شرح نخبة الفكر

عبد الكريم الخضير

شرح نخبة الفكر (1)

شرح نخبة الفكر (1) مقدمة عن كتب علم مصطلح الحديث وكتاب نخبة الفكر (شروحها- وحواشيها- ومن نظمها ... ) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً خالصاً لوجهك، صواباً على سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-. أما بعد: مقدمة عن كتب علم مصطلح الحديث: فقد طلب مني أن أشرح مختصراً وجيزاً، ومتناً متيناً، وأصلاً أصيلاً من المتون العلمية التي هي كالقواعد والأسس الثابتة التي يبنى عليها غيرها، وهذا المختصر هو (نخبة الفكر) للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-. وهذا الكتاب على وجازته إذ لا يزيد على ثلاث أو أربع أو خمس ورقات حسب اختلاف الطبعات إلا أنه حوى علماً عظيماً مباركاً من أهم العلوم وأشرفها يتعلق بالمصدر الثاني من مصادر التشريع، وهو سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، والسنة جاء في أول الأمر النهي عن كتابتها وتدوينها، فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي سعيد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه)) وهذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، خشية منه على اختلاط كلامه بكلام الله -عز وجل-؛ لأن القرآن لم يكن مجموعاً في مصحف معزولاً عن غيره، فإذا سمع الصحابي الكلام من النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما ينقله عن ربه -عز وجل- من وحي نوعان: منه ما هو متعبد بلفظه وهو القرآن، ومنه ما هو متعبد بمعناه دون لفظه وهو السنة.

وكلاهما من عند الله -عز وجل- {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] فخشية منه -عليه الصلاة والسلام- أن يختلط كلامه بكلام الله نهى عن كتابة غير القرآن، فحمل أهل العلم هذا النهي على هذه الصورة، أو خشية منه -عليه الصلاة والسلام- أن يعتمد الناس على الكتابة ويهملوا الحفظ، ثم بعد ذلكم احتيج إلى الكتابة فأذن بها ((اكتبوا لأبي شاه)) يقول أبو هريرة: "ما كان من أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر مني رواية، وأكثر مني حديثاً إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب"، وبعد ذلك المنع حصل الإجماع على جواز الكتابة، بل على استحباب تدوين العلم. ومن أهم ما يدون ما يعتمد عليه في إثبات تصرفات المسلم على مراد الله، وعلى مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-. كتب الصحابة، كتبوا السنن من عهده -عليه الصلاة والسلام-، واستمرت الكتابة كتابة فردية، ثم لما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة -رحمة الله عليه- أمر الإمام محمد بن شهاب الزهري بالتدوين الرسمي، فعمر بن عبد العزيز خشي من ضياع السنة لضعف الحافظة لدى الناس، ومعلوم أن العرب كانوا يتميزون بالحفظ ثم لما اختلطوا بغيرهم أخذت هذه الملكة والغريزة تضعف شيئاً فشيئاً، في العادة أن من يعتمد على شيء يعتني به، لما كان عمدتهم الحفظ كانوا يعتنون به، ثم لما توسعوا في أمر الكتابة، ضعفت الحوافظ لدى الناس، وهذا شيء مشاهد، الشيء الذي تعتني به وتودعه حفظك في الغالب أنك تحفظه، أما إن كنت بمجرد سماعه تخرج القلم وتكتب فإن هذا لا يثبت في الحفظ، وإن ثبت في الورق. ثم تتابع الناس بعد ذلك على الاعتماد على المكتوب، اعتمدوا عليه اعتماداً كلياً، فدونت الأحاديث، ودونت العلوم كلها، بداية من منتصف القرن الثاني يعني بعد أمر عمر بن عبد العزيز لابن شهاب الزهري تتابع الناس في الكتابة حتى وجدت المصنفات من الموطئات والمسانيد والمصنفات، المصنفات نوع من أنواع التأليف في السنة، ثم بعد ذلكم دونت الجوامع من الصحاح والسنن والمعاجم وغيرها، بهذه الطريقة وجدت كتب السنة، لكن ماذا عن كتب علوم الحديث؟

علوم الحديث كغيره من علوم الآلة التي هي وسائل إلى علوم أخرى، علوم الحديث وسيلة يتوصل به إلى تمييز الصحيح من الضعيف من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو وسيلة وليس بغاية. في أول الأمر لم تكن الحاجة داعية إلى التأليف المستقل في هذا العلم، ومثله علوم الآلة كلها، التي هي الوسائل أصول الفقه، علوم القرآن وقواعد التفسير، وعلوم العربية بفروعها العشرة المعروفة. لما كثر اختلاط العرب بغيرهم، وبعدوا عن عصر الرسالة احتاجوا إلى قواعد وضوابط تعينهم على فهم الكتاب والسنة، ووجد هذا العلم مبثوثاً ومنثوراً في كتب الأئمة، في كتب الإمام الشافعي كالرسالة والأم، وكتب تلميذه الإمام أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني ويحيى بن معين والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم، فوجدت هذه القواعد وهذه الضوابط التي يحتاجها طالب العلم لفهم السنن في الكتب المبثوثة. واختلف أهل العلم في أول ما صنف في هذا العلم على سبيل الاستقلال، فمنهم من يقول: الإمام الشافعي في الرسالة، والرسالة وإن قال أهل العلم: إنها أول ما صنف في أصول الفقه، فهي أول ما دون في علوم الحديث، الرسالة يوجد فيها هذا وهذا، ولا انفكاك لعلوم الحديث من أصول الفقه، كما أنه لا انفكاك لأصول الفقه عن علوم الحديث. وجد أيضاً في سؤالات الإمام أحمد فيما يسأله عنه تلاميذه كثير من قواعد هذا العلم، وما يتعلق بعلله ورجاله ثم في سؤالات يحيى بن معين، وعلل ابن المديني، وتواريخ الإمام البخاري -رحمة الله عليه-، وجامع أبي عيسى الترمذي فيه كثير مما يحتاجه طالب العلم, ولو قيل: إن أولى ما يتمرن عليه طالب العلم في معرفة المتون والأسانيد ونقد الرجال وتعليل الأحاديث جامع الترمذي لما كان بعيداً، فيه الأنواع كلها، ووجد في سنن النسائي التراجم التي ترجم بها على الأحاديث كثير من ضروب العلل وأصنافها.

نظراً لعدم وجود بداية محددة للتأليف في هذا الفن خرج الحافظ ابن حجر من هذا كله بقوله: "فمن أول من صنف فيه القاضي الحسن بن محمد بن خلاد الرامهرمزي في كتابه (المحدث الفاصل) "، ويعتبره بعضهم هو أول المصنفات في هذا الفن، لكنه لم يستوعب، وهذا أمر طبيعي وعادي أن يكون أول من يؤلف لا يستوعب، ثم يأتي من بعده أهل العلم فيكملون ما بدأه من مشروع، ثم جاء بعده الحاكم أبو عبد الله فصنف المعرفة (معرفة علوم الحديث). الأول قال عنه الحافظ: لم يستوعب، والثاني قال عنه: لم يهذب ولم يرتب، يعني الحاكم أبا عبد الله في (معرفة علوم الحديث)، وابن خلدون في مقدمته الشهيرة قال عن الحاكم: "إنه أول من هذب هذا العلم ورتبه"، أول من هذب هذا العلم ورتبه الحاكم فهل من اختلاف بين قول الحافظ وقول ابن خلدون؟ في اختلاف واضطراب وإلا ما في؟ نعم، هذاك قال: لم يهذب ولم يرتب، وقال هذا: أول من هذب هذا العلم ورتبه؟ أقول: لعل الحافظ -رحمه الله- نظر إلى من جاء بعد الحاكم فمن قارن كتاب الحاكم بما ألف بعده من كتب في علوم الحديث حكم على معرفة علوم الحديث أنه لم يهذب ولم يرتب، وابن خلدون نظر إلى ما كتب قبل الحاكم، ولا شك أن الحاكم أبدع في كتابه إذا نظرنا إلى ما ألف في الفن قبله، ترتيب وتهذيب وجمع لا نظير له إذا قسناه بما قبله. ثم جاء الحافظ أبو نعيم الأصفهاني فعمل على كتاب الحاكم مستخرجاً. . . . . . . . . المستخرج على علوم الحديث، إيش معنى المستخرج؟ يعمد عالم من علماء الحديث إلى كتاب معتبر عند أهل العلم ويخرج أحاديث الكتاب بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب، وقد يستغلق عليه الأمر ويضيق عليه فلا يجد الحديث إلا من طريق مؤلف الكتاب وحينئذ هو بين خيارات ثلاثة -كما فعله أصحاب المستخرجات-: إما أن يعلق الحديث ويحذف الإسناد، أو يرويه من طريق صاحب الكتاب، أو يحذف الحديث.

ثم بعد أبي نعيم تتابع أهل العلم في الكتابة في هذا العلم فألف الخطيب البغدادي الذي صنف في علوم الحديث وفي قوانين الرواية كتاباً جامعاً ماتعاً نافعاً أسماه: (الكفاية في قوانين الرواية) وفي آداب الراوية والراوي كتاباً آخر أسماه: (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)، وهذا كتاب نفيس لا يستغني عنه طالب علم، ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى مثل هذا الكتاب إذا أضيف إليه (جامع بيان العلم وفضله) لابن عبد البر، و (فضل علم السلف على الخلف) لابن رجب، و (مقدمة الموضح في أوهام الجمع والتفريق) للخطيب أيضاً، طالب العلم بحاجة ماسة إلى أن ينظر في مثل هذه الكتب؛ لأننا نلاحظ على كثير من طلاب العلم لا سيما من يتصدى لهذا الفن العظيم -أعني الحديث وعلومه- نلاحظ عليهم بعض الشدة والقسوة وشيء من غمط الآخرين، ولا أقول: إن هذا موجود بكثرة لكنه موجود. ثم ألف القاضي عياض كتاباً لطيفاً أسماه: (الإلماع إلى أصول الرواية وتقييد السماع) لكنه خاص بطرق التحمل والأداء. ثم بعد ذلكم جاء الإمام أبو عمرو بن الصلاح فألف مقدمته الشهيرة التي جمع فيها ما تفرق مما كتب قبله في كتب الخطيب وغيرها؛ لأن الخطيب ما من نوع من أنواع علوم الحديث إلا وكتب فيه كتاباً مستقلاً، حتى قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: "كل من أنصف علم أن كل من جاء بعد الخطيب عيال على كتبه" عالة على كتب الخطيب، ثم بعد ذلكم يقال: الخطيب أساء إلى علوم الحديث، وأدخل فيه من أصول الفقه وعلم الكلام، لا شك أن الناس في القرن الخامس وما بعده تأثروا بعلم الكلام، ويأتي مزيد بسط لهذا الكلام -إن شاء الله تعالى-.

كتاب نخبة الفكر وشروحها:

علوم الحديث لابن الصلاح جمعه من كتب الخطيب وغيرها ورتبه لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية فصار يجمع النوع ويحرره وينقحه ثم يمليه على طلابه، ولذا نلاحظ عليه بعض التقديم والتأخير، تقديم ما حقه التأخير والعكس، لكنه كتاب جامع كتاب نافع ماتع، اشتغل الناس به عن غيره، فكان كما قال الحافظ: "لا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر" وهو أهل لأن يولى هذه العناية، اختصره النووي في كتابيه: (الإرشاد والتقريب)، اختصره الحافظ ابن كثير، اختصره العز بن جماعة، اختصره جمع من أهل العلم، نظمه الحافظ العراقي في ألفيته، ونظمه أيضاً غيره من أهل العلم، ونكت عليه الحافظ العراقي وابن حجر وبرهان الدين الأبناسي وجمع من أهل العلم. كتاب نخبة الفكر وشروحها: ثم بعد هذا جاء الحافظ ابن حجر فألف نخبته الشهيرة التي اشتغل الناس بها عن غيرها، ولا شك أنها أساس متين بالنسبة لمن يريد الدخول في هذا الفن، لمن يريد الدخول في هذا الفن أعني علوم الحديث. اشتغل الناس بها، وعنوا بها، فشرحت شروحاً كثيرة، فشروحها بالعشرات لا بالآحاد، ورغم اختصارها اختصرت ونظمت لكونها منثورة، ولا مانع أن نطلع على شيء من عناية أهل العلم بها. فممن شرحها مؤلفها الحافظ ابن حجر في كتابه: (نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر)، شرحها أيضاً الشيخ: كمال الدين الشمني في كتاب أسماه: (نتيجة النظر)، شرحها أبو الفضل أحمد بن صدقة، المعروف بابن الصيرفي، وابن موسى المراكشي، ومحمد عبد الرؤوف المناوي، وعبد العزيز بن عبد السلام العثماني، وابن همات الدمشقي، وإسماعيل حقي البروسوي، ومحمد بن عبد الله الخرشي المالكي. والشرح -أعني نزهة النظر- شرح أيضاً من قبل جمع من أهل العلم منهم: ملا علي سلطان القاري، شرحه معروف ومتداول، ومنهم محمد عبد الرؤوف المناوي في كتاب أسماه: (اليواقيت والدرر) وهو مطبوع أيضاً، منها: (قضاء الوطر) لبرهان الدين اللقاني، و (إمعان النظر) لمحمد أكرم السندي، و (بهجة النظر) لأبي الحسن السندي أيضاً. حواشي النخبة:

مختصرات النخبة:

وعليها حواشي كثيرة منها: حاشية تلميذ المصنف قاسم بن قطلوبغا الحنفي، وهذه الحاشية نفيسة استدرك فيها على الحافظ الشيء الكثير، وحاشية لمحمد بن أبي شريف، وحاشية لرضي الدين الحنبلي، وأبي الحسن الأجهوري، وإبراهيم الشهرزوري، وإبراهيم الكردي، ومن الحواشي المطبوعة: (لقط الدرر) للشيخ عبد الله بن حسين العدوي المالكي. مختصرات النخبة: والنخبة على اختصارها لها مختصرات من أشهرها: (بغلة الأريب) للمرتضى الحسيني الزبيدي شارح القاموس، ومنها: (المختصر من نخبة الفكر) لعبد الوهاب بن أحمد بن بركات الأحمدي، وهذا المختصر جيد، شرحه محمود شكري الألوسي في كتاب أسماه: (عقد الدرر)، وهناك مختصر للنخبة لمحمد بن مصطفى الخرماني. نظم النخبة: ممن نظم النخبة كمال الدين الشمني الذي سبق ذكره في الشراح، في نظم أسماه: (الرتبة في نظم النخبة) وهو نظم جيد، أوله: وبعد فاعلم أن نخبة الفكر ... أجل ما صنف في علم الأثر قد جمعت أنواع هذا العلم ... وقربت قصيه للفهم فالله يجزي من لها قد صنفا ... أعظم ما جازى به مصنفا ولابنه تقي الدين أحمد بن محمد الشمني شرح على نظم والده سماه: (العالي الرتبة شرح نظم النخبة). ممن نظمها أحمد بن إبراهيم بن نصر الله العسقلاني، وبرهان الدين محمد بن إبراهيم المقدشي، وشهاب الدين أحمد الطوفي، وشهاب الدين أحمد بن صدقة الصيرفي، ورضي الدين الغزي، وشرح الغزي هذا موجود ولحفيده شهاب الدين شرح على نظم جده. وممن نظمها الشيخ: منصور الطبلاوي، ومن أهم منظومات النخبة نظم الأمير الصنعاني -رحمه الله- اسمه: (قصب السكر في نظم نخبة الفكر) وهو كتاب جميل فيه أكثر من مائتي بيت. يقول الصنعاني -رحمه الله- لما تكلم عن النخبة: ألفها الحافظ في حال السفر ... وهو الشهاب بن علي بن حجر ونسخ النظم تختلف من نسخة إلى أخرى، فهذا البيت -أظن- مروي على وجه آخر: ألفها الحافظ ثاقب النظر ... وهو الشهاب بن علي بن حجر طالعتها يوماً من الأيامِ ... فاشتقت أن أودعها نظامِ فتم من بكرة ذاك اليومِ ... إلى المساء عند قدوم النومِ نظم النخبة في كم بيت؟ مائتين وزيادة، كم أخذت عليه؟ يوم واحد.

طبعات النخبة:

طالعتها يوماً من الأيامِ ... فاشتقت أن أودعها نظامِ فتم من بكرة ذاك اليومِ ... إلى المساء عند قدوم النومِ يوماً معمور بالعلم كعادتهم -رحمة الله عليهم-، بخلاف ما نشاهد ونلاحظه على طلاب العلم في هذه الأزمان، الشخص إذا قرأ ساعة أو أقرأ ساعة ظن أنه جاء بما لم تأتِ به الأوائل، وأن الأمة بكاملها لولا هذه الخدمة ما تيسر لها هذا النصر وهذا التمكين، الله المستعان. ثم بعد هذه الساعة وقبل هذه الساعة يقضي وقته في القيل والقال، لكن على طالب العلم الحريص المتحري المشفق على نفسه أن يعمر وقته بطاعة الله، وتأصيل نفسه بالعلم الشرعي المتلقى من الكتاب والسنة، والله المستعان. هذا النظم للأمير الصنعاني مشروح من قبل مؤلفه الصنعاني نفسه وشرحه مطبوع، شرحه أيضاً الشيخ: عبد الكريم بن مراد الأثري، ولي عليه شرح مبسوط. ممن نظمها أيضاً الشيخ: عبد الله بن عمر اليماني، والشيخ عثمان بن سند البصري، وله شرح على نظمه أسماه: (الغرر شرح بهجة البصر). طبعات النخبة: النخبة وشرحها للحافظ ابن حجر طبعت مراراً وعليها تعليقات منها -بل من أقدمها غير الحواشي التي ذكرت سابقاً عند من تقدم- من أول من علق على النزهة شخص يقال له: أبو عبد الرحيم محمد كمال الدين الأدهمي، له تعليقات وله تنبيهات لطيفة ومفيدة، لكن في بعضها تحامل ظاهر على ابن حجر، هناك أيضاً حاشية وتعليق للدكتور نور الدين عتر، ولعلي بن حسن بن عبد الحميد الحلبي له أيضاً حواشي ونكت على النخبة وشرحها.

الدعوة إلى نبذ قواعد المتأخرين في مصطلح الحديث:

في مقدمة فتح الباري طبعة بولاق سنة (1301هـ) طبع على صفحة العنوان من هدي الساري طبع عليها ما نصه: "قال في الضوء اللامع في ترجمة الحافظ ابن حجر ما لفظه: "وسمعته يقول -يعني السخاوي يقول: "سمعت ابن حجر يقول: "لست راضياً عن شيء من تصانيفي لأني عملتها في ابتداء الأمر، ثم لم يتهيأ لي من تحريرها سوى شرح البخاري ومقدمته والمشتبه والتهذيب ولسان الميزان، بل كان يقول فيها: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أتقيد بالذهبي ولجعلته كتاباً مبتكراً"، يقول: "بل رأيته في مواضع أثنى على شرح البخاري -يعني وحق له ذلك- والتغليق والنخبة"، ثم قال: "وأما سائر المجموعات فهي كثيرة العدد، واهية العُدَد، ضعيفة القوى، ضامية الروى، ولكنها كما قال بعض الحفاظ من أهل المائة الخامسة: ومالي فيه سوى أنني ... أراه هوىً وافق المقصدا وأرجو الثواب بكتب الصلاة ... على السيد المصطفى أحمدا وهذا الحافظ هو أبو بكر البرقاني، وقبل البيتين قوله: أعلل نفسي بكتب الحديث ... وأحمد فيه لها الموعدا وأشغل نفسي بتصنيفه ... وتخريجه دائماً سرمدا وهذا الكلام المنسوب إلى الضوء اللامع لم أجده فيه، لم أجده في الضوء اللامع، بل هو موجود أو قريب منه في الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر للسخاوي، ويهمنا من ذلك أنه راضي عن النخبة. طالب:. . . . . . . . . وفي لسان الميزان، اختصر كلام الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال، ثم زاد عليه، بدأ بتجريد كتاب الذهبي وذكر الزوائد ثم اضطرب في الترتيب؛ لأنه تبع كتاب آخر تقيد بكتاب آخر، لكن لو ألفه ابتداءً كان أجود؛ لأن الإنسان وهو يؤلف ابتداءً حر يرتب كيفما شاء، لكن إذا تقيد بالكتاب مشكلة لا بد أن يتبع ذلك الكتاب. الدعوة إلى نبذ قواعد المتأخرين في مصطلح الحديث: هناك دعوة تردد على ألسنة بعض طلبة العلم ممن يعتني بالحديث وعلومه ممن هم فيما نحسبهم -والله حسيبهم- من خيار طلاب العلم ولا يساء بهم الظن، هناك هذه الدعوة التي أثيرت قبل سنوات تدعو إلى نبذ قواعد المتأخرين في مصطلح الحديث، والأخذ مباشرة من كتب المتقدمين، لماذا؟ لأن قواعد المتأخرين قد تختلف أحياناً عن مناهج المتقدمين.

فلو أخذنا على سبيل المثال زيادة الثقة، تعارض الوصل والإرسال، تعارض الوقف مع الرفع، لوجدنا أن المتأخرين في كتبهم يحكمون بأحكام مطردة ثابتة، فيقبلون زيادة الثقة مطلقاً، وإن جنح بعضهم إلى ردها مطلقاً. واقبل زيادات الثقات منهمُ ... ومن سواهم فعليه المعظمُ "وقيل: لا"، ويحتج من قبل زيادة الثقة مطلقاً بأن معه زيادة علم خفيت على من نقص، كما أن من حكم للوصل مطلقاً يقول: معه زيادة خفيت على من أرسل، وهكذا الشأن فيمن حكم للرفع دون الوقف والعكس، يقول: ترد زيادة الثقة لأنها مشكوك فيها، القول الثاني: يحكم بالإرسال لأنه متيقن، والوصل مشكوك فيه، يحكم للوقف لأنه متيقن والرفع مشكوك فيه، وعلى هذا يطردون الأحكام على الأحاديث، بينما نجد الأئمة الكبار كأحمد والبخاري وأبي حاتم والدارقطني لا يحكمون بأحكام عامة مطردة، فتجدهم أحياناً يقبلون الزيادة وأحياناً يردونها، أحياناً يحكمون بالوصل وأحياناً يحكمون بالإرسال، أحياناً يحكمون بالوقف وأحياناً يحكمون بالرفع، فليس هناك لديهم قواعد مطردة، بل يحكمون على كل حديث بما ترجحه القرائن بالنسبة لهذا الحديث على وجه الخصوص، وهذه الدعوة إلى نبذ قواعد المتأخرين وتقليد المتقدمين أقول: في ظاهرها جيدة، لكن مخاطبة الطالب المبتدئ بها تضييع له، حينما يقال للطالب المبتدئ: انبذ قواعد المتأخرين، اترك النخبة، اترك ابن كثير والباعث، اترك ابن الصلاح وألفية العراقي، كيف يتعلم ويتمرن على علم المتقدمين؟ كيف يخاطب الطالب المبتدئ ويقال له: تبدأ بشرح علل الترمذي لابن رجب، أو تبدأ بالإلزامات والتتبع للدارقطني؟ هو ما يعرف الصحيح من الضعيف حتى يبدأ بمثل هذه الكتب. وإذا قيل له: قلد المتقدمين، لا شك أن المتأخرين عالة على المتقدمين، والأصل في هذا الباب هم المتقدمون، لكن كيف نتعلم على كتب المتقدمين وعلى أحكام المتقدمين؟

طالب مبتدئ في حكم العامي كيف يتمرن على قواعد المتقدمين؟ لا بد من أن يتمرن على قواعد المتأخرين، ويضبط هذه القواعد ويتقنها، ثم يبدأ بنفسه يخرج وينظر في الأسانيد، وإذا أكثر من ذلك وتأهل وصارت لديه أهلية النظر، وتأهل لمحاكاة المتقدمين في أحكامهم على الحديث بالقرائن، لا بأس هذا فرضه؛ لأن المتأخرين عالة على المتقدمين. فإذا أراد أن يحكم على حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) كيف يحكم عليه؟ وقد حكم البخاري بوصله وأبو حاتم بإرساله؟ كيف يحكم على هذا الحديث؟ هل لديه أهلية لينظر بين أقوال أهل العلم بالقرائن فيرجح ما ترجحه القرائن، ماذا عنده من القرائن؟ أئمة كبار يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، يكفيهم من الحديث شمه من أجل أن يحكموا عليه، أحكام المتقدمين فرع عن علم المتقدمين، علم المتقدمين قليل جداً، إيش معنى قليل؟ قليل الكلام وهو علم مبارك، يعني ما تركوا شيء ما حكموا عليه لكنه مبارك، من يطالع في: (فضل علم السلف على الخلف) للحافظ ابن رجب -رحمه الله- عرف كيف يحكم المتقدمون؟ وكيف يفتي المتقدمون؟ بينما علم المتأخرين كثير، كثير جداً، تجده إذا أراد أن يشرح مسألة يأخذ عليها ساعة، ويكتفي المتقدم بكلمة. يقول ابن رجب -رحمه الله تعالى-: "من فضل عالماً على آخر بكثرة الكلام فقد فضل الخلف على السلف" ونحن نبهر إذا وجدنا الشخص واضح العبارة بين الأسلوب، وماذا وراء ذلك من العلم والعمل؟! والله المستعان. أعود إلى المسألة فأقول: إذا كان الطالب ينصح وهو مبتدئ بمحاكاة المتقدمين في أحكامهم على الأحاديث، حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) حكم الإمام البخاري بوصله وحكم أبو حاتم بإرساله بما تحكم أنت؟ هل أنت مطالب بتقليد الأئمة في كل حديث تبعاً لهذه الدعوى؟ الأئمة ما اتفقوا في الحكم على حديث واحد، كيف تقلدهم؟ تقلد من؟ هل لديك أهلية وأنت مبتدئ أن تقول: أنا أقلد الإمام أحمد أو أقلد البخاري بإطلاق؟ ما استفدت قد يكون الصواب مع البخاري أو مع أحمد أحياناً.

إذا حكم البخاري بأن حديث رفع اليدين بعد الركعتين مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، واعتمد عليه من حديث ابن عمر في صحيحه وحكم عليه الإمام أحمد بالوقف تقلد من من المتقدمين؟ إن كان المقصود تقليد المتقدمين في كل حديث حديث فلا شك أنه مستحيل؛ لأن أحكام المتقدمين متباينة في الأحكام على الحديث، بل وفي أحكامهم على الرجال، فمن نقلد من المتقدمين؟ إن كان المقصود محاكاة المتقدمين في أحكامهم على الأحاديث فنقول: كلام جميل وطيب وممكن، لكن كيف مبتدئ؟ كيف يحاكي المتقدمين فيحكم على الحديث بالقرائن وهو ما يعرف القرائن؟ قد يكون الشاهد لهذا الحديث أو المتابع لهذا الحديث بعد ورقة من الحديث الذي يدرسه، وهو لا يعرفه ولم يطلع عليه، كيف يحكم على الأحاديث بالقرائن؟ نقول: لا بد من معاناة كتب المتأخرين، وإدامة النظر فيها وفهمها وإتقانها ثم بعد ذلكم التمرين والتخرج على هذه الكتب بالإكثار من تخريج الأحاديث، ودراسة أسانيدها، وجمع طرقها وشواهدها ومتابعاتها، ثم بعد ذلكم إذا تأهل الطالب يقال له: فرضك محاكاة المتقدمين ولا تقلد المتأخرين، ونظير هذه الدعوى دعوى سبقتها بأكثر من عشرين سنة تدعو إلى نبذ كتب الفقه والتفقه مباشرة من الكتاب والسنة، لا نختلف مع أحد في أن الأصل الكتاب والسنة، وأنه لا علم إلا من الكتاب والسنة، لكن كيف يتفقه الطالب المبتدئ من الكتاب والسنة؟ هل لديه من الأهلية ما يمكنه من ذلك؟ هل حفظ من النصوص ما يدفع به التعارض ويتمكن من الجمع بينها؟ هل عرف المطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والعموم والخصوص؟ هذا الطالب الذي يخاطب بمثل هذا الكلام، اترك كتب الفقه، هذه أقوال الرجال، بل وجد من أحرق بعض الكتب كالزاد وغيره، ويتندرون بطلاب العلم ويقولون لمن حفظ الزاد: صار حكماً بين العباد، مبالغة في التنفير من هذه الكتب، نقول: لا، الطالب المبتدئ لا بد أن يتفقه على الجادة، فيفهم الزاد، أو غيره من الكتب، من غير إلزام بكتاب معين، المقصود أنه يسلك الجادة، يأتي إلى الزاد وهو على سبيل المثال من أجمع الكتب، والزاد من أجمع الكتب وأكثرها مسائل، يأتي إليه الطالب فيفهم المسائل، إن كان ممن تسعفه الحافظة فيحفظ وإلا

يقتصر على الفهم، يأتي إلى الزاد مسألة مسألة فينظر في هذه المسألة في قول المؤلف كذا، يراجع الشرح، يتصور المسألة على وجهها، يستدل لهذه المسألة، يلتمس الدليل لهذه المسألة، ثم ينظر من قال بما قاله المؤلف من أهل العلم؟ وبما استدلوا؟ من خالف هذا القول؟ وبما استدل؟ ثم يوازن بين الأدلة، وهذه مرحلة لاحقة، يعني المبتدئ يكفيه أن يعرف هذه المسائل ويتصورها على الوجه الصحيح ثم مرحلة ثانية يستدل لهذه المسائل، ثم مرحلة ثالثة يقارن بين أقوال الأئمة مع أدلتها، ويرجح القول الراجح إذا تأهل، ليس معنى هذا أن الزاد دستور مثل القرآن لا يحاد عنه، لا، الزاد فيه أكثر من ثلاثين مسألة خالف فيها المذهب، فضلاً عن القول الراجح، حينما ينصح بالزاد أو بغيره من الكتب ليس معنى هذا أنها ضربة لازب، لا، لا يحاد عنها، إنما يتمرن عليه، مثل خطة البحث، تتخذ هذا الكتاب خطة ومنهج تسير عليه، تتفقه عليه، فإذا تصورت مسائله وذكرت الأدلة وعرفت من خالف بدليله واستطعت أن توازين بين الأقوال بأدلتها، ورجحت القول الراجح وما تدين الله به، وهذه –مثلما ذكرنا- مرحلة ثالثة، حينئذ تتأهل لأن تتفقه من الكتاب والسنة، أما تتفقه من الكتاب والسنة كيف تتفقه منه؟ تجد آية عامة تخصيصها في حديث مثلاً قد لا تقف عليه إلا بعد سنوات، تجد آية مطلقة حديثها مقيدها حديث لا تقف عليه إلا بعد مدة طويلة، حديث تنظر فيه في أوائل صحيح البخاري لا تقف على ناسخه إلا آخر ابن ماجه، متى تتفقه على الكتاب والسنة؟ نعم إذا تأهلت فرضك الاجتهاد، ولا يجوز لك أن تقلد الرجال، إذا تأهلت لكن قبل أن تتأهل الطالب المبتدئ في حكم العامي فرضه التقليد، اسألوا أهل الذكر، فرضه سؤال أهل العلم، في حكم العامي، لكن إذا تأهل، يعني شخص يقرأ في كتاب من كتب السنة: باب الأمر بقتل الكلاب، ويتفقه من السنة، ثم يأخذ المسدس وما شاف من كلب قتله، درسه في الكتاب نفسه من الغد: باب نسخ الأمر بقتل الكلاب، فمثل هذا يتفقه من الكتاب والسنة؟ وفي كتب الفقه مباشرة والأمر بقتل الكلاب منسوخ ينتهي الإشكال، ينظر كيف جاء الأمر بقتل الكلاب؟ من خلال هذه الجملة ينظر في أحاديث .. ، لأنه دُل على أن هناك أمر بقتل

الكلاب، ودُل من خلال هذه الجملة أن هناك نسخ لهذا الأمر بجملة واحدة، لا يعني هذا أننا ندعو إلى التقليد، لا والله، بل فرض طالب العلم المتأهل الاجتهاد، الاجتهاد حسب القدرة والطاقة، وإلا الاجتهاد المطلق لو قيل باستحالته لما بعد، وقد أغلقه الأئمة من قديم، أغلقه العلماء، أغلقوا باب الاجتهاد، لكنه مفتوح، وشرطوا له شرائط، لكن إيش معنى الاجتهاد المطلق الذي هو مفتوح؟ هل معناه الاجتهاد في كل مسألة مسألة بجميع ما تطلبه هذه المسألة؟ يعني إذا أردنا حكم من الأحكام وبحثنا فيما جاء في هذا الحكم من نصوص جئنا إلى ما جاء في القرآن، جئنا إلى ما ذكر في السنة من أحاديث وجمعنا طرق هذه الأحاديث ونظرنا في رجال هذه الطرق واحداً بعد واحد، فبدأنا بأول إسناد وفيه خمسة ستة من الرواة، ولك راوٍ من الرواة فيه أقوال تصل أحياناً إلى العشرين عن أهل العلم، عن أهل الشأن. فإن أردت أن تحكم على هؤلاء الخمسة والستة والسبعة من خلال هذه الأقوال العشرين، وأردت أن ترجح وتوازن بين هذه الأقوال، الراوي الواحد يحتاج إلى وقت طويل، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، إلى ستة، ثم بعد ذلكم الطريقة الثاني، إن احتجت إليه، ثم الثالث إن احتجت إليه، وهكذا، وهذا كله في مسألة واحدة تأتي إلى المسألة التي تليها فتصنع بها مثل ما صنعت بالمسألة الأولى، هذا إذا أردت أن تجتهد في الاستنباط وفي إثبات عمدة الاستنباط، .... إثبات الدليل، لا شك أن هذا يحتاج إلى وقت طويل. وإذا عرفنا أن شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز أو الألباني أو غيرهما -رحمة الله على الجميع- ممن يشار إليه بالتفرد في هذا العلم لم يخرجوا عن ربقة التقليد في هذا العلم، كيف ذلك؟

أنت إذا أردت أن تجمع حديث بطرقه يمكن يجتمع لك من الرجال في هذا الحديث في مجموع طرقه أكثر من مائة رجل، مائة رجل في كل راوٍ ثلاثة أقوال خمسة عشرة، وصل بعضهم إلى عشرين، كم عندك من قول لأهل العلم في حديث واحد، في رواة هذا الحديث، قد تتداخل بعض الطرق مع بعض، لكن افرض أن عندك كم؟ كمٍ هائل، ألف قول لرجال طرق هذا الحديث، تحتاج إلى عمر، فأنت إن اتجهت إلى هذا وعنيت بالرواية لا شك أنه على حساب الدراية، وهذا ظاهر في صنيع من؟ الألباني -رحمه الله تعالى-. وإن اتجهت إلى الدراية مع العناية بالاعتماد على الكتاب والسنة لا شك أنه على حساب الرواية، وهذا ما يصنعه الشيخ عبد العزيز -رحمه الله-، يكفيه أن يثبت الخبر، أو يثبته أحد الأئمة، وهما –أعني الشيخ عبد العزيز والشيخ الألباني -رحمة الله على الجميع- يعتمدان اعتماداً أغلبياً على التقريب، وهذا تقليد ما خرجنا من التقليد؛ لأن التقريب يحكي وجهة نظر ابن حجر -رحمه الله-، تجد هناك التقريب التقريب، وهو عمدة كثير من أهل العلم، لكن نضرب مثال بهذين الإمامين لأنهما بلغا الغاية في نظرنا، وأفنيا العمر الطويل في خدمة هذا العلم، فإذا أردنا أن نقلد ابن حجر في الحكم على الرجال -ولا مفر من التقليد- رأينا أن ابن حجر أيضاً وقعت له أوهام في التقريب، له أوهام في التقريب، ليس بمعصوم.

كتاب: (المنهج المقترح لفهم المصطلح) للعوني:

على كل حال على الإنسان أن يسلك الجادة ويتمرن والعلم يجتمع شيئاً فشيئاً، وإذا علم الله -سبحانه وتعالى- صدق النية أعان، وإذا كان الإنسان ممن أوتي الحافظة مع الفهم وأخلص وصدق النية مع الله -سبحانه وتعالى-، وسلك الطريق المتبع عند أهل العلم فإنه يرجى له أن يحتاج إليه في يوم من الأيام، أما إذا كان يتخبط يوم كذا ويوم كذا ويوم كذا، فهذا في الغالب وإن أوتي ذكاءً أو أوتي حفظاً فإنه في الغالب يضيع وقته متردد متحير، ولا نسيء الظن بالإخوة الذين يدعون إلى تقليد الأئمة، نقول: الأئمة هم الأصل، لكن الطالب المبتدئ كيف يخاطب بأن يبدأ شرح علل الترمذي؟ والعلل أغمض أنواع علوم الحديث، كيف يشرح لطلاب مبتدئين الإلزامات والتتبع للدارقطني؟ لا يا أخي، مرن الطلاب على صغار العلم قبل كباره لتكون ربانياً، والرباني كما قال ابن عباس: "من يعلم الناس صغار العلم قبل كباره"، يعني لو أن شخص سمع كلام الحافظ ابن كثير بعلل الدارقطني، وقال: "ما دام هذا الكتاب العظيم بهذه المثابة لماذا لا أعتني بهذا الكتاب؟ " وهو مبتدئ، نقول: لا تلبث أن تنقطع، أولاً: لن تفهم، الأمر الثاني: تبي تنقطع ولا بد، لو سمع آخر ثناء ابن القيم على درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام. واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظير ثانِ يقول: هذا الكتاب ما دام ما في الوجود له نظير ثان لماذا لا أعتني به؟ والله لن يستمر في قراءة هذا الكتاب، وإذا كان من شهد له بالتقدم في هذا العلم، وبخبرة تامة بكلام شيخ الإسلام يطوي عشرات الصفحات لا يفهمها من هذا الكتاب فيكف بالطالب المبتدئ؟ وهذا مثال نضربه في كل العلوم يمشي الطالب متدرج الأصغر ثم الأكبر وهكذا، نعم بهذه الطريقة يستطيع الطالب التحصيل. كتاب: (المنهج المقترح لفهم المصطلح) للعوني:

من هذه الكتب التي ظهرت في الأخير تنادي بالتقليل من شأن كتب علوم الحديث كتاب ألفه الشريف حاتم بن عارف العوني سماه: (المنهج المقترح لفهم المصطلح - دراسة تاريخية تأصيلية لمصطلح الحديث) والكتاب حقيقة يدل على حرص من الرجل، وهو معروف بذلك ومن خيار طلاب العلم فيما نحسبه، وعلى دقة فهم وسبر واستقراء، لكن هو مثل ما ذكرت لكم مثل هذه الدعوة لا توجه إلى مبتدئين. انتقد المؤلف فيه بعض المصطلحات التي شاع استعمالها عند المتأخرين كالمتواتر والآحاد، وغيرهما وشدد في هذه المسألة، وهي مجرد اصطلاح، والخلاف فيها لفظي، ولا مشاحة في الاصطلاح، إذ لا نزاع بين أحد من أهل العلم بل ومن العامة أن الأخبار متفاوتة، الخبر الذي يأتيك من قبل ثلاثة ما هو مثل الخبر الذي يأتيك من قبل واحد، الخبر الذي تسمعه من مائة ما هو مثل الخبر الذي تسمعه من عشرة، الأخبار متفاوتة. كون أهل العلم اصطلحوا على أن الخبر الذي يأتي بطرق كثيرة جداً يسمونه متواتر، والتي أقل منها آحاد هذا مجرد اصطلاح، وهم يقررون ألا مشاحة في الاصطلاح، يعني التسميات وجدت في العلوم كلها.

نأتي إلى النحو، هل يوجد من العرب من قال: إن هذا فاعل وهذا مفعول؟ نعم، ما في من قال: هذا حال وهذا تمييز؟ ما في أحد قال هذا، لكنهم .. ، لكن العلماء الذين صنفوا في النحو فهموا من هذا اللفظ أنه يبين هيئة الفاعل فسموه حال، وأنه وقع منه الفعل فسموه فاعل، الأول سموه حال والثاني سموه فاعل، الثاني وقع عليه الفعل فسموه مفعول وهكذا، فهذه اصطلاحات، وأهل العلم يقررون ألا مشاحة في الاصطلاح، لا مشاحة في الاصطلاح، اللهم إلا إذا تضمن الاصطلاح مخالفة لما تقرر في أي علم من العلوم بحيث يحصل فيه الإيهام والتلبيس مثل هذا يمنع ويشاحح صاحبه، لو قال: أنا باصطلح لنفسي أن أسمي الشمال جنوب والجنوب شمال، نقول: لا، لا يا أخي ما يصلح، يُشاحح في اصطلاحه، نسمي المشرق مغرب والمغرب مشرق، نقول: لا، كيف تصنع بحديث: ((بين المشرق والمغرب قبلة))؟ لو قال: أنا باصطلح لنفسي أألف في الجغرافيا وأقول: السماء تحت والأرض فوق، نقول: لا، لكن لو قال: أنا لا أغير من الواقع شيء الشمال شمال والجنوب جنوب، الشرق شرق والغرب غرب، لكن إذا رسمت الخارطة بدل الناس ما يحطون الشمال فوق بالخارطة أنا با قلبها، هذا ما يغير من الواقع شيء، نقول: اقلبها خلي الجنوب فوق ما يضر، لو قال: أنا أسمي جد الأولاد أبو الزوجة عم، نقول: سمه عم ما يخالف؛ لأنه ما يترتب عليه شيء، لو قال: أسميه خال، قلنا له: كذلك سميه ما شئت؛ لأنه ما يترتب عليه تغيير حكم، لكن لو قال: أنا با ألف في الفرائض وبا أسمي أخ الأب خال وأخ الأم عم، قلنا: لا، قف، يُشاحح في اصطلاحه؛ لأن هذا يغير الأحكام. ولذا لما البغوي -رحمه الله- اصطلح في كتابه: (المصابيح)، وقسم أحاديثه إلى قسمين: الصحاح والحسان. والبغوي إذ قسم المصابحا ... إلى الصحاح والحسان جانحا أن الحسان ما رووه في السنن ... رد عليه إذا بها غير الحسن يرد عليه، يشاحح؛ لأن السنن ما هي بكل أحاديث حسان فيها صحاح وفيها ضعاف، فيرد مثل هذا الاصطلاح.

تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد إيش المحظور منه؟ المحظور شيء واحد وهو أن خبر الواحد عند المبتدعة لا يثبت به عقائد، فنفي كثير من مسائل الاعتقاد بهذه الحجة أنه خبر واحد وخبر الواحد .. ، نقول: لا، خبر الواحد تثبت به الحجة، ويقبل في العقائد والأحكام وغيرها، وهو خبر آحاد، نسميه آحاد ولا نلتزم باللازم الباطل. شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وهو من أئمة أهل السنة، ومن أشد الناس على البدع والمبتدعة، يقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، ويمثل بالأمثلة نفسها التي يمثل بها أهل العلم، مثل للمتواتر بحديث: ((من كذب)) ويمثل به أهل العلم متواتر لفظي. ومثل للمتواتر المعنوي بفضائل أبي بكر وعمر، قال: متواترة تواتر معنوي، بدل من أن يمثل بأحاديث الحوض والشفاعة والمسح على الخفين مثل بمثال يناسب الكتاب الذي يتحدث فيه، مثل بفضائل أبي بكر وعمر، قال: متواترة تواتر معنوي، إذاً شيخ الإسلام يقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، ويمثل بأمثلة يمثل بها أهل العلم، لا نختلف مع شيخ الإسلام أن فضائل أبي بكر وعمر متواترة تواتر معنوي، يعني مفرداتها آحاد، لكن بمجموعها متواترة تواتر معنوي. فلا محظور من أن نقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، وسيأتي مزيد بسط لذلك عند الكلام على المتواتر والآحاد -إن شاء الله تعالى-. أقول: أكثر ما يخاف من استعمال بعض المصطلحات الالتزام بلوازمها الباطلة عند المخالفين من المتكلمين كقولهم: إن الآحاد لا يفيد إلا الظن، والعقائد لا تثبت بالآحاد تعباً لذلك، وسيأتي ما يفيده خبر الواحد -إن شاء الله تعالى-، وأنه إذا تجرد عن القرائن لا يفيد إلا الظن، ومع كونه لا يفيد إلا الظن يجب العمل به، وتثبت به العقائد، وتثبت به الأحكام والفضائل وغيرها من فروع الشرع.

يقول الشيخ أحمد شاكر بعد أن اعتمد التقسيم: "ودع عنك تفريق المتكلمين في اصطلاحاتهم بين العلم والظن فإنما يريدون بهما معنى آخر غير ما نريد"، ونقرر في إفادة هذا العلم -إفادة هذا الظن- أن المعلومات الناتجة عن هذه الأدلة متفاوتة وهم يريدون أن يفرقوا بين ما يثبت به العقيدة وما لا تثبت به العقيدة، يقول: "دع عنك تفريق المتكلمين في اصطلاحاتهم بين العلم والظن، فإنما يريدون بهما معنى آخر غير ما نريد"، لكن إذا تنصلنا عن اللازم فلا شيء في إثبات التقسيم، وقد اعتمده أهل العلم. الظن جاء في النصوص الشرعية لمعان كثيرة، فقد جاء بمعنى اليقين، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} [(28) سورة القيامة] {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ} [(4) سورة المطففين] هنا ما يكفي الظن الذي هو الاحتمال الراجح، بل لا بد من اليقين. ولذا قال الراغب الأصبهاني في المفردات: "الظن اسم لما يحصل عن أمارة، ومتى قويت -يعني الأمارة- أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جداً لم تتجاوز حد التوهم"، لا شك أن الأخبار تتفاوت، فإذا جاءك شخص وقال: جاء زيد فمدى ثقتك بهذا المخبر يقوى صحة الخبر عندك، إيش نسبة صحة الخبر عندك؟ حسب ثقتك بهذا الرجل، فإذا انضم إليه آخر قوي الاحتمال، إذا انضم إليه ثالث وهكذا. وفي البصائر -بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي-: "قد ورد الظن في القرآن مجملاً على أربعة أوجه: بمعنى اليقين، وبمعنى الشك، وبمعنى التهمة، وبمعنى الحسبان، فالذي بمعنى اليقين في عشرة مواضع" فذكر ما تقدم وزاد عليه، وأما الذي بمعنى الشك والتهمة فعلى وجوه مختلفة، {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} [(87) سورة الأنبياء] {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ} [(15) سورة الحج] {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} [(78) سورة البقرة]. فإذا قلنا: بأن ما دون المتواتر يفيد الظن، وقلنا: بأن الآحاد تثبت به العقائد والأحكام والفضائل وجميع ما ينسب إلى الشرع، فما المانع من ذلك؟

الكتاب المذكور -المنهج المقترح- تناول بعض كتب المصطلح، فذكر المحدث الفاصل وأشاد به، ثم قال: "غير أنه فقير في باب أقسام الحديث وشرح مصطلحاته"، إذاً نحن بحاجة إلى تقسيم الحديث، ونحن بحاجة أيضاً إلى شرح مصطلحات هذا التقسيم، وهذا ما تولاه المتأخرون الذين انتقد كتبهم، "حيث لم يكن ذلك من أغراض مصنفه". ثم ذكر كتاب الحاكم (معرفة علوم الحديث) وذكر أنه مختص بما كان أهمله الرامهرمزي من الاعتناء بمصطلح الحديث، وشرح معناه، وضرب الأمثلة له، وقد صار في ذلك كله على فهم أهل الحديث أنفسهم؛ لأن الحاكم يعلم أن غير أهل هذا العلم وغير أهل السنة، وغير المتبحر في صنعة الحديث وغير الفرسان نقاد الحديث لا يفقه هذا العلم كما كان يعبر الحاكم بذلك كثيراً، وعلى هذا المنهج نفسه في الأغلب صنف الحافظ أبو نعيم الأصبهاني مستخرجه على معرفة علوم الحديث للحاكم؛ لأن طبيعة المستخرجات تلزم بذلك. ثم تحدث –أعني صاحب المنهج المقترح- عن الخطيب ومؤلفاته، ثم قال: "فهل سار الخطيب على المنهج السليم في شرح مصطلح الحديث؟ " يجيب عن ذلك الخطيب نفسه في مقدمة الكفاية في حين ذكر السبب في تصنيف الكتاب، قال: "وقد استفرغت طائفة من أهل زماننا وسعها في كتب الحديث والمثابرة على جمعه من غير أن يسلكوا مسلك المتقدمين، وينظروا نظر السلف الماضين في حال الراوي والمروي، وتمييز المرذول والمرضي ... " هذا هو المنهج النظري الذي قرره الخطيب في مقدمة كتابه. يقول صاحب الكتاب: "إلا أنه لم ينجُ تماماً من أثر العلوم العقلية على علوم الحديث الذي توسع نطاقه في عصره فهو ابن عصره". ثم تحدث عن أثر أصول الفقه في كتابه، ثم قال: "وهذا التأثر من الخطيب بأصول الفقه مع وضوحه" يقول: إن الخطيب تأثر بأصول الفقه، يعني ويريد أن يقرر أن كتب أصول الفقه تأثرت بكتب الكلام، علم الكلام، يقول: "وهذا التأثر من الخطيب بأصول الفقه مع وضوحه إلا أن إمامته في علم الحديث وعدم تعمق أثر أصول الفقه عليه جعل ذلك الأثر الأصولي على كتابه غير مخوف؛ لأنه أثر مفضوح لا يشتبه بعلوم الحديث ومسائله عند أهل الاصطلاح التي ملأ الخطيب غالب كتابه بها" كذا قال.

ولا أدري كيف صار تأثر بعض العلوم الشرعية ببعض عيباً وشيناً يعاب به من مزج بين هذه العلوم التي هي في الأصل علوم مترابطة لا غنى لبعضها عن بعض؟ كيف وعلماء الأصول -لا سيما الأوائل منهم- هم المفسرون وهم المحدثون كالشافعي وغيره؟! وهل الأصول إلا قواعد استنبطها أتباع الأئمة من أقوالهم وتصرفاتهم؟ وهؤلاء الأئمة أرباب المذاهب هم أصحاب الحديث كمالك والشافعي وأحمد، وهم حملة رايته وهم المفسرون كالبخاري وابن أبي حاتم والطبري وغيرهم، ثم إن كثيراً من مباحث الأصول المدونة في كتب الأصول تشارك ما يبحثه المحدثون في علوم الحديث لا سيما ما يتعلق بالسنة منها، يعني وتشارك علوم القرآن فيما يتعلق بالأصل الأول الذي هو الكتاب. نعم كثير من كبت الأصول تأثر بعلم الكلام والجدل، ولكنه لا يعدو أن يكون تأثراً في كيفية العرض والوسيلة دون المقصد، ثم إن علم الأصول كغيره من علوم الوسائل التي يسميها بعضهم علوم الآلة هي وسائل لغيرها كالعربية وعلوم القرآن وأصول الحديث، لا ينبغي لطالب العلم أن يفرغ نفسه لها دون مقاصدها، يعني الأصل حينما تدرس علوم القرآن، تدرسه لماذا؟ لكي يخدم الأصل، الذي هو القرآن، تدرس علوم الحديث لكي تفهم وتستطيع أن توازن بين الأحاديث، تعرف المقبول من المردود، إذاً هذا وسيلة وليس بغاية، فأنت إذا فهمت الوسيلة وألقيت بثقلك –بكليتك- على الغاية ما ضرتك هذه الوسيلة -إن شاء الله تعالى-. "فإنها إنما دونها العلماء لتكون وسائل لفهم المقاصد التي هي نصوص الكتاب والسنة، وما يستنبط منهما، وما يستند إليهما". ثم ذكر صاحب الكتاب الإرشاد للخليلي وذكر مقدمته وأنها من معين المحدثين، ثم تحدث عن البيهقي في المدخل ومقدمة دلائل النبوة، ومقدمة معرفة السنن والآثار، وانتقد ما ينتقد فيها من تأثير النزعة الأصولية بل والأشعرية. ثم ذكر مقدمة ابن عبد البر لكتابه التمهيد وذمه أهل الكلام والأشعرية، ثم قال: "وعلى هذا فلن يكون للمذاهب الكلامية أثر على ابن عبد البر من جهة العقيدة، لكن ابن عبد البر ممن استبق جيلهم التأثر بأصول الفقه، وهو ابن جيله، فلا بد أن يكون لأصول الفقه أثر عليه.

يعني كون الشخص لأصول الفقه أثر عليه يذم؟ يا أخي علم الكلام وهو علم الكلام المذموم الذي ذمه السلف اطلع عليه أهل العلم، بل من أهل العلم من عرفه أكثر من أهله، وأتقنه وضبطه أكثر من أهله، ونفع الله به نفعاً عظيماً. شيخ الإسلام ابن تيمية كيف يتسنى له أن يرد على المتكلمين؟ يعني كون العلوم تعرض بعرض مناسب لفهم أهل العصر وكل عصر له طريقته ومنهجه، يعني إذا قارنت بين التأليف عند المتقدمين وعند المتوسطين وعند المتأخرين، تجد فرق كبير جداً جداً، من سيؤلف على طريقة الشافعي في الرسالة؟ أو على طريقته في الأم؟ المتأخرون لما تحيروا في فهم طريقة التأليف عند المتقدمين اضطربوا، شخص يؤلف كتاب اسمه: (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي الأم ليست للإمام الشافعي) إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلام الأم يعني ليس من تصنيف الإمام الشافعي، إيش الكلام هذا؟ لماذا؟ لأنه ما يعرف كيف يؤلف المتقدمون، يعني إذا جئت إلى المسند هل يتردد أحد في الحلف على أن المسند للإمام أحمد؟ نعم، ما في أحد بيتردد، إذا قيل: المسند لمن؟ قال: للإمام أحمد وأقسم على ذلك، الرسالة للإمام الشافعي مثل الأم، والعلة التي في الأم موجودة قي الرسالة، وموجودة في المسند، وموجودة في الموطأ، وموجودة في كتب المتقدمين كلهم، يعني كون الأم فيها قال الربيع: قال الشافعي يعني الأم ليس للشافعي؟ المسند على كبره كله قال عبد الله: حدثني أبي، جهل بطريقة المتقدمين في التأليف، لو ألف شخص من المعاصرين على طريقة المتقدمين، اتجهت ألسنة الناس إليه بالذم والقدح، الطريقة تختلف تماماً أن الإنسان يكتب كتابه بنفسه أو يمليه على غيره ولا يثبت اسم الطالب عنه، المتقدمون يثبتون اسم الطالب؛ لأنها أنساب الكتب هذه.

أقول: كون الإنسان يقرأ العلوم لا سيما ما يحتاج إليه للذب عن الكتاب والسنة كعلم الكلام مثل هذا الأمور بمقاصدها، قرأ علم الكلام لأي شيء؟ لكي يرد على المتكلمين يؤجر، شريطة ألا يتأثر بهذا العلم، أما إذا خشي على نفسه فلا يجوز له أن ينظر في هذا العلم، أما إذا كان ممن لديه من الفهم ما يؤهله لفهم هذا العلم وعنده من العلم الشرعي ما يكون سبباً في تحصينه من التأثر بهذا العلم المحدث فإنه حينئذ لا مانع من أن يقرأ في هذا العلم وينقد هذا العلم، وشيخ الإسلام صنع ذلك، وإن كان عموم طلاب العلم ليسو بحاجة إليه، قد يحتاج إليه بعض الناس دون بعض، يعني كما تحتاج الأمة إلى مترجمين بلغات، لكن الأمة ليست بحاجة إلى أن يكونوا كلهم يتقنون اللغات لنطلع على ما عند الأعداء من خطط، ونرد عليهم شبههم، لا بد أن نعرف لغاتهم، لكن يتصدى لذلك أفراد من الناس تقوم بهم الحاجة، ومثله ما نحن بصدده من معرفة علم الكلام. وأشد الناس انتقاد ومنع وتحريم لعلم الكلام من ينتقدهم ابن الصلاح ومن جاء بعده. فابن الصلاح والنووي حرما ... . . . . . . . . . يعني حرما النظر في علم الكلام. . . . . . . . . . ... وقال قوم: ينبغي أن يعلما المقصود أن مثل هذا نقول: الأمور بمقاصدها، شخص يقرأ الإنجيل ليرد على النصارى من خلاله، شخص يقرأ كتب المبتدعة، يقرأ كتب الرافضة ليرد عليهم، نقول: أنت تنظر في كتب المبتدعة؟ الأمور بمقاصدها، كون بعض هذه الأمور الشكلية التي أثرت في كيفية عرض العلم دخلت إلينا وافدة لا شك أن الذي ينفع استفاد، لكن الكلام في جوهر العلم هل تأثر وإلا ما تأثر؟ ما تأثر. يقول: "أما التأثر بالمنطق وصناعة المعرفات فلم يظهر لها أثر على ابن عبد البر في شرحه للمصطلحات وتعريفها".

لو نظرنا في كتب المتقدمين هل نجد الإمام أحمد حينما يدون عنه الفقه هل نجده في كل باب تعريفه لغة واصطلاحاً؟ ما يعرف شيء إطلاقاً إنما يقتصر على الأحكام، الشافعي كذلك، مالك كذلك، كل الأئمة المتقدمين على هذا، بينما في كتب المتأخرين أول ما يبدءون بالتعريف لغة واصطلاحاً، والرابط بين التعريف اللغوي والاصطلاحي، نقول: تجرد الكتب من التعريفات لأنها وافدة؟ نقول: هذا وإلا ما نقول؟ ما نقول هذا، احتجنا إلى مثل هذا، كانت هذه المصطلحات عندهم بدهية، ما يحتاجون إلى تدوينها، لما احتاجها المتأخرون دونوها، نقول: هذه طريقة محدثة عند المتأخرين لا بد أن نحاكي المتقدمين فيها؟ لا، ما يلزم يا أخي.

ويعلم الله -سبحانه وتعالى- أنني لا أقصد القدح بهذا الرجل، بل هو من خير من عرفت من طلاب العلم في هذا الشأن هو وأمثاله ممن يقول بهذا الكلام، إنما أريد أن أوضح الحقيقة، وقد طلب مني ردود مستقلة على كتبه فرفضت؛ لأنه ليس من منهجي أن أتصدى وأقصد الرد على شخص بعينه، لا سيما من أعرف منه حسن المقصد، لكن كون الكلام يأتي عرضاً، هم تكلموا في النخبة كلاماً طويلاً، حتى قال بعضهم: "هي زبالة كتب المصطلح" فاحتجنا إلى أن نقول مثل هذا الكلام، نعم احتجنا إلى أن نقول مثل هذا الكلام عرضاً لا نذكره استقلالاً؛ لأنه ليس من المنهج المستقيم عند أهل العلم أن يتصدى للكتب النافعة التي عظم نفعها فتبرز مساويها، لا، من الذي يسلم من الأخطاء؟ لا أحد يسلم من الأخطاء، يعني لو أظهرنا أخطاء ابن حجر في فتح الباري في مجلد، أنا عندي استعداد أبرزه في مجلد كبير، سواءً كان في العقائد أو في أحكامه على الأحاديث، أو في أحكامه في الاستنباط وغيرها، لكن إذا رأى الطالب المبتدئ هذا المجلد وقال: هذا مجلد كبير في أخطاء هذا الكتاب، قال: ليش أقرأ كتاب كل هذه الأخطاء فيه؟ فنزهد طالب العلم بهذا الكتاب مع أنه عظم نفعه، لو أردنا أن نجرد أخطاء النووي في شرح مسلم كذلك، أخطاء القرطبي في تفسيره كذلك، لكن لا مانع أن يعلق على هذه الكتب على فخامتها بتنبيهات يسيرة يعني كما فعل الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه-، لا مانع أن نعلق على النووي، لا مانع أن علق على القرطبي وهكذا، يبين الحق لا بد من بيان الحق، لكن إبراز المساوئ بهذه الطريقة بحيث نزهد طلاب العلم بهذه الكتب هذا ليس بمنهج، نعم إذا عظم الضرر بالكتاب، وصار ضرره أعظم من نفعه لا مانع أن يصرف عنه طلاب العلم، لا مانع أن تبرز أخطاء الزمخشري في الكشاف، لا مانع أن تبرز أخطاء الرازي في تفسيره؛ لأن الضرر من هذين الكتابين على طلاب العلم أكبر من نفعهما، فكون طالب العلم يزهد في تفسير الكشاف أو تفسير الرازي لن يخسر شيء، لكن كونه يزهد في فتح الباري هذه مشكلة.

ثم انتقل المؤلف إلى الطور الثاني لكتب علوم الحديث كتاب ابن الصلاح فما بعده فقال: "إن معرفة أنواع علوم الحديث لابن الصلاح من الكتب النادرة في العلوم الإسلامية التي ما إن صنفت حتى أصبحت إماماً لأهل فنها، وهماً لطلاب ذلك العلم ولعلمائه، وأصلاً أصيلاً يرجعون إليه، ومورداً لا يصدرون إلا عنه، ولا يحومون إلا عليه". ثم ذكر تأثره بالخطيب، لا شك أن ابن الصلاح متأثر بالخطيب، ليش؟ لأن الخطيب ما ترك نوع من أنواع علوم الحديث إلا وكتب فيه مصنف، يعني هل يلام ابن الصلاح أو غير ابن الصلاح أن يتأثر بالخطيب إذا جاء إلى باب كامل من علوم الحديث ما وجد إلا كتاب الخطيب؟ ذكر تأثره بالخطيب البغدادي، وأنه تبعاً له تأثر بالعلوم العقلية، لكنه زاد على الخطيب نتيجة لتأخره عنه بما يقارب القرنين من الزمان، ثم ذكر أمثلة تأثر ابن الصلاح بالأصول، ثم قال: "ومع هذا التأثر الكبير بالأصول عند ابن الصلاح إلى درجة ترجيح رأي الأصوليين على رأي أهل الفن من المحدثين إلا أنه زاد في بيان عمق هذا الأثر، وأنه تعمد مخالفة المحدثين إلى رأي الأصوليين" لكن هل قصد ابن الصلاح ترجيح أقوال الأصوليين على أقوال المحدثين؟ هو نظر إلى هذه الأقوال ورجح ما يدين الله به، كون الراجح وافقه عليه الأصوليون أو خالفه، أولاً: ابن الصلاح قسم الفريقين قال: الحديث كذا وقال: الفقه كذا، نعم ينقل أقوال أهل الحديث والأثر وأقوال الفقه والنظر، لكن كثير من أهل الفقه وأهل النظر هم أهل حديث في الجملة. الأمر الثاني: أنه ما من قول من أقوال أهل الفقه إلا وقد قال به بعض أهل الحديث فكونه يرجح أقوال أهل الفقه والنظر، لا يعني أنه حيدة عن أقوال أهل الحديث والأثر، ولو افترضنا أنه أخطأ في ترجيح أو ترجحين أو ثلاثة أو عشرة، ويكفيه أنه عرض المادة ولك أن تنظر، ولا ننكر ولا نخالف في أن من أهل الأصول من ليسوا من أهل الحديث، بل إن منهم من بضاعته في الحديث مزجاة، لكن ما المانع أنه إذا قال كلمة تدرس هذه الكلمة؟ في ما يمنع؟ وتعرض على أقوال أهل الحديث فهم أهل الشأن، أما المطالبة بتجريد كتب الحديث أو علوم الحديث من أقوال الأصوليين أتصور أنها مطالبة لا قيمة لها.

إيش المانع أن يكون طبيب، طبيب من الأطباء وقد وجد من الأطباء ابن النفيس طبيب، تذكر أقواله في علوم الحديث، وأحياناً تكون جانب الإصابة معه، إيش المانع؟ عندنا من الأطباء المعاصرين الآن من يصدر بعض الأحكام على بعض المسائل المتعلقة بالطب فهمها من خلال مهنته وصنعته مما خفي على بعض الفقهاء، إيش المانع؟ ليس هناك ما يمنع، هم مسلمون اطلعوا على نصوص الكتاب والسنة، وهم يفهمون وإيش المانع؟ يعني يوجد عند بعض الناس ما لا يوجد عند غيرهم، العلم ليس بمحصور كله على فلان أو علان أو على هذه الجهة أو تلك الجهة. الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال لأبي هريرة: ((صدقك –يعني الشيطان- وهو كذوب)) صدقك، يقول: ((صدقك)) وكم من طالب صغير نبه شيخاً كبيراً على خطأ وقع فيه، وكم استفدنا، وكم، وكم، وكم استفدنا من طلابنا، نبهونا على أشياء كثيرة، هذا شيء موجود ننكر للناس كلهم تبعاً لهذا التقعيد وهذا التقرير ما هو بصحيح. ثم تحدث عن ابن دقيق العيد وكتابه الاقتراح وانتقده ولم يطل في ذلك، ومثله في الكلام على الذهبي وكتابه الموقضة، ثم خصص بقية الكلام على كتب المصطلح للحافظ ابن حجر وكتابه النخبة وشرحها نزهة النظر وأطال في ذلك معللاً ذلك بما لنزهة النظر من قدسية، من قدسية لا تنال عند أهل عصره –أعني الآن عصرنا إحنا- وكأنها كتاب ناطق أو سنة ماضية" ومن قال هذا الكلام؟ النخبة كغيرها من تصانيف البشر فيها الراجح وهو كثير، وفيها المرجوح، والإنسان إذا تأهل ما الذي يمنعه أن يرجح الراجح ويترك المرجوح؟ لا حجر على أحد، يقول: "وكأنها كتاب ناطق أو سنة ماضية". انتقد ترتيب النزهة لماذا؟ يقول: "لأنه مغاير لكل الكتب في علوم الحديث، فالكتاب مبني في ترتيبه على أساس التقسيم العقلي عند المناطقة"، نعم الترتيب الذي سلكه الحافظ ابن حجر في النخبة ترتيب بديع، ترتيب بديع بناه على اللف والنشر المرتب عند أهل العلم، وهو طريقة مسلوكة جاءت بها النصوص الشرعية، اللف والنشر: أن يذكر أكثر من شيء على سبيل الإجمال، ثم تفصل هذه الأشياء، والكتاب كله مبني على هذا.

اللف والنشر عند أهل العلم يقرب من السبر والتقسيم عند أهل الأصول، فإذا ذكرنا أكثر من شيء على سبيل الإجمال، ثم فصلنا هذه الأشياء على نفس الترتيب صار اللف والنشر مرتباً، وإن تحدثنا عنها مع الإخلال بالترتيب صار الترتيب غير مرتب، ويسميه أهل العلم المشوش، وجاء القرآن بهذا وهذا، جاء القرآن بالمرتب وغير المرتب، يقول الله -جل وعلا- {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} هذا إجمال، التفصيل {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم} إلى آخره، {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ} [(106 - 107) سورة آل عمران] جاء التفصيل بعد الإجمال، لكن هل ترتيب التفصيل مطابق لترتيب الإجمال؟ نعم، غير مطابق، إذاً لف ونشر غير مرتب، وقد جاء في أفصح الكلام، اللف والنشر المرتب كما في قوله -جل وعلا-: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [(105) سورة هود] {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّار .. ِ. } [(106) سورة هود] {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ ... } [(108) سورة هود] إلى آخره، هذا نشر بعد لف لكنه على الترتيب، جاء النشر على ترتيب اللف. هذا الترتيب البديع الذي سلكه الحافظ ابن حجر به ينحصر الذهن ويسهل الفهم فكيف يلام أن ابتكر هذه الطريقة لتيسير التحصيل وتقريب العلم؟! قال: "لأنه مغاير -يعني في ترتيبه- لكل الكتب في علوم الحديث فالكتاب مبني في ترتيبه على أساس التقسيم العقلي عند المناطقة"، وعرفنا أن هذا اللف وهذا النشر له أصل في القرآن الذي هو أفصح الكلام، لكنه قال بعد ذلك: "وليس في هذا الترتيب مؤاخذة على الحافظ، لكن ذلك يدل على تغلغل أثر علم المنطق وتعمقه في فكر الحافظ"، نقول: لا، هذا الأسلوب موجود في النصوص وفي كلام العرب، "يدل على تغلغل أثر علم المنطق وتعمقه في فكر الحافظ ومنهجيته إلى درجة بناء الكتاب في ترتيبه على أساسها".

ثم انتقد فيه تقسيم الأخبار، وانتقد رأي الحافظ في معنى المنقطع والمرسل، والفرق بينهما، والعلة والشاذ والمنكر والمحفوظ والمعروف، ومختلف الحديث، والمرسل الخفي، والتدليس، والمصحف والمحرف وغيرها من الأنواع، انتقد هذه الأنواع، وستأتي في مواطنها -إن شاء الله تعالى-. بعد هذا تحدث صاحب المنهج المقترح عن مناهج كتب علوم الحديث بعد الحافظ ابن حجر فقال: "إن أشهر الكتب في علوم الحديث بعد الحافظ ابن حجر هي: (فتح المغيث) للسخاوي"، هذه أشهر كتب الحديث، شرح لألفية الحديث وهو يعد بحق موسوعة علم المصطلح. "والثاني: (تدريب الراوي) للسيوطي، والثالث: (توضيح الأفكار) للأمير الصنعاني". يقول: "قد اتخذت هذه الكتب وغيرها مما وضع في عصرها وبعده من (نزهة النظر) أصلاً أصيلاً، ومصدراً أساسياً في فهم المصطلح وتقرير قواعده، فتناقلت الكتب ما جاء في (النزهة) ونصرته غالباً، ولقد كان السخاوي مثالاً للتلميذ المتعصب لشيخه الحافظ ابن حجر" مع هذا الانتقاد اسمعوا ماذا يقول: "وحق له –والله- ذلك" كلنا نقول هذا الكلام، الحافظ أمير المؤمنين في الحديث، لا أحد يشك في إمامته في هذا الباب، فننتقد كتبه وأقواله بالكلام القوي السابق، ثم يقول: "وحق له –والله- ذلك"، لكن ماذا يقول؟ يقول: "الحافظ عندي إمام، وابن الصلاح إمام، والخطيب إمام، والحاكم إمام، وغيرهم من نقاد الحديث أئمة أيضاً، فلا معنى للتعصب عندي لأحدهم دون الآخر، بذلك رأيت الحق أولى ما ابتغي، وسعي إليه، وأحق ما نصر وتعصب له" هذا مطلب الجميع، هذا مطلب الجميع، أما أن نقول: إن اجتهاد السخاوي أداه إلى ما أدى اجتهاد الحافظ ابن حجر إليه توافقا في الترجيح نقول: هذا تصب لأنه شيخه، الحافظ ابن حجر وهو من أئمة الشافعية، إذا كان في الفقه مقلد فالسخاوي مقلد في الفقه، لكن من أراد أن يستدل على إنصاف الحافظ ابن حجر فليقرأ مقدمة: القول المسدد في الذب عن المسند.

يقول: "لا معنى لتقليد الحافظ وحده، لأنه وإن كان إمام فابن الصلاح إمام والخطيب إمام والحاكم إمام وغيرهم من نقاد الحديث أئمة"، "فلا معنى للتعصب عندي لأحدهم دون الآخر"، يقول: "لذلك رأيت الحق أولى ما ابتغي وسعي إليه، وأحق ما نصر وتعصب له"، هذا الكلام يشترك فيه الجميع، كل ينشد الحق، وليسوا بالمعصومين، وكلهم ينشدون الحق -إن شاء الله تعالى-، لكنهم مع ذلك ليسوا بالمعصومين. والسيوطي يقول في التدريب أخف من غيره في التعصب للحافظ ابن حجر، لماذا؟ يقول: "لعل سبب ذلك أنه يشرح كتاباً للنووي، ثم هو لم يتتلمذ على الحافظ ابن حجر". "وأما الأمير الصنعاني فأبعدهم عن التعصب، لكنه لا يجري مجرى هؤلاء في ممارسة علم الحديث تطبيقاً وعملاً، ثم يؤخذ عليه تعويله على كتب الأصول وترجيح آراء أصحابها على أصحاب الفن من المحدثين". أما تعويله على كتب الأصول فهو مما يمدح به، الكتاب الذي يجمع بين العلوم لا شك أنه مزية لهذا الكتاب، والعالم الذي يتقن جميع العلوم ويتعرض لها من خلال ما يلقيه، من خلال ما يعلمه طلابه مزية لهذا العالم، فالذي يفسر القرآن وهو ملم بعلوم الشرع، وما تطلبه العلوم الشرعية، وما تحتاج إليه هذا هو المفسر، وإلا فما معنى مفسر لا يعرف لغة العرب؟ هذا ليس بمفسر، ما معنى مفسر لا يحفظ قدراً كافياً من السنة؟ والسنة هي أولى ما يعول عليه في تفسير القرآن، ما معنى مفسر لا يعرف الناسخ من المنسوخ، ولا المطلق ولا المقيد، ولا الخاص ولا العام، وبقية مباحث علم الأصول؟ العالم المفسر الذي يحيط بالعلوم كلها. مما اشترطه أهل العلم لمن يتصدى لتفسير القرآن: أن يكون عارفاً لجميع ما يحتاج إليه القرآن، والله المستعان. "ثم يؤخذ عليه تعويله على كتب الأصول وترجيح آراء أصحابها على آراء أصحاب الفن من المحدثين"، إن كان هذا هو الواقع وهو ديدنه وهذه عادته وطريقته المطردة يؤخذ عليه، لكنه ليس كذلك، والله المستعان. يقول: "غير أنه مما يميز هذه الكتب وأشباهها، أنها كتب موسعة مليئة بالنقول والأمثلة، إضافةً إلى تحريراتٍ وفوائد وفرائد، لا يستغنى عنها إلا من استغنى عن هذا العلم".

يعني رجعنا إلى أهمية كتب المتأخرين، هذه الكتب اشتملت على نقول كثيرة، وأمثلة متنوعة، وتحريرات وفوائد وفرائد لا يستغنى عنها إلا من استغنى عن هذا العلم. بعد أن نسف الكتب ذكر أنه لا يستغنى عنها إلا من استغنى عن هذا العلم، ونقول: النقد لا بأس به، ولا يوجد شخص معصوم غير المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، كل يؤخذ من قوله ويرد، لكن بهذه الطريقة التي تزهد طلاب العلم بهذه الكتب، وعليها المعول في هذا الشأن؟! فلا. يعني لو تصدى لنشر هذه الكتب ورجح ما يراه راجحاً، ورد أو نقض الأقوال المرجوحة من خلال تعليقه على هذه الكتب كان مسلكاً سليماً؛ لأنه لا يوجد أحد معصوم غير المصطفى -عليه الصلاة والسلام-. ثم يأتي من يرد عليه هو أيضاً، ولا مانع؛ لأن المسألة مفترضة في شخص مجتهد ينشد الحق، وإذا كان مجتهداً وهو أهل لذلك وأصاب الحق فإنه مأجور، أي له أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، وهؤلاء نحسبهم -والله حسيبهم- مأجورون ولو بأجر واحد على أقل تقدير. بهذا الكلام ختم الكلام عن كتب المصطلح وهو كلام جيد يحفظ له، ولا ضير في النقد؛ لأن هؤلاء وإن كانوا أئمة فإنهم غير معصومين يقع منهم كغيرهم الخطأ، والغالب هو الصواب، إلا أن إبرازه واهتمامه بهذه الملحوظات وبهذا الأسلوب، وإظهار الملاحظات بهذه الطريقة كما ذكرنا سابقاً قد تزهد الطالب المبتدئ في هذه الكتب التي هي العدة الحقيقية والزاد الوحيد للطالب في بداية الطلب، لكن المؤلف -وفقه الله- مثلما ذكرنا لو اعتنى بهذه الكتب كل واحد منها على حده ونشره نشراً متقناً وهو أهل للإتقان والضبط، وعلق عليها وبين رأيه في مسائلها لكان عين الحكمة والصواب؛ لأن إبراز الأخطاء يزهد في كتب العلم، ولذا لا يرى كبار علمائنا -وفقهم الله- أن تفرد الملاحظات على الكتب التي عم نفعها.

هل يستطيع شخص أن يقول: إن شيخ الإسلام معصوم؟ لا، هل يستطيع شخص أن يقول: إن ابن القيم معصوم أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب معصوم؟ لكن ماذا لو اختلفت وجهة نظر أحد أهل العلم مع ما في الدرر السنية لأئمة الدعوة؟ فيها مسائل علمية راجحة ومرجوحة كثيرة، لكن من وجهة نظر أصحابها، لكن لو طبع مجلد في بيان أوهام الأئمة في هذه الكتب، هذا جيد وإلا غير جيد؟ هذا ليس بمنهج سليم، فأئمة الإسلام الذين شهد لهم الخاص والعام صاروا على المنهج السليم وإن أخطئوا لا تبرز أخطاءهم بهذه الطريقة، ولا مانع من أن ينبه على القول المرجوح. ابن القيم وقد تخرج على شيخ الإسلام يخالفه في كثير من المسائل، الشيخ ابن باز -رحمة الله على الجميع- خالف شيخ الإسلام في بعض المسائل، ولا يمنع أن يأتي من يخالف هذا وذاك، والثالث والرابع، لكن بالأسلوب المناسب الذي يربى عليه طالب العلم، لا بد أن يربى طالب العلم على احترام العلم والعلماء، وإلا لو كل واحد ينسخ المتقدم ما بقي لنا أحد، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول: تعتبر تراجم الرجال هي البنية الأساسية لتصحيح الحديث، كيف لنا أن نتأكد من صحة تراجم الرجال؟ لا شك أن ثبوت الحديث يتبع ثقة الرواة واتصال الإسناد وخلو المتن من الشذوذ والعلة والمخالفة على ما سيأتي، والرجال وأقوال أهل العلم فيهم موجودة ومدونة في كتب الرجال، وهناك الرجال المتفق على توثيقهم، وهناك من اتفق على تضعيفهم، وهؤلاء لا يحتاجون إلى مزيد من التعب، بل يكتفى أن يبين الضعف في التوثيق.

أما من اختلف فيه أهل العلم ووجد لأهل العلم أقوال متفاوتة متعارضة من موثق إلى مضعف، من متوسط إلى متشدد فينظر بين هذه الأقوال بالطرق المتبعة عند أهل العلم في قواعد الجرح والتعديل، ولنفرض أن رجلاً ضعفه عشرة ووثقه ثلاثة من الأئمة كابن لهيعة مثلاً فجمهور أهل العلم على ضعفه، ومنهم من يفصل فيقوي رواية العبادلة ويضعف ما عداها، ولا شك أن الرجل من حيث الحفظ في حفظه سوء، وأتي من قبل حفظه، وذكروا في سبب ذلك أن كتبه احترقت، احترقت فحدث من حفظه فساء حفظه ولم يضبط، قد يقول قائل: الآن الكتب الحمد لله نشوف المكتبات تحترق ويأمن غيره ولا يضر، نقول: الكتب إذا كان ممن يعتمد عليها، ولا تتصورون أن الناس أول كانوا يجمعون الكتب يرصونها في الدواليب لها نظائر في الأسواق وعند الإخوان والزملاء، لا، هذا كتاب فلان يعني لا يوجد عند غيره، هذه رواية فلان لهذا الكتاب، ولا يستطيع أن يحدث إلا من روايته، أو من طريق الرواية عن صاحب كتاب آخر، فهذا الكتاب الذي يرويه هو ولا يوجد عند غيره، وقد يوافق على بعضه في كتب أخرى وما أشبه ذلك احترق ماذا يصنع؟ فإذا كان الشخص ممن يعتمد على كتاب واحترق كتابه خلاص انتهى، مثل المسافر الذي ما عنده كتب، وهذا يبين لنا أهمية الحفظ بالنسبة لطالب العلم الشرعي، فالحفظ الحفظ، ولا بديل عن الحفظ، أما من فتن بالنظريات الوافدة وأخذ يقلل من شأن الحفظ ويذم الحفظ، وهذا جاءنا مع من وفد من البلدان والأقطار إلى هذه البلاد في أوائل التعليم النظامي جاءوا وصاروا يقللون من شأن الحفظ ويقولون: إن الحفظ يبلد الذهن، والعبرة بالفهم، هذا إذا كان الكلام مقبولاً في علومهم التي تعتمد على العمل باليد فهم لا يحتاجون إلى حفظ، أنت إذا أردت أن توضب سيارة ما تحتاج إلى أن تراجع محفوظاتك، تأخذ المفاتيح والعدة وتشتغل هذه علومهم، هذه بضاعتهم، ليست عندهم علوم متعبد بلفظها كالقرآن، القرآن إذا لم يحفظه طالب العلم ماذا تكون بضاعته؟ {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت] لا بد من الحفظ.

السنة إذا لم يحفظ الطالب القدر الكافي من السنة كيف يستدل على المسائل العملية؟ فالدعوة إلى التقليل من شأن الحفظ وذم الحفظ لا شك أنها صد عن العلم الشرعي، وإذا وجد من يقول: أننا لم نجني من التلقين الببغائي إلا الحنظل أو الشوك، فإن مثل هذا لا عبرة له، لا عبرة بكلامه ولا يأبه له ولا يلتفت إليه، هذا مفتون بكلام الشرق والغرب، مرة يعجب بنظريات اليابان، ومرة بنظريات الألمان، هذا لا عبرة به ولا يؤخذ منه مثل هذا الكلام، فلا بد من التلقين في العلوم الشرعية، لا بد من الحفظ الحرفي، ثم ماذا إذا كان الشخص يفهم؟ عبقري في الفهم لكن ما عنده رصيد محفوظ، كم من شخص في أسواق المسلمين من عوام المسلمين منهم عباقرة وأذكياء لماذا لم يصيروا علماء؟ ما عندهم رصيد محفوظ، يعني الشريط قد يكون من أجود الأشرطة ومن أغلاها وأنفسها لكن ما سجلت فيه شيء، إيش تستفيد؟ الشريط إذا ما سجل فيه شيء يمكن تسمع منه شيء ولو كان من أجود نوعيات الأشرطة؟ فالشخص إذا لم يكن لديه مخزون في حفظه فإنه في الغالب إذا أبعد عن كتبه فإنه الفائدة تكون منه قليلة. فإن تحرق القرطاس لا تحرق الذي ... تضمنه القرطاس فهو في صدري

وكان أهل العلم يعتمدون على الحفظ، ثم اعتمدوا على الكتب وصاروا ينسخون الكتب، ثم ظهرت الطباعة فصاروا يعتمدون على الكتب المطبوعة وضعف الحفظ، وانتهت مسألة الكتابة التي تعين على الطلب، ثم جاءت الآلات التي بمجرد ضغطة زر يخرج له الحديث من عشرين طريق، يتكلم على الراوي بجميع ما قيل فيه، هذه لا شك أنها نعمة، لكن هل يتعلم عليها طالب العلم؟ لو يطفأ الكهرب رجع عامي لا يحسن شيء، لا يحسن التعامل مع الكتب، لا في ذهنه شيء ولا يحسن التعامل مع الكتب إيش يساوي؟ يساوي لا شيء، لكن ما يمنع أن يستفاد من هذه الآلات، الإنسان يصل يحفظ أولاً ويعاني كتب أهل العلم، ويعيد النظر في أقوال أهل العلم، ثم إذا جمع ما استطاعه من طرق هذه الحديث ومن كلام على هذا الراوي ضغط الآلة ليختبر ما عنده، إذا كان فيها شيء زائد على ما عنده يستفيده، أما أن يرجع إلى الآلة مباشرة ويعتمد عليها مثل هذا في الغالب أنه لا يتخرج طالب علم، ولا يثبت العلم الذي يأتي بمثل هذه الطريقة، العلم متين، ورتب عليه ثواب عظيم، ومنزلة العلم وأهل العلم في الدين معروفة، ولا يمكن أن يحصل العلم بهذه السهولة، وهذه الآلات يستفاد منها في اختبار العمل ومع ضيق الوقت .. ، خطيب بقي عليه خمس دقائق مثلاً وبحاجة إلى معرفة حديث في خطبته هل هو ثابت أو غير ثابت؟ يضغط الآلة لا بأس ...

شرح نخبة الفكر (2)

شرح نخبة الفكر (2) الكلام على المبادئ العشرة لكل علم – مقدمة المؤلف – والخبر وأنواعه الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير خطيب بقي عليه خمس دقائق مثلاً وبحاجة إلى معرفة حديث في خطبته هل هو ثابت أو غير ثابت؟ يضغط الآلة لا بأس، مع أن من أهل العلم من قصد توعير الوصول إلى المسألة، ابن حبان لما ألف صحيحه على الأنواع والتقاسيم، طريقة فذة مبتكرة من أجل ألا تصل إلى الفائدة بسهولة، إذا أردت حديث تقرأ الكتاب كله، كم من حديث بيمر عليك وأنت تريد حديث واحد، تستفيد فوائد عظيمة، كم من مسألة وأنت تبحث عن مسألة في كتاب فقه، بينما لو ضغطت هذه الآلة طلعت لك المسألة مجردة عما يحتف بها قبل وعما يبينها بعد، لكن لو أنت بحثت بنفسك وقفت على مسائل كثيرة واستفدت، وأقل الأحوال أن تعرف ترتيب هذا الكتاب، المقصود أن الاعتماد على الكتب والاعتماد على هذه الآلات لا يخرج طالب علم، الكتب تحتاج إلى معانات، نعم من العلماء قسموا الفقه إلى فقه بالقوة وفقه بالفعل وفقه بالقوة القريبة من الفعل، يعني الذي يحفظ المسائل بأدلتها هذا فقيه بالفعل، لكن الذي لا يحفظ المسائل بأدلتها لكن مجرد ما تقع له نازلة أو يسأل عن مسألة يذهب إلى الكتب مباشرة يستخرج المسألة بدليلها ويستطيع أن يوازن بين الأقوال ويخرج بالقول الصائب الراجح هذا فقيه بالقوة، وإن لم يكن فقيهاً بالفعل، لكن يحتاج إلى أنه في كل مسألة يحتاج إلى رجوع هذه مشكلة، لكن كون العلم حاضر في صدره متى ما سئل أجاب هذا هو العلم الحقيقي، هذا هو علم السلف، والله المستعان. فلا شك أن تراجم الرجال هي البنية الأساسية، وأقوال أهل العلم في هؤلاء الرجال مبسوطة وموجودة في كتب أهل العلم. يقول: ما هي ضوابط الجمع بين المتشابه من القرآن والحديث؟

إيش المتشابه؟ إذا كان المقصود به الجمع بين مختلف الحديث، يعني النصوص المتعارضة فهناك أوجه للجمع، وهناك طرق للتوفيق بين الأحاديث، الحازمي ذكر منها أكثر من خمسين في مقدمة الاعتبار، الحافظ العراقي في نكته على ابن الصلاح ذكر ما يقرب من المائة تحتاج أن تُراجع؛ لأن الجمع إذا أمكن بين النصوص المتعارضة تعين، ولا يجوز العدول عنه إلى غيره كالنسخ مثلاً أو الترجيح إلا بعد أن تستغلق الأنظار في التوفيق بين ... يقول: هل من حكمة معلومة في وجود المتشابه من القرآن؟ لو لم يكن من الحكم إلا اختبار المكلفين في إذعانهم لما جاء عن الله وعن رسوله، المكلف إذا كان يفهم كل شيء مما أنزل الله عليه، ويعرف الحكمة من كل حكم صار انقياده تبعاً لهذه الحكم وهذه المعرفة، لكن لما يستغلق عليه أمر لا يستطيع يقر بعجزه وضعفه، ويعرف أنه مهما أوتي من العلم لن يخرج عن قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] فيعرف قدر نفسه ويعرف أنه بحاجة مستمرة إلى المزيد في البحث والاستقصاء والاستقراء في النصوص وكلام أهل العلم، أيضاً أن يختبر المكلف؛ لأنه إذا وقف على شيء لا يفهمه فهو بين أمرين: إما أن يقول: هذا لا يقره عقل، فيقع في حيز المفتونين الذين أنكروا بعض النصوص لكون عقولهم تأباها ولا تحتملها، أو يقول: سمعنا وأطعنا، وهذا هو المطلوب في المسلم، هذا هو المطلوب من المسلم، لا بد من أن ينقاد فهم أو لم يفهم، عرف الحكمة أو لم يعرف، لا بد من الانصياع والانقياد لأوامر الله سواءً وافقت الهواء أو خالفت، فلا يؤمن المسلم حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-. يقول: إذا كنا نجري علم الحديث على حديث منسوب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلماذا لا نجري ذلك العلم على تراجم الرجال؟

يعني إذا كنا لا نقبل الحديث إلا إذا كان سنده صحيح بمعنى أن رواته ثقات ومتصل وسلم من المعارضة، لماذا لا نجري العلم أو ذلك العلم الذي هو الميزان المعتبر عند أهل الحديث لماذا لا نجريه على بقية العلوم؟ كعلم الرجال مثلاً، أثرنا عن الإمام أحمد قول لماذا لا ندرس إسناد هذا القول إلى الإمام أحمد؟ وجدنا قول للإمام يحيى بن معين لماذا لا ننظر في إسناد هذا القول إلى الإمام يحيى بن معين؟ هذا ما تولاه أهل العلم الذين اعتنوا في كتب تراجم الرواة، من طالع مقدمة تهذيب الكمال وغيره من كتب الرجال عرف أنهم عنوا بذلك، وأنهم إنما نسبوا إلى الأئمة ما ثبت عنهم. هل يجوز أن ألقب نفسي؟ كون الشخص يلقب نفسه بمثل هذا لا شك أنه ينبغي أن يعدل عنه؛ لأن اللقب: ما يشعر بمدح أو ذم كما هو مقرر عند أهل العلم، فيلقب نفسه بما يشعر بالمدح من غير تزكية، وإن لقب نفسه بذم يفهم منه تواضعه فلا بأس، لكن إذا عُرف جرى على لسانه كلمة ولزمها فلقبه الناس بهذه الكلمة التي لزمها، كان يكثر من: "الله المستعان"، قالوا: "جاء الله المستعان"، وقصدهم بذلك الذي يكثر من هذه الكلمة، كما أنه نسب بعض العلماء إلى كتاب من الكتب وليس الكتاب من مؤلفاته، نسب إلى شخص وليس من آبائه؛ لأنه معجب به، شخص يديم النظر في البخاري يقول: جاء البخاري، راح البخاري، وهو لا علاقة له بالبخاري، لكنه مهتم بصحيح البخاري يديم النظر في صحيح البخاري، لو شخص ديدنه القرآن ينظر فيه ليل نهار ولا يعدل عنه إلى غيره، جاء القرآني، راح القرآني، إيش اللي يمنع؟ محيي الدين الكافيجي أفنى عمره في إقراء كافية ابن الحاجب في النحو فصار كافيجي، تركيب من الكافية ونسب إليها، وهكذا، المقصود أن اللقب ما يشعر بمدح أو ذم، فإن كان هذا المدح لا يشعر بتزكية من الشخص نفسه فلا مانع من أن يلقب نفسه به. إذا عني الشخص بالحديث وغلب عليه بحيث صار ممن يشار إليه في هذا الشأن وعد من أهله، إيش المانع أن يقال: هذا محدث وهذا أثري وهذا .. ؟ انتسب إلى الأثر جمع من أهل العلم، فلان ابن فلان الأثري، والمقصود به الانتساب إلى علم الأثر، وهو الحديث، والله أعلم.

المبادئ العشرة:

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. المبادئ العشرة: مبادئ هذا العلم: في بداية كل علم يبحث العلماء المبادئ التي يجمعها قول الناظم: إن مبادئ كل علم عشرة ... الحد والموضوع ثم الثمرة وفضله ونسبة والواضع ... والاسم الاستمداد حكم الشارع مسائل والبعض بالبعض اكتفى ... ومن درى الجميع حاز الشرفا التعريف: فهذا العلم من حيث الحد الذي هو التعريف يحد ويعرف باعتبارين: أولاً: باعتبار جزئي المركب، الثاني: باعتباره علم على هذا الفن، نعرف أن هذا العلم هو علم مصطلح الحديث فجزءا المركب: مصطلح وحديث، فالمصطلح: اسم مفعول من الاصطلاح، والمصطلح والاصطلاح هو العرف الخاص وهو التوافق على استعمال ألفاظ مخصوصة يتداولها أهل كل فن على وجه التعارف فيما بينهم كما اصطلحوا عليها، ومصطلح أهل الحديث أو أهل الأثر، تسمى أيضاً أصول الحديث، ويسمى أيضاً علوم الحديث وقواعد الحديث، إذا عرفنا أن المصطلح والاصطلاح هو العرف الخاص وهو اتفاق طائفة على شيء مخصوص، وعرفنا فيما تقدم في الدرس الماضي أنه لا مشاحة في الاصطلاح في الجملة إلا أنه إذا خالف الاصطلاح ما تقرر في علم من العلوم فإنه يشاحح فيه على ما مثلنا في الدرس الماضي، والحديث يقولون: ضد القديم، فالحديث ضد القديم، أو نقيض القديم؟ هم يقولون: ضد القديم، أيهما أدق أن نقول: ضد القديم أو نقيض القديم؟ نعم. طالب:. . . . . . . . . قد يرتفعان لكنهما لا يجتمعان، إذاً إذا ارتفعت الحداثة والقدم ماذا يحل محلهما؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا، هو أي عين، أي عين يمكن أن توصف بأنها قديمة أو حديثة، ولا يمكن أن توصف بأنها قديمة حديثة في آن واحد، صح وإلا لا؟ هل يمكن أن توصف بأنها ليست قديمة ولا حديثة؟ إذاً هما إيش؟ نقيضان. الحديث في اصطلاح أهل العلم: ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف.

موضوع هذا العلم:

التعريف بالاعتبار الثاني -باعتباره علم على هذا الفن-: علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن، علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن، أو هو: القواعد المعرفة بحال الراوي والمروي، هما متقاربان؛ لأن السند الراوي والمتن هو المروي. موضوع هذا العلم: الراوي والمروي من حيث القبول والرد. وثمرته: معرفة المقبول من المردود، تمييز الصحيح من السقيم من سنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-. وفضله: من أشرف العلوم وأجلها، إذ بواسطته يتمكن العالم من الذب عن سنة المصطفى -عليه الصلاة والسلام-. نسبته إلى غيره من العلوم: نسبة هذا العلم إلى غيره من العلوم الشرعية التي ينبغي لطالب العلم العناية بها، التباين من وجه والتداخل من وجه آخر، إيش معنى هذا الكلام؟ إذا قلنا: بالتباين يعني أنه لا يمكن أن يدخل في فن من الفنون، ولا يمكن أن يستغنى بغيره عنه، وإذا قلنا: بالتداخل معناه أن بعض هذه المسائل من هذا العلم يمكن أن تؤخذ من علوم أخرى، وأمثلة هذا العلم ومسائله تؤخذ أيضاً من علم آخر. واضع هذا العلم: ذكرناه سابقاً وأن أهل العلم اختلفوا في أول من صنف في هذا الفن على سبيل الاستقلال، وهذا تقدم هل هو الشافعي أو أحمد أو علي بن المديني، أو الإمام الترمذي؟ أقوال، قلنا: إن الحافظ خرج وخلص من هذا الاختلاف بقوله: "فمن أول من صنف فيه الرامهرمزي" خرج من الأولية المطلقة للاختلاف فيها. واسم هذا العلم: مصطلح الحديث، وأصول الحديث، وعلوم الحديث، وقواعد الحديث إلى غير ذلك. استمداده: يستمد هذا العلم من كلام أئمة الحديث، وأمثلتهم من دواوين السنة، ورواته من كتب الجرح والتعديل. وحكم تعلم هذا العلم: فرض من فروض الكفايات كغيره من العلوم الشرعية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وصار في حكم الباقين سنة، وقد يتعين على من توفر فيه الأهلية ولم يسد غيره مسده. مسائل هذا العلم: قضاياه التي تذكر فيه كالصحيح والضعيف والمرسل والمدلس والمعنعن وغيرها من الأنواع.

اسم الكتاب:

قوله: "والبعض بالبعض اكتفى"، يعني أن بعض الناس اكتفى ببعض مسائل هذا العلم أو غيره تكاسلاً، لكن من درى الجميع، من عرف جميع مسائل هذا العلم، وجميع مسائل غيره من العلوم الشرعية فقد حاز الشرف بأكمله، والله المستعان. اسم الكتاب: نأتي إلى اسم الكتاب: (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر) النخبة كما في القاموس بالضم وكهُمَزَة نُخَبَة، المختار، النخبة: المختار، وانتخبه اختاره، والفكر: جمع فكرة مثل نحل ونحلة، وهي -أعني الفكرة- كالفِكر والفَكر إعمال الخاطر في الشيء كما في اللسان، وقال الجوهري: التفكر: التأمل، والاسم الفكر والفكرة والمصدر الفَكر بالفتح. في مصطلح أهل الأثر: المصطلح عرفناه، وعرفنا معناه لغة واصطلاحاً، وأهل الأثر هم أهل الحديث، انتسب إلى الأثر جماعة كما يقول الحافظ العراقي -رحمة الله عليه-: يقول راجي ربه المقتدرِ ... عبد الرحيم بن الحسين الأثري انتسب إلى علم الأثر وهو علم الحديث، سيأتي -إن شاء الله تعالى- تعريف الحديث وتعريف الأثر والفرق بينهما. سم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "الحمد لله الذي لم يزل عليماً قديراً، وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الناس كافةً بشيراً ونذيراً، وعلى آل مُحمّد وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت، وبسطت واختصرت، فسألني بعض الإخوان أن ألخص له المهم من ذلك، فأجبته إلى سؤاله رجاء الاندراج في تلك المسالك". يكفي، بركة. شرح مقدمة الكتاب: يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "الحمد لله الذي لم يزل عليماً قديرا"ً

ابتدأ المصنف -رحمه الله تعالى- بالحمد ابتداءً بالقرآن الكريم الذي افتتح بالحمد، وعملاً بحديث: ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر)) الحديث مخرج في المسند وعند أبي داود وابن ماجه وابن حبان، وحسنه جمع من أهل العلم كالنووي، وحكم آخرون عليه بالضعف، والقابل للتحسين هو هذا اللفظ: ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله)) أما الألفاظ الأخرى من البسملة والصلاة على النبي وغير ذلك فهي ضعيفة على أن الألباني -رحمة الله عليه- حكم على الحديث بجميع طرقه وألفاظه بالضعف، وأهل العلم حينما يستدلون بمثل هذا في هذا الموضع؛ لأن من مذهبهم العمل بالضعيف في الفضائل وهذا منها، ولو لم يكن في الباب إلا الاقتداء بالقرآن لكفى. والحمد: كما في الوابل الصيب لابن القيم -رحمه الله تعالى-: هو الإخبار عن الله بصفات كماله مع محبته والرضا به؛ لأن جل من كتب في تعريف الحمد قالوا: هو الثناء على المحمود بصفات كماله ونعوت جلاله، الثناء على المحمود، فجعلوا الحمد هو الثناء، لكن هذا قول ضعيف؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح في صحيح مسلم: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي)) فغاير النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن الله -عز وجل- بين الحمد والثناء والتمجيد. فأولى ما يقال في تعريف الحمد ما ذكره الإمام ابن القيم -رحمة الله عليه- في الوابل الصيب: قال: "هو الإخبار عن الله بصفات كماله مع محبته والرضا به". والثناء: هو تكرير المحامد شيئاً بعد شيء، و (أل) في الحمد للجنس، يعني للاستغراق، جنس المحامد لله -سبحانه وتعالى-، واللام في (لله) للاختصاص.

والله: علم على الذات الإلهية، علم على الرب -جل وعلا-، وهذا اللفظ –أعني لفظ الجلالة- هو أعرف المعارف على الإطلاق كما قرره سيبويه، وإن كان أهل النحو يقولون: أعرف المعارف هو الضمير، أعرف المعارف الضمير، لكن سيبويه قرر أن أعرف المعارف هو لفظ الجلالة هو الله -سبحانه وتعالى-، ويذكر في الكتب أن سيبويه رؤيا في المنام فقيل له: ماذا صنع الله بك؟ فقال: غفر لي، قيل له: فبم؟ قال: بقولي: الله أعرف المعارف. هناك فروق بين الحمد والشكر من وجه والحمد والثناء من وجه، والحمد والمدح من وجه آخر، ليس هذا محل بسطها. "الذي" اسم موصول يقال للمفرد المذكر، "لم يزل" لم: حرف نفي وجزم وقلب، يزل: مضارع زال مجزوم بلم، وما زال من أخوات كان ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، واسمها مستتر تقديره هو، وعليماً خبرها، وقديراً: إما أن نقول: خبر بعد خبر، أو بدل، أو بيان. والعليم والقدير: من أسماء الله الحسنى، ومذهب أهل السنة والجماعة في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات يثبتون ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- على ما يليق بجلال الله وعظمته من غير تحريف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تكييف، على حد قوله -جل وعلا-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى]، خلافاً للجهمية والمعتزلة الذين ينفون الأسماء والصفات، وبعض الفرق المنتسبة لهذه الملة. قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الناس بشيراً ونذيراً، وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليماً كثيراً". صلى الله: روى البخاري في صحيحه تعليقاً مجزوماً به عن أبي العالية قال: "صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة" صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، وروي عن ابن عباس أنه قال: "يصلون: يبركون"، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [(56) سورة الأحزاب]، يعني يبركون، وفي جامع الترمذي روي عن سفيان وغير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار.

"على سيدنا" أي عظيمنا وشريفنا وأعلانا منزلة، وأسمانا قدراً "محمد الذي أرسله إلى الناس بشيراً ونذيراً"، أي مبشراً للمؤمنين بالجنة، ومنذراً ومخوفاً للكافرين بالنار، فقد جاء في وصفه -عليه الصلاة والسلام- من قوله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح: ((أنا النذير العريان)) يعني المبالغ في الإنذار والتحذير والتخويف، إيش معنى النذير العريان؟ النذير العريان: الذي إذا خشي على قومه من العدو خلع ثوبه فلوح به إليهم، يحذرهم من هذا العدو، والأمة بالنسبة لهذه النذارة على قسمين -كما اقتسم القوم الذين أنذرهم هذا العريان-: قسم خافوا من العدو فأدلجوا، استاروا مباشرة ونجو، وقسم دهمهم العدو واقتحمهم، وهؤلاء الذين لم يصدقوا هذا النذير، ومثلهم هذه الأمة الذين بعث فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم من صدق وآمن واتبع واقتدى، وهؤلاء هم الناجون، ومنهم من كذب وأبى وأعرض، وهؤلاء هم الهالكون. "وعلى آل محمد" الآل اختلف في أصله، فقيل: أهل ثم قلبت الهاء همزة فقيل: أأل ثم سهلت فقيل: آل، ولهذا يرجع إلى أصله في التصغير فيقال: أهيل، وضعف ابن القيم هذا القول في الوابل الصيب من ستة أوجه تراجع هناك. وقيل: أصل (آل) أَوْل ذكره الجوهري في باب الهزة والواو واللام، قال: "وآل الرجل أهله وعياله وأتباعه" وهو عند هؤلاء مشتق من الأوْل الذي هو الرجوع، اختلف في المراد بآله -عليه الصلاة والسلام- على أربعة أقوال: أنهم الذين حرمت عليهم الصدقة، أو هم ذريته وأزواجه خاصة، أو أتباعه إلى يوم القيامة، أو هم الأتقياء من أمته، أقوال لأهل العلم من أراد بسطها فليرجع إلى الوابل الصيب لابن القيم -رحمه الله تعالى-. "وصحبه" جمع صاحب، كركب جمع راكب، مأخوذ من الصحبة، والمختار في تعريف الصحابي ما سيأتي في هذا الكتاب أنه: من لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به ومات على الإسلام. "سلم تسليماً كثيراً" التسليم: مصدر مؤكد، والمراد بإيراده إظهار الزيادة في التعظيم وإفادة التكثير، كما أشار إليه بقوله: "كثيراً".

وجمع المصنف بين الصلاة والسلام امتثالاً للأمر بهما في الآية، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب]، الذي يصلي ولا يسلم لا يتم امتثاله لهذا الأمر، والذي يسلم ولا يصلي لا يتم امتثاله لهذا الأمر، إنما يتم الامتثال بالجمع بين الصلاة والسلام عليه -عليه الصلاة والسلام-. لم يفرد الصلاة عن السلام ولا السلام عن الصلاة؛ لأن الجمع جاء مأموراً به في هذه الآية، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كل ينزل منزلته، في كل شيء ينزل منزلته، الأذكار الواردة في مواضع مخصصة لا يزاد عليها ولا ينقص منها، فلا تقول في الصلاة مثلاً: اللهم صلِ على سيدنا محمد، ولا تقول: اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد، فلا تزيد عما شرع لك؛ لأن هذه أذكار متعبد بها، ولذا في حديث ذكر النوم لما أراد البراء أن يعرض حفظه على النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "ورسولك الذي أرسلت" قال: ((لا، قل: ونبيك الذي أرسلت))، ففي هذه المواضع المخصصة لا بد أن يقتصر على الوارد ولا يزاد فيه، مع الإطلاق نمتثل ما جاءنا بالإطلاق في آية الأحزاب.

صرح النووي -رحمه الله تعالى- منتقداً الإمام مسلم حينما اقتصر على الصلاة، أطلق الكراهة، ومسلم اقتصر على الصلاة دون السلام، ولعله ذهل عن ذلك، ابن حجر -رحمه الله تعالى- خص الكراهة بمن كان ديدنه ذلك، يعني باستمرار طول عمره يصلي ولا يسلم أو يسلم ولا يصلي، هذا يكره في حقه، أما من كان يجمع بينهما تارة، ويفرد الصلاة تارة، ويفرد السلام تارة هذا لا تتناوله كراهة، ووقع إفراد الصلاة دون السلام في كلام كثير من أهل العلم منهم الشافعي منهم مسلم، وهو أبو إسحاق الشيرازي والنووي نفسه في بعض مصنفاته أفرد الصلاة دون السلام، وجمع -رحمه الله تعالى- بين الآل والصحب على آله وصحبه لما للجميع من فضل وحق على من أتى بعدهم، اعترافاً بفضل الآل، وامتثالاً لوصية النبي -عليه الصلاة والسلام- بهم، واعترافاً بفضل الأصحاب الذين بواسطتهم بلغنا هذا الدين، ولم يفرد الآل دون الصحب، ولا الصحب دون الآل مخالفة لأهل البدع؛ لأن الاقتصار على الآل صار شعاراً لبعض المبتدعة كالروافض، والاقتصار على الصحب دون الآل صار شعاراً لقوم آخرين كالنواصب، ولذا يحرص أهل العلم على الجمع بين الأهل والصحب، هذا إذا أرادوا أن يعطفوا على النبي -عليه الصلاة والسلام- غيره، أما إذا اقتصروا عليه كما هو الشأن في كتب السنة كلها دون استثناء فيقتصرون على قولهم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إن أتوا بالآل جاءوا بالصحب لئلا نشبه المبتدعة.

بعض العلماء مثل الصنعاني وصديق حسن خان قالوا: إن أهل العلم إنما تركوا الصلاة على الآل واقتصروا على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- مداهنة ومجاراة للحكام الذين ينصبون العداء للآل، لكن هل يظن أن يتواطأ أهل العلم قاطبة على المدارة والمداهنة مع ارتفاع سببها؟ يعني إذا حصلت المدارة لبني أمية ودولتهم قد انتهت سنة مائة واثنين وثلاثين قبل تدوين أي كتاب من كتب السنة المعروفة، جاء بعدهم بنو العباس وهم من الآل كيف نقول: إن هذه مداهنة ومدارة للحكام؟ كيف نتهم الأئمة مالك والشافعي وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وأهل العلم قاطبة بمدارة الحكام؟ وأنهم حذفوا الصلاة على الآل خشية منهم؟ هم اقتصروا في الصلاة والسلام على النبي -عليه الصلاة والسلام- امتثالاً للآية، أما إذا جاءوا بالآل فليأتوا بالأصحاب أيضاً لئلا يشبهوا بعض الطوائف المبتدعة الذين يقتصرون على الآل، ولا يقتصرون على الصحب لئلا يشبهوا قوماً آخرين. "أما بعد" أما حرف شرط، وبعد قائم مقام الشرط مبني على الضم لقطعه عن الإضافة مع نية المضاف إليه؛ لأن هذه الظروف قبل وبعد والجهات الست إذا قطعت عن الإضافة مع نية المضاف إليه تبنى على الضم، {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [(4) سورة الروم]. أما بعد: لكن إن أضيفت أعربت، {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} [(137) سورة آل عمران]، وإن قطعت عن الإضافة مع عدم نية المضاف إليه أعربت مع التنوين. فساغ لي الشراب وكنت قبلاً ... أكاد أغص بالماء الفراتِ المقصود أن لها حالات ثلاث، والذي عندنا مبني على الضم للقطع عن الإضافة مع نية المضاف إليه، والإتيان بها سنة كما هو معروف حفلت بها النصوص، روي عن أكثر من ثلاثين صحابي عنه -عليه الصلاة والسلام- في أحاديث أنه قال: ((أما بعد)) في خطبه ورسائله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه قال: "وبعد"، كما جرى على ألسنة الناس اليوم، ولم يقل: "ثم أما بعد" كما يقوله كثير من الناس اليوم، بل السنة إنما تتأدى بهذا اللفظ: (أما بعد) فلا نحتاج إلى ثم، ولا نبدل أما بالواو. الخلاف في أول من قال: (أما بعد) موجود بين أهل العلم، ذكر فيه ثمانية أقوال، يجمعها قول الناظم:

جرى الخلف (أما بعد) من كان بادئاً ... بها عد أقوالاً وداود أقربُ ويعقوب أيوب الصبور وآدم ... وقس وسحبان وكعب ويعرب ثمانية، أقرب هذه الأقوال أنه داود -عليه السلام-، حتى قال بعض أهل العلم: إنها فصل الخطاب الذي أتيه. "فإن التصانيف" جواب الشرط، التصانيف: جمع تصنيف، وأصل التصنيف: تمييز بعض الأشياء عن بعض، ومنه أخذ تصنيف الكتب؛ لأن المؤلف يجمع بين الأنواع، أنواع الكلام ويجعلها صنفاً صنفاً. "في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت" من قبل علماء هذا الشأن قديماً وحديثاً، وذكرنا الخلاف في أول من صنف فيه فلا نحتاج إلى إعادته. "كثرت وبسطت" بسطت يعني وسع القول فيها ليتوفر علمها، "واختصرت" أديت بألفاظ وجيزة، ومعانٍ كثيرة ليتيسر حفظها. قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "فسألني بعض الإخوان أن ألخص لهم المهم من ذلك، فأجبته إلى سؤاله رجاء الاندراج في تلك المسالك"، تأليف هذا الكتاب المبارك النافع الماتع المختصر إجابة لسؤال من سأل الحافظ -رحمة الله عليه-، فلخص ما نثر في كتب علوم الحديث فأجابهم إلى سؤالهم، يقول: "رجاء الاندراج في تلك المسالك" مسالك المؤلفين الذين نفع الله بتصانيفهم، ولا شك أن التأليف والتعليم من العلم الذي ينتفع به، ويبقى أجره لصاحبه بعده، ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) فالعلم الذي ينتفع به لا شك أنه إما بتأليف أو بتناقل الطلاب عنه، والتأليف أثبت، فكل من استفاد من هذا الكتاب ثبت له أجره إلى يوم القيامة، "رجاء الاندراج في تلك المسالك". وهل ألفه الحافظ في حال السفر أو في حال الإقامة، الصنعاني ذكر في نظم النخبة قال: ألفها الحافظ في حال السفر ... وهو الشهاب بن علي بن حجر

تقسيم الأخبار:

وتبع في ذلك ابن الوزير اليماني الذي قرر أن الحافظ ألفها في سفره إلى مكة، وبعضهم ينتقد هذا الكلام، على كل حال سواءً ألفها في حال السفر أو في حال الإقامة المقصود أن الكتاب نافع، متن متين مختصر يتيسر حفظه لمبتدئي الطلبة، ويعتمدون عليه في أول الأمر، ثم بعد ذلكم يقرءون ما هو أوسع منه كاختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، وهو كتاب نافع يصلح للمتوسطين من طلاب العلم، ثم بعد ذلكم يختم بألفية العراقي مع شروحها، من حفظ الألفية بعد أن نظر في النخبة وفهمها وحفظها، ثم اختصار علوم الحديث وحفظ الألفية يكون أدرك في هذا الشأن، ولم يبقَ عليه إلا التطبيق. وقلنا في الدرس السابق: إنه بعد إتقان هذه القواعد النظرية عليه أن يبدأ بالعمل فيخرج الأحاديث، ويجمع الطرق والمتابعات الشواهد، ويدرس رجالها وأسانيدها ويتمرن عليها بالحكم على الأحاديث، وبهذه الطريقة يتأهل ليكون من أهل الحديث، والله المستعان، نعم. تقسيم الأخبار: "الخبر: إما أن يكون له طرق بلا عدد معين، أو مع حصر بما فوق الاثنين، أو بهما، أو بواحد. فالأول: المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه، والثاني: المشهور، وهو المستفيض على رأي، والثالث: العزيز، وليس شرطاً للصحيح خلافاً لمن زعمه، والرابع: الغريب، وكلها -سوى الأول- آحاد". نعم سلك الحافظ -رحمه الله تعالى- كما ذكرنا في ترتيب النخبة مسلك اللف والنشر المرتب، وعرفنا معنى اللف والنشر عرفه علماء البيان بأنه: عبارة عن ذكر شيئين على جهة الاجتماع ثم يوفى بما يليق بكل واحد منهما، يعني أولاً في الإجمال والثاني تفصيل، وهو في الحقيقة جمع ثم تفريق، واشتقاقهما من لف الثوب ونشره أي جمعه وفرقه، وعرفنا أنه ينقسم إلى مرتب ومشوش، وعرفنا أنه شبيه بما يسمى في علم الأصول بالسبر والتقسيم. تعريف الخبر:

الخبر في اللغة: ما ينقل ويتحدث به، عند علماء البلاغة: ما يحتمل الصدق والكذب لذاته، وعند علماء الحديث الخبر: مرادف للحديث، وقيل الحديث: ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخبر ما جاء عن غيره، ومن ثم قيل لمن يشتغل بالتواريخ وما شابهها وشاكلها من أخبار الناس: أخباري، ولمن يشتغل بالسنة النبوية: محدث. قال الحافظ: "قيل بينهما عموم وخصوص مطلق"، إذا قلنا بالقول الأول بينهما تباين، المحدث شيء والأخباري شيء آخر، وإذا قلنا: بينهما عموم وخصوص مطلق كل حديث خبر وليس كل خبر حديثاً، هذا إذا قلنا: بأنه بينهما عموم وخصوص مطلق، كل حديث خبر، فيكون الخاص هو الحديث والخبر هو العام، فالخبر يشمل الحديث وغيره، والحديث خاص بما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الحديث في أصله يعم كل ما يتحدث به، سواءً أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو إلى غيره. لكن في الحقيقة العرفية لهذه الكلمة خصت الحديث بما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. "إما أن يكون له طرق" الطرق: جمع طريق والمراد بالطريق الإسناد، والإسناد كما عرفه الحافظ: بأنه حكاية طريق المتن، والإسناد والسند قال المناوي: لا يشك أحد أنهما مترادفان، إسناد الحديث وسند الحديث واحد؛ لأنه يطلق الإسناد والمصدر على السند وهو الرجال الرواة، وإن كان الإسناد في الأصل المصدر الإسناد رفع الحديث إلى قائله. الحافظ عرف الإسناد بأنه: حكاية طريق المتن كما عرف السند بقوله: الطريق الموصلة إلى المتن، الطريق الموصل إلى المتن، ولو قال قائل: إن الإسناد والسند، سند الحديث وإسناده بمعنى واحد وهو عبارة عن الرجال الذين يذكرهم المحدث مبتدئاً بشيخه منتهياً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لكان أوضح ولا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-.

"بلا عدد معين" "على الصحيح، بل تكون العادة قد أحالت تواطئهم على الكذب، وكذا وقوعه منهم اتفاقاً من غير قصد"، هذا الخبر إذا نقله عدد –جمع- من غير حصر، عدد غير محصور، وهذا العدد تحيل العادة توطئهم على الكذب لئلا يتفقوا عليه؛ لأنه لا يمتنع أن يجتمع مائة فيتواطئون على نقل خبر ليس بصحيح، نعم، لا يمتنع أن يجتمع مائة شخص أو أكثر فينقلون خبر أصله مكذوب؛ لأنهم اجتمعوا في مكان واحد وبلغهم أو سمعوا هذا الخبر من معلم أو من خطيب أو ما أشبه ذلك، ثم هؤلاء لا يحصل بهم التواتر؛ لأنه يحتمل أنهم تواطئوا على نقل هذا الخبر المكذوب، أو يجتمع فئام من الناس، أهل بلد يكون في أنفسهم شيء على أميرهم أو على قاضيهم ثم يذهبون لرفع أمره إلى الإمام الأعظم، فلا يمتنع أن هؤلاء وإن كثر عددهم أن يختلقوا شيئاً وتهماً يتهمونه بها ليكون مبرراً لعزله، كما اجتمع بنو أسد على سعد بن أبي وقاص وقالوا لعمر: إنه لا يحسن أن يصلي، لا يمتنع أن يتواطئوا على مثل هذا الخبر تحقيقاً لما يريدون، لكن لو جاء شخص من المشرق وآخر من المغرب وثالث من الجنوب، ورابع من الشمال، وآخر من بلد كذا وكذا، جاء من عشرين بلد عشرين شخص أو ثلاثين شخص أو مائة شخص وأخبروا بأن هذا الخبر كذا نعم هؤلاء لا يمكن أن يتواطئوا على الكذب، ما اتفقوا ولا زوروا في أنفسهم كلاماً يتفقون عليه، مع أنه لا يمتنع أن يتلبس الشيطان لجمع وإن كانوا في بلدان متباينة، ويلبس عليهم ويلقي في روعهم كذلك، يأتي إليه في المنام ويقول: إن كذا كذا، ولذا لا بد أن يكون مستند الخبر إلى شيء محسوس على ما سيأتي شرحه. "بل تكون العادة قد أحالت تواطئهم على الكذب، وكذا وقوعه منهم اتفاقاً من غير قصد، ومنهم من عين العدد المطلوب للتواتر في الأربعة، وقيل: في الخمسة، وقيل: في السبعة، وقيل: في العشرة، وقيل: في الأربعين، وقيل: في السبعين، وقيل: غير ذلك، ولا دليل على واحد منها.

المتواتر:

تمسك كل قائل بدليل جاء فيه ذكر ذلك العدد فأفاد العلم وليس بلازم أن يطرد في غيره لاحتمال الاختصاص"، ثم يعود إلى الكلام عن الخبر المتوتر بعد أن يتمم اللف، فيقول: "أو مع حصر بما فوق الاثنين" وسيأتي الكلام على المراد به وهو المشهور، "أو بهما" وهو العزيز، وسيأتي الحديث عنه، "أو بواحد" وهو الغريب وسنتحدث عنه -إن شاء الله تعالى-. المتواتر: ثم أخذ ينشر ما لفه سابقاً: "فالأول: المتواتر" وتعريف المتواتر مشتق من التواتر وهو التتابع يقال: تواترت الإبل والقطا إذا جاءت في إثر بعض ولم تجئ دفعة واحد. اصطلاحاً: عرفه ابن الصلاح وتبعه النووي في التقريب: بأنه الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه، ضرورة عن مثلهم من أوله إلى آخره، وعرفه النووي في شرح مسلم بأنه ما نقله عدد لا يمكن مواطأتهم على الكذب عن مثلهم ويستوي طرفاه والوسط، ويخبرون عن حسي لا مظنون، نقله عدد لا يمكن مواطأتهم على الكذب عن مثلهم ويستوي طرفاه والوسط ويخبرون عن حسي لا مظنون، وقريب منه تعريف الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها، شروط المتواتر تؤخذ من العريف: وهو أن يخبر به عدد كثير يحصل العلم الضروري بصدق خبرهم من غير حصر على الصحيح، أن يخبروا عن علم لا عن ظن، يخبروا عن علم لا عن ظن، فلو أخبر أهل بلد عظيم عن طائر مر ببلدهم وقالوا: نظنه حمامة، أو عن شخص مر ببلادهم وهو في طريقه إلى بلد آخر وقالوا: نظن أن هذا زيد، هذا لا يحصل العلم بكلامهم، بل لا بد أن يخبروا عن علم متيقن لا عن ظن.

أقسام المتواتر:

أن يكون مستند الخبر الحس، فلو أخبروا عن شيء معقول فإنه لا يحصل العلم به، الفلاسفة عدد لا يمكن حصرهم، وتواطئوا على القول بقدم العالم لكن قولهم لا يحصل به التواتر لماذا؟ لأن مستند قولهم العقل، وليس مستنده الحس، الحس المقصود به: ما يدرك بالحواس، ما يدرك بالحواس، يعني لو اجتمع عدد كبير جاءك عشرين ثلاثين أربعين شخص وقالوا: إن ما في هذه البئر ماء مر ملح، أجاج، يحتاج أن تنزل وتشرب، هؤلاء عدد كبير تحيل العادة تواطئهم على الكذب، يعني ما جاءوك دفعة واحدة وأنت في مكان ثاني وأخبروك أن في الطريق ماء هذه صفتها، هؤلاء مستندهم الحس، ذاقوه، كذا لو سمعوا، كل واحد منهم سمع بأذنه أو رأى بعنيه. أن يكون خبرهم مستنداً إلى الحس إذ لو أخبروا عن معقول لم يحصل لنا العلم فلا بد أن يستند ناقلوه إلى الحواس كالسمع والبصر لا لمجرد إدراك العقل، أن توجد هذه الشروط في جميع طبقات السند؛ لأن كل عصر يستقل بنفسه، وعرفنا أنه لا مانع من تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد هذا في الدرس الماضي، وأنه لا محظور في ذلك، ولا نلتزم بلوازم المبتدعة الذين بنوا على هذا التقسيم أن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، والظن لا تثبت به العقائد، إذ تنفى جميع العقائد التي جاءت بأخبار الآحاد، نقول: لا، نقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، ومنها ما يفيد العلم ومنها ما يفيد الظن، وكلها موجبة للعمل إذا صحت أسانيدها، وإذا عملنا بحديث في الأحكام فلنعمل به في العقائد وفي الفضائل وفي غيره؛ لأن الكل شرع، والتفريق بين العقائد والأحكام كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية لا أصله له، على أن هذا التقسيم وهو تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد اعتمده شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وهو من أشد الناس على المبتدعة، وهذه مسألة عرضناها في الدرس السابق، والله المستعان. أقسام المتواتر:

المشهور والمعروف عند أهل العلم أن المتواتر ينقسم إلى قسمين: متواتر لفظي ومتواتر معنوي، أو تواتر لفظي وتواتر معنوي، ومثلوا للمتواتر اللفظي وما تواتر لفظه ومعناه بحديث: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) التواتر المعنوي ما تواتر معناه دون لفظه تأتي وقائع كثيرة تدل على شيء واحد لكنها بألفاظ وصيغ مختلفة. هذا هو التواتر المعنوي وإن اختلفت الألفاظ، ومثلوا لذلك بأحاديث رفع اليدين بالدعاء والحوض والرؤية وغيرها، ومثل له شيخ الإسلام -كما ذكرنا سابقاً- بأحاديث فضائل أبي بكر وعمر هي متواتر تواتراً معنوياً، هذا المعروف من التقسيم عند أهل العلم للمتواتر، محمد أنور الكشميري له كتاب شرح للبخاري اسمه: (فيض الباري) مطبوع في أربعة مجلدات وهو كتاب فيه فوائد، فيه فوائد ولطائف ونكات، (فيض الباري) محمد أنور الكشميري، وفي طبعته الأولى وزع كمية كبيرة جداً منه على نفقة الملك عبد العزيز، لكن هذا الكتاب فيه مسألة خفيت على من أشار على الملك بتوزيعه، وهي أنه رمى الشيخ محمد بن عبد الوهاب بشيء من الغفلة، وعلى كل حال الكتاب مفيد، على ما فيه لكنه مفيد، هذا الكتاب أو هذا المؤلف الذي صنف هذا الكتاب قسم المتواتر إلى أربعة أقسام: فذكر التواتر اللفظي وسماه: تواتر الإسناد، ذكر التواتر المعنوي وسماه: تواتر القدر المشترك، ذكر قسماً ثالثاً من أقسام المتواتر، وقال عنه: إنه تواتر الطبقة، تواتر الطبقة، وقال: كتواتر القرآن الكريم، فقد تواتر على البسيطة شرقاً وغرباً درساً وتلاوة وحفظاً، قراءة وتلقاه الكافة عن الكافة، طبقة عن طبقة إلى حضرت صاحب الرسالة، تواتر الطبقة، وهناك قسم رابع ذكره صاحب فيض الباري وأسماه: تواتر العمل والتوارث، تواتر العمل والتوارث، وهو أن يعمل به في كل قرن من عهد صاحب الشريعة إلى يومنا هذا جم غفير من العاملين، بحيث تحيل العادة تواطئهم على الكذب كأعداد الصلوات الخمس.

وجود المتواتر:

يعني لو بحثت في كتب السنة من النصوص التي تدل على أن صلاة الظهر أربع، هل يمكن أن تروي مثل هذا عن جمع غفير؟ ألفاظ الأذان مثلاً، جمل الأذان، لكن العمل والتوارث على هذا من عصر صاحب الرسالة إلى يومنا هذا يعمل به الجمع الغفير، ولذا لو قال شخص: صلاة المغرب أربع أو صلاة العشاء خمس نعم، ويمكن أن يقول: إن الحديث صحيح بأعداد الصلوات، لكن هل هو قطعي؟ هل هو متواتر ينطبق عليه تعريف المتواتر من حيث الإسناد؟ نقول: هو متواتر من حيث العمل والتوارث، العمل والتوارث، الأمة تعمل بهذا من عصر صاحب الشريعة على يومنا هذا، ولا بد لهذا التواتر أن يكون له أصل، وأن يعمل به جمع من الطبقة الأولى من الصحابة فمن بعدهم، ولا يعني هذا أنه يأتينا عمل منقطع ما عمل به القرون المفضلة ثم يأتي في القرن الرابع وما بعده من يعمل به من ألوف المسلمين، يقول: هذا تواتر العمل والتوارث؟ نقول: لا، نقول: هذا مبتدع لو كان خيراً لسبقونا إليه، لعمل به الصحابة والتابعون في القرون المفضلة، وليس في مثل هذا الكلام حجة لمن يثبت تواتر عمل المولد أو ما أشبهه لا، أو غيره من البدع. وجود المتواتر: هل المتواتر بالفعل موجود أو غير موجود؟ زعم ابن حبان والحازمي أن الحديث المتواتر غير موجود أصلاً، غير موجود أصلاً، أولاً: المتواتر لا يبحثه أهل علوم الحديث لماذا؟ لأنه ليس من صناعتهم، صناعتهم الإثبات والنفي، القبول والرد البحث في الأسانيد والمتون، الخبر المتواتر لا يحتاج إلى بحث، هو ملزم من غير أن تبحث فيه، يعني لو جاءك شخص وقال: هناك بلد اسمها: بغداد، تقول: عن من؟ من الذي أخبرك بهذا؟ هل هو ثقة أو ليس بثقة؟ تحتاج أن تقول هذا؟ ما تحتاج، ما تحتاج، هل تحتاج إلى أن تبحث في معجم البلدان لتنظر هل كلامه صحيح أو ليس بصحيح؟ الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري على ما سيأتي ويلزم صاحبه بقبوله، ما يحتاج إلى نظر ولا استدلال.

حكم الخبر المتواتر وماذا يفيد؟:

كون ابن حبان والحازمي زعما أن الحديث المتواتر غير موجود مع أن أهل العلم يمثلون له بحديث: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) هو موجود، زعم ابن الصلاح والنووي أنه قليل نادر، قليل نادر، لكن ابن حجر -رحمه الله تعالى- في شرح النخبة رد هذين القولين، وقال: "ما ادعاه -يعني ابن الصلاح- من العزة -يعني من القلة والندرة- ممنوع، وكذا ما ادعاه غيره من العدم؛ لأن ذلك نشأ عن قلة اطلاع على الطرق الكثيرة للأحاديث وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطئوا على كذب أو يحصل منهم اتفاقاً". قال: "ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجوداً -وجود كثرة- في الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة في أيدي أهل العلم شرقاً وغرباً المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج الحديث، وتعددت طرقه تعدداً تحيل العادة تواطئهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقيني إلى قائله، ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير". يقول: كون البخاري يخرج حديث من طرق، ومسلم يخرجه من طرق أخرى، وأبو داود يخرجه من طرق غير هذه الطرق، والترمذي كذلك، وأحمد والطيالسي والطبراني، وأبو يعلى وغيرهم من أهل العلم يخرجون هذا الحديث بطرق متباينة، يقول: يدل على أن هذا الخبر متواتر. على كل حال الخبر المتواتر موجود وإن زعم ابن حبان والحازمي أنه غير موجود أصلاً، اللهم إلا إن كانوا يريدون أنه لا يدخل في علوم الحديث؛ لأنه ليس من صناعة المحدثين، ليس من صناعة المحدثين لا يعتنون بمثله؛ لأنهم إنما يبحثون في الأخبار من أجل إثباتها أو نفيها، والمتواتر لا يحتاج إلى بحث هو فارض نفسه كما يقولون، ما يحتاج، هناك من الأخبار ما يلزمك بتصديقه على ما سيأتي فيما يفيده خبر المتواتر وخبر الواحد إذا احتفت به قرينة. حكم الخبر المتواتر وماذا يفيد؟:

الخبر المتواتر يجب تصديقه ضرورة، لماذا؟ لأنه مفيد للعلم القطعي الضروري، فلا حاجة إلى البحث عن أحوال رواته، يقول الحافظ ابن حجر: "المعتمد أن الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري وهو الذي يضطر إليه الإنسان بحيث لا يمكن دفعه، وقيل: لا يفيد العلم إلا نظرياً وليس بشيء؛ لأن العلم حاصل به لمن ليس لديه أهلية النظر كالعامي، والنظري يفيد العلم لكن بعد النظر والاستدلال". في إفادة المتواتر العلم هذا أمر لا إشكال فيه، الخبر المتواتر يفيد العلم بمعنى أنه يكون مقطوعاً به، ويحلف عليه، يحلف عليه، وأنه لا يحتمل النقيض، بمعنى أنه صحيح مائة بالمائة، لكن هل يفيد العلم الضروري أو يفيد العلم النظري؟ العلم سواءً كان ضرورياً أو نظرياً لا يحتمل النقيض وهو مائة بالمائة، لكن العلم الضروري لا يحتاج إلى نظر واستدلال، إذا قيل لك: مكة، خلاص ما يحتاج أن تبحث من أخبرك عن وجود هذا البلد، ولا تبحث في معجم البلدان هل هناك بلد اسمه مكة أو لا؟ مثله البلدان الكبرى مثل: بغداد ودمشق وغيرهما، هذا لا يحتاج إلى نظر واستدلال، إذا قيل لك: كم نصف الاثنين؟ تقول: واحد، النتيجة صحيحة مائة بالمائة، لا تحتاج إلى نظر واستدلال. علم ضروري، وهناك علم نظري نتيجة مائة بالمائة كالضروري، لكنه يحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال، إذا قيل لك: مررنا ببلد اسمها: قهب الطير، تصدق وإلا ما تصدق؟ نعم، الشخص الذي مر بهذه المدينة علمه مائة بالمائة نعم أنت تحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال حتى تثبت عندك هذه البلدة، فإذا ثبتت عندك صار علماً يفيد مائة بالمائة، تحتاج إلى أن تنظر في معجم البلدان أو تسأل أكثر من واحد أو تذهب بنفسك لكي ترى هذه البلدة، فإذا رأيتها وانتهيت إلى المحسوس، انتهيت إلى الحس يعني شاهدتها بنفسك خلاص، صار العلم ضروري بالنسبة لك، نظري بالنسبة لمن تخبره، هي موجودة خبرك صحيح مائة بالمائة، وهو علم لكنه يحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال.

إذا قيل لك: كم زكاة ثلاثة عشر ألف وسبعمائة وواحد وستين، إذا قيل لك: كم زكاة الأربعين؟ قلت: ريال، يحتاج إلى نظر واستدلال؟ ما يحتاج، ربع العشر، ما يحتاج نعم، زكاة الأربعين ريال واحد، ليس نصاب للزكاة لكن أربعين دينار زكاتها دينار، تحتاج إلى نظر واستدلال؟ الزكاة ربع العشر، لكن إذا قيل: كم زكاة اثني عشر أو سبعة عشر -خليها صعب شوية- سبعة عشر ألف وستمائة وواحد وسبعين، تحتاج إلى نظر واستدلال وآلة وقسمة، ثم بعد ذلك النتيجة واحدة هنا وهناك، مائة بالمائة تطلع صحيحة، لكن فرق بين علم وعلم، علم يضطرك بمجرد سماعه تصدقه، لا يحتاج إلى نظر واستدلال، هذا علم ضروري، علم يحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال هذا علم لكنه نظري، والنتيجة واحدة كلها مائة بالمائة، مائة بالمائة ولذا يقال: علم، إيش معنى علم؟ علم يعني لا يحتمل النقيض، إن قصر هذا العلم، ونزلت النسبة ولو واحد بالمائة حيث صار تسعة وتسعين صار إيش؟ إيش يصير؟ ظن، النظري علم مائة بالمائة، لكنه يحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال، إن نزلت النسبة ولو واحد تسعة وتسعين بالمائة ثمانية وتسعين تسعين بالمائة هذا ظن؛ لأنه الاحتمال الراجح يحتمل النقيض، جاءك شخص من أوثق الناس عندك وقال: جاء زيد ألا يحتمل أن يخطئ هذا الرجل وإن كان أوثق الناس؟ هذا الاحتمال وإن كان ضعيفاً ينزل النسبة، يعني مالك نجم السنن إذا روى حديث هل نجزم أن مالكاً معصوم من أن يخطئ؟ لكن نسبة الخطأ ضعيفة، هذا هو السبب الذي أنزل خبر مالك من كونه علم إلى كونه ظن، افترض أن نسبة ضبط مالك تسعة وتسعين بالمائة فليس بمعصوم لنقول: مائة بالمائة ما يخطئ أبداً، لا، إذا احتفت قرينة بخبر مالك قابلت نسبة احتمال الخطأ فصار أفاد العلم على ما سيأتي تقريره فيما يفيده خبر الواحد.

خالف في إفادة المتواتر العلم فرقة لا عبرة بها ولا يعتد بقولها من عبدة الأصنام يقال لهم: السمنية، السمنية طائفة في الهند، حصروا العلم في الحواس، لو يجي أهل الهند كلهم يحملون خبراً واحداً ما يصدقون حتى يشوفون، يقولون: لا بد نراه أو ندركه بأحد الحواس، لا يعتمدون على الأخبار البتة، لكن هؤلاء إنما يذكر قولهم للعلم به، وإذا ذكر الشيء للعلم به أو لرده لا يعني أن من كتب في علوم الحديث يعتمدون على أقوال الكفار، كما قيل: أنهم يعتمدون على أقوال المتكلمين، يعني هل يضيرنا أن نذكر مثل هذا الكلام؟ للعلم به وللرد عليه وتفنيده، والله المستعان، هذا مذهب باطل كما عرفنا. وقد نبه الله -سبحانه وتعالى- في مواضع من كتابه على إفادة التواتر العلم اليقيني، القرآن فيه مواضع كثيرة تدل على أن المتواتر يفيد العلم اليقيني بمنزلة المشاهد بالعين، النبي -عليه الصلاة والسلام- أدرك قصة أصحاب الفيل؟ نعم، أدرك قصة عاد؟ لا، جاء قوله تعالى مما يجعل الخبر المتواتر يفيد العلم اليقيني بمنزلة الرؤية البصرية خاطب النبي .. ، خاطب الله -سبحانه وتعالى- رسوله -عليه الصلاة والسلام- والمؤمنين بأمثال قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل]، مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر]، {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ} [(6) سورة الأنعام]، هذه الأخبار بلغت النبي -عليه الصلاة والسلام- بطريق قطعي، فصار كأنه مشاهد بالرؤية البصرية، ولذا جاء التعبير بمثل قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل]، {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ} [(6) سورة الأنعام]، هذه الوقائع كانت معلومة عندهم بالتواتر، فعبر عن علمها برؤيتها، وفيه إشارة إلى أنه جعل العلم الحاصل من المتواتر بمنزلة المشاهد في القطعيات.

الكتب المؤلفة في الحديث المتواتر:

الكتب المؤلفة في الحديث المتواتر: المتواتر ألفت فيه الكتب كـ (الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) للسيوطي، و (قطف الأزهار) له، وهو مختصر من الذي قبله، و (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) للكتاني، بقي عندنا إشكال وهو إشكال إشكال يحتاج إلى انتباه شديد، يحتاج إلى انتباه شديد. عرفنا أن خبر المتواتر لا بد أن يروى من طرق، أن يرويه عدد يحصل العلم بخبرهم من غير حصر، متى نعرف أن العدد اكتمل؟ عدد التواتر اكتمل؟ متى نعرف؟ إذا حصل لنا العلم إذا اقتنعنا واطمأننا إلى صحة هذا الخبر عرفنا أن العدد اكتمل، ومتى يحصل لنا العلم؟ متى؟ إذا اكتمل العدد، ما عرفنا أن المتواتر ما ينقله جمع من غير حصر تحيل العادة تواطئهم على الكذب إلى آخر الشروط، إذا قلنا: من غير حصر فمتى ينتهي العدد؟ إذا حصل لنا العلم، صح وإلا لا؟ إذا حصل لنا علم عرفنا أن العدد المطلوب للتواتر كمل، لكن متى يحصل لنا العلم؟ العلم لا يحصل لنا إلا باكتمال العدد، فهذا يلزم عليه -كما يقول أهل العلم- الدور، يلزم عليه الدور، يلزم عليه الدور، الدور ترتيب شيء على شيء مرتب عليه، الدور ترتيب شيء على شيء مرتب عليه، لو سمعنا قول الشاعر: لولا مشيبي ما جفا ... لولا جفاه لم أشب هذا دور، أيهما السبب؟ سبب المشيب الجفا أو سبب الجفا الشيب؟ هذا دور، كل واحد مرتب على الثاني وهو مرتب عليه، وهذا خلاف التسلسل، التسلسل مرتب على شيء والشيء مرتب على ثاني، والثاني مرتب على ثالث إلى ما لا نهاية هذا تسلسل وهو غير الدور، الدور ترتيب شيء مرتب عليه.

أقول: عرفنا في شروط المتواتر أنه لا بد أن يخبر به عدد يحصل به العلم من غير حصر، فهل معنى هذا أننا لا نعرف اكتمال العدد حتى يحصل العلم؟ ولا يحصل العلم إلا إذا اكتمل العدد فيلزم عليه الدور؟ يقول ابن الأثير في جامع الأصول والغزالي في المستصفى: عدد المخبرين ينقسم إلى ناقص فلا يفيد العلم، وإلى كامل فيفيد العلم، وإلى زائد يحصل العلم ببعضه، والكامل وهو أقل عدد يورث العلم ليس معلوماً لنا، لكننا بحصول العلم الضروري نتبين كمال العدد لا أننا بكمال العدد نستدل على حصول العلم، بحصول العلم الضروري نتبين كمال العدد لا أننا بكمال العدد نستدل على حصول العلم. فجعل حصول العلم يكمل به العدد، يعني لو قلت: أنا عطشان، أعطاك واحد مثل هذه، نعم، ثم زادك ثانية، أنت بتشرب وتمشي ما أنت بجالس، نعم، أو جاء لك بإناء كبير قال: إلا تشرب هذا الإناء، تقول: لا يا أخي هات لي إناء صغير مثل هذا يكفي، يقول: أنت ويش يدريك أنه يكفيك، أنت ما بعد شربت على شان تدري أنه يكفيك وإلا لا؟ تنظير واضح وإلا ما هو بواضح؟ يعني أنت متى تعرف المقدار الذي يكفيك؟ إذا شربت، نعم، إذا شربت عرفت أن المقدار يكفيك، ومتى تعرف أن هذا الإناء يرويك؟ بالقاعدة المطردة يعني جرت عادتك أنك تشرب نصف لتر، هل نقول: إنه ويش يدريك أنه يرويك نصف اللتر؟ نعم، العادة، العادة مطردة،

هنا في (لوامع الأنوار البهية) للسفاريني يقول: "اعلم أن خبر التواتر لا يولد العلم"، اعلم أن خبر التواتر .. ، وهذا ينبغي الاهتمام له والعناية به، يقول: "اعلم أن خبر التواتر لا يولد العلم، بل يقع العلم عنده بفعل الله تعالى عند الفقهاء وغيرهم من أهل الحق"، هذا الكلام سليم وإلا لا؟ ها؟ خبر التواتر لا يولد العلم، بل يقع العلم عنده بفعل الله تعالى عند الفقهاء وغيرهم من أهل الحق، هذا كلام الأشاعرة، هذا كلام الأشاعرة، المبني على إلغاء الأسباب وعدم الالتفات إليها، هم يقولون: الري يحصل عند الشرب لا به، والشبع يحصل عند الأكل لا به، عنده لا به، الإبصار يحصل عند البصر لا به، ولذا يجوزون بل يصرحون بالحرف يقولون: إنه يجوز أن يرى أعمى الصين البقة في الأندلس، الأعمى وهو في الصين في أقصى المشرق يجوز أن يرى البقة -صغار البعوضة- وهي في الأندلس، أي عقل يقول مثل هذا الكلام؟ لكنهم أصحاب عقول، هذا طرد لمذهبهم أن الأسباب لا قيمة لها، الأسباب لا قيمة لها، الله -سبحانه وتعالى- يوجد الإبصار عند وجود البصر، وليس البصر سبباً للرؤية، الله -سبحانه وتعالى- يوجد الري عند الشرب لا به، هذا مذهب الأشاعرة، فهم يلغون الأسباب تماماً وجودها مثل عدمها عندهم. وهذا يقابله رأي المعتزلة الذين يعتمدون على الأسباب، وأنها تستقل بالتأثير، ومذهب أهل السنة وسط، يقولون: إن الأسباب تنفع، لكنها لا بذاتها وإنما الذي ينفع هو المسبب وهو الله -سبحانه وتعالى- الذي جعل هذه الأسباب تنفع، على كل حال هذا الكلام جارٍ على قاعدة الأشاعرة في نفي تأثير الأسباب، "فعندهم أن الشبع يحصل عند الأكل لا به، والري يحصل عند الشرب لا به، ولذا يجوز عندهم أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس"، فكلام السفاريني منتقد، ومعروف أنه محسوب على أهل السنة, وعقيدته تدرس عند أهل السنة، لكنه لم يتخلص من لوثة الأشعرية، ولذا يقرر في الشرح أن أهل السنة ثلاث طوائف: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم: أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم: أبو منصور، هذا القول مردود.

في مختصر التحرير وشرحه وهذا في أصول الفقه عند الحنابلة كتاب متن متين، ينبغي العناية به لطالب العلم مع شرحه، يقول: "ولا ينحصر التواتر في عدد عند أصحابنا والمحققين، ويعلم حصول العدد إذا حصل العلم ولا دور -ولا دور- إذ حصول العلم معلول الإخبار، ودليله كالشبع والري المشبع والمروي ودليلهما وإن لم يعلم ابتداء القدر الكافي منهما" وإن لم يعلم ابتداء القدر الكافي منهما. يقول: نعم لو أمكن الوقوف على حقيقة اللحظة التي يحصل لنا العلم بالمخبر عنه فيها أمكن معرفة أقل عدد يحصل العلم بخبره، يعني جاء واحد وثاني وثالث وعاشر، نعم ثم جاء الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر إلى العشرين، قال: خلاص لا يجي أحد حصل لنا العلم، وعرفنا أن العلم حصل بعشرين، أنت ما تدري يمكن في خبر يحصل لك العلم بعشرة، وخبر لا يحصل لك العلم إلا بثلاثين، تبعاً لما يحتف به. يقول: "نعم لو أمكن الوقوف على حقيقة اللحظة التي يحصل لنا العلم بالمخبر عنه لأمكن معرفة أقل عدد يحصل العلم بخبره، لكن ذلك متعثر إذ الظن يتزايد بتزايد المخبرين تزايداً خفياً تدريجياً كتزايد النبات"، كتزايد النبات، النخلة تزيد نعم، ما هي بتزيد تنمو وتكبر؟ تكبر، لكن من منا يبي يجلس يشوف نمو هذه النخلة ليراه بأم عينه وهي تنمو، هل أحد يصنع ذلك؟ تنمو شيئاً فشيئاً ببطء ثم بعد ذلك تتم. يقول: "كتزايد النبات وعقل الصبي ونمو بدنه"، هل الإنسان يجلس ينتظر ولده يقول: لا با أجلس إلين يكبر أبا أشوفه ما شاء الله وهو .. ، ما هو بالونة أو نفاخ تبي تنفخه بيكبر، نعم يحصل شيئاً فشيئاً حتى يتم ويدرك، وحينئذ نقول: خلاص بلغ، هنا ميز وهنا كلف، وهنا .. ، من غير أن نتابعه.

"وعقل الصبي ونمو بدنه، ونور الصبح وحركة الفي كل هذا لا يدرك إنما هو بالتدريج" يعني لو تصور أن الساعة اثنا عشر من الليل طلعت الشمس في كبد السماء ما بالتدريج، إيش يصير وضع الناس؟ نعم، أو فجأة مع أذان الظهر صارت ظلام دامس، لكن الله -سبحانه وتعالى- لطيف بعباده، يأتي النور بالتدريج، وينتهي بالتدريج، ولا هي مثل اللمبة ظلام ثم اضغط تشتعل، لا، لكن كيف تتصورون فزع الناس لو كانت بهذه الطريقة اثنا عشر من الليل تطلع الشمس في كبد السماء، ما هو مثل طلوعها بعد الصبح، لا، يحصل الإسفار قبل طلوعها ثم تطلع ضعيفة وينتشر ضوؤها شيئاً فشيئاً إلى أن تكتمل، ومثله الظلام يأتي شيئاً فشيئاً كنمو الإنسان ونمو عقله وبدنه وبهذا تحصل هذه الأمور وتكمل من غير أن يشعر بها الإنسان، والله المستعان. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول: ما المقصود بأهل الحديث؟ المقصود بأهل الحديث هم الذين يعنون به رواية ودراية. ما رأيك بمن تسمى بهذه الأسماء: الأثري؟ المحدث إذا عرف وعرف الشخص بأنه من أهل الحديث وسماه الناس بالأثري وتتابعوا على هذا الاسم، أما أن يسمي نفسه وهو لم يعرف به بعد، وليست لديه العناية الكافية لا شك أن فيه شيء من تزكية النفس. يقول: إذا كان حديثاً من الأحاديث يضعفه المتقدمون من الحفاظ أو بعضهم، فهل يحتمل التصحيح من المتأخرين؟ أقول: إذا اتفق المتقدمون على تصحيح حديث أو تضعيفه فليس لأحد مخالفة قولهم كائن من كان، هذا إذا اتفقوا على التصحيح فليس لأحد أن يضعف، ويزعم أنه اطلع على علة لم يطلع عليها المتقدمون، وكذلكم إذا اتفقوا على تضعيف حديث ليس له أن يصحح بناءً على أنه وقف على طرق وشواهد للحديث يترقى بها؛ لأن المتأخرين عالة على المتقدمين، أما إذا اختلفوا فللنظر مجال، للمتأخر أن ينظر في أقوالهم ويرجح بينها. يقول: ما رأيك بمن يصلي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقول: اللهم صلِ على سيدنا محمد؟

أقول: في المواطن التي نص عليها .. ، في مواطن العبادات مثل التشهد ونحوه مثل هذا لا تجوز الزيادة عليه، فلا يجوز في الصلاة أن يقول: اللهم صلِ على سيدنا محمد؛ لأن هذا لفظ متعبد به، أما خارج الصلاة في الأوقات المطلقة لا مانع أن يقول: سيدنا محمد؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه قال: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) وأثبت السيادة لبعض البشر: ((قوموا إلى سيدكم)) فهو سيد، سيد الخلق كلهم، ولا مانع حينئذ من أن تقال، على أنه لما قيل له -عليه الصلاة والسلام- أنت سيدنا قال: ((السيد الله)) وهذا إذا خشي من الغلو والإطراء فإنه تمنع مثل هذه الألفاظ، لا مانع أن تمنع مثل هذه الألفاظ التي فيها شيء من الغلو لا سيما إذا كانت على سيبل المفاضلة التي تتنقص تتضمن تنقص لبعض الناس، ولذا لما فضل -عليه الصلاة والسلام- على موسى ذكر ما يمتاز به موسى -عليه السلام-، وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تفضلوا بين الأنبياء)) وجاء في الحديث الصحيح: ((لا تفضلوني على يونس بن متى)) كل هذا إذا فهم من المتحدث أنه يتنقص الطرف الآخر، وإلا فالتفضيل جاء به القرآن، {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(253) سورة البقرة]. الحضرة إيش معنى المقصود بها؟ إذا كان المقصود بها مثلما يقال: حضرة فلان يعني مقام فلان، نعم إلى حضرة فلان يعني إلى مقامه الرفيع لا بأس، فهو ذو مقام رفيع، لكن إذا كان المقصود به حضرة النبي كما يقول بعض المبتدعة في الموالد ويقصدون بذلك حضوره، حضور النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا المكان، فلا. يقول: ذكرتم في الدرس عدم تبيين الأخطاء التي تقع أو يقع بها بعض العلماء، وأن هذا من الخطأ، ولكن ألا ينبغي التنبيه على بعض هذه الأخطاء التي يقع فيها بعض المؤلفين لكي تتدارك ولا يقع فيها من هم بعدهم بقرون زمنية، وأن هذا من باب التناصح؟

بيان الخطأ لا بد منه، لا بد من بيان الخطأ لكن لا يعني هذا أن هذه الأخطاء تبرز بحيث يزهد الناس في هذا الكتاب الذي عم نفعه أو لا ينتفع الناس بعلم هذا الشخص الذي نفع الله به، لا مانع أن يطبع الكتاب ويعلق على أخطائه وتبين، لكن يقال: أخطاء فلان وتبرز بحيث يزهد في كتابه طالب العلم، لا مانع أن يقال ويحذر من بعض الجوانب التي في بعض الكتب، وأن يقال مثلاً: فتح الباري كتاب عظيم وجليل لكن على طالب العلم أن يكون حذراً في مسائل الاعتقاد، يعني على سبيل الإجمال، شرح النووي كتاب مبارك على مسلم وفيه علم وخير وفضل، لكن في مسائل الاعتقاد ينبغي أن يكون الطالب على حذر، لا يمنع مثل هذا، أما أن تذكر هذه الملاحظات بالتفصيل وتبرز على أنها مساوئ ومؤاخذات على الكتاب بعض الناس ما يستوعب، ما يستوعب يقول: كتاب فيه كل هذه الأخطاء لسنا بحاجة إليه، مثل من أبرز الأحاديث الضعيفة في كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، لا أحد يمنع من أن تخرج أحاديث الكتاب كاملة وتلحق بالكتاب ويبين ما فيها من كلام لأهل العلم، أما أن يقال: ضعيف كتاب التوحيد، ويحكم على جملة كبيرة من الكتاب بالضعف، وتبرز ويقال: الشيخ محمد بن عبد الوهاب بنى كتابه على الأحاديث الضعيفة هذا الكلام ليس بصحيح، الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يخلو باب عنده من آية أو حديث صحيح، ثم بعد ذلك يردفه بما فيه كلام خفيف لأهل العلم ولا يمنع ذلك، هذه طريقة مسلوكة، أما أن نبرز في كتاب مستقل ضعيف كتاب التوحيد نقول: هذا مستند قوي للمناوئين لدعوة الشيخ، وهذا الكتاب نفع الله به نفع لا يتصور، لا نظير له في بابه. يقول: ما رأيك بمن قال: إن لفظة (يحتمل تواطئهم على الكذب) لفظة مستبشعة لوجود طبقة الصحابة؟ الكلام على الغالب، والصحابة كلهم ثقات عدول بإجماع أهل السنة، كلهم ثقات عدول فلا يدخلون في مثل هذا الكلام ...

شرح نخبة الفكر (3)

شرح نخبة الفكر (3) الكلام على: (المشهور، العزيز، المقبول والمردود، والغريب، وخبر الآحاد ... ) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير والصحابة كلهم ثقات عدول بإجماع أهل السنة، كلهم ثقات عدول فلا يدخلون في مثل هذا الكلام. هل يلحق بإفراد الملاحظات على العلماء تقسيم كتب الحديث إلى صحيح وضعيف؟ التصرف في كتب أهل العلم طريقة سلكها بعض الناس وهي مفضولة، لا أقول: خاطئة، تقسيم الكتب إلى قسمين منها الصحيح ومنها الضعيف، الكتاب يجب أن يكون وأن يبقى على ما ألفه عليه مؤلفه، المؤلف له مقصد من إدخال هذه الأحاديث، ولا يخفى عليه أن فيه ضعيف، بل قد ينبه على الضعف، إنما ترجم بترجمة هي حكم شرعي، ويريد أن يستدل لهذا الحكم الشرعي بأقوى ما يجد في الباب، فالواجب أن يبقى الكتاب كما هو، ولا مانع من أن يعلق، تدرس الأحاديث، ويحكم على كل حديث منها مما يليق به، هذا حديث صحيح هذا ضعيف هذا حسن إلى آخره، تبقى كما هي بأسانيدها، نعم هناك من نسب إلى نفسه كتاباً هذب فيه كتاباً لغيره واختصره واقتصر على الصحيح منه نعم ما أحد يمنع، طريقة الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- في المسند حينما حذف أول الإسناد، حذف الراوي عن الإمام، حذف عبد الله، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي حذف هذا كله، واقتصر على شيخ الإمام أحمد. أقول: الشيخ عمله في الكتاب ليس بسديد، بل عليه أن يبقي الكتاب كما هو، ويبقى للمتقدمين طريقتهم في التصنيف، أما أن يأتي من لا يعجبه مثل هذا التصرف ويحذف نعم، هو أشار إلى الزوائد بالحرف (زاي) ولا يمكن أن يعرف الحديث الزائد في المسند إلا إذا ذكر الراوي عن الإمام، إذا ذكر الراوي عن الإمام عرف الزائد، وعرفنا أن هذه من زيادات عبدالله بن أحمد وهذه من زيادات القطيعي وهكذا، أما تصرف الشيخ ليس بجيد، بل كان الأولى أن يبقي الكتاب كما هو، ولو أن الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- أبقى السنن كما ألفها أصحابها وحكم على أحاديثها، هذا هو العمل الأصل، إيش اللي يمنع؟ لكن الشيخ حذف الأسانيد وميز الصحيح من الضعيف، لا شك أنه مجتهد وهذه وجهة نظره، لكن لو ترك الكتاب؛ لأن هذه الأسانيد طلاب العلم بحاجة إليها.

عمله هذا -رحمة الله عليه- وإن كان عمل يشكر عليه، لكنه يجعل طالب العلم لا يستغني عن الكتاب الأصلي، لكن لو كانت أحكام الشيخ مذيلة على الأحاديث بالكتب الأصلية استفاد الناس الكتاب الأصلي لأنه تكرر عندهم وأحكام الشيخ. يقول: ألا يكتفى بتحقيق أحد العلماء وبناء المسائل عليه؟ إيش معنى بتحقيق أحد العلماء على كل حال العلماء كلهم -إن شاء الله- جلهم يظن فيه الخير والتجويد والضبط والإتقان، لكن يبقى أنه ليس هناك أحد معصوم، إذا كان المقصود تحقيق الكتب وإخراجها على الوجه الصحيح فلا شك أنهم متفاوتون في هذا، وقد يجيد الأقل في بعض المواضع ويتقن ما لا يتقنه الأجود والأعلم، أما كوننا نكتفي بتحقيق أحد العلماء ونترك من عداه، يعني لو قلنا مثلاً: سنن أبي داود طبع طبعات كثيرة، وكل طبعة بتحقيق شخص، نكتفي بواحد منها؟ نقول: لا، نفاضل بينها ونأخذ الأصوب والأصح، ولا يمنع أن يأتي بعد ذلك ما هو أجود منها وهكذا، إن كان المقصود تحقيق أحد العلماء يعني تصحيح أو تضعيف لحديث نقلده في هذا التصحيح وذلك التضعيف فإن كان من أهل العلم المعروفين من المتقدمين الأئمة ولم يخالفه أحد نكتفي به، ما المانع؟ وإذا خولف نظرنا في طرق الحديث، شواهده ومتابعاته، ونظرنا في رجاله وفي متنه من حيث المخالفة وعدمها، ثم حكمنا عليه. يقول: هل هناك فرق بين المحدث وأهل الحديث؟ المحدث واحد من أهل الحديث، هو الواحد من أهل الحديث. يقول: ما الرأي المختار عندكم في قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية؟

قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها في جميع الركعات، حديث عبادة: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) بأم القرآن، والمصلون منهم الإمام والمأموم والمنفرد والمسبوق، فأوجبها على هؤلاء كلهم الإمام والمنفرد والمأموم والمسبوق أوجبها جمع من أهل العلم منهم أبو هريرة -رضي الله عنه- والشوكاني من المتأخرين لعموم حديث: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) جمهور أهل العلم يخرجون المسبوق، وأنه لا تلزمه قراءة الفاتحة إذا جاء والإمام راكع يركع، لحديث أبي بكرة، وهذا مخصص لعموم حديث: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) ثم بعد ذلكم رأي الشافعية وأنها تجب على كل مصلٍ عدا المسبوق من إمام ومأموم ومنفرد، وهذا هو الذي يؤيده الحديث عموم الحديث، هناك من يقول: تجب على الإمام والمنفرد دون المأموم لحديث: ((قراءة الإمام قراءة لمن خلفه)) والحديث فيه كلام، ولحديث: ((إذا قرأ فأنصتوا)) {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ} [(204) سورة الأعراف] المقصود أن هناك أدلة لكن المتجه في هذه المسألة قول الشافعية وأنها تجب على كل مصلٍ عدا المسبوق، سواءً كانت الصلاة جهريةً أو سرية، شيخ الإسلام -رحمه الله- يفرق بين الجهرية والسرية كما هو معروف. يقول: إذا أردت بحث مسألة هل أبحثها في كتب الفقه كالمغني وغيره في كتب شروح الحديث كفتح الباري؟ وهل هناك فرق بين هذه الكتب؟

المسائل على اختلاف أنواعها يرجع فيها إلى أربابها وأصحابها، فمسائل الاعتقاد يرجع فيها إلى كتب العقيدة، مسائل الفقه يرجع فيها إلى كتب الفقه، المسائل الحديثية قواعد الحديث يرجع فيها إلى كتب أهل الفن، وكل فن .. ، المسائل الأصولية كذلك، المسائل النحوية يرجع فيها إلى كتب النحو، المفردات الغريبة، الكلمات اللغوية يرجع فيها إلى كتب اللغة وهكذا، هذا الأصل، فإذا أردت أن تبحث مسألة -حكم شرعي- ترجع إلى كتب الفقه، فإن أردت مذهب الحنابلة ترجع إلى كتب الحنابلة، ولا تكتفي بنقل غيرهم عنهم؛ لأن الشخص الذي ليس من أهل المذهب لا يدرك التفاضل بين الروايات داخل المذهب، كل مذهب فيه روايات، رواية من هذه الروايات معتمدة عند أهل هذا المذهب، يأتيك صاحب المذهب الثاني فيأخذ أي رواية في المذهب كما هو الشأن فيما ينسب مثلاً إلى الإمام أحمد في فتح الباري أو عمدة القاري أو غيرهما، لكن إذا كان الشارح -شارح الحديث- أو المفسر من أهل ذلك المذهب وله معرفة بفقه هذا المذهب فمثلاً فتح الباري شافعي، ووجدته نسب إلى الشافعي قولاً لا مانع من أن تأخذه من فتح الباري، ولا يلزمك أن ترجع إلى المجموع أو غيره من كتب الشافعية، لماذا؟ لأن الحافظ فقيه شافعي، تأخذ من عمدة القاري قول الحنفية؛ لأنه فقيه حنفي، لكن ما تأخذ من عمدة القاري ما ينسب إلى مذهب الإمام أحمد، أو من فتح الباري ما ينسب إلى أبي حنيفة، ترجع في كل مسألة إلى أهلها وهكذا، فبإمكانك أن تأخذ الفقه الحنفي من عمدة القاري لكن ما تأخذ من فتح الباري، لماذا؟ لأن العيني من فقهاء الحنفية، تأخذ الفقه المالكي من الاستذكار لابن عبد البر لماذا؟ لأنه فقه مالكي، لكن يبقى أن الأصل أن يؤخذ كل فن من كتبه، ما يتعلق بكل فن من كتبه هذا الأصل، كثيراً ما ينسب إلى الإمام أحمد في شروح الأحاديث وفي كتب التفسير وغيرها أقوال مرجوحة في المذهب لماذا؟ لأن الذي نسب إليه ليس على دراية تامة برواية المذهب والمرجح منها، والمذهب عند أصحابه ينتقى من هذه الروايات

لا مانع أن تأخذ روايات المذهب من شرح ابن رجب مثلاً؛ لأنه فقيه حنبلي، المقصود أننا علينا أن ننظر في من نعتمد عليه، تأخذ ما ينسب من الأقوال في الأحكام إلى مالك، من تفسير القرطبي مثلاً؛ لأنه فقيه مالكي، لكن ما تأخذ منه ما ينسب إلى أحمد، ما تعتمد عليه في هذا، بل لا بد من معارضة قوله بكتب المذهب وهكذا. يقول: صليت خلف إمام صلاة العشاء وفي الركعة الثالثة لما انتصفت في قراءة الفاتحة ركع، وتخلفت عنه ورفع قبل أن أركع وركعت، فلما سلم أتيت بركعة زائدة بعد هذه. نعم لا بد من أن تأتي بركعة؛ لأن الركعة فاتتك، رفع قبل أن تركع، لكن لو تابعته، انتصفت في قراءة الفاتحة ولم تتمكن من إكمالها وركع صرت في حكم المسبوق؛ لأن كثير من الأئمة -هداهم الله- يستعجلون بالقراءة لا سيما في الصلاة السرية؛ لأن الصلاة الجهرية التي يسمعها الناس يحبرون أصواتهم، لكن في الصلاة السرية يهذون هذ، الكثير من الأئمة بعض المأمومين لا يستطيع أن يكمل قراءة الفاتحة خلفهم، والمأموم في هذه الحالة يكون حكمه حكم المسبوق يتابع الإمام، لكن إذا عرف أن هذا الإمام قاعدته مطردة أنه لا يمكن المأموم من قراءة الفاتحة لا ينبغي للمأموم أن يصلي خلفه لئلا يكون في حكم المسبوق باستمرار؛ لأن المسبوق مفضول، المقصود أن مثل هذا إذا رفع إمامه قبل أن يركع عليه أن يأتي بهذه الركعة لأنها فاتته. يقول: إذا ضعّف أهل الحديث حديثاً ووجد بعض المتأخرين شاهد أو سند في جزء من حديث غير مشهور فهل يعتبر بمثل هذه الشواهد والأسانيد، هذا السؤال؟

أقسام الآحاد:

أقول: الأئمة المتقدمون الذين يحفظون مئات الألوف من الأحاديث يبعد جداً أن يخفى عليهم مثل هذه الطرق، كما أننا لا نتصور أو نتوقع من كل واحد منهم بعينه أن يكون ميحطاً بجميع طرق جميع الأحاديث، فقد يوجد بعض الطرق مما لم يطلع عليه بعض المتقدمين، لا أقول: كل المتقدمين، قد يوجد لكن مع ذلكم إذا ضعّف الأئمة حديثاً فينبغي للمسلم أن يحتاط ويتهم نفسه، قد تكون فيه علة خفية أو معارضة لحديث لم يطلع عليه هذا المتأخر فضعف لأجل المعارضة للمخالفة في متنه، وأنت لم تطلع عليه، لكن لا مانع أن تقول: إنه بهذا الشاهد أو بهذه المتابعة يرتقي إلى درجة الحسن لغيره أو إلى درجة الصحيح لغيره عندي، بعد أن تبين أقوال الأئمة، فيكون في نقدك قولك قول واحد من أهل العلم، يأتي من بعدك هل يعارض به أقوال الأئمة المتقدمين؟ مسألة ثانية. يقول: وجد بعض المتأخرين شاهداً أو سنداً في جزء حديثي غير مشهور، فهل يعتبر مثل هذه الشواهد والأسانيد؟ الشواهد والأسانيد معتبرة وعليها اعتماد الأئمة في التصحيح والتضعيف لكن يبقى أن الإنسان لا بد أن يتهم نفسه، ولا يجزم بتصحيح حديث ضعفه الأئمة ولا العكس، فإذا وقف على شاهد يقول: إنه وقف على هذا الشاهد في كتاب كذا، ولعله يرتقي به إلى الصحيح لغيره إن كان حسناً، أو إلى الحسن لغيره إن كان ضعيفاً. إ ذا كان جميع الطرق ضعيفة ومتعددة وضعف الحديث الأئمة ثم رأينا بعض المتأخرين يصححها لكثرة طرقها فما هو الصحيح؟ الضعيف منها ما ضعفه منجبر، خفيف الضعف، ومنها ما ضعفه لا ينجبر لكذب رواته أو نكارت متنه أو علة خفية فيه، مثل هذا لو كثرت طرقه لا يتقوى، لكن إن كان ضعفه منجبر، ضعفه خفيف فإنه يتقوى حينئذ من كثرة الطرق، يتقوى بكثرة الطرق، وهذه طريقة أهل العلم كثيراً ما نجد الترمذي يصحح حديث يقول: "هذا حديث حسن صحيح" وإذا نظرنا إليه بمفرده وجدنا في إسناده شيء من الضعف، لكنه -رحمه الله- يردف ذلك بقوله: "وفي الباب عن فلان وفلان وفلان" هذه شواهد يرقي بها الحديث، فهو عمل .. ، جادة مسلوكة عند أهل العلم. أقسام الآحاد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشهور:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. النوع الثاني: أو القسم الثاني من التقسيم الإجمالي بعد المتواتر هو الآحاد، والآحاد عند أهل العلم يقسم إلى أقسام تبعاً لكثرة طرقه وقلتها، فمنه: المشهور، والعزيز، والغريب. المشهور: فالمشهور قال الحافظ: "وهو المستفيض على رأي"، "والثاني المشهور: وهو المستفيض على رأي"، تعريف المشهور في اللغة: والمشهور اسم مفعول مأخوذ من الشهرة التي هي في الأصل وضوح الأمر وانتشاره وذيوعه، ومنه أخذ الشهر لشهرته، في المصباح: شهرت الحديث شهراً وشهرة إذا أفشيته فاشتهر، شهرت الحديث شهراً وشهرة إذا أفشيته فاشتهر، المصباح -مصباح المنير في شرح غريب الرافعي- كتاب من كتب فقه الشافعية، هذا المصباح نافع في بيان الألفاظ الغريبة في هذا الكتاب كتاب الرافعي، لكن ينبغي أن يستفيد الطالب من هذه الكتب مع الحذر لماذا؟ لأن هذا الكتاب في غريب كتاب فقه من كتب الشافعية (المطلع في حل ألفاظ المقنع) كتاب تفسير غريب كتاب من كتب الحنابلة (المغرب) للمطرزي في غريب كتب الحنفية (تهذيب الأسماء واللغات) يخدم كتب الشافعية وهكذا.

أقول: هذه الكتب مفيدة ونافعة، تفيد الذي يطالع بعض الكلمات التي لا يفهمها في كتب الفقه، لكن ينبغي أن يستفيد منها طالب العلم على حذر، لماذا؟ لأن المذاهب الفقهية أثرت في هذه الكتب، فتجده يشرح الكلمة من وجهة نظر المذهب الذي يخدمه، يعني إذا اختلف الحنابلة مع الشافعية في مسألة، استشهد لهذه المسألة بآية أو بحديث، ثم رجعنا إلى تفسير الحديث أو فهم الآية من خلال هذه الكتب، أو حتى اصطلاح لغوي، حقيقة لغوية، كالخمر مثلاً إذا أردنا أن نأخذ تعريف الخمر، لا شك أن المذاهب الفقهية مختلفة في حده، وهذه الكتب أو هذه المذاهب أثرت على هذه الكتب، فأنت تأخذ الغريب من هذا الكتاب المصباح من وجهة نظر الشافعية، فإذا اختلفوا في مسألة مع الحنابلة لا بد أن ترجع إلى كتاب من كتب الغريب عند الحنابلة وهكذا، فلا شك أن المذاهب سواءً كانت أصلية أو فرعية أثرت تأثير بالغ في تسيير الكتب حتى في تفسير كلام الله -عز وجل- وفي تفسير كلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان الشخص من المعتزلة مثلاً والآية قد يشم منها تأييد مذهب المعتزلة في حكم مرتكب الكبيرة من كونها من آيات الوعيد مثلاً، أو الحديث كذلك، هل نستفيد معنى الآية أو ذلك الحديث من هذا الكتاب الذي صنف من وجهة نظر المعتزلة؟ لا، لا شك أن المذاهب صار لها أثر في توجيه كلام الله -عز وجل- وتوجيه كلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فلا نعتمد على معتزلي في تفسير كلام الله -عز وجل- في الجملة، لكن إن احتجنا له في بعض المسائل لكونه أجاد فيها وأبدع كاللغة مثلاً الزمخشري نستفيد منه من هذا الباب على حذر؛ لأن الاعتزال استخرجه العلماء منه بالمناقيش، يعني حاد الذهن، يلبس على القارئ ويمرر عليه مذهب المعتزلة وهو لا يشعر، ومثله إذا أردنا أن نستفيد من تفسير الرازي كذلك، فسر القرآن من وجهة نظر الأشعرية من جهة ومن وجهة نظر الجبرية من جهة أخرى وهكذا، وكذلكم كتب اللغة وغريب الحديث ينبغي أن ننتبه لهذا، إذا أردنا أن نأخذ اللغة نأخذها من أربابها المتقدمين، حتى كتب اللغة المتخصصة باللغة تأثرت بالمذاهب، ماذا نرجع إلى الكتب المتقدمة في اللغة، تهذيب اللغة للأزهري كتاب عظيم، والصحاح للجوهري

تعريف المشهور في الاصطلاح:

على أوهام فيه كتاب جيد، وهكذا كلما تقدم الكتاب صار تنصله وبعده من التأثر بالمذاهب أقوى، المقصود أننا نستفيد من هذه الكتب، والمصباح هذا كتاب لطيف، مجلد واحد وفيه نفع، نافع مثل (المطلع على أبواب المقنع) و (تهذيب الأسماء واللغات) للنووي أيضاً كتاب نفيس، لكن ينبغي أن نعرف مذهب صاحب الكتاب، مذهب صاحب الكتاب، ونتعامل مع الكتاب على ضوء هذه المعرفة. تعريف المشهور في الاصطلاح: المشهور في الاصطلاح: ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة، ما لم يبلغ حد التواتر، هذا التعريف الذي ارتضاه الحافظ في النخبة، وابن الصلاح تبعاً لابن منده يرى أن مروي الثلاثة لا يسمى مشهور، وإنما يسمى عزيز كما سيأتي. يسمي بعض العلماء هذا النوع المستفيض، ولذا قال الحافظ: "وهو المستفيض على رأي"، ومنهم من غاير بين المشهور والمستفيض، فجعل المستفيض ما كان عدد رواته في ابتدائه وانتهائه سواء، بحيث يتحد عدد الرواة في كل طبقة من طبقاته، والمشهور أعم من ذلك، ومنهم من عكس، المقصود أن الحديث المشهور ما يرويه ثلاثة فأكثر، كونه هو المستفيض هذا قيل به، ومنهم من غاير، الحنفية لهم رأي في المشهور، وأنه ليس بقسم من أقسام الآحاد، بل هو قسيم للمتواتر والآحاد، التقسيم الذي مشى عليه الحافظ وهو ما يراه الأكثر أن المشهور قسم من أقسام الآحاد، والحنفية يرون أن المشهور ليس بقسم من أقسام الآحاد، بل هو قسيم للآحاد، فيقسمون الأخبار إلى ثلاثة أقسام متواتر ومشهور وآحاد، فيجعلون المشهور قسم متوسط بين المتواتر والآحاد، يخصون المشهور بما فقد شرط التواتر في طبقة الصحابة فقط، فهو في أصله آحاد، لكنه انتشر بعد ذلك واشتهر. وقال الجصاص أبو بكر الرازي من الحنفية: "أن المشهور أحد قسمي المتواتر" فجعله قسم من أقسام المتواتر. أمثلة على المشهور:

مثلوا للمشهور بحديث: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء)) هذا الحديث مخرج في الصحيح، ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء)) تتمة الحديث: ((حتى إذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) وما أكثر هذا النوع في هذا العصر الذين يفتون بغير علم! ما أكثرهم! والله المستعان، والسبب قبض العلماء، نعم يوجد علماء يوجد من أهل الورع من يتوقف في الفتوى ويقول: لا أدري، لكن كثير ممن ينتسب إلى العلم يفتي بغير علم، والله المستعان. من أراد تقرير شهرة هذا الحديث فليرجع إلى فتح الباري في الجزء الأول صفحة مائة وخمسة وتسعين، هذا المشهور الذي تحدثنا عنه هو المشهور الاصطلاحي، وهناك مشهور غير اصطلاحي، ويقصد به ما اشتهر على الألسنة على ألسنة الناس من غير اعتبار أي شرط، فيشمل ما له سند واحد وما له أكثر من إسناد، وما لا إسناد له أصلاً، المقصود أن يكون مشهوراً على ألسنة الناس، يشتهر على ألسنة الناس أن هذا حديث، وقد لا يكون حديثاً: ((المعدة بيت الداء)) هذا مشهور على ألسنة الناس هذا حديث، وهو في الحقيقة ليس بحديث، النظافة من الإيمان بهذا اللفظ مشهور على ألسنة الناس لا سيما في أسبوع النظافة، نعم، على أنه حديث وهو ليس بحديث، الحافظ ابن حجر صحح حديث ((البذاذة من الإيمان)) نعم النظافة مطلوبة شرعاً، ولذا شرع الغسل الواجب والمستحب، شرع الوضوء، فالنظافة في الجملة مطلوبة، الطهارة مطلوبة، لكن لا يراد بها ما يريدون، وكون الكلام صحيح لا يعني أنه حديث، لا يعني أنه حديث، يعني هل يجوز لشخص أن يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الواحد نصف الاثنين؟ الكلام صحيح لكن ليس كل كلام صحيح حديثاً.

العزيز:

والمشهور بقسميه الاصطلاحي وغير الاصطلاحي لا يوصف بكونه صحيحاً أو غير صحيح على الإطلاق، بل منه الصحيح ومنه الحسن ومنه الضعيف، لكن إذا صح المشهور الاصطلاحي كانت له ميزة ترجحه على قسيميه العزيز والغريب؛ لأنه كثرت طرقه أكثر من طرق العزيز، هذا على مذهب الجمهور، أما على رأي الحنفية فعند الجصاص مثل المتواتر لا يوجد فيه غير الصحيح، ومنهم من يرى أنه يوجب علم طمأنينة تستروح إليه النفس وتميل إليه، لا علم يقين، المقصود أن المشهور قسم من أقسام الآحاد، وفيه الصحيح والضعيف والحسن. العزيز: والقسم الثالث بعد المتواتر والمشهور العزيز. تعريف العزيز في اللغة: في اللغة مأخوذ من العزة، تقول: عز يعز من باب تعب يتعب فهو عزيز وجمعه أعزة، وتعزز تقوى، وعززته بآخر قويته، وعز ضعف، فيكون من الأضداد، الأضداد جاءت بعض الكلمات في لغة العرب يسموها الأضداد، تستعمل في اللفظ وضده، ومنه العزيز، العزيز، عز تعزز تقوى، وعز ضعف فهو من الأضداد، الدائم من الأضداد، يقال للساكن ويقال للمتحرك، غبر: تطلق على ما بقي وعلى ما مضى، المقصود أن هناك كلمات تطلق في المعنى وضده، وألفت في ذلك كتب الأضداد، عز الشيء يعز من باب ضرب يضرب لم يقدر عليه لقلته وندرته. تعريف العزيز في الاصطلاح: والعزيز في الاصطلاح اختار الحافظ -رحمه الله- أنه: ما رواه اثنين ولو في بعض طبقات السند، وابن الصلاح وتبعه النووي وابن كثير، والكل منهم تبعوا ابن منده، قالوا: بأن العزيز ما رواه اثنين أو ثلاثة.

أمثلة على العزيز:

سمي بذلك إما لقوته أو لندرته وقلته، هناك كتاب اسمه: (فتح الملهم شرح لصحيح مسلم) شرح لمتأخر شبير أحمد، شرح فيه فوائد كثيرة جداً، فيه نقول طيبة، صاحب هذا الكتاب تمنى أن لو سمى المحدثون ما رواه الثلاثة العزيز، وعرفنا أن ابن الصلاح تبعاً لابن منده يسمون ما رواه الثلاثة العزيز، والمشهور ما رواه فوق الثلاثة، تمنى أن لو سمى المحدثون ما رواه الثلاثة بالعزيز لقوله تعالى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [(14) سورة يس] وما رواه اثنان بالمئزر، يقول: لو سمون أهل الحديث بالمئزر ما سموه عزيز لقوله تعالى: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي} [(29) سورة طه] يقول: لأن الاصطلاح كلما قرب من الاستعمال القرآني كان أحسن وأليق، هذا رأيه، لكن بالنسبة للعزيز وما رواه الثلاثة قيل به، وأما بالنسبة للمئزر فلا يوجد في استعمالهم، لا يوجد حديث اسمه: المئزر، لكن هذه أمنية منه أن لو سمى أهل الحديث هذا ليقرب من الاصطلاح القرآني. أمثلة على العزيز: مثلوا للحديث العزيز بحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده)) ادعى ابن حبان أن رواية اثنين عن اثنين لا توجد أصلاً، قال الحافظ ابن حجر: إن أراد أن رواية اثنين عن اثنين فقط عن اثنين فقط لا توجد أصلاً يعني يستوي جميع الإسناد من أوله إلى آخره برواية اثنين عن اثنين يمكن أن يسلم، يقول: "وأما صورة العزيز التي حررناها بأن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين فموجودة"، يعني كونه يوجد اثنين يروونه عن ثلاثة عن عشرة عن اثنين عن ثلاثة لا بأس، المقصود أنه لا يقل العدد عن اثنين، والزيادة مقبولة؛ لأن العدد الأقل يقضي على الأكثر على ما سيأتي في الغريب. والعزيز كغيره من أقسام الآحاد لا يوصف بكونه صحيحاً أو غير صحيح، بل منه الصحيح والحسن والضعيف.

ثم قال المصنف: "وليس شرطاً للصحيح خلافاً لمن زعمه"، وليس شرطاً للصحيح خلافاً لمن زعمه، يعني أن العزة ليست بشرط لصحة الخبر، فكون الحديث عزيزاً بأن يروى عن اثنين وهو بمعنىً آخر تعدد الطرق ليست بشرط لصحة الخبر، بل قد يصح الخبر ولو كان مروياً من طريق واحد كالغريب على ما سيأتي، خلافاً لمن زعم ذلك، وإليه يومئ كلام الإمام الحاكم أبي عبد الله في المعرفة، يقول ناظم النخبة: وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقيل: شرط وهو قول الحاكمِ في نسخة أخرى. وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقد رمي من قال بالتوهمِ لأن الحاكم ليس بصريح، كلام الحاكم ليس بصريح في الاشتراط. ابن العربي المالكي في شرح البخاري وفي عارضة الأحوذي في شرح حديث: ((هو الطهور ماؤه)) ادعى أن هذا هو شرط البخاري، وأن البخاري لا يخرج حديث يتفرد به واحد، وقال عن حديث البحر: "إنه لم يخرجه البخاري لأنه تفرد به أحد رواته وليس من شرطه". الكرماني الشارح -شارح البخاري- في مواضع من شرحه يزعم أن تعدد الرواة شرط للبخاري في صحيحه، لكن هذه الدعوى مرفوضة وليست صحيحة، ويكفي في رد هذه الدعوى أول حديث في صحيح البخاري وآخر حديث في صحيح البخاري أول حديث في الصحيح حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) إنما يروى من طريق عمر -رضي الله عنه- فقط، لم يثبت إلا من طريق عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا من طريق عمر إلا عن علقمة بن وقاص الليثي فقط، تفرد بروايته عن عمر، ولا يرويه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، تفرد بروايته عن علقمة، ولم يروه عنه سوى يحيى بن سعيد الأنصاري تفرد به، ثم انتشر بعد يحيى بن سعيد، حتى وصلت طرقه المئات عن يحيى بن سعيد. آخر حديث في الكتاب: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) هذا أيضاً مثل أول حديث التفرد وقع في أربع من طبقات إسناده تفرد به أبو هريرة وعنه أبو زرعة بن عمرو بن جرير البجلي، وعنه عمارة بن القعقاع، وعنه محمد بن فضيل، وعن محمد بن فضيل انتشر، مثل حديث: الأعمال بالنيات سواء. الغريب: والرابع من تقسيم الحافظ: الغريب. تعريف الغريب في اللغة:

في اللغة مأخوذ من الغرابة تقول: غرب الشخص عن وطنه أي بعد، وجمعه غرباء، ويجمع المحدثون الغريب على غرائب، وللدار قطني كتاب في غرائب مالك. تعريف الغريب في الاصطلاح: الغريب في الاصطلاح: ما رواه واحد منفرد بروايته في أي موضع من السند، يقول الحافظ: الغريب والفرد مترادفان لغة واصطلاحاً إلا أن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثيرة الاستعمال وقلته، فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق، والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي، هذا من حيث إطلاق الاسمية عليهما، أما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرقون بين الغريب والفرد، فيقولون في المطلق والنسبي: تفرد به فلان، وأغرب به فلان، لكن الحافظ نوزع في دعواه الترادف اللغوي، نوزع، يقول: هما مترادفان لغة واصطلاحاً، لكنه نوزع في ذلك يقول ابن فارس في المجمل: غرب بعد، والغربة الاغتراب عن الوطن، والفرد الوتر والمنفرد، فعلى هذا الفرد غير الغريب في اللغة. وأما من حيث الفرق بينهما من حيث الاصطلاح ذكره الحافظ -رحمه الله-، أقسام الغريب تأتي -إن شاء الله تعالى-. مثال الغريب: ومثاله: حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، رواه مسلم، قال الحاكم: هذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر ولم يشاركه فيها أحد، ومثال الفرد حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)). حكم الغريب: والغريب كسابقه لا يحكم له بحكم عام مطرد، بل قد يكون صحيحاً وقد يكون حسناً وقد يكون ضعيفاً، لكن الغالب في الفرائد الضعف؛ لأن تفرد الراوي بالحديث مظنة الخطأ والوهم، ولذا حذر العلماء من الغرائب ونهوا عن الاستكثار منها. الآحاد: يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وكلها سوى الأول آحاد"، يعني الأقسام الثلاثة المشهور والعزيز والغريب آحاد، "سوى الأول" يعني المتواتر. الآحاد لغة: والآحاد في اللغة: جمع أحد، الآحاد في اللغة جمع أحد، بمعنى الواحد قاله في القاموس، وفي العباب سئل أبو العباس ثعلب: هل الآحاد جمع أحد؟ فقال: معاذ الله ليس للأحد جمع، فقال: معاذ الله ليس للأحد جمع، ولكن إن جعلته جمع الواحد فهو محتمل كشاهد وأشهاد.

قلنا لغة: جمع أحد بمعنى الواحد كما في القاموس، وهنا أبو العباس ثعلب وهو من ثقات اللغويين يقول: "معاذ الله ليس للأحد جمع، ولكن إن جعلته جمع واحد فهو محتمل كشاهد وأشهاد". هل هذا الكلام متعارض؟ نعم؟ ثعلب حينما نفى أن يكون للأحد جمع نظر إلى أن الأحد من أسماء الله -سبحانه وتعالى-، وهو واحد أحد فرد صمد لا يشركه في هذا الاسم أحد، حينئذٍ إذا جمعنا أحد على آحاد كأننا جمعنا الرحمن وهو من أسماء الله -عز وجل-، لكن كم في الشهر من أحد؟ أربعة إيش؟ آحاد، هو نظر إلى أن أحد اسم من أسماء الله -عز وجل-، فقال: لا يجمع، "معاذ الله ليس للأحد جمع"، لكن إذا نظرنا إلى أن الأحد يطلق على غير الله -سبحانه وتعالى- نجمع، كما نجمع كريم، وهو من أسماء الله على كرماء، وعليم على علماء وهكذا. الآحاد في الاصطلاح: الآحاد في الاصطلاح ما اختل فيه شرط من شروط التواتر، أو ما لم يجمع شروط المتواتر، يقول إمام الحرمين: "ولا يراد بخبر الواحد الخبر الذي ينقله الواحد، ولكن كل خبر عن جائز ممكن لا سبيل إلى القطع بصدقه، ولا إلى القطع بكذبه، لا اضطراراً ولا استدلالاً فهو خبر الواحد"، وخبر الواحد والآحاد سواءٌ نقله واحد أو جماعة منحصرون، يعني ما لم يبلغ إلى حد التواتر فهو آحاد، سواء رواه واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة ما لم يبلغ حد التواتر. سم. المقبول والمردود: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "وفيها المقبول والمردود لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الأول، وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار". يكفي، يكفي، يقول الحافظ -رحمة الله عليه-: "وفيها المقبول" يعني في أخبار الآحاد المقبول، لكونه صحيحاً أو حسناً، وفيها ما يكون مردوداً لضعفه تبعاً لأسانيدها ونتيجة البحث عن رواتها، دون القسم الأول وهو المتواتر، القسم الأول كله مقبول ليس فيه مردود، بل مقطوع بصدقه وصحته، أما الآحاد فيها المقبول وفيها المردود، فيها الصحيح، فيها الحسن، فيها الضعيف، على ما تقدم.

ثم قال: "وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار"، عندنا أمور، عندنا العلم والظن والشك والوهم، العلم والظن والشك والوهم، الذي لا يحتمل النقيض بوجه لا يحتمل النقيض بل مقطوع بصحته وهو الذي نسبة الصدق فيه ومطابقة الواقع مائة بالمائة، هذا يقال له: علم، إذا نزلت هذه النسبة ولو واحد تسعة وتسعين فما دون هذا يقال له: الظن، وهو الاحتمال الراجح، إذا استوى الطرفان صارت النسبة خمسين بالمائة صار شكاً، إذا نزل عن خمسين بالمائة يقابل الظن الوهم، الوهم.

يقول: "قد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن"، عرفنا أن المتواتر يفيد العلم الضروري، يفيد العلم الضروري في أخبار الآحاد ما يفيد العلم النظري، فيها ما يفيد العلم النظري، بالقرائن أيضاً، فيعني أن أخبار الآحاد قد يقع فيها ما يفيد العلم النظري، وعرفنا أن العلم النظري: ما يحتاج إلى نظر واستدلال، هذا أشرنا إليه سابقاً، أهل العلم مختلفون فيما يفيده الخبر الواحد، هل يفيد العلم مطلقاً أو يفيد الظن مطلقاً أو يفيد العلم بالقرائن؟ إن احتفت به قرينة أفاد العلم وإلا أفاد الظن؟ نقول: هذه المسألة لا بد من استيعابها؛ لأنه كثر الكلام حولها، النووي -رحمه الله تعالى- عزا للمحققين والأكثرين أن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، إيش معنى لا يفيد إلا الظن؟ يعني أن النسبة أقل من مائة بالمائة، تسعة وتسعين فما دون، لماذا؟ لأن الرواة مهما بلغوا من الحفظ والضبط والإتقان إلا أنهم ليسوا بمعصومين من الخطأ، ولوجود هذا الاحتمال نزلت النسبة من مائة بالمائة إلى تسعة وتسعين فما دون، وكل بحسبه، كل بحسبه، كل شخص تعطيه من النسبة ما يليق به، فإذا أعطيت الإمام مالك نجم السنن تسعة وتسعين أو ثمانية وتسعين بالمائة من الإصابة لا تستطيع أن تعطيه مائة بالمائة؛ لأنه ليس بمعصوم، صح إلا لا؟ نعم، إذاً تعطيه غلبة ظن تسعة وتسعين ثمانية وتسعين، حصل أوهام للإمام مالك وهو نجم السنن، وغيره وغيره حصل أخطاء، هذه تجعل الإنسان ينزل النسبة عن مائة بالمائة، فإذا نزلت النسبة مائة بالمائة انتقل ما يفيده هذا الخبر من العلم إلى الظن، وعرفنا أن الظن يطلق ويراد به اليقين والاعتقاد الجازم، ويطلق ويراد به غلبة الظن، والمراد به هنا غلبة الظن لا اليقين الجازم، ولا الوهم الذي لا يغني من الحق شيئاً، إنما يطلق ويراد به الغلبة، فأنت حينما يبلغك خبر يقول لك شخص: جاء زيد فنسبة تصديقك بهذا الخبر تتبع ثقة هذا الرجل المخبر عندك، فإن كنت ممن يثق بهذا الرجل وهو صدوق عندك ما جربت عليه كذب تقول: الخبر صحيح؛ لأن الناقل ثقة، ولا يعني هذا أنه مطابق للواقع مائة بالمائة لاحتمال أن يكون أخطأ، رأى شخص فظنه زيد وهو ليس بزيد، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ إذاً نزلت النسبة

عن مائة بالمائة، قال لك شخص: جاء عمرو وهذا الشخص يصدق غالباً وجربت عليه كثرة الخطأ يخطئ هل يورثك خبره غلبة ظن؟ أو تقول: شك؟ احتمال جاء؛ لأن هذا الرجل ما هو بكاذب -إن شاء الله-، واحتمال أنه ما جاء احتمال من ضمن أخطائه التي يخطئ يصير منها هذا، نعم، يمكن، فمثل هذا يورث الشك، جاء عمرو أو ما جاء الله أعلم؛ لأن هذا جربت عليه الخطأ بكثرة فيورث عندك الشك، فإذا كان خطأه عندك أكثر من صوابه خبره يكون وهماً بمعنى أنه احتمال مرجوح، ولا يعني أنه هذا كذب مائة بالمائة، لا؛ لأن هذا الشخص كثير الخطأ قد يضبط، وهذا الشخص وإن كان كذوباً قد يصدق، الاحتمال قائم، مثلما قلنا في الطرف الأول احتمال الخطأ وراد، وهنا احتمال الصدق ومطابقة الواقع وارد، فالأخبار لا شك أنها متفاوتة تبعاً لأحوال المخبرين، فمن المخبرين ما يفيد خبرهم غلبة الظن، ومنهم ما يورث الشك، ومنهم ما خبره أو ما يسمى بالوهم عند أهل العلم، وهو الاحتمال المرجوح. نعود إلى خبر الواحد خبر الواحد سواء رواه واحد أو اثنين أو ثلاثة أو عدد محصور، نسب النووي إلى المحققين والأكثرين أنه لا يفيد إلا الظن، وحجة هؤلاء أن الراوي وإن كان ثقة حافظاً ضابطاً إلا أنه غير معصوم من الخطأ والسهو، وإذا وجد هذا الاحتمال فإن النفس لا تجزم بصحة الخبر، يعني يغلب على الظن أن الخبر صحيح، هناك قول ثاني في المسألة وهو قول حسين الكرابيسي وداود الظاهري، وحارث المحاسبي، قال هؤلاء: إن خبر الواحد إذا صح يوجب العلم، وهو مروي عن الإمام أحمد، يعني هل هذا القول يختلف عن سابقه؟ يختلف، أولئك يقولون: يفيد الظن، وهؤلاء يقولون: يفيد العلم، هؤلاء نظروا إلى الظن من زاوية وهي أن الظن لا يغني من الحق شيئاً، نعم الظن لا يفيد، وهذا من معانيه، وإذا كان الظن لا يفيد كيف نعمل بخبر يفيد الظن وهو لا يغني من الحق شيئاً؟ كيف نعمل بخبر لا يغني من الحق شيئاً؟

أولاً: أصحاب القول الأول والثاني والثالث كلهم يتفقون على أن العمل بخبر الواحد واجب، يجب العمل بخبر الواحد، أصحاب القول الأول يقولون: وإن كان لا يفيد إلا الظن إلا أنه يجب العمل به في جميع أبواب الدين، في العقائد، في العبادات، في المعاملات، في الأنكحة، في الجنايات، في جميع أبواب الدين، يجب العمل به خبر الواحد وإن كان لا يفيد إلا الظن، أصحاب القول الثاني يقولون: كيف نعمل بحديث: لا يغني من الحق شيئاً ونقول: إنه يفيد الظن؟ إذاً خبر الواحد إذا صح يفيد العلم، ويجب العمل به، أولئك يقولون: يفيد الظن ويجب العمل به، أقول: لعله مما يحتج به لهؤلاء وجوب العمل به والعمل ملازم للعلم. القول الثالث: أنه يوجب العلم ويقطع به إذا احتفت به قرائن، هذا الذي أشار إليه الحافظ بقوله: "وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن"، يوجب العلم ويقطع به إذا احتفت به قرائن، كيف؟ هذا فرع من القول الأول، هو في أصله لا يفيد إلا الظن، وعرفنا أنه يفيد الظن لأن النسبة ما بلغت مائة بالمائة، وصلت تسعين خمسة وتسعين تسعة وتسعين بالمائة، ثم جاءت هذه القرينة التي احتفت بهذا الخبر فصارت في مقابل ما نزل من نسبة المائة بالمائة، أما إذا قلنا: خبر مالك نعم تسعة وتسعين أو ثمان وتسعين الاحتمال واحد بالمائة، هذه القرينة تقاوم هذا الواحد بالمائة، فخبر مالك الآن أفادنا مائة بالمائة؛ لأنه احتفت به قرينة، ومثله غيره من الثقات، إذا احتفت بأخبارهم قرائن أفادت العلم. من القرائن: كون الحديث مشهور بحيث تكون له طرق متباينة، سالم من ضعف الرواة والعلل كون الحديث مسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين، وذلك بأن يكون رجال إسناده الأئمة كالحديث الذي يرويه الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك مثل هذا إذا تتابع مثل هؤلاء الأئمة على روايته، هل يكون هناك مجال لاحتمال الخطأ؟ لا احتمال لمجال الخطأ، لماذا؟ لأنه لو أخطأ مالك ما وافقه الشافعي على روايته، ولو أخطأ الشافعي ما وافقه أحمد على روايته، إذاً هذه قرينة تجعلنا نجزم بثبوت الخبر، ولا يوجد احتمال النقيض عندنا.

من القرائن: أن يكون الحديث مما خرجه الشيخين في صحيحيهما لجلالتهما وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما ولتلقي الأمة بالقبول لكتابيهما، هذه قرينة كون الحديث مخرج في الصحيحين أو في أحدهما، الصحيحان كتابان هما أصح الكتب بعد القرآن، الأمة تلقت هذين الكتابين بالقبول، حتى قال بعضهم: لو حلف أحد بالطلاق أن جميع ما في الصحيحين صحيح ما حنث، نعم، إذا اتفق الشيخان على تخريج الحديث فلا مجال لأحد في الكلام فيه والطعن فيه، إذا أخرج البخاري حديث كذلك مسلم حديث لا مجال لأحد، وقد استثنى أهل العلم أحاديث يسيرة تكلم عليها بعض الحفاظ، حصل فيها بعض الكلام لأهل العلم سواءً كانت في متونها أو في أسانيدها، المقصود أن مثل هذه الأحاديث وعددها يسير لا مانع أن تخرج من كونها مفيدة للقطع مع أن الغالب أن الإصابة مع البخاري ومسلم في هذه الأحاديث، لكن الأحاديث التي لم يتكلم عليها أحد مقطوع بصحتها، وتخريج الشيخين قرينة على ثبوت الخبر. طيب، الآن ما الراجح من هذه الأقوال؟ هل نستطيع أن نقول: إن خبر الواحد مطلقاً يفيد العلم؟ يعني كل من أخبرك بخبر وهو ثقة عندك تجزم بأن خبره صحيح، تبرأه من الخطأ؟ لا، إذاً لا بد أن تنزل هذه النسبة وهو الظن، فأرجح الأقوال ما اختاره ابن حجر من أن خبر الواحد إذا احتفت به قرينة أفاد العلم وإلا فلا، يعني خبر الواحد في أصله يفيد الظن لكن إذا احتفت به قرينة أفاد العلم، وهذا القول رجحه ابن القيم، وأطال في تقريره في الصواعق المرسلة وممن صرح بهذا القول الغزالي في المنخول، والرازي في المحصول، والآمدي وابن الحاجب، ونقله السفاريني في لوامع الأنوار عن الموفق وابن حمدان والطوفي، وقال المرداوي في شرح التحرير: "وهذا أظهر وأصح"، سبب ترجيح هذا القول: أن القرينة التي احتفت بالخبر تكون في مقابل الاحتمال الذي أبداه أصحاب القول الأول، نعم. أقسام الغريب: "ثم الغرابة: إما أن تكون في أصل السند، أو لا: فالأول: الفرد المطلق، والثاني: الفرد النسبي، ويقل إطلاق الفردية عليه.

يقول المصنف -رحمه الله تعالى-: "ثم الغرابة" التي تقدم تعريفها وهي: انفراد الراوي برواية الخبر ولو في بعض طبقات السند، إما أن تكون في أصله، في أصل السند، الطرف الذي فيه الصحابي "أو لا" يعني في أثنائه، "فالأول: الفرد المطلق، والثاني: الفرد النسبي ويقل إطلاق الفردية عليه" حاصل كلام الحافظ -رحمه الله- أن الغريب ينقسم إلى قسمين الفرد المطلق وهو ما كانت الغرابة في أصل سنده، يعني طرفه الذي فيه الصحابي، ومثاله حديث: الأعمال بالنيات على ما تقدم، لم يروه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا عمر، الثاني: الفرد النسبي وهو ما كانت الغرابة في أثناء سنده، في أثناء سنده، يعني يرويه عن الصحابي أكثر من واحد ثم يتفرد بروايته عن واحد منهم شخص واحد، الآن تفرد الصحابي هل يضر أو لا يضر؟ لا يضر؛ لأن الصحابة كلهم ثقات، كلهم ثقات عدول، لكن العبرة بتفرد من دونهم، هذا هو المؤثر؛ لأن من دونهم فيهم الثقات وغير الثقات، فالفرد المطلق هو الذي تفرده في أصل السند، وكلام أهل العلم أحياناً يجملون فيدخلون التفرد حتى في الصحابي، وأحياناً يستثنون طبقة الصحابة، وأن الواحد من الصحابة بالنسبة لمن دونهم في حكم الجمع، وهنا قال الحافظ -رحمه الله تعالى- في تقرير النسبية: "كأن يرويه عن الصحابي أكثر من واحد ثم يتفرد بروايته عن واحد منهم شخص واحد" فأخرج طبقة الصحابة، مثلوا لذلك بحديث أنس: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة وعلى رأسه المغفر، تفرد به مالك عن الزهري. ويدخل في النسبي ما يقع فيه التفرد بالنسبة إلى جهة خاصة أياً كانت تلك الجهة كأن يتفرد به ثقة عن ثقة وإن رواه جمع لكنهم غير ثقات، أو يتفرد به أهل بلد أو قطر أو قبيلة بحيث لا يرويه غيرهم، هذا أيضاً من الفرد النسبي، وإن رواه مجموعة من أهل ذلك البلد أو أهل القطر أو تلك القبيلة، أو يتفرد به راوٍ عن غيره ثقة كان أو غير ثقة، يتفرد به عن شعبة فلان، يتفرد به غندر عن شعبة محمد بن جعفر، وإن رواه جمع عن غير شعبة هذا تفرد نسبي بأن لا يرويه عن هذا الشيخ غيره، وإن كان مروياً من وجوه أخرى عن غيره، نعم. الصحيح:

أحسن الله إليك: "وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته". يقول المصنف -رحمه الله تعالى-: "وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته". هذا هو الصحيح لذاته ما توافرت فيه هذه الشروط، لما انتهى المؤلف -رحمه الله تعالى- من تقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد، ثم قسم خبر الآحاد إلى الثلاثة بالنسبة إلى تعدد طرقه شرع في تقسيم أخبار الآحاد من جهة أخرى، وهي من حيث الثبوت وعدمه، من حيث الثبوت وعدمه، من حيث القوة والضعف من حيث القبول والرد، فقسمه إلى ثلاثة أقسام على سبيل الإجمال، وهي خمسة على سبيل البسط: أولها: الصحيح لذاته، والحسن لذاته، والضعيف هذا إجمالاً، ثم الصحيح والحسن والضعيف، ثم على سبيل التفصيل: الصحيح لذاته، الصحيح لغيره، الحسن لذاته، الحسن لغيره، الضعيف. وأهل هذا الشأن قسموا السنن ج إلى صحيح وضعيف وحسن ج الصحيح عرفه الحافظ: بخبر ما ينقله عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته. فالأول المتصل الإسنادِ عن مثله من غير ما شذوذِ ج بنقل عدل ضابط الفؤادِ وعلة قادحة فتوذي المقبول والصحيح والحسن وإن شئت فقل الصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن لذاته والحسن لغيره، والمردود هو الضعيف بأقسامه، وهو أقسام كثيرة جداً، يأتي ذكر ما تيسر منها -إن شاء الله تعالى-. الأول من هذه الأنواع هو الصحيح لذاته: وحاصله: أنه ما اشتمل على خمسة شروط: عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء العلة، انتفاء الشذوذ، إذا اجتمعت هذه الشروط الخمسة: عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة القادحة. إذا توافرت هذه الشروط الخمسة صار الخبر صحيحاً لذاته، فالعدالة مصدر عدل عدالة، والعدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، والملكة هي: الصفة الراسخة الثابتة، والتقوى: فعل المأمورات واجتناب المنهيات، والمروءة قال أهل العلم: إنها آداب نفسانية تحمل مراعاتها على التحلي بمحاسن الأخلاق وجميل العادات.

والضابط: الحافظ، اليقض، غير المغفل والشاك والساهي، وهذا مطلوب في حالتي التحمل والأداء، يعني إذا تحمل الحديث عن غيره المطلوب أن يكون ضابطاً، لكن العدالة إنما تطلب للأداء، ولا تتطلب للتحمل، بمعنى أن الصغير غير المكلف يصح تحمله، محمود بن الربيع عقل المجة ورواها للناس وسنه خمس سنوات، وروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحاديث، هل يوصف الصغير بأنه عدل؟ لا، بل من شرط صحة الرواية عند الأداء أن يكون بالغاً مكلفاً، تحمل الكافر، تحمل الفاسق صحيح، لكن لا يؤخذ عنه هذا الخبر إلا إذا ارتفع عنه الوصف الكفر والفسق، جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في الفجر بسورة الطور قبل أن يسلم فأدى هذه السنة، وقبلها أهل العلم وخرجت في الصحيح؛ لأنهم لا يشترطون في حال التحمل شرط، لكن إذا أراد أن يؤدي قيل: قف، هل هو ثقة أو ليس بثقة؟ فعدالة الرواة إنما تطلب في حال الأداء، الضبط يطلب في حال الأداء والتحمل لكن الذي لا يتحمل وهو ضابط لن يؤدي وهو ضابط، لكن قد يروي وهو غير ثقة ثم يؤدي وهو ثقة هذا متصور، لكن هل يتصور أن شخصاً يتحمل وهو غير ضابط ثم يؤدي وهو ضابط؟ نعم، لا، ولذا اشترطوا في الضبط أن يكون في حالتي التحمل والأداء. والضبط نوعان: ضبط صدر وهو الذي يثبت فيه في صدره بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، وضبط كتاب وهو صون الكتاب عن تطرق الخلل إليه من حين سمع فيه إلى أن يؤدي منه، بحيث لا يخرجه من يده ولا يعيره إلى أحد إلا إذا كان ثقة، لا يعير الكتاب إلى شخص يزيد فيه وينقص ويحرف ويطمس، لا. واتصال السند بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمله ممن فوقه بطريق معتبر من طرق التحمل كالسماع والعرض والمناولة والمكاتبة وغيرها على ما سيأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-. والعلة: سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي في ظاهره السلامة منها، ويأتي الكلام عن الحديث المعل -إن شاء الله تعالى-. الشاذ: والشاذ: هو ما خالف فيه الثقة من هو أثق منه، ويأتي الحديث عن الشاذ في موضعه -إن شاء الله تعالى-.

وقوله: الصحيح لذاته يخرج الصحيح لا لذاته بل لغيره، هناك الصحيح لكنه لا لذاته، وإنما هو صحيح لغيره، هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، إذا وجد أكثر من حديث حسن لذاته بأن تعددت الطرق يرتقي إلى الصحيح لغيره. والحسن المشهور بالعدالة طرق أخرى نحوها من الطرق ج والصدق راويه إذا أتى له صححته كمتن (لولا أن أشق) ج المقصود أن الحسن إذا تعددت طرقه صار صحيحاً لا لذاته بل صحيح لغيره. نعم. أحسن الله إليك: "وتتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأوصاف، ومن ثم قدم صحيح البخاري، ثم مسلم، ثم شرطهما".

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "تتفاوت رتبه –رتب الصحيح- بتفاوت هذه الأوصاف" تتفاوت رتب الحديث الصحيح بتفاوت هذه الأوصاف، عندنا الأوصاف: العدالة، والضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، إذا اكتملت هذه الشروط حكمنا على الحديث بأنه صحيح، وجدت هذه الشروط في خمسة أحاديث مثلاً عندنا حكمنا على الأحاديث الخمسة بالصحة هل يعني هذا أن كل حديث من هذه الأحاديث بمنزلة الآخر مائة بالمائة مطابقة تامة؟ هل نقول: إذا حكمنا على الأول بنسبة خمسة وتسعين بالمائة صحيح وعلى الثاني لا بد أن يكون خمسة وتسعين بالمائة لأنهم كلهم ثقات عدول مرضيون؟ لا، عندك زيد وعمرو كلاهما ثقات لكن هل معنى هذا أن الدرجة واحدة في الثقة؟ لا، ولذا قال: "تتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأوصاف"، يعني أن درجات الحديث الصحيح تتفاوت بالقوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تنبني الصحة عليها، قال ابن الصلاح: "وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العد الحاصر"، لماذا؟ لأن الرواة ما خرجوا من مصنع على هيئة واحدة، يعني السيارات تجيك يعني أول دفعة من الموديل ألف سيارة هل تقول: إن هذه أفضل من هذه إذا كان من كل وجه متطابقة من حيث اللون وغيره، وخرجت لمصنع واحد واحدة، نعم يصنع المصنع من هذه القارورة مليون مثلاً هل تقول: هذه أفضل من تلك؟ لكن كم بين مخلوقات الله من التفاوت! هل يمكن أن تجد شخصين متطابقين من كل وجه؟ لا يمكن، لا يمكن أن تجد اثنين متطابقين من جل وجه، لا يمكن، ولذا قد يضبط هذا الحديث واختل ضبطه أو ينزل ضبطه قليلاً في ذاك الحديث، والثاني العكس، فلذا تفاوتت رتب الصحيح تفاوتاً كبيراً، بحيث زادت أقسامه واستعصت على العاد الحاصر. يقول ابن حجر في النزهة: "لما كانت هذه الأوصاف" يعني الشروط مفيدة لغلبة الظن الذي عليه مدار الصحة "اقتضت أن يكون لها درجات بعضها فوق بعض بحسب الأمور المقوية، وإذا كان كذلك فما يكون رواته في الدرجة العليا من العدالة والضبط وسائر الصفات التي توجب الترجيح كان أصح مما ودنه".

يقول: فمن المرتبة العليا ما أطلق عليه الأئمة أنه أصح الأسانيد، كالزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، يعني ومالك عن نافع عن ابن عمر، والمعتمد عند أهل العلم ألا يطلق على سند بأنه أصح مطلقاً من غيره، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: . . . . . . . . . إمساكنا عن حكمنا على سند خاض به قوم فقيل مالك وجزم ابن حنبل بالزهري . . . . . . . . . والمعتمد بأنه أصح مطلقاً وقد عن نافع بما رواه الناسك عن سالم أي عن أبيه البري ج اختار بعض أهل العلم أن هناك أسانيد هي أصح من غيرها مطلقاً، لكن المعتمد عند أهل العلم أنه لا يوصف سند بأنه أصح من غيره مطلقاً، يقول: "كالزهري عن سالم عن أبيه، ودونها حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، ودونها سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، فإن الجميع يشملهم اسم العدالة والضبط إلا أن للمرتبة الأولى من الصفات المرجحة ما يقتضي تقديم روايتهم على التي تليها، وفي التي تليها من قوة الضبط ما يقتضي تقديمها على الثالثة"، الزهري عن سالم عن أبيه هذا شرط الشيخين، وهو أصح الأسانيد عند الإمام أحمد، حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس شرط مسلم فيكون أقل من سابقه، سهيل بن أبي صالح عرف بشيء من سوء الحفظ وهو أقل من التي قبلها. الثالثة: سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مقدمة على رواية من يعد ما ينفرد به حسناً كمحمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن جابر وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال الحافظ: "ومن ثم قدم صحيح البخاري ثم مسلم ثم شرطهما"، قدم صحيح البخاري ثم صحيح مسلم ثم ما حوى شرط البخاري ومسلم، ثم ما حوى شرط البخاري فقط، ثم ما حوى شرط مسلم فقط، ثم ما صح عند غيرهما مما ليس على شرطيهما.

وأول من صنف في الصحيح المجرد الإمام محمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله تعالى-، ثم تلاه تلميذه وخريجه الإمام مسلم بن الحجاج، وأما قول الإمام الشافعي: "ما على ظهر الأرض كتاب في العلم بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك" فقد كان قبل وجود الصحيحين، قبل وجود الصحيحين لا يوجد أصح من الموطأ، ثم لما وجد الصحيحان -صحيح البخاري وصحيح مسلم- قدما على موطأ الإمام مالك وعلى غيره من الكتب، إذا عرفنا هذا فالصحيحان –أعني صحيح البخاري وصحيح مسلم- أصح الكتب بعد كتاب الله -عز وجل- إجماعاً، وجمهور أهل العلم على أن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم وأكثر فوائد لإمامة البخاري وتقدمه في الفن ومزيد استقصائه وتحريه، ومسلم تلميذه وخريجه حتى قال الدارقطني: "لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء" وهذا التفصيل من حيث الإجمال، من حيث الإجمال صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم لإمامة البخاري، هذا من حيث الإجمال؛ لأن الغالب أنه إذا كان المؤلف أعلم كان المؤلَف أجود إجمالاً، أما من حيث التفصيل فالإسناد الصحيح مداره على الاتصال وعدالة الرواة وصحيح البخاري أعدل رواة وأشد اتصالاً كما قرره أهل العلم، وبيان ذلك أن الرواة الذين انفرد الإمام البخاري بالإخراج لهم دون مسلم ممن تكلم فيه بالضعف ثمانون راوياً فقط، بينما المتكلم فيه بالضعف مما تفرد به الإمام مسلم مائة وستون راوياً على الضعف، ولا يعني هذا أنه إذا وجد راوي تكلم فيه ممن خرج له في الصحيح، سواءً كان صحيح البخاري أو صحيح مسلم أن الكلام مقبول، ما يلزم، لا يلزم أن يكون الكلام مقبولاً؛ لأن رواة الصحيحين قد جازوا القنطرة كما قرر أهل العلم، لكن الراوي الذي لم يجرح أصلاً لا شك أنه أولى من الراوي الذي تكلم فيه ولو بغير حق.

أيضاً: الذين انفرد البخاري ممن تكلم فيه لم يكثر من التخريج لهم بخلاف مسلم، والذي تكلم فيهم عند البخاري غالبهم من شيوخه الذين لقيهم وعرفهم وخبر أحاديثهم بخلاف من تكلم فيه من رواة مسلم فكثير منهم ممن تقدم عصره على عصر الإمام مسلم، ولا شك أن المرء أعرف بحديث شيوخه من حديث غيرهم، وأيضاً أكثر هؤلاء الذين تكلم فيهم عند البخاري إنما يخرج الإمام البخاري أحاديثهم في الشواهد لا في الأصول، وبعض من تكلم فيه في صحيح مسلم خرج له في الأصول، وإن كان الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- لا يستوعب أحاديث هؤلاء الذين وقع الكلام فيهم وإنما ينتق من أحاديثهم ما يجزم بأنهم ضبطوه وأتقنوه مما وفِقُوا عليه، هذا من حيث عدالة الرواة. أما ما يتعلق باتصال الإسناد فإن الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- كان مذهبه بل نقل عليه الإجماع في مقدمة صحيحه أن الإسناد المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعِن ومن روى عنه بالعنعنة وأمكن اجتماعهما، والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت الاجتماع ولو مرة، وهذا هو المعروف عند أهل العلم، وهذا الذي قرروه أن البخاري لا يحكم بالاتصال بمجرد المعاصرة حتى يثبت اللقاء، هذا الذي تتابع عليه أهل العلم، وبعض المعاصرين كتب في المسألة وذهب إلى أن مذهب البخاري هو مذهب مسلم ولا خلاف بينهما.

وعلى كل حال الإمام مسلم رد على من يرى اشتراط اللقاء، وشدد عليه ووصفه بالابتداع، ووصف القول بأنه مخترع، ويقول القائل: لا يمكن أن يصف مسلم الإمام البخاري بهذا القول، حتى لو قيل: إن المراد علي بن المديني وقلنا: إن البخاري يرى هذا القول ومسلم يعرف مذهب شيخه، لا يمكن أن يصف البخاري بهذا القول الشديد، والعلماء قاطبة تتابعوا على هذا، على أن رأي البخاري لا بد من ثبوت اللقاء، إذاً كيف يشنع مسلم ويشدد على من يرى ثبوت اللقاء، ويصف القول بأنه قول مخترع مبتدع، وأنه وجد أحاديث بالعنعنة لا تروى إلا معنعنة ولم يثبت لقاء الراوي لمن روى عنه، وضرب لذلك أمثلة بأحاديث، لكن هذه الأحاديث مخرجة عند مسلم بالتصريح بالتحديث، مسلم يقرر أنها لم ترو إلا معنعنة، ولم يثبت لقاء الراوي لمن روى عنه مع أن مسلم خرج هذه الأحاديث بالتصريح هذا من جهة. الأمر الثاني: كون الإمام مسلم يشنع على المبتدع الذي يقول بهذا القول المبتدع المخترع لا يعني أنه يرد على البخاري، نعم نقول: هذا من شدة تحري البخاري واحتياطه، من شدة تحري الإمام البخاري واحتياطه، وكون بعض المبتدعة يستفيد من قول البخاري في تأييد بدعته لا يعني أننا نرد على الإمام البخاري الذي تحرى واحتاط للسنة.

عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما رد على أبي موسى حديث الاستئذان حتى يشهد له غيره احتياطاً وشدة تحري لما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم يعتمد المعتزلة على هذا الخبر على شدة تحري عمر -رضي الله عنه- وشدة احتياطه، يعتمد المعتزلة في رد خبر الواحد، وإذا أردنا أن نرد على المعتزلة هل نرد على عمر؟ نعم، حينما يرد أهل السنة على المعتزلة الذين يردون خبر الواحد هل هم يردون على عمر -رضي الله عنه-؟ لا، أظن هذا ظاهر، ظاهر وإلا لا؟ عمر -رضي الله عنه- رد خبر الاستئذان على أبي موسى حتى يشهد له غيره، فالإنسان إذا أوجس خيفة وأراد أن يحتاط لنفسه ولدينه وهذا مسئول مسئول عن الدين، أمير المؤمنين، هذه وظيفة ولي الأمر الاحتياط للدين وأهله، الاحتياط للدين وأهله، فكونه يرد خبر الاستئذان على أبي موسى حتى يشهد له غيره لا يعني أن عمر -رضي الله عنه- يرد خبر الواحد، كونه يحتاط لأمر من الأمور ويستغل هذا الاحتياط لأمور أخرى لا يعني أنه يقول بهذا القول المخترع المبتدع، يعني الإمام البخاري حينما يحتاط للسنة ويطلب لصحيحه الشرط القوي هذا لا يعني أنه لا يصحح غير ما اشتمل عليه الشرط، صحح أحاديث فيما نقله الترمذي وغيره دون شرطه في الصحيح، شرطه في الصحيح في غاية القوة، خرج أحاديث في الأدب المفرد صححها أهل العلم وهي ليست على شرطه في الصحيح؛ لأن شرطه في الصحيح أقوى، فكون الإمام مسلم -رحمة الله عليه- يرد على من يقول بهذا القول المخترع نعم يرد على من يجير -يعني بلغة العصر- يجير قول الإمام البخاري تأييداً لمذهبه وبدعته، يعني حينما يحصل كلام فيه إجمال لإمام من أئمة المسلمين ويحتمل أكثر من معنى فيأتي شخص فيحمله على المعنى الذي يريده لغرض ما، فإذا رددنا على هذا الشخص الذي حمل قول الإمام على الغرض الذي يريده فإننا لا نرد على الإمام بل نحمله ونرده إلى نصوصه الواضحة المبينة المفسرة ونترك مثل هذا المجمل.

على كل حال المسألة تحتاج إلى بسط طويل، وألف في هذا من قبل المتقدمين كتب في الخلاف بين الإمامين البخاري ومسلم في السند المعنعن لابن رشيد الفهري، وهو من أئمة هذا الشأن كتاب اسمه: (السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن) هذا كتاب نفيس ينبغي أن يطلع عليه طالب العلم، وأهل العلم في كل من كتب في مصطلح الحديث ينسب هذا القول للإمام البخاري، ولا يعني هذا أن الإمام البخاري لا يصحح الحديث إلا باللقاء، نعم هو لا يدخله في صحيحه إلا بثبوت اللقاء، وشرطه في الصحيح شرط عظيم، يعني كونه لا يدخل حديث حتى يصلي ركعتين هل من شرط صحة الحديث أن يصلي ركعتين استخارة؟ هذا من شدة تحريه واحتياطه، ولا يعني هذا أنه .. إن صحح الأحاديث ولو بدون صلاة ركعتين، وصحح أحاديث فيما نقله أهل العلم خارج الصحيح وهي أقل من شرطه في صحيحه، جامع الترمذي وعلله مملوءة بهذا النوع، النقول عن الإمام البخاري. حكى القاضي عياض -رحمه الله تعالى- في إكمال المعلم عن من لم يسمه من المغاربة وسماه الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح القاسم التجيبي، وهو موجود في فهرسته أنهم فضلوا صحيح مسلم على صحيح البخاري، بعض المغاربة فضلوا صحيح مسلم على صحيح البخاري، وهذا القول مفهوم من كلام أبي علي الحسين بن علي النيسابوري، وعلل ابن حزم تفضيل مسلم على البخاري بأنه ليس فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد.

صحيح مسلم فيه مقدمة الكتاب، ثم بعد ذلكم الأحاديث المرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- سرداً ما في ولا تراجم ولا عناوين، فيه آثار موقوفة قليلة جداً، وفيه معلقات يسيرة عدتها أربعة عشر حديثاً كلها موصولة في الصحيح نفسه على ما سيأتي بيانه في بحث المعلق إلا حديث واحد موصول في البخاري، إذاً المعلقات في صحيح مسلم لا تبحث، الموقوفات أحياناً مسلم له لفتات كما في أحاديث مواقيت الصلاة وهو يسوق الأحاديث بأسانيدها -رحمة الله عليه- قال يحيى بن أبي كثير: "لا يستطاع العلم براحة الجسم" أدخل هذا الخبر الموقوف بل المقطوع على يحيى بن أبي كثير بين أحاديث المواقيت، وهذا نادر عنده، لكن إيش مناسبة هذا الكلام لأحاديث المواقيت؟ "لا يستطاع العلم براحة الجسم" هذا الكلام صحيح لا يستطاع العلم براحة الجسم، لو العلم ينال بالنوم والسواليف بالاستراحات كان كل الناس علماء، صحيح؛ لأن هذا العلم مما حفت به الجنة، ولا شك أنه مكروه ثقيل على النفس، الناس يسولفون وأنت حانٍ ظهرك تقرأ وتحفظ، هذا صعب، فلا يستطاع العلم براحة الجسم، إذاً ما علاقة هذا الكلام بأحاديث المواقيت؟ أحاديث المواقيت التي ساقها الإمام مسلم -رحمة الله عليه- وأعجبه حسن السياق في المتون والأسانيد يريد أن يبين لطالب العلم أن مثل هذا الإتقان وهذا الضبط لا يمكن أن ينال مع الراحة، لا بد له من تعب ومعاناة، فيلفت نظر القارئ إلى مثل هذه الدقائق، وإن أشكل على كثير من الشراح وجود هذا الكلام بين أحاديث المواقيت. أقول: هذا لأبين أن في صحيح مسلم أشياء يسيرة من الموقوفات، أما صحيح البخاري فكثير جداً فيه الأخبار الموقوفة، وفيه المعلقات الكثيرة، فيه أكثر من ألف وثلاثمائة حديث معلق، لكن هذه الأحاديث جلها موصول، كلها موصولة في الصحيح نفسه عدا مائة وستين حديث هذه ليست موصولة تولى وصلها الحافظ ابن حجر وغيره ممن شرح الكتاب، وأفرد لها ابن حجر كتاباً أسماه (تغليق التعليق).

إذا كان سبب تفضيل مسلم عند المغاربة كما قال ابن حزم: إنه ليس فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد، فإن هذا غير راجع إلى الأصحية، بل راجع إلى التجريد، فإذا استثنيي من صحيح البخاري المعلقات والموقوفات لم يتجه ما قاله ابن حزم. وأما المنقول عن أبي علي النيسابوري ولفظه: "ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم" قالوا عن هذا: بأنه لا يقتضي ترجيح مسلم على البخاري، بل هذا ينفي أن يوجد كتاب أصح من صحيح مسلم وكونه ينفي وجود الأصح ...

شرح نخبة الفكر (4)

شرح نخبة الفكر (4) الكلام على: (الحسن - وزيادة الثقة - والمحفوظ والشاذ - والمعروف والمنكر - والفرد - والمحكم - ومختلف الحديث ... ) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير بل هذا ينفي أن يوجد كتاب أصح من صحيح مسلم وكونه ينفي وجود الأصح لا ينفي وجود المساوي، ولذا لا يحسن أن ينسب إليه الجزم بالأصحية، إذا قلت: لا يوجد أعلم من زيد، هل معنى هذا أنه لا يوجد مساوي له؟ أنت تنفي وجود الأعلم لكنك في الوقت نفسه لا تنفي وجود المساوي له في العلم، وعلى هذا لا يحسن أن ينسب إليه الجزم بالأصحية، وهذا يتأيد بحكاية قول ثالث في المسألة، وهو أن الصحيحين في مرتبة واحدة من حيث الأصحية، هما سواء، لكن جماهير أهل العلم والذي يشهد له الواقع أن صحيح البخاري أشد، أقوى في الصحة، أقوى وهو الذي يؤيده الواقع ويشهد له، لا شك أن الإمام البخاري يتحرى، ولا يعني أننا إذا قلنا: إن صحيح البخاري أصح أن في مسلم أحاديث غير صحيحة، لا، هناك الصحيح وهناك الأصح، على أن مسلماً -رحمه الله تعالى- يسوق الحديث في موضع واحد بطرقه وأسانيده، فيجعل الحديث الذي تكلم فيه من بين هذه الأسانيد المذكورة يرتفع وينجبر الكلام فيه بما ذكر معه. أول من صنف في الصحيحِ ... محمد وخص بالترجيحِ ومسلم بعد وبعض الغرب مع ... أبي علي فضلوا ذا لو نفع وهذه المفاضلة إجمالية، ولا تعني أن كل حديث في صحيح البخاري أصح من كل حديث في صحيح مسلم، بل إجمالاً الأحاديث المحكوم عليها بأنها أصح في صحيح البخاري أكثر من الأحاديث الأصح في صحيح مسلم، ثم يلي ما خرجه مسلم في صحيحه عرفنا أن الدرجة الأولى المتفق عليه يعني ما خرجه الشيخان، الثاني: ما تفرد به البخاري، ثم ما تفرد به مسلم، ثم يلي ما خرجه مسلم متفرداً به ما حوى شرطهما، شرط الشيخين معاً، يعني عند غيرهم، وكثيراً ما نسمع الحاكم يقول: صحيح على شرطهما، صحيح على شرطهما، وأحياناً يقول: صحيح على شرط البخاري، وأحياناً يقول: صحيح على شرط مسلم، وأحياناً يقول: صحيح فقط من غير أن يضيفه إلى شرطهما أو شرط واحد منهما فما المراد بشرط الشيخين؟ اختلف العلماء في المراد بشرط الشيخين على أقوال:

جمع من أهل العلم يرون أن المراد بشرطهما رواتهما مع باقي شروط الصحيح، يعني إذا وجدنا هذا الحديث عند أبي داود مثلاً مخرج بإسناد خرج له البخاري ومسلم بالصورة المجتمعة نقول: صحيح على شرطهما، نعم، نقول: صحيح على شرطهما، وجدنا حديث عند أبي داود أو عند غيره من أصحاب السنن مخرج بسند خرج فيه البخاري أحاديث في الصورة المجتمعة ولم يخرج لهم أو لبعضهم مسلم نقول: صحيح على شرط البخاري، إذا وجدنا الحديث خرج برواة أخرج لهم البخاري بالصورة المجتمعة لا يعني أننا نلفق مجرد ما ننظر أن هذا الراوي مرموز له برمز البخاري ومسلم، نقول: شرط البخاري ومسلم ولو روى عن شخص ما روى عنه في الصحيحين أو أحدهم، لماذا؟ لأن بعض الرواة قد يوثق توثيق نسبي في روايته عن بعض الشيوخ، ويضعف في روايته عن آخرين، ولو كان الشيخ الثاني الذي ضعفت روايته عنه ثقة، يعني إذا كان شخص ملازم لشيخ فروى عنه تكون روايته مع طول الملازمة أقوى من رواية غيره، فهذا الشخص الذي لازم هذا الشيخ لو روى عن شيخ آخر ما لازمه تلك الملازمة المطلوبة تكون روايته أقل من روايته عن شيخه الذي لازمه، وإن كان الشيخان في رتبة واحدة من التوثيق، فلا بد من أن يكون الحديث على شرطهما من اجتماع الصورة واكتمالها، فلان عن فلان عن فلان بهذا خرج في الصحيح. بهذا أقول: قال ابن الصلاح والنووي وابن دقيق العيد والذهبي والحافظ ابن حجر وجمع من أهل العلم، يقول السخاوي: "ويقويه تصرف الحاكم في مستدركه، فإذا كان عنده الحديث قد أخرجا معاً لرواته فإنه يقول: صحيح على شرط الشيخين"، يعني وإن كان الحديث عنده قد أخرج لرواته البخاري فقط قال: صحيح على شرط البخاري، وإن كان عند مسلم فقط قال: صحيح على شرط مسلم وهكذا، وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال: صحيح الإسناد فحسب ولا يضيفه إلى أحد الشيخين، فلا يقول: على شرطهما ولا على شرط واحد منهما.

ومن أصرح ما يستدل به من كلام الحاكم أنه خرج حديثاً من طريق أبي عثمان وقال بعده: صحيح الإسناد، وأبو عثمان ليس هو النهدي، ولو كان النهدي لقلت: إنه على شرطهما، هذا يقوي القول بأن المراد بشرط الشيخين رواة الصحيحين، واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعم، طيب الحاكم نفسه في مقدمة المستدرك يقول: "وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلهم الشيخان" احتج بمثلهم، إيش يعني مثلهم؟ يعني ما احتج بهم أنفسهم، احتج بمثلهم الشيخان، ولم يحتج الشيخان بهم أنفسهم، هذا يخالف الكلام الذي قررناه؟ يخالف؛ لأن مثل الشيء ليس هو الشيء نفسه، إذا قلت: هذا الكتاب مثل هذا الكتاب يعني أن هذا الكتاب هو ذلك الكتاب؟ لا، واضح وإلا لا؟ ابن حجر يقرر أن هذا لا يؤثر على ما قرروه، لماذا؟ يقول: "المثلية تستعمل في حقيقتها وفي مجازها -تستعمل في حقيقتها وفي مجازها- فتستعمل في حقيقتها إذا أخرج لرواة غير رجال الصحيحين"، يعني مثل رجال الصحيحين وهم غيرهم، وتستعمل في مجازها إذا خرج لرواة أخرج لهم الشيخان بأنفسهم وأعيانهم، واستعمال اللفظ في معنييه عند الشافعية سائغ، استعمل اللفظ في آن واحد في حقيقته ومجازه ويمنعه الأكثر، ويستدل الحافظ بقصة شخص قال لآخر: اشترِ لي مثل هذا الثوب الذي معك، اشترِ لي مثل هذا الثوب الذي معك، فذهب الوكيل إلى صاحب الثوب نفسه واشترى الثوب، نعم، اشترى الثوب، فلما جاء إلى الموكل قال: أنا ما قلت لك: اشترِ لي الثوب، قلت لك: اشترِ لي مثل هذا الثوب، فتخاصما عند شريح القاضي، فألزم الموكل بأخذ الثوب وقال له: لا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، لا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، يعني هل هناك هدف للحاكم حينما يعدل عن رواة الصحيحين إلى أمثالهم ونظرائهم؟ هل هناك فائدة؟ نعم، ليس هناك فائدة، يعني لما ترى سيارة تعجبك مع شخص تقول: كم؟ يقول: والله هذه اشتراها فلان بعشرين ألف، تقول له: تراني أنا موكل لك إن وجدت لي مثل هذه، هذه فرصة مثل هذه السيارة بعشرين ألف، سيارة جيدة والسعر مناسب، فذهب إلى صاحب السيارة قال: أعطه إياه بالعشرين، هل لك أن تقول: أنا لا أريد السيارة نفسها أنا أريد مثلها؟ أنت ما حددت سيارة بعينها

تريدها، إنما أعجبتك هذه السيارة ولا شيء أشبه بها منها، فعلى هذا يكون استعمال الحاكم للمثلية هنا للرواة أنفسهم، وخرج في كتابه لرواة رأى من وجهة نظره أنهم مثل رواة الصحيحين في القوة، وإن كان بينهم مفاوز؛ لأن الحاكم -رحمه الله تعالى- معروف تساهله، ذهب الحاكم أبو عبد الله إلى أن شرطهما أن يروي الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحابي زال عنه اسم الجهالة بأن يروي عنه تابعيان عدلان، ثم يروي عن التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة، وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه من أتباع التابعين حافظ متقن وله رواة من الطبقة الرابعة، ثم يكون شيخه البخاري أو مسلم حافظاً مشهوراً بالعدالة في روايته"، هل هذا الكلام صحيح؟ ألا يوجد وحدان في الصحيحين مما ليس إلا راوٍ واحد؟ وجد، إذاً كلام الحاكم هنا غير دقيق، وهذا الذي رد عليه في اشتراط التعدد في الرواية وأنه شرط للصحيح، لما تكلم على العزيز قال: وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقيل: شرط وهو قول الحاكمِ هذا هو، وعلى هذا فقوله ضعيف هنا، واعترض على هذا القول بما في الصحيحين من الغرائب بالنسبة للأحاديث، ومن الوحدان بالنسبة للرواة، قال ابن طاهر في شروط الأئمة: "شرط البخاري ومسلم أن يخرج الحديث المجمع على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور، شرط البخاري ومسلم أن يخرج الحديث المجمع على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور واعترض على هذا القول بأنهما قد خرجا لبعض من مس بضرب من التجريح، فعلى هذا لم يتفق على هؤلاء الرواة، بعض الرواة في الصحيحين قد تكلم فيه، إذاً هم غير متفق عليه، وقال الحازمي: "شرط البخاري أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنهم ملازمة طويلة، وقد يخرج أحياناً -هذا شرط البخاري- أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنهم ملازمة طويلة"، خلاصة ما يقوله الحازمي أن للرواة مع شيوخهم أحوال، أو يمكن أن يقسم الرواة إلى طبقات: الطبقة الأولى: من اتصفوا بالضبط والإتقان مع ملازمة الشيوخ، هذه الطبقة الأولى. الطبقة الثانية: من شاركوا الأولى في الضبط والحفظ والإتقان، وخفة ملازمتهم للشيوخ.

الطبقة الثالثة: من لازموا الشيوخ مع خفة في الضبط والحفظ والإتقان لا يصل إلى حد القدح. الطبقة الرابعة: من ضعف فيهم الأمران، خفة ملازمتهم للشيوخ مع خفة ضبطهم وحفظهم وإتقانهم. الطبقة الخامسة: يقول: نفر من الضعفاء والمجهولين. فالطبقة الأولى هم شرط البخاري الذين اتصفوا بالأمرين معاً: الحفظ والضبط والإتقان مع ملازمة الشيوخ، وقد ينزل فينتقي من أحاديث الطبقة الثانية الذين هم ما زالوا في الحفظ والضبط والإتقان، لكن خفة ملازمتهم للشيوخ. الإمام مسلم يستوعب أحاديث الطبقة الأولى والثانية، وقد ينزل إلى الثالثة من لازموا الشيوخ مع كونهم خف ضبطهم وإتقانهم شيئاً يسيراً، ينزل إلى الطبقة الثالثة التي هي شرط أبي داود والنسائي، وقد ينزل أبو داود والنسائي إلى الطبقة الرابعة التي هي شرط أبي عيسى الترمذي وابن ماجه، وأما الطبقة الخامسة فلا يعرج عليها إلا أبو عيسى الترمذي أحياناً وابن ماجه، إذا تصورنا هذه الطبقات الخمس للرواة عرفنا ترتيب الكتب وشدة تحري أصحابها، هذا خلاصة ما قاله الحازمي في شروط الأئمة الخمسة، وعلى كل حال الأصح من هذه الأقوال هو القول الأول، وهو أن المراد بشرط الشيخين رواتهما. وأرفع الصحيح مرويهما ... ثم البخاري فمسلم فما شرطهما حوى فشرط الجعفي ... فمسلم فشرطُ غيرٍ يكفي

وعلى هذا تخرج لنا سبعة أقسام: ما اتفق الشيخان على إخراجه، ما انفرد البخاري بتخريجه، ما انفرد مسلم بإخراجه، ما كان على شرطهما معاً، ما كان على شرط البخاري، ما كان على شرط مسلم، قسم سابع: ما صح عند غيرهما مما هو ليس على شرطهما، وعلى هذا على طالب العلم أن يعتني بما اتفق عليه الشيخان؛ لأنه أصح الصحيح، ما اتفق عليه الشيخان أصح الصحيح، وألفت فيه الكتب، منها: (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) هذا كتاب لأحد الشناقطة مطبوع مع شرحه في خمسة أجزاء، لكن ترتيبه غث، أجود منه في الترتيب (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان) لمحمد فؤاد عبد الباقي اعتمد فيه ترتيب مسلم، ومسلم مبدع في الترتيب، ولو اعتنى الإنسان بنفسه وتوصل إلى المتفق عليه بجهده كان أفضل من أن يقلد أحداً، ومن السهولة أن يطلع الإنسان على ما اتفق عليه، الآن كل شيء متيسر، تحفة الأشراف إذا وجدت الرمز فيه الخاء والميم فهو متفق عليه، بهذه الطريقة تجمع ما اتفق عليه الشيخان، وتعتني به وتجعله ديدنك، ثم تعتني بما تفرد به البخاري؛ لأنه هو الدرجة الثانية بعد المتفق عليه، فتأخذ ما زاد عند البخاري، ثم تأخذ ما زاد عند مسلم، بعضهم يقول: أختصر فأخذ البخاري جملة، ثم أخذ زوائد مسلم هذا جيد، هذا جيد وفي ضوء هذا تدرك ما اتفق عليه الشيخان، لكن أولويات المسألة والعمر لا يتسع لحفظ الجميع ومطالعة الجميع دفعة واحدة، فإذا اعتنى الإنسان في المتفق عليه وتصوره وحفظه -إن أمكن- صار مباشرة يسمع حديث يقول: هذا حديث متفق عليه؛ لأنه استخرج هذه الأحاديث بنفسه وتعب عليها، الذي يحفظ العمدة -عمدة الأحكام- مجرد ما يسمع حديث من أحاديث العمدة يقول: هذا في الصحيحين؛ لأن من شرط صاحب العمدة أن يكون مما اتفق عليه، وإن أخل بشرطه أحياناً، لكن هذا نافع لطالب العلم زاد له في المستقبل، ثم بعد هذا يأخذ ما زاد على ما اتفق عليه، ما انفرد به البخاري ثم ما انفرد به مسلم، ثم يأخذ زوائد أبي داود على الصحيحين، ثم زوائد الترمذي، ثم زوائد النسائي، ثم زوائد ابن ماجه، ثم يأخذ زوائد الموطأ والمسند وهكذا ويضيف، ولتكن عنايته ومطالعته ومدارسته للكتب الأصلية بأسانيدها يقرأ ويحلل

ويعتني ويشرح ويراجع الشروح على الكتب الأصلية، الحفظ قد لا يتسنى له الكتب الأصلية بأسانيدها بهذه الطريقة التي ذكرناها، والله المستعان. طالب:. . . . . . . . . اللفظ ليس مقصوداً، إذا اتحد الصحابي والمعنى واحد فهو متفق عليه، إذا اتحد الصحابي والمعنى واحد فهو متفق عليه، ولو اختلف المتن. طالب:. . . . . . . . . أقول: في النوع الذي يجمع للحفظ نعم. طالب: المتابعات والشواهد. المتابعات والشواهد، أقول: المتابعات والشواهد هي داخلة في كتاب تلقته الأمة بالقبول، وليس فيها الضعيف نعم، قد يوجد فيها ما ينزل عن شرطه، نعم لأنه لم يعتمد عليه، قد يوجد فيها من تكلم فيه بكلام خفيف؛ لأن البخاري أو مسلم لم يعتمد على هذا الإسناد، اعتمد على غيره، ويأتي ذكر المتابعات والشواهد وأنه يتسامح فيها ما لا يتسامح ويتجاوز في الأصول، يأتي هذا -إن شاء الله- قريب. طالب:. . . . . . . . .

هذه مسألة مهمة والإخوان الذين يوجهون الطلاب إلى الحفظ ويعتنون به كانوا في أول الأمر يعتنون بلفظ مسلم، ويأخذون زوائد البخاري، حصل في هذا مناقشات طويلة، وحجتهم في ذلك أن مسلم يعتني بالألفاظ، بألفاظ الرواة وينبه على الاختلاف، ولو كان يسيراً لا يترتب عليه فائدة، وهذا يدل على دقة تحريه، حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان، حدثنا فلان وفلان قال فلان: أخبرنا، وقال الآخر: حدثنا، يعتني بهذه الأمور بدقة، ويبين فروق الروايات باستيعاب لهذه الفروق، البخاري ما يعتني بهذا أبداً، البخاري ما يعتني بهذا، قد يروي الحديث عن مجموعة اثنين ثلاثة ومع ذلكم لا يبين صاحب اللفظ، لكن ظهر بالاستقراء من صنيعه أن اللفظ يكون للأخير، اللفظ يكون للأخير، هل هذا يرجح لفظ مسلم على لفظ البخاري؟ ويكون ترجيح مسلم في الحفظ على البخاري له وجه أو لا؟ له وجه وإلا ما له وجه؟ أقول: لا وجه له، لماذا؟ الإمام مسلم حينما يبين ألفاظ هؤلاء الرواة الذين أخرج الحديث من طريقهم نعم، وقد جوزنا لهؤلاء الرواة أن يرووا بالمعنى، هل معنى هذا أننا نجزم الذي في صحيح مسلم هو لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ هو لفظ من نسب إليه من الرواة بدقة، الإمام مسلم يتحرى في هذا، الإمام البخاري ينقل عن رواة وكلهم ثقات ما رووه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمعنى؛ لأن جماهير أهل العلم يجوزون الرواية بالمعنى، فنحن نجزم أن هذا اللفظ لقتيبة بن سعيد من شيوخ مسلم لا لأبي بكر بن أبي شيبة، لكن هل نجزم أن قتيبة بن سعيد روى لنا اللفظ النبوي وهو من يجوز الرواية بالمعنى؟ بينما لو وجد في البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف ومحمد بن سلام نعم وما بين لفظ أحدهما، ما نجزم أن هذا لفظ هذا أو ذاك، لكن نجزم أن هذين وهما من الثقات رووا لنا هذا الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمعنى، وقد يكون رووه باللفظ، فمسلم حين يبين لنا أن هذا اللفظ عن هذا الراوي بدقة، أو عن هذا الراوي بدقة لن يخرج عن كون الرواية بالمعنى جائزة، فهذا اللفظ المسوق لهذا الرواي، لكن هل هذا اللفظ هو لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم، الله أعلم. كيف؟ طالب:. . . . . . . . .

لا، أنا أقول لك: مسلم لما يروي الحديث عن مجموعة من رواته -من الرواة- يقول: واللفظ لفلان، لفظ الخبر الذي ساقه لفلان، أي هو رجح هذا اللفظ على اللفظ الثاني حدثنا قتيبة بن سعيد نعم وأبو بكر بن أبي شيبة ويحيى بن يحيى ثلاثة، واللفظ ليحيى، إذاً ما الذي لأبي بكر بن أبي شيبة وقتيبة؟ المعنى قطعاً، وكل من الثلاثة روى الحديث بالمعنى، لا يلزم أن يكون رووه باللفظ، ما الذي يدرينا أن قتيبة أو يحيى رواه باللفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ بينما البخاري يروي عن هؤلاء الثلاثة أو اثنين مثلاً ولا يقول: اللفظ لفلان، هل يختلف صنيع هذا عن صنيع هذا بالنسبة لما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ما يختلف ترى، ما في كبير اختلاف، وإن كان بالاستقراء ظهر أن اللفظ الذي يسوقه البخاري للثاني منهما، للأخير وليس للأول، يعني مسلم حينما يعتني ببيان صاحب اللفظ ويهمله البخاري وعرف من طريقته وقاعدته المطردة أنه للأخير منهما لا يعني أن هذا لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا أن ذاك لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن جماهير أهل العلم يجوزون الرواية بالمعنى، وإلا فماذا لو قال: حدثنا قتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى واللفظ، نعم لقتيبة مثلاً، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وآخر من شيوخه واللفظ لفلان ثم جاء لنا بلفظ مخالف عن لفظ الأول، كون هذا لفظ أبي بكر بن أبي شيبة صرح به أنه لفظ أبي بكر بن أبي شيبة، والأول لفظ قتيبة بن سعيد ونقارن بينهما المعنى واحد، لكن هل نجزم أن هذا لفظ النبي أو ذاك؟ الله أعلم. لا نشك في أن هذا المعنى قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، جماهير أهل العلم على تجويز الرواية بالمعنى على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

فعلى هذا ينبغي أن يعتني طالب العلم بصحيح البخاري، ويصرف جل همه وأكثر وقته لصحيح البخاري، يعني بعد كتاب الله -عز وجل- هذا الأمر ما يختلف فيه أحد، ثم يأخذ زوائد مسلم من مسلم على البخاري، ثم يأخذ زوائد أبي داود وهكذا، وبالتدريج لو يحرر كل يوم حديث أو حديثين أو ثلاثة ما يأخذ له عشر سنين إلا وهو منهي الستة، منهي الستة، لكن الإشكال أننا نتعاظم، كم عشرين مجلد؟ مستحيل تحفظ هذه، والتسويف وطول الأمل كل هذا يعوق عن التحصيل، والله الآن إجازة الناس رايحين جايين خلي بيننا ارتبطنا بدنا ما نروح ولا نجي إلى بداية الدراسة، إذا جاءت الدراسة الآن ننتبه لرمضان خليه إذا أفطرنا -إن شاء الله-، ثم إذا أفطر قال: الحين جاء الحج، وإذا تفرغنا بدأ الحج خلاص ما صار عندنا شيء، بعد الحج لا والله جاءت الاختبارات خلينا بالإجازة وهذا .. ، العمر يفوت هكذا، العمر يضيع بهذه الطريقة، لكن من .. ، إذا هممت بأمر خير فاعجل، خلاص قررت ابدأ اليوم، لو تحفظ حديث في اليوم أو آية في اليوم، خليك أسوأ الناس حفظ، على أسوأ الاحتمالات أنك أسوأ الناس حفظ احفظ آية، احفظ آية، عشرين سنة وتحفظ القرآن كامل، لكن تقول: اليوم، غداً، بكرة، الإجازة، ليالي الشتاء المباركة، في نهار الصيف الطويل، ثم خلاص ينتهي العمر وما سويت شيء، ونعرف بعض الشباب وهم أئمة مساجد يحفظون رياض الصالحين، كيف حفظ رياض الصالحين؟ وفي أحد اتجهت همته لحفظ رياض الصالحين؟ نعم، ما في أحد، ليش؟ كيف حفظوا رياض الصالحين؟ بعد صلاة العصر يقرأ على الجمع أحاديث، حفظ الحديث يكلفه شيء؟ يقرأ حفظ بدل ما يقرأ في الكتاب، الحديث ثلاثة أسطر أربعة يحفظه ثم يلقيه على الجماعة سنة واحدة أو سنة ونصف وهو منتهي من الكتاب أو سنتين، وصار عنده خير عظيم من أحاديث الآداب والأخلاق التي يهملها كثير من الناس، لكن مع التدريج، التدريج وترك التسويف وطرح طول الأمل، والله المستعان، يعني إذا حدثتك نفسك أنك إذا جاءت الإجازة تحفظ من يضمن لك أن تدرك الإجازة، والله المستعان. يقول: ما هي المنهجية المثلى في طلب علم الحديث؟

علم الحديث يشمل القواعد التي يتوصل بها إلى الإثبات والنفي، إلى القبول والرد، وهذا ما يعرف بعلوم الحديث ومصطلح الحديث، وعلم الحديث يطلق ويراد به أيضاً الهدف والغاية الذي هو ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير، فما يتعلق بعلوم الحديث وقواعده عرفنا أن طالب العلم عليه أن يسلك الجادة، الطريق المتبع عند أهل العلم فيبدأ بالمختصر وليكن .. ، تكن البداية بالنخبة مثلاً، ثم اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، ثم الألفية، فإذا أتقن هذه الكتب وضبطها وراجع عليها الشروح وسمع ما عليها من أشرطة فإنه يكون حينئذ أتقن العلم نظرياً على طريقة المتأخرين، وعلى قواعدهم. يبقى أنه عليه أن يطبق يخرج الأحاديث، وينظر في الأسانيد، ويصحح ويضعف أيضاً على قواعد المتأخرين، فإذا تمرن وتمكن وصارت لديه أهلية للنظر والموازنة بين الطرق، وعرف المخالفة والموافقة واختلاف الرواة، واستطاع أن يحاكي المتقدمين في طريقتهم في أحكامهم على الأحاديث تعين عليه ذلك؛ لأن المتأخرين عالة على المتقدمين، وهذا انتيهنا منه. علم الحديث الذي هو المتن المضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، الجادة والطريقة عند أهل العلم أن يبدأ بالمتون الصغيرة، فيحفظ الأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، ثم بعد ذلكم يقرأ في الكتب المسندة، ويعتني بالصحيحين، ويجعل جل همه للبخاري ثم مسلم، فإذا أتقن الصحيحين انتقل إلى السنن فعني بسنن أبي داود والترمذي، ثم مرحلة ثالثة يعنى بسنن النسائي وابن ماجه ثم ينتقل بعد ذلك إلى المسند والموطأ وغيرها من كتب السنة. على كل حال هذا خير ما يسلك، لكن بعض الناس يقرأ في الكتب الطويلة وهو ما حفظ الكتب الصغيرة المختصرة، هذا يضيع غالباً، على كل حال العلم مثل السطح يحتاج إلى سلم تصعد فيه درجة درجة حتى تصل، فإذا قرأت في المتون المختصرة وحفظتها، وقرأت شروحها وأتقنتها لك أن ترقى بعد ذلك للكتب المطولة المسندة، وإذا كانت الحاجة تسعف وهناك مزيد حفظ، فليعتني بحفظ الكتاب والسنة؛ لأنهم .. ، هما العدة وهم العمدة التي يعتمد عليها طالب العلم في تأصيل علمه وتأسيسه. الحديث الحسن ظني الثبوت فهل هو ظني الدلالة أيضاً؟

لا ترابط بين الثبوت والدلالة، لا ترابط بين الثبوت والدلالة، فقد يكون الخبر قطعي الثبوت ظني الدلالة، وقد يكون العكس، قد يكون بالعكس قطعي الثبوت ظني الدلالة. ما رأيكم في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] من حيث الثبوت؟ قطعي، لكن دلالة {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} على صلاة العيد مثلاً أو نحر الهدي والأضحية، أو على وضع اليدين على النحر، هل دلالته على هذه المسائل قطعية؟ لا ليست قطعية، إنما هي ظن راجح فهي ظنية، هنا الدلالة ظنية والنص قطعي، هناك أدلة ظنية دلالتها على المسائل قطعية لا تحتمل أكثر من معنى، فالخبر الصحيح إذا لم تحتف به قرينة فهو ظني، الخبر الحسن إذا لم تحتف به قرينة فهو ظني، ومع كونه ظنياً من حيث الثبوت إلا أنه قد يكون قطعياً في الدلالة بحيث لا يحتمل معناه غير ما يتبادر إلى الذهن، فيكون نصاً في الموضوع، أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإخراج العواتق والحيض إلى صلاة العيد، هذا أمر لا يحتمل غير الأمر، فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان، هل في احتمال أن يكون معنى الحديث أنه فرض زكاة المال مثلاً؟ لا، زكاة الفطر من رمضان نص في الباب فهو قطعي الدلالة، وإن كان ثبوته ظنياً، نعم.

الحسن لذاته:

عرفنا أن المعتمد عند أهل العلم أنه لا يمكن أن يطلق على سند بأنه صح مطلقاً، لماذا؟ لو نظرنا إلى ما اختاره الإمام البخاري إمام أهل الحديث، واختار الإمام البخاري أن أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، ابدأ بابن عمر هل هو أوثق الصحابة وأضبطهم؟ هل هو أعدل من أبيه وأوثق من أبيه؟ لا، هل هو أضبط من أبي هريرة وأحفظ من أبي هريرة؟ لا، إذاً في الصحابة من هو أوثق وأضبط منه، فكيف نقول: إن ما جاءنا من طريق ابن عمر أصح الأسانيد؟ ننظر إلى نافع الذي بعده الأكثر على أن سالم أجل من نافع، إذاً كيف نقول بقول البخاري وهو يقول: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر؟ يعني في قول الإمام أحمد وقد تلافى مسألة نافع فقال: سالم، ما رواه سالم عن الزهري عن أبيه، يبقى المشكلة في ابن عمر هل هو أوثق من أبيه؟ لنقول: إن ما يرويه أصح مما يرويه أبوه؟ هذه المسألة حقيقة الكلام في أصح الأحاديث، أصح الأسانيد، أصح الكتب كل هذه أمور نسبية، إجمالية، إجمالية، فحينما نقول: إن البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله لا يعني أن كل حديث في البخاري أصح من كل حديث في مسلم، إنما هو ترجيح إجمالي، والله المستعان. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سم. الحسن لذاته: يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "فإن خف الضبط: فالحسن لذاته، وبكثرة طرقه يصحح، فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد، وإلا فباعتبار إسنادين".

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن خف الضبط فالحسن لذاته"، المراد إذا خف الضبط يعين قل الضبط المشترط للصحيح لذاته الذي سبق وهو تمامه مع بقية الشروط مع توافر بقية الشروط، قلنا: إن المشترط لصحة الحديث: عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، نشترط للحسن لذاته: عدالة الرواة، الضبط -لا نقول: تمام الضبط- يخف قليلاً، اتصال الإسناد، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، إذا خف الضبط ولم يصل إلى حد يكون فيه الراوي سيء الحفظ ولا كثير الغلط، فإنه ينزل حديثه من درجة الصحيح إلى درجة الحسن لذاته، فالحسن لذاته ما اتصل إسناده بنقل عدل خف ضبطه، غير معل ولا شاذ، ما اتصل إسناده بنقل عدل خف ضبطه غير معل ولا شاذ، هذا ما اختاره الحافظ ابن حجر -رحمه الله-، وتبعه جمع ممن جاء بعده. عرفه الخطابي بقوله: "ما عرف مخرجه واشتهر رجاله"، فلم يشترط انتفاء الشذوذ، ولا انتفاء العلة، وفيه مناقشات طويلة حول تعريف الخطابي، وأجوبة لا يتسع المقام لبسطها. الترمذي عرف الحسن بقوله: "كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ً ويرى من غير وجه نحو ذاك"، فاشترط لتسمية الحديث حسناً ثلاثة شروط، لكنه لم يشترط اتصال السند، فيدخل فيه المنقطع بكافة أنواعه، ولم يشترط انتفاء العلة القادحة، فيدخل فيه المعل. ابن الجوزي عرف الحسن بقوله: "الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل"، هناك مناقشات طويلة حول هذا التعريف حتى قال السخاوي: إنه ليس على طريقة التعاريف، ما فيه ضعف قريب محتمل، هذا ليس على طريقة التعاريف يعني التي من شرطها أن تكون جامعة مانعة، لا شك أن الحسن لكونه مرتبة متوسطة مترددة بين الصحة والضعف صعب الحد، تعريفه فيه صعوبة، حتى حكم جمع من أهل العلم أنه ميئوس من تعريفه، لماذا؟ لأنه مرتبة متوسطة، السقف معروف، والأرض معروفة، لكن الهواء الذي بينهما؟ إما أن يطلع حتى يقرب من السقف، أو ينزل نزولاً شديداً حتى يقرب من الأرض، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: والحسن المعروف مخرجاً وقد ... اشتهرت رجاله بذاك حد (حمد) -يعني الخطابي- وقال الترمذي: ما سلم ... من الشذوذ مع راوٍ ما اتهم

بكذب ولم يكن فرداً ورد ... قلت: وقد حسن بعض ما انفرد وقيل: ما ضعف قريب محتمل ... فيه وما بكل ذا حد حصل كل هذه التعاريف ما حصل بها الحد. وقيل: ما ضعف قريب محتمل ... فيه وما بكل ذا حد حصل فأقرب التعاريف هو تعريف الحافظ الذي ذكره هنا، "بكثرة طرقه يصحح" الحسن لذاته إذا جاء من أكثر من طريق كل منها حسن بذاته فإنه يصل إلى درجة الصحيح لغيره، فالصحيح لغيره هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، يقول ابن حجر: "لأن للصورة المجموعة قوة تجبر القدر الذي قصر به ضبط راوي الحسن عن راوي الصحيح، عرفنا أن راوي الصحيح في الدرجة العليا من الضبط، وراوي الحسن أقل منه، فإذا جاء من يعضده ممن هو على مستواه نعم، في درجته في الحفظ الذي هو أقل من حفظ راوي الصحيح يجبر بعضهم بعضاً، وينجبر هذا بذاك، ومن ثم تطرق الصحة على الإسناد الذي يكون حسناً لذاته لو تفرد إذا تعدد، يعني إذا تعدد يكون الحديث صحيحاً، وإن لم يكن صحيحاً لذاته بل هو صحيح لغيره، ومثلوا له بحديث محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) رواه الترمذي، وقال: صحيح لأنه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولذا يقول الحافظ العراقي: والحسن المشهور بالعدالة ... والصدق راويه إذا أتى له طرق أخرى نحوها من الطرق ... صححته كمتن (لولا أن أشق) إذ تابعوا محمد بن عمرِو ... عليه فارتقى الصحيح يجري ارتقى إلى درجة الصحيح لأن محمد بن عمرو بن علقمة توبع وهو في حفظه شيء، عدل لكن في حفظه شيء ينزل حديثه من درجة الصحيح إلى درجة الحسن.

"فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد وإلا فباعتبار إسنادين" إن جمع الحكم بالصحة والحسن على حديث واحد، يعني إذا قيل: هذا حديث حسن صحيح، هل يمكن أن يقال: هذا حديث حسن صحيح؟ نعم؟ نعم، قال الترمذي كثيراً: "هذا حديث حسن صحيح"، هذا فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ ما في إشكال؟ استشكل الجمع بين الصحة والحسن، لا شك أنه مشكل، لماذا مشكل؟ لأنك إذا قلت: هذا حديث حسن حكمت عليه بالدرجة الدنيا، وإذا قلت: صحيح حكمت عليه بأنه بالدرجة العليا، فكونك تجمع بين حكمين مختلفين على شيء واحد هذا لا شك أنه مشكل، يعني لما تنجح في الاختبار ما يقال لك: إيش تقديرك؟ تقول: جيد جداً ممتاز، صحيح وإلا لا؟ تقديرك جيد جداً ممتاز، جيد جداً يعني حسن، ممتاز يعني صحيح، فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ فيه إشكال؛ لأنك إذا حكمت عليه بالصحة حكمت بأنه بلغ الدرجة العليا، وإذا قلت: حسن أنزلته عن هذه الدرجة، لا شك أنه مشكل، والإشكال مع اتحاد الجهة، لكن إذا انفكت الجهة انتهى الإشكال، إيش معنى هذا الكلام؟ خلونا في مثالنا العادي إذا قيل: ما تقديرك؟ تقول: جيد جداً ممتاز، إيش جيد جداً ممتاز؟ تقول له: التقدير العام جيد جداً وفي التخصص ممتاز، نقول: كلامك صحيح، مثله إذا قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح" إن كان مروي من طرق فهو من طريق صحيح ومن طريق حسن، هذا ما فيه إشكال، ولذا يقول الحافظ: "فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد، وإلا فباعتبار إسنادين"، فباعتبار إسنادين واحد صحيح وواحد حسن، طيب، إذا قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، هل نقول: إنه صحيح من طريق حسن من طريق آخر وهو ما له إلا طريق واحد؟ يأتي الاحتمال الأول للتردد في الناقل، يعني الذي حكم على الحديث متردد ما جزم، شاك في الراوي هل يبلغ درجة الصحيح في الضبط والحفظ والإتقان أو ينزل عنها فيكون مما خف ضبطه متردد في الخبر، متردد في حكمه على الحديث تبعاً لتردده في الحكم على ناقله.

زيادة الثقة:

على الاحتمال الأول أنه حسن باعتبار طريق صحيح باعتبار طريق آخر هل هو أقوى أو إذا قيل: صحيح فقط؟ أيهما أقوى؟ إذا قيل: حسن صحيح والحديث مروي من طرق بعضها صحيح وبعضها حسن هل هو أفضل وإلا إذا جزمنا وقلنا: حديث صحيح؟ إذا ترددنا، إذا قلنا: حسن صحيح؛ لأنه صحيح من طرق، وحسن من طرق أخرى، يعني هل يضيره أن يكون حسن بعد كونه صحيح؟ أما إذا كان الجمع بين الحكمين التردد هل بلغ أو ما بلغ؟ لا شك أن الصحيح المجزوم به أقوى من المتردد فيه، فإذا جمع وصف الصحة مع وصف الحسن في حديث واحد كقول الترمذي كثيراً هذا حديث حسن صحيح فلا يخلو من حالين: أن يروى الحديث بإسناد واحد فإطلاق الوصفين ناشئ عن التردد الحاصل من المجتهد في راويه الناقل له، هل اجتمعت فيه شروط الصحة أو قصر عنها؟ وعلى هذا فما قيل فيه: حسن صحيح دون ما قيل فيه: صحيح فقط؛ لأن الجزم أقوى من التردد. الثانية: أن يروى بأكثر من إسناد فإطلاق الوصفين معاً على الحديث يكون باعتبار إسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن، وعلى هذا فما قيل فيه: حسن صحيح فوق ما قيل فيه: صحيح فقط. هناك أجوبة أخرى عن هذا الإشكال وصل ثلاثة عشر جواباً، هناك جواب ثالث: أن المراد بالحسن الحسن اللغوي دون الاصطلاحي، فيراد بقوله: حسن أن لفظه حسن، لكونه مما فيه بشرى للمكلف وتسهيل عليه وتيسير له وغير ذلك مما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب، قال ابن الصلاح: "إنه غير مستنكر –يعني هذا الجواب-، وهناك أجوبة أخرى لا نطيل بذكرها، نعم. زيادة الثقة: أحسن الله إليك: "وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق".

نعم زيادة راويهما راوي الصحيح وراوي الحسن مقبولة إذا جاءتنا زيادة من طريق راوٍ ثقة جمع من الثقات يروون حديثاً ثم زاد عليهم واحد منهم جملة مثل في دعاء الفراغ من الوضوء: ((أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) هذه زيادة، وزيادة: ((إنك لا تخلف الميعاد)) هذه زيادة وراويها ثقة، هل نقبل هذه الزيادة لكون من زادها معه زيادة علم خفيت على من نقص أو نقول: لو كانت محفوظة لجاء بها الرواة كلهم، ولم يقتصر عليها واحد؟ وهذه الزيادة مشكوك فيها؟ على كل حال المسألة مختلف فيها منهم من يقبل زيادات الثقات مطلقاً ما لم تكن منافية، ومنهم من يرد زيادات الثقات مطلقاً؛ لأنها مشكوك فيها، وحجة الأول: أن مع من زاد زيادة علم على من نقص، وحجة الثاني: أن هذه الزيادة مشكوك فيها، والخبر بعدمها متيقن. منهم من يقول: الحكم للأحفظ، ننظر إلى أحفظ هؤلاء الرواة فنحكم له، إن كان الأحفظ هو الذي زاد قبلنا الزيادة، وإن كان الأحفظ الثاني رددنا هذه الزيادة، ومنهم من يقول: الحكم للأكثر، منهم من يقول: الحكم للأكثر، فإن كان من زاد أكثر ممن نقص حكمنا بالزيادة وإلا فلا. واقبل زيادات الثقات منهم ... ومن سواهم فعليه المعظم وقيل: لا .... المقصود أن هذه المسألة مما اختلف فيها أهل العلم، وهذه على طريقة .. ،. . . . . . . . . سياق مثل هذا الخلاف إنما يمشي على طريقة المتأخرين القائلين بالأحكام المطردة، أما على طريقة الأئمة فلا، الأئمة الكبار لا يحكمون بالقبول مطلقاً ولا بالرد مطلقاً، فقد يقبلون وقد يردون، تبعاً لما ترجحه القرائن، تبعاً لما ترجحه القرائن. يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق منه".

يريد أن زيادة راوي الحديث الصحيح وهو الثقة وهو الحديث الحسن ممن قصرت رتبته عن راوي الحديث الصحيح قليلاً بحيث لا يصل إلى درجة من ترد روايته مقبولة لدى الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه الخطيب البغدادي سواء كان ذلك من شخص واحد، يعني شخص واحد روى الحديث مرة ناقص ورواه مرة تاماً، فعلى هذا تقبل هذه الزيادة، بأن رواه مرة ناقصاً ورواه مرة أخرى وفيه تلك الزيادة أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصاً خلافاً لمن رد ذلك مطلقاً من أهل الحديث، وخلافاً لمن رد الزيادة منه وقبلها من غيره، ابن الصلاح قسم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام: أحد هذه الأقسام: أن يقع مخالفاً منافياً لما رواه سائر الثقات فهذا حكمه الرد بلا إشكال، وهذا هو الشاذ الذي سيأتي الحديث عنه. الثاني: ألا يكون فيه منافاة ومخالفة أصلاً لما رواه غيره كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلاً، فهذا مقبول وادعى الخطيب اتفاق العلماء عليه.

الثالث: ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث، ومن أمثلة ذلك: ((جعلت لنا الأرض مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً)) هذه الزيادة تفرد بها أبو مالك الأشجعي، وسائر الرواة على أن لفظ الحديث: ((وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً)) الآن أصل الحديث في حديث الخصائص: ((وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً)) في حديث أبي مالك الأشجعي: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) ها؟ هذه زيادة، وهذه الزيادة فيها موافقة من وجه ومخالفة من وجه، كيف؟ فيها موافقة لأن التربة جزء من الأرض، وفيها مخالفة من جهة تخصيص التيمم بهذا الجزء من الأرض، ولذا يختلف أهل العلم في التيمم بكل ما على وجه الأرض وتصعد على وجهها، أصل الحديث يدل على أن الأرض طهور بجميع ما تصاعد عليها، رواية أبي مالك الأشجعي تجعل التيمم خاص بالتراب، وبهذا يقول الحنابلة والشافعية، وغيرهم يقولون: لا، يتيمم بكل ما على وجه الأرض ولو لم يكن تراب له غبار يعلق باليد، فهذه فيها وجه موافقة باعتبار أن التراب جزء من الأرض ووجه مخالفة باعتبار أن هذا الجزء يختص به التيمم، وقد قيل به، هذا يشبه الأول من وجه، ويشبه الثاني من وجه، فيشبه القسم الأول من حيث إن ما رواه الجماعة عام، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص، وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف بها الحكم، ويشبه أيضاً القسم الثاني من حيث أنه لا منافاة بينهما. نعود إلى حديث التربة، إذا قبلنا هذه الزيادة هل يتجه قول من يقول: إنه لا يتمم إلا بتراب؟ إذا قبلنا هذه الزيادة وصححناها أو لا يتجه ونتيمم بجميع ما على وجه الأرض عملاً بالحديث الأصلي؟ أو نتيمم بالتراب عملاً بهذه الزيادة؟ وعرفنا اختلاف أهل العلم وسببه ورود هذه الزيادة؟ ها؟ إحنا الآن قبلنا هذه الزيادة وانتهينا، قبلنا هذه الزيادة وانتهينا، هل قبول هذه الزيادة يجعل القول بتخصيص التراب وجيه؟ هل نقول: إن هذا خاص والخاص مقدم على العام؟ ما في شيء اسمه تخصيص العام؟ يعني إذا جاء عام وخاص هل يخصص العام بالخاص مطلقاً أو لا؟ نعم. طالب:. . . . . . . . .

بينهما عموم وخصوص والخاص مقدم على العام، أو أسأل سؤال ثاني؟ ذكر بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي تخصيص، لكن لو كان حكم الخاص مخالف لحكم العام قلنا: الخاص مقدم على العام، نعم، يعني هل هناك فرق بينما إذا قلنا: أعطِ الطلاب؟ هذه عموم، وقلنا: أعط زيداً، أعط الطلاب ثم قلنا: أعط زيداً، هذا ما يقتضي التخصيص؛ لأن ذكر الخاص حكمه موافق لحكم العام، لكن لو قلنا: أعط الطلاب ثم قلنا: لا تعطِ زيداً، نقول: لا، زيد داخل في العام وكونه ذكر على وجه الخصوص ما يضر؟ إلا يضر؛ لأن حكمه مخالف لحكم العام، فذكر بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، وإنما يقتضي العناية بشأن الخاص، ولا يقتضي التخصيص وقصر الحكم عليه، لكن إذا اختلف الحكم يقتضي التخصيص، نعود إلى هذه المسألة: هل هذه المسألة من باب العموم والخصوص أو من باب الإطلاق والتقييد؟ وما الفرق بين التقييد والتخصيص؟ ها؟ على شان نشوف الإخوان الذين يقولون: دخّلوا أصول الفقه علوم الحديث ويرونه ذم وعيب، هل هذا مما يذم به إدخال العلوم بعضها في بعض؟ نعم، يمكن يذم؟ هذا أمر مطلوب، كيف نتعامل مع النصوص إلا بهذه الطريقة؟ أقول: هل هذا من باب التخصيص أو من باب التقييد؟ يعني التخصيص تقليل أفراد العام، تقليل أفراد العام، والتقييد تقليل أوصاف المطلق، يمكن مسألتنا تبي تأخذ علينا الوقت كله، لكن إحنا ودنا نمشي، ما زلنا متأخرين في الكتاب، التخصيص تقليل أفراد العام والتقييد تقليل أوصاف المطلق، فهل التراب فرد من أفراد الأرض أو وصف من أوصافها؟ لو المسألة من باب العموم والخصوص ما قال الشافعية والحنابلة بأنه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب؛ لأن هذا تنصيص على بعض أفراد العام وينتهي الإشكال، لولا أنهم عندهم من باب الإطلاق والتقييد، وأن الأرض مطلقة قيدت بالتراب، وحينئذ يحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة، لماذا؟ يعني هل كل مطلق يحمل على المقيد؟ هاه؟ متى يحمل المطلق على المقيد؟ طالب:. . . . . . . . .

لا ما هو مثل العام خالف أو ما خالف يُحمل لكن متى؟ المطلق مع المقيد يشمله أربع صور: إذا اتحد الحكم والسبب يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، إذا اتحد الحكم والسبب فيحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، ومثاله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] هذا مطلق يقيد بالآية الأخرى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] مقتضى قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] أن كل دم حرام، قيد في الآية الأخرى بكونه مسفوحاً، ويحمل المطلق على المقيد اتفاقاً هنا للاتحاد في الحكم والسبب. إذا اتحد الحكم واختلف السبب، اتحد الحكم واختلف السبب، الرقبة في كفارة الظهار قيدت بكونها مؤمنة، وفي كفارة القتل مطلقة، يحمل المطلق على المقيد وإلا لا؟ اتحد الحكم وهو وجوب العتق، واختلف السبب، هذا ظهار وهذا قتل، اختلف السبب، يحمل المطلق على المقيد وإلا لا؟ عند الجمهور يحمل خلافاً للحنفية. العكس إذا اتحد السبب واختلف الحكم، اليد في آية الوضوء مقيدة بالمرافق، وفي آية التيمم مطلقة، اتحد السبب، السبب هو الحدث، واختلف الحكم هذا غسل وهذا مسح، يحمل المطلق على المقيد وإلا لا؟ تمسح في التيمم إلى المرافق وإلا لا؟ هنا لا يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر خلافاً للشافعية. الصورة الرابعة وهي الأخيرة إذا اختلفا في الحكم والسبب، اليد جاءت مقيدة في آية الوضوء، ومطلقة في آية السرقة، الحكم والسبب مختلفان، وحينئذ لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، ما في أحد يقول بالقطع مع المرافق استدلالاً بآية الوضوء أبداً، فإذا قلنا: إن هذا النص ((وجعلت تربتها)) من باب الإطلاق والتقييد قلنا: بأنه يحمل المطلق (الأرض) على المقيد وهو (التربة)، وهذه حجة من يقول بأنه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب، وإلا ما يخفى على الحنابلة والشافعية أنه لو كان من باب العموم والخصوص أن هذا تنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق ولا يقتضي التخصيص، هذا ما يخفى عليهم.

الشاذ:

المقصود أن مثل هذه الأمور ينبغي التنبه لها والعناية بها؛ لأن بمثل هذه الطريقة يتعامل مع النصوص، أما أن نعيب من أدخل أصول الفقه في علوم الحديث كما فعل بعض الإخوان يعني من حسن قصد نحسبهم والله حسيبهم لكن ينبغي أن ننظر إلى الأمور بعين البصيرة، والله المتسعان. من هذه المسألة أو يدخل في زيادة الثقة تعارض الوصل مع الإرسال، والوقف مع الرفع، فمن قبل الوصل والرفع ألحقه بزيادة الثقة، ومن رجح الإرسال والوقف قال: إنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه. والحق في ذلك كله أنه لا يحكم بحكم عام مطرد لا في الزيادة ولا في الوصل ولا الرفع، بل يترك الحكم في كل مسألة على حدة، حسب ما ترجحه القرائن كما هو الظاهر من صنيع الأئمة الحفاظ الكبار الجهابذة النقاد فقد يقبلون الزيادة وقد يردونها، وقد يحكمون بالرفع وقد يحكمون بالوقف، ويحكمون تارة للوصل وتارة للإرسال تبعاً للقرائن، نعم. الشاذ: "فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ".

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن خولف" الصحيح، والحسن من باب أولى، إن خولف بما هو أرجح منه عندنا صحيح وعندنا أصح، لكن لا يمكن العمل بهما معاً، عندنا صحيح خبر صحيح مستجمع للشروط وخبر أصح منه، فإن خولف بأرجح فالراجح هو المحفوظ ويقابله الشاذ، إذا حصلت المخالفة بين روايات الثقات، فلا بد حينئذ من الترجيح إما بمزيد الضبط أو كثرة العدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، والراجح حينئذ يقال له: المحفوظ، ومقابله وهو المرجوح يقال له: الشاذ، فالمحفوظ: اسم مفعول من الحفظ، يقال: حفظ المتاع يحفظه حفظاً فهو حافظ، والمتاع محفوظ، وفي الاصطلاح: ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو دونه في القبول، ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو دونه هذا المحفوظ، ومثاله: ما رواه الترمذي وأبو داود من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً: ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه)) عبد الواحد بن زياد ثقة خالف غيره من أصحاب الأعمش فرواه من قوله -عليه الصلاة والسلام-، والمحفوظ من فعله، فرواية عبد الواحد بن زياد شاذة، وراويها ثقة، رواية غيره من أصحاب الأعمش وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يضطجع، وليس فيه الأمر: "فليضطجع" رواية الأمر شاذة، ورواية الفعل محفوظة، ولذا نقل ابن القيم في الهدي عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: "الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- الفعل لا الأمر به، والأمر به تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه". والشاذ لغة: المنفرد عن الجمهور، يقال: شذ يشذ ويشذ بضم الشين المعجمة وكسرها شذوذاً إذا انفرد، واصطلاحاً اختلف في تعريفه على أقوال: عرفه الإمام الشافعي بما يفيده كلام الحافظ السابق بقوله: "إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس"، أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس، وعرفه أبو يعلى الخليلي بقوله: "الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة"، ما ليس له إلا إسناد واحد، فأطلق الشذوذ وأراد به التفرد سواء كان المتفرد ثقة أو غير ثقة، عنده فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به يعني حتى يوجد ما يشهد له.

المنكر:

والحاكم أبو عبد الله ذكر أن الشاذ: "هو الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل متابع لذلك الثقة، فأطلقه على مجرد التفرد، قال ابن الصلاح في علوم الحديث: أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول، وأما ما ذكره غيره فيشكل فيما يتفرد به العدل الضابط كحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) فعلى هذا إدخال قول الشافعي في الشاذ دخولاً أولياً، وهو التفرد مع المخالفة. أما تفرد الراوي ثقة كان أو غير ثقة، وإدخاله في الشذوذ كما يقوله أبو يعلى الخليلي أو تفرد الثقة فهو مشكل يرد عليه الغرائب التي في الصحيحين، يعني حديث الأعمال بالنيات تفرد به صاحبه هل نقول: إنه شاذ؟ اللهم إلا على قول من يقول: إن من الشاذ ما هو شاذ صحيح، الحافظ العراقي يقول: وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملا فالشافعي حققه والحاكم الخلاف فيه ما اشترط ... وللخليلي مفرد الراوي فقط ورد ما قالا بفرد الثقة ... كالنهي عن بيع الولا والهبة وقول مسلم روى الزهري ... تسعين فرداً كلها قوي يعني مجرد التفرد -تفرد الثقة- لا يعني الشذوذ المردود، ومثاله ما تقدم قريباً حديث: ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه)) قلنا: هذا شاذ، وحكمه الرد، الرد لأنه من أقسام الضعيف لوجود المخالفة، كون الراوي وإن كان ثقة يخالف من هو أوثق منه يدل على أن هذا الراوي الثقة لم يحفظ ولم يضبط ما خالف فيه غيره. المنكر: قال -رحمه الله تعالى-: "ومع الضعف فالراجح المعروف ويقابله -أو ومقابله- المنكر" فالمعروف في اللغة: اسم مفعول من المعرفة والعرفان، قال في القاموس: عرفه يعرفه معرفة وعرفاناً وعِرفةً بالكسر. وفي المفردات للراغب المعرفة والعرفان إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره، وهو أخص من العلم ويضاده الإنكار، والمعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه يقابله المنكر وهو ما ينكر بهما.

وأما في الاصطلاح فقد ذكر الحافظ أنه مقابل المنكر، فإذا كان المعتمد عند أهل العمل أن المنكر ما رواه الضعيف مخالفاً فيه الثقات -على ما سيأتي- فإن تعريف المعروف: حديث الثقة الذي خالف أو خالفه الراوي الضعيف، وعلى هذا كثير من المحدثين بل هو الذي استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين في تعريف المنكر. يقول السيوطي في ألفيته: المنكر الذي روى غير الثقة ... مخالفاً في نخبة قد حققه قال ابن الصلاح: "بلغنا عن أبي بكر البرديجي أنه -يعني المنكر- الحديث الذي ينفرد به الرجل، ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه، ولا من وجه آخر"، الحديث الذي ينفرد به الرجل، ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر، فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصل، فأطلق النكارة على مجرد التفرد. يقول ابن الصلاح: "وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث، فيتفرد الراوي ثقة كان أو غير ثقة فأحياناً يقبل أهل العلم تفرده، وأحياناً تدل القرائن على أنه لم يحفظ ما تفرد به فيكون شاذاً وإن كان ثقة ولو لم توجد مخالفة، وأحياناً تدل القرائن على أن هذا الثقة الذي تفرد بهذا الخبر تدل القرائن على أن ما تفرد به غير معروف عند أهل العلم فيحكمون عليه بالنكارة. يقول ابن الصلاح: "وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث، وهذه المسألة فرع من المسألة الكبرى، وهي أن المتأخرين يحكمون بقواعد مطردة عامة، وأما المتقدمون فلا قواعد عندهم مطردة، بل يتركون الحكم والترجيح للقرائن، يقول الحافظ العراقي: المنكر الفرد كذا البرديجي ... أطلق والصواب في التخريج إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر ... فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر ... فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر. الشيخ يعني ابن الصلاح، فالمنكر والشاذ مترادفان عند جمع من أهل العم، ولذا يقول: والصواب في التخريجِ إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر ... فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر ثم ذكر مثالاً له -رحمه الله-: نحو ((كلوا البلح بالتمر)) الخبر ... ومالك سمى ابن عثمان عمر

مثل له الحافظ -رحمه الله تعالى- بما رواه ابن أبي حاتم من طريق حبيب بن حبيب، وهو أخو حمزة بن حبيب الزيات المقرئ عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أقام الصلاة، وأتى الزكاة، وحج البيت، وصام وقرى الضيف دخل الجنة)) رواه الطبراني وابن عدي وغيرهما، قال أبو حاتم: "هذا منكر؛ لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفاً" يعني على ابن عباس، فالموقوف هو المعروف عند أهل العلم، والمرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا منكر، هذا ما قرره أبو حاتم الرازي وهو من أئمة هذا الشأن، والتمثيل بما ذكره الحافظ العراقي إنما هو على مذهب ابن الصلاح مع عدم الفرق بين الشاذ والمنكر ((كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكل التمر القديم بالجديد البلح بالتمر غضب الشيطان، وقال: عاش ابن آدم حتى جمع بين الجديد والخلق)) ولا شك أن هذا المتن منكر، هذا المتن منكر، لماذا؟ لأن الشيطان لا يغضب من طول عمر ابن آدم من مجرد طول عمره وأنه عاش هذه المدة لا يغضبه ذلك، بل قد يفرح بطول عمر بعض الناس إذا كان ممن ساء عمله، إنما يغضب الشيطان إذا طال عمر ابن آدم واستعمل هذا العمر الطويل في طاعة الله -عز وجل-، المقصود أن لفظ الحديث منكر. . . . . . . . . . ... ومالك سمى ابن عثمان عمر مالك قال عن الراوي اسمه: عمر بن عثمان، والرواة كلهم من غير خلاف بينهم يسمونه عمرو بن عثمان، فخالفهم مالك وسماه عمر، فإن شئت فقل: هذا شذوذ من مالك، وإن قلت: هذا منكر؛ لأن الشاذ والمنكر متقاربان جداً عند ابن الصلاح ومن يقول بقوله، والحافظ يفرق بين الشاذ والمنكر بأن الشاذ مخالفة الثقة، والمنكر مخالفة الضعيف. الفرد: قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "والفرد النسبي: إن وافقه غيره فهو المتابع، وإن وجد متن يشبهه فهو الشاهد، وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار".

المتابع والشاهد:

نعم عندنا ثلاثة ألفاظ هي: الاعتبار والمتابعات والشواهد، الاعتبار والمتابعات والشواهد وهم في كتب المصطلح يترجمون بهذا، الاعتبار والمتابعات والشواهد، وإن كانت هذه الترجمة توهم أن الاعتبار قسيم للمتابعات والشواهد، وليس الأمر كذلك، بل المتابعات والشواهد شيء على ما سيأتي في التفريق بينهما، والاعتبار هيئة التوصل إلى وجود المتابعات والشواهد، هيئة التوصل إلى وجود المتابعات والشواهد، فصواب الترجمة أن يقال: الاعتبار للمتابعات والشواهد. المتابع والشاهد: يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "والفرد النسبي إن وافقه غيره فهو المتابع، وإن وجد متن يشبهه فهو الشاهد، وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار"، يعني أن الفرد النسبي هو ما كان التفرد فيه في أثناء السند لا في أصله، إن وجد -بعد ظنه فرداً- أنت بحثت عن هذا الحديث ما وجدت له ما يشهد له ولا ما يتابعه، ثم بعد ذلك وجدت بعد ظنك كونه فرداً ما يوافقه من طريق غير راويه المتفرد به عن الصحابي نفسه فهو المتابع. المتابع إذا اتحد الصحابي حديث يروى عن أبي هريرة فإذا رواه الأعرج عن أبي هريرة وقلت: إن هذا هو الأصل، ثم وجدت متابعة من سعيد بن المسيب عن أبي هريرة فهذه المتابعة للأعرج، متابعة، تابع سعيد بن المسيب الأعرج وهكذا، إذا كانت في الراوي -المتابعة في الراوي- عن الصحابي أو متابعة للراوي في الراوي عنه إلى آخره، وإن وجد متن يروى من حديث صحابي آخر يشهد له في اللفظ والمعنى أو المعنى فقط فهو الشاهد، إذاً الفرق بين المتابعات والشواهد: إن اتحد الصحابي فمتابعة، وإن اختلف الصحابي فهو الشاهد، من غير نظر إلى اللفظ، سواء اتحد اللفظ أو اختلف، إنما ينظر إلى الصحابي، إن اتحد فمتابع وإن اختلف فشاهد، فالمتابع بكسر الموحدة اسم فاعل من المتابعة بمعنى الموافقة. وفي الاصطلاح: هو الحديث الذي يشارك فيه رواته رواة الحديث الفرد لفظاً ومعنى أو معنى فقط مع الاتحاد في الصحابي.

والشاهد: اسم فاعل من الشهادة، وفي الاصطلاح: هو الحديث الذي يشارك فيه رواته رواة الحديث لفظاً ومعنى أو معنى فقط مع الاختلاف في الصحابي، وهذا ما جرى عليه الحافظ -رحمه الله تعالى- من أن العبرة بالمتابعات اتحاد الصحابي، وفي الشواهد اختلاف الصحابي، وأما ما جرى عليه ابن الصلاح فالعبرة باللفظ والمعنى بغض النظر عن الصحابي مخرج الحديث، فإن اتحد اللفظ فالمتابع، وإن اختلف اللفظ مع اتحاد المعنى فالشاهد ولو اتحد الصحابي، يعني من غير نظر إلى الصحابي.

إذا عرفنا هذا وأن المتابعات تتابع الرواة للحديث عن صحابي واحد فالمتابعات على مراتب؛ لأنها إن حصلت للراوي نفسه فهي التامة، وإن حصلت لشيخه فمن فوقه فهي القاصرة، يعني حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) ((إنما الأعمال بالنيات)) يرويه البخاري يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يخطب على المنبر يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات))، هذا السند كامل، إذا وجد من يتابع الحميدي في الرواية عن سفيان فالمتابعة تامة، إذا وجد من يتابع سفيان في الرواية عن يحيى بن سعيد فهي قاصرة، لكنه قصور نسبي أقل من قصور متابعة يحيى بن سعيد في الرواية عن محمد وهكذا، كلما قربت المتابعة إلى الصحابي صارت أقصر، وكلما قربت من المؤلف تكون أتم، فالتمام والقصور نسبي، فالمتابعة في الرواية عن الصحابي متابعة التابعي في الرواية عن الصحابي قاصرة، متابعة تابع التابعي الذي يروي عن التابعي قاصرة لكنها أتم من الأولى إلى أن تصل إلى متابعة الشيخ. الفائدة من المتابعات والشواهد هي التقوية، هي التقوية لنعرف أن الحديث جاء من طريق آخر، مثلوا للمتابع بحديث: ((الشهر تسع وعشرون)) رواه الإمام الشافعي في الأم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، تابع الشافعي في روايته عن مالك القعنبي أخرجه البخاري فهذه متابعة تامة، الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، الشافعي .. ، تابع الشافعي في روايته عن مالك القعنبي عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو من خواص مالك -رحمه الله-، وهذه متابعة تامة موجودة في البخاري، في صحيح مسلم متابعة قاصرة من وراية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، ومثال الشاهد: ما رواه النسائي في الحديث السابق من حديث ابن عباس اختلف الصحابي الأول عن ابن عمر والثاني عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر مثل حديث ابن عمر سواء.

وما رواه البخاري من حديث أبي هريرة بمعنى حديث ابن عمر وهذا أيضاً شاهد، وعلى اصطلاح ابن الصلاح ابن عباس يروي حديث ابن عمر بلفظه، يروي حديث ابن عمر بلفظه، على اصطلاح ابن حجر شاهد؛ لأنه اختلف الصحابي، على اصطلاح ابن الصلاح اتحد اللفظ فهو متابع، فهو متابع. ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة بمعنى حديث ابن عمر هو شاهد على القولين، هو شاهد على القولين، لماذا صار شاهد على القولين؟ لأنه اختلف الصحابي فهو شاهد عند ابن حجر، اختلف اللفظ فهو شاهد عند ابن الصلاح. يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار" هو الاعتبار، يعني أن الاعتبار ليس قسيماً للمتابعات والشواهد كما توهمه عبارة ابن الصلاح، بل هو هيئة التوصل إليهما، من خلال البحث في دواوين السنة كالصحاح والسنن والجوامع والمعاجم والمسانيد وغيرها، فبحثك عن المتابعات والشواهد ووقوفك عليها هو الاعتبار، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: الاعتبار سبرك الحديث هل ... شارك راوٍ غيره فيما حمل عن شيخه؟ فإن يكن شورك من ... معتبر به فتابع وإن شورك شيخه ففوق فكذا ... وقد يسمى شاهداً ثم إذا متن بمعناه أتى فهو الشاهدُ ... وما خلا عن كل ذا مفاردُ يعني الحديث الفرد المطلق الفرد الذي لم يتابع صاحبه عليه هو ما يسمى بالأفراد عند أهل العلم التي لا يوجد لها شواهد ولا متابعات، نعم. طالب: المتابعات والشواهد. . . . . . . . . على كل حال الضابط ما ذكرنا، إن كان اللفظ مروي من طريق صحابي آخر فهو الشاهد، وإن كان عن الصحابي نفسه فهو المتابع، وطريق معرفة المتابِع من المتابَع قد تقول: لماذا تقول أنت: هذا يتابع الحميدي في الرواية عن سفيان؟ لماذا لا يكون الحميدي هو الذي يتابع محمد بن بشار في الرواية عن سفيان؟ العبرة بالإسناد الذي بين يديك هو الأصل، أنت تدرس إسناد هو الأصل بالنسبة لك، إذا وقفت على ما يقوي هذا الإسناد فهو المتابع وهو الشاهد، فيكون أول رواته متابع لأول رواة عندك وهكذا. طالب:. . . . . . . . .

مختلف الحديث:

لا، مثل هذا يقال: هذه الجملة يشهد لها ما في حديث فلان، أو يقال: أصله في كذا، يعني إذا كان حديث مفصل في سنن أبي داود يشتمل على أحكام، وفي البخاري جزء يسير منه نعم، نقول: أصله في الصحيح، أصله في الصحيح، أو يشهد لهذه الجملة منه ما في الصحيح، لا بد من التقييد، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سم. مختلف الحديث: "ثم المقبول: إن سلم من المعارضة فهو المحكم، وإن عورض بمثله فإن أمكن الجمع فمختلف الحديث، أو لا، وثبت المتأخر فهو الناسخ، والآخر المنسوخ، وإلا فالترجيح، ثم التوقف". يقول -رحمه الله تعالى-: "ثم المقبول إن سلم من المعارضة فهو المحكم"، وهذا تقسيم ثان للمقبول هو تقسيمه إلى معمول به وغير معمول به، قد يكون الحديث صحيح وقد يكون حسناً يعني في حيز القبول لكنه لا يعمل به، لماذا؟ لمعارض راجح، هذا تقسيم ثانٍ للمقبول وهو أن المقبول منه ما يعمل به ومنه ما لا يعمل به؛ لأنه إن سلم الحديث المقبول من المعارضة فلم يأتي خبر يضاده فهو المحكم، فالمحكم لغة مأخوذ من الإحكام وهو الإتقان، فالمحكم المتقن وإحكام الكلام إتقانه. وفي الاصطلاح: هو الحديث المقبول السالم من المعارضة، الحديث المقبول السالم من المعارضة، وأمثلته كثيرة جداً، أكثر الأحاديث محكمة لا معارض لها، فأمثلته لا يمكن حصرها، وعلى سبيل المثال حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) حديث محكم لأنه لم يرد في السنة ما يعارضه ويبطل العلم به.

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وإن عورض بمثله - يعني بما يساويه في القوة- فإن أمكن الجمع فمختلف الحديث"، يعني الخبر المقبول إن عروض بخبر مثله مقبول صحيح أو حسن؛ لأن معارضة الضعيف لا عبرة بها، معارضة الخبر الضعيف لا عبرة بها، فإذا عورض الخبر المقبول بمثله في القبول صحيح أو حسن فإن أمكن الجمع بين الخبرين المتعارضين المقبولين فمختلف الحديث إن أمكن الجمع، وإن كان الحديث المعارض مردوداً فإنه حينئذ لا أثر له؛ لأن القوي لا تؤثر فيه مخالفة الضعيف وسبق في المنكر، فمختلف الحديث هو: أن يأتي حديث مضاد لحديث آخر في الظاهر ويمكن التوفيق بينهما.

يقول: "وإن عورض بمثله فإن أمكن الجمع فمختلف الحديث"، إذا تمكنا من التوفيق والجمع بين النصين هذا مختلف الحديث وهو من أهم أنواع علوم الحديث؛ لأن العلماء في الحديث والفقه والأصول وغيرهم مضطرون إلى معرفته، مضطرون إلى معرفة التوفيق بين النصوص، هذا أمر في غاية الأهمية، التوفيق بين النصوص والتأليف بينها هذا أمر في غاية الأهمية، يعني إذا جاءك حديثان متعارضان متضادان في الظاهر كيف تصنع؟ قلنا: إنه من أهم أنواع علوم الحديث؛ لأن العلماء في الحديث والفقه وغيرها مضطرون إلى معرفته، ولا يتقن مثل هذا النوع إلا العلماء الجامعون بين الفقه والحديث والأصول ممن أوتوا فهماً ثاقباً وقدرة على الغوص على المعاني الدقيقة، ومن هؤلاء الأئمة إمام الأئمة محمد بن إسحاق ابن خزيمة الذي قال عنه تلميذه ابن حبان: "ما رأيت على أديم الأرض من كان يحسن صناعة السنن، ويحفظ الصحاح بألفاظها، ويقوم برد كل لفظة تزاد في الخبر حتى كأن السنن كلها نصب عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة" ابن حبان ماذا يقول عن ابن خزيمة؟ يقول: "ما رأيت على أديم الأرض من كان يحسن صناعة السنن، ويحفظ الصحاح بألفاظها، ويقوم برد كل لفظة تزاد في الخبر حتى كأن السنن كلها نصب عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة"، يطلق عليه العلماء إمام الأئمة، حتى شيخ الإسلام يقول هذا، يقول ابن خزيمة: "لا أعرف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثين صحيحين متضادين، فمن كان عنده فليأتني لأؤلف بينهما" من كان حديثين متعارضين يأتي بهما، من كان عنده أحاديث متضادة يأتي بها لأؤلف بينها، مثال ذلك: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)) الحديث متفق عليه معارض بحديث: ((لا يورد ممرض

على مصح)) أخرجه البخاري معلقاً، وحديث: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) هذه أحاديث متضادة في الظاهر، حديث: ((لا عدوى ولا طيرة)) هذا ينفي العدوى، حديث: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) قد يفهم منه أن مخالطة الصحيح للمريض تؤثر في السليم وهذه هي العدوى التي يثبتها الأطباء، ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) ((لا يورد ممرض على مصح)) لماذا لا يورد ممرض على مصح؟ إلا لوجود شيء من العدوى، والحديث الأول: ((لا عدوى ولا طيرة))، العلماء لهم مسالك في الجمع بين هذه الأحاديث من هذه المسالك: أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها ولا تسري بذاتها، ((لا عدوى)) يعني أن المرض لا ينتقل من مريض إلى آخر بذاته بطبعه، لكن الله -سبحانه وتعالى- جعل مخالطة المريض للصحيح سبباً لأعدائه مرضه، سبب للانتقال، وقد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب، وهذا مسلك ابن الصلاح، ابن الصلاح يثبت العدوى وأن المخالطة سبب للانتقال، والعدوى المنفية في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا عدوى)) إنما هي كون المرض يسري بنفسه ويتعدى بذاته، والمثبت في مثل قوله: ((فر من المجذوم)) ((ولا يورد ممرض على مصح)) أن المخالطة من قبل الصحيح للمريض تكون سبب لانتقال المرض والمسبب هو الله -سبحانه وتعالى-، وقد يوجد المسبب عند حصول السبب وقد لا يوجد؛ لأن الناس من الأصحاء يخالطون المرضى فمنهم من يمرض ومنهم من لا يمرض؛ لأن هذا سبب، كمن لا يتقي البرد في الشتاء مثلاً يخرج بثياب رقيقة هذا سبب للمرض، قد يمرض وقد لا يمرض؛ لأن السبب قد يتخلف لوجود مانع يقاومه. على كل حال هذا مسلك ابن الصلاح وفيه إثبات العدوى، فيه إثبات العدوى، لكن المنفي كون المرض يسري بنفسه، من غير كون الله -سبحانه وتعالى- هو الذي ينقله من مريض إلى آخر. الثاني: أن نفي العدوى باق على عمومه، يعني مخالطة المريض من قبل الصحيح لا أثر لها البتة، يعني تخالط صحيح أو مريض تعاشر صحيح أو مريض لا أثر له البتة ...

شرح نخبة الفكر (5)

شرح نخبة الفكر (5) الكلام على: (الناسخ والمنسوخ - المعلق - المرسل - المعضل - المنقطع - المدلس - المرسل الخفي ... ) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير يعني تخالط صحيح أو مريض، تعاشر صحيح أو مريض لا أثر له البتة، لعموم حديث: ((لا عدوى)) فنفي العدوى باقٍ على عمومه إذاً كيف يؤمر بالفرار من المجذوم؟ يقول: "الأمر بالفرار من المجذوم من باب سد الذرائع"، يقول: تخالط مريض أو تخالط سليم لا فرق البتة، لكن كيف قيل: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد))؟ يقول: "هذا من باب سد الذرائع" كيف؟ يقول: "قد تصاب بالمرض من غير عدوى" يعني كما أصيب الأول فينقدح في ذهنك أن هذه الإصابة سببها مخالطة المريض فتقع في المحذور فتثبت العدوى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قد نفاها، "والأمر بالفرار من باب سد الذرائع لئلا يتفق للذي يخالط المريض شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداءً لا بالعدوى المنفية فيظن أن ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحة العدوى فيقع في الحرج" الحرج مخالفة النص "فأمر بتجنبه حسماً للمادة"، وهذا ما يراه الحافظ ابن حجر. المقصود أن ابن الصلاح يثبت العدوى، وابن حجر ينفي العدوى، هل نقول: إن ابن الصلاح عمل بحديث وأهمل حديثاً، أو ابن حجر عمل بحديث وأهمل الآخر؟ لا، كل له طريقته ومسلكه للتوفيق بين هذه الأحاديث، فابن الصلاح يثبت العدوى لكن ينفي أن المرض يتعدى بنفسه، فلا عدوى للمرض بنفسه وإنما يسري بتقدير الله -سبحانه وتعالى-، فالعدوى المنفية هي كون المرض ينتقل بذاته، والعدوى المثبتة كون المخالطة سبب للانتقال، بينما ابن حجر ينفي العدوى جملة وتفصيلاً، ولا فرق بين مخالطة مريض ومخالطة سليم، المرض لا ينتقل وليس بسبب لا يتعدى بنفسه، وليست المخالطة سبب للانتقال، لكن يقول: من باب سد الذرائع؛ لئلا تصاب بنفس المرض فتثبت العدوى التي نفاها النبي -عليه الصلاة والسلام-. هناك مسلك ثالث وهو: أن الجذام على وجه الخصوص يعدي، إن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى، فيكون معنى قوله: ((لا عدوى)) يعني إلا من الجذام، ونحو هذا مسلك القاضي أبي بكر الباقلاني. أمثلة على مختلف الحديث:

من أمثلة هذا الباب -مختلف الحديث- حديث: ((لا يؤمنّ عبد قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم)) جاء التهديد لمن خص نفسه بالدعوة وهو إمام دون من خلفه، هذا الحديث رواه أبو داود عن أبي هريرة، والترمذي عن ثوبان، وحسنه، مع قوله -عليه الصلاة والسلام- الثابت في الصحيحين وغيرهما في دعاء الاستفتاح: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما قال: "اللهم باعد بيننا وبين خطايانا"، فخص نفسه بالدعوة دون المأمومين، ابن خزيمة -وهو إمام في هذا الشأن- ماذا قال؟ ما بان له وجه التوفيق بين الحديثين، ولا استطاع أن يجمع ويؤلف بين الحديثين فحكم على الحديث الأول بأنه موضوع؛ لأنه معارض بالحديث الصحيح، مع أنه إذا أمكن الجمع تعين المصير إليه، وابن خزيمة وهو إمام الأئمة وإمام في هذا الشأن، وقيل عنه ما قيل في هذا الباب على وجه الخصوص عجز؛ لأنه لا يمكن أن يوجد شخص يحيط بالعلم كله، لا بد أن يحصل للإنسان ما يعرفه بقدر نفسه، ولا بد أن يحصل له شيء يجعل الأتباع يعرفون قدره على حقيقته، ولولا وجود مثل هذه الهنات لهؤلاء الأفذاذ لصار هذا سبباً في الغلو بهم، ابن خزيمة حكم على الحديث الأول بأنه موضوع لأنه معارض، لماذا؟ لأنه ما لاح له وجه للتوفيق بينهما، إذاً كيف نوفق بين الحديثين؟ شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن الممنوع من ذلك الدعاء الذي يؤمن عليه كدعاء القنوت، أما ما لا يؤمن عليه فلا يدخل في المنع، يعني الدعاء بين السجدتين، الدعاء في الاستفتاح المأموم يقول: آمين؟ نعم؟ إذا قال: بين السجدتين: "رب اغفر لي وارحمني وعافني .. " إلى آخره، المأموم يقول: آمين؟ لا، إذا قال: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي" يقول المأموم: آمين؟، لكن إذا قال: "اللهم اهدنا فيمن هديت" قال المأموم: "آمين" فالدعاء الذي يؤمن عليه لا يجوز تخصيص نفسه بالدعاء، لا بد أن يشرك المأمومين، تتصور إمام يؤم الناس يقول: اللهم اهدني فيمن هديت والناس يقولون: آمين؟! ممكن هذا؟! يدعو لنفسه دونهم، قد يوجد في المأمومين من يقول: الله لا يهديك، قد يوجد، يخص نفسه بالدعاء دونهم!

المصنفات في مختلف الحديث:

السخاوي يقول عن حكم ابن خزيمة على الحديث بأنه موضوع يقول: "هذا خطأ لإمكان حمله -يعني الحديث المنع من تخصيص النفس بالدعوة- لإمكان حمله على ما لم يشرع للمصلي من الأدعية بخلاف ما يشترك فيه الإمام والمأموم" يعني إذا دعا الإمام بشيء ولو كان في حال السجود بدعاء لا يقوله المأموم، فإنه لا بد أن يشرك المأموم فيه، أما إذا قال الإمام دعاء يقوله المأموم، يشترك فيه الإمام والمأموم فإنه يخص نفسه بالدعوة، يخص نفسه بدعاء الاستفتاح لماذا؟ لأن المأموم سوف يستفتح، يخص نفسه بالدعاء بين السجدتين؛ لأن المأموم سوف يدعو لنفسه، أما الدعاء الذي يتوقع أن المأموم لا يقوله فإنه لا يجوز له أن يخص نفسه به، ولا شك أن كلام شيخ الإسلام أوضح، كلام شيخ الإسلام أوضح. المصنفات في مختلف الحديث: مختلف الحديث صنف فيه الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- على خلاف بين أهل العلم في مختلف الحديث للشافعي هل هو كتاب مستقل أو فصل من فصول الأم؟ هل هو فصل من الأم أو هو كتاب مستقل؟ والذي يلحظ الكتاب ويقرأ بالكتاب يجزم أنه مستقل، والأم فيها فصول لهذا النوع، وفي ثنايا الكتاب كثير من مباحثه، ألف فيه أيضاً ابن قتيبة كتاب (تأويل مختلف الحديث)، وفيه ما هو غث كما قال الحافظ ابن كثير، نعم ضعف ابن قتيبة في التوفيق بين بعض الأحاديث، وهو إمام من أئمة المسلمين لكنه ليس بالمعصوم. ألف فيه أيضاً أبو جعفر الطحاوي كتابه الكبير (مشكل الحديث) أو (مشكل الآثار)، وهو أوسع كتب هذا الفن، يقول السخاوي: إنه قابل للاختصار غير مستغنٍ عن الترتيب والتهذيب، وقد اختصر، وللمختصر معتصر". الناسخ والمنسوخ: نعم، يقول: "أو لا" يعني إذا لم يمكن الجمع، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو لا" يعني أو لا يمكن الجمع "وثبت المتأخر فهو الناسخ" يعني المتأخر "والآخر" وهو المتقدم "المنسوخ"، يعني وإن لم يمكن الجمع بين الحديثين المتعارضين فلا يخلو: إما أن يعرف التاريخ أو لا، فإن عرف المتأخر فهو الناسخ والمتقدم المنسوخ. النسخ لغة:

والنسخ يطلق في اللغة ويراد به: الإزالة والرفع يقال: نسخت الشمس الظل ونسخت الريح الأثر أي أزالته، يطلق ويراد به ما يشبه النقل، فيقولون: نسخ زيد الكتاب إذا نقل منه نسخة، وليس بنقل حقيقي، النسخ -نسخ الكتب- هو نقل وإلا لا؟ نعم، ليس بنقل، لماذا؟ لأنك لا تنقل الحروف الموجودة في الكتاب إلى كتاب آخر بحيث يبقى الكتاب الأول أبيض بعد انتقال الحروف، لا، لكنه يشبه بالنقل؛ لأن نقل كتابة النظير كأنك نقلت الكتاب الأول. النسخ في الاصطلاح: واصطلاحاً عرفه الأكثر بأنه: رفع الشارع حكماً منه متقدماً بحكم منه متأخر، الناسخ: اسم فاعل من النسخ والمنسوخ اسم مفعول ومعرفة الناسخ والمنسوخ علم في غاية الأهمية، علم في غاية الأهمية لا ينهض به إلا الفحول من المحدثين والفقهاء وهو من ضرورات الفقه والاجتهاد، مر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على قاصٍ –شخص يعظ الناس- فقال له علي -رضي الله عنه-: "أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ " قال: لا، قال: "هلكت وأهلكت"، وقال الزهري: "أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من منسوخه". بم يعرف النسخ؟

هناك أمور يعرف بها النسخ منها: تصريح النبي -عليه الصلاة والسلام- كحديث: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) مخرج في الصحيح، صحيح مسلم، كما يعرف النسخ بقول الصحابي مثل حديث جابر -رضي الله عنهما- قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار"، فقول الصحابي: "كان آخر الأمرين" دل على أن هناك أمر أول وأمر آخر، وآخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار، أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان، كما يعرف النسخ بالتاريخ مثل حديث شداد بن أوس مرفوعاً: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه، مع حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، أخرجه البخاري، وبين الشافعي -رحمة الله عليه- أن الثاني ناسخ للأول؛ لأن شداداً كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- زمان الفتح سنة ثمان، فرأى رجلاً يحتجم في رمضان فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) وابن عباس مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع سنة عشر، حجة الوداع متأخرة عن الفتح، كما يعرف النسخ بدلالة الإجماع، كقتل شارب الخمر في الرابعة، أخرجه الإمام أحمد وغيره، يقول النووي في شرح مسلم: "دل الإجماع على نسخه، دل الإجماع على نسخه، وإن كان ابن حزم خالف في ذلك، فخلاف الظاهرية لا يقدح بالإجماع"، معلوم أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ، لماذا؟ لأن النسخ من خصائص النصوص، خاص بالنصوص بالأدلة، فالإجماع لا ينسخ ولا ينسخ، وإنما الإجماع يدل على وجود ناسخ، الإجماع يدل على وجود ناسخ، حديث قتل الشارب في الرابعة حديث معاوية في المسند وغيره، ((إذا شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب الثالثة فاجلدوه، ثم إذا شرب الرابعة فاقتلوه)) يقول النووي: "دل الإجماع على وجود ناسخ لهذا الحديث"، والترمذي في علل الجامع يقول: "لا يوجد في كتابي –يعني سننه، جامعه- حديثٌ اتفق العلماء على ترك العمل به إلا هذا الحديث –حديث قتل الشارب- وحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر"، وفي رواية: "ولا سفر"، هنا هذا الحديث عمل به

الظاهرية، يقول النووي في شرح مسلم: "دل الإجماع على نسخه، وإن كان ابن حزم خالف في ذلك، فخلاف الظاهرية لا يقدح بالإجماع، خلاف الظاهرية لا يقدح بالإجماع"، ويقول النووي أيضاً: "ولا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يقول بالقياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد". إذاً خلاف الظاهرية غير معتد به عند النووي، ومن أهل العلم من يرى أن الظاهرية من أولى من يحتج به ويعتد بقولهم لعنايتهم بالنصوص، عناية الظاهرية بالنصوص الشرعية معروفة، اهتمامهم بظواهر النصوص معروف، طرح الأقيسة والآراء مع النصوص معروف عند الظاهرية، لكن إن كانت المسألة عمدتها نص فالظاهرية من أولى من يعتد به، وإن كانت المسألة عمدتها اجتهاد وأقيسة فلا عبرة بقولهم، هنا هذا الحديث يعمل به الظاهرية على أساس أنه حد، شيخ الإسلام وابن القيم يرون أنه يعمل بهذا الحديث، لكنه على سبيل التعزير، يعني إذا كثر شرب الخمر في الناس ولم يردعهم الحد –الجلد- فلا مانع من قتل المدمن الذي يشرب الرابعة والخامسة هذا لا مانع من قتله لهذا الحديث، وليس بحد بمعنى أنه يقتل كل أحد، لا، إذا كثر الشرب في الناس فلا مانع أن يعزر الشارب المدمن هذا من باب التعزير بحيث يراه الإمام هو المصلحة، ولا يردع الناس إلا هذا، يقول شيخ الإسلام وابن القيم: "إن هذا تعزير"، إذا رأى الإمام المصلحة في قتل المدمن يقتله، تعزيراً. الحكمة من النسخ:

ما الفائدة وما الحكمة من النسخ؟ ما الحكمة من كون الشرع يقر حكم ثم ينسخه؟ النسخ له فوائد كثيرة جداً لكن من أهمها: رعاية الأصلح للمكلفين، رعاية الأصلح للمكلفين تفضلاً من الله تعالى لا وجوباً عليه كما تقول المعتزلة، فمصالح الناس مقصد من مقاصد التشريع في الإسلام، وهذه المقاصد والمصالح تختلف باختلاف الأحوال والأزمان، قد يكون هذا الحكم يناسب الناس في هذا الوقت ثم يكون هذا الحكم المناسب في هذا الوقت غير مناسب في وقت آخر، فيأتي بعد ذلك ما ينسخه، وهنا حصلت رعاية الأصلح للمكلفين ومن ذلكم امتحان المكلفين أيضاً، امتحان المكلفين بامتثالهم الأوامر واجتنابهم النواهي، وتكرار الاختبار خصوصاً بأمرهم بما كانوا منهيين عنه ونهيهم عما كانوا مأمورين به، يعني أمروا بشيء حتى إذا عملوه وألفوه نهوا عنه، امتثالهم لهذا النهي بعد ذلك الأمر وبعد ذلك الإلف امتحان، امتحان لهم واختبار لينظر من ينقاد، وكذلكم إذا نهوا عن شيء ثم رؤيا امتثالهم لهذا النهي ثم أمروا به ونسخ النهي الأول أيضاً هذا من تمام الامتحان، حصل الابتلاء والامتحان في نسخ القبلة وتغييرها {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} [(142) سورة البقرة]. الانقياد في حالة التغيير أدل على الإذعان والطاعة بلا شك، يعني كون الإنسان يؤمر بأمر ويستمر عليه هذا ما فيه إشكال، امتثل مرة واحدة هذا الأمر واستمر عليه، لكن كونه يؤمر به فيتمثل ثم ينهى عنه فيمتثل لا شك أن هذا يدل على تمام الانقياد. الفرق بين النسخ والتخصيص: النسخ رفع كلي للحكم، والتخصيص رفع جزئي، رفع جزئي لحكم، فهو قصر للحكم على بعض أفراده دون بعض، وجاء في تعبير السلف إطلاق النسخ على التخصيص كما أطلقوه على التقييد، فالنسخ عندهم أوسع من النسخ عند المتأخرين، فالمتأخرون يخصون النسخ بالرفع الكلي للحكم، والمتقدمون يطلقونه ويتوسعون في إطلاقه على التخصيص. المؤلفات في الناسخ والمنسوخ:

من أهم المؤلفات في الناسخ والمنسوخ: (الناسخ والمنسوخ) لابن شاهين، و (الاعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من الآثار) للحازمي، وهذا كتابه في غاية الجودة، كتاب الحازمي لا يستغني عنه طالب علم، (رسوخ الأحبار) لبرهان الدين الجعبري أيضاً كتاب جيد في الباب.

يقول الحافظ: "وإلا فالترجيح ثم التوقف"، يعني إن لم يمكن الجمع بين النصوص المتعارضة ولم يعرف التاريخ فلا يخلو إما أن يمكن ترجيح أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح الكثيرة، وجوه الترجيح بين النصوص كثيرة جداً، إذا لم نستطع الجمع وهو أولى ما يبدأ به، إذا أمكن الجمع تعين بين النصوص، إن لم يمكن وعرفنا التاريخ عرفنا المتقدم من المتأخر حكمنا بالنسخ، إن لم يمكن الجمع ولم نعرف التاريخ نلجأ إلى الترجيح، نلجأ إلى الترجيح بين هذه النصوص، ووجوه الترجيح كثيرة جداً، ذكر الحازمي في (الاعتبار) الذي ذكرناه آنفاً خمسين وجهاً للترجيح بين النصوص، الحافظ العراقي في نكته على ابن الصلاح ذكر أكثر من مائة وجه للترجيح بين النصوص، السيوطي حصر هذه الوجوه الكثيرة، وجوه الترجيح الكثيرة في سبعة أقسام، يعني بدلاً من أن تقرأ مائة وجه أو خمسين وجه عند الحازمي السيوطي جعلها سبعة أقسام، الترجيح بحال الراوي، كالحفظ والفقه وملازمة الشيوخ والسلامة من القوادح، الترجيح بطريق التحمل كالسماع والعرض والإجازة وغيرها، الترجيح بكيفية الرواية كالمروي باللفظ، وما ذكر سببه، وكونه متفقاً على رفعه ووصله، الترجيح بوقت الورود فيقدم المدني على المكي، الترجيح بوقت الورود فيقدم المدني على المكي، والمتضمن للتخفيف على المتضمن للتشديد، وقيل عكسه، قال الرازي: "الترجيح بهذا غير قوي"، الترجيح بهذا غير قوي، يعني إذا وجدنا نص متضمن للتخفيف وآخر متضمن للتشديد، نرجح المخفف وإلا المشدد؟ منهم من يقول: يقدم المتضمن للتخفيف؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- ما جعل علينا في الدين من حرج، على المتضمن للتشديد، قوم آخرون يقولون: لا، العكس يقدم المتضمن للتشديد لماذا؟ لأنه أحوط؛ ولأن الدين عبارة عن مجموعة تكاليف، والتكليف: إلزام ما فيه كلفة، وهو أحوط، وهو العزيمة، على كل حال الترجيح بمثل هذا غير قوي، لا ننظر إلى التشديد والتخفيف بقدر ما ننظر إلى إمكان الجمع إن أمكن، أو القول بالنسخ.

الترجيح بلفظ الخبر فيرجح الخاص على العام والمنطوق على المفهوم، ومفهوم الموافقة على مفهوم المخالفة وهكذا، الترجيح بالحكم فيقدم الناقل على البراءة الأصلية على المقرر لها، والمؤسس على المؤكد، الترجيح بأمر خارجي فيقدم ما يوافق ظاهر القرآن أو سنة أخرى، وغير ذلك من المرجحات التي لا تكاد تنحصر.

وإذا لم يمكن الترجيح بوجه من الوجوه لزم التوقف عن العمل بأحد الحديثين، لماذا؟ لأن عملك بحديث معارَض بمثله ليس بأولى من عملك بالمعارِض فاختيارك أحد الأمرين من غير مرجح تحكم، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ يعني عندك حديثان متساويان من كل وجه، ولم تستطع الجمع ولا عرفت التاريخ تتوقف؛ لأن عملك بأحد الحديثين يحتاج إلى مرجح، عملك بأحد الحديثين تحكم، فيلزمك التوقف، وهذا في النصوص ظاهر، شيخ الإسلام وهو يرد على طوائف المبتدعة الذين يقولون بقدم المحدثات، وأنهم يقولون: أنها كلها قديمة بقدم الله -عز وجل-؛ لأننا إذا قلنا: أنه عمل هذا قبل هذا ولا مرجح لأحدهما على الآخر تطاولوا على الخالق، تطاولوا على الخالق -عز وجل- الذي لا يسأل عما يفعل، يقول: "الإنسان قد يعمل أعمال فيقدم أحد المتساويين من غير مرجح كالبداءة بأحد الرغيفين" أمامك رغيفين تبدأ بأحدهما تحتاج إلى مرجح؟ نعم، "وسلوك أحد الطريقين" عندك طريق يؤدي إلى الغرض وثاني يؤدي إلى الغرض بنفس المدة وبنفس السهولة، كونك تذهب مع الطريق هذا أو مع ذاك تحتاج إلى مرجح؟ ما يحتاج إلى مرجح، أو تحتاط تجلس حتى تجد مرجح تتوقف ما تأكل أحد الرغيفين حتى تجد مرجح؟ نعم، عندك رغيفان هل تحتاج في مثل هذا إلى مرجح؟ ما تحتاج إلى مرجح، والمخلوقات بالنسبة إلى الخالق كالأرغفة بالنسبة للمخلوق، هو يحتاج إلى أن يوجد مرجح فيرجح ليبدأ بأحد المخلوقات قبل بعض؟ لا، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [(23) سورة الأنبياء] إنما الذي يسأل المخلوق الضعيف، وهناك أمور أطلقت له وأبيحت بحيث لا يسأل عنها، فالأمور المباحة يبدأ بأحدها قبل الآخر إيش اللي يمنع؟ ما الذي يمنع أن تذهب لزيارة زيد قبل زيارة عمرو أو العكس؟ تبدأ بالرغيف هذا أو بذاك من غير مرجح؟ تسلك الطريق هذا أو ذاك من غير مرجح؟ إيش المانع؟ أنت تختار هذه أمور في حيز الإباحة. يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "التعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط" لأن من أهل العلم من يقول: أنها تعارضت فتساقطت، لماذا؟ "لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر إنما هو بالنسبة للمعتبر بالحالة الراهنة، مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه، والله أعلم".

من أهل العلم من منع الترجيح بين الأدلة، فمنع بعض العلماء الترجيح بين الأدلة قياساً على البينات، وقالوا: إذا تعارضت البينات لزم التوقف، هم عندهم العبارة إذا تعارضت البينات تساقطت، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . تعارضت، ما تتساقط؟ تتساقط، وهذه النصوص بمنزلة البينات إذا تعارضت لزم التوقف، وبعضهم يقول: تساقطت. الثاني: التعارض بين الأخبار إنما هو بالنسبة إلى ظن المجتهد وما يظهر له وإلا ففي نفس الأمر لا تعارض، يعني هل يوجد حديثان صدرا من شخص واحد معصوم يوجد فيهما تناقض حقيقي، إذا كان النقل لا يعارض العقل فكيف يعارض بعضه بعضاً؟ هل يوجد تعارض حقيقي بين العقل السليم وبين النص الصحيح الصريح؟ لا يمكن أن يوجد، شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- له كتاب كبير في الباب: (درء تعارض العقل والنقل) النقل الصحيح لا يمكن أن يعارض العقل الصريح السليم، فالتعارض الموجود بين النصوص إنما هو بالنسبة لظن المجتهد وإلا ففي الحقيقة لا تعارض، نعم. المردود: "ثم المردود: إما أن يكون لسقط أو طعن، والسقط: إما أن يكون من مبادئ السند من مصنف أو من آخره بعد التابعي أو غير ذلك، فالأول: المعلق، والثاني: هو المرسل، والثالث: إن كان باثنين فصاعداً مع التوالي فهو المعضل، وإلا فالمنقطع، ثم قد يكون واضحاً أو خفياً، فالأول: يدرك بعدم التلاقي ومن ثم احتيج إلى التأريخ، والثاني: المدلس ويرد بصيغة تحتمل اللقي: كـ (عن) و (قال)، وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلق". يقول -رحمه الله تعالى- بعد أن أنهى الكلام على المقبول بنوعيه الصحيح والحسن: "ثم المردود إما أن يكون لسقط أو طعن" فمسالك الضعف إلى الخبر اثنان: السقط في السند أو الطعن في الراوي، فالسقط إما أن يكون من مبادئ السند من قبل المصنف أو من آخره بعد التابعي أو غير ذلك فالأول المعلق، يعني بذلك أن الحديث المرود وهو الضعيف لا يخلو من سببين: إما أن يكون بسبب سقط في إسناده، أو طعن وجرح في أحد رواته.

"والسقط إما أن يكون من مبادئ السند" من تصرف مصنف بحذف شيخه أو هو مع شيخه، وهذا ما يسمى في اصطلاح المحدثين بالمعلق، يعني أن المصنف إذا جاء إلى الحديث فأسقط شيخه سميناه معلق، إذا أسقط الشيخ وشيخ الشيخ سميناه معلق، إذا أسقط الشيخ وشيخه وشيخه أيضاً معلق، ولو حذف إلى آخر السند نسميه معلق. المعلق في اللغة: المعلق في اللغة: اسم مفعول من التعليق، تقول: علق الشيء بالشيء، ومنه وعليه بمعنى أناطه به. المعلق في الاصطلاح: وفي الاصطلاح: ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر ولو إلى آخر الإسناد، وقيده ابن الصلاح وتبعه النووي والعراقي بكونه مجزوماً به، قيدوا التعليق بكونه مجزوماً به، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وإن يكن أوّل الإسناد حذف ولو إلى آخره أمّا الّذي عنعنة كخبر المعازفِ جججج مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف لشيخه عزا بـ (قال) فكذي لا تصغ (لابن حزم) المخالفِ لا بد أن تكون الصيغة صيغة جزم، قال فلان، ذكر فلان، لكن الذي يراه كثير من المحققين أن غير المجزوم به داخل في مسمى المعلق في مسمى المعلق، ولذا تقسم معلقات البخاري إلى معلقات جاءت بصيغة الجزم، ومعلقات جاءت بصيغة التمريض، ممن جزم بذلك أبو الحجاج المزي -رحمه الله تعالى- حيث أورد في تحفة الأشراف ما في البخاري من ذلك معلماً عليه علامة التعليق (خ ت) وإن كانت الصيغة غير مجزوم بها، بل إن النووي نفسه أورد في رياض الصالحين حديث عائشة: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم" وقال: ذكره مسلم في صحيحه تعليقاً، فقال: "ذكر عن عائشة" فسماه معلقاً مع كونه جاء بصيغة التمريض لا بصيغة الجزم، مع أنه في التقريب -مختصر ابن الصلاح- النووي نفسه قال: إن المعلق ما جاء بصيغة الجزم تبعاً لابن الصلاح، وسمي هذا النوع من الحديث معلقاً؛ لأنه بحذف أوله صار كالشيء المقطوع عن الأرض، الموصول من الأعلى بالسقف مثلاً، يعني لو ربطت شيء بالسقف ولا يصل إلى الأرض تكون علقته بالسقف، كالشيء المقطوع عن الأرض الموصول من الأعلى بالسقف مثلاً.

قال ابن الصلاح: "كأنه مأخوذ من تعليق الجدار، كأنه مأخوذ من تعليق الجدار، وتعليق الطلاق ونحوه لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال"، تعقبه البلقيني قائلاً: "إن أخذه من تعليق الجدار ظاهر، أما من تعليق الطلاق ونحوه فليس التعليق هناك لأجل قطع الاتصال بل لتعليق أمر على أمر"، ابن الصلاح يرى أن المأخذ لهذه الكلمة من تعليق الجدار وتعليق الطلاق، يوافقه السراج البلقيني في تعليق الجدار، ويخالفه في تعليق الطلاق، استبعد الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- أخذه من تعليق الجدار الذي اقره عليه البلقيني. أقول: لعل مراد ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- تعليق المرأة، تعليق الطلاق، لا يقصد تعليق الطلاق إنما يقصد تعليق المرأة، لا تعليق الطلاق، ومنه قوله تعالى: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [(129) سورة النساء] أي ليست بمطلقة ولا ذات زوج، فهي معلقة، يقول القرطبي: "هذا تشبيه بالشيء المعلق من شيء، لأنه لا على الأرض استقر ولا على ما علق عليه انحمل". هذه المرأة لم تستقر فتستقل بنفسها وتتهيأ للخطاب، ولا ما علقت عليه من زوج هي في عصمته إن حملت فهي مسكينة معلقة ليست بذات زوج ولا مطلقة، تقول المرأة في حديث أم زرع: ((زوجي العشنق إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق)) نعم، حديث أم زرع، حديث مطول في الصحيح، نعم، فيه من الألفاظ الغريبة ما فيه. على كل حال التعليق عرفنا تعريفه وهو: الحذف من مبادئ السند، ولو إلى آخره، وله صور كثيرة تتعدد بتعدد رواته، هذه الصور تتعدد بعدد رواة الحديث، إذا افترضنا أن بين الشيخ المصنف وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- خمسة رواة، يكون لهذا الحديث خمس صور، كل راوي له صورة، إذا حذفت واحد صورة، حذفت الثاني صورة، حذفت الثالث صورة، إلى آخره. صور المعلق: المقصود أن للمعلق صور كثيرة منها: أن يحذف جميع السند مع إضافة القول إلى قائله، هذه صورة من صور المعلق، "كانت أم الدرداء تجلس في الصلاة جلسة الرجل، وكانت فقيهة" هذا معلق لكنه مضاف إلى أم الدرداء.

الثاني: أن يحذف جميع السند مع عدم إضافة القول إلى قائل، هذا موجود في البخاري لا يضاف القول إلى قائله، أن يحذف جميع السند إلا الصحابي، قال ابن عباس، قال ابن عمر، قال أنس، أن يحذف جميع السند إلا الصحابي والتابعي، أن يحذف من حدثه، يعني شيخه ويضيفه إلى من فوقه، والأمثلة على هذه الصور موجودة في الصحيح، وليس من صور المعلق ما عزاه المصنف لشيخه بصيغة قال، يقول الحافظ العراقي فيما ذكرنا آنفاً: . . . . . . . . . أما الذي عنعنة كخبر المعازفِ لشيخه عزا بـ (قال) فكذي لا تصغِ (لابن حزم) المخالفِ ج فليس من صور المعلق ما يقوله المصنف كالبخاري مثلاً قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة .. إلى آخر الإسناد، هشام بن عمار من شيوخ البخاري، فكون البخاري يقول: قال هشام بن عمار من أهل العلم من يرى أنه معلق، لكن الصواب أنه ليس بمعلق، فليس من صور المعلق ما عزاه المصنف لشيخه بصيغة قال بل حكمها حكم المعنعن، فكذي عنعنةٍ، وعلى هذا يشترط للحكم باتصالها شيئان: سلامة الراوي من التدليس؛ لأن حكمها حكم العنعنة، والمدلس لا تقبل عنعنته حتى يصرح بالتحديث، لا سيما إذا كان ممن لم يحتمل الأئمة تدليسه، والشرط الثاني: لقاء الراوي لمن روى عنه على الخلاف في اشتراط اللقاء والمعاصرة، يقول الحافظ ابن حجر: ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يعدل عن صيغة التحديث الصريحة إلى مثل هذه الصيغة قال لنا، أو قال فلان، نعم إلا لنكتة، إلا لنكتةٍ تكون في شيء يسير في إسناده، لا بد أن يوجد شيء يسير ولو لم يكن قادحاً في إسناده، فمثلاً حديث المعازف، حديث هشام بن عمار، النكتة في ذلك كونه لم يجزم بالصحابي حدثني أبو مالك أو أبو عامر الأشعري، هذه نكتة يسيرة لا تؤثر في الخبر؛ لأن كونه لا يجزم بهذا الصحابي أو بذاك لا يؤثر، فعدل الإمام -رحمة الله عليه- من الجزم بصيغة التحديث –وإن كان قد روى عن هشام بن عمار أحاديث خمسة أو ستة بصيغة التحديث- لكنه عدل عنها للتردد في الصحابي.

منهم من يقول: إن البخاري لا يقول: قال فلان إلا في حال المذاكرة، يعني إذا كان الحديث مروي في حال المذاكرة لا لقصد التحديث، وحال المذاكرة يتوسع فيها ما لا يتوسع إذا قصد التحديث، وعلى كلٍ الحديث المعلق ضعيف، هذا الأصل فيه، لماذا؟ لأنه فقد شرطاً من شروط القبول وهو اتصال السند بحذف راوٍ أو أكثر من أول إسناده مع عدم علمنا بحال بذلك المحذوف، وهذا الحكم خاص بما إذا كان الحديث المعلق في كتاب لم يشترط مؤلفه الصحة، أو اشترطها لكن لم يفِ بشرطه، أما إذا وجد الحديث المعلق في كتاب التزمت صحته فهذا له حكم خاص، إذا وجد الحديث المعلق في الصحيحين في أحدهما، هذا لا شك أن له حكم خاص ما يقال: إنه ضعيف بإطلاق؛ لأن هذا الكتاب التزمت صحته، وتلقته الأمة بالقبول، فلا يقال: إنه ضعيف؛ لأنه سقط من إسناده راوٍ أو أكثر. معلقات الصحيحين: معلقات الصحيحين: بالنسبة لمعلقات مسلم وعدتها أربعة عشر حديثاً معلقاً، وكلها موصولة في صحيح مسلم إلا واحد، هذا الواحد موصول في صحيح البخاري، هل نحتاج إلى البحث في معلقات مسلم؟ نعم نحتاج إلى البحث؟ لا نحتاج، لماذا؟ لأنها كلها موصولة في صحيح مسلم، وواحد منها موصول في صحيح البخاري، إذاً انتهينا من معلقات مسلم. معلقات البخاري: لا تخلو من حالين: الحالة الأولى: ما كان معلقاً وجاء موصولاً في الكتاب نفسه، وهذا هو الكثير الغالب على معلقات الصحيحين، يعني إذا كان عدة المعلقات في صحيح البخاري ألف وثلاثمائة وأربعين كلها موصولة إلا مائة وستين، أو مائة وتسعة وخمسين، هذا الموصول في الصحيح نفسه يبحث فيه وإلا ما يبحث؟ لا يحتاج إلى بحث، هل نحتاج إلى بحث في حديث معلق وهو موصول في الصحيح نفسه؟ لا نحتاج إلى بحثه. الثانية: وهي ما لا يوجد في الصحيح إلا معلقاً إذ لم يوصل في موضع آخر من الكتاب وعرفنا أنها يسيرة تقرب من العُشر إذ عدتها مائة وستون حديثاً، هذه الأحاديث التي لم توصل في موضع آخر لا تخلو من صورتين:

الأولى: أن يصدر بصيغة الجزم مثل قال وروى وذكر وحكى، فهذه الصيغة يستفاد منها الصحة إلى من علق عنه، لكن يبقى النظر في من أبرز من الرجال، فمن هؤلاء الرجال من هو على شرط البخاري، يعني إذا كان التعليق بصيغة الجزم فالمحذوف نحتاج إلى بحثه؟ لا، المحذوف مضمون، ضمنه البخاري، يبقى النظر فيمن ذكر من الرواة، من ذكر من الرواة يحتاجون إلى بحث ولو كان بصيغة الجزم، كثير منهم من هو على شرطه، فمنهم من هو على شرطه، ومنهم من لا يلتحق بشرطه لكنه صحيح على شرط غيره، فمنهم ما هو موجود في صحيح مسلم لكنه ليس على شرط البخاري، وقد يكون حسناً، وقد يكون ضعيفاً لا من جهة قدح في رجاله، بل من جهة انقطاع يسير في إسناده، والأمثلة على ذلك كثيرة، موجودة في هدي الساري ومقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر. الحالة الثانية: أن يصدر المعلق بصيغة التمريض، بصيغة التمريض، مثل روي ويروى ويذكر ويقال، فهذه الصيغة لا يستفاد منها الصحة ولا الضعف، ففيها ما هو صحيح على شرطه أيضاً، ومنها ما هو صحيح ليس على شرطه، ومنها ما هو حس، وفيها ما هو ضعيف، قال ابن الصلاح: ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح -حتى الضعيف- إيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله أشعاراً يؤنس به ويركن إليه، يعني وجود هذا الخبر وإن كان فيه شيء من الضعف فإيراده في كتاب التزمت صحته وتلقته الأمة بالقبول يدل على أنه أصل. يقول ابن حجر: "الضعيف الذي لا عاضد له في الكتاب قليل جداً" قليل جداً وحيث يقع ذلك فيه يتعقبه المصنف بالتضعيف، ومثال ذلك قول البخاري: ويذكر عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح. وطريق معرفة الصحيح من غيره من هذه المعلقات هو البحث عن إسناد الحديث والحكم عليه بما يليق به، وقد تولى ذلك الحافظ ابن حجر في كتابيه فتح الباري وتغليق التعليق جزاه الله خيراً. تعريف المرسل:

"والثاني: المرسل" والثاني: المرسل، وهو في اللغة: اسم مفعول من الإرسال وأصله من قولهم: أرسل الشيء أي أطلقه وأهمله، ومنه قوله تعالى، {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} [(83) سورة مريم] يعني أطلقناهم، ويحتمل أن يكون مأخوذاً من قولهم: جاء القوم أرسالاً أي متفرقين، ويحتمل أن يكون من قولهم: ناقة مرسال، أي سريعة السير، أصله من قولهم: أرسل الشيء وأطلقه، كأن الراوي أطلق الحديث أطلقه وأرسله وتركه بدون إسناد، يحتمل أن يكون جاء من قولهم: جاء القوم أرسالاً أي متفرقين يعني هذا السند سند مفرق بين الراوي ومن روى عنه إذ حذفت الواسطة، وفرق بينهما بحذف .. ، ويحتمل أن يكون من قولهم: ناقة مرسال أي سريعة السير، كأن المحدث أسرع في إلقاء الحديث بدون إسناد، ويجمع على مراسل ومراسيل، كالمفاتح والمفاتيح، والمساند والمسانيد. وفي الاصطلاح: ما رفعه التابعي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا هو الذي جرى عليه الحافظ في النخبة وابن الصلاح والعراقي وغيرهم، وقيل: إن المرسل يختص بما أرسله كبار التابعين دون صغارهم، فأحاديث صغار التابعين تسمى مقاطيع، منقطعة. والمشهور عند الفقهاء والأصوليين أن المرسل: قول غير الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعرفه الخطيب في الكفاية بأنه: ما انقطع إسناده بأن يكون في رواته من لم يسمعه ممن فوقه، فعلى هذا يشمل جميع أنواع الانقطاع، فيدخل فيه المنقطع والمعضل والمعلق. مرفوع تابعٍ على المشهورِ أو سقط راوٍ منه ذو أقوالِ ج مرسل أو قيّده بالكبيرِ والأوّل الأكثر في استعمالِ ج المقصود أن المرسل ما سقط من آخر إسناده، أو ما سقط صحابيه، أو ما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذه العبارة أدق. يقول البيقوني: ومرسل منه الصحابي سقط . . . . . . . . . وهنا يقول: مرفوع تابع على المشهورِ ج. . . . . . . . .

مرفوع التابعي، وعلى هذا إذا سقط منه صحابيان، صحابي يروي عن صحابي ثم سقط الصحابيان معاً، ورفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون مرسل، وعلى عبارة البيقوني لو وجد صحابي وحذف صحابي، الصحابي يرويه عن صحابي آخر فحذف الصحابي، كالأحاديث التي يرويها صغار الصحابة الذين لم يدركوا أول البعثة، يروون عن كبار الصحابة، وهو ما يعرف عند أهل العلم بمرسل الصحابي، على ما سيأتي، لكن المعتمد عند أهل العلم أن المرسل ما يرفعه التابعي صغيراً كان أو كبيراً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، مثاله: ما رواه الإمام مالك عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس بين ظهراني الناس إذ جاءه رجل فساره فلم يدر ما ساره به، حتى جهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين .. الحديث. عبيد الله بن عدي بن خيار من كبار التابعين، ورفع الخبر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا الخبر مرسل. حكم المرسل: حكمه: اختلف العلماء في المرسل على أقوال:

ذهب الأئمة أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه إلى أن المرسل صحيح يحتج به في الدين، المرسل صحيح يحتج به في الدين، ونسبه الغزالي إلى الجماهير، بل نقل ابن عبد البر عن الطبري أن التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل، ولم يأتِ عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين، نقل ابن عبد البر عن الطبري أن التابعين بأسرهم –يعني نقل الاتفاق والإجماع- أجمعوا على قبول المرسل، ولم يأتِ عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين، مروي عن سعيد بن المسيب أنه لا يحتج بالمرسل على ما سيأتي، والطبري نقل الإجماع عن التابعين وسعيد بن المسيب أفضل التابعين، فكيف ينقل الطبري الإجماع مع مخالفة سعيد؟ كيف؟ الطبري له رأي في الإجماع وهو أن الإجماع قول الأكثر، قول الأكثر إجماع عنده، ولذا تفسيره المشهور التفسير الكبير له كثيراً ما يقول: "واختلف القرأة في قراءة قوله تعالى على أقوال" ثم يذكر قول الجمهور ويذكر المخالف ثم يقول: "والصواب في ذلك عندنا كذا لإجماع القرأة على ذلك" هو ذاكر الخلاف لكن باعتبار أن الخلاف هو قول الأقل، قول الأكثر عنده إجماع، فهو يذكر الخلاف في معنى آية أو في حكم من الأحكام يذكر قول الجمهور ثم يذكر القول المخالف وهم القلة ثم يقول: والصواب في ذلك عندنا قول كذا لإجماع كذا، فالإجماع عنده قول الأكثر وليس بقول الكل. غالى بعض القائلين بهذا القول –أعني قبول المراسيل- حتى قدموا المرسل على المسند، واحتج لهذا القول بأن سكوت الراوي مع عدالته عن ذكر من روى عنه وعلمه أن روايته يترتب عليها شرع عام يقتضي الجزم بعدالة المسكوت عنه، فسكوته كإخباره بعدالته، منهم من يرى أن المرسل أقوى من المسند؛ لأن من أسند أحالك، ومن أرسل ضمن لك ما حدث، واحتج له بأن الغالب على أهل تلك القرون الصدق والعدالة بشهادة النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)).

القول الثاني: ذهب أكثر المحدثين وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول إلى أن المرسل ضعيف لا يحتج به، وحكاه الحاكم عن سعيد بن المسيب والزهري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل ومن بعدهم من فقهاء المدينة، وهو ما قرره الإمام مسلم في صدر صحيحه، ونسبه ابن عبد البر إلى سائر الفقهاء وجميع المحدثين. العلة في ذلك في رد المرسل: والعلة في ذلك في رد المرسل هو الجهل بحال الراوي الساقط، احتمال أن يكون الساقط صحابي، هذا احتمال، احتمال أن يكون الساقط تابعي آخر وصحابي، سقوط الصحابي ما يضر، لكن الإشكال فيما إذا سقط تابعي، أو تابعي ثالث، قد يسقط أكثر من راوي إذا رفع التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يحتمل أن يكون التابعي هذا رواه عن تابعي والتابعي عن تابعي، والتابعي عن تابعي، وأسقط اثنين من التابعين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة؛ لأنه وجد رواية ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، ستة من التابعين يروي بعضهم عن بضع، فيكون حينئذ سقط من الإسناد خمسة أشخاص، وكل واحد من هؤلاء التابعين الذين أسقطهم هذا التابعي نعم قابلون للجرح والتعديل، قد يكون فيهم المجروح، فيهم غير الثقة، إذاً الخبر يضعف حتى تعرف الواسطة. العلة في رد المرسل هو الجهل بحال الراوي الساقط؛ لأنه يحتمل أن يكون الساقط من السند غير صحابي وإذا كان كذلك فيحتمل أن يكون ضعيفاً، يقول الحافظ العراقي: واحتج مالك كذا النعمانُ ورده جماهر النقادِ وصاحب التمهيد عنهم نقله ج وتابعوهما به ودانوا للجهل بالساقط في الإسنادِ ومسلم صدر الكتاب أصله ج

"المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة" هذا كلام مسلم في صدر الصحيح، هناك قول ثالث وهو الإمام الشافعي حيث قبل المراسيل لكن بشروط، في القول الأول قبلت من غير شرط، والثاني ردت من غير شرط، والثالث: فيه توسط، توسط الإمام الشافعي فقبل المراسيل بشروط أربعة: ثلاثة منها في الراوي المرسِل، والرابع في الحديث المرسَل، وتفصيل هذه الشروط في رسالته الشهيرة، الإمام الشافعي يشترط في المرسل أن يكون من كبار التابعين، وأن يكون إذا سمى أحداً ممن يروي عنه لا يسمي مرغوباً في الرواية عنه، يعني أنه لا يروي إلا عن ثقة، وإذا شرك أحداً من الرواة لم يخالفه، هذه شروط في الراوي المرسِل، والشرط الرابع شرط في الحديث: أن يكون له شاهد يقويه بمرسل آخر يرويه غير رجال الأول أو حديث مسند أو يشهد له فتوى عوام أهل العلم أو قول صحابي أو ما أشبه ذلك، المقصود أن له شاهد يقويه، وشروط الإمام الشافعي مبسوطة في رسالته -رحمه الله تعالى-. مرسل الصحابي: مرسل الصحابي، مرسل الصحابي وهو ما أخبر به الصحابي عن قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو فعله مما لم يسمعه أو يشاهده، إما لصغر سنه أو لتأخر إسلامه أو غيابه، الصحابي الصغير يروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يشهده، عائشة تروي حديث: بدء الوحي، بدء الوحي قبل أن تولد، ابن عباس يروي أحاديث قبل أن يولد، حدث بها النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يولد، فعائشة يحتمل أنها روتها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني أعاد لها الحديث، وابن عباس كذلك، ويحتمل أن عائشة وابن عباس رويا الأخبار عن صحابي آخر وأسقطوا الصحابي، مرسل الصحابي: ما أخبر به الصحابي عن قول النبي -عليه الصلاة والسلام- أو فعله مما لم يسمعه أو يشاهد إما لصغر سنه كعائشة وابن عباس وابن الزبير وغيرهم من صغار الصحابة، أو تأخر إسلامه كأبي هريرة أو غيابه عن حضور هذه القصة، ومثاله: ما رواه الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحة .. " الحديث.

ومعلوم أن عائشة -رضي الله عنها- لم تدرك هذه القصة، لكن في ثنايا القصة ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حدثها بهذا الخبر، ضمني، أطلقني هكذا، يعني يدل على أن الرسول حدثها. حكمه: مرسل الصحابي مقبول عند جماهير الأمة، بل نقل الأسنوي والنسفي الإجماع على ذلك، على قبول مراسيل الصحابة، وشذ قوم منهم أبو إسحاق الإسفرائيني فقالوا: مرسل الصحابي لا يقبل إلا إذا عرف بصريح خبره أو بعادته أنه لا يروي إلا عن صاحبي، يقول الحافظ العراقي: أما الذي أرسله الصحابي ج فحكمه الوصل على الصوابِ المعضل والمنقطع: يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "والثالث إن كان باثنين فصاعداً مع التوالي فهو المعضل وإلا فالمنقطع". الثالث من أنواع السقط: ما كان السقط في إسناده لا في أوله ولا في آخره، عرفنا أنه إن كان السقط في أوله من قبل المصنف فهو المعلق، وإن كان من آخره إسقاط الصحابي فهو المرسل، يبقى الثالث إذا كان في أثنائه، إذا كان السقط في الأثناء لا في أوله ولا في آخر، فإن كان بواحد فهو المنقطع، وإن كان باثنين فصاعداً مع التوالي فهو المعضل، فإن كان السقط باثنين فصاعداً على التوالي فهو الحديث المعضل، وإن كان بواحد أو بأكثر من واحد من أكثر من موضع فالمنقطع. تعريف المعضل: فالمعضل لغة: مأخوذ من الإعضال، يقال: عضل بي الأمر وأعضل بي إذا صعب، وكل مستصعب فقد عضل، تسمعون كثيراً من يقول: هذه من عضل المسائل يعني من صعابها ليست من المسائل السهلة، إذا قيل: هذه من عضل المسائل يعني من المسائل الصعبة، كل مستصعب فقد عضل، وكذلك كل شيء ضاق به موضعه فقد عضل فهو معضِل، والمحدثون يقولون: معضَل بفتح الضاد، وهو من حيث الاشتقاق مشكل، لكن ابن الصلاح بحث فوجد له قولهم: أمر عضيل، أي مستغلق شديد، معضَل، اسم مفعول، هذا الحديث معضَل يعني أن الراوي أعضله، أعضله فجعله مستغلقاً شديداً على من يبحث فيه؛ لأنه إذا كان السقط واحد سهل، لكن إذا كان السقط باثنين فصاعداً صعب الأمر.

اصطلاحاً: هو ما سقط من أثناء إسناده اثنين فصاعداً على التوالي، سمي هذا النوع معضلاً لأن الراوي له بإسقاطه رجلين فأكثر قد ضيق المجال على من يريد معرفة حاله من القوة والضعف، وحال بينه وبين معرفة رواته بالجرح أو التعديل، أو لأن المحدث أعضله وأعياه فلم ينتفع به من يرويه عنه، ومثاله: ما رواه الإمام مالك أنه بلغه أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((للملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق)) فهذا الحديث معضل؛ لأنه سقط منه راويان متواليان بين مالك وأبي هريرة هما: محمد بن عجلان وأبوه. وهناك نوع آخر من المعضل ذكره الحاكم وهو: أن يعضله الراوي من أتباع التابعين فيقفه على التابعي، فيحذف النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو في الأصل حديث مرفوع، فإذا جاء تابع التابعي وذكره عن التابعي فوقفه عليه، حذف الصحابي والنبي -عليه الصلاة والسلام- صار لاستحقاق اسم الإعضال أولى كما يقول ابن الصلاح. الحاكم ذكر هذا النوع وهو أن يعضله الراوي من أتباع التابعين فيقفه على التابعي، فيحذف النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحابي، يقول ابن الصلاح: إنه حسن، فالانقطاع بواحد مع الوقف صدق عليه انقطاع باثنين، الرسول -عليه الصلاة والسلام- والصحابي، وهو باستحقاق اسم الإعضال أولى، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: والمعضل الساقط منه اثنانِ حذف النبي والصحابي معا جج فصاعداً ومنه قسم ثانِ ووقف متنه على من تبعا ج زاد البرهان الحلبي: والشرط في ساقطه التوالي ج والانفراد ليس بالإعضالِ ج يعني إذا سقط اثنان متواليان. والشرط في ساقطه التوالي جج والانفراد ليس بالإعضالِ أنه حذف راوي ثم ذكر شيخه ثم حذف شيخ الشيخ ما يسمى إعضال، لكن إذا حذف الشيخ وشيخه صار إعضال، والمعضل ضعيف لا يحتج به؛ لأنه أسوأ حالاً من المرسل لتعدد الساقط من إسناده، وهو أيضاً أسوأ من المعلق والمنقطع. تعريف المنقطع: والمنقطع: اسم فاعل من الانقطاع، يقال: قطعه واقتطعه فانقطع وتقطع، والقطع: إبانة بعض أجزاء الجرم من بعضه فصلاً، والانقطاع ضد الاتصال.

اصطلاحاً: عرف بأنه ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان انقطاعه أي سواءً كان هذا الانقطاع في أول السند أو في آخره، واعتبر النووي هذا التعريف هو الصحيح، يعني إذا قلنا: الأصل في الانقطاع أنه ضد الاتصال، فكل ما لم يتصل إسناده منقطع، كل ما لم يتصل إسناده منقطع، يدخل في ذلك المعلق والمرسل والمعضل، كلها تدخل في الانقطاع، نعم هي داخلة من حيث الإطلاق العام في الانقطاع لكن في الإطلاق الخاص الذي مشى عليه عندنا في النخبة، مشى على أنه ما سقط من أثناء إسناده راوٍ فقط، لأنه إن سقط من أثناء إسناده راويان على التوالي فهو معضل، إن سقط من أوله معلق، إن سقط من آخره مرسل، يبقى صورة واحدة هي ما سقط من أثناء إسناده راو واحد ويلتحق بها ما سقط من أثناء إسناده أكثر من راوٍ في أكثر من موضع لا على التوالي، ما سقط من أثناء إسناده راوٍ أو أكثر من راوٍ في أكثر من موضع مثاله: ما رواه الترمذي عن الحجاج بن أرطأة عن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه قال: "استكرهت امرأة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدرأ عنها الحد" -عليه الصلاة والسلام-، قال أبو عيسى: "هذا حديث غريب وليس إسناده بمتصل، وعبد الجبار لم يسمع من أبيه لأنه ولد بعد أبيه بستة أشهر"، فهناك واسطة بين عبد الجبار وأبيه ساقطة، والحديث منقطع ضعيف لا يحتج به لتخلف شرط من شروط القبول وهو الاتصال.

ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم قد يكون واضحاً أو خفياً، فالأول يدرك بعدم التلاقي ومن ثم احتيج إلى التاريخ"، يعني -رحمه الله تعالى- أن السقط من الإسناد قد يكون واضحاً جلياً يدركه من له أدنى عناية بالحديث وعلومه ورجاله وهو ما تقدم من الإرسال والتعليق والانقطاع والإعضال، ويعرف هذا النوع بعدم التلاقي بين الراوي وشيخه لكونه لم يدرك عصره، يعرف السقط الظاهر بعدم التلاقي بين الراوي ومن روى عنه، ويعرف هذا بالتاريخ، إذا عرفنا أن الشيخ مات سنة مائة والراوي عنه ولد سنة مائة وعشر أو مائة وخمس نجزم بأن هذا الراوي لم يلق من روى عنه؛ لأنه ولد بعد وفاته، قول الحافظ في الشرح في النزهة: "فالأول وهو الواضح يدرك بعدم التلاقي بين الراوي وشيخه بكونه لم يدرك عصره أو أدركه لكنهما لم يجتمعا وليست له منه إجازة ولا وجادة" أدركه يعني هما متعاصران لكنهما لم يجتمعا، لا شك أن أهل الحديث يحكمون بالانقطاع إذا تباعدت الأمصار، كأن يوجد شخص في الهند مثلاً وآخر في الأندلس يروي هذا عن هذا، ولا عرف أنهما حجا في سنة واحدة يحكم بالانقطاع في هذه الصورة، المتقدمون يحكمون بمثل هذا بالانقطاع كما نص على ذلك الحافظ ابن رجب في شرح البخاري، لكن هذا القول من الحافظ: "أو أدركه لكنهما لم يجتمعا" فيه نظر؛ لأن هذا من السقط الخفي على ما سيأتي تقريره في المرسل الخفي؛ لأنه وجدت المعاصرة فإذا وجدت المعاصرة ولم يلق الراوي من روى عنه هذا هو المرسل الخفي على ما سيأتي تقريره، فليس من الواضح. قول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ومن ثم احتيج إلى التاريخ" لتضمنه معرفة المواليد الرواة ووفياتهم ورحلاتهم واختلاطهم وغير ذلك، ذكر السخاوي في حقيقة التاريخ أنه الوقت الذي تضبط به الأحوال من المواليد والوفيات، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث التي ينشأ عنها معانٍ حسنة من تعديل وتجريح ونحو ذلك.

قال الحافظ: "وقد افتضح أقوام ادعوا الرواية عن شيوخ ظهر بالتاريخ كذب دعواهم"، ظهر بالتاريخ كذب دعواهم، قد يقول القائل: كيف يدعي شخص أنه روى عن شخص وهو لم يلقه أو لم يعاصره؟ يدعي، باب التشبع والتزيد مما تحبه النفوس وتهواه، فيزعم أنه لقي الشيخ فلان وروى عنه، ثم إذا سئل عن تاريخ مولده وجد أنه لم يولد في ذلك الوقت، يوجد في هذا العصر من يتشبع ويزعم أنه قرأ على فلان وفلان وفلان، فإذا تحقق من الأمر وجد الأمر ليس كذلك، بل وجد في هذا العصر من يكتب إهداءات لنفسه من بعض المؤلفين الذين لم يدركهم هذا تشبع، والمتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور، نسأل الله العافية. ولا شك أن هذا شعور بالنقص وإحساس بالمهانة والضعف يريد أن يرفع ويجبر هذا النقص بهذا التشبع، ولا يدري المسكين أن هذا هو سبب من أسباب ضعفه ومهانته وضعته، التواضع هو الذي يرتفع به الإنسان، الصدق في المعاملة مع الله ومع خلقه هو الذي يرتفع به الإنسان، أما شخص يتشبع بما لم يعطَ ويزعم أنه قرأ وقرأ وفعل وترك وأدرك فلان كل هذا لا يجدي شيء. يقول الحاكم: "لما قدم علينا أبو جعفر الكشي وحدث عن عبد بن حميد سألته عن مولده فذكر أنه سنة ستين ومائتين، سنة ستين ومائتين، فقلت لأصحابنا: هذا الشيخ سمع من عبد بن حميد بعد موته بثلاثة عشر سنة" افتضح المسكين لما ذكر التاريخ. سبب وضع التاريخ: سبب وضع التاريخ في أول الإسلام، التاريخ في غاية الأهمية، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [(189) سورة البقرة] يؤرخون بها، يعرفون بها أوقات عباداتهم ومعاملاتهم. سبب وضع التاريخ في أول الإسلام أن عمر -رضي الله عنه- أتي بصك فيه دين لشخص على آخر مكتوب إلى شعبان وقت حلول الأجل شعبان، فقال: أهو شعبان الماضي أو شعبان القابل؟ بس شعبان وانتهى، لكن ما يدرى هو شعبان الماضي أو شعبان القادم؛ لأنه ما في تاريخ، ما في سنة كذا، ثم أمر -رضي الله عنه وأرضاه- بوضع التاريخ.

واتفق الصحابة على ابتداء التاريخ من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وجعلوا أول السنة المحرم، هذا محل اتفاق بين الصحابة -رضوان الله عليهم-، والعدول عن هذا التاريخ الذي اتفق عليه الصحابة إلى غيره لا شك أنه سلوك لغير سبيل المؤمنين، فمن قلد الكفار في تواريخهم أو غير في التاريخ ولو كان من الهجرة سواءً عمل بالتاريخ الشمسي ولو كان من الهجرة، أو عمل بخلاف ما اتفق عليه الصحابة من جعلهم أول السنة المحرم، منهم من يقول: أول السنة ربيع الأول؛ لأن أول الهجرة في ربيع الأول، نقول: لا، الصحابة اتفقوا على جعل المحرم أول السنة، شهر الله المحرم، فالعمل بغير هذا التاريخ الذي اتفق عليه الصحابة سلوك لغير سبيل المؤمنين، وحيد عن جادة المسلمين التي اتفقوا عليها منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، والله المستعان، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "والثاني -وهو السقط الخفي- المدلس، ويرد بصيغة تحتمل اللقي كـ (عن) وقال، وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلق"، السقط الظاهر أنواعه أربعة: التعليق والإرسال والانقطاع والإعضال، هذه الأربعة مجتمعة تشكل السقط الظاهر، السقط الخفي نوعان: التدليس والإرسال الخفي، ولذا قال: "والثاني -وهو السقط الخفي- المدلس ويرد بصيغة تحتمل اللقي كـ (عن)، وقال، وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلق"، يعني -رحمه الله تعالى- أن القسم الثاني وهو ما كان السقط فيه خفياً بحيث يخفى على كثير ممن يشتغل بهذا العلم، بل لا يدركه إلا الأئمة الحذاق المطلعون على طرق الحديث وعلى الأسانيد لخفائه وغموضه نوعان، هما: المدلس والمرسل الخفي. المدلس: فالمدلس لغة: اسم مفعول مشتق من الدلس بفتحتين وهو الظلمة كالدلسة، ومنه قولهم: أتانا دلس الظلام، وخرج في الدلس والغلس، والتدليس: كتمان عيب السلعة على المشتري.

والتدليس في الاصطلاح: ما أخفي عيبه على وجه يوهم أنه لا عيب فيه، يعني هل التدليس بالنسبة للسيارات يمكن أن يحصل في ظاهر السيارة؟ في جرمها البادي للعيان؟ يعني لو صدمت السيارة وصلحت يمكن يدلس على المشتري فيها؟ نعم، ما يمكن، ما يمكن يدلس؛ لأنه ظاهر ما يخفى على أحد، لكن لو أقبلت السيارة على ما يسمونه التخبيط ثم وضع فيها شيء من الزيت الثقيل أو شبهه، تعبر يعني كم يوم حتى تمشي على المشتري الذي لا يفهم، هذا خفي، هذا تدليس. عند الفقهاء من التدليس تسويد شعر الجارية، الجارية الشمطاء الكبيرة السن، .... تسويد شعرها تدليس، ويمثلون أيضاً بجمع ماء الرحى وإرساله، تصرية الإبل كل هذا تدليس على المشتري، لكن العرج في الدابة هذا تدليس؟ لا، ليس بتدليس؛ لأنه يرى، والله المتسعان. المقصود أن المدلس في الاصطلاح: ما أخفي عيبه على وجه يوهم أنه لا عيب فيه، لكن الظاهر لا يمكن إخفاؤه، سمي بهذا الاسم لأن الراوي لما أخفى وجه الصواب على الواقف على الحديث كأنه أظلم أمره وغطاه. أقسام التدليس: وقسم التدليس إلى خمسة أقسام: تدليس الإسناد، تدليس التسوية، تدليس القطع، تدليس العطف، تدليس الشيوخ، وتدليس الإسناد: هو أن يروي المحدث عن من لقيه ما لم يسمعه منه موهماً أنه سمعه منه، للتفريق بين التدليس والإرسال الخفي لا بد أن نعرف حال الراوي عن من روى عنه، لا بد أن نعرف حال الراوي مع من روى عنه، فإن ثبت أنه سمع منه إن ثبت أنه سمع منه أحاديث ثم روى عنه حديثاً لم يسمعه بصيغة موهمة فهذا تدلس اتفاقاً، إذا ثبت أن الراوي لقي من روى عنه ثم روى عنه ما لم يسمعه منه، ثبت اللقاء في الأولى ثبت السماع، الثانية ثبت اللقاء بمن روى عنه، ثم روى عنه بصيغة موهمة ما لم يروه عنه فهذا أيضاً تدليس. الصورة الثالثة: إذا روى الراوي عن من عاصره ممن لم يثبت لقاؤه له عن من عاصره بصيغة موهمة فإن هذا من الإرسال الخفي وليس من التدليس، إذا روى الراوي عن من لم يعاصره هذا الانقطاع الظاهر، فهي أربع صور:

تدليس الإسناد: أن يروي المحدث عن من لقيه ومن باب أولى إذا روى عن من سمع منه ما لم يسمعه منه موهماً أنه سمعه منه، فيكون ذلك بلفظ محتمل للسماع وغيره كقال أو عن، ليوهم غيره أنه سمعه منه، ولا يصرح بأنه سمع منه هذا الحديث بعينه فلا يقول: سمعت أو حثني أو أخبرني ممن لم يسمع منه حتى لا يصير كذاباً بذلك؛ لأنه لو قال: سمعت أو حدثني أو أخبرني وهو في الحقيقة لم يسمعه ولم يحدثه ولم يخبره، صار الأمر أعظم من مسألة التدليس صارت كذب، ويجرح الراوي بذلك جرحاً شديداً، وقولنا: عن من لقيه شاملاً لمن سمع منه غير الحديث المراد أو لم يسمع منه شيئاً. وأدخل ابن الصلاح في هذا القسم: رواية الراوي عن من عاصره ولم يلقه موهماً أنه قد لقيه وسمعه منه، وتبعه على ذلك الحافظ ابن كثير في اختصاره، وذهب الإمام الشافعي والبزار والخطيب والحافظ ابن حجر وغيرهم إلى أن هذه الصورة ليست من التدليس؛ لأن مجرد ثبوت المعاصرة لا يكفي في تحقيق التدليس، بل لا بد من ثبوت اللقاء بينهما، وأيدوا ما ذهبوا إليه بأن أهل العلم أجمعوا على أن المخضرمين الذين عاصروا النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل أبي عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم وغيرهما إذا روى أحدهم حديثاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان روايته من قبيل الإرسال وليست من قبيل التدليس، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ يعني فرق بين أن يكون الراوي سمع من روى عنه، لقي من روى عنه، احتمال السماع أقوى من مجرد المعاصرة، احتمال السماع منه أقوى من مجرد المعاصرة، وروايته عنه بصيغة موهمة وقد سمع منه أحاديث أو لقيه روايته عنه بصيغة موهمة ما لم يسمعه منه أخفى من معاصر لم يثبت لقاؤه له، فهذا يسمى تدليس وذاك إرسال خفي.

الخلاصة: أن للراوي مع من يروي عنه أربع حالات: الأولى: أن يثبت سماعه منه، الثانية: أن يثبت لقاؤه له دون السماع، الثالثة: أن تثبت المعاصرة له دون اللقاء، الرابعة: ألا تثبت المعاصرة، ومن باب أولى اللقاء والسماع، ويروي عنه بصيغة موهمة للسماع كـ (عن) و (أن)، فالأولى: إذا روى عنه ما لم يسمعه منه فتدليس اتفاقاً، والثانية: إذا روى عنه بصيغة موهمة -يعني وهو من ثبت لقائه له- شملها مسمى التدليس عند الجمهور خلافاً لأبي بكر البزار وأبي الحسن بن القطان حيث جعلها من الإرسال الخفي، والثالثة: إذا روى عن المعاصر ممن لم يلقه فالجمهور على أنه ليس من التدليس كما تقدم قريباً خلافاً لابن الصلاح حيث جعلها من التدليس، والرابعة: ليس من التدليس عند جماهير المحدثين خلافاً لجماعة من أهل الحديث فيما نقله عنهم ابن عبد البر في التمهيد لمجرد احتمال الصيغة، لمجرد احتمال الصيغة، تدليس الإسناد يسميه بعضهم تدليس الإسقاط، تدليس الإسقاط، لكن تسميته بتدليس الإسناد والتدليس كله في الإسناد، لكنهم تتابعوا على تسميته بتدليس الإسناد للتفريق بينه وبين أنواع التدليس الأخرى. تدليس الإسقاط: تدليس الإسقاط: التدليس جله فيه إسقاط، التدليس جله فيه إسقاط، مثال تدليس الإسناد: ما رواه أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فلان في النار ينادي: يا حنان يا منان)) قال أبو عوانة: قلت للأعمش: سمعت هذا من إبراهيم؟ قال: لا، حدثني به حكيم بن جبير عنه، هنا الأعمش دلس الحديث، الأعمش سليمان بن مهران دلس الحديث فقال: "روى أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم" الآن الأعمش لقي إبراهيم وإلا ما لقيه؟ لقيه، وروى عنه بصيغة موهمة وهي العنعنة، روى عنه ما لم يروه عنه إلا بواسطة، ما رواه عنه مباشرة بل رواه بواسطة حكيم بن جبير، فقد دلس الأعمش الحديث عن إبراهيم، فلما استفسر بين الواسطة بينه وبينه، والأعمش معروف بالتدليس مع أنه ثقة، سليمان بن مهران ثقة لكنه مدلس، في رواة الصحيحين من المدلسين أمثلة منها: الأعمش، وهشيم، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وفي الصحيح عدة كالأعمشِ

وكهشيم بعده وفتشِ جج الأعمش لما استفسر قيل له: هل سمعت الحديث من إبراهيم؟ قال: لا، حدثني به حكيم بن جبير عنه، لكن لو قال: سمعته من إبراهيم؟ يقبل لأنه ثقة، لأنه ثقة يقبل قوله بأنه سمعه من إبراهيم، فلما استفسر بين الواسطة بينه وبينه. حكم تدليس الإسناد: حكم تدليس الإسناد: مكروه جداً، ذمه أكثر العلماء، وكان شعبة بن الحجاج من أشد العلماء ذماً له، فقد قال فيه أقوال شديدة منها: "التدليس أخو الكذب"، وقال: "لأن أزني أحب إلي من أن أدلس" ولا شك أن هذا من شعبة مبالغة وإفراط، مبالغة في الزجر، مبالغة في الزجر عن هذا النوع من التدليس، قال النووي: "وظاهر كلام شعبة أنه حرام وتحريمه ظاهر فإنه يوهم الاحتجاج بما لا يجوز الاحتجاج به، ويتسبب أيضاً إلى إسقاط العمل بروايات نفسه مع ما فيه من الغرر". تدليس التسوية:

الثاني: تدليس التسوية: تدليس التسوية: وهو شر أنواع التدليس، تدليس التسوية: أن يروي المدلس حديثاً عن ضعيف بين ثقتين لقي أحدهما الآخر، فيسقط الضعيف الذي في السند ويجعل السند عن شيخه الثقة، عن الثاني الثقة، بلفظ محتمل فيستوي الإسناد كله ثقات بحسب الظاهر لمن لم يخبر هذا الشأن، شخص مدلس تدليس تسوية يروي الحديث عن زيد وزيد هذا ثقة، زيد يروي الحديث عن عمرو وعمرو ضعيف، عمرو يروي الحديث عن بكر وهو ثقة، وزيد لقي بكراً ثبت لقاء زيد لبكر، فإذا حذف عمرو الضعيف لا يحس بأن في الإسناد سقط؛ لأن زيد لقي بكر، فيكون الإسناد زيد عن بكر وأسقط الضعيف بين هذين الثقتين اللذين لقيا أحدهما الآخر هذا يسمى تدليس تسوية، سوى الإسناد فجعله كلهم ثقات، سماه بعض القدماء تجويد، فقالوا: جوده فلان، يريدون أنه ذكر من فيه من الأجواد وحذف الأدنياء، ومثاله: ما روى ابن أبي حاتم في العلل عن بقية بن الوليد قال: حدثني أبو وهب الأسدي عن نافع عن ابن عمر قال: "لا تحمدوا إسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة رأيه"، قال أبو حاتم: "هذا الحديث له علة قل من يفهمها"، روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب وهو أسدي فكأن بقية بن الوليد كنى عبيد الله بن عمرو ونسبه إلى بني أسد لكيلا يفطن به حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة من الوسط لا يهتدى إليه، وكان بقية من أفعل الناس لهذا النوع من التدليس الذي هو شر أنواع التدليس، يعني من السهل أن لو سمى عبيد الله بن عمرو ليبحث في ترجمته وينظر لكنه كناه فقال: عن أبي وهب الأسدي كي لا يفطن به، لكي يظن أنه غيره، فلا يهتدى إلى المطلوب، وبقية ابن الوليد من أفعل الناس لهذا النوع من التدليس، وهذا التدليس كما قلنا: شر أقسام التدليس؛ لأن الثقة الأول ربما لا يكون معروفاً بالتدليس، ويجده الواقف على سند بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة، وفي هذا غرر شديد.

قد يقول قائل: كيف نعرف هذا النوع من التدليس؟ هناك شخص مدلس تدليس تسوية يروي عن شيخ بصيغة التحديث قال: حدثني فلان ثم يسقط شيخ هذا الثقة ويذكر شيخ شيخه الثقة، الذي بينهما ضعيف يسقطه، ويكون الشيخ قد لقي شيخه الذي نسب إليه ويسقط الضعيف، وأنت تبحث في الإسناد تجده كلهم ثقات لقي بعضهم بعضاً، والمدلس بقية بن الوليد صرح بالتحديث ممن فوقه، والتسوية في طبقة فوق طبقة شيخ المدلس، فعلى هذا في مثل هذا النوع يشترط أن يصرح بالتحديث في كل الطبقات، ما يكفي أن يصرح المدلس نفسه؛ لأنه ما من ثقتين إلا ويحتمل أن يكون هذا المدلس -تدليس تسوية- أسقط بينهما ضعيفاً، فإذا صرح بالتحديث في الإسناد كله أمنا من هذا التدليس. ليس من هذا النوع إذا روى الثقة عن اثنين أحدهما ضعيف والآخر ثقة فيحذف الضعيف ويبقى الثقة، ليس من هذا النوع أن يروي الثقة عن اثنين: ثقة وضعيف، يقتصر على الثقة ويحذف الضعيف، نفترض في مثالنا الأول: زيد عن عمرو زيد ثقة عن عمرو وهو ضعيف وخالد وهو ثقة عن بكر وهو ثقة، يأتي فيحذف عمرو هل نحن بحاجة إلى عمرو؟ سند متصل بدونه، يقتصر على خالد لكونه ثقة، يعني إذا روى عن اثنين واحد ضعيف واحد ثقة، حذف الضعيف في إشكال؟ يعني أنت إذا جاءك من يقول: قدم زيد، واحد من أوثق الناس عندك، ثم جاءك شخص آخر جربت عليه كذب فقال: قدم زيد، هل يلزم أن تقول: قدم زيد أخبرني بذلك فلان وفلان، أو تقتصر على الثقة دون الضعيف؟ تقتصر على الثقة دون الضعيف. مثال ذلك: ما رواه الإمام البخاري حيث حذف عبد الله بن عمر العمري واقتصر على الإمام مالك، الحديث جاء من طريقين من طريق عبد الله بن عمر العمري المكبر وهو ضعيف، وجاء من طريق مالك حذف العمري واقتصر على مالك، مثل مثالنا الذي ذكرناه، في حديث: ((إذا جاء أحدكم إلى فراشه فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات)) .. الحديث، هذا مخرج في الصحيح في البخاري، وكون البخاري حذف العمري ما هو بحاجة إليه، ليس بحاجة إليه، اقتصر على مالك ومالك فيه الكفاية. تدليس القطع:

الثالث: تدليس القطع وهو أن يسقط الراوي اسم الشيخ الذي سمع منه الحديث مباشرة مقتصراً على ذكر أداة الرواية، فيقول: حدثنا أو سمعت ثم يسكت، حدثنا ويسكت، ثم يقول: فلان وفلان، يوهم أنه سمع منهما ذلك الحديث وليس كذلك، هذا المدلس الذي يدلس هذا النوع من التدليس تدليس القطع يقول: حدثني ويسكت، ثم يقول: فلان وفلان، ويذكر بقية الإسناد، يقطع الكلام بين الصيغة -صيغة الأداء- وبين الراوي. ذكر ابن سعد في الطبقات عن عمر بن علي المقدمي أنه كان يقول: سمعت وحدثنا، ثم يقول: هشام بن عروة والأعمش، عمر بن علي المقدمي يفعل تدليس القطع، وهو لم يسمعه ولم يحدثه به هشام بن عروة ولا الأعمش، وجعل بعضهم من هذا النوع إسقاط أداة الرواية والاقتصار على اسم الشيخ الذي لم يسمع منه الحديث مباشرة، ومثل له بما قاله علي بن خشرم قال: كنا عند ابن عيينة فقال -ابن عيينة قال-: الزهري، فقيل له: حدثك؟ فسكت، ثم قال: الزهري، فقيل له: سمعته منه؟ قال: لم أسمعه منه ولا ممن سمعه منه، حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري كذا في علوم الحديث، يعني إذا قال: الزهري وحذف صيغة الأداء ما فيها لا تحديث ولا .. ، هناك في صيغة تحديث لكن في سكوت بين صيغة التحديث واسم الراوي، حدثني ويسكت، هشام بن عروة والأعمش، وما سمعه لا من هشام ولا من الأعمش، فإذا سكت ظُن أن فاعل التحديث من ذكر بعد السكوت ...

شرح نخبة الفكر (6)

شرح نخبة الفكر (6) شرح قول المصنف: "ثم الطعن: إما إن يكون لكذب الراوي، أو تهمته بذلك أو فحش غلطه، أو غفلته، أو فسقه، أو وهمه، أو مخالفته، أو جهالته، أو بدعته، أو سوء حفظه" الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير فإذا سكت ظُن أن فاعل التحديث من ذكر بعد السكوت، وفي الحقيقة ليس كذلك، ما ألحق بهذا النوع تحذف الصيغة أصلاً، كقول ابن عيينة: "الزهري" قيل له: "حدثك الزهري؟ " قال: "الزهري" طيب صرح بالصيغة، سمعته من الزهري؟ قال: لا ما سمعته من الزهري، حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، يعني حذف اثنين، كذا في علوم الحديث لابن الصلاح. الإمام النسائي -رحمه الله تعالى- وهو معروف بشدة التحري والاحتياط، وهو من أبعد الناس عن التدليس، أحياناً يحذف الصيغة ويقتصر على اسم الشيخ، فيقول: "الحارث ابن مسكين" من دون ما يقول: أخبرنا ولا حدثنا، يقول: "الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع"، ليس من هذا النوع أبداً، لماذا لم يذكر الإمام النسائي الصيغة فيقول: أخبرنا؟ بالمناسبة سنن النسائي المطبوع كلها فيها: "أخبرنا الحارث بن مسكين" وهذا خطأ، النسائي يروي عن الحارث بن مسكين بدون صيغة، والسبب في ذلك أن الحارث ابن مسكين كان ممن يأخذ أجرة على التحديث، والنسائي -رحمه الله تعالى- كان ممن يعتني بمظهره، فلما دخل النسائي على الحارث طلب منه أجره، وكأنه رفع عليه الأجرة ظناً منه أنه غني، فرفض النسائي -رحمه الله تعالى- رفض يعطيه الأجرة فطرده الحارث بن مسكين من حلقة الدرس، فصار خلف سارية يسمع والحارث بن مسكين ثقة لكنه بشر، هو ثقة والإمام النسائي -رحمة الله عليه- شديد الورع والتحري، فلكون الحارث بن مسكين ثقة روى عنه النسائي، ولكون الحارث بن مسكين لم يقصد النسائي بالتحديث، ما قال: حدثني ولا أخبرني، ما قصده بالتحديث، بل العكس طرده من الدرس، وهذا من تمام ورع النسائي، فتجده يقول: "الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع" وهذا ليس من هذا النوع، ليس من تدليس القطع. تدليس العطف:

تدليس الشيوخ:

رابعاً: تدليس العطف، تدليس العطف: هو أن يروي المحدث عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه ويكون قد سمع من أحدهما دون الأخر فيصرح عن الأول ويعطف الثاني عليه، فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضاً وإنما حدث بالسماع عن الأول ونوى القطع، فقال: وفلان، أي وحدث فلان. الواحد يعرف أن زيد وعمرو قد سمعا خبراً من بكر، زيد وعمرو مجتمعا -أو مجتمعين حال كونهما مجتمعين- يرويان عن بكر فيأتي خالد فيسمع من زيد ولا يسمع من عمرو، وهو يعرف أن عمرو سمع الخبر لكنه لا يرويه عنه، فيقول: حدثني زيد وعمرو أنهما سمعا بكراً، هو بالفعل سمع من زيد لكنه لم يسمع من عمرو، فيعطف عمرو وهو غير مسموع له على زيد، نعم هما سمعا الخبر من بكر، لكن عمراً لم يحدث خالداً، فيقول: حدثني زيد وعمرو يعطفه على زيد، فالسامع يظن أنه محدث له؛ لأن العطف على نية تكرار العامل، كأنه قال: حدثني زيد وحدثني عمرو، لكنه لا يقصد ذلك، فيضمر في نفسه فيقول: حدثني زيد وعمرو غير مسموع لي مثلاً، هذا تدليس العطف، ومثلوا له بما ذكره الحاكم في المعرفة أن جماعة من أصحاب هشيم وهو معروف بالتدليس وهو من رجال الصحيح اجتمعوا يوماً على ألا يأخذوا منه تدليس، قالوا: نبي ننتبه، ترى التدليس خفي، يمكن يمشي علينا أشياء، لكن لا بد أن ننتبه، انتبهوا، أن جماعة من أصحاب هشيم اجتمعوا يوماً على أن لا يأخذوا منه التدليس ففطن لذلك، فكان يقول في كل حديث يذكره: "حدثني حصين ومغيرة، حدثني حصين ومغيرة عن إبراهيم" ذكر أحاديث بهذه الصيغة، فلما فرغ قال لهم: هل دلست لكم اليوم؟ فقالوا: لا، خلاص هو صرح بالسماع ما في إشكال، صرح بالتحديث، إذا صرح المدلس بالتحديث أمنا التدليس، فقالوا: لا، فقال: لم أسمع من مغيرة حرفاً واحداًً، ما سمعت ولا حديث من الذي ذكرت لكم، لما كان يقول: حدثني حصين ومغيرة، نعم هو سمع من حصين لكنه لم يسمع من مغيرة، "وإنما قلت: حدثني حصين ومغيرة غير مسموع لي"، فأضمر في الكلام محذوفاً فسره بما ذكر. تدليس الشيوخ:

الخامس: تدليس الشيوخ، تدليس الشيوخ: وهو أن يروي المحدث عن شيخ حديثاً سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف، يعني لو قلت: حدثني أبو عبد الله النجدي، أو سمعت أبو عبد الله النجدي، نعم كما تقول: حدثني أو هذا الكتاب لأبي عبد الله التميمي، يعني مثلاً كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب من أجل أن يروج في غير هذه البلاد ويستفاد منه، والكتاب في غاية النفع، لكن لوجود الدعاية ضد هذه الدعوة السلفية المحمدية لا يقرئ في كتب الشيخ، في كثير من أقطار العالم الإسلامي لا يستفيدون من كتب الشيخ لوجود هذه الدعايات، فأنت من حسن ظنك أو تتصرف لكي يستفاد من هذا الكتاب فتقول: كتاب التوحيد لأبي عبد الله محمد بن سليمان التميمي، فتحذف عبد الوهاب لئلا يعرف الشيخ فيستفاد من كتابه، أنت هدفك طيب، وتؤجر على مثل هذا التدليس؛ لأنه أحياناً يكون هناك غرض حامل صحيح للتدليس، أحياناً يحذف الاسم بالكلية فلا ينسب إلى المؤلف من أجل إيش؟ أن يروج الكتاب؛ لأنه لو ذكر مؤلفه ما راج الكتاب، كثير من نسخ شرح الطحاوية لابن أبي العز بدون اسم، وكثير من النقول التي في هذا الشرح غير مضافة إلى أصحابها، يعني لو كان في النقول يقول: قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال ابن القيم وقال غيره من الأئمة المعروفين من أئمة أهل السنة يمكن يهجر الكتاب، يترك؛ لأنه جاء وقت ساد في الأمة الإسلامية المذاهب المبتدعة، وضيق على أرباب المنهج الصحيح السليم، فأحياناً تروج الكتب بمثل هذه الطريقة وهذا فعل خير، الحامل لهذا الأمر ما في شك الباعث عليه بذل الخير، فلو أن ابن أبي العز -شارح الطحاوية- قال: قال شيخ الإسلام، قال ابن القيم، وهي منقولة بالحروف من كتبهم، لكن من أجل أن يروج مثل هذا الكلام الصحيح الصواب الموافق للكتاب والسنة حذف القائل، وهذا هدف طيب.

ابن عروة المشرقي حينما ألف كتابه: (الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري) ماذا صنع؟ كتب شيخ الإسلام في وقته تحرق، أي كتاب يوجد يحرق ويتلف، وكتب ابن القيم، صار يأتي إلى أي مناسبة فيها كتاب مؤلف لشيخ الإسلام ينقله بحروفه ليحفظ كتب شيخ الإسلام بهذا الكتاب الذي عنوانه: (الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري) فحفظ لنا كتب كثيرة من كتب شيخ الإسلام في هذا الكتاب، وأنتم تجدون من كتب شيخ الإسلام التي طبعت وهذا مأخوذ من (الكواكب الدراري) لابن عروة، هذه طريقة جيدة لحفظ العلم وإن كان فيها نوع تدليس.

أحياناً يكون ترويج العلم بالعكس، بمدارة بعض الناس، الآن لما تقرءوا في نيل الأوطار وسبل السلام وهما من أهل السنة بلا شك، تجد مثل هذين الكتابين مشحونة بأقوال طوائف المبتدعة، الهادوية والزيدية والناصر، والهادي إلى آخره، هؤلاء مبتدعة لا يعتد بقولهم، لا يعتد بقولهم عند أهل العلم، لماذا؟ لأن غالب سكان اليمن في ذلك الوقت من الهادوية، ولو أهملت أقوالهم ما راج الكتاب، والهدف إذا كان صحيح يغتفر فيه المفسدة اليسيرة تحصيلاً للمصلحة العظيمة، فلننتبه لهذا، لكن إذا كانت المفسدة كبيرة جداً، هل نقول: إن مثل هذا الترويج سائغ؟ لا، إذا كانت المفسدة كبيرة، الفيروز آبادي صاحب القاموس لما شرح البخاري وكانت مقالة ابن عربي في وحدة الوجود شائعة في بلاد اليمن، وهو في بلاد اليمن، نقل من الفصوص ومن الفتوحات المكية لابن عربي النقول الكثيرة من أجل إيش؟ أن يروج الكتاب، لكن ويش نقل؟ نقل القول بوحدة الوجود نسأل الله العافية، ونقل كلام ابن عربي الذي هو كفر صريح في هذا الكتاب من أجل أن يروج، هل هذا هدف مبرر لنقل مثل هذه الكفريات؟ لا، لا يبرر له ذلك، لا تؤلف إن كان أنت ما أنت مؤلف ولا أنت بنافع الناس إلا من خلال مفسدة عظمى، لا، لا تؤلف يا أخي، الناس ليسوا بحاجة إلى مثل هذا التأليف، لكن -والحمد لله تعالى- أن الأرضة أكلت الكتاب من أول مجلد إلى آخره، ما بقي منه ولا حرف واحد، هي نسخة المؤلف واحدة فأكلتها الأرضة من أولها إلى آخرها، والحمد لله على ذلك، ما بقي منه ولا حرف، فلننتبه إلى مثل هذا النوع من التدليس، التدليس حسب الغرض والهدف الحامل عليه، لا شك أن التدليس فيه غرر، لكن قد يكون هذا الغرر مغتفر يسير بالنسبة إلى تحصيل المصلحة العظمى، أما إذا كان الغرر كبير بالنسبة لتحصيل مصلحة ولو كانت كبيرة لا يجوز مهما كان المبرر له إذا كانت المفسدة كبيرة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، أظن هذا ظاهر، أقول: كثير من كتب الشيخ -رحمة الله عليه- التوحيد وكشف الشبهات وثلاثة الأصول، وغيرها من الكتب التي هي أنفع من كل كتاب بعد الكتاب والسنة طبعت في خارج المملكة باسم محمد بن سليمان التميمي حذف عبد الوهاب لئلا يتعطل الكتاب

وينتفع به الناس، هذا جيد. نعود إلى تدليس الشيوخ فتعريف هذا النوع من التدليس: أن يروي المحدث عن شيخ حديثاً سمعه منه ما فيه إسقاط، ليس فيه إسقاط فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف، لو قال: حدثني أبو صالح الشيباني، حدثني أبو صالح الشيباني يريد بذلك الإمام أحمد بن حنبل وهو معروف بأبي عبد الله وهو شيباني، لكن صالح أكبر من عبد الله، من أجل التدليس يكنيه وينسبه إلى كنية أو نسبة لا يعرف بها، قال بعضهم: حدثني أحمد بن هلال، ويريد بذلك الإمام أحمد. مثال ذلك: ما رواه الخطيب البغدادي عن شيخه الحسن بن محمد الخلال، قول سعيد بن المسيب: إن كنت لأرحل الأيام والليالي في طلب الحديث سمى الخطيب شيخه الحسن بن أبي طالب، اسمه الحسن بن محمد الخلال، وقال مرة: أخبرنا أبو محمد الخلال، هذا نوع من التدليس، والخطيب في تصانيفه يكثر من هذا النوع، عن شيوخ يروي عنهم يصرح بأسمائهم، وهم ثقات عنده، لكن من باب التنويع والتفنن في العبارة، يقول: أخبرني مرة فلان، ومرة فلان ابن فلان، ومرة أبو فلان الفلاني، يتصرف من أجل أن يتفنن في العبارة لئلا يكثر من ذكر شيخ فيمله الناس. ابن القيم يذكر عن شيخه كثيراً فيسميه أحياناً وأحياناً ينسبه، وأحياناً يكنيه، ولقد سمعت شيخنا أبا العباس مراراً، كثير ما يقول ذلك، يتفنن في سياق ما يعرف بهذا الشيخ.

تدليس البلدان:

الخزرجي في (الخلاصة) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي قال في ترجمة الإمام محمد بن يحيى الذهلي: "روى عنه البخاري ويدلسه، روى عنه البخاري ويدلسه"، البخاري لم يقل في موضع: حدثنا محمد بن يحيى، بل قال تارة: محمد، حدثنا محمد من غير نسبة، وتارة محمد بن عبدالله، فينسبه إلى جده، وتارة محمد بن خالد، فينسبه إلى والد جده، أولاً: الذهلي ثقة، إمام من أئمة المسلمين، إمام من أئمة المسلمين، فكونه يُدَلَس لا يضيره، الأمر الثاني: الإمام البخاري يختلف مع الذهلي في مسألة اللفظ، لفظي بالقرآن مخلوق، يختلف البخاري معه في ذلك، فلكون الذهلي ثقة إمام روى عنه، ولكونه يختلف معه في هذه المسألة ما سماه باسمه الصريح الذي يعرفه به الناس، لئلا يظن أن البخاري بروايته عنه موافق له في مقالته، والخلاف بين الإمامين معروف، فيجاب عن صنيع الإمام البخاري هذا بما كان بينهما من الخلاف في مسألة اللفظ، فلثقته عنده خرج له، ولئلا تظن موافقته له في هذه المسألة لم يصرح باسمه كاملاً، وإلا ابن القيم -رحمه الله تعالى- في إغاثة اللهفان يقول: الإمام البخاري أبعد خلق الله عن التدليس، أبعد خلق الله عن التدليس". تدليس الشيوخ مكروه إلا أنه أخف من الأنواع السابقة؛ لأن المدلس لم يسقط أحد، وإنما الكراهة بسب تضييع المروي عنه، وتوعير الطريق إلى معرفته على السامع، أما إذا كان امتحاناً للطلاب أو تفنناً في العبارة بحيث لا يخفى على أهل الفن فهو جائز، وهذا ما يفعله الخطيب البغدادي في مصنفاته. قد يقول الشيخ: وهذا اختيار شيخنا أبي عبد الله النجدي، من أبو عبد الله النجدي؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، قد يتنبه بعض الطلاب فيقول: هو الشيخ ابن باز، وهو ما عرف بهذا، لكن من باب اختبار الطلاب وانتباههم وعدمه يفعل مثل هذا، إذا كان امتحاناً للطلاب أو تفنن في العبارة أحياناً يسمى الشخص، وأحياناً يكنى، وأحياناً ينسب من أجل ألا يمل السامع، يعني لو نقل عن شخص عشر مرات في مجلس واحد باسمه الكامل لا شك أن كثير من الناس يمل من التكرار، فمرة ينسب ومرة يكنى، ومرة يعرف به كاملاً، ومرة يلقب وهكذا. تدليس البلدان:

الأغراض الحاملة على التدليس:

يلتحق بتدليس الشيوخ تدليس البلدان، كأن يقول المصري: حدثني فلان في الأندلس وأراد موضعاً بالقرافة، أو يقول: بزقاق حلب ويريد موضعاً في القاهرة وهكذا، وظهر عندنا الآن أحياء بأسماء المدن وأسماء الأقاليم كأن يقول في الرياض مثلاً: حدثني فلان في القدس، حدثني فلان بالقدس، في حي اسمه القدس، والسامع يظن أن هذا رحل وتحمل المشاق، ذهب إلى القدس وسمع هذا الحديث منه، هذا تدليس، يسمى تدليس البلدان، هذا أمره سهل إذا كان المحدث والمحدث عنه من الثقات، لكنه إذا قصد به التشبع وكان الحامل عليه التشبع بأن يظن أن هذا رحل إلى البلدان والأقاليم وهو بين الحارات جالس في بلد واحد مثل هذا يذم، المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور. الأغراض الحاملة على التدليس: الأغراض الحاملة على التدليس كثيرة منها: ضعف الشيخ المدَلس، نعم إذا كان ضعيف فيسقطه من روى عنه وهذا الذي ذمه شعبة، ومن الأغراض الحاملة: صغر الشيخ، يكون الشيخ صغير السن أصغر من التلميذ، فيأنف التلميذ أن يروي عن شخص هو أصغر منه، هذا موجود في النفوس كثير فيسقطه؛ لأنه يأنف أن يقال أنه يروي عن شخص أصغر منه، مع أنه لا ينبل الرجل ولا يكمل حتى يروي عن من هو فوقه، ومن هو دونه ومن هو مثله من أقرانه، فسمة أهل العلم التواضع، ونسبة القول إلى قائله، والرواية إلى راويها، ومن بركة العلم إضافة القول إلى قائله، بعض الناس إذا سمع فائدة من واحد من طلابه يأنف أن يقول: قال فلان هذه الفائدة وهي فائدة جيدة، يقول: قيل، أو قال بعض الفضلاء، لئلا يقال: أن هذا يستفاد من طلابه، لا، نستفيد من طلابنا والحمد لله. من الأغراض: إيهام علو الإسناد، إيهام علو الإسناد، نعم إذا كان السند خماسي فأسقط واحد منهم صار رباعي صار عالي بالنسبة للخماسي. كثرة الرواية عنه: يعني يكثر من الرواية عن شخص من الأشخاص فيمل من كثرة: حدثني فلان قال: حدثني فلان يسقطه.

طبقات المدلسين:

الخوف من عدم أخذ الحديث مع الاحتياج إليه: الخوف من عدم أخذ الحديث مع الاحتياج إليه، وهذا غرض صحيح، إذا كان الشخص على المنهج السوي المستقيم، وهو ثقة عدل ضابط في دينه وحفظه، وأنت في بيئة بينهم وبين هذا الشخص شيء، فإذا حدثت عنه فإنهم لا يأخذون به، لا يوافقونك على العمل بهذا الحديث؛ لأنه مروي من طريق شخص لا يريدونه، فتسقط هذا الراوي كما ذكرنا عن ابن أبي العز في إسقاطه اسم شيخ الإسلام وابن القيم من أجل أن يؤخذ هذا العلم، وهذا مقصد صحيح، والأمور بمقاصدها من ذلكم التفنن في العبارة وهذا ما يفعله الخطيب. طبقات المدلسين: طبقات المدلسين: إذا عرفنا أن التدليس عيب وذم لا بد من معرفة طبقات المدلسين؛ لأن في التدليس .. ، وقع في التدليس أئمة كبار، الحافظ ابن حجر قسم المدلسين إلى خمس طبقات: من لم يوصف بذلك إلا نادراً، يعني حصل منه مرة أو مرتين كيحيى بن سعيد الأنصاري، الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه كالثوري، أو لكونه لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة، الطبقة الأولى والثانية ما فيها إشكال، يروى عنهم بأي صيغة كانت؛ لأن الأئمة احتملوا تدليسهم، الكلام على الطبقة الثالثة فما دون، الطبقة الثالثة: من أكثر من التدليس مع ثقته كأبي الزبير المكي، أبو الزبير مكثر من التدليس ولذا لا يقبل من روايته إلا ما صرح فيه بالتحديث، وهذا يستثنى منه ما في الصحيح، عنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال، محمولة على الاتصال، ولذا أبو الزبير عن جابر في صحيح مسلم كثيراً ما يقول: عن جابر، وقد يقول: سمعت جابراً، وأحياناً يقول: حدثني جابر، فإذا لم يصرح بالتحديث خارج الصحيح قلنا: لا بد أن يصرح، عنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال؛ لأنها بحثت فوجدت كلها مصرح بها في المستخرجات وغيرها من الكتب، مع ثقتنا بالشيخين، فليس لأحد أن يضعف حديث في الصحيحين لأن راويه مدلس رواه بالعنعنة لا، يستثنى من ذلك الصحيحان اللذان تلقتهما الأمة بالقبول. الطبقة الرابعة: من أكثر من التدليس عن الضعفاء والمجاهيل.

حكم رواية المدلس:

والخامسة: من ضعّف بأمر آخر سوى التدليس، وهؤلاء لا يقبل منهم ولو صرحوا. الرابعة: من أكثر من التدليس عن الضعفاء والمجاهيل لا بد من التصريح، فإذا صرحوا بالرواية عن الثقات وهم ثقات يقبلون وإلا فلا، من ضعف بأمر آخر سوى التدليس هذا لا يقبل ولو صرح. حكم رواية المدلس: حكم رواية المدلس: عرفنا في طبقات المدلسين أن الأئمة احتملوا تدليس أصحاب الطبقتين الأولى والثانية فتقبل عنعناتهم ولو من غير تصريح بالتحديث، وأما أصحاب الطبقة الرابعة فلا خلاف في عدم قبولهم إلا مع التصريح بالسماع، وأما أصحاب الطبقة الخامسة فلا يقبل حديثهم ولو صرحوا، وقد اختلف العلماء في قبول رواية المدلس من أصحاب الطبقة الثالثة كأبي الزبير عن جابر على أقوال: الأول من هذه الأقوال: يرى جماعة من الفقهاء وأصحاب الحديث أن خبر المدلس غير مقبول مطلقاً لما يتضمن من الإيهام لما لا أصل له، وترك تسمية من لعله غير مرضي ولا ثقة. الثاني: يرى جمع من أهل العلم أن خبر المدلس -ونعرف أن محل الخلاف الطبقة الثالثة، الثالثة فقط- يرى جمع من أهل العلم أن خبر المدلس مقبول مطلقاً، فلم يجعلوه بمثابة الكذاب، ولم يروا التدليس ناقضاً للعدالة، وزعموا أن نهاية أمره أن يكون ضرباً من الإرسال، والمرسل عرفنا الخلاف فيه. الثالثة: قال آخرون بالتفصيل: إن كان المدلس يروي بلفظ السماع أو التحديث فهو مقبول محتج به، وإن روى بلفظ محتمل كالعنعنة فلا يقبل، وبهذا قال الشافعي وابن الصلاح والنووي وابن حجر وغيرهم.

أسباب الطعن في الراوي:

الرابع: فصل آخرون فقالوا: إن عرف من المدلس أنه لا يروي إلا عن ثقة فإنه يقبل بأي صيغة روى، وإن كان المدلس يروي عن الثقات وغير الثقات فلا يقبل إلا إذا صرح بالتحديث، وذكر ابن عبد البر في التمهيد عن أئمة الحديث أنهم قالوا: لا يقبل تدليس الأعمش، لا يقبل تدليس الأعمش لماذا؟ لأنه إذا وقف أحال على غير ملي، يعني يروي عن غير الثقات، يعنون على غير الثقة، وقالوا: يقبل تدليس ابن عيينة؛ لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظائرهما من الثقات، والراجح -والله أعلم- هو القول الثالث، وهو ما اختاره المحققون من العلماء وهو قبول خبر المدلس إذا صرح بالتحديث وإلا فلا، مع استثناء ما في الصحيحين. وقوله: "وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلق" تقدم تحقيق معنى المرسل الخفي والفرق بينه وبين التدليس، وعرفنا أنه إذا كان الراوي قد لقي وسمع من روى عنه وروى عنه ما لم يسمعه منه هذا يسمى تدليس، إذا كانت بينهما المعاصرة فقط ولم يثبت اللقاء ولا السماع وروى عنه بصيغة موهمة فإنه يسمى المرسل الخفي، وهذا هو الفرق بين المرسل الخفي والتدليس، نعم. أسباب الطعن في الراوي: قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم الطعن: إما إن يكون لكذب الراوي، أو تهمته بذلك أو فحش غلطه، أو غفلته، أو فسقه، أو وهمه، أو مخالفته، أو جهالته، أو بدعته، أو سوء حفظه". الطعن في الراوي كيف يتسرب الطعن في الراوي؟ أولاً: كيف ينفذ الضعف إلى الحديث؟ عرفنا أن الحديث إنما يضعف بسبب السقط من الإسناد أو ضعف في راويه، بسبب السقط من الإسناد وهذا كله تقدم بأنواعه الستة الظاهرة والخفية، وأما الطعن في الراوي وهو المسلك الثاني من مسالك الضعف إلى الخبر، وينقسم هذا إلى قسمين رئيسين، وتحت كل قسم خمسة أنواع: القسم الأول: ما كان سببه الخلل في العدالة، والثاني: ما كان سببه اختلال الحفظ، القسم الأول: ما كان سببه الخلل في العدالة وينشأ عنه خمسة طعون من الطعون العشرة المذكورة الآن، والثاني: الخلل في الحفظ والضبط ويدخل فيه خمسة من الطعون المذكورة العشرة.

فما يتعلق بالعدالة من العشرة التي بين أيديكم الآن التي قرأها: الكذب يرجع إلى العدالة، التهمة بالكذب إلى العدالة، الفسق إلى العدالة، الجهالة إلى العدالة، والبدعة ترجع إلى العدالة، هذه الخمسة ترجع إلى العدالة، الخمسة الباقية: فحش الغلط، والغفلة، والوهم، ومخالفة الثقات، وسوء الحفظ، كلها ترجع إلى الخلل في الحفظ الحافظ ما ميز وفصل هذا عن هذا، لماذا؟ ها؟ الحافظ بدأ بالطعون العشرة غير مميز لها وفاصل لما يتعلق بالعدالة وما يتعلق بالضبط، بادئاً بالأشد ثم الذي يليه على سبيل التدلي، أعظم ما يرمى به الراوي من الطعون الكذب، ثم الذي يليه التهمة بالكذب، ثم يليه فحش الغلط، ثم الغفلة، ثم الفسق، ثم الوهم، ثم مخالفة الثقات، ثم الجهالة، ثم البدعة، ثم سوء الحفظ، فرتبها ترتيباً متدلياً من الأعلى إلى الأدنى. فبعد أن أنهى الحافظ -رحمه الله تعالى- المسلك الأول من مسالك الضعف إلى الحديث وهو السقط من الإسناد بأنواعه الظاهرة والخفية شرع -رحمه الله تعالى- ببيان المسلك الثاني وهو الطعن في الراوي.

والطعن مصدر طعن يطعن طعناً وطعناناً ثلب بالقول السيئ، وفلان طعان: أي وقاع في أعراض الناس بالذم والغيبة ونحوهما، ومنه الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي بلفظ: ((ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان، ولا الفاحش البذيء)) والمراد بالطعن هنا: جرح الراوي باللسان، والتكلم فيه من ناحية عدالته ودينه، ومن ناحية ضبطه وحفظه وتيقظه، هذا المراد بالطعن هنا، هل المراد بالطعن هنا الطعن بالسهام؟ نعم، لا، إنما الطعن هنا المراد به جرح الراوي باللسان لا بالسهام والسنان، وإن كانت حقيقة الطعن هي ما كان في جسده بالسنان، لكن المراد بالطعن هنا جرح الراوي باللسان والتكلم فيه من ناحية عدالته ودينه، ومن ناحية ضبطه وحفظه وتيقظه، والكلام في الرواة تجريح الرواة وتضعيفهم ليس من الغيبة المحرمة، بل هو أمر جائز بإجماع أهل العلم، فيما نقله النووي في رياض الصالحين وغيره قد أوجبه بعضهم، أوجبه بعض العلماء للحاجة إليه، ولا شك أنه مما لا يتم الواجب إلا به إذاً هو واجب، إذ به يعرف صحيح الحديث من ضعيفه، وإذا فتح الباب في هذا المجال من أجل حفظ السنة، فإن هذا لا يعني إطلاق عنان اللسان بجرح الرجال من غير حاجة، فإنما ذلك إنما جوز للضرورة الشرعية، ولهذا حكم العلماء بأنه لا يجوز الجرح بما فوق الحاجة، يقول السخاوي: "لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل المقصود بواحد"، إذا عرف ذلك فليس لكل شخص أن يجرح ويعدل، بل لا بد من توافر شروط اشترطها العلماء في الناقد للرجال والمتكلم فيهم، كالعلم والتقوى والورع والصدق، والتجنب عن التعصب، ومعرفة أسباب الجرح والتزكية، وسيأتي الكلام بالتفصيل عن هذه المسألة عند ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- لمبحث الجرح والتعديل.

الكذب:

على كل حال الجرح إنما أبيح للحاجة، والضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، قد لوحظ على كثير من طلاب العلم أنهم صار مهنتهم الجرح والتعديل، الشيخ الفلاني قال، والشيخ الفلاني، والعلاني فيه ما لا فيه؟ وأخذوا يقعون في أعراض الناس ولم يسلم منهم حتى أهل العلم، نقول: هل من حاجة وضرورة داعية إلى مثل هذا الكلام؟ نعم، إذا وجد شخص ممن يتصدى لإفادة الناس ويخشى منه الضرر يحذر منه بقدر الحاجة، لكن تجعل نفسك حكم بين العباد وتجرح وتعدل من غير ما حاجة، لا شك أن أعراض المسلمين حفرة من حفر النار كما قال ابن دقيق العيد، والغيبة أمرها عظيم، والوقوع في أعراض الناس أمره شديد، وهذه حقوق العباد المبنية على المشاحة، والمفلس الحقيقي لما سألهم عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما تعدون المفلس فيكم؟ )) أو ((من المفلس؟ )) قالوا: من لا درهم له ولا متاع، قال: ((لا، المفلس من يأتي بأعمال من صيام وصدقة وصلاة وصلة يأتي قد شتم هذا وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، ولهذا من حسناته)) .. إلى آخر الحديث، الإنسان قد يحرص على العمل، تطويد العمل وإتقانه ثم يأتي ويوزع الآثار المرتبة على هذا العمل، يكسب الحسنات ثم يوزعها على الناس، ألزم ما على الإنسان نفسه، ينبغي أن يحتاط لنفسه، ويحفظ ما تعب عليه من الحسنات، إذا تقرر هذا فالطعن في الراوي من ناحيتين: الأولى: من حيث عدم العدالة. والثانية: من حيث عدم الضبط. وقد تقدم تعريف العدالة والضبط عند الكلام على الحديث الصحيح، وأوجه الطعن المتعلقة بانتفاء العدالة خمسة هي: الكذب، التهمة بالكذب، الفسق، البدعة، الجهالة، وأوجه الطعن المتعلقة بانتفاء الضبط خمسة: فحش الغلط، والغفلة، ومخالفة الثقات، الوهم، سوء الحفظ، لكن الحافظ -رحمه الله تعالى- لم يعتنِ بتمييز أحد القسمين على الآخر لمصلحة اقتضت ذلك وهي ترتيبها على الأشد فالأشد، في موجب الرد على سبيل التدلي من الأعلى إلى الأدنى فيها. الكذب: فالوجه الأول من أوجه الطعن في الراوي: الكذب: والكذب نقيض الصدق، يقال: كذب يكذب كَذِباً وكِذْباً، وكِذبة، وكَذبة، وكذاباً وكِذابا.

وفي الاصطلاح: هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو في الواقع عمداً كان أو سهواً، يعني إذا قلت كلام لا يطابق الواقع، إذا قلت: جاء زيد وهو لم يحضر فقد كذبت، سواءً قصدت الكذب أو لم تقصد الكذب، ولا واسطة بين الصدق والكذب عند أهل السنة خلافاً للمعتزلة، فلا يشترط لتسمية الكلام كذباً كونه صدر من قائله عمداً، بل مجرد الإخبار على خلاف الواقع يسمى كذاباً، بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) ووجه الاستدلال من الحديث حيث قيد الكذب بالتعمد، فدل على أن هناك كذباً آخر إلا أنه لا وعيد فيه، وهو السهو والغلط، يسمى كذب لكنه لا يستحق هذه العقوبة، خلافاً للمعتزلة الذين يرون اشتراط العمدية لتسمية الكلام كذباً، ولذا يثبتون واسطة بين الصدق والكذب وهي كلام ليس بصدق ولا كذب، وأجمع من يعتد به من المسلمين على تحريم الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والحكم بأنه من كبائر الذنوب لما تواتر عنه -صلى الله عليه وسلم- من قوله: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) هذا متواتر لفظه ومعناه كما تقدم، وهذا الوعيد الشديد يدل على أن الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- كبيرة من الكبائر، موبقة من الموبقات، بل نقل أبو المعالي الجويني عن أبيه تكفير من يضع الحديث، يقول: "الذي يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- متعمد يكفر" هذا قاله والد إمام الحرمين، لكن أبا المعالي ضعف هذا القول، وقال: إنه لم يره لأحد من الأصحاب، وأنه هفوة عظيمة.

رواية الكاذب:

ونقل الذهبي عن ابن الجوزي قوله: "ولا ريب أن الكذب على الله وعلى رسوله في تحليل حرام أو تحريم حلال كفر محض، وإنما الشأن في الكذب عليه فيما سوى ذلك"، هذا حكم الكذب، والراجح فيه قول الجمهور أنه كبيرة من الكبائر لكن لا يكفر، ولا عبرة بما ذهب إليه محمد بن كرام السجستاني شيخ الكرامية من إباحة وضع الأحاديث، يجيزون وضع الأحاديث والكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- للترغيب في الطاعة والتنفير من المعصية دون ما يتعلق به حكم من أحكام الشريعة، مؤولين حديث: ((من كذب علي)) بقولهم: إنا نكذب له ولا نكذب عليه، والوعيد يقول: ((من كذب علي)) ويقولون: نحن نكذب له ما نكذب عليه، إيش معنى نكذب له؟ نروج كلامه، نروج دينه على الناس، بهذا الكذب، فنحن نكذب له ما نكذب عليه، لا شك أن هذا القول سخيف ومتهافت وهو أقل من أن يرد عليه، والبرهان القاطع على خلافه أظهر وأشهر، والدين كامل ليس بحاجة إلى ترويج، ليس بحاجة إلى ترويج، الدين لو سلم من الصد عنه ما احتاج ولا إلى دعوة، لكن المشكلة أن الصد عن دين الله موجود بين المسلمين، من المسلمين من يصد الناس عن دين الله بأفعاله وتصرفاته، وكونه قدوة سيئة يشوه الإسلام، والله المستعان. رواية الكاذب: رواية الكاذب: من كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمداً في حديث واحد حكم عليه بالفسق وردت رواياته كلها، وبطل الاحتجاج بها جميعاً، وأما توبة الكاذب فمن تاب عن الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اختلف العلماء في قبول روايته على قولين: القول الأول: ذهب الإمام أحمد وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري، وأبو بكر الصيرفي إلى أن توبته لا تؤثر في ذلك، ولا تقبل روايته أبداً، بل يحتم جرحه دائماً؛ يعني من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو مرة واحدة فإنه خلاص يلغى من الوجود في باب الرواية، لكن إن حسنت توبته، تاب توبة نصوحاً بشروطها تقبل توبته عند الله -سبحانه وتعالى-، لكن الرواية يحتم جرحه دائماً.

التهمة بالكذب:

القول الثاني: يرى آخرون أن توبته صحيحة وروايته مقبولة، إذا صحت توبته، وهذا القول رجحه النووي وقال: إنه الجاري على قواعد الشرع وقاسه على رواية الكافر إذا أسلم، يقول: هذا الذي كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- أشد ما قيل فيه أنه يكفر، والكافر إذا أسلم قبلت روايته، وهذا من باب أولى، وضعف الرأي الأول، ولا شك أن الرأي الأول فيه تشديد النكير على من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وفيه احتياط للسنة؛ لأن هذا الكاذب لا يؤمن أن يكذب في توبته. التهمة بالكذب: الوجه الثاني من أوجه الطعن في الراوي: التهمة بالكذب. والتهمة في اللغة: الظن، أصلها الوهمة، تاؤه مبدلة من واو، كما أبدلت في تخمة، يقال: أوهمته واتهمته إذا أدخلت عليه التُهَمة كهمزة ورطبة، والسكون لغة، أصله تُهَمة كهُمزة ولُمزة، وقد تسكن فيقال تهْمة، واتهمته شككت في صدقه. واصطلاحاً عرفه الحافظ ابن حجر في النزهة، عرف الحافظ ابن حجر في النزهة تهمة الراوي بالكذب: بألا يروى ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون مخالفاً للقواعد المعلومة، وكذا من عرف بالكذب في كلامه العادي، وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الكلام النبوي. الكذاب في علوم الحديث هو الذي يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمتهم بالكذب هو الذي يكذب في حديثه العادي مع الناس، لكنه لا يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا يتهم بالكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه جرب عليه الكذب في حديثه مع الناس، ومثله لو روى حديث لا يعرف إلا من جهته، ويكون هذا الحديث مخالف للقواعد المعلومة، ومن هذا نعرف أسباب اتهام الراوي بالكذب، ألا يروى ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون الحديث مخالف للقواعد المعلومة حينئذٍ نتهم هذا الراوي. أن يعرف الراوي بالكذب في كلامه العادي لكن لم يظهر منه كذب في الحديث النبوي، ومتى اتهم الراوي بالكذب ترك حديثه.

فحش الغلط:

قال الإمام مالك بن أنس: "لا يؤخذ العلم عن أربعة ويؤخذ ممن سوى ذلك، لا يؤخذ من صاحب هوىً يدعو الناس إلى هواه، ولا من سفيه معلن بالسفه، ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس، وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث به". فحش الغلط: الوجه الثالث من أوجه الطعن في الراوي: فحش الغلط، سيأتي الحافظ على هذه الأوجه العشرة بالتفصيل وماذا يسمى حديث الكذاب؟ ماذا يسمى حديث المتهم بالكذب؟ بم يسمى حديث من فحش غلطه؟ سيأتي عليها بالترتيب المذكور هنا؛ لأنه كما ذكرنا الحافظ رتب كتابه على طريقة اللف والنشر. الوجه الثالث من أوجه الطعن في الراوي: فحش الغلط، يقال: غط في منطقه غلطاً أخطأ وجه الصواب، وغلطته أنا قلتُ له: غلطت أو نسبته إلى الغلط، وأغلطته إغلاطاً أوقعته في الغلط، ويجمع على أغلاط، ورجل غلطان كسكران، وكتاب مغلوط قد غلط فيه، وفحش الغلط كثرته، وكل شيء جاوز حده فهو فاحش، يعني كون الإنسان يغلط الغلط والغلطتين والثالث هذا يسمى فاحش الغلط؟ لا، من يعرو من الغلط من السهو من النسيان من سبق اللسان، ما في أحد يسلم من ذلك، لكن إذا كثر في كلامه وفحش غلطه صار وجه من أوجه الطعن. فحش الغلط كثرته، وكل شيء جاوز حده فهو فاحش، وذلك بأن يكون غلط الراوي أكثر من صوابه أو يتساويان، أما إذا كان الغلط قليلاً فإنه لا يؤثر إذ لا يخلو الإنسان من الغلط والنسيان. روى الخطيب البغدادي بسنده عن سفيان الثوري أنه قال: "ليس يكاد يفلت من الغلط أحد، إذا كان الغالب على الرجل الحفظ فهو حافظ وإن غلط، وإن كان الغالب عليه الغلط ترك"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وأما الغلط فلا يسلم منه أكثر الناس، بل في الصحابة من قد يغلط أحياناً وفيمن بعدهم"، وإذا كثر غلط الراوي ترك حديثه، روى الخطيب البغدادي عن عبد الرحمن بن مهدي أنه كان لا يترك حديث رجل إلا رجل متهم بالكذب أو رجلاً الغالب عليه الغلط. الغفلة:

الوجه الرابع من أوجه الطعن في الراوي: الغفلة، يقال: غفل الرجل عن الشيء يغفل غفولاً فهو غافل، ورجل مغفل لا فطنة له، وغفلت الشيء تغفيلاً إذا كتمته وسترته، وتغفلته عن كذا تخدعته عنه على غفلة منه، وفلان غفل لم تسمه التجارب، غفل، كثير ما يقولون: أن فلان غفل، نعم، إيش معنى غفل؟ لم تسمه التجارب، يعني ما استفاد من التجارب في الحياة، يقع في هذا الأمر ثم يقع فيه ثانية ثم ثالثة، ما يستفيد من تجارب الحياة، والاسم الغفلة والغفل والغفلان، والغُفل بالضم من لا يرجى خيره ولا يخشى شره، يعني إذا قالوا: فلان غفل، هذا موجود، ما هو مستعمل عندكم؟ ما يقولون: فلان غفل؟ مغفل وغفل، نعم، معناه لا يرجى خيره ولا يخشى شره. واصطلاحاً: غيبة الشيء عن بال الإنسان، غيبة الشيء عن بال الإنسان وعدم تذكره له، كذا في المصباح، وعرفه الفيروز آبادي في البصائر: بأنه سهو يتعري عن قلة التحفظ والتيقظ، ولا بد من تقييد الغفلة بالكثرة، لأن مجرد الغفلة ليست سبباً للطعن لقلة من يعافيه الله منها، غالب الناس فيهم غفلة، لكن إذا كثرت هذه الغفلة لا بد أنها تجرح الراوي، وإن لم يؤاخذ عليها، لا يعني أنه راوٍ مجروح بمعنى أنه آثم، لا. ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- للسهو والغفلة سبعة أسباب هي: الاشتغال عن هذا الشأن بغيره، ككثير من أهل الزهد والعبادة، كثير من الناس ينصرف عن طلب الحديث فإذا روى حديثاً أخطأ فيه، الخلو عن معرفة هذا الشأن من الأصل ما يعرف الحديث، تكون بضاعة في الحديث مزجاة، الأول هو في الأصل من أهل الحديث لكنه انشغل عنه، الثاني في الأصل ليس من أهل الحديث، الخلو عن معرفة هذا الشأن، ولذا تجدون الأخطاء الكثيرة في الأحاديث التي يسوقها الغزالي في الإحياء لماذا؟ لأنه ليس من أهل هذا الشأن، بل بضاعته كما قال عن نفسه في الحديث مزجاة، التحديث من الحفظ، الذي يعتمد على الحفظ وحافظته أقل لا شك أن الحفظ يخونه، وليس كل أحد يضبط ما حفظ.

الرابع: أن يُدخَل في حديثه ما ليس منه ويزوَّر عليه، يبتلى بعض الناس بولد سيء يزور عليه بعض الأحاديث ويلحق في كتابه ما ليس منه، أن يركن إلى الطلبة، يركن الشيخ إلى الطلبة، فيحدث بما يظن أنه من حديثه، يقبل كلام الطلبة يقولون: روينا عنك هذا الحديث الفلاني فيصدقهم فيحدث به، وهذا لا شك أنه غفلة. السادس: الإرسال، وربما كان الراوي له غير مرضي. السابع: التحديث من كتاب لإمكان اختلافه، قال: فلهذه الأسباب وغيرها اشترط أن يكون الراوي حافظاً ضابطاً، معه من الشرائط ما يُؤمَن معه كذبُه من حيث لا يشعر، وذكر الخطيب عن الحميدي ضابطاً للغفلة التي يرد بها حديث العدل، فقال: أن يكون في كتابه غلط فيقال له في ذلك فيترك ما في كتابه، يحدث من كتابه فيقال له: الذي في كتابك غلط، ثم يترك هذا الغلط ويحدث من غيره، يحدث ما يصوب له، هذه غفلة، أن يكون في كتابه غلط فيقال له في ذلك فيترك ما في كتابه، ويحدث بما قالوا، أو يغير يأتي بالقلم ويصحح على كلام الناس، في كتابه بقولهم، لا يعقل فرق ما بين ذلك، يعني ما يتأكد ولا يتثبت. وحديث المغفل مردود روى الخطيب البغدادي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "لا يكتب عن الشيخ المغفل"، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول: نريد توجيهاً لدعاة تجديد علم الحديث وأصول الفقه، يقول: حتى قال قائل منهم: إذا كان لراوي الحديث -أي الصحابي- مصلحة من رواية الحديث فالحديث ضعيف عندهم؟ لعل من أبرز ما يمثل به في هذا الكلام حديث أبي هريرة في الترخيص في اقتناء الكلب للحاجة، ((إلا كلب صيد)) قال أبو هريرة: "أو زرع" قال ابن عمر: "وكان صاحب زرع" يعني أبا هريرة، وهل معنى هذا أن ابن عمر يتهم أبا هريرة في هذه اللفظة؛ لأنه صاحب زرع ومحتاج إلى مثل هذا الكلب؟ نقول: لا، ابن عمر يشيد بأبي هريرة، ويذكر أنه ضبط الحديث وأتقنه؛ لأن له به حاجة، ومن كانت له حاجة بأمر من الأمور فإنه يضبطه ويتقنه أكثر من غيره، وليس معنى هذا أنه يتهم أبا هريرة بأنه يزيد في الخبر من أجل مصلحته حاشا وكلا.

لكنه يريد أني بين أن أبا هريرة محتاج لهذه الزيادة فضبطها وأتقنها، وهذا شيء يحس به كل أحد، إن من كان بحاجة إلى شيء فإنه يضبط، الإنسان يعيش عمره لا يعرف حديث الاستخارة، لكن إذا أراد أن يتزوج أو أراد أمراً مهماً وحصل عنده شيء من التردد، ووجه إلى الاستخارة ضبط حديث الاستخارة؛ لأنه صار له به حاجة، هذا أمثلته كثيرة، من أهل العلم الذين لهم ارتباط وصلة بالمصارف المالية، من يميل إلى تجويز بعض الصور التي يمنعها غيره، فأنت تقول: إذا سمعت منه الحكم أنت تقول: يجيزها فلان وهو يعمل في المصرف، لا شك وأنت في مقالتك هذه كلامك يحتمل أمرين: الأمر الأول: أنك تريد أن تبين للسامع أن هذا الشيخ الذي يعمل في هذا المصرف إنما أجازها عن بينة، عن تبين، وفهم دقيق لهذه المسألة؛ لأن الذي يشتغل بالشيء يتقن مسائله، الشخص الذي يتعامل مع هذه المصارف لا شك أنه أعرف بعقودها من غيره، فهذه العقود تعرض عليه فيدرسها قبل أن يقدم المصرف على التعامل بها، هذا احتمال، واحتمال آخر أنك تريد أن تبين للسامع أن لهذا الشيخ مصلحة من إفتائه بالجواز والميل إليه؛ لأنه يأخذ مقابل على هذا العمل، فلو منع مثل هذه الصورة يمكن يستغني عنه المصرف، فالمسألة تحتمل أمرين، وإذا كان هذا الاحتمال موجود فيمن يمكن أن تميله الدنيا فيميل إلى قول يسهل أمر هذه المسألة فإن مثل هذا لا يمكن أن يظن بالصحابة -رضوان الله عليهم-، الذين هم كلهم عدول بتعديل الله -سبحانه وتعالى- لهم، واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعم؟ يقول: تيسير دراسة الأسانيد للمبتدئين تأليف: مصطفى عبد المنعم؟ والله ما أعرفه. إذا ورد في كتب السير أسلم عام كذا، هل المقصود بهذا التاريخ بعد الهجرة أم ماذا؟ لا شك أن أهل العلم قد يطوون البيان الدقيق فإذا كان هذا الرجل متقدم الإسلام فإذا قالوا: أسلم في السنة الثانية في السنة الثالثة في السنة الخامسة يعني من الهجرة، وهذا لفظ مجمل يحتاج إلى بيان من مصادر أخرى، وإذا كان من متأخري الإسلام فالمراد به بعد الهجرة.

الفسق:

ننتبه إلى ما يفعله العلماء في تواريخ الرواة فتجدهم إذا ذكروا الطبقة لا يذكرون المائة، ولا المائتين، ما يذكرون المئات، فإذا قالوا: من الثانية، مات بعد السبعين، يعني ومائة، من الثانية بدون مائة، لكن لو قالوا: من السابعة، من السابعة مات بعد الخمسين يعني ومائة، فهم لا يذكرون هذه المئات. يقول: تناقشت مع رافضي في حديث الثقلين الذي ورد في مسند الإمام أحمد حيث وردت أربعة أحاديث كلها من رواية التابعي عطية بن سعد العوفي وقد صحح حديثه الألباني؟ عطية العوفي ضعيف بلا شك، ضعفه جماهير أهل العلم، لكن قد يصحح الألباني بطرق وإن لم تكن ممن يصلح للاعتبار، يعني شديدة الضعف. يقول: هل لا بد لطالب العلم من حفظ ألفية العراقي أم يكتفي بالنخبة؟ المقصود إن كانت هناك الحافظة قوية فحفظ الألفية مهم، إذا لم تكن الحافظة ممن تسعف فيكتفي بالنخبة، وكتاب الحافظ ابن كثير مع تعليقات الشيخ أحمد شاكر، ويطالع الألفية وشروحها، يطالعها مطالعة ويحاول أن يفهم ما يقرأ ويطبق، يخرج ويدرس؛ لأن التطبيق العملي هو الثمرة، والله المستعان. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هنا نبدأ بالدرس: الفسق: الوجه الخامس من أوجه الطعن في الراوي وهو الفسق: والفسق في لغة العرب الخروج، تقول: فسقت الرطبة من قشرها لخروجها منه، والفويسقة الفأرة لخروجها من جحرها على الناس لأجل المضرة، يقال: فسق يفسق فسقاً بالكسر وفسوقاً فجر وخرج عن الحق، ورجل فُسَق وفسيق دائم الفسق.

والفسق في الشرع: الخروج عن طاعة الله -عز وجل-، فالكافر فاسق لخروجه عما ألزمه العقل واقتضته الفطرة السليمة، قال الله تعالى: {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [(55) سورة النور]، وقال -جل وعلا-: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ} [(18) سورة السجدة] فقابل الإيمان به والعاصي بما دون الكفر يقال له: فاسق، قال تعالى في شأن القاذف: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [(4) سورة النور] والمراد بالفاسق هنا المتلبس بمعصية دون الكفر؛ لأن الكلام في الراوي المسلم، واختلف الفسق الذي يتلبس به الفاسق إلى قسمين فالفساق نوعان:

الوهم:

فساق بالتأويل: يعني هناك الفاسق المتأول، وهم طوائف المبتدعة، وهذا القسم سيأتي الكلام عليه قريباً -إن شاء الله تعالى-، والفاسق غير المتأول، وهو المراد هنا المخل بشيء من أحكام الشرع من ترك واجب، أو ارتكاب محرم، وهذا القسم قد اتفق العلماء على عدم قبول روايته؛ لأن الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمانة ودين، والفسق يبطلها، لاحتمال كذب الفاسق على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن العربي: "من ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعاً؛ لأن الخبر أمانة، والفسق قرينة تبطلها"، وقال الشنقيطي -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [(6) سورة الحجرات] هذه الآية تدل على عدم تصديق الفاسق في خبره، وصرح تعالى في موضع آخر بالنهي عن قبول شهادة الفاسق، وذلك في قوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [(4) سورة النور] ولا خلاف بين العلماء في رد شهادة الفاسق وعدم قبول خبره، وقال ابن حبان في المجروحين: "ومنهم -يعني الضعفاء- المعلن بالفسق والسفه وإن كان صدوقاً في روايته؛ لأن الفاسق لا يكون عدلاً والعدل لا يكون مجروحاً، ومن خرج عن حد العدالة لا يعتمد على صدقه، وإن صدق في شيء بعينه في حاله من الأحوال إلا أن يظهر عليه ضد الجرح حتى يكون أكثر أحواله طاعة الله -عز وجل-، فحينئذٍ يحتج بخبره، فأما قبل ظهور ذلك عنه فلا". الوهم: الوجه السادس: وما زلنا في اللف الذي ذكره الحافظ، حيث لف الأنواع العشرة، ثم ينشرها بعد ذلك بذكر أنواع علوم الحديث التي تتبع هذه الوجوه، الوجه السادس من أوجه الطعن في الراوي: الوهم، يقال: وهم بكسر الهاء غلط، وقد توهم الشيء تخيله وتمثله، سواءً كان في الوجود أو لم يكن، ويقال: وهم إليه يهم وهماً ووهماً ذهب وهمه إليه، والوهم من خطرات القلب والجمع أوهام، ويقال: وهمت في كذا وكذا فأنا أوهم وهماً إذا سهوت.

مخالفة الثقات:

اصطلاحاً: هو رواية الحديث على سبيل التوهم، أي بناءً على الطرف المرجوح المقابل للظن، وبيان ذلك أن المعلوم إما أن يستقر في الذهن من غير تردد أو بتردد، فالأول يسمى العلم وسبق الكلام عليه، الثاني: إما أن يكون راجحاً أو مرجوحاً أو مساوياً. فالراجح هو الظن والمرجوح هو الوهم والمساوي هو الشك. والوهم عند الحكماء قوة جسمانية للإنسان محلها آخر التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات، قوى جسمانية يقول: محلها آخر التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات، هذه قوة غير العقل تدرك، قوة مدركة، ولذا توجد في الحيوانات، هذه القوة هي التي تحكم في الحيوان بأن الذئب مهروب منه، وأن الولد معطوف عليه، غير العقل، ولذا تجد بعض الحيوانات أو سائر الحيوانات فيها هذه القوة، تهرب مما يضرها، وتعطف على الولد، وتطلب ما ينفعها، وهي أيضاً موجودة حتى في المجانين الذين لا عقول لهم من بني آدم، هذه موجودة هذه القوة المدركة فإذا كان الوهم هو الغالب على رواية الراوي ترك حديثه، أما الوهم اليسير فإنه لا يضر ولا يخلو عنه أحد، قال ابن المهدي: الناس ثلاثة: رجل حافظ متقن فهذا لا يختلف فيه، وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه، وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه". مخالفة الثقات: الوجه السابع من أوجه الطعن في الراوي مخالفة الثقات: والثقات جمع ثقة، والثقة مصدر قولك وثقت به فأنا أثق به ثقة وأنا واثق به، وهو موثوق به، وهي موثوق بها، وهم موثوق بهم، ويقال: فلان ثقة، وهي ثقة، وهم ثقة، وقد تجمع فيقال: ثقات في جماعة الرجال والنساء، وثق به ثقة ووثوقاً ائتمنه، ووثقت فلاناً إذا قلت أنه ثقة فهو موثوق. والثقة في الاصطلاح: من جمع بين صفتي العدالة والضبط وسبق الكلام عليهما، فمن خالف الثقات لا شك أنه ليس بثقة؛ لأن موافقة الثقات هي المقياس لمعرفة ضبط الراوي. ومن يوافق غالباً بالضبطِ ... فضابط أو نادراً فمخطِ

الجهالة:

لمعرفة ضبط الراوي لا شك المقياس موافقة الثقات، والذي يخالفهم يحكم عليه بعدم الثقة والضبط، يقول ابن الصلاح: "يعرف كون الراوي ضابطاً بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعرفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة -ولو من حيث المعنى- لروايتهم، أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة عرفنا حينئذٍ كونه ضابط ثبتاً، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه، وهذه المخالفة على ما تقدم تفصيله إن كانت من ثقة فحديثه شاذ، وإن كانت من ضعيف فحديثه يسمى المنكر، وتقدم شرح ذلك عند قول الحافظ: "فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ ومقابله الشاذ، ومع الضعف فالراجح المعروف ومقابله المنكر". والمقصود هنا مخالفة الثقات، الإكثار من مخالفة الثقات، أما وقوع مخالفة الثقات النادر هذا يحكم على حديثه بالشذوذ لكنه لا ينزل عن درجة الثقات، المقصود بالمخالفة الكثيرة. الجهالة: الوجه الثامن من أوجه الطعن في الراوي الجهالة: والجهل والجهالة نقيض العلم، يقال: جهله يجهله جهلاً وجهالة، وجهل عليه أظهر الجهل كتجاهل وهو جاهل، والجمع جُهُل وجُهْل وجهال وجُهَّل وجهلاء، والجهل على أضرب ثلاثة: خلو النفس من العلم وهذا هو الأصل. الثاني: اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه. والثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل.

من اتصف بضرب من هذه الأضرب الثلاثة يقال له: جاهل، فإذا سئل الإنسان عن شيء وقال: لا أدري، هذا جاهل في هذه المسألة، من اعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه هذا جاهل، لكن جهله أشد، هذا الذي يسمى بالجهل المركب، هذا يجهل لكن إذا سئل ما يقول: ما أدري، يجيب، يجيب خطأ، هذا هو الجهل المركب، والثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل، إذا كان الوجه الصحيح للعمل أو صنع هذه الآلة كذا فعملها على غير الوجه الصحيح يسمى جاهل، فإذا ذهبت بسيارتك إلى من تظنه يعرف، تظنه مهندس، نعم، ثم أخذ يتخبط في إصلاح هذه السيارة، وأنت لا تعرف شيئاً في صناعة هذه السيارة تنتقده، بل يصلح شيئاً تعرف أنه جديد في السيارة، تعرف أنه جاهل في هذه الصنعة، يعني ليس الجهل خاص بالأقوال الجهل يدخل الأفعال، ولذا جعلوا الثالث من أضرب الجهالة: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل، يعني لو جئت بسيارة ودخلتها على المهندس تقطع مثلاً هو بدأ يفكك يبي يغير الصفاية مثلاً، وأنت الآن قبل دقائق مغيره جديد، هذا يعرف وإلا ما يعرف؟ نعم، هذا لا يعرف، يعني لو قدر أن سيارة مثلاً فيها رجة، تدخلها على ورشة ثم يأخذ يتخبط يتخرص وكل شيء يفكه وما يدرك، هذا جاهل، لكن العالم صاحب الورشة الذي بعده، تأتي ثم ينظر، يكفيه شم الخطأ، يقول: غير الكفر الأمامي تروح الرجة، هذا ما فك شيء ولا استعمل شيء، تغير الكفر وتروح الرجة، هذا جاهل وإلا عالم؟ هذا عالم بالصناعة، فالجهل والعلم يعني معرفة الشيء على ما هو به هذا علم، واعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه، أو صنع الشيء على خلاف ما حقه أن يصنع كل هذا جهل. عرفنا أن الجهل يقال للجهل البسيط هو الشخص الذي لا يدري إذا سألته عما وراء هذا الجدار قال: والله لا أدري هذا غيب، هذا جاهل صحيح، لكن الجاهل بسيط، لكن الذي يقول: وراء هذا الجدار نساء، وهو ما في أحد، نعم، هذا جاهل مركب، هذا لا يدري ولا يدري أنه لا يدري. قال حمار الحكيم يوماً ... لو أنصف الدهر كنت أركب أنا جاهل بسيط ... وصاحبي جاهل مركب يعني الحمار جاهل بسيط ما يدري، لكن ما يفتي الناس ويضلهم بغير علم، والله المستعان.

أقسام المجاهيل:

والمراد هنا الراوي المجهول وهو عند أهل الحديث كما في النزهة من لا يعرف فيه تعديل ولا تجريح معين، يرى الخطيب البغدادي أن المجهول من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد. اعترض ابن الصلاح على كلام الخطيب بقوله: "قد خرج البخاري حديث جماعة ليس لهم إلا راوٍ واحد"، يقول: "منهم مرداس الأسلمي لم يروِ عنه غير قيس بن أبي حازم، كذلك خرج مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد منهم ربيعة بن كعب الأسلمي لم يروِ عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن، وذلك مصير منهما إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولاً مردوداً برواية واحد عنه"، هؤلاء هم الوحدان الذين ليس لهم إلا راوٍ واحد، ويأتي ذكرهم في مجهول العين. على كل حال أجاب النووي عن هذا الاعتراض -عن اعتراض ابن الصلاح على كلام الخطيب- بقوله: "والصواب نقل الخطيب، ولا يصح الرد عليه بمرداس وربيعة فإنهما صحابيان مشهوران، والصحابة كلهم عدول، فلا يحتاج إلى رفع الجهالة عنهم بعدد الرواة، أما غير الصحابة فأقل ما يرفع الجهالة عن الواحد منهم أن يروي عنه اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم". روى الخطيب بسنده عن يحيى بن معين أنه قال: "إذا روى عن المحدث رجلان ارتفع عنه اسم الجهالة"، لكن قد ترتفع الجهالة برواية واحد إذا كان من النقاد الذين لا يروون إلا عن الثقات كالإمام مالك وشعبة بن الحجاج غيرهما. أقسام المجاهيل: أقسام المجاهيل: يختلف المجاهيل في قوة الجهالة وضعفها، ولذا قسم العلماء المجهول إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: مجهول الذات: وهو الراوي الذي لم يصرح باسمه أو بما يدل عليه، لم يصرح باسمه أو بما يدل عليه، إذا قيل: حدثني رجل أو قال بعضهم، نعم، هذا مجهول، وجهالة الذات لها سببان: عدم التصريح باسم الراوي، وهذا النوع يسمى المبهم، الثاني: كثرة نعوت الراوي فيشتهر بشيء منها فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض من الأغراض فيظن أنه راوٍ آخر فيحصل الجهل به، هذا المشهور بين الناس باسمه فيكنى، فإذا قيل: حدثني أبو الخطاب قال: قال أنس بن مالك، من أبو الخطاب هذا؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

حكم رواية مجهول الذات:

قتادة، نعم، قتادة، لكن كثير من الناس يجهل هذه الكنية فيوقعه هذا التصرف في جهل هذا الراوي، وهو مشهور علم من الأعلام. حكم رواية مجهول الذات: حكم رواية مجهول الذات: لا تقبل رواية مجهول الذات حتى يصرح الراوي عنه باسمه، أو يعرف اسمه بوروده من طريق آخر مصرح فيه باسمه، لا سيما إذا كان يشترك معه في الاسم الذي أوقع الجهالة، يشترك معه أكثر من واحد وفيهم الثقة وغير الثقة. قال الحافظ ابن حجر: "ولا يقبل حديث المبهم ما لم يسم؛ لأن شرط قبول الخبر عدالة راويه، ومن أبهم اسمه لا يعرف، فكيف تعرف عدالته؟ وكذا لا يقبل خبره ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح"، يعني إذا قال الراوي: حدثني الثقة، لو أبهم بلفظ التعديل ولم يسمه قال: حدثني الثقة، كما يقوله كثيراً الإمام مالك، أو حدثني من لا أتهم كما يقوله بعضهم، لا يكفي، لا بد أن يسمي هذا الراوي؛ لأنه قد يكون ثقة عنده وهو عند غيره غير ثقة، فيقارن بين هذه الأقوال. الإمام الشافعي قال: حدثني الثقة، وأحياناً يقول: حدثني من لا أتهم، ويريد بذلك إبراهيم بن أبي يحيى، وجماهير الأئمة على تضعيفه وضعفه شديد، فلا يكفي التعديل مع الإبهام. ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي أكثر أهل العلم على عدم الاعتداد بالتعديل مع الإبهام فإذا سماه قال: حدثني فلان وهو ثقة لا بأس، يقبل قوله ما لم يعارض بقول أقوى من قوله، من أهل العلم من يرى أن التعديل على الإبهام ملزم لمن يقلد هذا الإمام فإذا قال مالك: حدثني الثقة لزم المالكية العمل بخبره؛ لأنهم يقلدونه في الأحكام فليقلدوه في تعديل الرواة. إذا قال الشافعي: حدثني الثقة لزم الشافعية كلهم الذين يقلدون الإمام الشافعي أن يقبلوا خبر هذا الثقة ولو مع الإبهام، وهذا فرع من مسألة تقليد الأئمة.

القسم الثاني: مجهول العين، وهو الراوي الذي ذكر اسمه، الأول ما ذكر الاسم مجهول الذات، ما ذكر اسمه هو المبهم والمهمل الذي لا يستطاع الوقوف على اسمه، ويشاركه جمع من الرواة الضعفاء، فيما ذكر به من كنية أو اسم، مع عدم البيان الكافي، هذاك سميناه مجهول ذات، يعني لا يوجد في كتب علوم الحديث تسميته بمجهول الذات، لكن حقيقته مجهول ذات، ذاته مجهولة، الثاني: مجهول العين، وهو الراوي الذي ذكر اسمه وعرفت ذاته لكنه مقل في الرواية، فلا يكثر الأخذ عنه، فلم يروِ عنه إلا راوٍ واحد، مجهول العين الذي يعرف اسمه، أبو محمد عبد الله بن سعيد مثلاً، أبو محمد عبد الله بن سعيد بن عمرو الأنصاري مثلاً، هل هذا ذاته مجهولة؟ لا، معلومة ذاته، لكن عينه مجهولة، وهذا مجرد اصطلاح، قد يكون معروف بين الناس، معروف يصلي مع الناس إذا قيل من أبو محمد عبد الله بن سعيد الأنصاري؟ قيل: فلان الذي بيته بجوار فلان معروف، لكنه مقل في الرواية، مقل في الرواية، لم يروِ عنه سوى راوٍ واحد، وتسميته مجهول العين مجرد اصطلاح وإلا عينه معروفة وذاته معروفة، قد يقول أبو حاتم: فلان ابن فلان من المهاجرين الأولين مجهول، يعني لكونه مقل في الرواية، وتسمية هذا النوع بمجهول العين مجرد اصطلاح وإلا فعينه معروفة كما بينا، حكم رواية مجهول العين: اختلف العلماء في رواية مجهول العين من حيث القبول والرد على أقوال نقتصر منها على أهمها: الأول: أنه لا يقبل مطلقاً واختاره أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم. الثاني: أنه يقبل مطلقاً وهو قول من لم يشترط في الراوي غير الإسلام، وعزاه النووي لكثير من المحققين. القول الثالث: التفصيل فإن كان الراوي المتفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن عدل مثل ابن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأمثالهم كمالك نجم السنن، فإن مثل هذا يقبل إذا كان المتفرد بالرواية عنه ممن لا يروي إلا عن ثقة، فإنه يقبل وإلا فلا. القول الرابع: فيه تفصيل أيضاً: فإن كان مشهوراً في غير العلم كأن يكون مشهوراً بالزهد كمالك بن دينار أو النجدة فإنه حينئذ يقبل وإلا فلا، اختاره ابن عبد البر.

إذا كان قاضي من قضاة المسلمين قاضي مثلاً وما حفظ فيه جرح ولا تعديل، وروى عنه واحد، يعني ما ذكر فيه قول لا جرح ولا تعديل، إنما ذكر هو من القضاة، الغالب أن القضاة عدول، مع رواية هذا الواحد يمشي، لكن إذا كان أمير، نعم كان عاملاً لفلان على البصرة مثلاً، وليس مشهور بالرواية روى عنه واحد هو داخل في حيز مجهول العين تقبل روايته وإلا لا؟ نعم؟ هذا حكمه يتبع من ولاه، فإن كان الذي ولاه عمر بن عبد العزيز مثلاً تميل النفس إلى كونه ثقة صح وإلا لا؟ لأن مثل عمر بن عبد العزيز لا يولي إلا ثقة، لكن إذا كان من ولاه معروف بالفسق مثلاً فإن هذا تميل النفس إلى عدم توثيقه حتى ينص الأئمة على توثيقه. القول الخامس: تفصيل أيضاً: وهو إن زكاه أحد أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قبل وإلا فلا، وهو اختيار أبي الحسن بن القطان وصححه ابن حجر، ولعله أرجح الأقوال وأعدلها، وبهذا نخرج من قضية الوحدان الذين خرج لهم البخاري ومسلم في الصحيحين، قد يقول قائل: يوجد مثل هؤلاء المجاهيل في الصحيحين، نقول: نعم، تخريج البخاري توثيق عملي، يعني تخريج البخاري للراوي ومسلم كذلك توثيق عملي لهذا الراوي، وهذا التوثيق مع رواية واحد يكفي في تعديل هذا الراوي، وهو القول الخامس إن زكاه أحد أئمة الجرح والتعديل سواءً كانت التزكية قولية أو فعلية كرواية أحد الشيخين عنه مع رواية واحد عنه قبل وإلا فلا، وهذا اختيار أبي الحسن بن القطان الفارسي المعروف، إمام من أئمة الحديث، وصحح هذا القول ابن حجر ولعله أعدل الأقوال. القسم الثالث: مجهول الحال: وهو من عرفت عينه برواية اثنين عنه، عرفت ذاته بذكر اسمه كاملاً بما يتميز به عن غيره، وعرفت عينه برواية اثنين عنه ولم يوثق فلا يعرف بعدالة ولا بضدها، ومجهول الحال نوعان هما: مجهول العدالة ظاهراً وباطناً، والثاني: مجهول العدالة باطناً لا ظاهراً، وهو المستور.

عرفنا أن مجهول الحال معروف العين، مكثر من الرواية يروي عنه أكثر من واحد، قد يروي عنه عشرة أشخاص، لكن نبحث في كتب الرجال لا نجد كلام لأهل العلم في هذا الراوي، هل هو ثقة أو غير ثقة، هذا مجهول الحال، وجهالة الحال نوعان: جهالة للعدالة ظاهراً وباطناً، وجهالة العدالة باطناً لا ظاهراً، يعني ظاهره عدل لكن باطنه؟ العدالة الباطنة التي تحتاج فيها إلى أقوال المزكين لا يعرف عنه شيء.

حكم رواية النوع الأول: مجهول العدالة ظاهراً وباطناً، ظاهراً وباطناً: يعني المسألة مفترضة في شخص يريد أن يدرس إسناد حديث لراوي ما رآه، وحينئذٍ هو لا يعرف عن عدالته لا الباطنة ولا الظاهرة، والنوع الثاني: مجهول العدالة باطناً لا ظاهراً هو يراه، قد يكون ممن يصلي معه في المسجد هو في ظاهره ملتزم، لم يرتكب محرم في الظاهر، وأما في الباطن فلا يدرى عنه، النوع الأول وهو مجهول العدالة ظاهراً وباطناً اختلف العلماء في روايته، فذهب الجمهور إلى أن روايته لا تقبل؛ لأن تحقق العدالة شرط في قبول رواية الراوي وهذا النوع لم تتحقق فيه العدالة، لا تقبل روايته، وهذا القول عزاه ابن المواق للمحققين، ويرى بعض العلماء قبول روايته معللاً قوله بأن معرفة عينه تغني عن معرفة عدالته، ولكن هذا القول ليس بشيء، يرى آخرون التفصيل: فإن كان الراويان أو الرواة فيهم من لا يروي إلا عن عدل قبل وإلا فلا، يعني ما نص على تعديله لكن روى عنه مالك، ومالك لا يروي إلا عن ثقة، مالك لا يروي إلا عن ثقة، هل نقول: تكفي رواية مالك لأنه لا يروي إلا عن ثقة؟ نعم رواية مالك تورث غلبة ظن لا شك؛ لأنه من أهل التحري والتثبت، لكن هل معنى هذا أن كون مالك لا يروي إلا عن ثقة ... ويحيى بن سعيد القطان وجمع من أهل العلم صرحوا بأنهم لا يرون إلا عن الثقات يكفي في توثيق الراوي أو لا بد من التنصيص على توثيقه؟ حتى لو صرح بأن جميع أشياخه ثقات، لا يكفي حتى ينص على هذا الراوي بعينه؛ لأنه قد يغفل عن هذه القاعدة التي قررها، الإمام مالك -رحمه الله تعالى- روى عن أبي أمية عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ليس بثقة، وقال الإمام مالك: غرني بكثرة جلوسه في المسجد، فالإمام مالك وهو نجم السنن، وأشد الناس احتياطاً للسنة اغتر، فالراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه الجمهور من رد رواية الراوي حتى ينص على توثيقه. وحكم رواية النوع الثاني وهو المستور: معروف العدالة ظاهراً، ظاهره العدالة لا يظهر عليه أثر من آثار الفسق هذا يسمونه المستور.

ومنهم من يطلق المستور بإزاء المجهول بجميع أنواعه، ومنهم من يطلق المستور بإزاء مجهول الحال بنوعيه، حكم رواية هذا النوع: اختلف العلماء في رواية من عرفت عينه وعرفت عدالته الظاهرة، وجهلت عدالته الباطنة وهو ما يعرف بالمستور عند بعضهم على قولين: فالجمهور على أن روايته مردودة ما لم تثبت عدالته الباطنة، وهؤلاء استدلوا بأن الفسق يمنع القبول، لكن هل هذا الراوي متصف بالفسق؟ نعم، يعني جاءك شخص بخبر أنت لا تعرف عنه شيء، أول مرة تراه، وقال لك: قدم زيد، تنظر في ظاهره ما في ولا محرم ارتكب لا حلق لحية ولا آثار شرب، ولا إسبال ولا شيء، الرجل مرضي في الظاهر تقبل خبره أو تقول: لا بد من معرفة حاله الباطنة يمكن يزاول منكرات في الباطن ...

شرح نخبة الفكر (7)

شرح نخبة الفكر (7) شرح قول المصنف: "فالأول: الموضوع، والثاني: المتروك، والثالث: المنكر على رأي، وكذا الرابع والخامس ثم الوهم إن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق فالمعلل .. " الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير تقبل خبره أو تقول: لا بد من معرفة حاله الباطنة؟ يمكن يزاول منكرات في الباطن، يمكن أنه فاسق في الباطن، لا شك أن الفسق يمنع القبول، لكن هل هذا الفسق متحقق في هذا الرجل؟ ما لم تثبت العدالة فلا يظن عدم الفسق؛ لأنه أمر مغيب عنا فكيف نقبله؟ هذا قول الأكثر، وللأمر بالتثبت في قبول الأخبار في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [(6) سورة الحجرات] قال إمام الحرمين: "الذي صار إليه المعتبرون من الأصوليين أنه لا تقبل روايته وهو المقطوع به عندنا"، وقال الرافعي: "وأطلق بعض المصنفين الاكتفاء بالعدالة الظاهرة وهو بعيد"، القول الثاني: يرى جماعة من العلماء أن رواية المستور مقبولة، وبه يقول الحنفية وابن حبان، وعللوا ما ذهبوا إليه بما يلي: أولاً: لأن الناس في أحوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب الطعن، ولم يكلف الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنما كلفوا بالظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم.

الأمر الثاني: أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يعمل بالظاهر، ويتبرأ من علم الباطن ((هلا شققت عن قلبه؟ )) يعني لما قال: "لا إله إلا الله" في الظاهر، قال له الصحابي: "إنه إنما قالها معتصماً بها من السيف" قال: ((هلا شققت عن قلبه؟ )) يعني عليك أن تحكم بالظاهر، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [(101) سورة التوبة] في الحديث: ((هلا شققت عن قلبه؟ )) ولذا قال النووي: "الأصح قبول رواية المستور" والراجح -والله أعلم- قبول رواية المستور، يعني نحن مكلفون برد خبر الفاسق، إننا ما عندنا فسق الآن، ظاهره في العدالة ولسنا مكلفين بالحكم على الباطن، وإنما نحن مكلفون بالحكم على الظاهر، والراجح قبول رواية المستور لقوة الأدلة على قبوله، ويجاب عما استدل به أصحاب الرأي الأول: بأن سبب التثبت هو الفسق فإذا انتفى الفسق كما هنا انتفى وجوب التثبت. بقيت مسألة وهي: أن الجهالة إذا حكم على الراوي بها، تجدون في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: سألت أبي عن فلان فقال: "مجهول" في أكثر من ألف وخمسمائة راوي قال عنه أبو حاتم: "مجهول"، وتبعه الذهبي في كثير من هؤلاء الرواة، وفي كتب الرجال كلها الحكم على كثير من الرواة بالجهالة، هل الجهالة الموجودة في هذه الكتب جرح أو هي عدم علم بحال الراوي؟ هل هي جرح أو عدم علم بحال الراوي، نعم؟ يأتي في مراتب الجرح والتعديل أن المجهول من ألفاظ الجرح، المجهول من ألفاظ الجرح، ويأتينا في النخبة قول الحافظ: ومن المهم معرفة أحوال الرواة جرحاً أو تعديلاً أو جهالة، فجعل الجهالة قسيم للجرح وليست منه، وليست بقسم من الجرح، يقول أبو حاتم في كثير من الرواة: "فلان مجهول، أي لا أعرفه"، فمقتضى هذا أنها عدم علم بحال الراوي، لكن مقتضى صنيعهم وإدخالهم لفظ المجهول في مراتب الجرح يدل على أنه جرح.

البدعة:

ما الذي يترتب على هذا الكلام؟ يترتب عليه أننا إذا درسنا إسناد ووجدنا فيه راوي قيل عنه في كتب الجرح والتعديل: "مجهول" إن قلنا: الجهالة جرح نقول: الحديث ضعيف؛ لأن فيه راوٍ مجهول، وإذا قلنا: عدم علم بحال الراوي قلنا: الحكم التوقف حتى نعرف حال هذا الراوي المجهول، فرق بين الحكم بالضعف مباشرة وبين التوقف حتى نتبين، وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان -إن شاء الله تعالى-. البدعة: الوجه التاسع من أوجه الطعن في الراوي البدعة: والبدعة في الأصل: اختراع الشيء لا على مثال سابق، اختراع الشيء لا على مثال سابق، يقال: ابتدع فلان بدعة يعني ابتدع طريقة لم يسبقه إليها سابق، سواءً كانت هذه الطريقة مذمومة أو ممدوحة، وأكثر ما يستعمل الابتداع عرفاً في الذم، والله -سبحانه وتعالى- بديع السماوات والأرض، يعني هو الخالق والمخترع لهما لا على مثال سابق، فعيل: بمعنى مفعِل، أبدع فهو مبدع. واصطلاحاً: كل ما أحدث في الدين بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، كل ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتاب أو سنة فهو بدعة. عرفها الشاطبي بأنها: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية -يعني يتعبد بها مخترعها- يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية، والابتداع شامل لما تخترعه القلوب، وتنطق به الألسنة، وتفعله الجوارح، كما قرره الطرطوشي، يعني الابتداع يكون في الأقوال والعقائد والأفعال. تقسيم البدع: بعض العلماء قسم البدع إلى قسمين: بدع حسنة، وبدع قبيحة سيئة، قال ابن الأثير: "البدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه ورسوله فهو في حيز المدح" فقسم البدعة إلى ممدوحة ومذمومة، هل يوافق على هذا الكلام؟ "ما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه رسوله فهو في حيز المدح" هذا بدعة؟ هذا واقع فيما ندب .... ، في عموم النصوص ليس بقول مخترع.

من القسم الأول وهي البدعة الممدوحة، البدعة الحسنة قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في قيام رمضان: "نعمت البدعة هذه، نعمت البدعة هذه" رواه البخاري، فهي بدعة حسنة، ويدل على القسم الثاني: قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل بدعة ضلالة)) رواه مسلم، قسم البدع العز بن عبد السلام إلى خمسة أقسام: واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة، ثم قال: "والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشرع، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة"، ثم مثل لهذه الأقسام بأمثلة. لكن الشاطبي -رحمه الله تعالى- لم يرتضِ هذا التقسيم بل رده وقوض دعائمه في الاعتصام حيث يقول: "هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، إذ لو كان هناك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة". يقول العز بن عبد السلام: "فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة" والشاطبي يقول: "إذ لو كان هناك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة"، كيف نسميها بدعة وفي قواعد الشرع وعموماته ما يدل على وجوبها؟ "ولو كان العمل داخلاً في عموم المأمور به أو المخير فيه فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين" كلام صحيح. يعني كيف نقول بدعة واجبة بدعة مستحبة؟ من الذي أوجبها؟ إذا قلنا: بدعة واجبة من الذي أوجبها؟ إن كان الذي أوجبها الشارع ولو بالعموم يعني يشملها عموم نصوص فليست ببدعة، سبق لها شرعية من الشرع، فليست ببدعة، فإذا قلنا: إن هذه بدعة واجبة جمع بين متناقضين، إذاً كيف نجيب عن قول عمر في صلاة التراويح: "نعمت البدعة" سماها بدعة ومدحها فدل على أن من البدع ما يمدح، كيف نجيب؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . طيب، هو سماها بدعة. طالب:. . . . . . . . .

بدعة لغوية، البدعة في اللغة: ما عمل على غير مثال سابق، ما عمل على غير مثال سابق، هذه عملت على غير مثال سابق؟ أو عملت على مثال سبق من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في ليلتين أو ثلاثة؟ وكونه عدل عنها لا رغبة عنها ونسخاً لها وإنما خشية أن تفرض. الإجابة عن قول عمر -رضي الله عنه- حمل شيخ الإسلام ابن تيمية البدعة في قول عمر في اقتضاء الصراط المستقيم على البدعة اللغوية لا الشرعية، حيث قال في معرض رده التقسيم المذكور: "أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداءً من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية: فهي ما لم يدل عليه دليل شرعي، وذلك أن البدعة –هذا كلام شيخ الإسلام- في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق"، هل صلاة التراويح عملت على غير مثال سابق ليتم ما قاله شيخ الإسلام؟ نعم؟ طيب حمل شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- البدعة في قول عمر إنما يتم لو لم يصلِ الرسول -عليه الصلاة والسلام- صلاة التراويح قبل عمر، نعم، لو لم يفعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- قلنا: صحيح هذه الصلاة ما عملت على مثال سابق، فتصير بدعة لغوية، أو على الأقل لو لم يصلها جماعة، يعني صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- منفرد، وعمر جمع لها الناس فصار الابتداع في جمع الناس عليها، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلها وفعلها جماعة، فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فعلها على مثال سابق، وهو فعل الرسول -عليه الصلاة والسلام- وتعليله الترك بخشية أن تفرض، إذاً هي ليست بدعة لا لغوية ولا شرعية؛ لأنها من حيث اللغة لا ينطبق عليها التعريف اللغوي؛ لأنها عملت على مثال سباق، والشرعية سبقت شرعيتها من فعله -عليه الصلاة والسلام-.

سوء الحفظ:

الأولى بل أولى ما يقال في قول عمر: "نعمت البدعة" أن يحمل على المشاكلة في التعبير، فكأن عمر -رضي الله عنه- خشي أن يقال له: ابتدعت يا عمر، أو كأن قائلاً قال لعمر -رضي الله عنه-: ابتدعت يا عمر، فمن باب المشاكلة والمجانسة في التعبير قال: "نعمت البدعة"، في بعض الروايات: "إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة" فقال عمر -رضي الله عنه- على سبيل التنزل والمشاكلة: "نعمت البدعة" كما قال تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] السيئة الأولى سيئة بلا شك، لكن الثانية هي سيئة؟ نعم، ليست سيئة يعني معاقبة الجاني سيئة؟ إقامة الحدود سيئة؟ لا، يقول الشاعر: قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا هذا مشاكلة في التعبير ومجانسة، فالسيئة الثانية ليست بسيئة في الحقيقة، فمعاقبة الجاني حسنة للأمر به، لكنه سمي سيئة للمجانسة في التعبير والمشاكلة، وكذلك الجبة والقميص لا يتصور طبخهما، بل المقصود في حقهما الخياطة، فسمى الخياطة طبخاً للمشاكلة في التعبير، والله أعلم، هذا أولى ما يقال في كلام عمر -رضي الله عنه-. إذا عُلم هذا فالمبتدع في اصطلاح المحدثين كما قال السخاوي -وهو مأخوذ من تعريف الحافظ للبدعة-: "من اعتقد ما أحدث في الدين بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بنوع شبهة لا بمعاندة"، وحكم رواية المبتدع سيأتي الحديث عنه حيث ذكره الحافظ -رحمه الله تعالى-. سوء الحفظ:

والوجه العاشر من أوجه الطعن في الراوي سوء الحفظ: والحفظ يطلق على الحراسة والاستظهار، يقال: حفظت الشيء حفظاً أي حرسته، وحفظته بمعنى استظهرته وهو التعاهد وقلة الغفلة، والتحفظ قلة الغفلة في الكلام، والتيقظ من السقطة، ورجل حافظ، وقوم حفاظ وهم الذين رزقوا حفظ ما سمعوا، وقل ما ينسون شيئاً يعونه، ويطلق الحفظ على هيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم، ويطلق الحفظ على هيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم، يعني الحفظ يطلق على الغريزة الحافظة، كما يطلق على ضبط الشيء في النفس، ويضاده النسيان ثم هو أيضاً يستعمل في كل تفقد وتعهد ورعاية، كل هذا يقال له: حفظ، حفظ الأمانة حفظ، حفظ المتاع حفظ، حفظ المحفوظ في الصدر حفظ، والمراد به هنا ما يقابل النسيان، وهو ضبط الشيء في النفس، وسوء الحفظ قلته ورداءته. لا شك أن الناس يتفاوتون في هذه الملكة التي هي ملكة الحفظ، يتباينون تبايناً كبيراً، فمن الناس من رزقه الله تميز في هذه الجهة فيحفظ الكلام لأول مرة، ومنهم من يحفظ من مرتين، ومنهم من يحفظ بثلاث، ومنهم من يحفظ لخمس، ومنهم من يحفظ لعشر، ومنهم من لا يحفظ ولا لمائة، لا شك أن الناس يتفاوتون، يوجد في السلف من يحفظ الكلام الكثير بمجرد سماعه، بل وجد منهم من يدخل أصبعيه في أذنيه إذا دخل السوق لئلا يحفظ كل ما يقال من خير وشر، الشعبي -رحمه الله تعالى- عرف عنه قوة الحفظ، كثير من السلف يحفظون، ووجد من يحفظ القضايا بلغاتها.

اختصم رجلان من العجم بلغتهما فطلبت البينة، طلب القاضي البينة، قالوا: ما عندنا بينة إلا شخص عربي ما ندري .. ، ما يفهم ويش إحنا نقول؟ فجيء بهذا العربي فسئل ماذا حصل؟ فذكر كل ما حصل حفظ، هو ما يدري إيش معناه؟ قال: هذا قال كذا ثم رد عليه هذا بكذا، وهذاك قال كذا ثم رد عليه .. ، حفظ، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} [(4) سورة الجمعة] يوجد في بعض تراجم الناس في كتب التراجم يقول: "ومن فضل محفوظاته كتاب الأغاني"، هذا تكميل هذا، يعني حفظ المهمات كلها وما بقي عليه إلا الأغاني فحفظه، مطبوع في أربعة وعشرين مجلد كبار، نعم، وبعض الناس يكرر الفاتحة عشرات بل مئات ولا يستطيع أن يحفظ، فيقال له: اذكر الله بدل الفاتحة، أكثر من الذكر يوجه إلى هذا، وبعض الناس يعاني من ضعف الحافظة، كم من مسلم يتمنى أن لو حفظ القرآن ولا يتيسر له ذلك، إما بسببه وانشغاله وعدم اكتراثه واهتمامه، أو بتركيبه حيث جعل الله حافظة من الضعف بحيث لا يستطيع أن يحفظ ما يريد، والناس يتفاوتون، والحفظ نعمة من نعم الله -عز وجل- على العبد، ضريبتها شكرها، شكر هذه النعمة، وألا تستعمل إلا فيما يرضي الله -عز وجل-، بعض الناس يعرض عن النعم، مثل نعمة الحفظ، لكن إيش همه؟ همه يحفظ ما ذكر في الجرائد، أو ما قيل في الأخبار، ويردده في المجالس، أو يحفظ المقطعات الغنائية، أو غير ذلك مما يضره ولا ينفعه، والله المستعان. أقول: هذه نعمة ينبغي أن تصرف فيما خلقت له هذه النعمة، كسائر النعم شكراً للمنعم، واعترافاً بفضل ذي الفضل، يوجد الآن –ولله الحمد- من يتجه إلى الحفظ، كان الناس يظنون أن حفظ الكتب الكبيرة أساطير ما يمكن، يعني حينما تذكر في تراجم أهل العلم يظنونها من باب المبالغة، يحفظ الكتب الستة ما هو بصحيح! لكن الناس أعداء لما يجهلون، هذا ينظر في محيطه، كنا إلى عهد قريب من ينتسب إلى العلم تجد أعظم ما يطمح إليه حفظ القرآن مع البلوغ والزاد وما أشبه ذلك على هذه المتون الصغيرة، وهذا فيه خير كثير، لكن الناس لما جربوا حفظ الكتب حفظوا، وجد أن الأمة ما زالت بخير ولله الحمد.

المقصود أن هذه الملكة نعمة وهي تزيد بالتمرين، قابلة للزيادة فلا يأس، كما أنها تضعف بالإهمال، يعني شخص أهمل الحافظة سنين، ثم يريد أن يحفظ نعم بالتدريج تعود وبالتمرين تزيد، وإن كان الأصل أن قوي الحافظة قوي الحافظة، ضعيف الحافظة ضعيف، لكن هذا بإهماله تضعف حافظته، وذاك بمثابرته تزيد حافظته، فأهل العلم يذكرون طرق للحفظ فيذكرون الظروف المناسبة والأوقات المناسبة للحفظ، فيجعلون أول النهار أنسب وقت للحفظ، يعني إذا أخذ القدر الكافي من النوم واستجم ذهنه وفكره، فإنه أكثر استعداداً للحفظ من آخره بعد مزاولة الأعمال، المكان الضيق للحفظ أنسب من المكان الفسيح الواسع، الترديد والتعاهد مع الفهم يعين على الحفظ، فهم الكلام المراد حفظه يعين على الحفظ. السلف كانوا يأخذون العلم بالتدريج، فيقرءون عشر آيات ويفهمونها ويحفظونها ولا يتجاوزونها إلى غيرها حتى يعرفوا ما فيها من علم وعمل، وذكروا في آداب المتعلم أن الإنسان إذا أراد أن يحفظ يحدد القدر الذي يغلب على ظنه أن حافظته تسعفه في حفظه، فلنقل مثلاً: خمس آيات، عشر آيات، ثم يردد هذه العشر آيات حتى يحفظها في اليوم الأول، ويجزم أنه ضبطها وأتقنها، من الغد يراجع ما حفظه بالأمس خمس مرات، ثم يحفظ نصيب اليوم حتى يجزم بأنه ضبطه وأتقنه، في اليوم الثالث يقرأ نصيب اليوم الأول أربع مرات، ونصيب اليوم الثاني بالأمس خمس مرات، ثم يأتي إلى وظيفة اليوم حتى يضبطها ويتقنها، وفي اليوم الرابع يأتي إلى نصيب اليوم الأول يراجعه ثلاث مرات، ونصيب اليوم الثاني أربع مرات، ونصيب اليوم الثالث خمس مرات، ثم بعد ذلك يأتي إلى نصيب يومه وهكذا، حتى في اليوم الخامس ينتهي من نصيب اليوم الأول، ما يراجعه خلاص ما يحتاج إلى مراجعة، في اليوم السادس نصيب اليوم الثاني ما يحتاج إلى مراجعة، في اليوم السابع نصيب .. وهكذا، يقولون: بهذه الطريقة يثبت الحفظ، وليبدأ طالب العلم بالأهم. بالمهم المهم ابدأ لتدركه ... وقدم النص والآراء فاتهمِ لا بد من البداءة بالمهم؛ لئلا يضيع الوقت وأنت ما حصلت شيء، فلتكن البداءة بكتاب الله -عز وجل-، وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وما يعين على فهم هذين المصدرين.

الناس قاطبة يقررون أن الصغير أقوى في الحفظ من الكبير، وأن الحافظة تضعف كغيرها من القوى، البصر يضعف، السمع يضعف، جميع الجوارح تضعف ومنها الحافظة، والناس كلهم على هذا، والواقع يشهد له، الصغير يحفظ بسرعة، إذا كبر قليلاً ضعف، إذا كبر، إذا كبر .. إلى آخره، إلى أن تكثر مشاغله فلا يكاد يحفظ شيئاً، ثم يبدأ بعد ذلك بنسيان ما حفظ، يبدأ عاد بالمحو والإزالة. الماوردي في أدب الدنيا والدين يقرر أن الحافظة لا تتغير، الحافظة عند الكبير والصغير لا تتغير واحدة، حافظة الإنسان هي هي من يولد إلى أن يموت، إلا إذا طرأ عليه خرف أو اختلاط أو ما أشبه ذلك، يقول: "ليست الحافظة هي التي تتغير، إنما الظروف هي التي تتغير" شخص همه نفسه فقط، ليست لديه أي التزامات، لا شك أنه يحفظ أكثر من الشخص الذي كثرت مشاغله، والشخص في أول العمر مشاغله أقل بكثير من مشاغله في منتصف عمره، أو في آخره.

يقول: الظروف هي المؤثرة على الحفظ، وليس ضعف الحافظة، لكن عامة الناس على خلاف قوله، لا شك أن قول الماوردي يبعث الأمل في النفس بمن بلغ الخمسين والستين ألا ييأس، نقول: مسألة ظروف خلاص أتجرد وأنقطع للحفظ، إيش المانع؟ ونعرف شخص حفظ القرآن بعد الخمسين، وصالح بن كيسان بدأ التعلم بعد التسعين لما بلغ تسعين اتجه إلى العلم، وقيل في سنه أقل من ذلك قيل: سبعين، وقيل: خمسين، لكن أقل ما قيل: الخمسين، فاتجه إلى حفظ السنة حتى عد من كبار الآخذين عن الزهري وعمره تسعين سنة، يعني لو قيل لواحد، قال: ما. . . . . . . . . العمر كثر ما مضى، تعلم في هذا الوقت تعب ليس وراءه أرب، نقول: لا، ما دام بقي في العمر يوم واحد تعلم، وما يدريك، أقل الأحوال أن تدخل في الوعد: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) ما قال من صار عالماً ما يلزم، ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) ونرى في عوام المسلمين كبار السن من يئس من الحفظ ولو الشيء اليسير من القرآن فتجدهم في الأماكن الفاضلة والأزمنة الشريفة يلتفتون يمنة ويسرة، وينظرون إلى القراء بحسرة، لكن بإمكانهم أن يتعلموا، لو يحفظ كل يوم آية ويرددها ثم يضيف إليها أخرى من الغد، والآن -ولله الحمد- البيوت مملوءة ممن يقرأ ويكتب، فلو قال الجد مثلاً لحفيده: أقرأني سورة الفاتحة، ورددها عليه مراراً وسجلها له وصار يرددها يعني يحفظها، ثم السورة التي تليها وهكذا، .... عجائز في السبعين والثمانين حفظت الأجزاء، ولله الحمد والمنة، هذا موجود، عجائز كبار من النسوة التحقن بدور التحفيظ النسائية وحفظن من القرآن ما يكفيهن، أما أن يجلس المسلم يلتفت يمنة ويسرة ينظر إلى الناس وهم يقرءون بحسرة وهو محروم من هذه النعمة، بكل حرف عشر حسنات، الختمة الواحدة فيها ثلاثة ملايين حسنة، وهذا الخطاب إذا وجه للعامي فطالب العلم أولى به وأحرى.

يوجد شخص بلغ السبعين من عمره وكان له صديق ناصح له، هذا الشخص الذي بلغ السبعين لا يقرأ –أمي- ولا يكتب، وأولاده أصغرهم من بلغ العشرين، فنصحه بأن يتزوج، وأن يحفظ جزأين من القرآن، قال: وما يدريك هؤلاء الأولاد يكبرون وينشغلون في أولادهم، والزوجة تهرم وتحتاج إلى من يعولها ويخدمها وتبقى أنت بدون خادم، فلو تزوجت وحفظت لك جزأين من القرآن فالذي حصل أنه تزوج ورزق بذرية من الصغار خدموه في آخر عمره، وحفظ جزأين فكف بصره فصار يردد هذين الجزأين، هذه نعمة كبيرة من الله -سبحانه وتعالى-، يعني لو كف وهو ما يحفظ شيء، أو بلغ التسعين وهو يحتاج إلى من يعوله وأولاده في أعمالهم ووظائفهم وأولادهم وأسرهم، وزوجته بجانبه تحتاج إلى من يعولها، فعلى الإنسان أن ينتبه لنفسه ويحتاط لها، ويقدم لآخرته، ولا شك أن الدنيا مدبرة، والآخرة مقبلة، وعلينا أن نكون من أبناء الآخرة لا من أبناء الدنيا، والله المستعان. المراد بسوء الحفظ هنا: ما يقابل النسيان، وهو ضبط الشيء في النفس، وسوء الحفظ قلته ورداءته، وسيء الحفظ هو من لم يرجح جانب إصابته على جانب خطأه، فلا يقال لمن وقع له الخطأ مرة أو مرتين: إنه سيء الحفظ؛ لأن الإنسان ليس بمعصوم من الخطأ. وقسم العلماء سوء الحفظ إلى قسمين: الأول: لازم غير منفك للراوي في جميع حالاته ومن غير أن يعرض له أي سبب، يعني من ولادته سيء الحفظ، والثاني: طارئ على الراوي إما لكبر سنه أو ذهاب بصره أو لاحتراق كتبه التي يعتمد عليها أو غير ذلك، وهذا القسم ما يسمى بالاختلاط، نعم، بعض الناس إذا حصل له أدنى مصيبة أصيب باختلال في حفظه، نسي، فمن فقد الدراهم بعض الناس فقد مبلغ من المال فاختلط، نسي كل اللي هو حافظ، وآخر نهق حمار فاختلط، وكثير من الناس وهو يقرأ القرآن فاتح المصحف بين يديه إذا حرك الباب نسي هل هو في آخر الصفحة أو في أولها؟ واقع إلا ما هو بواقع؟ هذا واقع مع الأسف، إذا حركت النعال وإلا كان المكيف قافل ثم اشتغل يضيع كل ما عمله، والله المستعان. والاختلاط هو عدم انتظام القول كما في الحاوي في الطب، وسيأتي الكلام على حكم رواية سيء الحفظ بنوعيه: اللازم والطارئ حيث يذكره الحافظ -رحمه الله تعالى-.

تعريف الموضوع:

سم. قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "فالأول: الموضوع، والثاني: المتروك، والثالث: المنكر على رأي، وكذا الرابع والخامس ثم الوهم إن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق فالمعلل، ثم المخالفة إن كانت بتغيير السياق فمدرج الإسناد، أو بدمج موقوف بمرفوع فمدرج المتن، أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب، أو بزيادة راو فالمزيد في متصل الأسانيد، أو بإبداله ولا مرجح فالمضطرب، وقد يقع الإبدال عمداً امتحاناً أو بتغيير مع بقاء السياق فالمصحف والمحرف". بعد أن أنهى الحافظ -رحمه الله تعالى- أوجه الطعن في الراوي على سبيل اللف أخذ ينشر ما يتعلق بهذه الأوجه ويبينها بالتفصيل، فقال -رحمه الله تعالى-: "فالأول الموضوع" يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن حديث صاحب الوجه الأول من أوجه الطعن وهو الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمى الموضوع، وهذا الشروع منه -رحمه الله تعالى- في تفصيل ما أجمله في الأوجه العشرة. تعريف الموضوع: فالموضوع: اسم مفعول يقال: وضع الشيء من يده يضعه وضعاً، وموضعاً وموضوعاً حطه، ويقولون: في حسبه ضعة انحطاط ولؤم وخسة، وقد وضع الدين أي أسقطه، قال ابن دحية: "الموضوع الملصق، يقال: وضع فلان على فلان عاراً إذا ألصقه به، والوضع أيضاً الحق والإسقاط". واصطلاحاً: هو المختلق المصنوع المفترى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سمي بذلك لأن الأحاديث التي اختلقها الفسقة ساقطة ومنحطة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ هي كلام غيره، وقد استنكر العلماء على الخطابي وابن الصلاح قولهما إنه شر الأحاديث الضعيفة، الموضوع شر الأحاديث، فهم بهذه العبارة يجعلون الموضوع من الحديث، واستنكر عليهما؛ لأن الموضوع ليس من الحديث النبوي، وأفعل التفضيل إنما يضاف إلى بعضه، أفعل التفضيل إنما يضاف إلى بعضه، وقد أجيب بأنهما لم يقصدا بالأحاديث الأحاديث النبوية، بل مرادهما ما هو أعم من ذلك، وهو ما يتحدث به، ما يتحدث به يشمل ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما يضاف إلى غيره، أو سمي بذلك تجاوزاً حسب دعوى من اختلقه. أسباب الوضع:

أسباب الوضع: الأسباب التي حملت بعض الناس على اختلاق الأحاديث وافترائها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرة جداً، لكن يمكن أن نجمل أهمهما فيما يلي: الأول: التقرب إلى الله تعالى بوضع الحديث ترغيباً للناس في الخيرات، وترهيباً من فعل المنكرات، وهؤلاء قوم ينسبون إلى الزهد والصلاح، وهم شر أنواع الوضاعين لقبول الناس موضوعاتهم ثقة بهم، ومن هؤلاء أبو عصمة نوح بن أبي مريم، لا شك أن عامة الناس يثقون بمن يؤثر الآخرة على الدنيا، الناس يثقون به، الزاهد الذي لا نظر له في الدنيا، بل متجه بكليته إلى الآخرة، مثل هذا محل عناية من الناس يحترمونه ويقدرونه ويثقون بكلامه، فمثل هذا إذا صاحب هذا الزهد جهل وأراد أن ينفع الدين، ويفتري ويكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- من أجل أن يرد الناس إلى الدين مثل هذا يثق به الناس فصار ضررهم أشد من غيرهم. السبب الثاني: قصد الواضع إفساد الدين على أهله، وتشكيكهم فيه وهذا إنما صدر عن الزنادقة كعبد الكريم بن أبي العوجاء ومحمد بن سعيد المصلوب. الأمر الثالث: الانتصار للمذاهب، ولا سيما أصحاب الأهواء والبدع كالخطابية وبعض السالمية، فقد وضعوا أحاديث نصرة لمذاهبهم، أو ثلباً لمخالفهم، فقد روي عن رجل من أهل البدع رجع عن بدعته فقال: "انظروا هذا الحديث ممن تأخذون، فإنا كنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً" وهذا موجود في أهل الأهواء والبدع بكثرة يستجيزون وضع الأحاديث نصرة لمذاهبهم، ويوجد مع الأسف الشديد في بعض من ينتسب إلى الفقهاء الأربعة من يضع الحديث تأييداً لمذهبه، أو تنقصاً لمذهب غيره، ذكر عن بعض الحنفية أنه إذا كان الحكم يدل عليه القياس الجلي فلا مانع من أن تركب له إسناد وتضيفه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا ضلال، نسأل الله العافية. وضع في مثالب الأئمة: "يكون في أمتي شخص يقال له: محمد بن إدريس هو أضر على أمتي من إبليس" أعوذ بالله هذا الإمام الشافعي.

بعض الجهال من المنتسبين إلى المذاهب الأخرى من باب التنافس بعض المساكين يظن أنه لا يرتفع إلا بغمط الآخرين، وإمامه ومتبوعه لا يرتفع إلا إذا تنقص الآخرين هذا الكلام ليس بصحيح، مع الأسف الشديد نجد بعض طلاب العلم إذا سئل عن بعض الناس غمطه حقه، يظن بذلك أنه يرتفع هو، لا والله، بل العكس، يرتفع لو ذكر أخاه بما يدافع به عن عرضه، ويذب عنه وينزله منزلته من غير تنقص ولا إطراء، فإذا مدح أخاه ارتفع بذلك، أعني الأمر سهل إذا كان شخص يشجع النادي الفلاني وآخر يشجع النادي الفلاني ووقع هذا في هذا عادي النفوس مجبولة على هذا، لكن ممن ينتسب إلى العلم يضع الحديث في مثالب الإمام الفلاني لأنه خالف إمامه بمسائل، أو من باب المشادة والمشاحة، ونعرف أنه في هذا الباب يقع الإنسان في الخطأ في باب المفاضلة والمشاحة، ولذا جاء النهي عن التفضيل بين الأنبياء لما قال اليهودي: "والذي فضل موسى على البشر" فلطمه مسلم، فشكاه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تفضلوا بين الأنبياء)) وقال في الحديث الآخر: ((لا تفضلوني على يونس بن متى)) هذا متى؟ هذا في باب المشادة والمشاحة لئلا يتطرق الطرف الثاني إلى تنقص الكامل، لكن إذا سلمت المسألة من المشاحة صارت من طرف واحد لا مانع من التفضيل وإنزال الناس منازلهم، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(253) سورة البقرة] والله المستعان. من الأسباب التي حملت الوضاعين على الوضع: الرغبة في التكسب والارتزاق كبعض القصاص الذين يتكسبون بالتحدث إلى الناس فيوردون بعض القصص المسلية والعجيبة حتى يستمع إليهم، حتى يستمع إليهم الناس ويعطوهم، وقد اشتهر بذلك جماعة منهم أبو سعيد المدائني. الخامس: قصد الواضع التزلف إلى الخلفاء والنفاق لهم لتتسع لهم مجالسهم وتنفق سوقه عندهم.

المشكلة أن هؤلاء السمار الذين ينادمون الكبار تجدهم يتقربون إليهم بكل شيء، بكل ما يتمكنون إليه ليتمكنوا من قلوبهم ويعطوهم، يتزلفون، ومسألة الارتزاق بالدين مسألة معروفة قديماً وحديثاً، بعض الناس يرتزق وراء هذا الدين، يتكسب من ورائه، فتجده يبرر لهؤلاء الخلفاء والأمراء بعض أعمالهم المحرمة، وإن كان من أهل العلم لكنه مرتزق، يعني إذا كلم الوالي عن الربا مثلاً وانتشاره في بلد من البلدان، فجاء هذا المرتزق المتزلف فقال: النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح يقول: ((إنما الربا في النسيئة))، يعني ربا الفضل الذي تزاوله البنوك ما فيه شيء، هذا مرتزق بلا شك، وإلا لا يمكن أن ينفك ربا الفضل لا سيما ما تزاوله البنوك عن ربا النسيئة، لا يمكن، ما يمكن أن تأتي إلى البنك تقول: أعطني عشرة وأعطك إحدى عشر أو العكس، يمكن هذا؟ ما يمكن، لا بد من ربا النسيئة، نعم ربا الفضل يتصور في الأنواع الأخرى، لكن أكثر صور الربا التي تزاولها البنوك إنما هي في النقود، في الفلوس، ولا يمكن أن يأتي شخص فيقول: أعطني كذا وأعطيك أكثر أو أقل، فالتزلف إلى الخلفاء والأمراء لتتسع مجالسهم وينبسطوا إليهم، لكن الله -سبحانه وتعالى- يعامل هؤلاء على نقيض قصدهم، فمجرد ما يفهم مقصده وهدفه لا شك أنه يسقط من أعين هؤلاء الخلفاء، يعني مسئول كبير اتصل على واحد وقصده الاختبار لبعض من ينتسب إلى العلم بحضرة مجموعة من الناس وقال لهم: إني أريد أن أختبر المشايخ وأنتم تسمعون، ضغط الاسبكر وقال ... ، على الشيخ الفلاني وقال له: أنا أريد أن أعتمر وعندنا خدم من ذكور وإناث لكنهم غير مسلمين، فكان الجواب: ما داموا معك يا طويل العمر الحمد لله، ويش ما داموا معك تذهب إلى مكة بكفار؟ ضغط على ثاني وقال: نريد أن نعتمر ومعنا خدم غير مسلمين ولا نقدر نخليهم؟ قال: أولاً: من الذي أدخلهم جزيرة العرب، لا يجوز إدخالهم جزيرة العرب، شوف فرق الجواب عن الجواب، وهم يريدون أن يختبروا هؤلاء، ولا شك أن الثاني أرفع عندهم من الأول، وإن جاء لهم بما يريدون، فهذا المتزلف المسكين وإن ظن أنه يقرب من قلوب هؤلاء لكنهم يميزون، ليسوا ببله ما يفهمون، يفهمون، وهم ينزلون الناس

منازلهم، ومن حفظ دين الله حفظه الله بلا شك، ومن ضيع الدين ضيعه الله، والله المستعان. قصد الواضع الشهرة ومحبة الظهور حيث جعل بعضهم لذي الإسناد الضعيف إسناداً صحيحاً مشهوراً، وجعل بعضهم للحديث إسناداً غير إسناده المشهور ليستغرب ويطلب منه سماعه، بعض الناس يركب إسناد على حديث وهو ليس له على شان يقال: إنه لا يروى هذا الحديث بهذا الإسناد إلا من طريقه، فيجتمع عليه الناس ليأخذوه منه، وهذا يقصد الشهرة، ومن قصد الشهرة ألبسه الله ثوب المذلة في الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية، هذه أسباب دفعت أصحابها إلى تعمد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن هناك أسباب أوقعت أصحابها في الكذب من غير تعمد ولا قصد من أهمهما: غلبة الزهد والعبادة على بعض الناس حتى جعلتهم يغفلون عن الحفظ والتمييز، حتى صار الطابع لكثير من الزهاد الغفلة. الأمر الثاني: ضياع الكتب أو احتراقها ممن يعتمد عليها ثم بعد ذلك يحدث من حفظه فيقع الغلط في كلامه، وذلك مثل عبد الله بن لهيعة. الثالث: الاختلاط، فقد حصل لقوم ثقات أن اختلطت عقولهم في أواخر أعمارهم، خلطوا في الرواية، وقلبوا المرويات، وذلك مثل إسماعيل بن عياش وغيره، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا يسأل يقول: تخريج البخاري ومسلم لأحاديث الوحدان هل يكفي لتوثيق الراوي إذا روى في غير الصحيحين؟ لا شك أن تخريج البخاري ومسلم للراوي توثيق وتقوية له، فرواة الصحيحين كما قرر أهل العلم جازوا القنطرة، لكن يبقى أن الاحتياط والنظر في أحاديث غير الصحيحين آكد وأقوى، فننظر في هذا الحديث الذي رواه ذلك الراوي هل ووفق عليه؟ هل خولف؟ يبقى أن ينظر له من عدة جهات، وبقدر ما عند الشيخين من الاحتياط والتحري خرجوا لرواة تكلم فيهم كما تقدم، لكنهم حينما يخرجون لمثل هؤلاء إنما ينتقون من أحاديثهم، ينتقون من أحاديثهم ولا يخرجون لهم كل ما يروون، فقد يكون الراوي ثقة وهو في حديث أضبط منه في حديث آخر، فلا بد من النظر إلى الحديث والراوي من وجوه متعددة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بم يعرف الوضع؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بم يعرف الوضع؟ عرفنا الخبر الموضوع، المكذوب، الملصق، المنسوب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- زوراً وبهتاناً، وعرفنا الأسباب الأسباب الحاملة لمن اقترف هذه الجريمة إلى ما صنع، والآن نعرض إلى شيء يعرف به الحديث الموضوع: ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في المنار المنيف أن من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملكة، وله اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهديه، فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه، ويدعو إليه ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة بحيث يصير كأنه مخالط للرسول -صلى الله عليه وسلم- كواحد من أصحابه، فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهديه وكلامه، وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز ما لا يعرفه غيره، يقول: وهذا شأن كل متبع مع متبوعه، فإن للأخص به الحريص على تتبع أقواله وأفعاله من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن ينسب إليه وما لا يصح، ما ليس لمن لا يكون كذلك، وهذا شأن المقلدين مع أئمتهم يعرفون أقوالهم ونصوصهم ومذاهبهم. هذا ظاهر لو أن شخصاً أحضر آخر ليخدمه بالأجرة ولزمه في الخدمة أكثر الوقت فإنه لا يحتاج إلى وقت طويل حتى يعرف ما يحب هذا الرجل وما يكره، وما يأكل وما يمنع منه إلى غير ذلك، ويعرف أن مثل هذا القول يمكن أن يصدر عنه، إذا درس وضعه ونفسيته وما لا يمكن أن ينسب إليه، وهذا إدراكه سهل بالنسبة للمتبوعين مع من يتبعون، والعلماء الفقهاء التابعون للمذاهب يعرفون ما يمكن أن ينسب إلى إمامهم وما لا ينسب، فلو جاء شخص نسب إلى الإمام أحمد قولاً لا يجري على قواعده وأصوله لبادر الحنابلة بتكذيبه، وهكذا بقيت المذاهب، وذلك لأنهم عرفوا ما يعجب الإمام أحمد وما لا يعجبه، وعرفوا أصوله وفروعه، كذلكم من اعتنى بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه مع العناية والتحري وطول المذاكرة والمدارسة يعرف ما يمكن أن يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وما لا يمكن أن يضاف إليه.

يقول السراج البلقيني: إن لأئمة الحديث علامات يعرفون بها الموضوع، وشاهد ذلك أن إنساناً لو خدم إنساناً سنين وعرف ما يحب وما يكره فجاء إنسان وادعى أنه يكره شيئاً يعلم ذلك أنه يحبه فبمجرد سماعه يبادر إلى تكذيب من قال: إنه يكرهه، وعلى ضوء تلك المعرفة من قبل هؤلاء النقاد مع خشيتهم من التباس الأمر على من يأتي بعدهم، هبوا لوضع علامات يعرف بها الموضوع، ويميز بها بين الصحيح من غيره، من هذه العلامات وإن لم تكن علامة إلا أنها يعرف بها أن الخبر موضوع: إقرار الواضع: بأن يقر الواضع أنه وضع الحديث بعينه، كإقرار عمر بن صبح بأنه وضع خطبة نسبها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إقرار الواضع، يعني إذا قال الواضع: إنه كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- فوضع هذا الحديث، هل يكفي إقراره للحكم على الخبر بأنه موضوع؟ نقول: نعم يكفي إذا لم يعرف إلا من طريقه، نحكم عليه بأنه موضوع، إذا لم نعرفه إلا من طريقه، أما إذا ورد من طرق أخرى يثبت بها فلا. ابن دقيق العيد قال: "وهذا" يعني إقرار الواضع يعني أن إقرار الواضع "كاف في تركه "وهذا -يعني إقرار الواضع- كاف في تركه، لكنه ليس بقاطع في كونه موضعاً لجواز أن يكون كاذباً في هذا الإقرار" كاذباً في هذا الإقرار، متى يتصور أنه كاذب؟ إذا أراد أن يفوت على الأمة العمل بهذا الخبر، فلو افترضنا أن جهمياً قال: أنا وضعت حديث ينسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يذم الجهمية، يذم به الجهمية، أو يذم به القدرية، لو قال معتزلي: إنه هو الذي وضع حديث: ((القدرية مجوس هذه الأمة)) يصدق؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

لماذا؟ هو يريد أن يبطل العمل بهذا الحديث أو يريد أن يقوي العمل بهذا الحديث، نعم؟ لو جاء شخص مثلاً حنفي إلى حديث يستدل به المالكية على مسألة يختلفون فيها مع الحنفية، فقال الحنفي: إنه هو الذي وضع هذا الحديث من أجل أن يبطل العمل به على المالكية، ما يصدق في إقراره، ومثله لو حصل الخلاف بين سني ومعتزلي فقال المعتزلي: أنه هو الذي وضع الحديث الذي يحتج به السني أو العكس، لا يقبل إقراره؛ لأنه يريد أن يفوت العمل بهذا الحديث الذي هو حجة عليه، يقول ابن حجر: "وقد فهم منعه –يعني كلام ابن دقيق العيد- بعضهم أنه لا يعمل بذلك الإقرار أصلاً، وليس ذلك مراده، وإنما نفى القطع بذلك، ولا يلزم من نفي القطع نفي الحكم؛ لأن الحكم يقع بالظن الغالب وهو هنا كذلك" الحكم معلق بالظن، حينما أقر أنه وضع هذا الخبر يغلب على الظن أن الخبر موضوع، لكن من هذا الطريق، من طريقه يغلب على الظن أنه موضوع، لكن لو ثبت لنا من طريق غيره نعم عملنا به، وكون الحديث يروى من طرق صحيحة ويأتي من طريق كذاب لا يضره، يقول: "ولولا ذلك لما ساغ قتل المقر بالقتل، ولا رجم المعترف بالزنا لاحتمال أن يكونا كاذبين فيما اعترفا به". لو وجد قتيل لا يعلم قاتله، فجاء شخص يريد أن ينتحر فقال: بدلاً من أن ينتحر بدون مقابل لعله يكون سبب في إنقاذ القاتل الحقيقي وقدم نفسه وقال: إنه هو القاتل، أو قدم نفسه وقال: إنه زنى وهو محصن ليرجم، وبدلاً من أن ينتحر بنفسه يتخلص من هذه الحياة على حد زعمه، وينقذ القاتل الحقيقي، يؤاخذ بإقراره، يؤاخذ بإقراره؛ لأن إقراره يورث غلبة ظن، وإلا لو قلنا: إنه احتمال أن يكون كاذباً لما اعتمد شيء من الإقرارات، والإقرار كما هو معروف أقوى من البينات.

الأمر الثاني: ما يتنزل منزلة إقراره كأن يحدث بحديث عن شيخ ثم يسأل عن مولده فيذكر تاريخاً يعلم وفاة ذلك الشيخ قبله، ولا يوجد ذلك الحديث إلا عنده، فهذا لم يعترف بوضعه، ولكن اعترافه بوقت مولده يتنزل منزلة إقراره في الوضع، يعني لو روى حديث عن شخص قلنا: متى مات هذا الشخص؟ قال: سنة مائة، وأنت متى ولدت؟ قال: سنة مائة وعشر كيف تروي عنه؟ هذا ينزل منزلة الإقرار، هو ما أقر بالوضع، لكنه في حكم الواضع. الأمر الثالث: ما يؤخذ من حال الراوي بحيث تقوم قرينة من حاله تدل على أن ذلك المروي موضوع، من أمثلته ما أخرجه الحاكم عن سيف بن عمر التميمي أنه قال: كنا عند سعد بن طريف فجاءه ابنه يبكي فقال: ما لك؟ قال: ضربني المعلم، قال: لأخزينهم اليوم، هذه قرينة لأخزينهم اليوم، حدثني عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً: "معلمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم، وأغلظهم على المساكين"، الظرف الذي قيل فيه هذا الكلام قرينة على أنه كاذب لأخزينهم اليوم. الأمر الرابع: ما يؤخذ من حال المروي، وله عدة وجوه، منها: ركاكة معنى الحديث، سواءً ضم إليها ركاكة لفظه أم لا، أما ركاكة اللفظ وحدها فلا تكفي دليلاً على الوضع عند جمهور المحدثين الذين جوزوا الرواية بالمعنى؛ لأن هذه الركاكة يحتمل أن تكون من تصرف الرواة، لا سيما والرواية بالمعنى جائزة عند الجمهور. كون الحديث مناقضاً لما جاء به القرآن الكريم أو السنة الصحيحة الصريحة مناقضة بينة، فكل حديث يشتمل على فساد، أو ظلم، أو مدح باطل، أو ذم حق، أو نحو ذلك فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه بريء.

مخالفة الحديث لصريح العقل، في هذا يقول ابن الجوزي: "كل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره"، لكن أي عقل يعتبر في مخالفة مثل هذه الأحاديث؟ الكلام على العقل الصريح، السليم، الذي لم تجتله الشياطين بالشهوات والشبهات، وليس في هذا مدخل لمن يسمي نفسه بالعقلاني، أو العقلانيين أن يعارضوا السنن بعقولهم المفتونة الضالة، كمن يعترض على حديث الذباب، يقول: لا أعتقد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول هذا الكلام في حال كونه مبلغاً عن الله، وإلا فمن أين للذباب أن يدرك الجناح الذي فيه الداء والجناح الذي فيه الدواء؟ بعقله يرد الحديث الصحيح، هذا الكلام باطل لا شك أن لمثل هذه الحشرات والحيوانات قوى مدركة، وإلا فمن أين للنملة إذا أدخلت قوتها أن تقسم الحبة إلى نصفين لئلا تنبت؟ المقصود بالعقل الذي ينظر في الخبر الذي يخالفه العقل الصريح، فالعقل الصريح السليم من الأهواء، الباقي على الفطرة المستقيمة مثل هذا ينظر إليه، ولا يوجد خبر صحيح يناقض العقل الصريح. لشيخ الإسلام -رحمه الله- كتاب عظيم اسمه: (درء معارضة العقل للنقل) ما يمكن أن يعارض العقل الصريح النقل الصحيح، واسم الكتاب كما في بعض النسخ: (موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول).

مخالفة الحديث للحس والمشاهدة وحقائق التاريخ: نعم إذا تضمن الحديث مخالفة للحس والمشاهدة لا شك أنه علامة على أنه غير ثابت، وهذه الأحاديث التي يحكم عليها بهذه القواعد هي الأحاديث التي لا تثبت بالأسانيد، أم الأحاديث التي تصح أسانيدها فإنها لا تعارض بمثل هذا، بل ينظر في الحس، أي حس وأي مشاهدة، وإلا قال بعضهم في حديث مخرج في صحيح البخاري: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) قالوا: هذا مخالف للواقع، ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) يقول بعض المفتونين: هذا مخالف للواقع كيف؟ ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) وغاندي حكمت الهنود سنين وأفلحوا، وتاتشر حكمت الانجليز وأفلحوا، وجلدمائير حكمت اليهود وهزمت العرب، إذاً الحديث هذا غير صحيح؛ لأنه مخالف للواقع والحس، نقول: أي واقع تعيشه أيها المسكين، تعارض حديث في صحيح البخاري بمثل هذه الفاجرات العاهرات، نسأل الله العافية، العبرة بالمسلمين الذين للرجال على النساء القوامة، أما بالنسبة للكفار مع أن عموم الحديث يتناولهم فكثير منهم أقل مرتبة من النساء؛ لأنهم في أحكام الحيوانات بل هم أضل، إذا مسخت الفطر قالت مثل هذا الكلام، نسأل الله السلامة والعافية. من الأمارات كون المروي خبراً عن أمر جسيم تتوافر الدواعي على نقله ثم لا يرويه إلا واحد، فإن انفرد هذا الواحد برواية هذا الحديث مع جسامة موضوعه وعظيم شأنه دل على أن هذا الواحد مختلق كذاب.

ونكرر ونعيد أنه إذا لم يوجد الحديث في دواوين السنة المعتبرة بالأسانيد الصحيحة فإنا نجري عليه هذه القواعد، وإلا فأي أمر جسيم أعظم من النية المشترطة لجميع العبادات، ولم ينقلها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا عمر بن الخطاب، وقد خطب به عمر بن الخطاب على المنبر فلم ينقله عنه إلا علقمة بن وقاص الليثي، ولم ينقله عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولم ينقله عنه إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، هذا شرط لكل عبادة، هذه أمر جسيم، وتتوافر الدواعي على نقله وما نقله إلا هؤلاء، والحديث صحيح مجمع على صحته، لماذا؟ لأنه ثابت الأسانيد في الصحيح في دواوين الإسلام المعتبرة، لكن لو وقفنا على حديث لا يوجد في دواوين الإسلام إما في كتاب تاريخ أو في كتاب أدب أو ما أشبه ذلك، أو يتناقله الناس نعرضه على هذه القواعد، ونحكم عليه بذلك، يعني كون الخطيب يقتل على المنبر ولا ينقل الخبر من الحاضرين إلا واحد لا شك أن هذه أمارة على أنه كذب، لكن هذا الكلام لا يطرد في الأحاديث التي تروى بالأسانيد الصحيحة. أن يكون المروي قد تضمن الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الهين اليسير، ومثاله: ((من أكل الثوم ليلة الجمعة فليهوِ في النار سبعين خريفاً)) يعني إذا رتب الوعيد الشديد على أمر هين يسير إذا كان هذا الوعيد جاء بسند صحيح وفي ديوان معتبر من دواوين السنة ما المانع؟ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [(23) سورة الأنبياء] ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً)) كلمة، لكنها من سخط الله، أمر هين يسير، لكنه لا يلقي لها بالاً ((فيهوي فيها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)) هذا في صحيح البخاري، هل نقول: إن هذا شيء عظيم على عمل يسير؟ ما نقول مثل هذا أبداً، قد يخلد الشخص في النار بسبب كلمة يكفر بها، وهي كلمة أمر يسير.

بالمناسبة الثوم الوارد في الخبر الموضوع السابق لما سئل عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم أحرام هو؟ قال: ((لا أحرم ما أحل الله))، وهنا يقول: ((من أكل الثوم ليلة الجمعة فليهوِ في النار سبعين خريفاً)) هذه أمارة على وضعه، لكن ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تكون من سخط الله يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)) هذا في البخاري، هل يستطيع أحد أن يطبق عليه مثل هذه القاعدة؟ لا، فهذه القواعد لأحاديث لا تروى بأسانيد ولا توجد في دواوين الإسلام. أو يتضمن الإفراط بالوعد العظيم على الفعل القليل، ومثاله: ((من صلى الضحى كذا وكذا أعطي ثواب سبعين نبياً)) مثل هذا الكلام يمكن أن يصدر من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وأن العبد لو عُمِّر عمر الدنيا ومكث ساجداً وقلنا: إن هذا مشروع بالنسبة له هل يساوي ثواب نبي واحد؟ لا يمكن، والله المستعان. ليس من هذا ما يروى بالأسانيد الصحيحة في كتب السنة في الصحيحين وغيرهما: ((من قال في يوم مائة مرة: سبحان الله وبحمده حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) سبحان الله وبحمد في دقيقة ونصف تقال مائة مرة، هذا ثواب عظيم على أمر يسير، لكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، كم من محروم يسمع مثل هذا الكلام ولا يقوله، وليس من ذلك: ((من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه يذكر الله حتى إذا طلعت الشمس صلى ركعتين كان له أجر حجة تامة)) ليس من هذا، والحديث قابل للتحسين. من السهل اليسير على الناس أن يذهب إلى مكة ويأخذ عمرة أو يأخذ حجة سهل ميسر على نفسه، لكن من يجلس بعد صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس؟ هذا من أشق الأمور على النفس، لا سيما من لم يتعود ذلك ويمرن نفسه على ذلك، من السهولة بمكان أن تركب السيارة وتنتقل من بلد إلى بلد، لكن من الصعوبة أن تقوم من فراشك إذا بقي على صلاة الصبح ساعة وتصلي ما كتب لك، أعمال يسيرة لكنها بالنسبة لمن يسرها الله عليه، وإلا فالجنة حفت بالمكاره كما هو معلوم. المقصود أن مثل هذه القواعد لا تطبق على الأحاديث التي تروى بأسانيد ثابتة في الكتب المعتبرة مهما تضمنت من الوعد أو من الوعيد.

من الأمارات الدالة على وضع الحديث: عدم وجود الحديث في بطون الأسفار بعد تدوين السنن، فإذا فتشت هذه الأسفار وهذه الكتب المعتمدة عند أهل العلم، ولم يظفر به فيها، فإنه يعلم كذبه، لعلمنا أن الأخبار قد دونت، ما نقله ابن الصلاح عن البيهقي، يعني إذا سمعنا حديث وبحثنا عنه في الكتب ما وجدناه، من أين جاء به صاحبه؟ لا بد أن يكون موضوعاً؛ لأن السنة دونت. ولا يقول قائل: إن الأئمة يحفظون مئات الألوف من الأحاديث ولا وصلنا إلا عشر ذلك، نقول: لا، الأمة معصومة من أن تفرط بشيء من دينها، بل الدين كله محفوظ، ما فرط بشيء منه، لكن الأئمة يحفظون الأحاديث بأسانيدها، فرب حديث يروى من مائة طريق يعدونه مائة حديث، ولا يتصور أن الأمة بكاملها فرطت بشيء من دينها، فإذا نقل الحديث من تقوم به الحجة اكتفوا به عن غيره، وغير ذلك من العلامات التي نصبها الأئمة دلائل على وضع الحديث وليس معنى ذلك أن هذه العلامات يسيرة معلومة لكل إنسان، وإنما ذلك لجهابذة الحديث فقط، فهم الذين لديهم الأدوات الصحيحة التي يميزون بها صحيح حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غيره تمييزاً دقيقاً، ليس لكل أحد أن يقول: أنا أعرف من خلال هذه العلامات أن أطبق على الأحاديث التي تمر علي، يأتي إلى حديث في السنن؟ نقول: لا، هذا حديث تضمن وعد عظيم على عمل يسير، أو وعيد، أو مخالف للحس والمشاهدة، أي حس؟ مخالف للمعقول أي عقل؟ هذا للأئمة.

حكم رواية الحديث الموضوع: اتفق العلماء على تحريم رواية الأحاديث الموضوعة مع العلم بوضعها، سواءً كانت في الأحكام، أم في القصص والترغيب والترهيب ونحوها، إلا مع بيان وضعها، فمن بين فهو مثاب على صنيعه فإنه ينفي الزغل عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأما من يرويه من غير أن يبين حاله فهو آثم شديد الإثم لحديث: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَين)) ((أو الكاذبِين)) رواه مسلم في مقدمة الصحيح، وبهذا نعلم خطأ من أورد الموضوعات من المفسرين كالنقاش والثعلبي والواحدي والزمخشري والبيضاوي، وإسماعيل حقي وغيرهم، هؤلاء أوردوا أحاديث موضوعة في فضائل السور، النقاش والثعلبي والواحدي والزمخشري والبيضاوي، هؤلاء أوردوها وسكتوا، أما إسماعيل حقي فأوردها وجاء بالحجة السخيفة التي احتج بها من يقول: إننا لا نكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- بل نكذب له، قال: إن كانت ثابتة فبها ونعمت وإن لم تكن ثابتة فقد قال الأول: إننا لم نكذب على النبي وإنما كذبنا له، وهذا جهل، جهل شديد، الدين ليس بحاجة إلى دعاية أبداً، الدين كامل شامل، ليس بحاجة إلى ترويج بالأقوال الباطلة المزيفة، وكذلك من أوردها من الفقهاء والمؤرخين والأدباء وغيرهم، كثير في كتب هؤلاء، كتب الفقه كتب التاريخ، الأدب، فيها موضوعات كثيرة، فلا يجوز أن تروى هذه الأحاديث الموضوعة إلا مقرونة ببيان كذبها، ولا يجوز للخطيب أن يلقي على الناس في خطبة الجمعة أحاديث لا يعرف حكمها، لعموم حديث: ((من حدث عني بحديث يرى -ما يلزم أن يرى هو لو رآه بعض السامعين- يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِين)) لا بد أن يتأكد مما يلقي، إذا روى حديثاً موضوعاً لتحذير الناس منه لا بد أن يبين أنه موضوع، في السابق كان الأئمة يكتفون بذكر الإسناد؛ لأن الناس يعرفون من خلال الإسناد يعرفون درجة الحديث، ثم بعد ذلكم لما حذفت الأسانيد واختصرت، صار الناس يكتفون بقولهم: هذا حديث صحيح، هذا حديث ضعيف، هذا حديث موضوع، لكن آل الأمر إلى أن لا تعرف هذه الاصطلاحات، يعني ما يكفي أن يؤتى بحديث موضوع على المنبر ويقول الخطيب: هذا حديث موضوع، عامة الناس لا يعرفون موضوع، الموضوع، إيش الموضوع؟

لا بد أن يقول: هذا مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، يأتي بكلام يفهمه المخاطب. وقد حصل أن الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- سئل عن حديث فقال: "هذا حديث مكذوب لا أصل له"، فقام إليه شخص ممن ينتسب إلى العلم من الأعاجم، فقال: "كيف تقول يا شيخ: هذا مكذوب وهو موجود في كتب السنة بالأسانيد يروى بالأسانيد؟ فأحضره من الموضوعات لابن الجوزي، فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، والآن عامة الناس بل كثير من المثقفين ما يعرف معنى كلمة موضوع، فعلى هذا لا بد من البيان، والله المستعان. المتروك: قال الحافظ: "والثاني: المتروك" الثاني يعني حديث المتهم بالكذب يسمى المتروك، وهو في اللغة: اسم مفعول من الترك يقال: تركه يتركه تركاً وتركاناً، واتركه كافتعله، والتريكة كسفينة البيضة بعد أن يخرج منها الفرخ، والتريك العنقود إذا أكل ما عليه، فهي فعيل بمعنى مفعول، فكل هذه متروكة، فالعنقود إذا أكل ما عليه، البيضة إذا خرج منها الفرخ كلها متروكة؛ لأنها لا فائدة فيها، فالمتروك ما لا فائدة فيه. واصطلاحاً: هو الحديث الذي في إسناده راوٍ متهم بالكذب، وعرفنا متى يتهم الراوي بالكذب؟ إذا روى حديثاً مخالف للقواعد بحيث لا يروى إلا من طريقه يتهم بالكذب، إذا كان مشتهراً بالكذب في كلامه مع الناس، في كلامه العادي، ولم يعرف عنه الكذب في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا يتهم بالكذب. وهذا النوع مستقل ذكره الحافظ، وإن لم يذكره قبله ابن الصلاح ولا النووي، ومثاله: ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر، فهذا الحديث متروك؛ لأنه من رواية إبراهيم بن عثمان العبسي، وهو متروك الحديث كما في التقريب وغيره.

المنكر:

رتبة الحديث المتروك: تقدم أن شر الأحاديث الموضوع، وعرفنا ما نوقش به الخطابي وابن الصلاح في إضافتهم الموضوع إلى الأحاديث، شر الأحاديث الموضوع، وقلنا: إنه يراد بالأحاديث هنا أعم من المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل يشمل ما يتحدث به، ويليه المتروك، يلي الموضوع المتروك، ولذا جعله الحافظ ابن حجر -رحمة الله عليه- بعد الموضوع، جعل المتهم بالكذب بعد الكاذب أو الكذاب، وجعل المتروك بعد الموضوع، يليه المتروك ثم المنكر، ثم المعلل، ثم المدرج، ثم المقلوب، ثم المضطرب، وسيأتي بيانها -إن شاء الله تعالى-، لذا يرى العلماء أن المتروك لا يصلح للاعتبار، يعني لو وجدنا حديث متروك وآخر متروك وثالث متروك، وعاشر متروك، هل ترتقي هذه الأحاديث بمجموعها إلى الحسن لغيره؟ لا، الحديث المتروك لا يصلح للاعتبار؛ لأن وجوده كعدمه، ودليل ذلك أن الترمذي لم يعتبر رواية الحسن بن دينار عن ابن سيرين؛ لأن الحسن متروك الحديث، ولذلك قال -أي الترمذي- بعد رواية حديث: ((أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما)) قال: هذا حديث غريب لا نعرفه بإسناد إلا من هذا الوجه، وقد أوضح السيوطي عبارة الترمذي هذه بقوله: "أي من وجه يثبت، وإلا فقد رواه الحسن بن دينار عن ابن سيرين، والحسن متروك لا يصلح للمتابعات" يعني وجوده مثل عدمه. المنكر: "والثالث: المنكر على رأي"، الثالث بعد المتهم بالكذب، فاحش الغلط، "وكذا الرابع والخامس"، الغفلة والفسق، يعني أن الوجه الثالث من أوجه الطعن في الراوي وهو فحش الغلط حديثه يسمى المنكر، على رأي من لا يشترط قيد المخالفة.

المعلل:

تقدم لنا في المنكر أنه ما يرويه الضعيف مخالفاً فيه الثقات على ما تقدم، "فإن خولف بأرجح" يعني الثقة "فالراجح المحفوظ" والمرجوح الشاذ، ومع الضعف فالراجح المعروف، والمرجوح المنكر، هذا مع قيد المخالفة فيما قرره الحافظ فيما تقدم، ولذا قال هنا: "المنكر على رأي"، على رأي من لا يشترط قيد المخالفة، وكذا الوجهان الرابع والخامس وهما كثرة الغفلة والفسق، فإن حديث كثير الغفلة المغفل والفاسق يسمى المنكر، وقد تقدم الكلام على المنكر. المعلل: يقول الحافظ: "ثم الوهم" "ثم الوهم إن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق فالمعلل"، يعني إذا قامت القرائن على وهم الراوي من وصل مرسل أو منقطع أو إدخال حديث في حديث أو نحو ذلك من القوادح فإنه يسمى المعلل، والمعلل اسم مفعول ولا يوجد في كتب اللغة علل إلا بمعنى ألهى بالشيء وشغله به، من تعليل الصبي بالطعام، وأما معلول فهو موجود في كلام كثير من اللغويين والمحدثين، ولم يرتضيها كثير من أهل العلم، قال ابن الصلاح: إنه مرذول، يعني إذا قيل: هذا حديث معلول، هو موجود في كلام أهل العلم لكنه من حيث اللغة مرذول، وقال النووي: لحن، وقال الحريري: لا وجه لهذا الكلام البتة، والأولى في تسمية هذا النوع أن يقال: معل، بلام واحدة، رجحه الحافظ العراقي، وهو اسم مفعول من عل يعل واعتل وأعله الله فهو معل بلام واحدة، وهو الأكثر عند اللغويين والمحدثين؛ لأنهم يقولون: أعله فلان بكذا فهو معل.

أجناس العلل:

واصطلاحاً: هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها، والعلة: عبارة عن سبب خفي غامض يقدح في الحديث، سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي ظاهره السلامة، وعلل الحديث من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها وأشرفها، حتى قال ابن مهدي: "لأن أعرف علة حديث واحد أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثاً ليست عندي" أعرف علة حديث واحد أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثاً ليست عندي، من يقول هذا الكلام؟ ابن مهدي، لكن هذا بالنسبة لابن مهدي ومن في حكم ابن مهدي، أما طالب العلم المبتدئ يكتب عشرين حديث من الأحاديث الصحيحة ويفهم ما اشتملت عليه من أحكام وآداب أفضل له من أن يعرف علة حديث واحد بل أحاديث، إذا أتقن الأحاديث الصحيحة وتفقه عليها وعرف كيف يعمل بها؟ يتجه إلى الأحاديث المعلة، فالمعل من أغمض أنواع علوم الحديث لا ينوء به إلا الأئمة الكبار، ومن تصدى لهذا العلم وأفرغ نفسه لهذا نعم، هذه مرحلة متقدمة، ولذا لو قال طالب: إنه يريد أن يبدأ بالإلزامات والتتبع للدارقطني، أو يبدأ بعلل ابن أبي حاتم، أو يبدأ بعلل الدارقطني قبل الصحيحين، قلنا له: لا، هذا المنهج ليس بسليم، نقول: ابدأ بالصحيحين واحفظ ما تستطيع حفظه من أحاديثهما، وافهم هذه الأحاديث واستنبط واعمل، ثم بعد ذلك إذا تأهلت لمعرفة العلل وفهمها، هذا فرق، ثم يأتي يكون حكمك ما قاله ابن مهدي: "لأن أعرف علة حديث واحد أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثاً ليست عندي"، أما شخص فارغ من الأحاديث ما يحفظ شيء ولا يفهم شيء يأتي إلى العلل، نقول: لا، ولا يقوم بهذا النوع إلا من رزقه الله تعالى فهماً ثاقباً، وحفظاً واسعاً، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد والمتون، ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أهل هذا الشأن كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني وغيرهم. أجناس العلل:

أجناس العلل: للعلل أجناس كثيرة ذكر الحاكم في معرفة علوم الحديث عشرة منها على سبيل التمثيل لا الحصر، أي لا يمكن حصرها لدقة هذا النوع من أنواع علوم الحديث وخفائه، بل مجرد ما يشتمل الحديث على سبب يخرجه من حال الصحة إلى حال الضعف فإنهم يسمونه معلاً، ولذا نجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ والجهالة وغيرها، هذه علل تقدح في صحة الأحاديث، لكنها علل ظاهرة وليست خفية، وقد أطلق بعضهم اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط، قال أبو يعلى الخليلي: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول، هناك علل لكنها ليست قادحة، يعني إذا جاء الحديث عن سفيان، ولم نستطع أن نميز سفيان هل هو ابن عيينة أو الثوري؟ هذا لا يقدح في الحديث لكنه علة، يعني ما استطعنا أن نميز، إذا جاء من طريق حماد هل هو ابن سلمة أو حماد بن زيد ولم نستطع نقول: هذه علة لكنها ليست بقادحة، ولذا قيدوا العلل المشترط انتفاؤها لصحة الخبر بكونها قادحة. فالأول المتصل الإسنادِ ... بنقل عدل ضابط الفؤادِ عن مثله من غير ما شذوذِ ... وعلة قادحة فتوذي أما العلل غير القادحة فإنها لا تؤثر، سمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث، سمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث، في علل الجامع لما ذكر حديث: ((الماء من الماء)) قال: "وقد بينا علته في الكتاب"، بينا علته في الكتاب، وهو في الكتاب في جامعه ذكر أن الحديث منسوخ، فهذه علة الحديث، فالترمذي يسمي النسخ علة، لا شك أنه علة بالنسبة للعمل، وأما بالنسبة للصحة فالحديث صحيح. أقسام المعل: ينقسم المعل بحسب موقع العلة إلى ثلاثة أقسام:

الأول: المعل في السند، ومثاله: ما روى ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك)) فهذا الحديث ظاهره الصحة، حتى اغتر به غير واحد من الحفاظ كالترمذي وغيره فصححوه، لكن فيه علة خفية قادحة، والصواب فيه ما رواه وهيب بن خالد الباهلي عن سهيل عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، هنا قال: عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، والصواب: عن سهيل عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسبب تصويب هذه الرواية قول البخاري: "لا أعلم لموسى سماعاً من سهيل" لا أعلم لموسى سماعاً من سهيل؛ لأنه إذا لم يكن معروفاً بالأخذ عنه وجاءت عنه رواية خالف راويها من هو أكثر ملازمة لموسى بن عقبة منه رجحت رواية الملازم، فبهذا يوجه تعليل البخاري، وأما من صححه فإنه لا يرى هذا الاختلاف علة قادحة بل يجوز أنه عند موسى بن عقبة على وجهين، ولا شك أن مثل هذا الكلام في غاية الدقة، ما المانع أن يصحح الحديث من الوجهين؟ ويكون موسى بن عقبة ثبت سماعه لسهيل خلافاً لما يقوله البخاري هذا رأي البخاري، لكن رأي غيره أن موسى سمع من سهيل، ويكون الحديث مروي على الوجهين: من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، ومن طريق سهيل عن عون إلى آخره.

الثاني: المعل في المتن، ومثاله: ما روى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه)) فلما كان ظاهر هذا الإسناد في غاية الصحة معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كلهم أئمة ثقات، لما كان ظاهر هذا الإسناد في غاية الصحة صحح الحديث جماعة وقالوا: هو على شرط الشيخين؛ لأن الشيخين قد أخرجا لرجاله، أخرجا عن معمر وعن الزهري وعن سعيد وعن أبي هريرة، فهو على شرط الشيخين إذا نظرنا إلى الإسناد، لكن أئمة الحديث طعنوا فيه ولم يروه صحيحاً بل رأوه خطأً محضاً، والثقة الضابط قد يخطئ، قال الترمذي: "هذا خطأ أخطأ فيه معمر، والصحيح حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن فارة سقطت في سمن فقال: ((ألقوها وما حولها، فاطرحوه وكلوا سمنكم)) يعني من غير تفريق بين المائع والجامد، رواه البخاري. الثالث: المعل في السند والمتن معاً، ومثاله: حديث بقية عن يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فقد أدرك)) قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هذا الحديث فقال: "هذا خطأ في المتن والإسناد، إنما هو الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة" يعني وليس الزهري عن سالم عن أبيه، الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها)) ((من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها)) فعلة الإسناد كونه قيل: عن الزهري عن سالم عن أبيه، وحقيقته إنما هو عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وعلة المتن كونه (من أدرك ركعة من صلاة الجمعة) وصوابه الركعة مطلقة من أي صلاة كانت، ((من أدرك من صلاة -أي صلاة كانت- ركعة فقد أدركها)) وأما قوله: ((من صلاة الجمعة)) فليس هذا في الحديث فوهم في كليهما في السند والمتن، ونقل ابن الجوزي عن ابن حبان أن هذا الحديث خطأ إنما الخبر: ((من أدرك من الصلاة ركعة)) وذكر الجمعة أربعة أنفس عن الزهري عن أبي سلمة كلهم ضعفاء.

بم تعرف العلة؟

بم تعرف العلة؟ تعرف العلة في الحديث بأمور منها: الإلهام من الله -سبحانه وتعالى-، الإلهام من الله -سبحانه وتعالى-، لكن هذه الدعوى قد يدعيها الجهال يقول: هو ملهم، أنا أدرك لهذا الحديث علة، ولا أستطيع التعبير عنها، كما يقوله الأئمة الكبار، يعلون الحديث يقولون: هذا خطأ، لكن تسأله لماذا خطأ؟ ما يعرف، الله أعلم، فالأئمة الكبار هم محل هذا الإلهام، أما الجهال ليسو بأهل لمثل هذا الإلهام، وأسوأ منهم من يصحح ويضعف بطريق الكشف، يزعم أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له: حديث كذا. . . . . . . . . كذا، وحديث كذا كذا، اعمل بكذا، واترك كذا، هذا لا شك أنه من تلبيس الشيطان، والدين كامل، والرؤيا رؤيا النبي -عليه الصلاة والسلام- حق، لكنها لا يثبت بها شرع، لا يثبت بها شرع، فبموته -عليه الصلاة والسلام- كمل الدين، وانقطع الوحي، فنقول: الإلهام من الله -سبحانه وتعالى- الناشئ عن الإخلاص لله -عز وجل- فبه يستطيع المحدث -بهذا القيد- التمييز بين صحيح الحديث من عليله، وقد لا يستطيع المحدث التعبير عن إقامة حجة على دعواه، قال عبد الرحمن بن مهدي: "معرفة علل الحديث إلهام، فلو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة"، كثير من الناس يجزم بأن هذا الكلام خطأ، لكن كيف خطأ؟ لا يستطيع أن يعبر، لا يستطيع أن يعبر، "فلو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة، وكم من شخص لا يهتدي لذلك" لكن يكفي أن تذهب لابن مهدي فيقول لك: الحديث معلول، تسأله عن الحجة لا ...

شرح نخبة الفكر (8)

شرح نخبة الفكر (8) شرح قول المصنف: "ثم المخالفة إن كانت بتغيير السياق فمدرج الإسناد، أو بدمج موقوف بمرفوع فمدرج المتن، أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب، أو بزيادة راوٍ فالمزيد في متصل الأسانيد، أو بإبداله ولا مرجح فالمضطرب، وقد يقع الإبدال عمداً امتحاناً، أو بتغيير مع بقاء السياق فالمصحّف والمحرّف، ولا يجوز تعمد تغيير المتن بالنقص والمرادف إلا لعالم بما يحيل المعاني، فإن خفي المعنى احتيج إلى شرح الغريب وبيان المشكل، ثم الجهالة وسببها أن الراوي قد تكثر نعوته فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض، وصنفوا فيه الموضح .. " الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير لكن يكفي أن تذهب إلى ابن مهدي فيقول لك: الحديث معلول، تسأله عن الحجة لا يعطيك، تذهب للإمام أحمد فيقول لك: الحديث معلول، تذهب للقطان يقول لك: معلول، ابن معين يقول: معلول وهكذا، لكن كلهم يتفقون على أنه معلول لكن الحجة في ذلك قد تخفى، كثرة الممارسة للحديث ومعرفة رجاله، وأحاديث كل واحد منهم يتوصل به إلى معرفة أن هذا الحديث يشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان، فيعلون الأحاديث بذلك، نعم. طالب:. . . . . . . . . إذا لم يعارض يكتفى به، لكن إذا عورض ينظر من قبل إمام آخر. ثالثاً: جمع طرق الحديث والنظر في اختلاف رواته والاعتبار بمكانتهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط، قال علي بن المديني: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطأه". رابعاً: النص على علة الحديث أو القدح فيه أنه معل من قبل إمام من أئمة الحديث المعروفين بالغوص في هذا الشأن، فإنهم الأطباء الخبيرون بهذه الأمور الدقيقة، فعلم العلل ليس بالشيء السهل الهين الذي يتصدى له آحاد الطلبة، فعلى المبتدئ أن يتجه إلى الأحاديث الصحيحة والأحاديث العملية فيعمل بها، فإذا عمل بالأحاديث الصحيحة بحث عن الأحاديث الضعيفة، وبحث عن عللها؛ ليتم له الذب عن سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما شخص يتجه إلى العلل ويترك الأحاديث الصحيحة ويقول: الأحاديث الصحيحة مدركة لكل أحد وأنا أقوم بهذا؟ نقول: لا، لا يمكن حتى تتأهل، والله المستعان. المدرج:

صور الإدراج في الإسناد:

قال الحافظ: "ثم المخالفة إن كانت بتغيير السياق -مخالفة الثقات- إن كانت بتغيير السياق فمدرج الإسناد، أو بدمج موقوف بمرفوع فمدرج المتن". الحافظ -رحمه الله تعالى- يقصد أن مخالفة الراوي لغيره من الرواة الثقات وهي الوجه السابع من أوجه الطعن في الراوي إن كانت بتغيير سياق الإسناد فالواقع فيه ذلك التغيير مدرج الإسناد، وإن كانت المخالفة بدمج موقوف من كلام صحابي أو من دونه بمرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا ما يسمى بمدرج المتن. والمدرج في اللغة: اسم مفعول من الإدراج، يقال: أدرجت الشيء في الشيء إذا أدخلته فيه وضمنته إياه، ويقال: أدرجت الكتاب في الكتاب إذا جعلته في درجه أي طيه، وأدرج فلان في أكفانه إذا أدخل فيها. واصطلاحاً: هو ما غير سياق إسناده أو أدخل في متنه كلاماً ليس منه، ومن خلال التعريف يتضح أن المدرج قسمان: مدرج الإسناد ومدرج المتن، فمدرج الإسناد ما غير سياق إسناده سمي بذلك؛ لأن المغير له أدخل الخلل في إسناد الحديث. صور الإدراج في الإسناد: ولمدرج الإسناد أربع صور ذكرها الحافظ في النزهة وهي:

الصورة الأولى: أن يروي الحديث جماعة بأسانيد مختلفة، أن يروي الحديث جماعة بأسانيد مختلفة فيرويه عنهم راوٍ فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد، ولا يبين الاختلاف، الحديث مروي من قبل جماعة من الرواة بأسانيد مختلفة، فيرويه عنهم راوٍ واحد فيجمع الكل على الإسناد، على إسناد واحد يختصر هذه الأسانيد بإسناد واحد ولا يبين الاختلاف، حديث الإفك مخرج في صحيح البخاري عن جمع كل واحد منهم حدث ببعضه، ولم يميز البخاري روية بعضهم من بعض، لكن كلهم ثقات، ومثل هذا لا يقدح؛ لأنه سواء كان نصفه الأول أو ربعه الأول من طريق واحد من هؤلاء، وربعه الثاني من طريق الثاني، وربعه الثالث من طريق الثالث، والرابع من طريق الرابع، أو العكس، يؤثر أو لا يؤثر؟ كلهم ثقات، لا يؤثر، لكن إذا روى البخاري عن ثقة، عن شخص ثقة وقال: حدثني بنصف الحديث، النصف الثاني عن من؟ وما النصف الذي حدثه به هذا الراوي والنصف الذي لم يحدثه به؟ وهذا موجود في كتاب الرقاق من صحيح البخاري: "حدثني فلان بنصفه" طيب النصف الثاني من حدثه به؟ لم يذكر، غاية ما هنالك أن النصف الثاني معلق، والنصف الأول موصول، لكن من الذي يميز النصف الأول من النصف الثاني؟ على كل حال النصف الأول موجود موصول عند البخاري، والنصف الثاني موجود موصول عند البخاري، ولا إشكال في صحة الخبر، لكن قد يشبه ما عندنا من الإدراج، مثال ذلك: ما روى أبو داود عن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم)) الحديث، فهذا الحديث قد أدرج فيه إسناد آخر، وبيان ذلك أن عاصم بن ضمرة رواه موقوفاً على علي، والحارث الأعور رواه مرفوعاً، فجاء جرير بن حزم وجعله مرفوعاً من روايتهما، هو مرفوع من رواية الحارث الأعور وهو ضعيف، وهو موقوف على علي من رواية عاصم بن ضمرة، جاء جرير بن حازم وجعله مرفوع من رواية عاصم والحارث، هذا إدراج، مع أن أبا داود ذكر أن شعبة وسفيان وغيرهما رووا هذا الحديث عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه، فعلمنا أن جريراً قد أدرج رواية عاصم مع رواية الحارث فجعل الحديث مرفوعاً من طريقهما.

الصورة الثانية: أن يكون المتن عند راوٍ بإسناد واحد، أن يكون المتن عند راوٍ بإسناد واحد، إلا طرفاً منه فإنه عنده بإسناد آخر فيرويه راوٍ عنده تاماً بالإسناد الأول ويحذف الإسناد الثاني، ومثال ذلك: ما روى أبو داود عن زائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي آخره أنه جاء بعد ذلك في زمان فيه برد شديد، فرأى الناس عليهم جُل الثياب، تحرك أيديهم تحت الثياب، والصواب رواية من روى عن عاصم بن كليب بهذا الإسناد صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقط، من دون مجيئه بعد ذلك، من دون مجيئه بعد ذلك في زمان البرد، وفصل ذكر رفع الأيدي عنه فرواه عن عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر. ويلتحق بهذه الصورة ما إذا سمع الراوي من شيخه حديثاً بلا واسطة إلا طرفاً منه فيسمعه عن شيخه بواسطة فيرويه عنه تاماً بحذف الواسطة مع أنه لم يسمع الطرف إلا بواسطة، يروي نصف الحديث بغير واسطة عن شيخه، ويروي النصف الثاني عن هذا الشيخ بواسطة، فيأتي بالحديث كامل مع حذف الواسطة التي بها روى نصف الحديث الثاني عن ذلك الشيخ.

الصورة الثالثة: أن يكون عند الراوي حديثان مختلفان بإسنادين مختلفين، أن يكون عند الراوي حديثان مختلفان بإسنادين مختلفين فيرويهما عنه راوٍ مقتصراً على أحد الإسنادين، أو يروي أحد الحديثين بإسناده الخاص به لكن يزيد فيه من المتن الآخر ما ليس منه، أن يكون عند الراوي حديثان مختلفان بإسنادين مختلفين فيرويهما عنه راوٍ مقتصراً على أحد الإسنادين، أو يروي أحد الحديثين بإسناده الخاص به، لكن يزيد فيه من المتن الآخر ما ليس منه، أنا أقول: هذه الصور تحتاج إلى شيء من البسط في سبورة أو في وسيلة إيضاح، لكن من معه الشرح يمكن يتابع، مثال ذلك: ما روى سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا)) الحديث متفق عليه، فقوله: ((لا تنافسوا)) مزيدة في هذا الحديث من حديث آخر لمالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا)) فهذه الجملة لا توجد في الحديث السابق لكنها مروية بإسناد آخر صحيح فأضيفت إلى الحديث الأول.

مدرج المتن:

الصورة الرابعة: أن يسوق الراوي الإسناد فيعرض له عارض، يسوق إسناد حديث فيعرض له عارض فيتكلم بكلام من تلقاء نفسه مناسب لهذا العارض، فيظن السامع أن هذا الكلام هو متن ذلك الإسناد، أن يسوق الراوي الإسناد فيعرض له عارض فيقول كلاماً من قبل نفسه فيظن من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد فيرويه عنه كذلك، ومثال ذلك: ما وقع لثابت بن موسى الزاهد أنه دخل على شريك القاضي وهو يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. ، شريك بن عبد الله بن أبي نمر القاضي يحدث يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. ، فدخل ثابت، ثابت بن موسى الزاهد، وثابت بن موسى الزاهد صاحب صيام وقيام، وجهه كأنه مذهبة، عليه النور والبهاء، فلما ساق شريك القاضي الإسناد السابق ودخل هذا الرجل الذي يتلألأ وجهه قال: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" هو يقصد ثابت الذي دخل، السامع -الذين سمعوا- قالوا: إن هذا المتن هو لذلك الإسناد الذي ساقه، وثابت أيضاً ممن ظن هذا الظن، فظن أن هذا المتن لذلك الإسناد، فدخل ثابت عليه فلما نظر إلى ثابت قال: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"، يريد بذلك ثابتاً، فظن ثابت أن ذلك سند الحديث فكان يحدث به بهذا الإسناد، هذا ليس بحديث، وثابت زاهد عابد، وعرفنا أن الزهاد والعباد الذين غفلوا عن معرفة السنن وقعوا في شيء من الوضع، ومثل بعضهم لهذا النوع وجعله من الموضوع، وليس بحديث، رُفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن طريق الخطأ، والله المستعان. لكن هل يضير ثابت؟ هل يأثم ثابت في هذا الصنيع؟ أخطأ بلا شك، وغفل لكنه بصدد ما هو مقبل عليه من عبادة وزهد وانصراف عن الدنيا، نعم، هو مفضول بالنسبة لمن أنصرف إلى العلم؛ فالعلم أفضل من العبادة، العلم أفضل من جميع نوافل العبادات، والله المستعان. مدرج المتن: القسم الثاني: مدرج المتن:

أقسام مدرج المتن ثلاثة:

تعريفه: أن يدخل في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء من كلام بعض الرواة من غير فصل، وحاصله: أن يذكر الراوي صحابياً أو غيره كلاماً لنفسه أو لغيره فيرويه من بعده متصلاً بالحديث، إما أن يعقب على الحديث ببيان معناه من غير فصل ثم يأتي من يرويه كاملاً، الحديث المرفوع مع تفسير هذا الراوي. حاصله: أن يذكر الراوي كلاماً لنفسه أو لغيره فيرويه من بعده متصلاً بالحديث من غير فصل يميزه عن الحديث فيتوهم من لا يعرف حقيقة الحال أنه من الحديث، والفرق بينه وبين الصورة الرابعة مدرج الإسناد هنا: " ((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء)) " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل" من استطاع .. إلى آخره من كلام أبي هريرة -رضي الله عنه-، ما الفرق بينه وبين كلام ثابت بن موسى الزاهد الذي تقدم: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"؟ الفرق بينه وبين الصورة الرابعة من مدرج الإسناد أن مدرج الإسناد يكون بتمامه مما يظن أنه حديث مستقل، وأما مدرج المتن فيظن أنه جزء من الحديث. أقسام مدرج المتن ثلاثة: وأقسام مدرج المتن ثلاثة: مدرج في أول المتن، مثاله حديث: "أسبغوا الوضوء ((ويل للأعقاب من النار)) ((ويل للأعقاب من النار)) هذا حديث ثابت في الصحيحين وغيرهما لكن "أسبغوا الوضوء" مدرج من قول أبي هريرة -رضي الله عنه-، يدل على الإدراج ما رواه البخاري عن أبي هريرة أنه قال: "أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويل للأعقاب من النار)) وهذا القسم نادر جداً –الإدراج في أول المتن-. والثاني: المدرج في أثناء المتن، ومثاله: ما رواه الدارقطني عن بسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من مس ذكره أو أنثييه أو رُفْغَيه فليتوضأ)) الأصل: ((من مس ذكره فليتوضأ)) فأدرج في الخبر: "أو أنثييه أو رفغيه"، فقوله: "أو أنثييه أو رفغيه" مدرج من قول عروة غير مرفوع، رواه الدارقطني وهو في السنن الأربعة بدونها، ومن أمثلة المدرج في أثناء المتن تفسير التحنث بالتعبد في حديث بدء الوحي "فكان يتحنث -وهو التعبد-" فهو مدرج، الأكثر على أنه من قول الزهري.

بم يعرف الإدراج؟

الثالث: مدرج في آخر المتن وهو الأكثر، ومثاله: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار لوضوء)) "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" قوله: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" مدرج من كلام أبي هريرة، قال الحافظ ابن حجر: "لم أرَ هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه"، كذا قال وهو في مسند الإمام أحمد وفيه هذه الزيادة من رواية ليث عن كعب عن أبي هريرة، فكعب تابع نعيماً على رواية هذه الزيادة عن أبي هريرة. وينشأ الإدراج في المتن عن عدة أسباب منها: أن يقصد الراوي تفسير كلمة غريبة كتفسير التحنث بالتعبد، أو يقصد بيان تمام عمل، ومثاله: حديث ابن مسعود في التشهد وفي آخره: "فإذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" يريد ابن مسعود أن يبين أن الصلاة تمت بهذا. بم يعرف الإدراج؟ ويعرف الإدراج بأمور منها: النص عليه من الراوي كما تقدم: "أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال" هذا نص الراوي، وميز بين قوله من قول النبي -عليه الصلاة والسلام-. ورود اللفظ المدرج منفصلاً في رواية أخرى. الثالثة: استحالة صدور الكلام المدرج من النبي -عليه الصلاة والسلام- كقول أبي هريرة -رضي الله عنه- في حديث: "للعبد المملوك الصالح أجران، للعبد المملوك الصالح أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك" هل يمكن أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "لولا الجهاد في سبيل الله وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك؟ " لا يمكن، وجه استحالته أن أمه -عليه الصلاة والسلام- قد ماتت وهو صغير قبل البعثة. حكم الإدراج:

المقلوب:

وأما حكم الإدراج: فلا يخلو: إما أن يكون عن خطأ أو عن عمد، فإن كان عن خطأ فلا حرج على المخطئ، إلا أن كثرة الخطأ تقدح في ضبطه وإتقانه، وإن كان عن عمد فإنه حينئذ يكون حراماً، لما يتضمن من التلبيس والتدليس ومن عزو القول إلى غير قائله إلا أن يكون الإدراج لتفسير شيء في الحديث ففيه بعض التسامح، والأولى أن ينص الراوي على بيانه. من هذا من الإدراج وهو مما ينبغي العناية به ويقع فيه الكثير، ونحن ونحن نقرر هذا الكلام نقع فيه كثيراً، كيف؟ ننقل كلام لبعض أهل العلم ونعقبه بكلام لنا من غير فصل، السامع إذا سمعك تقول: قال شيخ الإسلام، تنقل كلام شيخ الإسلام وتتبعه بكلام لك من غير فصل هذا إدراج، والأولى أن يقال: انتهى كلامه -رحمه الله-، قلت، كما يقوله الأئمة، يفصل كلام المنقول عنه من كلام الناقل، هذا الأولى لكن أحياناً يغفل الإنسان، نعم، ويطرأ عليه كلام يخشى أن ينساه فيقحمه أحياناً في أثناء النقل، وأحياناً يعقبه به من غير فصل، والله المستعان، لكن يتجاوز هذا في الكلام العادي لكن في المكتوب ينبغي أن ينص على كل شيء. المقلوب: ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب"، أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب، يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن مخالفة الراوي لغيره من الرواة إن كانت بتقديم أو تأخير في أسماء رجال الإسناد أو في متن الحديث فهذا النوع يسمى المقلوب، وهو في اللغة: اسم مفعول من القلب، تقول: قلبته قلباً من باب ضرب، حولته عن وجهه، وكلام مقلوب مصروف عن وجهه، وقلب بالتشديد مبالغة وتكثير، وفي التنزيل: {وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ} [(48) سورة التوبة] فالمقلوب المصروف عن وجهه. اصطلاحاً: هو الحديث الذي تُصرف في سنده أو متنه بتقديم أو تأخير ونحوه عمداً أو سهواً. أنواع القلب: أنواع القلب: القلب في الحديث على ثلاثة أنواع: القلب في الإسناد وله صورتان: الأولى: أن يكون الحديث مشهوراً براوٍ فيجعل مكانه آخر في طبقته، نحو حديث مشهور عن سالم فيجعله الراوي عن نافع، يكون قلب الحديث قلب الإسناد، هو عن سالم فيجعله عن نافع أو العكس.

الثانية: أن يكون القلب بالتقديم والتأخير في رجال الإسناد كأن يقول: كعب بن مرة بدل مرة بن كعب، نصر بن علي بدل علي بن نصر. القلب في المتن، ومثاله: ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي الحديث: ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمنيه ما تنفق شماله)) كذا وقع في صحيح مسلم، والصحيح المعروف ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) كما في البخاري وغيره، والصدقة تكون باليمين وإلا بالشمال؟ باليمين، ((حتى لا تعلم يمنيه ما تنفق شماله)) على هذا كانت النفقة بالشمال، والذي في البخاري: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) لكن الرواية في صحيح مسلم، كيف نصون الصحيح عن مثل هذا الخطأ؟ جاء في الحديث الصحيح في صحيح البخاري وبغيره: ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة –يعني ليلة ثالثة- وعندي منه دينار))، وفي رواية: " ((وعندي منه شيء إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا وهكذا)) عن يمنيه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه" فلكثرة الإنفاق قد ينفق الإنسان بيمينه وقد ينفق بشماله، وقد ينفق من أمامه ومن خلفه، فعلى هذا يمكن أن يتأول أو تتأول هذه الرواية بأنه لكثرة إنفاقه نعم، إنه أحياناً ينفق عن جهة اليمين، وأحياناً عن جهة الشمال، وبهذا نكون نصون الصحيح من الخطأ، يمكن وإلا ما يمكن؟ له وجه وإلا ما له وجه؟ نعم، له وجه، ونسلك مثل هذا الكلام صيانة للصحيح لئلا يتطاول الجهال على مثل هذه الكتب، وإلا كل من شرح الحديث قال: إنه مقلوب، وصوابه: أنه لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؛ لأن الإنفاق يكون باليمين، نقول: هذا الرجل الذي يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كثير الإنفاق جداً، ويبينه حديث: " ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا وهكذا)) عن يمنيه وعن شماله .. " فيمكن الإنفاق من جهة الشمال.

الثالث: القلب في السند والمتن معاً، وهو أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر وبالعكس، من أمثلة المقلوب: حديث البروك قال بعضهم: إنه انقلب على راويه: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)) قال بعضهم: إنه انقلب الحديث وإلا فالأصل: "وليضع ركبتيه قبل يديه" لماذا؟ لأن البروك يقدم يديه قبل ركبتيه، هذا الكلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟ مقلوب وإلا ليس بمقلوب؟ طالب:. . . . . . . . . ممن قال به ابن القيم، وقلده كثير من أهل العلم، ورجحوا الحديث الثاني حديث أبي هريرة عليه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، والصواب أن حديث البروك أرجح من هذا وأصوب وأصح، وهذا نص عليه الحافظ ابن حجر وغيره، وهو أقوى من حديث أبي هريرة فإن له شاهد من حديث ابن عمر، حديث البروك أقوى من الحديث الثاني، كيف يكون أقوى وهو مقلوب؟ يعني إذا قلنا: إنه مقلوب والأصل: "وليضع ركبتيه قبل يديه" هل يمكن أن يرجح على الحديث الثاني؟ يمكن أن يرجح عليه؟ ما يمكن، لأن معناهما واحد، متى نرجح هذا الحديث على الحديث الذي يليه؟ إذا قلنا: أنّ ما في قلب سليم "وليضع يديه قبل ركبتيه" وليضع يديه قبل ركبتيه ولا في قلب ولا إشكال، وحينئذ يكون أرجح من حديث: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه". بقي علينا كيف نوفق بين أول الحديث وآخره؟ كيف يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)) إذا وضع يديه قبل ركبتيه شابه البعير صح وإلا لا؟ كيف نقول: إنه أصح من حديث أبي هريرة ونقول: إنه مقلوب؟ هو في معنى حديث أبي هريرة، إذا قلنا: إنه مقلوب فلا اختلاف بينه وبين حديث أبي هريرة، هذا من قوله وهذا من فعله -عليه الصلاة والسلام- ومعناهما واحد، إذا قلنا: هو أرجح وليس فيه قلب، الحديث صحيح وهو أصح من حديث أبي هريرة ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) والسنة أن يضع المصلي يديه قبل ركبتيه، كيف نوفق بين أول الحديث وبين آخره؟ ما معنى بروك البعير؟ طالب:. . . . . . . . .

لا هو إذا قدم يديه قبل ركبتيه البعير يقدم يديه قبل ركبتيه، لكن ما معنى بروك البعير؟ بروك البعير يقال: برك البعير وحصحص البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى، إذا ألقى الإنسان بيديه بقوة على الأرض برك مثل ما يبرك البعير، لكن إذا وضع يديه على الأرض مجرد وضع امتثل الأمر ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) ولا أشبه البعير في بروكه، فرق بين أن يضع الإنسان يديه وبين أن يبرك كما يبرك البعير، فبروك البعير هو إلقاؤه بقوة على الأرض، وأنتم تسمعون إذا قيل: إنسان مريض أو كبير في السن ثم أراد أن يجلس وقع على الأرض بقوة يقال: برك، نعم، والبعير بقوة ينزل على الأرض، فإذا نزل مقدماً يديه قبل ركبتيه بقوة أشبه البعير، إذا كان مجرد وضع امتثل الأمر ولم يشبه بروك البعير، لكنه إذا قدم ركبتيه قبل يديه بقوة أشبه الحمار بعد، نعم، يشبه الحمار، وعلى هذا لا يكون فيه قلب، معناه صحيح وأوله يشهد لآخره، وآخره مناسبة لأوله، وليس فيه قلب، ومجرد الوضع يختلف عن الرمي والإلقاء والطرح، ولذا يجيز أهل العلم وضع المصحف على الأرض، تضع المصحف على الأرض جائز، لكن ترمي بالمصحف على الأرض يجوز وإلا لا؟ لا، لا، هذا خطر عظيم، هذا استهتار واستخفاف بالقرآن، بكلام الله -عز وجل-، وعلى هذا يكون الراجح حديث البروك، لكن إيش معنى البروك؟ نقف عند معنى البروك، ولا قلب في الحديث. طالب:. . . . . . . . . اشتبه عليه التبس عليه كيف يقدم يديه ولا يشبه بعير؟ حقيقةً التنصيص على مثل هذا نادر عند أهل العلم، ما ينص عليه، لكن كيف يصحح الحديث مع فهم ابن القيم؟ ما يمكن أن يصحح، والأئمة صححوا الحديث، كيف يصحح الحديث مع اختلاف أوله مع آخره؟ إلا أن معنى الأول يختلف عن معنى الآخر، والله المستعان. القلب في السند والمتن معاً: وهو أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر وبالعكس، وهذا النوع قد يقصد به الإغراب فيكون كالوضع، وقد يفعل اختباراً لحفظ المحدث كما وقع للإمام البخاري لما ورد بغداد فيما رواه ابن عدي وغيره، فعمد أصحاب الحديث إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، ودفعوها إلى عشرة، لكل واحد منهم عشرة أحاديث، إلى آخر القصة.

المزيد في متصل الأسانيد:

علماء بغداد سمعوا بالبخاري ولما قدم اجتمع عليه وجوه الناس فأرادوا أن يختبروه، فعمدوا إلى مائة حديث وأعطوا كل واحد منهم عشرة، كل رجل أعطوه عشرة أحاديث، وجعلوا سند الحديث الأول للثاني، وسند الثالث للرابع، والخامس والسابع إلى آخر المائة، وألقوا العشرة عليه مقلوبة، فألقاها الأول العشرة والبخاري ساكت على القلب، ثم جاء الثاني فألقى العشرة على الإمام وهو ساكت، الثالث، الرابع، العاشر، لما انتهى التفت إلى الأول قال: حديثك الأول قلت فيه كذا وصوابه كذا، الثاني قلت فيه كذا وصوابه كذا، يعني كون البخاري يحفظ الصواب ما هو بغريب، لكن الغريب كونه يحفظ الخطأ، ثم يرده إلى الصواب إلى تمام المائة. وهذه القصة يقدح فيها بعضهم؛ لأن ابن عدي يرويها عن عدة من شيوخه ولم يسم واحداً منهم، فقالوا: هذه القصة جاءت .. ، ذكرها ابن عدي عن مجاهيل، لكن هؤلاء المجاهيل هم من شيوخ ابن عدي، وهم عدد، ليسوا بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة، حدثني عدة من شيوخنا، وبعضهم يجبر بعضاً، وحينئذ تكون القصة ثابتة، نعم هم مجاهيل، لكن مجهول مع مجهول مع مجهول يتقوى بلا شك، والإمام البخاري أهل لمثل هذا. وفي آخر القصة: "فرد متن كل حديث إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل" وبالنسبة لحكم القلب لا يخلو القلب إما أن يكون عن قصد أو عن غفلة وعن غير قصد، فإن كان عن قصد فلا يخلو: إما أن يكون للإغراب فلا شك في أنه لا يجوز، إذا كان هدف الذي قلب ليقال أن عنده حديث لا يوجد إسناده عند غيره، إن كان القصد منه الإغراب فلا شك في أنه لا يجوز، وأما إن كان للاختبار فقد فعله كثير من المحدثين مما يدل على جوازه، شريطة ألا يستمر عليه، بل ينتهي بانتهاء الحاجة، وإن كان القلب من غير قصد فلا شك أن فاعله معذور؛ لأنه لم يقصد إليه إلا أنه إذا كثر يجعل المحدث ضعيفاً لضعف حفظه وضبطه. المزيد في متصل الأسانيد:

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو بزيادة راوٍ فالمزيد في متصل الأسانيد"، فالمزيد في متصل الأسانيد، ويقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن مخالفة الراوي لغيره من الرواة إن كان بزيادة راوٍ في أثناء الإسناد، ومن لم يروها أتقن ممن زادها، من لم يزد هذه الزيادة أتقن ممن زادها فهذا النوع يسمى المزيد في متصل الأسانيد. وعرفه الحافظ ابن كثير بقوله: هو أن يزيد راوي في الإسناد رجلاً لم يذكره غيره، وفي شرح الملا علي قاري على النزهة: هو أن يزيد الراوي في إسناد حديث رجل أو أكثر وهماً منه وغلطاً، وشرطه كما قال الحافظ في النزهة: أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة، وإلا فمتى كان معنعناً ترجحت الزيادة، ومثاله: حديث أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) مثاله: حديث أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) رواه مسلم، قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه ابن المبارك عن ابن جابر عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس عن واثلة عن أبي مرثد، فقال: يريدون أن ابن المبارك وهم في هذا الحديث، أدخل أبا إدريس الخولاني بين بشر بن عبيد الله وبين واثلة". وقال الترمذي: "الصحيح أنه ليس فيه عن أبي إدريس، وقد صرح بسر بالسماع من وثلة كما في رواية أبي داود"، وأيضاً في إسناده زيادة أخرى وهي ذكر سفيان بين ابن المبارك وابن جابر، وهي وهم ممن دون ابن المبارك؛ لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر نفسه، ومنهم من صرح فيه بلفظ الإخبار بينهما. وهذا النوع وهو المزيد في متصل الأسانيد، تجد حديث رباعي وتجد هذا الحديث مروي من طريق هؤلاء الأربعة، بين الثاني والثالث زيادة راوي فيكون خماسي، والسند الرباعي بين الثالث والرابع حدثنا فلان، اللي هو مكان الزيادة في السند الثاني.

المضطرب:

يروي زيد عن عمرو عن سعيد عن خالد عن بكر، زيد عن عمرو عن خالد، يأتي شخص راوي ثاني فيقول: زيد عن عمرو عن سعيد عن خالد عن بكر، فيزيد راوي وهو سعيد، السند الأول رباعي، والثاني خماسي، إذا كان عمرو صرح بالسماع عن خالد، قال: عن عمرو سمعت خالداً يحدث عن بكر، أو لا يعرف بتدليس وقال: (عن) فالسند متصل بدون سعيد، لكن هل سعيد خطأ وإلا ليس بخطأ؟ ذكر سعيد زيادة لا وجه لها؟ أو يحتمل أن عمراً مرة سمعه من سعيد عن خالد ثم لقي خالد فسمعه منه من غير واسطة؟ احتمال، نعم، وعلى هذا فالحكم للقرائن، إن رجحت القرائن أن عمراً سمعه مباشرة من خالد وسعيد لا وجود له في الرواية فهو من المزيد في متصل الأسانيد، وإن كانت القرائن ترجح احتمال أن عمرو سمعه عن خالد بواسطة سعيد ثم أنه لقي خالد مرة ثانية فسمعه منه فهذا ليس بمزيد، بل يكون عمرو سمع الحديث على الوجهين، مرة سمعه عن سعيد عن خالد، ومرة لقي خالداً وسمعه منه من غير واسطة، فإذا رجحت القرائن أن سعيد ليس له علاقة وصرح عمرو بالسماع من خالد فهو المزيد في متصل الأسانيد، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب:. . . . . . . . . متى كان معنعناً؟ طالب:. . . . . . . . . معروف يعني إذا كان في مثالنا يرويه عمرو عن خالد، ومرة قال: عن عمرو عن سعيد عن خالد، احتمال أن يكون عمرو أسقط سعيد، نعم، ورواه عن خالد مباشرة؛ لأن (عن) تحتمل السماع، صيغة محتملة، لكن إذا افترضنا أن عمرو غير معروف بتدليس فهي محمولة على الاتصال مثل (سمعت)، نعم، إذا كان معنعن وعمرو معروف بالتدليس تترجح الزيادة بلا شك، أما إذا كان غير معروف بالتدليس فكأنه صرح بالسماع، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: المضطرب:

أقسام المضطرب:

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو بإبداله ولا مرجح فالمضطرب" يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن المخالفة إن كانت من الراوي بإبداله الشيخ المروي عنه أو بعضاً من المروي، فالحديث حينئذ يسمى المضطرب، "أو بإبداله ولا مرجح" الذي قبله أو بزيادة راوٍ، إن كانت مخالفة الراوي للثقات بزيادة راوٍ فالمزيد في متصل الأسانيد، وإن كانت هذه المخالفة بإبداله، والإبدال يشمل ما كان في السند وما كان في المتن ولا مرجح فالمضطرب، فعلى هذا يكون شاملاً لمضطرب السند ومضطرب المتن. المضطرب: اسم فاعل من الاضطراب وهو اختلال الأمر، وفساد نظامه، ويقال: اضطرب الأمر اختل، واضطرب البرق في السحاب تحرك، واضطرب الحبل بين القوم إذا اختلفت كلمتهم. والمضطرب في الاصطلاح: هو الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، يقول ابن الصلاح: "المضطرب من الحديث هو الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مخالف له"، وإنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان، أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من جوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة، ولا يطلق عليه حينئذٍ وصف المضطرب ولا له حكمه"، يعني أن المضطرب لا بد أن يكون لحديث مروياً على أوجه لا على وجه واحد، فالذي يروى على وجه واحد لا يمكن أن يسمى مضطرباً، فلا بد أن يكون على أوجه، وأن تكون هذه الأوجه مختلفة، فإن كانت متفقة فلا اضطراب، ولا بد أن تكون متساوية، بحيث لا يمكن ترجيح بعضها على بعض، بهذه القيود يسمى الخبر مضطرباً، أن يروى على أوجه مختلفة متساوية، إن أمكن ترجيح بعضها على بعض انتفى الاضطراب. أقسام المضطرب: وينقسم الاضطراب بحسب موقعه في الحديث إلى ثلاثة أقسام:

الأول: الاضطراب في السند وهو الأكثر، ومثاله: حديث أبي بكر -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله أراك شبت؟ قال: ((شيبتني هود وأخواتها)) قال الدارقطني: "هذا حديث مضطرب فإنه لم يروَ إلا من طريق أبي إسحاق وقد اختلف فيه على نحو عشرة أوجه" فمنهم من رواه مرسلاً، ومنهم من رواه موصولاً، ومنهم من جعله من مسند أبي بكر، ومنهم من جعله من مسند سعد، ومنهم من جعله من مسند عائشة، ورواته ثقات لا يمكن ترجيح بعضهم على بعض، والجمع متعذر كما قرره الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث، فهذه الأوجه في سند هذا الحديث عشرة وهي مختلفة متساوية بحيث لا يمكن ترجيح بعضها على بعض، وقد لاح لبعضهم ترجيح بعض الطرق على بعض فانتفى الاضطراب عن الحديث. ومثل ابن الصلاح لمضطرب السند بحديث الخط في السترة، قد روي على أوجه ذكرها ابن الصلاح وغيره، مع عدم تمكنه من ترجيح بعضها على بعض، لكن الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام نفى الاضطراب عن الحديث فقال: "لم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حديث حسن"، وعلى كل حال قد يخفى وجه الترجيح على بعض أهل العلم فيحكم بالاضطراب، ثم يلوح لآخر فينفي عنه الاضطراب. الثاني: الاضطراب في المتن وهو نادر، ومثاله: حديث البسملة الذي خرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك: قال: "صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(2) سورة الفاتحة] ولا يذكرون {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(1) سورة الفاتحة] في أول قراءة ولا في آخرها".

قال ابن عبد البر: "هذا الحديث مضطرب، وبيان ذلك أن البخاري ومسلماً قد اتفقا على إخراج رواية أخرى في الموضوع نفسه لم يتعرض فيها الراوي بذكر البسملة بنفي أو إثبات، بل اكتفى بقوله: "فكانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(2) سورة الفاتحة] وهناك رواية ثالثة عن أنس تفيد أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فأجاب: أنه لا يحفظ في ذلك شيئاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن هل هذا من المضطرب؟ ابن عبد البر قال: "هذا حديث مضطرب" الآن الرواية في صحيح مسلم: "كانوا لا يذكرون: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(1) سورة الفاتحة] في أول قراءة ولا في آخرها، والمتفق عليه ليس فيه ذلك، فكانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(2) سورة الفاتحة] لم يتعرض فيه لا لنفي ولا إثبات التسمية، وأنس سئل عن الافتتاح بالتسمية فأجاب أنه لا يحفظ في ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل ينطبق على هذا المثال تعريف المضطرب؟ أو نقول: هذه من زيادات الثقات؟ هذه زيادة، نعم، على أن هذه الزيادة من فهم الراوي، الراوي سمع أنهم كانوا يفتتحون بـ {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(2) سورة الفاتحة] ففهم أنهم لا يذكرون {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(1) سورة الفاتحة] ولذا مُثل بالحديث للمعل، يقول الحافظ العراقي: وعلة المتن كنفي البسملة ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله

حكم الاضطراب:

وعلة المتن، نعم قد يكون التعليل بالاضطراب، والاضطراب وجه من وجوه العلل، لكن إذا أردنا أن نطبق تعريف الاضطراب على هذا الحديث نجد أن هذا المثال لا ينطبق عليه التعريف، الحافظ ابن حجر يرى أن الحديث ليس فيه أدنى اضطراب ولا علة أيضاً؛ لأنه يمكن الجمع بين الروايات المختلفة بحمل نفي القراءة على نفي السماع، ونفي السماع على نفي الجهر، الراوي الذي قال: لا يذكرون {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة ولا في آخرها؛ لأنه لم يسمع، لم يسمعهم يذكرون، هو لا يستطيع أن ينفي الإسرار بالبسملة، نعم، لا يستطيع أن ينفي الإسرار بالبسملة هو ينفي الجهر، ولا ينفي الذكر، هو لم يسمع وعدم السماع يتضمن نفي الجهر بالبسملة. وعلى كل حال الرواية في الصحيح، وحملها على هذا الوجه صيانة للصحيح هو المتعين، فنقول: الرواية ليست مضطربة فنقول حينئذٍ: إنهم لا يذكرون جهراً {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ولو قدر أن الراوي فهم أنهم لعدم جهرهم بها لا يذكرونها مطلقاً هذا فهمه، ولا يقدح في الحديث حينئذٍ. الثالث: الاضطراب في السند والمتن معاً، ومثاله: حديث عبد الله بن عكيم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى جهينة قبل موته بشهر: ((ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب)) رواه الخمسة، قال الترمذي: ترك أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث رواه بعضهم فقال: عن عبد الله بن عكيم عن أشياخ له من جهينة، قال الحافظ ابن حجر: "الاضطراب في سند، فإنه تارة قال: عن كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتارة عن مشيخة من جهينة، وتارة عن من قرأ الكتاب، واضطراب متنه حيث رواه الأكثر من غير تقييد بشهر، ومنهم من رواه بقيد شهر أو شهرين أو أربعين يوماً أو ثلاثة أيام، ويمكن أن يمثل له بحديث القلتين في اضطراب السند والمتن. حكم الاضطراب:

المصحف والمحرف:

وأما حكم الاضطراب: فالاضطراب حيث وقع في سند حديث أو متنه فإنه موجب للضعف؛ لإشعاره بعدم ضبط راويه، وذلك أنه لما كان يروى الحديث تارة على وجه وأخرى على وجه آخر فإن ذلك معناه أنه لم يستقر الحديث في حفظه، وكذا إذا وقع التعارض بين رواة متعددين ولا يعلم أيهم أضبط للحديث فيحكم بضعفه من أجل ذلك، لكن هناك اضطراب لا يضر ولا يقدح في صحة الحديث، وذلك بأن يقع الاختلاف في اسم راوٍ أو اسم أبيه أو نسبته أو نحو ذلك مع كون ذلك الراوي ثقة، يختلف في اسم الراوي، يختلف في اسم أبيه، يختلف في نسبته، مع أنه ثقة، سواء نسب إلى هذه القبيلة أو إلى تلك هو ثقة، فيحكم حينئذ للحديث بالصحة ولا يضر الاختلاف فيمن ذكر مع تسميته مضطرباً. يقول: "وقد يقع الإبدال عمداً امتحاناً" يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن الراوي قد يبدل راوٍ بآخر عمداً، لمن يراد اختبار حفظه امتحاناً من فاعله، كما وقع للبخاري والعقيلي وغيرهما كالدارقطني، وشرطه ألا يستمر عليه، بل ينتهي بانتهاء الحاجة إليه، وسبقت الإشارة إليه في المقلوب، قال القاري في شرح النزهة: "والأظهر عندي أن مناسبته بالقلب أقوى، فإنه يفيد العكس بخلاف الإبدال كما يظهر وجهه في المثال" قال الحافظ: "فلو وقع الإبدال عمداً لا لمصلحة بل للإغراب مثلاً فهو من أقسام الموضوع، ولو وقع غلطاً فهو من المقلوب أو المعل" كذا قال -رحمه الله تعالى-. المصحف والمحرف: ثم قال: "أو بتغيير مع بقاء السياق فالمصحف والمحرف" يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أنه إن كانت مخالفة الراوي لغيره من الرواة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحف، وإن كان ذلك بالنسبة إلى الشكل فالمحرف.

أقسام التصحيف:

والمصحف: اسم مفعول من التصحيف، وهو في الأصل تغيير اللفظ حتى يتغير المعنى المراد من الموضع، وأصله الخطأ، قال المطرزي: "التصحيف أن يقرأ الشيء على خلاف ما أراده كاتبه، أو على خلاف ما اصطلحوا عليه" والمصحِف والصحفي هو الذي يروي الخطأ على قراءة الصُحُف، يعني إذا قيل: صحفي نسبة إلى الصحيفة المفرد، أما نطقها صُحُفي نسبة إلى الجمع شاذة، فيقال: صحفي، فهذا الصحفي الذي يروي الخطأ على قراءة الصحف هذا عند أهل الحديث؛ لأنه لا يوجد صحف بمعنى جرائد عندهم، وإن كان الآن اللفظ ينطلق عرفاً على من له عناية بالصحافة، والله المستعان. المصحف اصطلاحاً: هو ما وقعت المخالفة فيه بتغيير النقط في الكلمة مع بقاء صورة الخط فيها، وبهذا الحد قال الحافظ ابن حجر، وعرفه السخاوي: بأنه تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها، تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها، وبين هذين التعريفين عموم وخصوص، فمجرد التغيير بأي صفة كان يسمى تصحيفاً عند السخاوي، ولا شك أن المعنى اللغوي يعضد هذا، والحافظ ابن حجر يخصه بالتغيير في النقط فقط وهو اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح. أقسام التصحيف: ينقسم التصحيف باعتبار موقعه إلى قسمين: تصحيف في السند، ومثاله: العوام بن مراجم، صحفه ابن معين فقال: ابن مزاحم، وهذا يقع كثيراً حينما يكون الاسم على غير الجادة، يقع فيه التصحيف. والثاني: تصحيف المتن، ومثاله: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال)) صحفه الصولي فقال: "شيئاً" بدل "ستاً"، كما أنه ينقسم باعتبار اللفظ والمعنى إلى قسمين: الأول: تصحيف لفظي وأمثلته كثيرة، منها المثالان السابقان. الثاني: تصحيف معنوي، ومثاله: قول أبي موسى العنزي: "نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة –قبيلة- صلى إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يريد بذلك حديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى عنزة، فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم، والمراد بالعنزة هنا العصا الذي ينصبه المصلي أمامه سترة له، وليس المراد بذلك القبيلة، كما أن هذا حديث صحف على ما سيأتي من وجه آخر، فقُرأتْ عَنَزَة عَنْزة، صحفت من وجه آخر. وينقسم التصحيف باعتبار منشأه إلى قسمين:

أقسام التحريف: ينقسم التحريف باعتبار موضعه إلى قسمين:

الأول: تصحيف بصر وهو الأكثر، وهو أن يشتبه الخط على بصر القارئ، إما لرداءة الخط، أو لضعف البصر. والثاني: تصحيف سمع، ومنشأه رداءة السمع أو بعد السامع أو نحو ذلك، فتشتبه عليه بعض الكلمات لكونه على وزن صرفي واحد، تصحيف السمع سببه رداءة السمع من المستمع، أو بعد السامع من المتكلم، أو عدم إبانة المتكلم يعني من الطرف الآخر، فتشتبه عليه بعض الكلمات لكونها على وزن صرفي واحد، من ذلكم تصحيف بعضهم اسم عاصم الأحول فقال: واصل الأحدب، عاصم صار واصل، والأحول صار الأحدب، قد ذكر الدارقطني أنه من تصحيف السمع، لا من تصحيف البصر؛ لأنه في الكتابة مختلف، بينهم فرق كبير في الكتابة، لكن في السمع، واصل وعاصم قريبة، لا من تصحيف البصر كأنه -والله أعلم- ذهب إلى أن ذلك مما لا يشتبه من حيث الكتابة وإنما أخطأ فيه سمع من رواه. والمحرف: اسم مفعول من التحريف وهو تغيير الكلمة عن معناها، وهي قريبة الشبه كما كانت اليهود تغير معاني التوراة بالأشباه، فوصفهم الله بفعلهم كما قال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [(46) سورة النساء] ويقال: تحرف وانحرف واحرورف عن الشيء إذا مال، قال تعالى: {إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ} [(16) سورة الأنفال]. واصطلاحاً: هو ما وقعت المخالفة فيه بتغيير الشكل في الكلمة مع بقاء صورة الخط فيها، وإفراده عن المصحف اصطلاح لبعض العلماء، وهو الذي مشى عليه الحافظ، وإلا فكثير من العلماء لا يفردون المحرف، فيجعلونه داخل في المصحف، ويطلقون كلا منهما التصحيف والتحريف على كل تغيير يقع في الكلمة ولو مع عدم بقاء صورة الخط فيها. أقسام التحريف: ينقسم التحريف باعتبار موضعه إلى قسمين:

تحريف في السند كأن يجعل بشيراً ولهيعة بفتح أولهما بُشيراً بالتصغير ولُهيعة بضمهما، هذا تحريف، تحريف في المتن: ومثاله ما وقع لبعض الأعراب في حديث: " صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى عنزة" الذي مر آنفاً، فحرك العنزة وسكن النون وقال: "عنْزة" ثم روى الحديث بالمعنى على حسب وهمه، فقال: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا صلى نصبت بين يديه شاة" حرف، سكن النون، ثم روى الحديث بالمعنى صارت العنزة بدل ما هي عنزة صارت شاة، إذا وجد الراوي كلمة مصحفة أو محرفة في كتابه فهل يهجم على هذه الكلمة ويصححها؟ أو يبقيها كما هي خطأ ويقرأها خطأ ويشير إلى الصواب؟ اختلف العلماء فيما إذا وجد الراوي أو المحدث في سند حديث أو متنه تصحيفاً أو تحريفاً فهل له تصحيح هذا التصحيف أو ضبط التحريف؟ على قولين: الأول: ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك لا يجوز، بل يبقى كما هو إذا كان مكتوباً ذكره الخطيب عن عبد الله بن داود الخريبي، وذكره ابن الصلاح عن محمد بن سيرين، ولا شك أن هذا أحفظ للكتب، تبقى كما هي، تبقى كما أرادها مؤلفوها، يعني مو بخطأ من النساخ أو من الطابع، لا، خطأ من المؤلف نفسه، أما خطأ من النساخ يبين بمقابلة النسخ، خطأ من الطابع كذلك، يتبين بمراجعة الأصول، لكن إذا كان خطأ من المؤلف؟ القول الأول: أنه يبقى كما هو فلا يتعرض له لا بتصحيح ولا بضبط، يبقى كما هو، ولا شك أن هذا أحوط، نقله الخطيب عن عبد الله بن داود الخريبي، وابن الصلاح نقله عن محمد بن سيرين، وهذا من باب احتياط للكتب لئلا يهجم من ليس بأهل فيصحح فيقع في الخطأ، يظن أن هذا خطأ فيهجم عليه فيصححه فإذا حسمت المادة ما يصحح شيء خلاص، احتاط الناس للكتب.

القول الثاني: ذهب ابن المبارك والأوزاعي إلى جواز تغييره وإصلاحه وروايته على الصواب -لكن الأول إذا روي على الخطأ ينبه بالحاشية أن هذا خطأ صوابه كذا- القول الثاني: ذهب ابن المبارك والأوزاعي إلى جواز تغييره وإصلاحه وروايته على الصواب، أما إصلاحه في الكتاب فجوزه بعضهم، قال النووي: "والصواب تقريره في الأصل على حاله" يبقى في الأصل على حاله، والتضبيب عليه يوضع ضبة وبيان الصواب في الحاشية، الصواب كما قرره النووي أن يبقى الخطأ كما هو ويوضع عليه ضبة، إيش معنى الضبة؟ طرف صاد على شان تمد بقدر الكلمة، أو الكلام الذي يظن أنه خطأ، هذه يسمونها ضبة، يضبب عليه، ويكتب في الحاشية أن هذا خطأ صوابه كذا، إذا عرفنا هذا وأن الخطأ لا بد أن يقع من المخلوق، وأن التصحيف والتحريف موجود؛ لأن الرواة بشر يقعون في الخطأ، والنساخ كذلك، فعلينا أن نعتني بالتصحيح والتصويب والمقابلة، مقابلة الكتب على أصولها لنسلم من كثرة الأخطاء، ثم بعد ذلكم علينا أن نعتني بهذه الكتب فلا نهجهم عليها بتصحيح ومحو وكشط، بل يبقى الكتاب كما هو، إذا قوبل على الأصل يبقى كما هو، وإذا تبادر إلى الذهن أن هذه الكلمة خطأ أو هذه الجملة خطأ يبقيها كما هي ونصوب في الحاشية. مما ينبغي الاهتمام به لطالب الحديث وغيره من طلاب العلم الشرعي أن يتعلم من النحو واللغة ما يسلم به من اللحن والتصحيف، وطريقه في السلامة من التصحيف الأخذ من أفواه الرجال، كم من كلمة تقرأ على غير وجهها؟ أما إذا سمعت من الأفواه استقرت، تكون الصورة واحدة تقرأها على الخطأ وإيش المانع؟ عَبيدة تقرأها عُبيدة على الجادة، لكن إذا سمعتها من أفواه الرجال ما أخطأت مرة ثانية، عن أبي حَصين تقرأها حُصين الجادة.

وطريقه في السلامة من التصحيف الأخذ من أفواه أهل المعرفة والتحقيق والضبط، لا من بطون الكتب، ولذا يقولون: "من كان علمه من كتابه كان خطأه أكثر من صوابه" تجدون الأوهام الكثيرة فيمن يعتني بالكتب ولم يأخذ العلم من أفواه الرجال، أيضاً على طالب العلم أن يعتني بالكتب التي فيها الضبط، سواء كانت لألفاظ المتون أو الأسانيد يعتني بها، فإذا تحررت له كلمة مضبوطة بعد المراجعة يهتم بها ويودعها سويداء قلبه، ويكون هذا ديدنه أي كلمة يشك فيها يراجع، ثم لا يلبث أن يكون لديه رصيد من الكلمات المصححة المصوبة التي يقع فيها كثير من الناس خطأً. هناك بعض الشروح تعتني بالضبط بدقة، والضبط أحياناً يضبطون بالشكل، وأحياناً يضبطون بالحرف، وأحياناً يضبطون بالضد، وأحياناً يضبطون بالنظير، بالشكل واضح، يضعون الفتحة والضمة إلى آخره، زيد. . . . . . . . . بفتح الزاي والياء ساكنة، يضبط، أحياناً يضبطون بالحرف فيقولون: عبيدة بفتح العين، أو يقولون: بفتح المهملة وكسر الموحدة، أحياناً يضبطون بالضد: حرام بن عثمان ضد الحلال، حرام بن عثمان ضد الحلال، أسد بن موسى بلفظ الحيوان المعروف، عياض بن حمار بلفظ الحيوان، الحكم بن عتيبة بتصغير عتبة الدار، وهكذا هم يضبطون بهذه الطريقة، يضبطون بهذه الطرق، وهل يضبط كل الكلام؟ منهم من ذهب إلى ذلك، قال: يضبط بالشكل كل الكلام من أوله إلى آخره، حتى كلمة (قال) تضبط؛ لأنه لا يبعد أن يأتي من صغار المتعلمين من لا يحسن قراءتها، لكن هذا لا، هذا ليس بجيد وإن قيل به، لكن إنما يشكل المشكل، يشكل المشكل، الكلام المشكل هو الذي يضبط بالشكل، إيش معنى تضبط كلمة (زيد) بفتح الزاي وسكون الياء ومثناة التحتية؟ ما هو لازم، لا داعي لضبط (زيد) لأنه ما في أحد .. ، إيش بيقراه؟ كيف يقرأ غير زيد؟ لكن عبيدة اضبط؛ لأنه يأتي من يبي يقرأها على الجادة عُبيدة، ولذا المحرر عند أهل التحقيق أنه إنما يشكل المشكل. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

اختصار الحديث والرواية بالمعنى:

يعني في القرآن؟ القرآن يصحح بلا شك، القرآن يصحح ويضبط على .. ، لكن ما يهجم على تصحيح قراءة وهو لا يعرف أنها قراءة، يمكن هذه القراءة المعتمدة عند المؤلف "تفسحوا في المجلس" ثم يصحح يقول: "مجالس" قد تكون القراءة التي اعتمدها المؤلف غير القراءة التي اعتمدتها أنت، فكونك تصحح هذه مشكلة، اترك الكتاب كما هو، نعم، إذا بحثت في القراءات ولا وجدت وجه لهذه القراءة لك أن تصحح، على أنك لا تستعجل في التصحيح. التصحيف والتحريف صنف فيه أبو هلال العسكري كتب، صنف فيه الدارقطني وغيره. اختصار الحديث والرواية بالمعنى: ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ولا يجوز تعمد تغيير المتن بالنقص والمرادف إلا لعالم بما يحيل المعاني"، يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أنه لا يجوز تغيير متن الحديث بنقص من ألفاظه وجمله، وهو ما يعرف باختصار الحديث، والاقتصار على بعضه دون بعض، ولا تعمد إبدال ألفاظه أو بعضها بالمرادف، وهو ما يعرف بالرواية بالمعنى، فعندنا مسألتان: اختصار الحديث، والرواية بالمعنى، كل منهما لا يجوز لكل أحد، إنما يجوز لعالم بما يحيل المعاني ومدلولات الألفاظ، وفي كل من المسألتين خلاف. المسألة الأولى: اختصار الحديث، اختلف العلماء في حكم اختصار الحديث والاقتصار على بعضه دون بعض

الحديث مكون من جمل تقتصر على جملة من هذه الجمل لكونك بحاجة إليها ولست بحاجة إلى بقية الجمل، منع بعض العلماء مثل هذا التصرف، مثل هذا الاختصار، وأجازه بعضهم مطلقاً، والصحيح التفصيل، وهو المنع من غير العالم، العارف بما يحيل المعاني، وجواز ذلك من العارف إذا كان ما تركه متميزاً عما نقله، غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل المعنى، ولا تختلف الدلالة، سواء رواه قبله تاماً أم لا؛ لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين، يعني إذا رويت حديث: "نهى عن بيع حبل الحبلة، ونهى عن النجش" إذا اقتصرت على جملة لكونك بحاجة إلى الحديث عن هذا البيع وتركت الأخرى هل يلمزك أن تأتي بالثانية؟ أنت بحاجة وجدت شخص ينجش في السلعة -يزيد وهو لا يريد شرائها- هل يلزمك أن تقول: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع حبل الحبلة، ونهى عن النجش؟ أو تقتصر على ما تريد وتترك الشق الثاني؟

الصواب في ذلك أنه يجوز أن تقتصر على ما تريد بالشرط المذكور، بحيث لا يكون المذكور متوقف فهمه على المحذوف، يعني لا يتوقف فهم المذكور على المحذوف لكونه وصف مؤثر، أو لكونه استثناء أو ما أشبه ذلك، أو قيد، إذا احتاج المذكور إلى المحذوف لا يجوز لك أن تتصرف، والصحيح حينئذٍ التفصيل وهو المنع من غير العالم وجوازه من العارف إذا كان ما تركه متميزاً عما نقله، غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة، سواء رواه قبل تاماً أم لا؛ لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين، روى البيهقي في المدخل عن ابن المبارك قال: "علمنا سفيان اختصار الحديث"، وهذا الاختصار إنما يجوز من الراوي الذي ترتفع منزلته عن التهمة، أما إذا اتهم الراوي بأنه زاد في الحديث إذا روه تاماً ونقص منه إذا رواه ناقصاً فعليه أن يأتي بالحديث بلفظه من غير نقص؛ فأما من رواه مرة تاماً فخاف إن رواه ناقصاً ثانياً أن يتهم بزيادة فيما رواه أولاً أو نسيان لغفلة وقلة ضبط فيما رواه ثانياً فلا يجوز له النقصان ثانياً، كما أنه لا يجوز له النقصان ابتداء إن تعين عليه أداء تمامه، كما أنه لا يجوز له النقصان ابتداء إن تعين عليه أداء تمامه؛ لئلا يخرج بذلك باقيه عن حيز الاحتجاج به، يعني إذا كان الحديث لا يوجد إلا عنده لا بد أن يأتي به تاماً، وإذا جاز الاقتصار على بعض الآية دون بعض فالحديث بالشرط المتقدم من باب أولى، كما أنه لا يجوز أن تقول: "ويل للمصلين" وتسكت، لا يجوز أن تقول: "ويل للمصلين" وتسكت، لا بد أن تأتي بما بعدها، كذلك لا يجوز أن تقول: ((فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم)) وتسكت، فلا بد من إتمام مثل هذا لتعلق ما ذكر بما حذف، لا بد أن تقول: ((إذا كان يداً بيد)) لأنك إذا قلت: ((إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم)) يعني متفاضلاً ولو من غير تقابض، لكن الحاجة داعية إلى ذكر الجملة التي بعد ذلك ((إذا كان يداً بيد)) وإذا جاز الاقتصار على بعض الآية في مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] يعني من يتحدث عن الأمانة ويستدل على وجوب أدائها بقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ

أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] هل يلزم أن تقول: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء]؟ نعم، لا يلزم، ومثله إذا كان الحديث عن العدل، هل يلزمك أن تقول: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء]؟ تقتصر على ما تريد؛ لأن ما حذفته لا تعلق له بما ذكرته، فإذا جاز الاقتصار على بعض الآية في مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ولا يجب الإتمام لمن أراد أن يحتج بالآية على وجوب أداء الأمانات، فلا يلزمه حينئذٍ أن يقول: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} وصنيع الأئمة جارٍ على جواز الاقتصار، وصحيح البخاري فيه من ذلك الشيء الكثير، مملوء من أجزاء الأحاديث التي يقتصر فيها الإمام البخاري على موضع الحاجة من الحديث، ومن أمثلة ذلك: صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة صحيفة طويلة تشتمل على أكثر من مائة وثلاثين جملة، سيقت في مسند الإمام أحمد مساقاً واحداً، سيقت في المسند مساقاً واحداً وفرقت في الصحيحين. أقول: صحيفة همام بن منبه تشتمل على أكثر من مائة وثلاثين جملة، هي مسوقة سياقاً واحداً في مسند الإمام أحمد؛ لأنه مرتب على المسانيد، ففي أحاديث أبي هريرة ذكر هذه الصحيفة كاملة، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- استشهد من هذه الصحيفة في مواضع كثيرة قطع منها ما يحتاجه من الجمل في مواضع، وكذلك مسلم، وللبخاري طريقته فيما يختاره، ولمسلم طريقته، فالبخاري إذا أراد أن ينقل من الصحيفة نقل عن همام عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة .. )) ثم يردف هذه الجملة بما يريد، هذه طريقة البخاري، طريقة مسلم يقتصر على ما يريد بعد أن يقول: عن همام عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر أحاديث منها، ثم يذكر ما يريد، وهذا مصير منهما إلى جواز تقطيع الحديث، والاقتصار على ما يريد منه.

المسألة الثانية: رواية الحديث بالمعنى: إذا كان الراوي عالماً بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها، خبيراً بما يحيل المعاني، بصيراً بمقادير التفاوت بينها جازت له الرواية بالمعنى، أما إذا لم يكن الراوي عالماً بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها ولم يكن خبيراً بما يحيل المعاني بصيراً بمقادير التفاوت بينها فإنه حينئذ لا يجوز له أن يروي ما سمعه بالمعنى، بل عليه أن يؤدي ما سمع باللفظ وهذا بلا خلاف، فالمتعين عليه حينئذٍ إذا كان هذا وصفه أن يؤدي اللفظ الذي سمع، فإن كان عالماً بما يحيل المعاني عارف بمدلولات الألفاظ ومقاصدها خبيراً بما يحيل المعاني فالجمهور على جوازه، إذا كان الراوي عالماً بالألفاظ بهذه القيود لا بد أن تتوفر فيه هذه القيود، إذا كان عالماً بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها، خبيراً بما يحيل المعاني، بصيراً بمقادير التفاوت بين الألفاظ فاختلف العلماء في حكم روايته الحديث بالمعنى: فقال طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول: لا يجوز له الرواية بالمعنى كذلك، بل يتعين اللفظ، وإليه ذهب ابن سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي من الحنفية، وهو مروي عن ابن عمر، وجوز بعضهم ذلك في غير حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يجوزه في الحديث والكلام في الحديث، وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف: يجوز بالمعنى في جميعه، إذا قطع بأداء المعنى، إذا قطع بأداء المعنى؛ لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف، ويدل عليه روايتهم القصة الواحدة بألفاظ مختلفة، القصة الواحدة تروى عن جمع من الصحابة بألفاظ مختلفة، فهذا يدل على جواز الرواية بالمعنى، قال ابن حجر: ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه بالعربية أولى، وقيل: إنما يجوز في المفردات دون المركبات، وقال الماوردي: إن نسي اللفظ جاز؛ لأنه تحمل اللفظ والمعنى وعجز عن أداء أحدهما فيلزمه أداء الآخر لا سيما أن تركه قد يكون كتماً للأحكام، فإن لم ينسه، لم ينسَ اللفظ لم يجز أن يورده بغيره؛ لأن في كلامه -صلى الله عليه وسلم- من الفصاحة ما ليس في غيره، إذا نسي اللفظ جاز الأداء بالمعنى، أما إذا لم ينسَ اللفظ فإنه

لا بد أن يؤدي اللفظ على هذا القول، وقيل: عكسه وهو الجواز لمن يحفظ اللفظ ليتمكن من التصرف فيه دون من نسيه، لكن الذي عليه جماهير أهل العلم جواز الرواية بالمعنى بالشروط والقيود التي ذكرت، والاحتياطات التي جعلها أهل العلم: أن يكون عالم بمدلولات الألفاظ، عارف بما يحيل المعاني، يقول القاضي عياض: "ينبغي سد باب الرواية بالمعنى؛ لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع للرواة كثيراً قديماً وحديثاً" والأولى لا شك أن الأولى إيراد الحديث بلفظه دون التصرف فيه، ولا شك في اشتراط ألا يكون الحديث مما تعبد بلفظه، وقد صرح به الزركشي.

إذا كان الحديث مما تعبد بلفظه لا تجوز روايته بالمعنى، ففي ذكر النوم في حديث البراء: ((ونبيك الذي أرسلت)) في آخره لما عرضه البراء على النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "ورسولك الذي أرسلت" قال: ((لا، قل: ونبيك الذي أرسلت)) لأن هذا اللفظ متعبد به، وهذا الخلاف إنما يجري في غير المصنفات، ولا يجوز تغيير شيء من مصنف أو إبداله بلفظ آخر وإن كان بمعناه قطعاً؛ لأن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ من الحرج وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه الكتب، يعني شخص يعمد إلى صحيح البخاري مثلاً لينسخ له نسخة من الكتاب فلا يعجبه لفظة فيبدلها بغيرها، يقول: الرواية بالمعنى جائزة، لا تعجبه جملة فيركب جملة هي أعجب إليه، نقول: لا، المصنفات لا يجوز تغييرها، لا يجوز تغييرها بحال، انقل من الكتاب كما وجدته، والسبب في ذلك: أن أداء اللفظ ونقل اللفظ أمر مقدور عليه، والرواية بالمعنى إنما جوزت للحاجة؛ ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره، يعني ماذا نتصور عن كتاب من الكتب المعتمدة عند أهل العلم يأتي شخص لينسخه فيرويه بالمعنى ثم يأتي آخر فيتصرف فيه فيرويه بالمعنى إيش تكون النتيجة بعد عشرة نساخ؟ النتيجة يمسخ الكتاب مسخاً كاملاً، وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول عقيبه: أو كما قال، أو نحو ذلك، أو شبهه، أو ما أشبه هذا من الألفاظ، وقد كان قوم من الصحابة يفعلون ذلك، وهم أعلم الناس بمعاني الكلام، خوفاً من الزلل بمعرفتهم بما في الرواية بالمعنى من الخطر، روى الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم عن ابن مسعود أنه قال يوماً: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، ثم قال: "أو مثله، أو نحوه، أو شبيهاً به"، ومثل ذلك في سنن الدارمي عن أبي الدرداء، وفي المسند وابن ماجه عن أنس ابن مالك أنه كان إذا حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففرغ قال: "أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، لكن هذا على سبيل الاستحباب، ليس بلازم، إنما هو على سبيل الاستحباب؛ لأنه هذا نادر أن يقال في مثل هذه المناسبات، كثيراً ما نجد الرواية بالمعنى في الكتب ولا ينصون على أنه شبهه أو نحوه، أو

غريب الحديث:

كما قال -عليه الصلاة والسلام-. سم. غريب الحديث: قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ولا يجوز تعمد تغيير المتن بالنقص والمرادف إلا لعالم بما يحيل المعاني فإن خفي المعنى احتيج إلى شرح الغريب وبيان المشكل"، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن خفي المعنى احتيج إلى شرح الغريب وبيان المشكل" يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أنه إن خفي معنى الحديث من أجل لفظة غريبة يقل استعمالها ودورانها احتيج إلى شرح الغريب من كلمات الحديث، وهذا ما يسمى بغريب الحديث، وغريب الحديث المقصود به: غريب ألفاظه، وهو ما يقع في متن الحديث من لفظة غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالها، وهو فن مهم جداً يقبح جهله بأهل الحديث، والخوض فيه صعب، حقيق بالتحري، جدير بالتوقي، فليتحرى الخائض في ذلك، وليتق الله -عز وجل- أن يقدم على تفسير كلام نبيه -صلى الله عليه وسلم- بمجرد الظنون.

على طالب العلم أن يتحرى ويتثبت، جاء الوعيد الشديد بالنسبة لتفسير القرآن بالرأي؛ لأنك إذا فسرت القرآن برأيك جزمت بأن هذا هو مراد الله -عز وجل- من كلامه، ومثله إذا جزمت بأن هذا معنى الحديث كأنك نسبت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يرده، فهذا الباب حقيق بالتحري، جدير بالتوقي، فليتحرى خائضه وليتق الله -عز وجل- أن يقدم على تفسير كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمجرد الظنون، وكان السلف يتثبتون فيه أشد تثبت، فهذا الإمام أحمد إمام السنة سئل عن حرف منه فقال: "سلوا أصحاب الغريب"، الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: "سلوا أصحاب الغريب، فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالظن"، وسئل الأصمعي عن معنى حديث: ((الجار أحق بصقبه)) فقال: "أنا لا أفسر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن العرب تزعم أن الصقب اللزيق"، وإذا كان اللفظ مستعملاً بكثرة لكن في مدلوله دقة احتيج حينئذٍ إلى الكتب المصنفة في شرح معاني الآثار وبيان المشكل فيها، وقد صنف الأئمة في غريب الحديث كتب كثيرة جداً، كتب كثيرة جداً، عشرات من الكتب في غريب الحديث لأهميته، وغريب الحديث غريب الألفاظ يختلف تماماً عن الحديث الغريب الذي تقدم، وهو ما يتفرد بروايته راو واحد، وهنا المقصود به غريب الألفاظ، وهو ما يقع في المتن من لفظ غامض بعيد من الفهم قليل الاستعمال يحتاج إلى شرح، فإذا خفي معنى الحديث ووجد لفظة غريبة يقل استعمالها ودورانها احتيج إلى شرح الغريب من كلمات الحديث بواسطة الكتب المنصفة في الغريب.

ومن أهمهما غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام، وغريب الحديث للنظر بن شميل، وغريب الحديث لأبي عبيدة معمر بن المثنى، وغريب الحديث لابن قتيبة، وغريب الحديث لإبراهيم الحربي، وغريب الحديث لأبي سليمان الخطابي، والفائق في غريب الحديث للزمخشري، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، وهو أحسن كتب الغريب وأجمعها وأشهرها وأكثرها تداولاً؛ لأنه جمع الكتب السابقة، غالب ما في الكتب السابقة جمعه ابن الأثير في كتاب النهاية، فالذي يريد أن يقتصر على كتاب واحد في الغريب فعليه بالنهاية، إذا أراد أن يجمع أكثر من كتاب في الغريب فليعتنِ بأبي عبيد؛ لأنه إمام في هذا الباب، وهو ثقة إن أضاف إليه غريب الحديث للغربي والخطابي والفائق للزمخشري جيد، لكن إن أراد أن يقتصر على كتاب واحد فعليه بالنهاية، إن كان اللفظ مستعمل بكثرة يعني لفظ مع لفظ، لفظ مستقل ما في إشكال واضح، لكن إذا ركب منه جملة خفي معناها، إن كان اللفظ مستعملاً بكثرة لكن في مدلوله دقة احتيج حينئذ إلى الكتب المصنفة في شرح معاني الآثار وبيان المشكل منها، وقد أكثر الأئمة من التصانيف في ذلك كالطحاوي والخطابي وابن عبد البر وغيرهم، ومن ذلكم في شرح الغريب والمشكل ينبغي لطالب العلم أن يعتني بالشروح الموثوقة المعتمدة عند أهل العلم لكتب السنة، وهي كثيرة جداً، من أهمها: شرح الخطابي على صحيح البخاري (أعلام السنن) أو (أعلام الحديث) وشرح الكرماني على صحيح البخاري، و (فتح الباري) للحافظ ابن حجر، و (عمدة القاري) للعيني، و (إرشاد الساري) للقسطلاني، و (المعلم) للمازري، و (إكمال المعلم) للقاضي عياض، و (إكمال الإكمال) للأبي، ومكمله للسنوسي، وشرح النووي على مسلم، و (المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم) للقرطبي، و (معالم السنن) على سنن أبي داود للخطابي، و (تهذيب السنن) لابن القيم، وشرح سنن أبي داود لابن رسلان، و (عون المعبود) لشمس الحق العظيم أبادي، وتعليقات السندي والسيوطي على سنن النسائي، و (عارضة الأحوذي) لابن العربي، و (تحفة الأحوذي) للمبارك فوري، وحاشية السندي على ابن ماجه، و (التمهيد) و (الاستذكار) على الموطأ لابن عبد البر، و (المنتقى) للباجي، وغيرها كثير،

الجهالة:

كتب كثيرة جداً، كتب كثيرة جداً، نعم. الجهالة: "ثم الجهالة وسببها أن الراوي قد تكثر نعوته فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض، وصنفوا فيه الموَضِح". أو الموُضح؟ طالب: مشددة عندي. نعم. طالب: مشددة عندي. لا بأس، لا بأس. يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم الجهالة وسببها أن الراوي قد تكثر نعوته فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض، وصنفوا فيه المُوضِح" أو المُوضّح لا بأس، تقدم الحديث عن الجهالة وحكم رواية المجهول بأقسامه، ذكر الحافظ هنا سبب الجهالة وهو أمران: أحدهما: كثرة نعوت الرواي من اسم أو كنية أو لقب أو صفة أو نسب أو حرفة فيشتهر بشيء منها فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض من الأغراض، وقد تقدم شيء من ذلك في مبحث تدليس الشيوخ، ومن أمثلة ذلك ما يفعله الخطيب البغدادي في تنويع الشيخ الواحد حيث يقول مرة: أخبرنا الحسن بن محمد الخلال، ومرة أخبرنا الحسن بن أبي طالب، ومرة أخبرنا أبو محمد الخلال والجميع واحد، وقال مرة: عن أبي القاسم الأزهري، ومرة عبيد الله بن أبي القاسم الفارسي، ومرة عن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي والجميع واحد. قال السخاوي: "وهو مكثر في تصانيفه من ذلك جداً" قد تقدم التنبيه على ذلك في تدليس الشيوخ أيضاً، مثل الحافظ ابن حجر في النزهة لذلك بمحمد بن السائب بن بشر الكلبي؛ نسبه بعضهم إلى جده فقال: محمد بن بشر، وسماه بعضهم حماد بن السائب، وكناه بعضهم أبا النضر، وبعضهم أبا سعيد، وبعضهم أبا هشام فصار يظن أنه جماعة وهو واحد، وصنف في ذلك الخطيب البغدادي الحافظ كتاباً سماه: "موضح أوهام الجمع والتفريق"، يعني بعض الرواة يختلف فيهم أهل العلم هل هو واحد أو أكثر فيجعلهم البخاري اثنين مثلاً، وأبو حاتم يجزم بأنهم واحد، والعكس قد يجعل البخاري الاثنين واحد والواحد اثنين وأبو حاتم كذلك، كيف نميز هؤلاء الرواة؟ هل هم بالفعل اثنين أو هم واحد مرة ذكر بلقبه ومرة ذكر بنسبه؟ هذا يفيدنا فيه كثيراً الموضح، موضح أوهام الجمع والتفريق للإمام الخطيب البغدادي ...

شرح نخبة الفكر (9)

شرح نخبة الفكر (9) شرح قول المصنف: "وقد يكون مقلاً فلا يكثر الأخذ عنه، وصنفوا فيه الوحدان، أو لا يسمى اختصاراً وفيه المبهمات، ولا يقبل المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح، فان سمي وانفرد واحد عنه فمجهول العين، أو اثنان فصاعداً ولم يوثق فمجهول الحال وهو المستور، ثم البدعة إما بمكفر أو بمفسق، فالأول لا يقبل صاحبها الجمهور، والثاني يقبل ما لم يكن داعياً إلى بدعته في الأصح، إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المختار، وبه صرح الجوزجاني شيخ النسائي، ثم سوء الحفظ إن كان لازماً فهو الشاذ على رأى، أو طارئاً فالمختلط، ومتى توبع سيء الحفظ بمعتبر وكذا المستور والمرسل والمدلس صار حديثهم حسناً لا لذاته بل بالمجموع، ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تصريحاً أو حكماً من قوله أو فعله أو تقريره، أو إلى الصحابي كذلك، وهو من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة في الأصح، أو إلى التابعي وهو من لقي الصحابي كذلك، فالأول المرفوع والثاني الموقوف والثالث المقطوع ومن دون التابعي فيه مثله .. " الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير هذا يفيدنا فيه كثيراً الموضح (موضح أوهام الجمع والتفريق) للإمام الخطيب البغدادي، وفيه أيضاً لابن أبي حاتم (بيان خطأ البخاري في تاريخه) يفيد كثيراً في هذا الباب، فصنف في ذلك الخطيب البغدادي الحافظ كتاباً سماه: (موضح أوهام الجمع والتفريق) ذكر فيه الرواة الذين يظن فيهم أنهم عدد وهم في الحقيقة واحد وعكسه، وأجاد فيه كما قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-.

صدّر الكتاب بمقدمة على طالب العلم أن يعتني بهذه المقدمة، جاء فيها قول الخطيب: "ولعل بعض من ينظر فيما سطرناه، أو يقف على ما لكتابنا هذا ضمناه يلحق سيء الظن بنا، ويرى أنا عمدنا للطعن على من تقدمنا، وإظهار العيب لكبراء شيوخنا وعلماء سلفنا، وأنى يكون ذلك" لماذا؟ لأن الخطيب حينما يتعرض للتصحيح والتصويب في هذه الكلمات إنما يتعقب الكبار، يتعقب البخاري، يتعقب أبا حاتم الرازي، يتعقب الأئمة، يقول: "ولعل بعض من ينظر فيما سطرناه، ويقف على ما لكتابنا هذا ضمناه يلحق سيء الظن بنا، ويرى أنا عمدنا للطعن على من تقدمنا، وإظهار العيب لكبراء شيوخنا وعلماء سلفنا، وأنى يكون ذلك، وبهم ذكرنا، وبشعاع ضيائهم تبصرنا، وباقتفائنا واضح رسومهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيزنا"، يقول: نحن عالة عليهم، لكن معلوم أنهم ليسو بمعصومين، يعني إذا كان في تاريخ البخاري عشرات الألوف من التراجم وأخطأ في عشر أو عشرين أو مائة ترجمة هذا يعد خطأ؟ لا، استفدنا من البخاري الشيء الكثير، ونبهنا على ما عنده من وهم يسير، ولا يعني هذا أننا نتطاول على البخاري.

ومثله إذا تعقب العالم كلام لشيخ الإسلام وغيره من الأئمة أو انتقد حكم في مذهب الإمام أحمد أو مذهب أبي حنيفة أو مالك ... ، لا يعني هذا أننا نتطاول على الأئمة أبداً، يقول: "وباقتفائنا واضح رسومهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيزنا" هذا إنصاف من الخطيب -رحمة الله عليه-، ثم ساق بسنده عن أبي عمرو بن العلاء: "ما نحن فيمن مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال"، ثم قال: "ولما جعل الله تعالى في الخلق أعلاماً، ونصب لكل قوم إماماً لزم المهتدين بمبين أنوارهم، والقائمين بالحق في اقتفاء آثارهم، ممن رزق البحث والفهم، وإنعام النظر في العلم بيان ما أهملوا، وتسديد ما أغفلوا، إذ لم يكونوا معصومين من الزلل، ولا آمنين من مقارفة الخطأ والخطل، وذلك حق العالم على المتعلم، وواجب على التالي للمتقدم، وعسى أن يضح العذر لنا عند من وقف على كتابنا المصنف في تاريخ مدينة السلام، وأخبار محدثيها، وذكر قطانها العلماء من غير أهلها ووارديها، فإنا قد أوردنا فيه من مناقب البخاري وفضائله ما ينفي عنا الظنة في بابه، والتهمة في إصلاحنا بعض سقطات كتابه -إن شاء الله تعالى-". يقول: من أراد أن ينظر إلى منزلة هذا الإمام عندي وأنا أتعقب كلامه لا يعني أني أتنقصه، من أراد أن ينظر إلى منزلة هذا الإمام عندي أنا فلينظر إلى ترجمة هذا الإمام في تاريخ بغداد للخطيب، له، ليتبين له أنه لا يتنقص هذا الإمام، أقول: نقلت هذا الكلام استطراداً لما فيه من توجيه، وفيه دروس تربوية لطلاب العلم من إمام حافظ كبير يعترف لأهل الفضل بفضلهم، قبل الخطيب صنف أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي كتاباً في بيان خطأ الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه، وسبق الخطيب إلى التصنيف في ذلك الحافظ عبد الغني بن سعيد، ثم تلاه أبو عبد الله محمد بن علي الصوري وهو من شيوخ الخطيب، نعم. أحسن الله إليك: "وقد يكون مقلاً فلا يكثر الأخذ عنه، وصنفوا فيه الوحدان".

المبهم:

نعم هذا الأمر الثاني من أسباب الجهالة، وهي جهالة العين، أما الأمر الأول أخذناه فيما مضى في جهالة الذات وهذا المراد به جهالة العين، حيث قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وقد يكون مقلاً فلا يكثر الأخذ عنه، وصنفوا فيه الوحدان"، يعني أن الراوي قد يكون مقل من الرواية أو من التحديث فلا يكثر الآخذون عنه والرواة، قال القاري في شرحه: "فيصير مجهول الذات، فيصير مجهول الذات" كذا قال. سبق أن عرفنا فيما تقدم أن هذا النوع يسمى عند أهل العلم مجهول العين، وسيأتي في كلام الحافظ، وسبق أني أطلقت جهالة الذات على المبهم الآتي ومن كثرة نعوته بحيث لا يتميز فيحصل الجهل به وهو الذي تقدم ذكره قريباً، وصنفوا في هذا النوع الوحدان، وصنف فيه الإمام مسلم بن الحجاج، والحسن بن سفيان، وأبو الفتح الأزدي وغيرهم، وتقدم الكلام في مجهول العين، وفي حكم روايته، فلا داعي لإعادة الكلام فيه، نعم. المبهم: أحسن الله إليك: "أو لا يسمى اختصاراً وفيه المبهمات، ولا يقبل المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح، فإن سمي وانفرد واحد عنه فمجهول العين، أو اثنان فصاعداً ولم يوثق فمجهول الحال وهو المستور". نعم، يقول الحافظ: "أو لا يسمى اختصاراً وفيه المبهمات" فإذا لم يسمّ الرواي اختصاراً: حدثني رجل، حدثني بعضهم نعم، هو المبهم، يعني أن الراوي قد لا يسمي شيخه من باب الاختصار، فيقول: أخبرني فلان، أو شيخ، أو رجل، أو بعضهم، أو ابن فلان، ويستدل على معرفة اسم المبهم بوروده من طريق أخرى مسمى. وصنفوا في هذا النوع المبهمات وهي كثيرة جداً، فأول من صنف في ذلك عبد الغني بن سعيد الأزدي، ثم تلاه الخطيب الحافظ البغدادي في كتاب أسماه: (الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة) ثم تلاه الحافظ أبو الفضل بن طاهر في (إيضاح الإشكال) ثم أبو القاسم خلف بن بشكوال في كتاب أسماه: (الغوامض والمبهمات)، ثم قطب الدين القسطلاني، وولي الدين أبو زرعة بن الحافظ العراقي له كتاب جامع في الباب اسمه: (المستفاد من مبهمات المتن والإسناد) وجلال الدين البلقيني (الإلهام بما وقع في البخاري من الإبهام) والكتب كثيرة في هذا الباب.

"ولا يقبل المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح"، يعني أن الرواي المبهم الذي لم يسم لا يقبل حديثه، الراوي المبهم الذي لم يذكر اسمه لا يقبل حديثه؛ لأن شرط قبول الخبر عدالة الراوي، ومن أبهم اسمه لا تعرف عينه فكيف تعرف عدالته؟ وكذا لا يقبل خبره ولو أبهم بلفظ التعديل كأن يقول الراوي عنه: أخبرني الثقة أو الضابط أو العدل من غير تسمية؛ لأنه قد يكون ثقة عنده مجروحاً عند غيره، هذا تقدم البحث فيه، وعرفنا أن الشافعي يقول: حدثني الثقة وغيره، وذكرنا أنه لا يكفي. ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي بل صرح الخطيب بأنه لو قال: "جميع أشياخي ثقات ولو لم أُسمِ" ثم روى عن واحد أبهم اسمه فإنه لا يقبل من أبهم للعلة المذكورة، مع كون الراوي في هذه الصورة أعلى مما تقدم، قاله السخاوي.

ثم قال: "فإنه كما نقل عن المصنف -يعني الحافظ العراقي- إذا قال: حدثني الثقة، يحتمل أن يروي عن ضعيف، يعني عند غيره، وإذا قال: "جميع أشياخي ثقات" علم أنه لا يروي إلا عن ثقة فهي أرفع بهذا الاعتبار، يقول السخاوي: "وفيه نظر، إذ احتمال الضعف عند غيره يطرقهما معاً، بل تمتاز الصورة الثانية باحتمال الذهول عن قاعدته، أو كونه لم يسلك ذلك إلا في آخر أمره، يعني هل قول المحدث: "جميع أشياخي ثقات" ثم يروي عن واحد منهم ولا يسميه أقوى أو قول المحدث: حدثني الثقة؟ نعم؟ الظاهر أنه إذا وثق شخصاً بعينه ولو أبهمه أقوى من أن يوثق بالمجموع، جميع أشياخي ثقات؛ لأنه حينما يروي عنه ويصفه بالثقة مستحضراً له، بينما يقول: "جميع أشياخي ثقات" هذه قاعدة ثم يروي عن واحد منهم بعد حين، من هؤلاء الأشياخ، قد لا يستحضر القاعدة التي أطلقها، فيكون تنصيصه على واحد مع وصفه بالثقة أقوى من هذه الحيثية، كل هذا على الأصح في هذه المسألة، كما قال الحافظ، وقيل: يقبل التعديل على الإبهام، إذا قال: حدثني الثقة يقبل، تمسكاً بالظاهر إذ الجرح خلاف الأصل، وقيل: إن كان القائل عالماً أجزأ ذلك في حق من يقلده في مذهبه، نعم، يعني إذا كان العالم الذي يقول: حدثني الثقة من الأئمة المتبوعين كالشافعي ومالك وأحمد، إذا قال الشافعي: حدثني الثقة يلزم جميع الشافعية أن يقبلوا هذا الخبر؛ لأنهم يقلدون الإمام في الحكم ففي الخبر من باب أولى، بينما الحنبلي لا يلزمه أن يقلد الشافعي في هذا ولا العكس.

قال السخاوي: "كثيراً ما يقع للأئمة ذلك، فحيث روى مالك عن الثقة عن بكير بن عبد الله بن الأشج فالثقة مخرمة ولده، أو عن الثقة عن عمرو بن شعيب فقيل: إنه عبد الله بن وهب أو الزهري أو ابن لهيعة، أو عن من لا يتهم من أهل الحديث فهو الليث، وجميع ما يقول: بلغني عن علي سمعه من عبد الله بن إدريس الأودي، وحيث روى الشافعي عن الثقة عن ابن أبي ذئب فهو ابن أبي فديك، أو عن الثقة عن الليث بن سعد فهو يحيى بن حسان، أو عن الثقة عن الوليد بن كثير فهو أبو أسامة، أو عن الثقة عن الأوزاعي فهو عمرو بن أبي سلمة، أو عن الثقة عن ابن جريج فهو مسلم بن خالد، أو عن الثقة عن صالح مولى التوأمة، فهو إبراهيم بن أبي يحيى، أو عن الثقة وذكر أحداً من العراقيين فهو أحمد بن حنبل، وفي مسند الشافعي وساقه البيهقي في مناقبه عن الربيع أن الشافعي إذا قال: أخبرني الثقة فهو يحيى بن حسان، أو من لا أتهم فهو إبراهيم بن أبي يحيى، انتهى المقصود من فتح المغيث. على كل حال هذه أمثلة لوجود مثل هذا التوثيق مع الإبهام عند هؤلاء الأئمة. نقول: "فإن سمي وانفرد واحد عنه فمجهول العين"، "فإن سمي وانفرد واحد عنه فمجهول العين أو اثنان فصاعداً ولم يوثق فمجهول الحال وهو المستور"، يعني أن الراوي الذي ذكر اسمه لكونه مقلاً من الرواية لا يكثر الرواة عنه، بل يتفرد بالرواية عنه راوٍ واحد فإنه يسمى مجهول عين، وتسميته بمجهول عين مجرد اصطلاح، وسبق ذكره وذكر الخلاف في روايته فلا نكرره، وإذا روى عنه راويان فأكثر لكنه لم يذكر بتوثيق من قبل أهل العلم فإن هذا يسمى مجهول الحال، وهو المستور، وتقدم أيضاً ذكره وأنواعه، والخلاف في روايته.

من أسباب الطعن في الراوي البدعة:

وذكرنا فيما تقدم الخلاف في الجهالة هل هي جرح؟ أو عدم علم بحال الرواي؟ وما يلزم على ذلك؟ وسيأتي كلامه على ذلك أيضاً عند قول الحافظ: "ومن المهم معرفة حال الرواة تعديلاً وتجريحاً أو جهالة" ثم من ذكر في كتب الجرح والتعديل وسكت عنه أهل العلم، ذكره البخاري في تاريخه فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، هذا موجود بكثرة في تاريخ البخاري وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، فهل يعني ذلك التوثيق؟ لا يذكر بجرح ولا تعديل، من أهل العلم من يرى أنه توثيق، إذ لو كان مجروحاً لذكر الجرح، وكثيراً ما يقول أحمد شاكر -رحمه الله-: "ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً فهو ثقة" وأحياناً يقول: "سكت عنه البخاري وهذه أمارة توثيقه"، هذا قيل به إن من ذكر في هذين الكتابين ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل فهو ثقة، لكن الصواب أنه ليس بتوثيق، وعدم الذكر لا يعني الذكر، بل صرح ابن أبي حاتم أنه ذكر رواة في كتابه ولم يذكر فيهم الجرح والتعديل رجاء أن يقف فيهم على كلام لأحد، فدل على أنه لا يعرف حالهم، بل يتوقف فيهم حتى يوجد التنصيص على عدالتهم أو جرحهم؛ لأن مجرد ذكر اسم الرجل هل يعني أنه ثقة أو ليس بثقة؟ لا يعني ذلك، وهذه مسألة مهمة، ولولا ضيق الوقت لبسطنا الكلام فيها، نعم. من أسباب الطعن في الراوي البدعة: أحسن الله إليك: "ثم البدعة إما بمكفر أو بمفسق، فالأول لا يقبل صاحبها الجمهور، والثاني يقبل من لم يكن داعية في الأصح، إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المختار، وبه صرح الجوزجاني شيخ النسائي". يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم البدعة إما بمكفر أو بمفسق، فالأول لا يقبل صاحبها الجمهور، والثاني يقبل من لم يكن داعية في الأصح، إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المختار، وبه صرح الجوزجاني شيخ النسائي"،

حكم رواية المبتدع:

لما أنهى الحافظ -رحمه الله تعالى- الحديث عن الجهالة وأسبابها وأنواعها شرع في بيان السبب التاسع من أسباب الطعن في الراوي وهو البدعة، وسبق الحديث عنها من حيث تعريفها وتقسيمها، وهنا حكم رواية المبتدع، وهنا الكلام يقتصر على حكم رواية المبتدع. حكم رواية المبتدع: اختلف العلماء في الرواية عن الراوي المبتدع كالمرجئ والقدري والخارجي والرافضي وغيرهم في الاحتجاج بما يروونه على أقوال: الأول: يرى جمع من أهل العلم أن رواية أهل البدع لا تقبل مطلقاً، وذلك لأنهم إما كفار وهذا في أهل البدع المغلظة، أو فساق لما ذهبوا إليه، وكلٌ من الكافر والفاسق مردود الرواية، فلا تقبل رواية المبتدع مطلقاً، وهذا القول مروي عن الإمام مالك والقاضي أبي بكر الباقلاني، واختاره الآمدي، وجزم به ابن الحاجب، وأيد هذا الرأي بأن في الرواية عن المبتدع ترويجاً لأمره، وتنويهاً بذكره، وقد رد ابن الصلاح هذا الرأي وقال: إنه مباعد للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة، يعني رد رواية المبتدع مطلقاً مخالف لما عليه العمل عند أهل العلم، فكتب السنة مملوءة بالرواية عن المبتدعة. القول الثاني: يرى بعض العلماء التفصيل فإن كانت البدعة صغرى قبل وإلا فلا، وبهذا قال الحافظ الذهبي معللاً بأنه لو ردت مرويات هذا النوع –يعني من كانت بدعته صغرى- لذهب جملة من الآثار النبوية وفيه مفسدة بينة؛ لأن هذا النوع كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، وقال: وإن كانت الكبرى –البدعة كبرى- كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، لا سيما ولست أستحضر الآن من هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم والنفاق والتقية دثارهم فكيف يقبل من هذا حاله؟ حاشا وكلا، هذا رأي الذهبي، التفريق بين البدعة الصغرى والبدعة الكبرى.

القول الثالث: وهو تفصيل أيضاً: وهو إن كان المبتدع داعية إلى مذهبه لم يقبل، وإلا قبل إن لم يروِ ما يؤيد بدعته، وهذا مذهب أكثر العلماء ونسبه الخطيب للإمام أحمد ورجحه ابن الصلاح، إن كان المبتدع داعية إلى مذهبه وبدعته لم يقبل وإلا قبل إن لم يروِ ما يؤيد بدعته، وهذا مذهب أكثر العلماء، ونسبه الخطيب البغدادي للإمام أحمد، ورجحه ابن الصلاح، بل نقل ابن حبان الاتفاق عليه، حيث قال في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي من الثقات، يقول: "وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إليها سقط الاحتجاج بأخباره"، "وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إليها سقط الاحتجاج بأخباره". لكن قال السخاوي في فتح المغيث: "كلام ابن حبان ليس صريحاً في الاتفاق لا مطلقاً ولا بخصوص الشافعية" "ليس بين أهل الحديث من أئمتنا" من أئمتنا، قال السخاوي في فتح المغيث: "كلام ابن حبان ليس صريحاً في الاتفاق" ليس بين أهل الحديث خلاف، إذا ارتفع الخلاف وجد الاتفاق؟ نعم، إذا لم يوجد خلاف في المسألة فيوجد الاتفاق؟ نعم، لا ما يلزم، ما يلزم قد يوجد خلاف لكنه لم يقف عليه الناقل، قد يكون ما يسمى بالإجماع السكوتي مثلاً، ويقول: "ليس بين أهل الحديث من أئمتنا"، فليس النقل عن أهل الحديث كلهم، وليس النقل عن أئمتهم كلهم، واضح وإلا مو بواضح؟ لأنه يقول: "ليس بين أهل الحديث من أئمتنا"، فأهل الحديث أعم من أن يكونوا من أئمتهم الشافعية، وأئمتهم الشافعية أعم من أن يكونوا أهل حديث أو أهل فقه أو غير ذلك، ولذا قال السخاوي: "كلام ابن حبان ليس صريحاً في الاتفاق لا مطلقاً ولا بخصوص الشافعية". وأضاف الجمهور إلى كونه غير داعية ألا يروي ما يؤيد بدعته، وبذلك صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ أبي داود والنسائي في كتابه: (معرفة الرجال)، فقال في وصف الرواة: "ومنهم زائغ عن الحق، زائغ عن الحق، صادق اللهجة، فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكراً إذا لم يقوِ بدعته".

قال الحافظ: "وما قاله متجه؛ لأن العلة التي رد لها حديث الداعية واردة فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع ولو لم يكن داعية" قال الحافظ العراقي: والأكثرون ورآه الأعدلا ... ردّوا دعاتهم فقط ونقلا فيه ابن حبّان اتّفاقاً ورووا ... عن أهل بدع في الصّحيح ما دعوا

مما يرد على هذا القول -رد حديث الداعية- يرد عليه تخريج البخاري لبعض الدعاة إلى البدع مثل عمران بن حطان، الذي قال فيه المبرد: "كان رأس القعدية من الصفرية وخطيبهم وشاعرهم"، قال ابن حجر: "إنه كان داعية إلى مذهبه"، عمران بن حطان داعية إلى مذهب الخوارج ومع ذلكم خرج له البخاري، وابن حجر يقول: "ما المانع أن يخرج لمثل هذا وإن كان داعية؟ لأن الخوارج عرفوا بصدق اللهجة"، الخوارج عرفوا بصدق اللهجة، لماذا؟ لأن الكذب عندهم كبيرة، والكبيرة مكفرة، تخرج من الملة عند الخوارج، فعلى هذا يقبل حديث الخوارج ولو كانوا دعاة على كلام الحافظ؛ لأن الخوارج عرفوا بصدق اللهجة بخلاف الروافض، لكن العيني في عمدة القاري وهو يرد على الحافظ يقول: "أي صدق في لهجة مادح قاتل علي؟ " الذي يمدح قاتل علي هل هذا يسمى صادق اللهجة؟ نعم؟ الذي يمدح قاتل علي -رضي الله عنه- يقال عنه: إنه صادق اللهجة؟ نعم، أقول: كلام الحافظ يقول: إن الخوارج عندهم صدق في اللهجة وهذا صحيح، هم من أصدق الطوائف، وشيخ الإسلام يقول ذلك، عندهم صدق في اللهجة، لكن العيني يرى مستدركاً على الحافظ ابن حجر أن كلامه ليس بصحيح لماذا؟ لأن عمران بن حطان على وجه الخصوص من هؤلاء الخوارج يمدح قاتل علي، والذي يمدح قاتل علي يسمى صادق؟ نقول: من وجهة نظره، من وجهة نظره يرى أن هذا هو الحق فيمدح الحق، فيمدح الحق، وهو مخطئ في زعمه ووهمه، لا شك أنه مخطئ ضال، لكن الصدق شيء، والضلال شيء آخر؛ لأنه قد يوجد الصدق عند بعض الضلال، وهو موجود حتى في الكفار، يوجد منهم من يصدق، والكذب قد يوجد بل هو موجود، وإن كان الأصل في المسلم أنه لا يكذب، لكن يوجد في المسلمين من يكذب، وهذا ما دعا ابن حزم أن يقول: "الداعية أولى بالقبول من المقلد" لماذا؟ " الداعية أولى بالقبول من المقلد" هذا كلام ابن حزم، جماهير الأمة على أن الداعية لا يقبل وابن حزم يقول: "الداعية أولى بالقبول من المقلد" لماذا؟ لأنه ينصر ما يراه حق، ينصر ما يراه حق الداعية، لكن كلامه مرجوح، بل مردود، وجماهير الأئمة على أن الداعية غير مقبول، وأما الخوارج على وجه الخصوص فيقبلون؛ لأنهم عرفوا بالصدق.

القول الرابع: تفصيل أيضاً: وهو أنه إن كان المبتدع يستحل الكذب لنصرة مذهبه لم يقبل وإلا قبل؛ لأن اعتقاد حرمة الكذب يمنع من الإقدام عليه فيحصل الصدق، وممن قال بهذا الإمام الشافعي، فقد روى الخطيب عنه قوله: "تقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، "تقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم". وحكاه الخطيب عن ابن أبي ليلى وسفيان الثوري وأبي يوسف القاضي، ونسبه الحاكم لأكثر الأئمة، الذي يستحل الكذب على هذا القول لا يقبل، لكن نرجع إلى أصل المسألة هو أن الخلاف في البدعة غير المكفرة، واستحلال الكذب مكفر وإلا غير مكفر؟ نعم مكفر، فلا ينبغي أن يدخل مثل هؤلاء في الخلاف، قال الحافظ العراقي: وقيل: بل إذا استحلّ الكذبا ... نصرة مذهب له ونسبا للشّافعيّ إذ يقول: أقبل ... من غير خطّابيّة ما نقلوا لكن قال الشيخ أحمد شاكر: "هذا المذهب فيه نظر؛ لأن من عرف بالكذب ولو مرة لا تقبل روايته، فأولى أن ترد رواية المستحل للكذب". والقول الخامس: يرى جماعة من أهل النقل والمتكلمين، يرى جماعة من أهل النقل والمتكلمين أن أخبار أهل الأهواء كلها مقبولة، سواءً كانوا فساقاً أو كفاراً بالتأويل، قال ابن حجر في شرح النخبة: "والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته، والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته؛ لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر مخالفيها فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف، فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع، معلوماً من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه، فأما من لم يكن بهذه الصفة، وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله"، هذا موجود في النزهة. وأما ابن الصلاح فلم يدخل من كفر ببدعته في الخلاف أصلاً، ابن الصلاح لم يدخل من كفر ببدعته في الخلاف أصلاً، بل حصر الخلاف فيمن لا يكفر ببدعته، وتبعه على ذلك الحافظ العراقي فقال: والخلف في مبتدع ما كفّرا ... قيل: يردّ مطلقاً واستنكرا

حكم رواية سيء الحفظ:

خلف -يعني الخلاف- في مبتدع ما كفرا، أما الذي يكفر ببدعته فلا خلاف فيه، قيل: يرد مطلقاً واستنكراً، واختار الصنعاني في شرحه على نظم النخبة له أن يجعل المعيار في قبول الرواية الصدق، ويطرح رسم العدالة وغيره؛ لأن قبولهم رواية الدعاة إلى البدع كعمران بن حطان يقوي القول بقبول المبتدع مطلقاً إذا كان صدوقاً. ورجح الشيخ أحمد شاكر ما حققه الحافظ ابن حجر وقال: إنه الحق الجدير بالاعتبار، ويؤيده النظر الصحيح، أنه لا يرد كل مكفر ببدعته؛ لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر مخالفيها، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف، فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه، فأما من لم يكن بهذه الصفة وانظم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله. عندنا معيار نزن به ونقيس، وهو اتباع الكتاب والسنة، فبقرب الإنسان من هذا المعيار وبقدر قربه من الكتاب والسنة يكون قربه من الحق وبمقدار بعده عن الكتاب والسنة يكون بعده عن الحق، يعني كون الرافضة يكفرون أهل السنة، وأهل السنة يكفرون الرافضة، والخوارج مختلف في تكفيرهم وكذا، هل يعني هذا أن الحق ضائع بين هؤلاء؟ نعم، كلام ابن حجر قد يفهم منه أن الأمة فيها شيء من الضياع في الأحكام، لا، إحنا عندنا {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [(59) سورة النساء] هذا هو المقياس والميزان الذي يوزن به الناس أفراد وجماعات الكتاب والسنة، والعبرة بأحكام أهل العلم الملتزمين لنصوص الكتاب والسنة، فإذا كفر ببدعته لبعده عن الكتاب والسنة فمثل هذا لا يروى عنه، والله المستعان. وعلى كل حال من كفر ببدعته لا ينبغي أن تقبل روايته، بل لا ينبغي أن يدخل في الخلاف أصلاً، نعم، اقرأ. حكم رواية سيء الحفظ: أحسن الله إليك: "ثم سوء الحفظ إن كان لازماً فهو الشاذ على رأي، أو طارئاً فالمختلط، ومتى توبع سيء الحفظ بمعتبر وكذا المستور والمرسل والمدلس صار حديثهم حسناً لا لذاته بل بالمجموع".

نعم يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم سوء الحفظ إن كان لازماً فهو الشاذ على رأي، أو طارئاً فالمختلط"، سوء الحفظ وهو السبب العاشر من أسباب الطعن في الراوي، وتقدم الحديث في الحفظ وسوئه وأقسامه. الغرض هنا حكم رواية سيء الحفظ، فإن كان من النوع الأول اللازم للراوي فحديثه مردود لضعف الراوي بسبب عدم غلبة الظن لحفظه ما روى، والضبط كما تقدم شرط من شروط القبول، وسوء الحفظ يناقض الضبط، وإن كان من النوع الثاني وهو الطارئ كان حافظاً ضابطاً ثم طرأ عليه سوء الحفظ هذا يسمى الاختلاط، فإن تميز حديث المختلط، إن تميز ما حدث به قبل الاختلاط قبل، وإن لم يتميز توقف فيه وكذا من اشتبه الأمر فيه، الرواة الذين طرأ عليهم ما طرأ وتغير حفظهم وساءت حوافظهم واختلطوا مثل هؤلاء إذا تميز ما كان قبل الاختلاط وما بعده يقبل ما قبل الاختلاط ويرد ما بعده، إن اشتبه ولم يعرف متى اختلط؟ ومن روى عنه قبل الاختلاط؟ ومن روى عنه بعد الاختلاط؟ فإن هذا يتوقف فيه، ويعرف ذلك باعتبار الآخذين عنه ليعلم متى أخذوا؟ أو أين أخذوا؟ أو كيف أخذوا؟ فمنهم من سمع منه قبل الاختلاط فقط، ومنهم من سمع بعد الاختلاط فقط، ومنهم من سمع في الحالين، فحديث الأول مقبول، وحديث الثاني مردود، وحديث الثالث فيه تفصيل، من سمع منه قبل الاختلاط فقط حديثه مقبول، من سمع منه بعد الاختلاط فقط حديثه مردود، من سمع منه في الحالين قبل الاختلاط وبعده فيه تفصيل. ومثال ذلك: عطاء بن السائب: اختلط في آخر عمره، فممن سمع منه قبل الاختلاط شعبة وسفيان الثوري، وممن سمع منه بعد الاختلاط جرير بن عبد الحميد، وممن سمع منه في الحالين معاً أبو عوانة، فحديث شعبة وسفيان عن عطاء بن السائب مقبول؛ لأن الرواية كانت قبل الاختلاط، وحديث جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب مردود؛ لأن روايته عنه بعد الاختلاط، وحديث أبي عوانة عن عطاء بن السائب مردود؛ لأنه سمع منه في الحالين ولم يتميز.

وحديث سيء الحفظ يسمى الشاذ: تقدم في شرح تعريف الحديث الصحيح أن الشاذ ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه، وهذا ما حققه الإمام الشافعي، وهذا على رأي، الشاذ على رأي، أي على رأي من لا يشترط قيد المخالفة، ومتى توبع السيئ الحفظ بمعتبر وكذا المستور والمرسل والمدلس صار حديثه حسناً لا لذاته، بل بالمجموع، يشير المصنف -رحمه الله تعالى- إلى أنه متى توبع السيئ الحفظ سواءً في ذلك الملازم أو الطارئ الذي لم يتميز بمعتبر كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه، يعني إذا كان ممن يعتبر به بأن يكون ضعفه ليس بشديد، كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه، وكذا المستور والمرسل والمدلس إذا لم يعرف المحذوف من إسناده صار حديثهم حسناً لغيره لا لذاته، بل باعتبار مجموع الطرق. عندنا السيئ الحفظ والمستور والمرسل والمدلس، يعني إذا كان سبب الضعف ناشئ عن قلة الحفظ أو السقط من السند فإنه يقبل الانجبار، بخلاف ما إذا كان سبب الضعف ناشئ إلى عدم العدالة، إذا كان سبب القدح في العدالة فإن هذا لا ينجبر؛ لأن مع كل واحد منهم احتمال كون روايته صواباً أو غير صواباً على حد سواء، فإذا جاءت من المعتبرين رواية موافقة لأحدهم رجح أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين، ودل ذلك على أن الحديث محفوظ فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول، وينبغي أن يعلم أنه مع ارتقائه إلى درجة القبول فهو منحط عن رتبة الحسن لذاته، وربما توقف بعضهم في إطلاق اسم الحسن عليه، الحسن لغيره في المرتبة دون الحسن لذاته، وبعضهم لا يقبله أيضاً لا يقبل من الحسن إلا ما كان حسنه لذاته، مثال ذلك: ما رواه الترمذي عن عاصم بن عبيد الله قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ )) قالت: نعم، فأجاز، قال الترمذي: "وفي الباب عن عمر وأبي هريرة وعائشة وأبي حدرد، وعاصم بن عبيد الله ضعيف لسوء حفظه، وقد حسن الترمذي له هذا الحديث لمجيئه من غير وجه".

أما إذا كان الضعف لجهالة راويه والمراد غير المستور فقد اختار بعضهم أنه يرتقي إلى درجة الاحتجاج بعمل السلف، وسكوتهم عند اشتهار روايته كعملهم إذ لا يسكتون عن منكر يستطيعون إنكاره، وإذا كان الضعف ناشئاً عن فسق الراوي أو كذبه فهذا النوع لا تؤثر فيه موافقة غيره له، إذا كان الآخر مثله لقوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن أن يرفعه إلى درجة الحسن، قال ابن الهمام في التحرير: "حديث الضعيف بالفسق لا يرتقي بتعدد الطرق إلى الحجة وبغيره مع العدالة يرتقي". وخلاصة القول أن العدالة والضبط إما أن يجتمعا في الراوي أو ينتفيا عنه، أو يوجد فيه أحدهما دون الآخر، فإن انتفيا لم يقبل حديثه أصلاً، إذا انتفت العدالة والضبط لا يقبل حديث الرواي أصلاً، وإن اجتمعا فيه قبل، إذا توافرت العدالة والضبط قبل، صار ثقة، إذا انتفيا -العدالة والضبط معاً- لم يقبل، وإن وجدت العدالة دون الضبط توقف القبول فيه على المتابع وشاهد ليجبر ما فات من ضعف الضبط، وإن وجد الضبط دون العدالة لم يقبل حديثه؛ لأن العدالة هي الركن الأكبر في الرواية، واختار البقاعي أن الضعيف الواهي شديد الضعف الذي لا يعتبر به ربما كثرت طرقه حتى يصل إلى درجة رواية المستور وسيء الحفظ، بحيث أن ذلك الحديث إذا كان مروياً بإسناد آخر فيه ضعف قريب محتمل، فإنه يرتقي بمجموع ذلك إلى درجة الحسن؛ لأن مجموع تلك الطرق الواهية صارت بمنزلة الطريق الذي فيه ضعف يسير، فصار ذلك بمنزلة طريقين، في كل منهما ضعف يسير، وما ذكر عن البقاعي هو اختيار السيوطي في ألفيته؛ لأنه قال: وربما يكون كالذي بدي ... . . . . . . . . . اختيار السيوطي في ألفيته يجبر الضعف ولو كان شديداً، وعليه عمله في مصنفاته وتخاريجه، وكأن الشيخ الألباني يعمل بهذا أحياناً، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سم.

المرفوع:

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- تصريحاً أو حكماً من قوله أو فعله أو تقريره أو إلى الصحابي كذلك، وهو من لقي النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح، أو إلى التابعي وهو من لقي الصحابي كذلك، فالأول المرفوع، والثاني الموقوف، والثالث المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثله، ويقال للأخيرين: الأثر، والمسند مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال". يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ثم الإسناد إما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تصريحاً أو حكماً من قوله أو فعله أو تقريره"، لما أنهى الحافظ -رحمه الله تعالى- ما يتعلق بالمتن من حيث القبول والرد أردفه بما يتعلق بالإسناد، والإسناد: هو الطريق الموصل للمتن، أو سلسلة الرواة الذين يذكرهم المحدث ابتداءً بشيخه وانتهاءً بمن يسند إليه الخبر، والمتن غاية ما ينتهي إليه الإسناد من الكلام، ثم شرع المصنف -رحمه الله تعالى- في تقسيم آخر للخبر باعتبار النسبة والإضافة. وما سبق الحديث فيه فتقسيمات أخرى بحسب تعدد الطرق، وباعتبار القوة والضعف، فإن انتهى الإسناد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تصريحاً بأن كانت الإضافة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صريحة لا تحتمل من قوله كقول عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) وقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: ((أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه)) الحديث، أو يقول الصحابي أو غير: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال كذا، هذا مرفوع صراحة من قوله -عليه الصلاة والسلام-. المرفوع:

ومثال المرفوع من فعله تصريحاً ما نقله عنه الصحابة من رمله في الطواف، وسعيه الشديد في السعي، ومنه قول الصحابي: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مسته النار"، ومنه قول الصحابي أو غيره: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل كذا أو يترك كذا؛ لأن كلاً من فعله وتركه -عليه الصلاة والسلام- شرع يقتدى به فيه، ومثال المرفوع من التقرير تصريحاً كأن يقول الصحابي: فعلت أو فعل بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا، ولا يذكر إنكاره لذلك، ومنه قول الصحابي: "أكل الضب على مائدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، خالد بن الوليد اجتر الضب فأكله والنبي -عليه الصلاة والسلام- ينظر إليه، فلم ينكر عليه، وهذا من تقريره -عليه الصلاة والسلام-، هذا إذا كانت الإضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- صريحة، أو تكون الإضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- حكماً لا صراحة، ومن ذلك قول الصحابي: "كنا نفعل كذا أو كنا نقول كذا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فقد قطع أبو عبد الله الحاكم وغيره من أهل الحديث أن ذلك من قبيل المرفوع، قال ابن الصلاح: "وبلغني عن أبي بكر البرقاني: أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي عن ذلك فأنكر كونه من المرفوع"، والأول هو الذي عليه الاعتماد؛ لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اطلع على ذلك وقررهم عليه، وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة. وقد استدل جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- على جواز العزل بأنهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل، ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن، هذا إذا أضاف الوقت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما إذا قال الصحابي: كنا نفعل كذا من غير إضافة إلى زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- فجزم ابن الصلاح بأنه من قبيل الموقوف، لكن ذهب العراقي وابن حجر والسيوطي إلى أنه مرفوع أيضاً، وهو اختيار النووي.

إذا قال الصحابي: "كنا نفعل كذا" مع الإضافة إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا مرفوع عند الجماهير، وإن حكم أبو بكر الإسماعيلي الإمام بأنه موقوف ولا يعتبر من المرفوع، إذا أضيف إلى زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا لم يضف إلى زمنه -عليه الصلاة والسلام- بأن قال الصحابي: كنا نفعل كذا، أو كنا نرى كذا، أو كنا نقول كذا، فجزم ابن الصلاح بأنه من قبيل الموقوف، بأنه من قبيل الموقوف، لكن العراقي وابن حجر والسيوطي ذهبوا إلى أنه مرفوع أيضاً، وإن لم يضف إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو اختيار النووي والرازي والآمدي؛ لأن الظاهر من مثل قول الصحابي أنه يحكي الشرع، لا سيما إذا كان يستدل به على حكم شرعي، إذا كان يستدل بذلك على حكم شرعي، ويقول: كنا نفعل كذا، لا شك أنه يريد أن ينسب ذلك إلى زمن الشارع وإن لم يصرح به. قول الصحابي: "أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا" من نوع المرفوع عند أصحاب الحديث، وهو قول أكثر أهل العلم، إذا صرح الصحابي بالآمر فلا إشكال في كونه مرفوع، إذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا خلاف في كونه مرفوع صراحة، أما إذا قلنا: أمرنا ولم يصرح بالآمر، أو نهينا ولم يصرح بالناهي فكذلك هو من قبيل المرفوع عند أكثر أهل العلم وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي، وأبو الحسن الكرخي. قال ابن الصلاح: "والأول هو الصحيح؛ لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من إليه الآمر والنهي، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذا قال الصحابي: أمرنا أو نهينا، لا ينصرف هذا الأمر والنهي إلا إلى من له الأمر والنهي وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، إذا كانت المسألة شرعية لا شك أن الآمر والناهي للصحابة هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، أم عطية تقول: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد" من الآمر لهن؟ لا شك أنه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، "نهينا عن اتباع الجنائز" هذا أيضاً لا شك أن الناهي هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

أبو بكر الإسماعيلي الإمام وأبو الحسن الكرخي خالفا في ذلك وقالا: إنه من قبيل الموقوف لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-، قال ابن الصلاح: "والأول هو الصحيح؛ لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من إليه الآمر والنهي وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-"، إذا صرح الصحابي بالآمر والناهي فقال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا شك أنه مرفوع صراحة، مرفوع صراحة قطعاً، لكن دلالته على الأمر والنهي هل هو مثل قوله: افعلوا، أو لا تفعلوا؟ هل قول الصحابي: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هو كتصريح النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: افعلوا؟ يعني هل قول عائشة: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، أو أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم، مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أنزلوا الناس منازلهم))؟ مثله وإلا لا؟ نعم، دلالته على الأمر والنهي خالف فيها داود الظاهري وبعض المتكلمين، أما الجماهير على أنه لا فرق بين أن يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: افعلوا، أو يقول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كلاهما من قبيل الأمر وهو دال على الوجوب، خالف في ذلك داود الظاهري وبعض المتكلمين، قالوا: لأن الصحابي قد يسمع كلام يظنه أمر وهو في الحقيقة ليس بأمر، وقد يسمع كلاماً يظنه نهياً وهو في الحقيقة ليس بنهي، لكن هذا الكلام مردود، هذا الكلام مردود؛ لأن الصحابة -رضوان الله عليهم-، إذا لم يعرفوا مدلولات الألفاظ الشرعية، من يعرفها بعدهم؟ لا أحد يعرف إذا كان الصحابة لا يعرفون الخطاب الشرعي، إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت)) ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) ((نهيت عن قتل المصلين)) فالآمر والناهي من؟ من؟ هو الله -سبحانه وتعالى-، فهو من قبيل الخبر الإلهي والقدسي.

ثالثاً: قول الصحابي: من السنة كذا، الأصح أنه مرفوع؛ لأن الظاهر أنه لا يطلق ذلك إلا مريداً به سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما يجب اتباعه، نقل ابن عبد البر الاتفاق على ذلك وفي نقله نظر، فعند الشافعي في المسألة قولان، وذهب أبو بكر الصيرفي وأبو بكر الرازي وابن حزم إلى أنه غير مرفوع، لكن الصحيح الأول، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: قول الصّحابيّ: (من السّنّة) أو ... نحو: (أمرنا) حكمه الرّفع ولو بعد النّبيّ قاله بأعصرِ ... على الصّحيح وهو قول الأكثرِ قد روى البخاري في صحيحه من حديث ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في قصته مع الحجاج حين قال له: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة، قال ابن شهاب: فقلت لسالم: أفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: وهل يعنون بذلك إلا سنته -صلى الله عليه وسلم-؟ فنقل سالم وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة وأحد الحفاظ من التابعين عن الصحابة أنهم إذا أطلقوا السنة لا يريدون بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا قال الصحابي: ليس من السنة كذا، ليس من السنة كذا، هل نستدل به على أن هذا العمل مبتدع؟ أو يحتمل أن هناك سنة لم تبلغ هذا الصحابي؟ احتمال، احتمال أنه لا يوجد سنة أصلاً؛ لأنه نفى، وهذا يقوى الظن إذا لم نجد له مخالف من الصحابة، ويحتمل أن هناك سنة في الباب لكنها خفيت على هذا الصحابي، فالنفي ليس مثل الإثبات هنا. رابعاً: من المرفوع حكماً أن يقول الصحابي الذي لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب ما لا مجال للرأي فيه، ولا مدخل للاجتهاد فيه، ولا تعلق له ببيان لغة أو شرح غريب، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدأ الخلق وأخبار الأنبياء أو الآتية كالملاحم والفتن، وأحوال يوم القيامة، وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، قال ابن حجر في النزهة: "وإنما كان له حكم المرفوع؛ لأن إخباره بذلك يقتضي مخبراً له، لا بد أن يكون لهذا الصحابي مخبر، ولا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقفاً للقائل به، ولا موقف للصحابة إلا النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة، فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني.

يعني المسألة مفترضة في صحابي لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات وذكر كلاماً غيبياً أو ذكر كلاماً لا مجال للاجتهاد فيه، إذن لا يمكن أن يتلقاه إلا عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان كذلك؛ فله حكم ما لو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو مرفوع سواء، سواء كان مما سمعه عنه بدون بواسطة، أو ما كان مما سمعه بواسطة. من ذلكم تفسير الصحابي للقرآن الكريم، تفسير الصحابي للقرآن الكريم جزم الحاكم بأن له حكم الرفع، وحمله ابن الصلاح على ما يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك كقول جابر -رضي الله عنه-: "كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله -عز وجل- {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [(223) سورة البقرة] فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمعدودة في الموقوفات، يقول الحافظ العراقي: وعدّ ما فسّره الصّحابي ... رفعاً فمحمول على الأسبابِ

الحاكم حينما قال: إن تفسير الصحابي مرفوع حكماً لما عرف من الوعيد الشديد من تفسير القرآن بالرأي، والصحابة مع شدة ورعهم وتحريهم لا يمكن أن يفسروا القرآن بآرائهم مع شدة هذا الوعيد: "من قال بالقرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب" فالمقصود أن الصحابة مع شدة تحريهم وورعهم وتثبتهم وعلمهم بالنهي الشديد لتفسير القرآن بالرأي لا يمكن أن يفسروا شيئاً من تلقاء أنفسهم إلا وقد سمعوه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه حجة الحاكم، لكن القرآن منه ما يدرك بلغة العرب مثلاً والصحابي قد يفسر الكلام -كلام الله -عز وجل- بلغة العرب، ومنه ما لا بد فيه من التوقيف من النبي -عليه الصلاة والسلام- فمثل هذا لا يدرك فيكون من قبيل ما لا مجال للاجتهاد فيه، ونظراً لوجود هذا النوع وهذا النوع قال الحاكم: أن له حكم الرفع، والأكثر على أنه ليس له حكم الرفع؛ لأن الصحابي قد يفسر برأيه اعتماداً على لغة أو استنباط حكم، أو ما أشبه ذلك، ابن الصلاح حمل قول الحاكم على ما يتعلق بأسباب النزول وأسباب النزول لها حكم الرفع، لماذا؟ لأن النزول الرسول -عليه الصلاة والسلام- طرف فيه، ذكر أو لم يذكر، الرسول طرف في التنزيل؛ لأنه عليه ينزل القرآن، ذكر أو ولم يذكر، ولذا جاء في ألفية العراقي: وعدّ ما فسّره الصّحابي ... رفعاً فمحمول على الأسبابِ قال ابن الصلاح: "من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي يرفع الحديث، أو يبلغ به، أو ينميه، أو رواية، مثال ذلك: سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رواية: ((تقاتلون قوماً صغار الأعين)) ((تقاتلون قوماً صغار الأعين)) عن أبي هريرة رواية، وبه عن أبي هريرة يبلغ به قال: ((الناس تبع لقريش)) أبو هريرة رواية يعني عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أبو هريرة يبلغ به، يعني يبلغ به النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكل ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي الحديث إلى رسول -صلى الله عليه وسلم-، وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحاً.

قال ابن الصلاح: "وإذا قال الراوي عن التابعي: يرفع الحديث، أو يبلغ به، فذلك مرفوع أيضاً، ولكنه مما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيكون له حكم المرسل"، فعلى هذا كل ما يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف فهو مرفوع، وزاد بعضهم الهم، لأنه -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، وآمر رجالاً يحتطبون حطب فأخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)) هذا مرفوع، هذا هَمٌ منه -عليه الصلاة والسلام-، والهم مرتبة من مراتب القصد بعد الخاطر والهاجس وحديث النفس الهم، وآخرها العزم كما هو معروف. اشترط الخطيب البغدادي لتسمية الخبر مرفوعاً: أن يكون مما أضافه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقط، فعلى هذا ما يضيفه التابعي فمن بعده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يسمى مرفوعاً، ولفظه كما في الكفاية: "المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو فعله"، لكن الحافظ ابن حجر توقف في كونه يشترط ذلك، يعني هل ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أضافه التابعي لا يسمى مرفوع؟ ذكروا عن الخطيب أنه يشترط ذلك، ولفظه في الكفاية يحتمل، لكن الحافظ ابن حجر توقف في كونه يشترط ذلك فإنه قال: يجوز أن يكون ذكر الخطيب للصحابي على سبيل المثال أو الغالب لكون غالب ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هو من إضافة الصحابي، لا أنه ذكره على سبيل التقييد، فلا يخرج حينئذ عن الأول ويتأيد بكون الرفع إنما ينظر فيه إلى المتن دون الإسناد، المتن هل هو من قول الرسول؟ أضافه من أضافه مرفوع، ما دام من قول النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا كان من قول من دونه على ما سيأتي فإن كان من الصحابة فهو موقوف، وإلا فالمقطوع. قال السخاوي: "وفيه نظر، وقد يطلق المرفوع ويراد به المتصل لا سيما عند مقابلته بالمرسل"، فإذا قيل: رفعه فلان وأرسله فلان، يعني أن أحدهما وصل إسناده والآخر قطعه، وحينئذٍ فهو رفع مخصوص، على أن ابن النفيس مشى على ظاهر هذا فقيد المرفوع بالاتصال.

وسمّ مرفوعاً مضافاً للنّبي ... واشترط (الخطيب) رفع الصّاحبِ ومن يقابله بذي الإرسالِ ... فقد عنى بذاك ذا اتّصالِ كما يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-. ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو إلى الصحابي كذلك، وهو من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح". لما فرغ الحافظ -رحمه الله تعالى- من بيان المرفوع، وقدمه لشرف النسبة؛ لأنه يضاف إلى أشرف الخلق، أردفه بالموقوف، فقال: أو تنتهي غاية الإسناد إلى الصحابي كذلك، أي مثلما تقدم مما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل، وإن منه ما هو قول، ومنه ما هو فعل، ومنه ما هو تقرير، و (أو) هنا للتقسيم، "أو إلى الصحابي" هذا تقسيم وليست شك، وليست للإضراب، إنما هي للتقسيم. خير أبح قسم بـ (أو) وأبهمِ ... . . . . . . . . . فمن معانيها التقسيم وهو المراد هنا، ثم عرف الصحابي بأنه: من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة، هذا ما رجحه ابن حجر -رحمه الله-، والمراد باللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر، وإن لم يكالمه، قال الحافظ: "والتعبير باللقي أولى من قول بعضهم: الصحابي من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يخرج ابن أم مكتوم ونحوه من العميان، وهم صحابة بلا تردد"، وقوله: "مؤمناً" يخرج من حصل له اللقاء المذكور لكن في حال كونه كافراً، وقوله: (به) يخرج من كان مؤمناً لكن بغيره من الأنبياء، يخرج من كان مؤمناً لكن بغيره من الأنبياء، وهل يمكن أن يقال لغير المؤمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أنه مؤمن؟ يقال لليهودي الذي يؤمن بموسى مؤمن؟ ويقال للنصراني الذي يؤمن بعيسى أنه مؤمن؟ لا، الإيمان في شرعنا يقتضي الإيمان بجميع الأركان، وإذا انتفى ركن من هذه الأركان، أو بعض ركن انتفى الإيمان.

فلا بد من الإيمان بالرسل كلهم، فاليهودي الذي لا يؤمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ويصدق به ويتبعه لا يسمى مؤمن، والنصراني الذي لا يؤمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يسمى مؤمن؛ لأن من أركان الإيمان الإيمان بالرسل، والكفر بواحد منهم كفر بجميعهم، والله المتسعان، لكن هل يخرج من لقيه مؤمناً بأنه سيبعث ولم يدرك البعثة؟ لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمن بأنه سيبعث ومعترف بأنه نبي لكن قبل البعثة، قال الحافظ: "فيه نظر، قلت: ومثال ذلك: ورقة بن نوفل حيث ذكره الطبري والبغوي وابن قانع وابن السكن وغيرهم في الصحابة، قال الحافظ في الإصابة: "وفي إثبات الصحبة له نظر، لقوله في قصة بدء الوحي: "فلم ينشب ورقة أن توفي" فهذا ظاهره أنه أقر بنبوته ولكنه مات قبل أن يدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى الإسلام. ثم ذكر الحافظ خبراً مرسلاً وصفه بأنه جيد يدل على أن ورقة عاش إلى أن دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الإسلام حتى أسلم بلال، ثم قال: والجمع بينه وبين حديث عائشة أن يحمل قوله: "ولم ينشب ورقة أن توفي" أي قبل أن يشتهر الإسلام. ثم ذكر الحافظ خبراً ضعيفاً يدل على أن ورقة مات على نصرانيته، لكن الصواب أنه آمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وصدقه لما قص عليه خبر بدء الوحي، لكنه مات قبل أن يدعو النبي -عليه الصلاة والسلام- الناس إلى الإسلام، وعلى هذا كونه مقطوع بنجاته وأنه من أهل الجنة هذا ما فيه إشكال، لكن هل هو معدود في هذه الأمة أو ممن قبلها؟ هذه مسألة محل نظر، هل يثبت في الصحابة فيكون من هذه الأمة؟ أو لا تثبت صحبته؛ لأن الحد لا ينطبق عليه، لكنه آمن وصدق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان على دين صحيح في وقته، والقول بنجاته مبني على ثبوت ما نقل في ترجمته من أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه في بطنان الجنة، وعليه ثياب السندس، وأن عليه أيضاً ثياب بيض، فإن ثبتت هذه الأخبار وإلا فهو على الرجاء كغيره من مسلمي هذه الأمة وغيرهم، والله أعلم.

قوله: "ومات على الإسلام" ليخرج من ارتد بعد أن لقيه مؤمناً به ومات على الردة؛ كعبيد الله بن جحش وابن خطل، قوله: "ولو تخللت ردة" أي: بين لقيه له مؤمناً به وبين موته على الإسلام؛ فإن اسم الصحبة باق له، سواء رجع إلى الإسلام في حياته -صلى الله عليه وسلم- أو بعده، وسواء لقيه ثانياً أم لا كالأشعث بن قيس فإنه كان ممن ارتد وأتي به أبو بكر أسيراً فعاد إلى الإسلام، فقبل منه ذلك وزوجه أخته، ولم يتخلف أحد عن ذكره في الصحابة، ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وغيرها. الردة محبطة للعمل {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] لكن هل الموت على الردة شرط في حبوط العمل؟ أو أن مجرد حصول الردة محبط للعمل؟ القيد المذكور في الآية الأخرى {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [(217) سورة البقرة] نعم {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} قيد يجعل الردة لا تحبط العمل إلا إذا مات وهو مرتد، أما إذا ارتد ثم رجع إلى الإسلام فإن عمله باق لا يحبط، ومن ذلكم الصحبة، وهذه المسألة مسألة خلافية بين كثير من أهل العلم مع الحنفية، ولذا إذا حج ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام هل يلزم بحجة ثانية أو لا يلزم؟ والمسألة الخلاف فيها معروف ومبسوط عند أهل العلم. ولا تظنون أن الردة لا بد أن يكفر بالله أو برسوله أو بكتبه، أو .. ، يترك الصلاة فيصير مرتد، هل عليه أن يعيد الحج أو لا يعيد؟ هذه المسألة الخلافية، ومقتضى قوله تعالى: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [(217) سورة البقرة] أنه لا يحبط عمله إلا إذا مات كافر. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: "ويدخل في قولنا مؤمناً به كل مكلف من الجن والإنس فحينئذ يتعين ذكر من حفظ ذكره من الجن الذين آمنوا به بالشرط المذكور؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرسل إليهم، مرسل إلى الجن أيضاً، وأما إنكار ابن الأثير على أبي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتابه الصحابة فليس بمنكر لما ذكرته".

وقال ابن حزم في المحلى: "من ادعى الإجماع فقد كذب، من ادعى الإجماع فقد كذب على الأمة، فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفراً من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي -صلى الله عليه وسلم- فهم صحابة فضلاء، فمن أين للمدعي إجماع أولئك؟ "، ابن حزم يقول: أي شخص يدعي الإجماع على مسألة من المسائل كذاب، لماذا؟ لأنه إن أحاط بأقوال الإنس لم يحط بأقوال الجن، يقول: "من ادعى الإجماع فقد كذب على الأمة، فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفراً من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي -صلى الله عليه وسلم- فهم صحابة فضلاء، فأين للمدعي إجماع أولئك؟ ". قال ابن حجر في الإصابة: "وهذا الذي ذكره في مسألة الإجماع لا نوافقه عليه، وإنما أردت نقل كلامه بكونهم صحابه"، ومثل هذا الكلام هو الذي جعل ابن حزم بكل سهولة يخالف جماهير الأمة، بل قد يخالف الإجماع، الأمة كلها في جهة وابن حزم في جهة؛ لاحتمال أن يكون واحد من الجن قال بهذا القول، نعم، وهذا من شذوذ ابن حزم، معروف، نعم.

وهل تدخل الملائكة فيمن لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به؟ محل نظر، قد قال بعضهم: إن ذلك ينبني على أنه هل كان مبعوثاً إليهم أو لا؟ وقد نقل الرازي الإجماع على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن مرسلاً إلى الملائكة، لم يكن مرسلاً إلى الملائكة، ونوزع في هذا النقل، بل رجح الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مرسلاً إليهم، لكن كونه مرسل إليهم أو غير مرسل لا فائدة وراءه، هم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، هؤلاء الخلق أنفاسهم عبادة، جميع تصرفاتهم عبادة، ولا يتلبسون بالمعصية، حيل بينهم وبين الشهوات، فكونه مرسل إليهم أو غير مرسل الخلاف لفظي، قال ابن حجر: "وفي صحة بناء هذه المسألة على هذا الأصل نظر لا يخفى"، وقال بعضهم: لا يعد صحابياً إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة: من طالت مجالسته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، أو حفظت روايته، أو ضبط أنه غزا معه، أو استشهد بين يديه، واشترط بعضهم في صحة الصحبة بلوغ الحلم، أو المجالسة ولو قصرت، اختار البخاري في صحيحه أن من صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، يعني مجرد رؤية حال كونه مؤمناً به يكون صحابي، ورجحه ابن حجر في الفتح إلا أنه هل يشترط في الرائي أن يكون بحيث يميز ما رآه أو يكتفى بمجرد حصول الرؤية؟ محل نظر، وعمل من صنف في الصحابة يدل على الثاني، أنه يكتفى بمجرد حصول الرؤية، يدل على الثاني فإنهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق وإنما ولد قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أشهر وأيام، كما ثبت في الصحيح، أن أمه أسماء بنت عميس ولدته في حجة الوداع قبل أن يدخلوا مكة، ولدته في المحرم قبل أن يدخلوا مكة، وذلك في أواخر ذي القعدة سنة عشر، ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل بلا شك. يستحيل أن يكونوا سمعوا من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة شيئاً، لكن في إثبات الصحبة لهذا الضرب نظر.

المقطوع:

لما مات النبي -عليه الصلاة والسلام- عمره ثلاثة أشهر، عمره ثلاثة أشهر، هل يكون صحابي؟ لا، هل لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به؟ الجواب، لا، والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الإسفرائيني ومن وافقه على رد المراسيل مطلقاً حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء؛ لأن أحاديثهم لا من قبيل مراسيل كبار التابعين، ولا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مما يلغز به، فيقال: صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة، ومنهم من بالغ فكان لا يعد في الصحابة إلا من صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحبة العرفية، كما جاء عن عاصم الأحول قال: "رأى عبد الله بن سرجس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير أنه لم يكن له صحبة" أخرجه أحمد، هذا مع كون عاصم قد روى عن عبد الله بن سرجس هذا عدة أحاديث وهي عند مسلم وأصحاب السنن، وأكثرها من رواية عاصم عنه، فهذا رأي عاصم، أن الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية، روي عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة فصاعداً، أو غزا معه غزوة فصاعداً، قال ابن حجر: "والعمل على خلاف هذا القول؛ لأنهم اتفقوا على عد جمع جم من الصحابة ولم يجتمعوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلا في حجة الوداع". قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو إلى التابعي وهو من لقي الصحابي كذلك"، الخبر إما أن ينتهي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو ينتهي إلى الصحابي، أو ينتهي إلى التابعي، والتابعي هو من لقي الصحابي كذلك، من لقي الصحابي مؤمناً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، من لقي الصحابي مسلم -وهو مسلم- ومات على ذلك يسمى تابعي. المقطوع:

لما فرغ -رحمه الله- من المرفوع والموقوف أردفه بالمقطوع فقال: أو تنتهي غاية الإسناد إلى التابعي، ثم عرف التابعي بقوله: هو من لقي الصحابي كذلك، أي كما تقدم في تعريف الصحابي، ولذا قال القاري في شرح النخبة: "التابعي هو من لقي الصحابي مؤمناً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ولو تخللت ردة في الأصح" كذا قال، لكن الحافظ نفسه قال: "هذا متعلق باللقي وما ذكر معه إلا قيد الإيمان به فذاك خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو المختار". يعني لو أن شخصاً لقي أحد الصحابة وهو غير مسلم ثم أسلم بعد ذلك ومات على الإسلام، لكنه لما لقي الصحابي لم يكن مسلماً هل يسمى تابعي أو لا؟ على كلام الحافظ يسمى تابعي، وواضح عبارته -أو ظاهر عبارته- وهو من لقي الصحابي كذلك، يعني بالقيود المذكورة، مؤمناً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي اليواقيت للمناوي: "ولا يلزم أن يكون مؤمناً حال ملاقاته للصحابي، بل لو كان كافراً ثم أسلم بعد موت الصحابي، وروى عنه سميناه تابعياً وقبلناه، ولا يشترط في التابعي طول الملازمة أو التمييز أو صحة السماع من الصحابي، قال الخطيب: "التابعي من صحب الصحابي". قال ابن الصلاح: "ومطلقه مخصوص بالتابعي بإحسان"، ومطلقه مخصوص بالتابعي بإحسان، أما الذي يتبع الصحابة من دون إحسان، يتبع السلف من غير إحسان لا يستحق هذا الوصف، قال القاري: "والظاهر منه طول الملازمة إذ الاتباع بإحسان لا يكون بدونه"، واشترط ابن حبان: أن يكون رآه في سن من يحفظ عنه فإن كان صغيراً لم يحفظ عنه فلا عبرة برؤيته، كخلف بن خليفة فإنه لم يعده في التابعين وإن كان رأى عمر بن حريث لكونه صغيراً، قال ابن الصلاح: "وكلام الحاكم أبي عبد الله وغيره مشعر بأنه يكفي فيه أن يسمع من الصحابي أو يلقاه، وإن لم توجد الصحبة العرفية والاكتفاء في هذا لمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في الصحابي نظراً إلى مقتضى اللفظين فيهما"، يعني إذا لم نشترط طول الصحبة في الصحابي ولا الصحبة العرفية في الصحابي فلا تشترط في التابعي من باب أولى لما يقتضيه لفظ الصحبة.

قال ابن حجر: "بقي بين الصحابة والتابعين طبقة اختلف في إلحاقهم بأي القسمين وهم المخضرمون، الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي -صلى الله عليه وسلم- فعدهم ابن عبد البر في الصحابة، وادعى عياض وغيره أن ابن عبد البر يقول: إنهم صحابة"، المخضرمون من أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي -عليه الصلاة والسلام- هؤلاء عدهم ابن عبد البر في الصحابة، يعني ذكرهم في الاستيعاب، ذكرهم في الاستيعاب، لكن هل مجرد الذكر يعني إثبات الصحبة؟ هل ذكر الرجل في الإصابة يثبت الصحبة له؟ أو أن ابن حجر ذكر أقوام اختلف في صحبتهم، والراجح عدم إثبات الصحبة لهم، وهم القسم الرابع. هنا ابن عبد البر ذكر المخضرمين في الاستيعاب، ادعى عياض وغيره أن ابن عبد البر يقول: إنهم صحابة، وفيه نظر؛ لأن ابن عبد البر أفصح في خطبة كتابه بأنه إنما أوردهم ليكون كتابه جامعاً مستوعباً لأهل القرن الأول، لأهل القرن الأول وإن لم يكونوا صحابة، والصحيح أنهم معدودون في كبار التابعين، سواءً عرف أن الواحد منهم كان مسلماً في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- كالنجاشي أم لا، وذكر مسلم المخضرمين فبلغ بهم عشرين نفساً، منهم: أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة، وعمرو بن ميمون، وعبد خير بن يزيد، وأبو عثمان النهدي، وممن لم يذكرهم: أبو مسلم الخولاني، والأحنف بن قيس، والله أعلم. ومن أكابر الصحابة السابقون الأولون، واختلف في المراد فيهم هل هم من صلى إلى القبلتين؟ أو أنفق قبل الفتح وهاجر دون من أنفق وهاجر بعد الفتح؟ أو هم أصحاب الشجرة السابقون الأولون؟ أو هم الذين أسلموا قبل الهجرة؟ المقصود مسألة خلافية بين أهل العلم، والأكثر على أنهم من صلى إلى القبلتين قبل نسخ القبلة إلى بيت المقدس، هؤلاء من الصحابة هم السابقون الأولون.

وفي الصحابة المهاجرون والأنصار وفيهم العبادلة الأربعة، وفيهم العشرة المبشرون بالجنة، وفيهم أهل بدر، وفيهم أهل بيعة الرضوان، المقصود أنهم متفاوتون في الفضل، فيهم العبادلة الأربعة وهم: ابن عمر، ابن عباس، ابن الزبير، عبد الله بن عمرو بن العاص، وليس فيهم ابن مسعود، وليس فيهم ابن مسعود، لماذا؟ لأن ابن مسعود تقدمت وفاته، وأما هؤلاء الأربعة فتأخرت وفياتهم حتى احتيج إلى علمهم، سئل الإمام أحمد هل ابن مسعود فيهم؟ فقال: لا، فإذا قيل: هذا قول العبادلة الأربعة فالمقصود بهم هؤلاء، ووهم صاحب الصحاح فأدخل فيهم ابن مسعود، المقصود أن هؤلاء يميزون في الصحابة. من أكابر التابعين الفقهاء السبعة من أهل المدينة، هؤلاء من التابعين سبعة. فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجة سبعة: سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، وذكر ابن المبارك سالم بن عبد الله بن عمر بدل أبي سلمة، وذكر أبو الزناد أبا بكر بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة وسالم، على كل حال السابع مختلف فيه. فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجة سبعة. اختلف في أفضل التابعين فقال أحمد بن حنبل: سعيد بن المسيب هو أفضل التابعين، فقيل له: فعلقمة والأسود؟ فقال: سعيد بن المسيب وعلقمة والأسود، وعنه أنه قال: لا أعلم في التابعين مثل أبي عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم، وقال الشيخ أبو عبد الله بن خفيف الزاهد الشيرازي: "اختلف الناس في أفضل التابعين فأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب، وأهل الكوفة يقولون: أويس القرني، وأهل البصرة يقولون: الحسن البصري، وهؤلاء كلهم أئمة فضلاء، لكن لو جئنا إلى النص المرفوع لأثبتنا أن أفضل التابعين على الإطلاق أويس؛ لأن الخبر فيه صحيح في صحيح مسلم، عمر -رضي الله عنه- طلب من أويس أن يدعو له، فعلى هذا هو أفضل التابعين على الإطلاق، نعم إن جئنا إلى العلم فسعيد لا يدانيه أحد.

ثم نشر الحافظ ما طواه في أول الأمر وما لفه فقال: "فالأول المرفوع، والثاني الموقوف، والثالث المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثله"، فالأول: وهو ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف يسمى المرفوع، وهو اسم مفعول من الرفع، والثاني: وهو ما أضيف إلى الصحابي من قول أو فعل يسمى الموقوف، اسم مفعول من الوقف ضد الرفع، والثالث: وهو ما أضيف إلى التابعي فمن دونه يسمى المقطوع، اسم مفعول من القطع، ويجوز في جمعه المقاطع والمقاطيع بإثبات الياء آخر الحروف وحذفها كالمساند والمسانيد، والمراسل والمراسيل، والمفاتح والمفاتيح، لكن المنقول في مثل المقاطيع عند البصريين سوى الجرمي الإثبات جزماً، والجرمي مع الكوفيين في جواز الحذف، واختاره ابن مالك. المرفوع: ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والموقوف: ما أضيف إلى الصحابي، والمقطوع: ما أضيف إلى التابعي فمن دونه، قال ابن الصلاح في المقطوع: "هو غير المنقطع .. ، وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام الشافعي وأبي القاسم الطبراني وغيرهما، وعكس ما ذكره ابن الصلاح عن الشافعي ما حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم بالحديث أن المنطقع ما روي عن التابعي ومن ودنه موقوف عليه من قوله أو فعله، قال ابن الصلاح: "وهذا غريب بعيد" يقول الحافظ العراقي: وسمّ بالمقطوع قول التّابعي ... وفعله وقد رأى للشّافعي تعبيره به عن المنقطعِ ... قلت: وعكسه اصطلاح البردعي ويجوز إطلاق الموقوف على ما يروى عن التابعي فمن دونه لكن مع التقييد، إذا قيل: هذا موقوف فهو من قول صحابة، لكن إذا قيل: هذا موقوف على سعيد أو على الحسن البصري يجوز، يجوز إطلاق الموقوف على ما يروى عن التابعي فمن دونه لكن مع التقييد، فلك أن تقول: هذا الخبر موقوف على الحسن أو على سيعد أو نحوهما. الآن المرفوع فيه المتصل والمنقطع، صح وإلا لا؟ الموقوف فيه الموصول والمنقطع، المقطوع ها؟ هل يمكن أن يقال: متصل مقطوع؟ نعم إذا كان كل واحد ممن رواه قد سمعه ممن فوقه إلى التابعي فهو مقطوع، لكن هل نستطيع أن نقول: متصل مقطوع؟ قال بعضهم: لا يمكن، لماذا؟ للتنافر اللفظي بين الكلمتين، التنافر اللفظي بين الكلمتين، كيف تقول: مقطوع متصل؟ يعني مثل ما تقول: جاء الطويل القصير، إذا جاء رجل طويل عمره، عمره مائة سنة وقامته قصيرة هل تقول: جاء الطويل القصير، وأن تنظر إليه من زاويتين ...

شرح نخبة الفكر (10)

شرح نخبة الفكر (10) شرح قول المصنف: "فإن قل عدده فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة، فالأول العلو المطلق، والثاني النسبي، وفيه الموافقة وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، وفيه البدل وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك، وفيه المساواة وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين، وفيه المصافحة وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف، ويقابل العلو بأقسامه النزول فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في السن واللقي فهو الأقران، وإن روى كل منهما عن الآخر فالمدبج، وإن روى عمن دونه فالأكابر عن الأصاغر، ومنه الآباء عن الأبناء، وفي عكسه كثرة، ومنه من روى عن أبيه عن جده وإن اشترك اثنان عن شيخ وتقدم موت أحدهما فهو السابق واللاحق، وإن جحد الشيخ مرويه جزماً رد أو احتمالاً قبل في الأصح، وفيه من حدث ونسي، وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل، وصيغ الأداء: سمعت وحدثني، ثم أخبرني، وقرأت عليه، ثم قرئ عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني، ثم ناولني، ثم شافهني، ثم كتب إلي، ثم عن ونحوها، فالأولان: لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره، وأولها أصرحها وأرفعها في الإملاء، والثالث والرابع: لمن قرأ بنفسه، فإن جمع فكالخامس، والإنباء بمعنى الإخبار إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كـ (عن)، وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من مدلس، وقيل: يشترط ثبوت لقائمها ولو مرة وهو المختار، وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها، واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية، وهي أرفع أنواع الإجازة، وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة، والوصية بالكتاب وفي الإعلام وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة، وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك .. " الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

عمره مائة سنة وقامته قصيرة هل تقول: جاء الطويل القصير؟ وأن تنظر إليه من زاويتين إلى قامته فتقول: القصير، وإلى عمره فتقول: الطويل، لا شك أن هذا تنافر لفظي مثله مثلما تقول: المتصل المقطوع، هذا تنافر لفظي، فمنهم من يمنع إطلاق المتصل على المقطوع الذي أضيف إلى التابعي فمن دونه لوجود هذا التنافر ومنهم من ينظر إليه مع انفكاك الجهة، فيقول: لا مانع من أن يقال: هو مقطوع باعتبار الإضافة إلى التابعي فمن دونه، وهو متصل باعتبار أن إسناده ليس فيه انقطاع. قال الحافظ -رحمه الله-: "ويقال للأخيرين: الأثر" يعني أنه يقال للأخيرين -وهما الموقوف والمقطوع-: الأثر، وهو في الأصل ما ظهر على الأرض من مشي الشخص، وهو في الأصل ما ظهر على الأرض من مشي الشخص، قال زهير: والمرء ما عاش ممدود له أثرُ ... لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثرُ قال ابن الصلاح: "وهو موجود في اصطلاح الفقهاء الخرسانيين"، تعريف الموقوف بالأثر، قال أبو القاسم الفوراني: "منهم الفقهاء يقولون: الخبر ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والأثر ما يروى عن الصحابة -رضي الله عنهم- وقد وجد ذلك في كلام الأئمة كثيراً، ففي الرسالة للإمام الشافعي: وجهة العلم الكتاب والسنة والآثار"، وقال في الرسالة أيضاً: "وأما القياس فإنما أخذناه استدلالاً بالكتاب والسنة والآثار" وظاهر تسمية الإمام البيهقي كتابه المشتمل على الأنواع الثلاثة معرفة السنن والآثار، ومثله تسمية الطحاوي كتابيه: (شرح معاني الآثار) و (مشكل الآثار) يؤيد ما رآه المحدثون، كما عزاه إليهم النووي من إطلاق الأثر على الموقوف والمرفوع، فالأثر شامل لما يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما يروى عن الصحابة والتابعين، ويؤيده انتساب بعض المحدثين إلى الأثر كالحافظ العراقي يقول: يقول راجي ربّه المقتدرِ ... عبد الرّحيم بن الحسين الأثري

وفي الجامع للخطيب البغدادي من حديث عبد الرحيم بن حبيب الفاريابي عن صالح بن بيان عن أسد بن سعيد الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعاً: ((ما جاء عن الله فهو فريضة، وما جاء عني فهو حتم وفريضة، وما جاء عن أصحابي فهو سنة، وما جاء عن أتباعي فهو أثر، وما جاء عن من دونهم فهو بدعة)) والخبر باطل لا أصل له، والفاريابي هذا رمي بالوضع. والمسند: مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال، المسند: مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال، المسند: مبتدأ خبره مرفوع صحابي أي ما رفعه الصحابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بسند ظاهره الاتصال بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمله عن من فوقه بطريق معتبر، قال ابن حجر: "فقولي مرفوع كالجنس"، مرفوع كالجنس، يعني يشمل المحدود وغير المحدود، "وقولي صحابي كالفصل يخرج ما رفعه التابعي فإنه مرسل" يعني وليس بمسند، أو من دونه فإنه معضل أو معلق، وقولي: "ظاهره الاتصال، يخرج ما ظاهره الانقطاع، ويدخل فيه الاحتمال وما يوجد فيه حقيقة الاتصال من باب أولى".

ويفهم من التقييد بالظهور أن الانقطاع الخفي كعنعنة المدلس والمعاصر الذي لم يثبت له اللقاء لا يخرج الحديث عن كونه مسنداً لإطباق الأئمة الذين خرجوا المسانيد على ذلك، وهذا التعريف موافق لتعريف الحاكم فإنه قال في المعرفة: "المسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه وكذا شيخه عن شيخه متصلاً إلى صحابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فعلى هذا يشترط لتسمية الخبر مسنداً الرفع مع الاتصال، وذهب ابن عبد البر في التمهيد إلى أن المسند المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، المسند المرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، وقد يكون متصلاً كمالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو منقطعاً كمالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهو وإن كان منقطعاً لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس فهو مسند؛ لأنه قد أسند إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى هذا فالمسند والمرفوع شيء واحد، والانقطاع يدخل عليهما جميعاً، ويلزم من ذلك شموله المرسل والمعضل، قال ابن حجر في النكت: "وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلة بين المرسل والمسند فيقولون: أسنده فلان وأرسله فلان"، وذهب الخطيب إلى أن المسند ما اتصل إسناده ولو كان موقوفاً على الصحابي أو غيره، وقد عزاه في الكفاية لأهل الحديث، ثم قال: "إلا أن أكثر استعمالهم له فيما أسند عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة". على هذا يكون المسند فيه ثلاثة أقوال: المسند المرفوع، المسند هو المرفوع سواءً كان متصل أو منقطع، ما رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- دون ما يضاف إلى غيره، سواءً كان متصلاً أو منقطعاً، وهذا قول ابن عبد البر، أو هو المرفوع مع الاتصال، وهذا ما يراه الحاكم، والمرفوع إذا كان متصلاً، والمرفوع إذا كان متصلاً وهو قول الحاكم، ابن عبد البر يرى أن المسند هو المرفوع سواءً كان متصلاً أو منقطعاً، والخطيب يرى أن المسند ما اتصل إسناده، سواءً كان مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو موقوفاً على غيره، قال الحافظ العراقي: والمسند المرفوع أو ما قد وصل ... لو مع وقف وهو في هذا يقل

والثالث الرّفع مع الوصل معا ... شرط به (الحاكم) فيه قطعا سم. "فإن قل عدده فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم" وصحبه وصحبه إن أضفت الآل فأضف الصحب، ذكرنا سابقاً أن الاقتصار على النبي -صلى الله عليه وسلم- يتأدى به الطلب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] فإذا اقتصرنا فلنقتصر على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن أضفنا الآل فلنضف الصحب؛ لأن الآل أوصى بهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما في الأحاديث الصحيحة، والصحب لهم حق على الأمة فمن طريقهم وصلنا الدين، وهم الذين نصروا الدين، وهم الذين نشروه، وهم الذين حفظوه، وهم الذين أدوه وبلغوه، فإذا زدنا على النبي -عليه الصلاة والسلام- الآل فلنضف الصحب، لا سيما وأن الاقتصار على الآل صار شعاراً لبعض طوائف المبتدعة كالروافض، فلا نقتصر على الآل دون الأصحاب، كما أننا لا نقتصر على الأصحاب دون الآل؛ لأنه صار شعاراً لقوم آخرين من المبتدعة كالنواصب، فإذا أضفنا الآل فلنضف الصحب أو نقتصر على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن قل عدده ... "فإن قل عدده فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة، فالأول العلو المطلق، والثاني النسبي، وفيه الموافقة وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، وفيه البدل وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك، وفيه المساواة وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين، وفيه المصافحة وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف، ويقابل العلو بأقسامه النزول".

نعم، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن قل عدده" يعني إن قل عدد رجال الإسناد "فإما أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة، فالأول هو العلو المطلق، والثاني النسبي"، رجال الإسناد الموصل إلى المتن يتفاوتون من حديث إلى آخر قلة وكثرة، فبعض الأحاديث تروى بأسانيد قليلة، رجالهم عددهم قليل، وبعضها بأسانيد تطول ويكثر الرواة فيها، فالأول يسمى عند أهل العلم بالعالي، والثاني يسمى بالنازل، فالعالي ما قل عدد رواته، ما قَلَّت فيه الوسائط بين المصنف وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنازل: ضده ما كثر عدد رواته وكثرت الوسائط فيه بين المصنف والنبي -عليه الصلاة والسلام-، والمراد بقلة الرواة هنا بالنسبة إلى أي سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه بعدد أكثر، وقد عظمت رغبة المتأخرين في العلو حتى غلب ذلك على كثير منهم، بحيث أهملوا الاشتغال بما هو أهم منه من الثبوت والفهم والاستنباط، وإنما كان العلو مرغوباً فيه لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ؛ لأنه ما من راوٍ من رجال الإسناد إلا والخطأ جائز عليه فكلما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان التجويز، وكلما قلت قلت" قاله الحافظ، يعني ما من راوٍ من الرواة إلا ويحتمل أنه أخطأ فإذا كان عدد الرواة قليلاً كان الاحتمال قليلاً، وإذا كان عدد الرواة كثيراً كان هذا الاحتمال كثير. قال ابن الصلاح: "طلب العلو سنة، ولذلك استحبت الرحلة في الحديث"، قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: "طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف"، وقد روينا أن يحيى بن معين قيل له في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: "بيت خالي وسند عالي" هذه أمنيته، بيت خالي وسند عالي، بيت خالي ليخلو بربه، ويأنس بمناجاته وذكره، وسند عالي هذه غايته في هذه الدنيا، مش يتمنى .. ، يتمنى طول عمر، يتمنى قصور وضياع ومزارع، يتمنى أرصدة، لا، لا يتمنى هذا كله؛ لأن الدنيا لا شيء، لا تزن عن الله جناح بعوضة، والغنى الحقيقي غنى النفس، والله المستعان.

قال الحافظ: فإن كان في النزول مزية ليست في العلو كأن يكون رجاله أوثق أو أحفظ أو أفقه أو الاتصال فيه أظهر فلا تردد في أن النزول أولى، ونقل ابن كثير عن بعض المتكلمين أنه كلما طال الإسناد كان النظر في التراجم والجرح والتعديل أكثر فيكون الأجر على قدر المشقة، قال ابن كثير: "وهذا لا يقابل ما ذكرناه" معنى هذا الكلام عن بعض المتكلمين يقول: إن الإسناد النازل أفضل من الإسناد العالي، لماذا؟ لأنك وأنت تبحث في حديث رجاله ثلاثة مثلاً وكل واحد من هؤلاء الرواة يحتاج إلى ربع ساعة أنت في ساعة إلا ربع تنتهي من الحديث، صح وإلا لا؟ بينما لو كان الحديث تساعي تحتاج في تسعة كل واحد ربع ساعة نحتاج إلى ساعتين وربع، نعم، نحتاج إلى ساعتين وربع، فهذا أكثر مشقة، فهو أفضل والأجر على قدر النصب، نقول: لا، هذا أمر لا يعنيك وأنت من المتكلمين، أنت لا تفهم الصنعة، هؤلاء الثلاثة الذين روي من طريقهم كل واحد يحتمل أنه أخطأ من هؤلاء الثلاثة، وكل واحد من أولئك التسعة يحتمل أنه أخطأ، فاحتمال الخطأ في النازل أقوى من احتمال الخطأ في العالي، فالعلو أفضل، نعم. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . أنت إذا نظرت إلى السند فوجدته برجال عدده أقل فهو عالي، وفي الغالب أن هؤلاء الثلاثة قد طالت أعمارهم، وإذا نظرت إلى الإسناد النازل وجدت أن رجاله أكثر، وفي الغالب أن أعمارهم المدد بينهم قصيرة فإن قل عدد رجال السند وانتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك العدد القليل بالنسبة إلى أي سند آخر يرد به ذلك الحديث بعينه فهو العلو المطلق، يعني إذا كان العلو بين المصنف والنبي -عليه الصلاة والسلام- هذا علو مطلق، لكن إذا كان العلو بين المصنف وبين إمام من أئمة الحديث كشعبة مثلاً، فهو علو نسبي فإن اتفق أن يكون مع العلو سند صحيح كان الغاية القصوى وإلا فصورة العلو فيه موجودة ما لم يكن موضوعاً فهو كالعدم.

وإن قل عدد رجال السند وانتهى إلى إمام من أئمة الحديث ذي صفة علية كالحفظ والضبط والإتقان والفقه والتصنيف وغير ذلك كشعبة ومالك وسفيان الثوري والشافعي والبخاري ومسلم وغيرهم فهو العلو النسبي وهو ما يقل العدد فيه إلى ذلك الإمام، ولو كان العدد من ذلك الإمام إلى منتهاه كثيراً. وأعلى ما في الكتب الستة الثلاثيات، ففي البخاري منها اثنان وعشرون حديثاً، غالبها عن المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، أعلى ما في الكتب الستة الثلاثيات، في البخاري منها اثنان وعشرون حديثاً، وغالبها عن المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، وليس في مسلم ولا حديث ثلاثي، وكذلك أبو داود والنسائي، ابن ماجه فيه شيء يسير وكذلك الترمذي، وفي المسند أكثر من ثلاثمائة حديث ثلاثي لقدم مؤلفه وهي مجموعة شرحها السفاريني في مجلدين كبيرين، شرح ثلاثيات المسند، وكثير من أحاديث الموطأ ثنائيات وثلاثيات لتقدم الإمام مالك على الإمام أحمد أيضاً. في سنن أبي داود حديث اختلف فيه هل هو ثلاثي أو رباعي؟ كيف؟ السند أمامنا موجود، ولا نعرف أن نحسب كم عدد الرواة؟! حديث أبي برزة في الحوض اختلف فيه هل هو ثلاثي أو رباعي؟ أبو داود يروي أصل الخبر عن ثلاثة، يرويه عن أبي برزة بواسطة اثنين، فالقصة ثلاثية، لكن الخبر الذي هو المقصود المرفوع في الحوض رباعي؛ لأن الواسطة بين أبي برزة وبين الراوي عنه رجل مبهم، فهو رباعي وليس بثلاثي، وإن زعم بعضهم أنه ثلاثي لأن القصة ثلاثية. قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وفيه الموافقة" في العالي الموافقة، "وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه"، وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه، تصل إلى محمد بن بشار من غير طريق البخاري، تصل إلى قتيبة بن سعيد من غير طريق مسلم وهكذا. "وفيه البدل، وهو الوصول إلى شيخ شيخه كذلك"، تصل إلى غندر -محمد بن جعفر- من غير طريق البخاري، ومن غير طريق محمد بن بشار وهكذا.

"وفيه المساواة وهو استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين" المساواة يعني في البخاري حديث تساعي وعند الحافظ العراقي أحاديث تساعيات ساوى فيها البخاري هذه مساواة، لكن هل هو عالي عند البخاري وإلا نازل؟ تساعي؟ نازل جداً، عالي عند الحافظ العراقي وإلا نازل؟ عالي جداً؛ لأن البخاري -رحمه الله- مات سنة مائتين وستة وخمسين، والعراقي مات سنة ثمانمائة وستة، بينهم خمسة قرون ونصف، ويروي الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة تسعة، والعراقي يروي الحديث بواسطة تسعة، هذا عالي بالنسبة للعراقي وهذا نازل بالنسبة للبخاري. "وفيه المصافحة وهي الاستواء مع تلميذ ذلك المصنف" فكأن الإمام العالم المتأخر صافح ذلك الإمام القديم؛ لأنه ساوى تلميذ ذلك المصنف القديم فكأنه صافحه، لما عرف الحافظ العلو ووضح المراد به، وذكر قسميه المطلق والنسبي، ذكر أقسام ثاني نوعيه وهو النسبي، فأول هذه الأقسام: الموافقة، وعرفها ابن الصلاح بقوله: هي أن يقع لك الحديث عن شيخ مسلم فيه مثلاً عالياً بعدد أقل من العدد الذي يقع لك ذلك الحديث عن ذلك الشيخ إذا رويته عن مسلم عنه، ومثل له الحافظ بما إذا روى البخاري عن قتيبة عن مالك حديثاً فلو رويناه من طريقه، يعني لو رويناه من طريق البخاري كان بيننا وبين قتيبة ثمانية، هذا كلام الحافظ، ولو روينا ذلك الحديث بعينه من طريق أبي العباس السراج عن قتيبة مثلاً لكان بيننا وبين قتيبة سبعة، فقد حصلت لنا الموافقة مع البخاري في شيخه بعينه مع علو الإسناد على الإسناد إليه. هذه الأنواع يعتني بها كثير من الذين يصنفون في التراجم والسير، والحافظ الذهبي يعتني بذلك كثيراً في سير أعلام النبلاء وفي تاريخ الإسلام وفي تذكرة الحفاظ، ويذكر من أحاديث المترجم ما يقع له عالياً، يعتني بذلك كثيراً.

والثاني: البدل وهو كما قال ابن الصلاح: أن يقع لك هذا العلو عن شيخ غير شيخ مسلم، هو مثل شيخ مسلم في ذلك الحديث، ومثاله في الحديث السابق: أن يقع ذلك الإسناد بعينه من طريق أخرى إلى القعنبي عن مالك فيكون القعنبي بدلاً فيه من قتيبة، قال ابن الصلاح: "وقد يرد البدل إلى الموافقة فيقال فيما ذكرناه: إنه موافقة عالية في شيخ شيخ مسلم، ولو لم يكن ذلك عالياً فهو أيضاً موافقة وبدل، لكن لا يطلق اسم الموافقة والبدل لعدم الالتفات إليه". أقول: هذه أمور تكميلية وليست من صميم علم الحديث، أقول: هذه أمور تكميلية وليست حاجية. والثالث: المساواة وهي أن يقع بين الراوي من المتأخرين وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثلما وقع من العدد بين مسلم أو البخاري إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال ابن حجر: كأن يروي النسائي مثلاً حديثاً يقع بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد عشر نفساً وقد وجد، وجد عند النسائي حديث يرويه النسائي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة أحد عشر رجلاً، وهو أطول إسناد عنده، بل أطول إسناد في الكتب الستة، حديث يتعلق بفضل سورة الإخلاص، قال ابن حجر: "كأن يروي النسائي مثلاً حديثاً يقع بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد عشر نفساً فيقع لنا ذلك الحديث بعينه بإسناد آخر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقع بيننا وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد عشر نفساً، فنساوي النسائي من حيث العدد مع قطع النظر عن ملاحظة ذلك الإسناد الخاص". يعني مثل ما مثلنا البخاري عنده حديث تساعي: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) هذا فيه تسعة بين البخاري والنبي -عليه الصلاة والسلام-، والحافظ العراقي وهو بعد البخاري بخمسة قرون ونصف عنده أحاديث تساعية فهذه مساواة.

والرابع: المصافحة: وهي أن تقع تلك المساواة مع تلميذ المصنف فتكون كأنك لقيت مسلماً أو البخاري في ذلك الحديث وصافحته به لكونك قد لقيت شيخك المساوي لمسلم، قال ابن الصلاح: "فإن كانت المساواة لشيخ شيخك كانت المصافحة لشيخك وهكذا"، ثم قال: "اعلم أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول إذ لولا نزول ذلك الإمام في إسناده لم تعلُ أنت في إسنادك" يعني لولا وجود التساعي في البخاري ما علا الحافظ العراقي؛ لأن المسألة نسبية هذا عالي بالنسبة للعراقي وهذا نازل بالنسبة للبخاري، لولا نزول البخاري في هذا الحديث التساعي لما علا الحافظ العراقي فيه، ثم ذكر ابن الصلاح أنواعاً من العلو منها: العلو المستفاد من تقدم وفاة الراوي، ومثل له بما يرويه عن شيخ أخبره به عن واحد عن البيهقي الحافظ عن الحاكم أبي عبد الله أعلى من روايتي لذلك عن شيخ أخبرني به عن واحد عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم وإن تساوى الإسنادان في العدد لتقدم وفاة البيهقي على وفاة ابن خلف، يعني علو ناشئ وناتج عن تقدم وفاة الراوي؛ لأن البيهقي مات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ومات ابن خلف سنة سبع وثمانين أكثر من ثلاثين سنة، يقرب من ثلاثين سنة الفرق بينهما، فتقدم وفاة البيهقي تورث علو، يعني عن كونك تروي مسألة عن شيخ تقدمت وفاته جداً بحيث لم يدركه كثير من أقرانك، والشيخ هذا يروي عن شيخ يروي عنه شيخ آخر تأخرت وفاته فأدركه زملاؤك ورفقاؤك أنت أعلى منهم؛ لأنك أدركت شيخاً تقدمت وفاته. العلو المستفاد من تقدم السماع: مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد وسماع أحدهما من ستين سنة وسماع الآخر من أربعين سنة، فإذا تساوى السند إليهما في العدد فالإسناد إلى الأول الذي تقدم سماعه أعلى.

قال -رحمه الله-: "ويقابل العلو بأقسامه النزول" مقابل العلو السابق المرغوب فيه النزول، فكل قسم من أقسام العلو ضده قسم من أقسام النزول تدرك من التفصيل السابق، قال الحافظ: "خلافاً لمن زعم أن العلو قد يقع غير تابع للنزول"، وقال ابن الصلاح: "وأما قول الحاكم أبي عبد الله لعل قائلاً يقول: النزول ضد العلو فمن عرف العلو عرف ضده وليس كذلك، فإن للنزول مراتب لا يعرفها إلا أهل الصنعة" إلى آخر كلامه، فهذا ليس نفياً لكون النزول ضداً للعلو على الوجه الذي ذكرته، بل نفياً لكونه يعرف بمعرفة العلو، وذلك يليق بما ذكره هو في معرفة العلو فإنه قصر في بيانه وتفصيله -رحمه الله-، وليس كذلك ما ذكرناه نحن في معرفة العلو فإنه مفصل تفصيلاً مفهماً لمراتب النزول والعلم عند الله -تبارك وتعالى-. ثم إن النزول حيث ذمه من ذمه كقول علي بن المديني وأبي عمرو المستملي: "النزول شؤم" وكقول ابن معين: "الإسناد النازل قرحة في الوجه" فهو محمول على ما إذا لم يكن مع النزول ما يجبره كزيادة الثقة برجاله على العالي، أو كونهم أحفظ أو أفقه، أو كونه متصلاً بالسماع، وفي العالي حضور أو إجازة أو مناولة أو تساهل من بعض رواته في الحمل ونحو ذلك، فإن العدول حينئذ إلى النزول ليس بمذموم ولا مفضول؛ لأن العبرة، العبرة في الأسانيد بنظافة الأسانيد، بثقة الرواة، وشدة الاتصال، فإذا تساوى الإسنادان العالي والنازل في ثقة الرواة وتمام الاتصال قدم العالي، لكن إذا تميز النازل بزيادة في ثقة رواته قدم على العالي؛ لأنه كما قلنا: إن العلو تكميلي، أقول: تكميلي، قد يصح السند وهو نازل، وقد يضعف السند وهو عالي.

يقول الحافظ العراقي في شرح ألفيته: "قد روينا عن وكيع قال: الأعمش أحب إليكم عن أبي وائل عن عبد الله أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، أحب إليكم الواسطة باثنين أو بخمسة؟ نعم، فقلنا: الأعمش عن أبي وائل أقرب، الأعمش عن أبي وائل أقرب، فقال: الأعمش شيخ، وأبو وائل شيخ، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة فقيه عن فقيه عن فقيه، يعني هؤلاء أئمة، أولئك شيوخ، لكن هؤلاء أئمة، روينا عن ابن المبارك قال: "ليس جودة الإسناد قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال، ليس جودة الحديث قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال، وروينا عن السلفي قال: "الأصل الأخذ عن العلماء، فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة على مذهب المحققين من النقلة، والنازل حينئذ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق، كما روينا عن نظام الملك قال: "عندي أن الحديث العالي ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن بلغت رواته مائة" كما روينا عن السلفي من نظمه: ليس حسن الحديث قرب رجال ... عند أرباب علمه النقادِ بل علو الحديث بين أولي الحفظ ... والإتقان صحة الإسنادِ وإذا ما تجمعا في حديث ... فاغتنمه فذاك أقصى المرادِ قال ابن الصلاح: "هذا ونحوه ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب، والله أعلم". وكما ذكرنا أعلى حديث في البخاري الثلاثيات، وعدتها اثنان وعشرون حديثاً، وأنزل ما فيه التساعي، أنزل حديث في البخاري: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) وفي السنة حديث فضل سورة الإخلاص عند النسائي، ففيه ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهذا أنزل إسناد، ستة في طبقة واحدة يروي بعضهم عن بعض، نعم. سم. "فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في السن واللقي فهو الأقران، وإن روى كل منهما عن الآخر فالمدبج، وإن روى عمن دونه فالأكابر عن الأصاغر، ومنه الآباء عن الأبناء، وفي عكسه كثرة، ومنه من روى عن أبيه عن جده".

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن تشارك الراوي ومن روى عنه في السن واللقي فهو الأقران، وإن روى كل منهما عن الآخر فالمدبج" الأقران هم المتقاربون في السن والإسناد، يعني الزملاء يتضح الأقران هنا في الدراسة في هذه الأيام في الدراسة النظامية، يعني الذين هم في سنة واحدة من الدراسة هم أقران، متقاربون في السن، يعني إن زاد واحد سنة أو نقص سنة هذا لا يفرق، لكن في الدراسة سابقاً في المساجد يوجد من عمره سبعون سنة، ويوجد من عمره عشر سنوات في حلقة الشيخ، هؤلاء نقول لهم: أقران؟ نعم، لا، هم زملاء صحيح، لكن ليسوا بأقران، فالأقران هم المتقاربون في السن والإسناد، قاله ابن الصلاح، وزاد العراقي في شرح ألفيته غالباً، قال الحاكم: "إنما القرينان إذا تقارب سنهما وإسنادهما"، وقال ابن الصلاح: "وربما اكتفى الحاكم أبو عبد الله بالتقارب في الإسناد، وإن لم يوجد التقارب في السن، وعلى هذا يمكن أن يسمى أقران وإن كان بينهم بون في أعمارهم. والمدبج يعني إذا روى زيد عن عمرو وهم أقران نقول: هذه رواية أقران، روى زيد عن عمرو هذه رواية الأقران، فإن روى عمرو عن زيد أيضاً هذا المدبج، يعني كل واحد من الأقران يروي عن الثاني، عمرو يروي عن زيد وزيد يروي عن عمرو، هذا يسمونه إيش؟ المدبج، لكن رواية زيد عن عمرو أقران، رواية عمرو عن زيد أقران وهكذا. والمدبج بضم الميم وفتح الدال وتشديد الباء الموحدة وآخره جيم إذا روى كل من القرينين عن الآخر هذا يسمى عند أهل العلم المدبج، وهو أخص من الأقران فكل مدبج أقران وليس كل أقرن مدبجاً، فعلى هذا فإن رواية القرين عن قرينة تنقسم إلى قسمين:

الأول: أن يروي أحد القرينين عن الآخر ولا يروي الآخر عنه فيما يعلم، ومثاله: رواية سليمان التيمي عن مسعر وهما قرينان، قال الحاكم: لا أحفظ لمسعر عن سليمان رواية، يعني سليمان التيمي يروي عن مسعر بن كدام ومسعر لا يروي عن سليمان، هذه رواية أقران، قال العراقي: "وقد يجتمع جماعة من الأقران في حديث واحد كحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبي خيثمة زهير بن حرب عن يحيى بن معين عن علي بن المديني هؤلاء كلهم أقران، عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن أبي بكر بن حفص عن أبي سلمة عن عائشة قالت: "كنا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذن من شعورهن حتى تكون كالوفرة" فأحمد والأربعة بعده خمستهم أقران، خمسة أقران يروي بعضهم عن بعض، ويلزم من هذا العلو وإلا النزول؟ يلزم منه النزول، وصنف في رواية الأقران أبو الشيخ الأصبهاني. والثاني: أن يروي كل من القرينين عن الآخر وهو المدبج، وبذلك سماه الدارقطني وجمع فيه كتاباً حافلاً في مجلد، ومثاله في الصحابة رواية أبي هريرة عن عائشة ورواية عائشة عن أبي هريرة، وفي التابعين رواية الزهري عن أبي الزبير ورواية أبي الزبير عنه، وفي أبتاعهم رواية مالك عن الأوزاعي ورواية الأوزاعي عنه، قال الحافظ في النزهة: "وإذا روى الشيخ عن تلميذه صدق أن كلاً منهما يروي عن الآخر؛ فهل يسمى مدبجاً؟ فيه بحث، والظاهر لا"، المدبج رواية القرين عن قرينه والعكس، يروي كل واحد منهما عن الآخر، لكن إذا روى التلميذ عن شيخه الجادة، لكن إذا روى الشيخ عن تلميذه هل يسمى مدبج أيضاً؟ يقول الحافظ: "الظاهر لا؛ لأنه من رواية الأكابر عن الأصاغر على ما سيأتي".

والتدبيج مأخوذ من ديباجتي الوجه فيقتضي أن يكون ذلك مستوياً من الجانبين فلا يجيء فيه هذا، قال السيوطي: "من فوائد معرفة الأقران ألا يظن الزيادة في الإسناد أو إبدال (عن) بالواو" فائدة معرفة رواية الأقران إذا نظرت إلى الإسناد السابق الإمام أحمد عن أبي خيثمة زهير بن حرب عن يحيى بن معين عن علي بن المديني عن عبيد الله بن معاذ، يعني تعرف أن الأقران يروي بعضهم عن بعض، ما تأتي إلى (عن) هذه تظنها أنها واو، غلط الناسخ وكتبها (عن)، فتقول: روى الإمام أحمد وأبو خيثمة زهير بن حرب ويحيى بن معين وعلي بن المديني وعبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة ما تظن هذا؟ اللي ما يعرف يقول: كيف خمسة زملاء يروي بعضهم عن بعض؟ هؤلاء الخمسة كلهم يروون عن شخص واحد، الذي لا يعرف أن الأقران يروي بعضهم عن بعض قد يصحح، قال السيوطي: "من فوائد معرفة الأقران ألا يظن الزيادة في الإسناد أو إبدال (عن) بالواو". قال الحافظ: "وإن روى عن من دونه فالأكابر عن الأصاغر ومنه الآباء عن الأبناء وفي عكسه كثرة ومنهم من روى عن أبيه عن جده"، إذا روى الراوي عن من دونه في السن أو في المقدار فليعلم أن هذا النوع يسمى رواية الأكابر عن الأصاغر، قال ابن الصلاح: "ومن الفائدة فيه: أن لا يتوهم كون المروي عنه أكبر وأفضل من الراوي نظراً إلى أن الأغلب كون المروي عنه كذلك فيجهل بذلك منزلتهما، وقد صح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم".

قال الحافظ العراقي في شرح ألفيته: "والأصل في هذا الباب رواية النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تميم الداري، النبي -عليه الصلاة والسلام- روى عن تميم الداري حديث الجساسة، وهو في صحيح مسلم، هذه من رواية الأكابر عن الأصاغر، قال ابن الصلاح: "ثم أن ذلك –يعني رواية الأكابر عن الأصاغر- يقع على أضرب منها: أن يكون الراوي أكبر سناً وأقدم طبقة من المروي عنه كالزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري في روايتهما عن مالك، ومنها: أن يكون الراوي أكبر قدراً من المروي عنه بأن يكون حافظاً عالماً والمروي عنه شيخاً راوياً فحسب كمالك في روايته عن عبد الله بن دينار وأحمد بن حنبل وأسحق بن راهويه في روايتهما عن عبيد الله بن موسى، ومنها: أن يكون الراوي أكبر من الوجهين جميعاً كرواية كثير من العلماء والحفاظ عن أصحابهم وتلاميذتهم كالحافظ عبد الغني في روايته عن الصوري، وكرواية البرقاني عن الخطيب ورواية الخطيب عن بن ماكولا، ويندرج تحت هذا النوع ما يذكر من رواية الصحابي عن التابعي كرواية العبادلة وغيرهم من الصحابة عن كعب الأحبار، وكذلك رواية التابعي عن تابع التابعي وهكذا، ومن جملة هذا النوع وهو أخص من مطلقه، رواية الآباء عن الأبناء، الآباء عن الأبناء لا شك أن الآباء هم الأكابر، والأبناء هم الأصاغر، فرواية الآباء عن الأبناء داخلة في رواية الأكابر عن الأصاغر، لكنها مع نوع خصوصية، يعني بعيد أن يروي الأب عن ابنه لكنه موجود، وصنف فيه الخطيب كتاباً روى فيه من حديث العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الصلاتين في المزدلفة، وقال ابن الصلاح: "وروينا عن وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل -وهما ثقتان- أحاديث منها: عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: ((أخروا الأحمال فإن اليد معلقة والرجل موثقة)) قال الخطيب: لا يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما نعلمه إلا من جهة بكر وأبيه، وعكس ذلك رواية الأصاغر عن الأكابر، هذه الجادة هذا هو الغالب رواية الأصاغر عن الأكابر، والجادة المسلوكة وأمثاله كثيرة جداً، لا يمكن أن يحاط بها لأنها الأصل في الرواية أن

الصغير يروي عن الكبير. ومنه رواية الأبناء عن الآباء: وصنف فيه أبو نصر الوائلي الحافظ، قال ابن الصلاح: "وأهمه ما لم يسم فيه الأب والجد وهو نوعان: أحدهما: رواية الابن عن الأب عن الجد، نحو: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وله بهذا نسخة كبيرة أكثرها فقهيات جياد، وشعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد احتج أكثر أهل الحديث بحديثه حملاً لمطلق الجد فيه على الصحابي عبد الله بن عمرو دون ابنه محمد والد شعيب، والاختلاف في هذه النسخة معروف عند أهل العلم، منهم من قال: لا يحتج برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدة للاختلاف في مرجع الضمير في الجد هل يرجع إلى عمرو فيكون الجد محمد وعلى هذا يكون الخبر مرسل؟ أو يرجع إلى شعيب وحينئذ يكون الجد عبد الله بن عمرو؟ وقد صرح شعيب في المراد بالجد قال: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، ولذا الذي يراه جمع من أهل التحقيق أن الرواية بهذا الإسناد حسنة ليست. . . . . . . . . على الصحيح وليست مردودة لوجود مثل هذا الخلاف. ونحو بهز بن حكيم عن أبيه عن جده روي بهذا الإسناد نسخة كبيرة حسنة، وجده معاوية بن حيدة القشيرى، وقد اختلف في الاحتجاج بهذه السلسلة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لا للخلاف في الضمير فالجد من هو؟ بهز بن حكيم بن معاوية، الجد هو معاوية وليس حيدة؛ لأن حيدة ليس بمسلم فلا يختلف في المراد بالجد، لكن لأهل العلم كلام في بهز نفسه. طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، وجده عمرو بن كعب اليامي، ويقال: كعب بن عمرو، ومسألة الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وطلحة بن مصرف عن أبيه عن جده معروفة عند أهل العلم، وجمع الحافظ صلاح الدين العلائي من المتأخرين مجلداً كبيراً في معرفة من روى عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقسمه أقساماً، فمنه ما يعود الضمير في قوله: عن جده على الراوي، ومنه ما يعود الضمير فيه على أبيه، بين ذلك وحققه وخرج في كل ترجمة حديثاً من مرويه.

وأكثر ما وقع فيه ما تسلسلت فيه الرواية عن الآباء أربعة عشر أباً، فلان ابن فلان عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه .. إلى آخره، أربعة عشر أباً، وصنف فيه ابن قطلوبغا كتاباً سماه: (من روى عن أبيه عن جده) وطبع محققاً، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سم. "وإن اشترك اثنان عن شيخ وتقدم موت أحدهما فهو السابق واللاحق". عن شيخ وتقدم موت أحدهما فهو السابق واللاحق، السابق اسم فاعل من السبق، وللاحق مثله، والمراد به: أن يشترك اثنان في الرواية عن شيخ ويتقدم موت أحدهم عن الآخر بحيث يتباين وقت وفاتيهما تبايناً شديداً، فيحصل بينهما أمد بعيد، وإن كان المتأخر منهما غير معدود من معاصري الأول وذوي طبقته فالمتقدم يقال له السابق والمتأخر يقال له: اللاحق.

لو افترضنا أن زيد من الناس جلس للإقراء وطال عمره مكث سبعين سنة يقرئ الناس في بداية جلوسه للإقراء تصور أنه سنة ألف وأربعمائة بدأ يقرئ الناس، حضر عنده شخص في أول جلوسه للناس سنة ألف وأربعمائة، نعم، وحضر عنده سنة كاملة بحيث صار من ألزم طلابه له، ثم مات في هذه السنة سنة ألف وأربعمائة، ثم مكث الشيخ سبعين سنة يقرئ الناس من ألف وأربعمائة إلى ألف وأربعمائة وسبعين، في آخر سنة قرأ عليه شخص، الأول مات سنة كم؟ الطالب الأول مات سنة كم؟ ألف وأربعمائة، والثاني: الذي بدأ الطلب في سنة ألف وأربعمائة وسبعين وهذا مثال نعم، عمّر ولم يمت إلا بعد سبعين سنة، تصور أنه لما قرأ عليه سنة ألف وأربعمائة وسبعين عمره عشرين سنة، وعمر تسعين سنة أضف السبعين إلى السبعين الأولى كم يصير؟ ألف وخمسمائة وأربعين، يكون كم بين وفاة التلميذ الأول والتلميذ الثاني؟ مائة وأربعين سنة، هذا متصور وإلا ما هو متصور؟ يكون بين وفاة الاثنين وهما من طلاب ذلك الشخص مائة وأربعين سنة، وهذا متصور، يعني كيف يقال زملاء قرءا على شيخ واحد وبينهما مائة وأربعين سنة؟ هذا السابق واللاحق، وهذا موجود في الرواة، وصورته ما سمعتم، مثاله: روى الإمام البخاري في تاريخه عن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري، روى الإمام البخاري في تاريخه عن محمد بن إسحاق السراج، وروى عنه أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري وبين وفاتيهما، بين وفاة البخاري ووفاة الخفاف مائة وسبعة وثلاثون سنة أو أكثر، وذلك أن البخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين، ومات الخفاف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، يعني سبعة وثلاثين ومائة سنة، وهو نظير ما ذكرناه في المثال. ومثل له الخطيب برواية الزهري عن الإمام مالك وروى عنه أيضاً زكريا بن دويد الكندي وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر، كذا مثل الخطيب بابن دويد ولا ينبغي أن يمثل به لأنه كذاب، فالصواب أن آخر أصحاب مالك أحمد بن إسماعيل السهمي مات سنة تسع وخمسين ومائتين وبينه وبين الزهري مائة وخمس وثلاثون سنة، بين وفاته وبين وفاة الزهري مائة وخمسة وثلاثون سنة، وكلاهما أخذ عن الإمام مالك.

يقول الحافظ: "وأكثر ما وقفنا عليه من ذلك ما بين الراويين فيهم في الوفاة مائة وخمسون سنة، وذلك أن الحافظ السلفي سمع منه أبو علي البرزاني أحد مشايخه حديثاً ورواه عنه ومات على رأس الخمسمائة، ثم كان آخر أصحاب السلفي بالسماع سبطه أبا القاسم عبد الرحمن بن مكي، وكانت وفاته سنة خمسين وستمائة، كم بينهم؟ مائة وخمسين سنة. ومن فوائد هذا النوع كما قال ابن الصلاح: تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب، تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب، يعني هذه الشخص الذي عمر إلى سنة ألف وخمسمائة وأربعين في المثال الذي ذكرناه إذا روى عنه شخص وعمّر لا شك أنه ينتج عن ذلك علو الإسناد. وقال السيوطي: "ومن فوائده أيضاً ألا يظن سقوط شيء من الإسناد"، لا يظن سقوط شيء من الإسناد، وهذا في العالي قد يتصور أن الإسناد سقط منه شيء لا سيما مع طول أعمار الرواة. وقال الصنعاني في شرح نظمه للنخبة: "عد هذا نوعاً من أنواع علوم الحديث قليل الجدوى، عديم الفائدة، وهذه الحلاوة التي ذكرت ما أظن عارفاً يذوقها، ثم إنه ليس اسماً لرتبة معينة كرواية الآباء عن الأبناء، والأكابر عن الأصاغر ونحوها"، وقد صنف الخطيب كتاباً سماه: (السابق واللاحق) طبع محققاً في مجلد. يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وإن روى عن اثنين متفقي الاسم ولم يتميزا فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل"، هذا المهمل يذكر اسم الراوي فقط، حدثنا محمد، كما يقوله البخاري كثيراً، هذا مهمل، عن سفيان هذا مهمل، عن حماد هذا مهمل، أقول: باختصاصه بأحدهما إن روى عن اثنين متفقي الاسم ولم يتميزا فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل. والمهمل: اسم مفعول من الإهمال، وحقيقته عند أهل الحديث أن يروي الراوي عن اثنين متفقي الاسم فقط أو الكنية أو مع اسم الأب أو مع اسم الجد أو مع نسبته ولم يتميزا بما يخص كلاً منهما أو يخص أحدهما فقط، والفرق بين المبهم والمهمل أن المبهم لم يذكر له اسم، المبهم لا يذكر له اسم، حدثني رجل، حدثني فلان، والمهمل ذكر اسمه لكن مع الاشتباه مع غيره.

قال ابن حجر: "ومن أراد لذلك ضابطاً كلياً يمتاز به أحدهما عن الآخر فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل، ومتى لم يتبين ذلك أو كان مختصاً بهما معاً فإشكاله شديد فيرجع فيه إلى القرائن والظن الغالب، إذا كانا ثقتين فالأمر سهل، إذا كانا ضعيفين يعني جميع من في هذه الطبقة ممن اسمه محمد ثقات، الحمد لله، ممن يروي عنهم ذلك الشخص ما في إشكال، وإن كانوا كلهم ضعفاء فالأمر أيضاً مفروغ منه يضعف الخبر لضعف جميع من اسمه هذا. الإشكال فيما إذا كان بعضهم ثقات وبعضهم ضعفاء، مثال ذلك: ما يقع كثيراً في صحيح البخاري عن محمد غير منسوب، ولذا يختلف فيه الشراح كثيراً، ويرجح بعضهم ما لا يرجحه الآخر، ويحتمل أن يكون الذهلي أو ابن سلام أو غيرهما، كما يقع في صحيح البخاري رواية عن أحمد غير منسوب عن ابن وهب وهو إما أحمد بن صالح المصري أو أحمد بن عيسى، وقد استوعب ذلك الحافظ ابن حجر في هدي الساري مقدمة فتح الباري، والذي يضر من ذلك أن يكون أحدهما ضعيفاً، من ذلك قول وكيع: حدثنا النضر عن عكرمة وهو يروي عن النضر بن عربي وعن النضر بن عبد الرحمن وهو ضعيف، أما إذا كانا ثقتين فإن عدم تميز أحدهما عن الآخر فإنه لا يضر كعدم تميز سفيان أو حماد، وهناك ضابط للسفيانين والحمادين ذكره الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في آخر المجلد السابع من سير أعلام النبلاء فليراجع. ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وإن جحد الشيخ مرويه جزماً رد، أو احتمالاً قبل في الأصح، وفيه من حدث ونسي". "إن جحد الشيخ مرويه جزماً رد"، يعني إذا قال الشيخ: أنا لم أحدثك بهذا الحديث -يعني الطالب- قال له: بلى حدثتني في يوم كذا، قال: أبداً، أنا لم أحدثك، فإنه حينئذ يرد؛ لأنه هو الأصل، أو احتمالاً، يقول: والله أنا نسيت، ما أدري والله أنا حدثتك أو ما حدثتك فإنه يقبل؛ لأن الطالب جازم والشيخ شاك.

وفيه من حدث ونسي: إذا روى شيخ عن ثقة حديثاً فجحد الشيخ المروي عنه ونفى ما نسب إليه، قال ابن الصلاح: "المختار أنه إن كان جازماً بنفيه بأن قال: ما رويته أو كذب علي أو نحو ذلك فقد تعارض الجزمان، والجاحد هو الأصل فوجب رد حديث الفرع، قال القاري على المختار: "وهو محكي عن الشافعي، وبالغ بعضهم في ذلك فنقل الإجماع عليه"، وقال ابن حجر: "رد الخبر لكذب واحد منهما لا بعينه"، لكذب واحد منهما لا بعينه، أي لكذب الأصل في قوله: كذب علي أو ما رويت إن كان الفرع صادقاً أو كذب الفرع في الرواية إن كان الأصل صادقاً في قوله: كذب علي، قال ابن الصلاح: "ثم لا يكون ذلك جرحاً له يوجب رد باقي حديثه لأنه مكذب لشيخه أيضاً، وليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا، إيش معنى هذا الكلام؟ إذا روى زيد عن عمرو حديثاً فقال عمرو: كذب زيد ما رويته هذا الحديث وليس الحديث من مروياتي جازم بذلك يرد الخبر، يرد الخبر، لماذا؟ لأن أحدهما كاذب، لا بعينه يعني مثل ما يقال في اللعان، "الله يعلم إن أحدكما كاذب فهل من تائب؟ " أحدهما كاذب، .... إذا قذف الزوج زوجته بالزنى ونفت ذلك وتلاعنا لا شك أن أحدهما كاذب إما الزوج وإما الزوجة، لكن لا يحكم بالحد على الزوج إذا لاعن، ويدرأ عن الزوجة الحد باللعان أيضاً، فأحدهما كاذب لكن لا بعينه، ما يدرى هو الزوج أو .... ؟ وهنا إذا قال الشيخ: أنا ما حدثته كذب علي، وقال التلميذ: بلى حدثني، نعم، أحدهما كاذب؛ لأنه لا يجتمع النقيضان، لا يجتمع النقيضان، فأحدهما كاذب قطعاً، لكن هل يكون ذلك جرح في الشيخ أو في الطالب؟ قالوا: هذا ليس بجرح لا في الشيخ ولا في الطالب، نعم؛ لأن هذا الكذب بالنسبة للشيخ والطالب مشكوك فيه، والأصل أنه ثقة، والشك لا يرفع اليقين، ولذا قال ابن الصلاح: "ثم لا يكون ذلك جرحاً له يوجب رد باقي حديثه لأنه مكذب لشيخه أيضاً في ذلك، وليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا".

وفي شرح القاري: "عدالة الأصل تمنع كذبه فيجوز النسيان على الفرع وعدالة الفرع تمنع كذبه فيجوز النسيان على الأصل، ولم تتبين مطابقة الواقع فلا يكون ذلك قادحاً في واحد منهما"، هذا إذا كان النفي مجزوم به، والإنكار من قبل الشيخ إذا كان مجزوماً به، وإن كان إنكار الشيخ للحديث احتمال لا جزم بأن قال المروي عنه: لا أعرفه أو لا أذكره أو نحو ذلك، المسألة الأولى: الشيخ جازم يقول: أبداً ما عندي حديث بهذا اللفظ، أنا ما رويت حديث فضلاً عن أن أرويه غيري، أنا ما عندي حديث بهذا اللفظ، لكن إذا كان احتمال لا جزم فقال: لا أعرف هذا الحديث، أو لا أذكره أو نحو ذلك فذلك لا يوجب رد رواية الراوي عنه، بل يقبل الخبر عند جمهور أهل الحديث وأكثر الفقهاء؛ لأن ذلك يحمل على نسيان الشيخ، والحكم للذاكر إذ المثبت الجازم مقدم على النافي المتردد.

وقال بعض الحنفية: لا يقبل لأن الفرع تبع للأصل في إثبات الحديث بحيث إذا ثبت أصل الحديث ثبتت رواية الفرع، فكذلك ينبغي أن يكون فرعاً عليه وتبعاً له في التحقق، هم يقولون: ما دام الشيخ شاك وهو الأصل إذن الحديث مشكوك فيه، وهذا الراوي يرويه عن ذلك الشيخ الشاك فيسقط الحديث، ولا يقبل حينئذ من الطالب الذي روى عن شيخ شاك، قال ابن حجر: "وهذا متعقب فإن عدالة الفرع تقتضي صدقه، وعدم علم الأصل لا ينافيه؛ لأن الأصل ما هو بجازم، والفرع الذي هو الراوي جازم، والمفترض فيه أنه ثقة، ولا يجزم إلا بما يتيقن صدقه، "عدم علم الأصل لا ينافيه فالمثبت مقدم على النافي، وأما قياس ذلك بالشهادة ففاسد؛ لأن شهادة الفرع لا تسمع مع القدرة على شهادة الأصل بخلاف الرواية فافترقا، يعني لو جيء بشخص يشهد بدين لزيد على عمرو ثم تعذر عليه الحضور فكلف شخصاً أن يشهد عنه فرعاً عنه يشهد على شهادته، فذهب الفرع إلى القاضي وقال له: أشهد على فلان أنه يشهد بكذا ثم نوقش الأصل، وجد الأصل فنوقش قال: أبداً، أنا لا أشهد ولا حملته، مثل هذا يختلف عن الرواية، لماذا؟ لأن شهادة الفرع لا تسمع مع القدرة على شهادة الأصل بخلاف الرواية، الرواية تسمع من الفرع مع وجود الأصل فافترقا، وبنى الحنفية على أصلهم ردهم حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل ... )) الحديث، من أجل أن ابن جريج قال: لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه، وكذا حديث ربيعة الرأي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى بشاهد ويمين، فإن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: لقيت سهيلاً فسألته عنه فلم يعرفه، قال ابن الصلاح: والصحيح ما عليه الجمهور؛ لأن المروي عنه بصدد السهو والنسيان، والراوي عنه ثقة جازم، فلا ترد روايته بالاحتمال، ولهذا كان سهيل بعد ذلك يقول: حدثني ربيعة عني، حدثني ربيعة عني، نعم، عن أبي، حدثني ربيعة عني عن أبي، ويسوق الحديث، وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعدما حدثوا بها عمن سمعها منهم، فكان أحدهم يقول: حدثني فلان عني عن فلان

بكذا، وجمع الخطيب البغدادي في ذلك كتاباً أسماه: (أخبار من حدث ونسي) وقبله الدارقطني، وللسيوطي: (تذكرة المؤتسي في ذكر من حدث ونسي). وقال ابن الصلاح: "ولأجل أن الإنسان معرض للنسيان كره من كره من العلماء الرواية عن الأحياء، منهم الشافعي قال لابن عبد الحكم: "إياك والرواية عن الأحياء"، إياك والرواية عن الأحياء، يعني لا تروي إلا عن الأموات؛ لأنه قد ينسى الشيخ الذي رويت عنه ثم لا يلبث أن ينكر أنه رواك، وأن ما رويته عنه صحيح، أما إذا مات أمنت من هذه المفسدة، لكن من يضمن لك أنك تعمر حتى تبلغ هذه السنة بعد وفاة شيخك؟ من يضمن لك؟ نعم هناك مفسدة إذا أنكر وهذا نادر جداً لا يقابله مصلحة تبليغ العلم، والله المستعان، نعم. "وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل، وصيغ الأداء: سمعت وحدثني، ثم أخبرني، وقرأت عليه، ثم قرئ عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني، ثم ناولني، ثم شافهني، ثم كتب إلي، ثم عن ونحوها، فالأولان: لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره، وأولها أصرحها وأرفعها في الإملاء، والثالث والرابع: لمن قرأ بنفسه، فإن جمع فكالخامس، والإنباء بمعنى الإخبار إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كـ (عن)، وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من مدلس، وقيل: يشترط ثبوت لقائمها ولو مرة وهو المختار، وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها، واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية، وهي أرفع أنواع الإجازة، وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة، والوصية بالكتاب وفي الإعلام وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة، وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك".

نعم، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وإن اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل"، المسلسل: اسم مفعول من التسلسل وهو في اللغة: اتصال الشيء بعضه ببعض، ومنه سلسلة الحديد يعني حلقات متصلة بعضها ببعض، قال ابن الصلاح: "وهو عبارة عن تتابع رجال الإسناد وتواردهم فيه واحداً بعد واحد على صفة أو حالة واحدة وهو من نعوت الأسانيد بخلاف المرفوع ونحوه فإنه من صفات المتن وبخلاف الصحيح ونحوه فإنه من صفاتهما، وينقسم ذلك إلى ما يكون صفة للرواية والتحمل وإلى ما يكون صفة للرواة أو حالهم، ونوعه الحاكم أبو عبد الله إلى ثمانية أنواع، قال ابن الصلاح: "والذي ذكره فيها إنما هو صور وأمثلة ثمانية ولا انحصار لذلك في ثمانية، يعني ليس أنواع ولا أقسام وإنما هي صور وأمثلة قابلة للزيادة. مثال ما يكون صفة للرواية والتحمل: ما يتسلسل بصيغ الأداء كـ (سمعت)، يعني جميع رجال الإسناد يقول: سمعت فلاناً يقول، سمعت فلاناًً يقول، إلى آخره، يتسلسل بالسماع، إلى آخر الإسناد، أو يتسلسل بحدثنا أو أخبرنا إلى آخره، من ذلك أخبرنا -والله- فلان، قال: أخبرنا -والله- فلان، يعني يقسم على أنه أخبره، كل واحد من الرواة يقسم هذا مسلسل، ومثال ما يرجع إلى صفات الرواة وأقوالهم ونحوها حديث: ((اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك)) المتسلسل بقولهم: "إني أحبك فقل" الأصل فيه قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إني أحبك)) لمن؟ طالب:. . . . . . . . . نعم ((إني أحبك يا معاذ، فلا تدع في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك)) فصار كل راوٍ من الرواة بعد ذلك يقول: قال معاذ لمن روى عنه: إني أحبك فلا تدع أن تقول، ثم الذي يليه قال: إني أحبك فلا تدع أن تقول، إلى آخره فتسلسل، حديث التشبيك باليد أيضاً مسلسل بالأفعال، قال ابن الصلاح: "وخيرها ما كان فيه دلالة على اتصال السماع وعدم التدليس"، ومن فضيلة التسلسل اشتماله على مزيد الضبط من الرواة، يعني إذا كان كل راوٍ من الرواة يذكر ما اتصف به من روى عنه؛ لأنه يذكر صفة وهيئة موجودة حال الرواية.

وقلما تسلم المسلسلات من ضعف يعني وصف التسلسل لا في أصل المتن، والمناهل المسلسلة مجلد في الأحاديث المسلسلة، لكنه في كثير من هذه الأحاديث ضعف، في كثير من هذه الأحاديث ضعف، وفي كثير من التسلسل الذي يذكرونه فيه نظر، يقول: وقلما تسلم المسلسلات من ضعف، يعني وصف التسلسل لا في أصل المتن، ومن المسلسل ما ينقطع تسلسله في وسط إسناده وذلك نقص فيه، وهو كالمسلسل بأول حديث سمعته على ما هو الصحيح في ذلك، فقد انقطع تسلسله بسماع سفيان، يعني من سفيان إلى يومنا هذا وهو ماشي، المسلسل بالأولية كل شخص عنده رواية أول ما يبدأ بأحاديث المسلسل بالأولية، حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه وهو حديث: ((الراحمون يرحمهم الرحمن)) والحالات المذكورة قولية وفعلية، فمن القولية ما تقدم: "إني أحبك"، والفعلية كقوله: "دخلنا على فلان فأطعمنا تمراً"، أو القولية والفعلية معاً كقوله: "حدثني فلان وهو آخذ بلحيته، وقال: "آمنت بالقدر خيره وشره". لما حكى ابن عباس تحريك النبي -عليه الصلاة والسلام- لشفتيه كما في الحديث الصحيح ووصف الراوي عن ابن عباس تحريك ابن عباس لشفتيه يحكي تحريك النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى آخره، هذا تسلسل. قال الحافظ العراقي: "ومثال التسلسل بصفات الرواة القولية كالحديث المسلسل بقراءة سورة الصف ونحوه"، وأحوال الرواة الفعلية كالحديث المسلسل بالفقهاء، يعني حديث لا يزال يرويه فقيه عن فقيه عن فقيه هذا مسلسل، حديث ابن عمر مرفوعاً: ((البيعان بالخيار)) فقد تسلسل لنا برواية الفقهاء، وكالحديث المسلسل برواية الحفاظ ونحو ذلك. قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وصيغ الأداء: سمعت وحدثني، ثم أخبرني، وقرأت عليه، ثم قرئ عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني، ثم ناولني، ثم شافهني، ثم كتب إلي، ثم (عن)، ونحوها، فالأولان لمن سمع وحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره، وأولها أصرحها وأرفعها في الإملاء، والثالث والرابع لمن قرأ بنفسه، فإن جمع فهو كالخامس، والإنباء بمعنى الإخبار إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كـ (عن) ".

للتحديث والرواية طرفان: تحمل وأداء، تحمل وأداء، فالتحمل أخذ الحديث عن الشيوخ، والأداء تبليغ الحديث للتلاميذ، التحمل له طرق ثمان: السماع من لفظ الشيخ، القراءة على الشيخ وتسمى العرض، الإجازة، المناولة، المكاتبة، الوصية، الإعلام، الوجادة، السماع من لفظ الشيخ وهذا أرفعها وأعلاها وهو الأصل في الرواية، الثاني: القراءة على الشيخ وهو أيضاً طريق معتبر نقل عليه الإجماع وإن خالف في ذلك بعض أهل التشديد، الإجازة: احتيج إليها لما كثرت المرويات وتفرق الناس وكثر الطلاب، يأذن الشيخ للطالب بالرواية عنه، الرابع: المناولة: يناول الشيخ الطالب الكتاب ويأذن له بروايته عنه، الخامس: المكاتبة: يكتب الطالب للشيخ أن يكتب له بحديث سمعه، ثم يكتب له الشيخ بالحديث، والمكاتبة حصلت بين الصحابة مع التابعين، وبين الصحابة مع بعضهم من معاوية إلى المغيرة والعكس، وحصلت في أثناء الأسانيد إلى شيوخ الأئمة، حيث يقول البخاري: كتب إلي محمد بن بشار، والوصية والإعلام والوجادة، الوصية: يوصي بكتبه عند موته لفلان، فهل لفلان أن يروي عنه بمجرد هذه الوصية؟ والإعلام: هو مجرد ما أن يقول الشيخ يعلم الطالب بأن هذه الكتب من مروياته، فهل يكفي في ذلك أن يروي الطالب عن الشيخ بمجرد هذا الإعلام؟ والخلاف في هذه المسائل طويل جداً يحتاج إلى وقت، والثامن: الوجادة، إذا وجد الطالب بخط شيخه الذي لا يشك فيه، كما يقول عبد الله بن أحمد كثيراً في المسند: "وجدت بخط أبي" هذه وجادة. ويصح تحمل الحديث قبل وجود الأهلية، فتقبل رواية من تحمل حال الكفر قبل إسلامه وروى بعده، وكذلك تقبل رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده، ومنع قوم تحمل الصبي فأخطئوا بأن الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة كالحسن وابن عباس وابن الزبير وأشباههم من غير فرق بينما تحملوه قبل البلوغ وبعده، ولم يزالوا قديماً وحديثاً يحضرون الصبيان مجالس التحديث والسماع ويعتدون بروايتهم لذلك.

واختلفوا في أول زمان يصح فيه سماع الصغير فحدد الجمهور في ذلك خمس سنين لأقله، حديث محمود بن الربيع أنه قال: "عقلت مجة من النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهي وأنا ابن خمس سنين"، فعقل المجة وهو ابن خمس سنين، وترجم عليه الإمام البخاري في صحيحه متى يصح سماع الصغير؟ قال ابن الصلاح: التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين، فيكتبون لابن خمس فصاعداً سمع، ولمن لم يبلغ خمساً حضر أو أحضر. قال: والذي ينبغي في ذلك أن يعتبر في كل صغير على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعاً عن حال من لا يعقل فهماً للخطاب ورداً للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه، وإن كان دون خمس وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان بالخمس، بل ابن خمسين. الحاصل أن مرد ذلك إلى التمييز، إلى التمييز فإن كان مميزاً يفهم الخطاب ويرد الجواب صح سماعه وإلا فلا، فالمعول عليه التمييز، إذا ميز الصبي لخمس أو قبل خمس صح سماعه، إن لم يميز إلا لست أو سبع كما هو الغالب، لا يصح سماعه إلا إذا ميز. في مثل طلب العلم ولما كان الناس لهم اختيار متى يبدءون يترك في ذلك إلى التمييز؛ لئلا يبدأ به قبل التمييز فيتأذى ويؤذي، وأما بالنسبة للتشريع العام كالأمر بالصلاة فجُعل للسبع؛ لأن غالب الصبيان يميزون لسبع، يندر من يتأخر عن السبع، لكن لما كان أمر الناس ليس بأيديهم، نعم، جعل الحد الفاصل لقبول الطالب الست، من غير نظر إلى تمييز وإلى غيره، فابن ست سنين يقبل في المدارس، وتجد أن ابن ست سنين أحياناً مستواه فوق مستوى زملائه؛ لأنه ميز قبل ذلك، وتجد أحياناً مستواه منحط عن زملائه ولا يفهم ما يقال؛ لأنه لم يميز بعد، فالتعليم لما كان اختياري متى ما أراد الإنسان أن يتعلم تعلم، متى ما أراد أبوه ورأى عليه علامات النجابة في أوقات مبكرة، ألحقه بحلق العلم، لكن الآن الست، نعم الناس بحاجة إلى ضابط، لكن لو جعلت السبع التي جعلها الشرع قدراً مشتركاً لعموم الصبيان لكان أولى، نعم قد يميز الطالب قبل ذلك فيتأخر في دراسته إذا وجدت عليه علامات النجابة والبلوغ ما المانع أن يدرس تدريساً خاصاً به؟ والله المستعان، نعم. طالب:. . . . . . . . .

تعلم الأدب قبل العلم؟ اهتماماً بالأدب، يعني هذا من باب الاهتمام بالأدب، من باب الاهتمام بالأدب، ولا شك أن العلم الشرعي إذا أخذ على وجهه بنية صالحة أنه يعلم الأدب، ويربي الناس، نعم، لا شك. وأما الأداء فلا يصح إلا بعد توافر شروط القبول من العدالة والضبط كما تقدم في مبحث الصحيح.

إذا علم هذا فلأداء الحديث صيغ كثيرة منها: سمعت وحدثني لمن سمع من لفظ الشيخ وحده، وسمعنا وحدثنا لمن سمع من لفظ الشيخ مع غيره، وأول الصيغ أصرحها، أول هذه الصيغ سمعت وحدثني أصرحها، وأدلها على المراد سمعت؛ لأن الخبر مما يسمع بالأذن، فالذي يدل على المراد سمعت، سمعت بالإفراد، قال الخطيب: "أرفع العبارات في ذلك سمعت، ثم حدثنا وحدثني، فإنه لا يكاد أحد أن يقول: سمعت في أحاديث الإجازة والمكاتبة ولا في تدليس ما لم يسمعه، وكان بعض أهل العلم يقول فيما أجيز له: حدثنا"، يعني يتجوز فيقول: حدثنا، وروي عن الحسن أنه كان يقول: حدثنا أبو هريرة ويتأول أنه حدث أهل المدينة، وكان الحسن بها إذ ذاك إلا أنه لم يسمع منه شيئاً، قال ابن الصلاح: "ومنهم من أثبت له سماعاً من أبي هريرة لقوله: حدثنا أبو هريرة، ثم يتلو سمعت وحدثني أخبرني، قال ابن الصلاح: "وهو كثير في الاستعمال حتى أن جماعة من أهل العلم لا يكادون يؤدون مروياتهم إلا بلفظ أخبرنا"، قال ابن الصلاح: "وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ"، نعم، جماعة من أهل العلم لا يكادون يؤدون مروياتهم إلا بلفظ: أخبرنا كإسحاق بن راهويه لا يكاد يروي إلا بالإخبار، قال ابن الصلاح: "وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ"، فيما بعد إذا كان طريق التحمل السماع قال الراوي: حدثنا فلان، وإذا كان طريق التحمل العرض على الشيخ والقراءة على الشيخ كانت صيغة الأداء: أخبرنا، وهذا بعد أن شاع الاصطلاح الخاص، وإلا فلا فرق بين السماع والتحديث والإخبار لغة، وفي حكم أخبرني قرأت على فلان، وهما لمن قرأ على الشيخ بنفسه فإن جمع فقال: أخبرنا أو قرأنا كان كالخامس، كان كالخامس يعني أنه قرأ، أو قرئ على الشيخ وهو يسمع، قرأ بحضرة جماعة إذا قال: أخبرنا، أولاً: إذا قال: حدثني فالشيخ حدثه بمفرده، إذا قال الراوي: حدثنا فقد حدثه الشيخ مع مجموعة من الناس، إذا قال: أخبرني، قرأ على الشيخ بمفرده، وإذا قال: أخبرنا قرأ على الشيخ مع وجود جمع، أو سمع قراءة أحد الطلاب على الشيخ بحضوره، أرفع طرق التحمل هو السماع من لفظ الشيخ وهو الأصل في الرواية، وأرفعه ما كان في حال الإملاء،

الإملاء أرفع من الإلقاء بدون إملاء، لما في الإملاء من التثبت والتحفظ من الطرفين، الشيخ والطالب، كل منهما متحفظ، ضابط، الشيخ متحفظ لما يلقيه، والطالب ضابط لما يسمعه. والقراءة على الشيخ أحد طرق التحمل المعتبرة عند جمهور العلماء، وشذ من أبى ذلك من أهل العراق، واشتد إنكار الإمام مالك وغيره من المدنيين عليهم في ذلك حتى بالغ بعضهم فرجحها على السماع من لفظ الشيخ، يعني القراءة على الشيخ بعضهم يرجحها على السماع من لفظ الشيخ، الأصل في الرواية السماع من لفظ الشيخ، وهي أرفع طرق التحمل، يليها العرض وهو القراءة على الشيخ، وبعضهم بالغ فقال: هي أرفع من السماع من لفظ الشيخ، وبعضهم يقول: هما سواء كالإمام مالك، كيف يقول قائل: إن العرض على الشيخ أرفع من السماع مع أن الأصل في الرواية السماع من لفظ الشيخ، يقول هذا القائل: إن العرض أرفع من السماع لماذا؟ لأن حال الطالب في حال السماع من لفظ الشيخ أقل من أن يرد على الشيخ إذا أخطأ، يعني إذا كان الشيخ يلقي فإذا أخطأ من يرد عليه؟ نعم، الطالب جاء ليستفيد، فالغالب أنه لا يتمكن من الرد على الشيخ، جاء ليتحمل الأخبار، ليتحمل الأحاديث فإذا أخطأ الشيخ في حال إسماعه للطلاب فإن الطالب لن يجرؤ في الرد عليه، أما في حال العرض والقراءة على الشيخ إذا أخطأ الطالب في القراءة فإن الشيخ لن يتردد في الرد عليه، هذه وجهة نظر من يقول: إن العرض أفضل من السماع، ولا شك أن لها حظ من النظر، لكن يبقى أن الأصل في الرواية السماع، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يلقي على الصحابة وهم يسمعون.

وذهب قوم منهم الإمام البخاري كما صرح به في صحيحه أن السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه سواء في القوة والصحة، ثم يلي سمعت وحدثنا وأخبرنا أنبأني، والإنباء بمعنى الإخبار من حيث اللغة كما في قوله تعالى: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [(14) سورة فاطر] كما أن التحديث مثل الإخبار لغة كما في قوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] هذا من حيث الأصل وإلا فالاصطلاح قد خص سمعت وحدثنا بما تحمل بطريق السماع، والإخبار بما تحمل بطريق العرض، وأنبأنا بما تحمل بالإجازة، واستعمل بعضهم (عن) في الإجازة، كما قال الحافظ العراقي: وكثر استعمال (عن) في ذا الزّمن ... إجازةً وهي بوصلٍ ما قمن يقول الحافظ بعد ذلك -رحمه الله تعالى-: "وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من المدلس"، عنعنة المعاصر محمولة على السماع إلا من مدلس، "وقيل: يشترط ثبوت لقائهما ولو مرة على المختار"، العنعنة هي رواية الحديث بصيغة (عن)، رواية الحديث بصيغة (عن) فيقول الراوي: عن فلان أنه قال، وهي محمولة على الاتصال بشرطين: الأول: براءة الراوي المعنعن من التدليس، هذا أمر لا بد منه، لا سيما إذا كان الراوي المدلس من الطبقة الثالثة فما دون لا بد أن يصرح بالسماع. الثاني: ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة على المختار، على ما قرره الحافظ ابن حجر تبعاً لعلي بن المديني والبخاري وغيرهما من النقاد، واكتفى الإمام مسلم بالمعاصرة مع إمكان اللقاء، ونقل الاتفاق على ذلك واشتد نكيره على من اشترط اللقاء في مقدمة صحيحه، نعم، هذه مسألة العنعنة واشتراط اللقاء وعدم اشتراطه، لمحنا سابقاً إلى شيء من هذه المسألة، وقلنا: إن البخاري استفاض عنه اشتراط ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة ومسلم يكتفي بالمعاصرة، ونقل عليه الإجماع واشتد نكيره على من يشترط اللقاء، وهذا معروف عن البخاري وعلي بن المديني وغيرهما.

وكتب بعض المعاصرين، ألف في ذلك كتاباً وأنكر أن يكون البخاري يشترط اللقاء، ولا شك أن الكاتب هذا له وجهة نظره، لكن العلماء كلهم تتابعوا على نسبة هذا القول للإمام البخاري، وعرفنا أنه لا مانع من ثبوته عن الإمام البخاري لما عرف من شدة تحريه واحتياطه، وإن كان العمل على ما يراه مسلم من الاكتفاء بالمعاصرة، فإذا عرفنا أن هذا الراوي عاصر ذلك الراوي صححنا مرويه ولو بـ (عن)، نعم، وكون البخاري يشترط قدراً زائداً على ذلك لا يعني أنه لا يصحح الأحاديث المروية بالعنعنة؛ لأن الشرط في عرفهم ليس المراد به ما يلزم من عدمه العدم، نعم قد يلزم من عدمه العدم في كتابه الذي احتاط له، لكنه قد يصحح خارج الصحيح ما هو أقل من شرطه في كتابه، فنقل عنه الترمذي وغيره تصحيح أحاديث هي أقل من شرطه في كتابه، وكون الإمام البخاري يحتاط للسنة ولا يخرج في صحيحه إلا ما ثبت لقاء الراوي لمن روى عنه، هذا هو اللائق باحتياطه وشدة تحريه، وكون الإمام مسلم يشتد نكيره، ويصف القول بأنه قول مخترع، والقائل به مبتدع لا يعني أنه يقصد بذلك البخاري، وذكرنا هذا سابقاً وقلنا: إنه إذا عمل بشرط البخاري شخص مبتدع وأراد من خلال هذا الاشتراط أن ينفي ثبوت بعض السنن، ينفي ثبوت بعض السنن من خلال هذا الشرط، وأردنا أن نرد على هذا المبتدع فلا يعني أننا نرد على إمام احتاط للسنة، ونضرنا ذلك بعدم قبول عمر -رضي الله عنه- خبر الاستئذان من أبي موسى حتى يشهد له غيره، واستدلال المعتزلة بصنيع عمر -رضي الله عنه- بأن خبر الواحد لا يقبل، فإذا رددنا على المعتزلة في ردهم قبول خبر الواحد، هل معنى هذا أننا نرد على عمر بن الخطاب؟ نعم، الذي يحتاط للسنن؟ لا يعني هذا أننا نرد على عمر بن الخطاب، فنرد على المعتزلة ونشدد النكير عليهم، لما ثبت عندنا من قبول أخبار الآحاد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يبعث الرسائل مع واحد، نعم ويبعث إلى القبائل واحد يبلغهم الدين، وينقل عنه الأخبار، فلولا أن خبر الواحد مقبول لأرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من واحد، لكنه ثبت أنه يرسل الواحد فخبر الواحد مقبول، فإذا رددنا على المعتزلة وشددنا النكير عليهم في ردهم خبر الواحد فلا

يعني هذا أننا نرد على عمر بن الخطاب الذي احتاط للسنة، وهذا ظاهر، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ طالب:. . . . . . . . . أيوه؟ طالب:. . . . . . . . . انقطاع إيش؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . المقصود بعدم اللقاء لا يعني ثبوت العدم، مسلم لا يمكن أن يقول: إن شخص بالصين ولم يثبت أنه حج ولا سافر تصح روايته عن شخص بالأندلس بالعنعنة، هذا لا يقوله مسلم ولا غيره ولو تعاصرا، فأهل العلم قاطبة كما قرر الحافظ ابن رجب يعلون بمثل هذا، بتباعد البلدان والأقطار، نعم، لكن يبقى أنه لا بد من الاحتمال للقاء، مع إمكان اللقاء، أما إذا ثبت عدم اللقاء ولو ثبتت المعاصرة هو منقطع، ما يقول بالاتصال أحد، إذا ثبت عدم اللقاء، لكن الكلام هل يشترط ثبوت اللقاء أو يكفي إمكان اللقاء؟ مسلم يكتفي بإمكان اللقاء، على كل حال هذه المسألة تقدمت فلا حاجة إلى إعادتها، نعم ...

شرح نخبة الفكر (11)

شرح نخبة الفكر (11) شرح قول المصنف: "وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها، واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية، وهي أرفع أنواع الإجازة، وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة والوصية بالكتاب وفي الإعلام وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة، وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك. ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعداً واختلفت أشخاصهم فهم المتفق والمفترق، وإن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً فهو المؤتلف والمختلف، وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس فهو المتشابه، وكذا إن وقع الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة، ويتركب منه ومما قبله أنواع منها: أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه إلا في حرف أو حرفين، أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك. خاتمة: ومن المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً، ومراتب الجرح وأسوؤها الوصف بأفعل كأكذب الناس، ثم دجال أو وضاع أو كذاب، وأسهلها لين، أو سيء الحفظ، أو فيه مقال، ومراتب التعديل وأرفعها الوصف بأفعل كأوثق الناس، ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة، أو ثقة حافظ، وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ، وتقبل التزكية من عارف بأسبابها، ولو من واحد على الأصح، والجرح مقدم على التعديل إن صدر مبيناً من عارف بأسبابه، فإن خلا عن التعديل قبل مجملاً على المختار". الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

ومثل (عن) في الحكم (أن) فهي محمولة على السماع بالشرطين المذكورين، وحكى بعضهم أن السند المؤنن منقطع، حكاه ابن الصلاح عن الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة، فذكر عن الإمام أحمد أنه يفرق بين (أن) و (عن) فيحمل (عن) على الاتصال و (أن) على الانقطاع، ومثله عن يعقوب بن شيبة؛ لأن الإمام أحمد قال في خبر عن محمد بن الحنفية عن محمد بن الحنفية -انتبهوا- عن محمد بن الحنفية عن عمار بن ياسر أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- .. الحديث، قال: هذا متصل، محمد بن الحنفية عن عمار، في طريق آخر قال: عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: منقطع، فدل على أن الإمام أحمد يفرق بين (أن) و (عن)، ومثله يعقوب بن شيبة، لكن الحافظ العراقي قال: كذا له -يعني ابن الصلاح-، ولم يصوّب صوبه هل سبب الانقطاع هنا هو تفريق الصيغة بين (أن) و (عن)؟ هل هذا سبب الانقطاع؟ أو أنه في الطريق الأول حينما قال: عن محمد بن الحنفية عن عمار أنه يحكي قصة لم يشهدها يحكيها عن صاحبها الذي حصلت له، في الطريق الثاني عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، محمد بن الحنفية تابعي فيحكي القصة التي لم يشهدها، في الطريق الأول يحكيها عن صاحبها التي حصلت له فهي متصلة، في الطريق الثاني يحكيها عن نفسه يحكي القصة عن نفسه والقصة لم يشهدها، ولذا قال الحافظ العراقي: . . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوّب صوبه

يعني ما أدرك علة التفريق -يعني ابن الصلاح- أظن هذا ظاهر، ظاهر الفرق بينهما؟ حينما يقول: عن محمد بن الحنفية عن عمار أنه مر بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم، لما أحكي لكم قصة حصلت لي قبل خمس وثلاثين سنة مثلاً، فتنقلونها عني، متصلة وإلا منقطعة؟ فتقولون: عن فلان أنه حصل له كذا، متصلة، لكن لما تنقلون مباشرة أني أنا حصل لي في الوقت السابق قصة لم تحضروها ويمكن ما أدركتموها نعم، تصير متصلة وإلا منقطعة؟ منقطعة، هذا هو السر في تفريق الإمام أحمد بين (عن) و (أن) في هذا المثال، ولا يعني أنه يفرق باستمرار بين الصيغتين، ومثل السند المعنعن والمؤنن (قال) إذا روى بها التلميذ عن شيخه فهي محمولة على الاتصال بالشرطين المذكورين، كما يقول الحافظ العراقي: . . . . . . . . . أمّا الّذي ... لشيخه عزا بقال فكذي عنعنة كخبر المعازفِ ... لا تصغ لابن حزم المخالفِ وهذا تقدمت الإشارة إليه. وقال الحافظ -رحمه الله تعالى- بعد ذلك: "وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها". من طرق التحمل عند جماهير العلماء الإجازة، وهي الإذن في الرواية المفيد للإخبار الإجمالي عرفاً، الإذن في الرواية، يأذن الشيخ للطالب أن يروي عنه صحيح البخاري، المفيد للإخبار الإجمالي، إخبار إجمالي بأحاديث الكتاب، وليس بإخبارٍ تفصيلي في كل حديث حديث على حدة، وهي أنواع كثيرة:

أن يجيز معين بمعين وهي أرفعها، يجيز فلان بن فلان بكتاب كذا معين يجيز شخص معين بكتاب معين، أن يجيز شخصاً معيناً في غير معين، أجزت لفلان أن يروي عني مروياتي، الصورة الثالثة: أن يجيز غير معين بوصف العموم: أجزت من قال: لا إله إلا الله، الإجازة للمجهول أو بالمجهول، الإجازة المعلقة بشرط، أجزتك إن قبلت أو إن قبل زيد، الإجازة للمعدوم: أجزت من يولد لك، أجزت من يولد، وبعضهم يتسامح في إجازة المعدوم إذا كان تابعاً لموجود، أجزتك وأجزت من يولد لك، أو أجزتك وولدك ما تناسلوا، هذه إجازة لمعدوم لكنها تابعة لموجود، الإجازة للطفل الذي لا يميز، إجازة ما لم يسمعه المجيز: أجزتك ما سأسمعه، الآن المسموع مجاز به، لكن أجزتك ما سمعت وما أسمعه، هذا إجازة ما لم يسمعه المجيز، إجازة المجاز، إجازة المجاز يعني شخص يروي بالإجازة فيجيز، والإجازة في أصلها ضعف، والخلاف فيها معروف عند أهل العلم، يعني مجرد ما يقول لك: اروِ عني صحيح البخاري تروي عنه، الجمهور قبلوا ذلك تخفيفاً على الطلاب؛ لأنه ليس كل طالب يتيسر له أن يجلس ويقرأ على الشيخ، أو يسمع من لفظ الشيخ، لا سيما بعد أن كثرت الكتب، كثرت المصنفات، وكثر الطلاب، وتباعدت الأقطار وضعفت الهمم، يعني تصورن أن شخص عنده رواية بصحيح البخاري كل من جاءه بيقرأ عليه صحيح البخاري تيسر له وإلا لا؟ ما يتيسر؛ لأنه إذا قرأ عليه هذا الطالب ثم جاء طالب آخر في أثناء القراءة إن تابع من النصف فمشكل فاته الأول، إن طلب الإعادة من الأول مشكل، نعم، فأذنوا بالرواية إجازة تخفيفاً على الطلاب، وتيسيراً على الشيوخ، نعم، فالإجازة بأصلها ضعف، فإذا أجاز شخصاً معين بكتاب معين هذا هو الأصل، لكن إذا أجاز بوصف العموم، أجزت من قال: لا إله إلا الله هي ضعيفة وتزداد ضعف بهذا التوسع، أجاز لمعدوم أجاز لمجهول، أجاز بمجهول، أجاز طفل لا يميز، أجاز ما لم يسمعه، كل هذه الصور ضعيفة، إجازة المجاز، إجازة المجاز يعني شخص يروي بالإجازة فيجيز، وثاني يروي بالإجازة فيجيز، وهكذا تتسلسل الرواية بالإجازة.

وأطلقوا المشافهة فيما تحمل بطريق الإجازة المتلفظ بها، أجازني أو عن فلان مشافهة، هو يروي عنه بالإجازة، لكنه شافهه بقوله: أجزتك، فيتوسع الطالب في الصيغة فيقول: عن فلان مشافهة، فالسامع يظن مشافهة أنه سمع منه لفظ الحديث، وكذا أطلقوا المكاتبة في الإجازة المكتوب بها، إذا كتب له: أذنت لك بالرواية، فقال: عن فلان مكاتبة أو كتابة، ولا شك أن في هذا نوع من التدليس؛ لأن السامع يظن أن هذا الطالب كتب إليه الشيخ بالحديث وهو كتب له بالإجازة لا بالحديث، وهو موجود في عبارات كثير من المتأخرين بخلاف المتقدمين، فإنهم إنما يطلقون المشافهة بما تحمل بطريق السماع، والمكاتبة بما كتب به الشيخ إلى الطالب، سواءً أذن له في روايته أم لا. قال الشيخ: "واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية وهي أرفع أنواع الإجازة" المناولة مقرونة بالإجازة، يعني يعطيه الكتاب، يقول: خذ هذا صحيح البخاري اروه عني، مناولة مقرونة بالإجازة، فمن طرق التحمل عند الجمهور: "المناولة المقرونة بالإجازة"، وهي أن يناول الشيخ الطالب الكتاب من مرويه ويأذن له بروايته عنه، ويمكنه منه بهبة أو إعارة أو نحوها، فإذا اقترنت المناولة بالإجازة صارت أعلى من الإجازة، أعلى من الإجازة مجردة، وإن خلت المناولة عن الإجازة لم تصح، إذا قال: هذا صحيح البخاري خذ يا ولدي استفد منه، ولا أذن له بالرواية عنه فالأكثر على أنها لا تصح الرواية بها، مناولة مجردة عن الإجازة، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وإن خلت عن إذن المناولة ... قيل: تصحّ والأصحّ باطلة قال الحافظ: "وكذا اشترطوا الإذن في الوجادة والوصية بالكتاب وفي الإعلام وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة، وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك".

من طرق التحمل: الوجادة، وهي مصدر وجد يجد، مولد غير مسموع من العرب، لما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع، للتفريق بين مصادر وجد، للتمييز بين معاني مختلفة، فقالوا: وجد ضالة وجداناً ومطلوبه وجوداً، وفي الغضب وجد موجدة، والغناء وجد وجداً، وفي الحب وجداً، تختلف المصادر للفعل الواحد وجد، الفعل الواحد وجد الماضي، والمصادر مختلفة تبعاً للمعاني، يعني مثل فعل رأى، تختلف مصادر هذا الفعل تبعاً لمعانيها، فإذا رأى ببصره قال: رأى رؤيةً، وإذا رأى في النوم قال: رأى رؤيا، نعم، وإذا رأى بعقله قيل: رأى رأياً، فالرؤية والرؤيا والرأي كلها مصادر رأى، تختلف مصادرها باختلاف معانيها.

وهنا الوجادة والوجدان والوجود والموجدة والوُجد والوَجد مصادر للفعل وجد تختلف ألفاظها تبعاً لاختلاف معانيها، وحقيقة الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه، ولم يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه، يجد بخط شيخ لا يشك فيه، هذه وجادة، نعم، وجادة، اشترطوا الإذن في الوجادة يعني إذا قلت مثلاً: كل كلام تجدونه بخطي ارووه عني، هذا ماشي، لكن إذا وجدتم بخطي كلام أو بخط فلان ممن تعرفونه كلام لا مانع أن تقول: وجدنا بخط فلان، لكن لا على سبيل الرواية، فالوجادة منقطعة وإن كان فيها شوب اتصال، لماذا؟ لأنك قد تجد بخط شخص بينك وبينه قرون، قد نجد بخط شيخ الإسلام مثلاً، إحنا نعرف خط شيخ الإسلام أو بخط ابن القيم، أو بخط ابن حجر، أو بخط ابن الصلاح، أو بخط السخاوي، هل نستطيع أن نروي ونحكم بالاتصال لمثل هذه الوجادة؟ لا، لكن إذا وجدنا بخط فلان الذي لا نشك أنه خطه ونقول: وجدنا بخط فلان، كثيراً في المسند ما يقول: حدثنا عبد الله قال: "وجدت بخط أبي" فليس للواجد حينئذ أن يروي هذه الأحاديث إلا إذا كان مأذوناً له بروايتها، ومجازاًُ فيها لكن له أن يقول: وجدت بخط فلان أو قرأت بخط فلان، والوجادة المجردة عن الإذن من باب المنقطع إلا أن فيه شوب اتصال بقوله: وجدت بخط فلان قاله ابن الصلاح، هذا من حيث الرواية وأما بالنسبة للعمل وجوازه اعتماداً على ما يوثق به منها فقد حكى بعض المالكية أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم عدم العمل بذلك. وحكي عن الشافعي وطائفة من أصحابه جواز العمل بذلك، يعني أنت وجدت بخط شيخ الإسلام كلام يتضمن حكم شرعي هل تقول: أنا لا أعمل بهذا الحكم حتى يصير لي رواية متصلة بما يؤلفه أو يكتبه شيخ الإسلام؟ نعم، أو نقول: تعمل به ما دام تجزم أن هذا خط شيخ الإسلام؟ ومن باب التوسع في هذه المسألة نقول: هل لك أن تعمل بحديث في كتاب ليست لك به رواية؟ منهم من منع ذلك، فلا يجوز لك أن تعمل بحديث ولو في البخاري وأنت ليست لك به رواية، وليس لك أن تنقل من كتاب ليست لك به رواية. قلت: ولابن خير امتناعُ ... نقل سوى مرويه إجماعُ

نقل الإجماع على ذلك أنك لا تعمل ولا تنقل من كتاب ليست لك به رواية، لكن عمل الأمة بأسرها على خلاف ذلك، بل نقل ابن برهان الإجماع على وجوب العمل بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو لم تكن لك به رواية، وهذا ظاهر، يعني نقول لك هذا الحديث في صحيح البخاري يوجب عليك كذا، تقول: لا، ما يوجب عليّ حتى تكون لي به رواية؟ لا، أو لا أعمل بهذا الحديث الذي تضمن أمر من الأمور الشرعية حتى تكون لك به رواية ولا تنقله محتجاً به، ولا للاستدلال ما تنقل حديث من صحيح البخاري ولا تستدل به ولا تعمل به حتى تكون لك به رواية. قلت: ولابن خير امتناعُ ... نقل سوى مرويه إجماعُ هو نقل الإجماع على ذلك لكن هو منقوض بالإجماع الذي نقله ابن برهان على وجوب العمل، ووجوب الاستدلال بالحديث وإن لم تكن لك به رواية إذا صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. من طرق التحمل التي ذكرها أهل العلم: الوصية بالكتاب، وحقيقتها: أن يوصي الراوي بكتاب يرويه عند موته أو سفره لشخص، فروي عن بعض السلف أنه جوز الرواية بمجرد الوصية، والصواب كما قال الحافظ: أنها إن خلت عن الإجازة أنه لا عبرة بها، يعني شخص من أهل العلم حضرته الوفاة وقال: بدلاً من أن تباع بالحراج يشتريها من لا يستفيد منها، أو تبقى عند الورثة وهم لا يحتاجونها أوصي بها إلى طالب العلم الفلاني يستفيد منها -إن شاء الله- مأجور بهذه النية، لكن هل لفلان الموصى له أن يروي عن الشيخ هذه الكتب ولم يأذن له بروايتها؟ لا بد من اقتران الوصية بالكتب من الإذن بالرواية التي هي الإجازة إن خلت الوصية عن الإجازة لا عبرة بها وإن عمل بعض السلف بها.

ومن طرق التحمل: الإعلام، والمراد به: إعلام الراوي للطالب بأن هذا الكتاب أو هذا الحديث سماعه من فلان أو روايته مقتصراً على ذلك، يقول: أنا أروي صحيح البخاري عن فلان، أو أروي حديث: الأعمال بالنيات عن فلان، هل لهذا السامع أن يروي عن هذا الشيخ؟ فإن خلا الإعلام عن الإجازة فلا عبرة به كما قال الحافظ، وإن حكى ابن الصلاح جواز الرواية به عن كثيرين كابن جريج وطوائف من المحدثين والفقهاء والظاهرية، ثم قال ابن الصلاح: والمختار ما ذكر عن غير واحد من المحدثين وغيرهم من أنه لا تجوز الرواية بذلك وأما العمل فإنه يجب عليه العمل بما ذكره له إذ صح إسناده وإن لم تجز له روايته عنه؛ لأن ذلك يكفي فيه صحته في نفسه، تكفي صحة الخبر وإن لم تكن لك به رواية في وجوب العمل. وأما الإجازة العامة كأن يقول: أجزت لجميع المسلمين أو لمن قال: لا إله إلا الله، أو لمن أدرك حياتي، وكذا الإجازة للمجهول كالمبهم والمهمل، والمعدوم كأن يقول: أجزت لمن سيولد لفلان تبعاً أو استقلالاً، كأن يقول: أجزت لفلان ومن سيولد له فإنه لا عبرة بذلك كله على الأصح في جميع ذلك وإن جوز ذلك بعضهم، والسبب في ذلك: أن أصل الإجازة في أصلها ضعف، وفي الاستدلال لها غموض، كما قال ابن الصلاح: "وتزداد ضعفاً بهذا التوسع" نعم. أحسن الله إليك: "ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعداً واختلفت أشخاصهم فهم المتفق والمفترق، وإن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً فهو المؤتلف والمختلف، وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس فهو المتشابه، وكذا إن وقع الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة، ويتركب منه ومما قبله أنواع منها: أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه إلا في حرف أو حرفين، أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك".

نعم يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعداً واختلفت أشخاصهم فهم المتفق والمفترق" لا شك أن الأسماء تتفق كثيراً، محمد ومحمد ومحمد ومحمد عشرة، ثم قد تتفق آباؤهم محمد بن عبد الله ومحمد بن عبد الله خمسة، ثم في الثالث يتفق ثلاثة: محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن، ثم يتفق في النسبة اثنان محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، لكن هذا شخص وهذا شخص، هذا هو المتفق والمفترق يتفق في الاسم ويفترق في الذوات، المتفق والمتفرق هو أن تتفق الرواة وأسماء آبائهم فصاعداً، يعني كثيراً ما يتفق الأسماء ثلاثية أقل من ذلك أن تتفق رباعية وقد تتفق خماسية لا سيما في الأسر الكبيرة، نعم، تتفق الأسماء وتفترق الأشخاص، فالمتفق والمتفرق هو أن تتفق الرواة وأسماء آبائهم فصاعداً وتختلف أشخاصهم، سواءً في ذلك اتفق اثنان منهم أو أكثر، وكذا إذا اتفق اثنان فصاعداً في الكنية والنسبة، مثال ذلك: الخليل بن أحمد، الخليل بن أحمد ستة أشخاص كل منهم يقال له: الخليل بن أحمد، أولهم: النحوي البصري المعروف، صاحب العروض، الخليل بن أحمد، والثاني: أبو بشر المزني بصري أيضاً، روى عنه العباس العنبري وغيره، والثالث: أصبهاني روى عنه روح بن عبادة وغيره، والرابع: أبو سعيد السجزي القاضي الفقيه الحنفي حدث عنه ابن خزيمة وغيره، والخامس: أبو سعيد البستي القاضي المهلبي روى عنه السجزي المذكور، والسادس: أبو سعيد البستي أيضاً الشافعي روى عن أبي حامد الإسفرائيني وغيره، هؤلاء الستة اسم كل واحد منهم الخليل بن أحمد، وفات الخطيب الأربعة الأخيرة من هؤلاء قاله ابن الصلاح. ومن أمثلته: أحمد بن جعفر بن حمدان، أحمد بن جعفر بن حمدان ثلاثي، أربعة كلهم في عصر واحد، أحدهم القطيعي، والثاني: السقطي، والثالث: دينوري، والرابع: طرسوسي، ومحمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري رباعي اثنان كلاهما في عصر واحد، ومثال ما اتفق من ذلك في الكنية والنسبة معاً أبو عمران الجوني اثنان، وأبو بكر بن عياش ثلاثة، وعكس صالح بن أبي صالح أربعة.

وفائدة معرفة هذا النوع خشية أن يظن الشخصان شخصاً واحداً، عكس ما تقدمت في المهمل؛ لأنه يخشى أن يظن الواحد اثنين هنا إذا جاءك أحمد بن جعفر بن حمدان وهم أربعة، هؤلاء الأربعة مروا عليك كل واحد منهم اسمه أحمد بن جعفر بن حمدان فتظنهم واحد، وهذا يحصل كثيراً لمن يحقق الكتب، فإذا مر هذا الاسم وضع علامة واحد وترجم قد يترجم لغير المقصود، لغير المراد الوارد في السياق. من الطرائف في بحث لطالبة تنقل عن تفسير القرطبي، والقرطبي كثيراً ما يقول: ولقد سمعت شيخنا أبا العباس يقول، هي تعرف أن ابن القيم كثيراً ما يقول: سمعت شيخنا أبا العباس يعني شيخ الإسلام، فترجمت لشيخ الإسلام وقالت: هذا رأي شيخ الإسلام، أين أنتِ من شيخ الإسلام؟ نعم القرطبي المفسر قبل شيخ الإسلام فضلاً عن شيخه أبو العباس، أبو العباس القرطبي أيضاً شيخه صاحب (المفهم) وكثيراً ما يقول: ولقد سمعت شيخنا أبا العباس، ظنته أبو العباس بن تيمية، وهذا من هذا؛ لأنه يظن الأشخاص شخص واحد، فالعناية بهذا الباب مهمة جداً لئلا تنسب الأقوال إلى غير أصحابها؛ ولئلا يحكم على راوي بأنه ثقة وهو في الحقيقة ضعيف أو بالعكس، فالعناية بهذا الأمر في غاية الأهمية. وفائدة معرفة هذا النوع خشية أن يظن الشخصان شخصاً واحداً عكس ما تقدم في المهمل؛ لأنه يخشى أن يظن الواحد اثنين، وصنف فيه الخطيب كتاباً حافلاً، ولخصه الحافظ ابن حجر وزاد عليه أشياء كثيرة قاله في النزهة، نعم، هذا المعلق الذي علق على النزهة يتتبع الحافظ في كل كتبه التي لخصها من كتب الآخرين اسمه: أبو عبد الرحيم محمد كمال الدين الأدهمي، هذا معلق على النزهة، وهو من المعاصرين لكن ما هو معاصر لنا الآن؛ لأنه ذكر أنه قرأ صحيح البخاري على شيخه فلان سنة ألف وثلاثمائة وست عشر، سنة ألف وثلاثمائة وست عشر يعني قديم شوي، يعني ممكن متوفى من نصف قرن أو أكثر، نعم.

الحافظ كثيراً ما يلخص كتب الآخرين، لخص التهذيب، لخص المشتبه للذهبي، لخص كذا ولخص كذا، هذا المعلق يتتبعه ويشدد عليه في النكير، يقول هنا: "وقد صنف فيه الخطيب كتاباً حافلاً وقد لخصته" فجاء المعلق يقول: "الكلام عليه كالكلام على ما سبق من أمثاله وهو قريب العهد منك، وإنني ليؤلمني كثيراً وما أدري كيف يطاوعهم دينهم أن يفعلوا ما فعلوه؟ وماذا يكون اعتذارهم أمام صاحب الكتاب الأصلي بحضرة الحق -عز وجل- يوم القيامة؟ وقد بلغنا أن الصدر الشهيد لما عمد إلى كتاب الإمام محمد المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة صاحب الإمام أبي حنيفة ولخصه، بأن حذف منه الأدلة التي ذكرها فيه مؤلفه، ورأى الإمام محمداً في المنام فقال له: "قطّعك –بالتشديد- الله كما قطعت كتابي، فما لبث أن قتل شر قتلة"، لا شك أن الحافظ محفوظ، يعني كتبه تلغي الأصول تماماً، فكتابه التلخيص ألغى البدر المنير، حتى أن البدر المنير رغم أهميته وحاجة طلاب العلم إليه إلى الآن لم يطبع كامل؛ لأنه طلع التلخيص الحبير والتلخيص لا شيء بالنسبة لأصله، فهذه الملخصات إن لم يضف إليها الملخِص من علمه ودرره كما فعل الحافظ في تهذيب التهذيب فلا قيمة لها، نعم قد يكون الهدف من التلخيص تقريب الأصل للمتعلمين ويبقى الأصل كما هو، وما كان لله بقي، فلا ضير حينئذٍ، لكن إلغاء الكتب الأصلية بهذه الطريقة يعني من إنصاف الملخِص والمختصِر أن يشيد بالكتاب الأصلي، يعني مما يؤسف له أن الحافظ المزي -رحمة الله عليه- وهو إمام لخص الكمال للحافظ عبد الغني، الكمال هو أصل الأصول في رجال الكتب الستة، ومع ذلكم إلى الآن لم يطبع، لماذا؟ لأن الحافظ المزي اعتنى بالكتاب وزاد عليه وأضاف إليه إضافات، لا شك أن تهذيب الكمال أفضل من الكمال، يعني إذا قارنا بين الكتابين، لكن يبقى أن الأصل له فضل السبق، وله المنة على من جاء بعده، والمنة -أولاً وأخراً- لله -سبحانه وتعالى- الذي وفق الجميع لسلوك هذا الطريق.

يبقى أن نقول لطالب العلم: من وسائل التحصيل التلخيص، يعني كثير من طلاب العلم لا يستوعب إذا قرأ، نعم، نقول: من وسائل تحصيل العلم التلخيص، إيش المانع أن تمسك قلم وتمسك تفسير ابن كثير وبدل ما هو كتاب كبير جداً تلخصه؟ تلخص فوائده، وتقتصر منه على ما يعنيك على فهم كتاب الله، ستفهم القرآن، وتفهم ابن كثير معاً، تأتي إلى تفسير الطبري وتقول: في روايات مكررة وأسانيد أنا لست بحاجة إليها وتلخص، تأتي إلى تفسير القرطبي تقول: فيه استطرادات كثيرة وأدلة ومذاهب لست بحاجة إليها فتلخص، نقول: هذه وسيلة من وسائل التحصيل، لكن يبقى أن هذا الملخَص لا ينشر في الوقت الراهن ما دمت طالباً، نعم إذا تمكنت فيما بعد وتأهلت للتأليف والتصنيف وأعدت النظر في هذا الملخص، ورأيته ينفع الناس لا مانع من نشره، فالتلخيص يقرب العلوم إلى القراء لا شك، وهو أيضاً وسيلة من وسائل التحصيل، من الطرائف: أن المسعودي في تاريخه (مروج الذهب) في أول الكتاب وفي آخره: من اختصره أو نقل منه أو حذف منه أو نسبه إلى غيرنا أو فعل أو فعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فلذلك بقي الكتاب ما اختصر ولا استفيد منه، والحمد لله أن الأمة ليست بحاجته، في أول الكتاب وفي آخره يقول هذا الكلام، الله المستعان. على كل حال هذه مسألة يستفاد منها بقدر الحاجة. يقول: "وصنف فيه الخطيب كتاباً حافلاً ولخصه الحافظ ابن حجر وزاد عليه أشياء كثيرة قاله في النزهة.

قال -رحمه الله-: "وإن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً فهو المؤتلف والمختلف" انتهينا من المتفق والمفترق، المتفق والمتفرق خلاصته تتفق الأسماء إن كانت ثلاثية أو رباعية أو خماسية في الأسماء في الألقاب في الأنساب، نعم في الكنى، تتفق، قد تتفق ثلاثية وهذا كثير، تتفق رباعية والأمثلة ما تقدم، لكن الأشخاص مختلفون، نعم، تعرفون الناس يعانون من هذا، والأحوال تعاني أحياناً تطلب الاسم أكثر من ثلاثي رباعي من أجل ألا يحصل الاتفاق مع هذا الافتراق، وإن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً، تأتلف تتفق خط وتختلف نطق مثل عَبيدة وعُبيدة مثلاً فهو المؤتلف والمختلف، المؤتلف والمختلف: أن تتفق الأسماء في الخط وتختلف في النطق سواءً كان مرجع الاختلاف النقط أم الشكل، قال ابن الصلاح: "وهذا فن جليل من لم يعرفه من المحدثين كثير عثاره، ولم يعدم مخجلاً، وهو منتشر لا ضابط في أكثره يفزع إليه وإنما يضبط بالحفظ تفصيلاً". سلمة بن كُهيل أنا سمعت واحد من الكبار يقرأه: سلمة بن كهبل، نعم، ألا يخجل مثل هذا أن ينطق مثل هذا النطق لكن هو ليست له عناية بهذا الشأن، فمثل هذا كما قال: "فن جليل من لم يعرفه من المحدثين كثير عثاره، ولم يعدم مخجلاً" يضحك عليه الصغار من أهل العناية، "وهو منتشر لا ضابط له في أكثره يفزع إليه، وإنما يضبط بالحفظ تفصيلاً". ومعرفة هذا النوع من مهمات هذا الفن حتى قال علي بن المديني: "أشد التصحيف ما يقع في الأسماء" ووجه بعضهم بأنه شيء لا يدخله القياس ولا قبله شيء يدل عليه ولا بعده، يعني ما يفهم من السياق، أسماء الرجال لا تفهم من السياق، ولا يستدل عليها بما قبلها ولا ما بعدها، بخلاف المتون أحياناً الكلام تستدل عليه بما قبله وما بعده ويستقيم، لكن يبقى الكلام في الرجال.

جويرية بن أسماء يأتي الطالب ويقول: جويرية بن أسماء، يأتي ويعدل يقول: بنت أسماء، ما يمكن يصير هذا؟ ما يقول: هذا خطأ؟ جويرية بن أسماء بن فلان، فيعدل: بنت فلان بنت فلان، ما هو بصحيح، جويرية رجل وأسماء رجل، فالذي لا يعرف مثل هذه الأمور يقع في إشكالات كبيرة، رأيت فهرس لكتاب من الكتب الكبيرة فوضع واثلة بن الأسقع مع النساء، واثلة مع النساء، مثل جويرية بن أسماء وين يبي يضعه؟ نعم أين يوضع جويرية بن أسماء إذا كان واثلة بن الأسقع مع النساء؟ فلا بد من العناية بالرجال. ما يمكن ضبطه من ذلك على قسمين: عام وخاص، فمن القسم الأول: سلاّم بالتشديد وسلام، قال ابن الصلاح: "جميع ما يرد عليك من ذلك فهو بالتشديد –سلاَّم- إلا خمسة، سلام والد عبد الله بن سلام الصحابي، وسلام والد ابن محمد بن سلام البيكندي شيخ البخاري، لكن قال صاحب المطالع، من صاحب المطالع؟ هذا يرد كثيراً في الشروح، وجهله مما يقبح بطالب العلم، يعني في شرح النووي كثيراً وفي فتح الباري: حكى صاحب المطالع، قال صاحب المطالع، من صاحب المطالع؟ هذا مطالع الأنوار، مطالع الأنوار على صحاح الأخبار لابن قرقول كتاب من أعظم الكتب لكن مع الأسف أنه ما طبع إلى الآن، لكن قال صاحب المطالع: "إن منهم من خففه ومنهم من ثقل وهو الأكثر"، وقال ابن الصلاح: "التخفيف أثبت" سلام بن ناهض المقدسي وسماه الطبراني سلامة، سلام جد محمد بن عبد الوهاب الجبائي المعتزلي، سلام بن أبي الحقيق، وأما البقية كلهم سلاّم بالتشديد. من ذلك عُمارة وعِمارة كلهم بالضم إلا أبي بن عِمارة، وكَريز وكُريز، وحِزام وحرام، والسْفر والسَفر، وإثْل وأثَل، وغنام وعثام، وقُمير وقَمير، ومسوَر ومسوَّر، والحمال والجمال، قال ابن الصلاح: "وقد يوجد في هذا الباب ما يؤمن فيه من الغلط، ويكون اللافظ فيه مصيباً كيفما قال" يعني أينما وجهت صحيح، أينما صرفت الكلمة صحيح مثل: عيسى بن أبي عيسى الحنَّاط، يعني لو قلت: الخياط صحيح، لو قلت: الخباط صحيح؛ لأنه حناط وخياط وخباط، نعم، إلا أن شهرته بالنون.

القسم الثاني: الخاص، ضبط ما في الصحيحين أو هما معاً مع الموطأ من ذلك على الخصوص، فمن ذلك بشار بالشين المنقوطة والد بندار محمد بن بشار، وسائر ما في الكتابين يسار بالياء آخر الحروف والسين المهملة، وفيهما سيار بن سلامة، سيار بن أبي سيار وردان، وجميع ما في الصحيحين والموطأ مما هو على صورة بسر فهو بالشين المنقوطة بشر وكسر الباء إلا أربعة فإنهم بالسين المهملة وضم الباء وهم: عبد الله بن بسر المازني صحابي، وبسر بن سعيد، وبسر بن عبد الله الحضرمي، وبسر بن محجن الديلي، وقيل فيه: بشر بالشين وبالأول قال الأكثر، وجميع ما فيه على صورة بشير بالياء المثناة من تحت قبل الراء فهو بالشين منقوطة والباء الموحدة مفتوحة إلا أربعة اثنين بضم الباء وهما: بُشير بن كعب العدوي وبُشير بن يسار، والثالث: بالياء يسير بن عمرو بالياء ويقال قسير، الرابع: قطن بن نسير بالنون، قطن بن نسير بالنون، وجميع ما فيها من البراء فإنه بتخفيف الراء إلا أبا معشر البرَّاء وأبا العالية البرّاء فإنهما بتشديد الراء، والبرّاء الذي يبري الأعواد والسهام. وخِراش كله بالخاء المعجمة إلا والد ربعي بن حراش بالحاء المهملة، وزعم المنذري في مختصر سنن أبي داود أنه بالخاء المعجمة، وحُصين كله بضم الحاء إلا أبا حَصِين عثمان بن عاصم الأسدي، وجميعه بالصاد إلا حضين بن المنذر أبا ساسان فإنه بالضاد المعجمة، وعُبيدة في الكتب الثلاثة كله بالضم إلا عَبيدة السلماني، وعَبيدة بن حميد، وعَبيدة بن سفيان، وعامر بن عَبيدة الباهلي، السلمي إذا جاء في الأنصار فهو بفتح السين نسبة إلى بني سلمة، وأهل العربية يفتحون اللام منه في النسب كما في النمَري والصدَفي وبابهما، وأكثر أهل الحديث يقولونه بكسر اللام على الأصل وهو لحن، والله أعلم.

السلمي إذا جاء في الأنصار فهو بفتح السين نسبة إلى بني سلِمة، النسب بفتح اللام والأصل سلِمة، وأهل العربية يفتحون اللام منه في النسب كما في النمَري، سلَمي نسبة إلى بني سلِمة سلَمي، والنسبة إلى النمِر بكسر الميم نمَري ومثله الصدَفي وبابهما، وأكثر أهل الحديث يقولونه بكسر اللام سلِمي على الأصل وهو لحن، لحن، الصواب سلَمي كما يقوله أهل العربية لا سلِمي، وهذا في نظائره مكسور الثاني إذا نسب إليه يفتح؛ لئلا تتوالى كسرات في النسب، وعلى هذا إذا نسبنا إلى الملِك نقول: ملِكي وإلا ملَكي؟ ملَكي، وملِكي لحن، وإن سمع في بعض الأحيان من بعض أهل العناية، لكنه لحن، الصواب بالفتح، صنف في هذا النوع الحافظ الدارقطني وذيل على كتابه الخطيب البغدادي، كما صنف فيه عبد الغني بن سعيد، ثم جمع الجميع الأمير أبو نصر بن ماكولا في كتابه: (الإكمال)، قال ابن حجر: "وكتابه من أجمع ما جمع في ذلك"، الإكمال لابن ماكولا، "وهو عمدة كل محدث بعده"، واستدرك عليه أبو بكر بن نقطة ما فاته في مجلد ضخم، ثم ذيل عليه منصور بن سليم في مجلد لطيف، وكذلك ابن الصابوني، وجمع الذهبي في ذلك كتاباً مختصراً جداً، قال ابن حجر: "أعتمد فيه على الضبط بالقلم فكثر فيه الغلط والتصحيف المباين لموضوع الكتاب"، ثم صنف الحافظ ابن حجر كتاباً في توضحيه سماه: (تبصير المنتبه بتحرير المشتبه) نعم.

هنا يقول: "وجمع الذهبي في ذلك كتاباً مختصراً جداً أعتمد فيه على الضبط بالقلم فكثر فيه الغلط والتصحيف المباين لموضوع الكتاب، وقد يسر الله تعالى بتوضيحه في كتاب سميته: (تبصير المنتبه بتحرير المشتبه) وهو مجلد واحد فضبطته بالحروف على الطريقة المرضية وزدت عليه شيئاً كثيراً مما أهمله أو لم يقف عليه ولله الحمد على ذلك" صحيح الحافظ أجاد في هذا الكتاب، المعلِق الذي يستدرك على الحافظ يقول: يعني أنه عمد إلى تلك المصنفات ولخصها وجعل منها كتاباً باسمه وقوله: (تبصير المنتبه) لا وجه له، لا وجه لهذه التسمية لأن المنتبه لا يحتاج إلى من يبصره أي ينبه، وإنما التنبيه يكون للغافل، وقوله: على الطريقة المرضية، جملة لا معنى لها وإنما أتى بها ليخفف من اعتراض من يعترض عليه، أو يبرر عمله الذي عمله، عرفنا أن هذا متحامل على الحافظ، له تعليقات لطيفة وجميلة، لكن هو متحامل على الحافظ، رحم الله الجميع. قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس فهو المتشابه"، اتفقت الأسماء واختلفت الآباء أو بالعكس فهو المتشابه، "وكذا إن وقع ذلك الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة ويتركب منه ومما قبله أنواع: منها أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه إلا في حرف أو حرفين أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك"، إذا اتفقت الأسماء خطاً ونطقاً واختلفت الآباء نطقاً مع ائتلافها خطاً أو عكسه بأن تختلف الأسماء نطقاً وتأتلف خطاً، وتتفق الآباء خطاً ونطقاً فهذا النوع يقال له: المتشابه، ومثال الأول: محمد بن عَقيل بفتح العين ومحمد بن عُقيل بضمها، الأول: نيسابوري، والثاني: فريابي، وهما مشهوران وطبقتهما متقاربة، ومثال الثاني: شريح بن النعمان وسريج بن النعمان الأول بالشين المعجمة والحاء، والثاني بالسين المهملة والجيم. وكذا إن وقع ذلك الاتفاق في اسم الأب والاختلاف في النسبة، ومثله إن وقع الاتفاق في الاسم واسم الأب والاختلاف في النسبة، وصنف الخطيب البغدادي في ذلك كتاباً سماه: (تلخيص المتشابه).

ويتركب من هذا النوع المتشابه مع ما قبله أنواع كثيرة منها: أن يحصل الاشتباه في الاسم واسم الأب مثلاً إلا في حرف أو حرفين فأكثر من أحدهما أو منهما وهو على قسمين: الأول: ما وقع فيه الاختلاف بالتغيير مع أن عدد الحروف ثابت في الجهتين فمحمد بن سنان ومحمد بن سيار ومحمد بن حنين ومحمد بن جبير، ومعرف بن واصل، ومطرف بن واصل، وأحمد بن الحسين، وأحيد بن الحسين وحفص بن ميسرة، وجعفر بن ميسرة، كل هذه أسماء متقاربة في الصورة، ويحصل فيها التصحيف كثيراً. والثاني: ما وقع فيه الاختلاف بالتغيير مع نقصان بعض الأسماء عن بعض في عدد الحروف نحو عبد الله بن يزيد وعبد الله بن زيد عبد الله بن يحيى عبد الله بن نجي، يحيى ونجي قريبة في الصورة، ومن ذلك أن يحصل الاتفاق في الخط والنطق ويحصل الاختلاف والاشتباه في التقديم والتأخير إما في الاسمين أو في أحدهما، مثال ذلك: ما كان ذلك في الاسمين معاً: الأسود بن يزيد ويزيد بن الأسود، عبد الله بن يزيد ويزيد بن عبد الله، نصر بن علي وعلي بن نصر، كعب بن مرة مرة بن كعب، ومثال ما كان ذلك في أحد الاسمين: أيوب بن سيار وأيوب بن يسار، صنف الخطيب البغدادي كتاباً سماه: (رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب) بهذا نعرف قدر الخطيب -رحمه الله تعالى- الذي لم يترك باب من أبواب علوم الحديث إلا وصنف فيه مصنفاً، ومع ذلك يعتب على الخطيب ويقال: إن الخطيب أساء إلى علوم الحديث وأدخل فيه ما ليس منه، والله المستعان. هذا سؤال يعني يمكن أن يجاب عليه، هذا يسأل عن الموقظة للحافظ الذهبي -رحمه الله-، وهل من حفظ النخبة ينصح بقراءة الموقظة وحضور شرحه؟ وكذا هل تغني النخبة عن البيقونية؟

نعم النخبة تغني عن البيقونية، لكن لا يمنع أن يحفظ طالب العلم البيقونية أربعة وثلاثين بيت، ما تكلفه شيء لا سيما إذا كان ما هو بحافظ منظومات أخرى؛ لأن النظم مفيد ومهم، فيبدأ بالبيقونية، والنخبة يحفظها ويقرأ شرحها، ويعتني بها، وإن حفظ نظمها للصنعاني لا بأس، أما بالنسبة للموقظة للحافظ الذهبي فهي كتاب نفيس فيه تحريرات للحافظ -رحمة الله عليه- الذهبي، وهي ليست شاملة لكل علوم الحديث في كل ما يحتاجه طالب علوم الحديث، لكن هي مجرد انتقاء لمسائل تحدث عنها الحافظ الذهبي بدقة وتحرير -رحمة الله عليه-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. نعم. أحسن الله إليك: "خاتمة: ومن المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً، ومراتب الجرح وأسوؤها الوصف بأفعل كأكذب الناس، ثم دجال أو وضاع أو كذاب، وأسهلها لين، أو سييء الحفظ، أو فيه مقال، ومراتب التعديل وأرفعها الوصف بأفعل كأوثق الناس، ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة، أو ثقة حافظ، وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ، وتقبل التزكية من عارف بأسبابها، ولو من واحد على الأصح، والجرح مقدم على التعديل إن صدر مبيناً من عارف بأسبابه، فإن خلا عن التعديل قبل مجملاً على المختار". يكفي، يكفي. يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "خاتمة: ومن المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً" هذه خاتمة ختم بها الحافظ -رحمه الله تعالى- مسائل الكتاب، والخاتمة خبر مبتدأه محذوف تقديره: هذه خاتمة، ومن المهم لمن له أنس وارتياح لعلم الحديث معرفة أشياء تهم طالب الحديث ويقبح به جهلها فمن ذلك:

أولاً: معرفة طبقات الرواة وهي جمع طبقة، وهي في الاصطلاح: عبارة عن جماعة من أهل زمان اشتركوا في سن ولقاء المشايخ والأخذ عنهم، وقد يكون الشخص من طبقتين باعتبارين أي على حيثيتين مختلفتين، كأنس بن مالك وغيره من أصاغر الصحابة فإنه من حيث ثبوت الصحبة يعد في طبقة العشرة مثلاً، هو صحابي مثلهم ومن حيث صغر السن يعد في طبقة من بعدهم، فمن نظر إلى الصحابي باعتبار الصحبة جعل الجميع طبقة واحدة كما صنع ابن حبان في الثقات وابن حجر في التقريب، ومن نظر إليهم باعتبار قدر زائد كالسبق إلى الإسلام أو شهود المشاهد الفاضلة جعلهم طبقات، وإلى ذلك جنح ابن سعد صاحب الطبقات، قال ابن حجر: "وكتابه أجمع ما جمع في ذلك، ومثل ذلك طبقة التابعين بالاعتبارين المذكورين". فائدة: جعل ابن سعد طبقات الصحابة خمساً، وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة وهكذا، قال السخاوي: منهم من يجعل كل طبقة أربعين سنة، وجعل الحافظ ابن حجر طبقات رواة الكتب الستة اثنتي عشرة طبقة، الأولى: الصحابة على اختلاف مراتبهم، وتمييز من ليس له منهم إلا مجرد الرؤية من غيره، الثانية: طبقة كبار التابعين كابن المسيب فإن كان مخضرماً صرحت بذلك –هذا كلام الحافظ-، الثالث: الطبقة الوسطى من التابعين كالحسن وابن سيرين. الرابعة: طبقة تليها جل روايتهم عن كبار التابعين كالزهري وقتادة. الخامس: الطبقة الصغرى منهم الذين رأوا الواحد والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كالأعمش. السادسة: طبقة عاصروا الخامسة لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج. السابعة: كبار أتباع التابعين كمالك والثوري. الثامنة: الطبقة الوسطى منهم كابن عيينة وابن علية. التاسعة: الطبقة الصغرى من أتباع التابعين كيزيد بن هارون والشافعي وأبي داود الطيالسي وعبد الرزاق. العاشرة: كبار الآخذين عن تبع الأتباع ممن لم يلق التابعين كأحمد بن حنبل. الحادية عشرة: الطبقة الوسطى من ذلك كالزهري والبخاري. الثانية عشرة: صغار الآخذين عن تبع الأتباع كالترمذي، وألحقت بها باقي شيوخ الأئمة الستة الذين تأخرت وفاتهم قليلاً كبعض شيوخ النسائي.

ومعرفة طبقات الرواة فن مهم جداً، من فوائده: سد باب الكذب على الدجالين، وكشف خبيئة المدلسين، وإزاحة الستار عن حقيقة العنعنة، وإمكان الاطلاع على وصل الحديث أو إرساله، والأمن من تداخل الاسمين إن اتفقا في الاسم واختلفا في الطبقة وهكذا، نعم معرفة الطبقات في غاية الأهمية، تحدد إمكان سماع الراوي عن من يروي عنه. ثانياً: من المهم معرفة مواليد الرواة ووفياتهم؛ لأنه بمعرفتهما يحصل الأمن من دعوى المدعي للقاء بعضهم وهو في نفس الأمر ليس كذلك، معرفة المواليد والوفيات يعني معرفة تواريخ الرواة، وعرفنا أن كثير من الرواة افتضح لما ادعى الرواية عن شيخ ثم سئل عن مولده فتبين أنه ولد بعد وفاة ذلك الشيخ فافتضح، قال ابن الصلاح: "روينا عن سفيان الثوري أنه قال: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ"، وروينا عن حفص بن غياث أنه قال: "إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين"، يعني احسبوا سنه وسن من كتب عنه، وهذا نحو ما روي عن إسماعيل بن عياش قال: "كنت بالعراق فأتاني أهل الحديث فقالوا: ههنا رجل يحدث عن خالد بن معدان فأتيته فقلت: أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ فقال: سنة ثلاث عشرة -يعني ومائة-، فقلت: أتزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين؟ سمعت منه بعد موته بسبع سنين؟ قال إسماعيل: "مات خالد سنة ست ومائة"، روينا عن الحاكم أبي عبد الله قال: "لما قدم علينا أبو جعفر محمد بن حاتم الكشي وحدث عن عبد بن حميد سألته عن مولده فذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين، فقلت لأصحابنا: سمع هذا الشيخ من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة".

من المهم أيضاً معرفة بلدان الرواة وأوطانهم، قال ابن الصلاح: "وذلك مما يفتقر حفاظ الحديث إلى معرفته في كثير من تصرفاتهم، ومن مظان ذكره الطبقات الكبرى لابن سعد وكتب تواريخ البلدان كتاريخ بغداد للخطيب وتاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ نيسابور للحاكم وغيرها، وقد كانت العرب إنما تنتسب إلى القبائل، فلما جاء الإسلام وغلب عليهم سكنى القرى والمدائن حدث فيما بينهم الانتساب إلى الأوطان، كما كانت العجم تنتسب، وأضاع كثير منهم أنسابهم، فلم يبق لهم غير الانتساب إلى الأوطان، فلان المكي، فلان المدني، فلان الطائفي وهكذا، بعد أن كانوا فلان القرشي، فلان المخزومي، فلان الخزرجي، فلان .. ، بعد أن كانوا ينتسبون إلى القبائل صاروا ينتسبون إلى البلدان فأضاع كثير منهم الأنساب، ومن انتقل من بلد إلى بلد وأراد الجمع بينهما في الانتساب فليبدأ بالأول ثم بالثاني المنتقل إليه، وحسن أن يدخل على الثاني كلمة "ثم" فيقال: فلان بن فلان المصري ثم الدمشقي وهكذا. ومن كان من أهل قرية من قرى بلدة فجائز أن ينتسب إلى القرية وإلى البلدة أيضاً، وإلى الناحية التي منها تلك البلدة أيضاً، قال الحافظ: "وفائدته الأمن من تداخل الاسمين إذا اتفقا لكن افترقا نسبةً".

قال: "من المهم معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم" وهذا انتهينا منه "وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالة" من المهم بل من أهم المهمات لمن يتصدى لهذا الشأن معرفة كل وصف قام بالرواة من الأوصاف المؤثرة في قبول أخبارهم أو ردها من العدالة والجرح والجهالة، قال الحافظ: "ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً وتجريحاً وجهالة" لأن الراوي إما أن تعرف عدالته، أو يعرف فسقه، أو لا يعرف فيه شيء من ذلك، وكلام الحافظ هنا يدل على أن الجهالة ليست بجرح، ليست بجرح، فليست بقسم من أقسامه، بل قسيم له، فعلى هذا هي عدم علم بحال الراوي، ويدل على ذلك كلام أبي حاتم الرازي في بعض الرواة، بل في كثير من الرواة حينما يقول: "فلان مجهول أي لا أعرفه"، وكثيراً ما يقول: مجهول فقط أو لا أعرفه فقط، لكن يشكل على هذا أن من رتب ألفاظ الجرح والتعديل جعلوا لفظ (مجهول) من ألفاظ الجرح، فعلى هذا هي جرح، على كلام الحافظ وكلام أبي حاتم هي عدم علم بحال الراوي، ومقتضى صنيع من أدخل لفظ (مجهول) في ألفاظ الجرح أنها تجريح، ويترتب على ذلك الحكم على الخبر المروي من طريق من وصف بمجهول، فمقتضى كونه جرحاً أن يضعف الخبر بسببه ابتداءً، ومقتضى كونه عدم علم بحال الراوي أن يتوقف في الحكم على الخبر حتى تتبين حال الراوي، وهذا أشرنا إليه سابقاً في المجهول وأنواعه.

ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ومراتب الجرح وأسوؤها الوصف بأفعل كأكذب الناس، ثم دجال، أو وضاع، أو كذاب، وأسهلها لين، أو سيء الحفظ، أو فيه مقال" مراتب الجرح والتعديل أول من رتبها وهذبها وأدرج فيها الألفاظ المستعملة من قبل أئمة هذا الشأن الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في تقدمة كتابه (الجرح والتعديل) فأجاد وأحسن -رحمه الله-، وجعل ابن أبي حاتم المراس في القسمين أربعاً أربعاً، أربعاً في قسم التعديل، وأربعاًَ في قسم التجريح، وتبعه على ذلك ابن الصلاح والنووي وابن كثير، ثم جاء الذهبي والعراقي فزادا في كل قسم مرتبة، فصارت المراتب خمساً خمساً، ثم جاء الحافظ ابن حجر فزاد في التقريب مرتبة في كل قسم فصارت المراتب ستاً ستاً، لكنه نسخ مراتب القسمين جميعاً وأدرج مراتب الجرح بعد مراتب التعديل، فصارت المراتب اثنتي عشرة مرتبة سيأتي ذكرها قريباً -إن شاء الله تعالى-. وقريب من صنيع الحافظ ما فعله السخاوي في فتح المغيث والسيوطي في التدريب، لكن الحافظ هنا اقتصر على ذكر أسوأ مراتب الجرح وأسهلها، وترك ما بين ذلك من المراتب فقال في النخبة وشرحها: "وأسوأها ما دل على المبالغة فيه، وأصرح ذلك التعبير بأفعل كأكذب الناس، وكذا قولهم: إليه المنتهى في الوضع، أو هو ركن الكذب أو نحو ذلك، ثم دجال، أو وضاع، أو كذاب؛ لأنها وإن كانت فيها نوع مبالغة لكنها دون التي قبلها" دجال وضاع كذاب، دون أكذب الناس، وإليه المنتهى في الوضع، وأسهلها -أي الألفاظ المستعملة في الجرح- قولهم: لين، أو سيء الحفظ، أو فيه أدنى مقال، قال في النزهة: "وبين أسوأ الجرح وأسهله مراتب لا تخفى، فقولك: متروك، أو ساقط، أو فاحش الغلط، أو منكر الحديث أشد من قولهم: ضعيف، أو ليس بالقوي، أو فيه مقال"، هذا ما صنعه الحافظ في مراتب التجريح ذكر الأشد والأسوأ والأدنى، وترك ما بينهما من المراتب؛ لأن الكتاب مختصر شديد الاختصار، ألف للحفظ فلا يستوعب فيه كل شيء كما هو معروف. مراتب التعديل: "وأرفعها -كما قال الحافظ- الوصف بأفعل كأوثق الناس، ثم ما تأكد بصفة أو صفتين كثقة ثقة، أو ثقة حافظ، وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ".

من المهم أيضاً معرفة مراتب التعديل وأرفعها عند الحافظ في النخبة وشرحها كما هنا الوصف بما دل على المبالغة في ذلك، وأصرح ذلك التعبير بأفعل كأوثق الناس، أو أثبت الناس، أو إليه المنتهى في التثبت، ثم ما تأكد بصفة من الصفات الدالة على التعديل أو صفتين كثقة ثقة، أو ثبت ثبت، أو ثقة حافظ، أو عدل ضابط، أو نحو ذلك، نعم، أو ثقة حافظ، أو عدل ضابط كذا قال، لكن قوله: أو عدل ضابط ليس فيه تأكيد؛ لأن عدل ضابط تساوي ثقة فقط مرة واحدة؛ لأن الثقة من جمع بين العدالة والضبط، ففي كلامه -رحمه الله- نظر، "وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح كشيخ، ويروى حديثه ويعتبر به ونحو ذلك، وبين ذلك مراتب لا تخفى" وما تركه الحافظ من مراتب ألفاظ القسمين يمكن استكماله من مقدمة التقريب، وقدمته على غيره -يعني اعتنيت بمراتب التعديل والجرح عند الحافظ لصلته بالكتاب المشروح، لصلة التقريب بالنخبة؛ لأن كلها من كلام رجل واحد، فتكميل كلام الرجل الواحد بكلامه أولى من تكميله بكلام غيره، مع أنه لا يمنع .. ، لا يمنع من الإشارة إلى كلام غيره -إن شاء الله تعالى-، قدمته على غيره، قدمت ما في التقريب على غيره لصلته بالكتاب المشروح، ولعناية الناس به واعتمادهم عليه، فقال: المرتبة الأولى: الصحابة، فأصرحُ بذلك لشرفهم، هنا قال: المرتبة الأولى: أوثق الناس ما جاء بأفعل التفضيل أوثق الناس، وفي التقريب قال: المرتبة الأولى الصحابة فأصرحُ بذلك لشرفهم. الثانية: من أكد مدحه إما بأفعل كأوثق الناس، أو بتكرير الصفة لفظاً كثقة ثقة أو معنى كثقة حافظ. المرتبة الأولى في النخبة: أوثق الناس، والثانية: ما تأكد بصفة، جعلهما مرتبة واحدة هي الثانية عنده في التقريب وجعل الأولى للصحابة. الثالثة: من أفرد بصفة كثقة، أو متقن، أو ثبت، أو عدل، لكن في قوله: عدل وإلحاقه بهذه المرتبة نظر؛ لأن العدالة واحدها لا تكفي فليست مقارنة لثقة إلا إذا قيل: عدل ضابط تساوي ثقة. الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق أو لا بأس به أو ليس به بأس.

الخامسة: من قصر عن الرابعة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق سيئ الحفظ أو صدوق يهم أو له أوهام أو يخطئ أو تغير بأخرة، ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم مع بيان الداعية من غيره. السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث، وفي هذه المرتبة إشكال كبير تأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-. لا مانع أن نقدم الكلام على هذه المرتبة السادسة من ليس من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث. أولاً: الأحكام في التقريب على الرواة وليست على المرويات، على الرواة وليست على المرويات فيحكم على الراوي بغض النظر عنه هل توبع أم لا؟ فأصحاب هذه المرتبة ليس لهم من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله –يعني من أقوال الأئمة- أو من مخالفة الثقات، ليس له من الحديث إلا القليل مقل من الرواية، لم يثبت فيه من أقوال أهل العلم أو من مخالفته للثقات ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ مقبول، يكفي، متى يصير مقبول؟ حيث يتابع وإلا فلين الحديث، الآن ما الفرق عندنا بين لين مقبول؟ هما واحد في الأصل، لين ومقبول واحد لا فرق بينهما إلا أن المقبول توبع واللين لم يتابع. إذاً إذا وجدنا وصف لراوٍ من الرواة في التقريب بأنه لين وهي من مراتب التجريح، إذا توبع طلع إلى مراتب التعديل صار مقبول صح وإلا لا؟ طيب، الضعيف إذا توبع إيش يصير؟ يصير مقبول، الضعيف إذا توبع يصير مقبول، إذاً ما الفرق بين لين وضعيف؟ لو عندنا ثلاثة رواة، ثلاثة رواة واحد وصف بمقبول، والثاني بلين، والثالث: بضعيف، من يحرر لي الفرق بين هؤلاء الرواة؟ الضحاك بن حمرة مقبول، الضحاك المعافري ضعيف، الضحاك بن نبراس لين، كلهم في التقريب هكذا، ما الفرق بين الرواة الثلاثة؟ ما الفرق بينهم؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

طيب الآن النظر في التقريب وظيفة من درس وانتهى وإلا وظيفة من أراد أن يدرس؟ من أراد أن يدرس إيش يدريك أنه توبع أو ما توبع الآن؟ نعم، افرض أنك بحثت عنه وجدته ما توبع، وجدت له حديث وجدته ما توبع، إيش يصير؟ هذا الذي قيل عنه في التقريب: مقبول، وورد حديث من طريقه بحثت عنه في طرقه في جميع دواوين السنة ما وجدت له متابع، إيش يصير؟ لين، إذاً الحكم في التقريب على الرواة لا على المرويات.

الثاني: اللين وجدت له متابع طلع صار مثل زميله مقبول، الضعيف وجدته متابع ارتقى حديثه إلى درجة القبول، إذاً هذه المرتبة فيها إشكال، أنا لم يتحرر لي الفرق بين مقبول ولين وضعيف، يظهر الفرق وإلا ما يظهر؟ لأن المقبول هذا إذا لم يتابع رجع لين، اللين إذا توبع صار مقبول، إذاً كيف نصف واحد بأنه لين والثاني مقبول؟ والقاعدة تشملهما من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: مقبول حيث يتابع، هل نستطيع أن نقول: إن الحافظ كل من حكم عليه بأنه مقبول في التقريب أن جميع مروياته توبع عليها؟ ومن حكم عليه بأنه لين جميع مروياته لم يتابع عليها؟ هل نستطيع أن نقول هذا الكلام؟ هذا أقرب ما يقال، نعم، نقول: أقرب ما يقال أن الحافظ تتبع أحاديث هؤلاء فمن حكم عليه بمقبول وجد أنه توبع على جميع أحاديثه، ومن حكم عليه بلين أنه لم يتابع على أي حديث من أحاديثه، هذا أقرب ما يقال في مثل هذا الكلام، لكن هل نستطيع أن نقول: إن ابن حجر أحاط بكل مرويات الرواة؟ ألا يمكن أن يوجد حديث لمن وصف بأنه مقبول لم يتابع عليه لم يطلع عليه الحافظ؟ أو العكس من قيل فيه: لين وتوبع عليه؟ إذاً الأحكام في الكتاب ينبغي أن تكون للرواة، لا شك أن المروي له أثر في الراوي؛ لأنه لا يعرف ضبط الراوي إلا من خلال مروياته، وأنه وافق الثقات، إذا وافقهم حكم عليه بأنه ضابط، وإذا خالفهم حكم عليه أنه ليس بضابط، لكن الأصل في هذا الكتاب أنه للرواة، يعني إذا وجدنا راوي ضعيف دعنا من مقبول ولين، إذا وجدنا راوٍ ضعيف حكم عليه بأنه ضعيف، وجدت رواية أخرى متابعة لهذا الراوي ألا يطلع إلى درجة القبول؟ يطلع إلى درجة القبول، فهذه المرتبة فيها إشكال، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . وين؟ يعني صدوق سيء الحفظ؟ صدوق يهم؟ له أوهام يخطئ؟ نعم. طالب:. . . . . . . . . إيه معروف أن هؤلاء .. ، حتى الصدوق -على ما سيأتي- أقول: فيه خلاف على ما سيأتي. السابعة: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بلفظ: مستور أو مجهول الحال. الآن الست كلها تعديل عند ابن حجر إلى لفظ مقبول كلها تعديل، السابعة إلى الثانية عشرة كلها تجريح عنده

إذاً السابعة: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بلفظ مستور أو مجهول الحال، تقدم أن المستور عند ابن حجر هو من عرفت عدالته الظاهرة دون الباطنة ما تقدم هذا؟ نعم، تقدم هذا، وهو المستور، عندكم في النخبة، "متى توبع السيئ الحفظ بمعتبر وكذا المستور والمرسل المدلس". . إلى آخره، نعم، "أو اثنان فصاعداً ولم يوثق فمجهول الحال وهو المستور" إذاً هنا المستور عنده بإزاء مجهول الحال، الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ: ضعيف، بلفظ ضعيف. التاسعة: من لم يروِ عنه غير واحد ولم يوثق وإليه الإشارة بلفظ مجهول، والمراد به مجهول العين. العاشرة: من لم يوثق البتة ومع ذلك ضعف بقادح، ضعف مع ذلك بقادح وإليه الإشارة بمتروك أو متروك الحديث أو واهي الحديث أو ساقط. الحادية عشرة: من اتهم بالكذب. الثانية عشرة: من أطلق عليه اسم الكذب والوضع، هذه مراتب الجرح والتعديل عند الحافظ ابن حجر، وقد رتبها على سبيل التدلي من أعلى مراتب التعديل إلى أسوأ مراتب الجرح، والحكم في أهل هذه المراتب الاحتجاج بأهل المراتب الثلاث بلا خلاف، الثلاث الأولى: الصحابة، من جاء بأفعل التفضيل أو أكد بتكرار اللفظ، والثالثة من أفرد بلفظ بصفة كثقة أو متقن أو ثبت، هؤلاء يحتج بهم بلا خلاف. واختلف في أهل المرتبة الرابعة وهم من قيل فيه صدوق، من قصر عن درجة الثالثة قليلاً وإليه الإشارة بصدوق أو لا بأس به، هذا مختلف فيه، الصدوق مختلف في روايته، فذهب ابن أبي حاتم وابن الصلاح ومن تبعه إلى أنه لا يحتج به ابتداءً، بل يكتب حديثه وينظر فيه، لماذا؟ لا يحتج بحديث الصدوق ابتداءً بل صرح أبو حاتم حينما وصف راوٍ بأنه صدوق قيل له: أتحتج به؟ قال: لا، نعم، إذاً الصدوق عند هؤلاء عند ابن أبي حاتم وابن الصلاح ومن تبعهم لا يحتج به، بل يكتب حديثه وينظر فيه؛ لأن هذا اللفظ لا يشعر بشريطة الضبط.

حجة من رد حديث الصدوق: قال: صدوق وإن كانت مبالغة في الصدق وعدم الكذب إلا أنه لا يشعر بشريطة الضبط، ومن تمام الثقة أن يكون ضابطاً، يعني مما يشترط لصحة الخبر أن يكون راويه متصفاً بالضبط، كيف صدوق لا يشعر بشريطة الضبط؟ اتصور أنه في يوم عيد مثلاً وشخص جالس في منزله فطرق الباب للتهنئة، فقال لولده: افتح، فتح الباب قال يا أبت: فلان، هو صحيح فلان، طرق الباب ثانية قال: افتح وشوف من هو؟ فتح وقال: فلان، صحيح، فتح إلى تمام المائة، هذا صدوق وإلا كذاب الولد؟ نعم، ما أخطأ ولا مرة، كل مرة يقول: الطارق فلان، مائة مرة، مائة رجل طرقوا الباب في يوم العيد، وكلهم أخبر عنهم على مقتضى الواقع، يستحق الوصف بصدوق وإلا لا؟ مبالغة في الصدق، يعني ما أخطأ ولا كذب ولا مرة، هذا صدوق، الولد صدوق، صيغة مبالغة، صح وإلا لا؟ طيب من الغد يسأله أبوه يا ابني من الذي جاء أمس؟ من طرق الباب أمس؟ وعددهم مائة، فيقول: فلان، وفلان، يعد اثنين ثلاثة وينسى الباقي، هذا ضابط وإلا لا؟ هو صدوق لكنه ليس بضابط، تنظير مطابق وإلا غير مطابق؟ الآن صدوق ما كذب ولا مرة، في مائة واقعة ما كذب ولا مرة، إذاً يستحق الوصف بصدوق، لكن من الغد قال له أبوه: من الذي جاءوا أمس؟ من الذي جاءوا للتهنئة أمس يوم العيد؟ قال: زيد وعمرو وعبيد وما أدري إيش؟ عد ثلاثة أربعة خمسة ونسي أكثر من تسعين هذا ليس بضابط وإن استحق الوصف بالمبالغة بالصدق إلا أنه ليس عنده ضبط؛ لأن لفظ صدوق لا يشعر بشريطة الضبط، هذه حجة من يقول: إن الصدوق لا يحتج به، أظنه ظاهر.

وذهب آخرون إلى الاحتجاج بحديث الصدوق هذا الذي عليه العمل عند المتأخرين، الذهبي، ابن حجر، العراقي، السخاوي، السخاوي جعل لفظ صدوق من المراتب التي لا يحتج بها إلا بمتابع، السيوطي، الألباني، كل من يصحح ويضعف يجعل الصدوق يحتج به، وإن كان لا يجعله من درجة الصحيح يجعله من درجة الحسن لوجود الخلاف القوي فيه، ما حجتهم؟ لأن العدول من صادق إلى صدوق من صادق إلى صدوق يدل على ملازمة الراوي، هذه صيغة مبالغة، يدل على ملازمة الراوي للصدق وأن الكذب لا يقع في كلامه وإلا لم يستحق الوصف بما يدل على المبالغة، طيب الضبط الذي أشار إليه أولئك ينتفي بمثل هذا الكلام؟ ينتفي؟ ينتفي؟ هو مستحق الوصف بالمبالغة في الصدق، الكذب لا يقع في كلامه وإلا لم يستحق الوصف بما يدل على المبالغة، والكذب كما هو معروف يطلق على المقصود وغير المقصود، الكذب يطلق على المقصود ويطلق على الخطأ كيف يستحق الوصف بصدوق وهو يخطئ؟ لأن الذي لا يضبط يكثر الخطأ في حديثه، يكثر الخطأ في حديثه، والكذب يطلق على الخطأ كما هو معروف، مخالفة الكلام للواقع وإن لم يكن مقصوداً، على ما سبق تقريره في الكذاب، في الوصف بالكذب، ما تقدم لنا هذا؟ تقدم، إذاً هذا الشخص لا يستحق الوصف بالمبالغة إلا وقد برئ من وصف الكذب، لا المقصود ولا غير المقصود، فلا يقع الكذب المخالف للواقع في كلامه لا عن قصد ولا عن خطأ، وصفه بصيغة المبالغة صدوق مشعر بشريطة الضبط، لماذا؟ لأنه لا يقع الكذب في كلامه لا عمداً ولا خطأً، إذاً هو ضابط، هذه حجة من يقول بقبول رواية الصدوق، والمسألة دقيقة تحتاج إلى شيء من الانتباه، وهي الآن ظاهرة وإلا ليست ظاهرة؟ هاه؟ ظاهرة؟ إذاً الذي عليه العمل عند المتأخرين قاطبة أن الصدوق يحتج به وحديثه من قبيل الحسن؛ لأن هذا آخر درس نريد أن نكمل الكتاب فلا نستطيع أن نفصل أكثر من هذا.

قال -رحمه الله-: "وتقبل التزكية، تقبل التزكية من عارف بأسبابها ولو من واحد على الأصح"، ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- هنا بعض القواعد المتعلقة بالجرح والتعديل، فذكر أن تزكية الرواة والمراد بها ما يشمل الجرح والتعديل يعني تقبل التزكية والتزكية تشمل الجرح والتعديل، الأصل في التزكية الجرح وإلا التعديل؟ التزكية؟ التعديل نعم، لكن قالوا: تزكية من باب الاكتفاء. . . . . . . . . . ومن ... زكاه عدلان فعدل مؤتمن وصحح اكتفاؤهم بالواحدِ ... جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهدِ قولهم: تقبل التزكية أي والتجريح، لكن من باب الاكتفاء اقتصروا على التزكية، من باب: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [(81) سورة النحل] يعني والبرد، نعم، وذكر أن تزكية الرواة والمراد بها ما يشمل الجرح والتعديل إنما تقبل من الإمام العارف بأسباب الجرح والتعديل، تقبل التزكية من عارف بأسبابها؛ لئلا يعدل أو يجرح بمجرد ما يظهر له ابتداءً من غير ممارسة واختبار، وذكر أنه يكفي على القول الصحيح في التزكية واحد خلافاً لمن شرط التعدد فلا بد حينئذٍ من اثنين على الأقل إلحاقاً للرواة بالشهود، قال ابن الصلاح: "اختلفوا في أنه هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد أو لا بد من اثنين؟ فمنهم من قال: لا يثبت ذلك إلا باثنين كما في الجرح والتعديل في الشهادات، ومنهم من قال -وهو الصحيح الذي اختاره الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره-: إنه يثبت بواحد لأن العدد لم يشرط في قبول الخبر، يعني في الرواية لا يشترط التعدد إذاً في تعديل الراوي وجرحه لا يشترط التعدد؛ لأن هذا فرع عن ذاك، فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادة، قال الحافظ العراقي: . . . . . . . . . ومن ... زكاه عدلان فعدل مؤتمن وصحح اكتفاؤهم بالواحدِ ... جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهدِ

وقال الحافظ: "والفرق بينهما –يعني التزكية والشهادة- أن التزكية تنزل منزلة الحكم، فلا يشترط فيها العدد، يعني إذا أفتاك عالم في حكم مسألة يحتاج أن تذهب إلى غيره لتتأكد وإلا يكفي؟ نعم يكفي واحد، هذا حكم من هذا الإمام على هذا الراوي، كما أنه إذا حكم عليك بوجوب دم في الحج أو بإعادة صلاة أو ما أشبه ذلك يكفي كلامه، فرق بينهما –يعني التزكية والشهادة- أن التزكية تنزل منزلة الحكم فلا يشترط فيها العدد، والشهادة تقع من الشاهد عند الحاكم فافترقا، ولو قيل: يفصل بينما إذا كانت التزكية في الراوي مستندة من المزكي إلى اجتهاده أو إلى النقل عن غيره لكان متجهاً؛ لأنه إن كان الأول فلا يشترط العدد أصلاً؛ إذا كانت ناشئة عن اجتهاد إذا كانت التزكية ناشئة عن اجتهاد عالم وهذه تتصور فيمن بعد الأئمة، في الأئمة في النظر في حال هذا الرجل اجتهد فرأى أنه ثقة، اجتهد فرأى أنه ضعيف، وهذا يظهر في المتأخرين الذين لم يخالطوا الرواة، اجتهد ونظر في أقوال الأئمة فأداه اجتهاده إلى أن هذا الراوي ثقة، أو أداه اجتهاده إلى أن هذا الراوي ضعيف، هل يلزم العدد؟ كالاجتهاد في الأحكام لا يلزم العدد؛ لأنه إن كان الأول أن مرد ذلك إلى الاجتهاد فلا يشترط العدد أصلاً؛ لأنه حينئذ يكون بمنزلة الحاكم، وإن كان الثاني فيجري فيه الخلاف إذا كان ناقل عن غيره، ويتبين أنه –أيضاً– لا يشترط العدد؛ لأن أصل النقل لا يشترط فيه العدد فكذا ما تفرع عنه، ثم قال الحافظ في النزهة: "وينبغي أن لا يقبل الجرح والتعديل إلا من عدل متيقظ" فلا يقبل جرح من أفرط فيه فجرح بما لا يقتضي رد حديثهم حديث المحدث، يعني شخص متشدد يجرح بأدنى شيء، أو متساهل يتغاضى عن أكبر شيء، نعم، فلا بد أن يكون الجرح والتعديل من عدل متيقظ، فلا يقبل جرح من أفرط فيه -يعني الجرح- فجرح بما لا يقتضي رد حديثهم، كما لا تقبل التزكية من أخذ بمجرد الظاهر فأطلق التزكية، وقال الحافظ الذهبي -وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال–: "لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة، "لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة" كيف يقول الذهبي هذا

ونحن نجد في ترجمة الراوي الواحد أربعة اجتمعوا على تضعيف راوي وعشرة اجتمعوا على توثيقه ونحكم عليه بأنه ثقة؟ فأربعة اجتمعوا على تضعيفه وهو ثقة، نقول: إذا لم يوجد في هذا الراوي إلا قولين فقط فلا يمكن أن يجتمع هذان الإمامان على توثيق ضعيف أو على تضعيف ثقة، أما إذا وجد في الراوي عشرين قول فقد يجتمع خمسة ستة على تضعيفه والباقون على توثيقه أو العكس، وهو إما ثقة أو ضعيف، واجتمع فيه أكثر من قولين، فنفهم كلام الحافظ الذهبي -رحمه الله-. ولهذا كان النسائي من مذهبه أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه، ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل" وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل، "فإنه إن عدل أحداً بغير تثبت كان كالمثبت حكماً ليس بثابت فيخشى عليه أن يدخل في زمرة ((من روى حديثاً وهو يظن أنه كذب)) وإن جرح بغير تحرز أقدم على الطعن في مسلم بريء من ذلك ووسمه بميسم سوء يبقى عليه عاره أبداً" نعم في مثل هذا لا يرد الاحتياط، لا تقول: أحتاط للسنة وأضعف هذا الراوي فلا أثبت إلا ما أتأكد منه، لا، لأنك إن احتطت من جهة التضعيف فوّت على الأمة العمل بأحاديث تأتي من هذا الرواي، وإن احتطت لتوثيقه وقلت: كون الأمة تعمل بهذه الأحاديث خير من أن تفرط بها جعلت الناس يعملون بأدلة لا يثبت بها شرع، فالاحتياط في مثل هذا لا يرد، والآفة تدخل في هذا تارة من الهوى والغرض الفاسد -وكلام المتقدمين سالم من هذا غالباً– وتارة من المخالفة في العقائد وهو موجود كثيراً قديماً وحديثاً، ولا ينبغي إطلاق الجرح بذلك، فقد قدمنا تحقيق الحال في العمل برواية المبتدعة، وليتقِ الله -سبحانه وتعالى- من يتصدى لنقد الرجال في أعراض المسلمين فإنها كما قال ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى يعني أعراض المسلمين- حفرة من حفر النار وقف على شفيرها العلماء والحكام، وقف على شفيرها العلماء والحكام.

والجرح مقدم على التعديل كما قال الحافظ: "والجرح مقدم على التعديل إن صدر من عارف بأسبابه"، الجرح مقدم على التعديل إن صدر من عارف بأسبابه "فإن خلا عن تعديل قبل مجملاً على المختار"، إذا وجد في الراوي جرح وتعديل قال ابن معين: ثقة، وقال أحمد: ضعيف، والتضعيف والتجريح صدر من عارف بالأسباب وهو أحمد إذاً يقدم الجرح على التعديل، فإذا وجد في الراوي جرح وتعديل فقد قال ابن الصلاح: "الجرح مقدم على التعديل؛ لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل، المعدل ينظر إلى الظاهر فيحكم عليه بمجرد ما ظهر له، والجارح يحكم من خلال شيء خفي على المعدل، إذا قال المعدل: هذا الرجل ثقة عدل يصلي يصوم يزكي، يبر والديه، إلى آخر الواجبات، ولا أعرفه ارتكب شيئاً من المحرمات، إذاً هو عدل، يقول الجارح: صدقت في كل ما تقول، يصلي ويصوم ويزكي، ويبر والديه، ويحج، ويفعل الواجبات كلها، ويجتنب المنكرات والموبقات إلا شيء واحد أنا اطلعت عليه يشرب الخمر مثلاً، فيكون هذا الجارح عنده زيادة علم خفيت على المعدل، ولذا قدموا الجرح، فإن كان عدد المعدلين أكثر، جرحه واحد وعدله خمسة ستة، فقد قيل: التعديل أولى، والصحيح والذي عليه الجمهور أن الجرح أولى لما ذكرنا؛ لأن الذي يخفى على الواحد يخفى على الخمسة، فيكون قبول قول الجارح أولى، وهذا قول الأكثر، قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وقدّموا الجرح لكن إن ظهر ... من عدّل الأكثر فهو المعتبر قال الحافظ: "أطلق جماعة تقديم الجرح على التعديل ولكن محل ذلك إن صدر مبيناً" يعني مفسر، مجروح بكذا، "من عارف بأسبابه؛ لأنه إن كان غير مفسر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته، وإن صدر من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به أيضاً، فإن خلا المجروح عن تعديل قبل الجرح فيه مجملاً، غير مبين السبب إن صدر من عارف على المختار؛ لأنه إذا لم يكن فيه تعديل فهو في حيز المجهول وإعمال قول المجرح أولى من إهماله" ومال ابن الصلاح في مثل هذا إلى التوقف.

شخص لم يعدل أصلاً، ما ذكر فيه تعديل، فجاء شخص آخر فقال: هذا ضعيف، ولم يبين سبب التضعيف، هو خلا عن التعديل ليس فيه قول لأحد من أهل العلم بالتعديل، وجد فيه تضعيف لكنه غير مفسر، هذا التضعيف يحتمل أن يكون بغير جارح، ولذا اشترطوا تفسير الجرح، نقول: هذا الرجل في حيز المجهول، لا نعرف عنه عدالة، وإعمال قول الجارح أولى من إهماله، نعم لو تعارض الجرح والتعديل نظرنا وقلنا: إنه لا بد أن يكون الجرح مفسراً، لكن إذا كان غير معدل فإنه يكتفى فيه الجرح ولو كان مجملاً، نعم. أحسن الله إليك: "فصل: ومن المهم معرفة كنى المسمين، وأسماء المكنين، ومن اسمه كنيته، ومن كثرت كناه أو نعوته، ومن وافقت كنيته اسم أبيه أو بالعكس، أو كنيته كنية زوجته، ومن نسب إلى غير أبيه، أو إلى أمه أو إلى غير ما يسبق إلى الفهم، ومن اتفق اسمه واسم أبيه وجده، أو اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعداً، ومن اتفق اسم شيخه والراوي عنه، ومعرفة الأسماء المجردة والمفردة، والكنى والألقاب والأنساب، وتقع إلى القبائل والأوطان" ...

شرح نخبة الفكر (12)

شرح نخبة الفكر (12) شرح قول المصنف: "فصل: ومن المهم معرفة كنى المسمين، وأسماء المكنين، ومن اسمه كنيته، ومن كثرت كناه أو نعوته، ومن وافقت كنيته اسم أبيه أو بالعكس، أو كنيته كنية زوجته، ومن نسب إلى غير أبيه، أو إلى أمه أو إلى غير ما يسبق إلى الفهم، ومن اتفق اسمه واسم أبيه وجده، أو اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعداً، ومن اتفق اسم شيخه والراوي عنه، ومعرفة الأسماء المجردة والمفردة، والكنى والألقاب والأنساب، وتقع إلى القبائل والأوطان بلاداً أو ضياعاً أو سككاً أو مجاورة، وإلى الصنائع والحرف، ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء، وقد تقع ألقاباً، ومعرفة أسباب ذلك، ومعرفة الموالي من أعلى ومن أسفل بالرق أو بالحلف، ومعرفة الإخوة والأخوات، ومعرفة آداب الشيخ والطالب وسن التحمل والأداء، وصفة كتابة الحديث وعرضه وسماعه وإسماعه والرحلة فيه، وتصنيفه إما على المسانيد أو الأبواب أو العلل أو الأطراف، ومعرفة سبب الحديث، وقد صنف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفراء، وصنفوا في غالب هذه أنواع، وهي نقل محض، ظاهرة التعريف، مستغنية عن التمثيل، وحصرها متعسر، فلتراجع لها مبسوطاتها، والله الموفق والهادي لا إله إلا هو. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين" الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير الكنى والألقاب والأنساب: "والكنى والألقاب والأنساب، وتقع إلى القبائل والأوطان بلاداً أو ضياعاً أو سككاً أو مجاورة، وإلى الصنائع والحرف، ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء، وقد تقع ألقاباً، ومعرفة أسباب ذلك، ومعرفة الموالي من أعلى ومن أسفل بالرق أو بالحلف، ومعرفة الإخوة والأخوات، ومعرفة آداب الشيخ والطالب". يكفي، يكفي.

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فصل: ومعرفة كنى المسمين" نعم، هذا مما يحتاج إليه الطالب، طالب العلم فيما يتعلق بالرواة من الأسماء والكنى والأسماء والألقاب، ومعرفة كنى المسمين وأسماء المكنين، ومن اسمه كنيته، ومن اختلف في كنيته، ومن كثرت كناه أو نعوته، ومن وافقت كنيته اسم أبيه أو بالعكس أو كنيته كنية زوجته، ومن نسب إلى غير أبيه، أو نسب إلى غير ما يسبق إلى الفهم، ومن اتفق اسمه واسم أبيه وجده، أو اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعداً، ومن اتفق شيخه والراوي عنه. الحافظ -رحمه الله تعالى- ذكر في هذا الفصل ما يحتاج إليه في هذا الفن مما يتعلق بالرواة من الأسماء والكنى والأنساب والألقاب، فقال: "ومن المهم في هذا الفن معرفة كنى المسمين"، ممن اشتهر باسمه وله كنية لا يؤمن أن يأتي في بعض الرواية مكنياً فيظن أنه آخر، يعني أنت تحفظ اسم راوي لكن ما تحفظ كنيته،. . . . . . . . . كثيراً اسمه في كثير من الأسانيد ثم يأتي مرة أو مرتين مكنى، فإذا كنت لا تعرف كنيته ما عرفته، فتظنه شخص آخر غير ذلك، مثال ذلك قتادة بن دعامة البصري الثقة الثبت المشهور كنيته أبو الخطاب، لا بد من معرفة مثل هذه الكنى، وقتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف كنيته أبو رجاء، ومن المهم أكثر ما يأتي قتادة باسمه، وأكثر ما يأتي قتيبة باسمه، لكن قد يأتي: حدثنا أبو رجاء، اسم أبو رجاء إيش؟ فلا بد من معرفة هذه الكنى. ومن المهم أيضاً: معرفة أسماء الكنى أي معرفة اسم من اشتهر بكنيته، وهو عكس الذي قبله؛ لأنه لا يؤمن أن يرد مسمىً في بعض الطرق مع أن الجادة ذكره بالكنية، والغالب فيمن كذلك -يعني من يشتهر بالكنية- أن اسمه يضيع، ولذا اختلف في أبي هريرة، اختلف في اسمه واسم أبيه على أكثر من ثلاثين قول، كل من اشتهر بكنية وعرف بها يختلف، أبو قتادة، أبو ثعلبة الخشني، أبو ذر، أبو الدرداء يختلف في أسمائهم، لماذا؟ لأنهم اشتهروا بالكنى، والغالب فيمن كان كذلك أن اسمه يضيع، فلا يعرفه إلا افرد من الناس ممن له عناية بهذا الشأن، من ذلك: أبو عاصم النبيل، اسمه الضحاك بن مخلد وأبو جمرة اسمه نصر بن عمران الضبعي.

ومن المهم أيضاً: معرفة من اسمه كنيته وهم قليل كأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري النجاري المدني القاضي اسمه وكنيته واحد، وقد يكون السبب في ذلك أن اسمه ضاع، خلاص ضيعوه الناس، اعتمدوا على هذه الكنية فضاع اسمه، يعني هل منكم من لا يعرف أبو تراب الظاهري؟ نعم، تعرفون أبو تراب؟ إيش اسمه؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . اشتهر بالكنية، لكن من يعرف اسمه؟ نعم، من اشتهر بالكنية سواءً كان من المعاصرين أو من المتقدمين الغالب أن اسمه يضيع فلا يعرف، وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته، قال ابن حجر في التقريب: "والأشهر أنه لا اسم له غيرها". ومن المهم أيضاً: معرفة من اختلف في كنيته وهم كثير، مثل عيسى بن موسى القرشي أبو محمد أو أبو موسى وغالب بن سليمان العتكي أبو صالح أو أبو سلمة. ومن المهم أيضاً: معرفة من كثرت كناه ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز له كنيتان أبو الوليد وأبو خالد، وفضالة بن إبراهيم التيمي أبو إبراهيم وأبو أحمد أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة أبو محمد وأبو الوليد، ومن المهم من ذلك أيضاً معرفة من كثرت نعوته وألقابه، ومعرفة من وافقت كنيته اسم أبيه كأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق المدني أحد أتباع التابعين، كثير هذا، كثير من يسمي ابنه على اسم أبيه فتكون كنيته توافق اسم أبيه. وفائدة معرفته نفي الغلط عمن نسب إلى أبيه فقال: أخبرنا ابن إسحاق، أخبرنا ابن إسحاق فنسب إلى التصحيف وأن الصواب أخبرنا أبو إسحاق، نعم، هو أبو إسحاق وهو أيضاً ابن إسحاق، وعكس ذلك كإسحاق بن أبي إسحاق السبيعي، إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي. ومن المهم أيضاً: معرفة من وافقت كنيته كنية زوجته كأبي أيوب الأنصاري وأم أيوب صحابيان مشهوران، أو وافق اسم شيخه اسم أبيه كالربيع بن أنس عن أنس هكذا يأتي في الروايات فيظن أنه يروي عن أبيه كما وقع في الصحيح عن عامر بن سعد عن سعد وهو أبوه، وليس أنس شيخ الربيع والده بل أبوه بكري وشيخه أنصاري، وهو أنس بن مالك الصحابي المشهور، وليس الربيع المذكور من أولاده.

ومن المهم أيضاً: معرفة من نسب إلى غير أبيه كالمقداد بن الأسود، نسب إلى الأسود الزهري لكونه تبناه وإنما هو المقداد بن عمرو، أو إلى أمه كابن علية وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، أحد الأعلام، وعلية اسم أمه اشتهر بها، وكان لا يحب أن يقال له: ابن علية، ولهذا كان يقول الشافعي: أنبأنا إسماعيل الذي يقال له: ابن علية. ومن المهم أيضاً: معرفة من نسب إلى غير ما يسبق إلى الفهم كالحذاء، ظاهره أنه منسوب إلى صناعة الحذاء أو بيعها وليس كذلك، وإنما كان يجالسهم فنسب إليهم، وكسليمان التيمي لم يكن من بني تيم، ولكنه نزل فيهم، أو كأبي مسعود البدري عقبة بن عمرو يسبق إلى الفهم أن نسبته إلى الغزوة المشهورة وليس كذلك، وإنما نزل بدراً فنسب إليها، وإن قال البخاري: إنه حضر بدراً فنسبته إلى الغزوة مع أنه سكن بدر، وكذا من نسب إلى جده فلا يؤمن التباسه بمن وافق اسمه واسم الجد المذكور ومثال ذلك: سلمة بن الأكوع فإن اسمه سلمة بن عمرو بن الأكوع. ومعرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده كالحسن بن الحسن بن الحسن، الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم-، وقد يقع أكثر من ذلك وهو من فروع المسلسل، يعني وجد في المتأخرين في القرن الثامن والتاسع محمد بن محمد بن محمد إلى عشرة، نعم ويقع في هذا الخطأ كثيراً، إذا نسب القول حذف واحد، مل الواحد من الكتابة إيش بيكتب عشرة؟! إذا مل فلا يدرى القول هل هو للابن أو للأب أو للجد لأنك إذا حذفت ويش يدريك؟ نعم، إذا صاروا عشرة وحذفت خمسة وبقي خمسة هذا القول لمن؟ ما تدري، فينبغي العناية بهذا. وقد يتفق الاسم واسم الأب مع اسم الجد واسم أبيه فصاعداً كأبي اليمن الكندي، زيد بن الحسين بن زيد بن الحسين بن زيد بن الحسين، يوجد هذا، زيد بن الحسين بن زيد بن الحسين بن زيد بن الحسين، يعني كل واحد يسمي على أبوه وهكذا فيلزم عليه التسلسل.

وقد يتفق الراوي واسم شيخه وشيخ شيخه فصاعداً كعمران عن عمران عن عمران؛ خالد عن خالد، نعم، عمران عن عمران عن عمران الأول: يعرف بالقصير، والثاني: أبو رجاء العطاردي، والثالث: أبو حصين الصحابي -رضي الله عنه-، وسليمان عن سليمان عن سليمان: الأول: الطبراني، والثاني: الواسطي، والثالث: الدمشقي. وقد يقع ذلك للراوي ولشيخه معاً كأبي العلاء الهمداني عطار، مشهور بالرواية عن أبي علي الأصبهاني الحداد، وكل منهما اسمه الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد فاتفقا في ذلك وافترقا في الكنية والنسبة إلى البلد والصناعة، وصنف فيه أبو موسى المديني جزءاً حافلاً، وهذا النوع مهم، هذا من أهم المهمات أن تعرف مثل هذه الأمور، إذا جاءك خالد عن خالد، قلت: خالد من؟ نعم، خالد بن مهران الحذاء عن خالد بن عبد الله الطحان الواسطي، معروف هذا عند أهل العلم. ومن المهم أيضاً: معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه، من اتفق اسم شيخه والراوي عنه، قال الحافظ: "وهو نوع لطيف لم يتعرض له ابن الصلاح، وفائدته: رفع اللبس عمن يظن أن فيه تكرار أو انقلاب"، فمن أمثلته: البخاري روى عن مسلم وروى عنه مسلم، فشيخه مسلم بن إبراهيم الفراديسي البصري، والراوي عنه مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح، وكذا وقع ذلك لعبد بن حميد أيضاً روى عن مسلم بن إبراهيم، وروى عنه مسلم بن الحجاج في صحيحه حديثاً بهذه الترجمة بعينها. ومنها: يحيى بن أبي كثير روى عن هشام وروى عنه هشام، فشيخه هشام بن عروة وهو من أقرانه، والراوي عنه هشام الدستوائي، ومنها: ابن جريج روى عن هشام وروى عنه هشام فالأعلى ابن عروة والأدنى ابن يوسف الصنعاني.

ومنها: الحكم بن عتيبة روى عن ابن أبي ليلى وروى عنه ابن أبي ليلى، فالأعلى عبد الرحمن الأب، والأدنى محمد بن عبد الرحمن المذكور، وأمثلة ذلك كثيرة جداً، وبالمناسبة ابن أبي ليلى عبد الرحمن بن أبي ليلى الأب ثقة، مشهور من رواة الصحيح، وعبد الرحمن بن أبي ليلي الفقيه المعروف سيء الحفظ، سيء الحفظ، فإذا وجدت كلاماً في الأحكام منسوب لابن أبي ليلى فهو للابن وليس للأب، الفقيه في كتب الفقه قال بذلك ابن شبرمة وابن أبي ليلى وغيرهم، المقصود بابن أبي ليلى الفقيه الابن سيء الحفظ، وليس المقصود به الأب لأنه ليس بمثابة ابنه في الفقه، وهذه خفيت على كثير ممن يبحث في المسائل الفقهية وحلها عند النووي -رحمه الله- في شرح مسلم أشار إلى أن الفقيه الذي يدور اسمه كثيراً هو الابن محمد وليس الأب عبد الرحمن، وأمثلة ذلك كثيرة جداً. قال الحافظ: "ومعرفة الأسماء المجردة والمفردة، والكنى والألقاب والأنساب، وتقع إلى القبائل وإلى الأوطان بلاداً أو ضياعاً" الضياع: كرجال جمع ضيعة بالفتح، العقار أو الأرض المغلة كما في القاموس، "أو سككاً"، السكك: الأزقة والمحال "أو مجاورة"، أو إلى الصنائع والحرف ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء وقد تقع ألقاباً.

ومعرفة أسباب ذلك، ومعرفة الموالي من أعلى ومن أسفل بالرق أو بالحلف، ومعرفة الإخوة والأخوات، قال الحافظ في شرحه: "ومن المهم في هذا الفن معرفة الأسماء المجردة، الأسماء المجردة، وقد جمعها جماعة من الأئمة فمنهم من جمعها بغير قيد" يعني بكونها أسماء ثقات أو ضعاف أو مذكورة في كتاب مخصوص كابن سعد في الطبقات وابن أبي خيثمة والبخاري في تاريخهما وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، يعني هؤلاء يجمعون الرواة من غير قيد، لم يتقيدوا بالثقات فقط ولا بالضعفاء فقط ولا برجال كتب معينة فقط، بل أطلقوا، كل ما وقع لهم من الرواة ذكروه، فهؤلاء جمعوا الرجال من غير قيد، ومنهم من أفرد الثقات بالذكر كالعجلي وابن حبان وابن شاهين، ومنهم من أفرد المجروحين كابن عدي وابن حبان والعقيلي وغيرهم، ومنهم من تقيد بكتاب مخصوص كرجال البخاري لأبي نصر الكلاباذي ورجال مسلم لأبي بكر بن منجويه، ورجالهما لأبي الفضل بن طاهر، ورجال أبي داود لأبي علي الجياني، وكذا رجال الترمذي ورجال النسائي لجماعة من المغاربة، ورجال الستة الصحيحين وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه لعبد الغني المقدسي في كتابه الكمال، وعرفنا أنه أصل جميع ما كتب في رجال الكتب الستة، الكمال، ومع ذلكم أهمل لسبب شهرة المختصر المهذب تهذيبه للحافظ المزي، وشهرة مؤلفه، ثم هذبه المزي في تهذيب الكمال.

قال ابن حجر: "وقد لخصته وزدت عليه أشياء، وسمته تهذيب التهذيب، وجاء مع ما اشتمل عليه من الزيادات قدر ثلث الأصل"، وهنا المعلق نعم يقول: "وسميته تهذيب التهذيب وجاء مع ما اشتمل عليه من الزيادات" .. إلى آخره، يقول: "ثم هذبه المزي في تهذيب الكمال وقد لخصته"، المعلق يقول: "حسب العادة المألوفة أي أنه أخذ ثلثه وحذف ثلثيه"، الحافظ يقول: "وجاء مع ما اشتمل عليه من الزيادات قدر ثلث الأصل"، قال هذا المعلق -كمال الدين الأدهمي-: يقول: "حسب العادة المألوفة أي أنه أخذ ثلث وحذف الثلثين ونسبه إلى نفسه"، هذا مع كونه زاد عليه أشياء كثيرة فلو كان لم يزد ماذا يكون حجم ذلك المختصر؟ ثم ما الفائدة في كونه يحذف نصفه أو أكثر منه ويزيد عليه؟ ألا كان في وسعه أن يجعل. . . . . . . . . ذيلاً بالزيادات التي زادها فيكون أبقى للكتاب كما هو من غير تلعب فيه؟ وعرفنا أن هذا المعلق متحامل على الحافظ -رحمه الله-. كلمة (المجردة) "ومعرفة الأسماء المجردة" الأسماء المجردة كثير من الشروح لا يعرف معنى كيف مجردة؟ إيش معنى مجردة؟ مجردة من إيش؟ والذي يظهر لي أنا أنها مجردة من الكتب، من كتب إيش؟ من كتب الرواية، من كتب الحديث، يعني مثلاً الذي يكتب في رجال البخاري ما هو بيجرد هذه الأسماء من هذا الكتاب من البخاري أولاً؟ يجرد هذه الأسماء ثم يتتبع أقوال أهل العلم في هؤلاء الرجال؟ نعم، يقول: "ومعرفة الأسماء المجردة" إيش معنى مجردة؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . لا، لا، أقول: مثل هذا الشخص الذي يكتب في رجال الكتب الستة أول عمل يعمله ماذا يصنع؟ يجرد هذه الأسماء من هذه الكتب الستة، يأتي إلى أسانيد البخاري فيجردها من الصحيح، يأتي إلى أسانيد مسلم فيجردها، يأتي إلى أسانيد أبي داود فيذكر الزوائد، يأتي إلى أسانيد وهكذا، ثم يذكرها مرتبة ويذكر فيها ما قال فيها أهل العلم من جرح أو تعديل.

يتعقب الشيخ قاسم بن قطلوبغا تلميذ المصنف: بأنه إن كان مراده بالمجردة التي لا تقيد .. ، لا تقيد بكونهم ثقات أو ضعفاء أو رجال كتاب مخصوص فلا يظهر معنى قوله: "ومنهم من جمعها بغير قيد" منهم من جمعها بغير قيد، جمع الكتب المجردة بغير قيد، فتعقب ظاهر إن كان المراد المجردة أنها لا تقيد بكونهم ثقات أو ضعفاء، قال الملا علي القاري: "الأسماء المجردة أي من الكنى والألقاب" كيف؟ أعم من أن يكون أصحابها ثقات أو ضعاف مذكورة في كتاب دون كتاب، وبهذا اندفع اعتراض التلميذ بقوله: "إن كان المراد بالمجردة التي لا تقيد بكونهم ثقات أو ضعفاء أو رجال كتاب مخصوص فلا يظهر معنى قوله: "فمنهم من جمعها بغير قيد" انتهى، قال الملا: "لكن لا يخفى أن الدفع إنما يتم لو ثبت أن جمع الأئمة مختص بمن لم يكن له كنية أو لقب مع أن هذه الأسماء المجردة فيها كنى وفيها ألقاب أو بمن لم يشتهر بأحدهما، والظاهر أن جمعهم أجمع وأعم". وفي شرح أبي الحسن السندي الصغير بهجة النظر: "المراد بالمجردة العارية عن الخصوصيات، المتقدمة من التوافق بالوجوه المذكورة، ومن اشتهار مسمياتها بالكنى" يعني أن معرفة الأسماء المقيدة بالخصوصيات المذكورة من المهمات، وكذا معرفة الأسماء العارية عنها، فمعرفة الكل من المهم، لكن الذي يظهر لي أن الأسماء المجردة التي جردت من الكتب، من كتب الرواية للكلام عليها من خلال جمع كلام أهل العلم.

ومن المهم أيضاً: معرفة الأسماء المفردة التي لم يشارك من تسمى بشيء منها غيره فيها، وقد صنف فيها -أي في خصوصها- وإلا فالظاهر أن الجوامع المتقدمة شاملة للأسماء المفردة، أي تواريخ البخاري، وسؤالات الإمام أحمد، كتب الثقات، كتب الضعفاء موجود فيها الأسماء المفردة، صنف فيها على سبيل الإفراد الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي، قال الحافظ ابن حجر: ذكر –يعني البرديجي- أشياء تعقبوا عليه بعضها، من ذلك قوله: "صغدي بن سنان أحد الضعفاء، وهو بضم المهملة، وقد تبدل سيناً –سغدي- سيناً مهملة، وسكون الغين المعجمة بعدها دال مهملة، ثم ياء كياء النسب، وهو اسم علم بلفظ النسب، واسمه سندي بن حبيش، اسم لكنه بلفظ النسب، مثل حرمي بن عمارة اسم لكنه بلفظ النسب، وهذا كثير، لكن صغدي كم من شخص سمي صغدي؟ يقول: هذا شخص مفرد ما في غيره، كم من شخص سمي أجمد؟ أجمد، أحمد بإعجام الحاء، أجمد، كم من شخص؟ هذه أسماء مفردة، يسمونها مفردة، وهو علم بلفظ النسب وليس هو فرداً، ففي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم أكثر من واحد سمي باسم صغدي، صغدي الكوفي وثقه ابن معين، وفرق بينه وبين الذي قبله فضعفه، وفي تاريخ العقيلي: صغدي بن عبد الله يروي عن قتادة، قال العقيلي: حديثه غير محفوظ، وأظنه هو الذي ذكره ابن أبي حاتم، وأما كون العقيلي ذكره في الضعفاء فإنما هو للحديث الذي ذكره، وليست الآفة منه بل هي من الراوي عنه عنبسة بن عبد الرحمن، والله أعلم. ومن ذلكم: سندر، سندر بوزن جعفر، وهو مولى زنباع الجذامي، له صحبة ورواية، والمشهور أنه يكنى أبا عبد الله وهو اسم فرد سندر، لم يتسم به غيره فيما نعلم، قاله ابن حجر، لكن ذكر أبو موسى في الذيل على معرفة الصحابة لابن منده: سندر أبو الأسود، وروى له حديثاً وتعقب عليه ذلك؛ فإنه هو الذي ذكره ابن منده، وقد ذكر الحديث المذكور محمد بن ربيع الجيزي في تاريخ الصحابة الذين نزلوا مصر في ترجمة سندر مولى زنباع، يقول: "وقد حررت ذلك في كتابي الصحابة". ومن المهم معرفة الكنى المجردة، ويقال فيه ما يقال في الأسماء المجردة.

والألقاب: وهي تارة تكون بلفظ الاسم، اللقب تارة يكون بلفظ الاسم كسفينة مثلاً، وتارة بلفظ الكنية كأبي تراب وأبي بطن هذا لقب لكنه بلفظ الكنية، وتارة نسبة إلى عاهة كالأعمش أو حرفة كالعطار، أو صفة كزين العابدين وهكذا. وكذا معرفة الأنساب: وهي تارة تقع إلى القبائل، وهي في المتقدمين أكثر بالنسبة إلى المتأخرين، وتارة إلى الأوطان وهذا في المتأخرين أكثر أي بالنسبة إلى المتقدمين، وبالنسبة إلى الوطن أعم من أن يكون بلاداً أو ضياعاً أو سككاً أو مجاورة، وإلى الصنائع والحرف كالخياط والبزار، ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء، وقد تقع الأنساب ألقاباً كمحمد بن مخلد القطواني كان كوفياً ويلقب بالقطواني وكان يغضب منها، وهي مأخوذة من القطوان وهي مقاربة الخطو مع النشاط، وفي شرح السندي نقلاً عن اللقاني: القطوان موضوعان أحدهما بسمرقند والآخر بالكوفة، وهذا منسوب إلى الذي بالكوفة، فعلى هذا يكون نسبة وليست بلقب. ومن المهم أيضاً معرفة أسباب الألقاب والنسب التي باطنها على خلاف ظاهرها كالضال، الضال لقب معاوية بن عبد الكريم الضال، اسم فاعل من ضل، إيش معنى ضال؟ ضل بطريق مكة، ضاع، فقيل له: الضال، والذي يتبادر من هذا اللقب أنه وصف سيء من الضلال نسأل الله العافية، والضعيف ضد القوي لقب عبد الله بن محمد لضعف جسمه وليس لضعف روايته، وصاعقة محمد بن عبد الرحيم لقب بذلك لشدة حفظه، ومحمد بن سنان العوقي باهلي نزل بالعوقة بطن من عبد القيس فنسب إليها، وكأبي مسعود البدري على ما تقدم في قول الأكثرين لم يشهد بدراً بل نزل بها أو سكنها فنسب إليها. ومن المهم: معرفة الموالي من أعلى ومن أسفل بالرق أو بالحلف أو بالإسلام؛ لأن كل ذلك يطلق عليه مولى، ولا يعرف ذلك إلا بالتنصيص عليه من إمام معتمد للتفرقة بين الموالي المذكورين.

ومن المهم أيضاً: معرفة الإخوة والأخوات من العلماء والرواة كذلك، وقد صنف فيه القدماء كعلي بن المديني ومسلم بن الحجاج والنسائي والسراج، ولأبي داود أيضاً كتاب في الإخوة والأخوات مطبوع، ومثال ذلك في الصحابة عمر وزيد، عمر وزيد ابنا الخطاب، وعبد الله وعبيد الله ابنا مسعود، ومن اللطائف أن ثلاثة أو أربعة وقعوا في إسناد واحد، ففي العلل للدارقطني من طريق هشام بن حسان عن أخيه يحيى بن سيرين عن أخيه أنس بن سيرين عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً)) وذكر أبو طاهر المقدسي أن محمد بن سيرين رواه عن أخيه سعيد عن أخيه أنس. ومن فائدة معرفة الإخوة والأخوات كما قال القاري: دفع توهم اتحاد المتعدد حيث يكون البعض مشهوراً دون غيره، ومنها: دفع ظن من ليس بأخٍ أخاً لاشتراك أبويهما في الاسم كأحمد بن إشكاب وعلي بن إشكاب ومحمد بن إشكاب، فالأول حضرمي، والآخران غيره، نعم. أحسن الله إليك: "ومعرفة أدب الشيخ والطالب، وسن التحمل والأداء، وصفة كتابة الحديث وعرضه وسماعه وإسماعه والرحلة فيه، وتصنيفه إما على المسانيد أو الأبواب أو العلل أو الأطراف، ومعرفة سبب الحديث، وقد صنف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفراء، وصنفوا في غالب هذه أنواع، وهي نقل محض، ظاهرة التعريف، مستغنية عن التمثيل، وحصرها متعسر، فلتراجع لها مبسوطاتها، والله الموفق والهادي لا إله إلا هو. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين" نعم.

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ومعرفة أدب الشيخ والطالب، وسن التحمل والأداء، وكتابة الحديث وعرضه وسماعه وإسماعه والرحلة، وتصنيفه على المسانيد أو الأبواب أو العلل أو الأطراف" ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- مما يحتاج إليه طالب الحديث أشياء مهمة، فمنها: آداب المحدث، ومن أهمها: الإخلاص وتصحيح النية، قال ابن الصلاح: "علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وينافر سيء الأخلاق ومشاين الشيم، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا، فمن أراد التصدي لإسماع الحديث أو لإفادة شيء من علومه فليقدم تصحيح النية، وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية وأدناسها، وليحذر بلية حب الرئاسة ورعوناتها" فقد أخرج أبو داود والنسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضاً من أغراض الدنيا لم يجد عرف الجنة)).

الثاني: من آداب المحدث: أن يجلس للتحديث عند التأهل والاحتياج إليه، قال ابن الصلاح: "وقد اختلف في السن الذي إذا بلغه استحب له التصدي لإسماع الحديث والانتصاب للرواية، والذي نقوله: إنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان، اختار الرامهرمزي في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث هو أن يستوفي الخمسين؛ لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد، قال: "وليس بمستنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال، نبئ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن أربعين، وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته، ويتوفر عقله، ويجود رأيه"، وأنكر القاضي عياض ذلك على بن خلاد الرامهرمزي وقال: "كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينتهِ إلى هذا السن ومات قبله؟ " يعني ينتظر إلى أن يصل الخمسين قد يموت قبل الخمسين، النووي مات وعمره ستة وأربعين، ينتظر إلى أن يبلغ الأربعين ومن يؤمنه إلى بلوغ الأربعين؟! قد يكون الناس بحاجة إليه ماسة، لا يوجد في البلد غيره وعمره ثلاثون، نقول: انتظر عشر سنوات إلى أن تنضج؟ لا، يقول -قال القاضي عياض-: "كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينتهِ إلى هذا السن ومات قبله، وقد نشر من الحديث والعلم ما لا يحصى، هذا عمر بن عبد العزيز توفى ولم يكمل الأربعين، وسعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين، وكذلكم إبراهيم النخعي، وهذا مالك بن أنس جلس للناس ابن نيف وعشرين، وقيل: ابن سبع عشرة والناس متوافرون وشيوخه أحياء، كذلك محمد بن إدريس الشافعي قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة، واتنصب لذلك، والله أعلم". لكن المعول في ذلك على التأهل والحاجة، إذا وجدت الحاجة مع التأهل تعين عليه أن يجلس لإفادة الناس، حمل ابن الصلاح ما ذكره الرامهرمزي على من يتصدى للتحديث ابتداءً من نفسه من غير براعة في العلم، وأما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك، أو لأنهم سئلوا ذلك إما بصريح السؤال وإما بقرينة الحال.

وأما السن الذي إذا بلغه المحدث أمسك عن التحديث فهو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف، ويخاف عليه فيه أن يخلط ويروي ما ليس من حديثه، والناس في بلوغ هذا السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم، وهكذا إذا عمي وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه فليمسك عن الرواية، بعض الناس اعتاد ألا يحدث الناس إلا من كتاب فإذا عمي ضاع، مثل هذا يمسك، انتهى. وقال الرامهرمزي: "أعجب إلي أن يمسك في الثمانين لأنه حد الهرم، فأن كان عقله ثابتاً، ورأيه مجتمعاً، يعرف حديثه ويقوم به، وتحرى أن يحدث احتساباً رجوت له خيراً" ووجه ابن الصلاح ما قاله الرامهرمزي: أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب، وخيف عليه الاختلال والإخلال، وألا يفطن له إلا بعد أن يختلط، ألا يفطن لهذا الشيخ إلا بعد أن يختلط كما أتفق لغير واحد من الثقات منهم عبد الرزاق وسعيد بن أبي عروبة، قال ابن الصلاح: "قد حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن -يعني بعد الثمانين إلى تسعين بل إلى مائة- حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن فساعدهم التوفيق، وصحبتهم السلامة منهم: أنس بن مالك" يعني مات عن مائة وثلاثة سنين أنس بن مالك، "سهل بن سعد عبد الله بن أبي أوفى من الصحابة ومالك والليث وابن عيينة، وعلي بن الجعد في عدد جم من المتقدمين والمتأخرين، وفيهم غير واحد حدثوا بعد استيفاء مائة سنة، منهم: الحسن بن عرفة وأبو القاسم البغوي وأبو أسحق الهجيمي والقاضي أبو الطيب الطبري وغيرهم". من آداب المحدث: ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه، ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه، وهذا بخلاف ما نراه من التطاول على الكبار، تجد في بلد فيه الكبار ويتصدى لإقراء الناس مع وجود الكبار وعدم الاحتياج إليه، مثل هذا لا يحدث بحضرة هؤلاء، يعني من الأدب ألا يحدث بحضرة هؤلاء، نعم إن احتيج إليه، والبلد بحاجة إلى أكثر من شخص يتصدر وأجره على الله، ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك، وكان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء، وزاد بعضهم: فكره الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه لسنه أو لغير ذلك، قال ابن معين: "إن الذي يحدث في البلدة وفيها من هو أولى منه بالتحدث فهو أحمق".

الأمر الرابع: "ينبغي للمحدث إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره في بلده أو غيره بإسناد أعلى من إسناده أو أرجح من وجه آخر أن يعلم الطالب ويرشده إليه فالدين النصيحة، يعني إذا طلب من الشيخ أن يقرأ عليه كتاب، ويعرف أن الشيخ الفلاني يتقن هذا الكتاب أكثر منه، ينصح الطلاب بأن يذهبوا إلى فلان، ولا يكون هدفه التخلي عن نفع الناس؛ لأن بعض الناس من باب التنصل عن المسئولية يفرق الناس، من جاءه اذهب إلى فلان، اذهب إلى فلان، لا، لكن القصد في ذلك النصيحة، إذا جاءه شخص معه كتاب وهو يحسن هذا الكتاب لكن يوجد في البلد من يتقنه أكثر منه من النصيحة أن يقال: اذهبوا لفلان فإنه أعرف مني بهذا الكتاب فإن الدين النصيحة. خامساً: أن لا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فيه فأنه يرجى له حصول النية بعد، يعني بعض الناس تظهر عليه آثار عدم الاستقامة فلا ينبغي للمحدث أن يقول: نعتذر عن تحديثك لأن مظهرك يدل على أن نيتك ما هي بصالحة، نقول: لا، فليسمع الحديث وليستفد، قال معمر: "كان يقال: إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله -عز وجل-" وليس معنى هذا أن الإنسان يسترسل فيطلب العلم بغير نية خالصة يقول: تأتي النية فيما بعد، لا، وما يؤملك أن تموت قبل تصحيح النية فتقع في الوعيد الشديد. سادساً: أن يكون حريصاً على نشر العلم، مبتغياً جزيل أجره، وقد كان في السلف -رضي الله عنهم- من يتألف الناس على حديثه، منهم عروة بن الزبير -رضي الله عنهما-، كثير من أهل العلم من يكرم الطلاب الملازمين له، ولا شك أن كما أن للشيخ حق على هؤلاء الطلاب بأن قصر وقته وجهده عليهم له حق عليهم، لكن أيضاً هم أيضاً من باب آخر لهم حق عليه، بحيث اجتمعوا له، وبعضهم يفيد الشيخ، لا شك أن تكامل الطلاب وتوافرهم لا شك أنه يفتح آفاق للشيخ، مناقشة المسائل مع الطلاب كثيراً ما تنضج هذه المسائل.

سادساً: أن يكون حريصاً على نشر العلم، مبتغياً جزيل أجره، وقد كان في السلف -رضي الله عنهم- من يتألف الناس على حديثه، منهم عروة بن الزبير -رضي الله عنهما-، قال ابن الصلاح: "وليقتدِ بمالك -رضي الله عنه- فقد كان إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه، وسرح لحيته، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة وحدث" يعني ينبغي للمحدث أن يعتني بنفسه وقت التحديث، فقيل له في ذلك: "فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أحدث إلا على طهارة متمكناً"، وكان يكره أن يحدث في الطريق أو هو قائم أو يستعجل، وقال: "أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول -صلى الله عليه وسلم-"، وروي عنه -رحمه الله- أنه كان يغتسل لذلك، ويتبخر ويتطيب، فأن رفع أحد صوت في مجلسه زبره وقال: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [(2) سورة الحجرات] فمن رفع صوته عند حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول -صلى الله عليه وسلم-، فلا يحدث وهو قائم أو مضطجع أو وهو يمشي أو مستعجل، لكن قد تدعو الحاجة إلى شيء من ذلك، بأن يكون الشيخ تعبان فلا يحرم الناس من حديثه فيحدث وهو مضطجع، قد يحتاج الناس إلى بعض الأسئلة أو بعض الأحاديث وهو في طريقه لا مانع، {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] لكن لا ينبغي أن تكون الصفة الغالبة كما يوجد في بعض بلاد غرب أفريقيا، تجد الطالب مضطجع في جهة، والشيخ مضطجع قد ولاهم ظهره، وأحياناً يتصرف تصرفات ليست مناسبة، هذا موجود في بعض الجهات، حدثنا بعض الإخوان أن هناك شيخ من بعض بلاد أفريقيا من غرب أفريقيا يقول: حضرنا عنده درس في مكة مضطجع على سريره وظهره إلينا ووجهه إلى الجدار ويحدث، وقد طلب من بعض الطلاب أن يحك ظهره، أقول: كيف يحدث مثل هذا؟ نعم إن كانت الحاجة داعية إلى ذلك الشيخ مريض لا بأس، لكن مع عدم الحاجة كيف يؤدي العلم؟ يبلغ عن الله وعن رسوله على هذه الهيئة؟ والغالب أن مثل هذا يكون مالكي المذهب، هل هذا اقتدى بإمامه الإمام مالك -رحمة الله عليه-؟!

على المحدث أن يقبل على طلابه جميعاً ولا يخص بعضهم بمزيد عناية دون بعض، روي عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال: "إن من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعاً"، ولا شك أن هذا يورث الغيرة من بعض الطلاب حينما يخص بعضهم دون بعض، لكن ما يمنع أن يكون فيهم طلبة متميزون يفيدون الشيخ يعول عليهم كثيراً ويسألهم ويستوضحوه، ويسأل غيرهم إذا شك في فهمه من أجل أن يتابع طلابه هل فيهم المنتبه وغير المنتبه؟ هل فيهم من يستوعب ومن لا يستوعب؟ والله المستعان. أن لا يسرد الحديث سرداً يمنع السامع من إدراك بعضه، لا يسرد الحديث سرداً يمنع السامع من إدراك بعضه، لكن قد تدعو الحاجة لذلك لضيق الوقت مثلاً، يعني نحن في آخر درس من دروس الشرح هذا، نحتاج أحياناً إلى السرد؛ لأنه ما عندنا وقت، خلاص انتهى الوقت، أن لا يسرد الحديث سرداً لكن يكون هذا في حال السعة، يمنع السامع من إدراك بعضه، وليفتتح مجلسة وليختمه بذكر ودعاء يليق بالحال. من آداب المحدث وهو العاشر: أن يعقد مجلساً للإملاء، فإنه من أعلى مراتب الراوية، والسماع فيه من أحسن وجوه التحمل وأقواه.

الحادي عشر: أن يتخذ مستملياً يبلغ عنه إذا كثر الجمع فذلك دأب أكابر المحدثين المتصدين لمثل ذلك، ممن روي عنه ذلك مالك وشعبة ووكيع وأبو عاصم ويزيد بن هارون في عدد كثير من الأعلام السالفين، وليكن المستملي محصلاً متيقظاً، المستملي من هو؟ يعني الشيخ لا يبلغ من في آخر المجلس، بعض الشيوخ يحضر عنده عشرات الألوف وليس هناك مكبرات فكيف يسمع من كان في آخر المجلس؟ يتخذون مستملين، واحد في الجهة اليمنى، واحد في اليسرى، وواحد في الوسط، إذا قال الشيخ كلمة أعادها هؤلاء ليسمعها البعيد، لكن هذا المستملي ينبغي أن يكون متيقظاً محصلاً عنده شيء من العلم، ما يكون عامي ما يفهم شيء، يبلغ الشيء على غير وجهه، ولا يكون غبي كي لا يقع في مثل ما روينا أن يزيد بن هارون سئل عن حديث فقال: "حدثنا به عدة" حدثنا به عدة، فصاح به المستملي: يا أبا خالد عدة ابن من؟ فقال له: عدة ابن فقدتك، هذا ما يفهم لا بد أن يكون الذي يتولى التبليغ عن الشيخ فطن، عنده شيء من التحصيل، وعليه أن يتبع لفظ المحدث فيؤديه على وجهه من غير خلاف. فيحسن بالمحدث الثناء على شيخه في حال الرواية عنه بما هو أهل له، فقد فعل ذلك غير واحد من السلف والعلماء، كما روي عن عطاء بن أبي رباح أنه كان إذا حدث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "حدثني البحر" وعن وكيع أنه قال: "حثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث" نعم يثني على الشيخ من باب المكافئة أن يثني على شيخه وليس المراد الثناء لذاته، وإنما المراد أن يؤخذ العلم عن هذا الشيخ، من أجل أن يؤخذ العلم عن هذا الشيخ، وليعلم أن الشيخ بحاجة إلى الدعاء أكثر من حاجته إلى الثناء، والله المستعان. من آداب طالب العلم، طالب الحديث وغيره من العلوم: أن يخلص النية لله -سبحانه وتعالى-، وأن يحذر من أن يتخذ علمه وصلة إلى شيء من الأغراض الدنيوية، فقد قال حماد بن سلمة: "من طلب الحديث لغير الله مكر به".

ثانياً: أن يوقر شيخه وأن يتحرى رضاه، وألا يضجره بكثرة الأسئلة، لا سيما إذا رأى عدم رغبته في ذلك، ثالثاً: أن يستشير الشيخ فيما يشتغل به، وفي كيفية اشتغاله، وفي سائر أموره، يستشيره في الكتاب الذي يقرأ، في الكتاب الذي يخرج، في الكتاب الذي يشرح، في الكتاب الذي يختصر، يستشيره في جميع هذه الأعمال العلمية. رابعاً: أن يرشد غيره لما سمعه، وألا يدع الاستفادة لحياء أو كبر فليأخذ الحديث عمن هو فوقه ومثله ومن دونه، بعض الناس يأنف أن يأخذ من شخص أصغر منه، فلا ينبل الرجل ولا يكمل إلا إذا تواضع وأخذ العلم عن كل أحد ممن هو فوقه أو مثله أو دونه، أن يعتني بتقييد ما سمعه ويضبطه، وأن يذاكر بمحفوظه ليرسخ في ذهنه، بعض الطلاب لا يعرف الكتاب إلا في الحلقة، لكن طالب العلم الحق إذا انتهى من الحلقة ذهب فراجع ما سمعه من الشيخ، واجتمع مع مجموعة من الأخوة وتذاكروا فيما بينهم، وأن يكتب الأحاديث المشهورة، وأن يدع الغرائب والأحاديث المنكرة. سادساً: أن يبدأ بالأهم من كتب الحديث رواية ودراية فيقدم الصحيحين ثم كتب السنن، ثم صحيح بن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ثم السنن الكبرى للبيهقي، ثم مسند الإمام أحمد وسائر المسانيد، ثم الموطأ وسائر الجوامع، ثم كتب الأحكام مثل العمدة والبلوغ والمحرر والمنتقى وغيرها، ثم كتب العلل مثل العلل للإمام أحمد والدارقطني وابن أبي حاتم، ثم كتب الأسماء مثل تواريخ البخاري وابن معين وابن أبي خيثمة وغيرها، ثم كتب ضبط الأسماء مثل الإكمال لابن ماكولا، والمشتبه وتبصير المنتبه وغيرها مما مر ذكره. أن يتعرف درجة الحديث، على الطالب أن يتعرف درجة الحديث وفقهه ومعانيه ولغته وإعرابه، وأسماء رجاله، محققاً كل ذلك، معتنياً بإتقان المشكل حفظاً وكتابة، فلا يقتصر على مجرد كتابة الحديث دون معرفته وفهمه، أن يعتني بكتب غريب الحديث والتي تقدم ذكر شيء منها، غريب الحديث لأبي عبيد الحربي وأبي عُبيدة والهروي والخطابي وابن الجوزي والزمخشري وابن الأثير وغيرها.

وأن يعتني بكتب شروح الحديث، يعتني بكتب شروح الحديث مثل فتح الباري وإرشاد الساري وعمدة القاري وشرح النووي وعون المعبود وتحفة الأحوذي ونيل الأوطار والتمهيد والاستذكار وغيرها، كتب كثيرة جداً في الشروح، يقرأ على كل متن من متون السنة ولو شرح واحد. أن يعمل بما سمع من أحاديث العبادات وفضائل الأعمال، فإن ذلك زكاة الحديث وسبب لحفظه، والعلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر لا قيمة له. مما ينبغي لطالب الحديث معرفة سن التحمل والأداء، والأصح اعتبار سن التحمل والتمييز هذا في السماع كما تقدم، المعتبر في سماع الحديث التمييز، وقد جرت عادة المحدثين بإحضار الأطفال مجالس الحديث ويكتبون لهم أنهم حضروا، ولا بد في ذلك من إجازة المسمِع، والأصح في سن الطالب بنفسه أن يتأهل لذلك ويصح تحمل الكافر أيضاً إذا أداه بعد إسلامه، جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في سورة الطور قبل أن يسلم ثم أدى هذه السنة بعد إسلامه، وخرجت في الصحيحين وغيرهما، يصح تحمل الكافر لكن لا يصح أداؤه إلا بعد إسلامه، وكذا الفاسق من باب أولى إذا أدى بعد توبته وثبوت عدالته. وأما الأداء فلا بد من أن يتأهل لذلك فتتوافر فيه شروط القبول بكونه عدلاً ضابطاً أي مسلماً مكلفاً سالماً من خوارم المروءة وأسباب الفسق، وأن يكون ضابطاً لمرويه بحيث يؤديه متى شاء إذا حدث من حفظه، حاوياً لكتابه حافظاً له إن أدى منه، بحيث لا يخرجه من يده إلا إلى ثقة. أجمع جمهور أئمّة الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبر بأن يكون ضابطاً معدّلاً ... أي يقظاً ولم يكن مغفّلاً يحفظ إن حدّث حفظاً يحوي ... كتابه إن كان منه يروي يعلم ما في الّلفظ من إحالة ... إن يرو بالمعنى وفي العدالة بأن يكون مسلماً ذا عقلِ ... قد بلغ الحلم سليم الفعلِ من فسق أو خرمِ مروءةٍ ومن ... زكّاه عدلان فعدل مؤتمن إلى آخر كلامه -رحمه الله تعالى-. ومن المهم أيضاً: معرفة صفة كتابة الحديث وهو أن يكتبه مفسراً مبيناً، ويشكل المشكل منه، وينقط المعجم، ويكتب الساقط في الحاشية اليمنى ما دام في السطر بقية وإلا ففي اليسرى.

ومن المهم أيضاً: معرفة صفة عرضه وهو مقابلته مع الشيخ المسمع أو مع ثقة غيره أو مع نفسه شيئاً فشيئاً، يعني ينسخ إذا أراد أن ينسخ الكتب ينسخ بخط واضح يشكل المشكل، ينقط المعجم، نعم، يقابل على الأصل، فما سقط من نسخته يلحقه بالحاشية، نعم ويقابل مع الشيخ صاحب الكتاب الأصلي أو مع ثقة آخر أو مع نفسه شيئاً فشيئاً يقرأ الجملة من الفرع ثم يقرأها من الأصل وهكذا، وصفة سماعه بأن لا يتشاغل بما يخل به من نسخ أو حديث أو نعاس، صفة سماع الحديث يعتني بذلك أثناء إلقاء الشيخ الحديث والدرس ينبغي للطالب أن يكون على أكمل حال، متهيئ لما يلقى غير متشاغل، إما بنعاس أو حديث مع شخص آخر، وقد وجد مع الأسف الشديد وهذا ظاهر في الدراسات النظامية من يقرأ في كتاب آخر أو يتكلم مع شخص آخر حتى وجد من يقرأ في صحف وما أشبه ذلك، لا شك أن مثل هذا السماع رديء جداً لا يعتد به، بل الإجازة على وجهها خير من مثل هذا السماع، ونحن نقول للطلاب: إن الانتساب أفضل من مثل هذا الانتظام، الإجازة على وجهها خير من السماع الرديء، فعلى طالب العلم أن يعتني، لماذا جاء إلى حلقة العلم؟ ليستفيد، كيف يستفيد وهو يتشاغل؟ وأن يعتني بصفة سماعه بأن لا يتشاغل بما يخل به من نسخ أو حديث أو نعاس، وصفة إسماعه كذلك، وأن يكون ذلك من أصله الذي سمع منه أو من فرع قوبل على أصله فإن تعذر فليجبره بالإجازة لما خالف إن خالف. ومن المهم أيضاً: الرحلة في طلب الحديث بعد أن يبدأ بحديث أهل بلده فيستوعبه ثم يرحل فيحصل في الرحلة ما ليس عنده ويكون اعتناؤه بأسفاره بتكثير المسموع أولى من اعتنائه بتكثير الشيوخ، ولتكن رحلته إلى العلماء المتقنين الضابطين. ومن ذلك معرفة صفة تصنيف الحديث يعرف كيف ينصف الأئمة الحديث؟ وهم يصنفون على المسانيد بأن يجمع مسند كل صحابي على حدة فإن شاء رتبهم على سوابقهم، وإن شاء رتبه على حروف المعجم، وهو أسهل تناولاً.

أو يصنفوا .. ، من التصانيف ما تصنيفه على الأبواب الفقهية أو غيرها بأن يجمع في كل باب ما ورد مما يدل على حكمه إثباتاً أو نفياً، والأولى أن يقتصر على ما صح أو حسن، فإن جمع الجميع فليبين علة الضعيف، أو تصنيفه على العلل فيذكر متن الحديث وطرقه، وبيان اختلاف نقلته، والأحسن أن يرتبها على الأبواب ليسهل تناولها، أو يجمعه على الأطراف فيذكر طرف الحديث الدال على بقيته، ويجمع أسانيده إما مستوعباً وإما مقيداً بكتب مخصوصة.

ومن المهم: معرفة سبب الحديث، ومن المهم معرفة سبب الحديث: وقد صنف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلى بن الفراء، نعم من المهم معرفة سبب ورود الحديث، وهو نضير معرفة أسباب النزول بالنسبة للقرآن الكريم، فإن معرفة السبب مما يعين على فهم الحديث وفقهه، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ما لم يعارض العموم بما هو أقوى منه، أهل العلم يطلقون العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن قد يحتاج إلى خصوص السبب فتكون العبرة حينئذ بخصوص السبب، عندنا حديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمران بن حصين: ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) حديث عمران بن حصين يشمل الفريضة والنافلة، ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) فحديث عمران بن حصين يدل على أن صلاة القاعد لا تصح ولا تجوز ممن يستطيع القيام سواءً كانت في الفريضة أو في النافلة عمومه يقتضي ذلك، الحديث الثاني: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) يدل على صحة الصلاة من القاعد لكن أجره نصف صلاة القائم، وهذا يشمل الفريضة والنافلة، صح وإلا لا؟ بينهم تعارض وإلا ما بينهم تعارض؟ بينهم تعارض ظاهر، فإذا نظرنا إلى سبب ورود الحديث حديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة فوجدهم يصلون من قعود، فقال لهم -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشموا الصلاة قياماً، سبب ورود هذا الحديث أنهم كانوا يصلون قبل حضوره -صلى الله عليه وسلم- من قعود فدل على أن هذا في النافلة؛ لأنهم لا يمكن أن يصلوا الفريضة قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام-، ودل على أنه بالنسبة للمستطيع لمن يستطيع القيام في النافلة له نصف أجر صلاة القائم، للإنسان أن يصلي وهو مستطيع قاعد وله نصف الأجر، هذا بالنسبة للنافلة بدليل سبب الورود، وهو أيضاً بالنسبة للمستطيع، أما غير المستطيع يصلي النافلة قاعد على النصف، أو أجره كامل؟ أجره كامل، وعلى هذا رجعنا إلى سبب الورود وقصرنا الحديث على سببه، لماذا؟ لأن عمومه معارض

بعموم أقوى منه وهو حديث عمران بن حصين، وصنف فيه أبو حفص العكبري شيخ القاضي أبي يعلى المشار إليه في المتن، وصنف فيه أيضاً السيوطي، وابن حمزة الحصيني وغيرهم، قال الحافظ: "وقد ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أن بعض أهل عصره شرع في جمع ذلك"، قال الحافظ: "وصنفوا في غالب هذه الأنواع، وهي نقل محض ظاهرة التعريف، مستغنية عن التمثيل، فلتراجع لها مبسوطاتها" لأن هذا الكتاب مختصر لا يحتمل بسط كل شيء، وصنف علماء الحديث وأئمة هذا الشأن في غالب هذه الأنواع ما أشير إليه في أثناء الشرح غالباً، وسبق في أول الشرح أنه قلما فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه الخطيب البغدادي كتاباً مفرداً، وتقدم قول الحافظ أبي بكر بن نقطة: "كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه". وهي -أي هذه الأنواع- كثيرة في هذه الخاتمة التي سردها الحافظ، وهي نقل محض لا مجال للاجتهاد فيها، ظاهرة التعريف، واضحة جلية، مستغنية عن التمثيل، وحصرها كما قال الحافظ: متعسر، فلتراجع لها مبسوطاتها ليحصل الوقوف على حقائقها، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا كتاب الموقظة تكلمنا عنه. نسمع كثيراً أن الراوي فلان حصل له اختلاط السؤال: هل اختلاط هؤلاء المحدثين يحصل معهم تجاوزات شرعية سواءً في القول أو الفعل؟ نعرف أن الاختلاط اختلال في العقل يصحبه اختلال في التصرفات، اختلال في العقل ويصحبه اختلال في التصرفات، قد يكون اختلال في الضبط أو نسيان أو ذهول، ومع ذلكم أيضاً يحصل شيء من الإخلال ببعض الواجبات نسياناً، والاختلاط أحياناً يصاحبه شيء من اختلاط العقل فيصحبه شيء من التجاوزات في القول أو الفعل، كما نرى من الذين يختلطون في هذه الأزمان من عامة الناس، لا شك أن بعض من يختلط يصحب اختلاطه شيء من التصرفات والتجاوزات في الأقوال والأفعال، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1