المُعطَّفُ يعني النبل، شبهها بالجراد. ممر يعني وتر القوس. قواه طاقاته، كل طاقة قوة، والسراء شجر تتخذ منه القسي. فأصبحَ في حيثُ التقينَا شريدُهُمْ ... طِليقٌ ومكتُوفُ اليدينْ ومزعفُ قوله ومزعف، قال هو أن ينزع للموت مما به من الجراحات، ويكيد بنفسه. وكُنَّا إذا ما استكرَهَ الضَّيفُ بالقرَى ... أتتْهُ العوالي وهيَ بالسَّمِّ ترعفُ يقول إذا أراد أن نقريه كرها، لقيناه بالرماح تقطر دما. والسَّم والسُّم واحد. ولا نستجُّم الخيلَ حتَّى نُعيدها ... غوانِمَ مِنْ أعدائِنا وهيَ زُحَّفُ يقول لا نتركها جامة إذا رجعت من غزو، حتى نعيدها لغزو آخر. ويروى فيعرفها أعداؤنا. وهي عطف رواجع قد عطفت عليهم وكرت. كذلكَ كانتْ خيلُنا مرَّةً تُرَى ... سماناً وأحياناً تُقادُ فتعجفُ عليهنَّ منَّا الناقِضونَ ذُحولهُمْ ... فهُنَّ بأعباءِ المنيَّةِ كُتَّفُ أعباء المنية أحمال المنية، يعني فرسان الخيل. كتف تكتف المشي، إذا مشت رفعت كتفا ووضعت كتفا. مداليقُ حتَّى تأتِيَ الصَّارخَ الَّذي ... دَعَا وهوَ بالثَّغرِ الَّذِي هُو أخوفُ قوله مداليق، يقول تسرع إلى الغارات وطلب الذحول، وهو مثل

قولك قد اندلق السيف من غمده، وذلك إذا خرج خروجا سريعا. قال والصارخ المستغيث. يقول فنحن إذا سمعنا الصوت أسرعنا إليه مجيبين، لا يثنينا عن ذلك شيء. قال والسيف الدلوق السلس الدخول والخروج من الغمد، يقول فهذه الخيل سراع إلى المستغيث على كل حال. وكُنَّا إذا نامتْ كُليبٌ عنِ القرَى ... إلى الضَّيفِ نمشِي بالعَبيطِ ونلحَفُ قوله بالعبيط اللحم الطري. قوله ونلحف يريد نلبسه اللحف فندفئه من البرد. قال وإنما هذا مثل ضربه. يقول نحن نكفيه كل ما نابه، حتى يذهب من عندنا الضيف وهو لنا حامد. وقِدرٍ فثأنا غليْها بعدَ ما غلتْ ... وأُخرَى حششْنَا بالعَواليِ تؤثَّفُ قوله وقدر فثأنا غليها، يقول سكنا غليها. قال والمعنى في ذلك، رب حرب قاتلنا فيها حتى ظفرنا بعدونا فسكنت وانقضت. ثم قال: وأخرى حششنا، قال الحش إدخال الحطي تحت القدر، فضربه مثلا للحرب وإنما يريد أنا نستقبل حربا أخرى. وقوله تؤثف يقول تجعل لها أثافي. قال وإنما هذا كله مثل ضربه للحرب. وكُلُّ قِرَى الأضيافِ نقرِى مِنَ القَنا ... ومُعتبطٍ فِيهِ السنَّامُ المُسَدَّفُ ويروى ومعتبطا. قال المسدف المقطع سدائف أي شققا. قال والسديف قطعة من سنام. ولوْ تشربُ الكلبَة المراضُ دِماءنا ... شَفتها وذُو الدَّاءِ الذي هو أدنف

قوله الكلبى هم الذين بهم الكلب، وهو عض الكلب. الكلب يقال إذا شرب الذي يعضه دم ملك برئ. يقول نحن ملوك. في دمائنا شفاء للكلبى وذلك كما قال البعيث: من الدارميين الذين دماؤهم ... شفاء من الداء المجنَّة والخبل مِنَ الفائقِ المحبُوسِ عنهُ لسانُهُ ... يفوقُ وفيهِ الميِّتُ المُتكنَّفُ ويروى من الفائق المحجوب. الفائق المحبوس الذي عند الموت يأخذه الفواق. وجدنا أعزَّ النَّاسِ أكثرهُمْ حصَىً ... وأكرمهُمْ مَنْ بالمكارِمِ يُعرَفُ وكلتاهُما فِينا إلى حيثُ تلتقِي ... عصائِبُ لاقَى بينهُنَّ المُعرّفُ ويروى فينا لنا. ويروى حين تلتقي. يقول هاتان الخصلتان فينا: كثرة العدد وبذل المعروف. وقد شرطهما في البيت الأول. لاقى بينهن جمع بينهن يعرفون ذاك لنا. منازِيل عنْ ظهرِ القليلِ كثيرُنا ... إذا ما دَعا في المجلسِ المُتردَّفُ ويروى ذو الثورة المتردف. يقول نحن كثير ننزل عن منزلة القليل، لانا لسنا بقليل. فنحن نغيث من استغاث بنا أغثناه بكثرة. قال الأصمعي قوله منازيل عن ظهر القليل كثيرنا، يقول لنا نزل وإن كان قليلاً فهو خير من كثير غيرنا. قال أبو عبيدة: يقول نحن وإن كنا كثيراً، لنا عز ومنعة ننزل لذي القلة عن حقه، يحفظنا إياه، إن قل وذل، لا تمنعنا كثرتنا وعزنا من إنصافه والرفق به كراهة البغي، إذ كنا كذلك. قال أبو عبد الله كان أبو العباس يقول مثل ذلك. هذا يعني قول أبي عبيدة. قال والمتردف الذي يردفه من الشر شيء بعد شيء. يقال ردفه خير، وردفه شر.

قلفْنَا الحصَى عَنهُ الَّذي فوقَ ظهرِهِ ... بأحلامِ جُهَّالٍ إذا ما تغضَّفُوا قلفنا القاف مقدمة، قوله قلفنا يريد ألقينا. وقوله بأحلام جهال يريد بحلم حلماء وبهم جهل عليهم. وقوله تغضفوا يقول ما لوا عليه بالتعطف والنظر. عَلى سورةٍ حتَّى كأنَّ عزيزَها ... تَرامَى بِهِ مِنْ بين نيقينِ نفنفُ ويروى على ثورة. قال نيقان جبلان. قال الأصمعي النفنف ما بين أعلى الجبلين إلى أسفلهما. ويروى ما بين نيقين. وجهلٍ بحلمٍ قدْ دَفعنا جُنونهُ ... ومَا كانَ لَوْلا حِلمُنا يتزحلَفُ قوله يتزحلف يعني يتنحى ويتباعد. قال أبو عبد الله يقال تزحلف وتزلحف. رجحْنا بِهمْ حتَّى استثابُوا حُلُومهُم ... بِنا بعدَ ما كادَ القنا يتقصَّفُ ويروى بعد ما كان. يقول كانت حلومهم عازبة عليهم فاستثابوها، يعني ردوها فثابت إليهم يعني رجعت إليهم. ومدَّتْ بأيديها النِّساءُ ولَمْ يكُنْ ... لذي حسبٍ عنْ قومِهِ مُتخلِّفُ يقول مدت بأيديها النساء إلى الرجال، ليستغثن بهم ويناشدنهم ألا يهربوا ويدعوهن. يقول ولا يحسن بالرجل الحسيب، أن يتخلف عن نصر أهله، وذلك إذا بلغ الأمر أشده واستغاث بالرجال النساء.

كفيناهُمُ ما نابهُمْ بحُلُومِنا ... وأموالِنا والقومُ بالنَّبلِ دُلَّفُ قوله دلف جمع دالف، قال الدالف الرجل يمشي مشيا فيه إبطاء، يقال من ذلك قد دلف القوم بعضهم إلى بعض، وذلك إذا مشوا مشياً على تؤدة وتمكن ورفق. وقدْ أرشدُوا الأوتارَ أفُواقَ نبلِهِمْ ... وأنْيابُ نوكاهُمْ مِنَ الحردِ تصرِفُ ويروى وقد سدد الأوتار أفواق، قوله قد أرشدوا الأوتار، يقول شدوا الأوتار. والأفواق على الأوتار. قال وفوق السهم ما بين شرخيه، وهو موضع الوتر إذا فوقه. قال والحرد الغيظ وشدة الغضب. وقوله تصرف يقول تحرق كما يصرف البعير، وذلك إذا حرك نابيه فسمعت لهما صوتا. فَما أحدُ في النَّاسِ يعدلُ درأنا ... بعزٍّ ولا عزٌّ لهُ حينَ نجنفُ ويروى يعدل درأنا بدرء ولا عز له. درؤنا دفعنا ومنه {فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ} تثاقلُ أركانٌ عليهِ ثقيلةٌ ... كأركانِ سلمَى أو أعزُّ وأكثفُ ويروى تثقل. قوله أكثف يعني أغلظ وأشد وأكثر جمعاً. أركان جوانب. سلمى أحد جبلي طييء. سيعلمُ منْ سَلمى تميماً إذا هوتْ ... قوائمُهُ في البحرِ منْ يتخلَّفُ

فَسعدٌ جِبالُ العِزِّ والبحرُ مالكٌ ... فلاَ حضَنٌ يُبلى ولا البحرُ يُنزفُ لَنَا العِزَّةُ الغلباءُ والعددُ الَّذي ... عليهِ إذا عُدَّ الحَصَى يتحلف ويروى لنا العزة القعساء، يريد الممنعة، والغلباء الغليظة العنق وهذا مثل وقوله يتحلف يريد من الحلف واليمين. يقول يحلف على أنه ليس لأحد مثل عددنا وعزنا، أي يتحالف الناس علينا ويجتمعون. ولا عِزَّ إلاَّ عزُّنا قاهرٌ لَهُ ... ويسئلُنا النِّصفَ الذَّليلُ فيُنصفُ ومِنَّ الَّذي لا ينطِقُ النَّاسُ عندهُ ... ولكِنْ هُوَ المُستأذنُ المُتنصَفُ قوله المتنصف يعني المخدوم - قال والمنصف الخادم - يعني بذلك أمير المؤمنين. يقول هو منا فلنا عزه وسلطانه دون الناس، فلا يقدر أحد أن يفاخرنا. تراهُمُ قُعُوداً حولهُ وعيونهم ... مُكسَّرةٌ أبصارُها مَا تصرَّفُ قوله ما تصرف، يقول ما تنظر يمنة ولا يسرة من مهابته وجلالته، فذلك الفخر لنا دون غيرنا. وبيتانِ: بيتُ الله نحنُ وُلاتُهُ ... وبيتٌ بأعلا إيلياءَ مُشرَّفُ قوله بأعلا إيلياء، يريد بيت المقدس وهو مشرف معظم. يقول فلنا الكعبة وبيت المقدس. لَنا حيثُ آفاقُ البريَّةِ تلتقي ... عميدُ الحَصَى والقسوريُّ المُخندفُ

ويروى عديد الحصى. وقوله عميد الحصى يريد بالحصى العدد الكثير. والقسورى: الكبير الرئيس. قال والمخندف يقول ينتمي في نسبه إلى خندف. قال وعميد القوم سيدهم. إذا هبطَ النَّاسُ المُحصَّبَ مِنْ مِنىً ... عشيَّةَ يومِ النَّحرِ مِنْ حيثُ عرَّفُوا ترَى النَّاسَ ما سِرنَا يسيرُونَ خلفنَا ... وإنْ نحنُ أومأنَا إلى الناسِ وقَّفُوا أُلوفُ أُلوُفٍ مِنْ دُروعٍ ومنْ قَناً ... وخيلٌ كريعانِ الجرادِ وحرشفُ ريعان كل شيء أوله ومقدمه خيل يريد الفرسان، والحرشف الرجالة. وإن نكثُوا يوماً ضربْنا رِقابهُمْ ... عَلى الدِّينِ حتَّى يُقبِلَ المُتألَّفُ ويروى وإن فتنوا يوما ضربنا رءوسهم. ويروى حتى يرجع. فإنَّكَ إنْ تسعَى لِتُدرِكَ دارِماً ... لأَنتَ المُعنَّى يا جرِيرُ المُكلَّفُ أتطلُبُ مِنْ عِندَ النُّجومِ وفوقَها ... بربقٍ وعيرٍ ظهرُهُ متقرفُ ويروى عند المساء مكانه. ويروى يتقرف. الربق حبل تشد به الجداء. والعنوق متقرف من آثار الدبر. وشيخين قَدْ ناكا ثَمانِينَ حِجَّةً ... أتانِيهما هَذا كبيرٌ وأعجفُ ويروى قد كاما. ويروى هذا ملح ومجرف. شيخين يعني عطية والخطفي. أبَى لجريرٍ رهطُ سُوءٍ أذلَّةٌ ... وعرضٌ لئيمٌ للمخازِي مُوقَّفُ

وأُمٌّ أقرَّتْ مِنْ عطيَّةَ رحْمُها ... بأخبَث ما كانتْ لهُ الرحمُ تنشفُ إذا سلخَتْ عنْها أُمامةُ درعَها ... وأعجبَها رابٍ إلى البطنِ مُهدِفُ قال أمامة امرأة جرير. وقوله مهدف أي مستند. قال والهدف السند من الأرض مثل الحائط، يواري ما وراءه. وجاء في الحديث، أحب شيء كان إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يتغوط فيه هدف أو حائش نخل. قصيرٌ كأنَّ التُّركَ منهُ جباهُها ... حنُوقٌ لأعناقِ الجرادينِ أكشفُ ويروى كأن الترك فيه وجوههم. قصير يعني فرج المرأة أكشف لا شعر فيه، كجبهة الترك. الجرادين جمع جردان وهو الاير. تقُولَ وصكَّتْ حُرَّ خدَّي مغيظةٍ ... على البعلِ غيري ما تزالُ تلهَّفُ ويروى حري. ويروى على الزوج. ويروى عبري. أمَا مِنْ كُليبي إذا لمْ تكُنْ لهُ ... أتانانِ يستغني ولا يتعففُ إذا ذهبتَ مِنِّي بزوجي حِمارةٌ ... فليسَ على ريحِ الكُليبيِّ مأسفُ قال لما بلغ عمارة إلى هاهنا قال يا ابن الفاعلة! عَلى ريحِ عبدٍ ما أتَى مثلَ ما أتى ... مُصلِّ ولا مِنْ أهلِ ميسانَ أقلفُ تقول لا آسف على ريح عبد، لم يأت أحد مثل الذي أتى به، لا مؤمن ولا كافر. إذا ما احتبتْ لِي دارمٌ عندَ غايةٍ ... جريتُ إليها جريَ منْ يتغطرَفُ

قوله يتغطرف يعني يسود ويطلب السؤود، والغطريف السيد. كِلانَا لهُ قومٌ هِمُ يُحلبُونهُ ... بأحسابِهِمْ حتَّى يُرى منْ يُخلَّفُ ويروى من تخلفوا. يحلبونه يعينونه وينصرونه. يقال جاءهم مدد من الرجال، وجاءهم حلب من الرجال أي من يعينهم. ومن ثم يقال قد أحلب عليه جموعا بعد جموع، يريد من يعين عليه. إلى أمدٍ حتَّى يُزايلَ بينهُمْ ... ويُوجِعَ مِنَّا النَّخسُ منْ هُوَ مُقرفُ ويروى يزيل وبيننا. ويروى ويوجع بالنخس الذي هو أقرف. قوله أقرف يريد الهجين المقرف ليس بعربي، وهو الذي أحد أبويه برذون كما قالت هند: فإن نتجت مهرا كريما فبالحرى ... وإن يك إقراف فمن قبل الفحل عطفتُ عليكَ الحربَ إنِّ إذا ونَى ... أخُو الحربِ كرَّارُ على القرنِ معطفُ تُبكي على سعدٍ وسعدٌ مُقيمةٌ ... بيبرينِ منهُمْ مَنْ يزيدُ ويُضعفُ ويروى قد كادت على الناس تضعف. عَلى مَنْ وراءَ الرَّدمِ لَوْ دُكَّ عنهُمْ ... لماجُوا كَما ماجَ الجرادُ وطوَّفُوا ويروى وسعد كأهل الردم لوفض عنهم. ويروى لو دك دكة. قوله لو دك عنهم، يعني لو دق الردم الذي بيننا وبينهم، يريد السد الذي سده ذو القرنين. يقول ماجوا في الأرض أي ملؤوها. وقوله وطوفوا يقول خرجوا مثل الطوفان فملؤوها كما ملأ الطوفان الأرض. فهُمْ يعدلُونَ الأرضَ لوْلاهُمْ استوتْ ... على النَّاسِ أوْ كادتْ تسيرُ فتُنسفُ ولوْ أنَّ سعدا أقبلتْ مِنْ بلادِها ... لجاءتْ بيبرينَ اللَّيالي تزحَّفُ

هذا مقلوب، أراد لجاءت يبرين بالليالي، أي بجيش مثل الليالي تزجف. وقوله فتنسف يريد فتقلع شبههم بالجبال. يقول لجاءت يبرين بعدد من سعد، مثل عدد رمل يبرين. وقوله الليالي تزحف يريد جاء السيل والليل في كثرتهم وجمعهم، كالليل يملأ كل شيء سواده، يقول فكذلك تملأ كل شيء عددا. فأجابه جرير فقال ألا أيُّها القلبُ الطَّروبُ المُكلَّفُ ... أفِقْ رُبَّما ينأى هُواكَ ويُسعفُ قوله ينأى أي يبعد ويسعف يقرب. يقال قد أسعفه بحاجته أي قارب أن يقضيها له. ويروى ربما ينأى هواك وتسعف. ظلِلْتَ وقدْ خبَّرتَ أنْ لستَ جازِعاً ... لربعٍ بِسلمانينِ عينُكَ تذرِفُ وتزعُمُ أنَّ البينَ لا يشعفُ الفَتى ... بلىَ مِثلُ بيني يوم لُبنانَ يشعفُ قوله يشعف يعني يغلب على الغلب، وهو من قوله تعالى {قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً} وقد شغفها حبا بالعين والغين، قد قرأ القراء بهما جميعا ومعناهما واحد، وهو أن يغلب على القلب الحب ولا يعقل غيره. وطالَ حِذاري غُربةَ البينْ والنوَّى ... وأحدوثةً مِنْ كاشحٍ يتقوَّفُ قوله من كاشح يعني عدوا مطالبا، وقوله يتقوف. يقول يعني بأمري ويقفو أثري ويكذب علي. ولوْ علمتْ علمي أُمامةُ كذَّبتْ ... مقالةَ منْ يَنعى عليَّ ويعنُفُ

ويروى من يبغي عليَّ ويعنف. ينعي علي أو يخبر الناس أخباري وقوله من يبغي علي ويعنف من يتقول علي ويعنف في القول ويتجنى عليَّ الباطل. بأهلِي أهلُ الدَّارِ إذْ يسكُنُونها ... وجادكِ مِنْ دارٍ ربيعٌ وصيِّفُ قولج وجادك، يقول مطرت مطر الجود هو كثرته. وقوله ربيع وصيف يريد مطر الربيع، ومطر الصيف قبل القيظ، وفيه المنفعة. ومطر القيظ لا منفعة له، فلذلك قال ربيع وصيف. سمعتُ الحمامَ الورقَ في رونقِ الضُّحَى ... بذي السِّدرِ مِنْ وادِي المراضَين تهتفُ #نظرتُ ورائِي# نظرةُ قادَها الهَوى=وألحَى المهارَى يومَ عُسفانَ ترجُفُ ويروى نظرت أمامي نظرة. ترجف أي تضطرب في الأرض. تَرَى العرمسَ الوجناءَ يدمَى أظلُّها ... وتُحذى نِعالاً والمناسِمُ رُعَّفُ الأظل ما تحت المنسم من الخف، الوجناء العظيمة الوجنات، قال والعرمس من الإبل الصلبة الشديدة. وقال الأصمعي العرمس الصخرة، وإنما شبهت الناقة بها إذا كانت صلبة قوية على السفر. مَددْنا لِذاتِ البغِي حتَّى تقطَّعتْ ... أزابيُّها والشَّدقميُّ المُعلَّفُ قوله أزابيها يعني جنوبها ونشاطها، الواحدة أزبية. يقول سرنا عليها حتى ذهب مرحها ونشاطها بعدما كانت ذات بغي أي نشاط. صرحنَ حَصَى المعزاءِ حتَّى عُيونُها ... مُهجِّجَةٌ أبصارُهُنَّ وذُرَّف

قوله صرحن يعني ضربن بأرجلهن الحصى لصلابة أخفافها، وقوله مهججة يقول عيونها غائرة، أي داخلة في الرأس، وذلك للجهد والضمر. كأنَّ دِياراً بينَ أسنُمةِ النَّقا ... وبينَ هذالِيلِ النَّحيزَةِ مُصحفُ فلستُ بِناسٍ ما تغنَّتْ حمامةٌ ... وَلا ما ثَوَى بينَ الجناحينِ رفرفُ ويروى بين الخبيبين. ويروى بين الجنابين رفرف. قال وهو موضع. دِياراً مِنَ الحَيِّ الَّذِينَ نُحبُّهُمْ ... زَمان القِرَى والصَّارِخُ المُتلهِّفُ هُمُ الحيُّ يربُوعٌ تعادَى جيادُهُمْ ... عَلى الثَّغْر والكافُونَ ما يُتخَوَّفُ عليهِم مِنَ الماذيِّ كُلُّ مُفاضَةٍ ... دِلاصٍ لَها ذَيلٌ حصِينٌ ورفرفُ ولا يستوِي عقرُ الكرُومِ بِصوأرٍ ... وذُو التَّاجِ تحتَ الرايةٍ المُتسيَّفُ المتسيف الذي معه سيفه، والكزوم الناقة المسنة الضعيفة. والمتسيف الذي يقتل تحت الراية بالسيف. ومولَى تميمٍ حينَ يأوي اليهِم ... وإنْ كانَ فيهِمْ ثروةُ العزِّ مُنصَفُ قوله مولي تميم، يريد ابن عمهم. وهو من قوله تعالى {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي} وهم بنو العم. وقوله منصف غير مظلوم، وهذا مثل قول الفرزدق: منازيل عن ظهر القليل كثيرنا. بَنِي مالِكٍ جاءَ القُيونُ بمُقرِفٍ ... إلى سابِقٍ يجرى ولاَ يتكلَّف المقرف الهجين يعني الفرزدق. والسابق يعني نفسه.

يوم الاياد

ومَا شَهِدَتْ يومَ الأيادِ مُجاشِعٌ ... وذَا نجبٍ يومَ الأسِنَّةِ ترعفُ ويروى يوم العبيط. قال وكان من حديث الاياد، حدثنا أبو عثمان قال، قال أبو عبيدة: يوم الاياد هو يوم العُظالى، ويوم الإفاقة، ويوم أعشاش، ويوم مليحة، وإنما سمى يوم العظالى، لأنه تعاظل على الرئاسة بسطام، وهانئ بن قبيصة، ومفروق بن عمرو، والحوفزان يوم العظالى. قال وكانت بكر تحت يد كسرى وفارس. قال فكانوا يقوونهم ويجهزونهم، فأقبلوا من عند عامل عين التمر في ثلاثمائة متقابلين - يعني متساندين - يتوقعون انحدار بني يربوع في الحزن، وكانوا يتشتون جفافا، فإذا كان انقطاع الشتاء انحدروا إلى الحزن. قال فاحتمل بنو عتيبة وبنو عبيد وبنو زبيد من بني سليط أول الحي، حتى أسهلوا ببطن نجفة مليحة. قال فطالعت بنو زبيد في الحزن حتى حلوا الحديقة بالأفاقة. وحلت بنو عتيبة وبنو عبيد روضة الثمد، قال ويقبل الجيش حتى ينزلوا الهضبة، هضبة الخصي، ثم بعثوا ربيئتهم، فأشرف الخصي وهو في قلة الحزن، فرأى السواد في الحديقة، وتمر إبل فيها غلام شاب من بني عبيد بالجيش - قال هبيرة يقال له قرط بن أضبط - فعرفه بسطام، وكان عرف عامة غلمان بني ثعلبة حين أسر - وقال سليط لا، بل هو المطوح بن قرواش - فقال له بسطام إيه يا مطوح، أخبرني خبر حيك، أين هم من السواد الذي بالحديقة؟ قال هم بنو زبيد. قال أفيهم أسيد بن حناءة؟ قال نعم. قال كم هم من بيت؟ قال خمسون بيتا. قال

فأين بنو عتيبة وأين بنو أزنم؟ قال نزلوا روضة الثمد. قال فأين سائر الناس؟ قال محتجزون بجفاف - وجفاف موضع معروف - قال فمن هناك من بني عاصم، أين الأحيمر؟ قال فيهم. قال أيم معدان وقعنب ابنا عصمة. قال هما فيهم. قال فأين وديعة بن الأوس الأزنمي؟ قال فيهم. قال فمن فيهم من بني الحارث بن عاصم؟ قال حصين بن عبد الله وعفاق بن عبد الله. فقال بسطام أتطيعونني، أرى لكم أن تميلوا على هذا الحي الحريد - يعني المتنحي - من بني زبيد، فتصبحوا غدا غانمين بالفيفاء سالمين. فقالوا وما تغني بنو زبيد عنا لا يردون رحلتنا. قال إن السلامة إحدى الغنيمتين. قالوا إن عتيبة قد مات. وقال مفروق قد انتفخ سحرك يا أبا الصهباء. وقال هانئ أجبناً. فقال لهم إن أسيدا لم يكن يظله بيت شاتيا ولا قائظا، يبيت القفر متوسدا طول الشقراء، لم تبت عنه نفسا - أي لم تكن متباعدة عنه منذ كان - فإذا أحس بكم تسفد الشقراء - يعني علاها - قال وهو مأخوذ من أن يسفد الذكر الأنثى إذا علاها. - والشقراء اسم فرسه - فركض حتى يشرف مليحة، فينادي يال يربوع، فيركب فيتلقاكم طعن ينسيكم الغنيمة، ولم يصر أحد مصرع صاحبه، وقد جبّنتموني فأنا تابعكم. ثم قال لهم وستعلمون ما أنتم لاقون غدا. قالوا نقبل فنتلقط بني زبيد، ثم بني عبيد، وبني عتيبة كما تتلقط الكمأة، ونبعث فارسين فيكونان بطريق أسيد، فيحولان بينه وبين يربوع. فبعثوا بفارسين فوقفا في ليلة أضحيان - يعني مقمرة - حيث أمرا - يقال إضحيان وأضحيان بكسر الألف وضمها. قال أبو عبد الله الضم شاذ - قال فلما أحست الشقراء بوئيد الخيل - أي بوقع حوافرها - وقد أغاروا ثم أقبلوا. بحثت بيدها فحال أسيد في متنها - يقال حال في متن فرسه. قال أبو النجم:

فحال والسربال في أحشائه - قال فابتدروه الفارسان فطعنه أحدهما فألقى نفسه في شق فأخطأه ثم كر راجعاً فقال تالله نتكاذب الليلة فمن أنتم قالوا بسطام ومفروق وهانئ، فقال أسيد يا سوء صباحاه ثم ولي حتى أشرف مليحة ثم نادى يا سوء صباحاه يا آل يربوع فقال وديعة بن أوس فكاني أنظر إلى ضوء الفجر بين منسج الشقراء واسته - قال وكان قلعا - فلم يتودع من أهل مليحة أحد قال فلم يرتفع الضحى حتى تلاحقوا بغبيط الفردوس فقال أسيد: لبث قليلا تلحق الحلائب. فقال بسطام: صباح سوء لكم النواعب قال وبعدت على معدان وأخيه قعنب ابني عصمة، والأحيمر، ونهيك ابن عبد الله، وعفاق بن أبي مليل، ووديعة بن أوس، ودراج بن النحار، وعمارة والحليس ابني عتيبة، خيولهم فركبوا آخر الناس، فلم يأخذوا مأخذ مالك بن نويرة، وصرد بن جمرة، وقعنب بن سمير، وجزء بن سعد على الإفاقة، فلما طلعوا على الثنية، رأوا أم درداء السليطية عريانة تعدو، قال فألقى قعنب بن عصمة، عصابة كانت فوق بيضته عليها، وهو على فرسه البيضاء، وقالوا ارفعوا خيولكم. فالتقى الذين أخذوا بطن الافاقة والحديقة، والذين جاءوا من الثنية، فالتفتوا فعرف بسطام الأحيمر، فقال أحيمر هو؟ قال نعم. قال لقد عهدتك بطلا محدودا، وإني لأنفسك على الموت، فأعط بيدك لا تقتل، فقال أبعد بحير ومالك ابن حطان تؤبسني - قال هو تؤشبني - على الحياة أي تحرضني. في نسخة ابن سعدان أبعد بجير. قال أحمد بن عبيد، ثم رماه بفرسه

الشقراء. قال وزعمت بنو ثعلبة أن الأحيمر لم يطعن برمح قط إلا انكسر. قال فكان يقال له مكسر الرماح. فلما أهوى ليطعنه ولى بسطام فانهزم. ولقى فُقحل الشيباني عمارة بن عتيبة فقتله. ويحمله قعنب على فقحل فقتله. وقتل الدعاء عفاق بن أبي مليل - وقال آخر بل قتله الضريس بن مسلمة، أخو بني أبي ربيعة - ولم يقتل من بني يربوع يومئذ غيرهما فيما زعم. وأسر بشر بن حثمة السليطي الدعاء. وعميرة ابن طارق خال الدعاء. فلم يقتله بشر لذلك وأخذ فداءه ثم خلاه. وأسر وديعة بن أوس بن مرثد هاني بن قبيصة، ففاداه فقال في ذلك جرير: رجعن بهانئ وأصبن بشرا ... وبسطاما تعض به القيود ويروى يعض به الحديد. قال أبو عبيدة، وزعم سليط أن قعنب بن عصمة قتل مفروقا فدفن بثينة من أرضنا يقال لها إلى اليوم ثنية مفروق. وأسر لأم بن سلمة رجلا من بني شيبان، يقال له ابن المقعاس، قتل يوم حومل عصمة بن النحار، فادعى بشر بن حثمة السليطي فيه، فاشترى بنو أزنم نصيبه بتسع من الإبل. وقالوا للأم بعنا نصيبك منه، فانه ثأرنا. قال أبيعكموه بمائة من الإبل. فقالوا لا نبالي ألا تبيعناه، نقطع نصيبنا منه فنذهب به إلى أهلنا، وتذهب أنت بنصيبك إلى أهلك. قال كذبتم والله لا تقتلون أسيري. فلما رأى الشر باعهم نصيبه بتسعة ابعرة، كما باعهم صاحبه فقتلوه بعصمة بن النحار. وقتل حصين بن عبد الله الثعلبي زهير بن الحزور الشيباني. قال أبو عثمان قال الأصمعي: وزعم جهم أن أحيمر أسر عميرة بن الحزور

الشيباني، فدفعه إلى أبي مليل فقتله. وقتلوا أيضا الهيش بن المقعاس. وقتلوا عمير بن الوداك. وقتلوا أخا فقحل بن مسعدة. وقتلوا كرشاء. وأسر ابنا العوام يزيد وشنيف. وقال آخرون بل ظن أبوهما أنهما قد قتلا وأسرا، ثم أتياه بعد. وأما بسطام فألح عليه فرسان من بني يربوع. قال وكان دارعا وكان على ذات النسوع فرسه، فكانت إذا أجدت لم يتعلق بها شيء من خيلهم. فإذا أوعثت كادوا يلحقونها، فلما رأى ذلك بسطام نثل درعه، فوضعها بين يديه على قربوس السرج، وكره أن يرمى بها، وخاف أن يلحق في الوعث، فلم يزل ذلك ديدنه وديدن القوم، حتى حميت الشمس عليهم فخاف اللحاق فمر بوجار ضبع، فرمى بالدرع فيه، فمد بعضها بعضا حتى غابت في الوجار - قال والوجار جحر من جحرة الضبع - قال فلما خفت عنها، امغطت ففاتت الطلب، فكان آخر من أتى قومه بعد ما ظنوا أنه قد قتل. قال أبو جعفر: قوله امغطت امتدت وأسرعت لا تلوي على شيء. فقال متمم بن نويرة في أسيد بن حناءة: لعمري لنعم الحي أسمعَ غدوةً ... أسيدٌ وقد جد الصراخ المصدق فأسمع فتيانا كجنة عبقر ... لهم رَيِّق عند الطعان ومصدق أخذن به جنبي أفاق وبطنها ... فما رجعوا حتى أرقوا وأعتقوا رأوا غارة تحوي السوام كأنها ... جرادٌ ضُحِيّا سارح متورق وقال العوام الشيباني في بسطام وأصحابه: إن يك في يوم الغبيط ملامة ... فيوم العظالى كان أخزى وألوما أناخوا يريدون الصباح فصبحوا ... وكانوا على الغازين دعوة اشأما

فررتم ولم تُلووا على مجحريكم ... لو الحارث الحراب يدعى لأقدما وما يجمع الغزو السريع نفيره ... وأن يحرموا يوم اللقاء القنا الدما ولو أن بسطاما أطيع بأمره ... لأدى إلى الأحياء بالحنو مغنما ولكن مفروق القفا وابن خاله ... ألاما فليما يوم ذاك وشوِّما ففر أبو الصهباء إذ حمس الوغى ... وألقى بابدان السلاح وسلما وأيقن أن الخيل إن تلتبس به ... يقظ عانيا أو يملأ البيت مأتما ولو أنها عصفورة لحسبتها ... مسومة تدعو عبيدا وأزنما أبى لك قيد بالغبيط لقاءهم ... ويوم العظالى إذ نجوت مكلما فأفلت بسطام جريضا بنفسه ... وغادرن في كرشاء لَدنا مقوَّما وقاظ أسيرا هانئ وكأنما ... مفارق مفروق تغشَّين عندمَا وقال العوام يلوم أصحاب بسطام، حين آبوا ولم يؤب معهم، وفي ابنيه يزيد وشنيف: لو كنت في الجيش إذمال الغبيط بهم ... ما أبت قبل أبي زيق ولم يؤب أبو زيق بسطام وزيق ابنه: أعزز علي ولم أشهد فأمنعه ... مَدعى يزيد شنيفاً ثم لن يجب ما يبتغي لرداف بعدُ سلهبةً ... قرواء مرخية التقريب والخبب

وقال أيضا: قبح الإله عصابة من وائل ... يوم الإفاقة أسلموا بسطاما ورأى أبو الصهباء دون سوامهم ... عركا يسلي نفسه وزحاما كنتم أسودا في الرخا فوجدتُم ... يوم الإفاقة بالغبيط نعاما ويروى في الرخاء وفي الوغا أيضاً. قال فلما ألح عوام في ذلك، أخذ بسطام إبله، فقالت أمه أرى كل ذي شِعْرٍ أصاب بشعره ... سوى أن عوَّاما بما قال عيَّلا فلا تنطقن شعرا يكون حواره ... كما شعر عوام أعام وأرجلا ويروى جوازه، وقال قطبة بن سيار بن منذر بن ثعلبة بن حصبة ابن أزنم في هذا اليوم: ألم تر جثمان الحمار بلاءَنا ... غداة العُظالى والوجوه بواسر غداة دعا الداعي أسيد صباحه ... وللقوم في صم العوالي جوائر فطرنا إلى الوجوه جياد كأنها ... جراد تبارى وجهة الريح باكر ونجت أبا الصهباء كبداء نهدة ... غدائتذ وأنساته المقادر إذا شام فيها رجله جنات له ... كما جنات في الجو فتخاء كاسر يجيش بطوفان من الشد جريها ... كماسح شؤبوب من الوبل ماطر يقول له الدعاء راخ عنانها ... أتتك حياض الموت أمك غابر قال أبو عبد الله، يقال جنئ يجنأ في الخلقة، وجنأ عليه أي عطف

وهذا حديث يوم ذي نجب

عليه، قال أبو عبد الله ويروى عابر بالعين غير معجمة وبالغين معجمة. فبالغين معجمة الباقية، وبالعين مهملة من العبرة قال أحمد ابن عبيد، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من أهل العلم، الغابر الباقي، ليس بينهم في ذلك اختلاف، تفسير الغابر الباقي لقوله "يستأصلون غابرهم" قدمناه وهو مؤخر. قال أبو عبيدة: هو بسطام ابن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن عبد الله بن عمرو بن الحارث ابن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان. وهو بيت ربيعة. وهانئ بن قبيصة بن هانئ ابن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان. ومفروق بن عمرو بن قيس بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل ابن شيبان. وهمام البيت الثاني. وقيس خال مفروق وبسطام خال هانئ. وهذا حديث يوم ذي نجب خبرنا سعدان، قال حدثنا أبو عبيدة قال، وكان من حديث يوم ذي نجب، وكان على قرن العام التابع من يوم جبلة، أن بني عامر بن صعصعة لما قتلوا من قتلوا يوم جبلة من بني حنظلة، رجوا أن يستأصلوا غابرهم، فأتوا حسان بن كبشة الكندي، وكان ملكا من ملوك اليمن، فدعوه إلى أن يغزو معهم بني حنظلة، وأخبروه أنهم قد قتلوا فرسانهم ورؤساءهم. قال فأقبل معهم بصنائعه ومن كان معه، فلما أتى بني حنظلة مسيره إليهم، قال عمرو بن عمرو بن عدس - قال أبو عبد الله يقال في تميم عُدُس بضم الدال، وهو ينصرف، وسائر

العرب عدَس بفتح الدال - يا بني مالك، لا طاقة لكم بهذا الملك وما معه من العدد، فخفوا من مكانكم هذا، وكانوا يومئذ في أعلا الوادي، مما يلي مجيء القوم. وكانت بنو يربوع في أسفله، فتحولت بنو مالك حتى نزلت خلف بني يربوع، وصارت بنو يربوع يلون القوم والملك. فلما رأت بنو يربوع ما صنعت بنو مالك، استعدوا وتقدموا قدام الحي مما يلي مجيء ابن كبشة. فلما كان في وجه الصبح سند اليهم ابن كبشة، وقد استعد القوم فاقتتلوا مليا، فضرب حشيش بن نمران الرياحي ابن كبشة على رأسه فصرعه، فخر ميتا. وضرب الحارث بن حصبة وطارق بن حصبة يزيد بن الصعق على رأسه. وقتل عبيد بن مالك بن جعفر. وانهزم طفيل بن مالك على فرسه قرزل. قال أبو عبد الله أخبرنا أحمد بن يحيى، أن القُرذُل ضرب من المشطة تمتشطها المرأة، تكون على ناحية من الرأس. وأسر عامر بن كعب الهصان أحد بني أبي بكر ابن كلاب، دريد بن ثعلبة بن الحارث بن حصبة. وقتل عمرو بن الأحوص، وكان رئيسهم، قتله يومئذ خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل. قال وقد كان قال له بعض أصحابه يومئذ، يا خالد اقتل بأبيك. قال خالد فلما ضربته جعل يتحاوص إلى شعاع السيف. وكان يقال له ولأبيه الاحوصان. وانهزمت بنو عامر وصنائع ابن كبشة. فقال أوس بن حجر: كان بنو الأبرص أقرانَكم ... فأدركوا الأحدَثَ والأقدما إذ قال عمرو لبني مالك ... لا تعجلوا المرَّةَ أن تُحكما والله لولا قُرزُلُ إذ نجا ... لكان مأوى خدك الأخرما

ويروى إذ جرى. قال والأخرم الجبل وهو منقطع أنفه. قال والمعنى في ذلك يقول لثوى خدك في الأرض. قال والأخرم أيضا موضع الكتف. يقول إذا لسقط رأسك على الموضع. وقال الأصمعي الأخرم يعني أخرم الجبل، وهو منقطع أنفه. يقول لثوى خدك في الأرض. نجاك جياش هزيم كما ... أحميت وسط الوبر الميسما وقال جرير، يذكر خذلان بني مالك إياهم وانتقالهم من موضعهم الذي كانوا فيه: ونحن الذائدون إذا ظعنتم ... عن الحي المصبح والسوام ونازلنا ابن كبشة قد علمتم ... وذا القرنين وابن أبي قطام وقال جرير أيضاً يذكر يوم ذي نجب: بذي نجب ذُدْنا وواكل مالك ... أخاً لم يكن عند الحفاظ يواكله وقال جرير أيضاً: ونازلنا الملوك بذات كهف ... وقد خُضِبت من العَلَق العوالي نعد المقربات بكل ثغر ... ونصدق عند معترك النزال لقد ضَربَ ابنَ كبشةَ إذ لحقنا ... حُشيشٌ حيث تفليه الفوالي وقال سحيم بن وثيل الرياحي: ونحن صدعنا هامة ابن خويلد ... يزيد وضرجنا عبيدة بالدم

رأى غمرات الموت دون ابن أمه ... وأزنم بالوادي ورهط متمم بذي نجب إذ نحن دون حريمنا ... على كل جياش الاجاري مِرجم إذ الخيل يحدوها حشيش وحنتف ... بمعترك الأبطال عند ابن شعثم وقال الفرزدق يذكر عمرو بن الأحوص: وعمرا أخا عوف تركنا بملتقى ... من الخليل في كاب من النقع قاتمِ رجع إلى شعر جرير: فَوارِسُنا الحُوَّاطُ والسَّرحُ دُونهُمْ ... وأردافُنا المحُبُّو والمُتنصفُ ويروى الغوار والسرح دونهم. والثغر أيضا رواية. قال المحبو الذي تحبوه الملوك. والمتنصف الذي يعطي النصفة ويخضع له. لقدْ مُدَّ للقينِ الرِّهانُ فردَّهُ ... عَنِ المجدِ عِرقٌ مِنْ قُفيرةَ مُقْرِفُ ويروى عن المجد كاب. قال الأصمعي المقرف من الدواب، الذي أحد أبويه برذون. وإنما ضربه مثلا هاهنا يريد أن أحد أبويه ليس بعربي، والأصل للدواب فاستعاره للناس. قال والعرب تفعل هذا. لَحَى اللهُ مَنْ ينبُو الحُسامُ بِكَفِّهِ ... ومنْ يلجُ الماخُورَ في الحجلِ يرسُفُ يقال مر فلان يرسف في قيده، إذا مشى فيه وهو الرسفان. ترفَّقتَ بالكيرينِ قينَ مُجاشع ... وأنتَ بهزِّ المشرفيَّةِ أعنفُ

قوله أعنف، يقال أعنف للرجل والمرأة سواء في المذكر والمؤنث، وفي الجميع أيضا أعنف. القين أصله الحداد، ثم نقل فسمى به كل صانع يعمل بيده، حتى قالوا للمغنية قينة. وتُنكِرُ هزَّ المشرفيِّ يمينهُ ... ويعرفُ كفَّيِه الإناءُ المُكتَّفُ قوله المكتف يعني المضبب. قال والكتيفة الضبة من الحديد. ولَوْ كُنتَ منَّا يا ابنَ شِعرةَ ما نَبا ... بكفَّيكَ مصقُولُ الحديدةِ مُرهفُ قوله مصقول الحديدة، يعني نبو السيف بيد الفرزدق عن عنق الأسير بين يدي سليمان بن عبد الملك. ومرهف محدد مرقق بالمسان. يعيره بذلك، يقول كيف نبا هذا السيف في حدته ورقة حديدة بيدك، لولا انك لم تعتد أن تضرب بالسيف، يهجوه بذلك. عرفتُمْ لَنا الغُرَّ السَّوابِقَ قبلكُمْ ... وكانَ لقينيكَ السُّكيتُ المُخلَّفُ نُعِضُّ المُلُوكَ الدَّارِ عينَ سُيوفَنا ... ودفُّكَ مِنْ نَفَّاخهِ الكير أجنفُ ألمْ ترَ أنَّ الله أخزَى مُجاشِعاً ... إذا ضَمَّ أفواجَ الحجيجِ المعرَّف ويومَ مِنىً نادتْ قُريشٌ بغدرِهِمْ ... ويومَ الهَدايا في المشاعِرِ عُكَّفُ ويُبغِضُ سِترُ البيتِ آل مُجاشعٍ ... وحُجَّابُهُ والعابِدُ المُتطوِّفُ وكانَ حديثَ الرَّكبِ غدرُ مُجاشِعٍ ... إذا انحدُروا مِنْ نخلتين وأوجفُوا وإنَّ الحوارِيَّ الَّذي غرَّ حبلُكُمْ ... لَهُ البدرُ كابٍ والكواكبُ كُسَّفُ ولَوْ فِي بَني سعْدٍ نزلتَ لمَا عصَتْ ... عوانِدُ فِي جوفِ الحوارِي نُزَّفُ ويروى ولو في بني سعد يحل. قوله لما عصت يعني عروقا، لا ترقأ ولا ينقطع دمها حتى يموت صاحبها، ويقال عروق عواند وذلك أن يجري دمها في جانب. ويقال للعرق الذي لا يرقأ عاند، وعاص، وناعر.

قال الشاعر: وعواص الجوف تنشخب فهلاَّ نهيتُمْ يا بَنِي زَبدِ اسْتِها ... نُسوراً رَأتْ أوصالَهُ فهيَ عُكَّفُ ويروى علت أوصاله فهي دفف. من دف الطائر إذا طار على وجه الأرض. فلسْتَ بِوافٍ بالزُّبيرِ ورحلِهِ ... وَلا أنتَ بالسِّيدانِ بِالحقِّ تُنصِفُ ويروى فلست بموف. ويروى ولا أنت بالسيدان في الحي منصف. ويروى في الحكم تنصف. بَنُو مِنقرٍ جرُّوا فتاةَ مُجاشِع ... وشَدَّ ابنُ ذَيَّالٍ وخيلُكَ وُقَّفُ وهُمْ رجعُوها مُسحرينَ كأنَّما ... بجعثنَ مِنْ حُمَّى المدينةِ قفقفُ ويروى قرقف. يعني رعدة مسحرين، يعني أنهم فجروا بها حتى دخلوا في السحر. وقدْ علِمَ الأقيانُ أنَّ فتاتهُمْ ... أُذِلَّت رِدافا كُلَّ حالٍ تُصرَّفُ فباتَتْ تُنادِي غالِباً وكأنَّها ... على الرَّضفِ مِنْ جمرِ الكوانين تُرضَفُ وتحلِفُ ما أدْمَوا لجعثِنَ مثبِراً ... ويشهدُ حُوقُ المنقرِيِّ المُجوَّفُ ويروى ما دموا. ويروى حوق المنقري المقرف. ويروى المحرف. قوله ما أدموا، يريد افعلوا من الدم مثل قولهم اقتضوا. قال والمثبر الموضع الذي تنتج فيه الناقة، يعني يقع فيه دمها وسلاها، فهي لا تكاد تنساه، يقال مرت الناقة على مثبرها، وذلك إذا مرت عليه وشمته،

فهي تذكره. قال والحوق الكمرة وهو موضع الختان. وقدْ سلخُوا بالدَّعسِ جلدِ عِجانِها ... فَما كادَ قرحٌ بأستِها يتقرَّفُ لجعثِنَ بالسِّيدانِ قَدْ تعلمُونهُ ... مساحِجُ مِنْها لا تَبِيدُ ومزحفُ عَلى حفرِ السيِّدانِ باتتْ كأنَّها ... سفينةُ ملاَّحِ تُقادُ وتُجدفُ وما قصدتْ في عُقرِ جعثنَ منقرٌ ... ولكِنْ تعدَّوا فِي النَّكاح وأَسرفُوا وقدْ كانَ فِيما سالَ مِنْ عرقِ استِها ... بيانٌ ورضفُ الرُّكبتينِ المُجلَّف وقدْ تركُوا بِنتَ القيونِ كأنَّما ... بقيَّةُ ما أبقَوْا وجارٌ مُجوَّفُ بَنِي مالكٍ أمْسَى الفرزدقُ عائِذاً ... وجعثِنُ باتَتْ بالنَّآطِلِ تَدلفُ وباتَتْ رُدافى مِنقرٍ يركبُونَها ... فضُيِّعَ فِيها عُقرُها المُتردَّفُ وهُمْ كلَّفوها الرَّملَ رَملَ مُعبِّرٍ ... تقولُ أهذا مشْيُ حُردٍ تلقَّفُ معبر حبل من رمل الدهناء ن وإنما سمى معبرا لأن من ورد الماء جازه، ومن صدر جازه لقلة عشبه، فلا ينزل به أحد. والحرد جمع أحرد وهو الذي أضر العقال بعرقوبه، فهو يخبط الأرض بيده. والتلقف أن لا يمكن البعير يديه من الأرض. لحَى اللهُ ليلَى عِرْسَ صعصعةَ ... الَّتِي تُحبُّ بِشارَ القينِ والقينُ مُغدِفُ ويروى تريد. وبشار مصدر باشرته. وإنِّي لتبتزُّ المُلوكَ فَوارِسِي ... إذا غرَّكُمْ ذُو المِرجلِ المُتجخِّفُ المتجخف المتكبر. المرجل قال الأصمعي كل قدر تسميها العرب مرجلا. ألمْ ترَ تيمٌ يرمِي مُجاشِعاً ... شَديدُ حِبالِ المنجنيقين مِقذَفُ عَجِبتُ لصِهرٍ ساقكُمْ آل دِرْهم ... إلى صهرٍ أقوامٍ يلامُ ويُصلَف

يقال صلفت المرأة وذلك، إذا لم تحظ عند زوجها. ويقال رب صلف تحت الراعدة. قال وذلك إذا كان رعد بلا مطر، ويضرب مثلا للذي يتكلم بلا فعل، ويقال أرض صلفاء ومكان أصلف، وذلك إذا كان غليظاً لا نبات فيه. وما كان هذا المكان صلفاً ولقد صلف، إذا كان كذلك. ومثل أصلف من جوزتين في غرارة. لَئِيمان هذِي يدَّعِهيا ابنُ دِرَهمٍ ... وهَذا ابنُ قينِ جلدُهُ يتوسَّفُ قوله يتوسف أي يتقشر. قال أبو عثمان، قال أبو عبيدة، قال أعين ابن لبطة، وأمه النوار بنت أعين بن ضبيعة بن ناجية: كان الفرزدق تزوج على النوار مضارة لها: رهيمة بنت غنيم بن درهم، وهم من اليرابيع قوم من النمر بن قاسط في بني عباد، وأمها الخميصة من بني الحارث بن عباد فنافرته رهيمة، واستعدت عليه فدعا عليها الفرزدق، وهو بين يدي العامل. فقال الفرزدق ما هي بامرأتي وأنا منها بريء وقال في ذلك: إن الخميصة كانت لي ولابنتها ... مثل الهراسة بين النعل والقدم إن فات بيتك من بيتي مطلقة ... فلن تردي عليها زفرة الندم وقال الفرزدق للنوار حيث كان تزوجها: سوف يريكِ النجم والشمس حية ... زحامُ بنات الحارث بن عُباد نساء أبوهن الأغر ولم تكن ... من الحُتِّ في أجبالها وهَداد أبوها الذي أدنى النعامةَ بعدما ... أبت وائل في الحرب غير تماد أقمت بها مَيْل النوار فأصبحت ... مقاربة لي بعد طول بعاد

قال وسعى رجل من بني مازن. على أصهار الفرزدق بني درهم، فظلمهم لقحتين لهم، فقال الفرزدق في ذلك: تخطيتها أنعام بكر بن وائل ... إلى لقحتي راعي غنيم بن درهم ومن يحتلب سيئاتهم في إنائه ... يجد طعم صاب في الإناء وعلقم علام بنت بنت اليرابيع بيتها ... علي، وقالت لي بليلٍ تعمَّم إذا أنا لم أجعل مكان لبونها ... لبونا وأفقأ ناظر المتظلم رجع إلى شعر جرير: ومَا منعَ الأقيانُ عقرَ فَتاتهمْ ... ولا جارهُمْ والحُرُّ منْ ذاكَ يأْنَفُ أتمدحُ سعداً حينَ أخزتْ مُجاشِعاً ... عقيرةُ سعدٍ والخباءُ مُكشَّفُ نفاكَ حجِيجُ البيتِ عنْ كُلِّ مشعرٍ ... كمَا رُدَّ ذُو النُّميتينِ المُزيَّفُ قال أهل الحجاز يسمون هذه الصنجات النمامي. قال وذلك لأنه من حديد، النمي يريد الفلس الردي. قال ابن الحميم الأسدي: يجور علينا عامدا في قضائه ... بنمية ميزانها غير قائم وما زِلْتَ موقوفاً عَلى بابِ سوءةٍ ... وأنتَ بدارِ المُخزياتِ مُوقَّفُ ألؤْماً وإقراراً على كُلِّ سوءةٍ ... فمَا للِمَخازِي عنْ قُفيرةَ مصرِفُ ويروى ألؤما وإسكانا على كل خزية. ألمْ نَر أنَّ النَّبع يصلُبُ عُودُهُ ... ولا يستَوي والخزوعُ المُتقصِّفُ وما يحمدُ الأضيافُ رِفدَ مُجاشعٍ ... إذا روَّحتْ حنَّانةُ الرِّيح حرجفُ

إذا الشَّوْلُ راحتْ والقريعُ أمامَها ... وهُنَّ ضَئيلاتُ العرائِكِ شسَّفُ ضئيلات قد هزلهن السفر وذهب بلحمهن. والقريع فحل الإبل. ويقال لرئيس القوم وسيدهم، والذاب عنهم، والقائم بأمرهم، والمنظور إليه من بينهم، قريع قومه. والعريكة أصل السنام موضع يجسه الجزار فإذا وجده لينا فهو سمين، ومنه قيل فلان لين العريكة. قال وواحدة الشول شائلة، وهي التي ارتفع لبنها، فإذا رفعت ذنبها لحمل فهي شائل، والجمع الشول. قال أبو النجم: كان من أذنابهن الشُّوَّل ... من عبس الصيفِ قرونَ الأيِّلِ قال لأنها في الصيف تأكل الحمض، وقوله شسف يعني يابسة. والعرائك الأسنمة، ومن ذلك قولهم رجل لين العريكة، وجمل لين العريكة أي ذلول. وأنتُمْ بَنِي الخوَّارِ يُعرفُ ضربكُمْ ... وأُمُّكمُ فخٌّ قذامُ وخيضفُ الفخ الجفر. وقذام واسع الفم كثير الماء، يعني فرجها قذم. يقال من ذلك هو يقذم بالماء قذما. قال وخيضف ضروط. ويروى وأماتكم فتخ القدام وخيضف. أي عراض الأقدام، قال الأصمعي والعرب تقول للرجل السخي الكثير الإعطاء والبذل لما في يديه إنه ليقذم بالمال قذما، وذلك إذا كان لا يرد أحدا، ولا يفتر من البذل لما عنده، فكأنه مشتق من ذلك.

وقائلَةٍ ما للفرزدق لا يُرى ... عَلى السنِّ يستغني ولا يتعفَّفُ يقُولونَ كلاَّ ليسَ للقينِ غالِبٌ ... بَلى إنَّ ضربَ القينِ بالقينِ يُعرفُ ولمَّا رأوْا عيني جُبيرٍ لِغالبٍ ... أبانَ جُبيرُ الريبةَ المتقرف ويروى أبان جبير الزنية المتعرف. جبير قين كان لصعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد. يريد أبان جبير المتقرف الريبة، فحذف التنوين في جبير وذلك لالتقاء الساكنين. وذلك كما قال عبد الله بن قيس الرقيات: تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام العقيلة العذراء فحذف التنوين. قال أبو عثمان وإنما سمي بن الرقيات باسم جداته. أخُو اللُّؤُمِ ما دامِ الغَضا عجلَزٍ ... ومَا زالَ يُسعى في رمَادانَ أحقفُ إذا ذُقْتَ مِنِّي طعمَ حربٍ مريرَةٍ ... عطفتُ عليكَ الحربَ والحربُ تُعطفُ تروغُ وقدْ أخزوكَ في كلِّ موطِنٍ ... كما راغَ قردُ الحرَّةِ المُتخذِّفُ أتعدِلُ كهفاً لا تُرامُ حُصُونهُ ... بهارِ المراقِي جُولهُ يتقصفُ أرادا بجول هائر. وقوله بهار يريد هائرا كما ينهار الرمل. وجول البئر ما حولها، وإنما يريد أنك لا تقدر على أن تكون مثلي. أنا جبل، وهو الكهف، وأنت كالرمل الذي ينهار، فأين أنت مني. تحُوطُ تميمٌ منْ يحوطُ حماهُمُ ... ويحمِي تميماً منْ لهُ ذاكَ يُعرفُ أنا ابنُ أبِي سعدٍ وعمروٍ ومالكٍ ... أنا ابنُ صميمٍ لا وشيظٍ تخلَّفُوا

وشيظ قطعة من عود. تحلفوا تجمعوا. إذا خطرتْ عمروٌ ورائِي وأصبحتْ ... قُرُومُ بنِي بدرٍ تسامَى وتصرفُ تسامى تسابق الشرف، ويريد أن يعلو ذكرها. وتصرف يريد تغيظ وتطلب بوترها، كما يصرف البعير، وذلك إذا حرك نابيه، وصرف بهما. ويفعل ذلك من شدة وجهد، فضربه مثلا. ولَمْ أنْسَ مِنْ سعدٍ بقُصوانَ مشهداً ... وبالأدمَى ما دامتِ العينُ تطرِفُ وسعدٌ إذا صاحَ العدوُّ بسرحِهِمْ ... أبوا أنْ يهدُّوا للِصِّياحِ فأرجفُوا قوله فأرجفوا، أراد أقاموا فلم يبرحوا لعزهم ومنعتهم، وأنهم لا يهولهم صياح العدو. ويروى فأوجفوا. إذا نزلتْ أسلافُ سعدٍ بلادَها ... وأثقالُ سعدٍ ظلَّتِ الأرضُ ترجُفُ ديارُ بَنِي سعدٍ ولا سعدَ بعدهُمْ ... عفتْ غيرَ أنقاءٍ بيبرينَ تعزِفُ قوله ديار بني سعد ولا سعد بعدهم، يقول ليس بعدهم سعد من السعود. قال الأصمعي إنما العزف في الرمال لتهدمها، وليس كما يقول بعض الناس إنه أصوات الجن. ويروى إذا ركبت سلاف سعد خيولهم. ويروى إذا تركت سلاف سعد بلادها.

الجزء الثالث

الجزء الثالث

وقال الفرزدق لجرير: سمونا لنجرانَ اليماني وأهلهِ ... ونجرانُ أرضُ لم تُديّثْ مقاولُهْ قوله سمونا يعني علونا. تُدّيث تُوطأ وتُذلل. مقاوله مُلوكه. قال: ونجران أرض بين مكة واليمن، وكان أهلها نصارى. فلما قيل لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا أترك بجزيرة العرب نصرانياً. أخرجهم عمر - رضي الله عنه - منها، وأقطعهم نجران هذه التي بسواد الكوفة، التي سما لها الأقرع بن حابس، قبيل الإسلام فغنم وظفر. فافتخر الفرزدق على جرير فقال: سمونا لنجران اليماني وأهله، يعني غزوناهم. قال اليربوعي: وقوله سمونا لنجران اليماني وأهله، فإن المأمور أخابني الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج، أغار في بني الحارس بن كعب، على بني دارم، فأصاب امرأتين من بني زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم أمامة وزينب. قال فجمع الأقرع بن حابس بني دارم، ثم سار بهم، فأصاب نعيمة بنت الصبان بن كعب، وابنتين لأنس بن الديّان، وقد ولدن في بني زرارة، ففخر بيوم الأقرع على أهل نجران، وهم بنو الحارث بن كعب، وبيوم الكُلاب، وهو يوم لسعد والرباب على بني الحارث بن كعب، وسائر مذحج، ونهد، وجرم. ففخر جرير على عدي بن الرقّاع العاملي فقال: خيلي التي وردتْ نجرانَ ثمّ ثنتْ ... يومَ الكُلابِ بوردْ غيرْ محبوسِ قدْ أفعمتْ واديَيْ نجرانَ مُعلمةً ... بالدار عينَ وبالخيل الكراديسَ قال: وفخر الفرزدق أيضاً، بيوم لعمرو بن حُدير بن سلمى بن جندل بن

نهشل بن دارم، أغار فيه على بني الحارث بن كعب بنجران، فقتل وسبا. قال وقتل في هذا اليوم ضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل، عمرا، ويزيد ومالكاً، بني العُزيل الحارثي، قال وفي هذا اليوم يقول ضمرة: تركتُ بني العُزيل غيرَ فخر ... كأنّ لحاهم ثمغتْ بورسِ هرقتُ دماءهم فشرعتُ فيها ... بسيفيَ شربَ واردةٍ لخمسِ قال: وفي هذا اليوم يقول عبد العزيز بن جوّال بن سلامة: ونعمَ رئيسُ القومِ عمرو يقودهمْ ... بنجرانَ إذْ لاقى لكاكاً منَ الوردِ فجاءَ يسوقُ السبيَ منهمْ رجالهمْ ... مُغلّلةً أعناقهمْ في عُرى القِدّ رجع إلى شعر الفرزدق. بمختلفِ الأصواتِ تسمعُ وسطهُ ... كَرِزّ القطار لا يفقهُ الصوتَ قائلهْ قوله بمختلف الأصوات، يريد سمونا إلى نجران بجيش فيه أصوات مختلفة، من صهيل ورغاء وشحيج وكلام الناس، والرز الصوت الذي له دوي لا يُفهم. ورز القطا، يعني أن فرقاً من الناس فيه ودوياً من أصواتهم. لنا أمرهُ، لا تُعرفُ البُلقُ وسطهُ ... كثيرُ الوغا من كلّ حيّ قبائلهْ قوله لنا أمره، يقول نحن أمراءه، وقوله لا تعرف البلق وسطه، يقول لأن البلق أشهر الخيل ألواناً، فإذا لم تُعرف البلق فيه، فغيرها أجدر أن لا يُعرف، وذلك لكثرة أهله وخيله. قال والوغا، اجتماع الأصوات، قال ومثل الوغا الوحا والوعا مقصور كله. كأنّ بناتِ الحارثيينَ وسطهمْ ... ظِباءُ صريم لم تُفرّجْ غياطلهْ

ولم تُفرق يُروى. الصريم الرمل، ينقطع من الرمل الكثير، والغياطل الشجر المجتمع، الواحدة غيطلة قال وظلم الليل غياطل أيضا. وقوله لم تفرج غياطله، يقول لم يتفرق بعض شجره من بعض. وشبه بنات الحارثيين بالظباء التي تسكن الرمل. إذا حانَ منهُ منزلٌ أوقدتْ بهِ ... لأخراهُ في أعلىَ اليفاعِ أوائلهْ ويروى منزلُ الليل أوقدت واليفاع المشرف من الأرض. وقوله لأخراه، يقول إذا ورد أول الجيش، فنزلوا منزلا، أوقدوا على شرف من الأرض. وقوله لأخراه، يقول لآخر من ينزل، إنما يفعلون ذلك، ليهتدي بالنار من يريد النزول من المسافرين، ليعرفوا منزلهم بالنار التي أوقدوها على هذا اليفاع. تظلُّ بهِ الأرضُ الفضاءُ مُعضلاً ... وتجهرُ أسدامَ المياهِ قوابلهْ ويروى الأفق. وقوله الفضاء، يريد الأرض الواسعة البعيدة الأقطار. وهي النواحي. وقوله معضلا، يقول تضيق عنه هذه الأرض الواسعة البعيدة الأقطار. والأسدام المياه المندفنة. قال: وذلك لطول عهدها بالناس، فقد دفنها التراب مما تسفي الريح التراب على هذه الآبار. يقول فإذا جاء هؤلاء المسافرون، يريد الجيش، فأظهروا هذه الآبار، فاستقوا منها، أخرجوا مع الماء القليل الذي فيه من التراب والطين، فيظهر لهم حينئذ، فذلك الجهر، يقال من ذلك بئر جهير، ومجهورة، إذا استُقي منها الماء فيه الطين. ترى عافيات الطيرِ قدْ وثّقتْ لها ... بشبع منَ السخل العتاقِ منازلهْ قوله ترى عافيات الطير، يريد سباع الطير التي تطلب ما تأكل. قال: والسخل أولاد الخيل. يقول إذا نزلوا منزلا أزلقت فيه الخيل، فطرحت أولادها، فإذا ترحّلوا عنه، أكلت الطير أولاد الخيل التي أزلقت في

المنازل. عافيات الطير التي تعفو، تُجهض أولادها من شدة السير واللغوب. إذا فزعوا هزّوا لواءَ ابنِ حابسٍ ... ونادوا كريماً خيمهُ وشمائلهْ سعى بتراتٍ للعشيرة أدركتْ ... حفيظةُ ذي فضل على منْ يفاضلهْ فأدركها وازدادَ مجداً ورفعةً ... وخيرا وأحظى الناسِ بالخيرِ فاعلهْ أرى أهل نجرانَ الكواكبَ بالضحى ... وأدركَ فيهم كلّ وترٍ يحاولهْ وصبّحَ أهلَ الجوفِ والجوفِ آمنٌ ... بمثلِ الدبا والدهرُ جمّ بلابلهْ فظلَّ على همدانَ يومٌ أتاهمُ ... بنحسِ نحوسٍ ظهرهُ وأصائلهْ وأهلَ حبونا من مرادٍ تداركتْ ... وجرماً بوادٍ خالطَ البحرَ ساحلهْ ويروى وأهلُ بالرفع، وقوله وأهل حبونا من مراد، قال حبونا أرضُ مراد خاصة. صبحناهمُ الجُردَ الجيادَ كأنها ... قطاً أفزعتهُ يومَ طلّ أجادلهْ قوله أجادله، الأجادل الصقور، الواحد أجدل. قال وقد جعلوا البازي أجدلا أيضاً. قال: والظل الذي يقع على الشجر والنبات، وهو من قوله تعالى {فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ}. وهو الندى. يقول فإن لم يصب هذا الشجر والنبات مطر فطل أي فندى. ألا إنّ ميراثَ الكُليبيّ لابنهِ ... إذا ماتَ رِبقا ثلّةٍ وحبائله قال: الربق الحبل الذي تُشد به المعزى وغيرها. والثلة الضأن.

فأقبِلْ على ربقيْ أبيكَ فإنّما ... لكلّ امريء ما أورثتهُ أوائلهْ تسربَل ثوبَ اللومِ في بطنِ أمه ... ذراعاهُ منْ أشهادهِ وأناملهْ كما شهِدَتْ أيدي المجوسِ عليهمُ ... بأعمالهمْ والحقُ تبدو محاصلهْ ويروى تُبلى محاصله، محاصله حمله، كما يقال حصل عليه كذا وكذا، أي بقي عليه وصار ملازماً له. عجبتُ لقومٍ يدّعونَ إلى أبي ... ويهجونني والدهرُ جمّ مجاهله أتاني على القعساء عادِلَ وطبِه ... برجليَ هجينٍ وأستِ عبد تُعادلهْ ويروى بخُصييْ لئيم واستَ عبدٍ. فقلتُ لهُ رُدَ الحمارَ فإنهُ ... أبوكَ لئيمٌ رأسهُ وجحافلهْ يسيلُ على شدقيْ جريرٍ لُعابهُ ... كشلشالِ وطبٍ ما تجفُ شلاشلهْ ليغمزَ عزّا قدْ عسا عظمُ رأسه ... قُراسية كالفحلْ يصرفُ بازلُهْ بناهُ لنا الأعلىَ فطالتْ فُروعهُ ... فأعياكَ واشتدتْ عليكَ أسافلهْ فلا هو مُسطيعُ أبوكَ أرتقاءهُ ... ولا أنتَ عما قدْ بنى اللهُ عادِلُهْ عما يريد عن الذي قد بنى الله عز وجل: فإن كنتَ ترجو أنْ توازِن دارمّا ... فُرمْ حَضَنّا فانظرْ متى أنتَ ناقلُهْ وأرسلَ يرجو ابنُ المراغةِ صُلحَنا ... فُردّ ولمْ ترجعْ بنُجحٍ رسائلهْ ولاقى شديدَ الدرء مُستحصدَ القوى ... تَفرّقُ بالعصيانِ عنهُ عواذلهْ إلى كلّ حيّ قدْ خطبنا بناتهمْ ... بأرعنَ مثل الطودِ جمّ صواهلهْ قوله بأرعن، يعني جيشا كثير الأهل والسلاح. وإنما شُبه بالجبل، وهو الرعن. ويقال الرعن هو أنف الجبل، والطود الجبل، أيضا العظيم.

والرعن القطعة منه. ثم قال جمّ أي كثير. وصواهله يعني صهيل الخيل. وجم كثير كما يقال، قد جمّت البئر وذلك إذا كثُر ماؤها. قال: والمعنى في قوله قد خطبنا بناتهم، يقول غزونا بهذا الجيش الكثير الأهل، فسبيناهن برماحنا. إذا ما التقينا أنكحتنا رماحُنا ... منَ الحيِّ أبكاراً كِراماً عقائلُهْ وعقائله كرائمه، قال وعقيلة القوم كريمتهم. وبنتِ كريمٍ قد نكحنا ولمْ يكنْ ... لها خاطِبْ إلا السّنانُ وعاملُهْ قال الأصمعي: عامل الرمح قدر الثلث من أوله. وأنتمْ عضاريطُ الخميسِ عتادكُمْ ... إذا ما غدا أرباقهُ وحبائلهْ العضاريط التِّباع الذين يكونون في الجيش، وهو الخميس، وقوله عتادكم يريد أداتكم. الأرباق وهي الحبال التي تُربق بها الغنم. ينسبهم إلى أنهم رعاة الغنم، يعيرهم بذلك. وأنّا لمنّاعونَ نحتَ لوائنا ... حمانا إذا ما عاذَ بالسيفِ حاملُهْ وقالتْ كُليبُ قمّشوا لأخيكمُ ... ففرّوا بهِ إنّ الفرزدقَ أكلهْ فهلْ أحدٌ يأبنَ المراغةِ هاربُ ... منَ الموتَ إنّ الموتَ لابُدّ نائلُهْ ويروى: فهل أحد يأين الأتان بوائل من الموت إن الموت لابد قاتله. بوائل: بناج. فإنيّ أنا الموتُ الذي هوَ ذاهبٌ ... بنفسكَ فأنظرْ كيفَ أنتَ محاولُهْ

ويروى مُزايله، أي مفارقه. وروى أبو عمرو مُزاوله. أنا البدرُ يُعشي طرفَ عينيكَ فالتمسْ ... بكفيكَ يا ابنَ الكلبَ هلْ أنتَ نائلهْ أتحسبُ قلبي خارجاً منْ حجابهِ ... إذا دُفٌ عبّادٍ أرنّتْ جلاجلهْ ويروى إذا ما ابن منجار أرنّت جلاجله، قال ابن منجار، فرس عبّاد بن الحصين الحبطي. قال وكان يركبه في فتنة ابن الزبير. قال وكان عبّاد على شرطة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي. فقلتُ ولمْ أملكْ أمالِ بنَ مالكٍ ... لأيّ بني ماء السماء جعائلُهْ إنما جعله مالك بن مالك، يريد المالكين: مالك بن حنظلة بن مالك، ومالك بن زيد مناة، يقال لهما المالكان. وقوله أمال بن مالك يريد مالك بن حنظلة. قال والجعائل الرشى الواحد جعالة. أفي قَمَليّ منْ كُليبٍ هجوتُهُ ... أبو جهضَم تغلي عليّ مراجلُهْ أبو جهضم عبّاد بن الحصين الحبطي. أحارثُ داري مرتين هدمتها ... وكنتَ ابنَ أختٍ لا تخافُ غوائلهْ قوله ابن أخت، أراد أسماء بنت مُخربة أم ول هشامِ بن المغيرة، وهي نهشليّة. وقوله ابن أخت، يعني الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، أخا عمر بن أبي ربيعة الشاعر. ولدته أسماء بنت مخربة بن جندل بن نهشل بن دارم، فجعله ابن أخت. قال وذلك لأن أمه من بني نهشل، وأسماء بنت مخربة هي أم أبي جهل، عمرو بن هشام بن المغيرة. قال: وكان الحارث بن عبد الله أميرا على البصرة، فلقبه أهل البصرة القباع. قال: وذلك أنه مر بقوم يكيلون بقفيز، فقال: إن قفيزكم لقباع، أي كبير واسع.

وأنت أمرؤ بطحاء مكةَ لمْ يزلْ ... بها منكمُ مُعطي الجنزيلِ وفاعلهْ فقلنا لهُ لا تُشمتَنّ عدونا ... ولا تنسَ منْ أصحابنا منْ نواصلهْ ويروى من أخلاقنا ما نُحامله، أي نُكافيه. قال أبو سعيد: نُجامله، وليس لنُحامله هاهنا معنى. فقبلكَ ما أعييتُ كاسرَ عينهِ ... زياداً فلمْ تقدرْ عليّ حبائلُهْ يعني زياد بن أبي سفيان. قال: وكان من خبر زياد، أنه كان ينهى أن يُنهب أحد مال نفسه، وأن الفرزدق أنهب ماله بالمربد، وذلك أن أباه بعث معه إبلا ليبيعها، فباعها وأخذ ثمنها، فعقد عليه مطرف خزّ كان عليه، فقال قائل: - ويقال قالت له امرأة - لشدّ ما عقدت على دراهمك هذه، أما والله لو كان غالب ما فعل هذا الفعل، فحلها ثم أنهبها، وقال: من أخذ شيئا فهو له، قال: وبلغ ذلك زياداً، فبالغ في طلبه، فهرب فلم يزل زياد في طلبه، قد بلغ منه كل مبلغ، ليعاقبه على ما صنع. وقد نهى زياد في ذلك ألا يفعله أحد. وكان زياد إذا قال شيئا وفى به، فلم يزل في هربه ذلك، يطوف في القبائل والبلاد، حتى مات زياد. فأقسمتُ لا آتيه سبعينَ حجّةً ... ولو نُشرتْ عينُ القباع وكاهلُهْ ويروى ولو كُسرت. وقوله ولو نُشرت يريد ذهبت. قال وفد الاحنف بن قيس، وجارية بن قُدامة، من بني ربيعة بن كعب ابن سعد، والجَون بن قُدامة العبشمي، والحُتات بن يزيد، أبو المنازل، أحد بني حويّ بن سفيان بن مُجاشع، إلى معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - فأعطى كل رجل منهم مائة ألف درهم، وأعطى

الحُتات سبعين الفا، فلما كانوا في الطريق، سأل بعضهم بعضاً، فأخبروا بجوائزهم، فرجع الحُتات إلى معاوية، قال: ما ردّك يا ابا مُنازل؟ قال: فضحتني في تميم، أما حسبي بصحيح، أم لست ذا سنّ، أم لست مطاعاً في عشيرتي؟ قال: بلى، قال: فما بالك أخسست بي دون القوم؟ فقال إني اشتريت من القوم دينهم، ووكلتك أنت إلى دينك ورأيك في عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وكان عثمانيا فقال له: وأنا فاشتر مني ديني. فأمر له بتمام الجائزة للقوم، وطُعن في جهازه، فمات، فحبسها معاوية. فقال الفرزدق في ذلك:. أبوكَ وعمي يا مُعاويَ أورَثا ... تُراثاً فيحتازُ التراثُ أقاربهْ فما بالُ ميراثِ الحُتاتِ أخذتَهُ ... وميراثُ حربٍ جامدٌ لكَ ذائبهْ فلو كان هذا الأمرُ في جاهلية ... علمتَ منِ المرء القليلُ حلائبهْ ولو كان في دين سوى ذا شنئتمُ ... لنا حقنا أو غصّ بالماء شاربهْ وقدْ رُمتَ أمرا يا معاوي دونهُ ... خياطِفُ علوَدٍ صِعابٍ مراتبهْ وما كنتُ أعطي النصفَ عن غيرْ قُدرةٍ ... سواكَ ولو مالتْ عليّ كتائبه ألستُ أعزّ الناسِ قوماً وأسرةً ... وأمنعهمْ جاراً إذا ضيمَ جانبهْ وما ولدتْ بعدَ النبيّ وأهلهِ ... كمثلي حصانُ في الرجال يُقاربهْ أبي غالبُ والمرء صعصعةُ الذي ... إلى دارمٍ ينمي فمن ذا يناسبهْ

وبيتي إلى جنب الثريا فناؤهُ ... ومنْ دونهِ البدرُ المُضيء كواكبهْ أنا ابنُ الجبال الشمّ في عدد الحصى ... وعِرقَ الثرى عرقي فمن ذا يحاسبهْ أنا ابنُ الذي أحيى الوئيدَ وضامنٌ ... على الدهرِ إذْ عزّتْ لدهر مكاسبهْ وكمْ منْ أب لي يا مُعاويَ لمْ يكنْ ... أغرّ يُباري الريحَ ما أزوَرّ جانبهْ نمتهُ فروعُ المالكينِ ولمْ يزلْ ... أبوكَ الذي منْ عبدِ شمس يُقاربهْ تراهُ كنصلِ السيفِ يهتزُ للنّدى ... كريماً تلقّى المجدَ ما طرّ شاربهْ طويلُ نجادِ السيفِ مُذْ كانَ لم يكنْ ... قُصيّ وعبدُ الشمسِ ممنْ يخاطبهْ فرد ثلاثين ألفاً على ورثته. فكان هذا أيضاً قد أغضب زياداً عليه. قال: فلما استعدت عليه نهشل، ازداد عليه غيظاً، فطلبه فهرب، فأتى عيسى ابن خصيلة بن مغيث بن نصر بن خالد البهزي، أحد بني سُليم والحجّاج بن عِلاط بن خالد السّلمي. قال أبو عبيدة: فحدثني أبو موسى الفضل بن موسى بن خصيلة، قال: لما اطرّد زياد الفرزدق، جاء إلى عمي عيسى بن خصيلة ليلا، فقال يا ابا خُصيلة: إن هذا الرجل قد أخافني، وإن صديقي وجميع من كنت أرجوه، قد لفظوني، وإني أتيتك لتُغيّبني عندك، فقال: مرحبا بك. فكان عنده ثلاث ليال، ثم قال له: قد بدا لي أن ألحق بالشأم. قال: ما أحببت إن أقمت ففي الرحب والسعة، فإن شخصت فهذه ناقة أرحبية أمتّعك بها. قال فركب بعد ليل، وبعث عيسى معه حتى جاوز البيوت. قال: وأصبح وقد جاوز مسيرة ثلاث ليال فقال الفرزدق في ذلك: كفاني بها البهزيٌ حملانَ مَنْ أبيَ ... مِنَ الناس والجاني تخافُ جرائمهْ

فتى الجُودِ عيسى ذو المكارمِ والعُلىَ ... إذا المالُ لمْ ترفعْ بخيلا كرائمهْ ومَنْ كانَ يا عيسى يُؤنّبُ ضيفَهُ ... فضيفكَ محبورُ هَنيء مطاعمُهْ وقالَ تعلّمْ أنها أرحبيّةٌ ... وأنّ لها الليلَ الذي أنتَ جاشمُهْ فأصبحتُ والمُلقى ورائي وحنبلٌ ... وما صدرتْ حتى علا الليلَ عاتمُهْ تَزاورُ عنْ أهلِ الحُفيرْ كأنها ... ظليمٌ تبارى جُنحَ ليل نعائمُهْ رأتْ عينُها رُويّةٌ وأنجلىَ لها ... بهِ الصبحُ عنْ صعل أسيلٍ مخاطمُهْ كأنّ شراعاً فيه مجرى زمامها ... بدجلةَ إلا خطمُهُ وملاغمُهْ إذا أنا جاوزتُ الغريّينْ فاسلمي ... وأعرضَ منَ فلجٍ ورائي مخارمُهْ وقال الفرزدق في ذلك أيضاً: تدارَكني أسبابُ عيسى منَ الردى ... ومنَ يكُ مولاهُ فليسَ بواحدِ ونعمَ الفتى عيسى إذا البُزلُ حاردتْ ... وجاءتْ بصرّادٍ معَ الليل بارد

نَمتهُ النواصي منَ سُليم إلى العُلى ... وأعراقُ صِدقٍ بين نصرٍ وخالدِ هما أشرفا فوقَ البُناةِ وأثّلا ... مساعيَ لمْ تُكذبْ مقالةَ حامدِ بحقكَ تحوي المكرُماتِ ولمْ تجدْ ... أبا لكَ ألا ماجداً وابنَ ماجدِ وأنت الذي أمستْ نِزارُ تُعدهُ ... لدفع الأعادي والأمورِ الشدائدِ فدىً لكَ نفسي يا ابنَ نصرْ ووالدي ... وما لي منْ مال طريفٍ وتالدِ سأثني بما أوليتني وأربهُ ... إذا القومُ عدّوا فضلكمْ في المشاهدِ نماكَ مُغيثٌ للمكارمِ والعُلى ... إلى خيرِ حيّ منْ سُليم ووالدِ همُ الغُر والكهفُ الذي يُتقى بهِ ... إذا نزلتْ بالناس إحدى الماودِ وبلغ زياداً أنه شخص، فبعث عليّ بن زهدم أحد بني موألة بن فُقيم في طلبه. قال أعين: فطلبه في بيت نصرانية يقال لها ابنة مرّار، من بني قيس بن ثعلبة، تنزل قُصيبة كاظمة. قال فسلّته من كسر بيتها، فلم يقدر عليه. فقال الفرزدق: أبيتَ ابنةَ المرّارِ هتّكت تبتغي ... وما يُبتغى تحتَ الثويةِ أمثالي ولكنْ بُغائي إنْ أردتَ لقاءنا ... فضاء الصحارى لا اختباء بأدغالِ فإنك لو لاقيتني يا بنَ زهدمٍ ... لا بتَ شُعاعيّا على شرَ تمثالِ

وزعم عصام، أنها رُبيعة بنت المرّار بن سلمة العجلي، وانها أم أبي النجم الراجز، هي التي ألجأت الفرزدق فأتى ميةَ الضبيةَ في هربه من زياد، فاستحملها فلم تحمله، فأتى عُزيزة من بني ذُهل بن ثعلبة، فحملته وزودته تعضوضاً، فقال في ذلك: لأختُ بني ذُهلٍ غداةَ لقيتُها ... عُزيزةُ فينا منكِ يا مَيّ أرغبُ أتتنا بتعضوضٍ وأفقرنا ابنُها ... مَروحا برجليها تجولُ وتذهبُ وقالتْ لنا أهلاً وسهلا وزوّدتْ ... جنى النحل أو ما زودتْ هوَ أظيبُ أبوها ابنُ عمّ الشعثمينْ وحسبُها ... إذا كانَ منَ أشياخِ ذُهلٍ لها أبُ قال أو عبيدة، قال مسمع بن عبد الملك: فأتى الروحاء، فنزل في بكر بن وائل، فأمن وقال في ذلك: قدْ ميّلتْ بين المسير فلمْ تجدْ ... لعورتها كالحيّ بكر بنِ وائلِ أعفّ وأوفى ذمةً يعقدونها ... إذا وازنتْ شُمٌ الذرى بالكواهلِ فقلتُ لها سيري إليهمْ فإنهمْ ... حِجازُ لمن يخشى مُلمّ الزلازل فسارتْ إلى الأجفارِ خمساً فأصبحتْ ... مكانَ الثريا منْ يدِ المتناولِ وما ضرّها إذ جاورتْ في بلادها ... بني الحصن ما كان اختلافُ القبائلِ يعني بالحصن ثعلبة بن عُكابة الأغر.

بهمْ يحسمُ العِرقُ النعورُ ويُمترى ... بهمْ قادما مخشيّةِ السيء بازِل ومحبوسةٍ في الحقِ ضامنةِ القِرىَ ... عروفٌ أوابيها حبالَ المعاقل وقال لهم أيضاً: إني وإنْ كانتْ تميمٌ عمارتيَ ... وكنتُ إلى القدموسِ منها القُماقمِ لمُثنٍ على أفناء بكرِ بنِ وائلٍ ... ثناءً يوافي ركبهمْ في المواسمَ همُ يومَ ذي قارٍ أناخوا فصادموا ... برأس بهِ تُردى صفاةُ المُصادمِ أقاموا لكسرى يومَ جاشتْ جنودهُ ... وبهراءَ إذ جاءوا وجمعِ الأراقمِ إذا فرغوا من جانبِ مالَ جانبُ ... فذادوهمُ فيها ذيادَ الحوائمِ بمخشوبةٍ بيضٍ إذا ما تناولتْ ... ذُرى البيضِ أبدتْ عن فراخِ الجماجمِ فما برحوا حتى تهادتْ نساؤهمْ ... ببطحاء ذي قارٍ عيابَ اللّطائمِ كفى بهمِ قومَ امرئ يمنعونهُ ... إذا جُردَتْ أيمانهمْ بالقوائمِ أُناسُ إذا ما أنكرَ الكلبُ أهلهُ ... أناخوا فعاذوا بالسيوف الصوارمِ قال: وكان الفرزدق إذا نزل زياد البصرة، نزل الكوفة. وإذا نزل زياد الكوفة، نزل البصرة. وكان زياد يقيم ها هنا ستة أشهر، وها هنا ستة أشهر. فبلغ زياداً صنيعُ الفرزدق، فكتب إلى عامله على الكوفة، عبد الرحمن بن عُبيد، إنما الفرزدق فحل الوحوش، يرعى القفار، فإذا ورد عليه الناس ذُعر، ففارقهم إلى أرض أخرى فرتع، فاطلبه حيث تظفر به. فقال الفرزدق: فطُلبتُ أشد طلب، حتى جعل

من كان يؤويني يُخرجني من عنده، فضاقت عليّ الأرض، فبينا أنا نائم ملفف رأسي في كسائي على ظهر طريق، إذ مر بي الذي جاء في طلبي، فلما كان الليل، لم أكن طعمت قبل ذلك طعاماً ثلاثاً، أتيت بعض أخوالي، بني ضبة، وعندهم عرس، فقلت أتيهم فأصيب من طعامهم، فبينا أنا قاعد إذ نظرت إلى هادي فرس، وصدر رمح، قد جاوز باب الدار داخلا إلينا، فقاموا إلى حائط قصب فرفعوه، فخرجت منه وألقوا الحائط مكانه، وقالوا: ما رأيناه. فمكثوا ساعة، ثم خرجوا، فلما أصبحنا جاءوني فقالوا: اخرج إلى الحجاز عن جوارِ زيادٍ لا يظفر بك، ولو ظفروا بك البارحة لأهلكتنا، وجمعوا لي ثمن راحلتين، وكلموا لي مُقاعساً، أحد بني تيم اللات بن ثعلبة، وكان دليلاً يسافر للتجار، قال: فخرجنا إلى بانقيا، حتى انتهينا إلى بعض القصور التي تُنزل، فلم يُفتح لنا الباب، فألقينا رحالنا إلى جنب الحائط، والليلة مقمرة، فقلت: أرأيت يا مقاعس، إن بعث زياد بعد أن نصبح إلى العتيق رجالاً، وهو خندق كان للعجم، ما تقول العرب؟ يقولون أمهله يوماً وليلة، ثم أخذه، ارتحل. قال: إني أخاف السباع. قلت: السباع أهون علي من زياد. فارتحلنا، لا نرى شيئاً إلا خلّفناه، ولزمنا شخص لا يفارقنا. فقلت يا مقاعس: أترى هذا الشخص، لم نمر بشيء إلا جاوزناه غيره، فإنه يُسايرنا منذ الليلة. قال: هذا السبع. قال: فكأنه فهم كلامنا، فتقدم حتى ربض على ظهر الطريق، فلما رأينا ذلك نزلنا، فشددنا ناقتينا. بشاءين، وأخذت قوسي وقلت: يا ثعلب، أتدري من فررنا منه إليك؟ فررنا من زياد. فحصب بذنبه حتى غشينا غباره وغشي ناقتينا. قال: فقلت أرميه. فقال: لا تهجه، فإنه إذا أصبح ذهب. قال: فجعل يرعد ويزأرُ، ومقاعس يوعده، حتى انشق الصبح، فلما رآه ولّى وأنشأ الفرزدق يقول: ما كنتُ أحسبنُي جباناً بعدَ ما ... لاقيتُ ليلةَ جانب الأنهار ليثاً كأنّ على يديه رِحالةً ... شَننَ البراثِنِ مُؤجدَ الأظفار

لمّا سمعتُ لهُ زمازمَ أجهشتْ ... نفسي إليّ فقلتُ أينَ فراري فربطتُ جروتها وقلتُ لها اصبري ... وشددتُ في ضيقِ المقامِ إزاري فلأنتَ أهونُ من زياد عندنا ... اذهبْ إليكَ مخُرمَ السفّارِ قال أبو عبيدة، فحدثني أعين بن لبطة قال: حدثني أبي شبث بن ربعي الرياحي قال: فأنشدت زياداً هذه الأبيات، فكأنه رقّ له وقال: لو أتاني لآمنته وأعطيته. فبلغ ذلك الفرزدق فقال: تذكّرَ هذا القلبُ منْ شوقهِ ذكرا ... تذكّرَ ذكرى ليسَ ناسيها عصرا تذكَرَ ظمياءَ التي ليسَ ناسياً ... وأنْ كانَ أدنى عهدها حججاً عشرا وما مُغزلُ بالغورِ غورِ تهامةٍ ... تُراعي أراكاً في منابتهِ نضرا منَ الأدمِ حوراء المدامعِ ترتعي ... إلى رشا طفلٍ تخالُ بهِ فترا أصابتْ بأعلى ولولين حبالةً ... فما أستمسكتْ حتى حسبتَ بها كسرا بأحسنَ من ظمياء يومَ تعرضَتْ ... ولا مُزنةُ راحت غمامتها قصرا وكمْ دونها من عاطفٍ في صريمةٍ ... وأعداء قومٍ يندرونَ دمي نذرا إذا أوعدوني عندَ ظمياء ساءها ... وعيدي وقالتْ لا تقولوا لهُ هُجرا دعاني زيادٌ للعطاء ولم أكنْ ... لآتيهُ ما ساقَ ذو حسّب وفرا

وعندَ زيادٍ لو يريدُ عطاءهمْ ... رجالْ كثيرُ قدْ ترىَ بهمِ فقرا فُعودا لدى الأبوابِ طُلاّبَ حاجة ... عوانٍ منَ الحاجاتِ أو حاجةً بكرا فلما خشيتُ أن يكونَ عطاؤهُ ... أداهمَ سُودا أو محدرجةً سُمرا نميتُ إلى حَرفٍ أضرّ بنيّها ... سُرى الليل وأستعراضُها البلدَ القفرا تنفّسُ في بهوٍ منَ الجوّ واسعِ ... إذا مدّ حيز وما شرا سيفها الضفرا تراها إذا صامَ النهارُ كأنما ... تُسامى فنيقاً أنْ تخالطهُ خطرا تخوضُ إذا صلَ الصدى بعدَ هجعةٍ ... منَ الليل مُلتجاً غياطلهُ خُضرا وأن أعرضتْ زوراء أو شمّرتْ بنا ... فلاةُ ترىَ منها مخارمها غُبرا تعدّينَ عن قُهبِ الحصى وكأنما ... رضحنَ بهِ منْ كلّ رضراضةٍ جمرا وكم من عدوّ كاشحٍ قد تجاوزتْ ... مخافتهُ حتى يكونَ لها جسرا يؤمُ بها الموماةَ من لا يرى لهُ ... إلى أبنِ أبي سفيان جاهاً ولا عُذرا فلا تُعجلاني صاحبيّ فربما ... سبقتُ بورد الماء غادية كُدرا وحضنينْ من ظلماء ليل سريتهُ ... بأعيدَ قدْ كانّ النعاسُ لهَ سُكرا رماهُ الكرى في الرأسِ حتى كأنهُ ... أميمُ جلاميدٍ تركنَ بهِ وقرا منَ السيرِ والادلاجِ تحسبُ إنما ... سقاة الكرى في كلّ منزلةٍ خمرا جررنا وفديناهُ حتى كأنما ... يرى بهوادي الصبح قنبلةً شُقرا

قال: ومضينا فقدمت المدينة، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ابن أمية عليها، فكان في جنازة، فتبعته فوجدته قاعداً والميت يُدفن، حتى قمت بين يديه، فقلت: هذا مقام العائذ من رجل لم يُصب دما ولا مالا. فقال: قد أجرت، إن لم تكن أصبت دما ولا مالا. من أنت؟ فقلت: أنا همّام بن غالب بن صعصعة، وقد أثنيت على الأمير ن فإن رأى الأمير أن يأذن لي فأسمعه. قال: هاتِ. فأنشدته: وكومٍ تنعمُ الأضيافَ عيناً ... وتُصبحُ في مباركها ثقالا حتى أتيت إلى آخرها. فقال مروان: قعوداً ينظرون إلى سعيد. فقلت: كلا إنك لقائم يا أبا عبد الملك قال، فقال كعب بن جعيل: هذا والله الرؤيا التي رأيت البارحة. قال سعيد: وما رأيت؟ قال: رأيت كأني أمشي في سكة من سكك المدينة، فإذا أنا بابن قترة في جحر، فكأنه أراد أن يتناولني فاتقيته. قال: فقام الحطيئة فشق ما بين رجلين، حتى تجاوز إليّ، فقال: قل ما شئت، فقد أدركت من مضى ولا يُدركك من بقي. وقال لسعيد: هذا والله الشعر لا ما نُعلل به منذ اليوم قال: فلم يزل بالمدينة مرة، وبمكة مرة. وقال الفرزدق في ذلك: ألا مَن مُبلغُ عني زياداً ... مُغلغلةً يخبُ بها بريدُ بأني قد فررتُ إلى سعيدٍ ... ولا يُسطاعُ ما يحمي سعيدُ فررتُ إليه من ليثِ هزبرٍ ... تفادى من فريستهِ الأسودُ

فإن شئتَ انتسبتُ إلى النصارى ... وإنْ شئتَ أنتسبتُ إلى اليهود وإنْ شئتَ انتسبتُ إلى فُقيم ... وناسبني وناسبتُ القرودُ وأبغضهمْ إلىّ .. بنو فقيمٍ ... ولكنْ سوفَ أتيِ ما تريدُ وقال الفرزدق أيضاً لزياد: أتاني وعيدٌ من زيادٍ فلمْ أنمْ ... وسيلُ اللوىَ دوني فهضبُ التهائمِ فبتٌ كأنيّ مُشعرٌ خيبريّةً ... سرتْ في عظامي أو سمامَ الأراقم زيادَ بنَ حربٍ لو أظنكَ تاركي ... وذا الضغنِ قد خشمتُهُ غير ظالمِ وقد جاحفتْ مني العراقَ قصيدةٌ ... رجومُ معَ الأقصى رؤوسَ المخارمِ خفيفةُ أقواهِ الرواةِ ثقيلةٌ ... على قرنها نزّالةٌ بالمواسمِ وهي طويلة قال: فلم يزل بين مكة والمدينة، حتى كتب زياد إلى معاوية: قد ضبطت لك العراق بشمالي، ويميني فارغة، فأشغلها بالحجاز. وبعث في ذلك الهيثم بن الأسود النخعي، فكتب له عهده مع الهيثم فلما بلغ ذلك أهل الحجاز، أتى نفر منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - فذكروا ذلك له، فقال: ادعوا عليه الله يكفكموه، واستقبل القبلة، واستقبلوها، فدعوا ودعا، فخرجت طاعونة على إصبعه، فأرسل إلى شريح، وكان قاضيه، فقال: حدث ما ترى، وقد أمرت بقطعها فأشر علي. فقال شريح: إني أخشى أن يكون الجراح على يدك، والألم على قلبك، وأن يكون الأجل قد حضر، فتلقى الله، عز وجل، أجذم، ويعيّره ولدك، فتركها. وخرج شريح، فسألوه فأخبرهم ما أشار به، فلاموه وقالوا: هلاّ أشرت عليه بقطعها، فقال:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – المستشار مؤتمن. ولم يلبث زياد أن مات. وقد خرج متوجهاً إلى الحجاز، فدُفن بالثوية، إلى جنب الكوفة. فرثاه مسكين بن عامر بن شريح بن عمرو بن عمرو بن عُدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، فقال: رأيتُ زيادةَ الإسلام ولّتْ ... فبانتْ حينَ ودّعنا زيادُ ولم يكن الفرزدق هجا زياداً حياته، حتى هلك. فلما رثاه مسكين بن عامر، قال الفرزدق مجيباً له: أمسكينُ أبكى اللهُ عينكَ إنما ... جرىَ في ضلالٍ دمعها فتحدّرا رثيتَ امرءاً من أهل ميسانَ كافرا ... ككسرىَ على عدّانهِ وكقيصرا أقولُ لهُ لمّا أتاني نعيهُ ... بهِ لا بظبي في الصرّيمةِ أعفرا فأجابه مسكين، فقال: ألا أيها المرء الذي لستُ ناطقاً ... ولا قاعداً في القومِ إلا انبرى ليا فجئني بعمّ مثل عمّي أو أب ... كمثل أبي أو خال صدق كخاليا كعمرو بن عمرو أو زُرارةَ والداً ... أو البشر من كلّ فرعتُ الرواسيا

وما برحتْ مثلُ القناةِ وسابحٌ ... وخطّارةٌ عُبر السرىَ من عياليا فهذا لأيام الحفاظِ وهذهِ ... لرحلي وهذي عدةٌ لارتحاليا وقال الفرزدق لزياد: أبلغْ زياداً إذا لاقيتَ مصرعهُ ... إنّ الحمامةَ قدْ طارتْ منَ الحرمِ طارتْ فما زالَ ينميها قوادمها ... حتى استغاثتْ إلى الأنهارِ والأجمِ ولما بلغ الفرزدق موت زياد جعل يرتجز وشخص عن المدينة: كيفَ تراني قالباً مجنّى ... أضربُ أمري ظهرهُ لبطنِ قدْ قتلَ اللهُ زياداً عني رجع إلى القصيدة: فما كانَ شيء كانَ مما نُجنهُ ... منَ الغشَ إلا قد أبانتْ شواكلُهْ وقلتُ لهمْ صبراً كُليبَ فإنهُ ... مقامُ كظاظٍ لا تتمُّ حواملُهْ فإن تهدموا داري فإن أرومتي ... لها حسبُ لا ابن المراغة نائلُهْ أبي حسب عود رفيعْ وصخرةٌ ... إذا قرعت لم تستطعها معاوله تصاغرتَ يابنَ الكلبَ لما رأيتني ... معَ الشمس في صعب عزيزِ معاقلُهْ ويروى مناقله. والمنقل أعلى الجبل، وهو العقبة. قال أبو عبد الله: المنقل بفتح الميم الآلة.

وقد مُنيتْ مني كُليبٌ بضيغمٍ ... ثقيلٍ على الحُبلى جريرَ كلاكلُهْ قوله كلاكله يعني صدره وما يليه. قال: وإنما عيره بقصة صُرد بن جمرة، الذي سُقي مني عبد أبي سواج، فانتفخ بطنه، وتفسير ذلك في غير هذا الموضع. شتيمُ المُحيا لا يخاتلُ قرنهُ ... ولكنهُ بالصّحصحان يُنازلُهْ هزبر هريتُ الشدقَ ريبالُ غابة ... إذا سارَ عزّتهُ يداهُ وكاهلُهْ قال أبو عبد الله، قال ابن الأعرابي: تربل السبع وتربيل، إذا كان شابا كثير اللحم. قوله هزبر، يعني قويا شديداً، والهزبر من نعت الأسد، وإنما شبّهه بالأسد في قوته. وهريتُ الشدق أي واسع الشدق. قال: والريبال أيضاً من نعت الأسد، يعني يصيد وحده، ولا يحتاج إلى من يعاونه على صيده، يقال من ذلك: خرج القوم يتربلون. قال: وذلك إذا خرجوا للغارة واللصوصية متخففين. قال: والغابة الأجمة التي يسكنها الأسد. عزته يداه وكاهله، أي كانتا أقوى شيء وأشده، وقوله عزته، أي قوّته يداه وكاهله التي يغلب بهما ويقهر. قال: ومنه قولهم "من عزّ بزّ"، يريد من غلب قهر وبز صاحبه، أي سلبه ثيابه وما معه، ومنه قوله عز وجل: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أي غلبني، وقوله إذا سار يريد إذا ساور فريسته فأخذها، يقال سار وساور بمعنى واحد، وقول إذا واثب ووثب، قال أبو عثمان: سمعت الكسائي وغيره يقول: هو لص بيّن اللصوصية، بفتح اللام، وهو حُرّ بين الحَرورية، بنصب الحاء، وهو خاص بالأمير بيّن الخصوصية، بنصب الخاء. قال أبو عثمان: وسمعت الأصمعي، وأبا عبيدة، وغيرهما، يقولون: لم نسمع

شيئاً من النحو على هذا الباب، وعلى هذا الوزن بالفتح، إلا هذه الثلاثة الأحرف، والباقي من هذا الجنس مضموم الأول كله، قال: وسألت عن ذلك، الأصمعي أبا عبيدة. عزيزُ منَ اللآئي يُنازلُ قِرنهُ ... وقدْ ثكلتهُ أمهُ مَنْ يُنازلُهْ ويروى: عزيز متى ما يلقَ بالسيفِ قرنهُ فقده هبلته. وإنّ كُليباً إذ أتنني بعبدها ... كمن غرّهُ حتى رأى الموتَ باطلُه رجوا أن يردّوا عنْ جريرٍ بدرعهِ ... نوافذَ ما أرمي وما أنا قائلهْ عجبتُ لراعي الضانِ في خُطميّةَ ... وفي الدرعِ عبدٌ قدْ أصيبتْ مقاتلُهْ وهلْ تلبسُ الحُبلى السلاحَ وبطنها ... إذا أنتطقتْ عبْء عليها تُعادلُهْ ويروى وقد تلبس. ويروى ثقيل تعادله، ويروى عبْء عليها تُزاولهْ. أفاخَ وألقى الدرعَ عنهُ ولمْ أكن ... لألقيَ درعي منْ كميَ أقاتلُهْ قوله أفاخ، يقول: تفلّج وفتح فخذية وفسا، وفي مثل يقال: كل بائلة تُفيخ، يقول: من بال خرجت منه ريح. وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - كل بائلة تفيخ. قال، وقال أبو عبيدة: وقف جرير بالمربد، وقد لبس درعاً وسلاحاً تاماً، وركب فرساً أعاره إياه أبو جهضم، عبّاد بن حصين الحبطي. قال: فبلغ ذلك الفرزدق، فلبس ثياب وشي وسواراً، وقام في مقبرة بني حصن، ينشد بجرير، والناس يسعون فيما بينهما بأشعارهما، فلما بلغ الفرزدق لباس جرير السلاح والدرع قال: عجبت لراعي الضأن في حطميّه. قال: ولما بلغ جريراً أن الفرزدق في ثياب وشي، قال:

لبستُ سلاحي والفرزدقُ لُعبة ... عليه وِشاحا كُرّجٍ وجلاجلُه الكرج لعبة يلعبها المخنثون. ألم ترَ ما يلقى من استه ... إذا أحتضرتْ حقويْ حريرٍ قوابلُه يقلنَ لهُ داركْ زحيركَ واسترحْ ... فإلاّ تجيءْ سرحاً فإنكَ قابلُهْ ملأتُ استهُ ماءً فإلا يفضْ بهِ ... يكنْ ولداً إنْ لم تُضعهُ مهابلُهْ المهبل متسع الرحم. والمهبل ما بين حلقتي الرحم. ألستَ تُرى يا ابن المراغةِ صامتاً ... لِما أنتَ في أضعافِ بطنكَ حاملُهْ يقول: قد كان ينبغي لك كذلك، أن تلزم الصمت والسكوت. وقدْ علمَ الأقوامُ حولي وحولكُمْ ... بني الكلبِ أني رأسُ عِزّ وكاهلُهْ ألمْ تعلموا أني ابنَ صاحبِ صوأرٍ ... وعندي حُساما سيفهِ وحمائلُه ويروى وعندي حسام، وحسام سيفه وحمائله. قوله: حساما سيفه وحمائله، يعني حدّا سيفه، قال: والحسام من السيوف، القاطع الذي يحسم ما يقع عليه أي يقطعه، وقوله صاحب صوأر، يعني غالب بن صعصعة. وصوأر ماء لكلب. وهو فوق الكوفة مما يلي الشام قال أبو عبيدة: وكان أعين بن لبطة، وجهم السليطي، يحكيان عن إياس بن شبّة بن عقال بن صعصعة، قالوا: أجدبت بلاد بني تميم، وأصاب

بني حنظلة سنة، وذلك في خلافة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فبلغهم خصّب عن بلاد كلب بن وبرة. قال: فانتجعها بنو حنظلة، فنزلوا صوأر. قال، فكانت بنو يربوع قدّام الناس، فنزلوا أقصى الوادي، ولم يكن مع بني يربوع من بني مالك، غير غالب. فلما نزلوا صوأر، ووردت إبله، حبس ناقة منها كوماء، يعني عظيمة السنام، قال: فنحرها فأطعمها، قال: فلما وردت إبل سحيم بن وثيل الرياحي، حبس منها ناقة فنحرها فأطعهما. فقيل لغالب إنما نحر سحيم مواءمة، يعني مباراتك ومساواتك. قال فضحك غالب، وقال: كلا ولكنه امرؤ كريم وسوف أنظر. فلما وردت أبل غالب، حبس منها ناقتين فنحرهما وأطعمهما. قال فلما وردت أبل سحيم، نحر ناقتين وأطعمهما، فقال غالب: الآن علمت أنه يوائمني، فعقر غالب عشراً فأطعمها بني يربوع وغيرهم. فعقر سحيم بعد ذلك خمسة عشر، أو عشرين. قال: فلما بلغ غالباً ضحك، وكانت إبله ترد لخمس، فلما وردت عقرها كلها عن آخرها، فالمكثر يقول: كانت أربع مائة، والمقلل يقول كانت مائتين. قال: ثم إن سحيما عقر بعد ذلك بكناسة الكوفة مائتي ناقة وبعير، وذلك في خلافة عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - فجعل الناس يقولون: اللحم اللحم! وخرجوا بالزبل والحبال والجواليف، فرآهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال: يا أيها الناس، لا يحل لكم، لأنها أهل بها لغير الله تعالى. قال جهم السليطي: فلم يُغن هذا عنهم شيئا، لأنه بعد صوأر بزمن، ولم يعقر حيث عاقره غالب. تركنا جريراً وهو في السوقِ حابسٌ ... عطيّةَ هل يلقى بهِ منْ يُبادلُهْ فقالوا لهُ رُدّ الحمار فإنهُ ... أبوكَ لئيمٌ رأسهُ وجحافلُهْ وأنتَ حريسٌ أنْ يكونَ مجاشعٌ ... أباكَ ولكنّ ابنهُ عنكَ شاغلُهْ وما ألبسوهُ الدرعَ حتى تزيّلتْ ... منَ الخزي دون الجِلدِ منهُ مفاصلُهْ وهل كانَ إلاّ ثعلبا راضَ نفسهُ ... بموجٍ تسامى كالجبالِ مجاولُهْ

ضغا ضغوة في البحرِ لمّا تغطمطتْ ... عليهِ أعالِي موجهِ وأسافلُه قوله تغطمطت أي جاشت عليه الأمواج فاضطربت في البحر، فضرب لنفسه مثلا به. فأصبحَ مطروحاً وراءَ غُثائهِ ... بحيثُ ألتقى من ناجخِ البحرِ ساحلُهْ ويروى منبوذاً، الناجخ ما ضرب الساحل من الماء، يقال قد نجخ الماء الساحل، أي صربه، وقوله من ناجخ، يقال من ذلك نجخ الماء، وذلك إذا فاض وسال. وهلْ أنتَ إنْ فاتتكَ مسعاةُ دارمٍ ... وما قد بنى آت كُليباً فقاتلُهْ وقالوا لعبادٍ أغثنا وقد رأوا ... شآبيبَ موتٍ يُقطرُ السمّ وابلُه فخرتَ بشيخٍ لم يلدكَ ودونهُ ... أب لكَ تخفي شخصهُ وتُضائلُهْ فخرت بشيخ، يعني عتيبة بن الحارث بن شهاب. وقوله تخفي شخصه، يعني عطية، يقول: تُخفيه لصغره ومحقرته. قال: والضئيل من الرجال، هو القليل الجسم الدقيق. بشيخ يعني يربوعاً، وتُخفي شخصه يعني كُليباً. قال أبو عبد الله: هذا هو الكلام الصحيح. فلّله عِرضي إنْ جعلتُ كريمتي ... إلى صاحبِ المعزى الموقّع كاهلُهْ

ويروى المورّم كاهله، قوله الموقّع، قال: هو البعير الذي به آثار الدبر. جباناً ولم يعقدْ لسيفٍ حمالة ... ولكنْ عصامُ القربتينْ حمائلُهْ قال: العصام الحبل يُجمع به بين يدي القربة ورجليها، ثم يضعه المُستقي على صدره إذا ملأ قربته. قال تأبط شراً: وقِربة أقوامٍ جعلتُ عصامها ... على كاهل مني ذلولٍ مُرحّلِ يظلّ إليه الجحشُ ينهقُ إنْ علتْ ... بهِ الريحُ منْ عِرفانِ مَنْ لا يُزايلُهْ يقول: إذا وجد الجحش ريحه، عرفه من كثرة ركوبه أمه، ومُزايلته إياها. لهُ عانةُ إعفاؤها آلفاتُهُ ... حمولتهُ منها ومنها حلائلُهْ لعفو الجحش عفو وأعفاء، ويروى له ثلّة. مُوقّعةٌ أكتافها منْ ركوبهِ ... وتعرفُ بالكاذاتِ منها منازلُهْ قوله منازله، أي أنه يثب عليها فيُرى إنزاله عليها. قال: والكاذة من الحمار، هي حيث يُكوى من أعلى فخذ الحمار. قال: وهما الحلقتان اللتان تراهما في فخذي الحمار، يعني الرقمتين، ويروى موقّعة أكتادها.

ألا تدّعي إن كانَ قومُكَ لمْ تجدْ ... كريماً لهم إلاّ لئيماً أوائلُهْ ويروى إن كان قومك لم تجد لهم حسبا. ألا تفتري إذا لمْ تجدْ لكَ مفخراً ... ألا ربما يجري مع التحقِ باطلُه ويروى: لهم يومَ بأسٍ أو أباً يحمدونهُ ... كريماً وهلْ يجري معَ الحقّ باطلُهْ فتحمدَ ما فيهمْ ولوْ كنتَ كاذباً ... فيسمعه يا بنَ المراغةِ جاهلُهْ ولكنْ تدعّى مَنْ سواهمْ إذا رمى ... إلى الغرضِ الأقصىَ البعيد مُناضلُهْ فتعلمُ أنْ لوْ كنتَ خيراً عليهم ... كذبت وأخزاكَ الذي أنتَ قائله تعاطَ مكان النجم إن كنتَ طالباً ... بني دارمٍ فانظرْ متى أنتَ نائلُهْ فلَلنجمُ أدنىَ منهمُ أنْ تنالهُ ... عليكَ فأصلحْ زربَ ما أنتَ آبلُهْ ألمْ يكَ مما يُرعَدُ الناسَ أنْ ترى ... كُليباً تغنّى بابنِ ليلىَ تُناضلُهْ أبي مالكَ ما منْ أب تعرفونهُ ... لكم دونَ أعراقِ الترابِ يُعادلهْ قوله أبي مالك، يعني مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وكان مالك بن حنظلة لقبه الغَرف، وهو الذي يقول فيه الأسود بن يعفر: في آل غَرف لو بغيت ليَ الأسى ... لوجدتِ فيهمْ إسوةَ العَدّادِ ويروى العُداد. وقوله دون أعراق التراب يعني آدم - صلى الله على نبينا وعليه وسلم - لأن الله خلقه من تراب.

عجبتُ إلى خلقِ الكُليبيّ عُلّقتْ ... يداهُ ولمْ تشتدّ قبضاً أناملُهْ فدونكَ هذي فأنتقضْها فإنها ... شديدٌ قُوى أمراسِها مواصلُهْ فأجابه جرير فقال: ألمْ ترَ أنّ البهلَ أقصرَ باطِلُهْ ... وأمسى عماء قد تجلّتْ مخايلُهْ قال: العماء السحاب الرقيق. وقوله مخايله، المخايل السحاب المخيل للمطر. يقال من ذلك: إن لها لمخيلة حسنة، وذلك إذا تهيأت للمطر. ويروى ألم ترَ أن الدهر. أجنّ الهوىَ أم طائرُ البينِ شفّني ... بِجُمدِ الصفا تنعابُهُ ومحاجلُهْ قوله أجنّ الهوى، يعني حركة الهوى الذي يصيبه منها، مثل الجنون: أهو من الهوى؟ أم طائر البين، ويريد غراب البين. شفّه حزنه، قوله بجُمد الصفا، هو المكان الذي هاج فيه شوقه. قال: والنعب صياح الغراب، ومحاجله يريد حجله ومشيه. لعلك محزونْ لِعرفانِ منزِل ... محيلٍ بوادي القريتينْ منازلُهْ يقول: لعل شوقك هاج إذا عرفت منزلا مُحيلاً، يعني قد أتى عليه حول، فأنت محزون لذلك، لما عرفت من اجتماع أهله ثم تفرقهم. فإني ولوْ لامَ العواذلِ مُولع ... بحبِ الغضامِنْ حبِ مَنْ لا يزايلُهْ وذا مَرجٍ أحببتُ مِنْ حُبِ أهلهِ ... وحيثُ انتهتْ في الروضتينْ مسايلُهْ

قوله انتهت، يريد صادفت موضعاً يحبس الماء فاحتبست. أتنسى لطولِ العدِ أمْ أنتَ ذاكرُ ... خليلكَ ذا الوصلِ الكريمِ شمائلُهْ شمائله يعني طبائعه، الخليل الصادق الواصل أخاه. لحَبّ بنارٍ أوقدتْ بين مخلِب ... وفردةَ لو يدنو منَ الحبلِ واصلُهْ قوله مُحلب قاع. وفردة اسم قارة، والقارة الجبل الصغير. وقد كانَ أحياناً بيِ الشوقُ مولعا ... إذا الطرفُ الظعّانُ ردّت حمائلُهْ قال الطرف الذي يتطرف المرعى. يقول ردّت حمائله من المرعى إلى الحي للارتحال. قال: والظعّان الذي يُكثر الظعن، وهو الكثير السفر، من قوله تعالى {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ}. فلما التقىَ الحيّانِ ألقيتِ العصي ... وماتَ الهوى لمّا أصيبتْ مقاتلُهْ ويروى فلما أستقر الحي. قوله ألقيت العصا، يعني استقروا ونزلوا. وقوله ومات الهوى، يقول: سكن الهوى مني وذهب سورته حين اجتمعنا. قال أبو عثمان، قال الأصمعي: في قوله لما أصيبت مقاتله، يريد مقاتل الهوى، وإذا أصيبت مقاتل الشيء فقد مات. لقدْ طالَ كتماني أمامةَ حُبها ... فهذا أوانُ الحبّ تبدو شواكلُهْ يعني أشباهه ونواحيه.

إذا حُلّيتْ فالحليُ منها بمعقدِ ... مليحٍ وإلاّ لمْ تشنها معاطلهْ يقول: إن لبست الحلي فهي حسنة، فإن لم تلبس الحلي، لم تشنها معاطل الحلي. يقال من ذلك، امرأة عاطل، إذا لم يكن عليها حلي، فأضمر ابتداء الجزاء كما قال العبدي في مثل ذلك: أقيموا بني النعمانِ عنّا صدوركم ... وإلا تُقيموا صاغرينَ رُؤوسا وقالَ اللواتي كُنّ فيها يلُمنني ... لعلّ الهوى يومَ المُغيزل قاتلُهْ مغيزل جبل دقيق فيما ذكر الحرمازي. والمغيزل هو اسم مكان معروف. وقلنَ تَروّحْ لا تكنْ لكَ ضيعةً ... وقلبكَ لا تشغلْ وهُنّ شواغلُهْ ويومٍ كابهام القَطاةِ مُزيّن ... إليَ صِباهُ غالب ليَ باطلُهْ قوله كابهام القطاة، يعني قصيراً كقصر إبهام القطاة، وإنما المعنى في قصر اليوم، يقول: كنا في لهو وسرور، فقصُر يومنا فيه، لانّا لم نشتف من لهونا فيه، فلذلك نسبه إلى القِصر. لهوتُ بجنّيّ عليهْ سُموطُهُ ... وإنْسُ مجاليهِ وأنسُ شمائلُهْ السموط عقود اللؤلؤ. قال: والسموط هي القلائد، يقول: هي مُثناة بعضها على بعض. قال: ومجاليه، ما يحسن أن يبرُز مثل الوجه واليدين.

فما مُغزِل أدماء تحنو لشادِن ... كطوقِ الفتاةِ لمْ تشدّدْ مفاصلُهْ قوله فما مغزل، يعني ظبية غزالها، وأدماء بيضاء في ظهرها جُدّتان إلى الخضرة. والسواد سوداء المقلة والمدامع. وتحنو تعطف، وقوله شادن، يقول ولد قد تحرك وقارب الفِطام، وقوله كطوق الفتاة، يريد في بياضه وتثنيه، وذلك إذا عطف نفسه، قال وهو أحسن ما يكون إذا كان كذلك. ثم قال: لم تُشدد مفاصله، يقول هو ضعيف بعد، يقول: هذا الخشف صغير لم تُشدد مفاصله. بأحسن مِنها يومَ قالتْ أناظر ... إلى الليل بعضَ النّيل أم أنتَ عاجلهْ فلو كانَ هذا الحبّ حُبا سلوتُه ... ولكنه داء تعودُ تقابلُهْ ولمَ أنسَ يوما بالعقيقِ تخايلتْ ... ضُحاهُ وطابت بالعشيِ أصائلُهْ رُزقنا به الصيدَ الغزيرَ ولم أكنْ ... كمن نبلُهُ محرومة وحبائلهْ ثواني أجياد يُودّعنَ مَنْ صحا ... ومَنْ بثّهُ عنْ حاجةِ اللهو شاغلُهْ فأيهاتَ أيهات العقيقُ ومَنْ بهِ ... وأيهات وصلٌ بالعقيقِ تُواصلُهْ لنا حاجةُ فانظرْ وراءكَ هلْ تَرى ... بروضِ القَطا الحيّ المُروّحَ جاملهْ رِعانُ أجاً مثلُ الفوالجِ دونهمْ ... ورملٌ حَبتْ أنقاؤهُ وخمائلُهْ قوله رعان واحدها رعن وهو أنف الجبل. وأجا جبل. وقوله ورمل حبت، يقول: أشرفت هذه لرّمال فعلت لارتفاعها. وقوله وخمائله، الخميلة أرض سهلة تُنبت ويخالطها رمل. رددنا لِشعثاءَ الرسولَ ولا أرىَ ... كيَومئذٍ شيئا تُردّ رسائلُهْ ويروى وجدنا لَشَعثاء. شَعثاء امرأة من بني كعب بن مالك بن حنظلة.

فلوْ كُنتَ عندي يومَ قَو عَذَرْتَني ... بيوم زَهتني جنّهُ وأخابلُهْ قوله زهتني يعني استحفّتني. وقو موضع كانوا يجتمعون فيه فيتحدثون ويلهون، وجنّه وأخابله، يريد جنون الشباب ومرحه، فهذا الذي استخفه حتى لها وطرب. ويروى شمسه وأخابله. يقُلنَ إذا ما حلّ دَينُكَ عندنا ... وخير الذي يُقضيَ منَ الدّين عاجلُهْ لكَ الخير لا نقصيكَ إلا نسيئة ... منَ الدين أو عرضا فهل أنتَ قابلهْ أمنْ ذِكرِ ليلىَ والرسومٍ التي خلتْ ... بنعفِ المُنقّى راجعَ القلب خابلُهْ يقول: أمن ذِكر ليلى، هذه المرأة وذكر الرسوم التي خلت، يريد التي مضت، قال: والرسوم آثار الديار وما بقي منها ومن معالمها، هاج شوقك. عشيّةَ بعنا الحلمْ بالجهلْ وانتحتْ ... بنا أريحياتُ الصّبَى ومجاهله وذلكَ يومٌ خيرهُ دونَ شرهَ ... تغيّبَ واشيهِ وأقصرَ عاذلُهْ وخرق منَ الموماةِ أزورَ لا تُرى ... من البُعد إلا بَعدَ خمس مناهلُهْ قوله وخرق، هي الأرض الواسعة البعيدة الأقطار، وهي النواحي، تتحرق فيه الريح من سعته، قال: وهي الموماة أيضا. قال: وإنما جاز له أن يأتي بلفظين في معنى واحد، لآن اللفظ إذا اختلف وإن جاء جميعاً بمعنىً واحد، جاز. فإذا اختلف اللفظ استحسنوه، يعني خرقاً، ويعني موماة، وهما جميعاً الأرض الواسعة. وقوله أزورَ أي اعوجّ طريقها في جانب، لا تستقيم الطريق إليه. والمنهل الماء. ازور مال عن القصد.

قطعتُ بشَجعاء الفؤادِ نَجيبَة ... مَروحٍ إذا ما النَسعُ غُرّزَ فاضلُهْ قوله بشجعاء الفؤاد، يعني ناقة جزلة ماضية، قطعت هذا الطريق الطويل بها. وقوله إذا ما النسع غُرّز فاضله، يقول: إذا ضمرت قلق نسعها وطال، فيُشد بعروةٍ ثالثة، ثم يُغرّز فضوله بعد، وإنما أخبرك أنها قد أنضاها السفر، فأضمر جسمها، حتى صارت إلى تلك الحال، وذلك كما قال الممزق العبدي: وقدْ ضمرتْ حتى التقى مِنْ نُسوعِها ... عُرى ذي ثلاث لم تكن قبل تلتقي وقد قلّصتْ عنْ منزل غادرت بهِ ... منَ الليلِ جوناً لمْ تَفرجْ غياطلُهْ قال: الجون، يريد ها هنا الليل، وغياطله ظلمه. يقول: ارتحلت بليل وتركته، يريد تركت الجون، ومضت وغادرت، يقول خلّفت الليل إذا أدبر. وأجلادَ مضعوفٍ، كأنّ عظامهُ ... عُروقُ الرخامىَ لم تُشدّدْ مفاصلُهْ قوله وأجلاد مضعوف، يعني ولد الناقة حين خدجت به أمه، يريد أزلقت به. يقول: فتركته في مبيتها، وفي مُعرّسها. قال: والرخامى شجر ينبت في الرخو من الأرضين، له عروق كثيرة بيض كثيرة الماء تحفر عنه الثيران فتأكلها. ويَدمى أظلاّها على كُلّ حَرّة ... إذا استعرضتْ منها حزيزا تُناقلهْ

أي هي حاذقة بنفي الحجارة إذا مشت. قال: والحزيز من الأرض، الموضع ينقاد ويطول، كثير الحصى. وقوله تُناقله، يعني تُحسن المشي، يريد أنها تُحسن نقل يديها ورجليها، يقول كيف تضع يديها ورجليها لأنها مجربه، لذلك، لكثرة سيرها فيه، ومعرفتها به. أنخنا فسبّحنا ونوّرت السرى ... بأعرافِ ورد اللونِ بُلق شواكلُهْ قوله فسبحنا، يريد فصلينا الغداة، والسبحة الصلاة، ويقال السبحة النافلة، وقال الأصمعي: هي التطوع والفريضة، قال أبو عبد الله: فسبحنا أي استرحنا. قال وينيخُ المعرّسون تلك الساعة، وفي ذلك الوقت من السحر، وفيه يستريح المسافرون وظهرهم. وقوله بأعراف ورد اللون، يريد الصبح، وذلك لحمرة الشفق، فلذلك سمّاه ورداء وشواكله يريد جوانبه. وأنصبُ وجهي للسموم ودونهَا ... شَماطيطُ عَرضيّ تطيرُ رعابلهْ قوله عرضي يريد بُروداً من بُرود اليمن. ورعابله قطعه المتخرفة، وهي الشماطيط أيضاً. قال: والمعنى في ذلك، أنه تعمم بذلك البرد فمزقته السموم وأيلته. يقول: هذا البرد الذي تعمم به هو خلق. لنا إبلْ لمْ تستجِرْ غيرْ قومِها ... وغيرْ القَنا صُما تهُزُ عواملهْ قال: إنما قال هذا، لأن الفرزدق استجار بكر بن وائل، من زياد بن أبي سفيان، حين هرب عند إنهابه ماله، فكان يطلبه زياد فأجاروه، قال: وفي ذلك يقول الفرزدق:

لقدْ عَدَلتْ أينَ المسيرُ فلمْ تحِدْ ... لعورتها كالحيّ بكر بن وائلِ رَعتْ مَنبِتَ الضمران مِنْ سَبَل المِعَى ... إلى صًلبِ أعيارٍ تُرن مساحلِهْ قوله تُرن مساحله يقول تصيح حميره، قال: وسحيل الحمار صوته، والرنه الصوت العالي. وقوله منبت الضمران، وهو مكان بعيد من محل الحي. قال وذاك أنّ الضمران يبعد نباته. ويروى من بلد المعى. قال: والمعى أطراف الرمل حيث انقطع في الصلبة من الأرض، وصلبة جمع صُلب. يقول: فإبلنا من عزّها ومنعتها ترعى حيث شاءت. قال: ومعي واحد الأمعاء. سقتها الثُريا ديمَة واستقتْ بِها ... غُروبَ سِماكيّ تهلّلَ وابلُهْ قوله سقتها الثريا، يقول: مُطروا بنوء الثريا وهو مكروه. كانوا في الجاهلية يقولون: مُطلانا بنوء كذا وكذا، فلما أتى الإسلام نهوا عن ذلك. وقالوا هو الشرك، لأن الله تعالى هو الممطر، والديمة من المطر مطر يدوم اليومين والثلاثة. وقوله واستقت غروب سماكي، يقول: وأعان الثريا أيضاً نوء السّماك وهو نجم، وقوله تهلل، هو صوت من المطر الشديد، له وقع على الأرض يسمع صوته، ومنه قولهم: قد أهلّ فلان بالحج، وقد أهل الصبي، إذا وقع من بطنِ أمه إذا صاح. ترى لحبييهِ رَباباً كأنهُ ... غوادي نَعامٍ ينفُضُ الزِفّ جافلهْ تُراعي مطافيلَ المها ويروعُها ... ذُبابٌ لندى تغريدهُ وصواهلهْ المها البقر، ومطافيلها ذوات الأولاد منها. وقوله ويروعها ذباب الندى، يقول: يُفزعها قليل الصوت من فزعها وفرقها.

إذا حاولَ الناسُ الشؤونَ وحاذروا ... زلازلَ أمرٍ لم تَرُعها زَلازِلهْ يُبيحُ لها عمرو وحنظلةُ الحِمى ... ويدفعُ رُكنُ الفِرزِ عنها وكاهلهْ الفرز سعد بن زيد مناة. وقوله يبيح، يقول: يُخلّي لها باحة الدار. قال: والباحة الساحة. يقال باحة وساحة وعرصة بمعنى واحد. وحنظلة ابن مالك بن زيد مناة. والركن ركن القوم وكهفهم. وعمرو بن تميم. بَني مالِكِ مَنْ كانَ للحيّ مَعقِلا ... إذا نظرَ المكروبُ أينَ معاقلِهْ يريد الملجأ الذي يُتحصّن فيه. بذي نجَبٍ ذُدنا وواكلَ مالكٌ ... أخا لم يكنْ عندَ الطعانِ يُواكلهْ تفُشّ بنو جوخي الخزيرَ وخيلنا ... تُشظَي قلالَ الحَزنِ يوم تُناقِلهْ قوله تفش الخزير، يريد تُخرج الجشاء. وخيلنا تُشطي قلال الحزن جمع قلة، وقلة الجبل أعلاه، أي تُكسّر هذه الحجارة بحوافرها. قال: وقلال الحزن أعاليه، ويروى مما تُناقله. أقمنا بما بين الشربةِ والمَلا ... تُغنيّ ابن ذي الجَدّينِ فينا سَلاسِلهْ ويروى أقمنا وسرنا بالشربة. قوله ابن ذي الجدين، يعني بسطام بن قيس. يقول: هو فينا أسير في القيود. قال أبو عبيدة: وإنما سُمي عبد الله بن همام ذا الجدين، أي هو ذو الحظين. قال: وهو جد بسطام

بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن عبد الله بن همام. قال خِراش: إنما سُمي ذا الجَديْن، لأن قائلا قال لعبادي: إنه لذو جَدّ، أي بخت وحظ ونصيب من قسم. فقال لهم العبادي: إي والله وذو جَدّيْن ويروى أقمنا على رأس الشرَبّة. ونحنُ صَبَحنا الموتَ بِشرا ورهَطَه ... صرُاحاً وجاد ابني هُجيمةَ وابِلهْ قوله بْشرا، يريد بِشر بن عبد عمرو بن بِشر بن عمرو بن مَرثد. قتله سُويد بن شهاب عم عُتيبة بن الحارث بن شهاب، وابنا هجيمة قيس والهرماس ابنا عباس، قتلهما عُتيبة بن الحارث. وقوله وابله، يريد وابل الموت، يقول أمطرهم الموت جَوداً. ألا تسألونَ الناسَ مَنْ يُنهلُ القَنا ... ومَنْ يمنعُ الثّغرَ المخوفَ تلاتلهْ قوله يُنهل القنا، يعني يوردها فيسقيها الدماء بالطعن، كما تُنهل الإبل إذا عطشت فتروى من الماء، فضربه مثلا للدم. وقوله الثغر، هو الموضع الذي يخاف العدو من ناحيته، وتلاتله شدائده. لنا كُلّ مشبوبٍ يُروى بِكفّه ... جناحا سِنان دَيْلَميّ وعاملهْ المشبوب الذي إذا دعوته إلى شيء أجابك إليه، وهو المُرتاع والمُرتاح. قال أبو سعيد: هو الذكي الملتهب، شبهه بنار تلتهب. وجناحا السنان طرفاه. يُقلّصُ بالفضلين فَضل مفُاضَة ... وفضل نجاد لمْ تُقطعْ حمائلهْ وعَمّي رئيسُ الدّهم يومَ قُراقرٍ ... فكانَ لنا مرباعهُ ونَوافلهْ

هذا حديث يوم ذي قار

هذا حديث يوم ذي قار قال أبو عثمان، حدثنا أبو عبيدة، أن يوم قراقر هو يوم ذي قار الأكبر، وهو يوم الحنو، حنو ذي قار، ويوم حنو قراقر. قال: والحنو مُنثنى الوادي. ويوم الجبايات، ويوم ذات العُجرم، ويوم الغذوان، ويوم البطحاء، بطحاء ذي قار. قال: وكل هذه المواضع، قد ذكرته الشِّعَراء في أشعارها، وقد أثبتناه في مواضعه من مواضع الشعر قال أبو عثمان، حدّثنا أبو عبيدة، قال: حدثنا أبو المختار، فراس بن خندق القيسي، قيس بن ثعلبة، وعدّة من علماء العرب، قد سماهم فراس بن خندق، وأثبت الحديث الأصمعي، فيما أثبته وعرفه، أن الذي جرّ يوم ذي قار، قتلُ النعمان بن المنذر اللخمي، عدي بن زيد العبادي. قال: وكان عدي من تراجمة برواز كسرى بن هرمز. قال: فلما قتل النعمان عديا، كان أخو وابنه زيد عند كسرى، وحرفا كتاب اعتذاره إليه، بشيء غضب منه كسرى، فأمر بقتله. وكان النعمان لمّا خاف كسرى، استودع هاني بن مسعود بن هاني بن عامر الخصيب قال: والخصيب لقبه وهو الخصيب بن عمرو المزدلف. والمزدلف لقبه، وهو المزدلف بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة، حلقته ونعمه وسلاحاً غير ذلك. قال: وذلك أن النعمان كان بنّاه بنتين له قال أبو عبيدة، قال بعضهم: لم يدرك هاني بن مسعود هذا الأمر. قال: وهو أثبت عند أبي عبيدة. قال أبو جعفر: هو هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود، قال: وهو الثبت عند أبي عبيدة. قال: فلما قتل كسرى النعمان، استعمل إياس بن قبيصة الطائي على الحيرة، وما كان عليه. قال أبو عبيدة، قال عمر: وكان كسرى لمّا هرب من بهرام جوبين يوم هزمه بالنهروان، مر كسرى باياس فأهدى له فرسا وجزورا، فشكر

ذلك له كسرى، قال: فبعث كسرى - إلى أياس، أين تركة النعمان؟ قال: قد خزنها يريد قد أخرزها، في بكر بن وائل. قال: فأمر كسرى أن يُضم ما كان للنعمان، ويُبعث به إليه. قال: فبعث إياس إلى هاني أن أرسل إلي بما استودعك النعمان من الدروع وغيرها. فالمُقلل يقول: كانت أربعمائة درع. والمكثر يقول: ثمانمائة درع. فأبى هاني أن يُسلم خفارته. قال: فلما منعها هاني غضب كسرى، فأظهر أنه مُستأصل بكر بن وائل. وعنده النعمان بن زرعة التغلبي، وهو يحب هلاك بكر، فقال لكسرى: يا خير الملوك، أدلك على عدو يطلبهم، وعلى غرّة بكر قال: نعم. قال: أمهلنا حتى نقيظ، فإنهم لو قد قاظوا، تساقطوا على ماء لهم يقال له ذو قار، تساقط الفراش في النار. فأخذتهم كيف شئت، وأنا عندك إلى أن أكفيكهم. ومع ذلك فإن مطالبيهم في ذلك الوقت كثير. وذلك مما يُوهن كيدهم، ويكون أيسر على الملك مُطالبتهم، لمن يشغلهم ممن يطلبهم بالذحل، فترجموا له قوله تساقط الفراش في النار. فأقرهم حتى إذا قاظوا، جاءت بكر بن وائل، فنزلت بالحنو، حنو ذي قار، وهو من ذي قار على مسيرة ليلة قال: فأرسل كسرى إليهم النعمان بن زُرعة، أن اختاروا من ثلاث خصال واحدة: إما أن تُعطوا بأيديكم، فيحكم فيكم الملك بما شاء. وإما أن تغروا الديار، وإما أن تأذنوا بالحرب، قال: فنزل النعمان على هاني، فقال أنا رسول الملك إليكم، أخيّركم إحدى ثلاث خصال: إما كذا، وإما كذا، وإما كذا على ما مضى قالوا: فتوامروا بينهم، ثم اختاروا الحرب. فولّوا أمرهم حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي، وكانوا يتيمّنون به في حروبهم وما ينوبهم، فقال لهم: إني لا أرى إلا القتال، فلأن يموت الرجل كريماً، خير له من أن يحيى مذموماً، لأنكم إن أعطيتم بأيديكم، قُتلتم وسُبيت ذراريّكم. وإن هربتم قتلكم العطش، وتلقاكم تميم فتهلككم، فآذنوا الملك بحرب قال: فبعث كسرى إلى إياس، وإلى الهامرز التستري، وكان مَسْلَحَة بالقُطقطانة، وإلى

خُنابزين، وكان مَسلَحَة أيضاً ببارق. قال: وكتب كسرى إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد، ذب الجدين، وكان كسرى استعمله على طَفّ سفوان، أن يُوافوا إياساً فإذا اجتمعوا فاياس على الناس، قال: وجاءت الفُرس ومعها الجنود، والفُيول عليها الأساورة وقد بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وقد رقّ أمر الفُرس، وأدبر مُلكهم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك اليوم، انتصفت العرب من العجم بي. قال: فحُفظ ذلك اليوم، فإذا هو يوم الوقعة، قال: فلما دنت جنود الفرس من بكر بمن معها، انسلّ قيس بن مسعود ليلا، فأتى هانئا فقال: أعطِ قومك سلاح النعمان، فيقوا به أنفسهم. فإن هلكوا كان تبعا لأنفسهم، وكنت قد أخذت بالحزم، وإن ظهروا ردوه عليك. ففعل، وقسم الدروع والسلاح في ذي القوة والجلد من قومه فلما دنا الجمع من بكر بن وائل، قال لهم هانيء: يا معشر بكر، إنه لا طاقة لكم بجنود كسرى ومن معهم من العرب، فأركبوه الفلاة، قال: فتسارع الناس إلى ذلك، فوثب حنظلة بن ثعلبة بن سيّار فقال له: إنما أردت نجاتنا، فلم تزد على أن ألقيتنا في التهلكة، فرد عليه الناس فقطع وضُنَ الهوادج، قال: وإنما فعل ذلك لئلا تستطيع بكر أن تسوق بالنساء إن هربوا، فسمي مُقطّعَ الوضن، قال: ويقال مقطّع البُطن، والبطن حُزُمُ الأقتاب، والوُضُن حُزمُ الرّحال. قال أبو عثمان: وسمعت أم صُبيح الكلابية، ويقال لها الدّلفاء، وكانت من أفصح الناس، وسألتها عن النسوع، فقالت: إنا لنضنها معشر النساء. وضرب حنظلة قُبّة على نفسه ببطحاء ذي قار، وإلا أن لا يفر حتى تفرّ القبة، فمضى من مضى من الناس، ورجع أكثرهم. قال واستقوا ماء لنصف شهر. قال: فأتتهم العجم، فقاتلتهم بالحنو، حنو قراقر، فجزعت العجم من العطش، فهربت ولم تُقم لمحاصرتهم، فهربت إلى الجُبايات، قال: فتبعتهم بكر، وعجل، أوائل بكر، فتقدمت عجل، وأبلت يومئذ بلاء حسناً، قال: واضطمّت عليهم جنود العجم، فقال الناس: هلكت عجل،

ثم حملت بكر، فوجدت عجلا ثانية تقاتل، وامرأة منهم تقول: إنْ يظفروا يحرّزوا فينا الغُزلْ ... أيهِ فدىً أبي لكمْ بَني عِجلْ وتقول أيضاً تُحرّض الناس: إنْ تهزموا نُعانِقْ ... ونَفرُش النَمارِقْ أو تهزموا نُفارِقْ ... فِراقَ غيرْ وامِقْ قال: فقاتلوهم بالجبايات يوماً، ثم عطشت الأعاجم، فمالوا إلى بطحاء ذي قار. قال: وأرسلت إياد إلى بكر سراً، وكانوا أعواناً على بكر مع إياس بن قبيصة، أي الأمرين أعجب إليكم، أن نطير تحت ليلنا فنذهب، أو نقيم حتى نفر حين تُلاقون القوم؟ قالوا: بل تقيمون، فإذا التقى الناس انهزمتهم بهم. فصبّحتهم بكر بن وائل، والظعن واقفة يذمرون الرجال على القتال، ويُحضّضنهم على لقائهم، والصبر على ذلك. وقال يزيد بن حمار السكوني، وكان حليفا لبني شيبان: أطيعوني وأكمنوا لهم كميناً. ففعلوا، وجعلوا يزيد بن حمار رأسهم، فكمنوا في مكان من ذي قار يسمى إلى اليوم الخبيء، قال: فاجتلدوا، وعلى ميمنة هاني بن قبيصة رئيس بكر، يزيد بن مسهر الشيباني. وعلى ميسرته، حنظلة بن ثعلبة بن سيّار العجلي. وجعل الناس يتحاضّون ويرجزون. فقال حنظلة بن ثعلبة:. قدْ جَدّ أشياعُكُمُ فجِدّوا ... ما عِلّتي وأنا مُؤدٍ جَلْدُ قال مؤدٍ، أي أنا ذو أداوة من السلاح تامة. يقول فلا عذر لي. والقوسُ فيها وترُ عردُّ ... مثلُ ذراع البكرِ أو أشدُ قدْ جعلتْ أخبارُ قومي تبدو ... إنّ المنايا ليسَ منها بُدُ

هذا عُبيدٌ تحتَهُ ألدّ ... يُقدمُهُ ليس لهُ مَرَدُ حتى يعودُ كالكُميت الوردُ ... خلّوا بني شيبانَ فاستبدّوا نفسي فدَدتْكُمْ وأبي والجَدّ وقال حنظلة أيضاً: يا قومِ طِيبوا بالقِتالِ نَفسا ... أجدرُ يوم أنْ تفلُّوا الفُرسا وقال يزيد المُكسّر بن حنظلة بن ثعلبة بن سيار - وهو يريد المكسّر لقبه: مَنْ فَرّ منكمْ فَرّ عَنْ حَريمِهْ ... وجاره وفَرّ عنْ نديمِهْ أنا ابنُ سيّارٍ على شَكيمهْ ... إنّ الشرّاكَ قُدّ مِنْ أديمهْ وكُلهم يجري على قَديمِهْ ... مِنْ قارِح الهُجنَةِ أو صميمهْ قال فراس: ثم صيروا الأمر بعد هاني إلى حنظلة بن ثعلبة بن سيار، فمال إلى مارية ابنته، وهي أم عشرة نفر، أحدهم جابر بن أبجر، فقطّع وضينها، فوقعت إلى الأرض، وقطّع وُضُنَ النساء، فوقعن إلى الأرض. ونادت بنت القُرين الشيبانية، حين وقعت النساء إلى الأرض: وَيها بَني شَيبانَ صفّا بعدَ صفَ ... إنْ تهزَموا يُصبِغوا فينا القُلفْ فقطع سبعمائة من بني شيبان أقبيتهم من قبل مناكبهم. وذلك لأن

تخف أيديهم لضرب السيوف. فجالدوهم، ونادى الهامرز مرد ومرد يريد رجل ورجل فقال بُرد بن حارثة اليشكري: ما يقول؟ قالوا: يدعو إلى البراز رجل ورجل. قال: وأبيكم لقد أنصف. قال: فحمل عليه برد بن حارثة اليشكري فقتله، ويقال يزيد بن حارثة، فقال سويد بن أبي كاهل في ذلك:. مِنا يَزيدُ إذْ تحدّى جموعَكمْ ... فلم تُقرِبوهُ المَرزُبانَ المُسوّدا ويروى المسورا. قال: ونادى حنظلة بن ثعلبة بن سيار، يا قوم، لا تقفوا لهم فيستغرقكم النشاب، فحملت ميسرة بكر، وعليها حنظلة على ميمنة الجيش، وقد قتل يزيد رئيسهم الهامرز - ويقال بُريد - وحملت ميمنة بكر، وعليها يزيد بن مُسهر، على ميسرة الجيش، وعليهم خُنابُزين. قال: وخرج عليهم الكمين من خبيء ذي قار من ورائهم، وعليهم يزيد بن حمار، فشدّوا على قلب الجيش، قال: وفيهم إياس بن قبيضة، وولّت إياد منهزمة كما وعدتهم، وانهزمت الفرس قال سليط، فحدثنا أسراؤنا الذين كانوا فيهم يومئذ، قالوا: فلما التقى الناس، وولت الفرس منهزمة، قلنا يريدون الماء، فلما قطعوا الوادي، وصاروا من ورائه، وجازوا الماء، قلنا: هي الهزيمة، قال: وذلك في حد الظهيرة، في قائظ شديد حرّه. قال: فأقبلت كتيبة عجل، كأنهم طنّ قصب، لا يفوت بعضهم بعضا، ولا يُطرّفون لا يُمعنون هربا، ولا يُخالطون القوم. ثم تذامروا فقتّلوا الفرس ومن معهم، بين بطحاء ذي قار، حتى بلغوا الراخصة قال فراس: فحُدّثت أنه تبعهم تسعون فارساً، لم ينظروا إلى سلب، ولا إلى شيء، حتى تعارفوا بأدم، وهو قريب من ذي قار، فوجد منهم ثلاثون فارساً من بني عجل، وستون فارساً من سائر بكر، وقتلوا خُنابزين. قتله حنظلة بن ثعلبة بن سيار وقال ميمون، أعشى بني قيس بن ثعلبة، يمدح بني شيبان خاصة في قوله:

... ... وراكبُها يومَ اللقاء وقلّتِ فدّى لبني ذُهل بن شيبانَ ناقتي ... مقدّمةَ الهامَرزِ حتى تولّتَ هُمُ ضربوا بالحنو حنوِ قُراقر ... يُثيبُ وإن كانتْ بهِ النّعلُ زلّتِ وأفلتنا قيسُ وقُلْتُ لعلّهُ قال: فهذا يدل على أن قيساً شهد ذا قار. وقال بُكير أصم بني الحارث ابن عباد يمدح شيبان: ...... ... فاسقي على كَرم بني همّام إنْ كُنتِ ساقيةَ المُدامَةِ أهلَها ... سبقا بغايةِ أمجدِ الأيامِ وأبا ربيعةَ كُلّها ومحُلّماً ...... ... بالمَشرفيّ على مقيلِ الهامِ ضربوا بني الأحرارِ يومَ لقوهُمُ ... ألفينْ أعجمَ منْ بني الفَدّام عرَباً ثلاثة ألفً وكتيبة ... ذِكْرا لهُ في مُعرِق وشآمِ شدّ بنُ قيس شدةً ذهبتْ لها ... فيها ولا غُمرِ ولا بِغُلامِ عَمرُو وما عَمرُو بقَحْم دالِف فلما مدح الأعشى والأصم بني شيبان خاصة، غضبت اللهازم، فقال أبو كلبة، أحد بني قيس بن ثعلبة يؤنبهما بذلك: ...... ... حُزّتْ أنوفُكما حَزّا بمِنْشارِ جُدّعتُما شاعرَيْ قوم ذوي حسب ... فلا أستعانا على سمعِ وإبصارِ أعني الأصمَّ وأعشانا إذا اجتمعا ... منَ اللهازمِ ما قاظوا بذي قارِ لولا فوارسُ لا ميلٌ ولا عُزُلٌ ... كما تلَبّس وُرّاد بِصُدّار نحن أتيناهمُ مِنْ عند أشملهِمْ

قال أبو عمروا بن العلاء: فلما بلغ الأعشى قول أبي كلبة، قال: صدق. وقال الأعشى معتذرا مما قال:. متى تقرِنْ أصمّ بحبل أعشى ... يتيها في الضلالِ وفي الخَسارِ فلستُ بمُبصرِ ما قدْ يراهُ ... وليسَ بسامعِ أبداً حِواري وقال الأعشى أيضاً في ذلك اليوم: أتانا عنْ بني الأحرْا ... رِقولٌ لم يكن أممَا أرادوا نحتَ أثلَتِنا ... وكُنّا نَمنعُ الحَكَما وقال أيضاً لقيس بن مسعود: أقَيسَ بنَ مسعودِ بنِ قيسِ بن خالدٍ ... فأنتَ أمرُؤ ترجو شَبابَكَ وائِلُ أتجمعُ في عام غَزاةً ورِحْلَةً ... ألا ليتَ قيسَا غَرّقتّهُ القَوابل وقال أعشى أبي ربيعة:

ونحنُ غَداةَ ذي قارٍ أقمنا ... وقدْ شَهدَ القبائلُ محلبينا وقدْ جاءوا بها جأواء فلْقاً ... مُلَمْلَمَةً كتائبُها طَحونا لِيَوم كَريهَة حتى تجلّتْ ... ظِلالُ دُجاهُ عنّا مُصلتينا فَولّونا الدوابِرِ واتَقَوْنا ... بِنُعمانَ بن زُرعَةَ أكتعينا وذُدنا عارِضَ الأحرارِ وِردا ... كما وَرَدَ القَطا الثّمْدَ المَعينا وقال أبو النجم العِجليّ في الاسلام، يفخر بيوم ذي قار: نحنُ أبَحْنا الريّف للمُمْتارِ ... يومَ استَلَبنا راية الجبارِ بأسفلِ البَطحاء من ذي قارِ وقال العُديل بن الفرخ العجلي: ما أوقَدَ الناسُ منْ نارٍ لمَكرُمةٍ ... إلا أصطلينا وكنا مُوقدِي النار وما يَعدّون مِنْ يوم سمعتُ بهِ ... للناس أفضل مِنْ يوم بذي قارِ جئنا بأسلابهِمْ والخيلُ عابِسَةَ ... يومَ استلبنا لكِسرى كلَّ إسوارِ وقال الأخطلُ يفخر على جرير أنهم شهدوا يوم ذي قار: هلاّ كفيتُمْ مَعَدّا يومَ مُعضلَة ... كما كفينا مَعَدّا يومَ ذي قارِ جاءتْ كتائبُ كِسرى وهىَ مُغضَبَة ... فاستأصَلوها وأردوا كُلّ جبار

قال أبو عبيدة، وقال عامر ومسمع: قد أدرك الحوفزان بن شريك يوم ذي قار وقاتل، وقال في ذلك الشعر: لمّا رأيتُ الخيلَ شَكّ نُحورَها ... حِرابٌ ونُشّابٌ صبرتُ جَناحا جناح اسم فرسه. على الموتِ حتى أنزلَ اللهُ نصرهُ ... وودّ جناح لوْ قضى فاستراحا وقال عائذ الله، ويقال بل قالها رجل من بني شيبان. ولم يُدرك الحوفزان ذا قار، وقالها بشر أخو الحوفزان قال: وأما من شهد يوم ذي قار من تميم، فإن أبا عبيدة حدّثنا، قال: أخبرني سليط، قال: لما كان يوم ذي قار، وكان في بكر أسراء، قالوا: إنا نخاف أن تهربوا، فتواثقوا بأن لا تفعلوا، فواثقوهم أن يرجع من لم يُقتل منهم، حتى يضع يده في أيديهم، قال: فخلّوهم فقاتلوا معهم قال أبو عبيدة، فحدثني بتصديق هذا، مسحل بن زيداء، بنت جرير، قال، أخبرنا جرير، قال: لمّا كان يوم ذي قار، وكان في بكر أسراء، فقال: خلّونا نقاتل معكم، فإنا نذبّ عن أنفسنا، قال: فواثقوهم ليرجَعُنّ إليهم إن سلموا، وقالوا لهم: نخاف أن لا تُناصحوا. فقالوا لهم: دعونا فلنُعلِم حتى تروا مكاننا، ويُرى غناؤنا، قال: فأعلَموا، فذلك قول جرير:. منا فوارسُ ذي بهدا وذي نَجَب ... والمُعلِمونَ صباحاً يومَ ذي قارٍ مُسترعفاتٍ بجزء في أوائِلها ... وقَعْنَبٍ وحمُاةٍ غيرْ أغمارِ قال: وأما زبّان أبو مطرف الصبيري، فزعم أن بني شيبان، وعليهم بسطام، أغار فاستحفّ نعم رُبيع بن عُتيبة بن الحارث بن شهاب،

فأغار عليهم عُتيبة، فاختبأ في بعض بطون ذي قار، حتى وردت إبِل بني الحُصين، فأغار عليها، ففي ذلك قول جرير: ألمْ تَرني أفَأتُ على ربيع ... جِلادا في مَبارِكها وخُورا ولا أظن جريراً عنى هذا اليوم، قال: وذلك لأني قلت لأبي مطرف الصبيري، أكان معه يومئذ جزء بن سعد؟ قال: لا، قلت: هل علمتم؟ قال: لا، إنما كانوا فوارس، وكانت سلة يعني كان الأمر على غفلة - ولم يكونوا تعبّوا للقتال، ولم يلقوا حرباً فيما ظنوا، فيتهيؤا لها. قال: وأما عامر بن عبد الملك، فزعم أن فارس لمّا غزتهم، تسامعت بذلك العرب، فجاء ثمانون من أهل بيت من بني يربوع، وناس من بني ضبة، فقالوا: نكون قريباً، فإذا انهزمت بكر، أغرنا فيمن يغير. فبلغ ذلك بكرا فقالوا: نبدأ بهؤلاء، فوجّهوا إليهم، فقتل يزيد المُكسّر الأضجم الضراري، وأسروا بقية القوم. فلم يزالوا عندهم، حتى التقوا وفارس، فخلّوهم من وثاقهم، فقاتلوا معهم. قال عامر بن عبد الملك المسمعي: فلم تفخر تميم بهذا قال ضِرار بن سلامة العجلي في ذلك:. كَسَونا الأضجَمَ الضبّيّ لمّا ... أتانا حدّ مَصقولٍ رَقيقِ وفَرّتْ ضَبّةُ الجَعْراء لمّا ... أجَدّ بهِنّ إتعابُ الوَسَيقِ أسرنا منهُمُ تسعينَ كَهلا ... نَقودهُمُ إلى وضَحِ الطريقِ وجالُوا كالنّعامِ وأسلَمونا ... إلى خيلٍ مُسوّومَة ونوِق تم حديث ذي قار.

رجع إلى شعر جرير: وكانَ لنا خَرْجٌ مُقيمٌ عليهمُ ... وأسلابُ جبّارِ المُلوكِ وجامِلهْ قال: قد نُقل حديث هذا البيت، في غير هذا الموضع. ودَهْم كَجُنحِ الليل زُرْنا بهِ العدَى ... لهُ عِثيرٌ مما تُثير قَنابلهْ قوله ودهم كجنح الليل، يعني جيشاً كثير العدد، يقال من ذلك، قد دهمهم جمع كثير، وذلك إذا جاءوهم. وقال كجنح الليل، وذلك لكثرته وجمع أهله وسواده، قال: وإنما شبهه بظل الليل على الأرض. قال: والعثير الغبار. يقول هذا الجيش من كثرته، أثار الغبار. وقنابله جماعة خيله، الواحدة قنبلة، وهو ما بين الخمسين من الخيل إلى الستين. إذا سَوّموا لم تمنع الأرض منهُم ... حَريداً ولمْ تمنع حَريداً مَعاقلهْ ويروى لم يمنع الأرضَ منهم فضاء. وقوله حريزا، يقول لم تقدِر الأرض أن تُحرز جمعهم، فتُحصنهم، وقوله إذا سوّموا يعني أعلموا للحرب. ومعاقله وملاجئه وحُصونه واحد. يقول لم تسعهم الحصون ولم تحط بهم لكثرتهم. والحريد المُتنحّي. نحوطُ الحِمَى والخيل عاديَة بنا ... كما ضربتْ في يوم طَلّ أجادِلهْ قوله نحوط الحمى، يقول حمانا لا يقربه أحد ولا يطمع فيه. نحن نحوطه فنمنع الناس منه. يقول فحِمانا لا يقربه احد ولا يطمع فيه، ذلك لعزّه ومنعته. وأجادله صقوره. والأجدل الصقر، يقول فنحن نصيد الرجال فنقتلهم، كما تصيد الصقور الطير فتغلب عليها. فضربه مثلا للصقور. أغرّكَ أنْ قيلَ الفرزدقُ مَرّة ... وذو السّنّ يخصَى بعدما شقّ بازِلهْ

يقول إنما يُخصى الفحل وقد بزل نابه. وبازله سنّه التي تطلع في السّنة التاسعة، ويروى أن قيل الفرزدق شاعر. ويروى أن قيل الفرزدق ساعة. فإنكَ قدْ جاريتَ لا مُتكلّفا ... ولا شَنِجاً يومَ الرّهان أباجِلهْ ويروى يومَ الحفاظ. الأبجل عْرق ينتهي إلى اليد، وجمعه أباجل. شنج يعني مُنقبضاً. والمعنى في ذلك يقول، هو مستوى اليد واسع الشحوة. وقوله جاريت يعني نفسه، أي أنا مستو على غير تكلف، بل هو طباع وسجية. يقول أنا سابق غير مسبوق، وإنما ضربه مثلا. أراد بذلك الشرف والكرم، وصيّره ها هنا قوم الرهان. قال وقد تفعل ذلك العرب كثيراً. أنا البدرُ يُعشي طَرف عينيكَ فالتَمسْ ... بكفيكَ يابنَ القَينْ هل أنتَ نائِلهْ لَبستُ أداتي والفرزدقُ لُعبةُ ... عليهِ وِشاحا كُرجٍ وجَلاجِلهْ الرواية لبست سلاحي، ويروى ردائي. أعِدّوا معَ الحَليْ المَلابَ فإنما ... جَريرُ لكم بعلٌ وأنتمْ حَلائله قال أبو عبيدة: وقف جرير بالمربد وقد لبس درعا وسلاحاً تاماً، وحمله أبو جهضم عبّاد بن حُصين الحبطي على فرس له عتيق يُنشد، فبلغ ذلك الفرزدق، فلبس ثياب وشي وسواراً، وقام في مقبرة بني وحصن ينشد بجرير، والناس يسعون فيما بينها بأشعارهما، فلما بلغ الفرزدق لباس جرير السلاح والدرع، قال: عَجِبتُ لِراعي الضّأنِ في خُطَميّة ... وفي الدرع عَبدٌ قد أصيبتْ مَقاتلهْ قال: ولمّا بلغ جريراً أنّ الفرزدق في ثياب وشي لابساً سواراً، قال: لَبستُ سِلاحي والفرزدقُ لُعبة ... عليه ِشاحا كُرّج وجَلاجلهْ

وأعطوا كما أعطتْ عَوان حَليلَها ... أقرّتْ لبعل بعدَ بعل تُراسلهْ قال: المُراسل من النساء التي تُطلّق، أو يموت زوجها، فتراسل زوجا غيره فتزوجه. أعطوا أمكنوا من نفوسكم. يقال أعطت برجلها إذا أمكنت، والعوان النصف من النساء، يقول رضيت ببعل وأقرّت له بعد بعل كان لها، لان العوان لا تمتنع على الزوج الثاني بعد الأول، وإنما الامتناع من الأبكار لأنهن لم يُعهدن. يقول ذلوا كما تذل هذه لبعلها. أنا الدهرُ يُفني الموتَ والدهرُ خالد ... فجئني بمثل الدهر شيئا يُطاولهْ أمِنْ سَفَهِ الأحلام جاءوا بِقردهم ... إليّ وما قِرد لقوم يُصاولهْ ويروى ومن حدث الأيام. تَغَمّدهُ أذِي بحر فغَمّهُ ... وألقاهُ في في الحُوتِ فالحُوتُ آكلهْ ويروى ترامى به، أي تقاذف به اللجج، رمت به هذه إلى هذه، وهذه إلى هذه، وبه أي بالقرد. ويروى ترامى به في لجة البحر زاخر. والزاخر الكثير. في في الحوت، أي في فم الحوت. فإن كنتَ يا ابنَ القَينْ رائمَ عِزّنا ... فرُمْ حضناً فانْظُرْ متى أنتَ ناقِلهْ بَنيَ الخَطفى حتى رضينا بناءهُ ... فهلْ أنتَ إنْ لم يُرضكَ القين قاتلهْ بنينا بناءً لم تنالوا فُروعَهُ ... وهدّمَ أعلىَ ما بنيتُمْ أسافلِهْ وما بَكَ رَدّ للأوابِد بعدما ... سَبقنَ كسبْقِ السيفِ ما قالَ عاذِله ويروى تكلفني رد الغرائب بعد ما، قوله ما قال عاذله، إنما أراد مثل ضبّة بن أد، حين قتل الحارث بن كعب في الحرم، فقيل له الحرم الحرم نصب على إضمار الفعل. فقال: سبق السيف العذل. فذهبت مثلا، قال أبو عبد الله: تكلفني سبق. ستلقى ذُبابي طائِفا كانَ يُتّقى ... وتقطعُ أضعافَ المُتونِ أخايِلهْ

ويروى تلاقي ذبابي طائراً. قوله أخايله، الأخيل طائر إذا وقع على متن الفرس قطعه. ويقال إنّ ذلك الطائر هو الشقراق. قال: وإنما أراد بقوله ذبابي، ذباب السيف، وهو حدّه. يقول ستلقى حدّ سيفي فيقطعك، كما يقطع هذا الشقراق ظهر هذا الفرس، قال فضربه مثلا للطائر. وما هجمَ الأقيانُ بيتاً ببيتهِمْ ... ولا القينُ عن دارِ المذلّة ناقِلُهْ ويروى كبيتها. هجم أي هدم. ويروى ببيتها. وما نحنُ أعطينا أسيدَةَ حُكمهَا ... لِعان أعضّتْ في الحديدِ سَلاسلهْ قال أسيدة أم مالك ذي الرقيبة، ومالك الذي أسر حاجب بن زُرارة. قال: وكانت أسيدة سبيّة، وفيها يقول جرير: رَدّوا أسيدةَ في جِلبابِ أمّكمُ ... غصبا فأمسى لها دِرع وجِلباب ولسنا بِذِبْح الجيشِ يومَ أوارَة ... ولمْ يستبحنا عامِر وقنابلهْ يعني عامر بن مالك أبا براء. وهذا حديث يوم أوارَة قال أبو عبيدة: وكان عمرو بن المنذر اللخمي، بنى زُرارة بن عدس ابناً له، يقال له أسعد، فلما ترعرع، مرت به ناقة كوماء سمينة، فعبث بها، فرمى ضرعها، فشد عليه ربها سويد، أحد بني عبد الله بن دارم فقتله، ثم هرب سويد فلحق بمكة، قال: فهم الذين بمكة اليوم، من بني عبد الله بن دارم حلفاء لقريش.

قال أبو عبيدة: وكان عمرو بن المنذر قد غزا قبل ذلك، ومعه زرارة، فأخفق، فلما كان حيال جبلي طيي، قال له زرارة: إنّ مثلك إذا غزا لم يرجع، ولم يُصب بغارته أحداً، فمل على طيء، فإنك بحيالها. قال: فمال وقتّل وأسر وغنم، وكانت في صدور طيء على زرارة قال: فلما قتل سويد أسعد، وزرارة يومئذ عند عمرو بن المنذر، فكتمه قتل ابنه أسعد، قال عمرو بن ملقط الطائي يحضض عمراً على زُرارة:. مَنْ مُبْلِغٌ عَمراً بأنّ ... .. المرء لم يخلقْ ضُبارَهّ وحوادِثُ الأيامِ لا ... تبقى لها إلا الحَجارَهْ ها إنّ عُجْزَةَ أمّ هـ ... بالسفح أسفلَ مِنْ أوارَهْ تسفي الرياحُ خلالَ كشْ ... حَيْه وقد سلبوا إزارَهْ فاقتُلْ زُرارةَ لا أرى ... في القومِ أوفَى مِنْ زُرارةَ فقال عمرو بن المنذر. يا زرارة ما يقول عمرو؟ قال: كذب قد علمت عداوتهم لي فيك. قال: صدقت: فلما جن عليه الليل، اجلَوّذَ زرارةَ - يعني مضى مسرعاً - فلحق بقومه. قال: ثم لم يلبث أن مرض. قال أبو عبيدة، فحدثني درواس، أحد بني معبد بن زرارة، قال: لمّا حضرت زرارة الوفاة، قال يا حاجب، إليك غلمتي في بني نهشل، ويا عمرو بن عمرو، إليك عمرو بن ملقط الطائي، فإنه حرّض علي الملك فقال عمرو: لقد أسندت إلي يا عمّاه أبعدهما شُقّة، وأشدهما شوكة فلما مات زرارة، تهيأ عمرو بن عمرو في جمع، ثم غزا طيئا، فأصاب الطريفين: طريف بن مالك، وطريف بن عمرو، وأفلته الملاقط، فقال علقمة بن عبدة في ذلك. ونحنُ جلبنا مِنْ ضرَيّة خَيلَنا ... نُجَنّبُها حدّ الاكامِ قَطائِطا

أصبنَ الطريفَ والطريف بنَ مالكِ ... وكانَ شِفاءً لو أصبْن الملاقطا أصبن يعني الخيل قال فلما بلغ عمرو بن المنذر موت زرارة، غزا بني دارم، وقد كان حلف ليقتلن منهم مائة. قال: فجاء رجل من البراجم شاعر ليمدحه، فقتله ليوفي به نذره، وليتم به المائة، ثم قال: إن الشقي راكب البراجم، فذهب مثلا وقال الأعشى: وتَكونُ في السّلَفِ المُوا ... زِي مِنقراً وبَني زُرارةَ أبناء قوم قُتّلوا ... يومَ القُصَيبَةِ أو أوارّهْ وقال جرير ينعي ذلك عليهم: أينَ الذينَ بسيف عمرو قُتلوا ... أم أين أسعدَ فيكُم المُسترضَعُ قال: وأما الطرماح، فانه هجا الفرزدق، فزعم أن عمرو بن المنذر أحرقهم، ولم يكن له بهذا الحديث علم. عرفتُمْ بَني عَبسٍ عَشيّةَ أقرنٍ ... فخُلي للحَبشِ اللَواء وحامِلُهْ هذا تفسير البيت الذي هجا به الفرزدق بني جعفر وقد علمت ميسون، قال: أبو عمرو: ميسون، امرأة من بني جعفر، وهي أم حنّاءة، من بني أبي بن كلاب، لمّا نفت بني جعفر بنو كلاب في نضرة غني، خرجوا فنزلوا في بني الحارث بن كعب، فأقاموا فيهم مُجاورين، فدعتهم بنو الحارث للحلف، فقال مشيختهم وذوو الرأي منهم: إن حالفتموهم في بلادهم لم تزالوا تبعا لهم، وأذناباً إلى يوم القيامة فرجعوا إلى بني كلاب فقالوا: إنا ننزل على حكم جوّاب، فقال جوّاب: لا أصالحكم إلا على سِلم مُخزية أو حرب مُجلية، قالوا: قد رضينا بذلك، فقال في ذلك لبيد:

أبَني كِلاب كيفَ تُنفىَ جعفرُ ... وبنو ضبينَةَ حاضِرو الأجبابِ بنو ضبينة من غَنيّ، والأجباب موضع نفتهم عنه بنو كلاب. قال أبو عمرو: وكان من حديث سوادة ابن أخي جوّاب، انه أخذ رجلا من بني جعفر، فأوثقه على بعيره فادعت بنو أبي بكر أنه انكسرت ضلع من أضلاعه، فدفعت إليهم بنو جعفر غلاماً منهم، يقال له جحوش، فقمطوه، ثم شدوه عل بعير ثم أوضعوا به بعد ما سقوه ملحاً فسلح، قال: وهذا تفسير البيتين في القصيدة التي هجا بني جعفر: عرفت بأعلى رائس الفاو. وهي ذات الأكارع.

وهذا حديث يوم أقرن

وهذا حديث يوم أقرُنَ قال أبو عبيدة، حدثنا دراوس، أحد بني معبد بن زرارة، قال: غزا عمرو بن عمرو بن عدس، فأغار على بني عبس، فأخذ إبلا وسبي، ثم أقبل حتى إذا كان أسفل من ثنية أقرن، نزل فابتنى بجارية من السبي، ولحقه الطّلب، فاقتتلوا، فقتل أنس الفوارس بن زياد العبسي عمرا، وانهزمت بنو مالك بن حنظلة ويقال: إنّ عمرو بن عمرو فارس بني مالك بن حنظلة، فقتلت حنظلة بن عمرو بن عمرو، وقال بعضهم قُتل في غير هذا اليوم. وارتدّوا ما في أيدي بني مالك. فنعى جرير على بني دارم ذلك فقال: هل تذكرونَ على ثَنيّةِ أقْرُنٍ ... أنسَ الفوارس يومَ يهوي الأسلعُ وكان عمرو أسلع يعني أبرض. وقال جرير أيضاً: أتنسَوَنَ عَمرا يومَ بُرقَةِ أقْرُنٍ ... وحنظلةَ المقتول إذ هويَا معا قال: وكانت أم سماعة بن عمرو بن عمرو، من بني عبس، فزاره خاله، فقتل خاله بأبيه، ففي ذلك يقول المسكين الدارمي: وقاتلُ خالِهِ بأبيهِ مِنا ... سَماعَةَ لم يَبِعْ حَسَباً بِمالِ قال الأصمعي: والذي تناهى إلينا من علم ذلك، أنهم أخطأوا الثنية، وأخذوا المهواة، فسقطوا من الجبل، ففي ذلك يقول عنترة بن شداد العبسي:

كأنّ السرايا بين قَوّ وصارَةٍ ... عَصائِبُ طير ينتَحينَ لمَشربِ شفى النفسَ مني أو دنا مِنْ شِفائها ... تهورهُمْ مِن حالِق مُتَصَوبّ وقد كنتُ أخشى أن أموتَ ولمْ تقُمْ ... قَرائِبُ عمروٍ وسطَ نوحِ مُسَلبِ التسليب لُبس المسوح وترك الزينة. وعِمرانُ يومَ الأقرَعَينْ كأنما ... أناخَ بذي قُرطَين خُرس خَلاخلُهْ يعني عمران بن مرّة بن دُبّ بن مرّة بن ذُهل بن شيبان، أسر الأقرع ابن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان مُجاشع. ولم يبقَ في سيف الفرزدقِ محمَلٌ ... وفي سيف ذَكوانَ بنِ عمرو محَامِلُهْ قال: ذكوان بن عمرو من بني فُقيم بن جرير بن دارم، قتل غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال، أبا الفرزدق. هوَ القينْ يُدنيِ الكيرَ مِنْ صَدَإ استِهِ ... وتعرفُ مَسّ الكَلبتينْ أناملُهْ ويرضعُ مَنْ لاقى وإنْ يلقَ مُقعدَا ... يقودُ بأعمىَ فالفرزدقُ سائِلُهْ إذا وضع السربالَ قالتْ مجاشِعْ ... لهُ منكبا حوضِ الحمارِ وكاهِلُهْ وأنتَ ابن ينخوبية من مجاشع ... تخضخضَ مِنْ ماء القيونِ مفاصِلُهْ على حفرِ السيدانِ لاقيت خِزيَة ... ويومَ الرحا لم يُنق ثوبكَ غاسلُهْ وقدْ نَوخَتها مِنقَر قدْ عَلِمتمُ ... بمُعتَلج الدأيَينْ شُعر كَلاكلُهْ يعني رجلاً مأزراً أشعر. ويروى الدأيات. يفرجُ عِمرانُ بن مرة كينها ... وينزو نزاء العيرِ أعلقَ حابلُه

قال: عمران بن مرة من بني منقر بن عبيد، وهو الذي كذب عليه جرير، ورماه بجعثن أخت الفرزدق، وكان جرير يستغفر ربه، مما قاله لها، وما رماها به من الكذب. وكانت جعثن إحدى الصالحات فيما بلغنا عنها. أصَعْصَعَ ما بال أدعائكَ غالباً ... وقدْ عرفَتْ عيني حُبيرْ قَوابِلُهْ أصَعْصَعَ أينَ السيفُ عَنْ مُتَشَمسٍ ... غَيور أربتْ بالقُيون حَلائَلُهْ قوله أبت بالقيون حلائله، أربت يقول أقامت لزمنه لا يبرحنه، عن متشمس، يعني أباه ناجية بن عقال. وتزعُمُ ليلى مِنْ جُبيرْ بريئة ... وقدْ ضَهلتْ في رحم ليلى ضَواهلُهْ وزاوَلَ فيها القَين محبوكَةَ القَفا ... كما زاولَ الكُردوسَ في القدر ناشلُهْ الكردوس العظم الضخم، والكردوس أيضاً الكتيبة الضخمة. أحارثُ خُذ من شئتت منا ومنهُمُ ... ودَعنا نقِس مجداً تعدُّ فواضلهْ الحارث بن أبي ربيعة المخزوميّ. فما في كتاب اللهِ تهديمُ دارِنا ... بتهديمِ ماخور خبيث مَداخلُهْ قوله: فما في كتاب الله تهديم دارنا، عنى الحارث بن عبد الله المخزومي، وهو القُباع. وكان ولي البصرة، وكان متنسكاً. يروى عنه الفقه، قال: فلما تهاجى جرير والفرزدق، فقام جرير بالمربد، وقام الفرزدق في المقبرة، أرسل الحارث إلى الدارين اللتين كانا ينزلانهما، فشعّث منهما لينتهيا. فقال الفرزدق: أحارثُ داري مَرتينْ هَدمتَها ... وأنتَ أبنُ أخت لا تخُافُ غَوائلُهْ

وقد كان القباع أراد هدم دار الفرزدق، في شيء بلغه، ثم إنه كُلم فيه، وهرب الفرزدق، وقال في هربه: وقبلكَ ما أعيَيتُ كاسرَ عَينهِ ... زياداً فلم تقدرْ عليّ حَبائلُهْ فآليتُ لا آتيهِ تسعينَ حِجّة ... ولو كُسرتْ عين القُباعِ وكاهِلُهْ قوله فآليت، يقول فحلفت، يقال آلى فلان وذلك إذا حلف قال: وكان عبّاد بن الحصين، أبو جهضم الحبطي، على أحداث البصرة، فأعان جريرا على الفرزدق، وهو الذي أعار جريرا الدرع والفرس لمّا وقفا يتهاجيان، فقال الفرزدق في ذلك: أفي قَمَليّ مِنْ كُليب هَجَوتهُ ... أبو جَهضمَ تغلى عليّ مُراجلُهْ وفي مخدعَ منهُ النّوارُ وشربُهُ ... وفي مخدَع أكيارهُ ومَراجلهْ تميلُ بهِ شربُ الحوانيتِ رائحا ... إذا حرّكتْ أوتارَ صَنْج أناملهْ ولستَ بذي دَرءٍ ولا ذي أرومَة ... وما تُعط مِنْ ضَيم فإنك قابلهْ جزعتُم إلى صَنّاجَة هَرَويّةٍ ... على حينِ لا يلقى معَ الجدّ باطلهْ إذا صقلوا سيفاً ضربنا بِنَصلهِ ... وعادَ إلينا جَفنهُ وحمائلهْ يقول: هم قيون، فإذا صقلوا السيوف، ضربنا بها، وصارت جفونها إلينا كما قال: تصفُ السيوفَ وغيركمْ يَعصى بها ... يا أبنَ القُيونِ وذاك فعلُ الصّيقَلِ وقال جرير للفرزدق والبعيث: ذكرتُ وِصالَ البيضِ والشّيْبُ شائِع ... ودارُ الصّبا مِنْ عَهدهِن بَلاقعُ قوله والشيب شائع، يقول: متفرق في الرأس، ومنه قولهم: قد شاع

الحديث، وذلك إذا تفرق وانتشر، وقوله بلاقع، يقول ودار الصبا بلاقع منهن، والبلاقع القفار من الأرض المستوية. أشَتّ عِمادُ البَينْ واختلفَ الهَوى ... ليقطعَ ما بينْ الفريقينْ قاطعُ ويروى أشتّت ديار الحي، قوله أشتّ يريد تفرّق، وعماد البين، يقول: لما همّوا بالبين قرّضوا أبنيتهم. لعلّكَ يوما أنْ يُساعفَك الهَوى ... فيجمعَ شعبيْ طيّه لكَ جامعُ الشعب الحي العظيم في المُرتبع، يعني شعبه وشَعبَ التي نأت عنه، يقول لعل الحَيِّين يجتمعان، والطّيّة المذهب. أخالدَ ما مِنْ حاجَه تَنبري لنا ... بِذِكراكِ الاّ أرفضّ منيّ المَدامعُ قوله تنبري لنا تعرض لنا. وقوله ارفض يعني انقطع وتفرّق. وأقرضتُ ليلى الودّ ثُمّتَ لمْ تُردْ ... لتجزيَ قرضي والقروضُ ودَائعُ سَمَتْ لكَ مِنها حاجة بين ثَهمَد ... ومَذعى وأعناقُ المَطيّ خَواضِعُ مذعى ماء لبني جعفر بن كلاب بوضح الحمى، قال أبو عبد الله: ومذعى بفتح الميم، سَمت، ارتفعت. وخواضع يقول: المطي واضعة رءوسها، مادة اعناقها، وذلك لاعتماد السير. يسُمنَ كما سامَ المَنيحانِ أقدُحا ... نخَاهُنّ مِنْ شَيبانَ سَمح مخُالعُ قوله يسمن يريد في سيرهن، قال: والسوم الاستقامة على سنن الطريق. والمنيحان قِدحان يدخلان في القداح، وذلك لتكثر بهما القِداح، فإذا خرج المنيح رد، حتى يخرج ما له نصيب. قال: ومعنى سام هاهنا قصد، قال: فشبّه انضمام الركب،

واجتماعهم، باجتماع القِداح، وانضمام بعضها إلى بعض، ومُخالع يريد مُقامراً، قال أبو الله: مخالع مقامر بخلعته، ولا يقال لكل مقامر مخالع حتى يقامر بخلعته. فهلاَ اتّقيتِ اللهَ إذْ رُعْتِ محرِما ... سرى ثم ألقى رَحلَهُ فهوَ هاجع ومِنَ دونه تيهِ كأنّ شِخاصَها ... يحُلْنَ بِأمثالٍ فهُنّ شَوافِعُ قوله شخاصها يريد الذي يرتفع فيها من جبل وأكمة، وقوله يحلن، يريد يتحركن قوله بأمثال يريد بمثلهن، فهن شوافع يقول تراهن اثنين اثنين قال: الشفع الزوج، والوتر الفرد وذلك فعل السراب، ليس ثم تحرّك، وترى الشخص شخصين. أي بينك وبينه تيه، أي قفار مُضلّة. تحِنُ قَلوصي بعدَ هَدْء وهاجَها ... وَميضٌ على ذاتِ السلاسلِ لامِعُ يقول: شاقها وميض برق، يعني طربت واستخفت للمطر. فقلتُ لها حِنّي رُويدا فإنني ... إلى أهلِ نجدٍ مِنْ تهَامَةَ نازِع تغيّضُ ذِفْراها بجونٍ كأنه ... كُحيلٌ جرى في قُنفُذِ اللّيتِ نابِعُ ويروى تفيّض بالفاء، أي تسيل، وبالغين أي كأنها تُنقصه من موضعه، وهما روايتان، وقوله تفيّض ذفراها، يعني تسيل ذفراها، قال: والذفرى ما خلف الأذن من القفا، وقوله بحون، يريد بعرق أسود، وقوله كُحيل، هو القطران، شبه ما يسيل من ذفراها بالقطران الردي، لأنه أسود، يعني يسيل من الذفرى، وقوله جرى يعني العرق. قال: وقنفذ الليت، خلف أذنها من قفاها. ونابع قاطر. قال أبو جعفر، أحمد بن عبيد: القنفذ هو الذفري. ألا حَيّيا الأعرافَ مِنْ مَنبتِ الغَضا ... وحيث حَبا حولَ الصرّيفِ الأجارعُ ويروى الطريف، الصريف فوق النباج بفرسخين حبا أشرف،

والأجارع رمال، واحدها أجرع. سَلمتَ وجادتْك الغُيوثُ الرّوابعُ ... فأنّكَ وادٍ للأحبّةِ جامعُ فلم أرَيا ابنَ القَرْمِ كاليومِ مَنظَرا ... تجَاوَزَهُ ذو حاجة وهوَ طائعُ أتنسينْ ما نَسري لحُبّ لقائكمْ ... وتهجيرنَا والبيدُ غُبرٌ خواشِعُ بَني القَين لاقيتُمْ شُجاعاً بهَضْبةَ ... رَبيبَ حِبال تَتقيهِ الأشاجعُ قال: الأشاجع جمع أشجعة، وأشجعة جمع شجاع، والشجاع ضرب من الحيّات، شديد الإقدام. فإنكَ قَينْ وابنُ قَينين فاصْطَبرْ ... لذلكَ إذْ سُدّتْ عليكَ المَطالعُ ولمّا رَأيتُ الناسَ هرّتْ كلابهُمْ ... تشَيعتُ إذ لم يحمِ إلا المُشايعُ قال: المشايع الجري المقدم، الذي لا يبالي من لقي، تشنعت تنكّرت. وجهّزتُ في الآفاق كُلّ قصيدَة ... شَرودٍ ورودٍ كُلّ رَكب تُنازِعُ قوله شرود، يعني تذهب في الآفاق، كما يشرد البعير الناد على وجهه، ورود يعني ترد المياه على كل قوم في ناديهم ومحلّتهم، فتملا كل بلد. يجُزنَ إلى نَجرانَ مَنْ كانَ دونَةُ ... ويظهرنَ في نجد وهُنّ صَوادعُ قوله وهن صوادع، يقول يشققن وسط الأرض، لا يعدلن يمنة ولا يسرة، قال: وهو مأخوذ من قول الرجل للرجل الذي يسبح في الماء، مرّ يشق الماء شقا، وذلك إذا مرّ مستقيما، وروى أبو عبيدة: يخضن إلى. تَعرّضَ أمثالُ القوافي كأنها ... نجائبُ تعلُو مربداً فتُطالعُ المربد محبس الإبل الذي تُحبس فيه.

أجئتُمْ تبغّونَ العُرامَ فعِندنا ... عُرامُ لمنْ يبغي العَرامَةَ واسعُ قال: العرام الشر، والأدنى انه لعارم، مأخوذ من العرامة الكثير الشر. تَشَمّسُ يربوعُ ورائي بالقَنا ... وعادتُنا الإقدامُ يومَ نُقارِعُ تشمّس، يقول تأبى أن أضام، وتمنعني أن أنال بمكروه، وكأنه مأخوذ من الفرس الشموس، وهو الذي يمتنع أن يُمس ويأبى ذلك. وقوله يوم نُقارع، يعني يوم نُجالد ونُضارب ونُقاتل. لنا جبلٌ صعبٌ عليهِ مَهابةٌ ... مَنيعُ الذرى في الخندفيين فارِعُ وفي الحيّ يربوع إذا ما تَشَمّسوا ... وفي الهُندُوانيّات للضيم مانعُ لنا في بني سعد جبالُ حصينةٌ ... ومُنتَفَدٌ في باحة العزّ واسعُ قوله منتفد يعني متسعا. وقوله في باحة العز، يقال من ذلك باحة وساحة، عرصة، كله بمعنى واحد، وهي ساحة الدار، والموضع بلا بناء يكون فيه. وتَبذَخُ مِنْ سَعد قُرومُ بِمفزَع ... بِهم عندَ أبوابِ الملوكِ نُدافِعُ قوله وتبذخ من سعد قروم، البذخ الصلف والتجبر، يقال من ذلك، ما أبذخ فلاناً، إذا كان متعظماً متصلفاً، قال: والقرم فحل الإبل الكريم منها، فاستُعير فصُيّر لعظيم القوم وكريمهم ورئيسهم، قال أبو عبد الله: قروم بمفرع غير معجمة. لِسَعد ذُرى عادِيّة يهتدى بها ... ودَرء على مَنْ يبتغي الدرء ضالعُ قوله ضالع، يعني مائلا عليه، ويقال من ذلك ضلع فلان مع فلان، إذا كان ميله معه ونُصرته له. وإنّ حِمى لم يحمِهِ غيرُ فَرْتَنا ... وغيرُ ابن ذي الكيرين خَزيان ضائعُ

قوله غير فرتنا، يريد ابن أمَة، يريد البعيث، قال: وفرتنا اسم تُسمّى به الإماء، يُعلمه أن أمّه كانت أمَة. رَأتْ مالِكٌ نبلَ الفرزدقِ قَصرت ... عَنِ المجد إذْ لا يأتلي الغَلوَ نازِعُ قوله نبل الفرزدق قصّرت، يقول قصّر شعره، فلم يبلغ ما يريد من مطالبته، ولسان الرجل هو سهمه، ونبله، وسلاحه الذي يُناضل به، ويدفع به عن نفسه، والمجد الشرف، والكرم، والمجد كثرة فعل الخير تَعرّض حتى أثبتَتْ بينْ خَطمِهِ ... وبين مخَطّ الحاجبينْ القَوارعُ أرى الشيبَ في وجه الفرزدق قدْ علا ... لهازمَ قِرد رَنّحتهُ الصواقعُ قال أبو عبد الله: لغة تميم صواقع، وغيرهم صواعق. ويروى في رأس الفرزدق. قوله رنحته، يقول أدارت رأسه حتى سقط، قال: وهو مأخوذ من قولهم للشارب، إنه لمُرنّح، وقد ترنّح فلان من الشراب، وذلك إذا شرب فتمايل في مشيه. وأنتْ ابنُ قينْ يا فرزدق فازدهر ... بِكيركَ إنّ الكيرَ للقينْ نافعُ قوله ازدهر، يقول احتفظ، استمسك، وهي كلمة نبطية، سرقها من كلام النبط، لحاجته إليها، يقول النبطي: ازدهر أي استمسك. فإنكَ إنْ تنفُخْ بكيركَ تَلقَنا ... نُعد القَنا والخيلَ يومَ نُقارعُ ويروى نُماصع. وروى غيره حي نُفارع. إذا مُدّ غَلوُ الجَري طاحَ ابن فرتَنا ... وجَدّ التّجاري فالفرزدقُ ظالعُ وأما بنو سَعد فلو قُلتَ أنصِتوا ... لتُنشدَ فيهم حَزّ أنفكَ جادعُ رَأيتكَ إذ لم يغنكَ اللهُ بالغِنى ... لجأتَ إلى قيس وخَدكَ ضارعُ ويروى رجعت، قال: وذلك أنه كان لجأ إلى الحجاج. وضارع خاضع ذليل.

وما ذاكَ أنْ أعطى الفرزدقُ باستهِ ... بأول ثَعرِ ضَيّعَتهُ مجاشعُ ألا إنما مجدُ الفرزدق كيرِهُ ... وذُخر لهُ في الجنبتين قَعاقعُ يريد حديد القين وأداته. قال: والجنبة جلدُ بعير مثل الكنف، يجعل فيه القين ألته، وقعاقع يعني قعقعة. يقولُ لليلىَ قينْ صَعْصَعَة اشفَعي ... وفيما وراء الكير للقينْ شافعُ لَعَمري لقدْ كانتْ قُفَيرةُ بيّنَت ... وشِعْرة في عينيكَ إذ أنتَ يافعُ تَبَينّ في عينيكَ مِن حمرَة استها ... بُروق ومُصفَر مِنَ اللونِ فاقعُ ويروى عروق ومصفر. والفاقع الشديد الصفرة، وهو من قوله تعالى: {صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} إذا أسفرَتْ يوما نساء مجاشعِ ... بدَتْ سَوءة مما تجنُ البَراقعُ مَناخرُ شانتها القُيونُ كأنها ... أنوفُ خَنازيرِ السّوادِ القَوابعُ القوابع صوت، يقال من ذلك قبع الخنزير إذا صوّت، والقبوع صوت الخنزير ويروى سافتها. مَباشيمُ عَنْ عبّ الخَزيرِ كأنما ... تُصوّتُ في أعفاجهنّ الضفادِع وقدْ قَوستْ أمّ البَعيثِ وأكرهتْ ... على الزفر حتى شَنّجتها الأخادعُ صَبور على عَضَ الهَوان إذا شتتْ ... ومغليمُ صيف تبتغي مَنْ تُباضعُ لقد علمتْ غيرْ الفِياشِ مجاشعِ ... إلى مَنْ تصيرُ الخافقاتُ اللوامعُ الفياش الجحف، وهو النفخ، وهو أن يفخر الرجل بما ليس عنده، وهو طرف من البذخ بالكذب. لنا بانيا مجد فبان لنا العُلى ... وحام إذا احمرّ القَنا والأشاجعُ

قوله إذا احمر القنا والأشاجع، يعني من الطعن. قال: والأشاجع العصب على اليد. يقول فقد احمر القنا والأشاجع من الطعن بالدم. أتعدلُ أحسابا كراماً حُماتُها ... بأحسابكم إني إلى اللهِ راجعُ لقومي أحمَى في الحقيقة منكمُ ... وأضربُ للجبارِ والنقعُ ساطعُ ويروى للحقيقة. قوله للجبار، يعني رئيس القوم، قال الشاعر: وكنا إذا الجبارُ صعّر خدّهُ ... علينا ضربنا رأسهُ فتقَوّما والحقيقة ما يلزمك حفظه قال: والنقع الغبار، وهو من قول الله عز وجل: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً}. وأوثَقُ عندَ المُردفاتنِ عشيّة ... لحاقاً إذا ما جرّدَ السيف لامعُ ويروى المُرهقات، وهي المدركات المُعجلات عن الهرب. يقول: لحقن عند الهرب والنجاء، وسيجيء حديثه في موضعه. وأمنعُ جيراناً وأحمدُ في القرىَ ... إذا اغبرّ في المحل النجومُ الطوالعُ وسامٍ بَدهم غير مُنتفضِ القُوىَ ... رئيس سَلَبنا بَزّهُ وهوَ دارعُ قوله وسام ورُبّ سام، يعني مرتفع النظر وقوله بدَهم، يعني بجيش كثير العدد. يقال من ذلك: أتانا فلان في الدّهم، وذلك إذا أتاهم في جمع كثير لا يُحصى. غير منتفض، أي هو مُحكم الأمر. ندَسنا أبا مَنْدوسةَ القينْ بالقَنا ... ومارَ دَمٌ مَن جارِ بَيْبَةَ ناقعُ قوله ندسنا، يعني طعنّاه ومار يعني جاء وذهب، كما يقال هاج البحر وذلك إذا اضطربت أمواجه فجاءت وذهبت. وناقع شافٍ مُرو، وأبو مندوسة، مُرّة بن سفيان بن مجاشع، قتلته بنو يربوع في يوم

الكُلاب الأول، وهو يوم قتل شُرحبيل بن الحارث بن عمرو ابن حُجر، آكل المُرار، وقد كتبنا حديثه في غير هذا الموضع قال: وجار بيبة هو الصّمّة بن الحارث الجُشمي، قتله ثعلبة بن حصبة، في جوار الحارث بن بيبة بن قُرط بن سفيان بن مجاشع. ونحنُ نفرنا حاجباً مجدَ قومهِ ... وما نالَ عمرو مجدَنا والأقارع قوله نفرنا غلبنا. وقد كتبنا قصة حاجب وعُتيبة بن الحارث ومخاطرتهما على بني يربوع، حين سار إليهم قابوس وحسّان ابنا المنذر، ليقعوا بهم، فكانت الدائرة على قابوس وحسّان، ومن معهما قال: وقمر وعتيبة حاجباً مائة من الإبل، كانا تخاطرا عليها. وقوله وما نال عمرو مجدنا، يعني عمرو بن زيد والأقارع يعني ابن حابس وأخاه فراساً. ونحنُ صَدَعنا هامةَ ابنِ محُرّق ... فما رقأت تلكَ العيونُ الدوامعُ قال أبو عبد الله: يروى فلا رقأت. وقوله رقات، يقول: ما احتبست، يقال للرجل إذا دعوا عليه: لا رقأ دمعك. يقول: لا زال دمعك سائلاً بالمصائب والفجعات فإذا دعوا له قالوا: ما له رقأ دمعه، والمعنى في ذلك يقول: لا زال فرحاً مسروراً، فدمعه راقيء، يعني محتبس. قال: وابنُ محرّق، قابوس بن المنذر بن النعمان الأكبر. قال: أسرة طارق ابن حصبة بن أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، يوم طخفة، وقد كتبنا حديثه. وما باتَ قوم ضامنينَ لنا دماً ... فتُوفينا إلاّ دِماء شَوافعُ قوله شوافع، يقول: لا يوفينا إلا دمان من غيرنا بدم واحد منا. بِمرُهَفَة بَيض إذا هي جردَتْ ... تَألقُ فيهنّ المَنايا اللوامعُ قوله بمرهفة، يريد مرقّقة بالمسان، يريد هذه السيوف. وقوله

اللوامع، يقول: هذه السيوف لها بريق ولمعان كالبرق. لقدْ كانَ يا أولادَ خَجْخَجَ فيكُمُ ... محُوّلُ رَحْلٍ للزُبيرْ ومانعُ وقدْ كادَ في يوم الحَواري جاركُمْ ... أحاديثُ صمّتْ مِن نَثاها المَسامعُ وبتُمْ تعشّون الخَزير كأنكمْ ... مُطلّقَةُ حيناً وحيناً تُراجعُ بُقَبحُ جبريلٌ وجوهَ مجُاشع ... وتنعى الحَواريّ النجومُ الطوالعُ إذا قيلَ أيُ الناس شرّ قبيلَةً ... وأعظَم عارا قيلَ تلك مجاشع بَني ضَمْضَمِ السّوءاتِ لمّا أقادَكُمْ ... نُبَيْهُ إستها سُدّتْ عليه المَطالعُ قوله بني ضمضم وهو بنو مجاشع قال: ونبيه رجل كان يعين الفرزدق على جرير، ويروي هجاء جرير. فأصبحَ عَوف في السلاح وأصبحتْ ... تَفُشٌ جُشاءات الخَزيرِ مجاشعُ قوله فأصبح عوف، يعني عوف بن القعقاع بن معبد بن زرارة، قاتل مزاد، وقد مر حديثه فيما أمليناه، وقوله تفش، يريد تخرج الجشاء. وما سَلَمتْ منها حُوَيّ ولا نَجَتْ ... فُروجُ البَغايا ضَمْضَم والصعاصعُ قوله حوي، هو حوي بن سفيان بن مجاشع. قال: وضمضم بن عقال، والصعاصع صعصعة بن ناجية وولده. نَدِمْتَ على يوم السّباقَينْ بعدما ... وهبتَ فلم يوجد لوهيك راقعُ قال: السباق وادٍ بالدهناء يعني قتل مزاد. فما أنتمُ بالقوم يوم افتديتُم ... بِهَ عَنوةً والسمهريّ شوارعُ فأجابه الفرزدق فقال:

منا الذي اختيرَ الرجالَ سَماحةً ... وخيراً إذا هبّ الرياحُ الزعازعُ ومِنا الذي أعطى الرسولُ عَطيّة ... أسارَى تميمٍ والعُيونُ دَوامِعُ قال: وذلك أن الأقرع بن حابس كلّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحاب الحُجرات، وهم بنو عمرو بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم، فرد سبيهم وحمل الأقرع الدماء. ومنا الذي يُعطي المائينَ ويشتري ... الغوالي ويعلو فضله مَنْ يُدافِع ومنا خطيب لا يُعابُ وحامِلٌ ... أغرّ إذا التفّت عليهِ المَجامعُ قوله خطيب، يعني شبّة بن عقال بن صعصعة. قال: والحامل يعني عبد الله بن حكيم بن نافذ من بني حُوي بن سفيان بن مجاشع، وكان يقال له القرين، والأغر من الرجال، المعروف، كما يُعرف الفَرس بغرته في الخيل، يقول: فهو معروف في الكرم والجود. ومنا الذي أحيَى الوئيدَ وغالِبُ ... وعمرو ومنا حاجبُ والأقارعُ قال: الذي أحيى الوئيد، يعني جده صعصعة بن ناجية بن عقال، وغالب أبوه. قال: وعمرو بن عمرو بن عدس، قال والأقارع، الأقرع وفراس ابنا حابس بن عقال.

قال اليربوعي، حدثني عقال بن شبة بن عقال بن صعصعة، أنه كان من حديث صعصعة وإحيائه الوئيد، قال: خرجت باغياً لناقتين عُشراوين فارقين، فرفعت لي نار، فسرت نحوها، وهممت بالنزول، قال: فجعلت النار تُضيء مرة وتخبو أخرى، فلم تزل تفعل ذلك حتى قلت: اللهم إن لك علي إنْ بلّغتني هذه النار الليلة، ألا أجد أهلها يوقدونها لكربة يقدر أن يُفرجها أحد من الناس، إلا فرّجتها عنهم. فلم أسر إلا قليلاً، حتى انتهيت، فإذا صرم من بني أنمار بن هُجيم بن عمرو بن تميم، وإذا شيخ حادر أشعر يوقدها في مقدّم بيته، والنساء قد اجتمعن إلى امرأة ماخض، قد جبستهم ثلاث ليال، فسلمت، فقال لي الشيخ: مَن أنتَ؟ قلت أنا صعصعة بن ناجية. قال: مرحبا بابن سيدنا، ففيم أنتَ يا ابن أخي؟ قلت: في بغاء ناقتين لي فارقين عمي علي أثرهما. قال: وقد وجدتهما، وقد أحيى الله بهما أهل بيت من قومك، وقد نتجناهما، وعطفنا إحداهما على الأخرى، وهما تانّك في أدنى الإبل. قال: قلت لمَ توقد نارك منذ الليلة؟ قال: أوقدها لامرأة ماخض قد جبستنا منذ ثلاث ليال. قال: وتكلم النساء فقلن: قد جاء، قد جاء، يعنين الولد. قال الشيخ: إن كان غلاماً فوالله ما أدرى ما أصنع به، وإن كانت جارية فلا أسمعنّ صوتها أقتلنها. قلت يا فل ذرها، فإنها ابنتك، ورزقها على الله، وقلت: أنشدك الله، قال: إني أراك بهات حفيّا فاشترها مني. قلت: فإني أشتريها منك. قال: ما تعطيني. قلت أعطيك إحدى ناقتيّ. قال لا قلت: أزيدك الأخرى، فنظر إلى جملي الذي كان تحتي، فقال: لا، إلا أن تزيدني جملك هذا، فإني أراه حسن اللون، شاب السن. قلت: هو لك والناقتان على أن تُبلغني عليه أهلي. قال: قد فعلت، فابتعتها منه بلقوحين وجمل، وأخذت عليه عهد الله وميثاقه، ليُحسنن برها وصلتها ما عاشت، حتى تبين عنه أو يدركها الموت قال: فلما برزت من عنده، حدّثت نفسي فقلت: إن هذه لمكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب، وقلت: اللهم إن

لك ألا أسمع برجل من العرب يريد أن يئد ابنة له، إلا اشتريتها منه بلقوحين وجمل. قال وبُعث - النبي صلى الله عليه وسلم - وقد أحييت مائة موءودة إلا أربعاً، ولم يشركني في ذلك أحد من العرب، حتى أنزل الله عز وجل تحريم ذلك في القرآن: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً} قال اليربوعي: وحدثني أبو شيبة القرشي، ثم الزهري، يرفع الحديث إلى صعصعة، أنه أحيى ثلاثمائة موءودة إلا أربعاً. رجع إلى شعر الفرزدق: ومنا غَداةَ الرّوع فِتيانُ غارة ... إذا مَتعتْ تحتَ الزجاج الأشاجعُ قوله متعت، يريد ارتفعت بالسيوف بعد الطعان بالرماح، قال: والأشاجع عصب ظاهر الكف. ومنا الذي قادَ الجيادَ على الوَجا ... لنَجرانَ حتى صبّحتها النزائعُ قال: وإنما أراد عمرو بن حُدير بن المُجبر، والمجبر هو سلمى بن جندل بن نهشل. قال: والأقرع بن حابس أغار على أهل نجران، وقد كتبنا حديثهما، والوجا الحفا. والنزائع من الإبل والخيل التي نُزعت من هاهنا إلى هاهنا فقد تُخيرت. أولئكَ آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جريرُ المَجامِع نموني فأشرقتُ العَلايةَ فوقكمْ ... بحُور ومنا حامِلونَ ودافِعُ والعلاية، يقول أعلو وأقهر الناس، ويروى العلاءة.

بهِمْ أعتلي ما حمّلَتني مجُاشِعُ ... وأصرعُ أقراني الذينَ أصارِعُ فيا عجبي حتى كُليبُ تسُبّني ... كأنّ أباها نهشلَ أو مجاشِعُ أتفخرُ أنْ دقّتْ كُليبُ بنهشل ... وما مِنْ كُليبَ نهشل والربائعُ قال: الربائع ربيعة الكبرى ابن مالك بن زيد مناة بن تميم، وهم رهط علقمة بن مالك بن زيد، وهم رهط المغيرة بن حبناء. ورهط أبي بلال مرداس بن أدية، وعروة بن أدية، وربيعة الصغرى، وهو ربيعة بن مالك بن حنظلة، وهم حنظلة، وهم رهط حنتف بن السجف، وهو قاتل حُبيش بن دلجة القيني، وكان مروان بعثه إلى أهل المدينة، ليعمل بهم ما عمل بهم مسلم بن عقبة المري، قاتل أهل الحرة. قال: فكل واحد منهم عم صاحبه. ولكنْ همُا عمّايَ مِنْ آل مالكِ ... فأقْع فقدْ سدّتْ عليك المطالعُ قوله فأقع، يقول: اقعد على إستك، كما يُقعي الكلب. فإنكَ إلا ما اعتصمتَ بنهشل ... لمُستَضعف يا بنَ المَراعَة ضائعُ إذا أنتَ يا أبن الكلبِ ألقتكَ نهشل ... ولم تكُ في حلْف فما أنتَ صانعُ ألا تسألونَ الناسَ عنا وعنكمَ ... إذا عظّمتْ عندَ الأمورِ الصناتع تعالَوا فعُدوا يعلمِ الناس أينا ... لصاحِبهِ في أول الدهر تابعُ وأيُ القَبيلَينْ الذي في بيوتهِم ... عِظامُ المَساعي واللهَى والدسائعُ قال: اللهى في مذهب جمع والدسائع العطايا، وأصل اللهوة من الطعام تُلقّمُها الرحا.

وأينَ تُقضي المالِكان أمورهَا ... بحَق وأينَ الخافقاتُ اللوامعُ المالكان يعني مالك بن زيد بن تميم، ومالك بن حنظلة بن مالك بن زيد بن تميم. وأينَ الوجوهُ الواضِحاتُ عَشيّة ... على البابِ والأيدي الطّوال النوافعُ ويروى الواضحات ومنهم الحكومة والأيدي. قال: بعث الله تعالى محمداً - صلى الله عليه وسلم - والأقرع ابن حابس حكم العرب في كل موسم، وهو أول من حرّم القمار، وكانت العرب تتيمن به، ذكر ذلك الأصمعي وأبو عبيدة. تَنَحّ عن البَطحاء انّ قديمَها ... لنا والجبال الباذَخاتُ الفوارعُ أخذنا بآفاقِ السماء عليكمُ ... لنا قَمَراها والنجومُ الطوالعُ قوله لنا قمراها أراد الشمس والقمر، فغلّب المذكر مع حاجته إلى إقامة البيت، وذلك كما قيل الأبوان للأب والأم. لنا مًقرَم يعلُو القُرومَ هَديرهُ ... بِذْخ كل فَحلٍ دونهُ مُتَواضعُ ويروى يعلو الفحول. ويروى كل قرم. وهذا أصح وأقوم. قال: والمقرم الفحل الذي لم يحطم، يركب، هو كريم على أهله، وذلك الأصل، ثم نُقل إلى أن قيل في الأنس مقرم القوم، وقرمهم وسيدهم. ويروى يعلو الفحال، وبذخ كلمة تقولها العرب فخراً، كأنه هدر. ويقال بخ، قال ابن الأعرابي. هوى الخَطَفى لما اختَطفتُ دماغَهُ ... كما اختَطَفَ البازي الخَشاشَ المُقارعُ الخشاش من الطير، الذي لا يصيد شيا، وليس هو بسبع من الطير،

والمقارع نعت البازي. أتعدلُ أحساباً لئاماً أدقّة ... بأحسابِنا إني إلى الله راجِع ويروى أتعدل أحساب لئام أدقّة. وكنا إذا الجبارُ صعّرَ خدهُ ... ضربناهُ حتى تستقيمَ الأخادعُ صعر خده يعني أماله تكبراً وتعظما، والصعّر الميل. قال: وهو من قوله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}، يقول ولا تلوه عنهم تعظماً وتجبراً، قال: والأخدعان عرقان في صفحتي العنق، يقول نضربه حتى تستقيم أخادعه، ويذهب صعره وكبره. ونحنُ جعلنا لابنِ طَيبةَ حُكمَهُ ... مِنَ الرُمح إذْ نقَعُ السنابكِ ساطعُ قوله لابن طيبة، ملك من ملوك غسان. قال: أغار يوم الترويح في غسان وطوائف من اليمن، على بني نهشل فهزموا جيشه وقتلوه، قتله أبي بن ضمرة بن جابر بن قن بن نهشل، وقتلوا أبا الهرماس الغساني فقال الأشهب بن رميلة، يفخر على الفرزدق بقتلهما، وبقتل بني نهشل خليف بن عبد الله النميري بذي نجب: ألمْ تسألْ فتُخبرَ يا بنَ قَينْ ... مَساعينا لدى الملكِ الهُمامِ ومَقتلَنا أبا الهِرماسِ عَمراً ... ومَسقانا بنَ طَيبةَ بالسّمامِ ونحنُ عشيّةَ الترويح عنكمْ ... رَددنا حَدّ ذي لجَبٍ لهامِ ونازَلنا المُلوكَ ونازَلَتنا ... على الركَبات في ضيقِ المُقامِ وغادرنا بذي نجَبٍ خُليقاً ... عليهِ سبائِبُ مثلُ القِرامِ قوله سبائب، هي طرائق الدم الواحدة سبيبة، والقرام الستر الرفيق

الأحمر ولجب أصوات مختلطة كثيرة. وقوله لهام، يقول هذا الجيش يلتهم كل شيء لكثرته. وكلُ فَطيم ينتهي لفِطامِهِ ... وكلُ كُليبي وإنْ شابَ راضعُ الفطيم القطيع من اللبن، والفطم القطع، كأنه راضع للؤمه. تزيدَ يربوعٌ بهمْ في عدادِهِمْ ... كمل زِيدَ في عَرضِ الأديمِ الأكارِعُ إذا قيلَ أي الناسِ شرِ قبيلةً ... أشارتْ كُليبٌ بالأكفّ الأصابعُ ويروى شرٌ قبيلةٍ. ويروى أشرّت. يقول: وكليب. قال: الناس هم شر الناس، وأشرّت أظهرت. ولمَ تمنَعوا يومَ الهُذيل بنَاتكمْ ... بَني الكلبِ والحامي الحقيقة مانعُ غَداةَ أتتْ خيلُ الهُذَيلِ وراءَكُمْ ... وسُدّتْ عليكمْ من إرابَ المَطالعُ إراب موضع. قال أبو عبيدة: وكان من قصة الهُذيل، وهو الهذيل بن هبيرة أبو حسان التغلبي، أنه أغار على بني يربوع باراب، فقتل فيهم قتلا ذريعاً، وأصاب نعما كثيراً، وسبى سبياً كثيراً، فيهن زينب بنت حميري بن الحارث بن همام بن رياح بن يربوع، وهي يومئذ عقيلة نساء بني يربوع، والعقيلة الكريمة على أهلها المفضّلة فيهم. قال أبو عبيدة، فحدثني أفار بن لقيط العدوي، وهو أبو خيرة، قال: كان الهذيل يسمى مجدّعاً، وكان بنو تميم يفزعون به ولدانهم، وأسر قعنبا، وسبى كآبة بنت جزء بن سعد الرياحي، ففداها أبوها جزء بن سعد، وتمنّع بمفاداة زينب بنت حميري، فركب عتيبة بن الحارث فيها، وفي أسرائهم، حتى فكهم، ثم بلغه أنهم يمرون نعتمه عليهم. وقوله يمرون يجدون قال أبو عبيدة وأنشدني سليط لعتيبة في ذلك:

أبلِغْ أبا قُرّانَ حيثُ لَقيتَهُ ... وبلِّغْ خِداماً إنْ نأي أو تجنّبا جلَبنا الجيادَ مِنْ وبالَ فأدركَتْ ... أخاكُمْ بنا في القدّ والمرء قَعنَبا فما ردّنا حتى حَلَلنا وثاقَهُ ... حديداً وقدّا فوقَ ساقيهِ مجلبا فقلنا لهُ إفسحْ بعض خَطوِكَ طالَ ما ... جلستَ وقدْ رُمتَ الخُطى يا ابنَ أرنبا وما كانتِ العَسراء ترجو إيابةُ ... ولا أمهُ مِنْ طولَ ما قدْ تَعتّبا أي لزم السجن، وقوله قد تعتبا، أراد لزم عتبة البيت لا يبرح، قال: وأبو قرّان، نعيم بن قعنب، وهو زوج زينب بنت حميري، ولدت له قران بن نعيم. قال: وخدام الذي ذكر، وهو خدام أخو نعيم بن قعنب ابن أرنب، وهي بنت حرملة بن هرمي، وهي بنت جزء بن سعد. همْ قارَعوكُم عنْ فُروجِ بناتِكُمْ ... ضُحىً بالعوالي والعوالي شَوارعُ فبِتنَ بُطوناً للعَضاريطِ بعدما ... لَمعنَ بأيديِهنّ والنقعُ ساطِعُ العضاريط التِّبّاع، واحدهم عُضروط. والنقع الغبار، وهو من قوله تعالى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} إذا استعجلَ العُضروطُ حَلّ فِراشها ... تَوَسّدها قَدْ كَدّحَتها البَلاقِعُ إليكُمْ فَلمْ تَستَنزلوا مُردَفَاتكُمْ ... ولم تَلْحَقوا إذْ جرّدَ السيفَ لامِعُ يحُصّنُ عَنهُنّ الهُذَيل فِراشَهُ ... وهُنّ لخُدّام الهُذيل بَراذِعُ فراشه أي لا يجامعهن، يرفع نفسه عنهن، ويبذلهن للخدام. إذا حرّكوا أعجازَها صوّتتْ لهمْ ... مُفرّكَةً أعجازُهُنّ المَواقِعُ المواقعة في الجماع يريد أصواتها، وقوله المواقع، من قولك جمل موقع. قال: وذلك إذا كان به آثار دبر لكثرة ما يحمل عليه، فيريد أنه قد فُعل بهن مراراً كثيرة. قال الشاعر:

وما مِنكُمْ أفناء بَكرْ بنِ وائلٍ ... لِغارَتنا إلا ذَلولُ مُوقّعُ بَكَينْ إليكُمْ والرماحُ كأنها ... معَ القومِ أشطانُ الجَرورِ النَوازِعُ أراد منزوع لها. قال: والجرور البعيدة القعر، التي لا يُستقى عليها إلا بسانية. دَعَتْ يالَ يربوع وقدْ حالَ دونها ... صُدورُ العوالي والذكورُ القواطعُ فأيّ لحَاقٍ تَنظُرونَ وقد أتى ... على أمُلِ الدّهنا النساء الرواضِعُ ويروى المراضع. الأميل رمل يطول بلا عرض كثير، وقوله أمل، واحدها أميل، وهو الرمل يعرض ويستطيل مسيرة أيام، والدهنا الرمال الكثيرة. وهُنّ رُدافَى يَلتَفتْنَ إليكُمُ ... لأسوُقِها خَلفَ الرجال قَعاقِعُ بِعيط إذا مالَتْ بهِنّ خمَيلَة ... مَرَى عَبراتِ الشّوقِ مِنها المدامعُ قوله بعيط يريد بأعناق عيط، وهي الطوال؛ من قولك ناقة عيطاء، وبعير أعيط. ومرى حلب. تِخَقٌ الكُلَيْبيّاتُ تحتَ رجالهِمْ ... كما نَقَ في جوف الصرّاة الضفادعُ الخفيق صوت الفرج. والصراة الماء المتغير في لونه وريحه، قوله تخق الكليبيات تحت رجالهم، هو النخير عند غشيان الرجال إياهن. يقول: هن ينخرن عند الغشيان من الغُلمة. فجِئنَ بأولادِ النصارى إليكُمْ ... خَبالى وفي أعناقهنّ المَدارعُ ترَى للكُليبيّاتِ وسطَ بُيوتهِمْ ... وجوهَ إماء لمْ تَصُنها البَراقِعُ كأنّ كُليبا حين تشهدُ محفلا ... حُلاقَةُ إسبْ جمّعتها الأصابعُ الإسب شعر العانة.

وقال جرير للفرزدق، وآل زبرقان بدر البهدليين، ويخص عيّاشاً، وإخوته، وأمهم هنيدة بنت صعصعة، عمة الفرزدق، وكانت تسمى ذات الخمار. قال: وهو لقولها: من جاء من نساء العرب بأربعة رجال، يحل لها أن تضع خمارها عندهم كأربعتي، فصرمتي لها: أبي صعصعة، وأخي غالب، وخالي الأقرع، وزوجي الزبرقان بن بدر: أمِنْ عهدِ ذي عهد تفيضُ مدامعي ... كأنّ قذَى العينينْ مِنْ حَبّ فُلفُلِ ويروى دموعه. وقوله أمن عهد ذي عهد، أي مكان قد كنت عهدته، ثم أحدثت به عهداً تفيض مدامعي، وقوله من حبّ فلفل، أي كأن الذي وقع في عيني من القذى، حب فلفل، فهو أكثر لدمعها. فإن يرَ سلمى الجِنُ يَستَأنسوا بها ... وإنْ يرَ سلمى راهبُ الطُورِ ينزل مِنَ البِيضِ لم تَظعَنْ بعيداً ولمْ تطأ ... على الأرض إلا نيرَ مرط مُرَحّل قوله مرحل، يعني معلماً. يقول: لم تلبس إلا مرطاً، وهو إزار من خَزّ معلم، وقال بعضهم: يكون المرط أيضاً من الصوف معلماً، وهو أيضاً المرحّل، والمرحّل المنقوش على عمل الرحال. إذا ما مَشتْ لمْ تنتهزْ وتأوّدَتْ ... كما أنآدَ مِنْ خيل وَج غير مُنعَل تأودت تثنّت في مشيتها من سمنها ونعيمها، كمشي هذا الذي يمشي وهو وج حَفِ، فهو يمشي ويتّقي على قدميه، لا يطأ عليهما وطئاً شديدا. كما مالَ فضلُ الجُلّ عَنْ متن عائِذ ... أطافَتْ بِمُهرٍ في رباط مُطَولِ

قوله عائذ جماعها عوذ، وهي التي معها ولدها، يقال للواحد عائذ وعوذ للجميع. وقوله مطول، يريد هو مشدود بطول، قال: والطول الحَبل. لهَا مِثل لونِ البَدرِ في ليلةِ الدُجِي ... وريحُ الخُزامىَ في دِماث مُسَيّلِ الدماث من الأرض السهلة اللينة، قال: وهو مشتق من الدميث، وهو الرمل اللين. أإنْ سُبّ قَينْ وأبنُ قَينٍ غَضِبْتُمُ ... أبهدَلَ يا أفناء سَعد لبَهدَلِ قوله يا أفناء سعد لبهدل، كما قال الله تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} أي تعجبوا لإيلاف قريش. أعيّاشُ قَدْ ذاقَ القُيونُ مرارتي ... وأوقدتُ ناري فادنُ دونكَ فاصْطَل فلما بلغ هذا البيت عياشاً قال: إني إذا لمقرر. سَأذكُرُ ما قالَ الحُطيئةُ جارُكُمْ ... وأحدثُ وسما فوقَ وسم المُخَبّلِ يريد المخبل الشاعر، واسمه ربيعة، واسم الحطيئة جرول، وهما جميعاً هجوا الزبرقان بن بدر. أعيّاشُ ما تُغني قُفيرةُ بعدما ... سَقيتك سماً في مَرارَة حَنظل أعيّاشُ قدْ آوتْ قُفيرةُ نَسلَها ... إلى بيت لُوم ما لَهُ مِنْ محُوّل تُذَيّر أبكارَ اللقاح ولم تكنْ ... قُفَيرة تدري ما جناةُ القَرنفُل قال الذئار بعر رطب يُجعل بين خلف الناقة، وبين خيط الصرار، حتى يقي الخلف. قال: والتذئير الصرار ببعرة، وذلك إذا أعوز الصرار.

فإن تدّعوا للزّبرقان فإنكُمْ ... بَنو بنت قينِ ذي عَلاة ومرحَلِ العلاة سندان القين، ومرجل قدر من حديد، فإن كانت من حجارة، فهي البرمة. وقوله بنت قين يريد هنيدة بنت صعصعة. وما حافظتْ يومَ الزُبيرْ جاشِع ... بنَو ثيلِ خَوّار يُداوَى بحَرمَل ولوْ باتَ فينا رَحلُهُ قدْ عَلمتمُ ... لآبَ سليماً والضبّابَةُ تنجلي ويروى لأب جميعاً أي سيظهر الأمر ويبدو. فشُدّوا الحُجَى للغدر إنيّ مُشمّر ... إذا ما عَلامَتْنَ المُفاضَةِ محمَلي المفاضة درع واسعة، وقوله محملي يعني محمل السيف. ولا تطلُبا يا ابني قُفيرةَ سابقاً ... يدقُ جماحاً كلّ فأس ومِسحَلِ الفأس، فأس اللجام المنتصب في الفم وهو اللسان. والمسحلان الحديدتان اللتان اكتنفتا اللحيين في أطرافهما سير العذار. والشكيمة الحديدة المعترضة في وسطها. كما رامَ منا القين أيام صوءر ... فلاقَى جماحاً مِنْ حمِام مُعَجّل ضَغا القِردُ لمّا مَسّهُ الجدُّ واشتكيَ ... بَنو القَين منا حَدّ ناب وكَلْكَل أتمدَحُ سَعدا بعدَ أسلابِ جارِكُمْ ... وجَرّ فَتاةٍ عُقرُها لم يحُلّل قوله جاركم يعني الزبير، وقاتله ابن جرموز السعدي. أجعثِنُ قدْ لاقيتْ عِمرانَ شارباً ... على الحبةِ الخضراء ألبانَ أيّلِ يقول إذا شرب الحبة الخضراء، مع ألبان الأيل هاجت غلمته.

فباتتْ تُنكاكُ الشغزبية بعدما ... دعتْ بنتُ قين الكيرِ لم يتوكلِ ويروى تُناك الحوزقية، ويروى الجوربية. ويروى بنت قين بات لم يتوقل. ويروى مات لم يتوكل. والشغزبية أن تضع إحدى رجليها وترفع الأخرى. لعلكَ ترجو يا ابنَ نافِخ كيرِة ... قُروماً شَبا أنيابِها لم يُفَلّل قوله قروماً، قال: القرم الفحل من الإبل الكريم على أهله، الذي لم يمسسه حبل ولا حمل، ثم نُقل إلى الكريم السيد، والأصل في الإبل. وهذا من الحروف المنقولة، تُنقل من موضعها إلى غيرها، وقد تفعل العرب ذلك كثيراً، وشبا أنيابها حد أنيابها، ولم يُفلل، يريد لم تُفلّ ولم تُكسر، ومنه يقال: المرجل ما يفل منه شيء. أي لا يؤخذ منه شيء. تَوجّعُ رَصفَ الركبتينْ وتشتكي ... مَساحِجَ مِنْ رَضراضَة ذاتِ جَندَلِ والرضراضة الأرض الكثيرة الحصى. أتعدلُ يربوعاً وأيامَ خَيلِها ... بِأيام مَضفونينَ في الحربِ عُزّل الضفن ضرب الأست بالرجل من خلف أسته وهو قائم، ويروى وقّافين. ألا تسألونَ المُردَفاتِ عَشِيّةً ... معَ القومِ لا يخبَأنَ ساقاً لِمُجتَلِ يعني يوم المروت، يوم منع بنو يربوع سبي بني العنبر، وأسروا بحير ابن عبد الله، وقد مر حديث المروت. مَن المانعونَ السبيَ لا تمنعونَهُ ... وأصحابُ أعلالِ الرئيسِ المُكَبّلِ وفي أيّ يوم لم تُسَلّلْ سيوفنا ... فنَعلو بِها هامَ الجَبابِر مِنْ عَلِ ويروى فيغلي بها.

فما لُمتُ نفسي في حديثٍ وليتُهُ ... ولا لمتُ فيها قَدّمَ الناسُ أوّلي فأجابه الفرزدق فقال: أتنسى بنو سًعدٍ جَدودَ التي بِها ... خذلتم بني سعد على شر مخذل يعني خذلان بني يربوع بني سعد، حين أدركوا الحوفزان ومن معه، من بكر بن وائل. قال: وكان الحوفزان قد أغار على بني رُبيع فأغاثتهم بنو سعد. قال: ويومئذ حُفز الحوفزان في أسته بالرمح واسمه الحارث بن شريك بن عمرو، وعمرو، هو الصلب، وهو لقب لُقب به. عَسِيّةَ ولّيتُمْ كأنّ سُيوفَكُمْ ... ذآنينُ في أعناقِكُمْ لمْ تُسلّلِ الذانين نبتة طويلة ضعيفة لها رأس مدور. وشيبانُ حولَ الحوفَزان بوائِلِ ... مُنيخاً بجيشٍ ذي زوائدَ جَحفل قوله ذي زوائد، يعني هذا الجيش ذو زوائد، جحفل كثير الأهل والتباع، ويقال الجحفل الكثير الخيل والسلاح. دَعَوا يالَ سعد وادّعَوا يالَ وائِل ... وقدْ سُلّ مِنْ أغمادِهِ كل مُنضُل قبيلَين عند المُحصَناتِ تَصاوَلا ... تَصاوُلَ أعناقِ المصاعيبِ مِنْ عَلِ عَصَوا بالسيوفِ المَشرفيّهِ فيهمِ ... غَيارى وألقَوا كُلّ جَفنٍ ومَحمَلِ قوله عصوا بالسيوف، يقول اتخذوا السيوف كالعصي. حمَتْهُنّ أسيافٌ حِدادُ ظُباتهُا ... ومنْ آلِ سعدٍ دَعوةٌ لم تهُلّلِ

قوله لم تهلل، يقول دعوتهم صدق لم تُكذّب. دَعَونَ وما يَدرينَ منهُمْ لأيهَمْ ... يكُنْ وما يخفينَ ساقاً لمُجتَل لعلكَ مِنْ في قاصعائَكَ واجِدٌ ... أباً مثلَ عبدِ اللهِ أو مثلَ نهشل وآل أبي سُود وعوفِ بنِ مالكِ ... إذا جاء يومٌ بأسهُ غيرُ مُنجل قوله وآل أبي سود، قال: أبو سود وعوف من بني طُهيّة. ومُتخَذٌ منا أباً مثلَ غالِبٍ ... وكان أبي يأتي السماكَين مِنْ عَلِ وأصيدَ ذي تاج صَدَعنا جبينَهُ ... بأسيافنا والنقعُ لمْ يتَزَيّل ترى خزَراتِ المُلكِ فوقَ جَبينه ... صَوولُ شَبا أنيابِهِ لم يُفَلّل وما كانَ مِنْ آرِيّ خَيل أمامَكُمْ ... ولا محتبىً عندَ الملوكِ مُبَجّلِ ويروى محتب، وهو أجود. مبجل معظّم. ولا أتبعتكُمْ يومَ ظعنِ فلاؤها ... ولا زُجرَتْ فيكُمْ فحالتُها هَل ولكنّ إعفاء على إثر عانَة ... عليهِنّ أنحاء السّلاء المُعَدّل الإعفاء واحدها عفو، قال وهو ولد الحمار. وأنحاء جمع نحي وهو زق السمن. وعانة جماعة حمير. بناتُ ابنِ مَرقومِ الذّراعَين لم يكنْ ... ليذْعَرَ مِنْ صوتِ اللجامِ المُصَلْصِلِ أرى الليلَ يجلوهُ النهارُ ولا أرى ... عظامَ المخازي عَنْ عَطيّةَ تَنْجَلي أمِنْ جَزَع أنْ لم يكُن مثلَ غالبٍ ... أبوكَ الذي يمشي بِربْق مُوَصّلِ ظَللت تُصادي عن عَطيّة قائماً ... لِتَضربَ أعلى رأسِهِ غير مُؤتَلِ قوله تصادي، يقول تُداري، وتخاتل، وهي المُصاداة. لكَ الويلُ لا تقتُلْ عَطيّةَ إنهُ ... أبوكَ ولكنْ غيرهُ فتَبَدّل وبادلْ بهِ مِنْ ثومِ بضعةَ مثلَةُ ... أباً شرّ ذي نعلينْ أو غير مُنعَلِ فإن همْ أبَوا أنْ يقبَلوهُ ولم تجدْ ... فِراقاً لهُ إلا الذي رُمتَ فافَعلَ

وإنْ تهجُ آلَ الزبرقانِ فإنما ... هَجوتَ الطوالَ الشُمّ مِنْ هَضبِ يَذْبُل وقدْ ينبح الكلبُ النجومَ ودونها ... فَراسِخُ تنضي العين للمتأمل يقول: فكما لا يضر النجوم نباح الكلب، كذلك لا يضرنا قولك، وقوله تنصي العين يقول تحسر الطرف قال أبو عبد الله: ومن كلام العرب، قد ينبح الكلب القمر، يُضرب مثلا للذي يتعرض للشريف بعيب أو أذى. فما تمّ في سعد ولا آلِ مالكِ ... غُلامٌ إذا ما قيلَ لمْ يتبهدَل ويروى في عمرو ولا آل مالك. قوله يتبهدل، يريد ينتسب إلى بهدلة، وهم آل الزبرقان بن بدر، وبهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة. لهُمْ وهبَ النعمانُ بُرْدَ محَرّقٍ ... بِمجدِ مَعَدّ والعديدِ المحَصّلِ ويروى الجبار بدل النعمان.

قال أبو عثمان، قال أبو عبيدة: كان المنذر بن ماء السماء، وأمه بنت عوف بن جشم بن هلال بن ربيعة النمري، أبرز سريره، وقد اجتمعت عنده وفود العرب، ثم دعا ببردي ابنه محرّق، وهو عمرو بن هند، وأمه هند بنت الحارث بن عمرو بن حجر آكل المُرار. قال: وإنما سمي محرقا لأنه كان يحرّق الرجال بالنار، فمن ثم سمي محرقا. فقال: ليقم أعز العرب قبيلة، وأكثرهم عددا، فليأخذ هذين البردين قال: فقام عامر بن أحيمر بن بهدلة فأخذهما، فأتزر بواحد، وارتدى بالآخر. فقال له المنذر بمَ أنت أعز العرب. وأكثرهم عددا؟ فقال: أيها الملك، العز والعدد من العرب في معد، ثم في نزار، ثم في مضر، ثم في خندف، ثم في تميم، ثم في سعد ثم في كعب، ثم في عوف، ثم في بهدلة. فمن أنكر هذا من العرب فلينافرني، فسكت الناس، فقال المنذر: عند ذلك فهذه عشيرتك كما تزعم، فكيف أنت في أهل بيتك وبدنك؟ قال: أنا أبو عشرة، وأخو عشرة، وعم عشرة، وخال عشرة، تُعينني الأصاغر على الأكابر، والأكابر على الأصاغر وأما قولك كيف أنت في بدنك فشاهد العز شاهدي. ثم وضع قدمه على الأرض، فقال من أزالها من الأرض فله مائة من الإبل. فلم يقمْ إليه أحد من الناس، وذهب بالبردين، فسميَ ذا البردين قال الزبرقان بن بدر:. وبُردا ابْن ماء المُزنِ عمي اكتَساهمُا ... بِعِزّ مَعد حينَ عُدّتْ محَاصلُهْ رآهُ كِرامُ الناس أولاهم بهِ ... ولم يجدوا في عِزّهم مَنْ يُعادلهْ قال شيبان بن دثار النمري، يمدح بني بهدلة ويخص الزبرقان بن بدر، ويهجو بني قريع بن عوف، ويخص بني لأي بن أنف الناقة، وهو جعفر بن قريع: مَنْ يكُ سائلاً عني فإنيّ ... أنا النّمَريُ جارُ الزبرِقانِ طَريدُ عشيرة وطَريدُ حرب ... بما اجترمَتْ يدي وجَنَى لساني

أبيتُ الليل أرقُبُ كلّ نجمْ ... شَآم قَرّ في بَلَد يَمانِ كأني إذْ حَللتُ بِهِ طَريداً ... حَللتُ على المُمَنّع مَنْ أبانِ إلى بيت الأكارمِ مِنْ مَعَدّ ... محَلاّ بَيّناً لمنِ ابتغاني فخَلّوا عنهم يا آل لاي ... فليسَ لكُمْ بِسعيِهم يَدان غَداة سعى لهم عمرُو بنُ طَوقِ ... وذو البردَين نَعمَ الساعيانِ رجع إلى شعر الفرزدق: وهم لَرسول اللهِ أوفَى مجُيرُهُمْ ... وعّموا بفَضلٍ يومَ بُسر مجُلّل هَجَوتَ بني عَوف وما في هجائهم ... رَواحُ لعَبد مِنْ كُليب مُغَربَل أبهدَلَةَ الأخيارَ تهجو ولم يَزَلْ ... لهُمْ أول يَعلو على كُلّ أوّلِ قال: لما قُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتدت العرب عن الإسلام إلا القليل، وأبوا أن يؤدوا الزكاة وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجالا من أفناء العرب على صدقات عشائرهم، فلما قُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهب بعضهم ما في يديه من الصدقة، وتربص بعضهم، وكان أول من ورد المدينة بالصدقة على أبي بكر - رضي الله عنه - عدي بن حاتم، ثم الزبرقان بن بدر، وكان مما قوى الله - عز وجل - به الإسلام، قال: وكبّر أهل المدينة وفرحوا بوفاء الزبرقان، قال: وجهّز أبو بكر - رضي الله عنه - خالد بن الوليد - رضي الله عنه - إلى أسد وغطفان، وهم على بزاخة قد ارتدوا مع طليحة بن خويلد الفقعسي. ففي ذلك يقول الزبرقان بن بدر: وفيتُ بأذْوادِ الرسولِ وقدْ أبتْ ... سُعاة فلمْ يَردُدْ بعيرا مجُيرُها معاً ومنعناها منَ الناس كلهمْ ... تَراها الأعادي حولنا ما تُضيرُها وأديتُها مِنَ أنْ تُضامَ بذمتي ... محَانيقَ لم تُدرَس رُكوباً ظُهورُها أردْتُ بها التقوىَ ومجدَ حَديثها ... إذا عُصبَة سامَي قَبيلي فَخورُها

وإنيّ لَمن قومْ إذا عُدّ سَعيُهُمْ ... أبىَ المُخزِياتِ حَيُها وقَبيرُها صِغارهُمُ لم يَطبَعوا وكبارُهُمُ ... أصيبتْ مناياها عِفافا صُدورُها قال وبُسر الذي ذكر بُسر بن أرطاة، أحد بني نزار بن مغيص بن عامر ابن لؤي، بعثه معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - إلى البادية، ليقتل من كان من شيعة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يومئذ. فلما انتهى إلى بلاد بني سعد، سار بنو مقاعس، وهم صريم، وعبيد، وربيع بنو الحارث. وهو مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة، وعليهم طلبة بن قيس بن عاصم، فتوسّطوا بلادهم، فجُمعوا لبُسر، فخشيهم أن يُقدم عليهم، وأصاب من بني عوف غرّة، فأصاب فيهم، فطلبه بنو بهدلة فقاتلوه فهزموه، وأصابوا من أصحابه رجالا ففي هذه الفتنة يقول نابغة بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر لوبر بن أوس بن مغراء القريعي: لَعَمرُ أبيكَ يا وَبرَ بنَ أوس ... لقدْ أخزيت قَومكَ في الكلامِ أتتركُ معشرَا قَتَلو هُذيلا ... وتُوعدُني بقَتلي مِنْ جُذامِ ولمْ تفعلْ كما فَعل ابنُ قيس ... وعِرقُ الصّدْقَ في الأقوامِ نامِ سرى بمُقاعسِ وتركتَ عَوفاً ... ونمتَ ولم يَنمْ ليلَ التمامِ فأصبحَ دونهُ بَقَرُ التّناهِي ... وأصبحَ حَولكُم فِرقُ البهامِ قال هذا الشعر النابغة، لأن بني عوف اتهموا رجلا من بني جعدة، يدعى مزاحماً، وقالوا دلّ بُسرا على غرتنا فقال وبر بن أوس، يحضض بني عوف على مزاحم: يُقيمونَ يَرعَونَ النجيلَ وأنتُمُ ... تَنَهّسُ قَتلاكُمْ كِلابُ مُزاحِم

وقال الفرزدق يهجو جريرا ويُعرّض بالبعيث: وَدَّ جريرُ اللؤمِ لو كان عانياً ... ولم يَدْن مِنْ زأرِ الأسودِ الضرّاغِمِ ويروى غائبا. وقوله عانياً يعني أسيرا، يقال زأر يزئر، ويزأر زأرا. قال: والضراغم واحدها ضرغام وضرغامة، وهو القوي الشديد من الأسد. قال: والزأر إنما هو للأسد خاصة. وليسَ ابن حمراء العِجانِ بِمُفلتي ... ولمْ يَزدجرْ طير النُحوسِ الأشائم يقول: كيف لم يتعيف فيزجر طير النحوس الأشائم فينتهي عني. فإن كنتما قَدْ هِجتُماني عليكما ... فلا تجزعا وأستسمعا للمُراجمِ قوله واستسمعا يعني جريراً والبعيث. قال: والمُراجم يعني نفسه. يقول أنا مساب ومقاذف، أدفع عن نفسي وعن حسبي. يقول: يجيء من لساني من الهجاء، والقول الشديد، كما يرجم الرجل بالحجارة. لمِردَى حُروبٍ مِنْ لدُنْ شَدّ أزْرَهُ ... محُام عَنِ الأحْسابِ صَعْبِ المَظالمِ قوله مردى حروب، الردي الرجم، يقال من ذلك رداه يرديه ردياً شديداً. قال: ومن هذا قول العرب، قد أنصف القارة من راماها. ويروى من رادها، ومردى مرجمّ بالصخر، قال: والمرداة الصخرة التي يرمي بها الرجل صاحبه وقوله من لدن شد أزره، يقول: من لدن أنا غلام أحامي عن أحساب قومي، وأنا صعب القياد لمن ظلمني. غَموس إلى الغايات يُلفَى عَزيمُهُ ... إذا سَئمَتْ أقرانُهُ غير سائمِ ويروى سبوق. غموس ماض. إذا سئمت، يقول إذا ملّت الرجالات

من أصحابي، فأنا غير سائم، يقول فأنا غير ملول، لا أنا ضجر من ذلك. تَسورُ بهِ عندَ المَكارمِ دارِمٌ ... إلى غايةِ المُستَصعَبات الشّداقمِ قوله تسور به، يقول تثب به فترفعه، يعني نفسه، يعني تفخر بذكري عند المكارم، وتفرح المستصعبات. يقول: لم تمسسها حبال العمل. قال: والشراقم واحدها شرقم وهو الواسع مشق الشرق. قال: والميم زائدة، قال: وإنما كان الأصل فيه أن يقال، أشدق، فقالوا شدقم، وذلك كما قالوا للأسته من الرجال سُتهُم. رأتنا مَعَدٌّ يومَ شالَتْ قُرومُها ... قِياماً على أقتار إحدى العَظائمِ ويروى حين. وقوله أقتار يريد نواحي. وقوله يوم شالت قرومها، رفعت هذه القروم أذنابها، وهي خيار الأبل للايعاد، وإنما يفعل ذلك الفحل إذا أوعد، خطر بذنبه، يضرب به هذه الفخذ مرة، وهذه الفخذ مرة. رأونا أحَقّ بني نِزار وغيرهمْ ... بِإصلاح صَدع بينهمْ مُتَفاقم قوله متفاقم، هو الأمر العظيم الشديد، يقال قد تفاقم الأمر بينهم، إذا اشتد وصعب. حَقَنّا دِماء المسلمينَ فأصبحتْ ... لنا نِعمَة يُثنى بها في المواسمِ قوله في المواسم، يقول يُذكر غناؤنا ومناقبنا في المواسم، وهي المجامع التي يجتمع الناس بها فيتذكرون أيامهم. عَشيّةَ أعْطَتنا عُمانُ أمورَها ... وقُدْنا مَعَدّا عَنْوَة بالخَزائم قوله عنوة يعني قهرا. والخزائم الحلق في أنوف الإبل من شعر، فإن كانت من صُفر فهي بُرة. قال: ويجعلون البُرة خزاماً أيضاً.

ومنا الذي أعطى يديهِ رَهينةً ... لَغارَي مَعَدّ يومَ ضربِ الجماجمِ قوله لغاري معد، هما تميم وبكر، وهما الجُفان أيضاً، قال: والذي أعطى يديه رهينة، عبد الله بن حكيم بن زياد بن حوي بن سفيان بن مجاشع بن دارم، في خبر مسعود بن عمرو بن عدي بن محارب بن صنيم بن مليح بن سرطان بن معن بن مالك بن فهم. كفى كُلّ أمّ ما تخافُ على ابنها ... وهُنّ قيامٌ رافعاتُ المعاصِم عشيّة سالَ المِربدَان كلاهما ... عَجاجَةَ موتٍ بالسيوفِ الصوارِمِ قال والمربدان، يعني سكة المربد بالبصرة، والسكة التي تليها من ناحية بني تميم، جعلها مربدين، لأنها تساوي سكة المربد إلى الجبان، كما قالوا الشعثمان، وهما شعثم وعبد شمس، ابنا معاوية وكما قالوا الأحوصان، وهما الأحوص وعوف بن الأحوص، ومثل هذا كثير في كلامهم.

قال: حدثنا أبو عبيدة بحديث مسعود وقصّته، قال: فكتبنا منها بعض ما يجتزأ به من جملته. وقال أبو عبيدة: مبدأ حديثه، أن يونس ابن حبيب النحوي، حدثني قال: لمّا قتل عُبيد الله بن زياد الحسين بن علي - رضي الله عنهما - وبني أبيه، بعث بُرءوسهم إلى يزيد، فسر بقتلهم أولا، وحسنت بذلك منزلة عبيد الله عنده. قال: فلك يلبث إلا قليلاً حتى ندم على قتل الحسين - رضي الله عنه - فكان يقول: وما كان عليّ لو احتملت للحسين الأذى، فأنزلته معي في داري، وحكمته فيما يريد، وإن كان في ذلك وكف ووهن في سلطاني، حفظا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورعاية لحقه وقرابته، لعن الله ابن مرجانة، فإنه أخرجه واضطره، وقد كان سأله أن يخلي سبيله، ويرجع من حيث أقبل، أو يأتيني ويضع يده في يدي، أو يلحق بثعر من ثغور المسلمين، حتى يتوفاه الله تعالى فأبى ذلك وردّه عليه، وقتله، فبغّضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة فأبغضني، له البر والفاجر، بما استعظم الناس من قتلي حُسينا. ما لي ولابن مرجانة، لعنه الله وغضب عليه ثم إن عبيد الله بعث مولى يقال له أيوب بن حمران إلى الشام، ليأتيه بخبر يزيد. قال: فركب عبيد الله ذات يوم، حتى إذا كان في رحبة القصابين، إذا هو بأيوب بن حمران قد قدم، فلحقه فأسر إليه موت يزيد بن معاوية، فرجع عبيد الله من مسيره ذلك، فأتى منزله، وأمر عبد الله بن حصن، أحد بني ثعلبة بن يربوع، فنادى الصلاة جامعة قال أبو عبيدة: وأما عمير بن معن الكاتب، فحدثني قال: الذي بعثه عبيد الله حمران مولاه، فعاد عبيد الله عبد الله بن نافع أخي زياد لامه، ثم خرج عبيد الله ماشياً من خوخة كانت في دار نافع، إلى المسجد، فلما كان في صحنه، إذا هو بحمران مولاه أدنى ظلام عند المساء - قال: وكان حمران رسول عبيد الله إلى معاوية حياته وإلى يزيد حياته - فلما رآه ولم يكن آن له أن يقدم، قال: مهيم يعني ما وراءك قال: خيرا، أدنو منك. قال: نعم قال: فدنا فأسر إليه موت يزيد، واختلافا من أهل الشام.

قال: وكان يزيد مات يوم الخميس، النصف من شهر ربيع الأول، سنة أربع وستين قال: فأقبل عبيد الله من فوره ذلك، فأمر منادياً ينادي الصلاة جامعة. فلما تجمع الناس، صعد المنبر، فنعى يزيد، وعرّض بثلبه. قال: وإنما فعل ذلك، لقصب يزيد إياه. كان قبل موته حتى خافه عبيد الله. فقال الأحنف بن قيس لعبيد الله: إنه قد كانت ليزيد في أعناقنا بيعة، وكان يقال أعرض عن ذي قبر، فأعرض عنه. ثم قال عبيد الله فذكر اختلافاً من أهل الشام، ثم قال إني قد وليتكم، وما يحصى ديوان مقاتلتكم إلا أربعين ألفا، ولا ديوان ذراريكم، إلا سبعين ألفا، فقد بلغ ديوان مقاتلتكم ثمانين ألفا، وديوان ذراريكم مائة وأربعين ألفا، لم أترك لكم ظنة أخافها عليكم، ألا وقد جمعتها في سجني هذا، وأنتم أوسع الناس بلاداً، وأبعدهم مقاداً، وأكثرهم عديداً وحديداً، لا حاجة بكم إلى أحد من الناس، بل الحاجة للناس إليكم، فاختاروا لأنفسكم رجلا ترضونه لدينكم وسلطانكم، حتى تجتمع الناس على خليفة، وأنا أول من سمع وأطاع، وأعان بماله ونصيحته وقوته، وإن تنسبوني، تجدوا مهاجر والدي إلى البصرة، ومولدي بها، وأنا رجل منكم. قال: فقامت الخطباء إلى عبيد الله، لما فرغ من خطبته فقالوا: قد قبلنا ما أشرت به، ولا نرى أحداً أضبط لهذا الأمر منك، ولا أقوى عليه، فبايعوه على رضى منهم، ومشورة منه، فلما خرجوا من عنده، جعلوا يمسحون أكفّهم بباب الدار وحيطانه، ويقولون: أظن ابن مرجانة أنّا نوليه أمرنا في الفرقة، فأقام عبيد الله أميرا غير كثير، حتى جعل سلطانه يضعف، يأمر بالأمر فلا يُقضى، ويرى الرأي فيُرد عليه رأيه، ويأمر بحبس المُظن أي المتهم فيحال بين أعوانه وبينه قال أبو عبيدة: فسمعت غيلان بن محمد. يحدث عثمان البتي قال: حدثني عبد

الرحمن بن جوشن، قال: تبعت جنازة، فلما كنت في سوق الإبل، إذا رجل على فرس شهباء متلفع بساج - أي طيلسان – وفي يده لواء وهو يقول: أيها الناس، إني أدعوكم إلى ما لم يدعكم إليه أحد قبلي، إني أدعوكم إلى العائذ بالحرم، عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - قال: فتجمع إليه نويس، فجعلوا يصفقون على يديه، ومضينا حتى صلينا على الجنازة، فلما رجعنا، إذا هو قد تأوى إليه أكثر من الأولين، فأخذ بين دار قيس بن الهيثم بن أسماء بن الصلت السلمي، ودار الحارثيين قبل بني تميم، في الطريق التي تأخذ إليهم وقال: ألا من أرادني، فأنا سلمة بن ذؤيب بن عبد الله بن ملحم بن زيد بن رياح بن يربوع بن حنظلة. قال فلقيني عبد الرحمن بن أبي بكرة، عند الرحبة فأخبرته بخير سلمة بعد رجوعي، فأتى عبد الرحمن عبيد الله فحدثه بالخبر عني، فبعث إلي، فأتيته، فقال: ما هذا الذي خبّرني به عنك أبو بحر؟ قال: فاقتصصت عليه أول الحديث، حتى أتيت على آخرة، فأمر بالقبض - أي العطا - على المكان، فنودي الصلاة جامعة. قال: فتجمع الناس، فأنشأ عبيد الله يقتص أول أمره وأمرهم، وما قد كان دعاهم إلى من يرضون به، فيبايعه معهم، وإنكم أبيتم غيري، ثم إنه بلغني إلى من يرضون به، فيبايعه معهم، وإنكم أبيتم غيري، ثم إنه بلغني أنكم مسحتم أكفكم بالحيطان، وباب الدار، وقلتم ما قلتم، وإني آمر بالأمر فلا يُنفذ، ويرد علي رأيي، وتحول القبائل بين أعواني وطلبتي، ثم هذا سلمة بن ذؤيب، يدعو إلى الخلاف عليكم، إرادة أن يُفرق جماعتكم، ويضرب بعضكم جباه بعض بالسيوف. فقال الأحنف، وهو صخر بن قيس بن معاوية بن حصن بن النزال بن مُرة ابن عبيد بن الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وقال الناس: نحن نجيئك بسلمة. قال: فأتوا باب سلمة، فإذا جمعه قد كثُف، وإذا الفتق قد اتسع على الراتق، وامتنع عليهم، فلما رأوا ذلك، قعدوا عن عبيد الله فلم يأتوه.

قال، وقال أبو عبيدة، فحدثني غير واحد، عن ابن الجارود بن أبي سبرة الهُذلي، عن أبيه الجارود، قال: وكان عبيد الله قد قال في خُطبته: يا أهل البصرة، والله لقد لبسنا الخَزّ واليُمنة واللين من الثياب، حتى لقد أجمته جلودنا، فما نبالي أن نُعقبها الحديد أياماً يا أهل البصرة، والله لو اجتمعتم على ذنب عنز لتكسروه ما كسرتموه قال الجارود: فوالله ما رُمي بجماح حتى هرب فتوارى عند مسعود، فلما قُتل مسعود لحق بالشام، قال أبو عبد الله: الجماح السهم على رأسه طين. قال أبو عبيدة، قال يونس: وكان في بيت مال عُبيد الله يوم خطب الناس، قبل خروج سلمة، ثمانية آلاف ألف أو أقل، قال أبو الحسن المدائني: كان سبعة عشر ألف ألف، فقال للناس: إن هذا فيئكم، فخذوا أعطياتكم، وأرزاق ذراريكم منه، وأمر الكتبة بتحصيل الناس، وتخريج الأسماء، واستعجل الكتاب بذلك، حتى وكّل بهم من يحبسهم بالليل في الديوان، وأسرجوا لهم الشمع. قال: فلما صنعوا ما صنعوا وقعدوا عنه، وكان من خلاف سلمة عليه ما كان، كف عن ذلك، ونقلها حين هرب، فهي إلى اليوم تردد في آل زياد، فيكون فيهم العُرس والمأتم، فلا يُرى في قريش، ولا في غيرهم مثلهم في الغضارة والكسوة قال: فدعا عبيد الله رؤساء بُخارية السلطان، فأرادهم على أن يقاتلوا معه، فأبوا، فدعا البخارية فأرادهم على مثل ذلك، فقالوا: إن أمرنا قُوّادنا قاتلنا، فقال أخو عبيد الله لعبيد الله: ما من خليفة فتقاتل معه عنه، فإن هُزمت فئت إليه، وأمدك وقوّاك، وقد علمت أن الحرب دُول، فلا تدري لعلها تدول عليك، وقد اتخدنا بين أظهر هؤلاء القوم أموالا، فإن ظفروا أهلكونا وأهلكوها، فلم تبق لنا باقية. وقال له عبد الله، أخوه لأبيه وأمه مرجانة - وكانت أمة لزياد - لئن قاتلت القوم، لأعتمدن على ظُبة سيفي حتى يخرج من صُلبي. فلما رأى ذلك، أرسل إلى الحارث بن قيس بن صُهبان بن عوف بن علاج بن مازن بن

أسود بن جهضم بن جذيمة بن مالك بن فهم، فقال له: يا حار، إن أبي حين احتاج إلى الهرب والجوار اختاركم، وإن نفسي تأبى غيركم فقال الحارث: قد أبلوك في أبيك ما قد علمت، وأبلوه فما وجدوا عندك ولا عنده مكافأة، وما لك مُنزل إذا اخترتنا، وما أدرى كيف آنى لك، لئن أخرجتك نهاراً إني أخاف أن لا أصل بك إلى قومي، حتى تُقتل وأقتل معك، ولكني أقيم معك حتى إذا وارى دمساً - يريد حتى إذا وارى الليل الشخص - وهدأت العيون ردفت خلفي لئلا تُعرف، ثم آخذ بك إلى أخوالي بني ناجية. فقال عبيد الله: نعم ما رأيتَ، فأقامَ حتى إذا قلت أخوك أم الذئب، حمله خلفه. وقد نقل تلك الأموال فأحرزها، ثم انطلق به يمر به على الناس، قال: وكانوا يتحارسون مخافة الحرورية والإغارة، قال: فيسأل عبيد الله أين نحن؟ فيخبره، فلما كان في بني سُليم، قال: سلمنا - إن شاء الله - فلما أتى به بني ناجية قال: أين نحن؟ قال في بني ناجية، قال: نجونا - إن شاء الله - فقال بنو ناجية: مَن أنت؟ قال: أنا الحارث بن قيس. قالوا: ابن أختكم، وعرف رجل منهم عبيد الله، فقال: ابن مرجانة، فأرسل عليه سهماً، فوقع في عمامته، ومضى به الحارث بن قيس حتى ينزله في دار نفسه في الجهاضم. ثم مضى إلى مسعود بن عمرو بن عدي بن محارب بن صنيم بن مليح بن سرطان بن معن بن مالك بن فهم، فلما رآه مسعود قال: يا حار قد كان يتعوذ من شر طوارق الليل، فنعوذ بالله من شر ما طرقتنا به. فقال الحارث: لمَ تقول ذلك؟ لم أطرقك إلا بخير، وقد علمت أن قومك قد ألجأوا زياداً، فوفوا له، وصارت لهم مكرمة في العرب يفتخرون بها عليهم، وقد بايعتم عبيد الله بيعة الرضا، رضا عن غير مشورة، بعد بيعة أخرى قد كانت في أعناقكم، قبل هذه البيعة - يعني بيعة الجماعة -. قال: يا حارث أترى نُعادي أهل مصرنا في عبيد الله، وقد أبليناه في أبيه بما أبليناه، ثم نُكافأ، ولم نُشكر، ما كنت أحسب أن يكون هذا من رأيك. قال الحارث إنه لا

يُعاديك أحد على الوفاء ببيعتك حتى تُبلغه مأمنه. قال أبو عبيدة: وحدّثني مسلمة بن محارب بن سلم بن زياد، وغيره من آل زياد، عمن أدرك ذلك منهم ومن مواليهم، والقوم أعلم بحديثهم، أن الحارث بن قيس لم يُكلم مسعوداً، ولكنه أمر عبيد الله، فحمل معه مائة ألف درهم، ثم أتى بها أم بسطام، امرأة مسعود، وهي ابنة عمه، ومعه عبيد الله وعبد الله ابنا زياد، فاستأذن عليها، فأذنت له، فقال لها الحارث: قد أتيتك بما تسودين به نساءك، وتثبتين به شرف قومك، وتُعجّلين به غِنا ودُنيا لك خاصة، هذه مائة ألف درهم، خذيها لك وضمي عبيد الله، قالت: إني أخاف أن لا يرضى مسعود بذلك ولا يقبله، قال الحارث: ألبسيه ثوباً من ثيابه، وأدخليه بيتك، وخليّ بيننا وبين مسعود، قال: فقبضت المال وفعلت ما قيل لها، فلما جاء مسعود، أخبرته الخبر، فأخذ برأسها فخرج عبيد الله والحارث من حجلتها عليه، فقال عبيد الله: قد أجارتني بنت عمك، وهذا ثوبك عليّ، وطعامك في مذاخري، وقد التفّ عليّ بيتك. قال: وشهد له على ذلك الحارث، وتلطفاً له حتى رضي. قال: فقال مسلمة: وأعطى عبيد الله الحارث نحوا من خمسين ألف درهم، فلم يزل عبيد الله في منزل مسعود حتى قُتل مسعود. قال أبو عبيدة: فحدثني يزيد بن سمير الجرمي، عن سوار بن سعيد الجرمي قال: فلما هرب عبيد الله، غبر أهل البصرة بغير أمير، فاختلفوا فيمن يؤمرون عليهم، ثم تراضوا برجلين يختاران لهم خيرة، فيرضون بذلك إذا أجمعا عليه، فتراضوا بقيس بن الهيثم السلمي، وبنعمان بن صهبان الراسبي - راسب بن جرم بن زبان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قُضاعة - أن يختارا لهم من يرضيان، فذكرا عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأمه هند بنت

أبي سفيان بن حرب بن أمية. قال: وكان يلقب ببة، وهو جد سليمان ابن عبد الله. وذكرا عبد الله بن الأسود الزهري قال: فلما أطبقا عليهما، اتّعدا المربد، وواعدا الناس، وحضرت معهم قارعة المربد - يعني أعلاه - قال: فجاء قيس بن الهيثم، ثم جاء النعمان بعد، فتجاول قيس والنعمان. قال: فأرى النعمان قيسا أن هواه في ابن الأسود، ثم قال له: إنّا لا نستطيع أن نتكلم معاً. قال: وأداره النعمان على أن يجعل الكلام إليه، ففعل قيس، وقد اعتقد أحدهما على الآخر، فأخذ النعمان على الناس عهداً ليرضون بما يختار لهم. قال: ثم أتى النعمان عبد الله بن الأسود فأخذ بيده، وجعل يشترط عليه الشرائط، حتى ظن الناس أنه مبايعه، ثم تركه وأخذ بيد عبد الله بن الحارث فاشترط عليه مثل ذلك، ثم حمد الله وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلى عليه، وذكر حق أهل بيته وقرابته، وقال: يأيها الناس، ما تنقمون من رجل من بني عم نبيكم، وأمه هند بنت أبي سفيان، فإن كان المُلك فيهم، فهو ابن عمّهم، وإن كان فيهم، فهو ابن أختهم. ثم صفق على يده، ثم قال: ألا إني قد رضيت لكم به، فنادوا قد رضينا. قال: وأقبلوا بعبد الله بن الحارث، حتى نزل دار الإمارة، وذلك في أول جمادى الآخرة سنة أربع وستين، واستعمل على شرطته هميان بن عدي السدوسي، ونادي في الناس، أن احضروا البيعة فحضروا فبايعوه. فقال في ذلك الفرزدق حين بايعه: وبايعتُ أقواما وَفَيتُ بعهدهمْ ... وبَبّةُ قَدْ بايَعْتُهُ غَيرَ نادمِ قال أبو عبيدة: فحدثني زهير بن هنيد عن عمرو بن عيسى، قال: كان منزل مالك بن مسمع الجحدري في الباطنة عند باب عبد الله الأصفهاني، في خط بني جحدر - والخط الطريق - الذي عند باب المسجد الجامع، فكان مالك يحضر المسجد، قال: فبينا هو قاعد فيه، وذلك بيسير من إمرة ببة، قال: وفي الحلقة رجل من بني عبد الله

بن عامر بن كُريز القُرشي، إذا أتته وقعة عبد الله بن خازم بربيعة بهراة، فتنازعوا، فأغلظ لمالك، فلطم رجل من بكر بن وائل القرشي، فتهايج من ثمّ من مضر وربيعة. قال: وكثرتهم ربيعة الذين في الحلقة. فنادى رجل: يال تميم، قال: فسمعت الدعوة عُصبة من بني ضبة بن أدّ كانوا عند القاضي، قال: فأخذوا رماح الحرس، حرس المسجد وترستهم، ثم شدوا على الربعيين فهزموهم، فبلغ ذلك مالك بن مسمع، فأقبل متفضلا يُسكّن الناس، وكف بعضهم عن بعض قال: فمكث الناس شُهيرا أو أقل، فكان رجل من بني يشكر يجالس رجلا من بني ضبّة في المسجد، فتذاكروا لطمة البكري القرشي، قال: ففخر بها اليشكري وقال: ذهبت ظلفا يعني باطلا، يقول لم يؤخذ بطائلتها، فذهبت اللطمة باطلا. قال: فأحفظ الصبي، فوجأ عنقه. فوقده الناس في الجمعة، فحُمل اليشكري ميتاً إلى أهله. قال: فثارت بكر إلى رأسهم أشيم بن شقيق، فقالوا: سر بنا. قال: بل أبعث إليهم رسولا فإن شنئوا لنا حقنا، وإلا سرنا إليهم. فأبت ذلك بكر - قال أبو عبد الله: يقال شنيء له بكذا أي خرج له عنه - فأتوا مالك بن مسمع .. وقد كان قبل ذلك مالك بن مسمع، غلب أشيم على الرئاسة، حتى شخص أشيم إلى يزيد بن معاوية قال: فكتب له إلى عبيد الله بن زياد أن اردد الرئاسة إلى أشيم، قال: فأبت اللهازم - وهم بنو قيس بن ثعلبة، وحلفاؤها عنزة، وتيم اللات بن ثعلبة، وحلفاؤها عجل، حتى تواقفوا. والذهلان شيبان، وحلفاؤها يشكر وذُهل بن ثعلبة، وحلفاؤها ضُبيعة بن ربيعة بن نزار أربع قبائل. وأربع قبائل، وكان هذا الحلف في أهل الوبر في الجاهلية، فلما جاء الإسلام، وكانت حنيفة، بقيت من قبائل بكر لم تكن دخلت في الجاهلية، في هذا الحلف، قال: وذلك أنهم أهل مدر، فدخلوا في الإسلام مع أخيهم عجل فصاروا لهزمة - ثم تراضوا بحكم عمران بن عصام العنزي أحد بني هميم فردها إلى أشيم. فلما كانت هذه الفتنة، استخفت بكر مالك بن مسمع، فخفّ وجمع وأعدّ

وطلب إلى الأزد، أن يجدّدوا الحلف الذي كان بينهم قُبيل ذلك في الجماعة على يزيد بن معاوية. فقال حارثة بن بدر بن حصين بن قطن ابن مجمع ابن مالك بن غُدانة بن يربوع بن حنظلة في ذلك: نزعنا وأمّرنا وبكرُ بنُ وائِل ... تجرُ خُصاها تبتغي من تحُالفُ وما باتَ بَكرِي من الدهرِ ليلةً ... فيُصبحَ إلاّ وهوَ للذّلّ عارِفُ قال: فبلغ عبيد الله، وهو في رحل مسعود، تباعد ما بين بكر بن وائل وبين تميم، فقال لمسعود: إلق مالكا فجدد الحلف الأول. قال: فلقيه فتراسا ذلك، وتأبّى عليهما نفر من هؤلاء وأولائك. قال: فبعث عبيد الله أخاه عبد الله مع مسعود، فأعطى من أبى المال حتى أنفق في ذلك أكثر من مائتي ألف درهم، على أن يبايعوهما، وقال عبيد الله لأخيه، استوثق من القوم لأهل اليمن. قال: فجددوا الحِلف، وكتبوا بينهم كتابين آخرين، سوى اللذين كانا كتبا بينهما في الجماعة، فوضعوا كتاباً عند مسعود بن عمرو. قال أبو عبيدة: فحدثني بعض ولد مسعود، أنّ أول تسمية مَنْ فيه، الصّلت بن حُريث بن جابر الجُعفي، ووضعوا كتاباً عند الصلت بن حريث، أول من فيه أبو رجاء العودي، من عود ابن سود. قال: وقد كان بينهم قبل هذا حلف. قال أبو عبيدة: وزعم محمد بن حفص، ويونس بن حبيب، وهبيرة بن حدير، وزهير بن هُنيد، أنّ مضر كانت تكثر ربيعة بالبصرة، وكانت جماعة الأزد آخر من نزل البصرة، حيث بُصرّت البصرة. قال: فلما حوّل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من تنخَ من المسلمين إلى البصرة، أقامت جماعة الأزد ولم يتحولوا، ثم لحقوا بعد ذلك بالبصرة. في آخر خلافة معاوية، وأول خلافة يزيد بن معاوية. قال: فلما قدموا، قالت بنو تميم للأحنف: بادر إلى هؤلاء القوم، قبل أن تسبقنا إليهم ربيعة، فقال الأحنف: إنْ أتوكم فاقبلوهم، ولا تأتوهم، فإنكم إن أتيتموهم صرتم لهم أتباعاً. فأتاهم مالك بن مسمع، ورئيس الأزد

يومئذ مسعود بن عمرو المعنّي - ويقال العتكي - فقال مالك: جددوا حلفنا وحلف كندة في الجاهلية، وحلف بني ذُهل بن ثعلبة في طيء بن أُدّفي بني ثعل. ففعلوا ذلك. فقال الأحنف: أما إذ أتوهم فلن يزالوا لهم أذناباً. قال أبو عبيدة: فحدثني هبيرة بن حُدير عن إسحاق بن سويد، قال: فلما أجيئت بكر إلى نصر الأزد على مضر - يقول: اضطرت - وجددوا الحلف الأول، فأرادوا أن يسيروا، قالت الأزد: لا نسير معكم إلا أن يكون الرئيس منا، فرأسوا مسعوداً عليهم. قال أبو عبيدة: حدثني مسلمة بن محارب، قال: فقال مسعود لعبيد الله: سر معنا حتى نعيدك في الدار. فقال: ما أقربني. وأمر برواحله فشدوا، عليها أدواتها وشوارها، وتزمّل في أهبة السفر، وألقوا له كرسياً على باب مسعود، فقعد عليه، وسار مسعود، وبعث عبيد الله غلمانا له على الخيل مع مسعود، وقال لهم: إني لا أدري ما يحدث فأقول. فإذا كان كذا وكذا، فليأتني بعضكم بالخبر، ولكن لا يحدثن خبر خير ولا شر، إلا أتاني بعضكم به. فجعل مسعود لا يأتي على سكّة، ولا يجاوز قبيلة، إلا أتى بعض أولئك الغلمان بخبر ذلك عبيد الله. وقدم مسعود ربيعة، وعليهم مالك بن مسمع، وأخذا جميعاً سكة المربد. فجاء مسعود، حتى دخل المسجد فصعد المنبر، وعبد الله بن الحارث في دار الإمارة. فقيل له: إن مسعوداً وربيعة وأهل اليمن قد ساروا، وسيهيّج بين الناس شر، فلو أصلحت بينهم، وركبت مع بني تميم إليهم. فقال: أبعدهم الله، والله لا أفسد نفسي في صلاحهم، وجعل رجل من أصحاب مسعود يقول: لأنْكِحَنّ بَبّهْ ... جاريَةً في قُبّهْ=تمْشُطُ رَأس لَعبَهْ قال، فهذا قول الأزد وربيعة، وأما مضر فيقولون: أمهُ هند بنت أبي

سفيان، كانت تُرقّصه وتقول هذا. قال: فلما لم يحُل أحد بين مسعود وبين صعوده المنبر، خرج مالك بن مسمع في كتيبة، حتى علا الجبان من سكة المربد، قال: ثم جعل يمر بعداد دور بني تميم، حتى دخل سكة بني العدوية، من قبل الجبان، فجعل يُحرّق دورهم للشحناء التي كانت في صدورهم لقتل الضبي اليشكري. ولاستعراض ابن خازم ربيعة بهراة. قال: فبينا هو في ذلك، إذا أتوه فقالوا: قتلوا مسعوداً، وقالوا سارت بنو تميم إلى مسعود. فأقبل حتى إذا كان عند دار عفّان القيسي، عند مسجد بني قيس في سكة المربد - وهي اليوم لميّة امرأة معاوية بن عبد المجيد الثقفي - بلغه قتل مسعود فوقف. قال أبو عبيدة: ولو كان مالك شهد قتل مسعود، لقُتل أو لهرب، كما هرب أشيم بن شقيق وبه طعنة. قال أبو عبيدة: وحدثني زهير بن هنيد، قال حدثني الوضاح بن خيثمة أحد بني عبد الله بن دارم، قال: حدثني مالك بن دينار، قال: ذهبت في الشباب الذين ذهبوا إلى الأحنف ينظرون، قال: فأتته بنو تميم، فقالوا: إنّ مسعوداً قد دخل الرحبة، وأنت سيدنا، قال: لست بسيدكم إنما سيدكم الشيطان. قال: وأما هبيرة بن حُدير، فحدثني عن إسحاق بن سويد العدوي، قال: أتيت منزل الأحنف في النظارة، فأتوا الأحنف، فقالوا: يا أبا بحر، إن ربيعة والأزد قد دخلوا الرحبة. قال: لست بأحق بالرحبة منهم. فقالوا قد دخلوا المسجد. قال: لست بأحق بالمسجد منهم. ثم أتوه فقالوا: قد دخلوا الدار. قال: لست بأحق بالدار منهم. قال: فتسرّع سلمة بن ذؤيب الرياحي فقال: إليّ يا معشر الفتيان، فإن هذا جبس يجرّ أذنيه، لا خير لكم عنده. فندب ذؤبان بني تميم، فانتدب معه خمسمائة، فأقبل حتى إذا كان ببعض الطريق، تلقّاه رئيس الأساورة في أربعمائة، وهو مافروردين، فقال لهم سلمة: أين تريدون؟ قالوا:

إياكم أردنا، قال: فتقدموا. قال أبو عبيدة: فحدثني زهير بن هنيد، عن أبي نعامة عن ناشب بن الحسحاس، وحميد بن هلال، قال: أتينا منزل الأحنف في بني عامر ابن عبيد، قال: وكان نزل منزله الذي كان في مُربعة الأحنف بحضرة المسجد. قال: فكنا فيمن ينظر، فأتته امرأة بمجمر فقالت: ما لك وللرئاسة عليك بمجمري، فإنما أنت امرأة. قال: أست المرأة أحق بالمجمر. فذهبت مثلا. قال: ثم أتوه فقالوا: إنّ عليّة بنتَ ناجية الرياحي، وهي أخت مطر - وقال آخرون عزّة الخز - قد سُلبت، حتى انتُزع خلاخيلها من ساقيها - وكان منزلها شارعاً في رحبة بني نمير على الميضأة، وهي المطهرة التي فيها الميضأة، مفعلة من الوضوء - وقالوا: قتلوا الصّبّاغ الذي على طريقك، وقتلوا المُقعد الذي كان على باب المسجد، وقالوا: إنّ مالك بن مسمع قد دخل سكة بني العدوية من قبل الجبّان، فحرّق دُورا. قال الأحنف: أقيموا البينة على هذا، ففي دون هذا ما يحل به قتالهم. قال: فشهد نفر عنده على ذلك. فقال الأحنف: أجاد عبّاد؟ - وهو عباد بن حصين بن يزيد بن عمرو بن أوس بن سيف بن غرم بن حلزّة بن نيار بن سعد بن الحارث الحبط ابن عمرو بن تميم - فقالوا: لا، ثم مكث غير طويل. فقال: أجاد عبّاد ابن حصين؟ فقالوا: لا. فقال: أهاهنا عبس بن طلق بن ربيعة بن عامر بن بسطام بن حكم بن ظالم بن صريم بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد؟ فقالوا: نعم. فدعاه فانتزع معجراً في رأسه، ثم جثى على رُكبتيه، فعقده في رُمح، ثم دفعه إليه وقال سر. فلما ولى، قال: اللهم لا تخزها فيما مضى - يعني الراية. قال: فسار وصاحت النظارة، هاجت زبراء - وزبراء أمة للأحنف، وإنما كنوا بها عنه، إجلالا وهيبة لقدره، لأنه كان أحلم العرب، فكرهوا أن ينسبوه إلى الخفّة، فصيّروا ذلك إلى أمته زبراء. قال: فذهبت مثلا إلى يوم القيامة.

فالناس يقولون عند الشر وهيجان القتال ثارت زبراء - فلما سار عبس ابن طلق الصريمي، فجاء عبّاد في ستين فارساً، فسأل ما صنع الناس؟ فقالوا: ساروا، قال ومن عليهم؟ قالوا: عبس بن طلق الصريمي. فقال عبّاد: أنا أسير تحت لواء عبس. قال: فرجع في أولئك الفرسان إلى أهله. قال أبو عبيدة: فحدثني زهير، قال حدثني أبو ريحانة العريني، قال: كنت يوم قتل مسعود، تحت بطن فرس الزرد بن عبد الله السعدي أعدوا، حتى بلغنا سويقة القديم. قال إسحاق بن سويد: فأقبلوا، فلما بلغوا أفواه السكك، وقفوا، فقال له مافروردين بالفارسية: ما لكم يا معشر الفتيان! فقالوا: تلقّونا بأسنة رماحهم. فقال لهم: صُكوهم بالفنجكان - يعني بخمس نُشابات في رمية واحدة - قال: والأساورة أربعمائة، فصكّوهم بألفي نُشابة في دفعة، فأجلوهم عن أفواه السكك، وقاموا على أبواب المسجد، ودلفت التميمية إليهم، فلما بلغوا الأبواب وقفوا، فسألهم مافروردين فقال: ما لكم؟ فقالوا: أسندوا إلينا أطراف رماحهم. فقال لهم: ارموهم بألفي نُشابة! فأجلوهم عن الأبواب. فدخلوا المسجد، فاقتتلوا فيه، ومسعود يخطب على المنبر، ويحضض الناس، فجعل غطفان بن أنيف بن يزيد بن فهدة، أحد بني كعب بن عمرو بن تميم - وكان يزيد بن فهدة فارساً في الجاهلية - يقاتل ويحض قومه ويرتجز وهو يقول: يالَ تميمٍ إنها مَذكوَرهَ ... إنْ فاتَ مَسعود بها مَشهورهْ فاستمسكوا بجانب المقصورهْ يقول: لا يهرب مسعود فيفوت. قال: إسحاق بن سويد: فأتوا مسعوداً، فاستنزلوه وهو على المنبر يحضّ الناس، فقتلوه، وذلك في أول شوال سنة أربع وستين، فلم يكن القوم شيئا، وانهزموا، وبادر أشيم بن شقيق القوم باب المقصورة هارباً، طعنه أحدهم، فنجا بها.

ففي ذلك يقول الفرزدق: لوَ أنّ أشيمَ لمْ يسبقْ أسنّتنا ... أو أخطأ البابَ إذْ نيرانُنا تَقِدُ إذا لَصاحَبَ مسعوداً وصاحِبَهُ ... وقدْ تماءتْ لهُ الأعفاجُ والكَبِدُ تماءت على وزن تفاعلت، وقوله تماءت خربت وفسدت، يقال من ذلك مأى بينهم، ومأس بينهم، سواء بمعنى واحد. قال أبو عبيدة: فحدثني سلام بن أبي خيرة، قال: سمعته أيضاً من أبي الخنساء كسيب العنبري، يُحدّث يونس النحوس، وكان علاّمة أهل البصرة، قال: سمعنا الحسن بن أبي الحسن، يقول في مجلسه في مسجد الأمير، فأقبل مسعود من هاهنا - وأشار بيده إلى منازل الأسد - في أمثال الطير معلماً بقباء ديباج أصفر معين بسواد، يأمر بالسُّنة، وينهى عن الفتنة - ألا إنّ من السِّنة أن يؤخذ ما فوق يديك أي يؤخذ ما على يديك - وهم يقولون: القمر القمر، فوالله ما لبثوا إلا ساعة، حتى صار قُميرا، فأتوه فاستنزلوه وهو على المنبر، قد علم الله فقتلوه. قال سلاّم في حديثه، قال الحسن: وجاء الناس من هاهنا وهاهنا، وأشار بيده إلى دور بن تميم. قال أبو عبيدة، فحدّثني مسلمة بن محارب، قال: فأتوا عبيد الله، فقالوا: قد صعد مسعود المنبر، ولم يُرم دون الدار بكُثّاب - يعني سهماً بغير ريش - قال: فبينا هو في ذلك يتهيأ ليجيء إلى دار الإمارة، إذا جاؤوا فقالوا: قُتل مسعود، فاغترز في ركابه، فلحق بالشام. قال: وذلك في أول شوال سنة أربع وستين. قال أبو عبيدة: فحدثني ذواد أبو زياد الكعبي قال: فأتى مالك بن

مسمع ناس من مضر، فحصروه في داره وحرّقوا، ففي ذلك يقول غطفان بن أنيف الكعبي في أرجوزة له: وأصبحَ ابنُ مِسْمَع محصورا ... يحمي قُصوراً دونَهُ ودُورا حتى شَبَبْنا حولَهُ السّعيرا قال: ولمّا هرب عبيد الله بن زياد، تبعوه فأعجز الطلب، فانتهبوا ما وجدوا له، ففي ذلك يقول واقد بن خليفة بن أسماء، أحد بني صخر ابن منقر بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد: يا رُبّ جَبّار شَديد كَلَبُهْ ... قَدْ صارَ فينا تاجُهُ وسَلَبُهْ منهُمْ عُبيدُ الله يومَ نسلُبُهْ ... جِيادَهُ وبزّه ونَنْهَبُهْ يومَ التقَى مقْنَبُنا ومقْنَبُهْ ... لو لمْ يُنجّ ابنَ زياد هربُهْ منا للاقَى شَعبَ مَوتٍ يَشْعَبُهْ ... نَجّاهُ خَوّارُ العِنانِ مُقرَبُهْ وقال عرهم بن عبد الله بن قيس، أحد بني العدوية، في قتل مسعود في كلمة له طويلة: ومَسْعودَ بنَ عَمرو أذع أتانا ... صَبَحنا حَدّ مَطرورٍ سَنينا رَجا التأميرَ مَسعودُ فأضحى ... صَريعاً قدْ أزَرناهُ المَنونا وقال القُحيف بن حمير العنبري في قتل مسعود: فِدىً لقوم قتلوا مَسعودا ... واستَلَبوا يَلْمَقَهُ الجَديدا واستلاموا ولَبِسوا الحديدا وقال جرير في كلمة له طويلة: سائلْ ذَوي يَمَن إذا لاقَيْتَهُمْ ... والأزْدَ إذْ نَدبوا لنا مَسعودا لاقاهُمُ عَشرونَ ألفَ مُدَجّجّ ... مُتَسربلونَ يَلامِقا وحَديدا

فغادَروا مَسْعودَهُم مُتَجَدّلا ... قَدْ أودَعوهُ جَادِلا وصَعيدا وقال المغيرة بن حبناء في كلمة له طويلة - قال وذلك حين هاجى زياداً الأعجم - يُعير ربيعة بفرارهم عن مسعود، وفرار مالكٍ وأشيم، ويحقق قتل مسعود في المقصورة: فلما لَقيناكُمْ بِشَهباء فَيْلَق ... تَزَلْزَلَ منها جمعكم فتَبَدّرا وطرْنا إلى المَقْصورتينْ عليكُمُ ... بأسيافنا يَفْرينَ دِرعا ومغْفَرا وأبْتُمْ خَزايا قَدْ سُلِبْتُمْ سلاحَكُمْ ... وأسلَمْتُمُ مَسْعودَكُمْ فتَقَطّرا وأفْلَتَنَا يسعى مِنَ الموتَ مالِكٌ ... ولو لم يَفِرّ ما رَعَى النّبتَ أخضرَا وأشيَمُ إذْ ولىّ يَفوقُ بطَعْنَة ... بُبادِرُ بابَ الدار يهرُبُ مُدْبَرا وقال العجاج في ذلك في أرجوزة له طويلة: بل لو شهدتَ الناس إذْ تُكُمّوا ... بِفِتْنَةٍ غُمّ بِها وغُمُوا وهي قصيدة طويلة. الرواية بغمة لو لم تُفرّج غموا. وقال أيضا القلاخ ابن حزن بن جناب، أحد بني حزن بن منقر بن عبيد في ذلك: إنّ لنا ضُبارِماً هوّاسا ... ذا لِبَدٍ غَضنْفراً دْرواسا وهي قصيدة طويلة. ودرواس هو الشديد من نعت الأسد. والهوّاس أيضا الشديد، وهو من نعت الأسد. وهو الذي يدق كل شيء فيأتي عليه اقتدار. وقال أيضاً القُحيف العنبري: جاءتْ عُمانُ دَغَرَى لا صَفّا ... بَكْرُ وجمع الأزْدِ حينَ التَفّا

ويروى دغرا لا صفا، وهي طويلة. والدغرى الذين يحملون في دفعة واحدة، لا ينتظر بعضهم بعضا. وقال سؤر الذئب أحد بني مالك بن سعد: نحنُ خَبَطْنا الأزْدَ يومَ المَسجدِ ... والحَيّ مِنْ بَكرِ ويَومَ المِربَدِ إذْ خَرّ مَسعودُ ولمْ يُسوسدِ ... ولم يجُنّ في سَواء المَلْحَدِ قال وهي أيضاً طويلة. وقال القلاخ أيضاً في ذلك: لمّا رأينا الأمرَ في مَرْجوسِ ... وهاجِسٍ مِنْ أمرهمْ مَهْجوسِ وهي طويلة أيضاً. قال: ومن قال في قتل مسعود هذه القصص من شعراء تميم، أكثر من ذلك، فتركناه اختصارا منا، لما فشا من قول الشعراء في ذلك، قديماً وحديثاً، اختصاراً لأنه أكثر من أن يحصى. قال: ثم إن أهل اليمن بعد مقتل مسعود من الليل، زمّوا أمرهم ليلتهم، فأجمع أمرهم أن رأسوا عليهم زياد بن عمرو بن الأشرف بن البختري ابن ذهل بن يزيد بن عكب بن الأشد بن العتيك. قال: ثم خرجوا من الغد، وخرجت ربيعة بن نزار، عليهم مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب يطلبون دماء من أصيب منهم، قال: فعبّوا الأزد قلبا، عليهم زياد بن عمرو، وعبّوا عبد القيس وألفافها من أهل هجر، وعليهم الحكم بن مخربة ميسرة، وعبّوا بكرا وألفافها عنزة بن أسد بن ربيعة، وبني ضبيعة بن ربيعة، والنمر بن قاسط، وعليهم مالك بن مسمع ميمنة، قال: وذلك في أول شوال سنة أربع وستين، حتى كانوا بأعلى المربد. قال: وخرجت إليهم مضر، وعليهم الأحنف، وهو صخر بن قيس، وقد عبّى بني سعد بن زيد مناة وألفافها من الأساورة والأندغان، قوم من العجم كانوا معهم، وضبّة وعدي بن زيد مناة - قال وليس أحد من الرباب بالبصرة غير ضبة وعدي - وعليهم قبيصة ابن حُريث بن عمرو بن ضرار الضبي - وهو الهملج، ومات في

الطاعون الجُراف سنة تسع وستين - قال: وعلى جماعة هؤلاء عبس ابن طلق الصريمي، فجعلهم ميمنة بإزاء الأزد. قال: وعبّا قيس عيلان، وجعل عليهم قيس بن الهيثم بن قيس بن أسماء بن الصلت، فجعلهم بإزاء عبد القيس وألفافها، وعبّى بني عمرو بن تميم، وجعل عليهم عبّاد بن حُصين، ومعهم بنو حنظلة بن مالك وألفافها من بني العم، والزّطّ، والسيابجة، وعلى جماعتهم سلمة بن ذؤيب الرياحي، فجعلهم بإزاء بكر وألفافها. قال: وفي ذلك يقول شاعر بني عمرو بن تميم: سيَكْفيكَ عَبْسٌ أخو كَهْمَس ... مُقارَعَةَ الأزدْ بالمِربدِ وتَكْفيكَ قَيسٌ على رِسلها ... لكَيزَ بنَ أفْصَى وما عددَ ونكفيكَ بَكْرا وألْفافَها ... بضرب يشيبُ له الأمردُ قال: فكانوا يتغادون فيقتتلون زماناً، ثم إنّ عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي من قريش، وعمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، مشيا للصلح فيما بينهما، حتى التقى مالك والأحنف والعمران في الصلح، فجعل الأحنف يخفّ عند المراوضة، ويثقل مالك. فقال القرشيان: يا أبا بحر مالك تخف وقد ذهب حلمك في الناس، ومالك يرزن. فقال إني أرجع إلى قوم يتأبون عليّ، ويرجع إلى قوم، إن قال نعم، قالوا نعم. قال: فلم يتفق بينهم صلح، فتغادروا للقتال. ثم إنهم أرسوا الصلح يقال تراسوا الصلح، يعني أسرّوا ذلك بينهم - على أن يكتبوا قتلاهم، ثم ينظروا في ذلك على ما يتفق رئيس. قال: فاجتمعت ربيعة وأهل اليمن في دار مشورتهم، دار رفيدة في السوق. واجتمعت مضر في دار شورهم، وهي الدار التي بنحر الطريق، إذا أقبلت من دار جبلة بن عبد الرحمن، وأنت تريد السوق أو مسجد بني عدي، والأيسر يأخذ إلى صباغي قنطرة قُرة. قال: فكتبوا، وكتبت الأزد، واليمن، وربيعة قتلاهم، فلما بلغوا دية مسعود، كتبوها عشر ديات.

قال: وذلك للمُثل التي مُثّلت به، فقالوا: لا تزيدوا على دية رجل من المسلمين، فقالوا: إنكم مثّلتم به مثُلات، فأبى الأحنف، وكان الأحنف إذا قال لا، لم يقل نعم، إذا ظن أنه قد أنصف، قال: فاضطربوا بالنعال وبالأيدي، وإنما كانوا جاءوا للصلح، قال: ثم تعاودوا السلاح، فاقتتلوا زُمنياً، ثم إن العُمرين قالا: إن هؤلاء قد كانوا اصطلحوا فتشاجروا، فلو أتينا الأحنف فكلّمناه، وأتينا القوم أجمعين فعسى أن يتراجعوا، فبدءا بالأحنف، فعظّما الإسلام، وحق الجيران، وقالا أخوالكم وأصهاركم ويدكم على العدو، قال: فانطلقا فأعقدا على ما أحببتما، وأبعدا عني العار - قال وذلك بأعين الأزد وربيعة - فلما توجّها قبل ربيعة واليمن، قال الأحنف لعبس: أما إنهم لن يسمعوا منهما، فاعل عليهم الريح، واستعن عليهم بالتحكيم، فهو أسلس لهم عما وراء ظهورهم. قال: فلما دنوا، رماهما السفهاء فاتقيا بثيابهما وركضا، حتى وقفا حيث لا ينالهما النشاب والنبل، قال: وصبّ عبس عليهم الخيل فأجلت عن قتل نفير، قال: فقال ذوو الحِجَى للسفهاء: رميتم رجلين لم يزالا يمشيان في الصلح، قال: وقد أتيا الآخرين فسمعوا كلامهما، ولم يفعلوا ما فعلتم، ثم ألووا إليهما - يعني أشاروا إليهما - فجاءا فعظما الإسلام، وقالا لهم مثل ما قالا للأحنف، فقال: قد كنتم تراضيتم بالصلح، فقالوا: لن نقبل لمسعود دون عشر ديات - وذلك للمثلة التي كانوا مثّلوا به، فقال عمر بن عبد الرحمن لعمر ابن عبيد الله: إن الأحنف قد أبى هذا عليهم، هَلُمّ فلنحمل تسع دياب، فقال عمر بن عبيد الله: ولم نحملها كلانا؟ إما أن تحملها أنت وإما أن أحملها أنا. قال أبو عبيدة: فزعم محمد بن حفص أنه حملها - يعني عمر بن عبيد الله بن معمر - قال: وأما بنو مخزوم، فزعمت أنهما احتملاها، قال: فرضي القوم، فأتيا الأحنف برضا القوم للحمالة، فرضي، ثم أتيا

الآخرين فأخبراهم برضا الأحنف، وقالا لهم: ارجعوا، فقالوا إنما يُربّثنا الأحنف، فلما رأى ذلك عبد الله بن حكيم بن زياد بن حوي بن سفيان بن مجاشع بن دارم، وهو أحد القرينين، أتاهم فقال: أنا في أيديكم رهينة بوفاء الأحنف لكم، فارتهنوه، ورضوا وتراجع الناس، ففي ذلك يقول الفرزدق يفخر على جرير في كلمته التي قالها: ومنا الذي أعطى يَدَيه رَهينةً ... لغارَيْ مَعَدّ يومَ ضربِ الجماجِم رأتنا مَعَدٌ يومَ شالَتْ قُرومُها ... قياماً على أقتارِ إحدى العَظائمِ رأونا أحقّ ابني نزار وغيرها ... بِإصلاح صَدع بينهمْ مُتفاقِمِ حقَنّا دماء المسلمينَ فأصبحتْ ... لنا نعمةُ يُثنَى بها في المواسِمِ عشيّة أعطَتنا عُمانُ أمورَها ... وقُدْنَا مَعَدّا كُلّها بالخَزائِمِ فقال أبو عبيدة: فحدثني هبيرة بن حدير عن مبارك بن سعيد بن مسروق، أخي سفيان الثوري، عن إسحاق بن سويد، قال: فبدأ الأحنف فأتاهم، فحمد الله، ثم قال: وأما بعد يا معشر الأزد وربيعة، فإنكم إخواننا وأخوالنا في الإسلام، وشركاؤنا في الصهر، وجيراننا في الدار، ويدنا على العدو، ووالله لأزد البصرة، أحب إليّ من تميم الكوفة، ولأزد الكوفة أحبّ إليّ من تميم الشام، فإذا استشرت شأفتكم - يعني هاجت كما يهيج الشرى - وحميت جمرتكم، وأبى حسك صدوركم، ففي أموالنا وأحلامنا سعة لنا، ولكن قد رضيتم أن نحمل هذه الدماء في بيت المال من أعطياتنا، قالوا قد رضينا يا أبا بحر، قال: قد رضيتم، قالوا نعم. قال أبو عبيدة: ألا ترى أن ربيعة والأزد الطالبون، وأن القتلى منهم أكثر، وزعم أبو نعامة العدويّ، أن مما حُمِل حُمِل، خمسون ألف

درهم لمُثلة مسعود. قال: فقالت الأزد وربيعة لا نرضى إلا أن يقوم بها رجل، فقال الأحنف: دياتكم إلي، فقالوا: لا، لأنك رأس قومك، فإذا بدا لك ألا تفعل، لم تفعل، وإن ارتددت بما قبلك أطاعوك، فانظر لنا رجلا غيرك ترضى دينه وشرفه. قال أبو عثمان، قال أبو عبيدة: فحدثني هبيرة بن حدير عن إسحاق ابن سويد، قال: فرجع الأحنف فمشى غير واحد من وجوه مقاعس - قال: ومقاعس اسم جمع جميع بني عمرو بن كعب بن سعد بن زيد، وهم بنو عبيد بن الحارث: منقر ومُرة رهط الأحنف، وعامر وسائر بني عبيد، عبد عمرو وغيرهم من بني عبيد بن الحارث بن كعب، وصريم رهط عبس، وربيع رهط مُرة بن محكان ابنا الحارث. قال: فعرضها الأحنف عليهم، فهابوها فأبوا - فقلنا لإسحاق: ومن هم يا أبا محمد؟ فقال: عبد الله بن زيد بن سريع بن مرثد بن عُبادة بن النزال بن مرة بن عبيد، وصعصعة بن معاوية بن عبادة بن نزال بن مرة بن عبيد، وجزء بن معاوية بن الحصين بن عُبادة بن النزال بن مرة بن عبيد، قال: وذكر رجالا منهم أيضا هابوها، فأبوا أن يقبلوا ذلك - فعرضها الأحنف على إياس بن قتادة بن أوفى بن موألة بن عبد الله بن عتبة بن مُلادس بن عبشمس بن سعد بن زيد مناة - قال: وأم إياس من بني نزال بن مرة بن عبيد رهط الأحنف - فأجابه إلى حملها - وأوفى بن موألة كان من أشراف بني سعد في الجاهلية، وله يقول اليربوعي في يوم طخفة: يَطُفْنَ بِأوفى أوْ بِعَمرو بنِ خالدِ ... عَباهِلُ لا يَعرِفْنَ أمّا ولا أبا فعرض الأحنف إياساً على الأزد وربيعة، فقالوا: شريف مسلم رضينا به، قال: فأتاهم فحمل لهم.

قال أبو عبيدة: فحدثني هبيرة عن أبي نعامة، قال: فلما رجع إياس إلى قومه، وقد حمل دماء أولئك الازد وربيعة قالوا: لا مرحباً، والله لتحملنّ لهم دماءهم ولتطلّن دماؤنا، فأين دماؤنا؟ قال: فأنا أحمل دماءكم أيضا. فحملها فرضوا، وذلك في أوائل ذي القعدة سنة أربع وستين، وفي ذلك يقول القلاخ بن حزن: ثمّ بعثنا لهمْ إياسا ... حمّالَ أثقالٍ بِها قِنْعاسا إذا أردنا أنْ يَريسَ راسا يريس يتبختر في مشيته، ولو كان من الرئاسة لكان يرأس. وعمد عمر إلى ما حمل لهم الغد فبعث به إلى الأزد ولم يُدرك ذلك الزمان، يذكر ما ضوعف من دية مسعود وتعجيلها، ويزعم إنما أدركوا ذلك بمالك بن مسمع: قَتلنا بقتلى الأزدْ قتلى وضُوعفَتْ ... دياتٌ وأهدَرنا دماء تميمِ بعَشر ديات لابنِ عمرو فوُفيّتْ ... عِيانّا ولم تجعل ضمارَ نُجومِ نَزَلْتُمْ على حُكمْ الأغَرّ بنِ مسمع ... على حُكمِ طلاّبِ التّراثِ غَشومِ يعني بقوله أهدرنا دماء تميم. يقول: لم يحملها منا ولا من الأزد حامل في أعطياتنا، ولم نقم بها لهم كما قام إياس لنا، ولم نرهنهم كما ارتهنا منهم. قال: ونُدّم الأحنف فندم وقال: كلمّوا إياس يردها علي ويجعلها إلي، قال: فأتوا إياساً فكلموه في ردها على الأحنف، فقال: دعوني حتى أرى في ذلك. قال: فلما أمسى، كتب من تحت الليل إلى العرفاء، ومن كان له عنده اسم من أولياء القتلى برقعة: أن اغدوا إلى حقّكم بالغداة. قال: فغدا الناس، فأتى بهم بيت المال، فأعطى كل ذي طائلة بطائلته من الفريقين، قال: والناس مجتمعون بعد على عبد الله بن الحارث الهاشمي، قال: والدليل على ذلك، أن أهل البصرة إنما كتبوا إلى عبد الله بن الزبير بطاعتهم له، حين سكنت الفتنة في ذي القعدة سنة أربع وستين، قال: فكتب عبد الله بن الزبير - رضي الله

عنهما - إلى أنس ابن مالك - رضي الله عنه - أن صَلّ بأهل البصرة وكتب بعهد عمر بن عبيد الله بن معمر على أهل البصرة، في ذي القعدة سنة أربع وستين، فلقيه رسول بن الزبير في طريق مكة يريد الحج، فرجع فكان على أهل البصرة، في ذي القعدة سنة أربع وستين، قال: وكانت هذه الهزاهز ثمانية أشهر أو تسعة أشهر. قال: ففي ذلك يقول إياس بن قتادة، وفي ندم الأحنف بن قيس: إنّ مِنَ الساداتِ مَنْ لو أطعتَهُ ... دَعاكَ إلى مارٍ يَفورُ سَعيرُها وقالوا أعرِها خالَكَ اليومَ ذكرها ... وهَلْ مثلَهُ في الناسِ مثلي يُعيرُها فقلتُ لهمْ لا تَعجلوا إنّ حاجتي ... لأن تعلمَ الآفاقُ كيفَ مصيرُها إذا ما مضى شهرٌ وعشرٌ فإنّهُ ... بعيدٌ معَ الركبِ العجالِ مسيرُها فلما مضى غِبُ الحديثِ وبرّزتْ ... تنفُسَها ساداتُها وبُحورُها وقال رجالُ ليتَها أنها لنا ... وأيُّ رجالٍ بالأمورِ بصيرُها سأورثُ قيساً بعدَ خندفَ مجدَها ... يكونُ لها بعدي سَناها وخيرُها تدبّرتْ أذنابَ الحَمالاتِ بعدما ... مضى ذِكرُها لأهلِها وأجورُها عَقدْتُ لها حبلَ الأمانة بيننا ... وشرُ الحبالِ رَثُها وقصيرُها وكنتُ متى أحملْ لقومٍ أمانةً ... فإن الوفاء بِرُها وظُهورُها فرد عليه صعصعة بن معاوية فقال: لقدْ ضاعَ أمرٌ يا إياسُ وليتَهُ ... وخُطّةُ قومٍ كُنت أنتَ تُديرها وحُقّ لها مِنْ خُطة إنْ تُدُبّرتْ ... تَضيعُ وإبهامُ الحُبارى سفيرُها قال أبو عبيدة: إنما قال: وإبهام الحبارى، لأن إياس بن قتادة كان قصيراً من الرجال، فنبزه بإبهام الحبارى، يعني لقّبه بالقصر، قال: فما لزمه ذلك ولا ضره ما نبزه به. وللحَمد حَوْماتٌ ترى لكَ دونَها ... مَهابلَ مقطوعاً عليكَ جُسورُها

قال أبو عثمان: فقلت لأبي عبيدة: فهذا الأحنف قد ذكر أن مسعوداً قتله الخوارج، وأقرّ بذلك فقال: إنما ذلك قول الأحنف: اعلوا عليهم الريح، واستعينوا عليهم بالتحكيم، قال: فقال عامر أو مسمع أخوه: العجب للأحنف، وهو يُزن بحلم وعقل ساد بهما، يستعين على ربيعة بالتحكيم وهو فيهم. فقال عامر: والله لوددت أنّا عرمنا عشرة آلاف ألف درهم، وأنّ هذا الرأي خرج منا، فإنه قد أفنى فرساننا ووجوهنا، وأقل عددنا، وإنه لا يزال فارس منا لا يُسقط الروع رمحه، قد خرج فقتل ضياعا. قال: وقال عامر في مجلس آخر: العجب لمالك والأحنف، والله ما كان مالك في أمر يبرأ منه هؤلاء التجار والموالي، والأحنف بإزائه في ذلك الأمر، فلم يضره ذلك عند الناس، فقال له ابن نوح: إنّ الأحنف كان يتأول الدين، وإنّ مالكاً كان يتغشمر، ألا ترى أنه يوم مسعود لم يستحل حرمه، حتى قامت البينة، وأنهم قد سفكوا الدماء، وركبوا المحارم. قال أبو عثمان: هذا خبر مسعود قد تم، وإلى هاهنا سمعناه من الأصمعي وأبي عبيدة لم يجاوزا ذلك. رجع إلى شعر الفرزدق: هُنالِكَ لو تَبغي كُلَيباً وجَدتَها ... بَمنزِلَة القِردانِ تحتَ المَناسِم قوله المناسم، قال: المنسمان ظُفرا خُفي البعير. وما تجعلُ الظربَى القِصارَ أنوفُها ... إلى الطّمّ مِنْ مَوجِ البحارِ الخضارِمِ الطم بفتح الطاء في نسخة أبي عثمان، قال أبو عثمان: سمعت الأصمعي وأبا عبيدة يقولان: الظربى جمع، واحده ظربان، قال: وهو دابة فويق السنور، منتن الرائحة قال: والطم العدد الكثير. والخضارم من الأبار الغزار الكثيرة الماء، ويقال من ذلك بئر خضرم، وذلك إذا كانت غزيرة، قال: ويقال رجل خضرم. قال: وذلك إذا كان

جواداً يعطي المال سحا، والخضرم البحر، قال: فكأنه مشتق من كثرة الماء وغزارته، يقال رجل خضرم، إذا كان كثير الإعطاء، مأخوذ من كثرة ماء البئر وغزارتها، قال: وذلك أن العرب تُشبّه الشيء، بالشيء وإن لم يكن من شكله ولا من طرازه. لهاميمُ لا يسطيعُ أحمالَ مثلهِمْ ... أنوحٌ ولا جاذٍ قصيرُ القوائِمَ قوله لهاميم، يقول هم واسعة أجوافهم سادة، يلتهمون كل شيء لا يهولهم أمر شديد وقوله أنوح، وهو أن يسعل الرجل إذا ثقل حمله وفدحه، يقول: فهم يحملون أثقالهم مُستضعلون لها، ولا يكرثهم ذلك، كما يكرث غيرهم، فيسعلون من ثقل ما عليهم، وإنما هذا مثل ضربه لهم، لأنهم مستضلعون بما عليهم من حمل. وقوله ولا جاذ، قال: الجاذي من الخيل، الذي في رُسغه انتصاب، قال: وذلك عيب في الخيل، وهو أضغف له إذا لم يكن مفروشاً، وفرش الرجل أن ترى فيها كالعوج، ترى ذلك في الحافر إذا كان الفرس قائماً، وإنما ضرب ذلك مثلا لهم لأنهم براء من كل عيب، الفرش تباعدُ ما بين العُرقوبين من غير إفراط، فإن أفرطَ صار عقلا، وإذا انتصب رُسغُ الدابة كان أصلبَ له وأقوى، وهو مدح، ألا ترى أنهم يُشبهونه برسغ الثور في انتصابه، فإذا لان ولم ينتصب كان عيباً. يقولُ كِرامُ الناسِ إذ جَدّ جدنا ... وبيّن عَنْ أحسابِنا كُلُ عالمِ عَلامَ تَعَنّى يا جرير ولم تجدِ ... كُلَيباً لها عادِيّةُ في المَكارِمِ قوله عادية، يقول لم يكن لكليب قديم تُعرف به، فلا تعن في أمر لا تبلغه. ولستَ وإنْ فَقّأتَ عينيكَ واجداً ... أباً لكَ إذْ عُدّ المَساعي كَدارِمِ هوَ الشيخُ وابنُ الشيخِ لا شيخَ مثلَهُ ... أبو كُلّ ذي بيتِ رفيع الدّعائمِ تعنّى مِنَ المَرّوت يرجو أرومتي ... جَريرٌ على أمّ الجَحاشِ التّوائمِ

قال: المروت واد في بلاد بني كليب. قال: والأرومة الأصل. وقوله أم الجحاش، يعني الأتان. وقوله التوائم، هو أن تلد المرأة اثنين في بطن واحد، وامرأة متئم وهو أن تلد اثنين في بطن. وِنْحياكَ بالمَرّوتِ أهونُ ضَيعَةً ... وجَحْشاكَ مِنْ ذي المأزِقِ المُتلاحِمِ النحي الزق، يعيّره بأنه راع، فالزق معه فيه اللبن لا يفارقه، قال: والمأزق المتلاحم، يريد المتضايق لشدته، يقول: فأنت بنحيك أعلم منك بالحروب في شدتها، ضيق موضعها في القتال. قال: ومنه يقال ملحمة، يريدون بالملحمة القتال الشديد المسرف القتل. ملحمة فيها لحمى أي قتلى. فلو كُنتَ ذا عقل تبيّنت إنّما ... تَضولُ بأيدي الأعجزينَ الألائمِ وروى أبو عمرو بالملائم، ويروى تنوء أي تنهض. نماني بنو سعد بن ضَبّةَ فانتسبْ ... إلى مثلهم أخوالِ هاج مُراحِمِ وضَبّةُ أخوالي همُ الهامةُ التي ... بِها مُصرٌ دَمّاغَة للجَماجمِ وهلْ مثلُنا يا ابنَ المَراغَة إذ دَعا ... إلى البأس داع أو عِظامِ المَلاحمِ أي داعٍ يدعو إلى خلافة رجل يجعل خليفة. قال: والملاحم الفتن والقتال. وما لكَ مِنْ دَلو تُواضِخُني بها ... ولا مًعْلم حام عَنْ الحَيّ صارِم ويروى حامي الحقيقة. قال: المواضخة في السقي، أن تجذب كما يجذب صاحبك، وتنزع في الدلو كما ينزع، وقوله ولا مُعلم، لأنه لا يعلم في الحرب إلا الأشداء. يقول: فليس لك فارس يُعرف بذلك.

قال الأصمعي: وإنما يُعلم الفارس، فيلبس ما يُشتهر به نفسه، ليراه الناس فيُعرف مكانه، لأنه لا يفر عند اللقاء، وقال: إن حمزة - رضي الله عنه - كان معلماً يوم أُحد بريشة نعامة، كانت في صدره ليُعرف مكانه، فكان أسد الله وأسد رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكان الفارس والراجل يتعجبان من صنيع حمزة - رضي الله عنه - وهو يفري الفري فمن ثم سمي أسد الله. وعندَ رسولِ اللهِ قامَ ابنُ حابسٍ ... بخُطّة سَوّار إلى المَجد حازم لهُ أطلقَ الأسرىَ التي في حِبالهِ ... مَغَلّلَةً أعناقُها في الأداهِمِ كفى أمهات الخائفينَ عليهم ... عَلاء المُفادي أو سهامَ المُساهمِ قال أبو عثمان: قال الأصمعي، قال اليربوعي، حدثني الشرقيّ بن القُطامي عن الكْلبي، أنّ الأقرع بن حابس كلّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحاب الحجرات، وهم من بني عمرو بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم، وقال: يا رسول الله، ارْدُدْ سبايا قومي، وأنا أحمل الدماء، قال: فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - السبي وحمل الأقرع الدماء عن قومه. قال: ففي ذلك يقول الفرزدق وهو يفخر على بني نهشل، وبني فُقيم بن دارم، وجرير - وهو فُقيم وقيس ابن مالك ومعاوية بن مالك، قال: وهما الكُردوسان -: وعندَ رسولِ الله إذْ شَدّ قَبضَهُ ... ومُلئ مِنْ أسرىَ تميم أداهمُهْ فككنا عَنِ الأسرىَ الأداهمَ بعدَ ما ... تخَمّطَ واشتَدّتْ عليهمْ شكائمُهْ مَكارمُ لمْ تُدركْ فُقيمٌ قَديمَها ... ولا نهشَلٌ أحجارُهُ وتَوائِمُهُ ألمْ تعلما يا ابني رَقاشِ بأنني ... إذا اختارَ حَربي مثلُكُمْ لا أسالمُهْ قال: وفي ذلك يقول الفرزدق أيضاً: ومِنّا الذي أعطى الرسولُ عَطِيّة ... أسارَى تمَيم والعُيونُ دَوامِعُ

فإنّكَ والقومَ الذينَ ذَكرْتهُمْ ... رَبيعَةَ أهلَ المُقرَبات الصّلادِم الصلادم الصلاب الشداد. بناتُ ابنِ حلابٍ يرُحنَ عَليهِمِ ... إلى أجَمِ الغابِ الطِوالِ الغواشِمِ قوله بنات ابن حلاّب، قال: حلاب اسم فرس فحل كان لبني تغلب. قال: والغواشم التي تغشم وتغصب، وأنشد: وما طَلَبَ الأوتار مثلُ ابنِ حُرّة ... طَلوب لأوتار الرجالِ غَشومِ أي يتعدى الحق ولا يرضى به حتى يجاوزه. قال: والغاب الرماح، وإنما شبّه كثرة الرماح بكثرة القصب الذي يكون في الغاب، وهي الأجمة أيضاً. فلا وأبيكَ الكَلب ما مِنْ مخَافَة ... إلى الشّأم أدّوا خالداً لمْ يُسالمِ ولكنْ ثَوى فيهمْ عَزيزاً مَكانُهُ ... على أنفِ راض مِنْ مَعَدّ وراغِمِ قوله أدّوا خالداً لم يُسالمِ، يعني خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية. قال أبو عثمان: فحدثني أبو الحسن المدائني، قال: سار مُصعب بن الزبير من البصرة يريد قتال عبد الملك بن مروان سنة سبعين، قال: وخلّف عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي على الصلاة، وعبّاد بن حصين بن يزيد بن عمرو بن غنم بن سيف بن حلزة بن أوس بن نزار ابن سعد بن الحارث - والحارث هو الحبط بن عمرو بن تميم - على شرطته، فمضى فنزل باجمُيرا، وقد أقبل عبد الملك يريد زُفر بن الحارث بقرقيسيا بالجزيرة، فقال خالد بن عبد الله لعبد الملك: إن مصعباً لم يدع بالبصرة أحداً من أهل الشرف والنجدة إلا وقد أشخصه

معه، فإن وجهتني إلى البصرة رجوت أن أغلب عليها. فوجهه عبد الملك. قال: فأقبل خالد إلى البصرة، فنزل على عمرو بن أصمع، ثم تحول عنه فنزل على مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب بن عبّاد بن قلع بن جحدر - ولشيبان بن شهاب يقول الأعشى: مَنْ مُبْلِغُ شَيبانَ أنّ ... المْ نَكُنْ أهلَ الحَقارَةْ يدعو إلى عبد الملك بن مروان، وتميم تقاتل عن ابن الزبير، وتدعو إليه ما خلا عبد العزيز بن بشر، جَدّ نُميلة بن مُرة، وأبا حاضر الأسيدي صبرة بن شريس، قال فاجتمعت ربيعة مع مالك بن مسمع، والأزد مع خالد بن مالك، قال: فاجتمعوا على جُفرة خالد، فسار إليهم عبّاد بن الحُصين ومن معه من تميم، فاقتتلوا في جفرة خالد. قال أبو عثمان: وسمعت أبا الحسن المدائني يقول: اقتتلوا في جُفرة خالد أربعة وعشرين يوماً، قال ففُقئت عين مالك في بعض الأيام، يقال فقأها عبد بن حُصين، وقال بعضهم: بل فقأهل بعض الأساورة، وهم الرماة الذين لا يكاد يسقط لهم سهم. فقال في ذلك عرهم بن قيس أحد بني العدوية: تَقاضَوْكَ عَيناً مَضّةً فقَضَيْتَها ... وفي عَيْنِكَ الأخرى عليكَ خُصومُ قوله عيناً مضّة يريد شدة الوجع، يقال قد مضّه الجرح إذا أوجعه، وقال أبو عبد الله: أنشدنا محمد بن يزيد: تَعَلّمْ أبا غَسّان أنّكَ إنْ تَعُدْ ... تَعُدْ لكَ بالبِيضِ الرّقاقِ تمَيمُ أجَهْلا إذا ما الأمرُ غَشّاكَ ثَوْبَهُ ... وحِلْماً إذا ما كَدّحَتْكَ كُلومُ قوله كدّحتك، يريد أثّرت فيك، ومنه يقال لرجل مكدّح، وذلك إذا جرّب الأمور وعرفها، وكلوم جراح.

فَولّيْتَ رَكْضاً نَحو ثَأج مُوالياً ... وجارُكَ يا بنَ الجَحْدَرِيّ مُقيمُ قوله وجارك، يعني خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد. قال أبو عثمان، قال أبو عبيدة: فلما بلغ مصعباً خبر خالد، نكص راجعاً إلى البصرة، فلما سمع القوم ذلك، رَسِّوا بينهم صُلحاً أربعين يوماً، على أنه من شاء من الفريقين منهم أن يرتحل إلى حيث شاء ارتحل، ومن أقام أقام آمناً. وقال مالك: أدخلوا في كتابكم عبّاد بن الحصين، فإنا وجدناه أشدّكم حرباً، وأوفاكم سلماً. قال: ففعلوا. ومضى مالك نحو ثأج هارباً. ومضى خالد بن عبد الله إلى الشام. وقدم مصعب البصرة. فأرسل خداش بن زياد الكوفي، وكان من بني أسد، في أثر مالك فلم يلحقه. وبعث إلى الرهط الذين حالفوه، فقال عمر بن عبيد الله: إني قد آمنتهم على دمائهم وأموالهم. فقال مصعب: يا هذا، قد آمنتهم على دمائهم وأموالهم، أفامنتهم أن أشتمهم؟ قال: لا. قال: فبعث إليهم، فقال مصعب لعبد الله بن عامر النّعّار، أحد بني مجاشع بن دارم: إنك إنما تبعث أعرابي قيس - يعني مالك بن مسمع - لبول أخيه في فرج أختك - قال: وكانت أخت النعار عن أخي مالك بن مسمع - وقال لابن أبي بكرة: يا ابن الفاعلة، إنما مثل أمك، مثلُ كُليبة وثبت عليها ثلاثة أكلب: كلب أسود، وكلب أحمر، وكلب أبيض، فجاءت لكل كلب بنجله. وقال لحمران بن أبان: يا ابن الفاعلة، إنما أنت نبطي من عين التمر، وزعمت أنّ أباك أبان، وإنما هو أبي. وقال لزياد ابن عمرو: يا ابن الكرماني أزعمت أنك من الأزد، وأنت دهقان ابن علج، قطع أبوك على خشبة من كرمان إلى عمان، وشتم القوم، وعم الأحنف بن قيس، وصعصعة بن معاوية، وأبا حاضر الأسيدي، وصفوان بن الأهتم، وعمرو بن اصمع، وعبد العزيز بن بشر، جدّ نميلة بن مرة. فقال الفرزدق فيمن لحق بخالد من بني تميم، وخلع بن

الزبير: عَجِبْتُ لاقوامٍ تمَيمٌ أبوهُمُ ... وهمْ في بني سعدٍ عِظامُ المَباركِ وكانوا رُؤوسَ الناس قبلَ مَسيرِهمْ ... معَ الأزْد مُصفراً لحاها ومالِكَ ونحنُ نفينا مالكاً عن بلادنا ... ونحنُ فقأنا عينهُ بالنيازكِ أبا حاضرِ إنْ تَلْقَهُ الخيلُ تَلْقَهُ ... على لاحِق إبزيمُهُ بالسّنابِكِ الإبزيم حلقة الحزام، أي من شدة جريه تضرب حوافره بطنه. فما ظَنّكمْ بابن الحَواريّ مُصعَب ... إذا افْترّ عن أنيابهِ غير ضاحِكِ رجع إلى شعر الفرزدق: وما سَيرّتْ جاراً لها مِنْ مخَافَة ... إذا حَلّ مِنْ بَكر رُءوسَ الغَلاصمِ بِأيّ رشاء يا جريرُ وماتِح ... تَدَلّيْتُ في حَوماتِ تلكَ القَماقمِ قال: الحومة مجمع الماء وكثرته، وكذلك حومة القتال أشد موضع فيه وأكثرع قتلا. قال: والقماقم البحور شبّه السادة بالبحور، قال: والرشاء حبل البئر. ومالَكَ بيتُ الزّبرقان وظلّهُ ... ومالَكَ بيتٌ عندَ قيسِ بن عاصمِ قال: يريد قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد. قال: والزبرقان لقب لقب به، واسمه حصين بن بدر بن امرئ القيس بن خالد بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، قال: ولقيس بن عاصم يقول زيد الخيل:

ألا هَلْ أتى غَوثاً ومازنَ أنني ... حَللتُ إلى البيضِ الطوالِ السواعدِ إلى الواخِدِ الوهّابِ قيسِ بنَ عاصِم ... لهُ قادحا زَندي سنانِ بن خالدِ ولكن بَدا للذْلّ رأسُكَ قاعداً ... بِقَرقرة بينْ الجداء التّوائم قوله بقرقرة، هي القاع المستوي من الأرض. وقوله بين الجداء التوائم، يريد التل تلد اثنين في بطن. تَلوذُ بأحقِي نهشل مِنْ مجُاشِع ... عياذَ ذَليل عارفاً للمظالمِ ويروى عارف. وقوله عارفا نصب عارفا على الحال، ويكون على الاستغناء، ويكون على أنه خارج من الحال. قال: والعارف المقر. يقول أنت مظلوم لا تقدر على أن تنتضر. قال أبو عثمان: وخبرّنا أبو عبيدة، قال: وزعم خالد بن جبلة وسعيد ابن خالد أن فيها قوله: ولا نقتُلُ الأسرى ولكنْ نفُكُهمْ ... إذا أثقلَ الأعناقَ حملُ المغارِم فهل ضربَةُ الرُوميّ جاعلةٌ لكمْ ... أباً عن كليب أو أباً مثلَ دارم فإنكَ كَلْبٌ من كُليب لكَلبَة ... غَذَتْكَ كليب في خَبيثِ المَطاعِم وليسَ كليبيّ إذا جَنّ لَيلهُ ... إذا لم يجد ريحَ الأتانَ بِنائِم يقولُ إذا أقلو لى عليها وأقردَتْ ... ألا هل أخو عيشِ لذيذ بدائم يُعَلقُ لمّا أعجبتهُ أتانُهُ ... بأرآد لحييها حِيادَ الكَمائِم فأجابه جرير فقال: لا خيرْ في مُستعجلاتِ المَلاومِ ... ولا في خليل وصلُه غير دائم

قوله الملاوم واحدها ملامة. قال: والمعنى في ذلك، يقول لا خير في العجلة باللوم حتى تتثبت فتعلم على ما تلوم صاحبك، فلعلك تلومه وأنت له ظالم. ولا خيرَ في مالٍ عليهِ أليّةٌ ... ولا في يمينٍ غيرَ ذاتِ مخَارِم قوله ألية يعني يميناً. وقوله مخارم، يعني جمع مخرم وهو طريق يمضي فيه التحليل والاستثناء. قال: والمعنى في ذلك يقول لا تحلف يميناً ليس لك فيها مخرج ولا خير. تَركتُ الصّبا مِنْ خَشيَة أنْ يهيجَي ... بِتُوضِحَ رَسمُ المَنزلِ المُتقادِمِ وقالَ صِحابِي ما لَهُ قُلتُ حاجَة ... تهَيجُ صُدوعَ القَلبِ بينَ الحَيازِمِ قوله الحيازم، قال: الحيزوم الصدر وما حوله. تقولُ لنا سَلمَى مَنِ القَوم إذْ رأتْ ... وُجوهاً كِراماً لُوّحَتْ بالسِمائِم قوله لوّحت، يعني تغيّرا واسودّت من الرحلة في طلب المعالي، والوفادة إلى الملوك فقد غيّرها ذلك. وقوله وجوهاً عِتاقاً يعني حساناً رقاقاً. لقدْ لُمتنا يا أمّ غَيْلانَ في السرى ... ونِمْتِ وما ليلُ المَطيّ بنائِم يريد ما المطي بنائم ليله كلّه في طلب العلى. أم غيلان يعني ابنته. يقول لابنته لا تلومينا في السرى في ليلتنا ونهارنا. وأرفَعُ صَدرَ العَنْسِ وهي شِمِلّةٌ ... إذا ما السرى مالَتْ بَلوثِ العَمائم قوله أرفع صدر العنس يريد في السير، وهي شملة، يقول وهي خفيفة، يريد هذه الناقة التي نسير عليها، يقول وإن كانت خفيفة فأنا

أرفع في السير صدرها، وإن كانت خفيفة في سيرها. وقوله مالت بلوث العمائم، يقول: إذا نعس أصحابي وهم يسيرون، ففسد لوث عائمهم، قال: واللوث لف العمامة على رءوسهم، يقول فإذا كان ذلك رفعت أنا في السير لجلدي، ودلالتي، وطول مقاساتي لذلك. قال أبو عبد الله: يقال لاث العمامة يلوثها إذا لفها غير متعمل لإصلاحها، فإذا تعمّل لإصلاحها، قيل رصفها، قال ابن الأعرابي: فإذا تغصّب بها، قيل اقتعطها، فإذا جعلها تحت حلقه قيل التحاها. قال أبو عبد الله: حكي عن خالد بن عبد الله الصريفيني: ما استوت عمامة عاقل قط. بأغْبرَ خَفّاقٍ كأنّ قَتامَهُ ... دُخانُ الغَضا يَعلُو فُروجَ المَخارِم قوله بأغبر خفّاق، يقول: نحن نسير ببلد خفّاق بالسراب. وقتامه غبرته. قال: والمخارم منقطع الطريق في الجبال، واحدها مخرم، يقول فسيرنا في مثل هذه الأرض. إذا العُفرُ لاذتْ بالكِناسِ وهَجّجَتْ ... عُيونُ المُهارى مِنْ أجيج السّمائِم العفر الظباء تعلوها حمرة. وقوله لاذت يقول دخلت العُفر تحت ظل شجرة، وإنما تفعل ذلك من شدة الحر، قال: ولوذ كل شيء ناحيته، وقوله وهجّجت، يريد غارت عيون هذه المهارى، وهي إبل كرام نسبها إلى مهرة، وهم قوم من العرب معروفون بنتاج كريم، يقول: فغارت عيون هذه الإبل، ورجعت إلى الرءوس من الجهد والعطش والتعب. وإنّ سَوادَ الليلِ لا يستَفزُني ... ولا الجاعلاتُ العاجَ فوقَ المَعاصِم قوله لا يستفزني، يقول: لا يستخفني سواد الليل ولا يهولني. قال: والعاج الذبل، قال: والمعنى في ذلك، يقول: إذا رأيت سواد الليل لم أهبه، ثم قال: ومع هذا لا يستخفني الغزل أيضاً ولا الصبا،

فأتحبّس عليه ولا يحبسني ذلك من تزيّن النساء. ظَلِلْنا بِمُسْتَنّ الحَرورِ كأننا ... لدى فَرسٍ مُستقبلِ الريحِ صائِم قوله ظَللنا بمُستن الحرور، قال: مُستن الحرور كجرى الريح الحارة. وقوله صائم، يهني قائماً لدى فرس، يريد عند فرس، يعني بيتاً بناه من برود وغيرها من الثياب يُستظل به. أغرّ مِنَ البُلقِ العِتاقِ يَشُفُهُ ... أذى البَقّ إلا ما احتمى بالقوائِم قواله أغرّ، يقول: هذا الفرس في وجهه غرة، وهي البياض. وظَلّتْ قَراقيرُ الفَلاةِ مُناخَةً ... بأكوارِها مَعكوسةً بالخَزائِم قوله وظلّت قراقير الفلاة مناخة، يعني الأبل، وشبهها بالقراقير، وهي السفن الكبار، فهي تسير في البر بما عليها كما تسير السفن الموقرة في الماء. وقوله بأكوارها، يريد أداتها أي وعليها أكوارها لم تخط عنها. وقوله معكوسة بالخزائم، والعكاس أن يُعلّق الحبل في عنق البعير، ثم على أنفه ثم يشد إلى فوق ركبتيه من ذراعه فيصار - يعني يمال - البعير، فلا يقدر أن يتحرك. أنخنَ لتَغْويرٍ وقدْ وقَدَ الحَصَى ... وذابَ لُعابُ الشمسِ فوقَ الجَماجِمِ قال: التغوير الاستراحة نصف النهار، وهو مثل التعريس في آخر الليل. قال: ولعاب الشمس شدة حرها، وتوقدها، والتهابها، وهو أشد وقت الحر. ومنقوشَة نقشَ الدنانيرِ عُوليَتْ ... على عَجل فوقَ العِتاقِ العَياهِم قوله ومنقوشة، يعني رحالاً تعمل باليمن ينقشونها ويحسنون عملها. وقوله فوق العتاق العياهم، هي ضخام الإبل.

بَنَتْ ليَ يَربوعُ على الشّرفِ العُلى ... دَعائِم فوقَ ذَرعِ الدّعائمِ قال الدعائم، دعائم البيت، وإنما ضربه مثلا للشرف. ويروى فوق كل الدعائم، يقول فشرفي يعلو كل شرف. فمنْ يستجرنا لا يخَفْ بعدَ عَقدنا ... ومَنْ لا يُصالحْنا يَبِتْ غير نائِمِ بَني القَين إنّا لن يفوتَ عَدونَا ... بِوترٍ ولا نُعطيهِم بالخَزائِم ويروى ولا نعطي حذار الجرائم. وأنيَ مِنَ القومِ الذينَ تَعُدُهُمْ ... تميمٌ حمُاةَ المأزِق المُتلاحِمِ المأزق معترك الخيل. والمتلاحم المتضايق. التحم بعضهم ببعض. ترى الصيدَ حولي مِنْ عُبيد وجَعفر ... بُناةً لِعادِيّ رفيع الدعائِم ويروى دوني. وقوله ترى الصيد هم الأشراف الكرام. وقوله من عبيد وجعفر، يعني عبيد بن ثعلبة بن يربوع. وعادي قديم. تَشَمّسُ يربوعٌ ورائيَ بالقَنا ... وتُلقَى حِبالي عُرضَةً للمُراجِم قوله تشمّس يربوع، يريد تمتنع وتمنعني من ورائي بالقنا. وقوله عرضة، يقول هي قوية على فعلها. وقوله للمراجم، يريد للمتقاذف، يقال من ذلك راجم فلان فلاناً إذا قاذفه. فقال له ورد عليه. إذا خَطر حولي رياحُ تَضَمَّنَتْ ... بفوزِ المعالي والثّأى المُتَفاقِم خطرت ترفع الرماح وتخفضها للطعن، كما يخطر الفحل بذنبه، وهو أن يتبختر في مشيته، وقوله رياح يريد رياح بن يربوع، المعالي من

الأمور واحدتها معلاة. والباء في قوله بفوز المعالي مقحمة، وأنشد في المعلاة للعجاج: سامٍ إلى المَعلاة غير حَنبَل قال: والمعالي جمع المُعلى من السهام، وهو أعلاها كلها، وأوّلها خُروجاً إذا ضرُب بها. قال والثأي الفتق، والمتفاقم يريد الشديد. وإنْ حَلّ بيتي في رَقاشِ وَجَدْتني ... إلى تُدْرَء مِنْ حَومِ عِزّ قُماقِم قوله في رقاش، هي رقاش بنت شهبرة بن قيس بن مالك بن زيد مناة ابن تميم، قال وهي أم كليب وغدانة ابني يربوع، قال: وقد ولدت لدارم بن مالك نهشلاً وجريراً، وجرير هو فقيم بن دارم - وقوله إلى تُدرء، يعني إلى دافع يدفع عني. قال: وإنما هو تُفعلُ من درأت، يعني دفعت والتاء زائدة فيه. قال الراجز في مثل ذلك: كَمْ ليَ مِنْ ذي تُدْرَء مِذبّ ... يَغْرفُ مِنْ ذي حَدَبٍ لا يُؤبيِ قوله لا يؤبي، يقول لا ينفد. وقوله من حوم، حوم الماء كثرته ومعظمه، وإنما يريد به العز والشرف. وقوله قماقم، يعني بحراً عظيماً كثير الماء. قال: وإنما يريد كثرة العدد، فضربه مثلا للشرف. رأيتُ قُرومي مِنْ قُرَيبةَ أو طأوا ... حمِاكَ وخيلي تَدعِي يالَ عاصِم قوله قرومي، قال: القرم فحل الإبل، ثم نُقل فصار في الرجال، فقالو قرم القوم، أي سيدهم المعتمد عليه، وأصل القرم في الإبل. وقوله من قريبة، قال: قريبة من بني طُهية، وهي أم أزنم بن عبيد، وأما عاصم

بن عبيد، فأمه الضعيفة بنت ثوب بن عبد الله، من بني عبد الله بن غطفان. وإنّ لِيربوعِ مِنَ العِزّ باذِخاً ... بعيدَ السّواقي خِندِفّي المَخارِمِ قوله بعيد السواقي، يعني أن له عروقاً تسقيه من هاهنا وهاهنا. قال: والعرب تقول فلان كريم تسقيه عروق كرام، وقال: رجل من بني سعد يقال له مزرّد بن عوف: فلما التقيتا بالرماح عَلمْتُمُ ... بِأنّ لَنا مِنَ الطّعان سَواقيا أخذْنا يزيداً وأبنَ كَبشَةَ عَنْوَةً ... وما لم تَنالوا مِنْ لهُانا العَظائِم قوله من لهانا، قال اللهوة القُبضة من الطعام تُلقى في الرحا وغيرها. وإنما ضربه مثلاً للعز والمنعة. ونحنُ اغْتَصبنا الحَضرميّ بنَ عامِر ... ومَروانُ مِن أنفالنا في المقاسِمِ قال: والحضرمي ابن عامر الأسدي، أسره أسيد بن حنّاءة السليطي، ومروان بن زنباع العبسي، أسرته بنو حميري بن رياح يوم الصرائم. قال: وقد كتبنا حديثه. ونحنُ تداركْنا بَحيراً ورَهْطَهُ ... ونحنُ مَنَعنا السّبيَ يومَ الأراقِمِ يعني بحير بن عبد الله القشيري، وقد كتبنا حديثه ومقتله. قال: ومن روى ونحن تداركنا ابن حصن ورهطه، فإنما يعني عيينة بن حصن ابن حذيفة بن بدر، وبني مرة بن عؤف بن سعد بن ذبيان، أغاروا على التيم، فأصابوا سبيهم، فطلبتهم بنو يربوع، فأدركوهم على حقيل - وحقيل جبل - فقاتلوهم قتلاً شديداً، واستنفذوا منهم سبي التيم،

وهزموهم، ففي ذلك يقول جرير: تَدارَكنا عُيَيْنَةَ وابنَ شَمخِ ... وقَدْ مروا بِهنّ علىَ حَقيل فردّ المُرْدَفاتِ بناتِ تَيمٍ ... ليربوع فَوارِسُ غير ميلِ قوله ابن شمخ، هو مالك بن حمار بن حزن بن خشين بن لأي بن شمخ، ويقال إنهم من بني جشم بن معاوية بن بكر. قال مالك بن حمار يوم بُسيان: ويلُ أمّ قومٍ صَبَحناهُمْ مُسَوّمَةً ... بَينْ الأبارِقِ مِنْ بُسيانَ فالأكَمِ بسيان والأكم موضعان. الأقرَبينَ فلمْ تنفَعْ قَرابَتُهُمْ ... والمُوجَعينَ فلمْ يُشفَوا مِنَ الألمِ طَعَنْتُ بالرمحِ جَسّاساً وقلتُ لهْ ... إني أمرؤ كانَ أصلي مِنْ بني جُشَم قوله جساساً، يعني جساسا بن مُدلج أخا شيطان بن مُدلج. قال: وكان من فرسانهم. قال: وفرس شيطان خميرة، وفيها يقول: جاءتْ بما تَزْبي الدّهَيمُ لأهلها ... خمُيرةُ أو مسرى خمُيرةَ أشأمُ وبَينا أرَجّي أنْ تَؤوبَ بَمَغْنَم ... أتتني بألفي فارسٍ مُتَلَئّمِ قال: وذلك أن خميرة كانت وديقاً، ومر جيش لبني أسد، فاستروحت ريح الحصن، فأقبلت نحوها، فطردها الجيش، فأقبلت إلى أهلها، قال: فأوقعوا بهم. وقوله تزبي، يعني تجلب، يقال من ذلك زبى الأمر إذا جلبه. قال جرير للتيم: أتهجُونَ يَربوعاً وقدْ رَدّ سَبْيَكمْ ... فَوارِسُنا والبِيضُ يُلوينَ بالخُمر

خَدَمْنَ بَني غَيظ بنِ مُرّةَ بعدَ ما ... سقَين النّدامَى مِنْ سرَاةِ بني بَدر إذا ما أستبَوا خمراً نَقَلْتُمْ زِقاقَها ... إليهمْ ولا يَسقُونَ تَيماً مِنَ الخَمرِ ويروى إذا استبأوا خمرا. ويروى زقاقهم. وأما قوله: ونحن منعنا السبي يوم الأراقم، يعني به يوم إراب، وقد مر حديثه فيما أمليناه. ونَحْن صَدَعنا هامةَ ابن خويلد ... على حيثُ تَسْتَسقيهِ أم الجَواثِمِ قوله ابن خويلد، هو يزيد بن عمرو بن الصعق، وهو خويلد بن نُفيل ابن عمرو بن كلاب. قال: وذلك أنه أسره أنيف بن الحارث بن حصبة ابن أزنم بن عبيد بن ثعلية بن يربوع، بعد ضربة بالسيف على رأسه أمّتهُ في يوم ذي نجب، وقد مر حديثه فيما أمليناه. وقوله أم الجواثم يعني الهامة. قال: والجواثم الدماغ، وإنما يريد قول ذي الإصبع العدواني: إنّكَ إلا تَدَعْ شَتْمي ومَنْقَصَتي ... أضرْبكَ حيثُ تقولُ الهامةُ أسقوني قال: وجثوم الفرخ وقوعه وتَمكّنه على الأرض. ونحنُ تَداركْنا المَجَبّةَ بعدَما ... تجاهَدَ جَريُ المُبقياتِ الصّلادِمِ قال: يريد المجبّة بن الحارث من بني أبي ربيعة، قتله المنهال بن عصمة، أخو بني حميري بن رياح في يوم عين التمر. قال: والمنهال ابن عصمة، هو الذي يقول فيه متمم بن نويرة: لقدْ كفّنَ المِنهالُ تحتَ رِدائِه ... فتىً غير مِبطانِ العَشيَاتِ أروَعا

وقوله جريُ المبقيات، يريد التي فيها بقية جري. قال: والصلادم من الخيل الشداد. ونحنُ ضربنا هامَةَ ابنِ محُرّقٍ ... كذلكَ نَعصَى بالسيوفِ الصّوارِمِ قوله هامة ابن محرق، قال: هو قابوس بن المنذر بن النعمان الأكبر، أسره طارق بن حصبة بن أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، ثم مَنّوا عليه وجزّوا ناصيته، وأطلقوه، وقد مرّ حديث فيما أمليناه. وقوله نعصى بالسيوف، يقول نضرب بها كما نضرب بالعصي، نتخذ السيوف عصيا لا نضرب إلا بها. ونحنُ ضربنا جارَ بَيْبَةَ فانتهى ... إلى خَسْفِ محكوم لهُ الضّيْمُ راغِمِ قوله جار بيبة، يعني الصمة بن الحارث أبا دريد الجشمي، قتله ثعلبة بن حصبة بن أزنم، وهو أسير الحارث بن بيبة المجاشعي، وفي جواره وقد مر حديثه. فوارِسُ أبلَوا في جُعادَةَ مَصدَقا ... وأبكَوا عُيوناً بالدموع السّواحِم قوله أبلوا في جعادة، قال: هو الجعد بن الشماخ بن شوذب بن عامر ابن صُدي بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة. عَلَوتُ عليكُمْ بالفُروع وتَستَقِي ... دِلائيَ مِنْ حَومِ البِحارِ الخَضارمِ قال: فرع كل شيء أعلاه، يقول: فأنا أعلو عليكم في شرفي وعزّ قومي. ثم قال: وتستقي دلائي، قال: والحوم كثرة الماء ومعظمه. قال: والخضارم السادة والخضرم البحر. قال الأصمعي: وإنما شبّهوا الرجال من السادة بالبحور. مَدَدنا رِشاء لا يُمَدُ لرِيبَة ... ولا غَدْوَة في السالفِ المتُقادِمِ الرشاء الحبل، وإنما ضربه مثلا للشرف والعز. يقول: ليس لأحد من

الشرف والعز مالي. تَعالَوا نُحاكمْكُمْ وفي الحقّ مَقْنَعٌ ... إلى الغُرّ مِنْ آلِ البِطاح الأكارِمِ تقول هم آل فلان، وأهل بلد كذا. ويدخل أهل على آل، ولا يدخل آل في موضع أهل. فإن قُريشَ الحَقّ لَنْ تَتبعَ الهوى ... ولنْ يقبَلوا في الله لَومَةَ لائمِ فإنيّ لَراضٍ عبدَ شَمسٍ وما قَضتْ ... وراضٍ بَحُكم الصيدِ مِنْ آلِ هاشِم وراضٍ بَني تَيم بن مُرّة إنهمْ ... قُرومُ تَسامى للعُلى والمَكارمِ وأرضَى المُغيريّينَ في الحُكم إنهمْ ... بُحورٌ وأخوال البُحورِ القَماقِم وراضٍ بحُكم الحَيّ بَكر بن وائِل ... إذا كانَ في الذُهلَين أو في الهّازمِ قال: الذهلان شيبان بن ثعلبة، وذهل بن ثعلبة. قال وإليهم تحلّفت الذهلان. قال: وبهم سموا: وهم شيبان وذهل، ويشكر، وضبيعة ابن ربيعة. هذه الأربع القبائل الذهلان. واللهازم: بنو قيس، وتيم اللات بن ثعلبة، وعجل بن لجيم، وعنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وبيت شيبان في بني مرة بن ذهل. فإن شئتَ كانَ اليَشكُريَونَ بَيننا ... بحُكم كَريمٍ بالفَريضَة عالمِ نُذَكّرُهُمْ بالله مَنْ يُنهلُ القَنا ... ويَفرجُ ضيقَ المَأزق المُتلاحم ويروى نذكركم. كأنهم قد اجتمعوا فهو يخاطبهم. ومَنْ يضربُ الجبارَ والخيلُ ترتقي ... أعنّتُها في ساطع النّقْع قاتمِ ومَنْ يُدرِكُ المُستردَفات عَشيّة ... إذا ولهَتْ عُوذُ النساء الروائِم أرَدْنا غَداةَ الغبّ ألا تَلومَنا ... تميمٌ وحاذَرْنا حديثَ المواسِم وكُنتمْ لنَا الأتباعَ في كلّ مُعظَم ... وريشُ الذُنابي تابعٌ للقوادِمِ وما زادني بُعدُ المدى نَقضَ مرّة ... وما رَقّ عظمى للضرّوسِ العَواجِم

قوله للضروس العواجم، يريد العواض. تَراني إذا ما الناسُ عَدّوا قديمَهُمْ ... وفَضلَ المَساعِي مُسْفراً غيرَ واجِم قوله غير واجم غير ساكت. يقول: أبسط لساني في ذكر مساعي قومي، وأفخر بأيامهم. وإنْ عُدّت الأيامُ أخزيتَ دارماً ... وتخزيك يا ابنَ القَين أيامُ دارمِ فخَرْتُ بأيام الفوارس فافْخَروا ... بأيامِ قَينَيكُمْ جُبيرٍ وداسم بأيام قَوم ما لقومكَ مثلُها ... بِها سَهّوا عني خَبارَ الجَراثمِ قال: الحبار، حجرة الفأر وما أشبهها. قال: والجرائم، ما يجتمع في أصول الشجر من التراب، ومنه يقال: إن فلاناً في جرثومة من قومه، وذلك إذا كان في عز ومنعة. أقينْ بنَ قَين لا يَسرُ نساءنا ... بذي نَجَب أنّا أدّعَينا لدارمِ قال: وقد مرّ حديث ذي نجب، وقد أمليناه. وَفينا كما أدّتْ ربيعةُ خالداً ... إلى قومهِ حرباً وإنْ لم يُسالِ يعني خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وقد مر حديثه فيما أمليناه فيما مضى من الكتاب. ويروى ولما يُسالم. هو القين وابن القين لاقين مثله ... لفطح المساحي أو لجدل الأداهم وفَي مالكُ للجارِ لمّا تحَدّبَتْ ... عليهِ الذُرى من وائل والغَلاصِم قوله وفي مالك، يعني مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب بن عباد بن قلع بن جحدر، وقد مر حديثه فيما أمليناه. ألا إنما كانَ الفرزدقُ ثعلباً ... ضَغا وهوَ في أشداقِ ليثٍ ضُبارمِ قوله ليث ضبارم، وهو الأسد الشديد الغليظ، يشبه الرجل به، وذلك إذا كان ذا بأس ونجدة.

لقدْ ولَدَتْ أمُ الفرزدقُ فاسقاً ... وجاءتْ بِوَزْواز قصير القوائمِ الوزواز الكثير النزوان والتحرك، نسبه إلى الطيش والخفة. جَريتَ بعِرْقٍ مِن قُفَيرةَ مُقرفٍ ... وكَبوةِ عرق في شَظى غير سالمِ قوله بعرق من قفيرة، قال قفيرة جدّة الفرزدق. إذا قيلَ مَنْ أمُ الفرزدقِ بَيّنَتْ ... قُفيرةُ منهُ في القفا واللهازِم قال الأصمعي: قفيرة جدة الفرزدق، وهي أم صعصعة بن ناجية بن عقال. قال: وكانت سبية من قُضاعة، سباها سلمى بن جندل يوم الحرجات، فلذلك قال من قِنّ لسلمى بن جندل. قُفيرةُ مِنْ قِنّ لسلمى بنِ جَندَل ... أبوكَ ابْنُها وابنُ الإماء الخَوادِمِ وأورثكَ القَينُ العَلاةَ ومرجَلاً ... وإصلاحَ أخرْاتِ الفؤوسِ الكَرازمِ قوله الكرازم واحدها كرزم، وهي الكرزان أيضاً، وقال قيس بن زهير: فقلت جعلتْ أكبادُنا تجتويكُمُ ... كما تجتوي سوقُ العضاه الكرازنا والكرزم والكرزن واحد، وهي الفأس لها رأسان. وأورثنا آباؤنا مَشرفيّة ... تمُيتُ بأيدينا فُروخَ الجَماجمِ أتحلُم بالقتلى هُبير بنَ ضَمْضَم ... إذا نمتَ أير في أست أمّ الضّماضِم لقدْ جنَحَتْ بالسلمِ خرِبانُ مالكٍ ... وتَعلَمُ يا ابنَ القَينِ أن لمْ أسالمِ قال: وذلك أن هبيرة بن ضمضم المجاشعي، بات ليلة، ثم أصبح فقال: إني رأيتني الليلة قتلت عوف بن القعقاع بن معبد بن زرارة،

قال: وكان عوف قتل ابن أخيه مزاد بن الأقعس بن ضمضم. وقد مر حديثه وأمليناه فيما مضى من الكتاب، من قتل عوف مزاداً، وقصة هبيرة. قال: فقعد الأقعس بن ضمضم لعوف بسهم، فخرج عوف من الليل يبول، فرماه الأقعس بسهم، فأصاب رجله فأسواه - يقول لم يصب المقتل، يقال من ذلك قد رُمىَ فأشوى، وذلك إذا رُمي فمر السهم بين شواه. والشوى القوائم - ففي ذلك يقول الفرزدق: حَسبْتَ أبا قيس حمارَ شريعَة ... قَعَدْتَ لهُ والصبحُ قدْ لاحَ حاجِبُه فلو كنتَ بالمَعلوبِ سيف ابنِ ظالمِ ... ضرَبتَ لزارَتْ قبرَ عَوف قَرائِبُهْ ولكنْ رأيتَ النبلَ أهونَ فُوقَةٌ ... عليكَ فقدْ أودى دمٌ أنتَ طالبُهْ قال: والمضماضم، هبيرة بن ضمضم، وأهل بيته. وقال الفرزدق: حَلفْتُ بِرَبّ مَكةَ والمُصَلىّ ... وأعناقِ الهَدِيّ مُقَلّدات قوله المصلى، يريد المسجد. وقوله مقلدات، يريد الهدي مقلدة بالنعال. قال الأصمعي وذلك لأن البدنة تُقلد، ليعلم أنها هدية إلى بيت الله الحرام. لقدْ قلّدْتُ جِلْفَ بَني كُلَيب ... قلائدَ في السّوالفِ باقِياتِ ويروى خلف. قال: والجلف الجبان، النخب، الجوف، الجافي، الذي لا فؤاد له. قال الأصمعي: الجلف الدن الفارغ، قال: والمسلوخ أيضاً إذا أخرج بطنه، يقال له جلف أيضاً.

قال: والسوالف صفاح الأعناق، الواحدة سالفة، والسالفة عرض العنق من جانبيه. قلائدَ ليسَ منْ ذهب ولكنْ ... مَواسمَ منْ جَهنم مُنْضِجاتِ فكيفَ ترى عَطيّة حينَ يَلقَى ... عِظاماً هامُهُنّ قُراسِياتِ يريد حين يلقى فحولاً عظاماً هاماتهن. قال: والقراسيات الضخام من الإبل التامات الأسنان. قُروماً مِنْ بَني سفيان صِيداً ... طوالاتِ الشّقاشِقِ مُصْعَباتِ قال: القروم المصعبات، والمصاعب، والمقرمات، كلها بمعنى واحد، قال: وهي الفحول التي لم يصبها حبل، قال: وقوله صيداً، يريد متكبرين، رجع إلى المعنى في الرجال، يريد يميلون رءوسهم للكبر. قال الأصمعي. وأصل الصيد، عيب في الإبل، وذلك أنه يأخذ الإبل في رءوسها، فيرم ما حول أنوفها، وتسيل أنوفها، فتميل لذلك في رءوسها، فيقال حينئذ للبعير قد صيد، فهو يصيد صيدا شديداً وصاداً. قال: وكذلك كل ما كان خلقة، خرج على الأصل، وذلك مثل قولهم: حول الرجل يحول، وعور الرجل يعور عوراً، وجيد يجيد جيداً، وذلك إذا طالت عنقه فاستدقت من أعلاها. قال: وقال بعضهم عارت العين فهي تعار. وقال ابن أحمر: وسائِلَةٍ بظهرِ الغيبِ عني ... أعارت عَينهُ أمْ لمْ تَعارا قال: ومثل للعرب في الرجل الذي يُذنب ثم يرجع عليه عيبه. كالكلب عاره ظفره. قال: والمعنى في ذلك، يقول فقأ الكلب عين نفسه بظفره، كالذي يجني على نفسه، قال: يضرب ذلك مثلاً للرجل، يُذنب

الذنب فترجع عليه بليته. قال: فشُبّه المتكبرون من الرجال بالصيد من الإبل، وذلك أن البعير إذا أصابه ذلك، رفع رأسه للداء الذي أصابه. فشُبه المتكبر من الرجال بذلك، لأنه يرفع رأسه كأنه شمخ بأنفه، وسفيان الذي ذكره جد الفرزدق سفيان بن مجاشع. ترى أعناقَهُنّ وهُنّ صَيدُ ... على أعناقِ قَومكَ سامياتِ ساميات يعني مُشرفات. قال: وإنما يريد بني سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك. فرُمْ بِيَدَيكَ هَلْ تَسطيعُ نقلا ... جِبالاً مِنْ تهِامَةَ راسِياتِ قوله راسيات، يريد ثابتات، يقال من ذلك رسا يرسو رُسُوا ورَسْوا، وذلك إذا ثبت. أبْصرْ كيفَ تَنبُو بالأعادِي ... مَناكِبُها إذا قُرِعَتْ صَفاتي يريد وأبصر كيف تنبو بالأعادي صفاتي، إذا قُرعت مناكبها، فقدّم وأخّر. مناكبها نواحيها، تنبو عنها المعاول فلا تؤثر فيها، وذلك لصلابتها، وإنما هذا مثلٌ ضربة لأصلهم وعزّهم. وإنكَ واجِدٌ دوني صَعوداً ... جَراثيمَ الأقارِع والحُتاتِ ويروى فإنك. يريد فرُمهم بيدك، فإنك واجد. والأقارع يريد الأقرع وفراساً ابني حابس. والحتات بن يزيد بن عامر بن علقمة بن حوي ابن سفيان بن مجاشع. قال أبو عبيدة: واسم الحتات بشر. قال والحتات نبز - وهو اللقب. ولستَ بِنائِل بِبَني كُلَيب ... أرومَتَنا إلى يومِ المَماتِ

الأرومة بضم الهمزة لبني تميم، وسائر الناس يفتحها. والأرومة الأصل. وجدتُ لدارِمِ قومي بُيوتاً ... على بُنيان قَومكَ قاهراتِ دُعِمْنَ بِحاجَب وابني عِقال ... وبالقَعقاعِ تَيّارِ الفُراتِ يعني حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، قال: والقعقاع بن معبد بن زرارة، كان يقال له تيار الفرات من سخائه، والتيار الموج. وابنا عقال، هما ناجية وحابس ابن عقال بن محمد بن سفيان. وصَعْصعةَ المُجيرِ على المَنايا ... بِذِمّتهِ وفَكّاكِ العُناة يريد صعصعة بن ناجية بن عقال. وصاحِبِ صَوأر وأبي شُريَح ... وسلمى مِنْ دَعائمَ ثابتاتِ قوله وصاحب صوأر، يعني غالب بن صعصعة أبا الفرزدق. وقد مر حديث صوأر فيما أمليناه. قال: وأبو شريح عمرو بن عمرو بن عدس ابن زيد بن عبد الله دارم. قال: وسلمى بن جندل بن نهشل. قال: والدعائم، دعائم البيت، وإنما أراد الشرف، والقديم من عز آبائه، فضربه مثلا للدعائم. بَناها الأقرعُ الباني المعالي ... وهَوْذَةُ في شوامخَ باذِخاتِ يريد الأقرع بن حابس، ومرّة بن سفيان بن مجاشع. وقوله بواذخ، البواذخ الجبال العالية المتحلقه في السماء. وإنما أراد الشرف والمجد. وهوذة من بني نهشل بن دارم.

والشامخات المشرفات. قال: وهو من قول العرب: لقد شمخ فلان بأنفه، وذلك إذا تعظم وتكبر. لَقيطٌ مِنْ دَعائمِها ومنْهُمْ ... زُرارَةُ ذو النّدَى والمَكْرُمات قال: يريد لقيط بن زرارة، وزرارة بن عدس. وبالعَمْرَين والضّمْرَين نَبني ... دَعائمَ مجدُهُنّ مُشَيّداتِ ويروى دعائم مجدهن مشيدات، وهي الرواية الصحيحة بنصب المجد، وبكسر ياء مشيدات. قال: وقوله وبالعمرين، وهما عمرو وعامر ابنا قطن بن نهشل. قال والضمران ضمرة بن ضمرة من بني نهشل. يقول نبني دعائم مشيدات مجدهن. دَعائِمُها أولاكَ وهُمْ بَنوْها ... فمَنْ مِثلُ الدعائِم والبناة قوله أولاك، يقول أوّلونا من آبائنا بنوا لنا هذا المجد. أولاكَ، لِدارِم وبَنات عَوْفٍ ... لِخَيراتٍ وأكرَمِ أمّهاتِ قال الأصمعي: وبنات عوف، يعني تماضر بنت عوف أم الأحجار، وهم: جندل، وجرول، وصخر، بنو نهشل. قال: وشراف بنت عوف أم سفيان بن مجاشع، وعمرو وهو القداح، ومرثد وهو الأبيض، والنعمان بن مجاشع. وتماضر بنت علباء بن عوف بن كعب ولدت لسفيان بن مجاشع، محمداً، ومرة، وحوباً وأنساً. وليلى بنت زنباع بن أحيمر بن بهدلة بن عوف، ولدت لعدس بن زيد بن عبد الله بن دارم عمراً، وبشراً، وشراحيل. جَزِعتَ إلى هِجاء بني نُميرْ ... وخَلّيتَ أستَ أمّكَ للرُماةِ فأبصرِني وأمكَ حينَ أرمي ... مَشّقَ عِجانِها بالنّاقِراتِ

قال: الناقرات يريد الصائبات، يعني المقرطسات. وتمسي نِسوَةٌ لبَني كُلَيب ... بأفواهِ الأزقّوِ مُقْعياتِ ويروى تبيتُ نسيّة لبني كليب. قال: والمقعي القاعد على أسته كما يقعي الكلب. زَوايا سِكّة نَنَتَتْ حَديثاً ... بأخْبَثِ نَبْتَة شرّ النباتِ ويروى زواني سكة. ويروى بأخبث منبت. ويروى منزل. بأحراج خَبيثات المَلاقِي ... شَمطْنَ وهُنّ غيرُ مخُتّنانِ يَبعْنَ فُروجَهُنّ بكُلّ فَلْسٍ ... كَبيعِ السوقِ خُذ مني وهاتِ تخالُ بُظورَهُنّ إذا أنيختْ ... على رُكَباتهِنّ مخُوّباتِ أيورَ الخيلِ قَدْ سَقطتْ خُصاها ... بأطرافِ المَفاوزِ لاغباتِ قوله لاعبات يعني معيبات، وهو من قوله الله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}. كَبرْنَ وهُنّ أزنَى مِنْ قُرودٍ ... وأنجَسُ مِنْ نِساء مُشرِكاتِ ويروى وأرجس، ويروى وأمجن. ألا قَبَحَ الإلهُ بني كُليبٍ ... أكَيلبَ ثَلّةٍ مُتعاظِلاتِ قال الثلة يعني الغنم. وقوله متعاظلات أي متسافدات. ترى أرباقَهُمْ مُتَقَلّديها ... إذا صدئ الحديد على الكُماة قوله على الكماة، هم الأشداء الأبطال من الرجال. وقوله أرباقهم الربقة الحبل، وجماعه أرباق، وهو الحبل الذي تُشد به الجداء.

فما لكَ لا تَعُدُّ بني كُليب ... وتَنْدُبَ غيرهُمْ بالمَأثُراتِ وفَخْرُكَ يا جريرُ وأنتَ عبدٌ ... لِغير أبيكَ إحدى المُنكراتِ تعنّي يا جريرُ لغيرِ شيء ... وقدْ ذهبَ القصائدُ للرواةِ فكيفَ تَرُدُّ ما بعُمانَ منها ... وما بجبالِ مصر مُشَهّراتِ غَلَبتُكَ بالمُفَقَئ والمُعَنّى ... وبيتِ المُحتَبِي والخافِقاتِ قوله بالمفقئ، يريد قوله: ولستَ وإنْ فَقّأتَ عَينَكَ واجداً ... أباً عنْ كُلَيبٍ أو أباً مثلَ دارِم ويروى أباً لك إذ عُد المساعى كدارم. وقوله والمعنّى يريد قوله: وإنكَ إذْ تسعى لِتُدرِكَ دارِماً ... لأنتَ المُعَنّى يا جريرُ المُكلّف وقوله وبيت المحتبي يريد قوله: بَيتاً زُرارَةُ محتَبٍ بِفِنائِهِ ... ومجاشِعٌ وأبو الفوارِسِ نهشَلُ وقوله والخافقات، يريد قوله: وأينَ تُقَضيّ المالِكانِ أمورَها ... بِحَقّ وأينَ الخافِقاتُ اللوامِعُ قال: يعني بقوله المالكان، مالك بن زيد مناة، ومالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة.

فأجابه جرير، وهو يهجو الزبرقان وبني طهية، فقال: تُعَلّلُنا أمامَةُ بالعِداتِ ... وما تَشفي القُلوبَ الصّادياتِ فلولا حُبُّها وإله موسِى ... لَوَدّعْتُ الصبا والغانياتِ وما صبري عن الذّلْفاء إلا ... كصبرِ الحوتِ عن ماء الفراتِ ويروى وما صبري أمامة عنك إلا كصبر النون. ويروى عن الهيفاء. إذا رضيتْ رضيتُ وتعتريني ... إذا غضبتْ كَهَيضاتِ السّباتِ أنا البازي المُطلُّ على نُميَرْ ... على رغْمِ الأنوفِ الرّاغِماتِ إذا سَمعتْ نُميرٌ مَدّ صوتٍ ... جَسِبْتَهُمُ نِساءَ مُنْصِتاتِ رَجَوتْمْ يا بَني وَقْبانَ مَوتي ... وأرجو أنْ تطولَ لكمْ حياتي بنو وقبان هم بنو مجاشع. إذا اجتمعوا عليّ فخَلّ عنهُمْ ... وعَنْ بازٍ يَصُكُ حُبارَيات قال أبو عثمان: حدثني الأصمعي، قال: حدثني جعفر بن سليمان بن علي، قال: وقف أعرابي علي. فقلت: ما بال الأرنب أحبّ إلى الصقر من الحبارى؟ قال: لأنها والله، تكبح سبلته، وتسلح على وجهه، وهو آمن من الأرنب أن تفعل به ذلك. إذا طَربَ الحَمامُ حمَامُ نَجْدٍ ... نَعَى جارَ الأقارِعِ والحُتاتِ قال جار الأقارع يعني الزبير، وقوله نعى، قال: وذلك أنه إذا ذكر شيئاً كان منه فقد نعاه. إذا ما الليلُ هاجَ صَدىً حزيناً ... بَكَى جَزَعاً عليهِ إلى المَماتِ

ويروى نثا خزياً عليكَ. أيَفَخَرُ بالمُحمّم قَين ليلى ... وبالكِيرِ المُرَقّعِ والعَلاتِ وأمكُمُ قُقَيرةُ رَبّبَتْكُمْ ... بِدارِ اللُّؤم في دِمنِ النّباتِ قال الأصمعي: نبات الدمن لا يرعى، وذلك لأنه نشر خبيث، وداء، حتى تصيبه الأمطار مرات فتغسله، ويذهب داؤه، فيصير مرعى، كما قال زفر الكلابي: وقدْ يَنبُتُ المَرعَى على دِمَنِ الثّرى ... وتَبقَى حَزازاتُ النُفوسِ كما هِيا قال الأصمعي: والمعنى في هذا البيت، يقول: قد يصلح نبات الدمن بعد فساده وخبثه، إذا غسلته الأمطار، وذهب ما فيه من الوباء. وما في النفس من الحزازات لا يُذهبها شيء. قال أبو العميثل في النشر: كَا نَشَأتْ في الحَرّ مُزْنَةُ صَيفٍ ... وضُمّنَتِ الأكوارُ عاقِبَةَ النّشر غَدَرْتُمْ بالزُبيرِ وخُنْتُموهُ ... فما تَرجو طُهَيّةُ مِنْ ثَباتِ ولمْ يَكُ ذو الشّذاةِ يخافُ مني ... فما تَرجو طُهَيّةُ مِنْ شَذاتي قال: الشذاة الحدّة وسوء الخلق. كِرامُ الحَيّ إنْ شَهِدوا كَفَوني ... وإنْ وَصّيْتُهُمْ حَفِظوا وَصاتي وحانَ بَنو قُفَيرةَ إذْ أتوني ... بِقَينٍ مُدْمِنٍ قَرْعَ العَلاتِ قال: العلاة سندان الحداد. والقين الحداد. تركتُ القَينَ أطوعَ مِنْ خَصيِّ ... ذَلولٍ في خِزامَتِهِ مُواتِ أبالقَيْنَينْ والنّخَباتِ تَرجو ... لَيربوع شَقاشِقَ باذِخاتِ هُمُ حَبَسوا بِذي نَجَبٍ حِفاظاً ... وهُمْ ذادوا الخَميسَ بِوارِداتِ

قد مر حديث يوم ذي نجب فيما أمليناه من الكتاب مفسراً تاماً. وقوله بواردات، قال أبو عبيدة: واردات على يسار الطريق، وأنت ذاهب إلى مكة، من دون الذنائب عن يسار طخفقة وأنت مُصعد إلى مكة، وهو لبني عامر بن ربيعة بن عامر. قال أبو عبيدة: وهو يوم اللوى، أغارت فيه بنو يربوع على بني ثعلبة ابن سعد بن ذبيان، فقتلوا عارضاً. وقال آخرون: ليس يوم واردات يوم اللوى، وإنما لقوا بواردات أهل اليمن. وتَرْفَعُنا عليكَ إذا افْتَخَرنا ... لِيربوعٍ بَواذخُ شامخِاتِ قوله بواذخ شامخات، أي عاليات وإنما ضربه مثلاً للشرف. يقول: شرفي ومنصب قومي قد علا وشمخ في السماء، لا يناله من فاخرني وأراد أن يباذخني. هُمُ سَلبوا الجَبابِرَ تاجَ مُلْكٍ ... بِطِخْفَةَ عندَ مُعْتَركِ الكُماةِ قد مر حديث يوم طخفة في أول الكتاب، وأمليناه تاماً. ومعترك الكماة، هو الموضع الذي تقتتل فيه الكماة، وهم الأشداء. ومن إذا لاقى لم يفر، والمعترك موضع القتال، وهو موضع الاعتراك، وهو الاجتلاد. ويقال قد اعترك القوم إذا تجالدوا بالسيوف وغيرها. فقدْ غَرقَ الفرزدقُ إذْ عَلَتْهُ ... غَوارِبُ يَلْتَطمْنَ مِنَ الفُراتِ رَأيتُكَ يا فرزدقُ وسطَ سَعدٍ ... إذا بُيّتّ بِئسَ أخو البَياتِ ويروى إذا ما نمت بئس أخو الفتات. وما لاقيتَ ويلكَ منْ كريمٍ ... ينامُ كما تنامُ عن التراتِ نسيتُمْ عُقرَ جِعْثِنَ واحتَبَيْتُمْ ... ألا تباً لفخركَ بالحُباتِ وقدْ دَمِيَتْ مواقعُ رُكْبَتَيها ... منَ التّبراكِ ليسَ منَ الصّلاتِ

تَبيتُ الليلَ تُسلَقُ إسكَتاها ... كَدَأبِ الترك تلعبُ بالكُراتِ وحَطّ المِنْقَرِي بها فقَرّتْ ... على أمّ القَفا والليلُ عاتِ قوله والليل عات، يريد والليل عاتم، يريد اشتدت ظلمته. تُنادي غالِباً وبَني عِقالٍ ... لقدْ أخْزَيْتِ قَومَك في النّداتِ أخزيت قومك الرواية. وقوله في الندات، يريد المجالس، الواحد ناد، مثل قاض وقضاة، وساع وسُعاة، وهو حيث يجتمع القوم فيتحدثون في مجالسهم. وهي أنديتهم. وَجَدْنا نِسوَةً لبَني عِقالٍ ... بِدارِ الذُلّ أغراضَ الرماةِ أغراض الرماة جمع غرض، وهو حيث يُرمى به في الأهداف. غَوانٍ هُنّ أخبَثُ مِنْ حمير ... وأمجنُ مِنْ نساء مُشرِكاتِ وسَوداء المُجَرّد مِنْ عِقالٍ ... تُبايعُ مَنْ دَنا خُذْها وهاتِ وأنتُمْ تَنْقُرونَ بِظُفْرِ سَوْء ... وتأبى أنْ تلينَ لكم صَفاتي يريد وأنتم تنقرون صفاتي بظفر سوء، ثم قال: وتأبى أن تلين لكم صفاتي. والصفاة الصخرة، وإنما ضربه مثلاً للشرف. أليسَ الزّبرِقانُ أحَقّ عَيرٍ ... بِرَمي إذْ تَعَرّضَ للرُماةِ ويروى: أرى ابنَ الزبرقانِ أحَقّ عَبْد ... بأن يُرمَى تَعَرّض للرماة تضَمّنَ ما أضَعتَ بَنو قُرَيع ... لجِاركَ أنْ يموتَ مِنَ الخُفاةِ ويروى إذ يموت، ويروى تضمّن بعد ما علمت قريع بجارك أن. قوله

منَ الخفاة، يريد من الجوع. يقول لا يجوع من لجأ إليهم، فهو عندهم في رفاهية وكفاية، لا يلقاه جوع ولا شدة. يقول: فقد تضمّن بنو قريع ما أضعت من جارك فأشبعوه وكفوه وأغنوه. تَدَلّى بِابْن مُرّةَ قدْ علمتُمْ ... تَدَلّى ثمّ تَنْهَزُ بِالدّلاةِ قوله بالدلاة يريد الدلو. قا بعضهم: يجعل الدلاة هي الدلو وأداتها كلها. قال: والنهز أن يُجذب الدلو جذبة بعد جذبة حتى تمتلئ. وقوله بابن مرة، يعني عمران بن مرة المنقري، صاحب جعثن، وهو الذي يقول فيه جرير: غمزَ ابنُ مُرّة يا فرزدَقُ كَينَها ... غَمزَ الطبيبِ نَغانِغَ المَعْذورِ الكين لحم الفرج الخارج منه، والباطن يسمى الزرنب. وقال جرير: ألا حَيّ أهلَ الجَوفِ قَبلَ العَوائِق ... ومِنْ قَبل رَوعاتِ الحبيبِ المُفارقِ قوله العوائق، قبل ما يعوق الناس من مُلمات الأمور. قال: والروعات ما يروعه أي يُفزعه. سَقَى الحاجِزَ المِحْلالَ والباطنَ الذي ... يَشُنّ على القَبرينِ صوتَ الغوادِقِ وقوله يشن، يريد يصب على القبرين. صوب الغوادق، يعني السحائب الكثيرات الماء. ولمّا لقينا خيلَ أبجرَ أعلنوا ... بِدعوَي لجُيمٍ غير ميلِ العواتِق قوله خيل أبجر، يريد أبجر بن جابر العجلي. قال: ولجيم بن صعب

ابن علي بن بكر بن وائل. صَبرنا لهُمْ والصبرْ مِنا سَجِيّةٌ ... بِأسيافِنا تحتَ الظلالِ الخَوافِقِ قوله سجية. أي طبيعة. يقال سجية وخليقة وطبيعة بمعنى واحد. يقول: فالصبر منا عند القتال سجية لا نعرف غيره. وقوله تحت الظلال يعني السيوف. فلما رأوا ألا هَوادَةَ بيننا ... دَعَوا بعدَ كَرْب يا عَميرَ بنَ طارِقِ قوله عمير بن طارق، يعني عميرة بن طارق بن حصبة بن أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، وأمه طيبة بنت بجير العجلي، وهو الذي يقوله فيه جرير للبعيث: ومِنّا الذي ناجَى فلمْ يخز رَهطَهُ ... بأمر قَويّ محرِزاً والمُثَلّما ومُبْد لَنا ضِغْناً ولولا رِماحُنا ... بأرضِ العدَى لم يرعَ صوبَ البَوارِقِ عَرَفْتُمْ لِعَتّاب عليكم ورَهْطِهِ ... نِدامَ المُلوِك وافتراشَ النّمارِق يعني عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع. قال: وهو أحد أرداف الملوك، قال: والردف الذي يقوم بعد الملك، المربض للملك. همُ الداخلونَ البابَ لا تَدخُلونَهُ ... على المَلك والحامونَ عندَ الحَقائِق وأنتم كِلابُ النارِ تُرمَى وجوهُكُم ... عَنِ الخير لا تغشونَ بابَ السرادِق مَنَعنا بِجَنْبي ذي طُلوحِ نساءَكُمْ ... ولمْ تمنَعوا يا ثَلْطَ زَبّاءَ فارِق وإنّا لَنَحميكم إذا ما تَشَنّعتْ ... بنا الخيلُ تردي مِنْ شَنونٍ وزاهقِ

تشنعت أسرعت في العدو. والشنون الذي قد أخذ في السمن. والزاهق السمين. قال: والزباء الناقة الكثيرة شعر الأذنين. والفارق الناقة التي إذا أرادت النتاج فارقت الإبل، فأخذت في وجه حتى يُدركها النتاج.

حديث يوم ذي طلوح

حديث يوم ذي طُلوح قال أبو عبيدة: وهو يوم الصمد، ويوم أود. وأود واد. وكان من حديث يوم ذي طلوح، أن عميرة بن طارق بن حصبة بن أزنم بن عبيد ابن ثعلبة بن يربوع، تزوج مُريّة بنت جابر، أخت أبجر بن جابر العجلي لأبيه وأمه. قال: فخرج عميرة حتى ابنتى بامرأته مرية في بني عجل، وتحت عميرة بنت النطف بن خيبري السليطي. قال أبو عبيدة، قال سليط بن سعد: بل هي امرأة من بني طهية، خلّفها في قومه. قال: فأتى أبجر أخته مرية امرأة عميرة يزورها، فقال لها: إني لأرجو أن آتيك بابنة النطف، امرأة عميرة. وسمعه عميرة فقال: ما أراك تُبقي علي تحرُبني وتسلبُني. فندم أبجر، فقال لعميرة: ما كنت لأغزو قومك، ولكني متياسر في هذا الحي من تميم. قال: فغزا أبجر والحوفزان - واسمه الحارث بن شريك - متساندين: هذا فيمن تبعه من اللهازم، وهذا فيمن تبعه من بني شيبان. قال: ووكّلا بعميرة بن طارق حُرقصة بن جابر، لئلا يأتي قومه فينذرهم، وتحت أبجر امرأة من بني طُهية، يقال لها سلمى بنت محصن، فأتاها عميرة فقال لها: كيف أنت لو قد جاء غلمان بكر بن وائل فسبوا نساءك، وإني رجل موكل بي، فأعينيني على حيلتي. فقالت له سلمى: وأنا أعينك على ما أردت. وهي حبلي مُتّم برافع بن أبجر. قال: فأصبح الناس ظاعنين يتحملون إلى الكلواذة. فقالت: أما إني ماخض. قال: وسار عميرة في السلف ساعة، ثم قال لحُرقُصة الموكّل به: لعلي لو قد رجعت إلى أهلي فاحتملتهم، فقد ولدت صاحبتك. فقال حُرقصة: لا أبالي أن تفعل فكرّ عميرة على ناقة له، يقال لها الجنيبة، فلقي سلمى بنت محصن، امرأة أبجر، قد احتُملت هي وصواحبُها، فأتاها

فوافقته. فقالت له: قد خبأت لك خبيئة حيث كان فراشي: زادك، وسقاء. قال: فمضى حتى أخذهما، فلم يُفقد حتى تحال الناس عند المساء، ففقده حُرقصة، فأتى امرأته، فقال أين عميرة؟ فقالت: لقينا ضُحى، فوافقنا، ثم مضى إلى دورنا، فلم نره بعد. فاستحيى حرقصة أن يذكر أمره لأحد. قال: ومضى عميرة، فمضى يومه وليلته والغد، حتى إذا لقي أنف الزور من الصحراء، وغربت الشمس، أناخ فقيّد راحلته، ثم نام، حتى إذا علاه الليل، قام فلم ير ناقته. فقال عميرة: فقمت فسعيت ليلاً طويلاً. قال: فإذا سواد في الليل عظيم، فظننته الجيش، فبت أراصده مخافة أن أوخذ، حتى أضاء الصبح. فإذا نعام كثير، وإذا ناقتي تخطر قريباً مني، فقمت غضبان على نفسي، فأجددت السير يومي وليلتي، حتى أرد سفار - وهو ماء لبني تميم - فوجدت في منزل القوم نسعة، فسقيت بها راحلتي، وطعمت من تمري الذي كان معي، وشربت من الماء، ثم ركبتها مُسى الثالثة، فأصبحت بالحطامة من ذي كريب، فإذا ناس يعلقون السدر - يعني يرعونه - فتحرّفت عنهم مخافة أن يأخذوني. فناداني بعضهم إنما نحن صُدّار البيت، فلا تخف - يعني مكة والصدار الراجعون - فنفذت حتى أصبح طلح، وبها جماعة بني يربوع، فقلت: قد غزاكم الجيش من بكر بن وائل فشأنكم. قال: فبعث بنو رياح بن يربوع فارسين طليعة، أحدهما غلام للمشبر أخي بني هرمي بن رياح. وبعث بنو ثعلبة فارسين في وجه آخر، أحدهما المطوّح بن أطيط، والآخر جراد بن أنيف بن الحارث بن حصبة. قال: ومكثت بنو يربوع يوقدون نيرانهم على صمد طلح، فكانوا كذلك ثلاثاً، ثم إن فارسي بني ثعلبة جاءا فقالا: لم نحس شيئاً، مخافة أن يكونوا أرادوا غيرهم، فيكون ما حدّثتهم به باطلاً، وليلة ذهبت ناقتي مخافة أن أوخد، فيقال نام فأخذ فلما تعالى النهار من اليوم الثالث، طلع فارسا بني يربوع. قال: وإذا العبد لا يُوقّي فرسه خباراً، ولا حجراً، ولا جُرفاً،

وهو على الخصي فرس بني هرمي بن رياح. فقالا: تركنا القوم حين نزلوا القسوميّة. قال: فتلببنا، ثم ركبنا، ثم أخذنا طريقاً مختلفاً، حتى وردنا الينسوعة، فوجدنا منزل القوم حين استقوا، وسقوا، ونثروا التمر، وتخففوا للغارة، واستقبلوا أسفل ذي طلوح. قال: فاتبعناهم، وتحتي فرس ذريعة العنق، فتقدمت الخيل، فوقفت حتى أدركوني، ثم بعثنا طليعة، فجاءنا فأخبرنا أنهم بالطلحتين نزول بأسفل ذي طلوح، فمكثنا حتى إذا برق الصبح، ركبنا وركب القوم وهم يريدون الغارة، فكنت أول فارس طلع فناديت: يا أبجر، هلم. قال: من أنت؟ قلت: عميرة بن طارق. فكذبني، فسفرت عن وجهي، فعرفني، فنزل عن فرس كان عليها مركباً لابن الغزالة السكوني - قال: وبنو الغزالة في بني شيبان اليوم - وعلي مُلاءة حمراء، فطرحتها، وجلس عليها. فقال: إني مركّب، فاعلم - قال: والمركب أن يأخذ الرجل فرس صاحبه، فما أصاب على ظهره فلصاحب الفرس نصفه - قال ثم إنهم التقوا، فأسر الجيش إلا أقلّهم، فكان ممن انفلت منهم، وابصة أحد بني أسعد بن همام، وأخذ أخوه، فلما أتى أهله، أتته بنت أخيه تسأله عن أبيها، فقال الشيخ في ذلك:. تُسائلُني هُنَيْدَةُ عَنْ أبيها ... وما أدري وما عَبَدَتْ تمَيمُ غَداةَ عَهِدْتهُنّ مُقَلّصاتٍ ... لهُنّ بكلّ محنِيّة نَحيمُ قوله نحيم، يعني صوتاً، يريد الخيل، والنحيم شبه الزفير. فما أدري أجُبْناً كانَ دَهري ... أمِ الكُوسَى إذا عُدّ الحَزيمُ

قال: وأخذ حنظلة بن بشر بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، الحوفزان. وكان حنظلة في بني يربوع، وأخذه معه أبو مليل، وأخذه معهما عبد عمرو بن سنان بن وعلة بن عوف بن جارية بن سليط. قال: واختصموا فيه، ثم حكموا الحوفزان في نفسه، فأعطى الحوفزان أبا مُليل مائة من الإبل، وأعطى عبد عمرو مائة أيضاً، وجعل ناصيته لحنظلة بن بشر. فقال عبد عمرو للحوفزان: إن بين بني جارية بن سليط، وبين بني مرة بن همام موادعة، فلا آخذ من مالك شيئاً. وكان أبو مليل يسمى ما أخذ منه الخباسة. وأخذ سوادة ابن زيد بن بجير، ابن عم أبجر، أسرة عتوة بن أرقم، فانتزعه ابن طارق منه، وأسر شريك بن الحوفزان، وأسر أسود، وفلحس، وهما من بني أسعد بن همام. وأخذ ابن عنمة الشاعر الضبي مع بني شيبان، فافتكه منهم متمم بن نويرة، فيما زعم سليط بن سعد بن معدان بن عميرة بن طارق بن حصبة بن أزنم بن عبيد بن ثعلبة. قال: فأما حماد الراوية، فزعم أن مالك بن نويرة افتكّه. فقال ابن عنمة في ذلك يمدح متمماً: جَزيَ اللهُ رَبُ الناسِ عني مُتمماً ... بَخَيرِ الجَزاء ما أعفّ وأمجدا أُجيرَتْ بهِ أبناؤنا ودماؤنا ... وشاركَ في إطلاقِنا وتَفَرّدا أبا نهشلٍ إني لكُمْ غير كافرٍ ... ولا جاعِلٍ مِنْ دونكَ المالَ مُؤصدا وقال عميرة بن طارق: أقِليَ عَليّ اللومَ يا أمّ خِثْرِما ... يكن ذاكَ أدنى للصوابِ وأكرَما ولا تعذُليني أنْ رَأيتِ مَعاشِراً ... لهمْ نَعَمٌ دَثْرُ وأن كنتُ مُصرما مَتَى ما نَكُنْ في الناسِ نحنُ وهمْ معاً ... نكنْ منهمُ أكسَى جُنوباً وأطعما

مَناكِ إلهي إذْ كَرهتِ جمَاعَنا ... بمثلِ أبي قُرط إذا الليلُ أظلما يسوقُ الفِراء لا يحُسّينَ غيرهُ ... كَفيحاً ولا جاراً كريماً ولا ابنَما فدَعْ ذا ولكن غيرهُ ثدْ أهمّني ... أميرٌ أرادَ أنْ ألاَم وأشتَما فلا تأمُرَنيّ يا ابنَ أسماء بالّتي ... تجرُ الفتى ذا الطعمِ أنْ يتكلّما بأنْ تَغْتَزُوا قومي وأقعُدَ فيكُمُ ... وأجعلَ علمي ظَنّ غَيب مُرَجّما ولمّا رَأيتُ القومَ جَدّ نَفيرُهُم ... دَعَوتُ نَجيّي محرزاً والمُثَلّما قوله محرزاً والمثلّما، هما رجلان من البراجم أخوالهما من عجل. قال: وكان عميرة بن طارق، لما أراد أن يسير إلى بني يربوع أعلمهما ذلك، فقال: لا ترجع إلى أرض الجوع. فأجابه الفرزدو فقال: إنْ تَكُ كَلْباً مِنْ كُليبٍ فإنّني ... مِنَ الدّارِميينّ الطّوِال الشّقاشق قال: الشقشقة التي يُخرجها الفحل عند هيجانه من فمه. قال الأصمعي: وسمعت بعض العرب ممن يُقدّم في علمه منهم يقول: إنها لُهاته وهي التي تسميها العامة الكركرة، قال: وإنما يفعل البعير ذلك إذا هاج، وإذا أرد الضّراب. من أسماء العامة الشقشقة والكركرة فقط. نَظَلّ نَدامىَ للملوكِ وأنتُمُ ... تمشونَ بالأرباقِ ميلَ العَواتِقِ وإنّا لَتروَى بالأكُفّ رِمَاحُنا ... إذا أرْعشَت أيديكُمُ بالمَعالِق ويروى وإنا لتمضي. وأنا لنروي بالأكف رماحنا. وإنّ ثيابَ المُلكِ في آلِ دارِمٍ ... هُمُ وَرِثوها لا كُليبُ النّواهِقِ

ثيابُ أبي قابوسَ أورثها ابنَهُ ... وأورثناها عن مُلوكِ المَشارقِ وإنّا لتجري الخمرُ بين سَراتنا ... وبين أبي قابوسَ فوقَ النّمارِقِ لَدُنْ غُدوَةً حتى نَروحَ وتاجُهُ ... عليناَ وذاكي المسكِ فوق المَفارِقِ كُليبٌ وراء الناسِ تُرمَى وُجوهُها ... عنِ المجد لا تَدنو لبابِ السرادِقِ وإنّ ثيابي مِنْ ثيابِ محُرّقِ ... ولمْ أستَعِرها مِنْ مُعاع وناعِقِ قوله معاع، قال: المعاعي الراعي، والمعاعاة زجر الغنم، قال: والنعيق مثله. يظلُ لنا يومانِ يومٌ نُقيمُهُ ... نَدامَى ويومٌ في ظِلالِ الخَوافِقِ ويروى يظل لنا يومان يوم إقامة. ولو كنتَ تحتَ الأرضِ شَقّ حَديدَها ... قَوافي عن كَلب مَعَ اللّحد لاصِقَ ويروى: ولو كنت في لحد من الأرض شقّه. ويروى عن ميت مع اللحد لازق. خَرَجْنَ كَنِيران الشتاء عَواصِيّا ... إلى أهل دَمخ مِنْ وَراء المَخارِقِ على شَأوِ أولاهُنّ حتى تَنَازَعَتْ ... بِهنّ رُواةٌ مِنْ تَنوخٍ وغافِقِ ونحنُ إذا عدّتْ تميمٌ قديمَها ... مكانَ النواصي مِنْ وُجوه السوابِقِ مَنَعْتُك ميراثَ المُلوكِ وتاجَهُمْ ... وأنتَ لِذَرعي بَيْذَقٌ في البَياذِقِ وقال الفرزدق: عَرَفْتَ المَنازِلَ مِنْ مَهْدَدِ ... كَوَحْي الزّبورِ لدى الغَرْقَدِ

قال: الوحي الكتاب. والغرقد ضرب من الشجر تدوم خُضرته في الشتاء والصيف لا يكاد يتغير. أناختْ بهِ كُلّ رَجّاسَة ... وساكِبَةِ الماء لم تُرْعُدِ قوله رجّاسة، يعني سحابة راعدة. فأبْلَتْ أوارِيّ حيثُ استَطافَ ... .. فلوُ الجِياد على المروَد الفلو المُهر. وأواري يريد أواخي. والمرود حديدة يُشد بها حبل الفرس فيدور حيث استدار. بَرَى نُؤيَها دارِجاتُ الرياح ... كما يُبْترَى الجَفْنُ بالمِبرد ويروى ابتُريَ. قال ودارجات الرياح ما درج منها فجرى. والجفن جفن السيف. ترى بين أحجارها للرماد .. كنفض السحيق من الاثمد يريد الأثافي. والسحيق المسحوق من الإثمد. وروى أبو عمر كلون السحيق. وبِيضٍ نَواعِمَ مِثل الدُمى ... كِرامٍ خَرائِدَ مِنْ خُرّد ويروى وبيض كواعب، وخراعب، وقوله خرائد، هن النساء الحييات. قال: والدمى واحدتها دمية وهي الصورة. وقوله من خرد، يقول: ولدتهن نساء خرد، أي حييات. تُقَطّعُ لِلّهْو أعناقَها ... إذا ما تَسَمّعْنَ للمُنشِد قوله تقطع للهو أعناقها، يقول: تُميّل أعناقها للذي يُنشد الشعر، تفرح بذلك فصيره كاللهو عندها. ألمْ تَرَ أنّا بَني دارِم ... زُرارةُ مِنّا أبو مَعبَدِ

إنما نصب بني دارم على الفخر والمدح، ولم يجعل ذلك خبراً لأن، وجعل خبر أن في قوله: ألم ترَ أنّا زرارة منا، وكذلك قال الشاعر: نحنُ بَني ضَبّةَ أصحابُ الجَمَلْ فنصب بني ضبة على الفخر والمدح على ذلك المعنى، وقال ذو الرمة: أبى اللهُ إلاّ أنّنا آل خِنْدفٍ ... بِنا يَسمَعُ الصّوت الأنامُ ويُبصرُ وقوله زرارة منا يني زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، كذلك فسره أبو عبيدة والأصمعي. ومنّا الذي مَنَعَ الوائِدات ... وأحيى الوَئيدَ فلمْ يُوءد قوله ومنا الذي منع الوائدات، يعني صعصعة بن ناجية جد الفرزدق، وقد مر حديث الوائدات فيما أمليناه من الكتاب في موضعه. وناجيةُ الخَيرِ والأقْرَعان ... وقَبر بِكاظِمَةَ المَوْردِ ويروى وقبر بكاظمة المورد. رده على كاظمة، وهو موضع معروف على البحر، يريد ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع. والأقرعان الأقرع وفراس ابنا حابس بن عقال. والعرب إذا جمعوا بين اسمين، أحدهما أنبه من الآخر وأخف في اللفظ، جمعوهما به فقالوا: سنة العمرين، يريد أبا بكر وعمر. وقالوا: الأحوصان يريد الأحوص ابن جعفر وابنه. وقبر بكاظمة، يعني قبر أبيه غالب. وقوله مورد، قال: إنما أضاف كاظمة إلى المورد، وذلك لأنها مياه تورد كثيراً دائمة الماء، فأضاف ذلك إليها. إذا ما أتى قبرهُ غارمُ ... أناخَ إلى القبر بالأسعد

بالأسعد، يعني بنجم يسعد به. والأسعد جمع سعد. فذاكَ أبي وأبوهُ الذي ... لِمَقعَدِهِ حُرَمُ المَسجِد ويروى حرم المسجد، أي حرمته كحرمة المسجد، أي يهابه الناس ويتقونه. وقوله فذاك أبي، يعني غالبا. وقوله حرم المسجد، قال: وذلك لأنه لا ينطق عنده بأمر قبيح، ولا بفحش، ولا خنىً، ولا يؤذى عنده جليس، ولا يُسفه عليه، وذلك لقدره في قومه، وعند العرب، أي يجلونه كما يجلون المسجد. ألسنا بِأصحابَ يومِ النّسار ... وأصحابِ ألويَةِ المِربَدِ قال أبو عثمان، قال أبو عبيدة: كان حاجب بن زرارة على بني تميم يوم النسار، ويوم الجفار. قال: وبينهما سنة. قال والنسار قبل الجفار، وكان بعد جبلة، ولذلك رأسهم حاجب ابن زرارة. قال: وذلك لأن لقيطاً قُتل يوم جبلة، ولو كان حيا ما تقدّمه حاجب. قال: وإنما نبُهَ أبو عكرشة بعد أبي نهشل، وكانا قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبع وعشرين سنة. وكان عام جبلة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأركضت كبشة بنت عروة بن عتبة، بعامر بن الطفيل يوم جبلة، وكان ناجية بن عقال، جد الفرزدق، معه رئي من الجن، فكان يشير على بني تميم يوم النسار. قال: فلذلك زعم أعين بن لبطة، أن عبد الله ومجاشعاً شيء واحد. وقوله وأصحاب ألوية المربد، يعني القرين عبد الله بن حكيم بن ناقد بن حوي بن سفيان بن مجاشع، أعطى بيده رهينة في حرب مسعود. قال: وإنما سمي القرين، لأنه كان لا يفارق رجلاً من بني ضبة. فقال زياد بن أبي سفيان: هذان قرينان لا يفترقان. قال: وإنما نريد الاختصار، وأن لا نعيد ما مر من الأخبار. قال أبو عمرو: يوم النسار يوم منعت فيه بنو

ضبة الحارث بن ظالم من الملك. ألَسنا الذين تَميمٌ بهِمْ ... تَسامَى وتَفخَرُ في المَشْهَد وقَدْ مَدّ حولي مِنَ المالِكَين ... أواذِيٌ ذي حَدَبٍ مُزْبدِ قوله أواذي، يريد الأمواج. يقال من ذلك جاش الفرات بأواذيه، يريد بأمواجه. وقوله ذي حدب، أي ارتفاع. قال: وحدبه أن يرتفع وسطه. قال: وذلك لعلو موجه وكثرته يرتفع وسطه وينحط طرفاه. إلى هادِراتٍ صِعابِ الرُءوسِ ... ... قَساوِرَ للقَسوَرِ الأصيدِ صعاب الرؤوس، يقول: هذه الفحول من الإبل تهدر وهي صعاب الرؤوس. والقسور يريد به الرجل الشديد، وهو مشتق من أسماء الأسد. وقال: هم الرماة. قال: والأصيد الشريف المعظّم المبجّل، فضرب ذلك مثلاً للفحول. أيَطْلُبُ مجدَ بني دارِم ... عَطيّةُ كالجُعَل الأسوَد ومجدُ بني دارِم فَوقَهُ ... مكانَ السّماكَين والفَرقَد سَأرمي ولوْ جُعلَتْ في اللّئِام ... ... ورُدّتْ إلى دِقّةِ المَحتِدِ المحتد يريد الأصل، يقال من ذلك: إنه للئيم المحتد، وكريم المحتد. كُلَيباً فما أوقدتْ نارَها ... لِقِدحِ مُفاضِ ولا مِرفَدِ قوله لقدح مفاض، يقول مجال مضروب به عند الميسر، يقال من ذلك: أجل قدحك أي اضرب بقدحك. ولا دافعوا ليلةَ الصّارِخينَ ... ... لهُمْ صوتَ ذي غُرّة مُوقِد

ويروى ولا رفعوا ليلة. ويروى ضوء ذي العزة الأتلد. والأتلد القديم. وقوله ذي غُرّة، أي فرس له غرة. وقوله موقد، أي موقد للحرب، فيجتمع إليه الصارخون، يعني المستغيثين. ولكنّهُمْ يَلْهَدونَ الحمَير ... رُدافَى على الظّهْرِ والقَرْدَدِ ويروى يُكهدون. قال الأصمعي: اللهد أن يهيَ اللحم من داخل، ولا ينشق الجلد، يقال من ذلك ظل فلان لهيداً حين سمع ذلك. قال: واللهد عنتُ لحم الجنب من ثقل الحمل. ويروى ولكنهم يُكهدون الحمير. يعني يسوقونها سوقا شديدا. قال أبو عبد الله: الرواية يكهرون. قال والقردد سيساء الظهر وارتفاعه. قال: وقد قالوا القُردودة. ويروى ردافى على العجب. وهو أصل الذنب. على كُلّ قَعْساء محزومَة ... بِقطْعةِ ربْق ولم تُلْبَد قال: القعس دخول وسط الظهر وطمأنينته. قال: والربق حبل يُمد بين وتدين، فيه حبال قصار تشد إلى ذلك الحبل الطويل، تُربط فيها العنوق والجداء. وقوله لَ تُلبد، يقول: هي مركوبة بكساء أو عبادة، وليس تُلبد كإلباد الخيل. مُوَقّعَة بِبَياضِ الرُكوب ... كَهودِ اليَدَيْن مَعَ المُكْهِدِ المكهد المتعب بالسوق. قَرَنْبَى بَسوفُ قَفا مُقْرفٍ ... لَئيم مَآثِرُةُ قُعْددِ قال: القرنبى ضرب الخنفساء أرقط طويل القوائم، وإنما شبه جريراً وأباه بها. قال: وخُفض قرنبى على تكرير، أراد مع قرنبى. وقوله قُعدد، يقول: هو لئيم بن لئيم في هذا الموضع والقعدد في غير هذا الموضع الكريم الآباء. قال أبو عبد الله: هذا جائز، والأكثر قُعدد بضم

الدال الأولى. قال أبو عبد الله: يقال فلان أقعد من فلان، أي أقل عدد آباء إلى الأب الأكبر، وقد يقال للثيم قُعدد. يَنيكونَهُنّ ويجملنَهُمْ ... وهُنّ طَلائِعُ بالمُرْصَد تَرَى كُلّ مُصْطَرّة الحافرَيْن ... يُقالُ لها للنّكاح ارْكُدِي وروي للنزاء. ويروى يقال لها للسباق اركدي. وقوله مصطرة الحافرين، هو المجتمع الضيق ليس بأرح. والأرح من الحوافر الواسع الكثير الأخذ من الأرض ويروي كل مصرورة الحافرين. والمصرورة مثل المصطرة، وفي معناه. واركدي اثبتي. بهِنّ يحُابُونَ أختانهُمْ ... ويَشْفُونَ كلّ دَم مُقْصَدِ يقال حبا فلان فلاناً، وذلك إذا أعطاه وأكرمه ووصله. وإنما يريد بقوله يحابون أختانهم، يعطون نساءهم مهورهن الحمير. وقوله مقصد، يقول: مقتول، فدياتهم من الحمير، ليست من الإبل كديات سائر العرب. وإنما يعيّرهم بذلك. يقول: إنما يرعون الحمير ولا مال لهم غيرها. يَسوفُ مَناقِعَ أبوالهِا ... إذا أقْرَدَتْ غيرَ مُستَقْرد فما حاجِبٌ في بَني دارِمٍ ... ولا أسرَةُ الأقرَع الأمجد يريد حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم. قال: والأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع. ولا آلُ قَيْسٍ بَنو خالِدٍ ... ولا الصيدُ صِيدُ بَني مَرْثَد

قال: يريد قيس بن خالد بن عبد الله ذي الجدين بن عمرو بن الحارث ابن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان. ومرثد بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. بِأخْيَلَ مِنْهُمْ إذا زَيّنوا ... بِمَغْرَتِمْ حاجِبَيْ مُؤجَد قوله بأخيل منهم، يعني بأفخر منهم، يعني من الخيلاء. ومؤجد حمار موثّق يهزأ بهم. حِمارٌ لهُمْ مِنْ بناتِ الكُداد ... يُدَهِمْجُ بالوَطْبِ والمِزْوِدَ ويروى حصان. الدهمجة القرمطة في السير. قال: والوطب السقاء الذي يكون فيه اللبن شبه الزكرة. والمزود للطعام. يَبيعونَ نَزْوَتَهُ بالوَصيفِ ... وكَوْمَيهِ بالنّاشِئ الأمرَدِ يقول لكرم نتاجهم في الحمير يبيعون نزوة الحمار بالوصيف. فهذا سِبابي لكُمْ فاصْبرَوا ... على النّاقِراتِ ولمْ أعتَدِ يقول فإنما سبابي لكم تعييري بالحمير ولم أعتده إلى غيره. قال: والناقرات يريد المصيبات المقرطسات من السهام. قال: والقاصرات التي لا تبلغ القرطاس. والعاصدات التي تصيب يمنة الهدف فيجوزه. قال: والحوابي التي تقرب من القرطاس ولم تصب. قال أبو عبد الله: سهم حاب لا يجوز إلا ... والحوابي بالباء والياء وهو الذي يحبو نحو القرطاس. قال أبو عبد الله: يقال تحاتن الراميان إذا تساويا، ولم يكن لأحدهما فضل على الآخر. والحتن المثل. وقوله أعتدي، يعني أتعدّى

المقرطسات إلى غيرها، وإنما أراد بقوله ما قال من هذا كله من إصابة القرطاس، أي أقول فلا أخطئ بقولي، وأصيب المعنى ولا أكذب فيما أقول. إذا ما اجتدَعْتُ أنوفَ اللئِامِ ... عَفَرْتُ الخُدودَ إلى الجَدجَدِ ويروى جدعت الأنوف على الجدجد. ويروى عفرت المناخر بالجدجد. قوله عفرت الخدود، يقول جررتها على العفر. قال: والعفر التراب. قال الأصمعي: ومنه قول العرب "ما على عفر الأرض مثله" يكون مدحاً ويكون هجاء، يريد ما على تراب الأرض مثله، وذلك إذا تعجبوا من خيره أو شره. قال: والجدجد من الأرض الصلب المستوي. يَغور بِأعْناقِها الغائرونَ ... ... ويخبِطْنَ نَجْداً معَ المُنجِدِ ويروى تغور المغار بأعناقها. قوله يغور يذهب بها إلى الغور. قال: والغور تهامة وما اطمأن من الأرض. وقوله ويخبطن نجداً مع المنجد، يقول: يسرنَ في نجد ليلاً. قال والخبط السير بالليل عن غير هداية. قال: وإنما قال: ويخبطن، لأنه إذا سار بالليل خبط في مشيه وسيره، فلم يبصر في مسيره. قال: ونجد، يريد ما ارتفع من الأرض وظهر. والمنجد الرجل السائر إلى نجد. يقال من ذلك اتهموا وأنجدوا، ولا يقال إلا غاروا. قال الأصمعي: إلا أنه قد جاء حرف عن العرب، وهو شاذ لا يقاس عليه، وإنما يقاس على الأكثر لا على الأقل، وهو قولهم في الموسم: أشرق ثبير كيما نغير. أي نسرع الانصراف. وليس هذا من الغور وأتيانه. والحجة في أغار بيت الأعشى: غار لعمري في البلاد.

ويروى أغار. قال: كانوا يقولون ذلك صبيحة النحر في موقف بجمع. وقولهم أشرق ثبير، أي أشرق بطلوع الشمس. وهو قول الكميت: ونحنُ غَداةَ كانَ يُقالُ أشرِقْ ... ثَبيرُ أتى لِدَفعَةِ واقِفينا قال أبو عبد الله الرواية: ونحنُ غَداةَ كانَ يُقالُ أشرقْ ... ثَبيرُ أنيَ لِوَقعَةِ دافعينا يريد بقوله أنى حان ذلك وبلغ إناه - هذا مقصور - وهو من قول الله تعالى: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}. يريد وقته ومبلغه. قال أبو عبيدة: وذلك أن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يدخلون على النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنهم يريدون بلوغ غداة النبي قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحيي منهم أن يقول لهم في ذلك شيئا فأنزل الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - يُعلّمهم ويؤدبهم ألا ينتظروا في جلوسهم بلوغ طعامه - صلى الله عليه وسلم -. وكانَ جريرٌ على قَوْمِهِ ... كَبَكْرِ ثَمودٍ لها الأنْكَد رَغا رَغْوَةً لِمَناياهُمُ ... فصاروا رَماداً معَ الرّمْدَدِ كِلابٌ تَعاظَلُ سُودُ الفِقا ... حِ لمْ تحمِ شَيئا ولمْ تَصْطَدِ قوله تعاظل، يقول تسافد. قال: والمعاظلة سفاد السباع كلها. وقوله سود الفقاح، يقول: هم سود.

وتَرْبُقُ باللومِ أعناقَها ... بِأرْباقِ لُؤمِهِم الأتْلَدِ ويروى نربط باللؤم. قال: والأتلد بمعنى القديم الذي لم يزل لابائِهم. إلى مَقْعدٍ كَمَبيتِ الكِلاب ... ... قصيرٍ جَوانبُهُ مُبْلَدِ قال: وكذلك الكلاب في مبيتها، يجتمع بعضها إلى بعض تستدفئ بالليل، يريد اجتماعهم بالليل. وقوله مبلد، يقول: لازم للبلد الذي ليس فيه شيء. وقال الأصمعي: قوله مبلد، يقول: ليس بينه وبين الأرض شيء، إنما هو على بلد الأرض. يُوارِي كُليبا إذا استَجْمَعَتْ ... ويَعجِزُ عَنْ مجلسِ المُقعَدِ ويروى إذا جمعت. ويروى يواري كليبا إذا ذنّبت. يقول: دخلت بأعجازِها قبل رءوسها، وهي مدبرة. قال: وكذلك دخول الكلاب في أمكنتها. والتذنيب أن يرى الضيف، فيزحف، فيدخل البيت بعجزه، ولا يقوم لئلا يراه الضيف. وأنشد بيت المغيرة بن حبناء يقوله لأخيه: لحَى اللهُ أدنانا عَنِ الضّيفِ بالقَرى ... وأضعَفَنا عَنْ عِرضِ والدِهِ ذَباً ويروى وأعجزنا. ويروى لحى الله أدنانا إلى اللوم زلفة. وأجْدَرَنا أن يَدخُلَ البيتَ بأستهِ ... إذا القُف دَلّى مِنْ مخَارِمهِ ركبا ويروى إذا الأرض أبدتْ مِن مخارمها. فأجابه جرير يرد عليه، ويجمع معه البعيث والأخطل:

زارَ الفرزدقُ أهلَ الحِجاز ... فَلمْ يحظَ فيهم ولمْ يحمَدِ الحجاز ما بين الجُحفة إلى جبلي طي، وإنما سمي حجازاً لأنه حجز ما بين نجد والغور. وأخزَيتَ قومَكَ عند الحَطيمِ ... وبين البَقيعَين والغَرْقَدِ ويروى وعند. قال والبقيعان والغرقد بالمدينة. قال: وقد مر حديثه في ذكر المدينة. وهما بقيعان: بقيع الغرقد، وبقيع الزبير. وَجَدْنا الفَروزدقَ بالموسمينِ ... خبيثَ المَداخِلِ والمَشهَدِ نَفاكَ الأغر ابنُ عبد العزيزِ ... بحقّكَ تُنفَى عنِ المسجدِ هذا يقول للفرزدق، لأن الفرزدق حيث أجّله عمر ثلاثة أيام، ليخرج من المدينة، قال: أوعَدَني وأجّلَني ثلاثاً ... كما وُعدَتْ لمَهْلكها ثَمودُ يعني عمر بن عبد العزيز. وشَبّهْتَ نفسكَ أشقَى ثَمودَ ... فقالوا ضَلِلْتَ ولم تهتَدِ قوله أشقى ثمود، يعني قُداراً عاقر الناقة. وقدْ أجلّوا حينَ حَلّ العذابُ ... ثلاثَ ليالٍ إلى المَوعِدِ وشَبّهْتَ نفسَككَ حُوقَ الحِمارِ ... خَبيثَ الأوارِيّ والمِرْوَدِ قال: والرواية حوض الحمار. وذلك أن غالباً أبا الفرزدق كان يلقب حوض الحمار.

وَجَدْنا جُبَيراً أبا غالِبٍ ... بَعيدَ القَرابةِ مِنْ مَعْبَدِ قال: كان جبير قيناً لصعصعة جدّ الفرزدق، فنسب غالباً إليه افتراء عليه. ومعبد بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم. أتجعلُ ذا الكِيرِ مِنْ مالِكٍ ... وأينَ سُهيلٌ مِنَ الفَرقَدِ يريد سهيل يمان. والفرقد شآم. ما أبعد ما بينهما، فضرب ذلك مثلاً للبعد. وعِرقُ الفَرزدقِ شر العُروقِ ... خبيثُ الثّرَى كابيُ الأزنُدِ وقال: الثرى الذي فيه العروق من الشجر. قال: والكابي من الزناد الذي لا يُورى، فيقال من ذلك كبا الزند، وصلد إذا لم يور. وأوصى جبيرٌ إلى غالَبٍ ... وَصيّةَ ذي الرحمِ المُجْهَدِ فقالَ ارْفُقضنّ بِلّي الكَتيفِ ... وحَكّ المَشاعِبِ بالمِبرَدِ قوله بلي الكتيف، الكتيف ضباب الحديد، الواحدة كتيفة، وكتائف جمع الجمع. وجِعْثِنُ حَطّ بِها المِنْقَريُّ ... كَرَجْع يَدِ الفالجِ الأحرَدِ قوله حط بها، يقول: أتعبها واعتمد عليها. قال: والمنقري عمران بن مرة. قال: والفالج من الإبل له سنامان. والأحرد الذي في عصب يده يبس، فهو يضرب بها الأرض شديداً. تَثاءبُ مِن طُولِ ما أبركَتْ ... تَثاؤبَ ذي الرّقْيةِ الأدْرَد قال: الأدرد الذي ليس في فمه سن، واذا تثاءب كان أسمح له. فهلاّ ثأرتَ بِبنتِ القُيونِ ... وتَتركُ شَوقاً إلى مَهْدَدِ

وهَلاّ ثأرْتَ بحَلّ النطاقِ ... ودَقّ الخَلاخيلِ والمِعْضَدِ فأصبحتَ تَقْفُرُ آثارَهُمْ ... ضُحى مشيَةَ الجادِفِ الأعقَدِ ويروى مشية الحذف الأعقد. قال: وهي ضرب من الغنم صغار الأجسام. والأعقد من الكلاب الواضع ذنبه على ظهره مثل الحلقة، وهن قصار الأذناب. والجادف الكلب الذي يجدف خطوه يقارب بينه. كَليلاً وَجَدتُمْ بَني مِنقَر ... سِلاحَ قَتيلكُمُ المُسنَدِ قال: المسند المعلق في القوم ليس منهم. تقولُ نَوارُ فضحْتَ القُيونَ ... فَليتَ الفَرزدقَ لمْ يُولَدِ وفاز الفرزدق بالكَلْبَتَين ... وعِدْلٍ مِنَ الحُمَمِ الأسودِ فرقّعْ لجَدّكَ أكْيارَهُ ... وأصْلحْ مَتاعَكَ لا تُفْسِدِ وأدْنِ العَلاةَ وأدْنِ القَدومَ ... ووَسّعْ لِكيركَ في المَقعَد العلاة سندان الحداد. ويروى في المُلحد والمَلحَد. قَرَنْتُ البَعيثَ إلى ذي الصليبِ ... معَ القَينِ في المَرسَ المُحْصَد وقَدْ قُرِنوا حينَ جَدّ الرِهانُ ... بِسامٍ إلى الأمدِ الأبعدِ قوله بسام أي مرتفع، يعني نفسه. يُقطعُ بالجري أنفاسَهم ... بِثَني العِنانِ ولم يجهَدِ يقول: سبق وهو ثاني العنان، وعنانه في يده لم يملأه كله. وقوله لم يُجهد، يقول: أتى ولم يتعب، قبل أن يتعب فرسه كان له السبق.

فإنّا أناسُ نحبُ الوَفاء ... حَذارَ الأحاديثِ في المَشهَد ولا نَحتَبي عندَ عقدِ الجوارِ ... بغير السيوفِ ولا نرتدي شَدَدْتُم حُباكُمْ على غَدرَةَ ... بجيشانَ والسيفُ لمْ يُغمدِ ويروى على خزية. قال: جيشان وادي السباع. يقول: غدرتم بالزبير فيه. وقوله لم يغمد، يعني يوم الجمل. فلما احتبيتَ وأنتَ الذليلُ ... قَعَدتَ على أستِ امرئ قُعدُدِ فبُعدا لقومٍ أجاروا الزبير ... وأما الزبير فلا يبعَدِ أعبْتَ فوارسَ يومِ الغَبيطِ ... وأيام بِشرِ بني مَرثَدِ ويوماً ببلقاء يا ابنَ القُيونِ ... شَهدنا الطّعانَ ولم تَشهَدِ فصَبّحنَ أبجَرَ والحَوفَزانَ ... بِوِردْ مُشيحٍ على الذُوّدِ قال: وقد مرت أخبار هذه الأيام فيما أمليناه من الكتاب. مشيح حاد سريع محاذر. ويومَ البَحيرَينِ ألحقَنَنا ... لهُنّ أخاديدُ في القَرْدَدِ نُعِضُ السيوفَ بهِام المُلوكِ ... ونَشفِي الطّماحَ منَ الأصيدِ قال: الأصيد الرجل المميل رأسه المتكبر، شبهه بالأصيد من الإبل، وهو الذي يصيبه داء فيرفع رأسه لذلك. يقول: نضرب رأسه فيقيمه لنا ذُلاّ ورجوعاً إلى الحق.

قال أبو عثمان، وقال أبو عبيدة: كانت النوار بنت أعين بن ضبيعة بن ناجية بن عقال، جعلت الفرزدق جريّها، أن يُنكحها رجلا كان خطبها. قال: فأشهد عليها بالجراية مُبهماً في تزويجها. قال: فجاء الخاطب والشهود فخطبها، وأجابه الفرزدق، حتى إذا انتهى إلى موضع الإنكاح، مال إلى نفسه فتزوجها على عدة ما ذكر الخاطب من المهر. قال: وتفرّق القوم، وأتيت المرأة بالخبر، فأبت وقالت: ما أنا له بزوجة، إنما أذنت له في تزويجي هذا الرجل فغدر. ولجأت إلى بني قيس بن عاصم، فقال الفرزدق في ذلك: بَني عاصِمٍ لا تُلجِئُوها فإنّكُمْ ... مَلاجئ للسّواءات دُسمُ العَمائِمِ بَني عاصِمِ لو كانَ حَيّا لَدَيكُمُ ... لَلامَ بَنيهِ اليومَ قيسُ بنُ عاصِم قال: فقالوا للفرزدق لئن زدتَ لنقتلنك. فنافرته إلى عبد الله بن الزبير بمكة. قال: وكان لها ولد من رجل قبل ذلك، فقالت بيني وبينك ابن الزبير، وطلبت الكراء، فتحاماها الناس، فأكراها رجل من بني عدي فقال الفرزدق في ذلك: ولولا أن يقولَ بَنو عَديّ ... أليستْ أمّ حنظلَةَ النّوارُ أي لولا أن النوار - وهي بنت جل بن عدي من جدات الفرزدق - ولدتكم لهجوتكم. إذا لأتى بَني مِلكانَ مِنّي ... قَواذِفُ لا تُقَسّمُها التّجارُ

قال: والملكاني الذي شخص بها وقال الفرزدق: ولولا أنّ أمي مِنْ عَديّ ... وأنيّ كارِهٌ سُخطَ الرّبابِ إذا لأتَى الدّواهي مِنْ قريبٍ ... بِخزي غيرْ مَصروِف العِقابِ وقال الفرزدق، يعني الملكاني الذي شخص بها: سرى بِنَوارٍ عَوْهَجِيّ يَسوقُهُ ... عُبيدٌ قَصيرُ الشّبرِ نائي الأقاربِ تَؤمٌ بِلادَ الأمنِ دائبةَ السُرى ... إلى خيرِ وال من لُؤي بنِ غالِب فدونَكَ عِرسي تبتَغي نَقْضَ عُهدتي ... وإبطالَ حقّي بالمُنى والأكاذِبِ قال: وكان بنو أمّ النُسير تجنبوها، فقال لهم في ذلك: لَعَمري لقدْ أردَى نَوارَ وساقَها ... إلى الغَورِ أحلامٌ خِفافٌ عُقولهُا مُعارضَةَ الرُكبانِ في شَهر ناجِرٍ ... على قَتَبٍ يعلو الفَلاةَ دَليلُها وما خِفْتُها إذْ أنْكَحَتني وأشهدَتْ ... على نفسِها أنْ تَنْتَحيني غُلولهُا قال أبو عبد الله: ويروى أن تبجس غُولها. أطاعَتْ بني أمّ النُسيرْ فأصبحتْ ... على شارِف ورقاء صعبٍ ذَلولها وقدْ سَخطَتْ مني نَوارُ الذي ارتضى ... بهِ قَبلَها الأزواجُ خابَ رَجيلُها وإنّ أميرَ المؤمنينَ لَعالمِم ... بِتَأويلِ ما وصّى العِبادَ رَسولهُا أي ما أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - من التزويج: "فإني مُكاثِرٌ بكم الأممَ".

فدونَكَها يا ابنَ الزبيرْ فإنها ... مُوَلّعةٌ يُوهِي الحجارَةَ قيلُها وما خاصَمَ الأقوامَ من ذي خُصومَة ... كَوَرهاء مشْنوء إليها حَليلُها تَراها إذا التَجّ الخُصومُ كأنما ... ترى رُفقَةً مِنْ ساعةٍ تَسْتَحيلُها يقول: هي طامحة الطرف عن زوجها، لا تنظر إليه من بغضة، كأنها تنظر إلى رُفقة من مكان بعيد. وقال الفرزدق: هَلُمّ إلى ابْنِ عَمّكِ لا تَكوني ... كمُخْتارٍ على الفَرَس الحِمارا قال أبو عبيدة: فتجاولا زُميناً، لا يُفصل بينهما، وانقطعت إلى امرأة ابن الزبير، بنت منظور بن زبّان الفزاري، وانقطع هو إلى حمزة بن عبد الله بن الزبير، وقال له: أمسَيتُ قَدْ نَزَلتْ بِحَمزَةَ حاجتي ... إنّ المُنَوّهَ باسمِهِ المَوثوقُ قال أبو عبد الله: ويروى أصبحت قد نزلت. فلم يصنع في حاجته شيئاً. قال: أمّا بَنوهُ فلَمْ تُقبلْ شَفاعَتُهمْ ... وشُفّعَتْ بنتُ منظورِ بنِ زَبّانا ليسَ الشفيعُ الذي يأتيكَ مؤتزِراً ... مثلَ الشفيع الذي يأتيكَ عُريانا ثم قال لابن الزبير: تخُاصِمُني النّوارُ وغابَ فيها ... كَرَأس الضّبّ يلتمسُ الجَرادا

فقال له ابن الزبير: ألا تِلْكُمُ عرْسُ الفرزدقِ جامحِاً ... ولوْ رَضيَتْ رَمحَ أستِهِ لاستَقَرّتِ قال: فلم يزل بها حتى واقعها، وأقبلت من مكة حبلى، وكانت تُشارهُ، فأراد أن يغيظها، فتزوج عليها غير واحدة. فتزوج عليها حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن عبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام بن مرة بن ذُهل بن شيبان. وولد قيس بن مسعود بساطما وبشراً، وهو السليل، وعمراً، وهو الأحوص، وبجاداً. وولد بسطام بن قيس الأحوص، وزيقاً، وفريصاً، وفروة، بني بسطام. فحدراء بنت زيق بن بسطام، والأحوص أخوها. والأحوص الكبير عمها. فتزوجها الفرزدق على، مائة من الإبل. قال أبو عبيدة: قال جهم: فقالت للفرزدق النوار: ويلك تزوجت أعرابية دقيقة الساقين، تبول على عقبيها على مائة بعير. فقال الفرزدق: يفضلها عليها ويعيرها بأمها، وكانت أمَة: لجاريَةٌ بين السليلِ عُروقُها ... وبَين أبي الصّهباء مِنْ آل خالِدِ قوله أبي الصهباء، يعني بسطاما. والسليل بن قيس أخو بسطام بن قيس. أحَقٌ بِإغلاء المُهورِ مِنَ التي ... رَبَتْ وهيَ تَنزو في جُحورِ الوَلائِد وقال الفرزدق أيضاً: لو أنّ حَدراء تجزيني كما زَعَمتْ ... أنْ سوفَ تفعلُ مِنْ بذْلٍ وإكرامِ لَكنتُ أطوَعَ مِنْ ذي حَلْقَة جُعلتْ ... في الأنفِ ذَلَّ بتقواد وتَرسامِ

عَقيلَةُ مِنْ بني شَيبانَ تَرفعُها ... دَعائمُ للعُلى مِنْ آلِ همّامِ مِنْ آلِ مُرّة بَين المُستضاء بهِمْ ... مِنْ بين صِيد مَصاليت وحُكامِ بينْ الأحاوصِ مِنْ كَلبٍ مُرَكّبها ... وبين قيسِ بنِ مسعودٍ وبِسطامِ وقال الفرزدق أيضاً: لَعَمري لأعرابيةٌ في مِظلّة ... تظلّ بَروقَيْ بَيتها الريحُ تخفقُ كَأمّ غَزالٍ أو كَدُرّة غائص ... إذا ما بَدَتْ مثلَ الغَمامةِ تُشرقُ أحَبُّ إلينا مِنْ ضِناك ضِفنّة ... إذا رُفعَتْ عنها المَراوِحُ تَعرقُ كَبطّيخَة الزّرّاع يُعجبُ لَونُها ... صحيحاً ويبدو داؤها حينَ تُفلَقُ ويروى إذا وضعت عنها المراوح. فأجابه الباهلي: أعوذُ باللهِ مِنْ غُولٍ مُغَولةٍ ... كأنّ حافِرَها في حَدّ ظُنْبوبِ ورُكْبتاها سلاحٌ ما يقومُ لها ... إلا الشياطينُ في تلكَ الأعاريبِ تَستروِحُ الشاةَ مِنْ ميلٍ إذا ذُبحتْ ... حُبّ اللّحامِ كما يستروحُ الذّيبُ قال: فلما سمعت النوار بعثت إلى جرير، وقالت للفرزدق: أما والله لأخزينّك يا فاسق، فجاءها جرير، فقالت له: ألا ترى ما قال لي الفاسق؟ وشكت إليه ما قال لها، فقال لها جرير أنا أكفيكه. فقال جرير: ألستُ بمُعطِي الحُكمِ عَنْ شِفّ مَنصبٍ ... ولا عَنْ بناتِ الحَنظَليّينَ راغِبُ

ويروى ولا أنا معطي الحكم عن شف منصب. قال: والشف هاهنا النقصان، وقد يكون الشق الفضل أيضاً. يقال: هذا أشف من هذا، وهذا يشف على هذا، أي يزيد عليه. وقال أبو عثمان: أنشدني أبو عبيدة: بَني يَثربي حَصّنوا أينُقاتكُم ... وأفراسكُمْ عنْ نَزو أحمرَ مُسهَمِ ولا أعرفَنْ ذا الشّقّ يطلبُ شفّهُ ... يُداويِهِ مِنكُمْ بالأديمِ المُسَلّمِ قوله حصنوا أينقاتكم وأفراسكم، يعني بناتكم وقرائبكم. عن نزو أحمر، عن برذون، ليس بعربي. وقوله مسهم بعني يجعل له سهم في الغزو. وقوله يداويه منكم بالأديم المسلم، يقول: يُصحح عيب نسبه وأديمه بأديمكم الصحيح المسلم إذا انكحتموه. قال أبو عبد الله: يقال أسهم له إذا جعل له سهماً، وسهمه إذا خرج سهمه على سهمه، فكانت له الغلبة. وقوله ذا الشف، قد قال النابغة الجعدي في الشف إذا كان فضلا: فاستَوتْ لِهْزِمَتا خَدّيهِما ... وجرى الشّفّ سواء فاعْتَدَلْ قال: والشف هاهنا فضل ما بين الحمار والفرس. قال: جرى الفرس حتى لحق بالحمار، فاستويا فطعنه الغلام. أراهُنّ ماءَ المُزن يُشفى بِهِ الصدَى ... وكانتْ مِلاحاً غَيرهُنّ المَشارِبُ قوله أراهن، يعني بنات الحنظليين. والصدى العطش. يقول أرى المشارب إلا إياهن، فضربهن مثلا للمشارب.

لقدْ كنتَ أهلا إذْ تَسوقُ دِياتكُمْ ... إلى آل زيقٍ أنْ يَعيبَكَ عائِبُ قال أبو عبد الله: ويروى أن تسوق. وهو أجود في المعنى. وقوله إذ تسوق دياتكم، يريد المائة من الإبل التي ساقها الفرزدق إليهم. وما عَدَلَتْ ذاتُ الصّليبِ ظَعينَةً ... عُتَيبَةُ والرّدفان مِنها وحاجِبُ قوله ذات الصليب، يريد حدراء. وذلك أن أجدادها كانوا نصارى فعيّره بذلك. وقوله ظعينة، يريد امرأة. قال وأصل الظعينة المرأة تكون على البعير. قال: ثم استعملت العرب الظعينة، حتى صيّروا المرأة ظعينة بغير بعير، والأصل في ذلك ما خبرتك. وقوله عتيبة، يريد عتيبة بن الحارث بن شهاب بن عبد قيس بن كُباس بن جعفر بن ثعلبة ابن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وقد رأس، وكان فارس مضر في زمانه. وحاجب بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله ابن دارم. وقوله والردفان، عتّاب بن هرمي بن رياح بن يربوع، وعوف بن هرمي. قال: والردف الذي يُربض للملك، فيكون القائم بعد الملك، فهو الردف عند العرب في الجاهلية. قال أبو جعفر: والردف الذي يردف الملك، يعادله في ركوبه، ويجلس في مجلسه. ألا رُبما لم نُعطِ زِيفاً بحُكمِهِ ... وأدّى إلينا الحُكمَ والغُلُ لازِبُ قوله والغل لازب، يعني لازماً. ولازب ولازم سواء بمعنى واحد. والعرب تقول ضربة لازب ولازم، بمعنى واحد، كذلك كلام العرب. حَوَينا أبا زِيقٍ وزِيقاً وعَمّهُ ... وجَدّةُ زيقٍ قدْ حَوَتها المَقانبُ قوله حوينا، يريد أخذنا فصار في أيدينا. قال: وأبو زيق، أسره عتيبة ابن الحارث، وأسر زيقاً وحلف أن لا يطلقه حتى يأتيه بكل ما أورثه قيس بن مسعود: قال: وجدّةُ زيق أم بسطام، وهي ليلى بنت

الأحوص الكلبي. قال: فأتته أم بسطام بثلثمائة بعير، فقبضها عتيبة وجزّ ناصيته وخلّى سبيله. قال أبو جعفر: إنما كان بسطام عاب على عتيبة مركب أمّه، فحلف أن لا يطلقه حتى يأتيه بمركب أمّه مع الفداء الذي فارقه عليه. قال سعدان: وعم زيق، السليل بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين. أسره قيس بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم، في يوم جوف دار. قال وهي أرض هجر - قال أبو عبد الله: جوف وبال وهي أرض هجر - قال: وفي هذا اليوم يقول نهشل بن حرّي بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم: وقاظَ ابنُ ذي الجدَّين وسْطَ قبابِنا ... وكرْشاء في الأغلالِ والحَلَقِ السُمْرِ قوله كرشاء، هو كرشاء بن المزدلف، وهو عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، أسره في هذا اليوم المُجشر بن أبي بن ضمرة بن جابر ابن قطن بن نهشل. ألمْ تعرِفوا يا آلَ زيقٍ فوارسي ... إذا اغبرّ مِنْ كَرّ الطّرادِ الحَواجِب حَوَتْ هانئا يومَ الغَبيطَينْ خَيلُنا ... وأدرَكنَ بِسطاماً وهُنّ شَوازبُ شوازب ضوامر. قال: وهانيء بن قبيصة الشيباني، أسره وديعة بن مرثد، من بني أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع. وقال اليربوعي: ناصية هانيء اليوم عند رجل من بني مازن، يقال له عطّاف بن زهير الرزامي - وقال أبو عبد الله: لا أحفظ هذا الاسم. صَبَحْناهُمُ جُرداً كأنّ غُبارَها ... شَابيبُ صَيفٍ يَزدَهيهِنّ حاصِبُ قوله يزدهيهن، يعني يستخفهن فيذهب بهن. والحاصب الرياح

الشديدة الهبوب، تحمل الحصباء من شدة هبوبها، وفيها تراب وحصى لشدة هبوبها. بِكُلّ رُديني تَطارَدَ مَتْنُهُ ... كما اخْتَبّ سيدُ بالمَراضَين لاغِبُ أي صبحناهم هذا وهذا. وقوله بكل رديني هو رمح نسبه إلى ردينة. قال الأصمعي وردينة امرأة كانت بالبحرين، ثثقف الرماح في الجاهلية معروفة بالفراهة. وقوله تطارد متنه، يعني يهتز إذا هُز. وقوله كما اختب، هو افتعل من الخبب. وحدثنا أبو عثمان سعدان بن المبارك، قال: سألت أبا عبيدة عن قوله بالمراضين. قال: هو موضع معروف، وهو من أرض المدينة، بينه وبينها مسيرة يومين. وقوله لاغب، يعني معيباً وهو من قول الله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} أي إعياء. قال أبو عثمان، فقلت لأبي عبيدة: هو من المدينة على يومين منها. فقال إذا كان من عملها، وإن كان على يومين أو ثلاثة أيام فهو منها. جزَى اللهُ زِيقاً وابنَ زيقٍ مَلامةً ... على أنني في وُدّ شَيبانَ راغِبُ أأهدَيتَ يا زِيقَ بنَ زِيق غَريبَةً ... إلى شر ما تهدَي إليهِ الغَرائِبُ ويروى وأنكحت يا. وإلى سر ما. وقوله غريبة، يقول: هي من ربيعة، ليست من تميم، فصيرها غريبة لذلك. فأمثَلُ ما في صِهْرِكُمْ أنّ صِهْركُمْ ... مجُيدٌ لكم ليّ الكَتيفِ وشاعِبُ قال: الكتيفة الضبة من الحديد يُخبر أنه حداد. عَرَفناكَ مِنْ حوضِ الحمارِ لزِنْيَة ... وكانَ لِضَمّاتٍ مِنَ القَين غالِبُ بَني مالِكِ أدّوا إلى القَين حَقّهُ ... وللقَينْ حقٌّ في الفرزدقِ واجِبُ

أثائِرَة حَدراء مَنْ جُرّ بالنّقا ... وهل في بَني حَدراء للوِتر غالِب النقا يريد الموضع الذي قُتل به بسطام، يقال له نقا الحسنين. قال أبو عبد الله: لا أعرف إلا نقا الحسن. ويروى وهل فيك يا حدراء. أتَثْأرُ بِسطاماً إذا ابْتلّتِ استُها ... وقَدْ بَولّتْ في مِسمَعَيهِ الثّعالِبُ يعني بسطام بن قيس، قتله عاصم بن خليقة الضبي. ذَكَرتَ بَناتِ الشمسِ والشمسُ لمْ تَلد ... وأيهاتَ مِنْ حُوقِ الحِمارِ الكواكبُ ولوْ كُنتَ حُراً كانَ عشرٌ سَياقَةً ... إلى آلِ زِيقٍ والوصيفُ المُقاربُِ قوله المقارب، يعني الدون. يقول: ما أقربه من الجيد. فأجابه الفرزدق فقال:. تقولُ كُليبٌ حينَ مَثّتْ سِبالهُا ... وأخْصَبَ مِنْ مَرّوِتها كُلُّ جانِبِ مَثّت سالت من الدسم والخصب، كأنها دهنت بالشحم. ويقال مثّت يعني رشحت دسماً، وذلك من كثرة شرب اللبن، كما يمثّ نحي السمن إذا روي وظهر منه السمن. يقال: قد مثّ يمث مثّا. لِسُؤبْان أغنام رَعَتْهُنّ أمُهُ ... إلى أنْ عَلاها الشيبُ فوقَ الذّوائبِ قوله لسؤبان، قال الأصمعي، وأبو عبيدة، جميعاً: السؤبان الرجل المصلح الحسن القيام على المال، فيقال من ذلك سؤبان مال، وخال مال، وآئل مال، وخائل مال، وسرسور مال، وصدى مال، وعسل

مال، وعائس مال، وإزاء مال، وصصية مال، وعائل مال، كله بمعنى واحد، وذلك إذا كان الرجل مصلحاً له بحسن القيام عليه. وقال حميد بن ثور الهلالي في إزاء، يصف امرأة بحسن التأني للمعاش:. إزاء مَعاشٍ لا تحلُّ نِطاقَها مِنَ الكيسِ فيها سُؤرةٌ وهيَ قاعِدُ ويروى سورة. ويروى لا يزول نطاقها. أي لا تحله البتة من الخدمة. وقوله فيها سؤرة، يقول هذه المرأة فيها فضل من قوة، وفيها بقية لإصلاح معاشها. وهي قاعد يقول: هي قاعد عن الزوج، ليست بنافقة للأزواج. وقال الجعدي في خائل مال: حلاّ بِأبْلِيّ وراحَ عليهما ... نَعَمُ القَطينِ وعازِبُ الخُوّال أبلي اسم واد. والقطين التباع والحشم. قال: والخوّال، هاهنا، هم المصلحون للمال، يقال للواحد خائل، وخوّال للجميع. ألَستَ إذا القَعساء أنسَلَ ظَهرُها ... إلى آل بِسطامِ بنِ قيسٍ بِخاطِبِ قال: والقعساء من النساء الداخلة الصلب، العظيمة البطن. وإنما عنى، ها هنا، أتاناً. وهي في غير هذا الموضع، امرأة على هذه الصفة من دخول صُلبها وعظَمِ بطنها. وقوله أنسل ظهرها، يقول: طرّت فسقط وبرها القديم، ونبت وبر جديد، وذلك لسمنها. لَقُوا ابنَي جِعالٍ والجِحاشُ كأنها ... لهُمْ ثُكَنٌ والقَومُ مِيُل العَصائِبِ قال: ابنا جعال، عطية وأخوه من بني غُدانة بن يربوع. وقوله ثكن،

يعني جماعات، الواحدة ثكنة. ميل العصائب، يعني العمائم من شدة التعب والسير. فقالا لهُمْ ما بالُكم في بَرادِكُمْ ... أمِنْ فَزَعٍ أمْ حَولَ رَيّانَ لاعَبِ قوله في برادكم، البُردة، هاهنا، كساء يُزيّن بالعهن، وهو الصوف المصبوغ ألواناً، واحدها عِهن، وجميعها عُهون. والبَراد جمع بُردة، وهي أكسية من شعر الأعراب، يأتزرون بها. فقال لبني كليب: ما بالُكم في برادكم كالفزعين؟ أمن فزع هذا، أم أنتم حول ريّان، أي سكران، يلعب فتزفنون معه؟. فقالوا سَمِعنا أنّ حَدراء زُوّجَتْ ... على مائَة شُمّ الذّرى والغَوارِبِ قوله شم الذرى، يعني طوال الأسمنة، قال الأصمعي: ذُروة كل شيء أعلاه. والغوارب جمع غارب، وهو ما اضطمت عليه الكتفان، وهو مقدّم السنام يلي العنق. وفينا مِنَ المِعزَى تِلادٌ كَأنها ... ظَفاريّة الجَزع الذي في الترائِبِ قوله تلاد، التلاد ما كان لآبائهم قديماً. قال والطارف، الذي اتخذوه واستطرفوه. وقوله ظفارية الجزع، يعني جزع ظفار. وظفار باليمن. قال وفي مثل للعرب "من دخلَ ظفار حمّر" يعني تكلم بالحميرية. فقال: إن المعزى سود وبُلق. قال: وكذلك الجزع أسود في بياض. والترائب واحدتها تربية، وهو موضع طرف القلادة من الصدر. والمعنى، يقول: إنها لحسان في أعينهم كالجزع الذي يُلبس على الترائب - أي المخانق - من حسنها، أي خرجوا يعجبون من إبل تُعطى غيرهم – يعني نفسه - أي خرجوا يعجبون من ابل تُساقُ في مهر حَدراء. بهِنّ نَكَحنا غالياتِ نسائِنا ... وكُلُ دَم مِنّا عَلَيهنّ واجِبِ قوله بهن نكحنا، يريد تزوجنا وحقنّا بهنّ أيضاً الدماء.

فقالا ارجعوا إنّا نخافُ عليكُمُ ... يدي كلّ سام مِنْ رَبيعَةَ شاغِبِ سام، يعني مرتفع الشأن. ومنه سميت السماء لارتفاعها وسُموها. شاغب، أي أنف ذو شغب وجرأة. فإلاّ تَعودوا لا تجيئوا ومِنكُمُ ... لهُ مسمعٌ غير القُروح الجَوالِبِ ويروى فالاّ تَكرّوا. ويروى فإلا تفيئوا. يقول تُجدعون فتُقطّع آذانكم فتُقرّح. قال: والجالب من القروح، الذي قد يبس جلد قرحته، كما قال النابغة الذبياني: بهنّ كُلومٌ بَينْ دامٍ وجالِبِ يقول: إلا تعودوا حتى ترجعوا من حيث جئتم، تكن هذه حالكم. يحذرهم ويخوّفهم، والمعنى يقول: إنْ ذهبتم تخطبون إلى شيبان كما خطبت أنا، رجعتم مجدّعين. لأنه لا إبل لكم تسوقونها في المهور، أنتم أصحاب معزى. فلو كنتَ مِنْ أكفاء حَدراء لمْ تَلُمْ ... على دارِميّ بَين ليلى وغالِبِ فَنَلْ مِثلَها مِنْ مِثلهِمْ ثُمّ لهُمُ ... بَمالَكَ مِنْ مالٍ مُراحٍ وعازِبِ ويروى بقومك أو مال مراح وعازب. قال: والمراح الذي أريح على أهله من الرعي ليلاً، فبات عند أربابه. قال والعازب الذي يبيت في الرعي. وإنيّ لأخشى إنْ خَطَبتَ إليهمِ ... عليكَ الذي لاقَى يَسارُ الكَواعَب ويروى لو خطبت، ويروى فإنا لنخشى. قال: وكان من حديث يسار، أنه كان عبداً لبني غدانة، فأراد مولاته على نفسها، فنهته مرة بعد أخرى، فلما أبى إلا طلبها، أطمعته في نفسها، وواعدته أن يأتيها

ليلاً، فأخبر بذلك عبداً كان يرعى معه. فقال له صاحبه: يا يسار كل من لحم الحوار، واشرب لبن الغزار، وإياك وبنات الأحرار. فلم يسمع منه. وأتى مولاته لوعدها، وقد أعدّت له موسى، فلما دخل عليها، قالت له: إني أريد أن أدَخّنك، فإنك منتن الريح. قال: افعلي ما بدا لك. ثم أدخلت تحته مجمرة، وقبضت على مذاكيره، فبترتها. فلما وجد حر الحديد قال: "صبراً على مجامرِ الكِرام" فذهبت مثلاً. قال اليربوعي: إنه لمّا دخل عليها قالت له: إني أريد أن أطيّبك، فإن كنت تجزع، فاخرج عني. قال: ستجدينني صبوراً. فجدعت أنفه وأذنيه. وقطعت شفتيه. فلما نظر صاحبه إلى ما صنعت به، قال: ويحك يا يسار، أمقبل أم مدبر. قال: اجعل أنف ليس، وأذنين ليس، وشفتين ليس، بصيص عينين لا تبصر. ولوْ قَبِلوا منّي عَطيّةَ سُقتُهُ ... إلى آل زيقٍ مِنْ وَصيفٍ مُقاربِ هُمُ زَوّجوا قبلي ضِراراً وأنكحوا ... لقيطاً وهمْ أكفاؤنا في المَناسِب ولو تنكحُ الشمسُ النجومَ بَناتِها ... إذا لَنَكحناهُنّ قبل الكَواكِبِ يقول: لو أن الشمس زوّجت بناتها من النجوم، لتزوجناهن نحن في شرفنا. وهذا مثل ضربه. وما استَعْهَدَ الأقوامُ من زوجِ حُرّة ... مِنَ الناسِ إلا منكَ أو مِنْ محُارِب قوله استعهد اشترط. قال: والعرب تقول استعهد من صاحبك أي اشترط عليه. لعلكَ في حَدراء لمتَ على الذي ... تخَيرّت المِعزَى على كُلّ حالِبِ ويروى كأنك في حدراء، أراد كالذي تخيرته المعزى. عطِيّةَ أوْ ذي بُردَتَينْ كأنهُ ... عطيّةُ زوج للأتان وراكِبِ رد عطية على الذي. ويروى أو ذي شملتين. وقوله الذي تخيّرت

المعزى على كل حالب، أو على ذي، يريد وعلى رجل ذي بُردتين كأنه عطية زوج للأتان. وراكب خفضه على نعت رجل. يقول: كأنك في لومك في تزويجي حدراء، لمت على أبيك أو على نفسك. ثم إن حدراء ماتت قبل أن يصل إليها الفرزدق، وقد ساق إليها المهر، وهي مملّكة. وقد كان سار إليها ليبتني بها، فوجدها قد ماتت، فترك المهر لأهلها وانصرف. فقال في ذلك: عَجِبْتُ لِحادينا المُقَحّمِ سَيرهُ ... بِنا مُزحِفاتٍ مِنْ كَلالٍ وظُلّعا القصيدة. وقال جرير في ذلك: يا زِيقُ أنكَحتَ قَيْناً باستْهِ حمَمٌ ... يا زِيقُ وَيحكَ مَنْ أنْكَحْتَ يا زِيقُ يا زِيقُ وَيحكَ كانت هَفوةً غَبَناً ... فِتيانُ شَيبانَ أم بارَتْ بكَ السُوقُ يقول جرير لزيق بن بسطام: لو زوجت بنتك فتيان شيبان. وقوله كانت هفوة غبنا أم بارت بك السوق، لم يرضها أولاد شيبان، فزوّجتها الفرزدق. وقوله أم بارت بك السوق، يعني كسدت. يقال: بارت عليه تجارته، وبار بيعه، وكذلك إذا كسد. من قول الله تعالى: {تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}. غابَ المُثنى فلمْ يشهدْ نَجِيّكُما ... والحَوفَزانُ ولم يَشهدكَ مَفْروقُ أينْ الألىَ أنزلوا نُعمانَ ضاحِيةً ... أم أينَ أبناء شَيبانَ الغَرانيقُ يا رُبّ قائِلَةٍ بعدَ البِناء بِها ... لا الصّهرُ راضٍ ولا ابنُ القَين مَعشوقُ

فأجابه الفرزدق، فقال: إنْ كانَ أنفُكَ قَدْ أعياكَ محمِلُهُ ... فارْكَبْ أتانَكَ ثمّ اخْطُبْ إلى زيقِ ويروى إن كان أنفك قد أبزاك محمله. يعني أعياك وأثقلك. وأبزاك أجود. أبزاك أي غلبك وأثقلك. وقال معن لن أوس المزني: وإنيّ أخوكَ الدائمُ العَهْد لمْ أحُلْ ... أنَ أبزاكَ خَصمٌ أوْ نَبا بِكَ مَنزلُ قوله أبزاك خصم، يقول أن أعياك خصم فغمّك وأثقلك أمره، فأنا بذلك زعيم.

قال أبو عبيدة: قال أعين بن لبطة: فدخل الفرزدق على الحجاج بن يوسف، فقال له الحجاج: أتزوجت نصرانية على مائه بعير؟ فقال له عنبسة بن سعيد: إنما ذلك ألفا درهم. فقال الحجاج: ليس غير يا أبا كعب، أعطه ألفى درهم. قال: فقدم الفضيل العنزي - ويكنى بأبي بكر - بصدقات بكر بن وائل، وكان له في الفرزدق هوىً، فاشترى منه الفرزدق مائة فريضة بألفين وخمسمائة درهم فقال للفرزدق: أثبتها لي في أدائي عند أبي كعب. فأتى الفرزدق أبا كعب، فأخبره الخبر. فقال له: أمهل فإن، هاهنا، خمسمائة درهم، فصَلّ مع الأمير الظهر؛ وأخبره أنك اشتريت من الفضيل مائة فريضة بألفين وخمسمائة. على أن تُثبتها له في أدائه، فإنه قد نسى. ففعل الفرزدق ذلك. فقال الحجاج: ادعُ يا سرجس، يعني أبا كعب. قال أعين ابن لبطة: وقال الفرزدق: فرجّبته أن أناديه باسم يكرهه، فسمعها أبو كعب. وقال: لبيك. وأقبل فقال: أثبت للفضيل ألفين وخمسمائة درهم. وقال فدخل فقلت لأبي كعب: تعلم والله أنه قد قال لي، فأبيت أن أدعوك. فقال: قد سمعت. وقال بعد: أخزاه الله ما آذاه للصاحب. وقال الحرمازي: قال له أبو كعب: أصلحك الله، وإنما هي فرائض بألفي درهم. قال: كذلك! قال: نعم. قال: يا أبا كعب، أعطه ألفي درهم. فاشتريت منه مائة بألفي درهم وخمسمائة درهم، على أن أثبتها له في الديوان. وإنما أمر له الحجاج بألفي درهم. قال: فصليت معه الظهر، حتى إذا سلّم، خرجت فوقفت في الدار، فرآني فقال: مهيم. فطالعته فقلت: إنّ الفضيل العنزي قدم بصدقة بكر بن وائل، فاشتريت منه مائة بألفين وخمسمائة درهم، على أن تُحسب له. فإن رأى الأمير أن يأمر بإثباتها له. فقال: ادعُ سرجس - وهو اسم أبي كعب - قال: فناديت يا سرجس. فأجاب. فأمره أن يُثبت للفضيل

ألفين وخمسمائة درهم، ونسي ما كان أمر بي لي. قال الفرزدق: فلما دخلت، اعتذرت إلى أبي كعب من مناداتي باسمه، ولم أناده بكنيته. فقال: صدقت قد والله تمرّد فأخزى الله صحبته. قال: فلما جاء بها، أبت النوار أن يسوقها كلها، وألحت عليه، فحبس بعضها، وامتار عليها طعوما وكسى، وما يحتاج إليه أهل البادية، ثم رمى بها الطريق، ومعه أوفى بن خنزير، أحد بني التيم بن شيبان بن ثعلبة دليله. وقال غيره: إنم نزل عليه حيث وجدها ماتت. قال أعين: فلما كان في أدنى الحواء والقباب، رأوا كبشاً مذبوحاً. فقال الفرزدق: يا أوفى، هلكت والله حدراء - تطير من الكبش الفرزدق -. فقال: هذا سبحان الله ما لك بذلك من علم. قال: فجاء حتى وقف على أبيها زيق في مجلس قومه، فقال له: انزل فهذا البيت، وأما حدراء فقد هلكت - وكان أبوها نصرانياً - وقد عرفنا في دينكم الذي يصيبك من ميراثها النصف، فهو لك عندنا. قال: لا والله لا أرزؤك منه قطميراً، وهذه صدُقتها فاقبضها. فقال: يا بني دارم، والله ما شاركنا أكرم منكم لأصهاركم في الحياة، ولا أكرم منكم شِركة في الممات. وقال الفرزدق في ذلك: عَجِبتُ لِحادينا المُقَحّم سَيرهُ ... بِنا مُزحِفاتٍ مِنْ كَلال وظُلّعا قوله المقحم سيره، هو السائر أشد السير يحملها على كل حزن وسهل. قال: والحزن من الأرض ما خشُن وغلظ، والسهل ما سهُل ولان، وهان على الإبل، السير فيه. ويقال المقحّم الذي يسير مرحلتين في مرحلة. قال: والمُزحف من الإبل، الذي قد قام من الإعياء فلا يسير وليست به قوة. والظالع العاتب، يطلع ويعتب أي يعرج. لِيُدْنينَنا ممّن إلينا لِقاؤهُ ... حبيب ومن دارٍ أردنا لتجمعَا

ولو نعلمُ العلمَ الذي من أمامنا ... لكرَّ بِنا الحادي الركاب فأسرعا لقلتُ أرجعنها إنَّ لي من ورائها ... خَذولي صِوارٍ بين قُفّ وأجْزَعا قال أبو عبد الله: ويروى أرجعاها. وقوله خدولى صوار، يعني بقرتين وحشيتين، وإنما أراد امرأتين. قال سعدان. والصوار القطيع من بقر الوحش. والقُف ما غلظ من الأرض، ولم يبلغ أن يكون جبلاً. قال: والأجرع رملة سهلة. مِنَ العُوج أعناقاً عقالُ أبوهمُا ... تَكونان للعينينِ والقلبِ مَقْنَعا نَوارُ لها يومانِ يومٌ غَريزَةٌ ... ويومٌ كغَرثَى جِروها قد تَيَفّعا قوله ويوم كغرثى، يعني كلبؤة تيفّع شبّ جروها وكفى نفسه. يقال غلام يفعة، وغلمان أيفاع، وهم الذين شبّوا وأدركوا. يقولونَ زُرْ حَدراء والتربُ دونهَا ... وكيف بِشيء وصلُهُ قد تَقَطّعا ولستُ وإنْ عَزّتْ عليَ بِزائر ... تُراباً على مَرموسَة قد تَضَعْضَعا قوله مرموسة يعني مدفونة. وتضعضع يقول اطمأن. وأهونُ مَفقودٍ إذا الموتُ نالَهُ ... على المرء مِنْ أصحابِهِ مَنْ تَقنّعا قوله وأهون مفقود، أراد هذه المرأة المدفونة. يقول: إذا دفن أهل الميت ميتهم، هان عليهم أمره إذا طال به الزمن، لأنهم يئسوا منه. يقول: المرأة أهون فقداً من الرجل. يقولُ ابنُ خِنزير بَكيتَ ولمْ تكُنْ ... على امرأة عيني إخالُ لِتَدْمَعا ابن خنزير أوفى خنزير الشيباني دليله.

وأهونُ رُزء لامرِئ غير عاجِزٍ ... رَزيّةُ مُرتَجّ الرّوادِفِ أفرعَا الروادف يريد العجز وما والاها، والعجز الردف. أفرع طويل الشعر وامرأة فرعاء. وما ماتَ عندَ ابنِ المَراغَة مثلُها ... ولا تَبِعَتْهُ ظاعِناً حيثُ دَعْدَعا رواية أبي عمرو ودّعا. قوله دعدعا، يقال من ذلك دعدع الرجل بالبهم، فهو يُدعدع، وذلك إذا دعاها وصلح بها. لَعمري لقدْ قالت أمامَةُ إذْ رَأتْ ... جَريراً بِذاتِ الرّقْمتَينْ تَشَنّعا ويروى ألم ترَ ما قالت. ويروى جريراً لذات الرقمتين. وهو أجود. وذات الرقمتين أتانه. قوله بالرقمتين هو موضع معروف. وقوله تشنّعا، يعني هَمّ أن يأتي أمراً شنيعاً. قال: وهو ما هَمّ به من نكاح الأتان. والتشنع الانكماش في السير وغيره. قال: والناقة والعُقاب الشّناع، الجادة السريعة المر. وأنشدنا الأصمعي في ذلك: وقَدْ أسلىَ الهُمومَ إذا اعترتْني ... بِحَرفٍ كالمُوَلّعَة الشّناع أراد الفرزدق أن جريراً ينكح الأتان. أمُكْتَفِلٌ بالرّقْم إذْ أنتَ واقِفٌ ... أتانَكَ أم ماذا تُريدُ لتَصنَعا ويروى بالرزن أي الوهدة. والمعنى أنه ينزو عليها ويركب كفلها. وقوله أمكتفل، يعني يجعله كِفلا ثم يركبه. قال: والكفل كساء يدار حول السنام، يشد بحقب البعير، فيركب به الرائض والأخير. رأيتُكَ تغشَى كاذَتَيها ولم تكُنْ ... لِتركَبَ إلاَ السّحوج المُوَقّعا قال: الكاذتانِ أعلى الفخذين حيث يوسم بالحلقتين. وقوله ذا

السحوج الموقع، يعني بظهرها آثار الدبر. زعم أن الأتن حلائله، وإن مركبه الحمر. ويروى: رأيتكَ تَغشَى السارياتِ ولم تكُنْ ... لِيركَبَ إلا ذا الضلوع المُوَقّعا يقال: إن الحمير لا تقر بالليل، تسري وترعى. دَعَتْ يا عُبيدَ بنَ الحَرامِ ألا ترى ... مكانَ الذي أخزَى أباكَ وجَدّعا أأعيا عليكَ الناس حتى جعلتَ لي ... حليلاً يُعاديني وآتُنَهُ معا يقول: آتنه ضرائري. والحرام بن يربوع، وإنما لقّب باسم أمه الحرام بنت العنبر بن عمرو بن تميم. وهو أيضا كان يلقب بالعنبر. والحليل، هاهنا، الحمار أي ينزو على أتانه، وهو ينزو على أهله. فأجابه جرير فقال: أقَمنا ورَبّتْنا الدّيارُ ولا أرَى ... كَمَرْبَعنا بينَ الحَنيّين مَربَعا ويروى فحيّتنا الديار. يقول كأنها من معرفتها بنا حيّتنا. وقوله وربّتنا الديار، يريد أصلحت حالنا، يعني ترُبنا تُصلح حالنا. والمربع الموضع الذي أقام فيه القوم في الربيع حتى انقضى. والحنيّان واديان معروفان، كذلك فسّره الأصمعي وأبو عبيدة. ألا حَبّ بالوادي الذي ربما نَرى ... بِهِ مِنْ جميع الحَيَ مَرأى ومَسمَعا ويروى ألا حبذا الوادي. قال: ألا حبّ الوادي فأقحم الباء كما قال الراعي: لا يقرأنَ بالسِّور. يريد لا يقرأن السور فأقحم الباء لتقويم الوزن. ألا لا تَلوما القلبَ أنْ يتَخَشّعا ... فقدء هاجَتِ الأحزانُ قلباً مُفَزّعا

وجودا لهِند بالكَرامَة منكما ... وما شئْتُما أنْ تمنعا بَعدُ فامنَعا وما حَفَلتْ هندٌ تَعَرُّضَ حاجتي ... ولا يومَ عيني الغِشاشَ المُرَوعا قوله تعرض حاجتي، يريد تعسّرها علي. قال: والغشاش النوم القليل، كقولهم في مثل ذلك: نومهم كلا ولا، يعني قليلاً. بِعَينَي مِنْ جارٍ على غَربِة النّوَى ... أرادَ بِسُلْمانِينَ بَيْناً فوَدّعا ويروى بأهلي من. وقوله على غربة النوى، أراد على بعد النوى. وقوله بسلمانين هو موضع معروف. قال: والبين الفراق. لعلّك في شَكَ مِنَ البَينِ بَعدما ... رَأيتَ الحَمامَ الوُرْقَ في الدّارِ وُقّعا يعني أتشك في البين، وقد احتمل أهل الدار، فوقعت فيها الحمام. كأنّ غمَامَا في الخُدورِ التي غَدَتْ ... دَنا ثمّ هَزّتْهُ الصبا فترَفّعا قوله كأن غماماً في الخدور، شبّه النساء في خدورهن بالغمام في بياضه وصفاء لونه وحسنه. وقوله هزّته يريد استحثته. قال أبو جعفر: هزّته حرّكته. وقوله دنا يريد دنا من الأرض. يقول: هذه الصبا من الرياح، هزت الغمام فرفعته في السماء. فليتَ رِكابَ الحَيّ يومَ تحَمّلوا ... بحَومانةِ الدّرّاجِ أصبَحنَ ظُلّعا ويروى فليت جِمال. قال: الحومانة موضع غليظ منقاد، والجمع حوامين. قال: والدّرّاج قنفذ رمل من قنافذ الدهناء، وهي القطعة منه.

بَني مالِكٍ إنّ الفرزدقَ لمْ يزَلْ ... فلُو المَخازِي مِن لَدُنْ أنْ تَيَفعّا ويروى لدن ترعرعا. وقوله تيفّع، يريد تحرك للبلوغ. وقوله فلو المخازي، يقول: تُربيه المخازي. والفَلُو المهر الصغير ما دام مُرضعاً. رميتُ ابنَ ذي الكيرَينِ حتى ترَكتُهُ ... قَعودَ القوافي ذا غُلوبٍ مُوَقّعا قوله قعود القوافي، يقول: ركبته القوافي كما يركب القعود، وتتابعت عليه، حتى أثّرت في جنبيه كأثر العلوب، وهي آثار الدبر. وقوله موقّعا، قال: الموقّع الذي به آثار دبر في ظهره وجنبيه. وفَقّأتُ عيني غالِبٍ عَندَ كِيره ... وأقلعْتُ عَنْ أنفِ الفرزدقِ أجدعا مَدَدتُ لهُ الغاياتِ حتى نَخَسْتُهُ ... جريحَ الذُنابا فانيَ السّنَّ مُقطَعا قال: إنما هذا مثل ضربه. وجريح الذنابا، يريد العجز، وإنما جعله جريحاً لشدة السَّوق. ومقطع كبير. يعني قد انقطع ضرابه. قال: يعني لم أزل أنخسه حتى فنيَ سنه وهرم. ضَغا قِردُكُمْ لمّا اختَطفتُ فؤادَهُ ... ولابن وثيلٍ كانَ خدكَ أضرعَا قوله ولابن وثيلٍ، يعني بابن وثيل، سحيم بن وثيل الرياحي. وما غَرّ أولادَ القُيونِ مجُاشِعاً ... بِذي صَولَةٍ يحمي العَرينَ المُمَنّعا قوله بذي صولة، يعني الأسد. والعرين موضع الأسد. ويا ليتَ شِعري ما تقولُ مجُاشِعٌ ... ولمْ تترِكْ كَفّاكَ في القَوسِ مَنْزَعا قال: والمعنى في ذلك يقول: بقيت ليس عندك نفع لنفسك ولا دفع عنها. ويروى: فيا ليتَ شِعري ما تعنَّى مجاشع ... ولم يَتركْ عُقدانُ في القَوسِ مَنزعَا

وعقدان لقب به الفرزدق، وهو قصير عريض، وأغرق في النزع لم يُبق غاية في الهجاء، فلم يصنع شيئاً فما تتعنى مجاشع بالمفاخرة، وما تتمنى منها - وكان جرير أيضاً قصيراً دميماً - ويروى تعنّى وتغنّى جميعاً يعني تُغنّي بهجائي. وأية أحلامٍ رَدَدْنَ مجُاشِعاً ... يَعُلّونَ ذِيفاناً مِنَ السّمّ مُنْقَعا قال: الذيفان السم القاتل المعجل الموحّي. قال: والعلل شُرب بعد شُرب. ألا رُبما باتَ الفرزدقُ قائِماً ... على حَرّ نارٍ تتركُ الوجهَ أسفَعا ويروى نائماً على خزيات. قوله أسفعا، يعني متغيراً. تقول من ذلك سفعته الشمس، وذلك إذا غيّرت لونه من حر أو سفر يغير لونه. وكانَ المخازِي طالَما نَزلتْ بِهِ ... فيُصبحُ منها قاصرَ الطرف أخضعا وإنّ ذيادَ الليلِ لا تستطيعهُ ... ولا الصبحَ حتى يستنير فيسطعا تركتُ لكَ القينينِ قيني مجاشِعٍ ... ولا يأخذان النصفَ شتى ولامَعا ويروى قرنت لك القينين. وقوله القينين، قيني مجاشع، يريد الفرزدق والبعيث. وقوله معاً يعني جميعاً. وقدْ وجداني حينَ مُدّتْ حبالُنا ... أشدّ محُاماةً وأبعدَ مَنزَعا وإني أخو الحربِ التي يُصطلى بها ... إذا حملتهُ فوقَ حالٍ تَشَنّعا وأدركتُ مَنْ قَدْ كانَ قبلي ولم أدَعْ ... لمن كانَ بعدي في القصائد مَصنَعا تَفَجّعَ بِسطامٌ وخبرّهُ الصّدَى ... وما يمنعُ الأصداء ألاّ تَفَجّعا ويروى وما منع الأصداء. وقوله تفجع بسطام، يعني في قبره. يقول: عظُم عليه واستنكر تزوج الفرزدق حدراء بنت زيق بن بسطام. قال:

والصدى طائر. وذلك أن العرب في قديمها في الجاهلية كانت تقول إذا مات الميت: خرج الصدى من هامة الميت وعظامه. وقول إذا قُتل الرجل مظلوماً: إنه يخرج الصدى، وهو طائر من هامته، فيقول: اسقوني اسقوني، فلا يزال ذلك الصدى يصيح، حتى يُدركوا بدمه، ويأخذوا بثأره فإذا أخذوا بثأره سكن الصوت. كذلك قول العرب. وقالَ أقَيناً باشرَ الكيرَ باستِه ... وأغرلَ رَبّتهُ قُفيرةُ مُسبَعا ويروى وقال أقين نافخ الكير باسته. وقال: مسبع دعي، يعني مُهملاً تُرضعه داية، ولم يحفظه أحد. سيتركُ زِيقٌ صِهر آل مجاشِع ... ويَمنَعُ زِيقٌ ما أرادَ ليمنعا أتعدلُ مَسعوداً وقَيساً وخالداً ... بِأقيانِ ليلى لا نرى لكَ مَقْنَعا ولّما غَرَتُمْ مِنْ أناسٍ كريمَة ... لَؤمْتُمْ وضِفْتُمْ بالكَرائِم أذْرُعا فلوْ لم تُلاقُوا قومَ حَدراء قَومَها ... لوسّدَها كيرَ القُيونَ المُرَقّعا ويروى لوسّدتها. أي لو لم تُلاق قومها رجلاً منعوك أن تصل إليها، لوسّدتها كيرك. رَأى القَينُ أختانَ الشّناءة قدْ جَنَوا ... مِنَ الحربِ جَرباء المَساعِر سَلْفَعا قال المساعر يريد به المغابن. وسلفع جريئة منكرة. وإنّكَ لو راجعت شيبانَ بعدها ... لأبتَ بِمَصلومِ الخَياشيمِ أجدعا وقوله ساعفت يعني قاربت. ومصلوم يريد مقطوعاً من أصله. وهو قول العرب: اصطلمهم وذلك إذا أتى عليهم وذهب بهم. ويروى لو عاودت. إذا فَوّزَتْ عن نهرَبينَ تَقاذَفَتْ ... بحَدراء دارٌ لا تريدُ لتَجمَعا

قوله عن نهربين يريد ديار بني شيبان بالجزيرة. وقوله تقاذفت، يعني تباعدت. يقول: يقذف بها السائق من أرض إلى أرض ومنه قالت العرب: نوى قذوف، أي بعيدة. وأصحَتْ رِكابُ القَين مِنْ خَيبةِ السرى ... ونقل حَديدِ القين حسرى وظُلّعا ويروى وحمل حديد القين. ويروى وحمل حديد العبد. وحدراء لو لم يُنجِها اللهُ بُرّزَتْ ... إلى شَرّ ذي حَرْثٍ دَمالاً ومَزْرَعا ويروى لو لم يُنجها الله قُرّبت. وقوله دمالاً، قال الأصمعي وأبو عبيدة: الدمال السرقين. وقد كانَ نجساً طُهّرتْ مِنْ جمِاعِهِ ... وآبَ إلى شرّ المَضاجِع مَضجَعا قوله وآب، يعني الفرزدق. يقول رجع الفرزدق إلى شر المضاجع، يعني نوار أنها ضجيعته. وآبَ إلى خَوّارَةٍ مِنْ مجُاشِع ... هيَ الجَفرُبَلْ كانت مِنَ الجَفرِ أوْسَعا خوارة ضعيفة. يقول: رجع الفرزدق إلى نوار وسمّاها خوّارة نسبها إلى الضعف والنقص. قال: والجفر البئر غير المطلوبة. قال: وإنما يريد أنها غير محكمة العقل. مَتى يَسمَع الجيرانُ قَبْقَبَةَ أستِها ... طُروقاً وضَيفاها الدخيلان يَفزَعا فإن لكمْ في شأن حَدراءَ ضَيْعَةٌ ... وجارُبَني زَغْدِ أستها كانَ أضيَعا أي جعلتم ذكركم حدراء، وما فاتكم منها شُغلا لكم كما تشغل الطيعة صاحبها. أصل الزغد قطعة تبدر من النحي عند دوسه فشبه خروج الفرزدق به، أي بدر كما بدرت الزغدة.

حمُيدَةُ كانَتْ للفرزدق جارَةً ... يُنادِمُ حَوطاً عِندها والمُقَطّعا قال أبو عبيدة: حُميدة من بني رزام بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة، وكانت امرأة معبد السليطي، فخرج إلى خراسان، فكان يُحدّث جُلساءه بجمالها، ويتشوق إليها، حتى همّ أن يعصي ويرجع، حتى وقعت في قلب حوط بن سفيان، فقال لمعبد: قد بدا لي أن ألحق بالبصرة، فكتب معه معبد إلى حُميدة، فلما قدم أتاها بكتاب زوجها معبد، وقال: لا أدفعه إلا إليها. فبرزت له، فكلمها، وأوقع إليها شيئاً من أمره الذي يريد من حبه لها، فلم يزل يختلف إليها ويخدعها، حتى هربت واختبأت في رحله حولا، ثم دُلّ عليها أهلها، وقد حملت. فأتي بها عبد الرحمن بن عبيد العبشمي، وكان على شُرطة الحجاج، فرجمها في مقبرة بني شيبان. فجعل جرير الفرزدق خدنا لها، وعيّره بها، لأنها من بني مالك، فقال القائل في ذلك: رِزاميةٌ كانَ السّليطِيُّ معبدٌ ... بها مُعجباً إذْ لا يخافُ الدّوائرا قال الأصمعي: وجعل الصبيان يتكلمون بذلك، ويقولون في طرقهم وأفنيتهم: يا حُميدَ الحُمَدِيّةْ ... لِمْ زَنيتِ يا شَقيّهْ لَبِثَتْ حَولاً كَريتاً ... في حِجالِ السُنْدُسيّهْ سأذكر ما لم تذكروا عند منقرٍ ... وأثني بعارٍ من حُميدةِ أشنعا ويروى سأذكر ما لم تُنكروا. وجِعْثِنُ نادَتْ بِاستِها يالَ دارِم ... فلمْ تَلقَ حُرا ذا شَكيم مُشجّعا الشكيم الطبيعة والخليقة الشديدة. قال: الشكيمة الحد، يعني حد السلاح، وقوله مشجعا، قال: الناس يقولون إنه لشديد، إنه لشجاع، يريد فالناس يشجعونه فيما بينهم، وينسبونه إلى الجُرأة.

تَناوَمتَ إذْ يَسمُو أيبُ بنُ عَسْعَسٍ ... على سَوأة راءى بها ثُمّ سَمّعا تَعَسّفَتِ السيدانَ تدعُو مجاشعاً ... وجُرّتْ إلى قيس خَشاخشَ أجمعا ويروى وباتت بذي السيدان تدعو مجاشعاً. وقد قطعت جنبي خشاخش. وقوله خشاخش جبل من الدهناء إلى الحفر، حفر بني سعد. ويروى وقد جررت. وقَدْ وَلَدت أمُ الفرزدقِ فَخّةً ... ترى بينْ رِجلَيها مَناحِيَ أربعا قوله فخة، يعني ضخمة واسعة. قال: والمناحي واحدتها مناة، وهي طرق السانية من البئر إلى منتهاها. وقَدْ جَرْجَرَتْهُ الماء حتى كأنها ... تُعالجُ مِنْ أقصى وجارَين أضبعا ولو حمَلَتْ للفيلِ ثُمّتَ طَرّقَتْ ... بِفيلَين جاءا مِنْ مَثابرِها معا قوله من مثابرها، قال: المثابر الرحم حيث يجتمع الولد. ولو دُخّنَتْ بعدَ العِشاء بمجمَر ... لمَا أنصرَفَتْ حتى تَبولَ وتَضفَعا لقد أولعَتْ بالقَينْ خُورُ مجاشِع ... وكانَ بها قَين العُدَيلَة مُولَعا تَرَكْتُمْ جُبيرا عندَ ليلى خَليفَةً ... أصَعْصَعَ بئسَ القَين قَينُكَ صَعْصَعا وما حَفَلَتْ ليلى مَلامَةَ رَهْطها ... ولا حَفِظَتْ سرّ الحَصان المُمَنّعا دعاكُمْ حواريُّ الرسول فكُنْتُمُ ... عضاريطَ يا خُشب الخلاف المصرعا قوله حواري الرسول، يعني الزبير حين غدر به ابن جرموز فقتله عمداً، فختم الله له بالشهادة. أبانَ لكم في غالِبٍ قَدْ عَلمُتُم ... نَجارُ جُبيرْ قبلَ أنْ يتَيفّعا أغَرّكَ جارٌ ضَلّ قائِمُ سَيفِهِ ... فلا رَجَعَ الكَفين إلا مُكَنّعا

قوله إلا مكنعا، قال: المكنع. قال أبو عبد الله: المكنع المقبّص. وآبَ ابنُ ذَيّال جميعاً وأنتُمُ ... تَعُدونَ غُنْماً رَحْلَهُ المُتَمَزّعا جميعاً لم يُفّل ولم يؤخذ منه شيء. فلا تَدْعُ جاراً مِنْ عِقالٍ تَرى لَهُ ... ضَواغطَ يُلْثِفْنَ الإزارَ وأضرعا الضواغط جمع ضاغط. وهو، هاهنا، كثرة لحم أصول الفخذين، حتى يضغط أحدهما صاحبه، فيُبلّ إزاره. شبهه بضاغط البعير. وأضرع شبهه بالمرأة أي له ضرعان كالمرأة. يقال أراد أنه آدر، فشبه أدرته بضرع. فلا قَين شرّ مِنْ أبي القَينْ مَنزِلا ... ولا لومَ إلاّ دونَ لومِكَ صَعْصَعا تَعُدّونَ عَقْرَ النَيبِ أفضَلَ سَعيكُمْ ... بَني ضَوطَرَى هَلاّ الكَمِيّ المُقَنّعا وتَبكي على ما فاتَ قبلكَ دارماً ... وإنْ تَبكِ لا تتركْ بعَينكَ مَدْمَعا لَعَمْرُك ما كانتْ حماةُ مجاشِع ... كِراماً ولا حُكّامُ ضَبّةَ مَقْنَعا قال أبو عبيدة: وذلك أن حكام ضبة أعانوا الفرزدق على جرير. قال: وذلك أنهم كانوا أخوال الفرزدق. وقوله مقنعا، يعني لم يكونوا رضىً يُقنع بهم. أتَعْدِلُ يَربوعاً خَناثَي مجاشِع ... إذا هُزّ بالأيدي القَنا فتَزَعْزَعا ويروى بخور مجاشع. ويروى إذا هزّت الأيدي القنا. تُلاقِي ليربوعٍ إيادَ أرومَةٍ ... وعِزّا أبَتْ أوتادُهُ أنْ تُنَزّعا ويروى أرمت ليربوع. الإياد ما استقبلك من الجبل والأجمة أو من الرمل. وأنشد:

مُتّخِذاً منها إياداً هَدَفا وَجَدْت ليربوعٍ إذا ما عَجَمْتَهُمْ ... مَنابِتَ نَبْعٍ لم يخالِطْنَ خِرْوَعا هُمُ القومَ لو باتَ الزُّبير إليهِمُ ... لمَا باتَ مَفلولاً ولا مُتَطَلّعا ويروى هم لو هم. ويروى لو ثاب الزبير. وقَدْ عَلمَ الأقوامُ أنّ سُيوفَنا ... عَجَمْنَ حديد البَيض حتى تَصَدّعا ألا رُبّ جَبّارٍ عليه مَهابَةٌ ... سَقَيناهُ كأسَ المَوتِ حتى تَضَلّعا قوله تضلعا، يعني حتى انتفخت أضلاعه من الري. قال الأصمعي: إنما هذا مثل، وإنما المعنى قتلناه فانقطع ذكره. نَقودُ جِياداً لم تقُدها مجاشِعٌ ... تكونُ مِنَ الأعداء مَرأى ومَسمَعا تَدارَكْنَ بِسطاماً فأنزلَ في الوَغا ... عناقاً ومالَ السرجُ حتى تقعقعا دَعا هانيء بَكراً وقَدْ عَضّ هانِئاً ... عُرضى الكَبلِ فينا الصيفَ والمُترَبّعا ويروى القيظ، وقوله دعا هانئ يعني هانئ بن قبيصة الشيباني. ونَحنُ خَضَبْنا لابنِ كَبْشَةَ تاجَهُ ... ولاقَى امرءاً في ضَمةِ الخَيل مِصقَعا قوله في ضمة الخيل، أي اجتماع الخيل ومثلها الكبة. وقابوسَ أعْضَضْنا الحديدَ ابنَ مُنذِر ... وحَسّانَ إذْ لا يَدفَعُ الذُلّ مَدْفَعا وقد جَعلتْ يوماً بِطخْفَةَ خَيلُنا ... مجَرّا لذي التاج الهُمامِ ومَصرعا وقد جرّبَ الهِرماسُ أنّ سيوفَنا ... عَضِضْنَ بَرأسِ الكَبشِ حتى تَصَدّعا عضضن بفتح الضاد وكسرها. قال أبو عبد الله: الرواية وقد جرّب الهرماس وقع سيوفنا.

ونحنُ تَدارَكنا بَحيراً وقدْ حَوى ... نِهابَ العُنابَين الخَميسُ ليربَعا ويروى الخميس فأسرعا. يريد بحير بن عبد الله بن سلمة بن قُشير. قوله ليربعا، قال: ليأخذ ربع ما أخذ القوم، فأراد أنّ الرئاسة لنا من دون الناس. فعايَنَ بالمَرّوتِ أمنَعَ مَعشرَ ... صَريخَ رياحٍ واللواءَ المُزعزَعا فَوارِسَ لا يدعونَ يالَ مجاشِع ... إذا كانَ يوماً ذا كَواكبَ أشنَعا ويروى إذا كان يوم ذو كواكب. يرفع اليوم ورفع ذو. ويروى يال مجاشع. هم المانعون السبى أن يُتمرعا. يريد إذا كان يوم تُرى فيه الكواكب. وهذا مثل. لأن الكواكب لا تُرى بالنهار. وإنما تضربه العرب مثلاً لليوم الشديد الصعب. ومِنّا الذي أبلى صُدَيّ بنَ مالِكٍ ... ونَفّرَ طَيرا عَنْ جُعادَةَ وُقّعا مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة. فَدَعْ عَنك لَوماً في جُعادَةَ إنما ... وَصَلناهُ إذ لاقَى ابنَ بَيْبَةَ أقْطَعا ضرَبنا عَميدَ الصّمّتَين فأعوَلَتْ ... جَداعٌ على صَلت المَفارِقِ أنزَعا أخَيلُكَ أم خَيلي ببلقاءَ أحرَزَتْ ... دَعائِم عَرش الحَيّ أنْ يَتَضَعْضَعا ولوْ شَهدَتْ يومَ الوَقيطَينِ خيلُنا ... لما قَاطَتِ الأسرى القِطاطَ ولَعْلَعا قال: القطاط ولعلع واديان معروفان كانت الأسرى فيهما. ويروى القطاط وهو موضع. رَبَعنا وأردَفنا المُلوكَ فَظلّلوا ... وطابَ الأحاليبِ الثُّمامَ المُنَزّعا فتِلكَ مُساعٍ لم تَنَلها مجاشِعٌ ... سَبُقتَ فلا تجزع مِنَ الموتِ مجزَعا قال أبو عبيدة: كان جرير اشترى جارية من زيد بن النجار، ومولى

لبني حنيفة، ففركت جريراً، وجعلت دمعتها لا ترقأ بكاء على زيد، وحباً له. فقال جرير في ذلك: إذا ذَكَرتْ زَيداً تَرَقرَقَ دَمعُها ... بِمَطروفَة العينينْ شَوساء طامِحِ تُبَكّي على زيدٍ ولم تَرَ مثله ... صحيحاً منَ الحُمى شديدَ الجَوانحِ ويروى ولم تلقَ مثلهُ بريئاً. أعَزّيكِ عمّا تعلمينَ وقد أرى ... بعينيكِ من زيد قذىً غيرَ بارِحِ فإن تقصدي فالقَصدُ مني خليقةٌ ... وإنْ تجمحي تلقي لِجامَ الجَوامحِ فأجابه الفرزدق فقال: إذا ما العَذارى قُلْنَ عَمّ فَلْيتَني ... إذا كان لي اسماً كُنتُ تحتَ الصفائحِ دَنَوْنَ وأدناهن لي أن رَأينَني ... أخَذتُ العَصا وابيضً لونُ المَسائِح ويروى حنيت العصا. يقول: دنون مني حين كبرت وضعفت عما يُردن مني، فلم يكن لهن في حاجة. قال: والمسائح ما أمررت يدك عليه من جانبي الرأس، إذا تمسّحت للصلاة من القرن إلى الصدغ. فقد جعلَ المَفروكُ لا نامَ ليلُهُ ... بِحُبّ حَديثي والغَيورِ المُشائِح وقدْ كنتُ مما أعرِفُ الوَحيَ ما له ... رسولٌ سوى طَرف مِنَ العينِ لا مِحِ ويروى سوى طرف العيون اللواح. يقول: أعرف الوحي بعيني ويفهمن ما أريد. وقُلتُ لِعَمروٍ إذْ مَرَرنَ أقاطعٌ ... بِنا أنْتَ آثارَ الظّبِاء السّوانِج

لَئنْ سَكنتْ بي الوحشُ يوماً لطالما ... ذَعَرْتُ قُلوبَ المُرشِقاتِ المَلائِح لقد علقَتْ بالعبد زيدٍ وريحِهِ ... حماليقُ عَينيها قَذىً غير بارِحِ موضع قذى نصب. أراد علقت حماليق عينيها قذى. قال: الحماليق واحدها حملاق، وهو باطن الجفن. قال: والقذى ما قذفت العين من الرمض. وقد تركَتْ قَنْفاء زَيدٍ بِقُبِلها ... جُروحاً كآثارِ الفؤوِس الكَوادِح قال: القنفاء من الآذان، التي يرتفع طرفها إلى فوق. وهي، هاهنا، كمرة. ومِنْ قَبلِها حَنّتْ عَجوزُك حَنّةً ... وأختُكَ للأدنى حَنينَ النّوائحِ المنائح جمع مناحة. تُبَكّي على زيد ولم تَلقَ مِثلَهُ ... بَريئاً منَ الحُمى صحيحَ الجَوانِح تُبَكّي وقد أعطتكَ أثوابَ حَيضِها ... فقُبّحتَ مِنْ باكٍ عليها ونائِج قال الأصمعي: ويروى أيضاً تُبكّي وقد غطّتك أثواب حيضها. ولوْ لَقيتْ زيدَ اليمامةِ أرزَمَتْ ... وأعطَتْ بِرِجلي سَمحَة غيرَ جامِح قوله أرزمت حنّت، كما ترزم الناقة إذا حنّت تطلب ولدها. وإنما ضربه مثلا، فشبّه حنينها الناقة إذا أرزمت. ولو أنها يا ابنَ المَراغَة حُرّةُ ... سَقَتْكَ بكَفيها دِماء الذّرارِح ولكنّها مملوكَةٌ عافَ أنفُها ... لهُ عرَقاً يهمي بأخبثِ راشِح قوله عرقاً يهمي يعني يسيل العرق.

لئن أنشدَتْ بي أمُ غَيلانَ أورَوَتْ ... عليّ لَترتَدّنّ مِني بِناطِح قوله أم غيلان يعني بنت جرير. وقال جرير: تُكَلّفُني مَعيشَةَ آل زَيد ... ومَنْ لي بالصّلائِقِ والصّنابِ ويروى بالمرقق والصناب. قال: والصلائف الرقاق. والصناب الخردل المضروب بالزبيب. وقالتْ لا تَضُمُ كَضَمّ زَيدٍ ... وما ضَمّي وليسَ معي شَبابي فقال الفرزدق: إنْ تَفرَكْكَ عِلجَةُ آلِ زَيد ... ويُعوِزْكَ المُرَقّقُ والصنابُ فركت المرأة زوجها تفركه فركا إذا أبغضته. وأنشد العنبري: إذا بَرَكْنَ مَبركاً عَكَوّكا ... أوشَكْنَ أنْ يتركْنَ ذاكَ المَبركا تَركَ النساء العاجزَ المُفَرّكا فقدْماً كانَ عَيشُ أبيكَ مُراً ... يَعيشُ بِما تَعيشُ بِهِ الكِلابُ قال أبو عبد الله: الرواية بعيش ما تعيش به الكلاب.

قال أبو عبد الله، والأصمعي: وقد كان جرير أصابته حمرة، فتورّم، وكان رجل من بني أسيد بن عمرو بن تميم يقال له الأبلق، يرقي من الحمرة، ويداوي. فأتى ابن الخطفى فقال له: ما تجعل لي إن داويتك حتى تبرأ. قال جرير: أجعل لك إن أبرأتني من وجعي هذا حكمك. قال: فداواه ورقاه حتى برئ. فقال له جرير: احتكم، فاحتكم عليه الأبلق أن يزوّجه أم غيلان بنت جرير. قال: فزوّجه إياها وكان جرير وفياً فقال الفرزدق في ذلك: لَئِن أمُ غَيلانَ أستَحَلّ حَرامَها ... حِمارُ الغَضا مِنْ تَفْلِ ما كانَ رَيّقا قوله من تفل، يريد تفل عليها بريقه حين رقاها. فما نالَ راقٍ مثلَها مِنْ لُعابِه ... عَلِمناهُ ممن سارَ غَرباً وشرَقا ويروى ولو سار غرباً في البلاد وشرّقا. رَمَتهُ بِمَجموشٍ كأنّ جَبينَهُ ... صَلايَةُ وَرْسٍ نِصفُها قد تَفَلّقا قوله بمجموش، يعني بمحلوق بالنورة. إذا بَرَكَتْ لابن الشغورِ ونَوّخَتْ ... على رُكبتيها للبرُوك وألحقا الشغور التي ترفع رجله. وقوله وألحقا، يعني أوعبه حتى التقى الإسبان. ويروى وأحنقا أي ضمر. فما مِنْ دِراك فاعْلَمَنّ لِنادِمٍ ... وإنْ صكّ عَينيهِ الحِمارُ وصَفّقا قوله فما من دراك، يقول: لا يدرك جرير وإن ندم على ما كان من زلله في ابنته أم غيلان، حيث زوّجها الأبلق، وفعل الأبلق بها ما فعل. وقوله وإن صكّ عينيه، يعني غمضهما وفتحهما.

وكيفَ ارتدادي أمّ غيلانَ بعدما ... جرى الماء في أرحامها وتَرَقْرَقا لَعَمْري لقدْ هانَتْ عليكَ ظَعينَةٌ ... فَدَيتَ بِرجلَيها الفُرارَ المُرَبّقا يقول جعلت مهرها فُرارا. قال: والفرار جمع فرير، والفرير الحمل. فلوْ كانَ ذو الوَدعِ ابنُ ثَروانَ لالتَوَتْ ... بهِ كَفةٌ أعني يزيدَ الهبَنّقا يقول: لو كان المُنكح يزيد بن ثروان الهبنقة القيسي، لالتوت كفه بهذا الذي فعلت. يقول: منع ابنته، ولم يزوجها مثل الأبلق. لقدْ كانَ في القعساءِ أو في بناتها ... ثَوابٌ لعبد مِنْ أسيدَ أبلَقا فلَيتَكَ مِنْ مالي رَشَوتَ ولم تكُنْ ... لعَيرِ الغَضا أرجوحة حينَ أحنَقا ويروى فباتت كدوداة الجواري ورجلها لعير الغضا. قال الدوداة لعبة لصبيان الأعراب. وقوله حين أحنقا، يقال للرجل قد أحنق، وذلك إذا لحق بطنه بظهره من شدة الشبق، وذلك كما يفعل الفحل القطم. فليسَ بِمَولودٍ غُلامٌ ولن ترى ... أطَبَّ بِأدواء الحميرِ وأرْفَقا أي ليس تلد ابنته غلاماً وإنما تلد حماراً. غُلامٌ أبوهُ ابنُ الشغورِ وجَدّهُ ... عَطيّةُ أدنى للحميرِ وأنهَقا سَتَعلَمُ مَنْ يخزَى ويَفضَحُ قَومَهُ ... إذا ألصَقَتْ عندَ السّفادِ وألصَقا أبَيلقُ رَقّاء أسَيّدُ رَهْطُهُ ... إذا هوَ رجلي أم غيلانَ فَرّقا وقال جرير في تزويج الفرزدق عُصيدة: وغَرّتنا أمامَةُ فافْتَحَلْنا ... عُصيدَةَ إذْ تُنُخّبَتِ الفُحولُ

إذا ما كانَ فَحلُكَ فَحلَ سَوء ... عَدَلْتَ الفَحْلَ أو لَؤمَ الفَصيلُ عدلت أي عدلته عن الإبل، فلا يضرب فيها للؤمه، كما قال أبو النجم: وانعدل الفحل وإنْ لم يُعدل. وذلك إذا جفر من الضراب. فأجابه جرير فقال: طَرقَتْ لَميسُ ولَيتَها لم تَطرُقِ ... حتى تَفُكّ حِبالَ عانٍ مُوثَقِ ويروى ضبيس. قوله عان، هو الأسير. من قوله عنوت أعنو أي خضعت أخضع. حَيّيْتُ دارَك بالسّلام تحيّةً ... يومَ السلي فما لها لم تَنطِق وأستنكرَ الفتياتُ شَيبَ المَفْرِقِ ... مِنْ بَعد طولِ صَبابَة وتَشَوقِ قَدْ كنتُ أتبَعُ حَبلَ قائدةَ الصّبا ... إذْ للشّبابِ بَشاشَةٌ لم تخلَقِ أقُفَير قد عَلمَ الزبير ورَهطُهُ ... أنْ ليسَ حبلُ مجاشِع بالأوْثَقِ ذُكرَ البَلاء فلمْ يكن لمُجاشعِ ... حملُ اللواء ولا حمُاةُ المَصدَقِ نحنُ الحُماةُ بكُلّ ثعرِ يُتّقَى ... وبنا يُفَرّجُ كُلُ بابٍ مُغْلَقِ وبِنا يُدافَعُ كلُ أمرِ عَظيمَة ... ليستْ كَنَزوكَ في ثيابِ الكُرّقِ ويروى كل يوم عظيمة. والكرق يريد الكرّج الذي يلعب به المخنثون في حكاياتهم. يعني لبس الفرزدق ثياباً رقاقاً يوم المربد، وأقبل جرير ذلك اليوم على فرس مُتسحاً. يعني جرير قول نفسه: لبست سلاحي والفرزدق لعبة. وقد مر حديثه فيما أمليناه من الكتاب. قَدْ أنكرَتْ شَبَهَ الفرزدقِ مالِكٌ ... ونَزَلْتَ مَنْزِلَةَ الذّليلِ المُلْصَقِ حَوْضُ الحِمارِ أبو الفرزدقِ فاعلموا ... عقدَ الأخادِع وانشِناجَ المِرفَقِ

أي يشبه أباه قصير العنق، ومرفقه متشنج لا يبسط يده إلى خير. شرٌ الخَليقَة مَنْ عَلمنا منكُمُ ... حَوضُ الحِمارِ وشرٌ مَنْ لمْ يخلَقِ كَمْ قَدْ أثيرَ عَلَيكمُ مِنْ خزْيَة ... ليسَ الفرزدقُ بعدهَا بفرزدقِ ذَكوانُ شَد على ظَعائنكُمْ ضُحىً ... وسَقَى أباكَ مِنَ الأمرّ الأعلَقِ قال: يريد ذكوان بن عمرو الفقيمي حين نفر بأبي الفرزدق. وقد مر حديثه فيما كتبنا. أمُّ الفرزدقِ عندَ عقرِ بعيرِها ... شُقّ النّطاقُ عَنِ أستِ ضَبّ مُذْلَق قوله مُذلق، يقال قد أذلق الضب من جحره إذا أخرج من جحره. هَلاّ طلبتَ بعُقْرِ جعثِنَ مِنْقَراً ... وبِجَرّها وتَرَكْتَ ذِكْرَ الأبْلَقِ تَرَكوا بأسفَل إسكَتَيها ناطِفاً ... والمأبضين مِنَ الخَزيرِ الأورَقِ قوله ناطفاً، يعني قاطراً. وإنما عنى، هاهنا، سلحها من بولها وغير ذلك نطف، أي قطر. وكأنّ جِعثِنَ كُلّفَتْ فَخّارَةً ... يَغلي بِها تَنّورُ جِصّ مُطبَقِ لا خيرَ في غَضَبِ الفرزدقِ بعدما ... سَلخوا عِجانَك سَلخَ جِلدِ الرُوذَقِ الروذق الحمل أصله روذه. ويروى مثل جلدة روذق. وقوله الروذق، هو الجلد المسلوخ وأصله فارسي. تدعو الفرزدقَ والأشدّ كأنما ... يَكوِي استَها بَعمودِ ساج محرَقِ قوله الأشد، قال: هو اسم رجل معروف يقال له عمران بن مرة. سَبعونَ والوُصَفاء مَهْرُ بَناتنا ... إذْ مَهرُ جعثِنَ مثلُ حُرّ البَيذَقِ لم تَلقَ جِعثنُ حامياً يحمِي استَها ... وبِخَلْجَم زَيدِ المَشافِر تَتّقي

قوله بخلجم يعني فرجاً واسعاً. قال أبو جعفر: الخلجم الطويل. لمّا قَضَيتِ لمِنْقَرِ حاجاتهِمْ ... فأتَيتِ أهلَكِ كالحُوارِ الأطرَقِ قال أبو عبيدة: الحوار الأطرق، يريد الضعيف الذي انفدع من لين ركبته. وإنما أخذ من الطريقة، وهو الضعف. يقال من ذلك: بفلان طريقة وذلك إذا كان ضعيفاً. مِنْ كُلّ مُقْرفَة إذا ما جُرّدَتْ ... قلقَ البرُى ووِشاحُها لم يقلَقِ قال أبو عبيدة: كان مخرّق بن شريك بن تمام، من بني ذُهل بن الدول ابن حنيفة، ضلعه مع جرير، فنهاه الفرزدق مرتين فلم ينته. فقال الفرزدق في ذلك: ولقدْ نهيتُ مُخرّقاً قتخرّقَتْ ... بِمُخَرّق شُطُنُ الدّلاء شَغورُ يعني بئراً هوت به. وهذا مثل أي عصى فوقع في هوّة. ولقدْ نهيتُكَ مرتينْ ولم أكنْ ... أثني إذا حمَقٌ ثَنَى مَغرورُ حتّى يُداويَ أهلُهُ مَأمومَةً ... في الرأسِ تُدبِرُ مَرّةً وتَثورُ فأجابه جرير فقال: سَبّ الفرزدقُ مِنْ حنيفَة سابِقاً ... إنّ السوابِقَ عندَها التّبشيرُ ولقدْ نهيتُكَ أنْ تسُبّ مُخرّقاً ... وفراشُ أمِكَ كلبتان وكيرُ يا ليتَ جارَكُم استجارَ مُخرّقاً ... يومَ الخُريبَةِ والعَجاجُ يثورُ وقال جرير أيضاً يرثي خالدة بنت سعد بن أوس بن معاوية بن خلف ابن بجاد بن معاوية بن أس بن كليب، وهي أم ابنه حزرة. قال عمارة

بن عقيل: كان جرير يسمي هذه القصيدة الجوساء، وذلك لذهابها في البلاد. قال أبو عبد الله: ما أعرفها إلا الحوساء، وما أعرفها بالجيم: لولا الحَياء لعادَني استِعبارُ ... ولَزُرتُ قَبركِ والحبيبُ يُزارُ ولقدْ نظرتُ وما تمتُّع نظرَة ... في اللحدِ حيثُ تَمكّنَ المِحفارُ ولهتِ قلبي إذْ عَلَتني كَبرةٌ ... وذَوو التمائِمِ مِنْ بَنيكِ صِغارُ قوله ولّهت قلبي جعلته والهاً. قال: والوله ذهاب العقل واختلاطه لثكل أو حزن. قال: والتمائم العوذ. أرعى النجومَ وقد مَضتْ غَورِيةً ... عُصبُ النجومِ كأنهنَّ صُوارُ قوله وقد مضت غورية، قال: الغورية أن تأخذ نحو الغور للغروب والسقوط. قال: وعصب النجوم فرقُها، وصوار بكسر الصاد وضمها، هو القطيع من بقر الوحش هاهنا، وهو القطيع من كل شيء. نِعْمَ القَرينُ وكُنتِ عِلْقَ مَضِنّة ... وارَى بِنَعفِ بُلَيّة الأحجارُ قوله وارى من المواراة غير مهموز. والمعنى في ذلك يقول: سترها الأحجار. قال: والنعف أسفل الجبل وأعلى الوادي. وبلية اسم بلد. عَمرَتْ مُكرّمَةَ المَساكِ وفارَقتْ ... ما مَسّها صَلَفٌ زلا إقتارُ قوله مكرمة المساك، قال: المساك اسم الإمساك والإقتار العسرة. والصلف بُغض من الزوج، وذلك لقلة خيره والزهد فيه. يقول: فهي مكرّمة في إمساكها، ما أصابها مع ذلك صلف من زوج، ولا إقتار من عدم. ويرى ما شفها.

فسَقَى صدَى جَدَثٍ بِبرقَةِ ضاحِك ... هَزِمُ أجَشُ وديمَةٌ مِدرارُ هزم شديد صوت الرعد. يقال سمعت هزمة الرعد. قال: والصدى جثمان الميت وعظامه. والجدث القبر. يقال جدف وجدث. وقوله هزم يعني سحاباً متشققاً بالرعد. قال: والأجش الذي في صوته جُشّة، وهي البحة. وقوله ضاحك، كل نقب في جبل فهو ضاحك. قال وإنما شبهها بالضاحك، لأنها فرجة مفتوحة في الجبل، فكأنه يضحك وذلك لانفتاحه، كما يفتح الضاحك فمه. وكل نقب في جبل فهو ضاحك. هَزِمُ أجَشٌ إذا استَخارَ ببَلدَة ... فكأنها بِجِوائِها الأنهارُ مُتراكِبُ زجلٌ يُضيِء وَميضُهُ ... كالبُلقَ تحتَ بُطونِها الأمهارُ ويروى متراكم. وقوله وميضه هو لمع برق السحاب. وقوله زجل يريد صوت الرعد. يقول له زجل يعني صوتاً. وقوله كالبلق يريد كالخيل البلق. كانتْ مُكَرّمَةَ العَشيرِ ولم يكُنْ ... يخشى غَؤائِلَ أمّ حَزرَةَ جارُ ويروى مكارمة العشير. يقول: كانت أم حزرة تُكّرك العشير وهو، هاهنا، الزوج. والعشير في غير هذا الموضع الصاحب، من قولهم لقد عاشر فلان فلاناً معاشرة حسنة، وذلك إذا صاحبه فأحسن صحبته ومخالطته. ولقدْ أراكِ كُسيتِ أجملَ منظَر ... ومعَ الجمالِ سَكينةٌ ووَقارُ والريحُ طيبةٌ إذا استقبلْتَها ... والعِرضُ لا دَنِسٌ ولا خَوّارُ ويروى إذا استعرضتها، أي دنوت من عرضها. والريح طيبة إذا استقبلتها، يقول: ريح فمها طيب، إذا استقبلت فاها شممت رائحة طيبة، ليس هناك شيء تكرهه. والعرض لا نس يقول: والعرض

أيضاً، وهو ريح البدن طيب وحسن الثناء في الناس. يقول: فكل أمرها حسن. وإذا سَريتُ رأيتُ نارَك نَوّرَتْ ... وجهاً أغرّ يَزينهُ الإسفارُ صلّى الملائكة الذينَ تخُيرّوا ... والصالحونَ عليكِ والأبرارُ وعليكِ مِنْ صلواتِ ربكِ كلها ... نَصَبَ الحَجيجُ مُلبدينَ وغاروا نصب يعني قصد، من قولهم نصب فلان لفلان. ويروى كلما شبح الحجيج، أي رفعوا أيديهم بالتلبية والدعاء. وقزله نصب، يريد لسير إبلهم حين أنصبوها وجهدوها وأتعبوها في سيرهم، ووخدوا بها، كما قال ذو الرمة: إذا ما ركبُها نصبوا. يريد أنصبوا إبلهم، أعملوها للسير، فنصبوا فأعيوا وانصبوا إبلهم فأعيت. يا نَظرةً لكَ يوم هاجَتْ عَبرةً ... مِنْ أمّ حَزرَةَ بالنُمَيرة دارُ تحيِي الرّوامسُ ربَعهَا فتُجِدُهُ ... بعدَ البِلَى وتمُيتُهُ الأمطارُ قوله الروامس، يعني الرياح. يقول تكشف الروامس تُربه وتُبين لك أثره. قال الأصمعي: وإنما سميت الروامس من الرياح التي يشتد هبوبها، فترمس ما مرّت عليه بهبوبها. يعني تدفنه. قال: ومنه قد رمسناه، يعنون قد دفناه. وذلك إذا دفنوا ميتهم فواروه في التراب. وكأنّ مَنزلَةً لها بِجُلاجِل ... وحيُ الزّبورِ تجدُهُ الأحبارُ ويروى تخطه. وقوله بجلاجل هو مكان معروف. قال: والوحي الكتاب. وإنما أراد أن هذا الموضع مما مرت به الأمطار فدُرس موضعه، وامحى كالوحي من الكتاب الذي قد دُرس إلا أقلّه. قال: والأحبار العلماء الذين يكتبون الزبور، فقد انمحى ذلك الكتاب إلا القليل. لا تُكثَرنّ إذا جعلتَ تلومني ... لا يذهبنّ بحلْمِكَ الإكثارُ كانَ الخليطُ همُ الخليطُ فأصبحوا ... مُتبدّلينَ وبالدّيارِ ديِارُ

الخليط هم القوم المختلطون بالمجاورة. قال: فذهبوا. لا يُلبثُ القُرَناء أن يتفرّقوا ... ليلٌ يَكُرُّ عليهمُ ونهارُ أفَأمّ حَزرَةَ يا فرزدقُ عبتُمُ ... غَضِبَ المَليكُ عليكُمُ القَهّارُ كانتْ إذا هَجرَ الحَليلُ فِراشَها ... خُزِنَ الحديثُ وعَفّتِ الأسرارُ هجره، هاهنا، أن يغيب عنها فيهجر فراشها. فأما إذا أقربت فهي أكرم عليه من أن يهجر فراشها. وقوله خزن الحديث، يقول: لا تحدّث أحداً بريبة. يقول: وإن هجرها حليلها، وهو زوجها، لم تُظهر له سراً، وإن غضبت على زوجها عند هجرانه فراشها. قال: والسر هو النكاح بعينه. وهو من قوله الله عز وجل: {وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} يعني نكاحاً. والمعنى في ذلك يقول: ليس عندها إلا العفاف. ليسَتْ كأمّكَ إذْ يعضُ بقُرطِها ... قَين وليسَ على القُرونِ خمِارُ قال: زعموا أن صائغاً أتى بني ضبّة، فصاغ لامّ الفرزدق حلياً، وهي صبية في أهلها، فعلق قُرطها، فذهب يعض القرط ليُخرجه، فعض أذنها، فصاحت، فعيره بذلك جرير ولا عار فيه. سنُثيرُ قَينَكُمُ ولا يُوفي بِها ... قَين بِقارِعَةِ المِقَرّ مُثارُ المقر جبل بكاظمة وفيه قبر غالب. وُجِدَ الكَتيفُ ذَخيرَةً في قبرهِ ... والكَلبتانِ جمُعنَ والمِيشارُ الكتيف ضبّات الحديد. وقوله والميشار، يقال من ذلك مئشار مهموز، وميشار لا همز. يبكي صَداهُ إذا تهزّمَ مِرجَلٌ ... أو إنْ تثَلّمَ بُرمَةٌ أعشارُ

ويروى إذا تصدع مرجل. أو إن تهزّم برمة. وتفلّق. وقوله يبكي صداه، قال: الصدى، هاهنا، بدن الميت. وقوله إذا تهزم يعني إذا تصدّع. وقوله مرجل يعني قدراً، هاهنا. رَجَفَ المِقَرُ وصاحَ في شرقّيِه ... قَين عليهِ دَواخِنٌ وشَرارا قَتَلتْ أباكَ بنو فُقيم عَنوَةً ... إذ جُرّ ليسَ على أبيكَ إزار قال أبو عثمان: قد مر حديث هذا البيت فيما أملناه. عَقروا رَواحِلَهُ فليسَ بقَتلِهِ ... قَتلٌ وليسَ بِعَقْرهِنً عِقار يقول لا يُدرك به ثأر. حَدراء أنكرتِ القُيونَ وريحَهُمْ ... والحُرّ يمنعُ ضَيمَهُ الإنكارُ لمّا رأت صدأ الحديدِ بجِلدِهِ ... فاللونُ أورقُ والبَنانُ قِصار قوله فاللون أورق، قال: الأورق من الإبل الذي له لون كلون الرماد، يضرب إلى السواد. قال الفرزدقُ رقّعي أكيارَنا ... قالتْ وكيفَ تُرقّعُ الأكيارُ رقّعْ مَتاعَكَ إنّ جَدي خالدٌ ... والقَين جَدّكَ لم تَلدكَ نِزارُ وسَمعتُها اتصلَتْ بِذُهْل إنهم ... ظَلموا بِصِهرهِم القُيونَ وجاروا ويروى نُبئتها اتصلت بذهل إنهم فضحوا بذكرهم القيون. وسمعتها اتصلت بذهل، أي سمعتها قالت: يا لذهل. دَعتِ المُصَوّرَ دَعوةً مَسموعةً ... ومعَ الدعاء تَضرعٌ وحِذارُ قوله دعت المصور، يريد الله عز وجل. يريد قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ}.

عاذَتْ برَبّكَ أنْ يكونَ قَرينُها ... قَيناً أحَمّ لِفَسوِهِ إعصارُ قوله أحم أي أسود. وقوله لفسوه إعصار أي غبار من شدة فُسائه. أوصَتْ بِلائمَة لِزيقِ وابنِه ... إنّ الكَريمَ تَشينُهُ الأصهارُ ويروى يازيق صهركم اللئيم يشينكم إن الكريم تشينه. وقوله بلائمة أراد أنها تقول: لمَ زوجتموني مثله. إنّ الفضيحةَ لو بُليِت بقَينِهِمْ ... ومعَ الفضيحةِ غُربةٌ وضرِارُ ويروى لو منيت بقينهم. ويروى لو بنيت. أي لو بُني بك. ويروى وصغار. وقوله ضرار، يقول صرت يا حدراء مع ضرائر. يقول: صرت إلى غربة إذ فارقت أهلك. وصرت إلى هذه الحال. شُدّوا الحُبَى وبِشارُكُمْ عَرقَ الخُصَى ... بعدَ الزُبيرِ وبعدَ جِعثِنَ عارُ يقول: لا تحتبوا، وإذا احتبى الرجل عرقت خصيتاه. يقول: فمباشرتكم عرق الخصى عار بعد الزبير وجعثن. قال: وإنما المعنى في ذلك، يقول: ليس مثلكم يحتبي مع ما بكم من الذحل. هَلاّ الزبيرَ مَنعْتَ يومَ تَشَمّسَتْ ... حربٌ تضرّم نارُها مِذْكارُ ويروى تُصرّف نابها. وقوله مذكار، يقول: تلد الذكور وهو شر، وإنما ضربه مثلا في الحرب. وقوله تشمست، يعني امتنعت كما تمتنع الشموس من الخيل، فلا تنقاد ولا تنساق. ودعا الزُبير فما تحرّكتِ الحُبَى ... لو سُمْتَهُمْ جُحَفَ الخَزيرِ لَثاروا قوله فما تحركت الحبى، يقول: فما حُلّت. جحف يعني أكلا شديداً. ويروى جخف بالخاء معجمة.

غَرُوا بِعَقدِهمِ الزبير كأنهمْ ... أثوارُ محرَثَةٍ لهُنّ خُوارُ قوله أثوار، يعني ثيراناً تحرث عليها. وخوار صوت. والصّمّتين أجرْتُمُ فغَدرتُمُ ... وابنُ الأصَمّ بحَبل بَيبَةَ جارُ الصمة قتله ثعلبة بن حصبة بن أزنم وهو أسيره. وابن الأصم، أراد معيّة بن الصمة بن جداعة بن غزية بن جشم. وقد مر حديث الصمتين في موضعه. وبيبة بن قرط بن سفيان بن مجاشع. إنّ التي بُعِجَتْ بَفَيشَةِ مِنْقَر ... يا شَبّ ليسَ لشأنها إسرارُ أراد شبّة بن عقال بن صعصعة بن عقال بن محمد بن سفيان. قال: وكانت جعثن امرأة شبّة. وَفّتْ لجِعثِنَ دَينَ جِعثِنَ منْقَرٌ ... لا عِلّةٌ بهمِ ولا إعسارُ قطعوا بِجِعثِنَ ذا الحَماطِ تقَحماً ... وإلى خَشاخِشَ جَريهُا أطوار خشاخش رمل معروف. أطوار حال بعد حال. ويروى جرّها. لَقيَتْ صُحارَ بَني سِنان فيهِمِ ... خَدِباً كأعصَلِ ما يكون صُحارُ أعصل أصلب وأشد. ويروى كأعضل. أي أشد وأقوى. حدب متفلت كأنه مُستروح يُلقي نفسه عليها. وروى عُمارة خدبا. والخدب الشديد. وقوله صحار، يريد صحار بن زيد بن علقمة بن عصام بن سنان بن خالد بن منقر، وهو ممن اتهم بجعثن. وخدبا يعني متعظما. طُعنَتْ بأيرِ مُقاعِسيّ مخْلِج ... فأصيبَ عرْقُ عِجانِها النّعّارُ ويروى طُعنت بمثل جبين أير مقاعس فاقُتد عرق. مخلج

مجذب. وقوله النعار، هو العرق الذي لا يرقأ. يقال من ذلك نعر العرق بالدم، وذلك إذا سال بالدم فغلبهم سيلانه. أخْزاكَ رَهطُ ابن الأشَدّ فأصبَحَت ... أكبادُ قومِكَ ما لهنّ مَرارُ قوله ابن الأشد، يعني سنان بن خالد بن منقر. قال: وإنما سمي الأشد لشدته، وله يقول جرير: وبِنا عَدَلتَ بيَ خَضافِ مجُاشِعاً ... وعَدَلتَ خالَكَ بالأشَدّ سِنانِ باتتْ تُكلّفُ ما عَلِمتَ ولم تكُنْ ... عُونٌ تُكَلّفُهُ ولا أبكارُ باتَ الفرزدقُ عائِذاً وكأنها ... قَعوٌ تَعاوَرَهُ السُّقاةُ مُعارُ قال: القعو بكرة من خشب كلها، فإن كان جنباها حديداً، فهو خطاف، يُستقى عليها باليد. دُعِيَ الطبيبُ طبيبُ جِعثِنَ بعدما ... عَصَتِ العُروقُ وأدبَرَ المِسبارُ قال: المسبار الميل الذي يقاس به الجرح، فيُنظر ما غوره وما قدره. ومنه قول العرب: سبرت فلاناً فعرفت مذهبه. يعني اختبرته فعرفت طريقته. شَبّهْتُ شِعرَتَها إذا ما أبركتْ ... أذُني أزَبّ يَفُرُهُ السمسارُ قوله السمسار هو بائع الخيل. قال أبو عبد الله: بائع الحمير. سَبّوا الحِمارَ فسوفَ أهجو نِسوَةً ... للكيرِ وَسطَ بُيوتِهنّ أوارُ ويروى الحمير. وقوله أوار، يعني لهب النار وتضرّمها ووقودها. والأوار حرار النار ووهجها. مِنْ كُلّ مُبْسِقَةِ العِجان كأنها ... جَفرٌ تَغَضّفَ مِنْ جُوَيّةَ هارُ

ويروى من حذنّة. وقوله مبسقة العجان، يعني منتفخة العجان كما يبسق ضرع الشاة، وذلك إذا اقربت. وقوله تغضّف، يعني تهدّم. وجويّة موضع. وهار منهار. وهو من قول الله عز وجل: {هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ} أي انهار فذهب سيلاناً. لَخَواء مُزْبِدَةٌ إذا ما قَبقَبَتْ ... هَدرتْ فألْثَقَ ثَوبَها التّهدارُ لخواء يعني هي عظيمة إحدى شقي البطن. يعيبها بذلك. تُغلِي المُشاقَةَ تَبتغي دَسمَ أستِها ... فمِنَ المُشاقَةِ عندَها أكرارُ تَلقَى بَنات أبي الجَلَوَبقِ نُزّعاً ... نحوَ القُيونَ وما بِهنّ نِفارُ أبو الجلوبق لقب لمجاشع. وقوله بنات أبي الجلوبق، هو نبز نبزهم به، يعيبهم بذلك. وتخَيرّت ليلى القُيونَ وريحَهُمْ ... ما كانَ في صدأ القُيونِ خِيارُ حَنّتْ وحَنّ إلى جُبير نسوَةٌ ... خُورٌ يَطُفْنَ بهِ وهُنّ ظُوارُ تُدعَى لَصَعْصَة الضّلال وأحصنتْ ... للقَين يابنَ قُفيرةَ الأطهارُ وخَضافِ قدْ وَلَدتْ أباكَ مجاشِعاً ... وبَنيهِ قد ولَدتهمُ النّخوارُ خضاف نبز لأم مجاشع، وهم يعيرون به في الجاهلية. ويروى وبنوه قد ولدتهم. يا شَبّ وَيحكَ ما لَقيتَ مِنْ التي ... أخزَتْكَ ليلَةَ نُجّدَ الأستارُ يا شَبّ وَيحكَ إنها مِنْ نِسوة ... خُورٍ لهُنّ إذا انتشَين خُوارُ أي هن فواسد. وقوله خور، أي هن ضعاف. وقوله إذا انتشين، يقول: إذا شربن فطابت أنفسهن، صحن وعلت أصواتهن، كما يخور الثور.

نَثَلَتْ عليك مِنَ الخَزيرِ كأنها ... جَفرٌ تخَرّمَ حافتيهِ جِفارُ نثلت سلحت من أكل الخزير. أي كانت إلى جانبه جفار، فتخرم بعضها إلى بعض فاتسع. إنّ الفرزدقَ لن يُزاولَ لُؤمَهُ ... حتى يزولَ عنِ الطريقِ صرِار فيمَ المِراء وقدْ سبقتُ مجاشعاً ... سبقاً تقطّعُ دونَهُ الأبصارُ يقول: سبقتهم سبقاً، وتقدّمتهم تقدّما، لا يراني من خلفي. قَضَتِ الغَطارفُ مِنْ قُريش فأعترَفْ ... يا ابنَ القُيونِ عليكَ والأنصارُ قوله قضت الغطارف من قريش، قال: الغطارف سادة القوم وسمحاؤهم، الذين يقومون بما ناب قومهم من شدة ومكروه ونازلة، فهم عتاقهم. قال: والاعتراف الإقرار والرضى بما قُضي عليهم وألزموهم. يريد فأقر بذلك من فضلنا وقديمنا وفخرنا. هل في مائينَ وفي مائينَ سَبقتُها ... مَدّ الأعِنّةِ غايَةٌ وحِضارُ كَذَبَ الفرزدقُ إنّ عُودَ مجاشعِ ... قَصِفٌ وإنّ صَليبهُم خَوّارُ صليبهم خشبتهم. وقوله قصف، يعني عودهم ضعيف يتقصف من ضعفه. وقوله صليبهم، يريد سيدهم الذي يعتمدون عليه. يقول هو خوّار ضعيف لا خير عنده، فكيف بمن سواه. ما كانَ يخلفُ يا بَني زَيدِ أستِها ... منكُمْ مخَيلَةُ باطِلٍ وفَخارُ وإذا بَطنتَ فأنتَ يا ابنَ مجاشِع ... عندَ الهَوانِ جُنادِفٌ نَثّارُ الجنادف القصير من الرجال. والقصر عند العرب عيب في الرجال والنساء. وقد عابت الشعراء القصر في شعرها في الجاهلية والإسلام. وقوله نثّار، يعني أنت كثير الكلام، يريد تنثر كلامك نثراً لا تعرف ما

يرجع عليك منه، مثل الثرثار من الرجال، وهو الكثير الكلام. سَعدٌ أبَوا لكَ أنْ تَفي بجِوارِهِم ... أو أنْ يَفي لكَ بالجِوار جِوارُ يريد بقوله سعد أبوا لك، يعني غدرهم بالزبير، حيث أجاروه ثم خذلوه، حتى قتله ابن جُرموز في بلادهم وديارهم. تِلكَ التي شَدّخوا بَواطِنَ كَينِها ... أضخَى مُخالِطَ بَولِها الإمغارُ قوله الأمغار، يعني خروج الدم مع البول. شبّه حمرة الدم بحمرة المغرة. يقول: من كثرة ما نُكحت صارت كذلك. قد طالَ قرعُكَ قبلَ ذاكَ صَفاتَنا ... حتى صَممتَ وفُلّلَ المنقارُ يابنَ القُيونِ وطالَ ما جَرّبتني ... والنّزعُ حيثُ أمِرّتَ الأوتارُ ما في مُعاوَدَتي الفرزدقَ فاعلَموا ... لمُجاشع ظَفرٌ ولا استبشارُ إنّ القصائِدَ قدْ جَدَعنَ مجاشِعاً ... بالسّمٌ يُلحَمُ نَسجُها ويُنارُ قوله قد جدعن مجاشعاً، يقول قد قطعن الآذان والأنوف لما نزل بهم من شدة قولي، وما ذكرت من مساويهم في شعري، فأصابهم من ذلك ما يصيب من قُطع أنفه وأذنه. ولَقُوا عَاصي قدْ عَيَيتَ بِنَقضها ... ولقدْ نُقِضتَ فما بكَ استمرارُ قوله عواصي، يعني هذه القصيدة صعبة، قد مرت على الناس عاصية لمن لامها، لا تقبل منه، ولا تلتفت إليه، فضربه مثلاً لذلك. قد كان قَومُكَ يحسبونَك شاعِراً ... حتى غَرِقْتَ وضَمّكَ التيارُ يقول: لما سمعوا شعري ازدروا شعرك. والتيار الموج فشبه شعره بالبحر بأمواجه فغرّقه.

نَزعَ الفرزدقُ ما يَسرُ مجاشِعاً ... منهُ مُراهَنةٌ ولا مِشوارُ قوله مشوار إنما يريد مختبر الخيل. قَصرُتْ يداكَ عنِ السماء فلم يكُنْ ... في الأرضِ للشجرِ الخبيثِ قرارُ أثنتْ نَوارُ على الفرزدقِ خَزيَةً ... صَدقَتْ وما كذَبتَ عليكَ نَوارُ إنّ الفرزدقَ لا يزالُ مقنّعاً ... وإليهِ بالعمل الخبيثِ يُشارُ قوله مقنعاً، يقول: يقنّع رأسه يستحيي مما يأتي من المخازي. لا يخفَينّ عليكَ أنّ مجاشعاً ... لو يُنفَخونَ منَ الخؤورِ لَطاروا إذ يُوسرَونَ فما يُفَكُ أسيرُهُمْ ... ويُقتّلونَ فتَسَلمُ الأوتارُ يقول: من ضُعفهم لا يفك أسيرهم من بخلهم، ولا يطلبون وتراً فيدركونه. ويُفايَشونَكَ والعظامُ ضَعيفةٌ ... والمُخُ ممتَخَرُ الهُنانَة رارُ الهنانة المخ الرقيق. وقوله يفايشونك، يقول يفاخرونك بالكذب بما ليس بهم من الفخر في قديم ولا حديث. وقوله والعظام ضعيفة، يقول: ليس لهم مآثر يعدونها عند الفخار، فأمرهم ضعيف لا يصدقون فيما يقولون. قال: وإنما يريد أنه ليس بعظامهم مخ، فهم ضعفاء. والهنانة الشحم والرار المخ الرقيق. وإنما يريد أنه ليس لعظامهم مخ فنسبهم، إلى الضعف. قال أبي رحمه الله ممتخر منتزع. شَهِدَ المُهَمّلُ أنّ جيشَ مجاشِع ... رَضَعوا الأيورَ على الخَزيرِ فخاروا قوله شهد المهمّل، يريد المهمّل بن عبد الله بن قيس، أحد بني العدوية، وكان شريفاً، وله يقول الفرزدق:

كما تَعرِف الأضيافُ نارَ المُهَمّل نظروا إليكَ وقد تقلّبَ هامُهُمْ ... نظرَ الضّباعِ أصابهُنّ دَوارُ قوله وقد تقلّب هامهم، يعني تقلّبت رءوسهم ودارت. لا تُغْلَبُنَّ على ارتضاعِ أيورِكُمْ ... أوصى بِذاكَ أبوكُمُ المِهمارُ ويروى لا تظمئون. وقوله المهمار، يريد الكلام الذي يهمر فيكثر كلامه. يَسرَ الدُهَيمَ بَنو عَقال بَعدما ... نَكَحوا الدُّهَيمَ فقُبّحَ الأيسارُ يقول: قامروا على الدهيم، وهو اسم ناقة. والأيسار المقامرون. وبكى البَعيثُ على الدهيم وقد رَغا ... لأبي البَعيث مِنَ الدُّهَيمِ حُوارُ وإذا أرادَ مجاشعيّ سَوءة ... نكحَ الدُّهَيمَ وفي استِهِ استيخارُ قُرنَ الفرزدقُ والبَعيثُ وأمُهُ ... وأبو الفرزدقِ قُبّحَ الإستارُ إنّ البَعيثَ عِجانُ سَوء قادَهُ ... وسطَ الحَجيج لَيُنحَرَ البَقّارُ أضحى يُرَمّزُ حاجبيه كأنهُ ... ذِبخٌ لهُ بقَصيمتينِ وجارُ الذيخ الضبعان، وهو الذكر من الضباع. ووجار جُحر. أمٌ البَعيثِ كأنّ حمرَةَ بَظْرِها ... رِئةُ المُغِدّ يَبينُها الجَزّارُ المغد البعير الذي قد أصابته غدة ورئته أشد حمرة من غيرها، وذلك للداء الذي قد أصابه من الغدة. قال: والعرب إذا دعت على الرجل

قالت: أصابه الله بغدة كغدة البعير. فرئة المغد أشد حمرة من قبل الداء. وتقولُ إذْ رضِيَتْ وأرضَتْ سَبعَةً ... لا يغْضَبَنّ عليكُمُ البَيْزارُ البيزار اسم عبد كان لبني جرول تتهم به نساؤهم. إنْ تَكْفِ أمّكَ يا بَعيثُ فرُبما ... صَدَرتْ ومَرّنَ بَظْرَها الإصْدارُ يعني رعت فتصدر على قعود. ويروى بطنها. إذ كانَ يُلعِبُها وأنتَ حَزَوّرُ ... عِلجا ضَبارَةَ بغثَرٌ وشُقارُ قال: الحزور الغلام الذي قد اشتد وصلُب واستوت قوّته. قال الأصمعي: والحزور في هذا الموضع، أشد ما يكون من الرجال. وقوله يُلعبها، يحملها على اللعب معه. قد طالَ رِعيتُها العَواشي بعدما ... سقطَ الجليدُ وهَبّتِ الأصرارُ أي ترعى العواشي تخرج بالليل للريب. قال: والعواشي الإبل التي تطيل العشاء. والأصرار واحدها صر، وهي من الرياح الباردة. ذَهبَ القَعودُ بلَحمِ مَقعَدَةِ استِها ... وكأنّ سائرَ لحمِها الأفهارُ القعود بكر يركبه الرعاة يقضون عليه حوائجهم. ليستْ لِقَومي بالكَتيفِ تجارَةُ ... لكنّ قومي بالطّعانِ تجِارُ الكتيف الضبات من الحديد الواحدة كتيفة، يعيّرهم بذلك أنهم حدّادون. يحمِى فوارسيَ الذينَ لخَيلِهمْ ... بالثغر قد علمَ العدوُ مُغارُ

الثغر الموضع الذي يُخاف منه العدو، وما يخافون من ناحيته. تَدمى شَكائِمُها وخيلُ مجاشع ... لم يَندَ مِنْ عَرَقٍ لهُنّ عِذارُ الشكائم حدائد اللجم الواحدة شكيمة. إنّا وقَينكُمُ يُرَقّعُ كيرَهُ ... سرِنا لنَغْتَصِبَ المُلوكَ وساروا أي سرنا إلى الملوك وساروا إلينا. عَضّتْ سَلاسِلُنا على ابنَي مُنذِر ... حتى أقرّ بحُكمِنا الجَبارُ قوله على ابني منذر، يعني حين أسرتهما بنو يربوع يوم طخفة. قال: وقد مر حديث طخفة فيما أمليناه من الكتاب. وابنَي هُجَيمَةَ قد تركنا عَنوةً ... لابنَي هُجَيمَةَ في الرّماحِ خُوارُ قال: ابنا هجيمة، قيس والهرماس من غسان، قتلهما عتيبة بن الحارث، وذلك يوم كنهل. ورئيسُ مملكة وطِئنَ جَبينَهُ ... يغشى حواجِبَهُ دمٌ وغُبارُ نحمي مخاطرَةً على أحسابِنا ... كَرُمَ الحُماةُ وعَزّتِ الأخطارُ وإذا النساءُ خرَجنَ غير تبرّز ... غِرنا وعندَ خُروجِهِنّ نَغارُ ومجاشِعٌ فَضحوا فوارسَ مالِكِ ... فرَبا الخَزيرُ وضُيَّعَ الأدبارُ أغمامَ لو شَهدَ الوَقيطَ فوارسي ... ما قَيدَ يُعتَلُ عَثجَلٌ وضِرارُ قوله عثجل، هو عثجل بن المأموم بن شيبان بن علقمة بن زرارة بن عدس. وضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة. وقد مر حديثهما فيما أمليناه من الكتاب، في يوم الوقيط. يا بنَ القُيونِ وكيفَ تطلُبُ مجدَنا ... وعليكَ مِنْ سِمَةِ القُيونِ نِجارُ

قوله نجار، يعني عليك سمة يُعرفون بها. فأجابه الفرزدق فقال: أعَرَفتَ بين رُوَيّتينِ وحنْبَل ... دِمَناً تَلوحُ كأنها الأسطارُ رويّتين وحنبل موضعان معروفان. والدمن ما دمّن، إذا نزلوا من الرماد والبعر، وما سوّدوا في مقامهم من طبيخ وغيره. وقوله تلوح، يقول ترى ذلك بيناً. والأسطار الأثر الخفي، قد درسته الأمطار وطول الزمن. وقال: هي رويّة واحدة فثنّاها. وأنشد: هل تَذكُرونَ غَداةَ تُطرَدُ سَبيكُمْ ... بالصمد بَين رُوَيّة وطِحالِ لَعِبَ العَجاجُ بكُلّ معرفَة لها ... ومُلثّةُ غَبَياتُها مِدرارُ ويروى لعب الرياح. وقوله لعب العجاج يريد اختراق الرياح. والملثة يريد دوام مطرها أياماً. يقال قد ألثّ المطر، وذلك إذا دام أياماً لا يُقلع. والغبية المطر الشديد ساعة ثم يقلع. فعَفتْ مَعالِمها وغيّر رَسمَها ... ريحُ تَروّحُ بالحصى مِبكارُ ويروى درست وغيّرَ كل معرفة لها ريحٌ. قال أحمد بن عبيد: يقال عفا الشيء وعفا غيره. وقوله فعفت معالمها، يريد عفّته. يقول ذهّبته فخُفف لحال الوزن. قال: والرسم آثار الديار. ثم قال: تروّح بالحصى، يقول: هذه الرياح تروّح على هذا الرسم بالحصى. مبكار أي هذه الريح تبكر الحصى فتلقيه على هذه الرسوم فتُعفيه، أي تدرسه بكرة وعشية. فترى الأثافي والرمادَ كأنهُ ... بَوٌّ عليهِ رَوائِمٌ أظفارُ

قال: الأثافي الحجارة التي توضع تحت القدر إذا اطبخوا. والرماد يكون تحت قدورهم. يقول: فلم يبق من آثار الديار إلا الأثافي والرماد. ثم شبّه الأثافي والرماد بالبو. والبو جلد فصيل يُحشى ثماماً، وهو حشيش ينبت في البر، تُعطف عليه الناقة، والناقتان، والثلاث. وأظآر جمع ظئر. ولقد يحُلُّ بِها الجميعُ وفيهِمُ ... حُورُ العيونِ كأنهُنّ صِوارُ ويروى ولقد عهدت بها الجميع وفيهم. حور العيون البقر. وإنما قال حور العيون لشدة بياضها، وإنما سمي الحواري حوارى، لشدة بياضه. وكذلك الحور لشدة بياضها، وشدة سواد الأشفار والحدقة، وذلك مما يشتد به بياضها. وإنما سمي الحواريون مع عيسى بن مريم عليه السلام لشدة بياض ثيابهم. ويقال إنهم كانوا قصّارين. يأنَسنَ عندَ بُعولهِنّ إذا التقَوا ... وإذا همُ بَرزوا فهُنّ خِفارُ ويروى إذا خلوا. وقوله وإذا هم برزوا فهن خفار، يقول: إذا صرن عند أزواجهن فهن خفار: أي حييات. يقال للمرأة إنها لخفرة، إذا كانت شديدة الحياء. شُمُسٌ إذا بلغَ الحديثُ حَياءهُ ... وأوانسٌ بكَريمِهِ أغرارُ قول أوانس يقول هن غير معبّسات ولا مُكلحات، لهن أخلاق حسنة يأنسن إلى من يثقن به، ولا يستوحشن منه. وقوله بكريمه، يريد بكريم الحديث لا فُحش فيه. وقوله أغرار، يقال للرجل الذي لا يعرف الأمور غر، وكذلك يقال للمرأة أيضاً التي لا تدري ما الناس فيه، هي غر، أي لم تجرب الأمور، ولم تعرف الأشياء. يقول: هن غوافل عن مكر النساء، وما هن فيه من الإرب والدهاء. وكلامُهُنّ كأنما مرفوعُهُ ... بِحَديثهِنّ إذا التَقَين سِرارُ

يقول: كلامهن فيما بينهن كأنه مسارة، وذلك من شدة الحياء. رُجُحٌ ولَسنَ مِنَ اللواتي بالضُحَى ... لِذُيولهِنّ على الطريقِ غُبارُ وإذا خَرجنَ يَعُدنَ أهلَ مُصابَة ... كانَ الخُطا لسرِاعِها الأشبارُ هُنّ الحَرائِرُ لم يَرِثنَ لمُعرِضٍ ... مالاً وليسَ أبٌ لهُنّ يجُارُ معرض جد جرير من قبل أمه. فاطرَحْ بعينكَ هل ترى أحداجَهُمْ ... كالدّومِ حينَ تحُمّلُ الأخدارُ قوله هل ترى أحداجهم، قال: الأحداج مراكب النساء، الواحد حدج كما ترى. وقوله كالدوم، هو شجر المقل. ويقال بل هو السدر البري: ويقال هو كل سدر أين كان. والقول هو الأول. يغشى الإكامَ بهِنّ كُلّ مخُيّس ... قد شاكَ مختلِفاتُهُ مَوّارُ مختلفاته أنيابه. موار يقول هو واسع الجلد، يمور في مشيه كالمتبختر، لأنه قوي نشيط. وإذا العيونُ تكارَهتْ أبصارُها ... وجرى بهِنّ معَ السرّابِ قِفارُ ويروى تطاوحت. وقوله تكارهت أبصارنا، يقول لا تنظر بملء عيونها. قال: وذلك من شدة ترقرق السراب ووقدان الحر واحتذامه. يقول: فإنما تفتح عيونها على كره ومشقة لذلك. نَظَرَ الدّلهمَسُ نظرَةً ما ردَّها ... حَوَلٌ بِمُقلَتِهِ ولا عُوّارُ الدلهمس رجل من بني كليب، كان رفيقاً للفرزدق. وقوله لا عُوار، قال: العوار، قال: العوار قذى يصيب العين من رمد أو وجع. فرأى الحُمولَ كأنما أحداجُها ... في الآل حينَ سَما بِها الإظهارُ

ويروى فرأى الشفاء كأنما أظعانها في الدو حين. وقوله سما بها، يريد حزاها الآل فرفعها في المنظر. قال: وكذلك ترى الشيء في الآل وهو صغير كبيراً. وقوله الإظهار، قال: وذلك حين يُدخل في الظهيرة. يقول: سارت هذه الإبل في وقت الظهيرة. نخلُ بَكادُ ذُراهُ مِنْ قِنوانِهِ ... بِذُرَيعَتَين يُميلُهُ الإيقارُ قوله من قنوانه القنوان، العذوق. وهو من قول الله تعالى: {قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} قد انتهى حملها ودنا إنضاجها. قال: والأيقار يريد كثرة الحمل. يقول: قد أثقل هذه النخيل ما عليها، وأوقرها كثرته. إنّ المَلامَةَ مِثلُ ما بَكَرتْ بِهِ ... مِن تحتِ ليلَتها عليكَ نَوارُ وتقولُ كيفَ يميلُ مِثلُكَ للصِبَاً ... وعليكَ مِنْ سِمةِ الحَليم عذارُ ويروى قالت وكيف. يريد بمسحليه وعارضيه من الشيب، فهو سمة للكبير، والمسالان ما ليس عليه شعر من الصدغ إلى شحمة الأذن. تقول: كيف يطلب مثلك الصبى، وأنت شيخ، وهو من علامات الحليم توبّخه بذلك وتعيّره. والشّيبُ يَنهضُ في السّوادِ كأنّهُ ... ليلٌ يصيحُ بِجانِبيه نهَارُ يقول: الشيب يعلو السواد حتى يذهب به، كما يُذهب ضوء النهار سواد الليل، فضربه مثلا لليل والنهار. إنّ الشبابَ لَرابِحٌ مَنْ باعَهُ ... والشيبُ ليسَ لِبائِعيهِ تجِارُ قال: إنما ضربه مثلا. يقول: للشباب طالبٌ وليس للشيب طالب. يا بنَ المراغَةِ أنتَ ألأمُ مَنْ مَشى ... وأذَلُّ مَنْ لِبَنانِهِ أظفارُ

قال: البنان المفاصل العُلى التي فيها أظفار، واحدتها بنانة، والتي دونها البراجم، والتي دونها الرواجب. والأشاجع عصب ظاهر الكف على كل قصبة أشجع. وإذا ذَكرتَ أباكَ أو أيّامهُ ... أخزاكَ حيثُ تُقبّلُ الأحجارُ قوله تقبّلُ الأحجار، يعني الحجر الأسود والبيت الحرام ومقام إبراهيم عليه السلام في الحجر. قال: والمعنى في ذلك يقول: أخزاك أبوك في هذه المواضع التي يجتمع فيها الناس من كل فج عميق. يقول: فليس له ما يفخر به إذا افتخر الناس وذكروا أيامهم ومآثرهم. إنّ المَراغَةَ مَرّغَتْ يَربوعَها ... في اللؤمِ حيثُ تجاهَد المِضمارُ أنتُمْ قَرارَةُ كلّ مَدفَعِ سَوءَة ... ولِكُلّ دافِعَةٍ تَسيلُ قَرارُ قوله قرارة، هو مجتمع الماء في مطمئن من الأرض يستقر فيه الماء. إنّي غَمَمتُكَ بالهِجاء وبالحَصى ... ومَكارِمِ لفَعالهِنّ مَنارُ وروى سعدان عممتك بالعين غير معجمة. وليس بشيء. والرواية الغين. وقوله إني غممتك بالهجاء، يقول غممتك من هجائي بما صار في رأسك لازماً كالغمامة. وقوله بالحصى، يريد كثرة العدد. تقول بنو فلان عددهم كثير كالحصى، وذلك إذا كانوا كثيراً. ولقد عَطَفتُ عليكَ حَرباً مرة ... إنّ الحُروبَ عَواطِفُ أمرارُ حَرباً وأمّكَ ليسَ مُنْجيَ هارِبٍ ... منها ولو رَكِبَ النّعامَ فِرارُ فلأفْخَرَنّ عليكَ فخراً لي بِهِ ... قُحَمُ عليكَ مِنَ الفَخارِ كبارُ

قوله قحم عليك، أي عظائم منه تقحّم عليك، يريد فتغلبك. إني لَيرفعُني عليكَ لِدارِم ... قَرمٌ لهُمْ ونَجيبَةٌ مِذْكارُ القرم الفحل من الإبل، ذلك أصله، ثم نُقل فصار قرم القوم سيدهم ورئيسهم. وقوله ونجيبة مذكار، يريد تلد الذكور. ويقال امرأة مئناث إذا ولدت الإناث. فضربه مثلا للإبل، وإنما يريد الفخر في الناس. وإذا نَظرتَ رأيتَ فَوقَكَ دارِماً ... في الجَوّ حيثُ تُقَطّعُ الأبصارُ إنّي لَيَعْطِفُ للئيمِ إذا رَجا ... مني الرّواحَ مُجإبٌ كَرّارُ إنيّ لأشتمكُمْ وما في قَومكُمْ ... حَسَبٌ يُعادِلُنا ولا أخطارُ هل يُعدَلَنّ بقاصِعائكَ مَعشرٌ ... لهمُ السماء عليكَ والأنهارُ والأكرمونَ إذا يُعدُّ قَديمُهُمْ ... والأكثرونَ إذا يُعدُّ كِثارُ ويروى الأكرمين، والأكثرين. ويروى كَثار بفتح الكاف، كثرة من الناس. يقال في الدار كثار من الناس. وقوله إذا يعد كثار، يعني مكاثرة يريد مفاخرة. ولهمْ عليكَ إذا القُرومُ تخَاطَرتْ ... خمطُ الفُحولَةِ مُصعَبٌ خَطارُ مصعب لم يُذلل ولم يُرض. وقوله خمط الفحولة، يريد تكبّر الفحولة وتعظّمها في غضب. يقال من ذلك قد تخمّط فلان فلانا، ولذلك إذا تعسّفه وظلمه. يقال تخمّط فلان إذا تكبّر. قال: لا أعلمه يتعدّى. ولهمْ عليكَ إذا الفُحولُ تَدافَعتْ ... لجُجٌ يَغُمُّكَ موجُهُنّ غِمارُ ويروى بحرهن غمار. وبحرها غمّار. ويروى إذا البحور تغامست. قومُ يُرَدُّ بهِم إذا ما استَلأموا ... غَضبُ المُلوكِ وتمنَعُ الأدبار

منعَ النساء لآلِ ضَبّةَ وَقعَةٌ ... ولآلِ سَعد وَقعَةٌ مِبكارُ فاسألْ غَداةَ جَدودَ أي فَوارِسٍ ... مَنعوا النساءَ لعِوذِهِنَّ جُوارُ قال: العوذ النوق التي معها أطفال صغار. وقوله جوار وهو مثل خوار الثور، وهو من قول الله تعالى: {لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ} ويروى فاسأل بقاع جدود أيُّ. والخيلُ عابسَةٌ على أكتافِها ... دُفَعٌ تَبُلُّ صُدورَها وغُبارُ قال: والخيل عابسة على أكتافها، يعني أنها كريمة المنظر، وهو من قولهم عبس فلان في وجه فلان، وذلك إذا نظر إليه بتعبّس وكراهة. قال: وهو من قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} وهو من التعبيس. وقوله دُفع، يعني دُفع الدم من الطعن. إنّا وأمّكَ ما تَظَلُّ جِيادُنا ... إلاّ شَوازِب لاحَهُنّ غِوارُ ويروى ما تزال جيادنا. ويروى ما تُرى أفراسنا إلا شوازب. وقوله شوازب، يقول: الخيل ضوامر مما هن فيه من الجهد، وقوله لاحهن أي غيرّهن. وغوار يعني مغاورة. قُبّا بِنا وبهِنّ يُدفَعُ والقَنا ... وَغْمُ العَدُوّ وتُنْقَضُ الأوتارُ ويروى كتّابنا وبهن يمنع والقنا ثغر العدو. قال: والقب اللاصقة البطون بالظهور. وقوله وغم العدو، يريد ذحل العدو أي تُدرك بالخيل الأوتار. والوتر الذحل أيضاً. كَمْ كانَ مِنْ مَلك وطِئنَ وسوقَةٍ ... أطلَقْنَهُ وبِساعدَيه إسارُ كانَ الفِداءَ له صُدورَ رِماحِنا ... والخيلَ إذ رَهجُ الغُبارِ مُثارُ ولَئنْ سألتَ لتُنبأنّ بأننا ... نسمو بأكرمِ ما تَعُدُ نِزارُ

قال الملائكة الذين تخُيرّوا ... والمُصطَفونَ لِدينه الأخيارُ أبكى الإلُه على نَبيثَة من بكى ... جَدفا يَنوحُ على صَداهُ حِمارُ قال أبو عبد الله: لا أعرف نبيثة، وإنما هو بُلية. ويروى أبكى الإله على بلية، وهو موضع دُفنت فيه أم حزرة. وقوله نبيثة من بكا، قال: والنبيثة التراب الذي يخرج من القبر إذا حفر. كانتْ مُنافقَةَ الحياةِ وموتهُا ... خزيٌ عَلانيَةٌ عليكَ وعارُ فلئنْ بكيتَ على الأتان لقد بكى ... جَزعاً غَداةَ فِراقِها الأعيارُ يَنْهَسنَ أذرُعهُنّ حينَ عَهِدنَها ... ومكانُ جُثوَتِها لهن دُوارُ ويروى جزعاً وجثوتها لهن. وقوله ومكان جثوتها، يريد مكان قبرها، وهو من قول الله عز وجل: {فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} أي من قبورهم. تبكي على امرأةٍ وعندكً مثلُها ... قعساء ليسَ لها عليكَ خِمارُ ولتَكفينَّك فقدَ زوجِتكَ التي ... هَلَكتْ مُوقّعَةُ الظهورِ قِصارُ قوله موّقعة الظهور، يعني أتنا. يقول فالأتان تكفيك من بعد زوجتك. أخواتُ أمّكَ كُلُهُنّ حريصةٌ ... ألاّ يُفوتَكَ عندها الإصهارُ فأخطُبْ وقُلْ لأبيكَ يَشفَعْ إنّهُ ... سَيَكونُ أو سَيُعينكَ المِقدارُ قوله لأبيك يشفع جزم، لأنه أمر. أراد قل لأبيك ليشفع. بِكراً عَسَتْ بَكَ أن تكونَ حَظيّةً ... إن المناكِحَ خَيرها الأبكارُ

إنّ الزيارةَ في الحياة ولا أرى ... ميتاً إذا دَخلَ القُبورَ يُزارُ ولقد همَمتَ بسَوءة وفَعلتَها ... في اللحدِ حيثُ تمكّنَ المِحفارُ لمّا رأتْ ضَبُعَي بُليّة أجهشَتْ ... والأرضُ غير ثلاثِهِنّ قِفارُ لمّا جَننتَ اليومَ منها أعظُماً ... يَبرقْنَ بين فُصوصِهِنّ فَقارُ أفبَعدَ ما أكلَ الضُباعُ رَحيبَها ... تَذرِي الدُموعَ أهانَكَ القَهّارُ ورَثَيتَها وفَضَحتَها في قبرِها ... ما مِثلَ ذلكَ تفعلً الأخيارُ وأكلتَ ما ذَخرتْ لنفسكَ دونهَا ... والجَدْبُ فيهِ تَفاضَلُ الأبرارُ في الجدب تُختبر الناس. آثرتَ نفسكَ باللّويّة والتي ... كانتْ لها ولمِثلها الأذخارُ قال: اللوية طعام تدّخره المرأة، فتوثر به زوجها، وصَبيها، وبعض قرابتها، من والد أو والدة وغيرهما. وترى اللئيمَ كَذاكَ دونَ عِيالِهِ ... وعلى قَعيدَتِهِ لهُ اسئثارُ ويروى قعيدة بيته. وقوله وعلى قعيدته، قال: قعيدة الرجل ربة بيته، وهي امرأته. يقول: يستأثر عليها في المأكل والمشرب، يعيره بذلك. يقول ليس كذلك يفعل الحر ر يستأثر على امرأته شيئا. ينسى حَليلتهُ إذا ما أجدَبتْ ... ويهَيجُهُ لِبُكائِها القُسبارُ ويروى أخصب ذكرها. وقوله القُسبار، هو ذكر الرجل العظيم. أنَسيتَ صُحبَتَها ومَنْ يَكُ مُقرفاً ... تخرجُ مُغيّبَ سِرّهِ الأخبارُ لمّا شَبِعتَ ذَكَرتَ ريحَ كِسائِها ... وتَرَكتها وشِتاؤها هَرّارُ قوله وتركتها، يعني خالدة بنت سعد بن أوس أم حزرة. وقوله وشتاؤها هرّار، يريد شتاؤها شديد البرد يهر الناس من شدته.

هَلاّ وقد غَمَرتْ فُؤادَكَ كثبةٌ ... والضّأنُ مخصِبَةُ الجَنابِ غِزارُ ويروى لو كنت إذ غمرت فؤادك. يقول: فهلاّ ذكرتها إذ غمرت فؤادك. يقول إذا غلب على فؤادك. حبها، فحقها عندك أن لا تنساها. وقوله كثبة، يريد كثبة من لبن قال: وهو الشيء من اللبن لا يبلغ أن يمتلئ منه الإناء. يقول: غمرت فؤادك علته وغلبت عليه. وقوله والضأن مخصبة، يريد كثرة اللبن. والجناب الفناء وإنما يريد الخصب وكثرة اللبن. هَجْهَجتَ حينَ دَعَتكَ إذْ لم تأتِها ... حيثُ السّباعٌ شَوارِعٌ كُشّارُ ويروى حين دعتك أو لأتيتها أفراً وهن شوارع. يقول: حين دعتك، يريد استغاثت بك. وشوارع يريد في لحمها. وقوله هجهجت، يعني زجرت السباع عنها. وقوله كشار، يقول إذا السباع فاتحة أفواهها. يقال كشر في وجهه، وذلك إذا فتح فاه وكلح وعبس. نهَضتْ لِتُحرِزَ شِلوَها فتَجوّرَتْ ... والمُخ مِنْ قَصَبِ القَوائِمِ رارُ ويروى فتهورت. قوله شلوها، يعني بقية ما ترك الضبعان من بدنها. وقوله فتجوّرت، يقول سقطت من الجهد. وقوله رار، يعني مُخها رقيق يذهب ويجيء في العظم، وذلك لشدة الهزال. قال وإذا سمنت الدابة غلظ عظمها، وجمس مجها، واشتد وصلب. قالتْ وقد جَنحَت على مملولها ... والنارُ تخبُو مرّةً وتُثارُ عَجفاء عاريَةُ العظامِ أصابهَا ... حدثُ الزمانِ وجَدّها العَثّارُ أبَني الحَرامِ فَتاتُكُمْ لا تهزَلَنْ ... إنّ الهُزالَ على الحَرائِرِ عارُ لا تًتركَنّ ولا يَزالَنْ عِندها ... مِنكُمْ بحَدّ شِتائِها مَيّارُ وبِحقّها وأبيكَ تهزَلُ ما لها ... مالُ فيَعصِمَهّا ولا أيسارُ

وترى شُيوخَ بَني كُليب بعدما ... شَمِطَ اللّحَى وتَسَعسَعَ الأعمارُ قوله تسعسع الأعمار، يريد فنيت الأعمار وذهبت. قال الأصمعي: يقال من ذلك قد تسعسع الرجل، وذلك إذا ذهب لحمه، واضطرب فكأنه مأخوذ من ذلك. يَتَكلّمونَ معَ الرجالِ تَراهُمُ ... زُبّ اللحَى وقُلوبهُمْ أصفارُ يقول: قلوبهم صفر خاوية لا عقول لهم. أعَجِلتَ أم قد راثَ ريحُ شوائِنا ... أم ليسَ للكَمَرِ الكِبارِ قُتارُ ما امتَلّ مُطبِخٌ كما في قِدرِها ... ست يدصنَ وسابعٌ قَيشارُ ويروى سبع يدصن وثامن قُسبار. ونُسَيّةٌ لبَني كُليب عندهُمْ ... مثلُ الخَنافِسِ بَينَهُنّ وبارُ مُتَقَبضاتَّ عندَ شرّ بُعولَة ... شَمَطَتْ رُءوسُهُمْ وهُمْ أغمارُ مِنْ كلّ حَنكَلةٍ يُواجِهُ بَعلَها ... بَظرٌ كأنّ لِسانَهُ مِنقارُ الحنكلة القصيرة السوداء، وقوله من كل حنكلة، هي العجوز الكبيرة. يقال من ذلك امرأة حنكلة إذا كانت كبيرة، ورجل حنكل إذا كان كبيراً. أمَةُ اليَدَين لَئيمَةٌ آباؤها ... سَوداء حيثُ يُعلّقُ التّقصارُ قوله أمة اليدين، يقول أيديهن أيدي الإماء، مشققة من المهنة والعمل بها. يقول:

وهن سود غلاظ، سود حيث يعلّق التقصار، يعني موضع القلادة، وإنما نسبهن إلى العمل والمهنة يعيرهم بذلك. كانتْ تَطيّبُ بالفُساء ولم يَلِجْ ... بيتاً لها بِذَكِيّةٍ عَطّارُ ممّنْ يُباكُرُهُ النّشيلُ وعندَهُ ... صفراء من زَبدِ الكُرومِ عُقارُ ويَبيتُ تُسهرُهُ العُروقُ وما بِهِ ... حمى فتدخُلَهُ ولا أصفارُ جمع صفر البطن. يقول: قد كظّته البطنة فمن الكظة لا يقدر ينام. مُتَعالِمُ النّفَرِ الذينَ هُمُ هم ... بالتّبلِ لا غُمُرٌ ولا أفتارُ جمع فاتر. فارْبِطْ لأمكَ عن أبيكَ أتانَهُ ... واخسَأ فما بكَ للكرامِ فَخارُ كم كانَ قبلَكَ مِنْ لَئيم خائِنِ ... تُرِكَتْ مَسامِعُهُ وهُنّ صِغارُ

قال أبو عثمان: أنبأنا الأصمعي وأبو عبيدة قالا: قدم الأخطل، واسمه غياث بن غوث، على بشر بن مروان بالكوفة، فوجد عنده محمد ابن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة. فقال محمد للأخطل: إن الأمير سيسألك عن الفرزدق وجرير، فأعد لذلك جواباً وانظر ما ماذا أنت قائل، فقد عرفت قرابتنا والرحم بيننا. فقال: كفيتك. وأم عبد الله ومجاشع ابني دارم الحلال، بنت ظالم بن ذبيان ابن الأشرس بن كنانة بن زيد بن عمرو بن غنم بن تغلب. قال: فلما دخل عليه الأخطل، سأله عن الفرزدق وجرير. فقال له الأخطل: أصلح الله الأمير، أما الفرزدق فأشعر العرب. فقال الفرزدق يذكر تفضيل الأخطل إياه على الشعراء، يمدح بني تغلب ويهجو جريراً: يا ابنَ المراغَةِ والهِجاء إذا التَقَتْ ... أعناقُهُ وتماحَكَ الخَصمان خبر الهجاء إذا التقت، أي الهجاء في هذه الوقت، يريد إذا التقت أعناقه، يريد إذا تناشده القوم، ورد بعضهم على بعض. وقوله تماحك الخصمان، قال: التماحك اللجاجة. يقال تماحك القوم، وتخاصموا، واختلفوا، وتنازعوا، كله بمعنى واحد، وذلك إذا تماروا في إنشاد الشعر، فقال بعضهم: هذا أشعر. وقال آخرون: هذا أشعر. فتلك المماحكة فيه. ما ضرّ تَغْلِبَ وائِلٍ أهجوتَها ... أم بُلْتَ حيثُ تَناطَحَ البَحرانِ في رواية أبي عمرو، وابن الأعرابيّ، والحرمازي، ما ضرّ تغلب وائل في آخر القصيدة. قال: والمعنى في ذلك، يقول الهجاء إذا التقت أعناقه، لا يضر تغلب وائل ما قلت، فيها لما قد سبق في العرب من فضلها. يابنَ المَراغَةِ إنّ تَغلِبَ وائل ... رفعوا عِناني فوقَ كل عِنانِ كانَ الهُذيلُ يقودُ كلّ طِمِرَّةً ... دَهماء مُقرَبَة وكل حِصانِ قال أبو عبد الله: كلام العرب في هذا، فرس مقرب، وخيل مقربة،

يريد مقرّبة، فخفف لوزن البيت، يعني فيقرّبون أكرم الخيل وأجودها وأسرعها للطلب والهرب. يقول: فإذا فجئهم العدو، وثبوا عليها، فإما هربوا، وإما طلبوا. يَصْهِلنَ بالنظرِ البعيد كأنما ... إرْنانهُا بِبَوائن الأشطانِ ويروى للشبح البعيد. وقوله إرنانها ببوائن، يعني صوتها. والرنة الصوت من البكاء وغيره. قال: والأشطان الحبل، واحدها شطن. قال الأصمعي: وقوله ببوائن الأشطان، بأبآر بوائن. قال: والبئر البيون، البائنة التي يصيب حبلها نواحي البئر، فهو يميد فيها. فإذا استُقي منها، قام رجلان يُنحيّان الدلو بالشّطن - وهو الحبل - عن حائط البئر لئلا ينقطع الحبل. يقول: كأنها تصهل من أبآر بوائن، لسعة أجوافها، وهو كما قال الجعدي: وتَصهِلُ في مثلِ جَوفِ الطّويّ ... صَهيلا يُبينُ لِلمُعرِبِ قال: وهو الرجل الذي يرتبط الخيل العراب. قال: وإنما ضرب ذلك مثلاً لصهيل الخيل، وشدة أصواتها، وذلك لسعة أجوافها، وهذا مما يُستحب من الخيل. ويكرهون المُخطف الجنبين اللاصق البطن بالظهر. قال أحمد بن عبيد: إنما أراد غلظ أصواتها، وأن في أصواتها جشّة، وهذا مما يُسحب في الخيل. وإذا كانت البئر بيوناً، اتخذت لها أشطان، تُنحّي الدلو من عوج البئر لئلا تتخرّق. يقطَعْنَ كلّ مدىً بعيدٍ غَوْلُهُ ... خَببَ السباعِ يُقَدنَ بالأرسانِ ويروى تقاد. وقوله كل سدى، يعني كل غاية بعيدة، وهو من قوله تعالى: {أَمَداً بَعِيداً} يعني غاية بعيدة، يريد مجرى يُنتهى إليه. وغوله يعني بعده.

وكأنّ راياتِ الهُذَيلِ إذا بَدَتْ ... فوقَ الخميسِ كَواسِرُ العِقبانِ يعني الهذيل بن هبيرة. قال: والخميس الجيش الضخم الكثير الأهل. وقوله كواسر العقبان، يعني المنحطة من العقبان، وهو أسرع لها. قال وإنما شبه الخيل في سرعتها بسرعة العقبان إذا كسرت، يعني إذا انحطت للوقوع. قال: وإنما شبه الرايات بالعقبان أيضاً. وَرَدوا إرابَ بِجَحفَلٍ مِنْ وائِلٍ ... لجبِ العَشيِّ ضُبارِكِ الأركانِ قوله وردوا إراب، قال: إراب موضع، وهو يوم أغار جزء بن سعد الرياحي ببني يربوع على بكر بن وائل، وهم خلوف، فأصاب سبيهم وأموالهم. وأغار الهذيل على بني يربوع وهم خلوف، فأصاب سبيهم وأموالهم. فالتقيا على إراب فاصطلحا على أن خلّى جزء ما في يدية من سبي بكر بن وائل وأموالهم، وخلّى الهذيل الهذيل ما في يديه من سبي بني يربوع وأموالهم. وخلّوا بين الهذيل وبين الماء، فسقى خيله وإبله، وشرب هو وأصحابه وفي هذا اليوم وفي غيره يقول جرير: ونحنُ تَدارَكنا ابنَ حِصنٍ ورَهطَهُ ... ونحنُ منَعنا السبيَ يومَ الأراقِمِ وقوله بجحفل، يعني جيشاً كثير الخيل. وقوله لجب العشي، يريد الأصوات. وإنما قال بالعشي، وذلك أن الخيل وأصحابها يريدون النزول للعلف وغير ذلك، فالأصوات في ذلك الوقت كثيرة. وقوله ضبارك، يقول هذا الجيش العظيم ضخم مثل ضبارم، وهو الغليظ. والأركان النواحي. يقول فأركان هذا الجيش شديدة ضخمة. ويَبيتُ فيهِ مِنَ المَهافَةِ عائذاً ... ألفٌ عليهِ قَوانِسُ الأبدانِ يقول: يعتاذ بهذا الجيش جيش فيه ألف ليمنعه عليهم السلاح. والقوانس أعالي البيض. والأبدان الدروع غير السوابغ.

تَرَكوا لتَغلبَ إذْ رأوا أرماحهم ... بإرابَ كلّ لَئِيمَة مِدرانِ قوله مدران، يعني كثيرة الوسخ. قال: والدرن هو الوسخ بعينه. يقول: خلّوا نساءهم وهربوا. تُدمِي وتغلبُ بَمنَعونَ بَناتِهمْ ... أقدامَهُنّ حِجارَةُ الصّوانِ قال: وذلك لأنهن يُسقن حفاة على أرجلهنّ إذا سُبين، أي تُدمي أقدامهن حجارة الصوان. يَمشينَ في أثرِ الهُذيلِ وتارَةً ... يُردَفْنَ خَلفَ أواخِرِ الرُكبان والحَوفَزانُ أميرهُمْ مُتضائِلُ ... في جمعِ تغلِبَ ضارِبٌ بِجِرانِ قال الأصمعي، وأبو عبيدة: وكان من خبر الهذيل أنه غزا بلاد بن سعد بن زيد مناة في تغلب، وغزا الحوفزان - واسمه الحارث بن شريك - في بكر بن وائل. قال: وكلاهما يريد بني سعد، فلما التقى الجيشان، سار الحوفزان تحت لواء الهذيل، فلا ندري ما فعلا بعد. وذلك أنا لم نسمع لهما جميعاً بغارة على أحد من الناس. ثم إن الفرزدق قال هذا الشعر وروي عنه. أحبَبنَ تَغلِبَ إذْ هَبَطنَ بلادهُمْ ... لمّا سَمِنّ وكُنّ غيرَ سِمان يَمشينَ بالفضَلات وَسطَ شرُوبهِمْ ... يَتْبَعْنَ كُلّ عَقيرَة ودُخانِ قوله يمشين بالفضلات، يعني بالخمور يسقين الرجال ويخدمنهم. وقوله وسط شروبهم، هم القوم يشربون الخمر. وقوله يتبعن كل عقيرة، يريد يتسمعن الغناء فيتبعن الصوت فيطلبنه. يَتبايعونَ إذا انتَشَوا ببَناتِكُمْ ... عندَ الإياب بأوكَسِ الأثمانِ واسألْ بِتَغلِبَ كيفَ كانَ قديمُها ... وقديمُ قَومِكَ أولَ الأزمانِ

قومُ همُ قَتلوا ابنَ هندٍ عَنوَةً ... عَمرا وهُمْ قَسَطوا على النُعمانِ قَتَلوا الصنائِعَ والمُلوكَ وأوقَدوا ... نارَينِ قد عَلَتا على النّيرانِ قال: صنائع الملوك، يعني أنصار الملك الذين يغزون معه، يستعين بهم. قال: والوضائع سائر أهل المملكة وجماعتهم ممن لا يُعرف. قال أحمد بن عبيد: الوضائع يضع الملك على كل قوم مائة، وأكثر، وأقل، على قدر قلّتهم وكثرتهم، يغزون معه إذا أرادوا الغزو. والصنائع قوم يصطنعهم الملك فيلزمون خدمته. قال: فذكروا أن عمرو بن هند، وأمه هند بنت الحارث بن عمرو بن حجر، آكل المُرار، وأبوه المنذر بن ماء السماء وقال: وماء السماء هي أمه، بنت عوف بن جُشم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن مالك بن الحارث بن عمرو بن نمارة بن لخم. هذا نسب أهل اليمن. وأما ما يقول علماؤنا، فيقولون: نصر بن الساطرون بن أسيطرون، ملك الحضر، وهو جرمقانيّ من أهل الموصل، من رُستاق باجرمي. وكان ملك عمرو بن هند ست عشرة سنة. فقال ذات يوم لجلسائه: هل تعلمون أن أحداً من أهل مملكتي يأنف أن تخدم أمه أمي؟ فقالوا: لا، ما خلا عمرو بن كلثوم، فإن أمه ليلى بنت مهلهل أخي كليب، وعمها كليب، وهو وائل بن ربيعة، وزوجها كلثوم وابنها عمرو. قال: فسكت عمرو على ما في نفسه، ثم بعث عمرو إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، وأن يُزير ليلى هنداً. قال: فقدم عمرو في فرسان بني تغلب، ومعه أمه ليلى، فنزل شاطئ الفرات، وبلغ عمرو بن هند قدومه، قال: فأمر بخيمة، فضربت فيما بين الحيرة والفرات. وأرسل إلى وجوه أهل مملكته، فصنع لهم طعاماً، ثم دعا الناس إليه، فقُرّب إليهم الطعام على باب السرادق، وهو وعمرو بن كلثوم وخواص من الناس في السرادق. ولأمه هند في جانب السرادق قُبة، وأم عمرو بن كلثوم معها في القبة.

وقد قال عمرو بن هند لأمه: إذا فرغ الناس من الطعام فلم يبق إلا الطُّرف، فنحي خدمك عنك، فإذا دعوت بالطرف، فاستخدمي ليلى، ومُريها فلتناولك الشيء بعد الشيء يريد طرف الفواكه وغير ذلك بعد الطعام. قال: ففعلت هند ما أمرها ابنها، حتى إذا دعا بالطرف، قالت هند لليلى: ناوليني ذلك الطبق. قالت: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فقالت: ناوليني، وألحت عليها، فقالت ليلى: وا ذُلاّه يال تغلب. قال: فسمعها عمرو، فثار الدم في وجهه، والقوم يشربون. ونظر عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم. فعرف الشر في وجهه، وقد سمع قول أمه، وا ذلاه يال تغلب! ونظر إلى سيف عمرو بن هند، وهو معلّق بالسرادق، ولم يكن بالسرادق سيف غيره. قال: فثار إلى السيف مُصلتا، فضرب به رأس عمرو بن هند فقتله. ثم خرج فنادى: يال تغلب، فانتهبوا ماله وخيله، وسبوا النساء، ولحقوا بالجزيرة. وقد كان مهلهل بن ربيعة، وكلثوم بن عتّاب، وعمرو بن كلثوم، اجتمعوا في بيت كلثوم على شراب. قال: وعمرو يومئذ غلام، وليلى أم عمرو تسقيهم، فبدأت بأبيها مهلهل، ثم سقت زوجها كلثوم بن عتاب، ثم ردّت الكأس على أبيها، وابنها عمرو عن يمينها، فغضب عمرو من صنيعها، وقال: صَدَدْت الكأسَ عَنا أمّ عَمرو ... وكانَ الكأسُ مجراها اليَمينا وما شرٌ الثلاثة أمّم عَمروٍ ... بِصاحِبِكِ الذي لا تَصحَبينا ويروى بصاحبك الذي لا تعلمينا. قال: فلطمه أبوه، وقال: يا لُكَعُ! بلى والله شر الثلاثة. أتجترئ أن تتكلم بهذا الكلام بين يدي. قال: فلما

قتل عمرو بن هند قالت أمه: بأبي أنت وأمي: أنت والله خير الثلاثة اليوم. وفي ذلك اليوم يقول أفنون التغلبي واسمه صُريم بن معشر. قال: وكان يُشبّبُ بنساء قومه. فقالت امرأة منهم: لأسمّين نفسي وابنتي اسماً لا يُشبب به صريم. قال: فسمّت بنتاً لها مضنونة. فقال صريم عند ذلك، ليريها أن ذلك لا ينفعها: مَنّيِتنا الوُدّ يا مَضنونَ مَضنونا ... زَمانَنا إنّ للشُبّانِ أفنونا قال فسمى أفنونا بهذا البيت: لَعَمْرُكَ ما عَمرُو بنُ هِندٍ وقدْ دَعا ... لِتَخْدُمَ ليلى أمّهُ بِمُوفّقِ فقامَ ابنُ كلثومٍ إلى السيفِ مُصلتاً ... وأمسَكَ مِنْ نَدمانِهِ بالمُخَنّقِ قال الأصمعي: وأما قوله وأوقدوا نارين قد علتا على النيران. قال: وذلك أنهم كانوا في يوم خزارى، أسروا خمسين رجلا من بني آكل المُرار، وكان يوم خزازى للمنذر بن ماء السماء. قال: ولبني تغلب وقضاعة على آكل المُرار من كندة، وعلى بكر بن وائل. ففي ذلك يقول عمرو بن كلثوم: ونحنُ غَداةَ أوقدَ في خَزازَى ... رَفَدْنا فوقَ رَفدِ الرّافِدينا وكُنا الأيمَنينَ إذا التَقَينا ... وكانَ الأيسرَينَ بنو أبينا فآبوا بالنّهابِ وبالسّبايا ... وأبنا بالملوكِ مُصَفّدينا

قال: وقتلوا شرحبيل بن الحارث بن عمرو بن حجر، يوم الكلاب. وقتلوا غلفاء، وهو معدي كرب بن الحارث بن عمرو يوم أوارة. ففي ذلك يقول جابر بن حُنيّ أخو بني معاوية بن بكر: نُعاطِي المُلوكَ الحقّ ما قَصَدوا بنا ... وليسَ علينا قَتلُهُمْ بِمُحَرّم ويومَ الكُلابِ استنزلَتْ أسلاتُنا ... شَرُحبيلَ إذْ آلا أليّةَ مُقسِمِ لَيَسْتَلبَنْ أفراسَنا فاستَزَلّهُ ... أبو حَنَشٍ عَنْ سرجِ شَقّاء صلدِم تَناوَلهُ بالرُمح حتى ثَنى لهُ ... فَخَرّ صريعاً لليَدَينِ وللفَمِ وعمرُو بنُ هندٍ قدْ صَقَعنا جَبينَهُ ... بِشَنعاء تشفي صَورَةَ المُتَظَلّمِ لولا فَوارِسُ تغلبَ ابنةِ وائلٍ ... نزلَ العدُوُ عليكَ كلّ مكان حَبسوا ابنَ قيصرَ وابتَنَوا بِرماحِهِم ... يومَ الكُلابِ كأكرَمِ البُنيانِ ولقدْ عَلمتُ لَيَذرِفَنْ ذا بطنِهِ ... يَربوعُكُمْ لمُوَقصِ الأقرانِ إنّ الأراقِمَ لن ينالَ قديمَها ... كلبٌ عَوَى مُتَهَتّمُ الأسنانِ قومٌ إذا وُزِنوا بَقَوم فُضّلوا ... مِثلي مُوازِنِهمْ على المِيزانِ فأجابه جرير، ويهجو محمد بن عمير بن عطارد والأخطل: لمِن الدّيارُ بِبرُقَةِ الرّوحان ... إذ لا نَبيعُ زمانَنا بِزَمان إنْ زُرتُ أهلَكِ لم يُبالُوا حاجتي ... وإذا هَجَرتُكِ شَفّني هِجراني ويروى لم تبالي. شفّني يقول حزنني، يقال من ذلك شَفّ فلاناً كذا وكذا، أي حزنه وبلغ منه.

هل رامَ جَوُّ سُويقَتَين مكانَهُ ... أو حُلّ بعدَ مَحلّنا البردان قوله هل رام جو سويقتين مكانه، يقول هل زال من مكانه. قال: والبُردان مكانان معروفان، يقال هما منقعا ماء. راجَعْتُ بعدَ سُلُوَهِنّ صَبابَةً ... وعَرَفْتُ رَسمَ مَنازِل أبكاني قال: السلو أن يسلى الرجل الشيء أي ينساه فيذهب من قلبه، والصبابة أن يرق قلب الرجل، فيأخذه البكاء من عشق أو فقد إلف. قال: ورسم المنازل آثار الديار. يقول: لما رأيت خراب المنازل ودروسها أبكاني ذلك. أصبَحْنَ بعدَ نعيم عَيشٍ مُؤنِقٍ ... قَفراً وبعدَ نَواعِم أخدانِ قال: العيش المؤنق المعجب الذي يعجب من رآه من بهجته. قال: والقفر من الأرضين، التي لا نبت فيها ولا أحد. قال: والقفر لا أنيس به، ويكون فيه نبت وشجر ووحش وغير ذلك. والمرت لا نبت فيه ولا شجر ولا شيء. قد رابَني نَزَعٌ وشَيبٌ شائِعٌ ... بعدَ الشّبابِ وعَصرِه الفَينانِ شَعَفَ القُلوبَ وما تُقَضّى حاجَةٌ ... مِثلُ المَها بِضرَيمَةِ الحَومان ويروى بصرائم. الحومان مكان يغلظ وينقاد. نزلَ المَشيبُ على الشّبابِ فراعَني ... وعَرفتُ مَنزِلَهُ على أخداني حُورُ العُيون يَمِسنَ غيرٌ جوادِقٍ ... هَزّ الجَنوبِ نَواعِمَ العَيدان قال: الحور العيون من النساء، ما مان بياض العين أكثر من السواد. ومنه سميت الحوراء، حوراء لذلك. ومنه سمي الحواري من الدقيق، والحواريون أصحاب عيسى عليه السلام لبياض ثيابهم. ويقال إنهم

كانوا قصّارين. وقوله يمسن أي يتبخترن. يقال ماس الرجل فهو يميس ميساً، وذلك إذا مشى فتبختر في مشيه. والجوادف من النساء القصار. والعيدان النخل الطوال الواحدة عيدانة. وإذا وَعدنَكَ نائلا أخلَفنَه ... وإذا غَنيتَ فهُنّ عنكَ غَوانِ أصحا فُؤادُكَ أي حينِ أوان ... أم ل يَرُعْكَ تَفَرقُ الجيرانِ بَكَرتْ حمامَةُ أيكَة محزونَةٌ ... تدعو الهديلَ فهَيّجَتْ أحزاني لا زلتِ في غَلَل يَسرُّكِ ناقِع ... وظلالِ أخضرِ ناعِمِ الأغصانِ ولقدْ أبيتُ ضَجيعَ كلّ مخُضّب ... رَخصِ الأنامِلِ طَيّبِ الأردانِ عَطِر الثيابِ مِنَ العَبيرِ مُذَيّل ... يمشي الهُوينا مَشيَةَ السكرانِ صَدَعَ الظعائِنُ يومَ بِنّ فُؤادَهُ ... صَدعَ الزجاجَةِ ما لذِاكَ تَدان قال الأصمعي: الظعائن الإبل التي عليها النساء، فإن لم يكن على الإبل نساء، فلا يقال لها ظعائن، وذلك قول أبي عبيدة. هل تُؤنِسان وديرُ أروى بَيننا ... بالأعزَلَين بَواكِرَ الأظعان قال عمارة: دير أروى بالشأم. والأعزلان واديان بالمروت. وقوله تؤنسان، يريد تبصران. ويروى دوننا. رَفّعتُ مائِرَةَ الدُّفوفِ أمَلّها ... طُولُ الوَجيفِ على وجَى الأمران الأمران واحدها مرن، وهو ما وقّح به الخف - قال أبو عبد الله رقّح بالراء - ولين به، ومرن، أي لين. قال: وذلك إذا حفي الخف فيُلين بالشحم والبعر، وكل ما وقّح به الخف فهو مرن. حَرفاً أضرّ بِها السّفارُ كأنها ... جَفنٌ طَويتَ بِهِ نِجادَ يَمان ويروى أضر بها الوجيف. وقوله حرفاً فنصب، أي رفّعت مائرة الدفوف حرفاً، قال: ودف الناقة جنبها، يقول: قد أضر بهذه الناقة

سفري وإعمالي إياها في الهواجر. وقوله نجاد يمان، حمائل السيف. واحداتها حِمالة. وإذا لقيتَ على زَرودَ مجاشعاً ... تَركوا زَرودَ خَبيثَةَ الأعطان قَتلوا الزبير وقيلَ إنّ مجاشِعاً ... شَهِدوا بِجَمع ضَياطِر عُزلان ويروى ضاع الزبير. ويروى قُتل. ويروى غزلان. وهم القُلف. وقال أحمد بن عبيد: واحد الضياطر ضيطر وضيطرى. وقال سعدان: قوله ضياطر، واحدها ضيطر، وهو رجل منتفخ الجنبين. ويقال أيضاً الضيطار العبد والتابع. قال سعدان: وأنشدنا الأصمعي وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر. وهم الأتابع الذين يخدمون الناس في العساكر. وقوله عُزلان، الواحد أعزل وهو من الرجال الذي لا رُمح معه، ولا سلاح، ولو كانت معه عصى ما كان بأعزل. مِنْ كُلّ مُنتفِخِ الوريدِ كأنهُ ... بَغلُ تَقاعَسَ فَوقَهُ خُرجان يا مُستجيرَ مجاشِع يخشى الرّدى ... لا تأمنَنّ مجاشِعاً بِأمان قال: وذلك أنهم غدروا بالزبير، وقد استجار بمجاشع، فخذلوه حتى قُتل بين أظهرهم ولم ينصروه، فلزمهم عار ذلك أبداً. إنّ ابنَ شِعرَةَ والقَرينَ وضَوطَرى ... بِئسَ الفَوارِسُ ليلةَ الحَدَثان يقال ضيطر وضوطر سواء، وهو الرجل المنتفخ الجنبين العريض. وقوله ابن شعرة، يعني محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة. قال: والقرين، يعني عبد الله بن حكيم بن زياد بن علقمة بن حوي ابن سفيان بن مجاشع. تَلّقَى صِفِنّ مجاشِع ذا لحيَة ... ولهُ إذا وضَع الإزارَ حِران تثنية حر أي هو امرأة. ويروى ضفن أيضاً، والضفن الضخم من

الرجال، الثقيل الذي لا خير عنده ولا قوة. أبُنَيِّ شعرةَ إنّ سَعداً لم تَلدْ ... قَيناً بِلِيتَيهِ عَصيمُ دُخان أبِنا عَدَلْتَ بني خَضافِ مجاشِعاً ... وعَدَلْتَ خالَكَ بالأشَدّ سِنان يعني سنان بن خالد بن منقر. قال: وإنما جعله جرير خاله، لأن أم بدر، كاس بنت شهاب بن حوط بن عوف بن كليب، وأم كاس جحلة بنت بدل بن خديج بن صخر بن منقر. والعلاء بن قرطة الضبي خال الفرزدق. قال جرير: أبنا عدلت يا فرزدق خالك العلاء، بخالي الأشد سِنان. شَهَدتْ عَشيّةَ رَحرَحانَ مجاشِعٌ ... بِمَجارِف جُحَفَ الخَزيرِ بِطان ويروى بمحارف. قال وكان يوم رحرحان لبني عامر بن صععة على بني دارم، وكانوا أسروا فيه معبد بن زرارة. قال وقد مر حديث رحرحان فيما أمليناه من الكتاب. وَطئتْ سَنابِكُ خيلِ قَيس منكُمُ ... قتلى مُصرّعه على الأعطان أنَسيتَ وَيلَ أبيكَ غَدر مجاشِع ... ومجَرّ جِعثِنَ ليلةَ السيدان يعني غدر مجاشع بالزبير. قال: وجعثن بنت غالب أخت الفرزدق. لمّا لقيتَ فَوارِساً مِنْ عامر ... سَلّوا سُيوفَهُمُ مِنَ الأجفانِ ملأتُمُ صُفَف السرُوج كأنّكُمْ ... خُورٌ صَواحِبُ قَرمَل وأفان يقول سلحتم على السروج، كأنكم نوق خور، وهي الغزاة الكثيرة الألبان. وقوله صواحب قرمل، يقول أكلن قرملا فسلحن. قال والقرمل والأفاني شجر، يقال في مثل: ذليل عاذ بقرملة. والقرملة نبات ضعيف يضرب ذلك مثلا للرجل الذليل الضعيف، يستجير من هو أضعف منه. قال: والقرمل والأفاني نبات ضعيف لا قوة له. وقال

أبو النجم في تصداق ذلك: يخبِطْنَ مُلاّحاً كَذاوِى القَرْمَلِ لله دَرُّ يَزيدَ يومَ دَعاكُمُ ... والخيلُ مجليَةٌ على حَلَبان قال: وهذه وقعة لهم. لاقَوا فَوارِس يَطعُنونَ ظُهورَهُمْ ... نَشطَ البُزاةِ عَواتِقَ الخِربانِ النشط جذب خفيف. وقوله نشط البُزاة يريد نزع البزاة. قال: وللخربان ذُكرور الحباريات الواحد خرب، قال: والعاتق المخلف الذي لم يخرج من ريش جناحه العشر، يطعنون ظهورهم. المعنى في ذلك أنهم قد انهزموا، فولّوهم ظهورهم، فهم يطعنون ظهورهم. لا يخفَينّ عليكَ أنّ محُمّداً ... مِنْ نَسلِ كلّ صِفِنّةٍ مِبْطانِ يعني محمد بن عمير بن عطارد. قال: والضفنة من النساء، الضخمة الكثيرة اللحم، المسترخية، يعيره بذلك. إنْ رُمْتَ عبدَ بَني أسيدَةَ عِزّنا ... فانقُلْ مَناكِبَ يَذْبُل وذِقان وأبان أيضاً. نصب عبد، أراد يا عبد، يعني محمد بن عمير. قال: وإنما المعنى في ذلك يقول: إن أحسابنا كالجبال الراسية، فإن أراد مفاخرتنا، فهل تستطيع أن تنقل جبلا من مكانه، فضربه مثلا للجبال، يؤيّسه مما أراد من مفاخرته. إنّا لَنعرفُ ما أبوكَ بِحاجِبِ ... فالحق بأصلِكَ مِنْ بيَ دُهمان لمّا انهزَمتَ كَفى الثُغورَ مُشَيعٌ ... منا غَداةَ جَبُنتَ غير جَبان

قال: وإنما عنى عتّاب بن ورقاء. قال وكان محمد بن عمير على أذربيجان، فأغار على أهل موقان فهزموه، وأخذوا لواءه، فسار إليهم عتاب بن ورقاء الرياحي، فأخذ لواء محمد. ففي ذلك يقول جرير لعتّاب: ما كانَ مِنْ مَلك نَراهُ وسُوقَةٍ ... كُنا نَنافِرُهُ على عَتّابِ أنتَ استلبتَ لنا لواء محُمّد ... وأقمتَ بالجَبلين سُوقَ ضرِابِ قال: وإنما عنى بذلك قتل عتاب الزبير بن الماحوز بإصبهان، وحرب الأزارقة، وفتحه الري وطبرستان، وطرده الفرخان، فلحق بجبل الشرز فمات فيه. وفي ذلك يقول أعشى همدان: أفْلتَ الفَرّخانٌ في جبل الشرّز ... رَكضاً وقدْ أصيبَ بِكَلمِ قال: وجبل الشرّز في الديلم في مكان منيع أشب. شَبَثٌ فَخَرتُ بهِ عليكَ ومَعقِلٌ ... وبِمالِكٍ وبِفارِس العَلْهان قال: يعني شبث بن ربعي الرياحي، ومعقل بن قيس الرياحي، صاحب شرطة علي بن أبي طالب رضي الله وقد مر حديثه فيما أمليناه من الكتاب. والعلهان عبد الله بن الحارث بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، وهو أبو مليل. قال أبو عبيدة: وإنما سمي العلهان في يوم بني غبر بملهم. قال: فجعل يقتلّهم، فقيل اقتلوه، فإنه رجل علهان لا يعقل. قال: وذلك لأنهم قتلوا أخاه فطلبهم بترته. هَلا طَعَنتَ الخيلَ يومَ لقيتَها ... طَعْنَ الفَوارِسِ مِنْ بَني عُقفان قال الأصمعي: خرج نفر من الخوارج على الحجاج بن يوسف، وحوشب بن يزيد على شرطة الكوفة. قال: فتحصن حوشب في القصر،

وأخذ الخوارج على أهل الكوفة بأفواه السكك، مما يلي الحيرة. فقال إياس بن حصين بن زياد بن عقفان: كم عدة الخوارج؟ قالوا: كذا وكذا. فقال لبنيه: يا بني لا يخرج إليهم إلا عدتهم. قال: فخرجوا إليهم، فجاء كل رجل من بني عقفان برأس من الخوارج. قال: وبلغ الخبر، فبعث إلى إياس بن حصين فقال: افرضوا في ثلثمائة في السنة، فقال في ذلك إياس بن حصين: ما في ثَلاثٍ ما يجُهّزنَ غازياً ... ولا في ثلاثٍ مَنْعَةٌ لِفَقيرِ فقال الحجاج، حين بلغه شعره: افرضوا له في الشرف. ففرضوا في ألفي درهم، وهي درجة أهل الشرف. ألقُوا السلاحَ إليّ آلَ عُطارِد ... وتَعاظَموا ضرطاً على الدُكان يا ذا العَباءة إن بِشرا قد قضى ... أنْ لا تجوزَ حُكومةُ النّشوانِ يريد بشر بن مروان بن الحكم. وقوله يا ذا العباءة، يعني الأخطل. قال: والعباءة الكساء، يعيره بلبس الكساء. فدَعوا الحكومةَ لَستُمُ مِنْ أهلِها ... إنّ الحكومَةَ في بَني شَيبان بَكرٌ أحقُ بأن يكونوا مَقنَعاً ... أو أنْ يَفوا بحقيقةِ الجيران قَتلوا كُلَيبَكُمُ بلَقحَةِ جارِهم ... يا خُزرَ تغلِبَ لَستُمُ بِهجان كَذَبَ الأخيطلُ إنّ قومي فيهمُ ... تاجُ المُلوكِ ورايَةُ النُعمان منهُمْ عُتيبَةُ والمُحِلُ وقَعنَبٌ ... والحَنتَفان ومِنهُمُ الرّدفان يريد عتيبة بن الحارث بن شهاب، والمحل بن قدامة بن أسود بن أبي ابن الحمرة بن جعفر بن ثعلبة بن يربوع. وقعنب بن عتاب بن الحارث بن عمرو بن همام بن رياح بن يربوع. ويروى في بعض قول الرواة وطارق والقعنبان، وهو طارق بن حصبة بن أزنم بن عبيد بن

ثعلبة بن يربوع، أسر قابوس بن المنذر. قال: والحنتفان ابنا أوس بن إهاب بن حميري بن رياح بن يربوع. قال أبو جعفر: الحنتفان يعني حنتف بن السجف، وأخاه، وهما ثعلبيان. ومن روى القعنبان، عنى قعنب بن عتاب بن هرمي. إنيّ لَيُعرَفُ في السرادقِ مَنزلِي ... عندَ المُلوكِ وعندَ كُلّ رِهان ما زالَ عِيضُ بَني كُليب في حِمّى ... أشِبٍ ألفٍ مَنابِتِ العِيصان قال: العيص الأصل. والألف الكثير النبت. وإنما ضربه مثلا يريد أن أصلنا لا يُرام منعة. الضّارِبينَ إذا الكُماةُ تَنازَلوا ... ضرباً يَقُدُ عَواتِقَ الأبدان الكماة الأبطال الأشداء الذين يُعرف مكانهم في الحرب. والأبدان الدروع، واحدها بدن. وحمَى الفَوارِسُ مِنْ غُدانَةَ إنهُمْ ... نِعمَ الحُماةُ عَشِيّةَ الإرنان قال: إنما عنى بذلك وكيع بن حسان بن قيس بن أبي سود، ومن شهدة من بني غُدانة، حين قتل قتيبة بن مسلم، وغلب على منابر خُراسان، وقد مر حديثه فيما أمليناه من الكتاب. وقوله الإرنان، يريد عشية تكثر فيها الأصوات، وهي الرنة. إنّا لَنَستَلِبُ الجَبابِرَ تاجَهُمْ ... قابوسُ يَعلَمُ ذاكَ والجَونان وقد مر حديث قابوس يوم طخفة. ولقد شَفَوكَ مِنَ المُكَوّى جَنبُهُ ... واللهُ أنزلَهُ بدارِ هَوانِ جارَيتَ مُطّلعُ الجِراء بِنابِهِ ... رَوقٌ شَبيبَتُهُ وعُمرُكَ فان ما زِلتُ مُذ عَظُمَ الخِطارُ مُعاوِداً ... ضَبرَ المِائِينَ وسَبقَ كُلّ رِهان

قال: الضبر الوثب، يقال من ذلك ما أحسن ضبر الفرس، إذا كان حسن الوثب. وقوله ولقد شفوك من المكوى جنبه، قال: وذلك أنه لما قتل الجحّاف أهل الرحوب بالبشر، فأرادوا أن يقبروا قتلاهم، أتاهم الشمرذى، أحد بني الوحيد - قال: والوحيد عوف وكعب ابنا سعد بن زهير بن جشم بن بكر - فقال لهم الشمرذي: إنكم إن قبرتم أصحابكم فكانوا كثيراً، عُيرتم بها، ما دامت لكم حياة، فحرّقوهم. فوقع شهاب على جنب الشمرذى فأحرقه ثم قتلته قيس بعد ذلك بالبليخ، قتله رجل من غني. وفي إحراقهم يقول الجحاف: لقدْ أوقدَتْ نارُ الشمَرذَى بأرؤسٍ ... عِظامِ اللّحَى مُعرَنزِماتِ اللهازمِ تحُشُ بِأوصالٍ مِنَ القَومِ بينها ... وبين الرِجالِ المُوقِديها المَحارِمُ فاقبِضْ يديكَ فإنني في مُشرِفٍ ... صَعْبِ الذُرَى مُتَمَنّعِ الأركانِ يقول: نسبي عال، يعلو الجبل الذي لا يرام صعوبة. وإنما ضربه مثلاً لنسبه، وأنه لا يدانيه أحد ولا يبلغه. ولَقدْ سَبقتُ فما ورائي لاحِقٌ ... بَدءا وخُليّ في الجِراء عِناني نَزعَ الأخَيطِلُ حينَ جَدّ جِراؤنا ... حَطِمَ الشوَى مُتكسرّ الأسنانِ ويروى متهتم الأسنان. قوله نزع الأخيطل، يقول: كف لمّا علم أنه مسبوق بالشرف. والشوى ليس بمقتل، وإنما المقتل أن يصيب خاصرته أو نحوها من جوفه. قُلْ للمعَرّضِ والمُشَوّر نفسَهُ ... مَنْ شاءَ قاسَ عنانَهُ بِعناني عَمداً حَزَزتُ أنوفَ تغلِبَ مثلَ ما ... حَزّ المَواسِمُ آنُفَ الأقيانِ ولقدْ وَسَمتُ مجاشعاً ولَتَغْلبُ ... عِندي محُاضرَةٌ وطولُ هوان قيسٌ على وَضَحِ الطريقِ وتغلبٌ ... يَتَقاوَدونَ تَقاوُدَ العُميان ليسَ ابنُ عابِدَةِ الصليبِ بِمُنتَه ... حتى يَذوقَ بِكَأسِ مَنْ عاداني

إنّ القصائدَ يا أخَيطلُ فاعترَفْ ... قَصَدتْ إليكَ مجُرّةَ الأرسان وعَلقتَ في قَرَن الثلاثَةِ رابعاً ... مثلَ البِكارِ لُزِزْنَ في الأقرانِ ما نابَ مِنْ حَدثٍ فَليسَ بِمُسلِمي ... عَمري وحَنظَلَتي ولا السَعدانِ قال الثلاثة الفرزدق، والبعيث، وعمر بن لجأ. والرابع الأخطل. ويقال في قرن الثلاثة، يعني الفرزدق والبعيث ومحمد بن عمير، وقوله بمسلمي عمري، يريد عمرو بن تميم، وحنظلة بن مالك بن زيد ابن تميم. والسعدان يعني سعد بن زيد مناة بن تميم، وسعد بن مالك بن زيد مناة. ويقال سعد بن ضبة بن أد. هذا في رواية أبي عثمان سعدان. وإذا بَنو أسَدٍ عليّ تحَدّبوا ... نَصَبَتْ بَنو أسَدٍ لمَنْ راداني ويروى راماني. يريد أسد بن خزيمة بن مدركة، وهو عمرو بن إلياس بن مضر. وقوله تحدبوا، يريد تعطفوا ومنعوني من كل من أرادني بسوء. وراماني بالحجارة خاصة. والغرُّ مِنْ سَلَفَي كِنانَةَ إنهم ... صِيدُ الرُءوسِ أعِزّةُ السلطان قوله سلفى كِنانة، يريد كنانة بن خزيمة بن عمرو بن إلياس، وهو مدركة بن إلياس. وقوله صيد الرؤوس، يقول هم متكبرون يُميلون رءوسهم للكبر. وأصل الصيد داء يأخذ الإبل في رءوسها، فتميل رءوسها من وجعه، فنقلته العرب إلى الناس، فقالوا: أصيد من ذلك أي متكبر يميل رأسه تعظّماً وتجبراً. وهذا من الحروف المنقولة، تكون للشيء ثم تُنقل إلى غيره، وقد فعلته العرب فوسّعت بذلك كلامها.

مالَتْ عليكَ جِمالُ غَورِ تِهامَةٍ ... وغَرِقتَ حيثُ تَناطَحَ البَحران ولَقيتَ رايَةَ آلِ قَيسِ دونها ... مِثلُ الجِمالِ طُلينَ بالقَران هَزُوا السُيوفَ فأشرعوها فيكُمُ ... وذَوابِلاً يَخطِرنَ كالأشطان ويروى هزوا الرماح فأشرعت بظهورهم. هز الرياح عوالي المُران. قال الذوابل الرماح. وقوله يخطرن، المعنى أن أصحابها يخطرون بها عند القتال والمطاعنة. يقول: هم يتبخترون غير مُكترثين للحرب، فصير الخطران للرماح، وإنما الفعل لأصحاب الرماح، وقد تفعل العرب ذلك كثيراً. وقوله كالأشطان، وهي الحبال. شبه القنا بالحبال لطولها. فترَكنَهُمْ جَزَرَ السّباع وفَلُّكُمْ ... يَتَساقَطونَ تَساقُطَ الحَمنان ويروى فتركتم. والفل القوم المهزومون. يقال من ذلك هؤلاء فل فلان، يريد هؤلاء الذين هُزموا مع فلان. وفل القوم إذا هُزموا. تركَ الهُذَيلُ هُذيلُ قَيس مِنكُمُ ... قتلى يُقَبّحُ روحَها المَلَكان فاخسأ إليكَ فلا سُليمُ منكم ... والعامِران ولا بَنو ذُبيان ويروى فاقصر لا سُليماً نلتُم والعامرين. يريد سُليم بن منصور. قال: والعامران عامر بن صعصعة، وعامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. قومٌ لَقيتَ قَناتهُمْ بِسنانها ... ولَقُوا قَناتَكَ غير ذاتِ سِنانِ يا عَبدَ خندَفَ لا تَزالُ مُعبّداً ... فاقْعُدْ بِدارِ مَذَلّة وهَوان والزَمْ بِحلفِكَ في قَضاعَةَ إنما ... قيسٌ عليكَ وخِندفٌ أخَوان وإنما عنى بذلك حِلف اليمن وربيعة. أحموا عليكَ فلا تجوزُ بَمنهَل ... ما بين مِصرَ إلى قُصورِ عُمان

ويروى: قومُ هُمُ مَلأوا عليكُ بِخَيلهم ... ما بينَ مِصر إلى جُنوبِ عُمان يقول: صيّروا عليك الدنيا حِمى، فليس لك منها شيء لذلّتك وقلّتك. والتّغلّبيُّ على الجَوادِ غَنيمَةٌ ... بِئسَ الحُماةُ عَشيّةَ الإرنان والتغلّبيُّ مُغَلّبٌ قَعَدتْ بِهِ ... مَسعاتُهُ عَبدٌ بِكُلّ مكان قوله والتغلبي مُغلب، يقول هو أبداً مغلوب لقلّته. سوقوا النِقادَ فلا يحَلُّ لتَغلِب ... سَهلُ الرّمالِ ومَنبِتُ الضّمران لَعنَ الإله مَن الصَليبُ إلهُهُ ... واللابِسينَ بَرانِسَ الرُهبان والذّابِحينَ إذا تقاربَ فِصّحُهمْ ... شُهبَ الجُلودِ خَسيسَةَ الأثمان قوله إذا تقارب فصحهم يعني عيدهم. قوله شهب الجلود، يعني الخنازير ألوانها شهب. من كُلّ ساجي الطرفْ أعصَلَ نابُهُ ... في كلّ قائِمَة لَهُ ظلفان تَغشى الملائكة الكِرامُ وفَاتَنا ... والتغلَبيُّ جَنارَةُ الشيطان يُعطَى كتابَ حِسابِهِ بشِمالِهِ ... وكتابُنا بأكُفّنا الأيمان أتُصدّقونَ بِمارِ سرجسَ وابنَهَ ... وتُكذّبونَ محُمّدَ الفُرقان ما في دِيارِ مُقامِ تغلبَ مَسجدٌ ... وترى مَكاسرَ حَنتَم ودِنان غَرّ الصليبُ ومارِ سرجسُ تغلباً ... حتى تقاذَفَ تغلبَ الرّجَوان تلقَى الكِرامَ إذا خُطِبنَ غَوالياً ... والتغلَبيةُ مَهرُها فَلسان تضعُ الصليبَ على مِشقّ عجانها ... والتغلبيةُ غير جِدّ حَصان قَبحَ الإلهُ سِبالَ تَغلِبَ إنها ... ضرُبَتْ بكُلّ مخُفْخَف خَنّان

قال: وقوله بكل مخفخف، يعني خنزيراً مخفخفاً. قال أبو عثمان: حدثنا أبو عبيدة، عن مقاتل الأحول المرثدي قال: عدي الذي لقبه المهلهل، وكليب وسالم وفاطمة بنو ربيعة بن الحارث ابن زهير بن جشم. قال وإنما سُمى مهلهلا، لأنه هلهل الشعر، يعني سلسل بناءه، كما يقال ثوب مهلهل إذا كان خفيفاً. قال: وفاطمة أختهم ولدت امرأ القيس بن حجر الكندي، وكانت عند كليب بن ربيعة أخت لهمام بن مرة، وجساس أخيه بن مرة بن ذهل بن شيبان، وأم جساس وهمام ابني مرة، هيلة بنت منقذ بن سلمان بن كعب بن عمر ابن سعد بن زيد مناة بن تميم. وكانت أخت هيلة البسوس في بني شيبان، ومعها ابن لها وناقة يقال لها السحاب، ومعها فصيل لها، وزوجها الجرمي. قال: فبينا أخت همام وجساس تغسل رأس زوجها كليب بن ربيعة وتُسرحه ذات يوم، قال لها كليب: من أعز وائل؟ فضمزت - يعني سكتت - قال: فأعاد عليها فضمزت. فلما أكثر عليها في سؤاله إياها، مرة بعد أخرى، قالت: أخواي. قال فنزع رأسه من يدها، وأخذ القوس، فأتى ناقة خالتهم، فرمى فصيلها فأقصده - يعني قتله - قال: فأغمضوا على ما فيها، وسكتوا. فلما رأى ذلك كليب، لقي زوج البسوس، رب الفصيل، فقال: ما فعل فصيل السحاب؟ فقال: قتلته فأخليت لنا لبن أمه السحاب. فأغمضوا على ذلك. ثم إن كليباً أعاد على امرأته، فقال: من أعز وائل؟ قالت أخواي. فأخذ القوس فأتى السحاب، فرمى ضرعها فاختلط لبنها ودمها. قال: وأصابتهم سماء، فغدا كليب في غبها. يتمطر، فركب عليه جساس، ومعه ابن عمه عمرو بن الحارث بن ذهل بن شيبان - وبنو ذهل مرة والحارث، ومحلم وأبو ربيعة بن ذهل. قال: هم عشرة بنو مرة بن ذهل بن شيبان - قال: فطعن عمرو كليباً، فقصم صُلبه. قال: فلما تداءم الموت كليباً - أي ركبه، يقال قد تداءمت عليه الأرض إذا

غيّبته وعلته - قال: يا جساس اسقني. فلم يسقه. وقد قال مهلهل تصداقاً أن عمرو بن الحارث هو الذي قتل كليباً: قتيلٌ ما قَتيلُ المَرء عَمروٍ ... وجَسّاسِ بنِ مُرّةً ذو ضرَيرِ قال: وقد قال نابغة بني جعدة أيضاً، يقتص حديث كليب، وما لقي بظلمه، يحذر مثل ذلك عقال بن خويلد العقيلي، حين أجار بني وائل بن معن بن مالك بن أعصر، وكانوا قتلوا رجلاً من بني جعدة، فأجارهم عقال عليهم، فقال النابغة في ذلك: كُلَيب لَعَمري كانَ أكثرَ ناصرِاً ... وأهونَ جُرماً مِنكَ ضرِّجَ بالدّمِ رَمى ضرعَ ناب فاستَمرّ بطَعنَة ... كَحاشِيَةِ البَردِ اليَماني المُسهّم ولا يشعُرُ الرمحُ الاصَمُ كَعوبُهُ ... بَنَزوَةِ أهل الأبْلَخ المُتَظَلّم تجُيرُ علينا وائِلا بِدِمائِنا ... كأنّك عَما نابَ أشياعَنا عَمِ فقال عقال: لكن حامله يا أبا ليلى بدري، فغلبه - أي غلب الجعدي - بهذا الجواب. وقال لجَسّاسٍ أغثني بِشربَةٍ ... تَفَضّل بها طَولا عَلّ وأنعِمِ فقال تجاوَزتَ الأحَصّ وماءهُ ... وبَطنَ شُبَيثٍ وهوَ ذو مُترَسّمِ وقال العباس بن مرداس يحذر كليب بن عهمة أخا بني سليم بن منصور، حيث جحد ولد مرداس شرك مرداس في القرية، أن يلقى ما لقي كليب بن ربيعة فقال:

أكُليبُ مالَكَ كلّ يوم ظالماً ... والظُلمُ أنكدُ وَجهُهُ مَلعونُ افعَلْ بقومكَ ما أرادَ بِوائِل ... يومَ الغَديرِ سَميُّكَ المَطلعونُ وإخالُ أنكَ سوفَ تلقَى مِثلَها ... في صفحَتَيكَ سنانهُا المَسنونُ قال أبو عبد الله: سناني المسنون. قد كانَ قومُكَ يَزعُمونَكَ سيداً ... وإخالُ أنكَ سيدُ مَعيونُ قال أبو عثمان: وأخبرني أبو عبيدة أن حديثه طويل.

قال أبو عبيدة، والأصمعي: كانت بنو جعفر بن كلاب، عادوا شبّة بن عقال بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع، فرشت بنو جعفر ذا الأهدام، نافع بن سوادة الضبابي حتى هجاهم. قال: فكتب شبة بن عقال إلى الفرزدق، إن كان بك حبض أو نبض من شعر، فإن بني جعفر قد مزقوا أباك. قال: فقال الفرزدق: والله ما أعرف مثالبهم ولا ما يُهجون به. قال فبينا هو كذلك، إذ قدم عمر بن لجأ التيمي، فنزل في بني عدي، في موضع دار أعين الطبيب. فقال لابن متويه: - وهو رواية الفرزدق وكان يكتب شعره - امض بنا إلى هذا التيمي. قال: فخرجنا حتى وقفنا على الباب الذي هو فيه، فاستأذنا، وعند ابن لجأ فتيان من بني عدي، يكتبون فخره بالرباب، فقيل له الفرزدق بالباب. فقال: لا تأذنوا لابن القين على ولا كرامة. قال: فوثبت إليه بنو عدي، فقالو: ننشدك الله، فقد حملت جريراً علينا، فلا تجمعنّ معه الفرزدق، فيمزقا أعراضنا وأعراض الرباب. قال وكان عمر تائهاً. قال فلم يزالوا به حتى أذن له، وقالوا زده في البشر. فلما دخل الفرزدق، قام إليه عمر بن لجأ، ثم تنحّى له عن فراشه، فأقعده عليه، وأقبل عليه بوجهه مستبشراً. قال: وغدا فتيان عدي إلى باب عثمان بن أبي العاص الثقفي، وهي سوق معروفة بالبصرة، فنقلوا مناقل نبيذهم، فلما أرادوا أن يشربوا، قال: لغير هذا جئت يا أبا حفص. أنّ عمى شبّه بن عقال، كتب إليّ أن بني جعفر هجوه، وهو مفحم - والمفحم الذي لا يقول الشعر، ولا يقدر عليه - وقد استغاث بي، ولست أعرف مثالبهم ولا ما يُهجون به. قال: لكني قد طانبتهم في المحال، وسايرتهم في النجع، وحضرت معهم وبدوت. فقال الفرزدق: هاتوا لي صحيفة أكتب فيها ما أريد من ذلك. قال: فأتوه بصحيفة، فكتب فيها المثالب التي هجاهم بها في قوله في القصيدة التي يقول فيها:

ونُبّئتُ ذا الأهدامِ يعوي ودونَهُ ... مِنَ الشأم زرّاعاتهُا وقُصورُها إليّ ولم أترُك على الأرض حَيّةً ... ولا نابِحاً لا استَسرّ عَقورُها عوَى بِشَقاً لابنَي بَحيرٍ ودونَنا ... نَضادٌ فأجبالُ الستارِ فنيرُها ونُبّئتُ كَلبَ ابنَي حمُيضَةَ قد عَوى ... إليّ ونارُ الحَربِ تَغلي قُدورُها قال: حاجب وحبيب ابنا حميضة بن بحير بن عامر بن مالك، وهما اللذان أمرا ذا الأهدام بهجاء شبّة. وقال الفرزدق فيما كان بينه وبين قيس، حين قُتل قتيبة فهجاه جندل بن راعي الإبل، وذو الأهدام الجعفري، فهجاهما الفرزدق، وهجا جريراً معهما أيضاً فقال: محَتش الدّيارَ فأذهَبَتْ عَرَصاتهِا ... محوَ الصحيفَةِ بالبلىَ والمُورِ قال: العرصة وسط الدار، ومثله ساحتها وباحتها كله بمعنى واحد. قال: والمور التراب الذي تأتي به الريح الشديد الهبوب. قال أبو عبد الله: أول القصيدة: وروائم ولداً. رِيحان يختلفان في طَرد الحَصا ... طَرداً لهُ بِعَشيّة وبُكورِ ورَوائِم وَلداً ولم يُنتِجْنَهُ ... قد بِتنَ تحتَ وئيّة لِقُدورِ قوله روائم، يعني عواطف قد تحنين ولداً، يعني الرماد. يقول تحنّت الأثافي عليه، وهن روائم. قال: وذلك أنه شبهها بالنوق التي ترأمن أولادهن. وقوله لم يُنتجنه، يعني لم يلدنه، يقول: الأثافي لم تلد ولداً. قال: والوئية القدر العظيمة الحافظة لما فيها. قال: وذلك يقال للمرأة المصلحة الحافظة لبيتها، إنها امرأة وئية إذا كانت مصلحة. وكأنّ حيثُ أصابَ مِنهُنّ الصّلَى ... كَلفٌ بِهنّ وراشِحٌ مِنْ قيرِ

قال أبو عبد الله: ويروى وراسخاً بالخاء معجمة والسين غير معجمة. وراشح وراشحاً وكلف وكلفاً بالرفع والنصب. الصلى مفتوح الأول مقصور، فإن كسرته مددته. وقوله كلفاً بهن سواداً، وتغير لون يضرب إلى السواد. يقال قير وقار لغتان، والقار أفصح اللغتين وهما جائزتان. وكأنّ فَرخَ حمَامَةٍ رَئمَتْ بِهِ ... باقِي الرّمادِ بِهِنّ بعدَ عُصورِ يقول: كأن فرخ حمامة رئمت به الحمامة. وقوله باقي الرماد بهن، يريد الأثافي. وقوله بعد عصور، يريد بعد دهور أتت عليه، يريد على هذا الرماد الذي أوقده النازلون ثم تركوه. مثلُ الحَمامِ وَقَعنَ حولَ حمَامَةٍ ... ما إنْ يُبينُ رَمادُها لِبَصيرِ قال أبو عبد الله: مثل الفراخ وقعن. ويروى لأياً يُبين. يا لَيتَ شعري إنْ عظامي أصبحتْ ... في الأرضِ رَهنَ حَفيرَة وصُخورِ هل تجعلَنّ بَنو تَميم مِنهُمُ ... رَجُلاً يقومُ لهم بِمثلِ ثُغوري قال: والثغور جمع ثغر، وهو الفرج الذي يخاف منه العدو أن يأتيهم منه. والعورة التي لا يؤمن أن يأتي منها الذي يخافون. يقول فمن يقوم لتميم بعدي يدفع عنها مقامي. إنيّ ضَمنتُ لمن أتاني ما جَنى ... وأبيِ وكانَ وكُنتُ غيرَ غَدورِ وبِآل سَعد يا ابنَ ألام مَنْ مشى ... سَعدِ السُعودِ غَلبتُ كُلّ فَخورِ يعني سعد بن زيد بن تميم. لو كنتَ تعلمُ ما بِرَملِ مُقَيّدٍ ... وقُرَى عُمانَ إلى ذواتِ حُجورِ رمل مقيد اسم معروف. وحجور اسم بلد ببلادهم. ويقال حي من

اليمن، أعني حجوراً. لَعلِمتَ أنّ قبائِلاً وقَبائِلاً ... مِنْ آلِ سَعدٍ لم تَدِنْ لأميرِ قال: الدين الطاعة، وقوله لم تدن، يقول لم تُطع أميراً لعزة نفوسهم ومنعتهم. أدّتْ بِهم نُجبٌ حَواصِنُ حملُها ... لأب وأمكَ كانَ غير نَزورِ ويروى وافت بهم. وقوله حواصن هن العفائف من النساء، الواحدة حاصن. ويقال امرأة حصان مفتوحة الحاء. وقوله وأمك أقسم بأمه باليمين. وقوله لأب يريد كان الأب غير نزور، يريد تميماً. يقول: كان كثير الولد ولم يكن بنزور. والنزور القليل الولد. يقول: كان تميم كثير الولد ولم يكن نزوراً. والنجب من النساء اللاتي تلدن كراماً. يقال قد أنجب الفحل، وذلك إذا ولد كريماً. لوْ كانَ بالَ بِعامِرٍ ما أصبحوا ... بِشَمامَ تَفضُلُهُمْ عِظامُ جَزورِ يقول لو كان تميم بال بعامر، يقول ولد عامراً، ما أصبحت تفضلهم عظام جزور يأكلونها، لفضل عظامها، ولم ينموا لقلتهم. ويروى تُشبعُهم عظام. وإذا الربابُ تَرَبّبَتْ أحلافُها ... عَظُمت مخُاطرتي وعزّ نصيري قوله ترببت أحلافها، يعني اجتمعت كالربابة. قال والربابة خرقة تُجمع فيها السهام، إذا اجتمعت فضُمت فهي ربابة، ثم نُقل فصار لجماعة الناس فقال: لقد اجتمعت، يعني هم كالسهام المجتمعة، والأصل في السهام. إنّا وإخوتَنا إذا ما ضَمّنا ... بالأخشَبَينْ مَنازِلُ التَجميرِ

قال: الأخشبان جبلان بمكة عظيمان معروفان بالضخم. عَرفَ القبائِلُ أننا أربابهُا ... وأحَقُها بِمَناسِك التَكبيرِ ويروى أربابهم وأحقهم بمشاعر. جعلَ الخِلافَةَ والنُبوة ربُّنا ... فينا وحُرمَة بيتِهِ المَعمورِ قوله فينا، يعني في خندف. وجعل الإله فيها شرف النبوة والخلافة. ما مثلُهُنّ يُعدُّهُ في قَومِهِ ... أحدٌ سوايَ بمُنجِد ومُغيرِ هُنّ المَكارِمُ كُلُهنّ معَ الحَصا ... غير لقليلِ لنا ولا المَكثورِ يقول: هذه المكارم كلها لنا مع الحصى، يريد مع كثرة العدد. وأبي الذي رَدّ المَنيةَ قَبرهُ ... والسيفُ فوقَ أخادِع المَصبورِ قوله المصبور، هو المقتول صبرا. عُرضَتْ لهُ مائةٌ فأطلقَ حَبْلُهُ ... أعناقَها بِكَثيرة جُرجورِ وإذا أخندِفُ بالمَنازِل مِنْ مِنىً ... طارَ القبائلُ ثم كلّ مَطيرِ يقول: إذا دعوت يال خندف. بالمنازل يريد في المنازل، لأن حروف الصفات يدخل بعضها على بعض، فجاء بالباء، وإنما أراد في، وهذا جائز كثير في القرآن والشعر. قال الله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}. يقول: فإذا دعوت بخندف طار القبائل كل مطير، يقول أجابوني مختلفين بجمعهم. فَرقاً وإنّ رِقابهُمْ مملوكَةٌ ... لمُسَلّطٍ مَلكِ اليدين كبيرِ مِنّا النبيُّ محُمدٌ يجلىَ بِهِ ... عنّا العَمَى بمُصَدّق مَأمورِ خيرِ الذينَ وراءهُ وأمامهُ ... بالمَكرُماتِ مُبشرِ ونذيرِ

إنّ النبوةَ والخلافةَ والهُدَى ... فينا وأولَ مَنْ دَعا بِطَهورِ وإذا بَنو أسد رَمَتْ أيديهِمُ ... دوني ورَجّعَ قَرمُهُمْ بِهَديرِ خَشَعَ الفِحالَةُ تحتَةُ ورأتْ لهُ ... فضلا على مُتفَضّلينَ كَثيرِ نَجحَتْ كِلابُ الجنّ لمّا أجحَرَتْ ... فَرَقاً لدى مُتَبَهْنسٍ مَضبورِ قوله متبهنس يريد متبختر، يقال تبختر الرجل في مشيته وتبهنس، وذلك إذا مشى يتبختر في مشيته. قال: والبهنسة مشية الأسد. قال: ومشية الأسد تبهنس لا يحسن غيرها. وقوله مضبور، يقول هو موثّق الخلق مجتمعه. قال الأصمعي: وهو من قولهم، اجعل الكتب إضبارة، يريد اجمع بعضها إلى بعض. لمّا رأينَ ضلابَةً في رأسِهِ ... أقعَينْ ثم صَأينَ بعدَ هَريرِ صَأين مثل صعين. والمُقعي المنتصب على استه كما يُقعي الكلب. يقول فعلوا ذلك فرقاً وفزعاً. والجَعفَريّةُ غير فارِحَةٍ لها ... أمُّ لها بِغُلامِها المَسرور قال: المعنى لا تفرح أم جارية منهم تلد غلاماً. والمسرور يريد المقطوع سرره، يقال سر وسرر. والسرر الذي يُقطع، والسرة الباقية. نسبهم إلى أن أبناءهم يأتون أمهاتهم. ويِفرُّ حينَ يَشِبُّ عنها إنْ دَعتْ ... ويُريدُ حينَ يموصُ للتِطهيرِ يقول ابن الجعفرية يفر من أمه حين يشب، إن دعته إلى أن يفجر بها، ويريد إلى احتلم. وقوله حين يموص، يريد إلى اغتسل وألقى الأذى عنه. وقوله للتطهير، يعنى للغُسل من الجنابة. سترى مَنِ المُتقَدّمونَ إذا التَقَتْ ... رُكبانُ مُنْخَرقِ الفِجاج قَعيرِ

قوله الفجاج، هى أفواه الطرق، الواحد فج. وقعير يعني بعيداً، له قعر وبُعد وغور بعيد. أمُلوكُ خِندفَ أم تُيوسُ حَبَلّق ... يَمذينَ بينَ أكارِع ونُحورِ قال: الحبلق من الرجال القصير. يقال: التيس نشط، إذا مذى ملأ ما بين يديه ونحره. يا قَيسُ إنكُمُ وجدتُمْ حَوضَكُمْ ... غالَ القِرَى بمُهَدّم مَفْجورِ قوله غال القرى، يريد قليل القرى، لا يوجد عنده. قال أحمد بن عبيد: غال القرى، فعل أي ذهب بما يُقرى فيه. ومن روى غالي فخطأ، لم يدر ما قال. ويشهد على أنه غال على وزن قال، البيت الذي بعده. ذَهبَتْ غَوائلُهُ بِما أفرَغْتُمُ ... بِرشاء ضَيّقَةِ الفُروغ قَصير قوله ذهبت غوائله، هي شقوق في الأرض تغتال ماءه، فيُذهب به في شقوقها. وقوله برشاء ضيقة الفروغ، هي الدلو، يريد دلوا ضيقة الفروغ. والفروغ ما بين كل عرقوتين، مشدود بها أطراف العراقي. إنّ الحِجازَ إذا هَبَطتُمْ دونَهُ ... كُنتمُ غَنيمتَهُ لكُلّ مُغيرِ ولقد عَجِبتُ إلى هَوازِنَ أصبحَتْ ... مِنّي تَلوذُ بِبَظر أمّ جريرِ يريد من هوازن، لأن حروف الصفات يدخل بعضها على بعض. بِئسَ المُدافِعُ عنهُمُ عِلّوذُها ... وابنُ المَراغَةِ كانَ شرّ أجيرِ ويروى لأذوا بها وابن المراغة. ويروى علودها بالدال غير معجمة. ويقال للبظر إذا غلظ وضخم علود، وعرود، وعرد. يا ابنَ الخَليّة إنّ حَربي مُرّة ... فيها مَذاقَةُ حَنظَلٍ وصُبورِ لو أنّ أمكَ حيثُ أخرجَت أستها ... والحَيضُ بالكعبين كالتّمغير

الرواية بالعقبين. وقوله كالتمغير، شبه دم حيضها على عقبيها بالمغرة. يقول: لا تتنظف من حيضها، فهو يجري على عقبيها. أو عادَ أيرُكَ حيثُ كانت أخرَجَتْ ... لحيَيْكَ مِنْ غُرْمولهِا بِزَحيرِ قال: الغرمول للرجال والدواب، وهو غلاف الذكر. قال بشر بن أبي خازم في تصداق ذلك: وخنذيذٍ ترى الغُرمولَ مِنهُ ... كَطَيّ الزّقّ عَلّقَهُ التّجارُ أو كانَ مثلَ هِجاء أمّكَ نَيكُها ... مثلَين عندَ فَواضِح التعييرِ قد كانَ في هجر ونَخْلِ محُلّمٍ ... تمرٌ لمُلتَمِس الطعام فَقيرِ يقول: قد كان في أكلكم تمر هجر، ومحلم، شغل عن هجائي. ومحلم نهر بالبحرين. وإذا هُمُ جمعوا لهُ مِنْ بُرّهم ... غَلَثوا لهُ في ثَوبِهِ بشَعيرِ مِنْ كُلّ أجدَعَ خارجٍ غُرضوفُهُ ... بين الحَواجِبِ والسّبالِ قَصيرِ الغرضوف الحاجز بين السبال والحواجب. ثم عيرهم بالقصر أيضاً. وأبوكَ حينَ دَعا بآخِر صوتهِ ... يدعُو إلى الغَمراتِ غيرَ وَقورِ قوله بآخر صوته، يعني عند انقطاع صوته عند الموت. وبَنو الهُجيم كأنما شَدَخوا بهِ ... هَدمَ المغَارَة مِن ضِباعِ حَفيرِ قوله وبنو الهجيم، وذلك أن بني الهجيم كانوا ضربوا الراعي في رأسه. قال: فانتقضت به الضربة فمات منها. وقوله هدم المغارة، قال: المغارة هي موضع الضبع التي تكون فيه. وحفير موضع تكثر فيه الضباع.

فرَجعتَ حينَ رَجعتَ ألأمَ ثائِر ... خَزيانَ لا بِدَم ولا بأسيرِ لو كنتَ مثلَ أخي القصافِ وسيفه ... يومَ الشّباكِ لَكُنتَ غير فَرورِ ضربَ ابنَ عَبلَةَ ضربَة مَذكورَةً ... أبكى بها وشفى غَليلَ صُدورِ وبَنى بِها حَسباً وراحَ عَشِيّةً ... بثيابِ لا دَنِسٍ ولا مَوتورِ قال أبو عثمان: أخبرنا أبو عبيدة أنه كان من حديث أخي القصاف - قال واسم أخي القصاف وكيع بن مسعود بن أبي سود بن مالك بن حنظلة - أنّ إياس بن عبلة أخا بني جشم بن عدي بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة، قتل في مقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - مسعود ابن القصاف بن عبد قيس بن حرملة بن مالك بن أبي سود بن مالك ابن حنظلة. قال: وأبو سود جد بني طهية. قال: وهذا قول اليربوعي. قال: أسرت بنو تيم الله وكيع بن القصاف، فحبسوه عندهم، فظن بنو حنظلة أنهما قد قتلا كلاهما، فقال الأحوص، وهو زيد بن عمرو ابن قيس بن عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع، يرثيهما ويتوعد بني تيم الله: لتَبْكِ النساء المُرضِعاتُ بِسُحرَة ... وكَيعاً ومَسعوداً قتيلَ الحَناتمِ كِلا أخوَينا كانَ فَرعاً دَعامَة ... ولا يُلبِثُ العَرشَ انقِضاضُ الدَعائِم فلا تَرجُ تَيمُ الله أنْ يجعلوهما ... دِياتٍ ولا أن يهزما في الهزائمِ يقول ليس لهما مترك، لابد أن يطلب بهما. هزم له حقه أي وهبه له. قال: فلما أتى هذا الشعر بني تيم، عرفوا أن بني حنظلة سيطلبونهم بدم مسعود، فخلّعوا سبيل وكيع. قال فلبث بنو القصاف بذلك ما شاء الله أن يلبثوا. ثم إن فتية منهم خرجوا من الكوفة في عير لهم، حتى إذا ذنوا من الشباك، لقوا قوماً فسألوهم: من على الماء؟ فقالوا لهم: بنو حارثة بن لام وناس من بني تيم الله بن ثعلبة. قال: فعقل بنو القصاف

رواحلهم، وخلّفوا بعضّم فيها، ومضى بعض حتى انتهى إلى ابن عبلة، فقالوا له: رحمك الله، إن ناقة لنا ضلّت قُبيل، وهي في إبلك فاردُدها علينا. قال: فقال لغلام له انطلق مع القوم، فادفع إليهم ناقتهم. فانطلق غلام ابن عبلة معهم، فسأل راعيّه عن ناقة القوم، فقال: ما رأيتها. وهذه الإبل فانظر. قال: فنظر الغلام فلم ير شيئا، فرجع إلى مولاه، ورجع بنو القصاف، فقال لهم ابن عبلة: ما صنعتم؟ قالوا غيّب راعيك ناقتنا، فقم معنا إليه. فقام معهم ابن عبلة، حتى إذا نحوه عن الماء، شد عليه رجل من بني القصاف، ثم نادى يا ثأرات مسعود! فقتله وخضب عمامته بدمه. قال: فغضب بنو حارثة بن لام وقالوا: قتلوا جارنا، ولا تزال العرب تسبنا به إن فاتونا. قال: وطلبوا بني القصاف، وهم نفير وعلى الماء جماعة من بني حارثة بن لام، قال: فترك بنو القصاف رواحلهم ومضوا مخضوبة بالدم، حتى أتوا بها بني طهية، فسألوهم عن ركابهم فقالوا: تركناها في أيدي بني حارثة. فقال الأسلع بن القصاف في ذلك: فِدىً لامرئ لاقى ابنَ عبلةَ ناقتي ... وراكِبُها والناسُ باقٍ وذاهبُ عدا ثُمّ أعداهُ على الهَولِ فتيةٌ ... كِرامٌ وأسيافٌ رِقاقٌ قَواضِبُ ولم يحَفلوا ما أحدثَ الدهرُ بعدها ... وما كشفَ الناسَ الأمورُ الشواعِبُ ولم نَروَ حتى بَلّ أسيافَنا دَمٌ ... يُداوَى بهِ قَرح القُلوبِ الجَوالِبُ فما الناسُ أردوهُ ولكنْ أقادَهُ ... يدُ الله والمستنصرُ اللهَ غالِب شفى سَقماً إنْ كانتِ النفسُ تَشتفي ... قتيلٌ مصابٌ بالشّباكِ وطالِبُ شفى الدّاء وابيضّتْ وجوهٌ كأنما ... جَلى النفسَ عنها وهيَ سُودٌ كوائِبُ لعمري لقد ردّتْ عَشيّةُ مثقَب ... غليلاً فساغتْ في الحُلوقِ المشارِبُ فأبَلغْ بني لامٍ إذا ما لقيتهم ... وما شاهدٌ يُدعى كمن هو غائبُ فهل أنتمُ إلا أخونا فتحدَبوا ... علينا إذا نابتْ علينا النوائبُ

ولو أننا كنّا على مثلها لكم ... لابتْ إلى أربابهنّ الرّكائِبُ لما بَرِحَتْ حتى أنيخَتْ إليكمُ ... جميعاً وحتى حُلّ عنها الحقائبُ فإن رِحالَ القومِ وسطَ بُيوتِكُمْ ... وللجار معروفٌ منَ الحقّ واجِبُ فلما أتى بني حارثة هذا الشعر سرهم، وقالوا: مالنا على ركابكم من سبيل، قوم أدركوا بثأرهم، ولهم جوار، والذي بيننا وبينهم حسن. فردوا على بني القصافر كابهم، وطاح ابن عبلة - يعني ذهب دمه باطلا - ولم يُدرك بثأر. رجع إلى شعر الفرزدق ما بِتّ ليلَكَ يا ابنَ واهِصَة الخُصَى ... رَهناً لمُحمِضَةِ الوطابِ خُبورِ لمحمضة، كذا رواه سعدان، وهو غلط، وإنما هو لمخمطة الوطاب. يقال قد أخمط الوطب إذا أخذ طعم الحموضة. وأنشد لابن أحمر: وما كنتُ أخشى أن تكونَ مَنيتي ... ضرَيبَ جِلاذِ الشّولِ خمطاً وصافيا يقال أحمض الوطب. وقوله محمضة الوطاب، قال: الوطاب جمع وطب، وهو الذي يكون فيه اللبن. يقول قد أخذت الوطاب الطعم من الحموضة. وقوله خبور، هي الكرام من الإبل التي خبرها محمود، وهي الغزار، يريد الكثيرة اللبن، واحدها خبر. يا بَني حمُيضَةَ إنما أنزاكُما ... في الغَي نَزوةَ شِقوَةٍ وفُجور ويروى للحين نزوة. ابنا حميضة، يعني حاجباً ونافعاً. العاوِيانِ إليّ حينَ تَضرّمَتْ ... ناري وقد ملأ البلادَ زَئيري

قوله العاويان جعلهما الفاعلين، أي هما أنزياهما، والعاويان ليسا بابني حميضة، فيجب لعاويين النصب. وابنا حميضة من بني عامر ابن مالك مُلاعب الأسنة. والعاويان جندل بن عبيد بن حصين الراعي، وذو الأهدام، وهو نافع بن سوادة بن مالك بن عامر بن مالك بن جعفر. وابن حميضة حبيب وحاجب ابنا حميضة بن بحير بن عامر ابن مالك بن جعفر. حينَ اعتزمتُ ولم يكن في موطني ... سَقَطٌ ولُفّعَ مَفرقي بقَتيرِ قوله لُفّع يقول لُحف، يقال من ذلك تلفّع الرجل، وذلك إذا لحف رأسه بردائه. قال: والقتير الشيب. قال: واللفاع الملحفة، وقوله لُفّع مأخوذ منه. وجَريتُ حينَ جَ رَيتُ جريَ محافظ ... مَرحِ العِنان منَ المائينَ ضَبورِ قوله من المائين، يعني مائة غلوة يريد البعد. قال والضبور يريد الوثوب، يقال من ذلك ما أحسن ضبر الفرس، وذلك إذا كان جيّد الوثوب. ولقدْ حَلفتُ على يمينٍ بَرّة ... بالراقصاتِ إلى منيً وثَبيرِ قال: الراقصات الإبل التي يسار عليها إلى البيت الحرام. وثبير جبل. فلتُقرَعَنّ عَصاكُما فاستَسمعا ... لمُجرّبِ الوَقَعاتِ غيرِ عَثورِ قَبحَ الإلهُ عَصاكُما إذ أنتما ... رِدفان فوقَ أصَكّ كاليَعفورِ قوله أصك هو الفرس الذي إذا مشى اصطكّت ركبتاه، وهو عيب في الخيل وذلك من ضعف ركبتيه. قال: واليعفور الظبي تعلوه حمرة. قال الأصمعي: وذلك للزومه الرمل الأحمر فيحمر لونه لذلك، وفي عنقه قصر.

لولا ارتدافُكُما الخَصيّ عَشية ... يا بْنَي حمُيضَة جِئتُما في العيرِ قوله جئتما في العير، يقول قُتلتما فجئتما على بعير، ولكن نجّاكما ارتدافُكما فرساً خصيا. والمعنى فيه أنه عيّر بني جعفر بما لقوا من الضباب. يقول: يوم عرجة قُتل منهم سبعة وعشرون رجلا، قتلتهم الضباب، فجاءت نساء بني جعفر فحملن قتلاهم على البعير. يقول: ونجّى ابني حميضة أنهما ارتدفا الخصي، ولولا ذلك لقتلا. لَتَعرّفتْ عِرساكما جَسديكُما ... عِدلَينِ فوقَ رِحالَةٍ وبَعيرِ راخاكُما ولقد دَنتْ نفساكُما ... منهمْ نِقالُ مُقرّب محضيرِ يقول يحسن نقل قوائمه. وقوله راخاكما، يعني باعدكما منهم يريد من الضباب. وقوله نقال مقرب محضير، يعني فرساً له تقريب في عدوه. قال: وإذا قرّب الفرس في عدوه كان أبقى لعدوه، ولا يفعل ذلك من الخيل إلا الجواد النجيب منها. ومحضير شديد العدو وشديد الإحضار. نَجّاكُما حلبٌ لهُ وقَفِيّةٌ ... دونَ العِيال لهُ بكُلّ سَحورِ قوله نجاكما حلب له، يعني لبناً حليباً للفرس يُسقاه لكرمه، يؤثر به ويخص دون العيال بالأسحار، قال والقفية شيء يؤثر به الشيخ والصبي من الطعام والشراب، وجعله، هاهنا، للفرس يحيّي به الفرس، كما يحيي به الشيخ والصبي. وبَنو الخَطيمِ مجُرّدو أسيافهِم ... ضرباً بِلاحِقَةِ البُطون ذُكورِ قَتلوا شُيوخَكُمُ الجَحاجِحَ بعدما ... نَكحوا بَناتِكُمُ بغَيرِ مُهور

قال: وذلك أن الضباب قتلوا من بني جعفر رجالاً وسبوا النساء. قال: وهي وقعة مشهورة بطخفة والريان في العرب. قال أبو عبيدة: وفي يوم طخفة يقول الحارث بن رومي بن شريك - كان يسمى الحارث بن بدر بن جُعثمة بن الهون بن عسير بن ذكوان بن السيد بن مالك بن سعد بن ضبة - وهو يُحضض بني كلاب على الضباب، وذلك بما صنعوا ببني جعفر، ويعيرهم بذلك: بَلّغْ كِلاباً عَمرَها ووحيدَها ... وحَيّ أبي بَكر وحِلفَ أبي بكر عمرو والوحيد وأبو بكر من بني كلاب. ويقال عمرو هو ابن الوحيد. وحَيّ النُفاثاتِ الذينَ غَناؤهُمْ ... قليلٌ وعاشوا في المَذلّةِ والفَقر بما لمْتُهم في جعفر إذ أصابهُم ... حوادثُ أيامٍ كَراغِيَةِ البَكرِ فلم يمنعوهُم من رجالٍ تُريدُهم ... بأسيافِهم وبالرُدَينيّةِ السُمرِ أقرّوا على ما ساء عيناً فأصبحوا ... أحاديثَ ما بين العراقِ إلى مصرِ بَني عامرٍ لا تأخذوا من سرَاتِكُم ... دِياتٍ ولا تُغضُنّ عَيناً على وترِ ولا تتركوا أثآركم ونساؤكم ... أيامى تُنادي كلما طلعَ الفجرُ قوله نساؤكم أيامى، يعني بلا أزواج. قال: ومثل من أمثال العرب إذا دعوا على رجل قالوا: "ما له أمَ وعامَ". يريدون بقي بلا امرأة. وقولهم عام يريدون بقي بلا لبن، أي لا تبقى له ماشية ولا ناقة. تركتُم لأفراسِ الضبابِ نساءكُم ... وما قَتلوا منكم بطخْفَةَ كالجُزرِ وهُنّ بهم يَعدونَ ما بينَ محدث ... إلى عسعسَ يتركْنَكُم سَوءةَ الدهرِ فلله عينا مَن رأي مثلَ رُفقَة ... أتيتُمْ بِها ليست بِعيرٍ ولا تجرِ بِطِخفَةَ مِن قَتلاكُمُ أخواتهُا ... حَواسرُ بيضٌ مِن عَوانٍ ومِن بِكرِ

قال: لأنهم قُتلوا جميعاً في يوم واحد كالقوم المجتمعين. وقوله أخواتها، يعني أخوات الرفقة القتلى. حَواسرُ مما قد رأت فعُيونهُا ... تَفيضُ بماء لا قليلٍ ولا نَزرِ وأفلَتَ مِنهُنّ الحُمَيرِّ بعدما ... قَتلنَ إباساً ثم عُدنَ إلى عَمرِو ويروى على عمرو. قال الأصمعي: كل هؤلاء جعفريون. ولم يَنجُ منهنّ الهُريمُ وقد رأى ... بَنو خَلَفٍ منهن قاصمَةَ الظهرِ في رواية عثمان بن سعدان الهذيم بالذال. رجع إلى شعر الفرزدق: وإذا اختَللنَ فأحمِضوا أحراحَها ... كَمَراً بناتِ حميضةَ بنِ بَحيرِ يريد من الخلة، وذلك لأن الراعية إذا أكلت الخلة، مالت إلى أكل الحمض، وهو ما ملُح من النبت، فترعى فيه حتى تشتهي الخُلة، فترجع إليها. قال: وبحير بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب. الوالِداتُ وما لهُنّ بُعولَةٌ ... والقاتلاتُ لهن كل صغيرِ والمُدلجِاتُ إذا النجومُ تغوّرتْ ... والتابعاتُ دُعاءَ كل صفيرِ يريد يصفر بهن للريبة. وإذا المُنى جمحتْ بهن إلى الهوى ... منهن حينَ نَشرنَ كل ضميرِ مالتْ بهن ضَوارِبٌ أفواهُها ... يخلِجنَ بين فياشِلٍ وأيورِ والجعفريّةُ حينَ يحتلمُ ابنُها ... لأبيهِ في الخلواتِ شرُ عشيرِ حتى تُفارقَ زوجها من جعفرٍ ... فيهم كريمةُ عودِها المَعصورِ إنّ المخازيَ لم تدعْ من جعفرٍ ... حيّاً وقد وردتْ على المقبورِ

هل تعرفونَ إذا ذكرتم قُرزُلاً ... أيامَ ندّ بفارسٍ مذعورِ إذ لا يودُ بهِ طُفيلٌ أنه ... بالجوّ فوقَ مدرّبٍ ممطورِ يقول: لا يتمنى طفيل أنه على صقر قد دُرب للصيد عن فرسه، أي إن فرسه أسرع منه. إذ هامةُ ابن خويلد مقصومَةٌ ... وجَعارِ قد ذهبت بأيرِ بَحيرِ جاءت بهِ أصُلاً إلى أولادِها ... تمشي بهِ معها لهم بعشيرِ قوله تعشير، يريد صوت الضباع، كما يعشّر الحمار، وذلك إذا صاح عشراً. وقوله بعشير بقسم منه. وقوله فارس قُرزل يعني طفيل بن مالك بن جعفر. قال: وذلك أنه فر من بني يربوع في يوم ذي نجب على فرسه قرزل. قال: وله يقول أوس بن حجر: والله لولا قُرزُل إذ نجا ... لكانَ مثوى خدّكَ الأخرَ ما نَجّاكَ جيّاشٌ هَزيمٌ كما ... أحميتَ وسطَ الوَبرِ المِيسما قال أبو عبيدة: الأخرم منقطع الكتف في العاتق، يريد لضربت به عنقك، فوقعت على الأخرم. قال: وقال الأصمعي: بل هو الأخرم من الأرضين، وهو الأرض الغليظة. وقوله جيّاش، هو الشديد الجري السريع، كأنه مشتق من القدر إذا جاشت بالغلي. يقول: فهذا الفرس يجيش بجريه، كما تجيش القدر بغليانها. والهزيم كذلك أيضاً. يقول: يجيش ويهزم، يعني يصوّت صوتاً كغلي المرجل. وقوله كما أحميت وسط الوبر الميسما، يعني به السرعة. يقول: هذا الفرس يلتهب في عدوه كما يلتهب الميسم، وهي الحديدة تُحمى بالنار حتى تصير كالجمرة، ثم توضع على جلد البعير علامة، والميسم بالسين

والشين. قال: والأصمعي يقول: معناه أنه سريع الجري، فسرعة هذا الفرس، كسرعة ممر هذا الميسم في جلد البعير ووبره. وهو قول أبي عبيدة أيضاً. وقال أوس لطفيل بن مالك في يوم السوبان: لَعَمرُكَ ما آسى طُفيلُ بنُ مالكٍ ... بَني عامر إذ ثابتِ الخيلُ تدّعي وودّعَ إخوانَ الصفاء بِقُرزُلٍ ... يمرُ كمريخِ الوليد المُقَزّعِ قوله كمريخ الوليد، قال: هو قضيب يجعل الصبي في أعلاه تمرة وطينة تُثقله، ثم يرمي به بغير ريش، وهو شبيه بالمعراض، لأنه ليس فيه ريش، وكذلك المعراض. وقوله ابن خويلد هو يزيد بن الصعق - قال: والصعق هو خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب - أسره أنيف بن الحارث بن حصبة بن أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، بعد ضربة أصابته على رأسه في الحرب، ثم أسر بعد ذلك. وله يقول أوس بن غلفاء الهجيمي في يوم ذي نجب: فأجرِ يزيدُ مذموماً وأنزِعْ ... على عَلبٍ بأنفكَ كالخِطامِ وإنّكَ من هجاء بني تميم ... كمُزدادِ الغرامِ إلى الغرامِ همُ مَنّوا عليكَ فلم تُثبهُمْ ... فتيلاً غير شَتم أو خصامِ وهم ضربوكَ ذاتَ الرأسِ حتى ... بدت أمُ الفِراخ منَ العِظامِ قال: وبحير الذي ذكر، هو بحير بن عبد الله بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. قال أحمد بن عبيد: حميضة ابن بحير بن عامر بن مالك لا شك فيه، وليس بالقشيري. أمْ يومَ بادَ بنو هِلالٍ إذْ همُ ... بالخيلِ مُكتنفونَ حولَ وُعورِ قال أبو عبيدة: وذلك لأن بني نهشل قتلوا من بني عامر ثمانين كهلا، وذلك يوم الحبل من الدهناء.

باتوا بِمُرتَكُم الكَثيبِ كأنهمُ ... بالقومِ يقتسمونَ لحمَ جَزورِ والعامريَّ على القِرى حينَ القِرى ... والطعنِ بالأسلاتَ غيرُ صبورِ أبُنَيّ بَروَعَ يا ابنَ ألأم من مشَى ... ما أنتَ حينَ نَبحتني بِعَقورِ قوله أبني بروع، قال أبو عبد الله: يريد بقوله بروع الناقة التي ذكرها الراعي في قوله: يشلي العفاس وبروعا. وإذا اليمامةُ أتمرتْ حِيطانهُا ... وقعدتَ يا بنَ خَضافِ فوقَ سريرِ قوله يا بن خضاف، يعني مهاجر بن عبد الله الكلابي، وكان على اليمامة، وذلك في خلافة هشام والوليد، وكان واليها. لَوّيتَ بي شِدقَيكَ تحسبُ أنني ... أعيا بلَومِكَ يابنَ عبدِ كَثيرِ ويروى حنكيك. قال: يعني كثير بن الصلت الكندي. ويقال إنه كان سبب المهاجر بن عبد الله إلى بني أمية حين خلطه بهم. فأجابه جرير فقال: سَقياً لنَهى حمامةٍ وحَفيرِ ... بسجالِ مُرتجَزِ الربابَ مَطيرِ سَقياً لتلكَ مَنازِلاً هَيجَنني ... وكأنّ باقيهُنّ وحيَ زَبورِ كم قد رأيتُ وليسَ شيءٌ باقياً ... من زائرٍ طَرفِ الهوى ومَزورِ وجدَ الفرزدقُ في مساعي دارِمٍ ... قِصراً إذا افتخروا وطُولَ أيورِ لا تفخَرَنّ وفي أديمِ مجاشِعٍ ... حَلَمٌ فليسَ سيورُهُ بسُيورِ أبُنيّ شِعرَةَ لم نجد لمُجاشِع ... حلماً يُوازِنُ ريشةَ العُصفورَ إنا لَنعلَمُ ما غدا لمُجاشِع ... وفدٌ وما ملكوا وثاقَ أسيرِ ماذا رجوتَ منَ العُلالَةِ بعدما ... نُقضَتْ حِبالُكَ واستمرّ مريري

إن الفرزدقَ حين يدخلُ مسجدا ... رِجسٌ فليسَ طَهورُهُ بطهور إنّ الفرزدقَ لا يبالي محرما ... ودمَ الهَدِيّ بأذرُعٍ ونُحورِ أمسى الفرزدقُ في جَلاجِلِ كُرّجِ ... بعدَ الأخيطلِ زوجةً لجريرِ رَهطُ الفرزدقِ منْ نصارى تغلبٍ ... أو يدّعي كذباً دَعاوَةَ زورِ حُجُّوا الصليبَ وقَرِبّوا قُربانكم ... وخذوا نصيبكم منَ الخنزيرِ إني سأخبرُ عن بلاء مجاشع ... مَنْ كانَ بالنّخَباتِ غيرَ خبيرِ أخزى بني وقبانَ عُقرُ فتاتهم ... واغترّ جارُهمُ بحبلِ غُرورِ لو كانَ يعلمُ ما استجارَ مجاشعاً ... أستاهَ مماحَةٍ هوارِمَ خُورِ قالَ الزبيرُ وأسلمتهُ مجاشعٌ ... لا خيرَ في دَنسِ الثيابِ غَدورِ يا شَبّ قد ذكرت قُريشٌ غدركم ... بينَ لمُحَصّب مِنْ مِنىً وثَبيرِ وغدا الفرزدقُ حينَ فارقَ منقَراً ... في غيرِ عافيةٍ وغيرِ سُرورِ غمزَ ابنُ مُرّةَ يا فرزدقُ كَينَها ... غمزَ الطبيبِ نَغانِغَ المَعذورِ النغانغ واحدتها نُغنغة، وهو لحم أصول الآذان من داخل الحلق، فيصيبها وجع فتغمز. والعُذرة قرحة تكون في الحلق. خَزيَ الفرزدقُ بعدَ وقعةِ سَبعة ... كالحُصنِ مِنْ وَلدِ الأشدّ ذُكورِ تُرضي الغُرابَ وقد عقرتُم نابَهُ ... بنتُ الحُتاتِ بمحبَسٍ وسريرِ ويروى بنت القرين قال: والقرين عبد الله بن حكيم المجاشعي. قال والغراب، يعني رجلا، وقد مر حديثه فيما مر من الكتاب. قالت فَدَتكَ مجاشعٌ فاستَنشَقت ... من مَنخريه عُصارَةَ القَفّورِ قوله القفور يريد الكافور. أمّتْ هُنيدةُ خِزيةً لمجاشِع ... إذ أولمت لهمُ بِشرّ جَزورِ ودَعتْ غَمامةُ بالوَقيطِ مجاشعاً ... فوجدتَ يا وقبانُ غيرَ غَيورِ كذبَ الفرزدقُ لن يجاريَ عامراً ... يومَ الرهان بِمُقرف مَبهورِ

فانهَ الفرزدقَ أن يعيبَ فوارِساً ... حملوا أباهُ على أزَبّ نَفورِ ولقد جهلتَ بِشتمِ قيسٍ بعدما ... ذهبوا بريشِ جناحكَ المكسورِ قيسٌ وجَدُ أبيكَ في أكيارِه ... قُوّادُ كُلّ كَتيبةٍ جمهورِ وجد على الخبر لا على القسم: لن تُدرِكوا غطفانَ لو أجريتُمُ ... يا بنَ القُيونِ ولا بني منصورِ يريد غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان. قال: ومنصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر. فَخَروا عليكَ بكلّ سامِ مُعلِم ... فافخرْ بصاحِبِ كلبتين وكيرِ قوله بكل سام، يريد بكل رجل يسمو إلى المعالي ويعلو في طلب الأمور. وقال المعلم، الذي إذا قاتل أعلم نفسه بعلامة ليُعرف مكانه وبلاؤه. كم أنجبوا بخليفةٍ وخليفةٍ ... وأميرِ صائِفَتَين وابنِ أميرِ ويروى وأمير طائفتين. يعني أم الوليد وسليمان ابني عبد الملك. قال أبو عبد الله: يقال لها ولاّدة، وهي أم الوليد بنت العباس بن جزء بن الحارث بن زهير بن جذيمة. وأم الوليد بن يزيد بن عبد الملك، أم الحجاج بنت محمد بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل. يقول: أفخر أنا بهؤلاء، وتفخر أنت بالكلبتين والكير. ولدَ الحَواصنُ في قريشٍ منهمُ ... يا رُبّ مكرُمَةٍ ولدنَ وخيرِ فضلوا بيومِ مكارِمٍ معلومَةٍ ... يومِ أغرّ محجّلٍ مشهورِ قيسٌ تبيتُ على الثغورِ جيادُهم ... وتبيتُ عندَ صَواحِبِ الماخورِ هل تذكرونَ بلاءكُمْ يومَ الصفا ... أو تذكُرونَ فَوارسَ المأمورِ

يوم الصفا يريد يوم شعب جبلة. قال: ويوم المأمور، هو يوم لبني الحارث بن كعب على بني دارم، أصابوا فيه أمامة وزينب. وفي هذا اليوم يقول جرير: أزيدَ بنَ عبدِ اللهِ هلاّ منعتُمُ ... أماَمَةَ يومَ الحارِثيّ وزينبا ووَدّتْ نساء الدارِميّينَ لو نزى ... عُتيبةُ أو عاينّ في الخيلِ قَعنبا أو دُختنُوسَ غَداةَ جُزّ قُرونهُا ... ودَعتْ بِدعوةِ ذِلّةٍ وثُبورِ قال: كانت دختنوس بنت لقيط، حين بلغها مهلك أبيها يوم الشعب، جزت قرونها على أبيها، وذلك قول زوجها عمرو بن عمرو بن عدس، وكانت دخنتوس يومئذ مملكة، لم يكن دخل بها زوجها بعد - ويقال إن أباها قال هذا الشعر -. يا ليتَ شعري عنكِ دُختَنُوسُ ... إذا أتاها الخبرُ المُرموسُ أتحلِقُ القُرونَ أم تمَيسُ ... لا بل تميسُ إنها عَروسُ وقوله لا بل تميس، يقول: لا بل تتبختر، يقال مرّت المرأة تميس ومر الرجل يميس يتبختر. إنّ الضباعَ تَباشرت بخُصاكُمُ ... يومَ الصفا وأما عِزِ التسريرِ التسرير اسم واد معروف قريب من شعب جبلة. حانَ القُيونُ وقدّموا يومَ الصفا ... وِرداً فغُوّرَ أسوأ التغويرِ وسَما لقيطٌ يومَ ذاكَ لِعامرٍ ... فاستنزلَوهُ بلَهذَمٍ مطرورِ قوله بلهذم هو السنان الحاد. والمطرور المجلو المحدد أيضاً.

وبِرَحرَحانَ غَداةَ كُبّلَ معبدٌ ... نكحوا بناتِكُمُ بغيرِ مُهورِ قال: وقد مر حديث رحرحان فيما أمليناه من الكتاب. فيما يسوء مجاشِعاً زبدَ أستِها ... حتّى المماتِ تَرَوّحي وبُكورِي

قال أبو عثمان: حدثنا أبو عبيدة قال: قال أعين بن لبطة وجهم بن حسان: كان جناب بن شريك بن همام بن صعصعة بن ناجية بن عقال، قد نكح بنت بسطام بن قيس بن أبي بن ضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل. قال: فقيس والمجشر ابنا أبي، وطارق ابن مالك بن قيس بن أبي. قال: فنزل جناب بن شريك مع بني قطن بن نهشل بلصاف، ووقع بينه وبينهم كلام، ففاخره حكيم وربعي، ابنا المجشر بن أبي بن ضمرة بن جابر، فأمهل حتى إذا وردت إبله، وكانت ثمانين، وقعدت المجالس، وتجمع الناس، وشربت الإبل أمر عبداً له خُراسانياً كان راعيها، فجعل يحبسها عليه، فلما اجتمعت الإبل، حمل عليها بالسيف فعقرها. قال أبو مُطرف زبّان: فأرادت بنو نهشل أن تعقر كما عقر. فقال لهم الناس: أتعاقرون آل صعصعة! والله لئن عقرتم مائة، ليعقرن جناب مائة، وليعقرن الفرزدق مائة بالبصرة، ومائة بالكوفة، ومائة بالمدينة، ومائة بالموسم، ومائة بالشام، فلتكفن بعد ما تُغلبون وتُحربون، فلا تفعلوا، وإنكم أن تكفوا ولم تُرزأوا، أمثل من أن تكفوا وقد أحربتم. قال: فكفوا عما أرادوا أن يفعلوا من المعاقرة، وعلموا أن رُشدهم في الكف. قال، فقال أعين: فبينا جناب يشد على إبله بالسيف، إذ وقعت رجل ناقة منها في أطناب بيت فتاة من بني نهشل، فتهكته. فقالت: لعلك تظن أن عقرك يُذهب لؤمك؟ فقال: لا أشتم ابنة العم، ولكن دونك فكلي من هذا اللحم. وبلغ الخبر الفرزدق وهو بالبصرة، فقال الفرزدق: بني نهشل أبقوا عليكم ولم تَروا ... سَوابِقَ حامٍ للِذّمارِ مُشهّرِ ويروى أبقوا عليها. ويروى مواقف حام للذمار مشمر. كريم تشكّى قومهُ مُسرِعاتِهِ ... وأعداؤهُ مُصغُونَ للمُتَسوّرِ ألانَ إذا هرّتْ معدّ عُلالَتي ... ونابي دموعٍ للمُدلّينَ مُصحِرِ

قصة عمرو بن عمران الصيداوي مع حري

بني نهشل لا تحملوني عليكمُ ... على دَبرٍ أندابُهُ لم تقشرِ وإنّا وإياكم جرينا فأينا ... تقلّدَ حبلَ المُبطيءِ المتأخرِ ولو كانَ حَرّي بنُ ضمرةَ فيكُمُ ... لقالَ لكم لستم على المُتخيرِ عَشيّةَ خَلىّ عن رَقاشِ وجَلّحَتْ ... بهِ سَوحَقٌ كالطائِر المًتمطرِ يُفدّي عُلالاتِ العِبايَةِ إذ دنا ... لهُ فرسُ المِدعاسِ غير المُغمرِ وأيقنَ أنّ الخيلَ إنْ تلتبِسْ بهِ ... يَقظ عانِياً أو جيفةً بين أنسُرِ قوله فلو كان حري بن ضمرة فيكم، عنى حين أخذ قيس بن حسان ابن عمرو بن مؤثد - وكان مجاورا في أخواله بني مجاشع، وأم قيس ابن حسان ماوية بنت حوي بن سفيان بن مجاشع، وأمها حنة بنت نهشل بن دارم - قلوص عمرو بن عمران الأسدي، وكان جاراً لحري ابن ضمرة. فأخذ ثلاثين لقحة لقيس، فنادى قيس: يا ثكل أمتاه! فطلبها له الأقرع، وهو فارس المدعاس - قال والمدعاس اسم فرسه - فاستنصر حري بني نهشل، فقالت لهم بنو مجاشع: أنتم أخوال قيس بن حسان، كما نحن أخواله، فخذلت بنو نهشل حريا. قال: فردها الأقرع. فقال في ذلك حري: كنتم بني نهشل قوماً لكم حسبُ ... فنالكم أقرعٌ ضُلُ بنُ سُفيانا قال أبو عبد الله: أقرعا نصب. الأول قول أحمد بن عبيد. وغيره أقرعاً ضل بن سفيانا. قصة عمرو بن عِمران الصيداوي مع حَريّ وقد كان عمرو بن عمران الصيداوي جاراً لحري بن ضمرة، فأخذ قيس بن حسان بكراً من إبل الصيداوي، فشكا عمرو ذلك إلى حري

بن ضمرة، فانطلق حري إلى قيس بن حسان فضربه ضربة بالسيف، فقطعت أحد زنديه، وأخذ من إبله ثلاثين بعيراً، فدفعها إلى عمرو بن عمران جاره. وقال حري في ذلك: وعمرو بنَ عمرانٍ حَبوتُ بهجمَةٍ ... فآب ولم يُقرف بعَوراء جاريا وقلتُ لهُ خُذها هَنيئا فإنها ... ستكفيكَ يوماً أن تمنّى الأمانيا ولستُ بمُبتاعٍ بقومي عشيرةً ... إذا القومُ هزوا للقاء العَواليا وقال حري أيضاً: عمرو بنَ عِمرانٍ حبوتُ بهجمةٍ ... مكانَ قَلوصٍ رازحِ أن أعيرّا فأوفَيتُهُ منها ثلاثين جِلّةَ ... ولم يكُ نصري الجارَ أن أتدبرا مخافةَ يوم أن أسبّ بمثلها ... إذا أظهرَ السبّ الذي كانَ مضمرا بنو نهشل قومي ومن يكُ فاخراً ... بأيامِ قومي نهشلٍ يعلُ مفخرا همُ خيرُ من ساقَ المطيّ عُصارَةً ... وأعرفُ معروفاً وأنكرُ مُنكرا بنو نهشلٍ قُرسانُ كلّ قبيلةٍ ... إذا الأفقُ أمسى كابيَ اللونِ أغبرا يقال: إن أمه ماوية بنت نهشل بن دارم، فانطلق قيس بن حسان إلى بني مجاشع أخواله، فخبّرهم الخبر، فغضبت له بنو مجاشع، ومشوا إلى بني نهشل، فقالوا: أغار صاحبكم على ابن أختنا وجرحه، وأخذ إبله، فإنا والله لا نخذله، وإن كنا أخواله، فأنتم أخواله. فكلم بنو نهشل حري بن ضمرة أن يرد على قيس إبله، فأبى. فقالت بنو مجاشع لبني مهشل: إما أن تردوا على قيس إبله، وإما أن تجعلوا حرياً خليعاً. فجعلوه خليعاً. فأخذوه فضربوه بأضاخ، وأخذوا من إبله ثلاثين بعيراً، أخذها له الأقرع بن سفيان - وهو فارس المدعاس - فدفعها إلى قيس، فأتى حري بني نهشل فاستصرخهم، فقالوا: لا ننصرك، فإنك قد ظلمت وقطعت القرابة، ففي ذلك يقول حري بن ضمرة:

أعطيتُ ما عَلموا عندي وما جهِلوا ... إذ لم أجد لفُضولِ القومِ أقرانا كانت بنو نهشل قوماً ذوي حسبٍ ... فنالهم أقرعٌ ضُلٌ بنُ سفيانا شفى الغليلَ ونجزي العامدينَ لها ... بالظلمِ ظلماً وبالعدوانِ عُدوانا لحَاكمُ اللهُ لحيا لا كفاء لهُ ... إني بدأتكمُ كُفراً وطُغيانا ما كانَ من جندلٍ فاعلم ولا قَطنٍ ... لا بني نُويرَةَ جارُ يومَ فيحانا وفي ذلك يقول شمّاس الطهوي: يا ويحَ حريّ علينا ورهطهِ ... ببطنِ أضاخَ إذ يجرُ ويُسحبُ قضاءً لنَواسٍ بما الحقُ عيرهُ ... كذلكَ يخزوكَ العزيزُ المُدرب فأدّ إلى قيسِ بنِ حسانَ ذَودَهُ ... وما نيلَ منكَ التمرُ أو هوَ أطيبُ فإلاّ تصل رحمَ ابنِ عمرو بنِ مرثدٍ ... يُعلّمكَ وصلَ الرحمِ نِسعُ مُقضّب فإنكَ لولا حَفرُكَ العِزّ حلّقتْ ... بما نِلتَ من قيسٍ عُقابُ تقلّبُ فصرتَ ذليلاً في الجِمارِ ودارِمٍ ... ولو خرشتْ ما تحتَ خُصيَيكَ عقربُ الجمار يريد الجمرات. قال أبو عبيدة: وجمرات العرب في الجاهلية ثلاث: بنو ضبّة بن أد، وبنو الحارث، وبنو نمير بن عامر. فطفئت منهم جمرتان، وبقيت واحدة. طفئت ضبة، لأنها حالفت فصارت ربة من الرباب. وطفئت بنو الحارث، لأنها حالفت مذحج، وبقيت نمير لم تطفأ لأنها لم تحالف. أغرّكَ يوماً أن يُقالَ ابنُ دارِمٍ ... وتُقضى كما يُقضى منَ البركِ أجرَبُ فأجابه حري بن ضمرة فقال: يا ويحَ شماسٍ علينا ورهطهِ ... إذا الناسُ عدّوا قبصهُمُ وتحزّبوا ولاذَ الدليلُ بالعزيز فلم يكن ... إلى رهطِ شماسٍ منَ الذُلّ مهربُ فأنتَ على ما كانَ من شَحطِ بيننا ... كما قيلَ للواشي أغشُ وأكذبُ

بكفّي حُسامٌ ما نبا عن ضريبةٍ ... ونبعيّةُ مما تجوّدَ عُليبُ أمرٌ لها مربوعُ متنٍ كأنهُ ... مَرِيء قَطاةٍ لمّهُ المُتعقّبُ وزُرقٌ قِرانٌ يَقلسُ السم حدُها ... يُذَرُ عليها سمها وتُذَرّبُ زرق نصال. وقران على قرن واحد. لنا رأسُ رِبعيّ منَ المجدِ لم يَزل ... لدُنْ أنْ أقامتْ في تهامَةَ كَبكبُ أبى اللهُ ما دامتْ ذُؤابةُ دارمٍ ... ليَ الدهرَ عمُّ يحرِثُ المجدَ أو أبُ رجع إلى شعر الفرزدق: وما تركتْ منكم رماحُ مجاشعٍ ... وفُرسانهُا إلا أكولَةَ منسرِ عشيةَ روّحنا عليكم خناذداً ... منَ الخيلِ إذ أنتم قعودٌ بقرقرِ ويروى كفقع بقرقر. قال: وهو القاع المستوي من الأرض. الحر الطين. قال: والخناذيذ من الخيل، الفحولة الكرام المعروفة بالنجابة. واحدها خنذيذ. ويقال للشاعر المفلق في شعره، إنه لخنذيذ من الشعراء، يريد أنه لفحل من الشعراء. أبا معقلٍ لولا حَواجِزُ بيننا ... وقُربى ذَكرناها لآلَ المُجبّرِ أبو عبد الله، المجبر بالفتح. قال: والمجبر هو سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم. قال: وأم سلمى خماعة بنت مجاشع بن دارم. قال: وإنما سمي مجبرا لأنه أصاب الناس جهد شديد ست سنين، فقال: لا يحقنن أحد لبنا، وجعل على كل قبيلة رجلا منهم، فإن حقن إنسان لبناً، أتاه سلمى فاستفاء ماله - أي جعله فيئاً، وهو استفعل من الفيء ويكون افتعل من السفي، وهو سفي الريح، يريد يحمله فيذهب به. واستشفى من سفي الريح التراب - قال: وأبو معقل هو مسروق بن

مسعود، أخو بني يزيد بن مسعود من بني سلمى المجبر. يقول: ذكرنا القرابة التي كانت بيننا وبين المجبر. إذا لركبنا العامَ حدّ ظُهورِهم ... على وقرٍ أندابُهُ لم تَغفّر أندابه جروحه. وقوله لم تغفر، يقول: هي طرية لم تيبس، فتُجلب فتُقشر. فما بكَ منْ هذا وقد كنتَ تجتني ... جَنى شجرٍ مُرّ العواقبِ ممقرِ وهم بين بيتِ الأكثرينَ مجاشعٍ ... وسلمى وربعيّ بن سلمى ومُنذرِ ولستُ بهاجِ جندلا إنّ جندلاً ... بنونا وهم أولادُ سلمى المجبرِ ولا جابِراً والحين يُورِدُ أهلهُ ... مَواردَ أحياناً إلى غيرِ مصدرِ قال: يعني جابر بن قطن بن نهشل. فيقول لا أهجوهم وإن كنت منهم، ولكن أهجوكم خاصة دون غيركم، وذلك لما أوليتموني من هجائكم إياي. ولا التّوأمينْ المانعين حِماهمُا ... إذا كانَ يومٌ ذو عَجاج مُثوّرِ قال: التوأمان هما عمرو وعامر ابنا جابر بن قطن، وهما العامران، ويقال العَمران. أنا ابنُ عِقالٍ وابنُ ليلى وغالِبٍ ... وفَكاكِ أغلالِ الأسيرِ المُكفّرِ يعني عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع. وقوله وابن ليلى، وليلى أم غالب. وقوله وفكّاك أغلال، يريد ناجية بن عقال. وكانَ لنا شيخانِ ذو القبرِ منهُما ... وشيخٌ أجارَ الناسَ من كل مقبرِ ذو القبر، يعني غالباً، وذلك أن العرب كانت تستجير بقبره، وكان المستجير به يصير إلى مجنته، وتقضى حاجته، وكان هو علماً في ذلك، ولم تعرف الناس الاستجارة بالقبر إلا بقبر غالب، فذهب له الاسم

بذلك أبداً. قال والذي أحيى الوئيد صعصعة بن ناجية بن عقال. على حينِ لا تحيا البناتُ وإذ همُ ... عُكوفُ على الأنصابِ حولَ المُدوّرِ المدور صنم يدورون حوله، وقال عامر بن الطفيل: ألا يا ليتَ أخوالي غَنيّا ... لهم في كل ثالثةٍ دَوارُ قال أبو عبد الله: في كل نائبة. والدوار عيد يطوفون فيه، يقول: فيه الشرف القديم والحديث. أنا ابنُ الذي رَدّ المنيةَ فضلهُ ... وما حسبُ دافعتُ عنهُ بمُعورِ أبي أحدُ الغيثين صعصعةُ الذي ... متى تخلفِ الجوزاء والنجمُ يُمطرِ ويروى والدلو. يقول: إذا أجدب الزمان، قام أبي مقام الخصب، فأعطى الأموال، أي أبي غيث الأرض. هما غيثان: غيث السماء المطر، وأبي غيث الأرض إذا لم يكن مطر. أجارَ بناتِ الوائدينَ ومن يجُرْ ... على الفقرِ يعلمْ أنهُ غير مخفرِ وفارقِ ليلٍ من نساء أتت أبي ... تُعالجُ ريحاً ليلُها غير مُقمرِ ويروى تمارس ريحاً. وقوله وفارق، يعني امرأة فارقاً، وإنما شبهها بالفارق من الإبل، وهي الناقة يضربها المخاض، فتفارق الإبل، فتمضي على وجهها حتى تضع. تفعل ذلك لما يصيبها من الجهد. وأصل الفارق من الإبل، ثم نُقل إلى النساء. وشبه المرأة بالناقة الفارق لانفرادها. فقالت أجرْ لي ما ولدتُ فإنني ... أتيتك من هَزلى الحَمولَةِ مُقترِ هِجَفّ منَ العُثوِ الرؤوسِ إذا ضغتْ ... لهُ ابنةُ عامٍ يحطمُ العظمَ مُنكرِ

قوله هجف يعني جافي الخلقة. وقوله من العثور، قال: والأعثى الكثير الشعر، والأنثى عثواء. قال: والضبع يقال لها عثواء، بينة العثا - مقصور. رأى الأرضَ منها راحةً فرمى بِها ... إلى خُدَد منها وفي شرّ محفرِ خدد حفر كالقبر. ويروى إلى شر. فقالَ لها نامي فإني بذمتي ... لِبِنْيِكِ جارٌ منْ أبيها القَنَوّرِ ويروى فيئي. قوله القنور، هو الضيق الصدر، السيء الخلق. يقول: أنا جار لها من أبيها. فما كانَ ذنبي أنْ جَنابٌ سَما بهِ ... حِفاظٌ وشيطانٌ بطيء التعذّرِ ومَسجونَة قالتْ وقد سَدّ زوجُها ... عليها خَصاصَ البيتِ منْ كلّ منظر لَعمري لقد أروى جَنابٌ لِقاحَهُ ... وأنهلَ في لَزنٍ منَ الماء مُنكرِ ويروى جناب لبونه. في لزن من الماء، يعني قلة من الماء وضيقاً. فإنكَ قدْ أشبعتَ أبرامَ نهشلٍ ... وأبرزتَ منهم كلّ عذراء مُعصرِ قال: الأبرام الذين لا يدخلون مع الأيسار في الجزور، ولا نصيب لهم، وإنما ينتظرون أن يطعمهم الناس، زلا يشترون لحماً، إنما يتّكلون على أن يُطعموا. والمعصر من النساء التي قد أدركت وحاضت. يقول: خرجن من الجهد يلتمسن فضلك. ولو كنتَ حُراما طَعمتَ لحُومَها ... ولا قُمتَ عندَ الفرثِ يا بنَ المُجَشّرِ إلمْ تعلما يابنَ المُجشرِ أنها ... إلى السيفِ تُستبكى إذا لم تُعقّر مَنا عيشُ للمولىَ مَرائيبُ للثأي ... مَعاقيرُ في يومِ الشتاء المُذكّرِ وما جَبرتْ إلا على عتبٍ بها ... عَراقيبُها مُذ عُقّرتْ يومَ صَوءَرِ

ويروى على عطب وعنت. قوله على عتب، وهي الناقة تمشي على ثلاث. وقوله يوم صوءر، هو يوم معاقرة سحيم بن وثيل الرياحي غالباً. وإنّ لها بين المقَرّينِ ذائِداً ... وسيفَ عِقالٍ في يدى غيرِ جَيدَرِ جيدر قصير. ويروى وسيف خبال، يريد سيفاً لا يُبقي على شيء لا يمر بشيء إلا ذهب به. وقوله بين المقرين ذائداً، يعني أباه غالباً دُفن ثَمّ. إذا رُوّحَتْ يوماً عليهِ رأيتَها ... بُروكاً مَتاليها على كل مجزَر وكائنْ لها منْ محبسٍ أنهبَتْ بهِ ... بجَمعٍ وبالبَطحاء عندَ المُشَعّرِ وما إبلٌ أدعَى إلى فرع قَومِها ... وخيرُ قِرى للطارِقِ المُتنَوّرِ قال: الطارق الذي يطرق القوم ليلا يريد القِرى. قال: والمتنور الذي يطلب نار الحي، فإن الذين يقرون الأضياف نارهم بالليل ظاهرة، ليُغشوا، ومن لا يقرى فلا نار له. يقول: فالطارق يطلب النار للقرى. قال أبو عبيدة: لا يكون الطارق إلا ليلا، ولا يقال للذي يأتيهم بالنهار طارق. وذلك قول الأصمعي. وأعرفُ بالمعروف منها إذا التَقَتْ ... عَصائِبُ شَتى بالمقَامِ المُطَهّرِ وما أفُقُ إلا بهِ منْ حَديثِها ... لها أثرٌ يَنمي إلى كلّ مَفخَرِ قال: فأجابه جرير عن بني نهشل: لقد سرّني ألاّ تعُدُّ مجُاشِعٌ ... منَ الفخرِ إلاّ عَقرَ نابٍ بِصَوأرِ أنابُكَ أمْ قَومٌ تَفُضُ سُيوفُهُم ... على الهامِ ثنيَيْ بيضَةِ المُتَجَبّرِ ويروى تقدّ سيوفهم على الهام. ويروى فرخي بيضة، يريد الدماغ. يقول: فخرك بنابك خير أم فخري بقوم تفض سيوفهم هام الرجال،

وتقطع بيضهم الذي على رءوسهم. ويروى أقومك أم قوم. لَعَمري لَنعمَ المُستَجارونَ نهشلٌ ... وحيُّ القِرى للطارقِ المُتنَوّرِ فَوارِسُ لا يَدعونَ يالَ مجاشِعٍ ... إذا برزتْ ذاتُ العريشِ المُخَدّرِ قوله ذات العريش يعني البناء. والمخدر المستور بالثياب. يقول: تبرز المخدرات من الجهد مما نزل بهن. وتَدعونَ سلمى يا بَني زَبَد أستِها ... وضَمرَةَ لليومِ العَماسِ المُذكّر قوله يا بني زبد استها، يريد أن يُصغر به ويُهينه. قال: واليوم العباس، يريد بذلك اليوم الكريه الشديد الصعب. أولئكَ خيرٌ مَصدَقاً منْ مجاشعِ ... إذا الخيلُ جالتْ في القَنا المُتكسّرِ لَعمري لقد أردى هِلالَ بنَ عامِر ... بِتَنهِيَةِ المِرباع رَهطُ المُجشّرِ ويروى لعمري لقد لاقت هلال. وقوله لقد أردى هلال بن عامر، يعني قتل المشيخة الثمانين الذين قتلهم بنو نهشل، وهو رهط المجشر. وما زلتَ مُذلمْ تستجيبْ لكَ نهشلٌ ... تُلاقي صرُاحِيّا منَ الذُلِّ فأصبرِ وعافتْ بَنو شَيبانَ حوضَ مجاشع ... وشَيبانُ أهلُ الصفو غيرِ لمُكدّرِ ولو غَضبتْ في شأنِ حَدراء نهشلٌ ... سَموها بِدَهم أو غَزوها بأنسُرِ مَعازيلُ أكفالٌ كأنّ خُصاكُمُ ... قَناديلُ قَسّ الحيرةِ المُتنَصّرِ قال أبو عبيدة: وأما الأغر فحدثني أن جناباً إنما عقر ناقتين، فلما رأى ذلك ربعي وحكيم، أحالا على سائرها فعقرا قطيعه أجمع. ففي ذلك يقول المحل بن كعب النهشلي: فِدىً للغُلامِ النهشلي الذي ابترَى ... عَراقيبَها ضرباً بسيفِ المُجَشرِ وقد سرّني ألا تعُدَّ مجاشعٌ ... منَ المجدِ إلا عقرَ نابٍ بصوءَرِ

وأنتم قُيونٌ تَصقُلونَ سُيوفَنا ... ونَعصى بها في كل يومٍ مُشهّرِ قوله ونعصى بها في كل يوم مذكر. يقول: نضرب بسيوفنا ونتخذها عصيا. فوارِسُ كَرّارونَ في حَومةِ الوَغا ... إذا خرجتْ ذاتُ العَريشِ المُخدّرِ حومة الوغا أشد موضع في الحرب، وحومة الماء الكثير. وذات العريش، يقول برز النساء المخدرات. فقال الفرزدق مجيباً له: بين إذا نَزلتْ عليكَ مجاشعٌ ... أو نهشلٌ تلعاتِكُم ما تصنعُ تلعاتكم جمع تلعة، وهو مسيل الماء والتلعة، الموضع المرتفع أيضاً. ويروى تلغى بكم. في جَحفلٍ لجبٍ كأن زُهاءهُ ... شرقيٌّ رُكنِ عَمايتَين الأرْفَعُ الجحفل الجيش الكثير. واللجب الكثير الأصوات. وزهاؤه عدده واجتماعه. وعمايتين جبل. وشرقيه ما وليّ الشمس منه إذا طلعت عليه الشمس، وذلك أنه شبه الجيش في جمعه وكثرته، بالجبل في انبساطه وسعته. وإذا طُهَيّةُ منْ ورائي أصبحتْ ... أجَمُ الرماحِ عليهمِ يَتزَعزَعُ قال: يعني بني طهية، وهم عوف، وأبو سود، وحشيش. أمهم طهية

بنت عبد الشمس بن سعد بن زيد بن تميم. وأبوهم مالك بن حنظلة ابن مالك بن زيد مناة. وقوله أجم الرماح، قال: إنما شبه كثرة الرماح واجتماعها وانضمام بعضها إلى بعض، بأجم القصب في كثرته في منابته. حوضيِ بَنو عُدُسٍ على مِسقاتِهِ ... وبَنو شرَافِ منَ المكارِمِ مُترعُ يريد عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم. وبنو عدس زرارة، وعمرو، ومسعد، وسري وشراحيل. وبنو شراف محمد، وقرط، وحوي، بنو سفيان بن مجاشع، وشراف بنت بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد. والمترع المملو. إنْ كانَ قد أعياكَ نقضُ قصائدي ... فانظُرْ جريرُ إذا تلاقى المَجمعُ وتهادَروا بِشقاشِقٍ أعناقُها ... غُلبُ الرِقابِ قُرومُها لا تُوزَعُ قوله بشقاشق، قال: الشقشقة التي تخرج من فم البعير إذا هدر مثل الدلو. قال: والأغلب من الرجال، الغليظ الرقبة. وقوله لا توزع لا تكف عما تريد. والقرم فحل الإبل، نقل فصُير للرجال الكرام الأشداء الأبطال. هل تأتينّ بمثلِ قومِكَ دارِماً ... قوماً زثرارةُ منهُمُ والأقرعُ قال أبو عبد الله: يروى هل تنقضن. ويروى هل تفخرن. أي هل تفخر دارما، أي تكون أفخر منهم من قولهم، فاخرته ففخرته. وعُطارِدٌ وأبوهُ منهم حاجِبُ ... والشيخُ ناجيَةُ الخضَمُّ المِصقَعُ يريد ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع. والخضم السيد من الرجال. والمصقع الخطيب من الرجال، البين الكلام، المتكلم عن أصحابه، يأخذ في كل صقع. والخضم سخي معظم.

ورئيسُ يومِ نَطاعِ صَعصَعَةُ الذي ... حيناً يضرُ وكانَ حيناً ينفعُ يعني صعصعة بن ناجية بن عقال. قال: ونطاع مكان أغارت فيه بنو سعد على لطيمة الملك، وقد أملينا حديثه فيما أمليناه من الكتاب تاماً مفسراً. واسألْ بِنا وبكم إذا وردتْ مِنىً ... أطرافُ كل قبيلةٍ منْ يسمعُ قوله أطراف كل قبيلة، يعني سادة كل قبيلة والمعروفين منهم. والطرف الرجل السيد. قال أبو عثمان: سمعت الأصمعي وأبا عبيدة يقولان للفرس الكريم الرائع، إنه لكريم الطرفين، يعني الأبوين. تقول العرب للرجل الضعيف العقل ما يدري أي طرفيه أطول، يعني لا يدري أي أبويه أكرم. والطرف أيضاً الفرس الرائع الكريم النسب، المعروف بالنجابة، ويقال أيضاً الطرف السيد من الرجال. قال الأعشى:. همُ الطّرَفُ النّاكي العَدُوّ وأنتمُ ... بَقُصوى ثلاثٍ تأكلونَ الوَقائِصا ويروى هم الطرف الناكو العدو. قال الأصمعي: وقد يروى الطُّرُف، وهم الذين كثرت آباؤهم وأنجبوا وشرفوا. قال: وإذا كان الرجل كذلك، كان أكرم من القُعدد. صوتي وصوتكَ يخبروكَ مَنِ الذي ... عن كلّ مَكرُمةٍ لخندِفَ يدفعُ وإذا أخذتُ بِقاصِعائِكَ لم تجدْ ... أحداً يُعينُكَ غير منْ يتقصعُ هذا البيت أول القطعة. القاصعاء جحر اليربوع. يروى يغيثك. وقوله غير من يتقصع، يريد غير من يصيد اليرابيع.

فأجابه جرير فقال يهجوه جميع الشعراء: بانَ الخليطُ بِرامَتَينْ فوَدّعوا ... أوَ كلما رفعوا لِبَين تجزعُ الخليط الجيران المخالطون في المنزل والمال. رَدوا الجِمالَ بذي طُلوحٍ بعدما ... هاجَ المَصيفُ وقد تولى المَربَعُ قوله ردوا الجمال، يعني ردوها من موضع رعيها إلى الحي، حين أرادوا التحمل. قوله بعد ما هاج المصيف، أي جاء الصيف، واحتدم الحر، واشتد وهجه، ويبس العُشب من الرعي، ورجع كل قوم إلى مواضعهم. قال: وذو طلوح موضع يجمعهم. إنّ الشّواحِجَ بالضُحى هَيّجنّني ... في دارِ زينبَ والحَمامُ الوُقّعُ قوله إن الشواحج، يريد صياح الغربان. هيجنني يقول ذكرنني اجتماع الحي وتفرقهم. وقوله والحمام الوقع يعني الحمام التي تقع فتعتلف بعدما ترحّل الناس. نَعبَ الغُرابُ فقلتُ بَينٌ عاجِلٌ ... وجَرى بهِ الصرُدُ الغَداةَ الألمعُ الصرد الألمع لأن فيه خضرة وسواداً فقال الألمع. إنّ الجميعَ تفرّقتْ أهواؤهُم ... إنّ النوى بهوى الأحبةِ تَفجَعُ قال الأصمعي: النوى هو الموضع الذي ينوي الرجل أن يأتيه، وهو النوى والنية، وذلك أنهم تفرقوا فقصد كل قوم منهم حيث ينوون، فلذلك تشاءمت العرب بالنوى، لتفرقهم بعد اجتماعهم.

كيفَ العَزاءُ ولم أجد مُذْ بِنْتُمُ ... قلباً يَقِرُ ولا شراباً ينقعُ قوله ولا شراباً ينقع، يعني يُروي. ويقال الشراب ينقع نقعاً ونقوعاً، وذلك إذا روي منه صاحبه، وهو الماء الذي ينقع المال ويوافقه. ولقد صَدقتُكِ في الهوى وكذبتني ... وخَلَبتني بمواعدٍ لا تنفعُ قد خفتُ عندكمُ الوشاةَ ولم يكنْ ... لِيُنالَ عندي سرُكِ المُستودعُ كانت إذا نظرت لعيدٍ زينةً ... هَشّ الفؤادُ وليسَ فيها مطمعُ أي ارتاح وأحب النظر إليها ولا مطمع فيها. تركتْ حَوائِمَ صادِيات هُيّماً ... مُنعَ الشِفاء وطابَ هذا المَشرعُ الحوائم التي تدور حول الماء لتقع على الماء، ثم تمتنع من الوقوع. قال: والصادي العطشان. قال الأصمعي: إذا اختلف اللفظ والمعنى واحد، استحسنت العرب إعادة الألفاظ، وذلك أنه قال صاديات ثم هُيّما وهما جميعاً من العطش. قال أبو عبد الله: يقال الهيام ينال الإبل فتشرب الماء فلا تروى منه. وقوله تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} يقال بعير أهيم وناقة هيماء. أيامَ زينبُ لا خفيفُ حِلمُها ... همشَى الحديثِ ولا رَوادٌ سَلفَعُ قوله همشى الحديث، يقول مختلطة الحديث من الحياء. وقوله ولا رواد، يقول ليست هي بطوافة. وخفف روادوا لوزن الشعر، وقد تفعل العرب ذلك. والسلفع الجريئة البذية من النساء. قال: جندل في قوله همشى تصديقاً له: إنْ سَمعوا عَوراء أصغَوا في أذَنْ ... وهمَشوا بكَلِمٍ غيرِ حَسنْ قوله همشوا يعني خلطوا. يقال همشى الحديث، يعني مختلطة

الكلام. وإنما عنى بذلك أن هذه المرأة منعها الحياء من الكلام. وقوله همشى، يقال ليست بهشة الحدث مختلطته، ولكنها كما قال الآخر: إن تخاطبك تبلت. أي تقصر، أي ليست بمهذارة. بانَ الشبابُ حميدةً أيامُهُ ... ولوَ أنّ ذلكَ يُشترى أو يَرجِعُ رَجفَ العِظامُ منَ البِلىَ وتقادَمتْ ... سِنّي وفي لمُصلِحٍ مُستَمتَعُ وتقولُ بَوزعُ قد دَببتَ على العصا ... هَلاّ هَزِئتِ بغيرنا يا بَوزَعُ قوله هلا هزئت بغيرنا، يقول قد عهدتني شاباً، فقد كبرتِ كما كبرتُ، فاهزئي بنفسك أيضاً. ولقد رأيتُكِ في العَذارى مَرّةً ... ورأيتِ رأسي وهوَ داجٍ أفرَعُ قوله وهو داج، يقول كان شعري وأنا شاب أسود. وأفرع أي طويل. ويقال الداجي الكثير النبات. الأسود يريد شعره. كيفَ الزيارَةُ والمَخاوِفُ دونكُمْ ... ولكم أميرُ شَناءة لا يَربَعُ قوله شناءة، يعني بغضاً. يقال فلان يشنأ فلاناً إذا أبغضه. وشنان قوم بغض قوم. يربع يكف. يا أثلَ كابَةَ لا حُرِمتِ ثَرى الندا ... هَلُ رامَ بَعدي ساجِرٌ فالأجرَعُ قوله يا أثل كابة، هو موضع دعا له بالندى. قال: الثرى الندا المُبتل. قال: والندى من الطل والمطر. وسقى الغَمامُ مُنَيزِلاً بِعُنَيزَةٍ ... إمّا تُصافُ جَدى وإما تُربَعُ قال: الجدى المطر الواسع. يقول إما أن يصيبها مطر الصيف، لقوله إما تصاف، وإما أن يصيبها مطر الربيع، لقوله وإما تربع. قال:

والغمام السحاب. وعنيزة موضع. حَيوا الدّيارَ وسائِلوا أطلالهَا ... هل ترجِعُ الخبرَ الديارُ البَلقعُ قال: الأطلال ما شخص من آثار الديار. وطلل الإنسان شخصه. والعرب تقول للرجل حيّا الله طللك، يعنون شخصك. وقال أبو عبيدة: الأطلال الشخوص، نحو الوتد، والأثفية، وما شخص من الأرض. والبلقع من الأرضين القفر التي ليس فيها أحد. ولقد حبستُ بها المَطي فلم يكن ... إلا السلامُ ووكفُ عينٍ تدمعُ لمّا رأى صحبي الدموعَ كأنها ... سَحُّ الرذاذِ على الرداء استرجعوا قوله سح الرذاذ، قال الرذاذ من المطر الخفيف الصغار القطر. والسح الدائم في سكون ولين. قالوا تعزّ فقلتُ لستُ بكائنٍ ... مني العَزاء وصدعُ قلبي يُقرعُ فسَقاكِ حيثُ حَللتِ غير فقيدةٍ ... هَزِجُ الرواح ودِيمَةٌ لا تُقلِعُ قوله هزج الرواح، يريد غيما يأتي فيكثر ماؤه. قال: والديمة المطر الساكن، يمطر ساعة، ويقلع أخرى، ويدوم مطره في لين. فلقدْ يُطاعُ بنا الشفيعُ لديكُمُ ... ونُطيعُ فيكِ مودةً مَنْ يشفَعُ هل تذكرينَ زماننا بِعُنيزةٍ ... والأبرقين وذاكِ ما لا يرجعُ قال: الأبرق من الأرض الذي فيه حصى ورمل. والأبرق الحبل فيه حصى ورمل. والحبل هو الرمل بعينه. ويقال فيه أيضاً حصى وطين. وعنيزة أكمة سوداء. إنّ الأعاديَ قد لَقُوا لي هضبَةً ... تُنبِي مَعاوِلهُمْ إذا ما تُقرَعُ قوله هضبة يعني جبلا. تنبي معاولهم يقول ترد المعاول لصلابتها،

فلا تؤثر فيها. تُقرع يريد تُضرب، وإنما ضربه مثلاً لشرفه، وأنه لا يقدر أحد أن يفخر عليه بنسب وحسب. ما كُنتُ أقذِفُ مِنْ عشيرةَ ظالمٍ ... إلاّ تركتُ صَفاهُمُ يتصدّعُ قال أبو عبد الله: ويروى صفاتهم تتصدع. يقول وما قصدت أحداً من الشعراء إلا تركت صفاهم. والصفا الحجارة، أي وإن كان شعرهم مثل الصفا، تصدع من جودة شعري. أعددتُ للشعراء كأساً مُرّةً ... عندي مخُالطُها السمامُ المُنقَعُ هلاّ نَهاهُم تسعةٌ قَتلتُهُم ... أو أربعونَ حَدَوتهُم فاستجمعوا حدوتهم يقول سُقتهم. فاستجمعوا يقول فاستوسقوا واستجابوا لحدائي، وهو من قوله الله عز وجل: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} يريد اجتمع والله أعلم. خَصّيتُ بعضهم وبعضُ جُدّعوا ... فشكا الهَوانَ إلى الخَصِى الأجدَعُ قال أبو عبد الله: هذا فعل مكرر يريد خصيت واحداً بعد واحد. وقوله خصّيت يريد خصيت فثقله لوزن الشعر. ويروى فخصيت بالتخفيف. كانوا كمُشتركينَ لمّا بايعوا ... خَسِروا وشُفّ عليهمِ فاستُوضِعوا قوله شف عليهم، يقول رُبح عليهم. والشف الفضل. والشف أيضاً: النقصان. وهو من الأضداد. وهي حروف تأتي بمعنيين مختلفين، مثل السدف وهو الضوء، والسدف الظلمة، ومثل القشيب وهو الجديد من الثياب، والقشيب الخلق، وهي حروف معروفة. أفَيَنتهونَ وقد قضيتُ قضاءهُم ... أم يصطَلونَ حريقَ نارٍ تسفَعُ

قوله تسفع، يقول هذه النار تُغير لون الوجه فتصيره إلى السواد والحمرة. وإنما أراد أن شعره كالنار يغير وجوههم، لما يسمعون من هجائي إياهم، وذكري مثالبهم. ذاقَ الفرزدقُ والأخيطلُ حَرّها ... والبارِقيُّ وذاقَ مِنها البَلتَعُ قوله البارقي يعني سُراقة. والبلتع يعني المستنير بن أبي بلتعة العنبري. ولقد قسمتُ لذي الرِقّاعِ هديةً ... وتركتُ فيهِ وَهيّةً لا تُرقَعُ ويروى وتركت فيه وهية. قوله لذي الرقاع هو عدي بن الرقاع. وقوله وهية هي فعلية من الوهي والضعف. تقول من ذلك وهي الأديم فهو يهي، وذلك إذا تخرّق. ولقد صَككتُ بَني الفَدوكَس صَكّةً ... فلقوا كما لَقيَ القُرَيدُ الأصلَعُ ويروى ولقد دققت بني فدوكس دقة. قوله فدوكس. هو جد الأخطل. والقريد الأصلع يريد الفرزدق. قال أبو عبيدة، والأصمعي: كان الفرزق أصلع. وَهنَ الفرزدقُ يومَ جَرّبَ سَيفَهُ ... قَينٌ بهِ حمُمُ وآمٍ أربعُ ويروى خزي. ويروى وهن. وقوله جرّب سيفه، يريد يوم الأسير بين يدي سليمان بن عبد الملك. وقد أملينا حديثه فيما مضى من الكتاب. وقوله آم أربع، يريد ولده أربع إماء، يعيره بذلك. أخزيتَ قومكَ في مقامٍ قُمتهُ ... ووجدتَ سيفَ مجاشعٍ لا يقطعُ لا يُعجبنّكَ أنْ ترى لمجاشع ... جَلدَ الرجالِ ففي القلوبِ الخَولَعُ ففي القلوب الخولع، يقول: هم جبناء، يريد كأن أفئدتهم مخلوعة من الفزع.

ويَريبُ مَنْ رجعَ الفِراسةَ فيهمُ ... رَهلُ الطفاطِفِ والعِظامُ تخرّعُ قوله والعظام تخرع، الخراعة الضعف. يقال من ذلك عظم خريع أي متكسر. وقوله رهل الطفاطف، يريد كثرة اللحم واسترخاءه. والطفاطف لحم الخاصرتين. يقول: من أعاد الفراسة فيهم ارتاب بهم، لأنهم لا يُشبهون العرب. بَذَرتْ خَصافِ لهم بِماء مجاشعِ ... خَبُثَ الحَصادُ حصادُهم والمَزرَعُ بذرت يعني ولدت. وخضاف ضروط. إنّا لَنعرِفُ مِنْ نِجارِ مجاشع ... هَدّ الحَفيفِ كما يحفُ الخِروَعُ يقول: قلوبهم جوف لا عقول لهم، وإنما شبههم بالخروع لأنه مجوف ضعيف العود. أيُفايِشونَ وقد رأوا حُفاثَهُم ... قد عضّهُ فقضى عليهِ الأشجَعُ قوله أيفايشون، قال: المفايشة المفاخرة بلا حقيقة. وقوله حفاثهم، قال: الحفاث حية لا سم لها، تأكل الفأر وما أشبهه. والأشجع يريد الشجاع من الحيّات القاتل، ومنه سمي الرجل شجاعاً. هلاّ سألتَ مجاشعاً زَبدَ أستِها ... أينَ الزبير ورَحلُهُ المُتمَزّعُ ويروى المتوزع. قوله المتمزع، يقال من ذلك تمزع القوم إذا تفرقوا. أجحفتُمُ جُحفَ الخَزيرِ ونمتُمُ ... وبَنو صَفيةَ ليلُهُم لا يهجعُ صفية هي صفية بنت عبد المطلب أم الزبير بن العوام. والخزير دقيق يُعصد تأكله الأعراب. ويروى أجخفتم، الخاء معجمة. وُضِعَ الخَزيرُ فقيلَ أينَ مجاشعٌ ... فشَحا جَحافِلَهُ حُرافٌ هِبلَعُ

قوله فشحا يعني فتح جحافله، وهي شفتاه. وقوله جراف، يقول يجرف كل شيء إذا أكل. وقوله هبلع، يقول: هو واسع الجوف. يقول إنما طعام بني مجاشع الخزير، يعيرهم بذلك. ومجاشعٌ قَصبٌ هَوتْ أجوافُهُ ... غَرّوا الزبير فأيّ جارٍ ضَيّعوا إنّ الرزيةَ مَنْ تضمّنَ قبرُهُ ... وادي السباعِ لكل جَنبٍ مَصرعُ لمّا أتى خبرُ الزبيرِ تواضعتْ ... سُورُ المدينةِ والجبالُ الخُشّعُ رفع الجبال بالخشع، وجعل الخشع خبراً. قال أبو عبد الله: المعنى والجبال خشع لذلك، ثم ادخل الألف واللام على النعت، ودخول الألف واللام على النعت أفخم. وبكى الزبيرَ بناتُهُ في مأتم ... ماذا يُرَدُّ بُكاء من لا يسمعُ ويروى دعاء. ويروى ماذا يرد عليك من لا يسمع. قالَ النّوائِحُ منْ قريشٍ إنما ... غَدرَ الحُتاتُ ولينُ والأقرعُ لين يعني غالب بن صعصعة كان يلقب به. ويروى وغالب والأقرع. تَركَ الزبيرُ على مِنىً لمجاشع ... سُوء الثناء إذا تقضّى المجمعُ قتلَ الأجاربُ يا فرزدقُ جارَكُم ... فكُلوا مَزاوِدَ جارِكُم فتمتعوا قوله قتل الأجارب، قال: الأجارب خمس قبائل من بني سعد، وهم: ربيعة، ومالك، والحارث - وهو الأعرج - وعبد العُزى - وهو حمان - والحرام، بنو كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. قال أبو عبيدة: وإنما سُموا الأجارب لأنهم نحروا جملاً جرباً، فأكلوا لحمه، وغمسوا أيديهم في دمه، وتحالفوا وهم ولد كعب بن سعد. قال: وقاتل الزبير عمرو بن جرموز، أحد بني ربيعة بن كعب من الأجارب. أحُبارَياتِ شَقائِقٍ مَوليّةٍ ... بالصيفِ صَعْصَعَهُنّ بازٍ أسفَعُ

ويروى مولية بالخبت. الشقائق واحدتها شقيقة. قال والشقيقة ما غلظ بين حبلى رمل. وقوله مولية، يقول مُطرت الولي. قال: والولي، المطر بعد مطر كان قبله. وقوله صعصعهن يريد فرّقهن. وقوله باز أسفع، يعني في ريشه حمرة إلى السواد، وهو لون البازي. لو حَلّ جارُكُم إليّ مَنعتُهُ ... بالخيلِ تَنحِطُ والقَنا يَتزَعزَعُ قوله بالخيل تنحط، يعني تُحضر وتصهل، يريد تزفر، وتنحط تحيطاً من الجهد. وقوله والقنا يتزعزع، يريد يتحرك للطعن. قال أبو عبد الله: كان أبو العباس يقول: ذلك تفعل مخافة الطعن. لحَمَى فوارِسُ يحسرِونَ دُروعَهُم ... خلفَ المَرافِق حينَ تَدمى الأذرُعُ فاسألْ مَعاقِلَ بالمدينةِ عندهُم ... نورُ الحكومةِ والقضاء المَقنَعُ قال: المعاقل القوم الذين يُلجأ إليهم، فيمنعون كل من لجأ إليهم. مَنْ كانَ يذكُرُ ما يُقالُ ضُحى غَد ... عندَ الأسنّةِ والنفوسُ تطلّعُ كذبَ الفرزدقُ إنّ قومي قبلَهُم ... ذادوا العدوَّ عنِ الحِمى فاستوسعوا منعوا الثغورَ بعارِض ذي كوكبٍ ... لولا تقدُمنا لضاقَ المَطلَعُ قوله بعارض، يعني جيشاً كثير العدد. قال والعارض السحاب، وهو من قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ} شبه الجيش بالسحاب لعظمه وكثر أهله. وقوله ذي كوكب، يعني هذا الجيش كثير السلاح يبرق سلاحه كما يبرق الكوكب لكثرة السلاح. إنّ الفوارِسَ يا فرزدقُ قد حمَوا ... حَسباً أشَمّ ونَبْعَةً لا تُقْطَعُ قوله حسباً أشم، يعني حسباً عالياً لا يُعادله أحد في الشرف.

عَمداً عمدتُ لما يسوء مجاشِعاً ... وأقولُ ما عَلمتْ تميمٌ فاسمعوا لا تُتبَعُ النّخَباتُ يوم عظيمةٍ ... بُلغَتْ عَزائمُهُ ولكن تَتبَعُ قوله بلغت عزائمه، يقول انتُهي لما عزموا عليه فيه. هَلاّ سألتْ بني تميم أيُنا ... يحمي الذّمارَ ويُستجارُ فيمنعُ مَنْ كانَ يستلِبُ الجبابِرَ تاجَهُم ... ويضَرُّ إذ رُفعَ الحديثُ وينفعُ الرواية من يستلب المنابر أهلها. يعني منابر غلبت عليها بنو يربوع، منها منابر خراسان، غلب عليها وكيع بن أبي سود الغداني، وقتل قتيبة ابن مسلم الباهلي. قال: ومنبر الكوفة غلب عليه مطر بن ناجية الرياحي، وطرد أميرها عبد الرحمن الحضرمي، عامل الحجاج بن يوسف. والأسود بن نعيم بن قعنب أخذ منبر المدينة. ومنبر البصرة غلب عليه سلمه بن ذؤيب الرياحي، وقتل مسعود بن عمرو الأزدي، في فتنة عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان، حين هلك يزيد بن معاوية. قال: وقد أملينا حديث مسعود بن عمرو الأزدي في رواية أبي عبيدة. أيُفايِشونَ ولم تَزِنْ أيامُهُم ... أيامَنا ولَنا اليَفاعُ الأرفَعَ ويروى الأفرع. قوله ولنا اليفاع الأرفع، يقول لنا الشرف المترفع، الذي لا يبلغه مفاخر، ولا يقاربه مباذخ، فضربه مثلاً لليفاع. مِنّا الفوارِسُ قد علمتَ ورائِسٌ ... تهدِي قنابِلَهُ عُقابٌ تلمعُ رائس رئيس. والقنابل الجماعات، الواحدة قنبلة، يريد جماعةً بعد جماعةٍ. والعقاب يريد الراية. وتلمع أي هي ظاهرة مشهور مكانها ثابتة لا تنهزم. ولَنا عليكَ إذا الجُباةُ تَفارَطوا ... جابٍ لهُ مَددٌ وحَوضٌ مُترعُ

قوله إذا الجباة، هم السقاة الذين يملأون الحياض، حتى ترد الإبل وتشرع فيها. وقوله تفارطوا، يريد تقدموا للاستقاء قبل أن تردَ الإبل. قال: والفرط الرجل يقدم أولاداً صغاراً، فهم له شافعون يوم القيامة. وقوله جاب له مدد، يقول له مستق من الماء الكثير. قال: وإنما هذا مثل ضربه، يقول لنا سادة ذادة كثير خيرهم. هَلاّ عَدَدتَ فَوارِساً كَفوارِسي ... يومَ ابنُ كَبشَةَ في الحديدَ مُقنّعُ يعني يوم ذي نجب. قال: وقد أملينا حديث يوم ذي نجب، فيما أمليناه من الكتاب. خَضَبوا الأسنّةَ والأعنّةَ إنهم ... نالوا مَكارِمَ لم ينَلها تُبّعُ وابنَ الرِبابِ بذاتِ كَهفٍ قارَعوا ... إذ فَضّ بيضَتَهُ حُسامٌ مِصدَعُ قوله وأبن الرباب، يريد الأسود بن المنذر، وأم الأسود أمامة بنت جلهم، من تيم الرباب. قال: ولذلك قال ابن الرباب. واستنزَلوا حَسّانَ وابنَى مُنذِرٍ ... أيامَ طِخفَةَ والسروجُ تَقَعقَعُ يريد حسان بن معاوية الكندي، وقد أملينا حديثه فيما أمليناه من الكتاب. تلكَ المكارِمُ لم تجد أيامَها ... لمُجاشعٍ فقفوا ثُعالَةَ فارضَعوا لا تظمَأونَ وفي نُحَيحٍ عمّكُمْ ... مَروىً وعندً بني سُويدٍ مَشبَعُ قوله في نحيح، هو نحيح بن عبد الله بن مجاشع. وثعالة عبد لهم. وقد أملينا حديثه فيما أمليناه من الكتاب. نزفَ العُروقَ إذا رَضعتُم عمّكُم ... أنفٌ بهِ خَثَمٌ ولحيٌ مُقنَعُ قتلَ الخِيارُ بَنو المُعلبِ عَنوَةً ... فخُذوا القَلائِدَ بعدهُ وتَقنّعوا وُطِيء الخِيارُ ولا تخافُ مجاشِعٌ ... حتى تحطّمَ في حَشاهُ الأضلُعُ

ودَعا الخِيارُ بَني عِقالٍ دَعوةً ... جَزعاً وليسَ إلى عقالٍ مجزَعُ يريد الخيار بن سبرة، وهو من بني مجاشع، قتله بنو المهلب في فتنة يزيد بن المهلب. قال: وكان الخيار أميراً على عمان، وكان أمره عدي ابن أرطاة الفزاري، وكان عدي عاملاً لعمر بن عبد العزيز على البصرة. لو كانَ فاعترَفوا وَكيعٌ منكُمُ ... فَزعَتْ عُمانُ فما لكم لم تَفزعوا هَتفَ الخيارُ غَداةَ أدرِكَ رُوحُهُ ... بمجاشع وأخو حُتاتٍ يسمعُ لا يفزَعنً بنو المُهلبِ إنهُ ... لا يُدرِكُ الترّةَ الذليلُ الأخضَعُ هذا كما تركوا مَزاداً مُسلَماً ... فكأنما ذُبحَ الخروفُ الأبقَعُ قال: وقد أملينا حديث مزاد. قال وذلك أنه قتل عوف بن القعقاع مزاداً. يقول فهدر دمه، هدر دم الخروف. زعمَ الفرزدقُ أنْ سيقتُلُ مَربعاً ... أبشر بِطولِ سلامةٍ يا مَربعُ مربع هو لقب لُقب به، واسمه وعوعة، رواية لجرير. وكان نفر بأبي الفرزدق وضربه، فيقال إنه مات في تلك العلة، فحلف الفرزدق ليقتلنه، فقال جرير حينئذ لمربع: أبشر بطول سلامة يا مربع، تكذيباً للفرزدق في مقالته ليقتلن مربعاً، أي أنك لا تموت إلا ميتة نفسك. وهو وعوعة أحد بني أبي بكر بن كلاب. إنّ الفرزدقَ قد تبينّ لُؤمهُ ... حيثُ التقتْ حُشَشاؤهُ والأخدَعُ قال: الحششاء العظم الناتيء خلف الأذن. والأخدع عرق في صفح العنق، يحتجم عليه المحتجم. حُوقُ الحِمارِ أبوكَ فاعلَمْ عِلمَهُ ... ونَفاك صَعصعَةُ الدّعِي المُسبَعُ المسبع المهمل المتروك الذي قد خلاّه أهله ونفوه وذلك لخبثه.

وزَعمتَ أمكمُ حَصاناً حُرّةً ... كَذباً قُفَيرةُ أمكُم والقَوبَعُ وبَنو قُفيرةَ قد أجابوا نهشَلاً ... باسمِ العُبودَةِ قبلَ أن يتَصعصَعوا هذي الصحيفةُ مِنْ قُفيرةَ فاقرأوا ... عُنوانهَا وبشر طينٍ تُطبَعُ كانت قُفيرةُ بالقَعودِ مُربّةً ... تبكي إذا أخذَ الفصيلَ الروبَعُ القعود البعير يقتعده صاحبه فيركبه في حوائجه. وقوله مربة، يقول لازقة به لا تفارقه. قال: والروبع داء يصيب الفصلان فتضعف لذلك الفصلان وتسترخي. تَلقى نِساء مجاشعٍ مِنْ ريحِهِم ... مَرضى وهُنّ إلى جُبيرٍ نُزّعُ جبير كان عبداً لصعصعة، فنسب جرير غالباً أبا الفرزدق إلى جبير، وكان قيناً يعيّره بذلك. ليلى التي زَفرتْ وقالت حَبذا ... عَرقُ القِيانَة مِنْ جُبيرٍ يَنبُعُ ليلى الذي غيرتُمُ أنْ قُلتُمُ ... هذا لَعمرُ أبيكَ قَين مُولَعُ ويروى طير مولع. الرواية أفكان ما غيّرتم أن قلتم. بئسَ الفوارِسُ يا نَوارُ مجاشِعٌ ... خُورٌ إذا أكلوا خَزيراً ضَفدَعوا قوله ضفدعوا يعني سلحوا. ويروى الخزيرة. ضفدعوا أي ضرطوا. يَغدون قد نفخَ الخَزيرُ بُطونهُم ... رَغداً وضَيفُ بني عِقالٍ يخفَعُ يُصرع ويُغشى عليه من الجوع. أينَ الذينَ بِسيفِ عمروٍ قُتّلوا ... أم أينَ أسعدُ فيكُمُ المُسترضَعُ

يعني عمرو بن هند. قال: وذلك أنه كان أغار على بني دارم يوم أوارة، فأصاب فيهم. وقد أملينا حديثه فيما أمليناه، وحديث أسعد بن عمرو. حَرّبتُمُ عَمراً فلما استوقَدتْ ... نارُ الحروبِ بغُرّبٍ لم تمنعوا قوله بغرب هو اسم جبل كانت فيه الوقعة. وبأبرَقي ضَحيان لاقوا خِزيَة ... تلكَ المَذلّةُ والرِقابُ الخُضّعُ خورٌ لهم زَبدٌ إذا ما استَأمنوا ... وإذا تتابَعَ في الزمانِ الأمرُعُ هل تعرِفونَ على ثَنيّةِ أقرُن ... أنَسَ الفَوارِسِ يومَ شُكّ الأسلَعُ قوله الأسلع يعني الأبرض، يريد عمرو بن عمرو بن عدس ابن زيد. قال: وكان أبرص. قال: وقوله أنس الفوارس، عنى أنس بن زياد العبسي. وزَعمتَ وَيلَ أبيكَ أنّ مجاشِعاً ... لو يسمعون دعاء عَمروٍ وَرّعوا ورعوا حبسوا خيلهم عليه. يقال ورّع الرجل إذا وقف في الحرب. لم يخفَ غدرُكُمُ بِغَورِ تهامَةٍ ... ومجر جِعثنَ والسماعُ الأشنَعُ أختُ الفرزدقِ مِنْ أبيهِ وأمّهِ ... باتت وسيرتهُا الوَجيفُ الأرفَعُ قال: الوجيف سير في عجلة وحركة شديدة. يقال قد أوجف القوم، وذلك إذا أسرعوا في سيرهم. قد تعلمُ النخَباتُ أنّ فَتاتهُمْ ... وُطئتْ كما وُطئ الطريقُ المَهيَعُ هلاّ غضبتَ على قُرومِ مُقاعِسٍ ... إذ عجّلوا لكمُ الهوانَ فأسرعوا نُبئتُ جعثنَ دافعتهُم باستَها ... إذ لم تجد لمجاشع من يدفعُ أمدَحتَ ويحكَ مِنقَراً أن ألزَقوا ... بالحارقَين فأرسلوها تظلَعُ

باتت بكلِ محُرّفٍ حامي القَفا ... حابِي الضلوعِ مُقاعِسيّ تُكسَعُ قوله مقاعسي، يعني مقاعس، وهم عبيد، وصريم، وربيع، بنو الحارث ابن عمرو بن عوف بن سعد. يا ليتَ جعثنَ عندَ حجرةِ أمّهِا ... إذ تستديرُ بها البلادُ فتُصرعُ قال الفرزدقُ وابنُ مُرّةَ جامِحٌ ... كيفَ الحياةُ وفيكِ هذا أجمعُ جُرّتْ فتاةُ مجاشِعٍ في مِنقَرٍ ... غير المِراء كما يجُر الميكَعُ قوله الميكع هو السقاء، يُدنى فمه من الغدير ومن الحوض، فيُملأ ثم يجر فيُنحّى. يبكي الفرزدقُ والدماء على استِها ... قُبحاً لتلكَ غُروبَ عينٍ تدمعُ أوقدتَ نارَكَ فاستضأتَ بخزيَةٍ ... ومنَ الشهودِ خَشاخِشٌ والأجرَعُ خشاخش والأجرع موضعان. تبا لجِعثنَ إذ لقيتَ مُقاعساً ... مُتخَشعاً ولأيّ شَكرِ تخشَعُ الشكر الجماع. قال عمارة في روايته: أنسيت جعثن. هذا الفرزدقُ ساجداً لمُقاعِسٍ ... والقينُ أجزل بالصفاح موقّع جَدعتْ مسامِعكَ التي لم تحمِها ... سعدٌ فلين بنابتٍ لك مسمع سعدُ بنُ زيدِ مَناةَ عِزّ فاضِلُ ... جمع السعود وكل خير يجمع ويروى فضلوا السعود وكل خير يجمع. يكفي بني سعدٍ إذا ما حارَبوا ... عِزٌ قُراسِيَةٌ وجَدُّ مِدفَعُ القراسية العظيم الجسم. وجد مدفع يقول يدفع عنه الأعداء لعزه. الذائدونَ فلا يهُدّمُ حوضُهُم ... والوارِدونَ فوِردُهُم لا يُقدَعُ

قوله لا يقدع، يقول لا يرد ولا يكف. يقال قدعه عن ذاك وكفه بمعنى واحد. ما كانَ يضلَعُ مِنْ أخي عِمّيّةٍ ... إلا عليهِ دُروء سعدٍ أضلَعُ قوله يضلع أي يميل ويتقي. وعميّة ضلالة والدُّروء شماريخ تنتأ من الجبل، وهذا مثل. فاعلمْ بأنّ لاِلَ سعدِ عندنا ... عهداً وحَبلَ وثيقَةٍ لا يُقطعُ يعتادُ مخدَعهُ الفرزدقُ زانياً ... أفَلا يهُدّمُ يا نَوارُ المخدعُ عرفوا لنا السلفَ القديمَ وشاعراً ... تركَ القصائدَ ليسَ فيها مصنعُ ورأيتَ نبلكَ يا فرزدقُ قَصرّتْ ... ووجدتَ قوسكَ ليسَ فيها منزَعُ هذا مثل. أي ليس عندك غناء. وقال الفرزدق لخالد بن عبد الله ويهجو جريراً: ألا مَنْ لمُعتادٍ منَ الحُزنِ عائِدِ ... وهَمّ أتى دونَ الشراسيفِ عامِدي الشراسيف منقطع ضلوع الجنبين. والمعنى في ذلك يقول: هذا الهم الذي أصابني قد دخل هذا المدخل. وكم مِن أخٍ لي ساهرِ الليلِ لم يَنمْ ... ومُستثقَلٍ عني منَ النومِ راقِدِ وما الشمسُ ضوء المشرقينِ إذا انجلتْ ... ولكن ضوء المشرقينِ بخالد ستعلمُ ما أثنى عليكَ إذا انتهتْ ... إلى حضرموتَ جامحاتُ القصائِدِ ألم ترَ كفّي خالِدٍ قد أفادتا ... على الناسِ رِزقاً مِن كثيرِ الروافِدِ

أسالَ لهُ النهرَ المباركَ فارتمَى ... بمِثلِ الزوابيِ المُزبداتِ الحَواشِد ويروى فإن له النهر المبارك. وروى أبو عمرو: وكانَ لهُ النهرُ المباركُ فارتمى ... بهِنّ إليهِ مُزبداتِ الحواشِدِ ويروى على الراسيات العاليات الحواشد. قوله المزبدات الحواشد، قال: حواشد الماء حوالبه التي تصب فيه. فزِدْ خالداً مثلَ الذي في يمينِهِ ... تجدهُ عَن الإسلامِ مِن خيرِ ذائِدِ قوله فزد خالداً، يقول يا رب زد خالداً من الخير يدعو له. فإني ولا ظُلماً أخافُ لخالدِ ... منَ الخوفِ أسقَى مِنْ سِمامِ الأساوِدِ وإني لأرجو خالداً أن يفُكّني ... ويُطلقَ عني مُقفَلاتِ الحَدائدِ تكشّفَت الظلماءُ عن نورِ وجههِ ... لضوء شِهابٍ ضَوؤهُ غيرُ خامِدِ ألا تذكُرونَ الرحمَ أو تُقرضونَني ... لكم خُلقاً من واسِع الخُلقِ ماجِدِ يقول خلقكم واسع. ويروى لكم حلباً، يعني بلاء يُحلب. لهُ مِثلُ كَفّي خالِدٍ حينَ يشتَري ... بكل طَريفٍ كل حمدٍ وتالدِ فإن يكُ قيدي ردّ همي فربما ... تناولتُ أطرافَ الهمومِ الأباعِدِ ويروى: فإن يكُ قيدي أدهمَين فربما ... ترامَى بهِ رامِي الهمومِ الأباعدِ

منَ الحامِلاتِ الحَمدَ لمّا تَكمّشتْ ... ذَلاذِلهُا واستورأت للمُناشِدِ قوله لما تكمشت، يعني ارتفعت. وذلاذلها علائقها. وقوله واستورأت، يقول نفرت ومضت. والمناشد الذي ينشد - يريد يطلب - ضالة فهو ينشدها. فهل لابنِ عبدِ اللهِ في شاكرٍ لهُ ... بمعروفٍ أنْ أطلقتَ قيديهِ حامدِ بمعروف منون، وحامد مردود على شاكر. يريد بمعروف حامد، إن أطلقت قيديه حامد لك. قال: ففرق بين المضاف والمضاف إليه، وهذه حجة في النحو. وما من بلاء غيرَ كل عَشيةٍ ... وكل صباحٍ زائرٍ غير عائدِ يقولُ ليَ الحدادُ هل أنتَ قائمُ ... وما أنا إلا مثلُ آخرَ قاعدِ كأني حَرورِيُّ لهُ فوقَ كعبه ... ثلاثون قيداً من صريمٍ وكابِدِ قوله صريم، يعني صريم بن الحارث وهو مقاعس. قال: وكانوا خوارج. كابد حي من اليمن. وإما بدَينٍ ظاهَروا فوقَ ساقِهِ ... فقد عَلِموا أنْ ليسَ دَيني بناقِدِ وراوٍ عليّ الشعرَ ما أنا قُلتهُ ... كمعتَرضٍ للرمحِ بين الطرائِدِ الطرائد التي تُطرد، والطريدة ما طُرد من الصيد.

فناكَ الذي يروي عليَ التي مشتْ ... بهِ بين حَقوَي بطنِها والقلائِدِ بأيرِ ابنِها إنْ لم تجئ حينَ تلتقي ... على زورِ ما قالوا عليّ بشاهِدِ قال فأجابه جرير ويمدح خالد بن عبد الله، فقال: لعلّ فِراقَ الحيّ للبين عامِدي ... عشيةَ قاراتِ الرحيلِ الفَواردِ يقال عمد سنام البعير يعمد عمداً، إذا خرجت فيه دبرة فأفسدته. وإنما هو مثلٌ. والقارات الجبال الصغار. والرحيل من البصرة على فرسخين، وهو منزل معروف. لَعمرُ الغَوانيِ ما جَزينَ صَبابتي ... بهنّ ولا تحبيرَ حوكِ القصائِدِ قوله تحبير يريد تحسين، يقال من ذلك قد حبّرَ الشاعر شعره، وذلك إذا حسّنه وجوّده. قال أبو عبيدة: وكأنه مأخوذ من الحبرة، وحبر اليمن المخطط. رأيتُ الغواني مُولَعاتٍ بذي الهوى ... بحُسن المُنى والخُلفِ عندَ المَواعِد لقد طالَ ما صِدنَ القُلوبَ بأعينٌ ... إلى قَصَبٍ زين البُرى والمَعاضِدِ قال: البرى الخلاخيل. والمعاضد يعني الدماليج. ويروى والمعاقد. وكم من صديقٍ واصِلٍ قد قطعنَهُ ... وأفتَن مِنْ مُستحكِمِ الدينِ عابدِ

أتُعذَرُ أنْ أبديتَ بعدَ تجلُّد ... شَواكِلَ مِنْ حُبٍّ طريفٍ وتالدِ فإن التي يومَ الحَمامةِ قد صَبا ... لها قلبُ تَوّابٍ إلى اللهِ ساجدِ قوله يوم الحمامة، يعني حمامة داود عليه السلام. وقوله لها قلب، يعني قلب داود، على نبينا وعليه الصلاة والسلام. ونطلُبُ وُدا منكِ لو نَستفيدُهُ ... لكانَ إلينا مِنْ أحَبِّ الفَوائدِ ويروى ومطلب ديناً ولو يستفيده لكان إليه. فلا تجمعي ذِكرَ الذنوبِ لتبخلي ... علينا وهجرانَ المُدِلّ المُباعدِ إذا أنتَ زًرتَ الغانياتِ على العَصا ... تمنّيتَ أن تُسقى سِمامَ الأساود أعِفُّ عَنِ الجارِ القريبِ مَزارُهُ ... وأطلُبُ أشطانَ الهُمومِ الأباعدِ قال: الأشطان في غير هذا الموضع الحبال، وهي، ها هنا، الأسباب. لقد كانَ داءٌ بالعراقِ فما لَقُوا ... طبيباً شَفى أدواءَهم مثلَ خالدِ يعني خالد بن عبد الله القسري. شَفاهُم بحلمِ خالَطَ الدِينَ والتُقا ... ورأفةَ مهدِيّ إلى الحق قاصدِ فإن أميرَ المؤمنينَ حَباكُمُ ... بمُستبصرِ في الدين زَين المَساجدِ وإنّ ابنَ عبدِ اللهِ قد عُرفَت لهُ ... مواطنُ لا تخزيهِ عندَ المَشاهِدِ وأبلى أميرَ المؤمنينَ أمانَةً ... وأبلاهُ صِدقاً في الأمورِ الشدائدِ إذا ما أراد الناسُ منهُ ظُلامَةً ... أبى الضيمَ واستعصى على كلِ قائدِ فكيفَ يرومُ الناسُ شيئاً مَنعتَهُ ... لهاً بين أنيابِ الليوثِ الحَوارِد

قال أحمد بن عبيد: هو منعنه، يعني اللَّها فقدّم وجمع. أي الذي تمنعه أنت كأنه في لهاة بين أنياب ليث، فمن يقدر على استخراجه. إذا ما لقيتَ القِرنَ في حارة الوغا ... تنفّسَ من جيّاشَةٍ ذاتِ عانِدِ قوله جياشة، يقول هذه الطعنة تجيش بالدم، كما تجيش القدر بما فيها من شدة الغليان. وقوله ذات عاند، يقول الدم الذي يسيل من هذه الطعنة عاند، يريد يأخذ غير الطريق من كثرته، يذهب الدم يمنة ويسرة، وهو من قولهم: قد عَنَد فلان عن الطريق، إذا ذهب مذهب الباطل والظلم، فكأنه مشتق من ذلك، قال أبو جعفر: عاند لا يجيب راقياً من سعة مخرجه من الطعنة. وإنْ فَتنَ الشيطانُ أهلَ ضلالَةٍ ... لَقُوا منكَ حرباً حميُها غيرُ بارِدِ إذا كانَ أمنٌ كانَ قلبُكَ مؤمنا ... وإنْ كانَ حوفٌ كنتَ أحكمَ ذائدِ قوله كنت أحكم ذائد، كنت أحكم من يدفع عن حريمه. يقال فلان يذود الناس، وذلك إذا دفع عنهم. حميتَ ثغورَ المسلمينَ فلم تُضعْ ... وما زِلتَ رأساً قائدا وابنَ قائدِ تُعدُ سرابيلَ الحديدِ معَ القَنا ... وشُعثَ النواصيِ كالضراء الطواردِ قوله كالضراء الطوارد، يعني الكلاب الضارية، الواحد ضرو، والأنثى ضروة. وإنكَ قد أعطيتَ نصراً على العِدى ... ولُقيتَ صبرا واحتسابَ المُجاهد إذا جمعَ الأعداءُ أمرَ مكيدةٍ ... لِغدرٍ كفاكَ اللهُ كيدَ المُكايدِ

وإنّا لنرجو أن توافقَ عُصبةً ... يكونونَ للفردوسِ أولَ وارِد تمكنتَ في حيي مَعدَ مِنَ الذُرى ... وفي اليَمنِ الأعلى كريمَ الموالِد يعني كريم الآباء والأمهات. فُروعٍ وأصلٍ من بجيلَةَ في الذُرى ... إلى ابنِ نزارٍ كانَ عماً ووالدِ وما زِلتَ تسمو للمكارمِ والعُلى ... وتعمُرُ عزاً مُستنيرَ الموارِدِ إذا عُدّ أيامُ المكارمِ فافتخرْ ... بآبائكَ الشُم الطوالِ السواعدِ قوله الشم الطوال المرتفعة، وهذا مثلٌ ضربه للشرف والكرم. أي أن حسبهم لا يبلغه من يُفاخره. وكم لكَ مِنْ بانٍ رفيعٍ بِناؤهُ ... وفي آلِ صَعبٍ مِنْ خطيبٍ ووافدِ يريد صعب بن علي بن بكر بن وائل. ويروى وكم من أبٍ صعب رفيع بناؤه. يَسركَ أيامَ المُحصّبِ ذَكرُهم ... ويومَ مقامِ الهَدي ذاتِ القلائدِ ويروى يُشرف أيام المحصب. المعنى في ذلك، يقول إذا اجتمع الناس من كل فج عميق، تذاكروا آباءهم قديماً وحديثاً يتفاخرون. يقول: إذا تفاخر الناس في تلك الأيام، سرك ما سمعت من ذكر آبائك، وما تقدم من فعلهم.

بَنيتَ المَنارَ المُستنيرَ على الهُدى ... فأصبحتَ نوراً ضَوؤهُ غيرُ خامدِ بنيتَ بناء لم يرَ الناسُ مثلهُ ... يكادَ يُوازي سُورهُ بالفَراقد وأعطيتَ ما أعيى القُرونَ التي مضتْ ... فنَحمدُ مولانا وليّ المَحامِد لقد كانَ في أنهارِ دجلةَ نعمةٌ ... وحُظوةُ جَدّ للخليفةِ صاعدِ عطاء الذي أعطى الخليفةَ مُلكهُ ... ويكفيهِ تزفارَ النفوسِ الحواسِدِ فإن الذي أنفقتَ حَزماً وقوةً ... يجيء بإضعافٍ منَ الربحِ زائِد ويروى فكان. و: فأبشر بأضعاف قال: يعني ما أنفقه على المبارك، نهر كان احتفره خالد. جَرتْ لكَ أنهارٌ بيُمنٍ وأسعُدٍ ... إلى زينةٍ في صحصَحان الأجالدِ يُنَبّتْنَ أعناباً ونخلاً مباركاً ... وحباً حصيداً من كريم الحصائِد ويروى وأنقاء بُر في جرون الحصائد. إذا ما بعثنا رائداً يطلبُ الندَى ... أتانا بحمدِ اللهِ أحمدَ رائِد ويروى إذا ما أردنا رائداً. و: أتانا بحمد الله من خير رائد. الرائد الذي يطلب الكلأ. ومثلٌ من أمثال العرب في الصدق: "الرائد لا يكذبُ أهله". يقول هو يصدقهم.

فهل لكَ في عانٍ وليسَ بشاكرٍ ... فتُطلِقَهُ من طولِ عَضّ الحدائِدِ هذا يقوله لخالد في الفرزدق، أي إن أطلقته لم يشكرك. يعودُ وكانَ الخُبثُ منهُ طبيعةً ... وإنْ قال إني مُتعبٌ غيرُ عائِد فلا تقبلوا ضربَ الفرزدقِ إنهُ ... هوَ الزيفُ ينفي ضربهُ كلُ ناقِدِ نَدِمتَ وما تُغني الندامةُ بعدما ... تطوّحتَ مَنْ صَكّ البُزاةِ الصوائدِ تطوحت أي سقطت من أعلى إلى أسفل. وكيفَ نجاةٌ للفرزدقِ بعدما ... ضَغا وهوَ في أشداقِ أغلبَ حارِدِ قوله في أشداق أغلب، يعني في شدق أسد غليظ الرقبة. وإنما ضرب الأسد مثلاً لنفسه، شبّه نفسه بالأسد. يُلوّي أستَهُ مما يخافُ ولم يزل ... بهِ الحَينُ حتى صارَ في كَفّ صائِدِ بَني مالك إنّ الفرزدقَ لم يزل ... كَسوباً لعار المُخزياتِ الخوالِدِ وإنّا وجدنا إذْ وفَدنا عليكمُ ... صُدورَ القَنا والخيلَ أنجحَ وافدِ ألم ترَ يربوعاً إذا ما ذكرتهُا ... وأيامها شَدّوا مُتونَ القصائدِ فمن لك إنْ عَدّدتَ مثلَ فوارسي ... حَووا حَكماً والحضرمي بنَ خالدِ يعني الحضرمي بن عامر بن مجمع بن موألة بن خالد بن ضب بن القين بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة. والحكم بن مروان بن زنباع بن جذيمة العبسي، أسرتهما بنو يربوع. وقال جرير يمدح هلال بن أحوز المازني، ويفخر بأبناء إسماعيل وإسحاق، ويهجو الفرزدق وبني طهية:

لمن رَبعُ دارهَم أنْ يتغيرا ... تَراوحَهُ الأرواحُ والقطرُ أعصرُا ويروى رسم دار. وقوله تراوحه الأرواح، يعني تعاوره الأرواح هذه مرة وهذه مرة. وقوله أعصرا، يعني دُهورا، وواحد الأعصر عصر. وكُنا عَهِدنا الدارَ والدارُ مَرّةً ... هيَ الدارُ إذ حلّت بها أم يَعمُرا ذكَرنا بها عَهداً على الهجرِ والبِلى ... ولابُد للمَشعوفِ أنْ يتذكّرا ويروى ذكرت. و: على النأي. أجِنّ الهوىَ ما أنسَ لا أنسَ مَوقِفا ... عَشيّةَ جَرعاء الصريفِ ومَنظَرا عَشيّةَ تَسبي القلبَ من غيرِ ريبَةٍ ... إذا سفرت عن واضِح اللون أزهرا أزهر أبيض. وقوله عشية جرعاء، قال: الجرعاء الرابية من الرمل. قال الأصمعي: قد جاء في الحديث، إن ليلة الجمعة ليلة غراء، ويومها يوم أزهر. والأزهر الأبيض. أتى دونَ هذا النومِ همٌّ فأسهَرا ... أراعي نُجوماً تالياتٍ وغُوّرا قوله تاليات يعني نجوم آخر الليل. وقوله غورا، يعني بدأن بالمغيب. أقولُ لها من ليلةٍ ليسَ طُولهُا ... كَطُولِ الليالي ليتَ صُبحَككَ نَوّرا حذاراً على نفسِ ابنِ أحوزَ إنهُ ... جَلا كلّ وجهٍ من مَعَدّ فأسفرا أخافُ عليه إنهُ قد شفى جَوىً ... وأبلى بَلاء ذا حُجولٍ مُشهّرا قال: الجوى الداء الباطن، الذي لا يقدر الطبيب على أن يراه بعينه، فعلاجه شديد.

وإنما أراد أنه قد شفى قلوباً من داء شديد بإدراك الذحل. ثم قال: وأبلى بلاء ذا حجول مشهرا. يقول فعل فعلا اشتهر به وعُرف، كما عُرف هذا الفرس المشهور، وهو الأبلق من الخيل. ألا رُبّ سامي الطرفِ من آلِ مازِنٍ ... إذا شمّرتْ عن ساقِها الحربُ شَمّرا أتنسونَ شَدّاتِ ابنِ أحوزَ مُعلِماً ... إذا الموتُ بالموتِ ارتدى وتأزّرا تقول أعلم الرجل في الحرب، إذا لبس خرقة حمراء، أو صفراء، أو شيئاً يُعرف به. فأدركَ ثأرَ المِسمَعين بسيفهِ ... وأغضبَ في يومِ الخيار فنَكّرا قوله فأدرك ثأر المسمعين، قال: المسمعان مالك وعبد الملك ابنا مسمع. والخيار هو ابن سبرة المجاشعي. جعلتَ بقبرٍ للخيارِ ومالكٍ ... وقبر عَدِيّ في المقابرِ أقبُرا شفيتَ منَ الأثآرِ خولةَ بعدما ... دعتْ لهفها واستُعجِلَتْ أن تخمّرا هي خولة بنت عطية بن عمار، من بني وائل باهلة. وكانت امرأة عدي ابن أرطاة، فقُتل زوجها، فيقول شفيتها ممن قتل زوجها. وغرّقتَ حِيتانَ المَزونِ وقد رأوا ... تميماً وعِزا ذا مناكبَ مِدسرَا قوله مدسر هو الرجل الشديد المدافعة، يقال دسر دسراً أي دفعه دفعاً شديداً. فلم تُبقِ منهم رايةً يرفعونهَا ... ولم تُبقِ من آلِ المُهلّبِ عَسكرا وأطفأتَ نيرانَ النفاقِ وأهلِها ... وقد سارعوا في فتنةٍ أن تسعّرا

فإن لأنصارِ الخلافةِ ناصِراً ... عزيزاً إذا طاغِ طغى وتجبرا فذو العرشِ أعطانا على الكُره والرِضا ... إمامَ الهُدى ذا الحِكمةِ المُتخيرا وإنّ الذي أعطى الخلافةَ أهلَها ... بنى ليَ في قيسٍ وخندفَ مفخرا فأمستْ رواسي المُلكَ في مُستقرِها ... بمُنتجَبٍ من آلِ مراونَ أزهرا مَنابرُ مُلك كلها خِندفيّةٌ ... يُصليّ عليها من أعرناهُ منبرا أنا ابنُ الثرى أدعوا قُضاعةَ ناصراً ... وآلَ نزارٍ ما أعف وأكثرا عديداً مَعدّيا لهُ ثروةُ الحَصى ... وعزا قُضاعِيا وعزّا تَنَزّرا نِزارٌ إلى كلبٍ وكلبٌ إليهمُ ... أحقُّ وأدنى مِن صُداء وحمِيرَا فأيُّ مَعَدّيّ يخافُ وقد رأى ... جِبالَ مَعَدّ والعديدَ المُجمهرا المجمهر يريد العديد الكثير المعظم. أبونا خليلُ اللهِ واللهُ رَبُنا ... رضينا بما أعطى المَليكُ وقدّرا بنى قِبلَةَ اللهِ التي يهتدى بها ... فأورثَنا عِزا ومُلكاً مُعمّرا أبونا أبو إسحاق يجمعُ بيننا ... أبٌ كانَ مهدياً نبيا مُطهرا فيجمعُنا والغُر أبناء سارةٍ ... أبُ لا نُبالي بعدهُ من تغدّرا ومنا سليمانُ النبيُّ الذي دعا ... فأعطيَ تبياناً ومُلكاً مُسخّرا ويعقوبُ منا زادَهُ اللهُ حكمةً ... وكانَ ابنُ يعقوبٍ نبياً مُصدّرا

وعيسى وموسى والذي خرّ ساجداً ... فنَبّتَ زَرعاً دمعُ عينيهِ أخضرا وأبناءُ إسحاق الليوثُ إذا ارتدوا ... محَامِلَ موتٍ لابسينَ السنوّرا السنور يعني الدروع والسلاح. ترى منهمُ مُستبشرينَ إلى الهُدى ... وذا التاج يُضحي مَرزُباناً مُسوّرا قوله مرزبانا مسورا، يعني أن العجم من بني إسحاق بن إبراهيم، عليهما السلام. أغرّ شبيهاً بالفَنيقِ إذا ارتدى ... على القُبطُريّ الفارسيّ المُزرّرا الفنيق الفحل من الإبل. فيَوماً سرابيلُ الحديدِ عليهمُ ... ويوماً ترى خزّا وعصباً مُنيرّا إذا افتخروا عدّوا الصبَهبَذَ منهمُ ... وكسرى وآلَ الهُرمُزانِ وقيصرا وكانَ كتابٌ فيهمُ ونبوةٌ ... وكانوا بإصطخرَ الملوكَ وتُسترا أي كان الملوك ينزلون إصطخر وتُستر. وقد جاهدَ الوضّاحُ في الدِين مُعلِماً ... فأورثَ مجداً باقياً آل بَربَرا لَشَتّانَ من يحمي تميماً منَ العِدى ... ومن يعمرُ الماخورَ فيمن تمخّرا فبُؤ بالمخازي يا فرزدقُ لم يبتْ ... أديمُككَ إلا واهياً غيرَ أوفرا ألا قبحَ اللهُ الفرزدقَ كلما ... أهلّ مهلٌّ بالصلاة وكَبرّا فإنكَ لو تعطي الفرزدقَ دِرهماً ... على دينِ نصرانيةِ لتنَصرا فلا يقربنً المَروتينِ ولا الصفا ... ولا مسجدَ اللهِ الحرامَ المُطهّرا

يبّين في وجه الفرزدقِ لؤمهُ ... وألأمُ منسوبٍ قَفا حينَ أدبرا وتعرفُ منهُ لؤمهُ فوقَ أنفهِ ... فقُبّحَ ذاكَ الأنفُ أنفاً ومشفَرا لحا اللهُ ماء من عُروقٍ خَبيثةٍ ... سَقت سابياء جاء فيها مخُمّرا السابياء الذي يخرج من الولد، وهو لفافة الولد. فما كانَ من فحلينِ شرُّ عُصارةً ... وألأمُ من حُوقِ الحمارِ وكَيمرا قُفيرةُ لم تُرضِعْ كريماً بثديهَا ... وما أحسنتْ من حيضَةٍ أن تطهّرا وما حملتْ إلا عِراضاً لخبثَةٍ ... وما سيقَ منها من سياقٍ فتمهَرا أتعدِلُ نجلاً من قُفيرةَ مُقرِفاً ... بسام إذا اصطَكّ الأضاميمُ أصدَرا ويروى صدّرا. والأضاميم الجماعات. عشيّةَ لاقى القِردُ قردُ مجاشعٍ ... هَريتاً أبا شبلَين في الغِيلِ قَسورا قال أبو عبد الله، أخبرنا أمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي: يقال فلان أهرت من فلان، يريد أوسع فماً للكلام. منَ المُحمياتِ الغينَ غينَ خَفيّةٍ ... ترى بين لحييهِ الفريسَ المُعقرا أشاعت قريشٌ للرزدقِ خزيَةً ... وتلكَ الوفودُ النازلونَ المُوقرا وقالت قريشٌ للحَواريّ جارِكُم ... أرغوانَ تدعو للوفاء وضَوطَرا قال رغوان مجاشع. وقال سعدان: رغوان رجل من بني مجاشع،

وضوطر منهم أيضاً. ينسبهم إلى قلة الوفاء، ونقض العهد. تراغيتُمُ يومَ الزبير كأنكم ... ضباعُ مغاراتٍ تعاظَمنَ أجعُرا فإن عِقالاً والحُتاتَ كليهما ... تردّى بثوبي غَدرةٍ وتأزرا وما كان جيرانُ الزبيرِ مجاشعٌ ... بالأمَ من جيرانِ وهبٍ وأغدرا أتنعونَ وهباً يا بني زَبدِ استَها ... وقد كنتمُ جيرانَ وهبٍ بن ابجرا إلم تحبسوا وهباً تمُنُّونهَ المُنى ... وكانَ أخاهم طريداً مُسيرّا فلا تأمنِ الأعداء أسيافَ مازنٍ ... ولكنّ رأي ابني قُفيرةَ قَصرّا وإنّككَ لو ضُمنتَ من مازنِ دماً ... لما كانَ يابن القينِ أن يتخيرا ولو أنّ وهباً كانَ حَلّ رِحالَهُ ... بحَجرٍ للاقى ناصرينَ وعُنصرا روى سعدان حلّى رجاله. وليس بشيء. الرواية حل رحاله. وقوله حلى رجاله، يعني ألبسهم السلاح. والعنصر الأصل. ولو ضافَ أحياء بِحَزمِ مُليحَةَ ... للاقَى جِواراً صافياً غير أكدرا ويروى بحزم سويقة. ويروى بنعف مليحة. وقوله بحزم، فالحزم ما أشرف من الأرض. ومليحة جبل بقلة بني يربوع، معروف ذلك عندهم. ولو حلّ فينا عاينَ القومُ دونهُ ... عَوابِسَ يَعلُكنَ الشكائِمَ ضُمّرا الشكائم حدائد اللجام. ومنه قيل للرجل إنه لصلب الشكيمة. إذا لسمعتَ الخيلَ والخيلُ تدّعي ... رياحاً وتدعو العاصمين وجعفرا

قوله وتدعو العاصمين، قال العاصمان عاصم وأزنم ابنا عبيد بن ثعلبة بن يربوع، وجعفر بن ثعلبة. فوارسُ لا يدعونَ يالَ مجاشع ... إذا كانَ ما تذري السنابكُ عِثيرَا همُ ضربوا هامَ المُلوكِ وعَجّلوا ... بورد غَداةَ الحوفزان فنكّرا وقد جرّبَ الهِرماسُ وقعَ سُيوفنا ... وقطعنَ عن رأسِ ابنِ كبشَةَ مغفَرا وقد جعلتْ يوماً بطخفةَ خيلُنا ... لآلِ أبي قابوسَ يوماً مُذَكّرا فنوردُ يومَ الروع خيلاً مُغيرةً ... وتوردُ ناباً تحملَ الكيرَ صَوأرا سُبقتَ بأيامِ الفعالِ فلم تجد ... لقومكَ إلا عقرَ نابكَ مفخرا لقيتَ القُرومَ الخاطِرات فلم يكن ... نكيرُكَ إلا أنْ تَكِشّ وتَبعَرا ويروى وتيعرا، وهو تصحيف ظاهر لا يصلح مع الكشيش. قال: والكشيش هدر البكارة، وهو هدر ضعيف لا يكاد يتبين من ضعفه. وقوله تيعرا، اليعر صياح المعز، والثؤاج صوت الضأن. والقروم الفحول، والأصل في القروم يقال لفحل الإبل الذي لم يمسه الحبل. وإنما هو للضراب لكرمه، لا يُحمل عليه ولا يُذلل، فنُقل إلى القرم من الرجال، وهو سيد القوم والمنظور إليه منهم. قال: والخاطرات اللواتي تضرب بأذنابها، كأنها توعد في ذلك وتُحذر من أنفسها، وإنما يفعل ذلك القرم لقوته وشدته ونشاطه، وإنما ضرب ذلك مثلا للحرب. يقال فرجالي كهذه القروم الخاطرات بأذنابها. ولاقيتَ خيراً من أبيكَ فوارِساً ... وأكرمَ أياماً سُحيماً وجَحدَرا

قوله سحيماً وجحدرا، هما ابنا وثيل. وذلك أن سحيماً كان عاقر غالب بن صعصعة أبا الفرزدق. قال أبو عبيدة: المعاقرة أن يضرب هذا إبله بالسيف فيعقرها، ويضرب هذا إبله بالسيف فيعقرها، فهذه المعاقرة حتى يعجز أحدهما، فتكون الغلبة حينئذ للآخر. قال: وكانت المعاقرة بصوءر، وهو موضع اجتمعا فيه. قال فغمره غالب فقهره. قال: فساق سحيم إبله إلى الكوفة، وجمع إليها غيرها فعقرها بالكناسة. قال وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالكوفة. قال: فأمر علي - رضي الله عنه - منادياً فنادى في الناس، لا تأكلوها فإنه أهل بها لغير الله. فلم يطيعوه، وجعلوا ينتهبون لحومها فيطبخونها. همُ تركوا عَمراً وقيساً كِلاهمُا ... يَمُجُّ نَجيعاً من دمِ الجوفِ أحمرا يعني عمرو بن كبشة، الذي أسر في يوم ذي نجب. قال: وقيس الذي ذكر، هاهنا، هو قيس أخو الهرماس، وهما ابنا هجيمة من غسان، بارزهما عتيبة بن الحارث فعادى بينهما عداء يوم كنهل، وهو يوم غول. وسارَ لبكرٍ نَخبةٌ من مجاشع ... فلما رأى شيبانَ والخيلَ عفّرا قوله نخبة، هو لقب، وهو الفقحة. وقوله عفرا، يقول لما رأى الخيل سقط على الأرض، فتترب. والعرب تقول للرجل الصالح والطالح ما على عفر الأرض مثله. وهو التراب يكون ذلك هجاء ومدحاً. وفي أيّ يوم لم تكونوا غنيمةً ... وجارُكُمُ فَقعٌ يحالِفُ قَرقرا قال: الفقع أردأ الكمأة. يقول إذ توطؤون فلا تمتنعون، كما لا تمتنع الكمأة ممن أخذها. والقرقر القاع المستوى من الأرض.

فلا تعرِفونَ الشر حتى يُصيبكُم ... ولا تعرفونَ الأمرَ إلا تَدبُّرا وعَوفٌ يَعافُ الضيم في آلِ مالكٍ ... وكُنتم بني جوخَي على الضيم أصبرا لقد كنتُ يابنَ القَينِ ذا خُبرٍ بِكُم ... وعَوفٌ أبو قيس بكم كانَ أخبرَا يريد عوف بن القعقاع بن معبد بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله ابن دارم. تركتُم مَزاداً عندَ عوفٍ رَهينةً ... فأطعمهُ عوفٌ ضِباعاً وأنسرُا وصالحتُمُ عَوفاً على ما يُريبكُم ... كما لم تَقاضوا عُقرَ جِعثنَ منقرا فما ظنُّكم بالقُعسِ من آلِ مِنقَرٍ ... وقد باتَ فيهِم ليلُها مُتَسحّرَا تَناومتَ يا بنَ القَينِ إذ يخلجِونها ... كخَلج الصواري السفينَ المُقَيرّا الصواريون الملاّحون. قال: والخلج أراد النكاح. وقوله بالقعس، قال الأقعس من الرجال، الذي قد دخل ظهره وخرج صدره. قال: والخلج أن يجذبوها إليهم، بعد إدخالهم متاعهم فيها، فشبه ذلك بالنكاح. وباتتْ تُنادي غالِباً وكأنما ... يَشُقّونَ زِقاً مَسّهُ القارُ أشعَرا وعِمرانُ ألقى فوقَ جِعثنَ كَلكَلاّ ... وأوردَ أمّ الغُولِ فيها وأصدرا أم الغول الفيشة والكمرة. رأى غالبٌ آثارَ فَيشَلِ مِنقَرٍ ... فما زالَ منها غالبٌ بعدُ مُهترَا بكى غالبٌ لمّا رأى نُطفا بِها ... منَ الذُلّ إذ ألقى على النارِ أيصرَا الأيصر الحشيش اليابس يستضيء به، فينظر ما شأن جعثن، أي حالها.

جزى اللهُ ليلى عن جُبيرٍ مَلامةً ... وقَبّحَ قَيناً بالمِقَرينِ أعورا إذا ذكرتْ ليلى جُبيراً تعَصرّتْ ... وليسَ بشافِ داءها أن تعصرّا جبير عبد قين كان لهم. وليلى أم غالب تعصرت من البلل مما تنزّل من مائها، إذا ذكرته من شهوته. تزورُ جبيراً مَرةً ويزورها ... وتتركُ أعمى ذا خميلٍ مُدثّرا تَسوفُ صُنانَ القينِ من ربّةٍ بهِ ... ليجعلَ في ثَقبِ المَحالةِ محورَا يُزلولُ فيها القين مَحبوكةَ القَفا ... كأنّ بها لوناً منَ الوَرسِ أصفرا فهل لكمُ في حَنثَرٍ يابنَ حنثرِ ... ولمّا تُصبْ تلكَ الصواعقُ حنقرا حنثر وربيع والمشيّع كلهم من بني طهية. وقوله يا بن حنثر، يعني أبا حنثر بن فلان بن حنثر. فإن ربيعاً والمُشيّعَ فاعلَموا ... على موطنٍ لم يَدريا كيفَ قدّرا ألا رُبّ أعشى ظالمِ مُتخمّطٍ ... جعلتُ لعينيهِ جِلاء فأبصرا وقد كنتُ ناراً يتقي الناسُ حرّها ... وسَماً على الأعداء أصبحَ ممِقرا يعني شدة المرارة بقوله ممقرا. ألم أكُ زادَ المُرملينَ ووالجِاً ... إذا دفعَ البابُ الغريبَ المُعوّرا قال: والمعور يريد المردود عن الباب، المدفوع عنه، فلا يؤذن له. نُعَدُّ لأيامٍ تُعَدُّ لمِثلها ... فَوارِسُ قيسٍ دارِعينَ وحُسرّا

وما كنتَ يابنَ القَينِ تلقى جِيادَهُم ... وقوفاً ولا مُستنكراً أن تُعقّرا أتنسونَ يومَي رَحرحانَ وقد بدا ... فوارسُ قيسٍ لابسينَ السّنَوّرا تركتُم بوادي رَحرحانَ نِساءكُم ... ويومَ الصفا لاقيتُمُ الشِعبَ أوعرا قوله بوادي رحرحان، هو موضع كانت فيه وقعة كثيرة القتل. وقد أملينا خبر رحرحان فيما مضى من الكتاب. وقوله يوم الصفا، يعني يوم جبلة، وهو يوم الشعب. سَمعتُم بني مجدٍ دَعوا يالَ عامرِ ... فكنتُم نَعاماً بالحَزيزِ مُنَفّرا قوله بني مجد، وهي مجد ابنة تيم الأدرم بن غالب أخي لؤي. وأسلمتُمُ لابنَي أسيدَةَ حاجِباً ... ولاقى لقيطٌ حتفهُ فتَقطّرا قال: أسيدة، هي أم مالك ذي الرقيبة القشيري. وقوله ولاقى لقيط حتفه فتقطرا، يقول لقي منيته فتقطر، يريد فقطّره الرمح، أي صرعه، فسقط إلى الأرض. وذلك يوم جبلة، وهو يوم أوثب فرسه الجرف، فسقط فتقطر، فيقول لقي حتفه، وهو منيته. يقال قطّره بالرمح إذا صرعه. ويقال تقطر به فرسه أيضاً إذا ألقاه فرسه. والأمر في ذلك سواء، قريب بعضهما من بعض. وجدّله إذا ألقاه على الجدالة، وهي الأرض. وتجدّل هو سقط على الأرض، سقط على أحد قطريه، وهما جانباه. وأسلَمتِ القَلحاء للقومِ معبَداً ... يجُاذِبُ مخموساً منَ القِدّ أسمَرا وقال الفرزدق يمدح هشام بن عبد الملك، ويهجو جريراً وبني كليب:

ألستُم عائِجينَ بِنا لَعَنّا ... نرى العَرصاتِ أو أثرَ الخِيامِ عائجين يعني عاطفين. لعنا في معنى لعلنا. العرصات واحدها عرصة، وكل متسع حوله ربو، ليس فيه بناء، يقال له عرصة، وباحة، وساحة، وبالة، كل ذلك من الأبنية. حدثنا الأصمعي، قال: حدثني عيسى بن عمر قال: سمعت أبا النجم يقول: أغد لعنا، يريد لعلنا. قال: وفيها لغات. يقول بعض العرب لَعَلّني، وبعضهم لَعلنّي، ويقول آخرون عليّ، ولعنّي. ويقول آخرون لأنني، وآخرون لأني مهموز. فقالوا إنْ عَرضتَ فأغن عَنا ... دُموعاً غير راقِئَةِ السَجام يقال رقأ الدمع إذا احتبس، إذا انقطع سيلانه وقطره. سجام سيلان. وكيف إذا رأيتً دِيارَ قومٍ ... وجيرانٍ لنا كانوا كِرام قال: وهذا على معنى وديار جيران كرام كانوا لنا فيما مضى. أكَفكِفُ عَبرةَ العينينِ مِنّي ... وما بعدَ المَدامِحِ من كلامِ وبِيضٍ كالدُمى قد بِتُّ أسرِي ... بِهنّ إلى الخَلاء عنِ النّيامِ يقول أنحيهن عن القوم النيام، لئلا ينتبهوا بحسّنا، إلى موضع خال ليس به أحد. ثلاثٌ واثنتانِ فهُنّ خمسٌ ... وسادسةٌ تميلُ إلى الشمامِ السادسة هي خاصته. والشمام هي القبل والرشف. ظِباءٌ بَدّلَتهُنّ الليالي ... مكانَ قُرونهِنّ ذُرى جمِامِ

جمع جمة من شعر. ذرى أعالي وذروة كل شيء أعلاه. ترى قُضُبَ الأراكِ وهُنّ خُضرٌ ... يَمِحنَ بها وعِيدانَ البَشامِ ويروى وهن خور يمحن بها أي يستكن فيشربن ماء الأراك، وماء عيدان البشام، وهو أخضر. والبشام شجر يستاك به طيب الريج. أي كما يميح المُستقي من البئر، أي يغترف بيده، وذلك إذا قل ماء البئر نزل إليها، ففعل بها ذلك. ذُرى بَرَدٍ بَكَرنَ عليهِ عَذبٍ ... وليسَ بُكورُهُنّ على الطعامِ ويروى بكرن بها على برد عذاب. ولو أنّ امرئ القيسِ بنَ حُجرٍ ... بِدارَةِ جُلجُلٍ لَرأى غَرامي ويروى: ولو أن امرأ القيس بن حجر. ودارته معي لرأى غرامي. يريد قول امرئ القيس بن حجر. ولاسيما يوم بدارة جلجل. قال: والدارة كل متسع من الأرض حوله جبال. غرامي وجدي بهن. لهُ منهُنّ إذ يَبكينَ ألاّ ... يَبِتنَ بلَيلَةٍ هيَ نصفُ عامِ يقول لامرئ القيس، منهن أي من النساء إذا يبكين ألا يبين بليلة معه، هي نصف عام في طولها ليستمتعن به، في ليل طويل، وإنما يبكين من قصر الليل. سَيُبلغُهُنّ وَحيَ القولِ مِني ... ويُدخِلُ رأسَهُ تحتَ القِرام وحي القول، ما أوحي إليه من كلام أو رسالة. والقرام الستر الرقيق. فيقول سيبلغهن شعري ووجدي بهن، ويُدخل زوجها رأسه للذي أصابه. ويروى سيبلغهن وحي القول مني.

أسَيّدُ ذو خُريّطةٍ بهَيمٌ ... منَ المُتلَقّطي فَردَ القُمامِ ويروى ذو خُريطة نهارا. أسيد يعني زوجها. خُريطة أي له خُريطة يلتقط فيها قرد القمام، وهو قطع الصوف المتلبد. والقمامة الكناسة والكساحة. ويقال أسيد أي رسول أرسله إليها في هذه الحالة التي وصف، لئلا يؤبة له. فقُلنَ لهُ نُواعِدُكَ الثُريّا ... وذاكَ إليهِ مُرتفَعُ الرِجام ويروى الزحام. أي للرسول، أي نواعد الفرزدق وقت طلوع الثريا. يقول وذاك الوقت عنده لمرتفع الزحام، أي انقشاعه وذهابه. والمعنى الآخر، يقول ذاك الوعد كأنه أخرج من الرجام، وهي القبور سرورا به. فجئِنَ إليه حينَ لَبِسنَ ليلاً ... وهُنّ خُوائفٌ قدرَ الحِمامِ مَشَين إلي لم يُطمَثنَ قبلي ... وهُنّ أصَحُّ من بَيضِ النّعامِ تقول العرب للبعير المحرم: ما طمثه حبل قط. فأراد أنهن ما مسهن رجل قبلي. وبتنَ جَنابَتي مُصرّعاتٍ ... وبِتُ أفُضُ أغلاقَ الخِتامِ فأعجَلنا العَمودُ ونحنُ نشفي ... غليلاً من مُدوّرَةٍ جِهامِ العمود الصبح. والغليل حرارة في الجوف. ومدورة أحراح. جهام واحدها جهم، وهو الركب الضخم. والجهام سحاب قد هراق ماءه. كأنّ مَقالقَ الرُمانَ فيها ... وجمرَ غَضىً قَعدنَ عليهِ حامِ فما تدري إذا قعدَتْ عليهِ ... أسَعدُ اللهِ أكثرُ أم جُذامِ كأنّ تريكةً من ماء مُزنٍ ... وداريّ الذّكيّ منَ المُدامِ

التريكة ماء غادره السيل، فتركه في نقرة الجبل. داري منسوب إلى دارين، وهي فُرضة البحرين. أتى نفسي بِها نفسٌ ضعيفٌ ... لهُنّ قُبيلَ مُنقلبِ الكلامِ بها للتريكة. نفس ضعيف، يقول لما كلمنني تحيرت فبقيت مبهوتاً، فانقلب كلامي. سَقينَ فمي بِها ونَقعنَ مني ... منَ الأحشاء صادِيَةَ الأورامِ نقعن أروين. صادية عطشى. والأوام واللواب والحُرار العطش. وصادية عطشى. وهو مثل قوله تعالى: {حَقُّ الْيَقِينِ}. وكُنّ كأنهنّ شِفاء داء ... يُقالُ هوَ السلالُ معَ الهُيامِ ويروى وهن كأنهن شفاء داء يقال له. السلال جمع سِل. والهيام داء يأخذ الإبل فتشرب عليه الماء ولا تروى، حتى تموت، ويأخذها هذا الداء في رءوسها. فهُنّ إليّ مثلُ محُلآتٍ ... مُنعنَ الماء في لهَبانِ حامِ رآني الغانِياتُ فقُلنَ هذا ... أبونا جاء من تحتِ الرجام الرجام القبر. أي كأنه مات ثم نشر. ويروى السلام. وهي صخور، واحدتها سلمة. فإن يسخرنَ أو يهزأنَ مني ... فإني كنتُ مِرقاصَ الخِدامِ ويروى فإن يضحكن أو يسخرن مني. الخدام كل ما تشد المرأة في رجلها من خرز، أو صوف مُلون، أو سير أو غير ذلك.

ولو جَدّاتهِنّ سألنَ عني ... قَرأنَ عليَ أضعافَ السلامِ رأينَ شروخَهُنّ مُؤزّرات ... وشرخُ لديّ أسنانُ الهِرامِ شرخ الشباب أوله وطراته. مؤزرات منظمات مستويات. والهرام جمع هرم، وهو الشيخ الكبير. لدي الواحد لدة. رَمتني بالثمانينَ الليالي ... وسَهمُ الدهرِ أصوبُ سهمِ رامِ وغيرّ لونَ راحلتي ولوني ... تَردّيّ الهَواجرَ واعتمامي وإقبالي المَطيةَ كلّ يومٍ ... منَ الجوزاء مُلتهبِ الضرّامِ الجوزاء من نجوم القيظ. والضرام تضرم النار، وهو أيضا ما دق من الحطب. وإدلاجي إذا الظلماء حازتْ ... إلى طردِ النهارِ دُجى الظلامِ دجى جمع، واحدته دُجية، وهو إباس الظلام، واجتماعه، واشتماله على كل شيء. يقولُ بَنيّ هل بكَ من رحيلٍ ... تُقوّمُ منكَ غير ذوي سَوام السوام كل شيء رعى من إبل، وغنم، وخيل، وهي السائمة أي الراعية. فتنهضُ نهضَةً لبَنيكَ فيها ... غنىً لهمُ منَ المَلكِ الشّآمي فقلتُ لهم فكيفَ ولستُ أمشي ... على قدمَيّ ويحكمُ مرامي وهل لي حيلةٌ لكمُ بشيء ... إذا رجلايَ أسلمتا قيامي أقولُ لناقَتي لمّا ترامَتْ ... بنا بيدٌ مُسربلَةُ القَتامِ

بيد أرض مستوية قفر. القتام الغبار. أغيثي مَنْ وراءكِ مِنْ ربيع ... أمامكِ مُرسلٍ بيَدَي هِشامِ أغيثي اطلبي الغيث لمن وراءك ممن قدامك. مرسل يريد المطر. فيقول ربيع أمامك، وذلك الربيع بيدي هشام. يَدَي خيرِ الذينَ بَقُوا وماتوا ... إمامٍ وابنِ أملاكٍ عظامِ بهِ يحيي البلادَ ومَن عليها ... منَ النعمِ البَهائِمِ والأنامِ منَ الوَسميّ مُبتَرِكٌ بُعاقٌ ... يَسُحُّ سِجالَ مُرتجِزٍ رُكام الوسمي أول مطر الخريف، وسمي وسمياً لأنه يسم الأرض. مبترك دائم المطر. بعاق من أشد المطر يشقّ الأرض. مُرتجز أي بالرعد. فإن تُبلِغكِ أربَعكِ اللواتي ... بهِنّ إليه نرجع كل عامِ فكوني مثلَ مَيتَةٍ فحَيّتْ ... وقد بُلّت بتَنضاح السّجام ويروى تكوني. وقد بليت. بُلّت سمنت، أي قد صار فيها نبات. قدِ استَبطأتُ ناجِيَةً ذَمولاً ... وإنّ الهَمّ بي وبِها لَسام الناجية الناقة السريعة التي تنجو في سيرها. ذمول تسير الذميل. والذميل أسرع المشي، وأرفع ما يكون من العنق وأفسحه. يقال ذملت الناقة تذمل ذميلاً. قال الأصمعي: لا يذمل بعير يوماً وليلة إلا مهري. أقولُ لها إذا ضَجِرَتْ وعَضّت ... بمَورِكَةِ الوِراكِ معَ الزِمامِ

ويروى إذا عطفت. الموركة والمورك الموضع الذي يثني الرجل عليه رجله قُدّام واسطة الرحل، إذا ملّ من الركوب، وهو الوراك يتورّك عليه الرجل، يكون تحت القتب، وهو النمرق الذي يُلبس مقدم الرحل، ثم يثنى تحته. إلامَ تَلفّتينَ وأنتِ تحتي ... وخيرُ الناسِ كلهمُ أمامي متى ترِدي الرصافةَ تستريحي ... منَ التهجيرَ والدّبرِ الدوامِ وتُلقِي الرحلَ عنكِ وتستغيثي ... بغيثِ اللهِ والمَلك الهُمام كأنّ أراقِماً عَلقتْ بُراها ... مُعلّقةً إلى عمدِ الرخام شبه الزمام بالحية، وشبه طول عنقها بأساطين الرخام. تَزِفُّ إذا العُرَى قَلقتْ عليها ... زَفيفَ الهادِجاتِ منَ النّعام الزفيف دون الذميل، وفوق المشي المرتفع. العُرى عرى الأزمة، وهي أزرارها. والعرى والبرى والخشاش، والبُرة والعروة من صُفر، والخشاش والعِران من خشب. وهي الخشبة في أنف البعير، أو الحلقة. إذا رَضراضَةٌ وَطِئتْ عليها ... خَبَطنَ صُدورَ مُنعَلَةٍ رِثام رضراضة أرض ذات حجارة وحصى. رثام سائلة بالدم، يعني أن مناسمها قد أدمتها الحجارة. وإنْ شرَكُ الطريقِ تجَشّمتهُ ... عَسِكنَ بحَيّةٍ حذرَ الإكامِ

شرك الطريق جادته. ويروى ترسّمته أي تتبعت آثاره. عسكن لزقن. بحية بزمام. ويروى الكلام وهو نخس. ويروى عسكن بحية أي بما حيّ من الطريق، لأن ما حيي منه يُذلله الوطء. كأنّ العنكبوتَ تَبيتُ تَبني ... على الأشداقِ من زَبَدِ اللّغامِ تُثيرُ قَعاقِعَ الألحى إذا ما ... تلاقتَ وارِدَ العَرَقِ النّيام قعاقع صوت أسنانها. العرق الصف من القطا، وما صف من الطير. وصاديَةِ الصُدورِ نَضحتُ ليلاً ... لهنّ سِجالَ مُترعَةٍ طَوامِ صادية إبل عطاش. نضحت أي سقيتهن. سجال دلاء. طوام أبار ممتلئة. ويروى آجنة طوام. أي مياه صفر متغيرة اللون والريح والطعم. كأنّ نِصال يثرِب ساقَطتها ... على الأرجاء مِن ريشِ الحَمامِ شبه الريش على الماء بسهام يثرب. عَمَدتُ إليكَ خير الناسِ حيّا ... لتَنعشَ أو يكونَ بكَ اعتصامي إلى ملكِ المُلوكِ جمعَتُ همي ... على المُتردّفاتِ منَ السّمامِ المتردفات الإبل، شبه الإبل بالسمام لسرعة مرّها وخفتها. والسمام طير تشبه النوق بها. منَ السّنَةِ التي لم تُبقِ شيئاً ... منَ الأنعامِ باليَةَ الثُمامِ إليك طَويتُ عرضَ الأرضِ طَيا ... بخاضِعَةٍ مُقطّعَةِ الخِدامِ

رَجوفِ الليل قد نَقبَتْ وكَلّت ... منَ الإدآبِ فاترَة البُغامِ لتَدنوَ منْ بِلادكَ أو لتَلقَى ... سِجالاً منْ فَواضِلكَ السِجامِ على سُفُنِ الفَلاةِ مُردّفاتٍ ... جُناةَ الحَربِ بالذّكرِ الحُسامِ قَطعنَ بنا مخاوفَ كل أرضٍ ... إليككَ على الوُهونِ منَ العظام فما بَلّغننا إلا جريضاً ... بنِقي في العظامِ وفي السّنام جريض بقية النفس. كأنّ العِيسَ حينَ أتحِنَ هجراً ... مُفَقّأةٌ نَواظِرُها سَوامي هجراً أي نصف النهار، وهي الهاجرة. سوام غاثرة الأعين، وقد ارتفعت أعينها في رؤوسها، وتكون أيضا مرتفعة النظر، ويقال رافعة رؤوسها من الإعياء. وحَبلُ اللهِ حبلُك مَن يَنللهُ ... فما لعُرى يديه مِنِ انفصام يداكَ يدٌ ربيعُ الناسِ فيها ... وفي الأخرى الشهورُ منَ الحَرامِ الشهور من الحرام، أي من رعاية الذمام كما تقول: لا يقاتل في الأشهر الحرام. وإنّ الناسَ لولا أنتَ كانوا ... حصى خَرَزٍ تحَدّر من نظامِ وليسَ الناسُ مجتمعينَ إلا ... لخِندِفَ في المشُورةِ والخِصامِ يعني أن الخلافة في خندف، فالناس يجتمعون إلى الخلفاء. وبَشرّتِ لسماء الأرضَ لما ... تحدّثنا بإقبالِ الإمامِ إلى أهلِ العراقِ وإنما هُم ... بقايا مثلُ أشلاء الرِمام

ويروى مثل أشلاء وهام. وهام موتى. وأشلاء بقايا، وشلو الشيء بقيته. أتانا زائِرٌ كانت علينا ... زيارتهُ منَ النعَمِ العِظامِ أميرَ المؤمنينَ بكم نُعِشنا ... وَجُذّ حِبالُ آصارِ الأثامِ آصار أثقال الواحد إصر. والأثام جمع إثم. ويروى أمير المؤمنين به نُعشنا. فجاءَ بسُنّةِ العُمَرينِ فيها ... شِفاءٌ للصُدورِ منَ السقامِ رَآكَ اللهُ أولى الناسِ طُرا ... بِأعوادَ الخلافةِ والسلامِ الأعواد المنابر. والسلام بالخلافة. إذا ما سارَ في أرضٍ تراها ... مُظَلّلةً عليهِ منَ الغَمامِ رأيتك قد ملأتَ الأرضَ عَدلاً ... وضوءا وهيَ مُسبلَةٌ الظلام رأيتُ الظُلمَ لمّا قُمتَ جُذّتْ ... عُراهُ بشَفرتي ذكر حُسام ويروى هُذام. وهو القاطع. تَعَنّ فلستَ مُدرِكَ ما تعَنّى ... إليهِ بساعدَي جُعلِ الرغامِ يعني جريراً. والرغام رمل خشن فيه دقة. ستخزى إنْ لقيتَ بغَورِ نَجدٍ ... عَطيّةَ بين زَمزمَ والمَقامِ عطيةُ فارسُ القعساء يوماً ... ويوماً وهيَ راكِدَةُ الصيامِ القعساء أتان في ظهرها همز وتطامن وخروج بطنها.

إذا الخَطفَى لقيتَ بهش مُعَيداً ... فأيهُما تُضَمّرُ للِضّمامِ فأجابه جرير، ويهجو البعيث، والأخطل، وسُراقة البارقي، وعبيد الله ابن العباس الكندي: عرفتُ الدارَ بعدَ بِلى الخِيامِ ... سُقيتِ نَجِيّ مُرتجزٍ رُكام النجو ما خرج من السحاب، وإنما سمي نجواً لخروجه من السحاب. قال الأصمعي: النجي واحد النجاء من السحاب. وقال غيره: نجاة واحدة النجي، وفيه ماء لأنه ينجوه فيخرجه. وقال غيرهما: النجو الذي لا ماء فيه. مرتجز مصوّت بالرعد. ركام مرتكم غليظ من السحاب بعضه على بعض. الخيام ما يبنونه من الشجر يظللونه بالثمام. كأنّ أخا اليهودِ يخُظُّ وَحياً ... بِكافٍ في مَنازِلها ولامِ وحي كتاب، وحي يحي وحياً كتب. وقاطَعتُ الغَوانيَ بعدَ وصلٍ ... فقد نزعَ الغَيور عنِ اتهامي تُنازعُنا بجِدّتهِا حِبالاً ... فَنينَ بِلىً وصرِنَ إلى رِمامِ وقد خُبرتهُنّ يقُلنَ فإن ... ألا ينظُرنَ من خَللِ القِرامِ إذا حَدّثتُهُنّ هَزِئنَ مني ... ولا يغشَين رَحلي في المنامِ فقد أقصرتُ عن طلبِ الغواني ... وقد آذَنّ حَبلي بانصِرامِ وعاوٍ قد تعرّضَ لي مُتاح ... فدَقّ جبينهُ حجرُ المُرامي ضَغا الشعراء حينَ لَقُوا هِزَبراً ... إذا مُدّ الأعنّةُ ذا اعتِزامِ

فلما قتّلَ الشعراء غَما ... أضرّ بهِم وأمسكَ بالكِظامِ قتلتَ التّغلَبي وطاحَ قِردٌ ... هوى بين الحَوالِقِ والحَوامي واحد الحوالق حالق، يعني الجبل الطويل في السماء. وحواميها أصولها ونواحيها. ولابنِ البارِقيّ قَدرتُ حَتفاً ... وأقصَدتُ البَعيثَ بسهمِ رامِ ابن البارقي سُراقة. أي قدرت حتفه في نفسي كما قال الشاعر: هتكتُ مجامِعَ الأوصالِ منهُ ... بنافِذةٍ على دَهشٍ وذعرِ فإن يبرأ فلم أنفُثْ عليهِ ... وإنْ يهلِكْ فذلكَ كانَ قدري أي ما قدرت. وأقصدت قتلت. وأطلَعتُ القصائِدَ طودَ سلمى ... وجَدّعَ صاحبي شُعَبَى انتقامي يعني الأعور النبهاني وكان منزله سلمى، أحد جبلي طيء، وذلك قول جرير: وأعورَ مِن نبهانَ يعوي وحولهُ ... منَ الليلِ بابا ظُلمةٍ وسُتورُ وصاحبا شعبى، عبيد الله بن العباس الكندي، وابنه، هجاهما وكان حليفاً في فزارة، فكان ينزل شعبى، وهو اسم موضع. ستخزى ما حييتَ ولا يحُيّا ... إذا ما مِتّ قَبركَ بالسلامِ ولو أني أموتُ لشدّ قبري ... بمسمومٍ مضارِبُهُ حُسامِ ويروى ولو متنا لشد عليك.

لقد رحلَ ابنُ شِعرَةَ نابَ سَوء ... تَعضُّ على المَواركِ والزمامِ ابن شعرة نبر يصغره به ويحقره. والمورك واحدتها موركة، وهي التي يتورك عليها الراكب، يضع ساقه قدام شعبة الرحل. تَلفّتُ أنها تحتَ ابنِ قين ... حليفِ الكيرِ والفأسِ الكَهام متى تَرد الرصافةَ تخزَ فيها ... كخزيكَ في المواسمِ كل عام لقد نزلَ الفرزدقُ دارَ سعدٍ ... لياليَ لا يَعفُ ولا يُحامي إذا ما رُمتَ ويلَ أبيكَ سَعداً ... لقيتَ صِيالَ مُقرمَةٍ سَوامِ مقرمة فحول. سوام مشرفات رافعات رءوسها وأعناقها. همُ جَرُّوا بناتِ أبيكَ غَصباً ... وما تركوا لجاركَ من ذِمامِ وهم قتلوا الزبير فلم تغيرَّ ... ودقُوا حوضَ جِعثنَ في الزحامِ وهم شَدخوا بواطِنَ اسكَتَيها ... بمثل فَراسِن الجَملِ الشآمي أضيئوا للفرزدقِ نارَ ذُلّ ... لينظُرَ في مشاعرِها الدوامي وحَجزَةُ لو تبينَ ما رأيتمُ ... بِعضرَطها لمات منَ الفُحامِ حجزة اسم رجل. والفحام السواد. وإنّ صدى المِقرّ بهِ مُقيمٌ ... يُنادي الذُلّ بعدَ كَرى النيامِ الصدى عظام الميت. المقر موضع قبر غالب فيه، وهو من بلاد بني سعد.

لأعظَمِ غَدرةٍ نَفشوا لُحاهُمْ ... غداةَ العرقِ أسفلَ مِنْ سَنامِ يَلومُكمُ العُصاةُ وآلُ حربٍ ... ورَهطُ محمدٍ وبَنو هِشام العصاة هم بنو العاصي. قال أبو الحسن: هم ولد أمية بن عبد شمس الأكبر وهم: العاصي، وأبو العاصي، والعيص، وأبو العيص. أمهم آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، فهم الأعياص. قال النابغة الجعدي: وشارَكنا قُريشاً في تُقاها ... وفي أحسابهِا شركَ العِنانِ بما وَلدتْ نساء بَني هِلالٍ ... وما ولدتْ نساء بني أبانِ وقوله وآل حرب، يريد حرباً وأبا حرب، وسفيان وأبا سفيان. وبنو هشام يعني هشام بن المغيرة المخزومي. ولو حلّ الزبيرُ بنا لجَلّى ... وجوهُ فوارسي رَهجَ القَتامِ لخافوا أن تَلومهمُ قريشٌ ... فرَدوا الخيلَ داميةَ الكلامِ سقى جدفَ الزبيرِ ولا سقاكُم ... نَجِيُّ الوَدقِ مُرتجزُ الغَمام ويروى بعيج الودق منهمر الغمام. وإنكَ لو سألتَ بنا بَحيراً ... وأصحابَ المَجَبّةِ عن عِصامِ بحير بن عبد الله القشيري. المجبة بن الحارث الشيباني من بني أبي ربيعة. وعصام بن المنهال الرياحي. ونازَلنا ابنَ كبشَةَ قد علمتُم ... وذا القرنين وابنَ أبي قَطامِ

ابن كبشة حسان بن معاوية الكندي. وإنما كبشة أمه. قتله حشيش ابن نمران الرياحي في يوم ذي نجب. وذو القرنين عمرو بن المنذر اللخمي، وأمه هند. ويقال ذو القرنين المنذر بن ماء السماء. وابن أبي قطام حجر بن الحارث بن عمرو آكل المرار. وللهِرماسِ قد تركوا مجَراً ... لطيرِ يعتفينَ دمَ اللحامِ الهرماس بن هجيمة الغساني، وأخوه قيس بن هجيمة. بارزهما عتبة بن الحارث يوم غول، فقتلهما جميعاً. وساقَ ابنَي هجيمةَ يومَ غَولٍ ... إلى أسيافِنا قَدرُ الحِمام فقتّلنا جَبابرةً مُلوكاً ... وأطلقنا الملوكَ على احتكامِ يعني يوم طخفة، وهو لبني يربوع على المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة، أسروا فيه ابنيه، قابوس وحسان. وذا الجَدّين أرهقَتِ العَوالي ... بكُلّ مُقلّصٍ قلقِ الحِزامِ ذو الجدين بسام بن قيس، أسره عتيبة بن الحارث. العوالي واحدتها عالية، وهي أعلى الرمح. مقلص فرس. قلق الحزام ضامر. رَجعنَ بهانِئ وأصَبنَ بِشراً ... ويومُ الجُمدِ يومُ لهُى عِظامِ هانئ بن قبيصة الشيباني، أسره وديعة بن مرثد، أحد بني عبيد بن ثعلبة بن يربوع، وبشر بن عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد، قتله سويد بن شهاب بن عبد قيس. اللهى العطايا الضخام. وأصل اللهوة قبضة من طعام تطرح في الرحا. ويوم الجمد هو يوم الصمد، ويوم الغبيط، وهو يوم لبني يربوع على عجل وشيبان،

أسروا فيه أبجر بن جابر العجلي، والحوفزان بن شريك. ألسنا نحنُ قد عَلِمَتْ تمَيمٌ ... نَمُدُّ مَقادَةَ اللّجِبِ اللُّهام اللجب الجيش الكثير الأصواب من كثرة أهله. لهام يلتهم كل شيء يبتلعه. نُقيمُ على ثُغورِ بني تميمٍ ... ونَصدَعُ بيضَةَ المَلكِ الهُمامِ وكنتم تأمنونَ إذا أقمنا ... وإنْ نظعن فما لكَ من مُقامِ وكنا الذائدينَ إذا جلوتُم ... عنِ السبي المُصبَّح والسّوام ويروى ونحن الذائدون إذا أقمتم. الذائدون الدافعون الحامون. ويروى هربتم السلوم كل مال يرعى من إبل وغيرها. تُفَدّينا نِساؤكمُ إذا ما ... رَقصنَ وقد رَفعنَ عن الخِدامِ الخدام خرز يُجعل مكان الخلخال. والخلخال البرة والجمع بُرون. تَسوفونَ العِلابَ ولم تُعدّوا ... ليوم الروعِ صَلصلة اللجامِ ويومَ الشّيّطَين حُبارَياتٌ ... وأشردُ بالوقيطِ منَ النعامِ يوم الشيطين، يوم لبكر بن وائل ولبنى تميم لم يكن فيه كبير قتال. قال أبو عبيدة: وكان الشّيّطان لبكر بن وائل، فلما ظهر الإسلام من غير أن يكون أهل نجد والعراق أسلموا، سارت بكر بن وائل قبل السواد، وبقي مقاس بن عمرو حليف بني شيبان، وجاءت تميم حتى نزلوا الشّيّطين، فاستوبأت بكر السواد ومواشيهم. فزعم غير أبي عبيدة، أنهم أصابهم الطاعون، طاعون شيرويه.

قال أبو عبيدة: فانجلوا هاربين، فأقبلوا حتى نزلوا لعلع، وهي مجدية، وقد أخصب الشيطان، فكان مقاس يقول: ليت بكراً في هذا الخصب. وكان أكتل بن حيان العجلي طالب حاجة في بني نهشل بن دارم، فلم يقضوها له، فرجع من الشيّطين إلى قومه بلعلع، فأخبرهم بخصب أرضهم الشيّطين، فأجمعت بكر على الإغارة على بني تميم. قالوا إن في دين عبد المطلب، أن من قتل نفساً، قُتل بها، فنغير هذه الغارة ثم نُسلم عليها. فارتحلوا بالذراري والأموال، ورئيسهم بشر بن مسعود بن قيس بن خالد، فأتوا الشيطين في أربع، وما بينهم مسيرة أيام ثمانية فسبقوا كل خبر حتى صبّحوهم وهم لا يشعرون فقاتلوهم فهزمت تميم. فقال رشيد بن رميض العنزي: وما كانَ بين الشّيّطَين ولَعلَعٍ ... لِنِسوَتنا إلا مناقِلُ أربعُ فجئنا بجمعٍ لم يرَ الناسُ مثلةُ ... يكادُ لهُ ظهرُ الوريعةِ يَظلَع بأرعَنَ دَهمٍ تُنشَدُ البُلقُ وسطَهُ ... لهُ عارِضٌ فيهِ المَنيةُ تَلمع إذا حانَ منهُ منزلُ القومِ أوقدتْ ... لأخراهُ أولاهُ سَناً وتَيَفّعوا رفعوا نارهم على يفاع من الأرض لتُبصر نارهم. صَبحنا بهِ سَعداً وعَمراً ومالِكاً ... فظلّ لهم يومٌ منَ الشر أشنع وذي حَسبٍ من آلِ ضَبّةَ غادَروا ... يجُرُّ كما جُرّ الفَصيلُ المُقرّع المقرع الذي به القرع، وهو جُدري فيجر في السباخ ليتفقأ ما به. تَقَصّعَ يربوعٌ بِسرّةِ أرضِنا ... وليسَ ليربوعٍ بها مُتَقصّعُ وقلتُ ليربوعٍ أسرُّ نَصيحَةً ... ولو أنّ يربوعاً إذا امتارَ يرفعُ

يخلو لنا صَحنُ العراقِ فإنهُ ... حِمىً منهمُ لا يُستطاعُ ممُنّعُ فأجابه محرز بن المكعبر الضبي فقال: فَخرتُمْ بيومِ الشّيّطين وغيركُمْ ... يضرُ بيومِ الشّيّطَين وينفعُ وجئتُم بها مَذمومةً عنَزيّة ... تكادُ منَ اللومِ المُبينِ تظلَعُ فإن بكُ أقوامٌ أصيبوا بغِرّةٍ ... فأنتم منَ الغاراتِ أخزى وأوجَعُ فريقانِ منهمْ مَن أتى البحرُ دونه ... ومُودٍ كما أودَت ثمودُ وتُبّعُ وما منكمُ أفناء بكرِ بن وائلٍ ... لغارتنا إلا ذَلولُ مُوقّعُ وقال مقاس بن عمرو العائذي، واسمه مسهر، ومقاس لقب: تمنّيتُ بَكراً بالعراقِ مُقيمةً ... وأنى لنا بكرٌ بأكاف عَرعر نهيتُ تميماً أن ترُبّ نِحاءها ... وتطويَ أحناء الركيّ المُعوّرِ حَلفتُ لهم باللهِ حَلفَةَ صادقٍ ... يميناً ومَن لا يتقِ اللهِ يفجُرِ ليَختَلِطَنّ العامَ راعٍ مجُنّبُ ... إذا ما تلاقَينا بِراعٍ مُعشرِ المجنب الذي لا لبن في إبله. والمعشر الذي قد نتجت إبله فصارت عِشرا. يقولف: نحن لا لبن لنا، فنأخذ إبلهم ورُعاتها، فنخلطها بابلنا التي لا لبن لها. فأعجلنَ ضَبا بالوَريعَة خُدعةً ... ويَربوعُها يَنفَقنَ في كُلّ محجَرِ ضَبّاً يعني بني ضبة يقول: أعجلنها أن تخدع فتلزم الجُحر، وإنما هذا مثل، يقول: أغرنا عليهم قبل أن ينذروا بنا. وما كانَ رَوضا طيّئ غير شربَةٍ ... ولكنما كانا لنا شرِبَ أشهُرِ

وقال كبد الحصاة، وهو قيس بن عمرو العجلي في ذلك: صَبَحنا غَداةَ الشّيّطَين تمُيّماً ... بذي لجَبٍ تَبيضُّ منهُ الذوائبُ فيا رُبّ داعي جَوعةٍ من شُعاعِها ... وقد أشرفتْ فوقَ الحَزيزِ الكَتائِبُ أسرّكمُ أن يهدِمَ الدينُ ما مضى ... وفيكُم كُلومٌ مُستَكِنٌ وجالِبُ فقالوا: إن بكراً أتاهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا على ما في أيديهم وقول جرير خباريات أي جبناء. وقوله وأشرد بالوقيط من النعام، والوقيط لبكر بن وائل على بني دارم، ولم تشهده يربوع. رجع إلى شعر جرير: وخالي أبنُ الأشَدّ سَما بسَعدٍ ... فحازُوا يومَ ثَيتَلَ وهوَ سامِ ابن الأشد سنان بن خالد بن منقر، وله حديث في يوم النباج وثيتل قال أبو عبيدة: غزا قيس بن عاصم المنقري بمقاعس، وهو رئيس عليها. والأجارب حمان، وربيعة، ومالك، والأعرج، بنو كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. ومقاعس صريم، وعبيد، وربيع، بنو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد فغزوا بكر بن وائل، فوجدوا اللهازم وبني ذهل بن ثعلبة بن عكابة - واللهازم بنو قيس، وتيم اللات ابنا ثعلبة - وعجل بن لجيم، وعنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، بالنباج وثيتل، وبينهما روحة، فتنازع قيس وسلامة في الإغارة، ثم اتفقا على أن يغير قيس على أهل النباج، ويغير سلامة على أهل ثيتل فبعث قيس الأهتم، وهو سنان بن سمي شيّفة - أي طليعة - له فلقي رجلاً من بني بكر بن وائل، فتعاقدا أن لا يتكاتما. فقال الأهتم: من

أنت، أذكر؟ قال: أنا فلان بن فلان، ونحن بجوف الماء حضور، فمن أنت؟ قال الأهتم: أنا سنان بن سمي، وهو لا يعرف إلا بالأهتم، فغفّل نفسه له، فقال: أنا سنان بن سمي في الجيش وفي الحي. فرجع البكري فأخبر قومه عنه، ورجع الأهتم فأخبر فيساً الخبر وقال: يا أبا علي، هل بالوادي طرفاء؟ فقال قيس: بل به نَعم. وعرف أنهم بكر، فكتمهم أصحابه فلما أصبح سقى خيله، ثم أطلق أفواه الروايا وقال لأصحابه: قاتلوا، فالموت بين أيديكم، والفلاة من ورائكم. فلما دنوا من القوم صُبحا، سمعوا ساقياً من بكر يقول لصاحب له: يا قيس أورد. فتفاءلوا به الظفر، فأغاروا على أهل النباج قبيل الصبح، فقاتلوهم قتالاً شديداً، ثم إن بكراً انهزمت. وأسر الأهتم حمران بن عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد وأسر فدكي بن أعبد المنقري جثامة الذهلي. فأصابوا غنائم كثيرة فقال قيس لأصحابه: لا نقيل دون إخوتنا بثيتل. قال: ولم يُغر بعد سلامة وأصحابه على من بثيتل، فأغار قيس عليهم، فقاتلوهم، ثم انهزموا، فأصابوا إبلا كثيرة، وجاء سلامة فقال: أغرتم على ما كان إلي. فتلاجوا، حتى كاد الأمر يفقم ثم إنهم سلّوا له غنائم ثيتل. وفي ذلك يقول ربيعة بن طريف بن تميم، حيث رثى قيساً: فلا يُبعِدَنكَ اللهُ قيسَ بنَ عاصِمٍ ... فأنتَ لنا عِزٌ عزيزٌ ومَعقِلُ وأنتَ الذي حَربتَ بكرَ بنَ وائلٍ ... وقد عَضّلتْ منهاغ النّباجُ وثيتلُ غَداةَ دَعتْ يا آلَ شَيبانَ إذ رأتْ ... كَراديسَ يهديهنّ وَردٌ محُجّلُ وظَلّت عُقابُ الموتِ تهفُوا عليممُ ... وشُعثُ النواصيِ لجمهُنّ تُصَلصِلُ فما منكمُ أفناء بكرِ بنِ وائلِ ... لِغارَتِه إلا رَكوبٌ مُذَللُ

وقال جرير: لهم يومُ الكُلابِ ويومُ قيسٍ ... هَراقَ على مُسلّحةَ المَزادا رجع إلى شعر جرير: فأورَدهُم مُسلّحتَي تِياسٍ ... حَظيظٌ بالرياسَةِ والزعامِ

حديث يوم تياس

حديث يوم تياسٍ قال أبو عبيدة: كانت قبائل بني سعد بن زيد مناة، وقبائل بي عمرو بن تميم، التقت بتياس، فقطع غيلان بن مالك بن عمرو بن تميم، رجل الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة، فسمي الأعرج فطلبوا القصاص، فأقسم غيلان ألا يعقلها، ولا يقصها، حتى تحشى عيناي تراباً، وقال: لا نعقِلُ الرجلَ ولا نَديها ... حتى تُرى داهيةٌ تُنسيها فالتقوا، فاقتتلوا، فخرجوا غيلان، حتى ظنوا أنهم قتلوه. ورئيس عمرو كعب بن عمرو، ولواؤه مع ابنه ذؤيب، فجعل غيلان يخل البوغاء في عينيه ويقول: تحلل غيل، حتى مات فقال ذؤيب بن كعب لأبيه كعب: يا كعبُ إنّ أخاكَ مُنحَمِقٌ ... إنْ لم تَكُن بكَ مرّةٌ كعبُ أتجودُ بالدمِ ذي المَضنّةِ في ... الجُلّى وتُلوى النابُ والسقبُ فلان إذ أخذتْ مآخذَها ... وتباعدَ الأنسابُ والقُرَبُ أنشأتَ تطلبُ خُطّةً غَبناً ... وتَركتَها ومَسدُها رَأبُ جانيكَ مَن يجني عليكَ وقد ... تُعدِي الصحاحَ مَبارِكَ الجُربُ والحربُ قد تضطرُ جانيَها ... إلى المَضيقِ ودونها الرُحب قال أبو عبيدة، أنشدني داءوذ أحد بني ذؤيب، وغيره: الصحاح مبارك الجرب، فرفعوا مبارك وجرّوا الجرب وذلك إقواء وقال أبو الخطاب: إن عامة أهل البدو ليست تفهم ما يريد الشاعر، ولا

يُحسنون التفسير، وإنما أتى أقواء هذا، من قلة فهم الذين رووه، وإنما عنى الشاعر وقد يُعدي الأجرب الصحيح مبركاً، فلما وجدوه مقدماً ومؤخراً، لم يحسنوا تلخيصه، ووجدوا مبارك لا ينصرف، فأظلم المعنى عليهم. وإنما أراد وقد تعدي الصحاح مبارك الجرب. أصَعصَعَ بعضَ لَومكَ إنّ ليلى ... رَوادُ الليلِ مُطلَقًةُ الكِمامِ صعصعة بن ناجية أبو غالب أبي الفرزدق. يريد بعض لومك بني مجاشع. ويروى إن أمِّكَ بعد ليلى. أصَعصَعَ قالَ قَينُكَ أردفينى ... وكوني دونَ واسطةٍ أمامي تُفدّي عامَ بِيعَ لها جُبيرُ ... وتزعمُ أنّ ذلكَ خيرُ عامِ بيع اشتري. جبير عبد كان لصعصعة. بِها شَبهُ الزّبابَةِ في بَنيها ... وعِرقٌ من قُفيرةَ غير نامِ الزبابة الفأرة، نبز بها أم الفرزدق لينة بنت قرطة. وقفيرة جدة الفرزدق. قُفيرةُ وهيَ ألأمُ أمّ قَومٍ ... تُوفّي في الفرزدقِ سَبعَ آمِ فإن مجاشعاً فتَبيّنوهُم ... بَنو جَوخَى وجَخجخَ والقُذام جوخى، وجخجخ، والقذام، إماء كلهن. وأمهمُ خَضافِ تَداركَتهُم ... بِدَخلٍ في القلوبِ وفي العِظام

وقال الفرزدق يهجو أصم باهلة، واسمه عبد الله بن الحجاج بن عبد الله بن كلثوم، من بني ذبيان بن جنادة: إخالُ الباهليّ يظنُ أنيّ ... سَأقعُدُ لا يجاوزُهُ سِبابيِ فأمي أمهُ إنْ لم يجاوِزْ ... إلى كعب ورابِيَتَي كِلابِ ويروى فإني مثله إن لم يجاوز. كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وكلاب ابن ربيعة أخوه. أأجعلُ دارِماً كأبني دُخان ... وكانا في الغنيمةِ كالرِكاب ابنا دخان غني وباهلة. وكانوا يسبون بذلك في الجاهلية. قال الخطل: تعوذُ هَوازِنٌ بابنَي دُخانٍ ... لَعمرُكَ إنّ ذا لهُوَ الشّنارُ وسَوّدَ حاتِماً أنْ ليسَ فيهِم ... إذا ما شُبّتٍ النيرانُ نارُ وما أحدٌ منَ الأقوامِ عَدُوا ... فُروعَ الأكرمينَ إلى الترابِ أباهِلَ أينَ مَلجَؤكُم إذا ما ... لجَقنا بالمُلوكِ وبالقِبابِ تهامَةَ والأباطِح إذ سَددنا ... عليكم من تَهامةَ كل بابِ إذا سَعدُ بنُ زيدِ مَناةَ سالَتْ ... بإكثرَ في العديدِ منَ الترابِ

فإن الأرضَ تعجِزُ عن تميمٍ ... وهم مِثلُ المُعبّدةِ الجِرابِ وجدتُ لهم على الأقوامِ فضلاً ... بِتَوطاء المَناخِرِ والرقابِ لقد هَتكَ المحارِمَ بأهلي ... يجُسُ لأختهِ ركبَ الحَقابِ تَبيتُ فقاحُكم يَركَبنَ مِنها ... فُروجاً غير طيّبةِ الخِضابِ ولو سيرتُم فيمن أصابتْ ... على القسماتِ أظفاري ونابي إذا لرأيتُمُ عِظةً وزَجراً ... أشدّ منَ المُصمّمةِ العِضابِ بمَحتفظَينَ إن فضّلتُمونا ... عليهم في القديمِ ولا غِضاب ولو رَفعَ السماء إليه قوماً ... لحقنا بالسماء على السحابِ وهل لأبيكَ من حَسبٍ يُسامِي ... مُلوكَ المالكين ألي الحجابِ يعني مالك بن حنظلة ومالك بن زيد مناة. قال فعجز الباهلي عن نقيصتها، فأجابه جرير، فقال: ألا حَيّ المَنازِلَ بالجِنابِ ... فقد ذكّرنَ عهدَكَ بالشبابِ أجِدّكَ ما تذكرُ أهلُ دارِ ... كأنّ رُسومَها ورقُ الكتابِ يريد أبجد منك، فلما طرح الباء نصب. الرسم الأثر في الدار بلا شخص. ويروى أما تنفك تذكر عهد دارٍ كأن.

لعمرُ أبي الغَواني ما سُلَيمَى ... بِشملالٍ تَراحُ إلى الشبابِ شملال خفيفة سريعة. تراح ترتاح، وتريده وتسرع إليه. تُكَنُ على النواظِرِ ثم تبدو ... بُدوّ الشمسِ من خللِ السحابِ لياليَ تَرتميكَ بنبل جنّ ... صَموتُ الحِجلِ قانئةُ الخِضابِ كأنكَ تستعيرُ كلى شَعيبٍ ... وَهتْ من ناضِح سرَبِ الطباب الشعيب المزادة من أديمين يُشعب بينهما كل راوية شعيبان. الكلى واحدتها كلية، وهي رقعة أسفل عروة المزادة. وههت سالت. ناضح سقاء ينضح سرب سائل. الطباب جلدة مستطيلة تضرب على أسفل المزادة. شبه دمعه بهذه المزادة. وما بالَيتُ يومَ أكُف صَحبي ... مخَافَةَ أن يُفنّدَني صِحابي تَباعَدَ من مَزارِكَ أهلُ نجدٍ ... إذا مرّت بذي خُشُبٍ رِكابي غريبا عن ديارِ بني تَميمٍ ... ولا يخزي عشيرتي اغترابي لقد عَلمَ الفرزدقُ أنّ قومي ... يُعدّونَ المَكارِمَ للسبابِ يحُشّونَ الحروبَ بمُقرَباتٍ ... وداؤوديّةٍ كأضا الحَبابِ يحشون يوقدون. بمقربات مكرمات. داؤودية دروع من صنعة داءود عليه السلام الأضا الغدران، واحدتها أضاة. والحباب الطرائف على الماء، مثل الوشى، شبه الدروع به. إذا آباؤنا وأبوكَ عُدوا ... أبان المُقرفاتُ منَ العِرابِ

أبان استبان. المقرفات الهُجن من الخيل. فأورَثكَ العَلاةَ وأورَثونا ... رِباطَ الخيلِ أفنيةَ القبابِ وأن عَدّتْ مكارِمَها تميمٌ ... فَخَرتَ بمرجَلٍ وبعقر نابِ ألسنا بالمكارمِ نحنُ أولى ... وأكرمُ عندَ مُعترَكِ الضرّابِ وأحمدُ حينَ يحمدُ بالمقَقاري ... وحالَ المُربِعاتُ منَ السحابِ المربعات السحائب التي تمطر في الربيع. وأوفَى للمُجاورِ إن أجَرنا ... وأعطى للنّفيساتِ الرّعابِ صبرنا يومَ طِخفةَ قد علمتُم ... صُدورَ الخيلِ تخطُ في الجرابِ وَطِئنَ مجاشعاً وأخذنَ غَصباً ... بَني الجَبّار في رَهج الضبابِ يعني قابوس وحسان ابني المنذر، أسرتهما بنو يربوع يوم طخفة. ويَربوعٌ هُمُ أخذوا قديماً ... عليكَ منَ المَكارم كل بابِ فلا تفخرْ وأنتَ مجاشعيٌّ ... نَخيبُ القَلبِ مُنخرِقُ الحِجابِ فلا صًفوٌ جَوازُكَ عندَ سَعدٍ ... ولا عَفُ الخليقةِ في الرّبابِ جوازك سقيك الماء إياه، وأن يجاز من منهل، وماء إلى ماء. وقد أخزاكَ في نَدواتِ قيس ... وفي سعد عِياذُكَ من زَبِابِ ندوات جمع ناد. قيس بن ثعلبة، وسعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. ألم ترَ مَن هجاني كيفَ يَلقى ... إذا غَب الحديثُ منَ العَذابِ يَسُبُهُمُ بسَبّي كلُ قومٍ ... إذا ابتدرَتْ مَحُاوَرةُ الجواب

فكُلّهمُ سقيتُ نَقيعَ سَمّ ... بِنابي مخدِر ضرَمِ اللُعابِ لقد جارَيتَني فعَرفتْ أني ... على حظّ المُراهن غير كابِ سبقتُ فجاء وجهي لم يُغير ... وقد حطّ الشكيمةَ عَضُ نابِ فما بلغَ الفرزدقُ في تميمٍ ... كمبلغ عاصِم وبَني شِهابِ عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع جد قعنب. وعتيبة بن الحارث بن شهاب بن عبد قيس بن الكباس بن جعفر بن ثعلبة بن يربوع. ولا بلغَ الفرزدقُ في تميمٍ ... تخَيرُيَ المَضارِبَ وانتجابي أنا أبنُ الخالدَين وآل صَخرٍ ... أحَلُوني الفُروعَ منَ الرّوابي الخالدان خالد بن منقر، وخالد بن غنم أخو جشم بن سعد. وصخر ابن منقر. الروابي الإكام المشرفة. يقول: جعلوا لي عزاً مشرفاً. وسيفُ أبي الفرزدقِ قد علمتُمْ ... قَدومٌ غير ثابتَه القِرابِ أجيرانَ الزبيرِ غَرَرتمُوهُ ... كما أغترّ المُشبّهُ بالسرابِ ولو سارَ الزبير فحَلّ فينا ... لما يَئسَ الزبير منَ الإيابِ لأصبحَ دونهُ رَقَماتُ فَلج ... وغُبرُ اللامعاتِ منَ الحِدابِ وما باتَ النّوائِحُ من قُريشٍ ... يُراوجنَ التّفجُعَ بانتحابِ على غيرِ السواء مَدحتَ سَعداً ... فزِدهُم ما استطعتَ منَ الثوابِ

همُ قَتلوا الزبير فلم تُنَكّرْ ... وعَزوا عُقرَ جِعثن في الخِطابِ فداوِ كُلومَ جِعثنَ إنّ سعداً ... ذَوو عادِيّةٍ ولهُى رِعابِ كلوم جراجات. عادية عز قديم، لهى عطايا عظام الواحدة لهوة، رغاب واسعة. سأذكُرُ من قُفيرةَ ما علمتُم ... وأرفعُ شأنَ جِعثنَ والربابِ جعثن أخت الفرزدق. والرباب بنت الحتات المجاشعي. وعاراً مِنْ حمُيدَةَ يومَ حَوطٍ ... ورَضخاً مِن جَنادِلها الصلابِ فأصبح غالياً فتَقسّموهُ ... عليكم لحمُ راحلَةِ الغُرابِ تحَكّكْ بالعَدان فإن قيساً ... نَفَوكُم عن ضرَيّةَ والهِضابِ كَجعثنَ حينَ أسبلَ ناطِفاها ... عَفرتُم ثوبَ جِعثنَ في الترابِ فشُدّي مِن صَلاكِ على الرُدافَى ... ولا تَدعي فإنكِ لن تجُابي لنا قيسٌ عليكَ وأيُ قوم ... إذا ما احمرّ أجنحةُ العُقابِ احمر يعني من دم القتلى. والعقاب الراية. أتعدِلُ في الشكيرِ أبا جُبير ... إلى كَعبٍ ورابيتي كِلابِ الرواية أتعدل فش كير أبي جبير إلى وجدتَ حَصى هَوازِنَ ذا فُضولٍ ... وبَحراً أبنَ شِعرَةَ ذا عُبابِ وفي غَطفانَ فأجتنيوا حماهُم ... لُيوثُ الغيلِ في أجم وغابِ ألم تسمع بخيلِ بني رِياحٍ ... إذا ركَبتْ وخيلِ بني الحُبابِ

رياح بن يربوع. وبنو الحباب يريد عمير بن الحباب بن أياس بن جعد بن حزابة ابن محارب بن هلال بن فالج بن ذكوان بن بهثة بن سليم. همُ جَذُوا بيَ جُشمَ بن بكرٍ ... بِلُبّي بعدَ يومِ قُرى الزوابي جذواب قطعوا أصلهم. لبى مكان بالجزيرة بين بلد والعقيق من أرض الموصل. فالتقوا وعلى قيس عمير بن الحباب، وعلى بني جشم زياد بن هوبر، فانهزمت تغلب. وفي ذلك يقول نفيع بن سالم بن شبّة بن الأشيم بن ظفر بن مالك بن غم بن طريف ابن خلف بن محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر: فإن بماكِسينَ ودَيرِ لُبّى ... مَلاحِمَ ذِكرُها خِزيٌ وعارُ حماةُ ذِمار تغلبَ في مَكرّ ... تطوفُ بِها الجَيائِل والنّسارُ الجيائل جمع حيال، وهي الضبع. والأخيل طائر يرتبع على الجيف، ويقال إنه الغراب. جعلتُم ناركُم لهُمُ قُبوراً ... لهَا منهُم إذا شُبّت قُتارُ وذاك أن القتلى أنتنت وتطرّقت عليها السابلة، فتأذت براحتها، فأرتأت بنو تغلب، فاجتمع رأيهم على أن يحرقوهم بالنار، وولي ذلك الشمرذي التغلبي. أردتُم أن تجُنّوها فتَخفى ... نِيارُكُم إذا أحترقَ الشّنارُ وحَيُ محارِبِ الأبطالِ قِدماً ... أولُو بأسٍ وأحلامٍ رِعابِ خُطاهُم في الحُروبِ إلى الأعادي ... يَصلنَ سُيوفَهُم يومَ الضرابِ

وقال جرير يقضي بين الأصم الباهلي وبين الفرزدق: سأحكمُ بين قَين بَني عِقالٍ ... وبين أصمّ باهِلَةَ المُرادي فأما القَين قَين بني عقالٍ ... فذو الكيرَين والبرُمِ الجيادِ وأما الباهليُ فسُمُ أفعى ... على أحناء حيةِ كلّ وادي وقال الفرزدق لجرير: يَمُتُ بحَبل مِن عُتيبةَ إذ رأى ... أنامِلَهُ رُكّبنَ في شرّ ساعِدِ ومِن قَعنبٍ هيهاتَ ما حَلّ قَعنبٌ ... منَ الخَطفى بالمنزل المُتباعِدِ ومِنْ آلِ عَتّابَ الرديفِ ولم يكن ... لذلكَ أبوابَ المُلوكِ بشاهِدِ فخرتَ بما تبني رِياحٌ وجعفرٌ ... ولستَ لما تبني كُليبٌ بحامدِ فأجابه جرير فقال: أنا أبنَ أبي سعد وعمرو ومالك ... وضَبةُ عبدٌ واحدٌ وابنُ واحدِ أجئتَ تَسوقُ السيدَ خُضراً جُلودُها ... إلى الصيدِ من خالي صخرٍ وخالدِ ألم ترَ أنّ الضبّ يهدِمَ جُحرَهُ ... وترأسهُ بالليلِ صُمُ الأساودِ فإنّا وجدنا إذع وَفَدنا إليكُمُ ... صدورَ القَنا والخيلَ من خير وافِدِ وأبليتُمُ في شأن جِعثنَ سَوءةً ... وبانَ ابنُ عَوّامٍ لكم غير حامدِ فيا ليتهُ يدعو عُبيداً وجعفراً ... وشُماً رِياحِيّينَ شُعرَ السواعِدِ

وقال جرير حين هلك الأخطل: زارَ القُبورَ أبو مالكِ ... فأصبحَ أهونَ زُوّارِها لِتَبكِ عليهِ دَرومُ العِشاء ... خبيثٌ تَنسمُ أسحارِها وتُكثَرُ في مُستقرّ الجَنينِ ... منَ الثُوم في قُبلِ أطهارِها وقد شَبرتْ أيرَ قَسّ القُسوسِ ... فكانَ ثلاثة أشبارِها وتبكي بناتُ أبي مالِكٍ ... ببوقِ النصارى ومِزمارِها لقد سرني وقعُ خيل الهُذيلِ ... وتَرغيمُ تغلِبَ في دارِها وفاتَ الهُذيل بني تغلِبٍ ... وجَحّافُ قيسٍ بأزفارِها تحُضّونَ قيساً ولا تَضبِرونَ ... لِزَبن الحروبِ وإضرارِها فأجابه الفرزدق فقال: زارَ القُبورَ أبو مالكٍ ... برغمِ العُداةِ وأوتارِها وأوصى الفرزدقُ عندَ المماتِ ... بأمّ جريرٍ وأعيارِها قُبيلَةٌ كأديم الكراعِ ... تعجِزُ عن نقضِ أمرارِها همُ يُظلَمونَ ولا يَظلمونَ ... إذا العيسُ شُدّتْ بأكوارِها ولا يمنعونَ نُسيّاتهِم ... إذا الحربُ صالت بأظفارِها ولكن عضاريط مُستأخِرونَ ... زعانفَةٌ خلفَ أدبارِها كَسعتُ كُليباً فما أنكرتْ ... كحَسعَ المَخاضِ بأغبارِها

الكسع أن يضرب الحالب مؤخر الناقة والشاة، وإذا فرغ من حلبها لتتنحى عنه، ويقدّم أخرى فيحلبها. أغبارها بقايا لبن في ضروعها، يتركونها ولا يُجهدون حلبها، ليكون أقوى لها ولولدها في العام المقبل. ويقال لذلك داعي اللبن. وجاء في الحديث: "إذا حلبتَ فدع داعي اللبن".

قال حدثنا أبو عبيدة، قال: لقي الفرزدق جارية لبني نهشل، فنظر إليها نظراً شديداً، فقالت: ما لك تنظر إلي، والله لو كان لي ألف حر، ما أطمعت واحداً فيك. قال: ولمَ يا لخناء؟ قالت: لأنك قبيح المنظر، سيئ المخبر فيما أرى. قال: أما والله لو خبرتيني، لعفّى خُبري على منظري. ثم تكشّف عن مثل ذراع البكر، فتضبّعت له عن مثل سنام الناب، فواثبها فقالت له: أنكاحاً بالنسيّة، هذا سوء القضية. قال: ويحك ما معي إلا جُبتي أفتقولينك سالبتها. قالت: فاعطني العقال الذي في حقويك. فأعطاها إياه ثم تسنّمها وقال في ذلك: لمّا اعتركنا بالفضاء القَفرِ ... حينَ عَلَتنا عالياتُ البُهرِ ودَبّحَتْ فأضطجعتْ للظهرِ ... أولجتُ فيها كذِراعِ البَكرِ مُدَملكَ الرأس شديدَ الأسرِ ... زادَ على شِبر ونصفِ شِبرِ كأنني أولجتهُ في جمرِ ... يُطيرُ عنهُ نفيانَ الشَّعرِ نفيَ شُعورِ الناس يومَ النحرِ ... تَلّهفتْ حينَ نزحتُ بَحري وأنسلُ منها مُستهلُ القَطرِ ... تدعُو بِوَيلٍ وبحَرّ صَدرِ قلتُ لها مَهلا فما من عَكرِ ... جئتُ فلن أرجِعَ طولَ الدهرِ فحملت منه، فماتت بجُمع بعد ذلك، فقال فيها الفرزدق يبكّيها، ويبكي ولدها: وغمد سلاح قد رُزئتُ فلم أنُحْ ... عليهِ ولم أبعَي عليه البَواكيا وفي جوفهِ من دارِم ذو حَفيظةٍ ... لو أنّ المنايا أنسأتهُ لَياليا ولكنّ رَيبَ الدهرِ يعثرُ الفَتى ... ولا يستطيعُ ردّ ما كانَ جائِيا وكم مثلهِ في مِثلِها قد وضعتهُ ... وما زِلتُ وَيّاباً أجرُ المُخازيا ولكن وقاني ذو الجلالِ بقُدرةٍ ... شرورَ زواني الناس إذ كنتُ زانيا

فقال جرير يعيره بذلك: وكم لكَ يا ابنَ القَين قد جاء سائلاً ... من ابنِ قَصيرِ الباع مثلُكَ حاملُهْ أتيتَ بهِ بعدَ العِشاء مُلَفّفاً ... فألقيتَهُ للذئبِ فالذئبْ آكِلُهْ وآخرك لا تَشعُرْ بهِ قد أضعتَهُ ... وأودعتَهُ رِحما كثيراً غَوائِلُهْ

قال، وحدثنا أبو عبيدة قال: نكح الفرزدق ظبية بنت دلم بن الهثهاث، من بني مجاشع، بعد نوار، وبعد ما أسن وكبر، فتركها عند أمها بالبادية، ثم خرج إليها وأنشأ يقول: لقد طالَ ما أودَعتُ ظبيةَ أمها ... فهذا أوانٌ فيهِ الودائِعُ وقال الفرزدق حين أتاهم: لَعَمرُكَ إنْ ربيّ أتاني على البِلَى ... بظبيةَ إنّ اللهَ بي لرحيمُ بمَمكورَة الساقين خَفّاقَةِ الحَشا ... إلى الزادِ لأياً في الظلامِ تقومُ وقال حين أراد أن يبني بها: أبادِرُ شَوّالاً بظبيةَ إنني ... أتتني بها الأهواء من كل جانبِ بمالئَةِ الحِجلَين لو أنّ ميتاً ... وإنْ كانَ في الأكفانِ تحتَ النصائبِ دَعتهُ لألقَى التربَ عنهُ انتفاضُهُ ... ولو كانَ تحتَ الراسياتِ الرواسِبِ فأبتنى بها الفرزدق، فعجز عنها، فأنشأ يقول: يا لهفَ نفسي على نَعظٍ فُجِعتُ بهِ ... حينَ التقى الركبُ المَحلوقُ والركبُ فقال له رجل من بني كور: أعجزت أبا فراس، فوالله إني لأحمل على ذكري جزة صوف. فقال الفرزدق: لنِعمَ الأيرُ أيرُكَ يابنَ كُوزٍ ... يُقِلُ جُفالَةَ الكَبشِ الجَزيز

فقال الكوزي: نشدتك الله، وجرير شاهد ذلك، فقال جرير يعيره: وتقولُ ظبيةُ إذا رأتكَ محُوقِلاً ... حُوقَ الحمارِ منَ الخَبال الخابِلِ إنّ البليةَ وهوَ كُلُ بليّةٍ ... شَيخٌ يُعلّلُ عِرسَهُ بالباطِلِ لو قد علقتُ منَ المُهاجر سُلّماً ... لَنجوتُ منهُ بالقضاء الفاصِلِ فقال المهاجر: والله لو أتتني بالملائكة لقضيت للفرزدق عليها. وحدثنا أبو عبيدة، قال: مر شيخ من بني العنبر بعد تزوج الفرزدق بظبية، بجرير بن الخطفي، فقال له جرير: أين تريد؟ قال: البصرة. قال: فبّلغ هذه الأبيات الفرزدق: إنّ الرزيةَ لا رَزيةَ مِثلَها ... شيخٌ يُعللُ نفسهُ بالباطلِ أعجَزتَ عنها إذ أتتكَ بكعثَبٍ ... كالحُقّ أو ضرعٍ المُربّ الحائِلِ لو كانَ غيركَ يا فرزدقُ أعوَلتْ ... مِن حَرّ طَعنتِهِ بعَولٍ عائِلِ فأتى بها الفرزدق الشيخ، فقال أبلغه عني: لو أنّ أمكَ يا جريرُ سألتهَا ... عندَ العِراكِ لَبيّنتْ للسائِل لأتتكَ تحملُ فوقَ صدرِ ثيابهِا ... ولداً وقد دخلتْ بِرجلي حائِلِ

قال أبو عبيدة: فلم يزل الفرزدق وجرير يتهاجيان حتى هلك الفرزدق قال أبو عبيدة: فحدثني أيوب بن كسيب، أخو مسحل بن كسيب بن عمران بن عطاء بن الخطفي، وأمه زيداء بنت جرير، قال: بينا جرير ابن الخطفي في مجلس بفناء بيته بحجر، إذا نبأ راكب، فلما دنا قال له جرير: من زين وضح الراكب؟ قال: من العراق. قال: فهل كان من حدث. قال: لا، وإلا أني يوم شخصت، رأيت جنازة الفرزدق، وسمعت الناس يقولون: هذا النعش نعش الفرزدق. فقال جرير: هلكَ الفرزدقُ بعدَ ما جَدّعتُهُ ... ليتَ الفرزدقُ كان عاشَ قليلا ثم أسكت ساعة مطرقاً، فظنناه يقرض، فدمعت عيناه، فقال القوم: سبحان الله يا أبا حزرة، ما يبكيك؟ قال: بكيت لنفسي، والله إن بقائي خلافه لقليل، إنه قل ما كان اثنان قرينان، أو مصطحبان، أو زوجان، إلا كان أمد بينهما قريباً ثم أنشأ يرثي الفرزدق، يقول: فُجعنا بحَمّال الدّياتِ ابنِ غالِبٍ ... وحامِي تميمٍ عِرضِها والمُراجِمِ بَكيناكَ حدثانَ الفِراقَ وإنما ... بَكيناكَ إذ نابتْ أمورُ العَظائِم فلا حملت بعدَ ابنِ ليلى مَهيرَةٌ ... ولا شُدّ أنساعُ المَطيّ الرواسِمِ وقال أيضاً يرثيه: لا حمَلتْ بعدَ الفرزدقِ حاملٌ ... ولا ذاتُ بَعلٍ مِن نفاسٍ تَعَلّتِ هوَ الوافِدُ المَحبُوُ والراتقُ الثأي ... إذا النعلُ يوماً بالعشيرةِ زَلّتِ

وعن غير أبي عبيدة، قال جرير يرثي الفرزدق: لعمري لقد أشجى تميماً وهَدّها ... على نكباتِ الدهرِ موتُ الفرزدقِ عَشيّةَ راحوا للفراقِ بنَعشِهِ ... إلى جَدث في هُوّةِ الأرضِ مُعمَقِ لقد غادروا في اللحدِ مَن كانَ ينتمي ... إلى كل نجمٍ في السماء مُحلّقِ ثوى حامِلُ الأثقال عن كلّ مُغرَمٍ ... ودامِغُ شَيطانِ الغشومِ السملّقِ عِمادُ تميمٍ كُلها ولِسانهُا ... وناطَقُها البذّاخُ في كل منطِقِ فمن لذوي الأرحامِ بعدَ ابنِ غالِبٍ ... لجِارٍ وعانٍ في السلاسلِ مُوثقِ ومَن ليتيمٍ بعدَ موتِ ابنِ غالِبٍ ... وأمّ عيالٍ ساغِبينَ ودَردَقِ ومَن يُطلِقُ الأسرى ومَن يحقِنُ الدّما ... يَداهُ ويشفي صدرَ حَرّانَ محنَقِ وكم مِن دَمٍ غالٍ تحمّل ثِقلَهُ ... وكانَ حمولاً في وفاء ومَصدَقِ وكم حِصنِ جَبّارٍ همُامٍ وسُوقَةٍ ... إذا ما أتى أبوابَهُ لم تُغلّقِ تُفتّحُ أبوابُ المُلوكِ لوجههِ ... بغير حِجابٍ دونَةُ أو تملّقِ لتَبك عليه الأنسُ والجِنُ إذ ثوى ... فتى مُضرٍ في كل غَربٍ ومشرقِ فتىً عاشَ يبني المجدَ تسعينَ حِجةً ... وكانَ إلى الخيراتِ والمجد يرتقي فما ماتَ حتى لم يخُلّفْ وراءهُ ... لحَيّةِ وادٍ صَولَةً غير مُصعَقِ قال أبو عبيدة: فما غبر جرير بعد الفرزدق إلا قليلاً حتى هلك. وحدثنا أبو عبيدة قال: حدثني أبو بسطام العدوي من بلعدوية قال: سمعت الفرزدق يقول لمضارب: أتتني من الخبيث هدية فأنشدنيها. فأنشده فجعل يكني عن بعض ذلك، فقال الفرزدق: ويلك أنشدني وأوجع، فإني أريد أن أنقض عليه. فأنشده وأوجعه، فاستلقى طويلاً ثم قال: ما له أخزاه الله ما أشعره، نغترف من بحر واحد، ثم تضطرب ولاؤه عند النهز.

قال، وحدثنا الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، أن بعض الرواة كان يوماً عند جرير، فإذا شيخ قصير أفحج، قد أقبل حتى اعتقل عنزاً، فشرب لبنها، فقال جرير للرجل: أتدري من هذا؟ قال: لا. قال: هذا عطية فكيف برجل يريد أن يسامي بني دارم بهذا. قال: وحدثنا أبو عبيدة، قال: حُدثت أن عطية بن الخطفي بن بدر، لما أنشد قول الفرزدق: فكيفَ ترى عطيّة حينَ يَلقى ... رِغاباً هامُهُنّ قُراسِيات قال: لا! كيف والله! فقال له جرير: اسكت لأحملنك على الذرى منها قال: وحدثنا الأصمعي: أن أم جرير قالت لجرير عرضتني لهؤلاء الكلاب. قال: اسكتي، قد ارتبطت أعقرهن وحدثنا عمارة بن عقيل، قال: سمعت أبي يقول: دخل جرير على بعض الخلفاء فقال: ألا تخبرني عن الشعراء؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، قال: فمن أشعر الناس؟ قال: ابن العشرين. قال: فما رأيك في ابني أبي سلمى؟ قال: نيري الشعر يا أمير المؤمنين. قال: فما تقول في امرئ القيس بن جحر؟ قال: كأن الخبيث اتخذ الشعر نعلين. وأقسم بالله يا أمير المؤمنين أن لو لحقته لرفعت ذلاذله. قال: فما رأيك في ذي الرمة؟ قال قدر من طريق الشعر وغريبه وحسنه على ما لم يقدر عليه أحد. قال: فما تقول في الأخطل؟ قال: ما أخرج لسان ابن النصرانية ما في صدره من الشعر فقط، حتى مات. قال: فما تقول في الفرزدق؟ قال: في يديه والله نبعة الشعر قابضاً عليها. قال: فما أبقيت لنفسك شيئاً. قال: بلى، والله يا أمير المؤمنين إني لأنا مدينة الشعر، التي يخرج منها، ويعود إليها، ولأنا سبّحت الشعر تسبيحاً، ما سبّحه أحد قبلي. قال: وما التسبيح؟ قال: نسبت فأطريت. وهجوت فأرديت. ومدحت فأسنيت وأرملت فأغزرت. ورجزت فأنجزت. فأنا قلت ضروب الشعر كله.

قال: وأخبرنا أبو الحسن المدائني، قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله القرشي قال: لمّا قدم الفرزدق المدينة، نزل على الأحوص بن محمد الأنصاري، فقال ما تحب أن يكون قراك؟ قال: شواء رشراش، ونبيذ سعير، وغناء حسن. قال: ذاك لك. فأدخله على قينة بالمدينة، فأكل وشرب ثم غنته: ألا حَيّ الديارَ بسُعدَ إني ... أحبُ لحُبّ فاطمَةَ الديارا أرادَ الظاعنونَ ليَحزُنوني ... فهاجُوا صَدعَ قلبي فاستطارا فقال: قاتلكم الله يا أهل المدينة ما أرق أشعاركم، وأحسن مناسبكم. فقيل له: هذا شعر جرير في هجائك. فقال: قاتل الله ابن المراغة، ما أحوجه مع عفته إلى جزالة شعري، وما أحوجني مع فجوري إلى رقة شعره. قال، وقال أبو عبيدة: كان المخبّل القريعي أهجى العرب، بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: وإنما هو عذاب يصبه الله على من يشاء من عباده، ثم كان بعده حسان بن ثابت رضي الله عنه ثم الحطيئة، والفرزدق، وجرير، والأخطل، هؤلاء الستة، الغاية في الهجاء، وفي غيره. لم يكن في الجاهلية، ولا في الإسلام، لهم نظير. وكان جرير أشدهم تكوّما، لم يمدح أحداً فهجاه. ولم يهج أحداً قط فمدحه. وكان الفرزدق يمدح الرجل ثم يهجوه. وكان حريصاً، شرها، خسعاً مدح بني منقر، ثم هجاهم. وهم رهط قيس بن عاصم فأما الهجاء فقوله: وأهونُ عَيبِ المنقَريّةِ أنها ... شديدٌ ببطنِ الحَنظليّ لُصوقُها

وهجا بني نهشل فقال: إذا تَمّ أيرُ النهشليّ لأمه ... ثلاثة أشبارٍ فقد رَقّ دينُها وكان يفتخر بهم حيث يقول: بيتاً زُرارةُ محتَبٍ بِفنائِهِ ... ومجاشِعٌ وأبو الفوارسِ نهشلُ وهجا بني ضبة وهم أخواله ومدحهم. قال أبو عبيدة: كان راوية الفرزدق رجلا من بني ربيعة بن مالك، وهم الذين يقال لهم ربيعة الجوع. وله أيضاً راوية يقال له عبيد، كان يروي ما يقول في جرير وغيره، فنحروا جروراً، فسألهم الفرزدق نسيباً، وكانوا قسموها على ثلاثة أنصبة بدرهم، فأبوا أن يعطوه منها نصيباً، فهجاهم فقال: إذا ذُكرتْ رَبيعةُ فهيَ خِزيٌ ... لِذكراها بمَجد وأفتِخارِ فكان عبيد راويته غائباً، فلما قدم، أهدى له ملء صحفة من لحم جزور، فأنشأ يمدحهم فقال: ربيعةُ خير الناس إنْ عُدّ خَيرهُم ... لهم حَسبٌ زاكٍ وخير فَعالِ قال أبو عبيدة: وهما بئس الشيخان، وما خلق الله أشأم منهما على قومها، إنهما أخرجا مثالب بني تميم وعيوبهم، وكانا أعلم الناس بعيوب الناس، والناس يختلفون فيهما، وإنما يتكلمون بالأهواء. قال أبو عبيدة: إما الرواة، فيقولون الفرزدق أشعرهما. وإما الشعراء، فيقولون جرير أشعرهما. قال أبو عبيدة: وهذا هو عندي

القول. قال: وكان جرير والفرزدق تحاكما إلى الصلتان العبدي، ففضل الفرزدق بقومه، وفضل جريراً بشعره، وهو حيث يقول: أتَتني تميمٌ حيثُ ضلّتْ حُلومُها ... لأحكم فيها بالذي أنا سامعُ فيا شاعراً لا شاعرَ اليومَ مثلُهُ ... جريرٌ ولكنْ في كُليب تواضُعُ ويرفعُ من شعر الفرزدقِ أنه ... يَنوء ببيتٍ للخَسيسَة رافعِ فإن يكُ بحرُ الحَنظليّينَ زاخِرا ... فما تستوي حيتانُهُ والضفادعُ فغضب جرير حين فضل بني مجاشع على بني كليب، ورضي الفرزدق بذلك. قال أبو عبيدة: وإنما أحبّت قيس جريراً لأنه يفخر بهم، وإنما أحب الفرزدق بنو تميم، لأنه كان يفخر بهم، ويذكر ما لا يُعرف، فأحبوه لذلك. وقال الفرزدق: أنا ابنُ خِندف والحامي حَقيقَتها ... قد جَعلوا في يميني الشمسَ والقمرا ولم يجعل الله ذلك لأحد وقال وهو يفخر: إنّ السماء التي مِن دارِم خُلقَت ... والأرضَ كانا لنا دونَ الأعزّاء

وقال أيضاً يفخر بالكذب: فلو أن أمّ الناسِ حَوّاء حارَبت ... تميمَ بنَ مُرّ لم تجدْ مَنْ يجُيرُها وأي جار أعز من الله عز وجل، إذا كانوا هكذا. قال أبو عبيدة: ومن لؤمه أنه كان يتزوج الزنجيات، وكان للفرزدق ابنة يقال لها مكية، وكانت زنجية وهي التي يقول فيها: بِدارميّ أمهُ ضَبِيّه ... صَمَحمَح مثل أبي مَكيّهْ وهي التي يقول فيها: يا رُبَ خَوْد مِنْ الزنج ... تمشي بتَنّور شديدِ الوَهج أخَثَمَ مثل القَدح الخَلَنج ... يزدادُ طِيباً بعدَ طُول الهَرج وقال أبو عبيدة حدثني أبو عمرو بن العلاء، قال: لما ... قيل له قل لا إله الله قال: قاتل الله الشماخ حين يقول:

فظلت بمئود كأنّ عُيونا ... إلى الشمسِ هل تدنُو رَكيٌ نَؤاكزُ ... فتخر ... ......... ...... ... وقُلتُ لهُ لا تخشَ شيئا ورَائيا وإنما له ... الفرزدق بالزنا وهو ابن ثمانين سنة، وهو سيد تميم من ذلك قوله: هما دَلّتاني مِن ثمانينَ قامَةً ... كما أنقَضّ بازٍ أقتَمُ الرّيشِ كاسرِهُ برجل من بني تميم كان على شرطة البصرة، فلم يزل يُراصده حتى مر إلى مجلسه ثم لم يزل ... على باب دارها، ومعها جارية لها، وعليه ثوب وشي فقالت الجارية: ... البرد على هذا الأعرابي ما أحسنه فقال لها الفرزدق: هل لك أن أقبل مولاتك قُبلة ... الجارية لمولاتها، وما عليك من هذا الأعرابي الأحمق، فلما تابعته على ذلك قبّلها ودفع ... اسقيني ماء فاتته بماء في قدح زجاج، فلما وضعته في يده ألقاه فانكسر، ثم قعد ... فلما أتى أبصره ببايه فقال: ما يقعدك هاهنا يا أبا فراس، الك حاجة؟ قال: لا ولكنّي استسقيت ... فانكسر، فأخذوا بُردي رهناً، فدخل الرجل قشتم أهله، ثم قال: رُدوا الفرزدق بُرده ... مالك بن عمرو بن تميم وهي على فرش لها قاعدة: فقال لها: أما والله لوددتُ أني أقيل على ... تقيل على كمرة حارة فأخجلته * قال وكان الفرزدق أصلع، فمر بجارية فقالت: ... برز عن ذكره وقال: الطستُ مع الإبريق بدرهم. قال: وأتى مولى لباهلة ... يدبغ فيها وكان تُعجبه الخزيرة فاستطعمه قدحاً من شحم الدباغين فأطعمه إياه فقال:

الأقوامِ قيل لهم ... عند التساول ايتوا المرء دينارا ... ومُفتَخرٌ ... يزينه لا تراهُ يعرفُ العارا شحم فلم يجده عنده فقال: ...... ... فالعبد عبد وما عبدٌ كأحرار غدانة بن يربوع فأتاه عطية بن جعال، فطلب إليه فيهم فقال في ذلك: أبَني غُدانَةَ إنني حَررتُكُم ... فوَهبتُكُم لعَطيّةَ بنِ جِعالِ لولا عطيّةُ لاجتَدَعتُ أنوفكُمْ ... مِن بينِ ألأمِ أنُفٍ وسِبالِ قلو كان أشد الناس بأسا، كان يزيدهم على هذا. قال واتى الفرزدق عمر بن يزيد ... بعلف، فأمر له بوقر، فغضب فقال: يا ليتَ بُستانَكَ المُهتَزّ ناعِمُهُ ... أمسَى أيورَ بِغال في البَساتينِ كَيما تخَيرّ مَنهُ كل فَيشَلَة ... كَبساء خارِجَةٍ من أوسَطِ الغينِ يا عُمرَ بنَ يزيدَ إنني رَجُلٌ ... أكوي مِنَ المَسّ أقفاء المجانينِ قال وزعمت بنو كليب، أنهم لم يُهجوا بشيء أشد عليهم، من قول البعيث: ألستَ كُليبيّا إذا سيمَ خُطّةً ... أقرّ كإقرار الحَليلَةِ للبَعَلِ وكلُ كُليبيّ صَفيحةُ وَجههِ ... أذَلُ لأقدامِ الرجالِ منَ النّعل وكلُ كُليبيّ يقودُ أتانَهُ ... لهُ حاجةٌ من حيثُ تُثفَرُ بالحبلِ وزعمت بنو مجاشع، أنهم لم يهجوا بشيء أشد عليهم، من قول جرير:

وبِرَحرَحانَ غَداةَ كُبّلَ مَعبدٌ ... نُكِحَتْ نِساؤكمُ بغيرِ مُهورِ وقال جرير: ما هُجينا قط بشيء أشد علينا من قول الأخطل: ما زال فينا رباطُ الخيلِ مُعلَمةً ... وفي كُليبٍ رِباطُ الذُلَ والعارِ قومٌ إذا أستنبحَ الأضيافُ كَلبَهُمُ ... قالوا لأمهِمُ بولي على النّارِ قال جرير لأمه: هجانا من وجوه شتى، أما أحدها فإنه جعل أمنا خادمنا. وأما الثاني فأمرنا إياها ... من ضيف يتنور بها. والثالث أن تفتح فرجها. والرابع بخل بالقرى وزعم الفرزدق أنه لم يُهج بشيء قط أشد عليه من قول جرير: وَدّتْ سُكينَةُ أنّ مسجِدَ قَومِها ... كانت سَؤاريهِ أيورِ بِغالِ قال الفرزدق: فوالله ما دخلت مسجداً قط، إلا ذكرت هذا من قوله، إذا نظرت إلى سؤاريه. قال الفرزدق: ... إلا ذكرت قول جرير: ترى بَرصاً بأسفَلِ إسكتَيها ... كَعَنفَقَةٍ الفرزدقِ حينَ شابا وكانا يتباريان في أشعارهما، فإذا قال هذا بيتاً سائراً، قال هذا مثله. قال وذُكر أن ... بشر بن مروان وهو بالكوفة، فلما نظر إليه بشر استرجع، فقال: أصلح الله الأمير ممَّ تسترجع؟ ... وأنا منك بين شرّين إما أن أعطيك مالي، وإما عِرضي، ثم اعتذر إليه وأمر له بثا ...

ومَنْ يجعَلِ المعروفَ مِنْ دونِ عِرضِهِ ... يَفرهُ ومَنْ لا يتّقَ الشّتمَ يُشتَمِ فقال بشر بن مروان أترونه خرج ساخطاً. قالوا: لو كان ساخطاً ما قبلها ثم دخل ... بشر استرجع، فقال كقول الفرزدق. فرد عليه بشر مثل رده على الفرزدق ... الفرزدق وأجازه كجائزة الفرزدق، فولّى وهو يتمثل بقول الشاعر: ومَنْ يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتّقِ الشتم يشتم قصته وتمثله فعجبت من اتفاقكما. قال وما ... الأمير ... فقرتنا وأتتنا بشراب، فلما دب النبيذ في الفرزدق ... فقال إليك عني، فوالله لئن عُدت لأصيحن بالحي. فلما كان ... إليها فصاحت وخرج مبادراً وأنا معه، فركب راحلته ... ضحك ثم قال: قاتل الله ابن المراغة، كأنه ينظر إليّ حيث يقول: وكُنتَ إذا نظلتَ بِدارِ قوم ... رَحلتَ بِخزيَةٍ وتركتَ عارا تم كتاب النقائض، نقائض جرير والفرزدق، رواية أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي، عن الحسن بن الحسين السكري، عن محمد بن حبيب، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي، رحمهم الله أجمعين، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد ... وسلم وتم نساخته بتاريخ اليوم السابع والعشرين من شهر رجب الفرد الحرام سنة 971 بلغ مقابلة، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد ... وسلم ... مع تحريفه وتصحيفه والله أعلم.

§1/1